الآثار المترتبة على موت المخ
ووسائل التشخيص
الدكتور عباس رمضان
رئيس قسم جراحة الأعصاب
ونائب مدير مستشفى ابن سينا
الآثار المترتبة على موت المخ
ووسائل التشخيص
الدكتور عباس رمضان
رئيس قسم جراحة الأعصاب
ونائب مدير مستشفى ابن سينا
قال الله تعالى في كتابه العزيز {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله}
صدق الله العظيم .
يتساءل الإنسان عن حقيقة الروح ووجودها، فالروح هي ظاهرة حقيقية في جسد الإنسان تعطي الحياة للمخلوقات مصداقاً لقوله جل شأنه:
(ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
صدق الله العظيم
بمفارقة الروح للجسد تنتهي الحياة بالنسبة للإنسان، ومعاني الروح قد حيرت الأطباء وعلماء الدين والفلاسفة، ومع ذلك نستدل على وجودها بوظائفها وآثارها الظاهرة، ومتى تختفي هذه الظواهر تنتهي الحياة، ولكن ترجع الروح إلى بارئها. سؤال نطرحه لأهل الاختصاص من أطباء وعلماء الدين وهو: هل مكان الروح هو جذع المخ أو المخ ككل؟ ومن هو الذي يتحكم في عمل مخ الإنسان؟ الذي عجز العلماء عن الاستدلال على بعض وظائفه المعقدة، والمتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تستقبل جميع الحواس وهو مركز للمعلومات والتفكير والابتكار وهو من النعم التي خَصَّ الله بها الإنسان وبهذه النعم يعد الإنسان، من أرقى المخلوقات.
سؤال آخر نطرحه أو نتساءل حوله ألا وهو: هل الحياة في الكائنات الحية كالإنسان والحيوان والنبات متشابهة؟ لذا فيجب التمييز بين الحياة في النبات والحياة في الإنسان التي تجسده الروح.
1 ـ الموت الكلي (Brain Death) - يعد موتا نهائيا - فيبقى الجسد بدون روح.
2 ـ الموت الجزئي (Vegitative Form) - يعد الموت غير النهائي - جسد وروح ولكن بدون الصفات المميزة للإنسان (كالعقل) وتعد هذه الحالة مثل النبات - حياة بدون روح.(1/1)
قبل أن نبدأ ببحث وسائل تشخيص موت المخ والآثار المترتبة عليه، لنلقِ نظرة شمولية على القلب والمخ فأيهما مصدر الحياة؟
نرى بعض الإخوة الأفاضل من علماء الدين والأطباء يرون أن القلب هو الذي ينبض بالحياة في جسد الإنسان، ومصداقاً لقوله جل شأنه {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32] وكذلك قوله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} [الفتح: 4] وبذكر كتابه الحكيم {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28]. وجميع هذه الآيات القرآنية حسب قول علماء الدين تؤكد أن هذا القلب المادي مرتبط بحياة الإنسان وصفاته، فطالما ظل هذا القلب ينبض فإنه يمد سائر أعضاء وأجهزة الجسم بالحياة ولا يعد الإنسان ميتا إلا إذا توقف القلب عن النبض.
أما نحن الأطباء فنعتقد بأن تفسير هذه الآيات على أيدي بعض علماء الدين الأفاضل معقولة بالنسبة لنا، لأن الروح في أي معنى هي من أمر الله عز وجل، ولا يحيط بعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ويمكن القول بأن القلب هو عقل الإنسان وفكره، فلم تذكر كلمة العقل في القرآن الكريم على خلاف كلمة القلب التي وردت كثيرا في القرآن الكريم نستشهد بذلك من [سورة التغابن: 10] {ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} صدق الله العظيم.
ونفهم من ذلك أن القلب الذي ذكر بالقرآن والسنة، هو الوعي والإدراك والفكر والعقل، وأن القلب إذا توقف عن النبض فلا يعني هذا انتهاء العقل أو انتهاء الحياة، فقد يتوقف القلب عن النبض فترة والإنسان حي يرزق، أما انتهاء الحياة الإنسانية فهو يكون بموت المخ نفسه موتا نهائيا.
ومثال لذلك يمكن استبدال قلب صناعي أو طبيعي، فيمكن للإنسان العيش به، أما المخ عند موته بالكامل لا يمكن استبدال الخلايا التالفة منه، علما بأن المخ هو المتحكم في جميع وظائف الجسم ككل ومن ضمنها القلب.
التصنيفات العالمية المحتملة للموت(1/2)
إن الاختبارات المقترحة من قبل هيئة الأطباء تعتمد أساسا وإكلينيكيا على وظائف الدماغ سواء المخ أو جذع الدماغ.
من أسباب الموت:
* الأسباب اللادماغية: (Non-brain)
- لا يوجد نبض ولا أية محاولة للتنفس.
* الأسباب الدماغية:
أدماغية بالكامل: (Whole brain)
* الانعكاسات العصبية لجذع الدماغ غير موجودة.
* لا يوجد أي محاولات للتنفس.
* لا حركة في الجسم سواء إرادية أو غير إرادية.
ب ـ دماغية عليا: (Higher brain)
وهي التي تتوقف على سلامة قشرة الدماغ.. ولا نرى أية حركة إرادية.
وسائل التشخيص:
1 ـ اختبار وظيفة المخ (CEREBRAL FUNCTION):
أ ـ غيبوبة تامة دون أية استجابة حركية للمهيجات الجسدية.
2 ـ اختبار وظيفة جذع المخ (brain stem function).
أ ـ اختبار وظيفة أعصاب الرأس (Cranial nerves function):
* بؤبؤ العين: الانفعال للضوء (Pupillary): اتساع إنسان العينين اتساعا ثابتا لا يتأثر بالضوء.
* قرنية العين (Corneal): لا توجد أية استجابة.
* عيني - مخي (Occulo - Cephlie): لا توجد أية استجابة.
* عيني - دهليزي (Occulo - Vestibular): لا توجد أية استجابة.
* فمي - بلعومي (Oro - Pharyngeal): لا توجد أية استجابة للسعال.
باختبار وقف النفس: لبيان وظيفة التنفس Apnea test - عند وقف الجهاز التنفسي الصناعي، المريض لا يستطيع التنفس بدون الجهاز.
ج ـ معرفة أسباب الغيبوبة مستثنيا أسباباً أخرى مثل التسمم الدوائي أو هبوط الحرارة الجسدية Hypothermia وذلك بملاحظة المريض لمدة محدودة.
د ـ تخطيط المخ: EEG لا نرى هناك أية ذبذبات كهربائية بل وجود خط مستقيم.
هـ ـ دراسة رد فعل جذع الدماغ للفحوصات الكهربائية الخاصة (B.S.E.P) عدم الاستجابة.
ودراسة دورة الدم للدماغ Cerebral blood flow فتدفق الدم يكون معدوما أو قليلاً جدا.
المشاكل التي تواجه اختبارات الموت(1/3)
لنلقِ نظرة على المشاكل التي تواجه اختبارات الموت من خلال الأبحاث العلمية التي تذكر بأن بعض أو إحدى وظائف الأعضاء تحتفظ بإحدى وظائفها بعد موت الدماغ الكلي.
1 ـ الغدد الصماء (Neurohorm) الاحتفاظ ببعض وظائف الغدة النخامية Pitutary gland بعد موت الدماغ الكلي.
2 ـ قشرة المخ (Cortical functioning) تحتفظ قشرة المخ ببعض وظائفها كما نرى من خلال رسم تخطيط المخ (EEG).
3 ـ جذع المخ (Brain Stem Functioning) عند عمل اختبار لوظيفة جذع المخ (B.S.E.P) في بعض الحالات القليلة نرى بأن جذع المخ لا يزال يحتفظ ببعض وظائفه البسيطة.
في خلال الخمس سنوات الماضية أدخلت في مستشفى ابن سينا حوالي 62 حالة (في العناية المركزة) وقد تم تشخيصها كالتالي من حيث:
أولا: الجنس.
ثانيا: العمر.
ثالثا: التشخيص (أسباب الوفاة)
رابعا: تتراوح فترة تشخيص موت الدماغ إلى نهاية الموت الجسدي كالآتي:
الأسبوع الأول - 36 حالة.
الأسبوع الثاني - 18 حالة.
بعد الأسبوع الثاني - 8 حالات.
خامسا: إن فترة الغيبوبة في الأعمار التي تقل عن 40 سنة تصل إلى أكثر من أسبوع ونسبتها 80%.
أما فترة الغيبوبة في الأعمار التي تكبر عن 40 سنة فتصل إلى أكثر من أسبوع ونسبتها 20%.
الخلاصة
أولا: موت الإنسان ينتج عن وفاة جذع المخ سواء كان ذلك نتيجة لتوقف القلب أو لوفاة جذع المخ، ثم تبدأ بعدها الأعضاء الأخرى بالتحلل والتعفن مباشرة، أو أنها يمكنها الاحتفاظ بحيويتها لفترة وجيزة وذلك باستعمال أجهزة الإنعاش الصناعي والأدوية المساعدة التي تبقيها على قيد الحياة.
ثانيا: إن جميع المرضى الذين أدخلوا مستشفى ابن سينا (قسم العناية المركزة) شخصت حالاتهم بموت جذع المخ مما أدى ذلك إلى وفاتهم جميعا على الرغم من استمرار العلاج المكثف واستعمال جهاز الانعاش الصناعي.(1/4)
ثالثا: إن احتفاظ بعض الأعضاء بجزء من وظائفها بعد تشخيص موت الدماغ الكلي، لا يعني أن الحياة مستمرة ويتبين ذلك من خلال دراستنا لحالات الوفيات السابقة التي ذكرناها.
رابعا: إن انتهاء الحياة أو استمراريتها هي من «أمر ربي» فإذا أراد الله إحياءها فهو يحييها ولو كان ذلك بزرع الأعضاء بمساعدة الإنسان رغم نجاحها أو فشلها، فكل ذلك يكون بأمر الله سبحانه وتعالى.
ونستدل بذلك من الآية الكريمة: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} [سورة آل عمران: 145].
صدق الله العظيم.(1/5)
ثوب الحياة والموت
"دراسة طبية فلسفية حول موت المخ وشتل الأعضاء البشرية"
الدكتور
عبدالمنعم عبيد
مقدمة
ما الأسئلة التي يدور حولها الجدل في موضوع العلاقة بين مفهوم «موت المخ» والممارسات المتزايدة النجاح لجراحة شتل الأعضاء البشرية؟
كان النجاح في أول عملية جراحية معقدة لشتل.(1) قلب بشري من إنسان مات مخه عام 1968م إلى صدر إنسان آخر تدهورت وظيفة قلبه، لقد كانت نقلة جوهرية في مسيرة الطب تشير إلى ما تحقق بفضل تضافر الجهود في القرون الأربعة الماضية في ميادين العلوم الأساسية والممارسات والتقنيات الطبية المتكاملة، وتجمعت حصيلتها كلها أخيرا في هذه العملية الجراحية، بالغة التعقيد، ومثّل هذا النجاح من ناحية ثانية بداية لثورة في «المفاهيم» حول طبيعة الترابط بين جميع أجهزة الجسم بتوجيه من المخ وطبيعة الاستقلال في وظائف الأعضاء الأخرى، ومن ناحية ثالثة أحدث هذا الإنجاز - صدمة لفكرنا التقليدي حول قضايا فقهية وفلسفية وأفكار راسخة تتتعلق بمسائل لا تعريف لها مثل «الروح» و«الحياة» «والموت» «والعقل» «والذكاء» «واليقظة» «والفؤاد»، وغيرها. وكذلك أخذ يتضح التمايز بين الإنسان «خليفة الله الوحيد في الأرض» - وبين المنظمة الحيوية التي ينتمي إليها في عالم الحيوان. ودفعت هذه الخطوة جهود الإنسان لاستكشاف كافة السبل «لتأجيل» الموت; هذا الهدف الغالي الذي يراود الإنسان طيلة حياته حتى النفس الأخير; طمعا في فرصة إضافية- حتى ولو لسنوات قليلة يعيشها الإنسان بصحة وعافية.(2/1)
وبعد أن كان عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف حتى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) يساهم (بأطبائه) (وحكمائه) في مواجهة الموت بإنجازات في (الطب والجراحة)، دخل في كسوف شبه كلي حين عزف عن حسم المعركة بين النقل والعقل. في حين انطلق الغرب منذ أربعة قرون يفتح للعلوم العقلية والتجريبية والعملية كل باب، ويقرن بين أساليبها في سياق واحد، ويحقق في ميدان مواجهة الموت، وزيادة متوسط الأعمار إنجازات ملموسة.
ورغم أن طول العمر ينتج أساسا عن النجاح في إنجاز تنمية بشرية وبيئية شاملة (اقتصادية وسكانية وإسكانية وتعليمية...) فإن النجاح في توفير الاحتياجات الصحية الأساسية، ومساندة كل أفراد المجتمع في حالات الطوارىء والحوادث الفادحة، هو العامل الثاني ذو الأهمية الإنتاجية في تحسين مستوى الأعمار وتوفير حياة صحية سليمة وفاعلة. وأكد النجاح في زراعة الأعضاء بعد بروز اعتراف واسع بمفهوم موت المخ أن ما تحقق في مجال الرعاية الصحية للمجتمات المتقدمة كان نتيجة جهود متنوعة واسعة دؤوبة يشد بعضها بعضا في مجال التقنيات الطبية والصناعية، والعناية المركزة الشاملة، والترابط المتزايد بين أفراد المجتمع المتمتعين بالذاتية والحرية، وإيداء التوقير والاحترام عندما يتأكد حلول الموت ولملمة الأحزان من أجل التبرع الخيري بالأعضاء لتحقيق الأمل بمد العمر لآخرين في الإنسانية.(2/2)
أما في عالمنا الإسلامي - رغم إنجازات لم تتجاوز بعض بلدان الخليج العربية - فإن العزوف السلبي ساد الموقف، ثم ما لبث الأمر منذ عقد واحد من الزمان أن اتجه إلى رفض متصاعد لعدد من الأطباء في مصر لمفهوم موت المخ والتجريم والتحريم على أساس فقهي لمجمل ممارسة شتل الأعضاء والأنسجة أيضا. ومن هنا كان الاهتمام من جانبي بالمناقشات المعمقة لهذا الموضوع المثير للجدل على نطاق العالم; لتحليل الموقف العالمي والإسلامي من هذه القضية إلى عناصره الفكرية والعملية وإنجازاته الاجتماعية الهائلة الصعبة، ورد الموقف الرافض إلى أسبابه وعلاته، وذلك من خلال الإجابة على المسائل التالية.
أولا: كيف أدى التقدم في مجالات العلوم والرياضيات والفلسفة إلى تطور الممارسات والعلوم الطبية؟وكيف تطور الذكاء البشري؟ وما أهمية المخ بالنسبة لهوية الإنسان وكيانه ووجوده؟
ثانياً: كيف ظهر مفهوم موت المخ؟ وكيف ترسخت - في الممارسات الطبية - معايير ومقومات وأساليب واضحة لتشخيصه؟ وترسخت في الممارسات الطبية معايير أو مقومات واضحة، واستقرت أساليب تشخيصية، وكيف يتم التأكد منه؟ مما يفتح الطريق أمام صناعة طبية جديدة، ناجحة هي شتل الأعضاء البشرية..
ثالثاً: ما هي الأساليب والآليات والأنشطة والمؤسسات المجتمعية التي اعتمدها الغرب - المتقدم - لإنجاح (صناعة) شتل الأعضاء؟ مع دراسة مفصلة للمثال النموذج في استراليا وللأمثلة المتطورة في أوروبا والولايات المتحدة.
رابعاً: ما المعلومات المقارنة عن الموقف من موت المخ؟ وما واقع إنجازات ومعوقات شتل الأعضاء في الدول المعاقة النمو؟ نماذج من آسيا والمكسيك ومصر.
خامساً: ما طبيعة الجدل الذي يشارك فيه الأطباء، من الناحية الفلسفية ومن الناحية العقيدية والفكرية؟ وما مستقبل محاولات إطالة العمر وزراعة المخ كامتداد متواصل للتطور البشري في القرن المقبل؟.
الجزء الأول
العلم والفلسفة والرياضيات أساس فهم دور(2/3)
الذكاء ونشوء وتطور الطب الحديث وبروز
مفهوم موت المخ
أولا: فهم تطور الذكاء البشري ضروري للاقتراب من مفهوم الإنسان:
1 ـ تمدد قشرة المخ في الإنسان:
لقد كان من أبدع منح الخالق في تركيب الحياة، تمتع الحيوانات في مرحلة من مراحل تاريخ الحياة - على كرتنا الأرضية - بوجود «جملة عصبية» قادرة على التواصل بين الكائن الحيواني والعالم الخارجي. وبتعقد الحياة الحيوانية وتعدد أعضائها وتحدد وظائفها ظهر المركز المميز لغرفة العمليات المتقدمة لهذه الجملة العصبية وهو المخ، والذي ظهر تخصص جذعه في التحكم في ترابط بقية أجهزة الكائن الحي وتناسق شغلها المشترك، والذي أصبح معبرا «للأحاسيس» و«للاستجابة الحركية» وساحة لشبكة ممتدة مترابطة Reticular Formation متواصلة مع فصي المخ وصولا إلى قشرته الأحدث، ومتخصصة في وظيفة «اليقظة» Consiousness أو الإدراك أو الوعي Awareness.
مع أن المساحة الواسعة لقشرة المخ في الإنسان وتعدد ما بها من مراكز، أدى إلى تخصصها في وظائف جديدة متشابكة شكلت ما نطلق عليه الذكاء البشري
(Intelligence)? وتعاظم هذا الذكاء في القرون القليلة الماضية بعد وتيرة هادئة طويلة جدا، وتسارع كالبرق في العقود القليلة الماضية محدثا تغييراً كبيرا في بنية الكرة الأرضية وبيئتها وممارسة الحياة عليها، وما يسودها من طرائق الاتصال والتفكير ذاته، ولكن هذا الذكاء الإنساني اللافت للانتباه لم يكن مجرد فرق (كمي) في مساحة القشرة المخية عن بقية الأسرة الحيوانية، وإنما كان فرقا (كيفيا) حدث من خلال شحذ التخصصات المخية النوعية، وإليكم بعضها:
2 ـ لغة الخطاب والتخطيط والنظم والمهارة والمرونة كمكونات للذكاء:(2/4)
أ ـ كان في مقدمة هذه التخصصات لغة الخطاب Syntax? والتي تهيأ لها ترتيب خاص في مكان في قشرة المخ يعلو الأذن اليسرى وفي تكوين خاص للحنجرة يمكن الإنسان من الترتيب المنظم للأفكار المنطوقة Verbal Ideas من خلال قدرته على تكوينها، بنظم (ضم) ثلاثة أصوات على الأقل من مجموع 36 صوتا تعبيريا لا معنى لها (تملكها القردة العليا) ليكون الإنسان وحده كلمة جديدة ذات معنى (محتوى)، ولينظم (يضم) عقدا من الكلمات ذات معان تنبئنا نحن البشر عمن فعل: ماذا، وبمن، ولمن، ومتى، ولماذا، وكيف؟ وأخذت إجادتنا التدريجية للغة الخطاب تعتمد بدورها وتترابط مع حاستي السمع والبصر، ومهارات الحركات اليدوية في الإشارة والتعبير والتشكيل، والموسيقى والحركات التوقيعية.
ب ـ واعتمد الذكاء البشري على قدرة التخطيط Planning? وهي مما لا يملكه أرقى حيوان إلا لفترة عارضة وحدث واحد، وقامت قدرتنا التخطيطية على نفس أسس نظمنا اللغوي، فأصبحنا (نفكر) و(نخطط) بالطريقة التي يتكلم بها كل منا.
ج ـ كما امتلك الإنسان شبقا (لنظم الأشياء) في عقد نضيد فأخذ ينظم الكلمات مع بعضها في جمل والنوتات الموسيقية في أغانٍ، والخطوات في رقصات، والحركات في ألعاب رياضية لها قوانينها.
د ـ وتدعم (روح الإنسان - كيانه الإنساني) التخطيط والذكاء بالمهارة في التصويب على الهدف في أثناء الصيد، والتحريك المتزامن السريع للأطراف مما استدعى نشاط شبكة أوسع بمقدار 64 مرة مع كل حركة منها.
هـ ـ وكذلك اعتمد الذكاء البشري على المرونة Versatility التي توفر إيجاد البدائل وعمل المقارنات والنماذج العقلية، مما وفر له طرقا جديدة للحماية والتنوع والإبداع معا.
3 ـ الذاكرة:(2/5)
كما اعتمد الذكاء على ظاهرة عقلية هي الذاكرة Memory? تسمح بمرور فاصل زمني بين السبب والنتيجة، كما تسمح بحدوث ظاهرة «التعلم»، بحيث أصبحت العلاقات بين الصادر من المثيرات والوارد من الاستجابات أكثر وأكثر صقلا خلال حياة الفرد، مما أدى إلى تراكم «المعرفة» والذي بات بدوره متزايداً بسب (حفظ الأفكار) في «وثائق».
4 ـ الثقافات والحضارات:
وهكذا لم يعد الموت للفرد يعني زوال الخبرة المكتسبة، وساهم تراكم المعرفة والخبرات في تكوين بنى مستقلة ذاتيا هي «الحضارات» «والثقافات»، وهكذا لم يعد ما يسود عالم الإنسان، كما في عالم الحيوان، هو مجرد بقاء النوع الذي يعتمد أساسا على جذع المخ في سيطرته وإحداثه للترابط مع بقية الأعضاء، وإنما زاد على ذلك في الإنسان بقاء الأفكار أيضا، وها هو الإنسان المتميز بروحه التي نفخها الله فيه والتي تتمثل، فيما تتمثل، في ذكائه المتمركز في عقله المنتشر في مخه الأعلى، والمنسجم مع بقية الأعضاء في جسده في وظائف مترابطة شاملة Integrated Functions والقادر على التعمق في كيانه من الداخل، والمتطلع إلى الوجود من حوله بمفاهيم تشكل كيانه العقلي، وبأساليب متميزة للإبداع والعمل، وبجدائل وارفة من الأحاسيس والاستجابات والمشاعر، وبأنساق متغيرة أو ساكنة من الأخلاق والعادات والقيم.
5 ـ المفاهيم عن الذكاء والوعي إشارة إلى مفهوم الروح:(2/6)
هذه المفاهيم إذن عن الذكاء والوعي واليقظة هي مجرد إشارة إلى روح الإنسان «كمفهوم» إنساني عنها، لا يتطاول إلى إدراك كنهها وحقيقتها، كما دعتنا الآية القرآنية الكريمة إلى ذلك: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء 85). ومن هنا كانت الاستطالة في الحديث عن الروح تتطلب منا نحن البشر قدرة «فوق عقلية» للوصول إلى كنه أو كيان «فوق مفهومي» Super conceptual يتعلق «ببنية الروح الواقعية» Actual Soul Structure. وكل بحث عما هو وراء الطبيعة Metaphysical لا يمكن أن يتم بوسائل فيزيائية محدودة نفصلها على مقومات للروح Criteria of soul كان قد تحدث بها بعض الفقهاء في الزمن القديم بدلا من الامتناع المؤدب أو الأدب الممتنع عن معالجتها بواسطة آخرين. أما إذا لهثنا خلف مقومات الروح فلن يكون لها استعمال عملي مفيد، فبشتل الأعضاء لم نستأصل جزءاً من روح (لا من حي ولا من ميت) مثل نقل الكلى، وبوصل الأعضاء المشتولة لم نضف لروح المتلقى شيئا أبدا ولم نغير من كيانه الروحي، وبتصفية دم الوليد دون أن نستبدله بمثل كميته، سيموت الطفل بأسباب عدة، وبتبديل دمه لن يموت ولن نستبدل روحه، وقبض الروح حدث من أحداث ما وراء قدرتنا الطبيعية أيضا Metaphysical departure of soul وهو بالنسبة لنا يحتاج - لفهم طريقته - إلى قدرة فوق مفاهيمنا أيضا، وإن كنا لا نعلمها علم اليقين، وكل حديث قدسي يصف نزع الروح ومفارقة الروح للجسد حديث نتقبله بالورع والعظة كوصف إلهي يقرب من أذهاننا عناء موتنا مقدما قبل حساب أخطائنا الدنيوية، حتى نلتفت مثلا إلى مراعاة مرضانا المصابين في حوادث موت الدماغ بما يمليه علينا ضميرنا. وليس نزع الروح واختلال العقل واختلاط الفكر في أثناء بعض أمراض الموت الباطني إلا بسبب الاختناق الحادث في بعض أنواع الموت، والغرغرة «إذا بلغت التراقي» هو بسبب هبوط القلب وتجمع الماء في الرئتين(2/7)
والقصبة الهوائية حتى الحنجرة، وكم من مريض غرغر في الماضي ومات، وكم من مريض يغرغر الآن وننظف صدره ونساند دورته الدموية فيفيق ويبعد عنه شبح الموت بإذن الله كتابا مؤجلا إلى حين، ولا يموت الناس بالسكتة القلبية أو الدماغية أو غرقا في بطن الحوت بعلامات الموت المذكورة في الكتب المنزلة. ولم يمت 350 من ركاب الطائرة السعودية مؤخرا في سماء الهند بنزع الموت، إنما تبخروا في لمحة واحدة، وكذلك مات رواد مكوك أمريكي في الفضاء الخارجي، وكذلك سيتبخر رواد رحلات الفضاء عبر الكواكب في المستقبل، ويوم يرث الله الأرض ومن عليها فستكون الجبال كالعهن المنفوش، وإذا شاء الله بعد أربعة مليارات عام فستنتهي طاقة شمسنا ونموت مجمدين ثلجا، وإذا شاء الله فصدم أرضنا مذنب فلن يتسع وقت الدمار الصاعق لنزع الموت وغرغرة الصدر، وقد يشاء الله فيتغلب على الجنس البشري وحضارته على الأرض فيروس ضئيل، وقد تتواصل الحياة يتلوها الموت في صور شتى في كواكب شتى في الكون الفسيح وصدق القرآن الكريم {إنه هو يبدىء ويعيد}، البروج (13).
ثانياً: التداخل والترابط بين العلوم والرياضيات والفلسفة أرسى دعائم الطب الحديث، وأبرز مفهوم موت المخ البشري كمفهوم لموت الإنسان:-(2/8)
خلال ما يقرب من مليونين ونصف من السنين - عبر فيها الإنسان على قدميه السهول الأفريقية منتشرا في كل أرجاء «المعمورة»، أفلت البشر مما أصاب عشرات من الأجناس السابقة على الإنسان من الحيوانات الضخمة من محو وانقراض Extinction تحت وطأة الظروف القاسية للمناخ الجليدي المتقلب وضربات النيازك الكونية الساحقة، كما تغلب الإنسان الأول على عدوان الضواري وفتك الأوبئة. وعاشت القبائل العربية قبل الإسلام في مواجهة الأوبئة (عام الفيل)، أو الموت الطبيعي الذي وصفه الدهريون، كما جاء في القرآن الكريم {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}، أو تخوض معارك السلب القبلية التي تسيل فيها الدماء حول مصادر الماء.
أ - لا تعريف للموت والروح والحياة في الإسلام:
ولم يحدد الإسلام تعريفا للوفاة وإن فصل بين نوعيها: الموت أو القتل {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} آل عمران الآية 144، وهذه هي نفس الآية الكريمة التي تلاها الصديق أبو بكر لتقر نفس عمر بن الخطاب رضي الله عنه «الذي» رفض فكرة موت الأنبياء قبل أن يفني الله المنافقين». وربما كانت فكرة عمر تنبع من صعوبة التصور أن يكون مصير الأنبياء هو توقف وظائفهم عن العمل، كما يحدث وسيحدث ذلك دائماً وأبدا لكل إنسان آخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وفي مرض الموت الذي حل سريعا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان قد شكا لعائشة رضي الله عنها من صداع استعز به «أي اشتد عليه وغلبه على نفسه»، وقال أهله «إنا لنرى برسول الله ذات الجنب» (ربما إشارة إلى الفالج)، وسار مستنداً إلى العباس وإلى على، وقد عصب رأسه الكريم، وقدماه تخط الأرض وحاول أهله أن يلدوه (يسقونه دواء في أحد شدقيه) وطلب أن يريقوا عليه الماء من سبع أبار متفرقة وسرعان ما صعدت روحه الشريفة إلى الرفيق الأعلى.(2).(2/9)
ب - دور الإسلام في إرساء مفهوم العقل لشق طريق الحضارة المعاصرة:
إن في موت الأنبياء عبرة لنا نحن الأطباء، فرسالتهم تتحقق بالعبادة وبوضع أقدامنا على أول طريق سنة التفقه والعقل، هذا العقل الذي نحن بصدده، والذي يسر تطوير طرق العلاج والرعاية وجراحة شتل الأعضاء وغيرها. غير أن الحكمة الإلهية بختام الرسالات برسالة محمد (، كانت بالغة الدلالة على تحقيق مبتغاها بشروق شمس العقل الذي تمثل في الفقه المستنير والعلم التجريبي اللذين سيذللان الطريق أمام المصالح المرسلة عندما يتطلب الأمر أن يكون المسلمون «أعلم بشؤون دنياهم».(2/10)
وكان العرب، والمسلمون قد قدموا خلال ستة قرون هجرية للبشرية بدائع بدايات العلوم، وترجم عنهم اللاتينيون الأوروبيون ما عرفوه أو نقلوه في الطب، والفلك، وعلم التنجيم. والصيدلة، والفسيولوجي، وعلم النفس، وعلم الحيوان، وعلم الأحياء، وعلم النبات، والتعدين، والبصريات، والكيمياء، والفيزياء، والرياضيات، والجبر، والهندسة، وعلم حساب المثلثات، والموسيقى، وعلم الأرصاد الجوية، والميكانيكا - والهيدروستاتيكا، والملاحة البحرية، والتاريخ (3). كما فجر العرب قنبلتهم الفكرية التي هزت أوروبا نتيجة للفلسفة التي حملتها معها هذه المعارف، متمثلة في موسوعة ابن سينا، أول موسوعة فلسفية تقدم أفكار أرسطو التي صدمت وأثارت الغرب، لأنها وضعت الدين المسيحي، والفلسفة في مركزين متساويين كمذهبين في تفسير الكون، كما تعلم الغرب من ابن سينا قوة الجدل السحرية بوساطة القياس المنطقي الذي يحول استخدامه دون الوصول إلى نتائج خاطئة غير منطقية، مما فتح الطريق أمام إمكان النظر في الطبيعة بطريقة منهجية تخضع للتحليل والقياس المنطقي، وبأسلوب الشك المنهجي يصل المفكر إلى التساؤل، وبالتساؤل يتم إدراك الحقيقة. أما في الغرب - في إيطاليا العصور الوسطى - فبرسوخ جمهورية بولونيا الرومانية بعيدة عن سلطة الكنيسة في روما وعن سلطة الإقطاع الذي خنق الأفكار في مدن إيطاليا الشمالية، فقد تواجد مناخ صحي يرفض احترام الطاعة العمياء للعقيدة المسيحية الجامدة، وأصبحت بولونيا مقرا لأول جامعة في العالم لا نظير لها في العصور الوسطى في أي من الحضارات القديمة أو الكلاسيكية. وفي عام 1219م أصبح نظام الدرجات العلمية نظاما ذا قواعد راسخة، وانتشرت دعوة أرسطو إلى استخدام المشاهدات المنطقية التجريبية لبحث الطبيعة، وأخذت العلوم العربية (واليونانية المترجمة عن العربية) تتدفق على أوروبا منذ سنة 1130م، ولم تعد الطبيعة من خلال هذه العلوم كتابا مغلقا لا يفهم إلا عن(2/11)
طريق التلقين فحسب، وإنما غدت الطبيعة جزءاً من الكون لها رؤاها تماما مثل الإنسان نفسه، مفتوحة للاستكشاف، ويمكن تقسيمها إلى مجالات مختلفة لكل منها قوانينها الخاصة التي تسيرها، ويتم فهمها من خلال القياس المنطقي والاستدلال. ثم جاءت الصدمة الأخيرة لأوروبا مع السنوات الأولى من القرن الثالث عشر فيما شملته من تعليقات الفيلسوف العربي «ابن رشد» على نظريات أرسطو، فقد أخضع ابن رشد الحقيقة المشاهدة بأكملها إلى ضوء العقل المجرد فيما انتهى إليه من أن عملية الخلق قد حدثت قبل الأزل، وتبعتها حتماً أحداث أخرى، وعلينا أن نواصل مسيرة حياتنا في الكون بالعقل لنفهمه. وهكذا تم فصل الفلسفة عن الدين المسيحي، وامتد اهتمام الأوروبيين إلى توسيع أفكار ابن الهيثم عن خواص الضوء والعدسات وانعكاس الأشعة وانكسارها، وتوصل الأسقف جروستست من ذلك إلى أن فهم الطبيعة يجب أن يرتكز على استخدام علوم الرياضيات والبصريات والهندسة، وأدرك أن هناك عديدا من العلل البادية للظاهرة الواحدة، واقترح عقد مقارنة بين الملاحظات المتكررة كأفضل وسيلة للتحقق من علة الظاهرة إثباتا أو نفياً، وأن فهم سبب حدوث أي شيء يحتاج بالضرورة إلى الوصول إلى ما وراء الحدث الظاهر وذلك بملاحظة آلية الظاهرة نفسها، وأشار روجر بيكون (تلميذ جروستست) إلى أن «الوصول إلى الحقيقة لا يأتي إلا من خلال التجريب»، ثم قام ثيودريك عام 1310 بحساب آلية قوس قزح بتجربة ضوئية على بلورة زجاجية في الماء، وكان بذلك أول من قام بتجربة علمية صحيحة في تاريخ غرب أوروبا، وفي نفس الوقت كانت طليطلة قد سقطت... سقطت طليطلة الإسلامية في الأندلس في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي وحدث النهب الثقافي لكنوزها الفكرية (أربعمائة ألف كتاب تزيد على كل ما في أوروبا)، سقطت طليطلة لافي ذلك التاريخ، ولكن منذ عزف المسلمون عزوفا عن مؤلفات ابن رشد الشارح الأكبر وشروحه (الكبرى والمتوسطة والصغري)(2/12)
لفلسفة أرسطو - عزفوا عنها نهائيا، وسواء أكانوا قد طردوه وابنه عبدالله من الجامع وهو شيخ كبير وحبسوه في قرية اليهود، وجمعوا ما تيسر من كتبه وأحرقوها أو لم يفعلوا... فقد سادت سيطرة النقل على العقل في مغرب الإسلام بعد مشرقه، في حين انطلقت الحضارة الغربية المسلحة بالحصان العربي والفكر اليوناني والاصطرلاب والهندسة الإسلامية، تحاصر المسلمين وتقطع خطوط تجارتهم الدولية وتنطلق مستولية على الهند والعالم الجديد (الأمريكتين وأستراليا)، وأدى الحصار الغربي إلى سيادة الحكم الإقطاعي في المناطق الإسلامية، وكرس حكم الإقطاع ثقافة النقل أكثر فأكثر مع ضمور العقل فدخل في مرحلة الغيبوبة - في الوقت الذي استعد العقل الغربي بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلادي لتجميع وترابط المعرفة العقلية والعلمية.
جـ - حلقات التقدم الغربي المعاصر:
وإذا كان علينا أن نفهم كيف توصل الطب المعاصر إلى إنجاز تشكل الأعضاء واستمرار الجدل الفلسفي حوله في نفس الوقت، فلا بد لنا فيما يلي أن نشير سريعا إلى أهم المفاهيم العقلية والفلسفية والعلمية التي طورت الممارسة الطبية، وبدونها كان من المستحيل الوصول إلى هذه الإنجازات أو الاستقرار على أساليب محترمة لاستمرار الجدل المفيد في الوقت نفسه.
1 ـ فمنذ مائتي عام فقط كانت الرؤية السائدة للمرض في العالم تقتصر على أنه حالة تعم الجسد كله، نتيجة عدم التوازن بين سوائل الجسم الأربعة (إشارة لرؤية الكون على أنه يتكون من عناصر أربعة أيضا هي التراب والماء والنار والهواء). كما اعتمد الطب على مجموعة من «التصنيفات المرضية» وفق الأعراض «الظاهرة» التي تصاحبها (ولم يكن الطب «الباطني» قد رسخت أسسه بعد).
2 ـ الطب من الخيال إلى المحسوس:(2/13)
وفي القرن الثامن عشر أشار جوهانز فرانك - من النمسا - إلى أهمية الالتفات إلى جذور المشاكل في البيئة العامة، وضرورة اقتلاع جذور الفقر، وإجبار الأطباء على ممارسة التدريب على المرضى من الجنسين في قاعات المرضى، ودراسة حالتهم في فترة النقاهة أو بتشريح الجثث بعد الوفاة. وأكدت حركة التنوير في أوروبا مصداقية (جون لوك) الفيلسوف الإنجليزي - في أن المعرفة ليس لها سوى مصدر واحد فقط هو الخبرة الخارجية (من الاتصال بالعالم المحيط)، والداخلية(من التأمل الذهني)، كما اعتبر (كونديلاط) - الفرنسي- أن الوسيلة الوحيدة لفهم العالم هي اعتبار «المحسوسات» المعطيات الأولى للمعرفة، مع وجوب تحليلها والتخلي عن الأفكار المسبقة. وأشار (كانط) عام 1780 إلى أن العلم هو الوسيلة الوحيدة التي تنظم الطبيعة تنظيما منهجيا في تركيبات تضع «الظواهر المتداخلة» فيما بينها في أوضح صورة لكي نفهمها.
3 ـ الطب يتطور بالملاحظة والعلم:
وبحدوث الثورة الفرنسية وتوالي الحروب الأوربية ارتفع شأن الجراحة التي لم تكن تعتبر طبا، بفضل الحاجة للجراحين، وتعددت المستشفيات في باريس وتخصصت فأصبحت عاصمة العالم في العلوم الطبية، ومركزا لجذب الأطباء من أوروبا وأمريكا.
(4). وأصبح لكليات الطب في القرن التاسع عشر في الغرب دور مسؤول، كما أصبح شعارها «اقرأ قليلا، وانظر كثيرا، وافعل أكثر». ونقل (فيليب بينيل) - أحد كبار الجراحين الفرنسيين - العلوم الطبية نقلة كبيرة بالإشارة إلى أهمية ملاحظة البيانات إكلينيكيا وإرجاعها إلى مصادرها في الجسم، وتطبيق منهج التحليل على علوم الطب، أما تلميذه (بيشان) فقد قسم الأنسجة إلى أنماط (منها الخلوي والعصبي والشرياني والوريدي والجلدي والعظمي والمخاطي والغددي...)، وبين أن المرض ينتشر من نسيج لآخر داخل الجسد، واخترع علم التشريح المرضي «الباثولوجيا».
4 ـ الرياضيات والإحصاء في خدمة التطور الطبي:(2/14)
وكان (جرونت) البريطاني قد اكتشف عام 1662م أن الأعداد الكثيرة تكشف عن مظاهر الانتظام أو الأنماط التي لا تستطيع الأعداد القليلة تبيانها، وأن البيانات يمكن أن تساعد على التنبؤ بالأمراض الوبائية وتشخيصها، ومع استعمال الإحصاء في شركات التأمين على الحياة لوضع احتمالات الوفاة، ساعد التحليل الإحصائيعلى إذكاء النشاط الفكري العلمي المستنير وخاصة في مجالات تقويم حجم وأوضاع السكان وغيره من المجالات الاجتماعية. وهكذا أصبح الأطباء في قلب «عالم الإنسان»، وتحلوا بالتفكير المنظم المترابط، واهتموا بعلم الأرقام الجديد بتشجيع من الفلاسفة. وأدى الترابط المنهجي بين العلوم التجريبية والتحليل الرياضي والمفاهيم المنطقية والفلسفية إلى توثيق ارتباط الأطباء بمشاكل المجتمع في الغرب، ونقل الطب من دراسة الظاهر إلى رحابة المعارف الباطنية المدعمة للتشخيص لأسباب المرض.
5 ـ الطب يتحول من الظاهرية إلى الباطنية:(2/15)
واكتشف (جوزيف ليوبولد) في عشرينات القرن التاسع عشر طريقة النقر على الصدر لتحديد موضع القلب وحالة الرئتين. كما اكتشف (لايناك) عام 1816، باسطوانة من الورق المقوى، كيف يمكن تضخيم الأصوات الصادرة من الجسم (السماعة الطبية) فأمكن بذلك فحص المريض فحصا تفصيليا دقيقا أكثر من ذي قبل، ولم تعد أعراض الحياة والموت الظاهرية هي المصدر الأول للبيانات، كما تعودنا عبر القرون أن نفعل من معايشتنا لموت الحيوان (إما نفوقا كالجمل في البرية أو ذبحا من الوريد للوريد، مع أهمية الإدماء وحركة المذبوح وارتخاء أطراف الحيوان، وتوقف حركته، وبرودة جسمه، وتغرب عينيه). أما في الطب المتحضر الجديد فقد أصبحت الأعراض الظاهرية للحياة والمرض والموت نتيجة لنشاط «المرض الداخلي» أو «الباطني»، الذي أثر في مختلف الأنسجة والأعضاء بأساليب متفاوتة ودرجات مختلفة، رغم عدم تأثيره بالضرورة في الجسم كله، وهذا النوع من المفاهيم - هو لب المفاهيم الحالية حول موت المخ مع بقاء الأعضاء الحيوية وغيرها تعمل بانتظام بفضل المساندة الصناعية والدوائية.
6 ـ الخلايا والأعضاء كيانات مستقلة ومترابطة:(2/16)
وأدى التحسن الذي أدخله (ليستر) عام 1829 على الميكرسكوب المعروف منذ القرن الرابع عشر إلى جعل الصورة المجهرية واضحة تماما. مما أوصل (شلايدن) الألماني عام 1831 إلى اكتشاف نواة الخلية، وكيف أن (الخلايا) إنما هي كيانات منفصلة، مما أحدث تغييرا جذريا في مفهوم أصل المرض، وهذا ما يفسر ما يرد أحيانا من تنظيرات بعض المهتمين من أطباء وجراحين بموت المخ، الذي يقدمون به تصورا يقسم أنواع «الحياة» إلى حياة خلوية وأخرى نسيجية، وثالثة عضوية، ورابعة مخية تتعلق بالروح... الخ، مما يحتاج إلى أن يعيدوا التفكير في ذلك باستعراض ما تم من اكتشافات في علم الأنسجة حول ميكانيزم الحياة الخلوي والنسيجي كما سنرى حالا. ذلك أن (ثيودور شوان) ذكر في كتاب أصدره عام 1839، أن كل أنسجة النباتات والحيوانات هي بالضرورة الأنسجة نفسها، وأن هناك مبدءاً واحداً جامعا فيما يتعلق بتطور الأجزاء الأساسية في أجسام الكائنات الحية، مهما كانت مختلفة، هذا المبدأ هو تكوين الخلايا. كما اكتشف (شوان) أن الخلايا تتجمع في مجموعات مختلفة في أنسجة مختلفة، هي أنسجة «مستقلة منفصلة» في الدم (الذي هو نسيج أيضا!)، وأنسجة «مستقلة في مجموعات» كما في جدار الخلايا، وأنسجة «ملتحمة» في العظام، «وليفية» في الأوتار..، ولكل خلية حياتها المستقلة ذات الوجود المستقل، من خلال تمايز للمادة الأساسية المشتركة، وهكذا اكتشف (شوان) أن الحياة ليست حياة نفسية تجليا لفكرة ما، وإنما هي حياة مادية.
7 ـ البروتوبلازم والذرات ومصدر الحياة:(2/17)
واكتشف (بوركينجي) عام 1839 في مادة هلامية في مبيض الحيوان سماها البروتوبلازم - اكتشف «الذرات الأولية للجسم العضوي الحي»، وتساءل إن كانت هذه الذرات الأولية هي موطن الحياة نفسها؟ وأعلن (ريمارك) عام 1852 - بعد ملاحقته لانشطار الخلايا - أن كل الخلايا تخرج من خلايا أخرى، إلا أن (فيرشوف) - باب الطب الألماني - «اكتشف تخصص الخلايا في إنتاج» «مختلف الأنسجة»، وعندما فحص النشاط الخلوي اقتنع بأن المرض هو ظاهرة تهاجم الخلية فتجعلها تتضاءل، وأن الخلية هي الرابطة الموجودة باستمرار في السلسلة العظيمة من التكوينات «التي يعتمد بعضها على بعض». وتكون «جسم الإنسان». وأن المرض ما هو إلا الحياة في ظروف متغيرة.
8 ـ التخدير يطور الطب وينقذ المرضى:
وباكتشاف أبخرة التخدير وغازاته منذ عام 1846 انتهى عهد الموت بسبب الجراحة من جراء «الصدمة الجراحية» في معظم الأحيان، ومن الألم المبرح في أثناء الجراحة وبعدها، وقاد التخدير الطب والجراحة إلى مرحلة جديدة متقدمة وأسدى للإنسانية خدمة لا تقل شرفا عن اكتشاف الإنسان للنار والزراعة.
9 ـ الرسوم والمناظير والتصوير:
وأصبحت إبر الحقن متاحة عام 1840، واكتشف جهاز تسجيل الموجات لضربات القلب في رسم بياني عام 1844، وتزايدت إمكانات التصوير منذ عام 1850، وتوالت أجهزة قياس ضغط الدم، وأجهزة المناظير ومراياها وعدساتها لفحص الأذن والحنجرة وقاع العين وداخل المثانة والمهبل والمستقيم والمعدة، وأصبح الشعار الجديد: «لا تصدق شيئا دون أن تراه».
10 ـ الطب ومواجهة الخطر بالعمل الاجتماعي المشترك:(2/18)
وأثبت الأخصائي (وليام فار) أن الأجيال تتعاقب وتتطور طاقاتها الحيوية، وتصاب بالأمراض والاضمحلال الصحي على مدى مشوار حياتها وفقا لقوانين ثابتة، وأن فناء الجسد والمرض أمران ثابتان في ظل الظروف الواحدة، ويختلفان باختلاف غلبة الأسباب المواتية أو غير المواتية للصحة، وأظهرت البيانات الإحصائية حقائق تفوق الخيال عن سوء الصرف الصحي ومياه الشرب الملوثة، والمرض والعدوى، وحجم وفيات الأطفال، وحالات الترمل واليتم، أوضحت كلها سبب انخفاض متوسط عمر المواطن الإنجليزي بما لا يقل عن عشر سنوات، حيث أصبح 34 عاما فقط (وأصبح متوسط عمر العامل 22 عاما!!!)، وأخذ يموت 8 أشخاص بالمرض في مقابل فرد واحد بالشيخوخة أو العنف، وكانت الأمهات تستعد لموت أطفالها بتحضير كفنه بدلا من ملابسه. وكان رد الفعل على وباء الكوليرا في بريطانيا هو اكتشاف قوة ومواجهة الخطر المشترك للمجتمع بأسره، وأهمية هذا في بدء «التعامل الاجتماعي» الذكي مع الأحداث الكاسحة من أجل الخير المشترك كما تمثل رد الفعل أيضا في الاهتمام بالرياضة البدنية، وكانت الرياضة مقصورة على الأطفال، وأنشىء أول تجمع رياضي عام 1849، وأول مسابقة رياضية داخل الجامعات عام 1864، وأخذت التقاليد الرياضية تبدو أكثر اتساقا مع الأخلاق والفضيلة.
11 ـاكتشاف الجراثيم:(2/19)
وشك (جول سنو) عام 1853 في حدوث عدوى الكوليرا عن طريق الأيدي الملوثة بمخالطة مرضى القيء والإسهال، وأعلن (لويس باستر) اكتشافه للميكروبات عام 1864، (واكتشف جوزيف ليستر الابن) طريقة قتل الجراثيم بحامض الكاربوليك. وابتدأ استعمال الكيمياء غير العضوية في تحليل السوائل الحيوية كالدم والبول واللبن واللعاب وغيرها، وكان آندرال قد اكتشف عام 1843 العلاقة بين المرض وحالة الدم، والفريد بكريل عن طريق حالة البول? كما اكتشف فهلنج طريقة لتشخيص مرض السكر في البول، ومن خلال دراسة مرض «الحمرة» اكتشف روبرت كوخ الألماني - عام 1876، أن ميكروبا معينا يسبب مرضا معينا، كما أعلن فصل «ميكروب السل من خلال اكتشافه لمزارع الجراثيم»، وفصل ميكروب الكوليرا في الهند عام 1879، والمكورة العنقودية عام 1881، والدفتيريا عام 1883 والتيفود والتيتانوس عام 1884 ومرض الزهري عام 1905، كما اكتشف آلية نقل المرض، وهكذا انتقل الاهتمام الطبي من سرير المريض إلى المختبر، ونشأ أول معمل جرثومي في نيويورك.
12 ـ انتشار التخصصات المستقلة في الطب وارتباط الطب بالمجتمع:
وهكذا أصبح الطب رصيدا فريدا للرأي الموضوعي الذي يعني به كل أنماط المجتمع، حين دخل كثير من شؤون الحياة دائرة اختصاص الطب بصورة أكبر، بداية من المرض إلى نقل العدوى، إلى الأوضاع المعيشية إلى مؤهلات الحصول على عمل، إلى التأمين، إلى التأثيم الإجرامي. ومع بداية القرن العشرين تم تبني التقنيات التي طورتها مهنة الطب على مدى مائة عام، ومضت في «سياق اجتماعي» أوسع، وانسحبت الفردية من الميدان لتفسح المجال للتنظيم على هدي الأرقام، وأصبح المجتمع سليما يمضي في طريق الشفاء من أجل خيره وسلامته.(5). وهكذا استعدت المجتمعات الغربية للدخول في مرحلة الجراحات الشاملة، وهذا مما نحن بصدد مناقشته في هذه الندوة. كما فهم العالم فسيولوجيا التفكير وقيمة المخ.(2/20)
13 ـ الطب يدخل عصر الصناعة والتقنية وتنظيم الرعاية الصحية للمجتمع:
إن مجمل التطورات التي أوردناها في المجالات الطبية المختلفة، وما اقترن بها من خلفيات علمية، وفلسفية ورياضية وتقنية واجتماعية واسعة، قد تسارعت وتضافرت بشكل كبير بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مع انتصاف القرن العشرين.
ودخل الطب في عصر الصناعة الثقيلة وعصر ما بعد الصناعة بما يتميز به من:
أ ـ استعمال الآلات المعقدة في مجالات عديدة.
ب ـ دوران العمل المركز عليها في أماكن كالمصانع.
ج ـ عمل فرق العمل بها على مدار الساعة.
د ـ أنها تعتمد أساليب المراقبة الالكترونية وإدارة العمليات المترابطة بدون تدخل يدوي غالبا.
هـ ـ أن العمل المعقد يسير فيها حسب بروتوكولات معدة وإرشادات تفصيلية وخرائط تشغيل وتسجيل إحصائي دقيق.
و ـ أنها يتم فيها تحديد نقطة النهاية للعمليات الصناعية المتداخلة عند إكمال الوصول إلى الغرض المستهدف، وبعدها فورا يتم إيقاف كل العمليات الصناعية الجارية، والانتقال إلى مهمة جديدة بدون إبطاء.
ز ـ أنه يتم - في أثناء العمل وبعد انتهائه - مراجعة كفاءة الأداء، والتأكد من تحقيق الأهداف، وتصحيح الأخطاء بهدف عدم تكرارها.
ح ـ استخلاص النتائج النهائية بهدف إقرارها وتطوير الأداء.
ط ـ ويضاف إلى ذلك في صناعة الطب المعاصر في الحالات الصعبة - أهمية الارتباط بظروف الإنسان تحت العلاج والتأكد من إجراء كل هذه العمليات المعقدة لصالحه هو أولا وأخيرا في إطار رعاية أهله والمحيطين به وإشراكهم في تفهم المراحل وتحمل المسؤولية إزاء نتائج العلاج المعقد، سواء انتهت بالشفاء أم بالإعاقة أم بالموت.
ي ـ إجراء ما يتطلبه كل ذلك في إطار من مصلحة المجتمع، وتحديد الأولويات والاستحقاقات، بروح العدل والاستفادة من الخدمة المعقدة في حدود مصادر التمويل الفردي أو المجتمعي أو التأميني المتاحة.
ثالثا: بروز مفهوم موت المخ بعد فهم وظائفه:(2/21)
(1) على البرزخ بين الحياة والموت في أثناء التخدير العام:
1 ـ بعد سنوات ثلاث من منتصف القرن العشرين، وقد تخرجت حديثا من كلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، وبدأ عملي في التخدير (حتى اليوم)، كنت ألتقي يوميا بمرضاي تحت التخدير العام وهم يحتلون أحد المواقع على البرزخ القصير ما بين الحياة والموت، وكثيرا ما تأملت الآية القرآنية الكريمة {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} (الزمر:39)، ويحمل التخدير (البنج) العام ملامح نوم ثقيل لا يستجيب فيه المريض لنداء أو إثارة. وبزيادة جرعة المخدر والنزول على السلم عبر البرزخ يقترب المريض من موت المخ رويدا، (أو سريعا) ثم مايلبث أن يتوقف تنفسه وتتسع حدقتا عينيه ولا يستجيبان في النهاية للضوء بحركة، وإذا لم يوقف مفعول أدوية التخدير يتوقف القلب فيموت المخ نهائيا، وبذلك، يقبض (روحه) ملك الموت بغير رجوع في وقت معلوم لنا، أما إن أوقفنا التخدير في الوقت المناسب فإن المريض يعود يصعد على درجات السلم القهقهرى وتتقمصه روحه التي لاتفارقه الآن، وما يلبث أن يعود إلى اليقظة الكاملة والحياة النشطة الفاعلة.
2 ـ الأدوية والأجهزة المستعملة في التخدير أبرزت إلى الوجود مفهوم موت المخ:
وباستعمال الأدوية التي تشل العضلات الإرادية للتنفس عن طريق الحقن بالوريد ينتج شلل لدقائق أو لساعات طوال، لا يعيش المريض أثنائها إلا بتنفيخ الرئتين من خلال قسطرة في حنجرة المريض، أو باستعمال أجهزة التنفس الصناعي بدلاً من جهد الطبيب.
ولقد تسببت هذه التقنية المزدوجة للأدوية والآلات المستعملة في التخدير في كف مركز التنفس بجذع المخ عن السيطرة على التنفس، هذه الوظيفة الحيوية اللازمة لعمل القلب وحياة المخ كليهما.(2/22)
وهكذا فتحت سيطرة الأطباء على تنفس الإنسان الباب أمام انفصال جديد بين وظائف الأجهزة الحيوية المترابطة الثلاثة: المخ، والقلب، والرئتين. ومكننا هذا الانفصال من التعامل مع أحداث ثلاثة جديدة تماما لأول مرة عبر تاريخ الإنسانية بأسره:
أ ـ فإذا أصابت المخ وحده إصابة رأس قاتلة يمكن (إسعاف) المريض بالتنفس الصناعي حتى تمر الأزمة ويشفى المخ.
ب ـ أو يموت المخ ويبقى القلب يعمل بانتظام، طالما استمرت وظيفة التنفس بالأجهزة الصناعية، كما تبقى كل أجهزة الجسم تعمل إلى حين.
ج ـ أما إذا طال العطل بالقلب فبإمكاننا أن نبقي المريض على أجهزة التنفس الصناعي حتى يتم استئصال قلبه وتبديله بقلب بديل صناعي إلكتروني، أو قلب مشتول من مريض مات مخه.
3 ـ القلب والمخ يتعاونان تعاون الأعمى والمقعد في حوادث إصابات الدماغ:
والمسألة باختصار أننا في حوادث إصابات الدماغ سنبذل النفس والنفيس لإرجاع المخ إلى وظائفه، أما إذا توقفت كل هذه الوظائف المخية اللازمة لمزاولة الحياة الفاعلة، فلن يعود للمريض ببقية جسده حاجة، وإن كان في موته مع حياة بقية أعضائه حياة كاملة فاعلة لثمانية مرضى على الأقل، يحصل أحدهم على قلبه، أو رئتيه أو البنكرياس، أو إحدى كليتيه، أو كبده، أو أمعائه، كما سيحصل آخرون كثيرون على فرص لتحسين نوعية الحياة إن كانوا في حاجة إلى أنسجة شفاء السكر أو إلى الشرايين والجلد والمفاصل وقرنية العين وغيرها. إذن ها هو القلب الأعمى يتحرك على قدمين وهو يحمل المخ على كاهله فيوجهه بدوره إلى الطريق - تعاون حضاري رائع جديد بين الأعمى والمقعد إثر موت المخ في حوادث الطريق بين من يملك قلبا وقد مات مخه، ومن يملك مخا بلا قلب سليم.
4 ـ نشأة العناية المركزة من رحم التخدير والتقدم التقني:(2/23)
ولقد نقل أطباء التخدير والجراحات وأطباء الأمراض الباطنية تقنيات التنفس الصناعي إلى نشاط جماعي جديد، أطلق عليه العناية المركزة، وحظى بإسهامات لمساندة كل الوظائف الحيوية: للمخ أولا في إصابات الدماغ، وللقلب والدورة الدموية المستمرين تلقائيا بعد فقد سيطرة مركز القلب في جذع المخ، وللتنفس ثالثاً بوساطة جهاز التنفس الصناعي وأجهزة الترطيب، وحظي بعدد كبير من الأدوية الحديثة والعقاقير، وبعشرات الأجهزة لمراقبة كل الوظائف الحيوية للجسم البشري.
(2) موت المخ مفهوم واضح لعملية طويلة متوالية داخل الدماغ.(6) (7) (8):
1 ـ أوضح الإخوة المشاركون في الندوة توالي الأحداث في حالة إصابة المخ بحادث أو نزيف في فصي المخ أعلى الخيمة التي تقسم تجويف الرأس، وارتفاع ضغط المخ المتورم في حجرة مغلقة ذات جدران عظيمة، ولا يجد فصا المخ طريقا إلا بالنزول في فتق في منتصف الخيمة، فيحدث خنق لجذع المخ وتوقف للدم في شرايينه، وموت حثيث أكيد كامل بتوقف كل وظائفه، وأهمها اثنتان:
أ ـ مساهمته في استمرار اليقظة عن طريق شبكة في داخل جذع المخ لها بفصي المخ وقشرته صلة، مما يترتب على موته غيبوبة لا رجعة فيها.
ب ـ وتوجيهه للتنفس من مركز خاص بجذع المخ ،يتوقف بدوره عن العمل مع موت جذع المخ. وقد شرح الكثيرون من الثقات من كبار المشاركين في هذه الندوة وفي المجالس العالمية المرموقة للاستشاريين في الأعصاب والأشعة ووظائف المخ كيفية التوصل إلى تشخيص إكلينيكي بجوار السرير، أو باستعمال ما ينبغي استعماله من أساليب الفحوص الإشعاعية والإلكترونية الحديثة.(3) (4) (5).
2 ـ وفي حالات الإصابة المخية تحت الخيمة فإن وظائف المخ العلوي قد تستمر لفترة أطول لساعات أو أيام. ومن الضروري التوصل إلى تأكيد توقفها بالرسم الكهربائي الصامت للمخ كضرورة مطلقة.(2/24)
3 ـ وفي كل الحالات بلا استثناء يلعب فهمنا الدقيق لتاريخ الإصابة - وما حدث بعدها زمنيا، واتضاح مراحل الإصابة وما بعدها بكامل وسائل التأكد – دوراً له قدر كبير في التيقن من موت جذع المخ.
4 ـ ولا يصح بحال أن يراودنا السأم أو العجلة أو بقاء عوامل تدعو للشك في العزم الأكيد والتنفيذ الكامل لكل عمليات التأكد من موت جذع المخ بلا عودة في كل حالة بلا استثناء مهما كلفنا ذلك من وقت وجهد. حتى إذا تم لنا التأكد حسب أصول الصنعة واتفاق الفاحصين بلا أي شك، حزمنا أمرنا وتوكلنا على الله فأصدرنا فتوانا أو قرارنا بموت المخ، وأعطينا الترخيص بذلك، ولسان حالنا يقول {كل نفس ذائقة الموت} (آل عمران: 185).
5 ـ والتوقف النهائي لكل وظائف المخ، هو ما نطلق عليه «مفهوم موت المخ»، الذي يعني لنا «مفهوم الموت بصفته نهاية الحياة البشرية الفاعلة»، والذي ينتهي إليه في النهاية من توقف قلبه وتنفسه في بداية الأمر في غير حالات إصابة الدماغ.
إن ما حدث هنا هو الموت (الذي هو شيء يحدث ولا نحيط بكنهه)، وإنما نسمي ما حدث «مفهوما» للموت ذلك أن «إدراك» الإنسان للأحداث «المجردة» نسميه «مفهوما» وهذا الإدراك هو الظاهرة العقلية لما يحدث بالفعل. والإدراك أو الوعي خاصية للمخ البشري الذي يتميز بالقدرة على الفهم، وليس عند الحيوانات الدنيا مفاهيم بالطبع.
(3) مفهوم موت المخ في واقع ممارساتنا من وحدات العناية المركزة (9):(2/25)
1 ـ منذ ربع قرن كنا نعايش نحن - أطباء التخدير والعناية المركزة - مرضى إصابات الرأس الذين غفوا في غيبوبة عميقة والذين لا تستجيب عيونهم بطرفة جفن أثناء تنظيفها، ولا يستجيب إنسان العين المتسع للضوء بحركة، ولا يظهر المريض رد فعل لقسطرة الشفط في قصبته الهوائية، وقد استلقوا بلا حراك لمصيرهم المتمثل في الموت التدريجي لأنسجتهم مع الانهيار الحثيث للدورة الدموية وانتشار الجراثيم وتقرح الجلد، ولم نكن نملك من وسائل التشخيص المختبرية ما يمكننا من اليقين باستحالة عودة مريضنا الذي يدق قلبه إلى اليقظة من جديد، واشتدت حاجتنا إلى إرساء مقومات لهذا المفهوم الذي يتضح أمام عيوننا، وللتيقن من حالة اللاعودة، للوظائف المخية، ولمعادلة ذلك (بالموت) كما نعرفه تقليديا عن طريق (توقف القلب والتنفس)، فبكليهما انتهت حياة الإنسان النشطة الواعية الفاعلة. هكذا أخذ يدق السؤال تلو السؤال في مخنا نحن الأطباء: هل موت كل المخ هو الموت؟ وهل علينا أن نتبنى مقومات لموت كل المخ ونستعمل هذه المقومات لتقرير حدوث الموت؟ وعندما تم إنعاش بعض المرضى بحيث أصبح تنفسهم تلقائيا في حين فقد مخهم الأعلى قدرته على اليقظة الواعية واحتفظ جذع المخ بوظائفه أصبح علينا أن نتساءل: هل هناك مقومات لموت المخ العلوي؟ وهل موت المخ العلوي هو الموت؟ أي هل علينا أن نتبنى مقومات موت المخ العلوي لتقرير «الموت»؟
2 ـ المهمة الثلاثية: تحديد «مفهوم» لموت المخ، و«مقومات» هذا المفهوم، و«وسائل التشخيص» لموت المخ:
إذن تحددت مهمة الذين يراعون المريض المتوقع موت مخه من تطور حالته تاريخيا في هذه المهام، وبرز لنا بذلك سؤال مهم:
وهذا السؤال هو «كم من المخ يحتاج أن يكون ميتا قبل أن نشخص الموت على أسس عصبية»؟ (9) .(2/26)
أ ـ والإجابة عليه هي: «يكفي لذلك التأكد من أن المريض في غيبوبة لا عودة منها، وأن تنفسه توقف إلى غير رجعة» وهذه هي مقومات موت المخ. ذلك أن تدمير منطقة محدودة من السنتيمترات المكعبة القلائل من الأنسجة المخية الموجودة في الأمام بجوار قناة سيلفيوس وفي الخلف في أرضية البطين المخي الرابع Fourthventricle? تشكل كل ما هو مطلوب لتأكيد الفقدان الكامل لطاقة المخ على اليقظة والتنفس التلقائي.
ب ـ وما نقوم به من فحوص متوالية للأفعال المنعكسة العصبية من جذع المخ إن هي إلا وسائل غير مباشرة للإيعاز لنا بتدمير هذه المناطق الحرجة التي تقع في مواقع تشريحية لصيقة بخطوط السير الذاهبة والراجعة لهذه الأفعال المنعكسة، وموت جذع المخ هو الأرضية للعلامات الجسدية مثل الإغماء وتوقف التنفس وغياب الأفعال المنعكسة التي يمكن تبينها بجوار سرير المريض وربما كانت هي المقررة الرئيسة لمصير القلب الذي لا رجاء فيه.
ج ـ أما (المفهوم) الذي يتحدث عن أن مقومات الموت العصبي يجب أن تعني شيئا واحدا وهو التوقف الذي لا رجعة فيه لوظائف كل المحتويات داخل الجمجمة بما فيها كل خلية هرمونية أو عصبية، وكل نسيج عصبي وكل خلية في جدار وعاء دموي، فهذا المفهوم لا يوضح وظائف المخ التي تفصل الحياة عن الموت، ولا يستحق أن نصفه كمفهوم فلسفي عن الموت، في حين أن توقف التنفس واليقظة على الأقل مقومان متضمنان تاريخيا في نسيجنا الثقافي بشكل مترابط.
3 ـ أما عن تسجيل رسم المخ فهو ليس حكما على وظائف جذع المخ ولا يستطيع أحد - حين يتحدث عن بقايا نشاط في رسم المخ - أن يفهمنا مغزاها.(2/27)
4 ـ وكذلك، فإن الشرائح المأخوذة من المخ تعيش أكثر من ثماني ساعات وقد تستجيب للاستثارة الكهربائية (أي أنها حية على المستوى الخلوي) ولكن جهودها المشتركة لا تؤدي إلى حياة إنسانية مترابطة، وما دام جذع المخ قد مات فإن ما يدور من وظائف في مكان آخر بالمخ لا يهم، فالحياة لا يمكنها أن تعود.
5 ـ أما ما يدور فلسفيا حول الذهاب إلى أبعد من موت جذع المخ إلى موت المخ الأعلى على أنه الموت فإنه يشير بدون حسن نية إلى تساؤل غير مريح: هل يجوز شتل الأعضاء من المرضى المصابين بالحالة النباتية الدائمة pvs؟ وبالطبع فهذا لا يجوز، والقصد من هذا الحديث هو فقط مجرد وضع العقبات أمام نقل الأعضاء من حالات موت المخ.
وعلى هذا فقد استوت الأمور إذن على أن موت جذع المخ قرين فلسفي لفقدان الشخصية، مهما تبقى من بعض التحكم في حركة امتصاص الأملاح للسوائل Osmotic regulation وبعض وظائف الغدة النخامية الأمامية، وارتفاع ضغط الدم كاستجابة للألم، وكل هذا يوضح أن التقييم الإكلينيكي لا يمكنه أن يوضح الاختفاء لكل الوظائف البيولوجية للمخ، وكذلك فإن بقاء بعضها لا يتماشى مع عودة الحياة من جديد.
3 ـ ومن هنا اتجهت الجهود العملية لأغراض عملية لضبط وسائل التقييم لمقومات موت المخ المتفق عليها، ألا وهي الغيبوبة التي لارجعة فيها، وتوقف التنفس التلقائي الذي لا رجعة فيه; بالإضافة إلى معرفة أسباب تدهور الحالة. ومن هنا فقد أصبحت الشكوك الحالية في تشخيص موت المخ مسائل ثانوية جدا في المجتمعات الواعية الفاهمة لهذا الأمر.
4 ـ وأصبح تشخيص موت المخ يسمح بإيقاف العلاج الذي لا لزوم له، مما يسمح للأهل بقبول المصاب، ويمكن من بحث فرصة منح الأعضاء معهم.(2/28)
وفي العالم المتقدم لم نشهد ما يدل على فقدان المجتمع - عموما بصور لها مغزى للثقة في مقومات موت المخ، أو في أساليب نقل الأعضاء في الممارسات اليومية، ويأتي عدم الثقة فقط من مشاكل عدم الاتصال مع الأهل وعزلة المعالجين عنهم.
5 ـ بل إننا نفقد ثقة المجتمع إذا استمررنا في رسم المقومات الحالية لموت المخ على أنها ضمان للتأكد البيولوجي بدلا من أن تكون كما هي، «أي نظرة للتصرف العقلاني».
وكل ما يجب أن نؤكد عليه هو أن نعمل على أن نجعل المقومات الحالية لموت المخ أسلم وأكثر انسجاما، وأن نعلم أطباءنا أن يكونوا أكثر وضوحا في شرح القواعد الواقعية لممارستنا مع عائلات مرضانا، وهناك الكثير مما ينتظرنا في مجال الاستخدام الفردي والاجتماعي من وسائل، وفي نشر مقوماتنا الحالية وشرحها، أكثر بكثير من الشروع في عمل تعريف جديد أو وصف مقومات جديدة.
6 ـ وفي أي حالة يتواجد فيها شك حول اكتمال التشخيص الأولي لموت المخ أو لوجود عوامل تساهم وتؤدي إلى احتمال عودة المريض للحياة، مثل حقنه بالأدوية المهدئة وحدوث اضطراب في التمثيل الغذائي، أو نقص في درجة حرارة الجسم، فلا يجب علينا أن نشخص موت المخ. وفي نفس الوقت تقدمت بشكل كبير وسائل التأكد من حصول خلل بنيوي خطير في المخ تؤدي مراقبته إلكترونيا وبوسائل تشخيصية وإشعاعية عديدة بارعة بجوار المريض بدون نقله إلى أماكن بعيدة إلى وجوب التأكد من موت المخ. كما تلعب ملابسات الحادث وملابسات العلاج دورها في التشخيص.
7ـ وها هي المقومات الإكلينيكية لموت المخ وقد صمدت ثمانية عشر عاما للممارسة الجادة، واستعمالها بحرص وعناية وتكريس يمكننا من حماية المرضى والمجتمع وسمعته ومشاعره ويؤدي أيضا إلى تشخيص الموت قبل توقف القلب، ويقلل فترة عدم التأكد وفترة توقع الموت التي ترهق الأهل والأصدقاء، عندما يكون استمرار العلاج لا جدوى من ورائه (Pallis).(2/29)
ورغم أن نقل الأعضاء قد أصبح ممكنا من خلال تشخيص موت المخ إلا أنه ليس له الاعتبار الأول بأية حال.
(4) تشخيص موت المخ والإرشادات المفصلة حوله
Guidelines For Brain Death diagnosis
1 ـ لقد تم بيان الطريقة المنهجية والخطوات المتتالية لإحكام التشخيص في صورة خطط إرشادية Guidelines في صورة تعليمات مكتوبة مفصلة يجب اتباعها إكلينيكيا أو تقنيا من أجل سبر غور وظائف المخ، والتأكد من توقفها الذي لا رجعة فيه، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ الإصابة وخط سير المرض بسرعة وكيفية تطوره.
2 ـ كما يجب علينا في كل مراحل التشخيص، وفي أثناء البحث عن مدى اكتماله أن نحل المتناقضات التي تقع بين واقع الممارسات الطبية وظروف القوانين السائدة بما يخدم مصلحة المريض. كما أصبح واجبا علينا تقليل الفروق بين أساليب الفحص; والتي تنتج من أي خلافات منهجية لا تتعلق بلب الوسيلة التي نستعملها في الفحص والغرض الأصلي منها، وإنما قد تنتج من طبيعة عمل الجامعات الكبرى في الخارج والعدد الهائل من هذه الجامعات، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كثيرا ما تتناول قضية هامة في الوقت نفسه في أكثر من مكان، ويحاول حلها عشرات الفرق التي تتبادل الخبرات وتطلع على الأعمال المشتركة في المجالات والمؤتمرات الدورية العديدة، ويبدي كل منها حرصه على أن تتضمن قائمة إرشاداته ما يتفق مع خبراته العملية، وما يتسم به العلم الغربي من حيوية ومن هامش للخلاف الدقيق حول كل لفظ مخطط وكل أسلوب مرسوم لا يغير من الاتفاق العام حول القضايا الرئيسة.(2/30)
3 ـ وقد أشار الإخوة الأطباء الرافضون للمفاهيم الحديثة إلى هذا التعدد في البروتوكولات وجداول الإرشادات على أنه يدل على الجدل والخلاف حول مسائل رئيسة لم تحسم، وعدم الاتفاق على المواضيع والمفاهيم الأساسية. وهذا أبعد ما يكون عن فهم الواقع، وأدعي إلى عدم التسرع بطرح هذه التهيؤات على الجماهير المصرية المحدودة المعرفة أو الثقافة. والحقيقة أن هذه الممارسات لا تذكر الحقيقة، ولا تذكرها صحيحة، ولا تذكرها كاملة، ولا تذكرها معاصرة، ولا تذكرها من مصادرها، لا تذكرها للحوار في مجالس العلم المتخصص. وكذلك يمثل التشكيك في أساليب العلم المحترمة وسيلة لبلبلة الفقهاء الساعين إلى الاستنارة بكل سبيل والمنصتين بذهول إلى خلافات وهمية بين الثقات الأعلام من الأطباء.(2/31)
4 ـ إن الهدف الأسمى لعمل الطبيب المتخصص في وحدة العناية المركزة بجوار مريض يحتمل أن يموت مخه هو تطبيق برامج الأداء المفصلة الهادفة إلى استنقاذ المريض من بين براثن الموت المحدق، والحرص على إعمال وسائل التشخيص على فترات ملاحظة مستمرة متقاربة آملين في رجوع المريض عبر برزخ الموت نحو سطح الحياة اليقظة الواعية. ومن هنا تميز الأداء في وحدات العناية المركزة بالتحلي بروح الفريق، وبتكريس الممرضات كل جهد ممكن لمساعدة المريض بعشرات من الوسائل التمريضية الحاذقة. وتهدف الإجراءات التي نتنادى بها الآن إلى إعمال برامج التأكد من كفاءة الأداء Quality Assurance Programs لتحليل عمل القائمين على تشخيص موت المخ حين يصل المريض إليه، ومراجعتهم في أساليبهم التشخيصية المستعملة، ومراقبتهم للتأكد من تمسكهم بالتقاليد المنهجية السليمة المنظمة والموثقة كتابة في كل مراحل التشخيص السريري وغيره، وكل هذا لا يعني (تسمين المريض من أجل ذبحه)، ويوم تسود تلك القيم السلبية في رعاية مريض على شفا الموت، فإن هذه الأعمال المنكرة التي لا تليق بجلال الموت، تنهي أي تفكير في رعاية المرضى على يد عصابات ظالمة وليست هيئات طبية راحمة.
(5) فماذا بعد التوصل إلى موت المخ؟
(تقدم شتل الأعضاء في المجتمع الغربي):
1 ـ إذا تأكد (التوقف النهائي لوظائف المخ) وأعني (الموت) فإن واجبنا قد أصبح - كما سنوضح بعد - أن نقلل أية زيادة في آلام الأهل والأقارب والأصدقاء، وأن نيسر لهم الوقت والبيانات الواضحة وأن نوصلها إلى (إدراكهم)، وأن نتأكد من تفهمهم لحدوث (موت المخ) الذي هو تماما يعادل (الموت) للإنسان الذي شرحنا معناه، وأن هذه اللحظة هي لحظة الترخيص بحدوث الموت وإعطاء الشهادة بذلك..(2/32)
2 ـ حتى إذا تأكد الأهل من حدوث الموت (أي موت المخ في إصابات الرأس) فإن الهيئة الطبية التي كرست الوقت الكافي والجهد الكبير لإنقاذ حياة المريض في العناية المركزة إلى آخر مدى ولم توفق، أصبح عليها الآن، الآن وليس غدا، أن تتلمس بكل رفق ووضوح وثقة من أهل المريض إن كان قد عبر في حياته أو رغب في (هبة) أعضائه قبل موته أو إذا رغب أهله في تنفيذ وصيته، أو وجود أي رغبة معلومة لديهم عنه لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بالاحتفاظ بوظائف الأعضاء في مريضهم الميت مخه، والتي لا تزال تعمل بعد موت المخ حتى إذا اتضحت الرغبة بعد فترة سماح لمعالجة الحزن، فقد أصبح علينا موالاة العناية بأهل المريض ومواساتهم بكل أساليب الود والرحمة، ذلك لأن العقلية التي يتوافر لها من الأريحية والبذل عند المريض وأهله ما يسمح لها بالمساهمة في إنقاذ مريض ينتظر الموت، هي عقلية تود من صميم القلب أن تقدم هديتها أو عطاءها في أحسن حال. وهل يضن إنسان بهدية يقدمها عن طيب خاطر لمن يحب؟ ومن هنا نشأت في الدول المتقدمة فكرة المحافظة على الدورة الدموية للأعضاء قبل نقلها إلى جسم آخر; نظرا لما تعرضت له قبل موت المخ من حرمان من الدورة الفاعلة، كهدف لإنقاص حجم المخ أملا في استعادة (حياته)، ويصبح إنعاش الدورة الدموية للأعضاء المزمع نقلها أمرا منطقيا. وليس على حساب مخ مات وقد أصبح الآن وليس له دورته الدموية.(2/33)
3 ـ فإذا تبين لنا أن الأهل لا يودون المساهمة بالتبرع بزراعة الأعضاء من مصابهم، فإن المتفق عليه عند المجتمع بأسره وعند أعضاء المهنة الطبية بأسرها أنه سيتم عندئذ وفي الحال إيقاف (جهاز التنفس الصناعي) وكافة أساليب (العلاج) الأخرى، متوقعين أن تتجه كافة أجهزة الجسم الأخرى إلى توقف وظائفها بما يستوجب (الدفن)، وفي نفس الوقت أصبح واجبا علينا أن نحلل الأسباب التي رفض الأهل بسببها التبرع بالأعضاء، وأن نتبين إن كان ترددنا في الاتصال بهم أو عزوفنا عن إدارة المناقشات الموضوعية المجدية معهم قد ساعد على رفضهم، وكذلك فإن نقل تجربة العائلات التي وافقت على التبرع إلى الآخرين، وإبراز هذه القيمة الإنسانية، وتفهم الضغوط الإنسانية التي يتعرض لها الأهل عند إعلان الموت (موت المخ) (إذ ساعتها يحين وقت الامتحان الكبير باتخاذ قرار نقل الأعضاء من عزيز لديهم) كل ذلك يسبغ إحساسا عميقا بقيمة الحياة (للجميع) حتى لو شاءت الأقدار أن تحرم فلذة كبدهم منها.
4 ـ ثم إن علينا أن نتبين ونتوقع ما يتعرض له الأطباء الذين يتصدون لنقل الأعضاء من ضغوط نفسية وردود أفعال، لا من الأهل فقط، وإنما - ويا للغرابة - من بعض قرناء المهنة الطبية نفسها.(2/34)
5 ـ ويصبح من أهم واجباتنا أن نبذل جهودا مضاعفة - من أجل الاتصال الحميم بشعوبنا في كل فئاتها لحمايتها من غياب العقل وتحكم الهوى، ولإيصال (المفاهيم) الناضجة إليها، ولتفتيح وعيها حول ما يدور حولها من غياب المصالح وضعف الوسائل وتقدم الدنيا وقصور الحيلة، فأمامنا طريق طويل حتى ننشل شعوبنا من مستنقع الوهم، وتتقدم بها في طريق العمل الدائب، وبذل الجهد، وللبحث عن اقتصاديات مناسبة للرعاية الصحية في ظروف غياب التأمين الصحي وقصور البيروقراطية الحكومية، وعدم شمول الخدمات الخاصة، وعدم وضوح نصيب الفرد القومي المكرس للخدمات الصحية، وغياب السياسات الصحية والأولويات لمواجهة المشاكل المرضية، مما يؤدي إلى ارتطام الشباب بالموت القبيح في أسخف صوره في إطار من الإملاق والندرة، مع عدم توافر شبكة لنقل المصابين والعناية بإسعافهم، وافتقاد أي منظومة من وحدات وأساليب وإمكانات العناية المركزة أو مراكز للجراحات المتقدمة في أغلب الدول الإسلامية.(2/35)
6 ـ وها قد آن أوان الجد لكي نعتني بتلبية الاحتياجات الصحية الأساسية لشعوبنا في المقام الأول وتطوير العمل الصحي الاجتماعي? وأساليب عمل الفرق المدربة، والعناية بالإصابات الحرجة ونقل المصابين، ومواكبة ممارستنا الطبية الجراحية للمستويات العالمية، وإنشاء وحدات العناية المركزة، ومواصلة اكتساب الخبرات فيها، والتدريب المستمر على حل مشاكلها الضخمة، وتطبيق سبل التأكد من كفاءة أداء وحداتنا ومؤسساتنا الصحية من أصغرها وأدناها إلى أكبرها وأعلاها، في بلداننا الإسلامية المحتاجة لكل هذه الجهود التي يتمثل الإتقان فيها أكثر ما يتمثل في علاج الموقف العصيب لموت المخ وفشل الأعضاء. فإذا بذلنا الجهد في إطار من التفهم لظروف شعوبنا الصعبة، إذا فعلنا ذلك كله معا، إذن فلا لوم ولا تثريب لو خضنا مع الخائضين فيما يثيره موت المخ وفشل الأعضاء وشتلها من مناقشات فلسفية ودينية وخلقية جادة وعميقة وهادئة مفيدة.
الجزء الثاني
مفهوم موت المخ فتح الطريق أمام جراحة شتل
الأعضاء على أساس الشراكة في المجتمع الغربي
شتل الأعضاء في أستراليا: نموذج تفصيلي مهم (32) (33)
أولا: المثل الأسترالي النيوزيلاندي في وهب الأعضاء وشتلها، وهو المثال المهم فيما يتعلق بوفاة المخ وشتل الأعضاء والمواقف الاجتماعية والإنسانية:
ابتدأ شتل الكلى في استراليا في الستينات، وتم وضع البرامج لنقل الكبد والقلب والرئة والبنكرياس في الثمانينات، وتطور هذه الصناعة الصحية الإنسانية كان يتطلب توافر عوامل ثلاثة:
1 ـ مرضى في حاجة إلى عضو وعلى استعداد لخوض التجارب الأولى.
2 ـ جراحين مستعدين لإعمال مهاراتهم في هذا الفرع الدقيق.
3 ـ وواهبين وعائلاتهم وأطبائهم مستعدين لتسهيل مهمة العطاء.
4 ـ كما أحاط بهذه العوامل الإنسانية الحاجة إلى بناء بنية محيطة تدير وتساند العمل بدءا من عملية العطاء حتى (الخروج) من المستشفى، ومتابعة المتلقي ومتابعة حالة العائلة المتبرعة.(2/36)
وفي الطريق إلى بناء هذه البنية المحيطة كان على أستراليا أن تمسك بأهداب المعنى «الحقيقي» للموت، وتخوض غمار الجدل على الأصعدة الأخلاقية والضميرية التي دفعت بها قضية شتل الأعضاء. ولا بد أن نضيف هنا بالنسبة لنا في العالم الإسلامي - في غالبيته المحدودة الدخل القومي - موضوعين مهمين هما:
5 ـ توافر بنية تحتية واسعة من الخدمات الصحية الأولية، ووسائل الإسعاف والنقل ووحدات العناية المركزة المحددة الهدف والمدعمة القدرة، وأطقم العناية المركزة، وبالطبع لا بد من استناد كل ذلك على نظام صحي يؤهل لبناء فرق العمل في المهمات الصعبة مثل مهمتنا هذه، ويدرس ويتخذ القرارات الاقتصادية في إطار العوز والإملاق، وقلة المخصصات للرعاية الصحية، وانتفاء وجود نظام علاجي متجانس.
6 ـ توافر الفرصة لمناقشة الأمور الفلسفية والدينية والأخلاقية في علاقتها بنضوب الموارد، وظروف العلاج الفردي، ومشاكل تجارة الأعضاء وحواجز الأمية اللغوية والثقافية، والتشوف إلى العدل ووجود فجوة من عدم الثقة في كفاءة النظام الصحي ومقاصد القائمين عليه.
وتظهر الإحصاءات الحالية عن نشاط شتل الأعضاء في السنوات الخمس الماضية الآتي:
1ـ عدد السكان 17.5/مليون نسمة.
2ـ معدل وهب الأعضاء من ميتين 11-12/المليون.
3ـ عدد الوفيات في العام 120 ألف.
4 ـ عدد مرضى حوادث الطرق 2000.
5 ـ عدد الواهبين في العام 220.
6 ـ عدد الكلى من كل الواهبين سنة 1992 «23» في المليون في بريطانيا، 35 في بلجيكا، 40 في النمسا.(2/37)
وهناك من الهيئات في مجال شتل الأعضاء هيئة لغسيل الكلى ونقلها، لها سجل منظم للحالات، كما يوجد اتحاد منسقي شتل الأعضاء، ويظهر السجل أن أسباب الموت في الواهبين في أستراليا هي: نزيف المخ (52%)، وإصابات الطرق (28%)، والإصابات الأخرى (10%)، وأمراض أخرى (10%)، ومع قلة نسبة التبرع فقد زادت من 204 متبرع عام 1990 إلى 224 عام 1993، فإن عدد المستفيدين المتلقين للأعضاء بلغ 573 عام 1990 وزاد إلى 698 عام 1993، مع زيادة في حجم العائلات المتبرعة بين عامي 1992-1993 بمقدار 10% (من 17 إلى 27% من العائلات)، مما يعني كفاءة وسائل الاتصال والوعي والمناقشات، وينجز التنسيق في شتل الأعضاء شبكة من المنسقين في الولايات وشبكة منهم في المستشفيات المتبرعة، وتدفع وزارة الصحة أجر منسقي الولايات الذين هم مسؤولون عن خلق الصلات بين المستشفيات ووحدات شتل الأعضاء، وتزداد الحاجة بشدة إلى شتل الأعضاء من عام إلى الذي يليه، فيتم شتل 400 كلية من ميتين، وشتل 63 كلية من أصحاء (14%) من المجموع من خلال برنامج شراكة منذ عام 1980، خلال لجنة تبادل المنافع التي تدير عمليات الانسجام النسيجي والدموي وفحص الحساسية، ومن خلال خدمة كمبيوترية للتوليف بين الكلى وبين المتلقين الذين يحتفظ بسجلاتهم في حاسبات مختبر الأنسجة في كل ولاية، ويتم التوليف في وقت وهب الكلى لتحضير قائمة بالمتلقين المناسبين عبر الولاية وعبر أستراليا كلها على وفق معايير متفق عليها، وبلغت نسبة الحياة في المرضى بعد شتل الكلى 93% بعد عام ونسبة حياة الكلية 87% وتبلغ نفس النسب 82%، 70% بعد مرور خمس سنوات.
كما يتلقى 115 مريضا عملية شتل كبد سنويا، وهم إما أطفال ولدوا بأمراض كبد وراثية أو بالغون أصيبوا بهبوط الكبد المزمن، وقليل منهم حالات حادة، كما يتم قبول تبرع بجزء من 9 من أصحاء وخاصة من الأبوين لطفلهم والنتائج غير مشجعة.(2/38)
ويتم شتل القلب لمرضى القصور التاجي (40%) وللأسباب التضخمية في العضلة
(38%) بمتوسط عمر المتلقي 33 عاما، وتبلغ نسبة الحياة بعد شتل القلب 87% بعد عام، وحوالي 70% بعد عشر سنوات، وهناك تقدم مضطرد في النتائج منذ 1985، أما نسبة الحياة للقلب والرئتين معا فتبلغ 75% بعد عام، ولرئة واحدة 78%، وتتضح النتائج الجيدة في المرضى الذين حظوا بنقل القلب من انخفاض عدد الحاصلين على تعويضات ومكافآت العجز أو البطالة والتي تبلغ 20-25% في خلال سنوات بعد شتل القلب.
أما نسبة بقاء شتلة البنكرياس فهي 75% في خلال عام.
أما شتل القرنية فهو أوسع الأنواع المستعملة، وتبلغ نسبة صلاحية الشتلة من 72-84% بعد مرور خمس سنوات، ويقوم بالجراحة 299 جراحا يعالجون 6500 متلقٍ.
ثانيا: المجتمع الأسترالي النيوزيلاندي وتنظيم شتل الأعضاء:
أما عن التنظيمات المشتغلة بشتل الأعضاء فهي أربعة:
أولها جمعية شتل الأعضاء التي تمثل أطباء الشتل والقائمين بالبحوث وغيرهم من الأخصائيين وطلبة الدراسات العليا، وهدف الجمعية الأول هو تقدم علوم شتل الأعضاء، ورعاية الاجتماعات التعليمية والعلمية السنوية.
والجمعية الثانية هي جمعية منسقي شتل الأعضاء وتتضمن ثلاث فئات من المنسقين: فئة للمتلقين، وفئة للواهبين، وفئة لوهب القرنية.
الجمعية الثالثة: هي المؤسسة الخيرية والتي ساهمت في بحوث مختلف أمراض الكلى وأخذت على عاتقها وحدها رسم استراتيجيات زيادة الوعي حول شتل الكلى في المجتمع، عن طريق «وصفة» تعليمية تستعمل في 25% من مدارس استراليا، تهدف إلى خلق مجتمع فاهم ومقدر لأمور شتل الأعضاء، وذلك بتشجيعهم على أن يناقشوا آباءهم وعائلاتهم وأصدقاءهم عن الآثار الناجمة عن تحولهم إلى واهبين أو متلقين للأعضاء. وتم تعميم هذه الوصفة عبر استراليا وفي عدد آخر من البلدان.(2/39)
وهناك اللجنة المنسقة بين السجلات والهيئات وهي منظمة وطنية مسؤولة عن تطوير استراتيجيات وطنية تهدف إلى تحسين عملية شتل الأعضاء من الموتى وتنسيقها وتطبيقها.
إن نجاح شتل الأعضاء كوسيلة علاجية تيسر تمتع المريض بحياة عادية كيفياً أو قريبة منها لعدد كبير من المرضى على شفا الموت. وقد نتج عن ذلك تجمع طوابير المنتظرين وزيادة أنواع المرضى المحتاجين للشتل، وأهم المعوقات في أستراليا - ومثلها في ذلك مثل بعض البلدان المتطورة - سرعة الحصول على الأعضاء بعد الموت.
ويلاحظ أن نسبة التبرع في المليون من السكان تختلف باختلاف:
1 ـ عدد حوادث الطرق ووفياتها.
2 ـ عدد حالات نزيف المخ.
3 ـ الظروف التشريعية.
4 ـ نظم شتل الأعضاء وإدارتها.
5 ـ الأخلاقيات والاتجاهات الفكرية والثقافية في أوساط الجمهور والهيئة الطبية.
6 ـ أساليب أداء الحملات الموجهة لزيادة التبرع.
2 ـ اتجاهات الرأي العام بالنسبة لشتل الأعضاء:
ولا بد من إجراء مسح لاتجاهات الرأي العام وخاصة الطبقة الوسطى الغالبة (على عكس العالم الإسلامي فغالبية المجتمع من الفقراء) وتشير النتائج الأولية لاستفتاء أجري عام 1987 إلى دراية 98% من المستفتين بأن هناك موضوعا يسمى شتل الأعضاء، ويمكن أن يتحول الإنسان إلى واهب (النسبة 91% في الولايات المتحدة). وسبق أن وضع 59% من المستفتين في اعتبارهم إمكانية التبرع وأبدى عزمه الأكيد على ذلك 34% منهم، وناقش الأمر مع أهله 26% ولم يدرك 67% منهم أنهم يمكن أن يصبحوا موضع السؤال لطلب موافقتهم على منح عضو من عزيز لديهم مات، وفي الوقت الذي عبر 65% عن نيتهم عدم التبرع فقد عبر 38% عن نيتهم الموافقة على أخذ الأعضاء من أقاربهم، مما يعكس إمكانية الكرم الأعلى مع النفس في النيابة عن الأقارب، وخاصة إذا لم يكن يعرف نيتهم قبل وفاتهم.(2/40)
وفي استفتاء ثان عام 1991 زاد عدد الذين ناقشوا أمر إمكانية وهبهم للأعضاء مع أصدقائهم بمقدار 28%; بسبب التغطية الإعلامية الواسعة، وأبدى 61% رغبتهم الأكيدة أو المحتملة بالتبرع (بنقص 4% عن عام 1987، وقام بتسجيل اسمه للتطوع
31%).
وأظهر الاستفتاء عدم مساندة الكنيسة الكاثوليكية لموضوع شتل الأعضاء بين رعاياها الإيطاليين في أستراليا.
ـ كما أشارت إلى أسباب أخرى للعزوف عن التبرع تتضمن خوف المثلة أو الألم في أثناء الحصول على الأعضاء.
ـ وكذلك فإن تقبل مفهوم موت المخ كان محدودا، واعتقد الكثيرون أن تعريف الموت هو التوقف التقليدي للقلب والرئتين.
ـ وساد سوء الفهم حول الوقت اللازم لاتخاذ قرار السماح بالحصول على الأعضاء عموما.
ـ وكان هناك نقص كبير في المعلومات حول «عملية» وهب الأعضاء عموما.
ـ ولا تعتمد برامج التشجيع في أستراليا أساسا على المساندة الحكومية أو الدعم من القطاع الخاص، وإنما تعتمد على العمل التطوعي (برنامج الشريط الأزرق).
ـ ونتيجة حملة إعلامية أطلق عليها «هيا.. قل نعم» ارتفع عدد المسجلين بموافقتهم على بطاقات القيادة بمقدار 25% عام 1990.
ـ ونتيجة حملة إعلامية أطلق عليها «دردش حول الموضوع» لدعوة آباء التلاميذ لمناقشة أمر وهب الأعضاء مع أبنائهم ناقش 45% من العائلات (التي تلقت خطابا) الموضوع مع أولادهم، ووافق 83% من مديري المدارس على الاشتراك في حملة التشجيع على عطاء الأعضاء في مجتمعهم المدرسي، مما ساهم في إثارة المناقشات في 226 ألف عائلة تضم 720 ألف شخص.
3 ـ إذن يثور سؤال حول كيفية التغيير الاتجاهي والسلوكي (للوسط) الغالب Middle majorty? وخاصة أن تيار الوسط يتحرك إذا شمل التغيير كل طبقات المجتمع وإذا أحس بالأمل في زيادة الاستجابة من الجميع بدل البكاء على اللبن المسكوب.
4 ـ وفيما يتعلق باتجاهات الأطباء العاملين في العناية المركزة:
فإن 58% يمتلكون شهادة مكتوبة بموافقتهم هم على العطاء.(2/41)
وكذلك 94% يوافقون على السماح بالعطاء من أحد أقاربهم. ويشارك أخصائي واحد للعناية المركزة على الأقل في إعطاء شهادة الوفاة في 95% من الحالات، كما يشاركون في طلب التطوع بالأعضاء في 90% من الوقت، رغم أن ثلث أطباء العناية يرون أن هذه المهمة ليست من واجباتهم، ولم توجد فروق في درجة الحزن بين العائلات التي طلب إليها التبرع وتلك التي لم يطلب إليها، وبين العائلات التي وافقت على التبرع وتلك التي لم توافق. وتتلخص أسباب عدم الاقتراب من بعض العائلات بالسؤال في حواجز اللغة والاتصال، وإدراك الفروق الثقافية، ودرجة الحزن الذي تمر به العائلة، ويعتقد 77% أن للعائلة حق الاختيار.
ولا يقوم 20% من أطباء العناية المركزة بمساندة الدورة الدموية قبل التأكد من موت المخ.
ويساند أطباء العناية المركزة في استراليا ونيوزيلاندا بموافقة كاسحة مفهوم موت المخ، والطرق السائدة للتأكد من موت المخ، وعطاء الأعضاء وشتلها.
وتتضمن أسباب عدم مساهمة بعض المتبرعين احتمالهم أن لا تتم محاولة الإنعاش، سواء قبل التأكد من موت المخ أو بعده، ولسيطرة أطباء العناية المركزة الكبيرة على موضوع التبرع بالأعضاء فإنهم يتحملون مسؤولية مهنية كاملة عن هذا الجانب المهم من عمل المستشفيات.
وبدراسة كل الوفيات في 13 مستشفى في أستراليا على مدى 12 شهرا تبين أن:
ـ هناك 7406 حالة وفاة.
ـ منها 271، مصنفون على أنهم يمكن أن يكونوا واقعيا وطبيا متبرعين محتملين Potential donors
ـ منهم 60% فقط (22%) أصبحوا متبرعين في الواقع actvaldonors.
ـ أما الباقون (211 ميتا) فإن 30% منهم لم يمكن إنعاشهم.
ـ و24% منهم رفض أهلهم التبرع.
ـ و36% منهم فشل الأطباء في مساندة التبرع في حالتهم.
وإذا أمكن تحويل عدد أكبر من متطوعين (محتملين إلى حقيقيين) يمكن على الأقل تغطية النقص المزمن في المتبرعين الموتى.
5 ـ وتضمنت البحوث الوصول إلى بعض التعريفات المهمة:(2/42)
1 ـ فالمتبرع المحتمل: هو مريض يعاني من دمار لا عودة فيه في المخ يسبب موتا واقعيا أو محتملا للمخ.
2 ـ المريض المحتمل موت مخه، هو الذي كان في الظاهر أو كان على وشك أن يصبح مخه ميتا قبل توقف قلبه.
3 ـ المريض الميت مخه حقا، هم المرضى الذين تم تسجيل تشخيص موت المخ فيهم رسميا حسب مقومات مقبولة.
4 ـ متبرع محتمل غير واقعي، هو متبرع محتمل يكون قد تقرر أن تبدأ مساندة التنفس والدورة الدموية وكان قد انعقدت النية على كونه غير ذي فائدة للمريض.
5 ـ فشل الإنعاش، يتم تسجيل هذه الحالة إذا كانت كل المحاولات المعقولة قد بدلت لإنعاش المريض ولكن هذه الجهود لم تنجح.
6 ـ مريض في حالة نباتية مستقرة: هو المريض الذي استمر في التنفس التلقائي لمدة ساعات أو أيام بعد سحب التنفس الصناعي.
7ـ متبرع محتمل واقعي هو مريض مصاب بدمار في المخ لا عودة فيه، والذي اعتبر أن إنعاش تنفسه ودورته الدموية فيه مفيد للمريض بغض النظر عما إذا كان وهب الأعضاء ربما كان قد أصبح ممكنا تبعا لذلك بهذه الوسائل.
8ـ الملاءمة الطبية: تم وضع تعريف لها بالمقومات المذكورة في جدول خاص.
9ـ متبرع حقيقي هو مريض كان قد تم ترخيص وفاة مخه بوساطة اثنين من الأطباء الحاصلين على شهادات معقولة، وتم أخذ موافقة على التبرع، والذي تم الحصول على الأعضاء منه فعلا.
10ـ متبرع محتمل لم يحصل منه على العطاء، هو متبرع محتمل واقعي ومناسب طبيا، ولكنه فشل في أن يصبح متبرعا حقيقيا، لأن المساندة للتنفس والدورة الدموية لم تتم أو تم سحبها.
6 ـ مصير مرضى شتل الأعضاء في أستراليا:(2/43)
بعد عام من عملية الشتل فإن نجاح وثبات الشتلة بعد عام وصلت نسبته إلى 85% في الكلى، 92% في القلب، 80% في الكبد، 75% في الرئة، 82% في البنكرياس، وتم رجوع أكثر المرضى المشتولين نجاحا إلى صحة عادية أو قريبا منها تؤهلهم للرجوع للعمل المنتج أو الدراسة أو التمتع بالنشاطات الاجتماعية والترفيهية مرة أخرى.
وفي الماضي حين كان شتل الأعضاء عملية تجريبية ونتائجها طويلة المدى ومشكوكا في صحتها، كان هناك تردد مفهوم، من جانب بعض المشتغلين في العناية المركزة الذين يراعون المرضى المصابين بدمار شديد حاد، في تحويلهم إلى متبرعين محتملين، وكان من يرعاهم أطباء باطنيين أو جراحين أو أطباء تخدير، ممن لهم جميعا خبرة عامة في قاعات الحوادث الحادة في المستشفيات العامة، ولكنهم لم يكونوا متخصصين دائمين في العناية المركزة، وكان مفهوم موت المخ (ليس محددا تماما)، وليس مقبولا بصورة شاملة، ولم تكن مقومات تشخيص موت المخ قد تم الاتفاق عليها بعد.
وبصدور تشريع ذي حيثيات واضحة لتعريف موت المخ في الثمانينات تغيرت الأمور.
ونؤكد أن هذا التشريع ومقومات موت المخ لم يتم إدخالها في بادىء الأمر أساسا بسبب تسهيل وهب الأعضاء، ولكنها صممت لتحل إشكال المواقف التي لا ترضي أحدا والتي كان فيها ترخيص الموت لا يتم إلا إذا توقف القلب بالرغم من أن كثيرا من المرضى كانوا بكل وضوح قد تجاوزوا أي أمل في انتعاش جهازهم العصبي بسبب غياب الوظائف الحيوية لجذع المخ.
ومع ذلك فإن للتشريع الحالي أثرا كبيرا على عملية شتل الأعضاء، يسمح بالتبرع في حالة القلب النابض، مما سمح بالحصول الروتيني على القلب والكبد والرئة والبنكرياس وشتلها.(2/44)
7 ـ وبالتوازن مع هذه التطورات في شتل الأعضاء حدث تعديل متواصل، وتشذيب للعملية التي بمقتضاها كان يتم الإساءة للمرضى في حالة حرجة، والإساءة لذين كانوا يصنفون كواهبين محتملين، ذلك لأنه تتم الآن عادة رعاية هؤلاء المرضى بوساطة أخصائيين معتبرين في فرع العناية المركزة في وحدات عناية مركزة، مع تخصص احترافي في رعاية المرضى في الحالات الخطيرة، والتي لم تكن متاحة فيما مضى، وكذلك فإن مفهوم موت المخ الآن مفهوم تماما ومقبول عموما والفحوص المستعملة لتأكيد موت المخ محددة بوضوح.
وإذا كان هناك أي أمل في الإنعاش مهما كان ضئيلا فإن مصلحة المريض لها الأهمية القصوى، ويجب أن تكون مناط الأولوية والمسؤولية على عاتق الأطباء الذين يتصدون لرعاية المريض، ومع ذلك فعندما يكون موت المخ قد حدث فإن الطبيب - كمحترف - لا تزال عليه مسؤوليات تجاه المريض - الذي ربما كان قد عبر عن وصيته بالتبرع بالأعضاء في حالة حدوث الموت - وتجاه أقاربه الذين قد يستمدون بعض العزاء والراحة في ساعة حزنهم وذلك بالموافقة على العطاء.
وكذلك فإن احتياجات المرضى، الذين هم في أمس الحاجة إلى شتل أعضاء من ميتين، يجب أن توضع في الاعتبار.
الحصول على الموافقة على التبرع بالأعضاء في استراليا
توضح الإحصاءات من تسع مستشفيات في استراليا ما يلي:
البيان عند الوفاة والموقف من عطاء الاعضاء ... عدد المرضي
من ماتوا فى خلال 12 شهرا ( إبرايل حتي مارس ... 6080
من اصبحوا فى غيبوبة لاعودة منها ... 515
من أصبحوا مرضي موت مخ محتمل ... 177
من تطورات حالتهم إلى التأكد من تشخيص موت المخ ... 125
من لم يطلب منهم التبرع بالاعضاء: لموتهم بسرعة كبيرة بعد دخول المستشفي أو ماتوا بسبب غير الحادث ... الخ . ... 65
من طلب من أهلهم التطوع بالاعضاء ... 112
من وافقوا على التطوع ... 49
من رفضوا التبرع بالأعضاء للأسباب الأتية
ـ لخوفهم من المثله والتشوية .(2/45)
ـ لاسباب دينية أو ثقافية
ـ لم يقدموا للأطباء سببا معينا .
ـ لاعتقادهم بأن مريضهم كان يفضل الرفض
ـ لأسباب مجهولة .
ـ من رفضت الهيئة الادارية سؤالهم للتبرع
ـ من رفضوا التبرع قبل موتهم . ... 63
6
11
24
4
5
3
10
كما أوضحت الدراسة أن الواهبين المحتملين يمثلون 2.9% من وفيات المستشفيات (بين 1.6 إلى 4.5%) وأن الذين طلب من عائلاتهم التبرع هم فقط 1.8% والذين وافقوا يقلون عن 1% (0.8%).
ونذكر للمقارنة أن 8.2% من الذين يموتون في العناية المركزة في بريطانيا ماتوا بموت المخ المؤكد.
8 ـ وأوضحت الدراسة أنه يمكن تحقيق زيادة عدد المتبرعين:
1 ـ باتخاذ إجراءات تضمن وصول المتبرع المحتمل إلى وحدة العناية المركزة.
2 ـ وأن تكون المقومات المتبعة لتحديد مدى صلاحية الحالة للتبرع ليست غامضة، وتكون معروفة على نطاق واسع.
3 ـ وبأن تحدث تغيرات في اتجاهات الرأي العام إزاء الموافقة على التطوع.
وقد تبين أن من لم يطلب التبرع منهم يتراوحون بين 14% إلى 57%، وكذلك تباعدت نسبة من يرفضون، فيما بين صفر% إلى 70%!!(2/46)
وتظهر التحليلات ما تعنيه الاتجاهات الطبية والمجتمعية السائدة حاليا من أن ما بين ثلث وخمس المتطوعين المحتملين قد يصبحون متطوعين حقيقيين (واقعيين)، مما يدعو إلى التفكير حول بنية المناقشات التي تدور بين الأطباء والعائلات، ولذلك أهمية أساسية واضحة في تزويد العائلات بالمعلومات الوافية حول مفهوم موت المخ وأهداف التبرع بالأعضاء، وكذلك فإن توقيت الطلب المقدم للعائلة، له أهميته، حيث يسمح مرور بعض الوقت بين إخبار العائلة عن موت المخ، وطلب التبرع بحدوث موافقات أكثر، وطبعاً هناك اعتراضات أخلاقية على مناقشة الأمر قبل موت المخ حتى لو كان التشخيص يشير إلى أنه سيكون، ولا مفر من حدوثه، وهناك انخفاض في عدد الموافقين على التبرع في حال سرعة وفاة المريض، وخاصة في صغار السن الذين يموتون لأسباب غير الحوادث أو نزيف المخ، وعلى العموم فإن إدخال المريض إلى العناية المركزة يساعد على تشجيع الأطباء على طلب التبرع حال وفاته، بعكس استحالة الطلب تقريبا ممن يموت خارج العناية المركزة.
وعموماً لزيادة عدد الذين يمكن أن نطلب منهم التبرع، هناك عوامل ثلاثة:
1 ـ إن المرضى الذين تناسب حالتهم التبرع يجب أن يكونوا قد أدخلوا العناية المركزة، وتم تثبيت حالة القلب والدورة الدموية لهم.
2 ـ يجب أن تكون المقومات التي تحدد ملاءمة المتبرع لذلك مقومات غير غامضة، وأن تكون معروفة على نطاق واسع.
3 ـ ومن ناحية العائلات فيعتمد الأمر على وصولهم في الوقت المناسب، وعلى مدى تفهمهم معنى موت المخ.
ومما لا شك فيه أن زيادة النسبة الحالية للعائلات الموافقة هي مفتاح توفير فرص أكبر، لشتل الأعضاء لنسبة كبيرة، تنتظر فرصة الحياة.
9 ـ وقوع الموت المفاجىء بفعل إصابات الرأس وعلاقته بقابلية التبرع بالأعضاء(35).
إن الموت المفاجىء نتيجة إصابة حادة بالمخ هو الباعث الضروري الذي لا يغفل عن التبرع بالأعضاء الصلبة بعد الموت.(2/47)
كما أن هذه هي المناسبة الأولى لعديد من العائلات للمواجهة وجها لوجه مع موت المخ:
1 ـ إذ ليس هناك تحضير سابق لهجوم الموت وأثره الصاعق على تماسك وحدة الأسرة.
2 ـ وليس هناك الحماية المعروفة لعاطفة الأهل والتي تحدث مع الموت العادي.
3 ـ وليس هناك أساس تعليمي لأي بصيرة حول الفكرة المخيفة لمخ دمر في إنسان يظهر أنه حي.
ثم يدور الأمر حول عطاء عجيب في هذا الجو الغريب، يدور حول وهب أعضاء هذا الميت المخ الحي الجسد، ولا يدعو إلى الدهشة إذن أن المساهمة بالعطاء يمكن صدقا أن تؤدي إلى مضاعفة الأحزان، التي تعصف بالنفس، وأن تعجل بخلخلة وحدة العائلة، أما هؤلاء الأطباء وأعوانهم المساهمون في رعاية مريض كذاك وعائلة كتلك فإنهم قد يضيفون إليها مزيدا من الضرر; بإبراز ضيقهم ومخاوفهم الخاصة وعدم قبولهم للعملية برمتها، وبقدر ما أن هناك كثيرين يعتقدون بأن وهب الأعضاء يخفف عملية الحزن، فهناك مثلهم من يفترضون أن العكس سيحدث.
والأطباء الذين يراعون المرضى كملائكة الرحمة ويحسون آلام الفراق، ويراقبون الانفعال والغضب الساطع بعائلات الموتى، هم أيضا الذين يتلقون حمم هذا الغضب، ولذلك فمن الصعب أن نلومهم لافتراضهم أن التبرع بالأعضاء كوضع الملح في جروح المصاب الفادح، ومن هنا فإن التردد في المساهمة وفي مناقشة التبرع بالأعضاء مع عائلة المتوفى هي النتيجة المتوقعة لمثل هذه العواصف من الإحساسات والعواطف.
وتشير البحوث الاجتماعية التي تمت مع أسر الموتى إلى اتجاهات مهمة ومفيدة:
فالمستخلص من المقابلات مع عائلات المتبرعين بالأعضاء هو أن العطاء مفيد وليس ضارا.(2/48)
وكذلك تفيد كل البحوث العلمية في هذا الصدد أن هناك تجارب مريرة، وذكريات مرة، وحزنا لا فكاك منه، وتعبيرا عن الأسى والندم لا مندوحة عنه، وهكذا فإن الربط بين الموت المفاجىء مع ما يصاحبه من كمد وآثار مدمرة على الفرد وعلى صلة الرحم من ناحية والتبرع بالأعضاء من ناحية أخرى هو شيء لا يمكن تجنبه، وكان قد دعا هذا إلى التساؤل بحث حول ما إذا كان التبرع بالأعضاء هو العبء الوحيد على كاهل عائلة المتبرع، وقد اعترف ثلث العائلات بأنهم لاقوا معاملة جافة أو متعجرفة على الأقل مرة واحدة، وأحس خمس العائلات أنهم مجرد شيء غير مهم يتعثر به الآخرون في الطريق، وليس من السهل أن تقول للهيئة التمريضية المثقلة بالأعباء الزائدة عن الحد أن ممارساتهم أحيانا جافة أو متعجرفة.(2/49)
ولكن ربما دلنا ذلك على الحاجة إلى لياقة أكثر وإلى مرونة في قواعد زيارة المرضى، وإلى كلمات أكثر رحمة، وإلى صلات أكبر مع الأهل، وإلى حجر انتظار قريبة من المريض، بحيث تكتحل عيونهم برؤيته لفترات أطول وأن يحس الأهل بأنهم مقبولون من الممرضات، ويحتاج الأهل أن يشعرهم الأطباء بوجود الأمل الذي بدونه لا يستطيعون أن يواجهوا سلسلة قادمة من النهايات المفزعة، وهناك حاجة من الأهل لمعرفة المصير المتوقع، وأن يتلقوا إجابات أمينة عن أسئلتهم مرة واحدة على الأقل يوميا، وأن يتلقوا إجابات كافية، كذلك فإن 50% من العائلات لم تكن تعرف بشكل كاف معنى موت المخ، وليس بالتفصيل ولكن بثقة يركن إليها ويا حبذا لو صدقوا في النهاية ووثقوا في الأثر النهائي لهذا التشخيص، وقد فهم 80% معنى موت المخ وعلم 75% لماذا ظل القلب ينبض والجسد دافئا؟ ومع هذا فلا زال هناك 20% ممن لم يتفهموا ذلك، وعدم وجود القدر الكافي من المعلومات يصحبه بالطبع نقص في الثقة، في القرارات المتخذة لا من جانب الأطباء فقط وإنما من جانب أفراد العائلة أنفسهم أيضاً، وخاصة إذا لم يكن قرار التبرع بالأعضاء قد اتخذه المريض نفسه قبل وفاته، وأوضح البحث أن رؤية العائلات أنفسهم صور الأشعة والرسوم التشخيصية الأخرى كان مفيدا، ولئن كانت هيئة العناية المركزة تبذل جهودا كبيرة في شرح المسائل الخطيرة التي تجرى فإن الجو المتوتر وتزاحم المعلومات والتفسيرات المتضاربة لمختلف أعضاء الرعاية تشكل كلها مصدرا للتشويش وذكريات عن عدم الكفاءة، وتساعد البيانات المكتوبة والرسوم على تأكيد الشروح وعلى استعادة ما حدث عندما تثور شكوك فيما بعد، وعرض صورة الأشعة أو الأشعة المقطعية وإيضاح ما بها يساعد الأهل، وكذلك فإن عدم التضارب بين التفسيرات وتقديمها بوساطة شخص واحد محدد يوميا هو شيء يبعث على الاطمئنان، ورغم كل ذلك فليس هناك اطمئنان لدينا بأن تقديم تفسيرات أكثر وأحسن سيؤدي بسهولة إلى(2/50)
قبول الأهل بأن جسما دافئا يتم التنفس فيه ويدق قلبه هو ميت فعلا، وقد يتقبل ثلث الناس، الذين سئلوا، الموت عقليا وإن استمروا عاطفيا يحسون أن المريض ما فتىء حيا، وربما كان المهم الذي يساعد على وهب الأعضاء إنما هو المعرفة السابقة بموت المخ بوساطة القريب المباشر والمعرفة بوصية الشخص الميت أو رغبته.
وقد عبر نصف الذين سئلوا عن وهب الأعضاء عن إحساسهم بالتوتر وقتذاك وصعوبة الطلب وحرج الوقت الذي يتم فيه، والذي يقلل منه المناقشة السابقة للعائلة حول وهب الأعضاء، كما أن وجود فترة زمنية تفصل بين تمام موت المخ وطلب الأعضاء يسهل الأمور أكثر ويؤدي إلى نسبة أعلى من الموافقة، وبالطبع فإن كثيرا من العائلات يشعرون بأن ما حدث لهم يكفيهم وعليهم أن يخلعوا أرجلهم من هذا المكان الكئيب، ومع ذلك فإن العائلة التي يظهر عليها الرغبة في الإفلات، ستهرب من الموقف مهما كان الأمر وسترفض في النهاية إذا طلب منها ذلك. وقد يقرن البعض ذلك الرفض بالغضب فتأخير الطلب قليلا قد يزيد عدد من يقبلون ويقلل عدد من يتلكؤون ويغضبون ويرفضون، وتدعو الدراسة إلى الحذر من استعمال أي كلام يفيد الضغط عليهم مثل أن نشير إلى رغبتنا في مساعدة الآخرين الذين «ينتظرون في الخارج»!! وربما إذا تردد البعض فإنه من المفيد إذا تدخل عضو آخر من القائمين بالعناية المركزة أن يظهر بمظهر المحايد الذي لا مصلحة له في الأمر.
10 ـ تجارب العائلات التي توافق على العطاء (35)
لم تظهر العائلات التي تم سؤالها ووافقت على العطاء - أن ذلك سبب لها توترا زائدا، وأبدت بعض الراحة في وقت الحزن والألم، وأن الوسائل المتخذة في منح الأعضاء مناسبة مع بعض الجوانب التي تحتاج إلى تطوير أو تحسين.(2/51)
فرغم أن غالبية العائلات اعتبرت أنهم تلقوا تحضيرا كافيا ومعلومات كافية وفرصا للأسئلة في حينها، فإنهم أكدوا في الوقت نفسه على أن صدمة الموت المفاجىء جعلتهم مذهولين وحدّت من قدرتهم على الأسئلة واستيعاب المعلومات المقدمة لهم.
كما أوضحت الدراسة نقصا كبيرا في خدمات المتابعة بالرعاية الواجبة للعائلات الواهبة، وإبداء واجبات العزاء للعائلات المكلومة، وإعطاء الوقت الكافي للواهب وخاصة إذا استوعبت هيئة الرعاية المركزة أيضا سرعة حدوث الموت الصاعق الذي لم يكن في حسبان العائلات، ولم يسمح بمرور وقت كاف لتمثل الحزن الدفين والتعبير عنه، ومن هنا تأتي أهمية توفير الخصوصية والمرونة في زيارة جثمان المتبرع وقضاء الساعات المتبقية من موت المخ بدون الإحساس بضغوط، والسماح للعائلات برؤية ذويهم بعد عملية التبرع، ذلك أن الدراما التي تفارق الواقع في رؤية الفقيد الذي مات مخه ولا يزال قلبه ينبض وجسمه دافئا، ويظهر من حركة جهاز صناعي أنه لا زال «يتنفس»، كل ذلك يمكن أن يكثف الإحساس بالحزن، وفك هذه الأزمة الحزينة يتمثل في تصور مختلف يكونه الأهل المكلومون عن فقيدهم الذي مات،. وهنا تساعد رؤيته بعد إعطاء الأعضاء على اليقين من اكتمال حدوث الموت، ويجب أن يتضمن برنامج عمل وحدة العناية المركزة تمكين الأهل من رؤية فقيدهم العزيز بعد إكمال العطاء بمساعدة أشخاص مدربين على ذلك.
ثالثا - تحسين نسبة العطاء (36).
والآن انتقل المجتمع الغربي إلى إيجاد إجابة عن السؤال الملح، بعد أن تقاطر المرضى على قبول شتل الأعضاء ممن ماتوا: هل يمكن تحسين نسبة العطاء من ميتين؟
1 ـ وهناك ملاحظات قبل الإجابة عن هذا التساؤل:(2/52)
أ ـ فأولها يتعلق بالضغوط - على هيئة العناية المركزة - الناتجة عن الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي والسرير الجاهز لخدمة المرضى الذين ينتظرون وجود مريض يحتمل أن يصبح واهبا للأعضاء، مما يتطلب ميزانيات إضافية لوحدات العناية المركزة إذا زادت الحالات التي تسمح بوهب الأعضاء.
ب ـ ومن ناحية أخرى فهناك معوقات أمام وهب الأعضاء يمكن التخلص منها، وقد لا تكون واضحة جلية أمام هيئة العناية المركزة، وتدور حول درجة اتساع دائرة السماح بوهب الأعضاء مع مزيد من التحرر لمقومات العطاء للواهبين المحتملين، ومدى استمرار التنفس الصناعي لصالح شتل الأعضاء من المرضى الذين يتوقع أن ينتفي الأمل في شفائهم بوضوح. وكذلك فقد يأتي طلب التبرع من الأهل المقربين في غير وقته المناسب أو بطريقة غير ملائمة تؤدي إلى الرفض.
وقد أظهرت البحوث أن سقوط بعض المتبرعين يأتي من الأسباب الآتية:
1 ـ عدم التأكد من ملاءمة الحالة طبيا لإمكانية الشتل، مما يدعو إلى عزوف الهيئة المعالجة عن بدء مساندة الجسم الذي تستمر وظائفه بعد موت المخ، أو عن الحديث مع الأهل بخصوص تبرعهم المحتمل، والعوامل الطبيعية الأربعة لعزوف الأطباء تتعلق بعمر المريض، ووجود عدوى جرثومية في جسده، وبعض النقص في وظيفة الكلى، ووجود مرض سابق أو أسلوب للحياة يتعارض وعملية الشتل.
أ ـ وفيما يتعلق بالعمر فقد ارتفع متوسط العمر الذي يسمح فيه الآن بالحصول على الأعضاء من ميت.
ب ـ وإذا ما تم علاج الالتهابات في الجهاز التنفسي والبولي فلن يتعارض ذلك مع شتل كل الأعضاء، وإذا كان الالتهاب في الرئتين مثلا فإن ذلك لن يعيق الحصول على الكليتين والكبد والبنكرياس وربما القلب، وكذلك لن يمنع بعض الالتهاب في المسالك البولية من جراء قسطرة البول الحصول على الأعضاء، إذا استعملت المضادات المناسبة.(2/53)
ج ـ وقد يظهر - وهذا غير حقيقي - أن ارتفاع نسبة الكرياتينين في الدم يمنع وهب الأعضاء، مع أنه قد يحدث بسبب السياسة الانكماشية في المحاليل التي يتبعها أطباء العناية المركزة في أول الأمر لتقليل حجم المخ المصاب، وتقليل الضغط، محاولة منهم لإفاقة المريض، ويزول هذا الارتفاع في الكرياتينين بمجرد موت المخ وإعطاء المريض مزيدا من المحاليل لغسل هذه المادة من الدم وإنعاش الأعضاء، وكذلك لا يعوق بعض الخراب المؤقت الحاد في الأنابيب الدقيقة في نسيج الكلى Acute tubular Necrosis إمكانية نقل الكلى أو الأعضاء الأخرى، إذ إنه يمكن أن يزول. كما أن غسيل الكلى مؤقتا بعد شتلها في مريض آخر يواجه هذه المشكلة ويحلها.
د ـ وقد يفهم أطباء العناية المركزة - خطأ - أن المريض مسبقا بارتفاع ضغط في الدم يعوق مرضه نقل الأعضاء إليه، سواء كان ارتفاعا طفيفا مستجيبا للأدوية المناسبة أو ارتفاعا شديدا أو غير مستجيب للعلاج، فرغم كل ذلك نجد أن إمكانية وهب الأعضاء موجودة إذ يمكن فحص العضو ساعة عملية جمع الأعضاء وأخذ العينات المقررة منها إذا ثار شك في ذلك، وكذلك المريض المصاب بمرض السكر الذي قد يمنع أخذ البنكرياس، ولكنه لا يحول دون الحصول على الكلى أو الكبد أو القلب أو الرئتين بشرط التأكد من عدم إحداث مرض السكر لدمار ذي بال في أعضاء الجسم الأخرى، والآن تبرز الأهمية الكبيرة لوظيفة منسقي عطاء الأعضاء المحترفين في المستشفيات، إذا ما ثار شك حول ملاءمة الأعضاء المنقولة في حالة موافقة المريض أو أهله على العطاء، وهؤلاء المنسقون موجودون على مدار الساعة لإسداء النصح واستجلاب استشارة من أخصائي شتل الأعضاء بشأن قضايا متخصصة محددة، وتقديمها إلى العاملين بالعناية المركزة.
2 ـ الواهبون الاحتماليون الواقعيون منهم وغير الواقعيين(2/54)
لقد كانت المقومات المستعملة لتعريف (الواهبين الاحتماليين الواقعيين) مقومات محافظة بما يتفق مع الممارسات الطبية السائدة في الوقت الراهن في المستشفيات الأسترالية، وقد درجت الممارسة على عدم تصنيف المريض على أنه واهب واقعي (أي يمكن عمليا الحصول على الأعضاء منه) إذا لم يكن من المنتظر أن يؤدي إجراء التنفس الصناعي له فائدة لهذا المريض، وكان هذا الاتجاه المحافظ كفيلا بحرمان المرضى الذين يموتون، وعائلاتهم، والمرضى المتلقين للأعضاء من المساهمة في ذلك، وهؤلاء المرضى الواقعيون كانوا تحت التنفس الصناعي الذي تم إيقافه، أما في حالة (الواهبين الاحتماليين «غير الواقعيين») فإن قرارا كان قد اتخذ بشأنهم بالامتناع عن مساندتهم بوضع قسطرة في حنجرتهم، ووضعهم تحت سيطرة التنفس الصناعي منذ البدء; لأن الأمل في شفائهم اعتبر معدوما، ولا يؤثر في (نهايتهم) استعمال أساليب المساندة الصناعية.(2/55)
وقد ثارت قضايا أخلاقية تتعلق بما إذا كان مناسبا وضع قسطرة الحنجرة ومساندة المريض بموت المخ بالتنفس الصناعي لمجرد صلاحيته لوهب الأعضاء، وخاصة حين أوصى أحد المرضى مشددا - وحرص أهله بقلق واضح على الإصرار على تنفيذ وصيته - بأن توهب أعضاؤه بعد وفاته، كانت حالته تزداد تدهورا وتشير إلى فقدان الأمل في الشفاء نتيجة نزيف متكرر واسع المدى في المخ، وأشارت هذه القضية إلى مسألة نقل بعض المرضى الميؤوس من شفائهم قصدا من القاعة العامة بالمستشفى إلى وحدة العناية المركزة لوضع قسطرة في حنجرتهم ووضعهم تحت التنفس الصناعي عند تدهور حالتهم. وقد استقر الوضع القانوني على اعتبار ذلك غير شرعي في بريطانيا. إذن من المتفق عليه ألا ينقل إلى العناية المركزة إلا المرضى الذين سيستفيدون هم من ذلك لصالح إنعاشهم والإبقاء على حياتهم في المقام الأول، لا بناء على نية مسبقة للحصول على أعضائهم، بناء على ما تشير إليه درجة تدهور لبضع ساعات فقط لو كانت حالتهم قد تدهورت واقتضت إدخالهم فورا لوحدة العناية المركزة (وعدم تركهم في القاعات العامة) مما يسمح بالحصول على الأعضاء منهم.
وهناك أيضا مرضى سرطان المخ الذين يتوقع موتهم بدون إنعاشهم، ويتم إدخالهم في القاعات العامة بالمستشفى، ويكونون قد طلبوا وهب أعضائهم بعد وفاتهم، وهنا يمكن الحصول على الكلى بعد توقف القلب مباشرة، ويناقش الآن في جامعة بتسبرج بالولايات المتحدة وضع برنامج رسمي للحصول على الأعضاء بعد الموت من المرضى (الذين يختارون انصراف الجهود الطبية عن مساندتهم)، ويتوفر بالتالي الوقت والمكان الملائمين بصورة محكمة للحصول على أعضائهم.(2/56)
وفي الدراسة الاسترالية فإنه تم ضم المرضى (الذين لم يمكن إنعاشهم) رغم كونهم أصلا ملائمين طبيا لوهب الأعضاء - إلى مجموعة المرضى الملائمين طبيا وواقعيا لنقل الأعضاء الاحتمالي، وعندما حل الموت أخيرا بعد إنعاش فاشل، سمحت تقنية جديدة سهلة بالغمر والتبريد الفوري للأعضاء الداخلية بمحلول حافظ داخل الشرايين بالبطن مع تصفية الدم الوريدي الخارج من جرح صغير في الصفن، وتم الحصول على الأعضاء بانتظام باستعمال هذه الطريقة في هولندا وبريطانيا، وتناسب هذه التقنية البلدان التي يسود فيها «الموافقة الافتراضية» بحيث لا يحتاج الأمر إلى موافقة الأهل طالما لم يسبق رفض الميت كتابة من قبل، حتى إذا رفض الأهل ذلك فيما بعد فإن القساطر المستعملة في حقن المواد الحافظة تزال، ويقفل الجرح الصغير في الجلد، ويمارس هذا الأسلوب مراكز طبية قليلة في أوروبا، في الوقت الذي يدور جدل عنيف حوله أثر تطبيقاته أخلاقيا، ولا يزال غير مقبول أخلاقيا وقانونيا في أستراليا، أما في بريطانيا فقد تم الحصول مسبقا على موافقة لجان الأخلاقيات الطبية قبل تنفيذ هذه التقنية، وكذلك فإن الإعلان الجماهيري الواسع والمتواصل في وسائل الإعلام لم يجتذب أي رد فعل معاكس، وربما تغيرت اتجاهات المجتمع وتعدلت التشريعات في استراليا في المستقبل بحيث يمكن اعتبار «المرضى الذين يفشل إنعاشهم» «واهبي أعضاء احتماليين».
3 ـ "الالتماس المطلوب» و«الموافقة المفترضة والاستجابة المطلوبة"(2/57)
وفي محاولة لتقليل النقص الحرج في الأعضاء الصالحة للشتل في الولايات المتحدة، أدخلت حكومات معظم الولايات تشريع (الالتماس المطلوب)، والذي يجعل من الضروري تقديم التماس رسمي للأهل للحصول على الأعضاء، فكلما أعلنت وفاة إنسان في مستشفى، فعلى الأطباء المشرفين أن يتأكدوا من صلاحية هذا المريض لوهب الأعضاء أو الأنسجة ويهيئوه لذلك، ويجب أن يناقش خيار العطاء مع أقرب الأهل، تلافيا لتردد هيئة الأطباء في طلب الإذن من الأهل الأقرباء، ورغم ذلك فقد فشل هذا التشريع في زيادة الواهبين فعليا بسبب ارتفاع نسبة رفض الأهل، ويلقي هذا الوضع ضوءا على النقص الحادث، حيث لا يأخذ في الاعتبار رغبة الواهب الاحتمالي، ويحيل مسؤولية اتخاذ القرار على أهله، وفي أستراليا وافق 44% من الأهل، مما يتناقض مع البحوث السابقة التي أشارت إلى أن 60% من الاستراليين يحبذون وهب الأعضاء، وما أشارت إليه إدارات المرور من أن 66% من الذين يبدون رغباتهم على بطاقة القيادة هم على استعداد لوهب الأعضاء في حالة الوفاة، ومع ذلك فإن من يوافق من الأهل لا يتجاوز 38%، لما يجده الأهل من صعوبة تحمل المسؤولية في غمار الأزمة العاطفية والحزن الجياش في مواجهة موت غادر سريع، ورغم عدم نص القانون الذي لا يفترض الحصول على إذن الأهل، إلا أن السعي إلى الحصول على موافقتهم دائما هو الممارسة السارية في أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة حتى لو كان الميت قد أبدى رغبته مسبقا قبل وفاته على بطاقة تطوع أو على إجازة قيادة للسيارة، وهذا يعني أهمية بذل كل الجهود لشرح مفهوم موت المخ للأهل بطريقة تمكنهم من تقديم موافقة حقيقية متبينة Truly Informed consent على وهب الأعضاء، وقد يستغرق التوضيح بعض الوقت، كما قد يحتاج الأهل فترة إضافية للتشاور فيما بينهم والوصول إلى قرار مشترك، وعلى هذا فبينما هناك درجة من الاستعجال في البدء في الحصول على الأعضاء (تفاديا لفقدان التوازن(2/58)
للدورة الدموية في الجسد Hemodynamic Stability)، فإن احتياجات ورغبات الأهل يجب أن يكون لها القدر العالى، وأن يوفر لهم من الوقت ما يحتاجون إليه ليأخذوا في اعتبارهم الرجاء المقدم إليهم بالتبرع، ويكون الرد إيجابيا لو مر وقت بين إخبار الأهل عن وفاة المخ وبين الطلب بالتبرع.
وقد يساعد على التغلب على هذا الموقف الصعب أن يتم إدخال تشريع (الموافقة المفترضة) في أستراليا مثلما هو معمول به في النمسا وبلجيكا والدانمرك وفنلندا وفرنسا والنرويج وسنغافورة، وبمقتضى هذا التشريع فكل شخص تفترض موافقته على وهب أعضائه في حالة وفاته، إلا إذا كان قد اعترض بإرساله مذكرة رسمية إلى أحد السلطات حول رغبته في ألا يصبح متبرعا بعد وفاته، ولمثل هذا التشريع بعض محاسنه الظاهرة، فهو يلغي الحاجة إلى الأهل في قرار وهب الأعضاء في مرحلة الحزن العميق وطوفان الأسى، فالقرار هو قرار إنساني في وقت يكون فيه قادرا على تأكيد عزمه، أو مصرا على رغبته في ذلك بكل حزم، إلا أن العائق الأخلاقي في مثل هذه الحالة هو أننا لا نعلم عن كل شخص - ممن لم يعترضوا - إن كان قراره افتراضيا مجردا أو نابعا من موافقة حقيقية. وللتغلب على هذه العقبة فقد أصدرت «اللجنة الأخلاقية لشبكة الشراكة في الأعضاء في الولايات المتحدة» ورقة مناقشة تقترح فيها نظاما يسمى «الاستجابة المطلوبة» Required Concent وبمقتضاه يكون التبرع إجباريا، بالنسبة لكل شخص تم تسجيل رغبته بالنسبة لوهب الأعضاء، من أجل استكشاف أفضليات الواهب في أثناء حياته، وللتأكد من أن حق كل امرىء في العطاء لا يمنعه رغبات الأهل بالرفض في وقت لا يكون بإمكان الميت أن يدافع عن رغبته بالتبرع، ولب هذا النظام من الناحية الأخلاقية هو ولاؤه بدون شائبة لقيمة الهوية الفردية والقيمة الذاتية للإنسان.(2/59)
وبإعطاء كل شخص بالغ الحق في رفض نظام الهبة فإن (نظام «الاستجابة المطلوبة») هذا يحترم حق الفرد في أن «يقف بعيدا عن المجتمع»، ويختلف هذا النظام عن نظام الموافقة الافتراضية Presumed consent الذي لا يقدم إلا حماية محدودة ضد خطر جمع الأعضاء من أفراد كانوا يعترضون على وهب أعضائهم، وتنتج الفائدة الجلية من مفهوم «الاستجابة المطلوبة» من إمكانية التغلب على الحيرة التي تنشأ كلما كان لا بد من اتخاذ قرار باستمرار مساندة التنفس والدورة الدموية في مريض ميؤوس من شفائه، فإذا كان مثل هذا الميؤوس من مساندته قد أبدى رغبته في التبرع، فإن الاستمرار في التنفس الصناعي والدوري يضمن تكريم هذه الرغبة إن أمكن ذلك، وعلى العكس من ذلك، وبنفس الأهمية فإنه إذا كان الميؤوس من شفائه قد أبدى رغبته في عدم التبرع فإنه لن يكون على هيئة العاملين في الرعاية المركزة أن (يجاهدوا) باستعمال الوسائل المساندة إذا اعتبرت غير ذي فائدة للمريض وسيؤدي نظام «الاستجابة المطلوبة» لا شك إلى تقليل الفاقد من حالات وهب الأعضاء إلى حد كبير.
4 ـ ومهما يكن النظام المتبع في الحصول على الموافقة على وهب الأعضاء، فمن الواضح أن أخذ التبرع في الاعتبار مسبقا قبل الوفاة أمر مرغوب فيه، «ومن المأمول أن يصبح مفهوم عطاء الأعضاء والأنسجة عندما يحل الموت هو الشيء الطبيعي، بدلا من أن يكون مصحوبا بقرار مشحون بعواطف بنت وقتها التعيس في حالة حزن الأهل الغامر».(2/60)
إلا أنه في الوقت الراهن على جميع العاملين في رعاية المرضى في حالات خطرة أن يعملوا في إطار التشريعات السائدة والبرامج المستقرة لوهب الأعضاء، ومن الواضح أن تطوير التشريع أمر وارد، وعلى كاهل العاملين في مجال رعاية المرضى، الذين يتلقون الأعضاء والمرضى المحتملين في هذا الصدد، تقع مسؤولية تعليم وإقناع الجمهور حول وهب الأعضاء في حالة الموت، والتأكد من أن قانونية وهب الأعضاء ومفاهيمه واضحة على نطاق جماهيري واسع، وأنها مفهومة تماماً من جانب الهيئة الطبية، وعلى الذين يراعون المرضى في حالات حرجة ويتوقع أن يصبحوا واهبين محتملين للأعضاء، تقع المسؤولية تجاه مرضاهم - إذا لم يكونوا - أي المرضى - قد عبروا عن رفضهم لوهب أعضائهم، وتقع عليهم المسؤولية أيضا تجاه المرضى الآخرين الذين هم في حاجة ماسة إلى شتل لأعضاء بدل التالفة في أجسامهم الواهنة وهم على شفا موت يمكن إنقاذهم منه بفضل أريحية الآخرين وتكافلهم.
رابعا: بيان وإرشادات جمعية العناية المركزة الأسترالية والنيوزيلاندية حول موت المخ عام 1995 (37).
1 ـ تم تكوين فريق عمل حول موت المخ لإصدار بيان قياس للممارسة الطبية الحديثة للتأكد من تشخيص موت المخ، لما له من أهمية خاصة في وقت ثارت فيه الشكوك حول صلاحية الأساليب السريرية للتأكد من هذا التشخيص، وكذلك فقد هدف هذا البيان إلى تقديم توضيح وحلول للاستخلاصات المشوشة المؤقتة التي تدور حول الإرشادات والتشريعات ونظم الممارسة الطبية (وما أحوجنا نحن في مؤتمرنا إلى مثل ذلك).(2/61)
ولقد استرشدت لجنة العمل الاسترالية النيوزيلاندية ببيانين رئيسين سابقين صدر أحدهما عن أمين مؤتمر الكليات الطبية الملكية في المملكة المتحدة في 11 أكتوبر 1976، وصدر الثاني عن المستشارين الطبيين حول تشخيص الموت، المكلفين من «اللجنة الرئاسية لدراسة المشاكل الأخلاقية في الطب والبحوث الطبية الحيوية»، وهذا التقرير الثاني قدم «إرشادات لتقرير الموت» ويشار عليه في الوثيقة المذكورة تحت اسم تقرير اللجنة الرئاسية»، وكان الهدف من دراسة هذين البيانيين وغيرهما من الأدبيات العالمية في الموضوع هو إصدار توصيات منطقية واضحة وحازمة إلا أنها تجمع المنطق الرئيسي والأدلة الواردة في البيانين المشهورين أعلاه، وترضي كلا من التعريفات القانونية، والتعليمات، كما تقدم مستويات قياسية للممارسة الطبية تطمئن الجمهور والأطباء الممارسين في نفس الوقت، إلا أن تشخيص موت المخ قد تم التوصل إليه دون أدنى شك أو ريبة، وقد وجد الأعضاء - رغم أنهم لم يسبق لهم تأكيد موت المخ تحت ظروف ضاغطة مماثلة - أنهم كانوا غير قادرين على مقاومة الحجج القوية التي تبدت ظاهرة واضحة، وأحسوا جميعا بأنهم مضطرون إلى التوصية بهذه الإرشادات المحددة المضبوطة. (ويشير بيان لجنتنا هذه إلى تشخيص وتأكيد موت المخ في البالغين وفي الأطفال فوق سن شهرين من العمر، حيث إن تشخيص موت المخ تحت عمر شهرين قد يكون أكثر صعوبة ويحتاج إلى فترات زمنية مختلفة عنه في الكبار).
2 ـ السياسة المثلى للجمعية الاسترالية/النيوزيلاندية حول وهب الأعضاء:(2/62)
لقد أدى النجاح المتزايد لشتل الأعضاء والنسبة المتدنية للعطاء إلى نقص واضح معتبر فيما يمكن أن يتاح من الأعضاء لبرامج الموهوب، ويقترب هذا النقص من نسب حرجة في الوقت الذي أوضحت فيه صناعة شتل الأعضاء احتياجاتها المالية للدول والسلطات المقررة للميزانية، وتصاعدت الضغوط لزيادة الحصول على الأعضاء، وتزايدت المطالبات باتخاذ مواقف عملية مفيدة، وترى الجمعية أن المسؤولية ستكون على عاتق الأخصائيين في العناية المركزة للتحكم في حركة الحصول على الأعضاء، والتي إذا تركت من غير مراقبة فإنها قد تؤدي إلى عكس ذلك وتدمر برامج وهب الأعضاء، وهذا مما يهدد رعاية المرضى في الحالات الحرجة ورعاية أقربائهم.
ولذلك فإن الدور الذي يلعبه أطباء العناية المركزة سيكون محوريا في استدامة التبرع بالأعضاء، ويحتاج للعلاقة بين الطبيب والمريض، هذه العلاقة التي تملي على التصرف السلوكي أنساق القيم الخلقية والضميرية أكثر من التعليمات الإدارية والقانونية، ولا يتمنى أحد أن يفرض القانون على أطباء العناية المركزة، وأن يشخصوا موت المخ أو يفتشوا عن بطاقة كتبها مريض يوافق فيها على منح أعضائه حسب قانون يعين بذلك، والبديل هو أن نصبح نحن - أطباء العناية المركزة - الجسم المعنوي القياسي الذي يبني شفرة للممارسة الطبية تزيل من الطريق الحاجة إلى القوانين التي تملي سلوكياتنا، وتحاول - وهذا أكثر أهمية - أن تتلمس مشاعر المجتمع وتعلنها للأطباء ليعملوا بمقتضاها، وتظهر استطلاعات الرأي في استراليا أن من يساندون وهب شتل الأعضاء هم من 60 - 80% من السكان، وأصبح مزيد من السكان يناقشون الهبة ويتطلعون إلى التبرع بأعضائهم، وهناك تشوف واضح من الجميع، متوقع تماما، إلى أن تحترم هذه الرغبات في التطوع بصورة تلقائية، (ودور أطباء العناية المركزة في مساندة واحترام هذه الرغبات الجماهيرية لا يمكن الإفلات منه).(2/63)
3 ـ ملاحظات مهمة حول عناصر الاضطراب في التفكير الحالي مما يدعو إلى إحكام العمل بالإرشادات السياسية الجديدة للجمعية.
1 ـ أظهرت البحوث عام 1989 أن الأطباء والممرضات المتوقع اشتراكهم في برامج الحصول على الأعضاء عندهم نقص مزعج في تفهم موت المخ، ورغم أن أخصائي العناية المركزة كان يتوقع تمتعهم بمقدرة جيدة على تفهم موت المخ إلا أن الفروق بين موت جذع المخ وتعريف موت كل المخ لم تزل غير مفهومة.
2 ـ وكذلك فإن الهدف من ترخيص الموت كان مشوشا، وكثيرون كانوا لا يعون أن التصريح الرسمي بوساطة طبيبين يتعلق بالتأكيد على موت المخ وبصفة خاصة في وهب الأعضاء.
3ـ ولم يكن كثيرون مستيقنين مما يمكن فعله إن كان هناك انسداد في الأذنين بشمع أو دم، أو كانت العينان مغلقتين بالكدمات أو باستعمال التصوير الإشعاعي عندما يكون المريض قد تلقى مهدئات.
4 ـ واختلفت الممارسة بالنسبة لضغط الدم وحرارة الجسم عند تقييم موت جذع المخ اختلافا كبيرا.
5 ـ كما كانت هناك اختلافات حول مدى تكرار الفحوص، والفترة الزمنية بينها، ومدى تفهم البيانات الرئيسية السابق ذكرها، وبالطبع فإن موضوعا خطيرا محوطا بكثير من الانعكاسات العاطفية مثل موت المخ يجب أن يعالج بأساليب تتحلى بحسن الاضطلاع بالمسؤولية، كما أن إصدار التعليمات حول جوانب المعرفة الأساسية والفهم والإرشادات الأساسية التي تهدف كلها إلى تناول موحد للتثبت من موت المخ مما يتسق مع مستوى من الأداء الطبي يمكن الدفاع عن سلامته.
وليس معقولا أن يتوقع أحد موافقة تلقائية وقبولا مباشرة إذا كانت هناك اختلافات واسعة في الأساليب المستعملة لتقييم موت المخ حتى ولو كانت نتيجة التقييم واحدة بعد استعمال الأساليب المختلفة (مثلما يحس به بعض الإخوة الأطباء في مصر).(2/64)
وكذلك فإن ممارسات الأطباء لا يكفي أن تعكس فقط وجهات النظر الطبية الموضوعية حول موت المخ وإنما يجب أن تعبر أيضا عن متطلبات المجتمع الذي ينتظر أن يُطَمْأن على أن الممارسات الطبية متماسكة ويعتمد عليها وليست منحازة.
4 ـ نص بيان الجمعية الأسترالية النيوزيلاندية وإرشاداتها حول موت المخ:-
أ ـ إن التعريف القانوني للموت في أستراليا (ما عدا الغرب) بولاياتها ومناطقها هو أن الشخص ميت حينما يكون هناك توقف لا رجعة فيه Irreversible لدوران الدم في جسم الشخص أو توقف لا رجعة فيه لكل وظيفة مخ الشخص وفي غرب استراليا يمكن أخذ الأعضاء والأنسجة بغرض الشتل إذا شهد اثنان من الأطباء أن توقفا لا عودة فيه لكل وظيفة المخ قد حدث.
ب ـ يجب أن يستعمل التعبير (موت المخ) ليدل على التوقف الذي لا رجعة له لكل وظيفة المخ، ولا يجب استعمال التعبيرين «موت المخ» و «موت جذع المخ» لوصف المريض الذي مات مخه.
فموت المخ يكون حادثا عندما يحدث فقدان لا رجعة له لليقظة وفقدان لا رجعة له للاستجابات المنعكسة من جذع المخ ووظيفة مركز التنفس، أو توقف لا رجعة له لسريان الدم داخل الدماغ.
ج ـ ويؤكد الاختبار الإكلينيكي لوظيفة جذع المخ موت المخ على شريطة أن يتم الوفاء بكل الشروط المسبقة Preconditions كما ذكرت هذه الاختبارات وشروطها المسبقة في تقرير أمين كليات الطب الملكية البريطانية في 11 أكتوبر 1976 مع الإضافة التالية: في نهاية فترة الفصل عن جهاز التنفس الصناعي لا بد أن يكون قد تواجد مثير تنفس كافٍ ألا وهو مستوى لضغط غاز ثاني أكسيد الكربون في الدم قدره أكثر من 60 مم زئبق وأن تكون حموضة الدم أقل من 7.3.
د ـ الترخيص بموت المخ: حين يحدث جمع الأنسجة أو الأعضاء بعد الموت بغرض شتلها في نفس الوقت الذي يتم فيه إدامة تشغيل التنفس وبالتالي الدورة الدموية للشخص بوسائل صناعية:(2/65)
إن إصدار الترخيص بالتوقف الذي لا رجعة له لوظائف المخ بوساطة اثنين من الأطباء حسب مواصفاتهما المحدودة قانونا هو مطلب قانوني حيث سيتم أخذ الأعضاء أو الأنسجة لشتلها بعد الموت.
ويتطلب تأكيد تشخيص موت المخ أن يتم تأكيد اللارجوع عن توقف وظيفة المخ Irreversible cessation of brain function في خلال فترة مراقبة مناسبة ويجب إجراء فحصين منفصلين خلال هذه الفترة بوساطة طبيبين يتم تقرير مستواهما قانونياً من أجل تأكيد توقف وظيفة المخ وإظهار اللارجوع فيها بجلاء.
ولا يكون الترخيص صحيحاً Valid حتى يتم عمل فحصين إكلينيكيين منفصلين ولا يجب إجراء الفحص الرسمي الأول Formal حتى تكون فترة ساعات أربع على الأقل قد مرت يكون المريض في أثنائها في غيبوبة، من غير أن تستجيب حدقتا عينيه للضوء وفي غياب انعكاسات عصبية من القرنية وغياب الاستثارة للكحة والبلغم، وغياب النشاط العضلي التلقائي والتنفسي، ويجب أن يكون قد تم تسجيل هذه المراقبة المستمرة طيلة هذه الفترة بوساطة الممرضات أو الهيئة الطبية، ويجب ألا يجري الفحص الثاني قبل مرور ساعتين على الأقل بعد الفحص الأول، أما بعد إصابة المخ بنقص أولي في الأكسجين Primary Hypoxic Brain injury فيجب ألا يتم الفحص الأول قبل مضي فترة من المراقبة المستمرة، لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة على الأقل، وقد يختار الطبيبان أن يتواجدا في كلا الفحصين، إلا أن كلا منهما يجب أن يجري في الحقيقة واحدا من الفحصين ويكون مسؤولا عنه.
هـ ـ ترخيص موت المخ Cerification of Brain death في الحالات التي لن يتم فيها جمع الأنسجة بعد الموت بغرض شتلها: ليس هناك في هذه الحالة متطلبات قانونية لترخيص موت المخ بوساطة اثنين من الأطباء حيث لم يجر جمع للأنسجة لشتلها، ومع ذلك.? ورغم عدم التبرع بالأعضاء، فإنا نوصي بممارسة إصدار ترخيص رسمي بموت المخ بوساطة اثنين من الأطباء.(2/66)
وـ إذا لم يكن من الممكن توفير الظروف السابقة قبل التشخيص الإكلينيكي لموت المخ وتأكيده، فيجب إجراء فحص إشعاعي لثلاثة أو أربعة أوعية دموية بالحقن المباشر للصبغة الذرية Direct Three or Four Vessel Radio Contrast Angiography غياب سريان الدم داخل الدماغ Absent Intracranial Blood flow ، ويجب أن يكون هذا الغياب للدورة الدموية من كل من الدورة القاعدية العنقية Vertebro- Basilar والدورة فوق الخيمة داخل الدماغ Supratetnorial Circulation كما يمكن بوساطة فحص بالإشعاع النووي Radio Nuclide Exam من أن يظهر بثقة حالة سريان الدم في جذع المخ والمخ على أن:
زـ شهادة الموت المكتوبة النهائية يجب إصدارها بوساطة اثنين من الأطباء الممارسين الذين يحدد القانون صفتهما ولا يتضمنان الطبيب الذي قام بالفحص ويجب أن تتبع أيضا قاعدة الملاحظة لفترة ست ساعات للغيبوبة وغياب الانعكاسات من جذع المخ كلما كان فحصها ضروريا، وأن تسبق هذه الفترة إجراء الفحص.
ح ـ يجب تسجيل وقت الموت The time of Death على أنه الوقت الذي تم فيه اكتمال ترخيص موت المخ Certification of Brain Death أي بعد الفحص الثاني المؤكد للفحص الأول.
5 ـ السياسة النموذجية لجمعية الرعاية المركزة الاسترالية النيوزيلاندية حول وهب الأعضاء Model Policy On Organ Donation.
وهب الأعضاء: المبادىء المرشدة:
* إن هذه السياسة تقوم على مبدأ أساسي Fundamental Principle ألا وهو استمرار واجب الرعاية للمريض الذي هو: أساس علاقة المريض/ الطبيب.
إن تأكيد الوفاء بتلبية رغبات إنسان ليهب أعضاءه بعد الموت يتسق مع هذا المبدأ المذكور أعلاه.
إن التأكيد على أن توفير الرعاية الطبية لهذا المريض له الأسبقية على المصلحة في وهب الأعضاء هو مكون وضروري لهذا المبدأ.
إن حماية وقار وخصوصية الشخص هو جزء من الواجب على عاتقنا نحن الأطباء إزاءه.(2/67)
إن مد التعهد للمريض برعاية عائلته يكمل واجب رعاية المريض.
* إن اعتبار حاجات الأشخاص الاحتماليين المتلقين للأعضاء هو مسؤولية ثانوية تقوم على عاتق الممارسين الأطباء إلا أنها مع ذلك مسؤولية حيوية.
مسؤولية أخصائي العناية المركزة في التأكد من رغبات المريض وتوفير الأعضاء لشتلها، وتقديم وإدامة المساندة للواهب المحتمل:-
إن مساندة عملية وهب الأعضاء كاستمرار لأداء واجب للمريض والالتزام إزاءه، ومن أجل الفائدة المحتملة للمرضى الآخرين - إنما هي مسؤولية مهنية وخلقية على عاتق أخصائي العناية المركزة.
إن الواهب المحتمل هو مريض بإصابة حادة في المخ حيث تدل شدة تلك الإصابة على احتمال قوي بحلول موت المخ.
إن إدامة التنفس Ventilation وغيره من أساليب المساندة، حين قد يكون وهب الأعضاء هو فقط الناتج الإيجابي The only postive outcome? هو عمل أخلاقي مبرر واستعمال سليم للموارد طالما اتسق مع المبادىء المرشدة للعمل.
إن البدء في تقديم المساندة الطبية أو إكمال المساندة الأولية، عندما يكون وهب الأعضاء هو الناتج الإيجابي الوحيد، يمكن أن يتأسس على احترام رغبات المريض ويعتمد على المعرفة بهذه الرغبات التي سبق التعبير عنها.
ويجب ألا تكون مستويات المعالجة الطبية للواهب المحتمل للأعضاء أقل من تلك التي تقدم إلى المريض بإصابته في المخ.
ـ وحتى يتم تأكيد موت المخ رسميا، فليس من المنطقي ولا المنسجم أن يتم تنفيس المريض من غير مساندة ضغط الدم والحفاظ على حرارة الجسم وغيره من أساليب الرعاية عامة، إن الفشل في بدء مثل هذه الأساليب المساندة أو في سحبها بغرض تفادي طلب التبرع بالأعضاء هو عمل غير مبرر أخلاقيا.
ـ ويجب أن تستمر كل أساليب المساندة بعد التأكد من موت المخ حتى يتم التأكد من أن وهب الأعضاء لن يحدث.
ويجب أن يكون المريض صالحا لوهب الأعضاء أو الأنسجة.(2/68)
ـ وما لم يتم استبعاد وهب الأعضاء بسبب عائق مطلق Absolute Contraindication فالنصيحة هي أن تستجلب كل القرارات حول مدى الملاءمة الطبية للواهب من خلال منسق شتل الأعضاء، وكلما ثار شك فيما يتعلق بعمر الواهب أو بمدى ملاءمته طبيا فيرجع في ذلك إلى منسق شتل الأعضاء.
ج- وصايا المريض ومناقشة وهب الأعضاء.
ـ يجب أن تحترم رغبات ووصايا المرضى فيما يتعلق بوهب أعضائهم أو أنسجتهم.
ـ وفي معظم الحالات فإن رغبات المريض الميت وأي تغيير تالٍ فيها يمكن فقط التأكد منها من خلال مناقشة العائلة، وعندما لا تكون رغبات الميت معروفة فيجب التحري من أقرب أقربائه حول قرارهم بالنيابة عن فقيدهم.
ـ وليس من اللائق للطبيب أو غيره من ممارسي المهنة الطبية أن يقرروا الامتناع عن وهب الأعضاء من تلقاء أنفسهم.
د- مسؤوليات أخصائي العناية المركزة في سؤال وهب الأعضاء:-
ـ يجب أن تكون المناقشة حول وهب الأعضاء قد سبقتها دائما توصيات كافية ومناقشات حول مرض الموت.
ـ وإنه لمن مسؤولية أخصائي العناية المركزة أن يؤمن استمرارية الاتصالات مع عائلة المريض.
ـ ويجب أن يكون الشخص الذي سيدير المناقشة حول وهب الأعضاء شخصا كفؤا ويتحلى بخبرات كافية وأن يكون عضدا وسندا لوهب وشتل الأعضاء.
ـ إن من مسؤوليات أخصائي العناية المركزة الذي يرعى المريض أن يتأكد من كفاءة الشخص الذي سيناقش قضية وهب الأعضاء.
ـ كما أن من المقبول مهنيا أن يقوم الطبيب الذي كان يعالج المريض بمناقشة وهب الأعضاء.
فإذا فضل أخصائي العناية المركزة ألا يكون هو الشخص الذي يناقش وهب الأعضاء (مع العائلة) فإنه يصبح من مسؤولياته أن يتأكد من وجود شخص آخر على كفاءة ملائمة للولوج في هذه المناقشة وأن يقدم هذا الشخص إلى العائلة.(2/69)
ـ وليس من المستحب عادة أن تكون قد جرت مناقشة وهب الأعضاء مع عائلة المريض قبل موته، ولكن هذه الملاحظة لا تنطبق على الحالة التي يقترح فيها بدء العلاجات المساندة فقط بهدف الحصول على الأعضاء، وإذا كان هناك ضرورة للمناقشة فيجب أن تتسم بالحرص الشديد.
ـ ويجب أن يتم إعلام العائلة إعلاما كافيا بالقوانين المتعلقة بالإقرارات وبدورهم في الإفصاح عن الرغبات المعروفة لقريبهم أو قيامهم بالتصرف نيابة عنه.
ـ ويجب إتاحة وقت كاف للعائلة لقبول حقيقة موت المخ، كما يجب أن يتأجل أي نقاش حول وهب الأعضاء حتى يحدث هذا التقبل للموت، وإذا كان هناك قرار مطلوب اتخاذه من أقرب المقربين للمتوفي، فيجب عدم استعجالهم لاتخاذ قرار بوهب الأعضاء.
ـ كما يجب أن يتأكد أخصائي العناية المركزة من حصول العائلة على بيانات كافية، ووقت كاف ومساندة كافية عندما يطلب منهم اتخاذ قرار بالنيابة عن فقيدهم.
ويجب أن تبني الموافقة Consent على أساس من المصارحة التامة.
د - رعاية الواهب وعائلته:
ـ يجب أن يعالَج المريض الواهب بما يستحق من رعاية واحترام.
وبمجرد إتمام الموافقة فمن الضروري أن يتغير واجب الأخصائي إلى مساندة نجاح وهب الأعضاء.
وإنه لمن مسؤولية أخصائي العناية المركزة أن يتأكد من أن عائلة الواهب تحظى بمساندة عاطفية واجتماعية كافية في الفترة التي تلي الموافقة على وهب الأعضاء من فقيدهم.
هـ - مسؤولية الهيئة العلاجية ومستواها: -
يجب أن تتم رعاية كل الهيئة العلاجية - ممرضات وأطباء وغيرهم - ومساندتهم بالتساوي كما يجب أن نعي أن موضوع كفاءة أداء العمل في وحدة العناية المركزة Quality Assurance Standard هو التعرف على واهبي الأعضاء المحتملين ومساندتهم والحصول على الموافقة على وهب الأعضاء، ورعاية عائلة الواهب والعناية بالهيئة الطبية المعالجة.
ثانيا: المثال الأوروبي (31)(2/70)
يضم المجتمع الأوروبي الذي يجمع النمسا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا حوالي 110 مليون نسمة، وكانت نسبة التبرع بين عامي 1992-1993 هي:
20 ـ 29 متبرعا في المليون من السكان في النمسا وبلجيكا.
12 ـ 13 متبرعا في المليون من السكان في ألمانيا وهولندا.
وترجع الفروق إلى اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية والدينية، والعدد المتاح من أسرة العناية المركزة، وعدد حالات حوادث الرأس المميتة، واختلاف طرق التعليم الملائمة، ونشاط فرق التنسيق وغيرها.
وعند مناقشة أسباب رفض العائلات للتبرع نجد أن نسبة 14.3% تعود إلى الرغبة في احترام الجثمان، ولا ترغب في جمع الأعضاء من الميت بالجراحة، وتخاف من المثلة بالجثمان.
وهناك 25.4% من حالات الرفض لأسباب عنصرية أو دينية (28% كاثوليك + 6% مسلمون + 6% يهود + 5% بوذيون + 2% بروتستانت).
كما أن هناك أسبابا عائلية تصل إلى 60.3% من أسباب الرفض (لم يتفق الأب مع الأم، أو بسبب الحزن الشديد أو بسبب عدم قبول فكرة موت المخ أو لصعوبة التمادي في الإقناع من جانب الأطباء).
وفي دراسة ضمت 2.4 مليون فرد تبين أن:
46.9 % سمعوا بالحملة المتعلقة بالدعوة لشتل الأعضاء.
65 % ناقشوا الموضوع مع عائلاتهم أو أصدقائهم.
63 % يعتبرون أنهم لم يتم تبليغهم جيدا.
92 % يعتقدون بأهمية شن حملة على المستوى القومي.
92 % يودون الحصول على بطاقة مشاركة مع احتمال أن يغيروا قرارهم مستقبلا.
وقد ناقشت البحوث في هولندا كيف يزيد الإحساس بالاطمئنان في لقاء الأهل بالأطباء والهيئة التمريضية للحث على التبرع لشتل الأعضاء، واتضح أن هذا الهدف يمكن التوصل إليه بأسباب منها:
ـ المران على لقاء الأهل والحديث معهم - والمران على توصيل الأخبار السيئة - واستعمال الفيديو لمراجعة خبرة الأهل المكلومين في هذا الصدد - العمل في فريق من الأطباء والهيئة التمريضية في لقاء الأهل.(2/71)
ـ كما تم عمل برنامج لمجموعة الدول الأوروبية لتسهيل مهمة التفاهم مع الأهل وإقناعهم بأهمية التبرع وخيريته، وكانت الأهداف هي:
ـ رفع مستوى الوعي الوظيفي بنقل الأعضاء بين أعضاء الفرق الطبية والمساعدة.
ـ تطوير وعي هذه الفرق باحتياجات المكلومين وتطوير الوعي باحتياجات التعامل مع مجموعة من ردود فعل الأحزان عند طلب التبرع بالأعضاء.
ـ عمل برنامج كامل من وسائل الإيضاح يتضمن تاريخ نقل الأعضاء والأنسجة وواقعه وبعض ملامح النقص الحالي بالنسبة لاحتياجات المرضى وبعض الحلول الممكنة.
ـ كما تم تكوين ورشة عمل حية لمدة يوم كامل لرفع مهارات الوعي عند مختلف التجمعات المهنية والطبية التي لها علاقة بالأهل بهدف تعليمهم كيفية التلطف في توصيل الأخبار الحزينة ودراسة رد الفعل إزاء الحزن.
المثال الإسباني - مثال متقدم في أوروبا من الناحية المجتمعية (29):-
نجح الأسبان في رفع معدل وهب الأعضاء من 14.3 واهبا في المليون من السكان عام 1989 إلى 25 واهبا في المليون من السكان عام 1994.
وهكذا زاد الحصول على الأعضاء بمقدار 90% بالرغم من نقص إصابات الدماغ بحوادث الطرق بمقدار 28%، مما يعكس ازدياد النشاط الاجتماعي المرموق في إسبانيا، بالتركيز على توعية الأطباء، وبتعيين منسقين محترفين في مختلف مناطق البلاد للتأكد من كفاءة المنسقين الموجودين في كل مستشفى يحتمل وجود واهبين محتملين بها، ولمساعدة العاملين بالمستشفى على التعرف على الواهبين، والمحافظة على أعضائهم من التلف، وحسن التعامل مع العائلات المكلومة، والمساعدة والتنسيق في العملية الجراحية لجني الأعضاء.(2/72)
وهناك اهتمام في إسبانيا بتوفير الخبرات العالية في الإدارة والاتصال، وتوفير التعليم المستمر والتدريب للمنسقين وفق برامج تغطي كل الجوانب العلمية والعملية لشتل الأعضاء، وبتوثيق الصلات بين المنظمة الوطنية لشتل الأعضاء ووزارة الصحة، لتبادل المعلومات وتقليل المشكلات، وتوثيق عرى التعاون بين المنظمة - كهيئة خدمة عامة - وكثير من الوكالات الاجتماعية عن طريق عمل على مدار الساعة للاستجابة لأسئلة الواهبين أو الجمهور أو رجال الإعلام، ولزيادة توفير جو إيجابي في جميع الأوساط في إسبانيا حول شتل الأعضاء، والقضاء على التردد في الاتصال بعائلات موتى المخ، وكل ذلك يعني الاحتراف وإحكام التنظيم حيث يتواجد مرضى موت المخ.
ويوضح ذلك أن المجتمع الإسباني قد تخطى عقبة القبول الواعي الواثق المطمئن الذي لا يثبط من همته التخويف، وكون منظماته الخيرية التطوعية، وحدد مشاكله الإدارية والتدريبية، وخلق فرصا للاحتراف في تذليل عقبات المنح بوساطة منسقين محترفين مما يعكس قبولا مجتمعيا عاما.
ثانيا: المثال الأمريكي: (30).
تتكون الشبكة الموحدة للشراكة في الأعضاء عبر الولايات المتحدة من 277 مركزا لزرع الأعضاء لديها:
866 برنامجا (247 برنامجا للكلى، 114 للكبد، 116 للبنكرياس، 167 للقلب، 92 للقلب/ رئتين، 84 للرئتين، 26 للأعضاء الأخرى، 20 للبنكرياس وجزر أيليت).
69 منظمة للحصول على الأعضاء.
153 مختبرا لتجانس الأنسجة.
12 عضوا عاما، 39 مديرا، 11 إدارة داخلية، 11 منظمة عبر أمريكا.
في عام 1994 حصلت الشبكة الموحدة للشراكة في الأعضاء على 19210 عضو، وشتلت منها 18251 عضوا من أحياء ومن أموات، وتضم قائمة الانتظار 37 ألف مريض، وتزيد قائمة الانتظار عام 1988 عن الزرع بمقدار 25%، تزيد قائمة الانتظار عام 1994 عن الزرع بمقدار 50%، وتزيد قائمة الانتظار في الكلى عام 1994 بمقدار 159%.(2/73)
ويتم تخصيص الأعضاء للمرضى المنتظرين على أسس طبية تماما بدون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس.
ولا يحدث تغييرات في نظم التخصص إلا بوساطة لجان مختلفة تشير على مجلس الإدارة بذلك بعد أن ترسل استشارات إلى ثلاثة آلاف جهة في الحكومة والجمهور والقطاع الخاص لتقييم التغيير المطلوب، وتبذل الشبكة جهودا فائقة لزيادة وهب الأعضاء من خلال التعليم العام وفي مدارس التمريض وكليات الطب وبرامج تدريب الأطباء القائمين بإجراء فحوص التأكد من موت المخ.
وقامت الشبكة بتكوين «هيئة التبرع التضامني» القومية للتضامن بين منظمات المرضى والمحترفين والعلماء والحكومة والهيئات التطوعية والتجارية المكرسة لجهودها لزيادة الوعي لاحتياج الآلاف للتبرع، مع مساعدة من هيئات المدرسين لشن حملة قومية منسقة لتعليم الجمهور، وتحصل الشبكة على فترات إعلانية مجانية مقدارها 25-30 مليون دولار.
وهناك خدمة كمبيوترية على مدار الساعة لتنظيم إيداع كل عضو متبرع به أو نقله إلى المحتاج.
وهناك مواصفات مكتوبة مفصلة عن كل عضو يتم التبرع به تتعلق بمواصفات المتبرع الميت والمتبرع الحي والمتلقي وعدد مرات التئام العضو بالمريض، ومواصفات المريض المنتظر، ومتوسط وقت الانتظار، ونشاط منظمة جمع الأعضاء، ومراكز شتل أعضاء وغيرها..
وأصدرت الشبكة تقريرا عن نشاط شتل 60800 عضو إلى 45757 مريضا ما بين 1987-1991، وتم تحليل عوامل الخطر لكل عضو، لتبين حيوية بقاء كل عضو مزروع على المستوى القومي مقارنة بذلك في كل مركز لشتل الأعضاء.
وباستعمال مزج للمخاطر على المتبرع والمتلقي في كل مركز فإن مدى الحياة المتوقع يمكن مقارنته بمدى الحياة الفعلي، وتقييم أداء كل مركز بالنسبة لكل عضو مشتول، مقارنة بالحياة المتوقعة على المستوى القومي، ونشر ذلك في تقرير من 2700 صفحة في تسعة أجزاء.(2/74)
وقد أوضحت الإحصاءات أنه بين عامي 1988-1993، كان عدد الواهبين 26510، ومتوسط عدد الأعضاء من الواهب 3.4، والعدد الكلى 80592 وعدد المتلقين 79019 (ومنها 45702 كلية + 15961 كبدا + 12049 قلبا + 3036 بنكرياسا + 1919 رئة + 352 قلبا، ورئتين + 1573 تلقوا أكثر من عضو واحد).
وارتفع عدد الأعضاء الموهوبة، من 2.9 من الواهب الواحد إلى 3.71، فزاد بذلك عدد الأعضاء المجموعة بمقدار 48%.
وتشتد الحاجة إلى الكلى بمقدار 15% سنويا، وبلغ عدد المرضى المنتظرين لشتل كلى 30 ألف مريض في 1995، وزادت مدة الانتظار عن سنتين، في حين كان عدد الكلى في عام 1991 هو 7734 كلية ووصل عام 1994 إلى 8374 كلية، ويتوقع ألا يزيد عدد الواهبين عن سبعة آلاف هذا العام.
ويوافق على التبرع الآن 56% من عائلات المرضى المتوفين، وبزيادتهم إن أمكن إلى 80% سيزيد الواهبون بمقدار ألف واهب جديد (ألفي كُلية) بما قد يغطي قائمة الانتظار الحالية مع وجود 12 ألف مريض يضافون إلى القائمة سنويا.
وتمثلت الاقتراحات للتغلب على نقص الأعضاء في عمل جهود حثيثة:
ـ لتوسيع قاعدة الهبة إلى الواهبين من توقف القلب، والأطفال الميتين بين سنة وخمس سنوات، وكبار السن حتى 79 سنة.
ـ ولمنح حوافز للواهب الحي ولأهل الميت.
ـ واللجوء إلى تشريع الهبة المفترضة (كل من لم يعترض قبل الموت كتابة فهو واهب).
وهناك 22.3% من الواهبين الآن فوق سن الخمسين، واتسعت قائمة الواهبين إلى مرضى السكر وارتفاع ضغط الدم والالتهابات المحدودة وأوضحت الإحصاءات في ولاية واشنطن العاصمة وجود 40 ألف أمريكي على قائمة انتظار الولاية (49% من الأقليات ينتظرون، و22% منهم يتبرعون) ويموت 8 أشخاص من المنتظرين يوميا، ويمكن لواهب واحد أن يقدم من 8-10 أعضاء تنقذ قدرا مماثلا من المرضى? وحوالي عشرين نسيجا تحسن نوعية الحياة.(2/75)
ويتبرع الأمريكيون البيض بمعدل 25 متبرع في المليون من السكان والأمريكيون المختلطون 15 في المليون، والأفارقة 20 في المليون، وإذا زادت النسبة إلى 25 في المليون للجميع فستعطي وفرا في الميزانية مقداره 44-46 مليون دولار للكلى، وإذا تضمن بقية الأعضاء يصل إلى بليون دولار.
خامسا: النتائج التي حققتها جراحة شتل الكلى في العالم المتقدم (38):-
بالتقدم الذي حدث في الأدوية الكابتة للمناعة حدث تقدم كبير في شتل الكلى في العقد الأخير.
1 ـ وبلغت نسبة إعاشة الكلى المنقولة إلى 80%، وقد جعل ذلك النجاح من شتل الكلى اختيارا بديلا لأي علاج لمرض الكلى المتأخر End stage Renal Disease في المدى القصير، وبدأ التركيز على الإعاشة الطويلة الأمد Long Term Survival وعلى نوعية الحياة في المدة المعاشة Quality of Life وتقدر مدة الحياة بعشر سنوات في 60%، وعشرين سنة في 44%،
(36-78%) (10 سنوات) في البالغين، كما تقدر بمدة عشرين سنة في 80% في الأطفال، وتعريف نوعية الحياة هو أنه التفاعل الوظيفي المستمر المتبادل بين المريض ومحيطه من جوانب عامة وصحية وعقلية واجتماعية.
وقد اعتبرت نوعية الحياة من هذه الجوانب أحسن النوعيات العلاجية لمرضى الكلى المتأخر.
وتقدر حالة المراجعين على المدى الطويل (25 عاما) بأنها بين الجيد والممتاز في 75% من المرضى.
كما تقدر نوعية الحياة بأنها ممتازة إلى جيدة في 91% من الأطفال فقد عاشوا أكثر من عشر سنوات ونسبة تشغيلهم في أعمال تراوحت بين 55 إلى 65% ما بين عمل حرفي إلى عمل جسماني، وتزوج أكثر من 50% من الأطفال الذين بلغوا، ويعيش أكثر من 80% منهم حياة جنسية نشطة في حين أن الحياة الجنسية كانت ضعيفة فيمن فشل فيهم شتل الكلى.
ولا يظهر أن الحمل يؤثر على مجرى حياة الكلى المشتولة، مع الإشارة إلى أطفال ناقصي النمو في 49% من الحالات، وصغار الحجم في 29% وتشوهات خلقية في 6%.(2/76)
وظل هناك ارتفاع في ضغط الدم في أكثر من 60% (يرتفع إلى 65-80% في الأطفال)، وإصابات الجلد (85% عند عشرين عاما) ومعظمها متعدد ولكنه حميد، وكذلك سرطان الجلد فهو أكثر انتشارا وذو قدرة على الغزو، أما مشاكل النمو في الأطفال فهي معتبرة ويعبر 30% منهم مع البقاء الطويل عن عدم الرضا، ومما يؤثر على النمو عوامل مثل العمر الذي يتم فيه الشتل، ومقدار عمل الكلى، والأدوية الكابتة للمناعة وغيرها من العوامل الهرمونية وكلها قد تتحسن مع أدوية جديدة Steroid Spacing CYA? ويركز الباحثون خلال العقد الحالي على المنع أو السيطرة الفعالة على الآثار المرضية كهدف رئيسي والمتمثلة في عدم الانجسام في الأطفال وفي الشباب
(64%) وفي البالغين (15-35%) والتي تضم مشاكل الجنس، وعدد الأدوية المستهلكة، والبطالة والاكتئاب، ومدى المساندة من العائلة والمجتمع في الهيئات الصحية، والشكل العام للجسم.
ومع ذلك فإن المحزن هو مقارنة هذه النتائج بما حدث في أندونيسيا عن وفيات عالية لأسباب جرثومية، وما يحدث في بلدان العالم الثالث التي تتشكل فيها شبكات أو مراكز لنقل الأعضاء وتسود فيها العمليات الفردية أو الأساليب التجارية.
2 ـ الإنجازات والتحديات في الغرب كما استخلصها المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للشراكة في الأعضاء (39):-
وأوضحت أعمال المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للشراكة في الأعضاء والمنعقد عام 1996 الحماسة الشديدة التي عبر عنها المشاركون ببحوثهم من أجل حل مشاكل شتل الأعضاء في العالم والتخطيط من أجل تخفيف آلام البشر، وإزالة العقبات التي تقف حجر عثرة أمام استعمال شتل الأعضاء على نطاق واسع لعلاج آلاف المنتظرين من المرضى (8) ، على الوجه التالي:
1 ـ يتوقع أن يكون أهم إنجازات المستقبل المنظور إيجاد التخصص «المحترف» لوظيفة «منسق» شتل الأعضاء.(2/77)
2 ـ تكمن الأهمية القصوى في التعامل بحرارة فائقة مع الواهب المنتظر، وذلك من أجل المحافظة على حيوية ووظيفة العضو الموهوب.
3 ـ تساعد الاستفادة من المتبرعين الأحياء على تقليل النقص الحالي في الأعضاء نظرا لتفوق العضو الموهوب من واهب حي، بسبب السرعة في تنفيذ العطاء وقلة المشاكل الناتجة عن التبريد المطلوب، وتطور تقنية التبرع بجزء من الكبد، وما يمثله ذلك من تقدم كبير ساهم في زيادة الحصيلة المتاحة، حتى بتقسيم الجزء المستأصل إلى قطعتين واستعماله في مريضين بدلا من مريض واحد!.
4 ـ وفيما يتعلق بالواهب المتوقف القلب، فقد كان نقص محاليل الحفظ وتخلف وسائط النقل منذ طبق هذا النظام عام 1960 عقبة في هذا السبيل.
5 ـ ثم قدم وهب الأعضاء من ميت ذي قلب ينبض فرصة لحل موفق لنقص مصادر الهبة إثر اتفاق شبه إجماعي على مفهوم موت المخ، مما يسر أوسع فرص لنقل كلى الأموات في العالم (وهو الممارسة القياسية المعتمدة الآن)، كما فتح الباب أمام زرع الأكباد والقلوب والرئات والأمعاء، وأحال نقل الأعضاء ممن توقفت قلوبهم إلى الظل.
6 ـ إلا أن موتى المخ - بقلوب نابضة أو متوقفة - هم مصدر محدود، مهما اتسع، أمام الإقبال المنقطع النظير والحاجات المتزايدة من البشر المرضى، مما حدا إلى الأمل بتحقيق تقنيات تمكننا من نقل أعضاء أخرى غير الكلى مثل الكبد ممن توقفت قلوبهم، وذلك بحلول عام 1997.
7 ـ ويظل تحقيق حلم نقل أعضاء الحيوانات بعيدا إلى حد ما رغم الاهتمام به كمصدر رخيص وافر، غير أن الخنزير يقدم لنا مصدرا غير متوافق للشتل في الإنسان، ويدعو إلى إعادة النظر في الاستعانة بأعضاء الحيوانات من الفصيلة الأقرب للإنسان، فعقبات استغلالها أقل.(2/78)
8 ـ وقد أبدى المؤتمر اهتماما فائقا بالقضايا الأخلاقية المحيطة بشتل الأعضاء، والتي قد تصبح من مشاكل الماضي إذا تم فك أزمة نقص الأعضاء بتكثيف التعامل مع الواهبين الذين توقفت قلوبهم، وبحل مشاكل حفظ الأعضاء وتبريدها، ذلك أن الأزمة الخانقة أدت إلى جرائم التجارة المحرمة في الأعضاء بوساطة الوسطاء المنظمين في عصابات بين مرضى الفشل الكلوي الأغنياء، والواهبين الفقراء، ومن مرضى أحد مستعمرات الجذام في الهند الذين تم نقل كلاهم إلى آخرين، وكذلك تم نقل التهاب الكبد من النوع «ج»، وحتى مرض الإيدز بعد الجذام، في وجود علاج لتقليل المناعة مما يفاقم مرض المريض المتلقي للعضو، وأوضح البعض أن العالم لا يناقش الآن قضايا أخلاقية لمجتمع مؤدب ذي خلق، وإنما مجتمع يسوده احتقار الواهب، والخطر الماحق على صحة المتلقي من جراء الأمراض المعدية، وهو لا ينتظر ذلك في مراحل مرضه الأخيرة، وتم اقتراح إنشاء منظمة بوليسية عالمية مثل الإنتربول يكون لها علاقة مع محكمة حقوق الإنسان الدولية في هولندا كلما اقتضى الأمر، وتكونت لذلك لجنة للتحرك التشريعي على مستوى دولي.(40).-.(41).. وفيما يتعلق بإنجازات شتل الأعضاء في مختلف مناطق العالم، توضح الصور الماثلة في آلاف البحوث المنشورة الجميل العظيم الذي تسديه إلى الإنسانية، صناعة شتل الأعضاء المنتشرة في العالم، وإن تراوحت إنجازاتها بين الدول المتقدمة والنامية.
الجزء الثالث:
دراسة مقارنة لمفهوم موت المخ
وشتل الأعضاء في العالم الثالث:
أمثلة من آسيا والمكسيك ومصر
توضح أحوال القارة الآسيوية الاختلاف الواسع في مدى الإنجازات بين مختلف دولها حسب مستوى المعيشة، ووجود شبكة من الخدمات الصحية تلبي الاحتياجات الطارئة، وخدمات العناية المركزة لإصابات ونزيف المخ.
أ ـ ومن الأمثلة على اتباع المنهج العالمي المتقدم نأخذ السعودية وهونج كونج وتايوان وإسرائيل.(2/79)
ب ـ ومن الأمثلة على وجود بعض العوائق الثقافية نستغرق حالة البيان.
ج ـ ومن الأمثلة على الإنجازات البسيطة والمحدودة نجد تركيا (والمكسيك من أمريكا اللاتينية) وإندونيسيا والهند ومصر.
1 ـ شتل الأعضاء في هونج كونج
وقد ابتدأ شتل أول كلوة من ميت من منتصف عام 1970ومن متبرع عام 1980.
1 ـ وتشير إحصاءات عام 1994 حول شتل الكلى إلى:
حالة المرضي فى علاقتهم بنقل الكلي ... فى حالة النقل من ميت ... فى حالة النقل من حي
مدة بقاء المرضي على قائمة الانتظار ... 1 ـ 183 شهرا بمتوسط 47 شهرا ... 1 ـ 193 شهرا بمتوسط 18 شهرا .
عدد حالات نق لالكلي حتي تاريخه ... 308 ... 270
النسبة المئوية التى عاشتها الكلوة المنقولة ... 9 ر76 % ... 7 ر 80 %
نسبة الحالات الى رجعت على غسيل الكلي ... 3ر14 % ... 1ر14%
نسبة من ماتوا ... 9ر16 % ... 2ر5 %
أطول مدة حياة ... 7ر21 % ... 5ر14 سنهة
من عاشوا 10 سنوات فأكثر ... 9 % ... ـ
من عاشوا 5 سنوات ... 64 % ... 86 %
2 ـ أما عن شتل الكبد فالإحصائيات هي : ـ
حالة المرضي بعد النقل ... النقل من أحياء ... النقل من اموات
فى حالة جيدة ... 12 ... 20
ماتوا ... التهاب الكبد
تلوث نقل كبد له من أحياء أخري ... 5
1
3 ـ شتل القلب في عام 1992: 5 حالات.
4 ـ شتل الرئتين عام 1995: حالة واحدة.
5 ـ العقبات أمام شتل الأعضاء:
1 ـ نقص الحالات من الأموات.
2 ـ حالات شتل الكلى لا تمثل إلا 8% من الاحتياج مما يبقي الغالبية تحت الغسيل لمدة غير مقبولة.
3 ـ تعليم السكان حول المشكلة.
3 ـ شتل الأعضاء في تايوان:
بدأ منذ عام 1968.
1 ـ الكلى: تم شتل ألف حالة حتى الآن.
المدة ... الحالة
هناك حالات أكثر من 25 سنه من أحياء ... فى حالة طيبة جدا
هاك حالات أكثر من 23 سنه من موتي ... فى حالة طيبة جدا
أكثر من سنة أحياء ... 97 % من المرضي أحياء
أكثر من سنة أحياء ... 91 % من الكلي تعيش(2/80)
2 ـ الكبد: منذ عام 1984 - النجاح في 55 حالة من 60-80%.
3 ـ القلب: منذ عام 1984 - النجاح في 110 حالة 85.7% وأطول حياة 7 سنوات.
4 ـ الرئة الواحدة: عام 1991 ومات بعد 6 شهور.
5 ـ البنكرياس: 4 حالات (+ شتل كلى) ونجحت.
6 ـ القلب (+ كلي): حالة واحدة ونجحت.
7 ـ القلب والرئتين = حالة واحدة ومات.
3 ـ شتل الأعضاء في اليابان
نوع وعدد حالات شتل الاعضاء ... من أحياء ... من أموات ... المجموع
1 ـ الكلي ... 7077 ... 2424 ... 9801
2 ـ الكبد ... 204 ... 3 ... 207
3 ـ البنكرياس ... 36 من نفسه ... 15 ... 51
4 ـ جزر آيلت ... 8 من نفسه
5 ـ القلب ... 1 ... 1 ... 2
في عام 1980 وافقت الرابطة الطبية اليابانية على أن موت المخ هو موت الشخص وأقرت أهمية منح الأعضاء من مرضى موت المخ وهناك مشروع قانون في المجلس التشريعي الياباني لم يتم إقراره بعد.
أعداد العاملين في شتل الأعضاء:
1 ـ الجراحون في نقل الكلى ... ... ... ... ... 194.
2 ـ أعضاء منظمة منسقي شتل الأعضاء ... ... ... ... 244.
3 ـ اتحاد ممرضات رعاية الكلى ... ... ... ... ... 306.
4 ـ أطباء الحالات الطارئة ... ... ... ... ... 218.
5 ـ أعضاء جمعية جراحة الأعصاب ... ... ... ... 171.
وتم إيجاد وظيفة منسق شتل الأعضاء ومهماته هي:
أ ـ تشجيع انتشار التنوير حول طب شتل الأعضاء.
ب ـ ممارسة تنفيذ وهب الأعضاء من الواهب وعائلته.
ج ـ حسن الممارسة في إتمام شتل العضو بصورة هادئة وحميدة.
د ـ تنسيق عمل كل التخصصات الطبية المتعلقة بنشاط شتل الأعضاء والأنسجة.
هـ ـ تعليم المرضى المنتظرين لشتل الأعضاء أو الذين تلقوا أعضاء والاتصال بعائلاتهم وبالأطباء المعنيين. كما حدث الآن تفريع للمنسقين: منسق للوهب ومنسق للتلقي لتأكيد المساواة في شراكة الأعضاء.
4 ـ شتل الأعضاء في المملكة العربية السعودية:
أ ـ أسباب وفاة المخ في 1363 حالة بين عامي 1986-1995 وأنواع المصابين:(2/81)
ـ حوادث الطرق 61%.
ـ نزيف المخ 13% (61% منهم غير سعوديين).
ب ـ بالرجال 84% (1293 حالة) والنساء 15.3% (250 حالة حتى عام 1994).
ج ـ عمر الواهبين بين 1-77 سنة وتبلغ نسبتهم 23% من جملة عدد حالات وفاة المخ.
العضو المشتول ... عدد حالات الشتل ... عدد المراكز الطبية
الكي ... 1764
(684 من أموات )
( 2381 منتظر ) ... 12
القلب ... 62 ... 3
صمامات القلب ... 69 ... 3
الكبد ... 77 ... 3
الرئه ... 4 ... 1
البنكرياس ... 4 ... 2
القرنية ... 5079 ... 7
هـ ـ ومن أسباب نجاح برنامج شتل الأعضاء الأخذ بكثير من الأساليب العالمية مثل:
1 ـ زيادة الوعي في وسائل الإعلام ببرامج واسعة.
2 ـ تعيين منسقين لزراعة الأعضاء، إما محليين (أطباء وممرضات، وأخصائي اجتماعي) في المستشفيات أو منسقين عالميين من جنسيات مختلفة.
3 ـ قرار إيجابي من لجنة الفتوى الشرعية بالموافقة على مبدأ وهب الأعضاء باعتبار حسنته يرجى حسابها عن الله.
وـ حالات فشل الأعضاء في المملكة العربية السعودية:
ـ تبلغ حالات فشل الكلى من 70 إلى 110 حالة في المليون.
يقدم غسيل الكلى لحوالي 4018 حالة في 104 مركز غسيل.
زـ وتبلغ حالات هبوط الكبد 50 حالة في المليون.
ـ وكان قد تم شتل أول كلية عام 1979 خارج السعودية وحدث الكثير من المشاكل الاجتماعية والطبية، وكان النقل من أحياء يفي بالاحتياجات، كما أن النقل من غير الأقارب ممنوع رسميا ودعا ذلك إلى البحث عن كلى من ميتين.
ـ وتحسنت الأحوال بعد الفتوى بإنشاء شبكة كمبيوتر تنسق بين مراكز الشتل.
ـ يهدف البرنامج السعودي إلى تشجيع التبرع من أحياء نظرا لكبر حجم العائلات.
5 ـ شتل الأعضاء في إسرائيل
ـ يبلغ عدد السكان المعلن 5.5 مليون (4.5 يهود، 0.8 مسلمون، 0.2 مسيحيون).
ـ وهناك نظام صحي وطني يقدم إمكانات وخدمات مجتمعية واسعة، وتغطية صحية شاملة لكل السكان بما فيها نقل الأعضاء.(2/82)
ـ وقانون موت المخ وشتل الأعضاء في إسرائيل مثلها مثل القوانين الغربية.
وينص على أن موت المخ هو الفقد الكامل وبلا عودة لوظائف المخ، ويتم تحديده بوساطة اثنين من الأخصائيين لا علاقة لهم بفريق شتل الأعضاء، ويجرون فحوصا إكلينيكية بدون فحوص إضافية إلا إذا تطلب الأمر ذلك.
ـ ويتطلب القانون عدم اعتراض الأهل، والحصول على موافقة واعية Informed consent.
ـ كما يمنع القانون التعويض المالي.
ـ وهناك مركز لنقل الأعضاء يقوم بتقديم الخدمات والمعلومات وينظر في قوائم الانتظار ويوثق ما تم من شتل، ويقدم المعلومات للواهبين، وحول مشاكل الحصول على الأعضاء وحفظها على مدار 24 ساعة يوميا.
ـ وقد بلغت نسبة العطاء 9 في المليون من السكان عام 1992 (7.6/م عام 93 ثم 9.4/م عام 1994)، وهي مثل النسبة في اليونان وأعلى منها في إيطاليا وأقل منها في إسبانيا وفرنسا وأستراليا.
ـ وقد زاد المنح لأعضاء متعددة من 10% عام 89 إلى 90% عام 1994.
ـ وبلغت نسبة حالات العطاء في إسرائيل ما يلي:
الجنسية ... قبل إنشاء مركز نقل الاعضاء ... بعد إنشاء المركز
اليهود ... 3ر42 % ( فى الأراضي المحتلة 2ر23 % )
( وبين السياح 67 % والجنود 43 )
( والمهاجرين الجدد 7ر18 % ... 53 % ( فى الاراضي المحتلة 25 % )
وبين السياج (50 % )
( والجنود 4ر71 % )
(والمهاجرين الجدد 3ر58 % )
المسلمون ... 3ر19 % والدروز 7ر16 ... 2ر22%
المسيحيون ... 60 % ... 2ر57 %
البدو ... 5 %
6 ـ شتل الأعضاء في تركيا
بدأ منذ عام 1975 وصدر قانون الحصول على الأعضاء عام 1979، وتم حتى الآن نقل 713 حالة كلى مات منهم 59 حالة في مدة تتراوح بين يومين وأربع سنوات بعد العملية (بسبب العدوى في 20 حالة - ورفض الأنسجة 6 - وهبوط الكلى 6 - والسرطان 5 - وهبوط القلب 5 - ونزيف الأمعاء 3 - وبسبب غير معروف 1).
وبلغت نسبة الأحياء بعد خمس سنوات:
للمريض ... للكلية ... نوع النقل(2/83)
91 % من أحياء ـ قرابة من الدرجة ... 81 % ... الأولي
87 % ... 87 % ... من أحياء ـ متبرعين
84 % ... 84 % ... من وفيات
وهناك قائمة انتظار طويلة، والحياة الفاعلة ممكنة مع حسن الشتل عنها في غسيل الكلى.
7 ـ شتل الأعضاء في أندونيسيا: (عدد السكان 190 مليوناً يعيشون في 13 ألف جزيرة).
ابتدأ عام 1977 (والقرنية قبلها بكثير عام 1954) - وسمح القانون الصادر عام 1992 لشتل الأعضاء وحدد المؤسسات لأطباء ومنع التجارة وترك التفاصيل لتحددها وزارة الصحة بما فيها النقل من الحيوان (في المستقبل).
وبلغت حالات نقل القرنية 3073 حالة من سيريلانكا، 358 حالة محلية، 31 حالة من أمريكا، 28 حالة من هولندا، وحالتين من الهند.
وهناك 10 مستشفيات لديها برامج لنقل الكلى ولديها 8 فرق، والمتبرعون فقط من الأحياء وقد فقد معظم المتلقين الكلى للأسف الشديد بسبب العدوى الجرثومية (30 حالة في السنة).
أما من أجروها في الخارج فيبلغ 13.3% عاشوا عامين بعد الزرع.
وتتمثل الصعاب الشديدة في هذه الدولة الإسلامية الكبيرة جدا في التقاليد السائدة، وشراء الكلى من الخارج، وارتفاع التكلفة، والمشاكل التقنية والعدوى.
8 ـ شتل الأعضاء في الهند
منذ عام 1971 تم شتل 15 ألف كلى حتى الآن.
وصدر عام 1995 قانون شتل الأعضاء البشرية وتمت الموافقة على تشخيص موت المخ بأساليب إكلينيكية.
واشترط الحصول على موافقة مسبقة قبل جمع الأعضاء، كما وافق على شتل الأعضاء من الأقارب الأحياء ومن الزوجة بعد موافقة لجنة رسمية.
ونص القانون على المنع الكامل للتجارة، والسجن من 2-7 سنوات وفرض غرامة مالية على الوسطاء.
تم نقل 4 آلاف حالة كلى من غير الأهل وتوقفت الآن قانونيا.
البداية في نقل الكلية من الأموات لا تزال متواضعة (تبلغ حالات حوادث الطرق 48 ألفاً سنويا).(2/84)
ومن العوامل السلبية اتساع البلاد مع قلة المراكز وغياب شبكة شاملة والمتوقع أن يكون إنشاء مراكز متمركزة في الولايات تكتفي ذاتيا هي السياسة الأوفق في المستقبل.
9 ـ شتل الأعضاء في مدينة المكسيك (من أمريكا اللاتينية):-
بدأ عام 1966، وتم في السبعينات والثمانينات شتل 20-25 في السنة من أحياء.
وفي التسعينات ابتدأ الجمع من الموتى وتم في ثلاث سنوات ونصف جمع 120 عضواً ونسيجاً من 24 واهباً.
تم شتل 190 كلوة (زادت من 30/ السنة عام 1988 إلى 53/ السنة عام 91).
عاشت الكلى إلى ما بعد 41 شهرا في 95% عند النقل من أقرباء، و82% من متبرعين أحياء، و76% من متوفين.
تم شتل البنكرياس (4 حالات) ولكن (حالة واحدة) والقلب (7 حالات) والقرنية (40 حالة).
ويعاني برنامج شتل الأعضاء من نقص الإمكانات وضعف الفرق والتنظيمات والاتجاهات الثقافية المضادة.
ونرى من كل ذلك أن الدولة التي نجح فيها برنامج شتل الأعضاء في خارج الدول الغربية تنحصر في بلدان قليلة في آسيا في مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت، وهو نجاح محدود اعتمد على بنية تحتية صحية قوية وشبكة من وحدات العناية المركزة، وموافقة شبه مرضية من جانب هيئات الفتوى المحرمة ومن جانب مؤتمر بداية الحياة الإنسانية ونهايتها المنعقدة بالكويت عام 1985.
10 ـ شتل الأعضاء في مصر:(2/85)
ومصر العزيزة هي قلب العالم العربي والإسلامي ومناط تدينه السمح وموئل عزته الفكرية والعلمية ومحط آماله في التوصل إلى حلول تخدم ملايين العرب والمسلمين وتتفق مع روح العصر ولا تنبوا عن قيم الحق والكفاءة والعدل والفضيلة وتمر مصرنا بمزيج من امتلاك ثروات الأطباء المهرة المتخرجين والعاملين في كليات الطب الأعرق في العالم، مع زيادة سكانية تخل بالتوازن البيئي والتنموي، وكثافة سكانية في الوادي تعطل انتشار الخدمات وراحة السكان على الأرض، ودخل متواضع للفرد في حدود 750 إلى ألف دولار في السنة (23 ألف دولار في الكويت وقطر، 15 ألف دولار في السعودية، سبعة آلاف في ليبيا، ثلاثة آلاف في العراق وتونس، 350 دولار في السودان وأقل من ذلك في الصومال وموريتانيا).(2/86)
كما تتواضع الميزانيات الصحية في مصر مع جهود حثيثة للصعود فوق خط الفقر ومحاولة لترشيد نظام لابأس به للتأمين الصحي على العمالة عند حدود الخدمات الصحية الأولية وبعض من احتياجات المستشفيات، وفي وجود شبكة متواضعة الإمكانات في المستشفيات الحكومية التي ينقصها الكثير من ناحية ما فصلناه حول سياسة تخصيص الموارد وحساب التكلفة في إطار الندرة، كما ابتدأ ينتشر قطاع خاص طبي نشط لخدمة الطبقة القادرة، في مصر والعالم العربي وتجمعت في مصر مشاكل الفشل الكلوي المنتشر، والانتشار الحديث للفشل الكبدي كحالتين خطيرتين تحتاجان الكثير من الجهود الوقائية والعلاجية، وأصبح الآلاف من مرضى الفشل الكلوي يقفون طوابير على مراكز غسيل الكلى المثقلة الأعداد والمحدودة الموارد أما مرضى الكبد فلا غسيل ينقذهم، وهكذا تمثلت في قضية فشل الأعضاء في مصر صورة لجهود مشكورة (مثل مركز نقل الكلى بالمنصورة، بجهد عالم رائد من أبناء مصر هو الدكتور محمد غنيم)، وجهود فردية لنقل الأعضاء في المراكز الكبيرة ومستشفيات القطاع الخاص وفشلها في التوصل إلى حلول مجتمعية واسعة، وأصبحت مصر مركز قفز لتجار الأعضاء مثلها مثل الهند والبرازيل، مما لا يتفق مع قدر مصر الكبير في عالمها العربي والإسلامي، وتوزعت الأفكار والخطط والطموحات وساحات الجدل بين سعي حثيث من جانب الأطباء وأساتذة القانون ورجال الدين المستنيرين إلى ترشيد سياسة شتل الأعضاء والبدء في رسم سياسة مجتمعية شاملة تتفق مع روح العصر وتتغلب على مشاكل ندرة الموارد وبين تيار محدود من الأطباء الذين أزعجتهم الصورة المضطربة للتجارة المحرمة في الأعضاء من الأحياء استغلالا للفقراء لحساب المقتدرين في غياب الضوابط ودرءا للمفاسد باستنباط الموانع الشرعية والقواطع الدينية على أساس شخصي وتحشيدا لهيئات الفقه والقضاء وتجمهرات الإعلام المنتشرة. ومن هنا أهمية الندوة الحالية للتبصر في مختلف الجوانب العلمية(2/87)
والطبية والأخلاقية والقانونية المحيطة بنسيج ثوب الحياة والموت، وقد شرحنا في ورقة أخرى الجوانب الطبية والفلسفية حول الموت، وأسهبنا في الورقة الحالية في تفاصيل صناعة شتل الأعضاء في العالم المتقدم وتحركها البطيء في العالم الثالث، ونستعرض فيما يلي بعض النقاط الأخلاقية والمجتمعية والاقتصادية لهذا الموضوع المهم.
الجزء الرابع: ثوب الحياة والموت من المنظور
الفلسفي والاجتماعي والاقتصادي/ الصحي
[وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض وناء بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا} (الإسراء: 83).
أولا: طبيعة الجدل من المنظور الفلسفي والفكري والديني:
ـ استعرض كثير من الباحثين بكثير من الجدل والحوار ما يكتنف لحظة رحيل إنسان، وكنه موته، والأشكال الانتقالية المتعددة ما بين الحياة والموت والتي كشفت عن نفسها بتقدم تقنيات التنفس الصناعي في أساليب رعاية إصابات الرأس الحرجة بصورة مكثفة، وتركت لنا مرضى - وقد مُسِح ذكاؤهم وفقد مخهم الأعلى وظائفه وإن تنفسوا، ومرضى مات مخهم الأدنى وجذع المخ وبقي كل جسدهم يعمل بلا نفس ولا عقل ولا يقظة.(2/88)
ـ ومن الطبيعي أن تتطلع صناعة الطب والجراحة إلى استبدال الأعضاء التالفة من جسم الإنسان في نفس الوقت بقطع غيار صناعية، أو بأعضاء مماثلة محورة من الحيوانات الفقرية القريبة من جنس الإنسان. وهناك آمال كبيرة، في أن يحدث تقدم له قيمته في العقود القليلة القادمة في هذا الصدد. ولكن كل ذلك لن يسد حاجة البشر المرضى بفشل أي عضو (خلا المخ في الوقت الراهن) إلى استمرار الحياة ما ظل فيهم مخ يعمل أو «قلب ينبض». وستستمر صناعة شتل الأعضاء وتتسع على نطاق واسع حتى تتكامل مع قطع الغيار الصناعية وشتل أعضاء الحيوانات إلى الإنسان في منح البشر فسحة جديدة من الوقت تمد في حياتهم الفاعلة وحركتهم العاقلة. إلا أن المهنة الطبية الشريفة - هذه المهنة التي يكرس أهلها أنفسهم لخدمة الحياة في مواجهة الموت - كانت تقدم هذه الخدمات من منظور احترام الحياة وأصحابها بدون أدنى استهانة بمفهوم الحياة وقيمتها الفضلى، هذه الهدية الإلهية التي تسمح لكل إنسان بأن يدرك معنى العيش والإحساس والفهم والإدراك والشعور. ومن هنا كان الجدل حول مفهوم الموت لكي نحدد مفهوم الحياة التي نريد لها أن تستمر سنين.
(1) الجدل الذي بدأه تقرير جامعة هارفارد عام 1968 وبداية الجدل الفلسفي العميق:
كانت جامعة هارفارد عام 1968 قد أوصت بأنه يمكن استعمال أحد المقومات الذي يقول «بموت كل المخ» لتقرير الموت في المرضى المعتمدين على أجهزة التنفس الصناعي، وزودتنا بتشخيص لتقرير موت المخ بما فيه جذع المخ.
ما هي الأسئلة التي لم تطرحها لجنة هارفارد وبالتالي لم تقدم إجابة عليها؟ هذه الأسئلة هي:
أ ـ لماذا يكون مريض موت المخ ميتا؟
ب ـ ولماذا يكون موت المخ موتا؟
ج ـ ما هي مفاهيم موت الإنسان وقبض الروح، التي تندرج تحت استعمال مقوم موت المخ؟(2/89)
وهكذا فإن لجنة هارفارد كانت قد افترضت مفهوما جديدا لموت الإنسان هو موت المخ وحددت الاختبارات التشخيصية لمقوماته، ولكنها لم تبرر استعمال هذه المقومات كما أن الاختبارات الإكلينيكية لم تعكس التوقف الدائم للوظائف الموجودة في المخ بأجمعه وإنما قيل إنها تعكس التوقف الدائم لكل وظائف المخ الضرورية للعمل المترابط للمخلوق ككل، وأن النشاط الخلوي المتبقي إن هو إلا بقية لا أهمية لها في تقرير حالة الحياة والموت، وأن مفهوم موت المخ هكذا يعكس مفهوما كافيا لموت الإنسان وذلك بالتوقف الذي لا رجعة فيه لكل الوظائف المترابطة للإنسان ككل، وأن الترابط بين جذع المخ والرئتين والقلب ترابط صوري ناتج عن عمل جهاز التنفس الصناعي، وهكذا فإن موت المخ هو الموت. ولو لم يكن جهاز التنفس الصناعي يقوم بعمل جذع المخ لتوقفت الرئتان عن العمل وتبع ذلك توقف القلب عن الخفقان، ومن هنا فإن موت المخ هو الفقدان الذي لا رجعة فيه لوظائف الجسم المترابطة ككل، تماما مثلما أن التوقف النهائي للوظائف المترابطة لجذع المخ مع الرئتين والقلب يعتبر كذلك.
إلا أن البعض يعتبر أن الانتقال من اعتبار الحياة الإنسانية كحقيقة تتمحور حول القلب إلى اعتبارها تتمحور حول المخ يعتبر انتقالا كبيرا لا مبرر دينياً أوفلسفيا له في حين تقبل البعض الآخر إمكانية التعريف الجديدللموت تحت ظروف التغير التقني.
(2) وفي عام 1981 صدر في الولايات المتحدة القانون الموحد لتقرير الموت والذي أمكن قبوله لاعترافه بالمقومات التقليدية للموت، وبمقومات موت المخ الذي لا يعني تغييرا في مفهوم (الموت) على أنه الفقدان الذي لا رجعة فيه للوظائف المخية للكائن البشري.(2/90)
إلا أنه ليس هناك، ما يدعو إلى التفكير بأن التعريف الجديد للموت يتطلب منا التخلي عن اعتبارات الاحترام والتعامل الوقور المناسب مع جسد الميت. فنحن لن ندفن إنسانا يتنفس تلقائيا أو جسما مات فيه المخ ولا يزال متصلا بجهاز التنفس الصناعي. ولهذا فإن توقف ما تبقى من وظائف القلب النابض والتنفس سيكون مناسبا من الناحية الأخلاقية في حالة الغيبوبة الدائمة مثل إيقاف جهاز التنفس في حالة موت المخ.
(3) وقد تواصل الجدل لصيقا بموضوع القلب النابض وأهميته في اعتبار الإنسان حيا، وبالموقف «الاختزالي» للمنادين بموت الإنسان إذا مات مخه، هذا الاختزال المخل بالحياة الإنسانية، وشرح ذلك مارتن ايفانز كما يلي (19):
أ ـ إذا كان تعريف الموت لصيقاً في الموقف التقليدي بتوقف آخر نبضة للقلب، إذا فإن إنكار النبض لأي شخص يعني إنكار حياته (وهذا غير معقول في كل حال)، كما أن القلب النابض يعبر بصورة عملية واقعية عن حياة صاحبه. وإذا كان من ينبض قلبه قد اعتبر - بموت مخه - ميتا، فلماذا لا ندفنه قبل توقف قلبه؟ وكل ذلك يشير إلى «استرخاص» قيمة حياة الإنسان، والاجتراء بأعمال تعتبر من «السوابق الخطيرة»، وتؤدي إلى فقدان العاملين في الرعاية الصحية (للمريض الذي مات مخه ولا يزال قلبه ينبض واعتبر ميتا) - للوازع الأخلاقي، وفقدان الخدمة الطبية لقيمها التي نذرت نفسها لها.(2/91)
ب ـ كما اتهم آخرون من ينادي باعتبار موت المخ موتا بالاختزالية Reductuionism إذ أن أنصار موت المخ يؤكدون على أنه مهما كان مفهوم «النفس» أو «الشخص» فإن أحد الملامح المعترف بضرورتها لكي يصبح إنسان ما «شخصا» Person هو وجود طاقة اليقظة capacity for Consciousness. فإذا فقد إنسان ما يقظته بصورة دائمة كما يحدث في موت المخ فإن الشخص أصبح غير موجود.. أي أن الشخص أصبح ميتا، وإننا نظن إنسانا قد مات - لا لفقدان طاقة اليقظة، ولكن ببساطة لأنه أصبح غير موجود، أي عندما يتوقف قلبه وتنفسه ويبرد جسمه ويزرق.. فأنا لا أبكي «شخص الميت» وإنما «أبكيه هو» فقد يفقد الإنسان شخصيته ويبقى في حياة نباتية Vegitative State فترة طويلة، ولا يموت... ومهما تغيرت علاقتنا به، فهو لا يكون قد مات، وطالما تنفس وظل أحمر اللون وبه دورة دموية فلا يمكن أن نرخص بوفاته. وأضافوا أن الطريقة الوحيدة للمصالحة بين المفهوم «القلبي» للموت وبين موت المخ مع شتل القلب النابض، هو أن نعترف بأننا نشتل الأعضاء الحيوية.. لا ممن ماتوا WHO ARE DEAD بل ممن يعانون الموت who are dying كما يرون أن مفهوم الموت متعدد الجوانب، وتحديد ما يعنيه الموت ربما كان مهمة لا طائل من ورائها، ويجب أن نأخذ كمرشد لنا في تعريف الموت - الخبرات اليومية عن الموت والمشتركة في ثقافة معينة، فإن الطريقة التي نرى بها الأشياء ونفعلها بها تعبر عن قناعتنا الخلقية التي هي بعيدة عن حساباتنا المنطقية أو تفسيراتنا.
ج) ويرد المتحمسون لمفهوم موت المخ باعتباره الموت «الحقيقي» Real Death بالآتي: (20).(2/92)
1 ـ إذا كان القلب بهذه الأهمية فإن الإنسان الذي دفن بعد أخذ قلبه منه وشتله في آخر، قد يعتبر من جانب البعض ما زال يعيش عن طريق قلبه المنقول، في حين أن الآخر الذي فقد (حياته) بدفن قلبه المريض، لم يمنعه هذا الفقد (الموت) - لحسن حظه من التجول في الحياة الدنيا في سعادة بعد أن تلقى قلبا آخر!
2 ـ وزاد على ذلك كله ديفيد لامب بأن أوضح أن المخ في حياة صاحبه كان ضروريا لاستمرار الحياة، وبمخ ميت «فليس هناك حياة». وهذه قد يسميها البعض النظرة الضرورية Essentialism ولكنها ليست نظرة اختزالية تشير إلى (أن الشخص هو مخ)، أو أن جذع المخ هو كل شيء بالنسبة للحياة). فمقومات الموت المتعلقة بالمخ تكون اختزالية إذا نحن أصررنا على أن الإنسان «ليس أكثر من مخه». وبالطبع فهناك الكثير بالإضافة إلى المخ بالنسبة للشخص، إلا أننا حين نقول «إن الإنسان لن يكون إذا لم يوهب مخا يعمل «ليس كما نقول» أن الإنسان هو مخه «فالإنسان لا يكون بغير رأس، ولكننا لا نقول أن الإنسان هو رأسه، وليس هناك شيء في مقومات الموت المتعلقة بموت المخ يشير إلى الارتهان للاختزالية».
3 ـ ويجادل المدافعون عن موت جذع المخ بأن فقدان وظيفة جذع المخ مفهوم «ضروري» و«كافٍ» للموت، من ناحية أنه يتضمن عدم القدرة على الترابط للكائن البشري ككل INTEGRATION وذلك أن الاختبارات التي نجريها لفحص وظائف المخ، لتقرير فقدان المخ لوظيفته بلا رجعة، تعتبر مطلبا أكبر بكثير وأكثر دقة من مجرد توقف نبضات القلب، فهذه الفحوص لا تبحث عن توقف وظيفة عضو، ولكنها تشير إلى النقطة التي عندها لا يعود الإنسان يعمل «كوحدة بيولوجية مترابطة».
4 ـ وكذلك فإنه بالاعتماد على الحرارة ولون الجسم الأحمر وسريان الدم، لا يمكن استمرار الحياة تلقائيا، ولا يمكن العودة مرة أخرى إلى حياة تلقائية.(2/93)
5 ـ ويؤكد لامب أن الكلام عن الطريقة التي نرى بها الأشياء على أنها تعبر عن قناعاتنا الخلقية والدينية بعيدا عن حساباتنا المنطقية تعني أننا نتساءل: لماذا نبحث ونفكر ما دمنا نعتقد؟ كما يوضح أن التكنولوجيات الحديثة للطب قد أوجدت مشاكل «أخلاقية» لا يمكن حلها بالالتجاء إلى المعتقدات.
(3) طبيعة الجدل من المنظور الفكري (21):
لبست ثوب العيش لم أستشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف انضو الثوب عني ولست
أدري لماذا جئت.. أين المفر
(شعر عمر الخيام - ترجمة أحمد رامي)
لقد احتدم الجدل حول تعريف الموت في السبعينات والثمانينات في الغرب، وطالت أمواجه شواطئنا في العالم الإسلامي عام 1985 ثم أخذت دوامات هذا الجدل تلفنا منذ سنوات قلائل وتكاد تغرقنا بدون أن نتماسك في مواقفنا. وقد ابتدأ الجدل في مستويات ثلاثة:
1 ـ مستوى المفاهيم أو التعريفات.
2 ـ مستوى المقومات للمفهوم الذي ترسو عليه قناعاتنا.
3 ـ مستوى التشخيص الطبي الذي تتأكد به المقومات ويتدعم خيارنا للمفهوم.
أ ـ وتحدث المعتقدات الدينية والفلسفية آثارها عند المستوى الأول..
مستوى المفاهيم. وهنا تدور الإجابة حول الفقدان الذي لا رجعة فيه لهذا الشيء الذي يتميز بالأهمية الأساسية بالنسبة للطبيعة المميزة للإنسان على أنه نسيج وحده ماديا وجسمانيا، أو على أنه سبيكة مادية ذهنية أو كائن روحاني أساسا وإن كان متضمنا في جسد. والاختيار الذي سنقع عليه فيما هو ذو مغزى رئيسي في نظرنا بالنسبة للإنسان - بحيث يشكل غياب ذلك موتا - يمكن أن يحدد تعريفنا للموت أي مفهومنا عنه.(2/94)
ب ـ وسيلي ذلك رسم إطار عمل للمقومات التي نستعملها لتقرير حدوث الموت كما نفهمه. فبينما تعتمد المقومات التقليدية مثلا على وظيفة القلب والرئتين - مما يوحي أن ملامح الإنسان ذات المغزى الخاص هي عمل الدورة الدموية والتنفس، فإن مقومات موت المخ تعمل في الترابط الوظيفي للكائن البشري من ناحية والوعي أو اليقظة من ناحية أخرى.
ج ـ أما على المستوى التشخيصي فالاختبارات الطبية المستعملة هي لتقرير أن الفشل الوظيفي - والذي تم تحديده كمقومات للموت - قد حدث فعلا. وتتم هذه الاختبارات بوساطة الأطباء لتقرير ما إذا كان قد تم الوفاء بمقومات الموت فأصبح من الواجب إعلان حدوثه.
والمقومات بدون اختبارات لا فائدة منها، وبدون مفاهيم فإنه ينقصها المبرر لوجودها.
وهكذا فإن المهمة الفلسفية الدينية لبناء مفهوم أو تعريف لموت الإنسان هي التي تحتل موقعا مركزيا لتطوير المقومات الكافية لتقرير الموت. وعلى سبيل المثال إذا نحن استعملنا مقوم موت المخ لتقرير موت الإنسان، فبدون وجود إجابة متفق عليها للسؤال المهم: لماذا كانت الحالة التي تم تعريفها بواسطة هذا المقوم - والذي هو موت المخ - يمكن اعتبارها موتا لهذا الإنسان؟ فلن يكون للمقوم قيمة. وللإجابة على ذلك فإن التفكير المعتقدي أو الفلسفي سيأخذ في الاعتبار ماهية الإنسان، وإشكالية الصفات الجوهرية للكائن البشري.
د ـ وكل ذلك مطلوب لعرض الاحتمالات الدينية والفلسفية والتداخل بينها وبين الأخلاقيات الطبية وتحديد الاعتبارات المتعلقة بتكوين الرأي العام والموت عملية بيولوجية (حيوية) ولا يحدث القطع في حياة الإنسان كاملا حتى يحدث التعفن ويحتاج الناس إلى تقرير: متى - في مسار عملية التعفن - يمكن إعلان أن إنسانا ما قد مات؟ ولذلك يجب أن يقرر هؤلاء الناس أي الوظائف لها هذه الأهمية الضرورية لحياة الإنسان، والتي يعني توقفها الدائم موتا.(2/95)
(2)وقبل التقدم التقني اعتمد الإنسان بثقافته على المشترك بين الإنسان وفصائل الحيوانات الأخرى ذلك أن سريان الدم والتنفس كانا يمكن التنبؤ بهما. وهكذا أصبح للوقف الدائم لوظائف القلب والتنفس هو المقوم المستعمل لتقرير وفاة إنسان ما. وصمد هذا المقوم التقليدي لاختبار القرون بدون سبب لتغييره في غياب تكنولوجيا مساندة الحياة المتوافرة حاليا. ومع ذلك فإن اختيار المقوم التقليدي كان كثيرا ما يتم فيه فرض القيم على الحقائق البيولوجية، أي أنه قرار محمل بمعتقدات رئيسة هي الأساس الفلسفي الديني الذي نقوم بموجبه بتشريح البيانات البيولوجية ونقسمها إلى (حياة) وإلى (موت).
وتشكل هذه الافتراضات مفهوماتنا الرئيسة، وتعمل كإطار غير مرئي، نستطيع من خلاله أن نرى الحقائق وأن نقيمها وأن نحورها وهذا الإطار يتم تلقينه خلال المدى الواسع للعمليات الاجتماعية التي تستعملها الجماعة لتشكيل أفرادها، وتنظيم واستقرار خبراتها. ومن المعروف أن المعتقدات عميقة الجذور وبراجماتية ويمكن تضبيطها واقتباسها أو الاجتهاد حولها أو حتى الاستغناء عنها عندما تسبب اضطرابا شخصيا أو اجتماعيا أو عندما تتوقف عن أن تكون مفيدة أو معقولة أو حين تصبح لغواً كهذا اللغو الحادث حين تغيرت قدراتنا على إنعاش ومساندة الإنسان في حالة الغيبوبة.(2/96)
(3)أما وجهة النظر المادية حول النفس فتعتبر الإنسان ماهية مادية كاملة بلا روح وأن هدف هذه الحياة أن يعيش المرء حياته كما هي بصورة جيدة وألا يجزع من الموت لأنه نهاية التجربة وليس معاناة. وليس هناك حياة أبدية للأرواح. ويتحلل الجسم إلى طبيعته المادية من حيث نشأ، كما يمثل الموت علاقة لنهاية الوعي وبالتالي لموت النفس. وتوقف الوعي في حد ذاته يعتبر موتا سواء استمر الجسم في العمل بطريقة مترابطة أم لم يستمر. كما يعتبر بعضهم الموت نهاية مطلقة لوعي النفس ويوجهون الشخص لأهمية التحلي بالشجاعة إزاء الموت الذي لا مفر منه، وعلى الشخص أن يتعامل مع كل لحظة من لحظات الحياة على أنها فرصة خلاقة، وبالتالي تصبح ضرورة الموت هي الدافع النشيط إلى الطريق الذي تسلكه الحياة التي لها مغزى.
4 ـ أما الوجودية فتعتبر أن حتمية الموت تؤدي إلى حياة إنسانية تافهة لا معنى لها، وأن الموت - بدلا من أن ينشر مغزى في الحياة والتزاما أملا في مكابدة العيش - فإنه يوضح تفاهة السعي الإنساني، وليس هناك قيمة موضوعية يمكن أن يوجه إليها السعي في الحياة، والأشخاص في سعيهم يحاولون تحقيق قيمة شخصية، وكل سعي لا محالة بغير قيمة. وطالما كان الموت نهاية للنفس فليس هناك ما يمكن التحضير له بعد الوجود المادي والوعي الذي يسانده هذا الوجود.
(4) الجدل على المستوى الديني: (22-27)
1 ـ يبين لنا موقف الإسلام الواضح من العمل «أن ليس للإنسان إلا ما سعى» وأن سعيه سوف يرى، والمثل المصري الدارج يقول (اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك) فالله تعالى يأمرنا أن سيروا في مناكبها وإليه النشور، وأن لا بأس علينا من حب الحياة لكي نعمر الأرض التي لا يحب الله لعباده أن يسعوا فيها بفساد، أي أنه علينا أن نبقيها جميلة كما خلقها «والله لا يحب الفساد».(2/97)
2 ـ وتشير الآية الكريمة {ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} إلى أن العبادة من عناصرها عمل الصالحات قرين الإيمان، وعمل الصالحات معناه تحسين الحياة لنا وللآخرين، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. وهي إن شئنا فلسفة هدفها العبادة والسعي. وهل نسعى أكثر ونعبد أقدر إلا بجسم سليم؟ فالسعي يمشي على قدمين، والفلسفة الإسلامية تتوجه إلى إتقان العمل أي حب الدنيا التي فيها العمل، وإصلاح الأداء في الدنيا أملا في دوام السعادة في الآخرة بعد إفلات الروح من الموت. ودوام السعادة هي الشباب الدائم. ولا يعني قصد المولى من خلقه للبشر ليعبدوه أن يقتصر البشر على العبادة في الحياة فالعبادة قرين الاستخلاف والإعمار، والعمل الذي يشغل حياة المسلمين، بدون عكوف طويل وعزلة في الأديرة.
4 ـ فالفلسفة الإسلامية هي فلسفة نضرة مبتهجة متفائلة راجية طامعة في العفو والمغفرة (لكل الذنوب إلا أن يشرك به) ولا بد هكذا من أن ندمج هذه الفلسفة الإيجابية في نظرتنا إلى نسيج ثوب الحياة والموت. هذا الثوب الذي نلبسه على وجه ويتلبسنا على وجهه الآخر.
والمسلمون أوغلوا في موضوع «الروح» برفق، وركزوا على ما يجري عليها من قدر الله عقابا أو ثوابا، وتأدبوا في الحديث عن كنهها، ولم يناقشوا من «الموت» إلا ما ظهر في بعض حالاته حثا على الإتقان في الأداء الدنيوي ونهيا عن المعاصي، وناقشوا من «القلب» ما يتعلق بالتقوى التي تقود إلى العمل الصالح صونا لمصالح الفرد والناس. واستقر رأي الفقهاء والمعاصرين على أن كل المعنويات الدينية «التي وقرت في القلب» قصد بها العقل ومركزه المخ وما انشغال القلب وانفعاله إلا انعكاسا للتدبر والتأثر العقلي، ولا يمكن أن نعزوهما إلى القلب التشريحي الذي ينبض.(2/98)
5 ـ وناقش البعض من الأطباء المتفقهين موقف الإسلام من التدخل في الجسم البشري من زاوية فكرية أشبه بالتمسك الفرعوني بالجسد لتحل فيه الروح بعد عودتها، إلا أن الموقف الإسلامي الصحيح من علاقة الجسد بالروح في الآخرة متروكة طبيعته للتصرف الإلهي ينفذه كيف شاء. فلن يبقى جثمان في تربة فترة طويلة إلا في ظروف المناطق المتجمدة الجليدية، وسرعان ما يتحول معظم الجثمان إلى الجراثيم، وتتشربه قشرة الأرض التي تدور فيها دورة واسعة بين أجساد الإنسان والحيوان والنبات وبينها وبين الأرض والجو والبحر.
والله وحده قادر على جمع جسد الإنسان، يجمع عظامه ويسوي بنانه كيف شاء وكل ذلك رهن إرادة إلهية تعلو على مدارك البشر.
6 ـ وفيما يتعلق بالدفن فإن التكريم الإسلامي رفيع المنزلة للجثمان إذا كانت ظروف الموت عادية، فنحن نغسل موتانا ونضمخهم ونصلي عليهم ونودعهم ونوسدهم قبورهم ونحوطهم بالدعاء وطلب المغفرة. لكن تاريخ الجهاد الإسلامي مليء بالمعارك الضارية عبر فتوحات استمرت قرونا، واستعصى فيها الدفن المنظم أو التعرف على الأشلاء بين الكر والفر. كما أن تاريخ الصراع على الملك العضوض سمح بصور من جور الحكام وتدافع الأبناء على سلطة الآباء لا تبعث على الرضا عن مصير الجثث لمن هزم في انقلابات القصور ومعارك الملك.(2/99)
وما يدور في شتل الأعضاء عمل نظيف الأسلوب والقصد، إذا ما قورن بتاريخ الصراع الدموي في عالمنا المسكين منذ الفتنة الكبرى في صدر الإسلام وحتى الفتنة العظمى في أفغانستان. وإذا استعرض البعض كيف نظم المجتمع الغربي أساليب احترام الإنسان في العناية المركزة وما يحظى به من حدب وسهر وتعب، ثم العناية بأهله، وعناية المريض نفسه - قبل أن يصاب - بالتبرع بأعضائه تواصلا مع مصلحة مجتمعه وناسه وشعبه، وعناية الأطباء في مهنة شتل الأعضاء بعواطف الأهل ودماثتهم في التعامل معهم، والإمكانيات التي خصصوها لراحتهم ولإعلامهم بحالة مرضهم فنحن واثقون من خجله إزاء ما يتم من ممارسات في عالمنا الإسلامي مع مرضى الحوادث، وإزاء غياب أي عناية مركزة تذكر بمعناها الغربي المعاصر في طول البلاد الإسلامية وعرضها.
7 ـ أما عن الفكرة التي تطرح عن استرداد الله تعالى لوديعته (الجثمان بعد الموت) فقد أوضح كثير من الفقهاء المرموقين أن التعامل مع الجثمان في إطار الممارسات الطبية التي أقرتها مجالس أهل الاختصاص، سواء كانت للتشريح أو لوهب الأعضاء في ظروف طبية محكمة، هو أبعد ما يكون عن العبث بالجثمان أو التصرف في الوديعة. وإذا نقلنا كلوة من ميت إلى حي، فأين ستختفي هذه الوديعة في نهاية الأمر؟ إن مصيرها الحتمي إلى الموت بعد سنوات.
8 ـ ولنا جميعا الحق - كل طبيب يعيش في دار الإسلام - أن نهلع مما يتم في سوق نخاسة الأعضاء وما أحاط بها من جرائم يتصدى لها المجتمع الدولي الآن. إلا أن المصدر الرئيسي سيظل هو الاستقطاب الشديد بين الغني والفقر في المجتمعات الإسلامية، بدون مظلة من الخدمات الصحية، وبدون أرضية من التنمية الشاملة.(2/100)
ونزعم أن الامتناع عن ممارسة شتل الأعضاء لن يوقف التجارة المحرمة وإنما سيحولها إلى مصارف بديلة، كما أنه ليس بمقدور شعوبنا تأجيل علاج حالات فشل الأعضاء. ذلك أن الجسم السليم كله - بما له من قيمة يتعرض للموت بسبب فشل عضو واحد. وشاءت الإرادة الإلهية أن تمنحنا الوسائل لاستبداله، مما يعتبر تكريما للحياة الكلية وإن ظهر للبعض على أنه شرخ في جدار الجسد الميت.
9 ـ وماذا تفعل المهنة الطبية بإنجازاتها التي يحبها الناس ويحترمونها ويقبلون عليها، فتبعث فيهم أحاسيس المروءة والنخوة ونجدة الغير والتضحية بالنفس والإيثار؟ وكم دعا الصحابة للنبي الكريم قائلين «بأبي أنت وأمي يا رسول الله».
10 ـ إلا أنه يلزم توافر الشروط لتتم ممارسات كريمة على أسس علمية محكمة وعلى أسس اجتماعية عادلة في مسألة شتل الأعضاء. وباب العمل الصالح في عالمنا الإسلامي مفتوح لإنجاز ذلك بصورة أحسن، وعمل أرحب، ومجتمعات أنظم وأوعى، وإتقان أكبر، وتكلفة أقل، ورحمة أتم. ولا يزال بيننا وبين العمل الصالح خرط القتاد.. والكثير من الجدل!! .
ثانيا: ... طبيعة الجدل من المنظور الاجتماعي والاقتصادي والصحي
القضايا الأخلاقية والاجتماعية المحيطة بشتل الأعضاء من زاوية المجتمع، في العالم الثالث - ومنه عالمنا الإسلامي خاصة - وأخلاقيات الندرة والتضحية: (43)
لقد أوجدت بعض الموضوعات الطبية المعاصرة إشكالات فكرية وخلقية وحياتية واقتصادية للعالم الثالث. فشتل الأعضاء - مثل العلاج الجينيي - هو من مشاغل الدول المتقدمة، وقد لا يمثل «أولوية» في اهتمامات الدول التي تحاول النمو (أو «المعاقة النمو» Economically Handicapped.(44).) وبتحول الكرة الأرضية إلى قرية كوكبية اندفعت أمواج عاتية من مشاكل العلم المتقدم وأساليبه في التأقلم الاجتماعي والحلول التي يطرحها للمشاكل الجديدة لتضرب شواطئنا الساكنة والتي تحيط ببحيرتنا الراكدة منذ قرون.(2/101)
1 ـ فأطباؤنا ومؤسساتنا الطبية تشربوا النهج الغربي في العمل والعلوم الطبيبة وتلبسوا بالروح الغربية، «والأخلاقيات» الطبية الغربية، ولم تتكون لديهم مناهج تنموية (اقتصادية مجتمعية Socio Economic)? أخلاقية/طبية Bioethical تتعمق في مشاكل عالمنا، واختلطت فينا كأطباء - وكمرضى وكمجتمع - قيم العدل الفردي بالعدل القانوني بالعدل الاجتماعي. ويدرس علم الأخلاق الطبية Bioethics - الذي لا ندرسه - المشاكل الناجمة عن اتساق القيم الطبية في تداخلها مع مشاكل التقدم التقني المعاصر، ويوضح هذا العلم أن القيم التي كانت تمثل إطارا للمجتمع منذ سنوات قلائل أخذت تتبدل، وأصبحت الأخلاقيات شيئا متحركا لا ساكنا، وخاصة مع التغيرات الواسعة في نظم الرعاية الصحية في الخمسين عاما الماضية، وقد حدث ذلك نتيجة الانفجار في المعلومات الطبية الذي أدى إلى فهم أعمق للمرض واختلال الوظائف - ونتيجة للتقدم التقني الهائل وخاصة في مجال التشخيص وبالأخص في مجال الأشعة الكمبيوترية المقطعية وبالرنين المغناطيسي وباستعمال المحقونات الذرية. وأدى ذلك إلى وعي متزايد للمجتمعات الغنية والفقيرة بمسائل الصحة والمرض. وإلى وضع الإنسان في مواجهة مصيره حتى النهاية بحيث ألقى على عاتقه اتخاذ قرارات مصيرية على البرزخ بين الحياة والموت وكذلك تحول الطب في نظر العامة من مهنة مبجلة إلى إدارة عمل Business غير شخصي في أحيان كثيرة مع تكنولوجيا متطورة، وتحول الطبيب إلى شخص يورد لنا حقائق علمية باردة وتقنية عالية القدرة والتدريب، وبعد أن كان رؤوفا وإنسانا - أصبح مشغولا ومتباعدا ومحايدا.(2/102)
2 ـ وأدت التقنيات الجديدة، مثل شتل الأعضاء، إلى إعادة تقييم للقيم وإلى إحداث تطور كبير يتطلب قدراً أكبر من التفهم والاستيعاب من جانبنا كمسلمين، نحن الذين تعودنا على احترام (كيان) الجسم البشري كوحدة متكاملة، نلم أعضاءه مهما تفرقت، ونغسله ونضمخه عندما يتوثق الموت منه، ونحيط جثمانه بأنفسنا مرفوعا على كواهلنا، ونوسده متماسكا ونكرمه بدفنه مصحوبا بالعبرات مشفوعا بالدعاء والتأسي والعبرة.
ومن هنا فقد صدمتنا التقنيات الجديدة التي توزع أعضاء الجسم بعيدا عن (شخصها).... عن صاحبها .. عن مستودع روحها المستقرة في أعماق وجداننا الديني... بل وجداننا العقيدي الذي سبق الإسلام بخمسين قرنا عكف فيها الإنسان في مصر على تحنيط الجثمان وإيداعه في هرم منيف لتلتقي فيه الروح بعد رحلتها الطويلة إلى السماء في مراكب الشمس.(2/103)
3 ـ ولا غرو في أن يرتفع منا الصوت بالجدل الحميم والحماس المتدفق والتساند على ما نقدس من نصوص، والاستجارة بالله تعالى وبالسلطات وبالقضاء وبجماهير الناس عندما تصطدم قناعاتنا الثابتة بجبال الثلج المتحركة في محيط التقدم الطبي، وكذلك فقد ساعدت وسائل الاعلام على الخروج بالمواضيع المتعلقة بشتل الأعضاء قبل أن تنضج أولا في المجالس الطبية والاجتماعات والمجلات العلمية وبالتسابق إلى باحة الجمهور المندهش في عالمنا الثالث والذي لم يختبر من قبل ولم يتعود على الاستماع والمشاركة بدون انفعال وانحياز ورأي مسبق - لا ينتوي تبديله أصلا - قبل أن يبدأ أي نقاش، وهكذا نستبدل لغة البحوث بصنعة البلاغة الفارقة، وجدل العلم البارد المحدد برحابة الاقتباس الديني وتعبيره العميم المحيط، واحتمالات الشك المنهجي المؤدي إلى التغيير عند الاقتناع العلمي بموثوقية الثبات الديني قبل المناقشة، واستبدال الرغبة في تفهم الحقائق الجديدة بجمع الأنصار للتحزب لما وقر في القلب، وأصبحنا نفضل الانتصار في ساحة الكلام على قبول التغييرات الخطيرة وتحمل التبعات الجسام.
4 ـ ومن ناحية أخرى فقد أصبح الحق في حصول (الجميع) على الخدمات الطبية الأساسية وما يتوصل إليه الطب في نفس الأهمية الحيوية للحصول على التعليم الأساسي وتوافر العدل والأمن العام. وبدلا من حل المشاكل الصحية عن طريق الأطباء المتخصصين أصبح الأمر في حاجة إلى الخبراء في الاقتصاديات الصحية، وأصبح حتى الطبيب المتخرج حديثا يحسب أولا ثمن العلاج وأهمية عدم التفريط في مصادر التمويل.
5 ـ وظهرت (مجموعات ضغط) أو مراكز قوى تحاول الاستفادة من مصادر التمويل الصحي وتحويلها من الأفقر إلى الأغنى وزاحم المحامون وخبراء التأمين الأطباء سباقا نحو المرضى.(2/104)
6 ـ ولقد قيل إن القيم الرئيسة الطبية هي ست قيم: وصول الناس إلى الخدمات الطبية الكافية، وكفاءتها، والمساواة في نصيب كل فرد منها، والإنسانية في تداولها، واستعمال أعلى مستوى تقني، واستقلالية الطبيب والمريض كليهما. وفي أغنى البلدان لا يمكن الحصول على كل هذه الأشياء سويا،.(45). وبالتالي فلن يمكن تنظيمها معا في العالم المعاق نموه Economically Handicapped World والذي يسمونه العالم الثالث ويعم جزءا كبيرا من عالمنا، وحتى الهدف الأول - الحصول على الخدمات الصحية الكافية - لا يمكن تحقيقه، حتى لو وضعت هيئة الصحة العالمية قالب السكر في أفواهنا منذ عام 1978 حين أعلنت هدفها: «الصحة للجميع بحلول عام 2000» وليتها قالت ذلك بحلول عام 4000!!
وحتى في كندا يتم إنفاق 26% من الموارد الصحية على 6% من السكان... ولم يتوصل نظام طبي إلى تقديم خدمات صحية، يسهل الحصول عليها، وبسعر رخيص لكل إنسان يحتاجها، مع منح حرية الاختيار للمريض وطبيبه المعالج في نفس الوقت! .
ومع ذلك فالتكلفة الأعلى ربما لا تعني خدمات صحية أرقى للمجتمع، إذ تنفق اليابان نصف إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية وعند اليابان عمر متوقع أطول (78 عاماً إلى 75) ووفيات الأطفال أقل كثيرا (5 في الألف من المواليد الأحياء بالمقارنة بعشرة) ويبلغ الإنفاق على الخدمات الصحية للفرد في عام 1990 ما مقداره 2566 دولارا في الولايات المتحدة عام 1990 زاد إلى 3380 دولاراً عام 93 بمجموع 900 مليار دولار في الولايات المتحدة، 1770 في كندا، 1233 في السويد، 972 في بريطانيا، 915 دولاراً في اليابان، فما هي مخصصاتنا المالية للخدمات الصحية في مختلف بلداننا الإسلامية؟. إنها شديدة التواضع أو متدنية أو غير موجودة أصلا!!
7 ـ وفي العالم الثالث تتجمع الخدمات والتقنيات في المدن الكبيرة بعيدا عن الأرياف.(2/105)
ويمتلك أي مجتمع موارده، ويتمنى وجود نظام لتخصيصها، وذلك مسؤولية الهيئات الصحية، لكي تتقاسم المجتمعات (الخيرات المشتركة) بما فيها الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ويؤدي الارتفاع الكبير في تكلفة النفقات الحديثة إلى إفادة قلة مختارة من هذه الموارد وحرمان الكثير من وسائل منع المرض والتشخيص والعلاج، فما بالنا بمهمة جليلة كشتل الأعضاء، مما يخل بمبدأ التوزيع العادل الملتزم من قبل المجتمع إزاء أفراده. وأصبح تقييم البرامج الصحية مكونا مهماً من بحوث الخدمات الصحية وتحليلاتها الرياضية والاقتصادية عند الكثير ولم يصبح عندنا هذا الأمر كذلك بعد.
ومجتمعنا الإسلامي (الفقير) يشكل جزءاً أساسيا من الدول النامية التي تغطي ثلثي وجه البسيطة (4 مليار إنسان يمثلون ثلاث أرباع البشر) وتتمثل إعاقته التنموية في الفقر وقلة الحيلة والتبديد وانعدام العدل، ويتدنى الإنفاق الصحي في أفريقيا جنوب الصحراء إلى 50% من إنفاق أمريكا اللاتينية، 30% من إنفاق الدول الآسيوية.(2/106)
8 ـ وفي الثمانينات - عقد الأزمات - انخفض الإنفاق على الصحة في 37 من أفقر الدول في العالم بمقدار 50% عما كان عليه من قبل، وتحولت جهود محدودة جدا أصلا إلى مواجهة الايدز في البلدان الفقيرة، وأحيانا ليس هناك مخصصات صحية على الاطلاق. إذ تنفق الأموال على سلع الاستهلاك وإصلاح الطرق والمشتريات العسكرية. أما الأدوية المشتراة من أموال دافعي الضرائب فلا يشتريها إلا القادرون في المجتمع الفقير. وقد أدى التكيف الهيكلي الذي نصح به البنك الدولي إلى الدخول في سياسة إلغاء الدعم الحكومي على سلع الغذاء الأساسية والأدوية وكتب المدارس وتقليص التوظيف الحكومي، وانحدار قيمة العملة المحلية والتحول إلى تجميع العملة الأجنبية من خلال تقليل الواردات وتشجيع الصادرات وزيادة أسعار الأدوية المستوردة وهكذا. في المدى القصير حدث اهتمام بصحة الاقتصاد وانصراف عن صحة المجتمع. وواجهت الحكومات في العالم النامي ضرورة إصدار قرارات مؤلمة في محاولة لتخصيص الموارد للقائمة الكبيرة لمختلف الحاجات التنموية. ويحدث كل ذلك في غياب قاعدة صناعية قوية تمتص البطالة أو الطرد من قطاع الدولة، وفي غياب مساندة من التأمينات الاجتماعية، ومن هنا تعبر برامج الموازنة الاقتصادية عن حقائق الحياة المرة في معظم مجتمعاتنا وتظهر لنا الصعوبات الكبيرة في تنفيذ برنامج شامل لشتل الأعضاء.(2/107)
9ـ وقد أدى ارتفاع الخدمات الصحية المكلفة مثل نقل الأعضاء ووسائل التشخيص المرتفعة الثمن إلى طرح مسألة الندرة أو الإملاق الاقتصادي Economic Scarcity التي تشكل في العالم الثالث الوجه الآخر للثمن (Cost). وتقل المخصصات للصحة عن خمسة دولارات للفرد سنويا في معظم المجتمعات الفقيرة وتتدنى في بعض البلدان الأفقر إلى دولار واحد (وتزيد عن آلاف من الدولارات في الدول الغنية). وانهيار سعر العملة في الدول الفقيرة مع تدني مواردها يعني التضحية Sacrifice وكان أول ما عانى هو التعليم والخدمات الصحية. ومن هنا وجب اعتبار لزوم التقنين - (كما لو بالبطاقات) لتوفير الاحتياجات، ووجب إشراك عامة المسلمين في التعبير عن هذه الاحتياجات التي تحتاج تقنينا (تنصيبا) شديدا (ولا يبيتن أحدكم شبعان وجاره على الطوى). (46، 47، 48).
10ـ وقد اقترحت لجنة الأخلاقيات الطبية في كلية ستانفورد ست قواعد أساسية أخلاقية طبية المفروض أن نهتدي بها نحن الأطباء وهي:-
1 ـ الحفاظ على الحياةPreserve Life
2 ـ تقليل أو رفع المعاناة والألمAlleviate Suffering
3 ـ عدم إحداث الضررDo no Harm
4 ـ المصارحة بالحقيقة Tell the Truth
5 ـ احترام استقلالية المريضPatient’s Autonomy
6 ـ عامل المرضى بالعدلDeal Justly With Patients
ورغم وضوح هذه المبادىء فإن الممارسة الطبية تقتضي تقليل التناقضات فيما بينها. فكيف نحافظ على الحياة ونقلل المعاناة والضرر مع حرب البسوس في أفغانستان؟ وكيف نصارح المرضى وأهلهم يطلبون غير ذلك؟ وكيف نظل أخلاقيين في عالم يكيل بمكيالين؟ وكيف لنا ونحن نوزع خدماتنا الصحية عشوائيا وبدون مشاركة ديمقراطية أو إشراف شعبي أن نعامل الناس سواسية كأسنان المشط؟... كيف ؟(2/108)
11 ـ كما أن الحرية في الاختيار تختفي أمام تخصيص الموارد اليسيرة للطلبات الكبيرة والكلام المتحرر عن العدالة نجده في المقولات الدولية وليس في حقائق العالم الثالث التعسة، ويجب اعتبار ذلك كله في إساءة سياسات شتل الأعضاء.
12 ـ وتتوزع جهودنا نحن الأطباء بين مصلحة مرضانا، ومصلحة المجتمع وربما مصالحنا في عياداتنا الخاصة. ويزيد هذا (الشتات) كلما جرى تقنين الموارد الصحية اليسيرة، ويصبح من الضروري الالتزام بقوائم أدوية محدودة وبإرشادات في العلاج يتبعها كل طبيب بحيث تكون بقدر الإمكان متفقة مع التقدم وواضحة وتمثل الممكن للفقراء.
13 ـ كما أن البحث عن (أولويات المضطر) أصبح من مهام الخدمات الطبية في العالم الثالث. فهل ننفق على مرضى السرطان الذي لاعلاج له ما يحتاجه تطعيم الأطفال؟ إلا أنه من ناحية أخرى فإن معظم مرضى السرطان يطلبون الرعاية في العالم الثالث وهم في مرحلة متأخرة ولا بد من علاج يداوي بعض جراحهم وإن لم يشفيها Palliation ليعيشوا عند أقصى مستوى مقبول من الحياة لهم ولعائلاتهم، وأن تكون النهاية مريحة، ومن غير ألم، وباحترام. وكذلك فليس بمقدورنا أن نترك مرضى الفشل الكلوي على غسيل دائم بدون شتل الكلى (49).
14 ـ ربما فكرنا أحيانا في تقديم أوسع الخدمات لأكبر عدد من الناس (مثل الطب الوقائي وأمراض شلل الأطفال). (The greatest good for greatest number).(2/109)
إلا أننا يجب ألا نتخلى عن المرضى في حالات صعبة ويجب أن نعمل على المزج بين صالح الكثيرين وبين تخفيف آلام المحتاجين لرعاية مركزة وتحمل المسؤولية إزاءهم. نعم إن الأولويات في العالم الثالث يجب أن تتمحور حول التحكم في الأمراض المعدية وتوفير مياه الشرب النظيفة ومنع الأمراض مثل مرض السرطان ومرض القلب ومع هذا فإن ذلك يجب ألا يغطي على المسؤوليات تجاه المشاكل الطبية الأخرى مثل معالجة الفشل الكلوي والكبد ولا يمكننا أن نرى في الوقاية عملا على حساب من هم مرضى فعلا. يجب أن نضع ذلك كله في اعتبارنا ونحن نواجه حاجتنا إلى خدمات شتل الأعضاء التي تحظى بتطلع عشرات الآلاف من المرضى.
15 ـ وبالطبع فلن يمكننا أن نحصل على إنجازات في شتل الأعضاء مقاربة في نتائجها وشمولها لتلك التي في الدول الصناعية المتقدمة إلا أننا يجب أن نستدعي اعتمادنا على أنفسنا وننتهز الفرص لتدعيم قدراتنا على عمل المهام الصعبة بأسلوب الفريق، بأدويتنا وبآلاتنا التي نصنعها، وبخبرائنا وأطبائنا الذين نثق في قدرتهم لو أمكننا تنظيم عملهم لمواجهة المهام المشتركة الجديدة في التقنيات الطبية التي تحتاج إلى تكامل الخبرة مع إشراك الناس في تفهم مشاكلهم والمساهمة في تكاليفها، وتنشيط المنظمات الشعبية لتوضيح غامضها، وبعث الأمل والرجاء بدل القنوط واليأس، والسيطرة على أساليب الدكاكين الطبية لحساب الصناعات الطبية المعتمدة، والبحث دائما عن أولويات لتقليل المعاناة عن الكثيرين، وعدم إهمال المشاكل الملحة الجديدة من خلال تفهم جديد للطبيب المسلم في خدمة مجتمعه المحتاج (50).
الجزء الخامس:
نظرة مستقبلية إلى ثوب الحياة والموت
[يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} الرحمن {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} لقمان 31.(2/110)
[قال ربي أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء} آل عمران 40.
[ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} العنكبوت 14
أولاً: قصر العمر.. نعم، طول العمر... كيف؟!
في حياتنا (الدنيا)... نحس وندرك، ونعي، ونعاني، ونبحث، ونتساءل ونتطلع ونتعب ونحب. وهي غير حياتنا (العليا) حيث نواجه ونحاسب فنتعذب ونشقى أو نسعد ونرغد كما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وخوفا من العذاب - وإن كنا نرجو الرحمة ممن كتبها على نفسه - وتمسكنا باستخلافنا في الأرض كهدف مشروع، ولأننا نلمس أرضنا بأرجلنا، وتتردد في أجوائها أنفاسنا، ونسمع ونحن نيام وجيب قلوبنا، ونسعد بالتلاقي، ونحزن للفراق، فإن جلّ ما نطمح إليه، وما نرجو الله فيه أحر رجاء، هو طول العمر، مزدانين بالمعرفة والحكمة، وممتعين بالثراء والعز.
إلا أنه «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه»... فإن إعصار الموت يأتي دائما بما لا تشتهي السفن. كم تأملت وتبصرت واستكهنت من خلال هذا البحث توجيه القول المأثور لنا «أن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا». إن دعاء كل منا - من حضور هذه الندوة بلا استثناء لنفسه ولمن يحب هو أن تطول أعمارنا وأن تتحسن قدراتنا العقلية..... لندرك أكثر ونعيش أطول! إلا أن هدفاً عزيزاً كذلك، يستدعي تغييرات تحدث في جسمنا ومخنا كليهما.(2/111)
ولكي تحدث تغييرات (جوهرية) في أجسامنا، وجب على كل من بنى شبكة للرعاية الصحية الأولية، ووفر فرصا للتداوي على مراحل العمر، وأنشأ نظاما للإسعاف والإنقاذ في الملمات والحوادث، ووفر نظاما للرعاية المركزة لا يفرق فيه بين عربي وعجمي إذا حلق ملاك الموت.. وجب عليه أن يتصور طرقا جديدة كالتي ذكرنا ما أنجزه العالم المتقدم منها، لإحلال «قطعة غيار» بدل أجزاء (أنسجة أو أعضاء) من الجسم يكون قد طالها البلى أو فشلت إثر مرض سقيم لا برء منه. وقد كان الطب قبل هذه المرحلة، أي إلى عهد قريب، يحاول تشغيل الأعضاء المريضة بأساليب دوائية أو جراحية أو استئصالية أو تصليحية. ثم ابتدأ من أمد قصير ينحو أيضا نحو التخلص من الأنسجة والأعضاء التالفة وتركيب قطع غيار بمعنى الكلمة تحل محلها.
وإذا تم شتل العديد من الأعضاء ما عدا المخ - أصبح على البشرية أن تخترع أساليب لتقوية وظائف مخنا للوصول إلى مزيد من الشطارة والحكمة. إننا لن نرتدع عن فعل شيء في سبيل إنفاذ المشيئة الإلهية باستخلافنا في الأرض، والتوجيه بأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش.. أبدا..!(2/112)
آه لو استطعنا أن نستبدل أنسجة المخ التالفة في دماغنا والمتعلقة بالوعي والإدراك والمعرفة.. إذن لفعلنا. لا سبيل لنا في المستقبل المنظور لمثل هذه «التقنية الحيوية» Biotechnology. وأما السبيل الممكن فهو بالتقنية الفائقة الصغر Nano Technology (النانو هو واحد مقسوم على أصفار عديدة من المليمتر) والتي ستزودنا بأعضاء مصنوعة ميكروسكوبية الحجم، كبيرة السعة، فائقة القدرة، (مثل الفيل، ونصرها في منديل). ربما بتطوير هذا النانو تكنولوجيا ستتاح لنا فرصة لتدعيم المخ البشري. باختصار.. إننا نحاول الإفلات من (حصار) حياتنا البيولوجية، وربما يسمح لنا الخالق جل شأنه أن (ننفذ من أقطارها) فنغير بإذنه من طول حياتنا القصيرة الحالي، ونختار فوق ذلك لأنفسنا طاقات عقلية Mental Capacities لم تطرأ من قبل على قلب (أو على عقل) بشر.(2/113)
ولقد أوضحت في الجزء الأول من هذا البحث المتواضع، أننا - البشر - منذ ثلاثة قرون فقط أسرعنا في تعلم الكثير من وسائل المحافظة على صحتنا من خلال طب حديث، هو ابن شرعي لتقدم العلوم والفلسفة والرياضيات، وسيادة المفاهيم التي تلد التقدم الطبي والتقني. ورغم أننا اخترعنا آلافا من العلاجات المحدودة لآلاف من الأمراض والمعوقات والأعراض الجسدية، إلا أنه لا يظهر أننا نجحنا في زيادة طول العمر. ولو استعرضنا تاريخ النبوة والخلافة الراشدة، لوجدنا أن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) لم يتجاوز الستين عاما بكثير، وتوفي الخلفاء الراشدون أو قتلوا في متوسط الأعمار السائدة في عصورهم، في حين أن القصص الديني المعتبر يبشرنا بأعمار طالت واستطالت فيما بين أهل الكهف ونوح عليه السلام مئات السنين عددا. ومن ناحية أخرى يقدر «والفورد» أستاذ الباثولوجي (علم الأمراض) في جامعة كاليفورنيا أن متوسط عمر الإنسان في روما القديمة كان 22 عاما (ولا نظن متوسط العمر في الأمصار الإسلامية كان يزيد عن ذلك كثيرا عند منتصف الثلاثينات مع تاريخ الحروب والأوبئة والمجاعات) ثم أصبح متوسط العمر خمسين عاما عام 1900 في الدول (الغنية) ويقف العمر الآن عند قمة 75 عاما في (الولايات المتحدة والكويت) بمنحنى ينتهي عند 115 عاما على الأكثر.
وهكذا فإن قرونا من التقدم الطبي والصحي لم تؤثر جذريا على طول العمر.. وكأنه قدر؟ لماذا كان عمرنا قصيرا (هكذا)؟!. إن الإجابة بسيطة:(2/114)
1 ـ "فالحياة» تفضل الجينات Genes عند الحيوانات التي تنجب في وقت أبكر من غيرها، ولا تبقى على الشفرات التي تطيل الحياة بعد الزمن الذي يحتاجه الحيوان البالغ ليكمل رسالة العناية بصغاره. بل إن (الحياة) قد تفضل (الذرية) التي لا تتنافس مع (والديها) الذين هم على قيد الحياة، هذه المنافسة المريرة التي قد يؤدي تواصلها لو عاش الآباء إلى «تكأكئ» (Accretion) الجينات التي تحدث (الموت). وكثير من الحيوانات صمم خالقها حياتها لكي تموت بعد الانتهاء من فترة التكاثر بسرعة ويستثني من ذلك الفيل والإنسان، اللذان يتعلم صغارهما، بفضل الصحبة بين الأبناء والآباء، الشيء الكثير بواسطة الانتقال الاجتماعي (للمعرفة المتراكمة) (انظر جزء البحث المتعلق بتكوين الذكاء وتراكم المعرفة). ونحن البشر يظهر أننا أطول الحيوانات ذات الدم الحار عمرا (ضعف الحيوانات الرئيسة الأقرب من الثدييات الفقرية) ويعود ذلك إلى حكمتنا!! وأطفالنا هم أقل ذريات الحيوانات أعدادا للبقاء المستقل بعد ولادتهم، وقد يحتاجون لا إلى جهود آبائهم وأمهاتهم فقط ليعيشوا، وإنما ربما إلى خبرة الجدود أيضا، لكي يعتني كل هؤلاء بنا (وأعز الولد ولد الولد) وكي يسلمونا مفاتيح حيوية غالية من أجل (البقاء).
2ـ ورغم ما نتلقاه من هذه الرعاية.. فنحن نموت.. من جراء عوامل عديدة منها العدوى الجرثومية. فهذه الجراثيم سبقتنا في الوجود على كوكبنا بمليارات السنين حصرا وعدا، واستمرت منذ البدء وستستمر إلى ما شاء الله بنجاح مذهل على المقاومة والبقاء (كأنجح الأنظمة الحيوية كافة).(2/115)
وقد طورت أجهزة المناعة لدينا طرقاً مرنة لمواجهة هذه الأمراض المعدية، إلا أننا - لحظنا التعس - كثيرا ما نمرض حين تتعامل أجهزة المناعة مع أنسجتنا كما تعامل الميكروبات الغازية لا فرق. هذه المناعة العمياء تسدي لنا جميلا، وتؤدي في نفس الوقت إلى مرض السكر والالتهابات المفصلية شبه الروماتزمية والتليفات المتعددة وغيرها من الأمراض.
3 ـ وإلى جانب العدوى الجرثومية فإننا (نموت) بالإصابات التي لا يصلحها الجسم تلقائيا في حوادث الطريق، ومن جراء الاختلال في نظام التغذية (التي تصاحب ولائم الندوات في الكويت) وبفعل السموم الكيميائية والحرارة الفائقة (وبرحمة الله تكفينا) وبالاشعاعات (من هيروشيما إلى تشيرنوبل)، وبغيرها مما يشوه أو يغير التركيب الجزيئي لخلايانا ويجعلها تفقد أعز ما تملك.. تفقد وظيفتها، عندما تتكأكأ عليها هذه الخطايا المميتة.
4 ـ إلا أن أهم أسباب الموت الطبيعي (كما يسميها أهل مصر): موتة ربنا، وتنبع من تأثير الجينات الموروثة المسؤولة عن أمراض القلب والسرطان (أهم سببين للوفاة في العالم المتقدم) بالإضافة إلى عديد من الاضطرابات المرضية الأخرى. ومن المتوقع أن تتمكن التقنيات الجديدة من منع بعضها، بإبدال هذه الجينات المعوجة أو بشتل غيرها (شتل الجينات) Genetic Transplant أو بالعلاج الجيني.
5 ـ ورغم ذلك، فإننا إذا «أصلحنا» الكثير من أسباب المرض «وأبطأنا» الكثير من حدوث «الخلل الوظيفي»، فلا يزال يواجهنا خطر (البلي) Wear and tear. فجسمنا بتصميمه لا يمكنه إصلاح كل الأخطاء الصغيرة الناتجة عن حيوية الخلايا.. عن حياتها نفسها، وجهازنا الجيني صممه خالقه لكي لا يستمر طويلا. وليس بجسمنا كتالوج إصلاح ذاتي مفهرس. ذلك أن إصلاح الأخطاء في الخلايا - إن كان قد حدث - فإنه سيوقف تكيفها، مما يبطىء في النهاية سرعة تطور ذريتها، حتى تصبح عاجزة عن التأقلم مع تغيرات البيئة التي ستعيش عليها في زمانها.(2/116)
6 ـ ونحن البشر نختلف عن الشمبانزي في عدة آلاف من العوامل الجينية فقط ( من بين ملايين نتفق فيها) إلا أننا نعيش ضعف عمرها. وحتى نتمكن في المستقبل المنظور من تركيب قطع غيار جينية تطيل عمرنا مئة عام أخرى فإننا نسلك طرقا أخرى عمليا في الوقت الراهن لمقاومة البلى، بإحلال الأعضاء الفاشلة ببديل صناعي أو حيوي. وهكذا أصبحنا نعيش وفي أجسادنا ما يزيد عن ستين قطعة غيار صناعية، كما أصبح شتل بعض الأعضاء البشرية روتينيا والباقي يلوح في الأفق. فالقلب هذا الذي يدق بالحب - ما هو إلا مضخة ذكية، والعضلات محركات، والعظام خوابير أو ساندات، والأجهزة الهضمية مفاعلات كيميائية، وسنجد في النهاية أساليب لشتل أو تعديل كل هذه الأجزاء.
ثانيا: محدودية الذكاء البشري ومستقبل زراعة المخ:
7 ـ إلا أننا في النهاية لايمكننا شتل مخ آخر بدل مخنا لكي نبقى نحن كما كنا! فسنفقد المعرفة والإدراك وكلها تشكل هويتنا وتفردنا identity. ربما أمكننا شتل بعض الأنسجة العصبية من مزارع لأنسجة الأجنة مكان أنسجة بالية في مخ الإنسان - لكن هذه العملية المحدودة لن تعيد لنا معارف فقدناها. إلا أننا علينا أن نصلح معارفنا
(our Knowledge) بطرق أخرى بإعادة تدريب أماكن جديدة في المخ، وإعادة ترابطها بأخرى.
8 ـ وقبل أن تبلى أجسادنا، فالظاهر أن قدراتنا العقلية يصل فيها ذكاؤها إلى (سقف) مستو Plateau لا تتعداه، ولا يظهر علينا أننا نصبح أذكى: لم يصل أحد منا إلى فطنة النبوات ولم يصل شاعر معاصر إلى شاعرية المتنبي أو شكسبير وربما لم يتفوق اينشتاين على نيوتن أو فلاسفتنا المسلمون المعاصرون على ابن سينا وابن رشد. وكثير من حكمة القرون الخاليات لا تزال تنير طريقنا.(2/117)
9 ـ ونحن كذلك لا نزال غير قادرين على حل المتناقضات بين أهدافنا الفردية ومصلحتنا الكلية، وكثيرا ما نترك للصدف ما لا نتأكد منه أو لا نستطيع اتخاذ قرار بشأنه. فهل محدودية الذكاء هذه عند البشر ناتجة عن قصر العمر اللازم للتعليم؟ أو إلى قصور القدرة الاستيعابية في المخ؟ أو استعمال جزء محدود من المخ فقط؟ وهل يجدي تعليم أحسن في زيادة حكمتنا إلا إلى حد محدود كما يحدث الآن؟.. ذلك أن أكثرنا (عبقرية) لا تزيد سرعة تعلمه عن ضعف سرعة الإنسان العادي. وكذلك يستغرق تعلمنا وقتا طويلا، لأن مخنا شديد البطء وله حدوده التي لا نعرفها والتي في النهاية لها حدود تبلغها.
10 ـ علينا طبعا أن نسعى لزيادة طاقة مخنا كلما علمنا المزيد عن طرق عمل المخ، فلا نزال لا ندري الكثير عن طرق عمل مئات المناطق المتخصصة في المخ البشري أو عما تفعل. فإذا علمنا ذلك في المستقبل فسنسعى لا بد لتوسيع طاقات هذه الأجزاء باختراعات جديدة، بتوصيلها إلكترونيا مثلا بملايين الأقطار الميكروسكوبية التي نزرعها في الجسم الثفني corpus callosum، ولن يفلت جزء من المخ من توصيله بالزوائد (الإضافات - Accessories). وربما ستصبح عقولنا حينئذ من (بنات أفكارنا our mind children). نحن نتطور الآن أسرع بكثير مما مضى من الناحية العقلية، وتنوعنا في هذه الناحية أسرع من التنوع البيولوجي.. سنقدم خططا جديدة ونتخذ لأنفسنا أهدافا جديدة، لكي نرث بها صفات مكتسبة جديدة Inheritence Of Acquired Characters ولكي يتم ذلك علينا أن نعلم كيف تنتقل الإثارات العصبية عبر المشبك Synapse الذي يربط بين خليتين عصبيتين. فرغم حدوث ملايين من الحوادث الكيميائية والبيولوجية بجوار كل خلية عصبية طول الوقت، فهي لا تلتفت إلا إلى القليل لتؤدي وظيفتها في التأثير على الأجزاء الأخرى.(2/118)
وبنشأة النانو - تقتنيه - الميكروسكوبية، سنبني قطع غيار وإضافات صناعية بصورة ذرية فائقة الصغر، نضيف فيها كل جزيء حيث نريد، وبذلك ننتج قطع غيار متماثلة تماما، متخطين صعوبات الأحجام الصناعية الكبيرة للأسلاك الحالية مثلا ونصل إلى مواد لم يسبق تصورها أو صنعها، وسنكل إليها القيام بمهام كمية جديدة الصفات تماما Novel Quantum Properties مما يؤدي إلى صنع كمبيوتر صغير في حجم المشبك العصبي، يتمتع بسرعة وكفاءة لم تحدث من قبل، ويعمل على المستوى الذري ويمكنه أن ينتج مليون نسخة من نفسه في السنة!.. وستغير هذه الوسائل وجه العالم، حين تصبح قادرة على جمع الطاقة الشمسية لتزويد نفسها بها وتبنى نسخا من (أنفسها)!.
وهكذا سنستطيع أن ننمي هذه الحقول لهذه المصانع الدقيقة كما ننمي الأشجار، وهكذا سنجني الكثير من الثروات الدنيوية، وتصبح مهمتنا أن نتحكم فيها بحكمتنا لكي نكمل الوفاء بالقول المأثور... «واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
فإذا أردنا أن ندعم من قدرات المخ البشري - ونحن نريد ذلك ونعمل له فعلا - فعلينا أن نسأل أنفسنا: إلى أي حد بلغت معارفنا اليوم؟ وكم كانت المعارف قد بلغت في الماضي يا ترى؟.. إن كل ما يمكننا أن نتعلمه إذا التزمنا بالدراسة المنتظمة لمدة 12 ساعة يوميا لمدة مائة عام متواصلة يمكن تضمينه على قرص كمبيوتر قطره 5 بوصات وفي المستقبل على شريحة كمبيوتر صغيرة chip.(2/119)
ويحتوي المخ البشري على تريليون مشبك عصبي وفي المستقبل يمكن تجميع موسوعة فكرية على قرص في حجم حبة عدس. وسنبني حينئذ قطع غيار للمخ لا تتقيد بالزحف البطيء في العمل حسب خطو الزمن الواقعي Crawling Pace Of Real Time. وما يحدث في أقراص الكمبيوتر حاليا له سرعة تزيد ملايين المرات عما يحدث في خلايا الجسم البشري. وسيمكننا تصميم بنات أفكارنا لتفكر أسرع ملايين المرات مما نفعل حاليا. وفي (حياة) إنسان مثل هذا فإن نصف دقيقة من عمره فقط قد تمثل سنة من عمره الحالي، وتمثل ساعة مقدار عمره الذي يعيشه في الوقت الراهن.
وبالطبع يشير كثيرون إلى افتقاد هذه التركيبات المخية أو الذهنية الصناعية إلى كثير مما يتحلى به العقل البشري من (يقظة) و(إدراك) و(روح). فلن (تفهم) الماكينات بمثل ما يفهم البشر، بفعل نفحة سحرية لا ندرك كنه صفاتها. فالتفكير البشري يتسم بالمرونة والتكيف وغنى المنابع وثراء الأصول.. وعندما يخطىء البشر في الحكم فهم يجربون بديلا مخالفا. ويحتوي المخ البشري على إمكانيات واسعة القدرة لا نعرفها حتى الآن كما أسلفنا.(2/120)
وفي الوقت الراهن يستعمل الكمبيوتر وسيلة واحدة من وسائل عديدة في أداء وظيفته (للتفكير) حسب برنامج وحيد موضوع له يمثل المعلومات المقدمة إليه، مثل قاعدة «إذا... إذن If, Then» ونظام الأطر المعلوماتية (مثل النماذج التي نملؤها) ومثل الشبكات العنكبوتية web أو شجيرات اتخاذ القرار Decision Trees أو النماذج التخطيطية المختلفة. وقد يخزن الكمبيوتر المعلومات في جمل شبيهة باللغة أو تعبيرات رياضية منطقية. وإذا فشل أحد هذه البرامج فسيتوقف العمل فنشكو الكمبيوتر الذي (لا يفهم) ما يعمل. وقد سبق أن أشار الفلاسفة إلى أن الفهم Understanding والمعنى meaning واليقظة أو الإدراك consciousness لا بد أنها تمثل قدرة أساسية لا يمتلكها إلا العقول البشرية. فهل هذا انحياز لجنسنا نحن البشر؟ لقد كتب منسكي في كتابه «مجتمع العقل Society of mind» يقول:
"إذا فهمت شيئا بطريقة واحدة فقط، فأنت إذا لا تفهم هذا الشيء على الإطلاق، لأنه إذا حدث شيء مخالف لك، فأنت رهن فكرك القابع في قعر ذهنك في قاع مخك، (وطريقك.. مسدود.. مسدود.. يا ولدي)!!!
إن السر فيما يعنيه أي شيء لنا، يعتمد على كيف نربط بينه وبين الأشياء الأخرى التي نعرفها. ولذلك فإنه عندما يحفظ إنسان ما معلومات عن ظهر قلب فإنه حقا لا يفهم. ومع ذلك فإن كنت تملك خيارات كثيرة مختلفة ويفشل أحدها، يمكنك تجريب الآخر. ذلك أن الخيارات المترابطة جيدا تجعلك تقلب الأفكار في ذهنك، وتستبصر الأمور من زوايا مختلفة، حتى تعثر على أحدها الذي يعمل كما تهوى، وهذا ما نقصده بمفهوم التفكير».(2/121)
إن (المرونة) versatility هي التي تفسر لماذا كان التفكير سهلا لنا في الوقت الراهن وصعبا بالنسبة للكمبيوتر. فالمخ قلما يستعمل اختيارا واحدا، ولكنه يجري سيناريوهات متوازية لكي يتوافر دائما وجهات نظر عديدة. وكذلك تشرف على كل نظام معين للتفكير.. نظم أخرى أرقى في المستوى تقوم بمتابعة أداء نظام التفكير المعين ذاك وتعيد ترتيب المشاكل إذا لزم الأمر. ولأن كل جزء من المخ قد يعتوره نقص ما، فلنتوقع أن نجد أجزاء أخرى تحاول اكتشاف وإصلاح الخلل. ولكي «نفكر» جيدا فإننا نحتاج إلى عمليات عديدة تساعدنا على أن «نصف» «ونتنبأ»، و«نفسر» و«نختصر» و«نخطط» ما يمكن أن تفعله عقولنا في الخطوة التالية. فنحن إذن نفكر جيدا كبشر، لا لأننا نمتلك نفحة خفية من المواهب والعطايا، ولكن لأننا نمتلك تجمعات من «الوكالات» AGENCIES التي تعمل كفريق موسيقي لكي تمنع حبسنا في زوايا فكرية لا نتحول عنها ولا نريم. وعندما سنكتشف كيف تعمل هذه «الوكالات»، فسنضمنها داخل الكمبيوتر، حتى إذا وصل أحد برامج تشغيله إلى طريق مسدود، فسيقترح برنامجا بديلا. وإذا صادف أن رأيت آلة تعمل هكذا فسيخيل إليك أنها تدري ماذا تفعل.
وليس هناك منظومة أخلاقية تستطيع أن تواجه التحديات التي أخذت تواجهنا في هذا الصدد مثل: كم من البشر يمكنهم العيش على كوكبنا؟ وما نوعهم؟ وكيف نتقاسم المساحة المتاحة؟ ربما كان علينا أن نغير طريقتنا في الحياة حول مسألة إنجاب أطفال إضافيين. فالحمل الآن يتم جزافا، وربما كان من المستحسن الحصول على أطفال وتنشئتهم حسب (رغبات) وبمقتضى (وصفات) معتبرة لدينا.
وعندما نشكل أمخاخنا مستقبلا فليس من الضروري أن نبدأ من الطريقة الحالية التي تعمل بها أمخاخنا، بمعارفها القليلة حول العالم. إذن: ماذا على (بنات أفكارنا) أن تعي؟ وما دورها؟ وكم ننتج منها؟(2/122)
إن المناهج الأخلاقية التقليدية تركز أساسا على الفرد كما لو كان أهم بند وحيد (للقيمة). ولكن علينا أن نضع في اعتبارنا مستقبلا حقوق وأدوار الكيانات الكبيرة مثل الثقافات والنظم الكبيرة للنمو التي تسمى (العلوم)، والتي تساعد على فهم العالم. فكم إذن من هذه نريد؟ وما هي الأنواع التي نرغب فيها أكثر؟.. يجب أن نكون أيضا على حذر من تلك الأنواع من الثقافات التي تقاوم كل نمو مطرد.
وهناك خيارات مستقبلية لم يشهدها أحد من قبل. ولنا أن نتصور (نظاما) يستطيع أن يراجع عقليتك وعقليتي ثم يكون عقلا جديدا بازغا معتمدا على هذه الخبرة المشتركة.
ثالثا: ماذا يخبىء المستقبل القريب، في عالم العقول إذن يا ترى؟ الإنسان في القرن القادم.. إلى أين؟
... " لماذا الذي كان ما زال يأتي؟
لأن الذي سوف يأتي.. ذهب»
(أبو الطيب المتنبي)
مهما كان ما سيأتي به المستقبل المجهول، فنحن نغير الآن القواعد التي صنعتنا.
وسيخاف معظمنا من هذا التغيير.
إلا أن آخرين منا يودون أن يفلتوا من التقييدات الحالية.
وربما تساءل كثيرون: ولماذا يرغب أحدنا في العيش «إلى أرذل العمر»، عندما يصل العمر إلى ألف سنة إلا خمسين عاما؟ ماذا حينئذ إذا عاش مثل هذا الإنسان أطول كثيرا من جيله ومن جيل أصدقائه؟ (ومن هنا صعوبة مهمة نوح عليه السلام حين افتقد الأجيال التي تركته لعمره المديد)! وماذا سنفعل نحن إذا طال عمرنا هكذا في كل ذلك الوقت الطويل المتاح لنا؟ وكأنما من يتساءل هكذا يحس أنه كان يجب ألا يعيش ما عاش فعلا على قصره! وكثيرون يعدون أنفسهم للموت فعلا، وليس لديهم ما يخسرونه بعد أن يتيقنوا من مراجعة أنفسهم، خشية الوقوع في (الخطيئة) من جديد، وربما أصبح بعضهم عقبة منطقية في طريق الحياة؟(2/123)
أما البعض الآخر من العلماء (وإنما يخشى الله من عباده العلماء) فإنه يتمنى أن تمد له بضعة قرون إضافية أخرى إلى عمره الحالي ليحل المسائل العلمية التي يبحثها الآن، والتي هي بمثل صعوبة مؤتمرنا هذا. إلا أن من المؤكد أن «الخلود» يفقد جاذبيته إذا كان يعني مرض الإنسان الذي لا نهاية له، وضعفه وهزاله، واعتماده على الآخرين، وهوانه على الناس. ولكن دعونا نأمل ونفترض حالة من الصحة العامة مثل تلك التي تمتع بها أهل الكهف أو نوح عليه السلام.
كذلك فقد أفصح كثيرون عن وجوب موت العواجيز حتى يتمكن أولادهم من (طرح) أفكارهم المسنة البالية بعيدا. فمن هرم فقد بلغ سقف حدود الذكاء الذي باستطاعته أن يبلغه، ولن يستطيع أن يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا. إلا أن ذلك يعني أننا لا نزال منفصلين عن الأفكار العظيمة التي تسبح في بحر الحكمة الممتدة إلى ما بعد قدرتنا على الإدراك. ونحن ندين بعقولنا إلى كل من ساهم منا في صراعنا معا من أجل تطوير عقولنا. ومهمتنا الحالية في مثل مؤتمرنا هذا، أن نتأكد أن كل هذه الجهود لم تذهب سدى!
مراجع وتعليقات
1ـ ربما عبرت كلمة «شتل الأعضاء» عن القصد من الكلمة الأصلية Transplant وهو نقل عضو من شخص إلى آخر وتثبيته به أكثر من كلمتي «نقل وزرع» اللتين تختصران في الكتابات العربية تحت كلمة زرع فقط. وعموما فالكلمتان «شتل وزرع» هما استعارة موحية من عالم النبات لعالم الإنسان.
2ـ البداية والنهاية لابن كثير - دار إحياء التراث العربي - بيروت - جـ 5 ص 244 - 245.
3ـ عندما تغير العالم - سلسلة عالم المعرفة - الكويت، العدد 185 - مايو 1994 جيمس بيرك - ترجمة ليلى الجبالي.
4 ـ وكان أثر الاتصال بفرنسا كبيرا في عصر محمد علي كما يظهر في فكر رفاعة رافع الطهطاوي وفي الخدمة الجليلة التي أسداها إلى الطب في مصر بإنشائه كلية طب قصر العيني ذات التاريخ العريق في نشر الطب في العالمين الغربي والإسلامي.(2/124)
5- ... Calvin,W.H.,(1994):TheEmergence of intelligence.
... ... Scientific American,October issue,P 79-85.
Widicks E.F. M.(1995)Determining Brain Death in Adults, Neurology; 45: 1003-1011.
7- ... Practice Parameters For Determining Brain Death in Adulsts (Summary Statement). Report of the quality standards sub committee of the American Acadmey of Neurology.
... ... Neurology,(1995);45:1012-1014.
8- ... Assessment and Management in Persistent Vegitative State (Summary Statement)- P. 1015-1018.
... 6ـ7 ـ8 بيان الاكاديمية الأمريكية لعلوم الأعصاب - الصادر عام 1195 حول «معايير تقرير موت المخ في البالغين» وحول «التقييم والتعامل مع الحالات العصبية النباتية المقيمة» وكذلك التعليق الهام على بيان موت المخ من «ويديكس» وكلها منشورة في مجلة الأعصاب الأمريكية عام 1995.
وقد عكفت الأكاديمية الأمريكية للأعصاب على تحديد كل ما كتب في الأدبيات العالمية المختصة بموضوع موت المخ بين أعوام 1967 إلى 1994 من جميع المكتبات ومراكز الوثائق العالمية، وتم اختيار المواضيع التي حظيت بموافقة باحثين دوليين على أساس جودة البحث الأصلي. كما تم مراجعة الكتب المرجعية وكتب الملخصات في علوم الأعصاب والطب الباطني والرعاية المركزة وأمراض الرئتين والتخدير. وتم تقسيم هذه المراجع إما على دراسات سريرية جيدة أو تقارير عن حالات مرضية أو خبرة شخصية.
وهكذا تم التوصل إلى وضع معايير لتستعمل عمليا مع مرضى موت المخ، وقسمت هذه المعايير إلى قياسية Standard أو ارشادية Guidelines أو اختيارية Optional.
وهكذا توصلت الأكاديمية الأمريكية للأعصاب إلى إصدار وتعميم المعايير التي تلح على التمسك بها على أوسع نطاق والاسترشاد بها أثناء إجراء الفحوص السريرية والبحوث المختبرية والمعاونة وإرساء أسس دقيقة متفق عليه في إجراء هذه الفحوص.(2/125)
وقد تم الاتفاق عالميا على المواضيع التالية عناوينها:-
1 ـ التعريف الذي لا اعتراض عليه مطلقا للفحوص الاكلينيكية لوظائف جذع المخ.
2 ـ وصف الحالات التي قد تتشابه جزئيا أو كليا مع موت المخ.
3 ـ التوصيف الواضح لفحص وتوقف التنفس اللازم لتشخيص موت المخ.
4 ـ صحة هذه الفحوص المختبرية وإمكانية إعادة إجرائها.
5 ـ إرشادات عملية أولية لنقل الأعضاء.
9-PlallisC.(1995):FurtherThoughtson Brainstem Death. Anaesth Intens, Care, 23:37-43.
10- Doeb, G.J. et. al (1995) Clinical Confirmation of Brain Death; Ibid. 37-43.
11- Pearson I.Y. (1995): Brain Death And Organ Donation- Editorial; Ibid; 23: 11-13.
12-Ali H.A. (1996). Old and New Thoughts on the Determination of death. Islamic Organization for Medical Sciences, Kuwait.
13- Cranford R.E. (1995) criteria for Death; Death Definition and Determination of Encyclopedia of Bioethics, Macmillan library Reference, USA, 1,529-533.
14 ـ دكتور/ عدنان خريبط (1996): موت الدماغ - التعريف والمفاهيم - ندوة تعريف الموت - المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
15 ـ دكتورة اسمهان فرحان الشبيلي: نهاية الحياة الإنسانية - (1996) - نفس الندوة السابقة - الكويت.
16 ـ دكتور محمد علي البار: ما هو الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي
(1996) نفس الندوة السابقة.
17 ـ دكتور محمد إبراهيم مالليباري: تعريف الموت في المفهوم الطبي الشرعي
(1996) - نفس الندوة السابقة.
18 ـ دكتور محمد إبراهيم السبيل: الفشل العضوي النهائي والآثار المترتبة على موت أحد الأعضاء الرئيسية مثل القلب والرئتين والكبد - (1996) - نفس الندوة السابقة.
19-Evans M. (1990) Death in Denmark: J. of Med. Ethics. 16, 191-194.
20-Lamb D. (1991) Death in Denmark: a Reply. Ibid, 17, 100-101.(2/126)
21-Gervais, K.G. (1995) Death. Definition and Determination of; Philosophical and Theological perspectives. Encyclopedia of Bioethics, 1,540-549.
22ـ الأستاذ الدكتور محمد نور فرحات: البحث عن العقل - مجلة المصور القاهرة - (عدد 3764 - 29 نوفمبر 1996) - ص 50 - 51. ص 73.
23 ـ دكتور أحمد القاضي: القلب وعلاقته بالحياة - ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عن الحياة الإنسانية، بدايتها ونهايتها من المفهوم الإسلامي - الكويت 1985) ص 383 - 394.
24 ـ دكتور عصام الشربيني: الموت والحياة بين الأطباء والفقهاء - المصدر السابق
(1985) ص 347 - 362.
25ـ دكتور عصام الشربيني: موت جذع المخ - مراجعة ومناقشة - ندوة تعريف الموت - (1996) مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
26ـ دكتور صفوت حسن لطفي: المفهوم الحديث فيما يتعلق بموت المخ - (1996) - نفس الندوة - الكويت.
27 ـ دكتور رؤوف محمود سلام: التعريف العلمي للموت - 1996 - نفس الندوة - الكويت.
28- Minisky M. (1994) - Will the Robots inherit the Earth- Scientific American-October Special Issue, 87-94.
29- Matesnaz R. et al (Feb. 1996): Organ Donation: The ``Spanish Model’’ - Transplantation proceedings, 28, 1, 11.
30- Piece G.A. et al. (1996): The United Network for Organ Sharing: 1984 to 1994. Ibid, 12-15.
31- Van Dolen J. et al (1996): European Donor Hospital Education Program. Ibid, 398-399.
32- Mcbride M. et al (1995). An overview of Transplantation in Australia Anaesth., Intens Care. 23: 60-64.
33-Dyep. P. (1995) Organ Donation in Australia: An Historical Overview, Current Directions and Future Principles. Ibid; 65-67.(2/127)
34-Pearson Z. Y. et. al. (1995). A survey of Famillies of Brain Dead Patients: Their Experiences, Attitudes, to Organ Donation and Transplantation, Ibid, 88-95.
35-Douglass G. E. (1995) Donor Families Experience of Oragan Donation Ibid, 96-98.
36- Thompson J.F. et al (1995). Can Cadaveric Organ Donation Rates be Improved? Ibid, 99-103.
37- Person I.Y. (1995) Australia and Newzealand Intesnive Care Society Statement and Guidlines on Brain Death And Model Policy On Organ Donation. Anaesth. Intens. Care, Ibid: 104-108.
38- Lee.H. N.(1996).Quality of Life After Renal Transplantation. Transplantation Proceedings. 28,3, 1171.
39-Rapaport.F.T.(1996)[Honarary President, the Society for Organ Sharing] A Summation of the Third International Congres of the Society for Organ Sharing Transplantation Proceedings, Ibid, 433-435.
40-Dausset J.et al. (1996). Criminal Hazards of Human Organ Traffic. Ibid, 42.
41-Guttmann A et al. (1993). Attitudes of Health Care Professionals and the public Towards the sale of Kidneys for Transplantation. J. of Med. Ethics, 19:148-153.
42- Current Status Of Organ Transplantations in Indonesia (p 1186-89), Hong Kong (1190-92), Japan (260-63 & 1193-95) TAIWAN (1196-98), INDIA ((1199), SAUDI ARABIA (1200-1201, 252-253 and 247-251). Transplantation Proceedings: Feb. 1996.
43-Olweny C. (1994). Bioethics in Developing Countries: Ethics of Scarcity and Sacrifice. J. of Med. Ethics, 20:169-174.(2/128)
44 ـ نقصد بالبلدان المعاقة النمو Economically Handicapped "STATES" ما يطلق عليه «دول العالم الثالث» أحيانا، «والدول النامية» (وهو وصف متفائل قل استعماله الآن لأسباب تعثر النمو)، و«دول الجنوب» (مقارنة بدول الشمال الغني) وغيرها من أوصاف المجاملة. وقد فضلت صك هذه التسمية وبنيتها للمجهول الذي هو مجمل أسباب الاعاقة المحلية أو الدولية، الاقتصادية والحضارية وغيرها، ولا يقصد بهذه التسمية أي وصف طبي، وإن لم يكن الوصف بعيدا عن الدقة الطبية في حد ذاته!
45- James, A. E. et. al.(1991)The Diffiusion of Medical Technology: Free Enterprise and Regulatory Models in the U.S.A. J. of Med. Ethics, 17, 150-155.
46-Attfield R. (1990) The Global Distribution of Health Care. Ibid, 16, 153-156.
47-Whitaker P. (1990) Resource Allocation: a Plea of Touch of Realism. J. of Med. Ethics. 16, 129-131.
48-Black Douglass (Sir) (1991). Paying for Health. Ibid, 17, 117-123.
49-Goodmann N.W. (1991) Resource Allocation: Idealism, Realism, Pragmatism, Openness, Ibid, 17, 179-180.
50-Lewis P.A(1990).Resource Allocation:Whose Realism?.Ibid,16,132-133.
51-The Appleton International Conference: Developing Guidelines for Decisions to Forgo Life-Prolonging Medical Treatment (Editor: John M. Stanley)- Wisconsin. J. of Med. Ethics-Sept. 1992-Vol. 18-Supplement).
مؤتمر أبلتون عام 1992 أصدر ارشادات للأطباء حول التوقف عن مساندة الحياة في مرضى موت المخ، مع التباطؤ في استدبار الحياة باستعمال التقنيات الجديدة.
وقد توالت الحلقات التمهيدية لبحث الموضوع - عبر سنوات على الوجه التالي: -
1 ـ بدءاً بعام 1987 (34 مشاركاً من تسع دول لاستعراض الحالات المرضية التي سبب فيها إيقاف العلاج نوعا من التوتر الأخلاقي).(2/129)
2 ـ في عام 1988 (33 عضوا) من عشر دول لوضع نموذج «للارشادات» Guideiines لمناقشتها في المجتمعات الطبية والطب/ أخلاقية على المستوى الدولي لاصدار قرار بالتخلي عن العلاج بناء على طلب أ- المرضى، ب- أو من يعولهم، ج- أو تحت وطأة العوز الاجتماعي والاملاق Scarcity.
3 ـ في عام 1990 وزعت الدراسة الإرشادية على 152 مجموعة نقاشية التقت في 15 بلدا وضمت لجانا للأخلاقيات في المستشفيات ومن ملاجىء العجزة وخبراء الاقتصاد الصحي والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين ورجال الدين في المستشفيات والإداريين والأطباء والعديد من فرق المجتمع المدني (1450 مشاركاً أمضوا 731 ساعة لدراسة الوثيقة وقدمت مقترحاتها إلى:
4 ـ "مؤتمر ابلتون الدولي حول تطوير الإرشادات الموجهة للقرارات حول العزوف عن العلاج الذي يطيل أمد الحياة»(عام 1991) (24 مندوبا) وناقشوا الإرشادات في ثوبها النهائي من حيث:
أرؤيتها لفكرة احترام الحياة البشرية.
بوفكرة الأمانة والسلامة والاستقامة الشاملة في ممارسة المهنة الطبية (قسم أبوقراط) على أسس من:
1 ـ الحفاظ على الاستقلالية الذاتية للإنسان تحت العلاج Autonomy.
2 ـ وتجنب الضرر.
3 ـ وعمل الخير.
4 ـ والتعامل مع المرضى على أساس العدالة.
وضمت الوثيقة النهائية إرشادات في حالات:
أ ـ المرضى الذين يتمتعون بقدرة على اتخاذ القرار أو تركوا وصية برغباتهم.
ب ـ المرضى الذين فقدوا هذه القدرة أو لم يتركوا وصية.
جـ ـ إيقاف العلاج للمرضى تحت ظروف الندرة.
الرئيس الدكتور عبد الرحمن العوضي: شكراً للدكتور عبد المنعم عبيد على هذا العرض الطيب والمتكلم الثاني هو الأستاذ الدكتور صفوت حسن لطفي فليتفضل:(2/130)
موت الدماغ: التعريفات والمفاهيم
الدكتور عدنان خريبط
رئيس قسم وظائف الأعصاب. مستشفى ابن سينا. الكويت
ملخص:
إن تعريف الموت، خاصة موت الدماغ (BD)? قد تزايدت أهميته بالنسبة للمشتغلين بعلاج الحالات الحرجة. والمناقشات هنا تعارض فكرة أن «موت جذع الدماغ» مساوٍ لموت الدماغ، وتؤيد فكرة «الموت الكلي للدماغ». كما تناولت المناقشة مشكلة أن نصف الدماغ الذي يعلو جذع الدماغ الميت يبقى حيا بعده. وعلى الرغم من أن الاختفاء الخِلقي للدماغ كله أو معظمه والحياة النباتية المستمرة لا تتحقق فيهما معايير موت الدماغ، إلا أنهما يعتبران سببا مقبولا لإيقاف إجراءات استمرار الحياة لكنهما قد لا يستخدمان كمصدر لنقل الأعضاء. ويقترح أن يطبق الشيء نفسه على مرضى «موت جذع الدماغ»، طالما لم تتحقق فيه معايير الموت الكُلّي للدماغ.
مقدمة:(3/1)
من المقبول بوجه عام في مهنة الطب وعند العامة وسائر الأديان الرئيسة أن الشخص يعتبر ميتا حين تتوقف وظائف الدماغ بحيث لا تقبل الإعادة.(1،2).. ويستفيد كثير من المرضى الأحياء من قبول هذا التصور الذي جعل من الممكن نقل الأعضاء المأخوذة من المتبرعين من موتى الدماغ. ومع ذلك، فقد استمر موت الدماغ يثير أسئلة ومجادلات مهنية وأخلاقية وفلسفية. إن مثل هذا الاضطراب وانعدام الاتفاق على التصورات الأساسية حتى بين أولئك المختصين المشاركين في اتخاذ القرارات التي تحدد مصير أولئك المرضى الميتين لأمر يبعث على القلق.(3).. بل إنه حتى بين مؤلفي الدراسات العلمية عن هذه القضايا، فإن بعض النقاط من مجالي الأحياء ووظائف الأعضاء - دع جانبا الجوانب الفلسفية - لا تزال بعيدة عن الحسم.(4).. ويتضح هذا في الكم المتزايد باستمرار في الكتابات المتعلقة بالموضوع، بالإضافة إلى عدد من مجموعات المعايير والاتفاقيات التشخيصية، ومنذ نشرت«معايير هارفارد»الأصلية عام 1968.(5).، دخل إلى ميدان الاستخدام جيل جديد من المعايير.(6،7،8).. ومما يجب التأكيد عليه، مع ذلك، أنه على الرغم من الخلافات في الرأي، فإن الملاحظة الدقيقة لمعظم مجموعات القواعد تضمن تشخيصا آمنا.
أسباب التشخيص المبكر لموت الدماغ:
لماذا يجب الوصول إلى تشخيص لموت الدماغ في مرحلة مبكرة؟ ثمة أسباب عدة.(9). للتشخيص المبكر:
1 ـ اهتمام فريق نقل الأعضاء باستخدام الميت باعتباره متبرعا بأعضائه.
2 ـ تكاليف الملاحظة في العناية المركزة.
3 ـ الحاجة إلى السرير في وحدة العناية المركزة لحالة أخرى.
4 ـ التقليل من الفترة المحزنة للأقارب.
5 ـ الإحباط الذي يصيب العاملين في وحدة العناية المركزة حين يجبرون على تمريض جسم شخص ميت.
6 ـ الإساءة إلى المتوفى.
النظرة الحالية لموت الدماغ :(3/2)
طبقا للنظرة المقبولة حاليا عن موت الدماغ والتي تتزايد أهميتها باستمرار(2،10).، فإن الموت الفعلي للخلية غير مطلوب كمعيار، ومن ثم فإن الواجب قبل تشخيص الموت أن نبرهن على الغياب الدائم للوظيفة أكثر من البرهنة على الموت الموضعي. وأكثر من ذلك، فإن شرط توقف الوظيفة غير القابل للإعادة لا يتضمن إثبات أن كل واحدة من ملايين الخلايا العصبية قد تلفت تلفا لا صلاح له. ولهذا أهميته من حيث إنه أصبح واضحاً أن الجزر الصغيرة من قشرة المخ يمكن أن تبقى حية لفترات زمنية مختلفة بعد أن يكون ما بقي من أجزاء الدماغ قد تعرض للتلف الموضعي.(11).. والتفسير الشائع لموت الدماغ هو أن الشخص يموت حين تكون الوظائف الشاملة للدماغ قد توقفت ككل توقفا مستمرا. وعند البعض أن الجزء الخطير جذع الدماغ. ويزعم مؤيدوا هذا التصور أن ليس هناك أي حالة معروفة ثبت فيها موت جذع الدماغ حدثت بعدها استعادة للوعي.
(12،13،14).. وحالة بقاء فلقات الدماغ (hemispheres) حية فوق جذع دماغ ميت ثابتة بقوة في تقرير حديث عن طفلة في الخامسة من عمرها سقطت مريضة مرضا حادا وظهرت عليها أعراض وعلامات إصابة في النقرة الخلفية.(15).، مع فشل في جذع الدماغ لكن وظائف الفلقات ظلت باقية.
التشخيص السريري لموت الدماغ:
مقدمة :(3/3)
ظل الناس قرونا يعتبرون الحياة موجودة طالما بقي الفرد يتنفس. ثم صرنا ندرس أن التنفس إنما هو وسيلة لصيانة القلب المسؤول عن دورة الدم. وطالما وفّر مثل هذا النشاط حاجات الدماغ الغذائية فإن الشخص يبقى حيا. لكن الأطباء في منتصف هذا القرن أصبحوا يدركون أن الدماغ يتطلب طاقة أكثر من بقية الأعضاء، فإن لم تتوفر له حاجاته فإنه يتوقف عن النشاط، بينما الأجزاء الأخرى من الجسم (التي تتطلب طاقة أقل) قد تبقى حية وقد تستعيد نشاطها ما دامت الدورة الدموية مستمرة. والنتيجة أن يوجد دماغ ميت في جسم حي. فهل مثل هذا يعتبر حيا أو ميتا؟ علينا، قبل إجابة هذا السؤال، أن نرسي المبادىء العامة التي على أساسها يمكن أن نشخص الدماغ الميت. علينا أن نعرف سبب الغيبوبة كي نعالجه إن كان ممكنا. يمكن التثبت من الوضع السريري عن طريق الاختبار المعياري العصبي. كما أن علينا أن نعتمد على الاختبارات التأكيدية لتقرير موت الدماغ، من مثل رسم المخ الألكتروني والاختبارات الكمية للجوانب الأخرى كرسم الأوعية الإشعاعي.(16).. فإذا تقررت الحالة السريرية للمريض، فالمعتاد ألا يجد الطبيب مشكلة في إعطاء شهادة بالموت.
التشخيص:
نشأت معظم الخلافات حول معايير تشخيص الموت من عدم الرغبة في تحديد معنى الموت. «كان هناك فقط نوع من الموت البشري: فقدان القدرة نهائيا على الوعي مصحوبا بفقد القدرة على التنفس تماما (ومن ثم على النبض التلقائي). فالموت التام على هذا التصور، هي موت جذع الدماغ.(17).. وكان موت جذع الدماغ يمثّل دائماً الآثار التحتية في خيمة المخ لما حدث فيها من الخارج. وكان ينطوي على موت «الدماغ ككل». إن «موت كل الدماغ» يعني موت كل خلية عصبية داخل التجويف الجمجمي. أما «موت جذع الدماغ» فيعني موت «الدماغ ككل».(18)..
تعليقات على معايير قواعد «موت الدماغ»:
قواعد الولايات المتحدة:(3/4)
ظل «موت الدماغ» في الولايات المتحدة، معناه وتطبيقاته، يمثل مشكلة. أولا، معايير موت الدماغ، أعني الفقدان النهائي لكل أنشطة المخ، كانت مقبولة لأسباب عملية (دون اتفاق واسع على سبب اعتبار من فقدوا كل وظائف الدماغ موتى). وكانت الأسباب العملية:
1 ـ اتخاذ قرار بموت الدماغ هو أيسر التشخيصات نسبيا عند الأكفاء من أطباء وجرّاحي الأعصاب وأطباء العناية بالحالات الحرجة.
2 ـ حين يتم إجراء تشخيص موت الدماغ يصبح من المؤكد احتمال أن المريض لن يسترجع وعيه أبدا وأن نبضه سيتوقف بعد وقت قصير? وذلك على الرغم من مغامرات التدخل المستمرة، ومع ذلك، فإن تعريف موت «كل الدماغ» قد حظي باعتماد «الجمعية الطبية الأمريكية».
معايير التشخيص:
1 ـ حادثة عصبية كافية لإحداث موت الدماغ.
2 ـ اختبار موثوق فيه يبين اختفاء وظيفة جذع الدماغ.
نتائج الاختبار الطبيعي:
1 ـ غيبوبة عميقة.. «فقدان للوعي مصحوب بعيون مغلقة».
2 ـ انعدام حركة العينين.. وانعدام استجابة البؤبؤ.
3 ـ انعدام الانعكاسات من القرنية.
4 ـ انعدام انعكاسات السعال أو الكِعام (gag reflex)... انعدام رد الفعل الحركي no motor response.
5 ـ انعدام أي محاولة تنفس بدون المَنْفَسة خلال ثلاث دقائق.. وللوصول إلى هذه النتيجة يجب أن يعيش المريض على هواء الغرفة لمدة عشر دقائق قبل الاختبار. ملاحظة: إذا كان محتملا تبرع المريض بأعضائه، فالواجب عدم إجراء هذا الاختبار، وإن أجري، فيجب اتباع اتفاقية وحدات العناية المركزية (ICU) باستخدام أكسجين صافٍ 100% كما يجب ألا يجرى إلا بعد استشارة منسق نقل الأعضاء.
التأكيد المختبري:
فحص تتبعي للذرات المشعة لإظهار انعدام تدفق الدم في الدماغ.
رسم للمخ EEG موثوق به، خاصة في حالات جرعات التخدير الزائدة أو انخفاض الحرارة.
الجوانب القانونية:(3/5)
إذا تحققت المعايير السابقة فإن المريض يعتبر ميتا قانونا ولا ضرورة للاستمرار في العلاج. ومن المهم تسجيل وقت الموت في التقرير الطبي للحالة، وذلك قبل إيقاف المنفسة ventilator)).
الجوانب الإنسانية:
موتى الدماغ من المرضى قد لا يبدو عليهم أنهم كذلك.. فمن المهم التعامل مع العائلة بحيث «تهدأ مشاعرهم بسهولة» ويتقبلون موت عزيزهم. قد نحتاج أحيانا إلى إبقاء المنفسة بعض الوقت للسماح بهذا التقبل.
قواعد خاصة في الولايات المتحدة:
معايير هارفارد:
كان نشر «معايير هارفارد».(5). تطورا تاريخيا رئيسا في تشخيص موت الدماغ. وتشتمل البنود الأساسية في هذه المعايير على ما يلي:
ـ انعدام الاستجابة لمثير مؤذ إيذاء شديدا (غيبوبة لا استجابة معها).
ـ غياب كلي للتنفس الطبيعي.
ـ غياب الانعكاسات من جذع الدماغ والحبل الشوكي.
ـ غياب النشاط الوضعي (Postural activity) كما في مثل حالة إزالة المخ أو وقف نشاطه.
ـ رسم مخ (EEG) مسطح.
ـ وكذلك، يجب استبعاد انخفاض الحرارة ووجود مخفضات لنشاط النظام العصبي المركزي (CNS) من مثل أحد مشتقات حمض البربيتوريك.
ـ وأخيرا، يجب ألا تتغير النتائج السريرية ونتائج رسم المخ في التقييم الثاني بعد 24 ساعة على الأقل.
معايير مينيسوتا:
أدت تجربة «معايير هارفارد» سريريا إلى القول بأن قيودها قد تكون شديدة الغلو. ودفع هذا كلا من «موهانداس» Mohondas و «تشو» Chow.(19). إلى تقديم «معايير مينيسوتا» لموت الدماغ، والملاحظ أنه قد اختفى من هذه القائمة عنصران: اختفاء الانعكاسات الشوكية ومعيار رسم المخ (حيث نُظر إليهما على أنهما اختباران اختياريان للتثبت). والعناصر الأساسية في معايير مينيسوتا هي:
أ ـ غياب الحركة الطبيعية.
ب ـ غياب التنفس الطبيعي لفترة اختبار تزيد على أربع دقائق.(3/6)
ج ـ غياب انعكاسات الدماغ كما يظهرها ثبات البؤبؤ واتساعه; وغياب انعكاسات الكِعام (gag) والقرنية والأهداب الشوكية; غياب حركات عيون الدمية (Dolls’eye movements)، غياب الاستجابة للمثير الحراري Coloric; وغياب الانعكاس لمنشط الرقبة.
د ـ بقاء الوضع دون تغير لمدة اثنتي عشرة ساعة.
هـ ـ الحالة المرضية المسؤولة التي يتفق على أنها غير قابلة للعلاج.
القواعد الكندية: (Canadian Code)
اعتادت «الجمعية الطبية الكندية» أن تنشر من وقت لآخر إرشادات عامة لتشخيص موت الدماغ. وقد نشرت أحدث مجموعة إرشادات عام 1987.(20،21).. وهذه الإرشادات توجب اتباع القواعد التالية:
1 ـ يجب أن يُقَرّر موت الدماغ سريريا طبيب متمرس وفقا للمعايير الطبية المتعارف عليها.
2 ـ يجب أن يكون هناك تحديد مسبق لأسباب موت الدماغ.
3 ـ يجب استبعاد الحالات القابلة للإعادة (مثل التسمم بالمخدرات، اضطرابات التمثيل الغذائي القابلة للعلاج، انخفاض درجة الحرارة (درجة حرارة داخل الجسم ْ32.2)، الصدمة، الاختلال الوظيفي العصبي العضلي).
4 ـ يجب أن يكون المريض في غيبوبة عميقة وليس به أي استجابة لأي مثير في نطاق التوزيع العصبي الجمجمي.
5 ـ يجب ألا يكون هناك أي حركات، مثل النوبات، أو حركات الاختلال الحيوي، أو الوضعية (posture) الناشئة عن إزالة قشرة الدماغ أو الدماغ نفسه.
6 ـ يجب أن تنعدم انعكاسات جذع الدماغ.
7 ـ يجب أن يكون المريض في حالة اختناق.(22، 23، 24، 25، 26)..
8 ـ تصرّ الشروط السريرية المحددة أعلاه على إعادة التقييم. وتتفاوت الفترة الزمنية بين مرات إعادة التقييم حسب أسباب المرض (عادة ما بين ساعتين وأربع وعشرين ساعة).
لاحظ أن الإرشادات الكندية لا تتطلب غياب الانعكاسات الشوكية. كما لا تتطلب اختبارات مساعدة مثل رسم المخ.
قواعد المملكة المتحدة(3/7)
تتوجه قواعد المملكة المتحدة.(27). في تصور فكرة الموت إلى جذع الدماغ، وتركيز قواعد المملكة المتحدة ينصب على الأهمية الكبرى لمسألة «السياق». فما لم تتوفر المتطلبات الصارمة، وتستبعد بوجه خاص حالات معينة، فإن تشخيص موت الدماغ لا يكون حتى محل نظر. وقد ندر أن تنبه لهذه النقطة أولئك الذين ينتقدون هذه القواعد. وهذا المخطط بهذه الصورة سليم علميا وسهل من حيث التطبيق. لكن بقيت بعض المشكلات المتعلقة بالمصطلحات.(28).. فالمذكرة التي قدمها «مؤتمر المدارس الطبية الملكية وكلياتها» كانت العنوان: «تشخيص موت الدماغ».(27).. وجاء في نص المذكرة، أنه، على كل حال، «يعتبر الموت الوظيفي المستمر لجذع الدماغ هو الذي يحدد الموت». أما المتطلبات لإعلان موت الدماغ فتتمثل في وجود آفة أولية أو ثانوية في الدماغ واستبعاد آثار المخدر أو انخفاض حرارة الجسم أو اضطرابات الغدد الصماء.
القواعد الكوبية
"القواعد الكوبية لتشخيص موت الدماغ» (29، 30). تشتمل على منهج متتابع الخطوات لتشخيص موت الدماغ، وذلك باستخدام الإمكانات المثارة بوسائل متعددة
(multi - modality evoked potentials) (MEPs) ورسم إلكتروني للشبكية (ERG) كخطوة أساسية. وبمراجعة ما كتب عن هذا الموضوع اتضح أن معظم مجموعات المعايير لم تأخذ هذا المنهج ذا الخطوات المتتابعة بعين الاعتبار. ولم يَشِعْ إدراج اختبار الإمكانات المثارة بوسائل عديدة (MEPs) أو رسم الشبكية (ERG) كاختباري تثبّت. والجمع بين المنهج التتابعي وتطبيق مجموعة اختبارات تضم الإمكانات المثارة بوسائل عدة ورسم الشبكية يمكن أن يفيد في التغلب على المشكلات التي تثيرها الشروط التي تعتبر عادة أدوات استبعاد لتشخيص موت الدماغ، كما يمكن أن تسهل الممارسة السريرية، من أجل إقامة تشخيص دقيق ومبكّر لموت الدماغ، وهو ما يعتبر أساسيا بالنسبة لنقل الأعضاء.(31)..
الاختبارات المساعدة:(3/8)
على الرغم من أن تشخيص موت الدماغ عمل سريري، فإن الممارس السريري قد يلجأ من حين لآخر إلى الاستهداء بمجموعة من الاختبارات الإضافية. عموما، بعد التثبت من الترابط بين الغيبوبة المصحوبة بانقطاع التنفس وانعدام الانعكاس العصبي (كما في حالات الإصابات البالغة في أعلى خيمة الدماغ) تكون هناك أربعة خيارات متاحة:
1 ـ انتظار مدة 12 ساعة.
2 ـ سكون في كهرباء قشرة الدماغ كما يظهر في رسم المخ EEG)) .
3 ـ خطوة نحو إلغاء إمكانات جذع الدماغ السمعية المثارة في سلسلة اختبارات متتابعة.
4 ـ إظهار توقف دورة الدم داخل المخ، عن طريق رسم للأوعية أو رسم صوتي
(Sonograph) طبقا لنظرية دوبلر (Doppler).
في الإصابات الأساسية في داخل خيمة المخ يمكن أن تستمر وظائف القشرة الدماغية لعدة ساعات أو أيام. من هنا كان لازما إظهار توقف نشاط القشرة الكهربي عن طريق
رسم المخ.
ولعل أشيع اختبار من هذا النوع هو الرسم الإلكتروني للرأس (EEG). والنتيجة المتوقعة هي «رسم للمخ» «مسطح» (flat) أو «متكاهر» (isoelectric; متساوي الجهد الكهربي)(32).. كذلك، فإنه يمكن أن يصبح سهلا أن نتأكد من موت جذع الدماغ عن طريق ملاحظة إمكانات جذع الدماغ السمعية المثارة (BAEP) في استجابتها لمثير سمعي(33).. ويمكن تبين اختفاء دورة الدم في المخ عن طريق رسم لأربعة من الأوعية وبطرق الذرات المشعة(34).. كذلك، اقترح مؤخرا عمل صورة بالموجات فوق الصوتية طبقا لنظرية دوبلر على الجمجمة، كوسيلة لدراسة دورة الدم في المخ في حالة موت الدماغ(35،36)..
وحين تتوقف وظائف جذع الدماغ أو يصيبه التلف، لا تبقى هناك علامة سريرية أو طريقة اختبار تظهر حالة فلقات الدماغ hemispheres) ). أما الاختبارات السريرية لموت الدماغ فتشمل فقط فحص انعكاسات جذع الدماغ.(3/9)
والقواعد المؤسسة على معايير سريرية فقط تحاول أن تتحايل على هذه المشكلة عن طريق اشتراط مدة ملاحظة أطول، أي: تكرار التأكد من تحقق جميع المعايير على فترات تصل إلى 12(37).، أو 24(25،38).، أو 48 ساعة(38).، وذلك بناء على افتراض أن موت جذع الدماغ، بعد هذه الفترات، يتلوه دون تغير موت فلقات الدماغ. وهذا الأمر، كما سبقت الإشارة، لا يصدق دائما، خاصة في حالات الإصابة الأساسية داخل خيمة المخ. وحالة مقدمة الدماغ في مثل هذه الحالات لا يمكن تقييمها إلا بإحدى الوسائل المساعدة. وهذه الوسائل تأخذ وضع الاختبار المؤكّد. ومن أشيع الطرق استخداما رسم المخ (EEG) ورسم الأوعية الإشعاعي. ومن مزايا استخدام هذه الطرق أنها يمكن أن تقصر طول الفترات الزمنية المطلوبة بين كل اختبارين (مثلا، 12 إلى 6 ساعات في المعايير الأمريكية(37).).
بعض مجموعات القواعد تدعو إلى عمل رسم مخ مرة واحدة، والبعض الآخر إلى تكراره كي يتبين غياب النشاط الكهربي للمخ. ومن المهم أن ندرك أن تتابع الأحداث في الأطفال قد يكون مختلفا، وذلك مردّه إلى أن مخ صغار السن أكثر مقاومة لنقص الأكسجين، ومن ثم يمكن استعادة النشاط بعد فترات انعدام أطول. ولهذا السبب يجب أن تطول الفترة الزمنية بين كل اختبارين سريريين ورسمَيْ مخ تتحقق فيهما معايير غياب نشاط المخ (مثلا، 12 ساعة للأطفال فوق سنة واحدة، و24 ساعة لمن أعمارهم من شهرين حتى 12 شهرا،و48 ساعة لمن هم بين أسبوع واحد وشهرين،و72 ساعة للمواليد الجدد(39).هذه الفترات باعتراف الجميع اعتباطية(24) وقد لا تكون مبنية على خبرة واسعة بدرجة كافية(40).ومع ذلك، فالمعتقد أنها توفر الأمان وتبدو المخاطرة بحدوث تشخيص إيجابي زائف(أي، لموت الدماغ في الطفل الحي) تصل إلى الصفر(41).(3/10)
يمكن بمقابلة رسم الأوعية (angiography) التقليدي الوصول إلى دليل فوري وحاسم لموت الدماغ، لكنه غير مقبول لدى معظم مجموعات القواعد. إنه يتطلب نقل المريض الواهن إلى قسم أشعة إكس; بل إن فيه مخاطرة أن يحدث تقلصا عضليا في أوعية داخل الجمجمة، أو هبوطا في ضعف الدم، مصحوبا بنتائج ضارة بدماغ يحتمل أنه لا يزال حيا(42). أما رسم الأوعية المشع الذي يُجْرَى إلى جانب السرير فإنه يخلو من هذه المخاطرات وقد استُخدم فأدى إلى نتائج جيدة خلال أكثر من عشر سنوات(42). وتتوقع نتائج طيبة من الطريقة 99’Tc HMPAO(43)، كما أن الطرق الأخرى المستحدثة والتي تستخدم تصوير الأوعية الوريدي (Venous angiography)(44)، وطريقة صورة التردد المغنطيسي (MRI)(45)، واستخدام المسح المزدوج الملون
(Color duplex Scanning)(46) تعد بما هو أكثر.
رسم المخ الألكتروني (EEG):
رسم المخ هو اختبار سلمي يمكن أن يتم إلى جانب السرير. وهناك قواعد خاصة إلزامية، من بينها درجة تكبير عالية للغاية (2 uV/mm)، ومسافات أطول بين الأقطار الكهربية الداخلية ومدة تسجيل أطول. ولكن مثل هذه التسجيلات مكلِّفة تقنيا; إذ أن وحدات العناية المركزة مع كل التجهيز الإلكتروني تمثل بيئة تسودها الضوضاء الكهربية، لكن يمكن عادة إجراء التسجيلات التي لا اعتراض عليها تقنيا، ويلزم لتشخيص موت الدماغ اختفاء تام للنشاط الكهربي للمخ، والعثور على نشاط محفوظ عن طريق رسم المخ قد يمدنا بمعلومات مهمة عن حالة فلقات المخ، وعن عمق الغيبوبة وأحيانا عن التكهن باتجاه الحالة (47،48).
الإمكانات المثارة بوسائل عديدة (MEP):(3/11)
هذه الإمكانات والتصوير الإلكتروني للشبكية (ERG) كانت شديدة المقاومة لعوامل من مثل: التسمم بالأدوية والتخدر الناتج عن منوّم البربيتوريك، واستخدام موادّ التخدير، وانخفاض حرارة الجسم، وغيرها. وقد ثبتت جدارتها بالاعتماد عليها في بيئة وحدات العناية المركزة. أما حين تعتبر كاختبارات مفردة، فإن لها نقائصها ولم تكن تدرج عادة كاختبارات تأكيدية من أجل تشخيص موت الدماغ.
1 ـ إمكانات جذع الدماغ السمعية المثارة (BAEP):
(Brainstem Auditory Evoked Potential)
اعتبر موت الدماغ مساويا لفقد نشاط الدماغ المركزي أو جذع الدماغ بينما يمكن أن يبقى العضو المتقبّل محفوظا. لوحظ في اختبارات (BAEP) ثلاثة أنماط من الشذوذات:
1 ـ لا توجد موجات يمكن تمييزها.
2 ـ موجة ثنائية معزولة I.
3 ـ موجة أحادية معزولة I.
2 ـ الإمكانات الحسية الجسدية المثارة (SEP):
(Somatosensory Evoked Potential)
وجد نمط متميز لاختبارات SEP القصيرة (SSEP): وهو غياب الأكسيد النتري
(N2O) والاستجابة المتأخرة في سجل فروة الرأس مع الاحتفاظ بكل أو بعض ما يسمى بمكونات باطن قشرة الدماغ ضمن باقي المشتقات.
3 ـ الإمكان البصري المثار (VEP) ورسم الشبكية (ERG):
(Visual Evoked potential and Electroretinography)
اكتشف هذان الاختباران وسجلا في وقت واحد، باستخدام المراجع الرأسية(3/12)
(Cephalic) وغير الرأسية. في كل الحالات التي استخدم فيها مرجع غير رأسي لم يحدث تغير في الرسم الشبكي (سواء في حالة الكمون latency أو التشكل morphology) على حين كان مجرى الإمكان البصري لا يظهر أي استجابة. وهذه النتائج أشارت إلى أنه على الرغم من احتمال تلوث تسجيلات الإمكان البصري المثار بما يمكن أن ينتشر من صورة رسم الشبكية إلى منطقة القذال (عظم مؤخر الرأس: Occipital)? وذلك عند استخدام مرجع غير رأسي، فقد كان من السهل التأكد من غياب الاستجابة البصرية الحقيقية لقشرة الدماغ في موتى الدماغ.
وقد أوحى ذلك بأن مجموعة الاختبارات المقترحة قد تسمح بتقييم عدة طرق حسية، لدى موتى الدماغ، وعن طريقها ترتفع إلى حد معقول درجة عِوَل
(reliability) التشخيص. وحين نأخذ في الحسبان أن هذه الوسائل الفنية عالية المقاومة لأحوال انخفاض حرارة الجسم، والتسمم بالأدوية، واستخدام عقاقير التخدير?..الخ، فإن اللجوء إلى هذه المجموعة كاختبارات تأكيد يمكن أن يقصّر بدرجة كبيرة فترة الملاحظة المطلوبة للانتهاء إلى تشخيص حاسم لموت الدماغ. وهذا بالطبع كان متطلبا أساسيا لنقل الأعضاء. وحين تكون المعايير السريرية متحققة جزئيا فقط، وليس هناك يقين تام بالنسبة لموت الدماغ محل الاشتباه، فإن هناك اختبارات جسمية إلكترونية غير مؤذية يمكن أن تقدم دليلا موضوعيا يبين ما إذا كان المخ نشيطا أم لا، من بين هذه الطرق التثبّتية مراقبة رسم المخ والإمكانات المثارة بمعدل الحاسوب
(EP Computer-average Evoked Potentials. وقد كان لطريقة رسم المخ أهمية كبيرة بالنسبة للنتائج الزائفة إيجابية كانت أو سلبية.(3/13)
وعلينا أن نؤكد أنه على الرغم من أن تقرير موت الدماغ إنما هو في الأساس تشخيص سريري، فإن الأحوال التي يمكن أن تتدخل في دقة التشخيص تتطلب تقييما عن طريق اختبار إضافي واحد على الأقل. وفي الكويت، يعتبر رسم المخ أشيع الأساليب استخداما. وفي بلدان أخرى يستخدم تصوير الأوعية الإشعاعي وبدراسات للمخ بعد حقنه، وذلك كلما أحسوا ضرورة لذلك. وقد وجدت علاقات ترابط عالية بين نتائج «إمكانات جذع الدماغ السمعية المثارة» (BAEPs) والتصوير الإشعاعي. لم يبد على أي من المرضى الذين اختفت عندهم «إمكانات جذع الدماغ السمعية المثارة» وجود رشح بالمخ (cerebral perfusion). كما وجد أن سجلات هذه الإمكانات (BAEPs)? سواء صحبتها دراسات عن التصوير الإشعاعي أم لا، تمثل مساعداً عالي العِوَل للتشخيص السريري لموت الدماغ.
ظواهر فقد التواصل (Locked-in syndromes):
إن إصابات مركز جذع الدماغ، الناتجة، مثلا، عن نزف من جسر فارول
(Pontine) أو انسداد خطة البناء الداخلي، مع بقاء معظم غشاء الدماغ الأوسط سليما، قد عرفت منذ زمن طويل بأنها تؤدي أحيانا إلى صورة سريرية تعرف باسم «ظاهرة فقد التواصل». وهي، بشكل أساسي، نوع من الانفصال الجزئي للمحور العصبي neuraxis على مستوى جذع الدماغ، مما ينتج عنه تقريبا حركة كاملة وانعزال حواسي جزئي عن البيئة? كما يرتبط غالبا، وإن لم يكن دائما، ببقاء الوعي. ويتطلب الشكل التقليدي للظاهرة بقاء الحركة الرأسية للعين، لكن هذا لم يعد مطلوبا في المعايير التشخيصية (49،50). ومن الواضح أنه يمكن وجود سلسلة من «ظواهر مختلفة فقدت وظيفة التواصل» (de-efferentation syndromes)? وذلك بناء على موضع ومدى امتداد الإصابة. ويعتبر رسم المخ (EEG) هو الاختبار الحاسم لكشف الطبيعة الحقيقية لهذه الحالات المحيرة التي تشبه الغيبوبة.(3/14)
لا أحد يدري أي نوع من الوظائف يمكن أن تبقى في الفلقات التي تنفصل عن جذع الدماغ. ومن المستحيل فعلا البرهنة على وجود أي نوع من الحياة الواعية ما دامت جميع قنوات النقل قد فقدت. إن قدرة المريض على الاستجابات السلوكية (لمثيرات خارجية وتعبيرا عن التجربة الذهنية الداخلية) تفقد تماما وبصفة دائمة. والاستثناء الوحيد لهذا قد يتمثل في احتفاظ الدماغ بقدرة على توليد ما يسمى بإمكانات كهربائية من قشرة المخ لها ارتباط بالحدث كمظهر مادي للعمليات الذهنية، وذلك مثل التغير السالب الطارىء («موجة التوقع»: expectation Wave). وعلى كل حال، فإن مما لا يقبل الجدل كذلك أن وجود نوع ما من الوعي في الفلقات المعزولة، مثلا، نوع من حالة الحلم، لا يمكن دحضه بأي درجة من اليقين. في رسم المخ لمرضى كهؤلاء كثيرا ما تظهر أنماط مشابهة لتلك الخاصة بالنوم الخفيف(47)، وقد تتشابه في الواقع مع تلك التي تُرى في «ظاهرة فقد التواصل» التقليدية، وهي الحالة التقليدية لفقد وظيفة النقل.
حالة الفلقات الميتة على جذع دماغ حي:(3/15)
هذه الحالة مختلفة تماما. أحيانا بعد بدء الغيبوبة، يبقى المريض - بشكل نموذجي - لمدة 2-4 أسابيع لا هو يموت ولا يستعيد وعيه. تبدأ وظائف جذع الدماغ الحيوية وغيرها تسترد تدريجيا، بما في ذلك السيطرة على التنفس، ووظائف أوعية القلب، وحرارة الجسم، وانعكاسات البؤبؤ ودهليز الأذن، وظاهرة عيون الدمية. قد يحدث المريض رد فعل للضوء أو للمثيرات السمعية بلَفْت رأسه. إنه يقضي جزءا من الوقت مفتوح العينين، وأحيانا يحملق بنظرة زائفة، أو يطرف فجأة، أو يتثاءب في حركة وقائية منعكسة. قد يبتسم أو ينخر دون ما سبب واضح. وفيما يبقى من الوقت تكون عيناه مغمضتين وعليه طابع نوم عادي. أما وِضْعَته (posture) فيغلب أن تشبه وضعة منزوع المخ أو قشرة الدماغ، والمثيرات المؤلمة تظهر أفعالا انعكاسية دفاعية وبدائية، وأحيانا قد يكشّر ورغم أنه تبدو على المريض دلائل اليقظة، فإنه لا يوجد إطلاقا أي دليل على الوعي بنفسه، أو التصور الواعي، أو التصرف الهادف، أو أي وظيفة عقلية أخرى
(47). قد يظهر رسم المخ (EEG) سكونا متصلا في كهرباء المخ (51،52) أو أنماطا أخرى من اليقظة والنوم(53). وتطلق على هذه الحالة مصطلحات مختلفة، مثل ظاهرة(3/16)
(apalic syndrome)، أو حالة فقد المخ، أو عشية الغيبوبة (coma vigile)، أو حالة الخمول المستمر (PVS) (Persistent Vegetative State) إنها بالأحرى تمثل الجزء الأخير المتكرر في تطور الغيبوبة عن سبب مختلف. إنها تستدعي درجة عالية من المسؤولية الأخلاقية، لكن كثيرين من المرضى يبقون أحياء لشهور أو سنوات إن توفرت لهم الرعاية الملائمة. والشفاء من فقدان الوعي أمر نادر: ففي سلسلة من 110 مريضا، تحسنت حالة اثنين فقط منهم إلى درجة القدرة على الفهم والتواصل(54). ورأي «الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب» أنه في «حالة الخمول المستمر» (PVS) الناتج عن نقص وصول الأكسجين أو فقر الدم الموضعي لمرض في الدماغ، فإن تشخيص فقدان الوعي غير القابل للإعادة يمكن أن يجرى بدرجة عالية من اليقين بعد فترة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر. وصغار السن من المصابين بهذه الحالة (PVS) نتيجة لإصابة في الرأس يجب أن يكونوا تحت الملاحظة لمدة 12 شهرا. وعندما يتم التوصل إلى تشخيص يوثق به لحالة الخمول المستمر، فإنه يمكن إيقاف أشكال الرعاية الطبية الأخرى (بما في ذلك التغذية والمحاليل الصناعية)، وذلك بموافقة أقارب المريض الأدنين أو طبقا لتوصية سابقة وصريحة من المريض(55).
الخلاصة:(3/17)
تبنت معظم الدول التصور الذي قدمته «لجنة الرئيس لدراسة المشكلات الأخلاقية في الطب والبحث في الطب الأحيائي والسلوكي في الولايات المتحدة(56). وتبعا لهذا التصور، يتضمن تشخيص موت الدماغ الانعدام الكامل والدائم لوظيفة الدماغ بكامله، وعليه فيشمل أيضا وظيفة فلقات المخ. وباستثناء بعض الظروف الخاصة، فحين يمكن إثبات أن إصابة شاملة وأساسية في خيمة المخ من أعلى قد سبَّبت تدميرا واسعا في الفلقات، تلاه فَقْدٌ متزايد لوظيفة الدماغ ناشىء من فَتْق في طرف مؤخرة خيمته، فإنه لا يكفي لتشخيص موت الدماغ حينئذ إجراء اختبار سريري لانعكاسات جذع الدماغ. ويجب رَفْد اختبارات كهذه بواحد من اختبارات وظائف الفلقات، والأغلب أن يستخدم لذلك رسم المخ (EEG) أو تقييم تدفق الدم في أعلى خيمة المخ بإحدى الوسائل الفنية لتصوير الأوعية إشعاعيا (43) أو عمل رسم صوتي عبر الجمجمة Ultrasonography طبقا لنظرية دوبلر(57). لكن ثمة اختلاف بين القواعد المستخدمة في مختلف البلدان، كما سبق تقريره، وتبدو الأخطاء المحتملة كلها بعيدة عن الخطر، كما أن الكتابات التي ظهرت مؤخرا تخلو من أي حالة مقنعة ثبت فيها فشل المعايير; أي ثبت زيف تشخيص الموت لمريض دماغه حي.
تقدير:
أود أن أشكر د.يوزي ترونتيلي Joze Trontelj لجهده الذي لا يقدر في تزويدي بالعديد من المراجع القيمة ولتعليقاته على هذه الدراسة.
REFERENCES
1-Walton J. Dilemmas of life and death: Part one. R Soc Med 1995; 88:311-5.
2-Ott BB. Defining and redefining death. Am J Crit Care 1995; 4:476-80.
3-Bartlett ET. Differences between death and dying. J Med Ethics 1995; 21:270-6.
4-Trontelj JV. Diagnosing brain death. In: Flis V, ed. Medicine and Law. Maribor: Slovene Medical Association, Slovene Lawyers’ Association 1993, pp. 183-200.(3/18)
5-A definition of irreversible coma. Report of the Ad Hoc Committee of the Harvard Medical School to examine the definition of brain death. JAMA 1968; 205:337 - 40.
6-Wiidicks EFM. Determining brain death in adults. Neurology 1995; 45:1003 - 1011.
7-Halevy A. Brain death. Ann Intern Med 1993; 119: 519-525.
8-Reich WT (Ed.). Encyclopedia of Bioethics. Vol. 1. Simon & Schuster and entice Hall Internationl, London. 1995, pp. 529 - 549.
9-Kaufman HH, Lynn J. Brain death. Neurosurgery 1986:19:850-6.
10-Shann F. A personal comment: whole brain versus cortical death. Anaesth Intensive Care 1995:23:14-5.
11-Ashwall S.Schneider S.Failure of electroencephalography to diagnose brain death in comatose children. Ann Neurol 1979:6:512-517.
12-Pallis C. Prognostic value of brainstem lesion. Lancet 1981:1:379.
13-Pallis C. ABC of brainstem death. From brain death to brainstem death. Br Med J. 1982:285:1487-90.
14-Pallis C. ABC of brainstem death. The declaration of death. Br Med J. 1983:286:39.
15-Trontelj JV. Brain death: The debate continues. Zdrav Vestn 1992:61:37 - 42.
16-Wijdicks EFM. Determining brain death in adults. Neurology 1995; 45:1003 - 118.
17-Rodin E, Tahir S, Austin D, Andaya L. Brainstem death. Clin Electroencephal 1985; 16:63-71.
18-Link J, Schaefer M, Lang M. Concepts and diagnosis of brain death. Forensic Sci Int 1994; 69:195 - 203.
19-Mohandas A, Chow S.N.: Brain death: a clinical and pathological study. J Neurosurg 1971; 35:211.
20-Guidelines for the diagnosis of Brain Death. CMAJ 1987; 136.(3/19)
21-Nelson R.F.: Determination of brain death (Editorial). Canadian Journal of Neurological Sciences 1986; 13:355.
22-Van Donselaar C.A., Meerualdt J.D., Van Gijn J.: Apnea testing to confirm brain death in clinical practice. J Neurol Neurosur and Psychiatr 1986, 49:1071.
23-Benzel EC, Gross CD, Hadden TA, Kesterson L, Landreneau MD. The apnea test for the determination of brain death. J Neurosugery 1989; 71:191.
24-Paret G, Barzilay Z. Apnea testing in suspected brain dead children. Intensive Care Med 1995; 21:247-52.
25-Lang CJ. Apnea testing by artificial CO2 augmentation. Neurology 1995; 45:966-9.
26-Wijdicks EF. In search of a safe apnea test in brain death: is the procedure really more dangerous than we think? Arch Neurol 1995: 52:338-9.
27-Conference of Royal Colleges and Faculties of the United Kingdom: Diagnosis of brain death. Lancet 1976; 2:1069.
28-Pallis C. Further thoughts on brainstem death. Anaesth Intensive Care 1995; 23:20-3.
29-Allen N, Burkholden J, Comiscioni J. Clinical criteria of brain death. Ann N Y Acad Sci 1978; 315:70.
30-Walker AE: Ancillary Studies in the diagnosis of brain death. Ann N Y Acad Sci 1978; 315:228.
31-Diagnosis of brain death. Lancer 1976; 13:1069.
32-Walker A.E.: Cerebral Death. 3rd Edition. Urban and Schwartzenberg, Baltimore, 1985.
33-Hall JW. Mackey-Hargadine JR, Kim EE. Auditory brain-stem response in determination of brain death. Archives of Otolaryngology 1985; 111:613.
34-Kuni CC, Rogge DM. Radionuclide brain perfusion studies in suspected brain death. Clinical Nuclear Medicine 1986; 11:551.(3/20)
35-Kirkham FJ. Levin SD, Padayachee TS, Kyme MC, Neville BG, Gosling RG. Transcranial pulsed Doppler ultrasound findings in brain stem death, J Neurol Neurosurg and Psychiatr 1987; 50:1504.
36-Powers A.D., Graeber M.C., Smith R.R.: Transcranial Doppler ultrasonography in the determination of brain death. Neurosurgery 1989; 24:884.
37-Report of the Medical Consultants on the Diagnosis of Death to the President’s Commission on the Study of Ethical Problems in Medicine and Biomedical and Behavioral Research. Guidelines for the determination of death. JAMA 1981; 264:2184-6.
38-Task Force on Brain Death in Children. Guidelines for the determination of brain death in children. Ann Neurol 1987; 21:616-7; Arch Neurol 1987; 44:587-8; Neurology 1987; 37:1077-8; Pediatric Neurology 1987; 3:242-3; Pediatrics 1987; 80:298-9.
39-Sazbon L. Prolonged coma. Prog Clin Neurosci 1985; 2:65-81.
40-Shewson DA. Commentary on Guidelines for the determination of brain death in children. Ann Neurol 1988; 24:789-91.
41-Task Force on Brain Death in Children. Reply. Ann Neurol 1988; 24:791.
42-Setzer NA, Rogers MC. Brain death in children. In: Rogers MC (ed) Textbook of Pediatric Intensive Care. Baltimore: Williams & Wilkins 1987; 1:741-52.
43-Schlake H-p, Bottger IG Grotemeyer K-H, Husstedt IW, Brandau W, Schober O: Determination of cerebral perfusion by means of planar brain scintigraphy and 99’Tc HMPAO in brain death, persistent vegetative state and severe coma. Intensive Care Med 1992; 18:76-81.(3/21)
44-Picard L, Braun M, Anxionnat R, Claise B, et al. Venous angiography: importance in the diagnosis of brain death. 125 cases. Bull Acad Natl Med 1995; 23:20-3.
45-Lee DH Nathanson JA, Fox AJ, Pelz DM. and Lownie SP. Magnetic resonance imaging of brain death. Can Assoc Radiol J 1995; 46:174-8.
46-Lemmon GW, Franz RW, Roy N, McCarthy MC. Determination of brain death with use of color duplex scanning in the intensive care unit setting. Arch Surg 1995; 130:517-20.
47-Chatrian GE. Coma, other states of altered responsiveness, and brain death. In: Daly DD, Pedley TA eds. Current practice of clinical electroencephalography. 2nd edition. New York, Raven Press, 1990, pp 425-487.
48-Grigg MM, Kelly MA, Celesia GG, Ghobrial MW, and Ross ER. Electroencephalographic activity after brain death. Arch Neurol 1987; 44:948-954.
49-Bauer G, Gerstenbrand F, Rumpl E. Varieties of the locked-in syndrome. J Neurol 1979; 221:77-91.
50-Wilkus RJ. Harvey F, Ojemann LM, Letich E. Electro-encephalogram and sensory evoked potentials: Findings in an unresponsive patient with a pontine infarct. Arch Neurol 1971; 24:538-44.
51-Pollak MA, Kellaway P. Cortical death with preservation of brainstem function: correlation of clinical, electrophysiological and CT scan findings in three infants and two adults with prolonged survival. Trans Am Neurol Assoc 1978; 103:36-8.
52-Pollack MA, Kellaway P. Cerebrocortical death vs. brain death. Correlation of clinical, EEG, and evoked potential studies. Electroencephalogr Clin Neurophysiol 1980; 49:10P.(3/22)
53-Chatrian GE. Electrophysiologic evaluation of brain death: A critical appraisal. In: Aminoff M.J. (ed). Electrodiagnosis in Clinical Neurology, ed 2 New York. Churchill Livingstone Inc, 1986, pp 669-736.
54-Higashi K. Sakata Y, Hatano M, Abiko S, Ihara K, Katayama S, Wakuta Y, Okamura T, Ueda H, Zenke M, Aoki H. Epidemiological studies on patients with a persistent vegetative state. J Neurol Neurosurg Psychiatry 1977; 40:878-85.
55-American Academy of Neurology. Position of the AAN on certain aspects of the care and management of the persistent vegetative state patient. Neurology 1989; 39:125-6.
56-Persident’s Commission for the Study of Ethical Problems in Medicine and Biomedical and Behavioral Research. Defining Death: Medical, Legal, and Ethical Issues in the Determination of Death. Washington, DC: Government Printing Office; 1981.
57-Powers AD Graeber MC, Smith RR: Transcranial Doppler ultrasonography in the determination of brain death. Neurosurgery 1989; 24:884-889.
OTHER REFERENCES
Turmel A, Roux A, Bojanowski MW. Spinal man after declaration of brain death. Neurosurgery 1991; 28:298-302.
Guideline Three: minimum technical standards for EEG recording in suspected cerebral death. J Clin Neurophysiol 1994; 11:10-13.
Wytrzes LM, et al. Acute failure of forebrain with sparing of brain-stem function. Arch Neurol 1989; 46:93-97.
Buchner H, Schuchardt V. Reliability of EEG in the diagnosis of brain death. Eur Neurol 1990; 30:138-141.
Kosteljanetz M, et al. Clinical brain death with preserved cerebral arterial circulation. Acta Neurol Scand 1988; 78:418-421.(3/23)
Marti-Masso, JF, et al. Clinical sings of brain death simulated by GBS. J Neurol Sci 1993; 120:115-117.
Hung, T, Chen, S. Prognosis of deeply comatose patients on ventilators. J Neurol Neurosurg Psychiatr 1995; 58:75-80.
Determining brain death in adults. World Neurology 1995; 10:8-9.
Vernon DD, et al. Brain death in children. In Textbook of pediatric intensive care, vol. 1, 2nd ed., Rogers MC (ed), 1992. pp. 902-912.
Lynch J and Eldadah MK. Brain-death criteria currently used by pediatric intensivists. Clinical Pediatrics 1992: August: 457-460.
Shewmon DA. Commentary on guidelines for the determination of brain death in children. Annals Neurol 1988; 24:789-791.
Erbengi A, et al. Brain death. Acta Neurochir 1991; 112:118-125.
Aichner F, et al. Magnetic resonance. Ann Neurol 1992; 32:507-511.
George MS. Establishing brain death. Eur J Nucl Med 1991; 18:75-77.
Takao M. Brain death and transplantation in Japan. Lancet 1992; 340:1164.
Mejia Re, et al. Variability in brain death determination practices in children. JAMA 1995; 274:550-553.
Tronteij, J. Diagnosis of brain death. Zdrav Vestn 1996; 65:175-81, 165-70.
Bernat JL. Brain death. Arch Neurol 1992; 49:569-570.
Youngner SJ. Defining death. Arch Neurol 1992; 49:570-572.
Parker BL, et al. Declaring pediatric brain death. Can Med Assoc J 1995; 153:909-919.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكرا للدكتور عدنان خريبط على هذا العرض الطيب والالتزام بالوقت والكلمة الآن للدكتور سهيل الشمري فليتفضل:(3/24)
ما الفرق بين الموت الإكلينيكي
والموت الشرعي؟
الدكتور محمد علي البار
لكي نبحث هذا الموضوع لا بد أولاً من تعريف الموت عند الفقهاء والأطباء ومعرفة علاماته عند كل منهما ثم توضيح تلك الفروق بينهما.
تعريف الموت «بصورة عامة»:
إن تعريف الموت مثل تعريف الحياة أمر يكتنفه كثير من الصعوبات، رغم أن العلامات الفارقة بين الموت والحياة، وبين الكائن الحي والجماد أمر يدركه الإنسان بفطرته كما يدركه بمعارفه، فالكائن الحي يتنفس ويتغذى وينمو ويتكاثر ويتحرك ثم تختلف بعد ذلك طرق التنفس والغذاء والنمو والتكاثر والحركة بأشكالها المتعددة المتباينة التي لا تكاد تعد ولا تحصى. وأصعب تلك الكائنات تحديدا هي الفيروسات فهي كالجماد لا تتحرك ولا تنمو ولا تتنفس ولا تتغذى خارج الكائنات الحية بل تتبلور مثل بعض الجمادات، فإذا ما دخلت إلى جسم الكائن الحي تحكمت في سرّ السرّ فيه (جينوم الخلية الموجود في الدنا DNA)، وجعلته عبدا لمشيئتها، لا ينقسم إلا حسب أوامرها، ولولا أن الله سبحانه وتعالى يهب الأجسام الحية القدرة على مقاومة هذا الغزو الفيروسي لأبادت الفيروسات جميع الكائنات الحية ابتداء من البكتريا وانتهاء بالإنسان.. ومع هذا كله فالفيروس داخل الخلايا الحية لا يتنفس ولا يتغذى ولا يتحرك ولا ينمو بل كل ما في الأمر أنه يتحكم في الخلايا فيجعلها تنقسم لتصبح فيروسات جديدة من جنسه بدلا من أن تنقسم إلى خلاياها المعتادة.
وفي أجسام الكائن الحي المتعددة مثل الإنسان أو الحيوان أو النبات تموت ملايين الملايين من الخلايا في كل لحظة وآن، ويخلق الله بدلا عنها ملايين مثلها. ويبقى الكائن الحي على قيد الحياة ما دامت عملية البدء والإعادة مستمرة. قال تعالى: {إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده} (يونس: 4). وقال تعالى: {قل هل من شركائهم من يبدؤ الخلق ثم يعيده. قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنَّى توفكون} (يونس: 34).(4/1)
ولقد صدق الإمام الغزالي حين قال: نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كُنه الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة، ومعرفة الحياة معرفة حقيقة الروح في نفسها وإدراك ماهية ذاتها، ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم فيها ولا أن يزيد على أن يقول (الروح من أمر ربي)، فليس لأحد من علماء الدين أن يكشف سر الروح وإن اطلع عليه، وإنما المأذون فيه ذكر حال الروح بعد الموت».(1)..
تعريف الموت عند المسلمين (التعريف الشرعي للموت):
إن تعريف الموت عند المسلمين لا يختلف عن تعريفه في مختلف الحضارات الإنسانية المختلفة والأديان التي عرفتها البشرية المتباينة. فقد اتفق المصريون القدماء، والبابليون، والآشوريون، واليونان والصينيون والهنادكة واليهود والنصارى والمسلمون على أن الموت هو مفارقة الروح الجسد. ثم اختلفوا بعد ذلك اختلافات كثيرة في هذه الروح، وهل تعود إلى هذا الجسد أم تعود إلى جسد آخر؟ حيث يعتقد البوذيون والهنادكة والشنتو أن الروح الشريرة تعاد إلى جسد حقير، وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر، وأن الروح الصالحة الخيّرة تظل تنتقل في الأجساد الخيرة حتى تصل مرحلة النرفانا، وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح المتصلة بالأزل والأبد.
والمفهوم الإسلامي للموت هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من نعيم أو عذاب. والروح مخلوقة مربوبة، خلقها الله تعالى، ثم هي خالدة، والمقصود بموتها مفارقتها الجسد. هذا هو مفهوم جمهور علماء المسلمين للموت وإن خالف من خالف من المعتزلة وغيرهم.
قال الإمام ابن القيم في كتابه الروح.(2).: «والصواب أن يقال أن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما محضا فهي لا تموت بهذا الاعتبار».(4/2)
وقال الإمام الغزالي في الإحياء: «إن الموت معناه تغير حال فقط وإن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما معذبة وإما منعّمة. ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن وتبصر بالعين. وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب، والقلب هنا عبارة عن الروح.
والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة.. والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح هي المستعملة لها، وأعني بالروح المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح. ومهما بطل تصرفها في الأعضاء لم تبطل منها العلوم والإدراكات ولا بطل منها الأفراح والغموم، ولا بطل منها قبولها للآلام واللذات. والإنسان بالحقيقة هو المعنى المدرك للعلوم والآلات واللذات، وذلك لا يموت أي لا ينعدم - ومعنى الموت انقطاع تصرفه عن البدن وخروج البدن عن أن يكون آلة له».
(3)..
قال الإمام ابن تيمية: «قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب. ويقال لها: أخرجي أيتها الروح الطيبة».(4)..
ويقول الإمام الطحاوي في عقيدته: «ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين».
قال الشارح: والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها».(5)..
ويقول فضيلة الشيخ بكر أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي في بحثه القيم: أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء: «إن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن. وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية».(6)..(4/3)
ويقول الإمام الغزالي في «سكرات الموت وشدته» من كتاب «الإحياء»: «إن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم، فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم.. والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حلَّ به الألم، فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة.. فألم النزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق وعصب من الأعصاب وجزء من الأجزاء ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة من الفرق إلى القدم فلا تسأل عن كربه وألمه».(7)..
إخراج الروح:(4/4)
وقد وكل الله سبحانه وتعالى ملائكة يقومون بإخراج الروح من البدن. قال تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} (السجدة: 11) وملك الموت الموكل بأرواح الآدميين هو عزرائيل عليه السلام ويساعده في ذلك عدد غير معروف من الملائكة. قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} (النساء: 97). وقال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} (الأنعام: 93). ولو رأينا ذلك لرأينا أمرا مهولا مرعبا... وعلى العكس من ذلك تقوم الملائكة بتبشير المؤمنين الذين عملوا الصالحات وتسلم عليهم وتنزع أرواحهم نزعا رفيقا. قال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} (النحل: 32). ولا ينفي ذلك كرب الساق وآلام النزع فقد تألم خير الخلق وأكرمهم على الله سبحانه وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم وكرب في نزعه حتى قالت فاطمة رضي الله عنها «واكرب ابتاه» فقال لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم.
(8).. ولكن ما يخفف عن المؤمن آلام النزع وكرب السبات ما يراه من البشائر عند قدوم الملائكة. قال تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} (الفجر: 27-30). قال المفسرون يقال لها ذلك عند النزع وعند البعث.(9). وقال ابن القيم «حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن المؤمن تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج».(10). الحديث.(4/5)
أما الكفرة والعصاة للردة فإنه ينكل بهم، ويرون سوء مصيرهم عند الموت، وتضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم.. قال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} (الأنعام: 93). وقال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} (الأنفال: 50).
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: وإذا كان الرجل السيء قال «أي الملك» اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا يزال يقال لها حتى تخرج».(1)..
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم توضح كيفية إخراج الملائكة لروح المؤمن وروح الكافر. وما في الأول من تيسير حتى تسيل مثل الماء من فم السقاء، وما في الثاني من تنكيل حتى تخرج كما يخرج السَّفّود المبلل من كومة من الصوف كما جاء في حديث البراء بن عازب وغيره الذي أخرجه ابن منده وذكره ابن القيم بطوله في كتاب الروح.(12).. وقد استوفى ابن القيم في الروح ذكر الكثير من هذه الأحاديث (ص46-50).
ويأتي الإسناد في إخراج الروح في بعض الآيات إلى الله سبحانه وتعالى مباشرة، حيث الفاعل على الحقيقة هو الله ولا أحد سواه، قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (الزمر: 42)، والله سبحانه وتعالى هو الفاعل لكل شيء في هذا الكون صغيره وكبيره. والملك مأمور يفعل ما أمره به ربه سبحانه وتعالى.
الروح وتأثيرها في البدن:(4/6)
اتفق جمهور علماء أهل السنة على أن الروح هي المحركة للبدن وأنها هي المتصرفة فيه والموت هو مفارقة الروح للجسد وانقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح كما يقول الإمام الغزالي. والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء عن فعل الروح. والروح هي المدركة للعلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح، كما يقول الغزالي في الإحياء (سبق وأن نقلنا قوله كاملاً) والروح التي نفخها الله في آدم عليه السلام هي أمر علوي سماوي لا تدركه الأبصار، ولم ينفخ الله الروح في آدم إلا بعد أن سواه جسداً من الطين. (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
الروح في الجنين:
وكذلك الروح في الجنين لا تنفخ فيه إلا بعد كمال تسوية الجسد. قال تعالى {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه} (السجدة: 6-8). وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون: 12-14).
قال المفسرون (ثم أنشأناه خلقا آخر) أي نفخنا فيه الروح. وذلك لا يكون إلا بعد المرور بالأطوار السبع - تكون ترابا ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظاما ثم تكون لحما يكسو العظام ثم ينشئها الله خلقا آخر فينفخ فيها الروح.(13)..(4/7)
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في غير ما آية من القرآن الكريم هذه المراحل والأطوار التي يمر بها الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح التي بها يصير الجسد إنساناً.. قال تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا} (نوح: 13، 14). ثم فصل هذه الأطوار فقال عز من قائل: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم. ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا} (الحج: 5).
حديث نفخ الروح:
وتضافرت الأحاديث الصحيحة على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد مرور الجنين بمراحل متتالية ابتداء من النطفة فالعلقة فالمضغة ثم ينفخ فيه الروح. أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: أخبرني الصادق المصدوق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما. ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك. ثم يبعث إليه ملكا بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح».(4/8)
وهناك اختلاف طفيف جدا في رواية مسلم عن رواية البخاري بل هناك اختلاف طفيف يسير في روايات البخاري نفسه (كتاب الأنبياء وكتاب القدر وكتاب التوحيد وكتاب بدء الخلق). وفي الأربعين النووية «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح». وجمهور العلماء مجمعون على أن الروح لا تنفخ إلا بعد مرور مائة وعشرين يوما منذ بدء الحمل (أي تكون الزيجوت أو اللقيحة أو النطفة الأمشاج)... ويقولون: إن حديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم لا يعارض ما جاء في حديث عبدالله بن مسعود لأنه لا ذكر لنفخ الروح في حديث حذيفة بن أسيد: ونصه: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها. ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول: يا رب رزقه فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص.
وقد قام العلماء الأجلاء من أمثال ابن القيم والنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم بمحاولة الجمع بين الحديثين وقد استعرضت ذلك كله في كتابي «خلق الإنسان بين الطب والقرآن» وكتاب «الجنين المشوه: أسبابه وأحكامه» فليرجع إليهما من أراد التفاصيل.
والخلاصة أن الفقهاء مجمعون على أن الجنين لا بد أن يمر بمراحل متعددة قبل أن تنفخ فيه الروح وهي التي بها الإرادة والفكر وبها يصير الإنسان إنساناً.
قال الإمام ابن القيم في كتابه التبيان في أقسام القرآن: «فإن قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟ قيل: كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات، ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة، فلما نفخت (روحه) انضمت حركة حسيّته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه».(14)..(4/9)
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وهو يتحدث عن أول الأعضاء تكوناً في الجنين: «وقيل الكبد لأن منه النمو والاغتذاء الذي هو قوام البدن، رجّحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لأن النمو هو المطلوب أولا. ولا حاجة له حينئذ إلى حسّ ولا حركة إرادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات. وإنما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به».(15)..
واللافت للنظر حقاً أن يجعل هذان الإمامان العظيمان نفخ الروح مرتبطاً بالإحساس والإرادة أي بالجهاز العصبي بل بالدماغ. فإذا لم يكن هناك حس ولا إرادة فلا روح هناك، وإن كانت بعض الأعضاء بل كل الأعضاء تعمل.
ولذا فإن بعض الفقهاء عد الجنين كالجماد أو ما هو أشبه بالجماد وأباح بعضهم الإجهاض حتى بدون عذر وذلك قبل نفخ الروح وخاصة قبل الأربعين.. وإنما حرّم من حرم قتل الجنين قبل نفخ الروح فيه باعتبار مآله ومصيره الذي سيصير إليه فإذا حًرُمَ كسر بيض الحرم باعتبار مآله فمن باب أولى يحرم قتل الجنين باعتبار مآله وما سيصير إليه.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: وليس هذا «أي العزل» كالاجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب. وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم ويختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت نطفة مخلقة كانت الجناية أفحش. وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا. ومنتهى التفاحش في الجناية هب بعد الانفصال حيا».
وقال الشيخ الجليل يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام في الإسلام: «واتفق الفقهاء على أن إسقاطه بعد نفخ الروح فيه حرام وجريمة لا يحل للمسلم أن يفعله لأنه جناية على حي متكامل الخلق ظاهر الحياة».
الجنين قبل نفخ الروح فيه ليست فيه حياة إنسانية(4/10)
وأما قبل نفخ الروح ففيه الخلاف حيث ذهب بعض الفقهاء إلى السماح بالإجهاض وخاصة قبل الأربعين باعتباره كالجماد أو أشبه بالجماد.. وأما جمهور الفقهاء فلم يسمحوا بالإجهاض باعتبار مآله ومصيره وإن لم ينفخ فيه الروح ومع ذلك سمحوا بالإجهاض متى كان الحمل يشكل خطراً على حياة الحامل أو على صحتها أو كان الجنين مشوهاً تشويهاً شديداً. وفي هذا الصدد أباح المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في دورته الثانية عشر (15-22 رجب 1410هـ/ 10-17 فبراير 1990م) إسقاط الجنين المشوه قبل نفخ الروح (120 يوما منذ التلقيح) إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات وبناء على الفحوص والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاما عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين».
والمجمع الفقهي الموقر لم يبح إسقاطه إلا لأنه لم تنفخ فيه الروح (الإنسانية) بعد ولا حِسَّ ولا إرادة له.. وحتى من اعترض من الفقهاء على ذلك قبل الاسقاط قبل الأربعين أخذاً بالأحوط وبحديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم والذي ذكرناه قريبا.. فهؤلاء جميعا أباحوا الإجهاض لأن الجنين لم تنفخ فيه الروح بعد وإن كان الجنين قد مر بمراحل متعددة من الخلق وتعدّى مرحلة النطفة إلى العلقة فالمضعة فالعظام فاللحم يكسو العظام.. وتصورت كثير من أعضائه.. وهي كلها حية ولكن لا يحكم له بالحياة الإنسانية بذلك إلا بعد نفخ الروح.. ولا يحرم قتله (بدون سبب) إلا باعتبار مآله ومصيره لا باعتبار أنه حي حياة إنسانية.
حكم المولود إذا لم يستهل:(4/11)
بل إن الفقهاء لم يحكموا للجنين بعد ولادته بالحياة إلا إذا استهلّ صارخا وعلمت فيه آثار الحياة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استهل المولود ورث» وقول جابر بن عبدالله والمسور ابن مخرمه رضي الله عنهما: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرث الصبي حتى يستهل».(17)..
فإذا كان المولود حديثاً وقد نفخت فيه الروح منذ أشهر عديدة لا يحكم له بالحياة إلا عندما يستهل صارخاً أو يستدل على حياته بأمارات موثقة عندهم فإنه من العجيب جداً أن لا يحكم لمن مات دماغه وبالتالي فقد الإحساس والحركة والإرادة بالموت. جاء في الموسوعة الفقهية.(18).: «وتعرف حياته، أي المولود» بالاستهلال صارخا، واختلف الفقهاء فيما سوى الاستهلال. فقالت طائفة: «لا يرث حتى يستهل صارخا. وهو المشهور عن الإمام أحمد.(19).. وروي عن كثير من الصحابة والتابعين مستدلين بأن مفهوم قول النبي ü (إذا استهل المولود ورث) أنه لا يرث بغير استهلال ولأن الاستهلال لا يكون إلا من حي. والحركة تكون من غير حي.(21)..
"وروي عن أحمد أنه قال: يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل: ما استهلاله؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى. فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال. وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت عُلمت به حياته فأشبه الصراخ. وعن أحمد رواية ثالثة بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورّث وثبت له أحكام المستهل لأنه حي. وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه.(22)..(4/12)
الإمام مالك لا يعد الجنين حياً ما لم يستهل ولو تنفس أو تحرك أو بال. ويقول فضيلة الشيخ المختار السلامي: يرى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أن المولود إذا لم يصرخ لا يُعتبر حياً ولو تنفس أو بال أو تحرك. ومعنى هذا أنه لا يحكم له بالحياة بمجرد التنفس حتى يقرن بها البكاء. وقال ابن الماجشون: إن العطاس يكون من الريح والبول من استرخاء المواسك (أي العضلات العاصرة Sphincter)? فما لم يكن الفعل إراديا استجابة لتنظيم الدماغ لا يُعتبر أمارة حياة. (الزرقاني علي الخليل ج2/112). انتهى كلام فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي.
ويقول فضيلته أيضاً في بحثه المقدم إلى الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي مفصلا وموضحا أقوال المذهب المالكي: «يقول خليل ابن إسحاق (ولا سقط ما لم يستهل صارخاً، ولو تحرك أو بال أو رضع). إن هذه الفقرة تجعل مقياس الحياة الصوت. وقد فصّل اللخمي ما تكون به الحياة فقال: اختلف في الحركة والرضاع والعطاس فقال مالك: لا يكون له بذلك حكم الحياة. قال ابن حبيب وإن أقام يوما يتنفس ويفتح عينيه ويتحرك حتى يسمع له صوت وإن كان خفياً. قال إسماعيل: وحركته كحركته في البطن لا يحكم له فيها بحياة. قال عبدالوهاب: وقد يتحرك المقتول. وعارض هذا المازري وقال: لا معنى لإنكار دلالة الرضاع على الحياة لأننا نعلم يقينا أنه محال بالعادة أن يرضع الميت. وليس الرضاع من الأفعال التي تكون بين الطبيعة والاختيارية، كما قال ابن الماجشون أن العطاس يكون من الريح، والبول من استرخاء المواسك (العضلات العاصرة)، لأن الرضاع لا يكون إلا من القصد إليه. والتشكك في دلالته على الحياة يطرق إلى هدم قواعد ضرورية. والصواب ما قاله ابن وهب وغيره: أنه كالاستهلال بالصراخ».(23)..
ما لم تكن حياة مستقرة فلا حياة(4/13)
ويقول الدكتور محمد سليمان الأشقر في بحثه نهاية الحياة المقدم إلى ندوة الحياة الإنسانية في الكويت.(24).: «ولا بد للحكم بموته من أن تنعدم كل أمارات الحياة. ويذكرون ذلك في استهلال المولود ليرث، قالوا: لا بد أن ينفصل حياً حياة مستقرة، فلو مات بعد انفصاله حيا حياة مستقرة فنصيبه لورثته. ويعلم استقرار حياته عندالحنابلة والشافعية إذا استهل صارخاً أو عطس أو تثاءب، أو مص الثدي، أو تنفس وطال زمن تنفسه، أو وجد منه ما يدل على حياته كحركة طويلة ونحوها فلو لم تكن حياة مستقرة بل كالحركة اليسيرة أو الاختلاج والتنفس اليسير لم يرث لأنه لا يعلم بذلك استقرار حياته، لاحتمال كونها كحركة المذبوح، أو كما يقع للانتشار من ضيق أو استواء الملتوي (العذب الفائض في الفرائض) ج3/91... انتهى.
تعريف الحياة المستقرة:
ويُعَرّف بدرالدين الزركشي في كتابه «المنثور من القواعد» الحياة المستقرة بقوله: «الحياة المستقرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دون الاضطرارية كما لو كان إنسان، وأخرج الجاني أو حيوان مفترس حشوته وأبانها، لايجب القصاص في هذه الحالة. وأما حياة عيش المذبوح فهي التي لا يبقى معها إبصار ولا نطق ولا حركة اختيارية.(25). وقال الرملي في نهاية المحتاج: وإن أنهاه (أي المجني عليه) رجل إلى حركة مذبوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار، وهي المستقرة التي يبقى معها الإدراك ويقطع بموته بعد يوم أو أيام، ثم جنى عليه الآخر، فالأول قاتل لأنه صيّره إلى حالة الموت، ومن ثم اللهعطي حكم الأموات مطلقاً ويُعزر الثاني لهتكه حرمة ميت.(26)..(4/14)
ويعلق على تلك العبارات الدكتور محمد نعيم ياسين فيقول: «وهذا الذي ذهب إليه الفقهاء في هذه المسألة يشير إلى أنهم اعتبروا فقدان الإحساس والحركة الاختيارية علامات تورث غلبة الظن بوصول المجني عليه إلى مرحلة الموت، وأن الحركة الاضطرارية الصادرة من المجني عليه لا تُعطي غلبة الظن ببقاء الروح في الجسد إذا كانت وحدها، ولم تقترن بأي نوع من الإحساس أو الحركة الاختيارية وإلا لجعلوا القصاص من نصيب الجاني الثاني، إذ يكون فعله القاتل وارداً على جسد فيه روح. ولعلهم في هذا تأثروا بما قرره علماء الطائفة الأولى أمثال ابن القيم والغزالي من أن الروح ترحل عن جسد صاحبها في اللحظة التي يصبح فيها الجسد عاجزاً عن الانفعال للروح بأي نوع من الإحساس والاختيار».(27)..
حركة المذبوح:
قد أجمع الفقهاء على اعتبار حركة المذبوح بل لو أن حيوانا مفترسا أو شخصا قام بالاعتداء على آخر وأفقده النطق والإبصار والإحساس والإدراك ولم يبق منه إلا ما يسمى حركة المذبوح ثم جاء آخر فأجهز عليه فإن القاتل هو الأول، وإنما يعزر الثاني لانتهاكه حرمة الميت.. فمهما كان قلبه ينبض وهو يتنفس ويتحرك إلا أن هذه الحركات اضطرارية فلا يحكم له فيها بحياة.
بل وصل بعض الفقهاء إلى ما هو أعجب وأغرب من ذلك. فقد زعم ابن القاسم أن عمر رضي الله عنه لما طُعن كان معدوداً في الأموات. وأنه لو مات له مورث لما ورثه، وأنه لو قام رجل بالتذفيف على عمر فقتله لا يُعتبر الثاني قاتلاً لأن القاتل هو الأول وهو أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة. وقد استدلوا على موت عمر بزعمهم ذاك أن الطبيب سقى عمر لبناً فخرج اللبن من الجرح، ومعنى ذلك أن الطعنة كانت نافذة حتى وصلت إلى الأمعاء أو المعدة، ومثل تلك الحالة لا تعيش في ذلك الزمان. ورغم أن عمر كان يتكلم ويعهد وبقي ثلاثة أيام على ذلك إلا أن ابن القاسم اعتبره في عداد الأموات.(4/15)
(28).!! ولم يعتبر كلامه وإدراكه ومنطقة دليلاً على الحياة باعتبار ما سيؤول إليه، وهو الموت. والحق أن ما ذهب إليه ابن القاسم كان شططاً ولم يقبله جمهور الفقهاء، بل اعتبروا أن عمر كان لا يزال حياً عندما كان يعهد ويتكلم ويدرك الأمور، ولذا أمضوا وصيته.(29)..
مما سبق يتبين الآتي بالنسبة إلى الروح:
1 ـ أن دخول الروح إلى الجنين لا يتم إلا بعد مرور فترة زمنية تكون أعضاء الجنين قد تكونت والقلب ينبض (منذ اليوم الثاني والعشرين منذ التلقيح) والدورة الدموية موجودة، ومع هذا فقد أجمع الفقهاء وعلماء الإسلام أن الجنين قبل نفخ الروح بمثابة الجسد ولا يحكم له فيها بالحياة الإنسانية التي بها الإحساس والإدراك (وهي التي لا تظهر إلا بعد تكون الدماغ واتصال المناطق المخية العليا بالمناطق السفلى وذلك لا يكون إلا بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ التلقيح كما أثبته الدكتور كورين في بحثه الرائد الذي ألقاه في مؤتمر أخلاقيات زرع الأعضاء المنعقد في أتوا بكندا في 20-24 أغسطس 1989م. حيث ذكر أن الاتصالات والتشابكات SYNAPSIS بين المناطق المخية العليا والمناطق الأسفل منها لا تبدأ إلا بعد مرور الجنين بفترة مائة وعشرين يوماً).
وحتى لو قلنا بفترة الأربعين التي وردت في حديث حذيفة بن أسيد، وفي هذه الفترة يبدأ جذع الدماغ بالعمل، واعتبرنا ذلك علامة على بداية الحياة ونفخ الروح فإن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئا.. وهي أن الجنين يبقى فترة أربعين يوماً لا يعتبر فيه حياً حياة إنسانية.
إعجاز أحاديث المصطفى ((4/16)
وهذه الاكتشافات الحديثة تكون إعجازاً لأحاديث النبي ü في هذا الباب. ففي حديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم يؤمر الملك بتشكيل كافة الأعضاء بما فيها الأعضاء التناسلية بعد الأربعين الأولى من عمر الجنين. وفي هذه الفترة المعروفة لدى علماء الأجنة بفترة تكوين أو تخليق الأعضاء Organ genesis يبدأ جذع الدماغ في التكون ويبدأ أول نشاطه في اليوم الثالث والأربعين وقد أمكن تسجيل نشاطه الكهربائي. أما المناطق المخية العليا فتظل بدون نشاط وهي مثل اللمبة (المصباح) بدون كهرباء. ولا يتم توصيل الكهرباء إليها إلا بعد مرور مائة وعشرين يوما وآنذاك تعمل. وبما أن المخ هو مركز الأحاسيس والإرادة والفكر والرؤية وهو ما اتفق عليه علماء الإسلام بإعطاء صفة الروح، لأنها هي المدرك وهي المحاسب والمعاقب والمعاتب والمطالب.. فإن وجود هذه العلامة الفارقة العجيبة، وتطابق الطب الحديث مع ما جاء في الأحاديث الصحيحة يجعل لهذه الأحاديث إعجازاً وفهما عجيبا.
1 ـ تضافرت النصوص القرآنية والحديثية على أن آدم عليه السلام لم تنفخ فيه الروح إلا بعد أن اكتمل بناء جسده من الطين. وأن إبليس اللعين كان يتعجب من خلقه ويصوت فيه قبل نفخ الروح ويقول «لأمر ما خلقت».
3 ـ أن أهم وظائف الروح هي العلم والإدراك: يقول الإمام الغزالي: الروح هي المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح. والروح تؤثر في البدن الإنساني وتتحكم فيه. والأعضاء آلات للبدن فإذا استعصت الأعضاء على عمل الروح فإن الروح، تغادر البدن. فكل الأعمال الاختيارية والإدراك والإحساس من عمل الروح والأبدان آلات للروح.(4/17)
ولكن هذا لا يعني أن خروج الروح يستتبع فقدان كل حركة في الجسم وموت كل خلية فيه. فقد اتفق الفقهاء، كما أسلفنا أن الجنين قبل نفخ الروح فيه كانت فيه حركة النمو والاغتذاء. بل إن القلب ينبض ويعمل منذ اليوم الثاني والعشرين منذ التلقيح وتبدأ الدورة الدموية عملها منذ تلك اللحظة ومع هذا لم يقل أحد من علماء الإسلام أن الروح قد نفخت في هذا الجنين في هذه الفترة، بل أجمعوا أو كادوا على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ بدء الحمل ولم يشذ من ذلك إلا فئة قليلة لم تحدد وقتاً لنفخ الروح ولكنها أخذت بحديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم وحددت بالتالي بداية الحياة بعد مرور الأربعين الأولى.
وقد أسلفنا القول في أن الفقهاء لم يحكموا بحياة الجنين حتى بعد مولده وانفصاله حياً من أمه إلا إذا استهل صارخاً أو ظهرت عليه أمارات الحياة. ومنهم من لم يقبل التنفس ما لم يستمر وقتاً طويلاً. وكذلك لم يقبلوا الحركة دليلا على الحياة. بل ولا البول لأن ذلك يكون من إسترخاء المواسك (العضلات العاصرة) وبالغ بعضهم في عدم قبول العطاس والرضاع دليلاً على الحياة كما أسلفنا.
وأما حركة المذبوح أو من اعتدى عليه وحش أو إنسان حتى فقد الإدراك والنطق والبصر والإحساس فإن حركته لا اعتبار لها عند الفقهاء، واعتبروه ميتاً رغم أن قلبه لا يزال ينبض ودورته الدموية لا تزال كاملة ومعظم أعضاء جسمه لا تزال تعمل.(4/18)
بل بالغ بعضهم مبالغة شديدة مثل ابن القاسم عندما زعم أن عمر رضي الله عنه بعد أن طُعن اللهعتبر في عداد الموتى رغم أن عمر رضي الله عنه كان يعهد ويتكلم وبقي على ذلك ثلاثة أيام كاملة وهو يحس ويدرك.. ولا شك أن من قال بذلك قد خرج عن الطور المعهود وجانب الصواب، فعمر دون ريب كان حياً. ولو عاش في زمننا هذا لأمكن بكل يسر إنقاذ حياته بإذن الله. وكم من حالات أشد بكثير من حالات عمر أمكن إنقاذها. فقد أمكن إنقاذ الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان بعد أن اخترقت الرصاصة صدره ووصلت إلى غشاء قلبه (التامور)، وحطمت أجزاء من رئتيه. ومع ذلك أمكن إنقاذه وحالته لا ريب أشد عسراً بكثير من حالة عمر رضي الله عنه.
4ـ اتفق الفقهاء جميعا على أن حركة المذبوح ليست دليلاً على الحياة، وأن الحركات الاضطرارية (الأفعال الإنعكاسية من الجسم) التي لا اختيار فيها ليست أثراً من أثر الروح. ورغم وجود هذه الحركة فإن من فقد كل إحساس وإدراك مع فقدان النطق والإرادة عند هؤلاء الفقهاء دليل على فقدان الحياة. يقول الدكتور محمد نعيم ياسين في بحثه «نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهادات الفقهاء» تحت عنوان خلاصة تصور علماء الشريعة عن الروح وعلاقتها بالجسد.(20).:(4/19)
( إن الإنسان في تصورهم جسد وروح ولا يكتسب وضعية الإنسانية بواحد من العنصرين دون الآخر، وإن الجسد مسكن الروح في هذه الدنيا طوال فترة الحياة المقررة للإنسان. وأن العلم والإدراك والحس والاختيار أهم وظائف الروح... وأن الجسد الإنساني لايصدر عنه أي نشاط اختياري في هذه الدنيا بغير أمر الروح وأن كل ما يصدر عنه هو بتأثيرها الذي أودعه الله فيها. وأن الموت معناه مفارقة الروح للجسد وأنه يحصل عنده صيرورة الجسد عاجزاً عن انفعال الروح وأن وجود أي نوع من الحس والإدراك والحركة الاختيارية يدل على بقاء الروح في الجسد. وغياب هذه المظاهر غياباً كاملاً يدل على مفارقة الروح للجسد. وأن مجرد وجود حركة اضطرارية لا معنى له سوى وجود بقايا الحياة المجردة عن معية الروح).
وفي موضع آخر من بحثه يقول الدكتور محمد نعيم ياسين: «ويفهم من ذلك أن العلماء المسلمين يرون أن الحركة الاضطرارية التي لا اختيار فيها ليست أثراً من آثار الروح.. ومقتضى ما تقدم من تصورهم لوظائف الروح أن الحركة الاضطرارية الناشئة عن هذا النوع من الحياة ليس فيه دلالة على وجود الروح».(4/20)
ثم يخلص الباحث إلى محاولة الجمع ما بين أقوال الأطباء والفقهاء، من اتفاق واختلاف وهذا الذي سنذكره فيما بعد عند الانتهاء من تشخيص الموت وعلاماته عند الفريقين. وما يهمنا ها هنا هو التأكيد على أن الفقهاء لم يجعلوا الحركة الاضطرارية دليلا على وجود الروح، بل على العكس من ذلك. كما أنهم لم يجعلوا انتظام نظم القلب وضرباته ووجود الدورة الدموية في الجنين دليلاً على نفخ الروح فيه، بل اعتبروا ذلك كله بمثابة النبات أو الحيوان وليس فيه أي دليل على نفخ الروح في الجنين. وقد أخبر المعصوم ü عن موعد هذا النفخ وأنه لا يكون إلا بعد مرور الجنين بمراحل متعددة ابتداء من النطفة ومرورا بالعلقة والمضغة والعظام واللحم الذي يكسو العظام ووجود أمارات التخليق ووجود الأعضاء المختلفة من كبد وقلب ورئة وكُلى.. ومع أن الدورة الدموية والقلب يبدأ عملهما مبكرا جدا (في اليوم الثاني والعشرين منذ التلقيح) إلا أن الفقهاء لم يعيروا ذلك اهتماماً لوجود النص.. واتفق جمهور الفقهاء وعلماء الشريعة والعلوم الدينية أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد وصول الجنين إلى اليوم العشرين بعد المائة.
وهذا دليل قوي على عدم اعتبارهم للدورة الدموية كدليل على وجود الروح إذ يمكن أن تكون هناك دورة دموية كاملة والقلب ينبض دون وجود الروح وهذا بالضبط ما يقوله الأطباء حيث إن القلب يمكن أن يستمر في النبض والدورة الدموية بمساعدة العقاقير والأجهزة وبوجود منفسة تقوم بعملية التنفس ولا يعد الشخص في تلك الحالة حياً بل هو ميت إذا مات دماغه بشروط معينة لا بد من توافرها في تشخيص موت الدماغ.
علامات الموت وتشخيصه عند الفقهاء :(4/21)
لقد قرر علماء الشرع أن الموت هو مفارقة الروح للجسد إلى ما أعد لها من عذاب أو نعيم حسب عملها في هذه الدنيا، وأن الموت هو انتقال من دار إلى دار وليس عدماً محضاً فالروح باقية لكنها لم تعد تستطيع التصرف في هذا الجسد. والروح أمر غيبي لا نستطيع أن ندرك كنهه. قال تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} (الإسراء: 85).
قال الإمام الغزالي: «الروح هي اللطيفة العالمة المدركة في الإنسان. وهو أمر رباني عجيب تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته».(31)..
وقد جاء في تفسير الإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} الآية، وقد اختلف الناس عن المسؤول عنه فقيل هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته وبهذا قال أكثر المفسرين. قال الفرّاء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحداً من خلقه ولم يعط علمه أحداً من عباده... وانتهى الإمام الشوكاني إلى أن الروح من جنس ما استأثر الله بعلمه.
وقال الجنيد رحمه الله: إن الروح شيء استأثر الله بعلمه ولايجوز لأحد البحث عنه (أي ماهيته وكنهه) أكثر من أنه موجود. وقال الشعراني: «لم يبلغنا أن رسول الله ( تكلم عن حقيقة الروح مع أنه سئل عنه فنمسك عن الحديث عنها أدباً».
لهذا كله بحث الفقهاء عن العلامات التي تمكنهم من معرفة الموت. وقد استدل الفقهاء على الموت ببعض الأمارات وببعض الأحاديث النبوية نذكرها كما جاءت في بحث فضيلة الدكتور بكر أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي بشيء من الاختصار.
(32).:
1 ـ عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ü قال: إن الروح إذا قبض اتبعه البصر. (أخرجه مسلم).
2 ـ عن شداد بن أوس أن رسول الله ü قال: إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح. وقولوا خيراً فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت (أخرجه أحمد في مسنده).
وعلامات الموت هي:(4/22)
انقطاع النفس واسترخاء القدمين وعدم انتصابهما وانفصال الكفين، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، وانخساف الصدغين، وتقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة وبرودة البدن، فإن حدث شك أو مات الشخص فجأة فعلى المشخص الإنتظار حتى تتبين العلامات. قال الإمام النووي في روضة الطالبين.(33). «فإن شك بأن لا يكون به علة. واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع آخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره».
" وفي حالات الموت بالسكتة والصعقة والخوف والسقوط ونحوها مما قد ينتج عنه الموت المفاجىء يطلب الفقهاء، أن ينتظر بالميت احتياطاً حتى تظهر به العلامات المعتبرة في غير هذه الأحوال من استرخاء الرجلين وانخساف الصدغين إلى آخره ليتحقق الموت».(34)..
ولا شك أن هذه العلامات ليست يقينية ما عدا توقف التنفس توقفاً نهائياً لا رجعة فيه. ولذا اعترف الفقهاء أنفسهم أنهم كانوا يشخصون الموت في حالات لم تمت بعد حتى قال ابن عابدين في الحاشية: «إن أكثر الذين يموتون بالسكتة يدفنون وهم أحياء» لأنه يعسر إدراك الموت الحقيقي إلا على أفاضل الأطباء.(35)..
وقد نقلنا كلام فضيلة مفتي تونس العلامة الشيخ محمد المختار السلامي في حكم الفقهاء على الجنين الذي لم يستهل صارخاً. وكيف أنهم اعتبروه ميتاً. وكم من ملايين الأطفال عبر ألف عام أو تزيد حكم عليهم الفقهاء بالموت لأنهم لم يستهلوا حياتهم صارخين. بل إن بعضهم لم يعترف بالتنفس ولا بالعطاس ولا بالرضاع!! وإليك ما قال مرة أخرى: (يقول خليل: ولا سقط ما لم يستهل صارخاً ولو تحرك أو بال أو رضع)!!؟!!
وزعم ابن القاسم أن عمر رضي الله عنه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي كان معدوداً في الأموات رغم أنه كان يتكلم ويعهد ويدرك ويحس الآلام... الخ.(4/23)
ولا شك أن علامات الفقهاء للموت ستؤدي إلى كارثة حقيقية إذا أخذنا بها. ولا شك أن الآلاف سيُحكم عليهم بالموت وهم أحياء حسب هذه التعريفات الفقهية للموت.. وقد أدت تعريفات الموت عند الفقهاء إلى دفن آلاف بل ملايين الأطفال الذين لم يستهلوا صارخين وهم أحياء كما أدت إلى دفن آلاف ومئات الآلاف من الأشخاص الذين أصيبوا بالسكتة وكما قال الفقيه ابن عابدين فإن أكثر الذين يموتون بالسكتة يدفنون وهم أحياء.
ولهذا فإن تشخيص الموت لايترك للفقهاء ولعامة الناس، وقد تنبهت الحكومات في العالم أجمع إلى ذلك، فأوكلت تحديد الحياة بدءاً وانتهاء إلى أهل الذكر في هذا المجال وهم الأطباء. وقد قال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
ومن الخطورة بمكان أن نأخذ بهذه العلامات البسيطة التي كان الفقهاء يأخذون بها ويعتبرونها علامة للموت مثل استرخاء القدمين وانفصال الكفين وميل الأنف وامتداد جلدة الوجه وانخساف الصدغين، وتقلص الخصيتين إلى فوق مع تدلي الجلدة، وبرودة البدن. فهذه العلامات جميعا ليست علامة للموت.. بل إن توقف التنفس لديهم وهو علامة هامة للموت قد يكون عارضاً ويمكن إنقاذ المصاب به.. وقد لا يكون علامة للموت إلا إذا استمر وقتاً كافياً.(4/24)
والغريب حقاً أن الفقهاء لم يوضحوا كيفية الاستدلال على توقف التنفس كما أنهم لم يعرفوا أهمية الدورة الدموية ونبض القلب ولم يذكرها أحد منهم في تعريفهم لعلامات الموت سوى ما ذكره فضيلة القاضي بمحكمة قطر الشرعية الأولى الشيخ عبدالقادر العماري في بحثه نهاية الحياة من أن بعض الفقهاء المتأخرين اعتبر جس العرق الذي بين الكعب والعرقوب وجس العرق في الدبر.(36).. وحتى هذه العلامات لا تُعتبر علامة على الموت إذ أن المصاب ببعض أمراض الدورة الدموية يفقد النبض من الشريان الموجود بين الكعب والعرقوب (الشريان القصبي الخلفي) (Posterior Tibial Artrey). ولم يكتف الفقهاء بذلك كله بل تحدثوا عن الموت حكماً والموت تقديراً. وقسموا الموت إلى حقيقي وهو انعدام الحياة إما بالمعاينة (وهو ما تحدثنا عنه فيما سبق) أو بالسماع أو بالبيئة، وإلى حكمي وهو أن يحكم القاضي بموت شخص مع احتمال حياته ومثاله المفقود، أو مع تيقن حياته ومثاله المرتد الذي فر إلى أرض الكفار أهل الحرب. فهؤلاء جميعاً تعتد زوجاتهم عدة الموت ويجوز لهن الزواج. وتقسم التركة بالنسبة للمفقود أما المرتد فلا يرثه أهله بل تأخذ الدولة ماله.(37)..
والموت التقديري هو إلحاق الشخص بالموتى تقديرا. وذلك في الجنين الذي انفصل بجناية على أمه وهي التي توجب الغُرّة (تقدر بخمسة في المائة من دية الإنسان أو 50 دينار ذهبا) بأن يضرب الشخص امرأة حاملاً فتلقي جنيناً فتجب الغرة وهي عبد أو أمة، وتقدر بنصف عشر الدية الكاملة.(38)..
أنواع حركة المذبوح:
وقد فرق الفقهاء بين من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة عدوان أو افتراس وحش، فإن هذا يحكم بموته وتسري عليه أحكام الموت وتعتد زوجته وتقسم تركته. ولو اعتدى عليه شخص آخر فذفف عليه وأجهز فلا يعتبر الثاني قاتلاً بل الأول. وإنما يحكم على الثاني بالتعزير لامتهانه كرامة الميت.(4/25)
فرّق الفقهاء بين من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة عدوان أو افتراس وبين من وصل إليها نتيجة مرض. فإن من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة مرض لا تسري عليه أحكام الموت ولا تقسم تركته ولا تنكح زوجته ويلزم قاتله القصاص. قال النووي في المنهاج: ولو قتل مريضاً في النزع وعيشه عيش مذبوح وجب بقتله القصاص.(39).. قال الشارح: لأنه قد يعيش بخلاف من وصل بالجناية إلى حركة المذبوح. قال العلامة عميرة في حاشيته على منهاج الطالبين: «وعبارة الإمام (أي النووي) لو انتهى إلى سكرات الموت وبدت أمارته وتغيرت أنفاسه لا يحكم له بالموت بل يلزم قاتله القصاص.
(40).. وقال الزركشي في المنثور في القواعد: إن المريض لو انتهى إلى سكرات الموت، وبدت مخايلة لا يحكم له بالموت، حتى يجب القصاص على قاتله.(41)..
تعليل الاختلاف في الحكم:
ويقول الدكتور محمد نعيم ياسين في تعليل هذا الاختلاف في الحكم بين حالتين متماثلتين: «والذي يظهر أن الفرق الذي ذكره الزركشي بين الصورتين غير مؤثر في اختلاف الحكم ويدل على ذلك ما صرح به نفسه وصرح به غيره من علماء الشافعية، فيما نقلناه سابقا، من أن صاحب الفعل الأول لو كان حيواناً مفترساً وأخرج حشوة المقتول وأبانها فإن القتل لا يضاف إلى أي صاحب فعل لاحق مهما كان.
وإضافة الفعل الأول إلى حيوان مفترس لا يختلف من حيث النتيجة عن إضافته إلى أي حادث سماوي يوصل الشخص إلى النتيجة نفسها كانهيار بيت عليه مثلا ونحو ذلك.
ولكن المعنى المعقول الذي يمكن أن يفرق بين الصورتين هو مدى التحقق من وصول الشخص إلى الحياة غير المستقرة التي يتيقن من عدم إمكان انعكاسها إلى حياة مستقرة. ومظاهر النزع في عهد أولئك الفقهاء لم تكن كافية لتغليب الظن، فضلاً عن التيقن، على أن المريض قد انتقل فعلاً إلى مرحلة عيش المذبوح، كما سموه بدليل أن حالات كثيرة يوصف فيها الشخص بأنه وصل إلى حالة النزع الأخير ثم يتجاوزها ويعيش إلى ما شاءه الله.(4/26)
وإذا كان هذا هو الفرق الحقيقي بين الصورتين السابقتين، فإنه لا يؤثر على فهمنا السابق لموقف الفقهاء، من تحديد زمن الوفاة في مسألة الاشتراك على التتابع في جريمة القتل بل يؤيده.(42).. انتهى.
ومقتضى كلام الدكتور محمد نعيم ياسين أنه لا فرق بين من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة افتراس وحش أو اعتداء إنسان أو حادث سيارة أو هدم أو غيرها من الحوادث أو نزف في الدماغ لأي سبب إذا أمكن التيقن من التشخيص وأن المصاب قد وصل فعلا إلى حركة المذبوح وهو من فقد الإدراك والنطق والإحساس والإبصار ولم تعد له حياة مستقرة، وإن كان قلبه ينبض والدم يجول في عروقه وكثير من أعضائه لا يزال يعمل، بل لا يزال يتنفس بدون منفسة ولا آلة!!
فإذا كان الفقهاء قد حكموا على مثل هذا الشخص بالموت، وهو ما لا يجرؤ الأطباء على فعله فإن تشخيص موت الدماغ بمواصفات الأطباء اليوم أشد بكثير من مواصفات الفقهاء في تعريف الحياة غير المستقرة وحركة المذبوح وما شاكل ذلك.
مفهوم الموت عند الأطباء:
لا شك أن الروح أمر من أمور الغيب. قال تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء: 85). وبما أن الأطباء مثل غيرهم من البشر لا يعرفون شيئا عن كنه الروح فإنهم بالتالي لا يستطيعون أن يفهموا حقيقة الموت. فإن الذي لا يعرف سر الحياة لا يعرف سر الموت كما أشار إلى ذلك الإمام الغزالي.(4/27)
ويعرّف الفقهاء كما أسلفنا الموت بأنه مفارقة الروح للجسد. وبما أن الأطباء لا يستطيعون أن يدركوا من أمر الروح شيئاً سوى ما تدلهم عليه النصوص أو اجتهادات الفقهاء، فإنهم مثل الفقهاء اتخذوا علامات تدل على الموت. ولا شك أن علامات الموت عند الأطباء أدق وأصدق من تلك العلامات التي اتخذها الفقهاء والتي وقفنا عندها طويلا، وأوضحنا مدى الاضطراب وعدم الوثوق فيها حيث يشخصون ويعتبرون الإنسان ميتاً وهو لا يزال حياً نتيجة قصور معلومات زمنهم في هذا الباب.
والموت عند الأطباء هو نهاية الحياة في البدن الإنساني ولا يعني ذلك موت كل خلية فيه. وقد جاء في تقرير الاجتماع العالمي الثاني والعشرين للأطباء المنعقد في سيدني في أستراليا عام 1968م: إن الموت عملية متدرجة على مستوى الخلايا وأن الأنسجة تختلف في مدى قدرتها على تحمل انقطاع الأوكسجين (بحيث تموت خلايا الدماغ بعد أربع دقائق فقط من انقطاع التروية الدموية بينما يمكث الجلد والقرنية والعظام فترة تتراوح مابين اثنتي عشرة وأربع وعشرين ساعة بدون تبريد. كما يمكن تبريد الخلايا والأنسجة وإبقاؤها حية لمدة طويلة. فيمكن مثلا تبريد الحيوانات المنوية وإبقاؤها حية عشرات السنين وكذلك اللقيحة والخلايا المولدة لليفين (Fibroblasts). ولكن الموت ليس مجرد موت خلايا أو الاحتفاظ بها حية في ظروف معينة وإنما هو موت الإنسان ككل، وبالتالي عدم القدرة على الاحتفاظ بخلايا جسمه حية.. وهي نقطة اللاعودة.. مهما بذل الأطباء من محاولات الإنقاذ والإسعاف وسير الجسم في طريق التحلل والانتهاء.(43)..(4/28)
ويعرف قاموس أوكسفورد الموت بطريقتين: عملية الموت (الاحتضار) أو أن الشخص قد مات فعلا.(43).. ومن المعلوم أن كثيراً من خلايا الميت وأنسجته تبقى حية لفترة محدودة بعد موت الشخص ككل. وقد لاحظ الأوروبيون منذ أزمنة طويلة نمو الشعر بعد الوفاة (يحلقون شعر الميت ويلبسونه أفضل ثيابه ويبقى أياما قبل دفنه) كما أنهم قد لاحظوا استطالة أظافره بعد قلمها. كما أن العظم والأوعية الدموية يمكن زرعها في شخص آخر بعد موت الشخص بثمان وأربعين ساعة (دون تبريد) ويبقى الجلد والقرنية صالحين للزراعة لمدة 24 ساعة (كذلك بدون تبريد). وهذا يعني ببساطة أنها لا تزال حية وتستطيع العمل.(44)..
ويقول الدكتور عصام الشربيني في بحثه المقدم إلى ندوة الحياة الإنسانية: إن الموت ليس نقطة واحدة أو خطاً رفيعاً، ولكنه عملية لها امتداد يطول أو يقصر. والناس من قديم يعرفون أن فلاناً دخل مرحلة الموت أو بدأ عملية الموت أو في حالة الاحتضار، وتتحدث كتب السنة عما يُسن عند الاحتضار. وربما كان اللفظ مأخوذاً مما في الكتاب الكريم {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه} (البقرة: 133]. وقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} (البقرة: 180). ثم يقول: فالجسم مجموعة من الخلايا والأعضاء، والأجهزة تقوم كل منها بوظيفتها، ولها متطلبات لأداء هذه الوظائف من غذاء أو طاقة أو وسط يحيط بها في توازن دقيق، ويعتمد كل منها في ذلك على الآخر، فإذا اختلت وظيفة عضو أثر ذلك على أداء الأعضاء الأخرى لوظائفها بدرجات متفاوتة كما في تشبيه الرسول ü للمؤمنين بالجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، أخرجه مسلم. والخلل إذا لم يتوقف تداعى إليه عضو بعد عضو حتى يحدث الموت.(45)..(4/29)
والغريب حقاً أن الفقهاء وعلماء الدين عندما حددوا الموت بخروج الروح من البدن ومفارقتها له جعلوا من صفات ذلك فقدان القدرة على الإدراك والإحساس والنطق والحركة الذاتية، وإن بقي الشخص يتنفس أو يجول الدم في عروقه وينبض قلبه وذلك فيما أسموه حركة المذبوح. واعتبروا ذلك الشخص ميتاً وتسري عليه أحكام الموت إذا كان سبب وصوله لحركة المذبوح اعتداء شخص على حياته أو افتراس وحش أو حادث (سماوي) مثل هدم أو سقوط في حفرة أو سقوط أو حادث مروري. والعجيب حقا أن يقوم الأستاذ الدكتور كريستوفر باليس Christopher Pallis في كتابه أبجديات موت جذع الدماغ بتعريف الموت بأنه: فقدان الإدراك والإحساس والقدرة على الحركة الإرادية بالإضافة إلى فقدان تام لا رجعة فيه للقدرة على التنفس.(46).. ولا شك أن تعريف الدكتور باليس أدق وأضبط في هذه الناحية من تعريفات فقهائنا الأجلاء. إذ أنهم أهملوا في هذه النقطة موضوع النفس والتنفس مع أنهم انتبهوا له في مواضع أخرى، حتى قال بعضهم أن النفس هي النَفَس وهي النسيم الداخل والخارج من الرئتين (ذكره ابن القيم في كتابه الروح).
ولا شك أن الجمع بين التعريفين هو الصواب وهو فقدان الإدراك والإحساس والإرادة والحركة الذاتية بالإضافة إلى فقدان القدرة على التنفس.. وينبغي أن يكون كلاهما قد فقد إلى غير رجعة.
علامات الموت عند الأطباء:(4/30)
يُعد توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفاً لا رجعة فيه علامة هامة وأساسية وفارقة بين الموت والحياة. وبما أن القلب يضخ الدم المحتوي على الأوكسجين (الذي سماه القدماء الروح الحيواني والبخار الذي تنضجه حرارة القلب).(47). إلى كل خلية في الجسم فإن توقف القلب والدورة الدموية يعني موت جميع خلايا الجسم. ولا تموت هذه الخلايا دفعة واحدة بل بالتدريج وأولها موت خلايا الدماغ التي تموت بعد انقطاع التروية الدموية عنها بأربع دقائق فقط. وتوقف القلب وحده دون توقف الدورة الدموية لا يعني الموت.(4/31)
ولكي نزيد هذا المفهوم وضوحاً فإن توقف القلب في العمليات الجراحية التي تجرى للقلب (عمليات القلب المفتوح) لا تعني أن هذا الشخص قد مات، رغم أن قلبه يُوقف أثناء العملية لمدة ساعتين أو أكثر. والسبب هو أن وظيفة القلب تقوم بها مضخة تضخ الدم الذي يتجمع من الوريد الأجوف السفلي والوريد الأجوف العلوي بعد أن يمر في جهاز يقوم بوظيفة الرئة ثم يُعاد إلى الشريان الأورطي الذي بدوره يوزع الدم على بقية أعضاء الجسم. وفي هذه الحالات رغم أن القلب متوقف والتنفس متوقف إلا أن الشخص حي بكل تأكيد. وذلك لأن الدورة الدموية لم تتوقف ولو لثوان معدودة. والدماغ يتلقى التروية الدموية دون انقطاع.. ووظيفة الرئتين تقوم بها آلة أخرى تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الدم وتعطيه الأوكسجين. وهذا المثال يوضح أن القلب رغم أهميته البالغة للإنسان إلا أنه يمكن الإستغناء عنه لمدة ساعتين أو ثلاث بواسطة آلة تقوم مقامه.. وكذلك الرئتين. ويمكن كذلك استبدال هذا القلب التالف بقلب شخص آخر (توفي دماغيا)، أو حتى بقلب حيوان آخر.. ولولا عمليات الرفض للجسم الغريب لأمكن استخدام القلوب من الحيوانات لزرعها في الإنسان، ولكن عمليات الرفض الشديدة تجعل هذه العملية محفوفة بالمخاطر.. وهناك تجارب متعددة على قلوب الحيوانات (وبالذات الخنزير) ومحاولة تغيير جهازها المناعي بتطعيمها بجينات إنسانية.. وسيتضح مدى نجاح أو فشل هذه التجارب في خلال السنوات القليلة القادمة.(4/32)
لهذا ينبغي أن ندرك أنه حتى في الحالات التي يُعلن فيها الموت بسبب توقف القلب والدورة الدموية والتنفس إلا أن السبب الأول في الوفاة هو انقطاع التروية الدموية عن الدماغ، لهذا إذا أمكن مواصلة التروية الدموية للدماغ حتى مع توقف القلب فإن هذا الشخص يعد حيا. ولكن العكس غير صحيح. أي إذا تهشم الدماغ وبالذات جذع الدماغ الذي فيه المراكز الحيوية (اليقظة، التنفس، التحكم في الدورة الدموية) ومات موتاً لا رجعة فيها فإن الإنسان يُعد ميتا رغم أن قلبه لايزال ينبض بمساعدة العقاقير وبعض الأجهزة، وتنفسه لا يزال مستمراً بواسطة المنفسة (الآلة). وهذا هو بالضبط ما نعبر عنه بموت الدماغ.
موت الدماغ:
إن موت الدماغ هو موت الدماغ بما فيه المراكز الحيوية الهامة جدا والواقعة في جذع الدماغ، فإذا ماتت هذه المناطق فإن الإنسان يُعد ميتاً، لأن تنفسه بواسطة الآلة (المنفسة) مهما استمر لا قيمة له ولا يُعطي الحياة للإنسان. وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم في الشرايين والأوردة (ما عدا الدماغ) لا يُعد علامة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت حياته ودورته الدموية توقفاً تاماً لا رجعة فيه.
وهذا يشبه تماما ما يحدث عندما تقوم الدولة بتنفيذ حكم الله في القصاص، أو قتل المفسدين في الأرض من مهربي وتجار المخدرات. في هذه الحالة يضرب السياف العنق فتتوقف الدورة الدموية عن الدماغ ويموت الدماغ خلال دقائق معدودة (ثلاث إلى أربع دقائق). بينما يبقى القلب يضخ الدم لمدة 15 إلى 20 دقيقة ويتحرك المذبوح وهو أمر نشاهده عند ذبح الدجاجة أو الخروف ولكن هذه الحركة ليست بذاتها دليلا على الحياة، طالما أن الدماغ قد مات.(4/33)
والأمر ذاته يحدث في الشنق.. فعندما يشنق الإنسان تتوقف الدورة الدموية من الدماغ بينما يستمر القلب في الضخ لعدة دقائق قد تبلغ ربع ساعة إلى ثلث ساعة.. وفي هذه الفترة لا شك أن هذا الشخص قد مات رغم أن قلبه لا يزال ينبض وذلك لأن الدورة الدموية قد انقطعت عن الدماغ. وقد مات الدماغ بالفعل.
أسباب موت الدماغ:
إن أهم أسباب موت الدماغ تتلخص في الآتي:
1 ـ إصابات الدماغ بسبب الحوادث وأهمها حوادث المرور. وهذه الحوادث تمثل خمسين بالمائة من جميع حالات موت الدماغ. وفي المملكة العربية السعودية تمثل حوادث المرور 60 بالمائة من جميع وفيات الدماغ وتُعد حوادث المرور في المملكة ومنطقة الخليج صاحبة الرقم الأعلى في العالم وتبلغ عشرة أضعاف ما هو موجود في الولايات المتحدة وأوروبا بالنسبة لكل مائة ألف من السكان وفي عام 1994م وعام 1995م توفي في السعودية في كل واحدة منهما أكثر من 3700 (ثلاثة آلاف وسبعمائة شخص) أغلبيتهم المطلقة كانت تحت سن الأربعين (أكثر من 75 بالمائة من جميع الحالات)، كما أصيب في حوادث المرور إصابات بالغة أدت إلى دخول المستشفى أكثر من خمسة وثلاثين ألف شخص في كل عام.. وهذه أرقام مرعبة جدا جدا وتسبب الإعاقة وإضاعة أثمن وأغلى ثروة لدى الأمة وهي الشباب.
إن هذه الإصابات المروعة ينبغي أن تواجه بحزم ومعالجة جذرية لأسباب هذه الإصابات وأهمها السرعة الجنونية، وعدم استخدام حزام الأمان، والاستهتار وقطع الإشارات الضوئية.. الخ.. ولا بد من عقوبات زاجرة رادعة حتى يمكن أن نخفض هذا النزيف في قدرات الأمة وفي شبابها وفي ثروتها.
2 ـ نزف داخلي بالدماغ بمختلف أسبابه وهو يمثل حوالي 20 بالمائة من جميع حالات موت الدماغ.
3 ـ أورام الدماغ، والتهاب الدماغ وخراج الدماغ والسحايا وتمثل حوالي 20 بالمائة من حالات موت الدماغ.(4/34)
نكرر القول بأن أهم سبب لموت الدماغ هو حوادث السيارات وللأسف فإن أغلبية المصابين هم من الشباب زهرة هذه الأمة وأهم مصادر ثروتها.
تشخيص موت الدماغ:
يتم تشخيص موت الدماغ حسب الشروط الطبية المعتبرة وأهمها:
1 ـ وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملا.
2 ـ لا يتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسة.
3 ـ تشخيص لسبب هذا الإغماء، يوضح إصابة أو مرضاً في جذع الدماغ أو في كل الدماغ.
4 ـ عدم وجود أسباب تؤدي إلى الإغماء المؤقت مثل تعاطي العقاقير أو الكحول أو انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم أو حالات سكر شديد أو انخفاض شديد في سكر الدم أو غير ذلك من الأسباب الطبية المعروفة التي يمكن معالجتها.
5 ـ ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت جذع الدماغ وتتمثل:
أ ـ عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
ب ـ عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة عشر دقائق بشروط معينة منها استمرار دخول الأكسجين بواسطة أنبوب يدخل إلى القصبة الهوائية ومنها إلى الرئتين، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى حد معين (أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان).
6 ـ فحوصات تأكيدية مثل رسم المخ الكهربي EEG وعدم وجود أي ذبذبة فيه، أو عدم وجود دورة بالدماغ بعد تصوير شرايين الدماغ أو بفحص المواد المشعة أو غيرها من الفحوصات الحديثة.
7 ـ ينبغي أن يعاد الفحص مرة أخرى بعد مرور فترة زمنية تختلف حسب الحالة وحسب عمر المصاب وهي تتراوح مابين ست ساعات للبالغين وثمان وأربعين ساعة (للأطفال أقل من شهر).
ماذا بعد تشخيص موت الدماغ:
إذا تم التشخيص والتأكد منه بواسطة الفريق الطبي المختص يتم إبلاغ المركز السعودي لزراعة الأعضاء، كما يتم إبلاغ أهل المصاب.(4/35)
يحاول فريق المركز السعودي لزراعة الأعضاء التفاهم مع الأهل في أن يأذنوا باستقطاع بعض الأعضاء الحيوية من متوفاهم لينقذوا بذلك مرضى أوشكوا على حافة الخطر وأحدق بهم الموت. فإذا أذن الأهل بذلك يتم استقطاع الأعضاء الحيوية مثل القلب، الكلى، الكبد. وتزرع كل واحدة منها في شخص معين يعاني من مرض خطير وفشل لوظيفة ذلك العضو.
وقد استطاعت المملكة العربية السعودية أن تكون سباقة في هذا المجال حيث تم حتى نهاية عام 1995م زرع 731 كلية من متوفين دماغياً كما تم زرع 64 قلباً و84 صماما قلبيا و94 كبدا وثلاث حالات زرع بنكرياس وحالتي زرع رئة.
أما إذا رفض الأهل الموافقة على التبرع فإن الأطباء ينبغي أن يوقفوا المنفسة وفي خلال ثلاث دقائق على الأكثر يتوقف القلب والدورة الدموية. وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان - الأردن - 1407هـ/ 1986م حيث قرر المجمع أن الشخص يُعتبر ميتا إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1 ـ إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2 ـ إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لايزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة.
وقد وافق المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة (1408هـ) على رفع أجهزة الإنعاش وإيقافها متى تبين بالفحوصات الطبية المؤكدة من قبل المختصين بأن هذا الشخص قد مات دماغيا.(4/36)
وبهذه الفتاوى ظهر عهد جديد في ميدان الطب. وهو تعريف موت الدماغ طبياً وبداية قبول هذا المفهوم شرعيا. ومن ثم انفتح باب زراعة الأعضاء من المتوفين دماغيا، وأمكن إنقاذ مئات المرضى الذين يعانون من فشل نهائي لأعضائهم الحيوية الهامة وبالتالي تم إنقاذهم بإذن الله تعالى وبفضل التقدم الطبي من موت محقق.
المراجع
1 ـ إحياء علوم الدين باب حقيقة الموت ج4/493-494.
2 ـ ابن القيم: الروح ص34.
3 ـ محمد بن محمد الغزالي، إحياء علوم الدين ج4/493-495.
4 ـ كما ينقل عنه الإمام ابن القيم في كتابه الروح.
5 ـ المصدر السابق.
6 ـ مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة 1408هـ/ 1987م مجلد 3ج2/ 529-541 الشيخ بكر أبو زيد.
7 ـ إحياء علوم الدين ج4/ 461.
8 ـ أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب المغازي) ابن ماجه في سننه وأحمد في سنده.
9 ـ الروح لأبي القيم ص180.
10 ـ الروح ص184.
11 ـ المصدر السابق (أخرجه الشيخان).
12 ـ الروح ص46.
13 ـ ابن رجب الخبيل جامع العلوم والحكم ص46 (دار المعرفة بيروت).
14 ـ ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص255.
15 ـ ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب القدر ج11/ 482.
16 ـ أخرجه أبو داود ج3/ 83 والبيهقي ج6/257.
17 ـ أخرجه ابن ماجه حديث رقم 2751.
18 ـ الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف، الكويت، الطبعة الثانية، 1983م، ج3/66.
19 ـ وهو أيضا قول الإمام مالك.
20 ـ يسمى هذا المفهوم المخالفة عند علماء الأصول.
21 ـ المقصود بالحركة هنا الحركات الاضطرارية مثل حركة الذبوح أو غيرها من الحركات الانعكاسية والتي قد تحدث حتى في حالات موت الدماغ وتعرف بالأفعال الانعكاسية الشوكية.
22 ـ
23 ـ محمد المختار السلامي: الانعاش مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة 1408/ 1987م مجلد 3 ج2/ 685.(4/37)
24 ـ محمد سليمان الأشقر: نهاية الحياة، ندوة الحياة الإنسانية والمنشور أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة 694 مجلد 3 ج2/662.
25 ـ بدر الدين الزركشي: المنشور في القواعد ج2/105.
26 ـ الرملي: نهاية المحتاج ج7/ 15، 16، نقلا عن د.محمد نعيم ياسين: نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهادات علماء المسلمين، ندوة الحياة الإنسانية الكويت والمنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي مجلد 3 ج2 ص635-660.
27 ـ المصدر السابق.
28 ـ مفتي تونس الشيخ محمد المختار السلامي: مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة 1987 مجلد 3، ج2/ 685-694.
29 ـ الزركشي: المنثور في القواعد ج2/ 105، نشر وزارة الأوقاف، الكويت الطبعة الأولى 1402هـ/1982م.
30 ـ د. محمد نعيم ياسين: نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهادات الفقهاء: ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها. منشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث ج2/ 635-660.
31 ـ الإحياء ج3/4 أجهزة.
32 ـ الشيخ بكر أبو زيد الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثالثة، مجلد 3، ج3/529-541.
33 ـ روضة الطالبين للإمام النووي ج2/98.
34 ـ د. محمد الأشقر: نهاية الحياة (ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها) ومنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي مجلد 3، ج3: 661-671.
35 ـ حاشية ابن عابدين ج1/ 572.
36 ـ ندوة الحياة الإنسانية وهي منشورة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي مجلد 3/ ج2/ 189-721.
37 ـ د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، بيروت الطبعة الثانية 1989، ج2/253.
38 ـ المصدر السابق.
39 ـ منهاج الطالبين للنووي ج4، 103، 104.
40 ـ المصدر السابق.
41 ـ بدرالدين الزركشي: المنشور في القواعد /2/ 106.(4/38)
42 ـ د. محمد نعيم ياسين: نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهادات الفقهاء «ندوة الحياة الإنسانية» والمنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث، ج2/ 635-660.
43-PALLIS C: ABC OF BRAIN STEM DEATH, BMJ, 1983, REAPPRAISING DEATH 1-4.
44 ـ المصدر السابق.
45 ـ د.عصام الشربيني: الموت والحياة بين الأطباء والفقهاء «ندوة الحياة الإنسانية»، الكويت، ومنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي 1408هـ/ 1987م العدد ج2/ 573-587.
46 ـ مصدر رقم 43.
47 ـ انظر تفاصيل ذلك في كتابي: موت القلب أو موت الدماغ، الدار السعودية، جدة، 1986م، فصل الروح 37-57.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكرا للأخ الكريم الدكتور محمد علي البار على عرضه الجيد والبحث الأخير للأخ الدكتور محمد مليباري فليتفضل:(4/39)
الفشل العضوي النهائي والآثار
المترتبة على موت أحد الأعضاء الرئيسة الداخلية مثل
القلب والرئتين والكبد
الفشل العضوي النهائي والآثار المترتبة
على موت أحد الأعضاء الرئيسة الداخلية
مثل القلب والرئتين والكبد
الدكتور محمد إبراهيم السبيل
في هذا البحث سوف نحاول إلقاء الضوء على نتائج موت أحد الأعضاء الرئيسة في الجسم وما يسبق ذلك من أعراض تؤدي إلى ما يسمى الفشل العضوي النهائي "End Stage Organ Disease" وسوف نقتصر على أربعة أعضاء رئيسة في الجسم هي القلب والكبد والرئتين والكليتين. وقد تم استبعاد موت المخ حيث إن هناك بحثاً منفصلاً فيما يتعلق بهذا العضو.
وسوف نأخذ هذه الأعضاء كلاً على حدة مع أن هذه الأعضاء جميعاً مترابطة مع بعضها البعض فيما يتعلق بوظائفها حيث يصعب الفصل فيما بينها، ولكننا سوف نقوم بهذا الفصل من أجل التبسيط وتقريب الموضوع للقارئ، ونبدأ أولاً بنبذة بسيطة عن وظائف هذه الأعضاء في الأحوال الطبيعية وكيف ترتبط مع بعضها بانسجام أبدعته قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
هناك عنصران مهمان لبقاء الخلية على قيد الحياة هما الغذاء والأكسجين. وهذان العنصران يتم دخولها عن طريق جهازين هما الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي (الرئتان)، ويقوم هذان الجهازان بتسليم الغذاء والأكسجين إلى الدم الذي يقوم بدوره بضخ هذا الدم المحمل بالأكسجين والغذاء إلى كافة أنحاء الجسم لتستفيد جميع خلاياه من مقومات حياتها. وتقوم الكلى والكبد بالتخلص من مخلفات احتراق المواد الغذائية لتكتمل دورة الحياة في الجسم البشري. وكما هو واضح فإن دورة الحياة كما ووصفناها حلقة متكاملة، ويعني تعطل أحد الأعضاء الرئيسة في الجسم توقف هذه، الدورة وسوف نحاول في هذا البحث وبعد هذه المقدمة أخذ كل عضو على حدة وشرح وظيفته أولاً ومن ثم توضيح النتائج المترتبة على اعتلاله وأخيراً نتائج توقفه عن العمل.
القلب:(5/1)
لا يعدو أن يكون مضخة تقوم بتوزيع الدم في سائر أنحاء الجسم، وهو عضلة يمكنها أن تستمر في الانقباض والانبساط مع فصلها نهائيا عن الجسم في حالة توفير الغذاء والأكسجين لها، وهناك عاملان يتحكمان في مدى فعالية القلب للعمل كمضخة:
الأول: سرعة ضربات القلب (Heart Rate)
والثاني: قوة انقباض العضلات (Contractility)
ويستطيع المخ وعن طريق إرسال إشارة معينة من خلال الجهاز العصبي اللاإرادي (Autonomic Nervous System) التحكم في هذين العاملين ومن ثم زيادة إنقاص فعالية عمل القلب كمضخة، يضاف إلى ذلك أن هناك هرمونات معينة تستطيع أيضاً التأثير على فعالية القلب، وعن طريق هذين العاملين يتعامل القلب مع المؤثرات الخارجية على الجسم سواء كانت فسيولوجية كالتمارين الرياضية والانفعالات أو مرضية كالنزيف والتسمم البكتيري وغير ذلك، وفي جميع هذه المواقف فإن القلب لا يزيد عن كونه مضخة يقوم بتغيير أدواره حسب متطلبات الجسم البشري ولعل العامل الرئيسي في حدوث التغييرات هو المخ بطريقة مباشرة وأخرى غير مباشرة.
والآن ما هي الحالات المرضية التي يمكن أن تؤثر على أداء هذه المضخة؟
كما قلنا فإن هذه المضخة عبارة عن عضلة، هذه العضلة تحتاج إلى الأكسجين والغذاء وهذان العنصران يصلان إلى القلب عن طريق الأوعية الدموية، وفي حالة نقص الأكسجين فإن ذلك يؤدي إلى تحول هذه العضلة إلى ألياف لا تقوم بعملها كما يجب، ويحدث هذا في حالة انسداد الشرايين التاجية نتيجة الجلطة وترسب الكوليسترول في جدران الأوعية الدموية، وفي حالة تقدم هذه الحالة فإن الأمر ينتهي إلى حدوث ما يسمى بفشل القلب النهائي أي أن القلب لا يستطيع القيام بمهمته في ضخ الدم إلى أجزاء الجسم الأخرى بسبب قصور عضلة القلب في أداء عملها وفي حالة عدم استبدال القلب (زراعة القلب) فإن الأمر ينتهي بوفاة المريض.(5/2)
ما ذكرناه سابقاً يوضح مثالاً لفشل القلب بصورة تدريجية، وهناك مثال لما يحدث بالقلب بصورة حادة وقد يؤدي إلى الوفاة وهو توقف القلب الفجائي.
ومن المعروف أن خلايا المخ لا تستطيع أن تواجه نقص الدم (الغذاء والأكسجين) لأكثر من أربع دقائق أي أنه في حالة عدم وصول الدم إلى المخ لهذه الفترة فإن الخلايا العصبية تتوقف عن العمل وتحصل الوفاة الدماغية.
أما توقف القلب الفجائي فيحدث عادة نتيجة لانسداد الشرايين التاجية بسبب الجلطة مما يؤدي إلى اضطراب في حركة عضلات القلب بسبب نقص الأكسجين ومن ثم تتعطل العضلات عن العمل ويتوقف تدفق الدم إلى كافة أنحاء الجسم.
مما سبق نستطيع أن نقول إن القلب لا يعدو عن كونه عضلة تقوم بضخ الدم إلى كافة أنحاء الجسم وفي حالة تعطل هذه العضلة لمدة تزيد عن أربعة دقائق فإن النقص الحاد في الأكسجين الذي نتج عن توقف القلب يؤدي إلى موت خلايا الدماغ (الخلايا العصبية) وبالتالي حدوث الوفاة.
الرئتان:
الرئة هي العضو الذي يتم فيه تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، ويدخل الأكسجين إلى الشعب الهوائية عن طريق عملية التنفس ومن ثم إلى الحويصلات الهوائية المغلفة بشعيرات دموية وعلى سطح هذه الحويصلات يخرج ثاني أكسيد الكربون ويدخل الأكسجين، وبالتالي فإن الرئة هي العضو الذي يقوم بإدخال الأكسجين إلى الدم ومن ثم ينتقل الدم إلى القلب والذي يقوم بدوره بضخ الدم المحتوي على الأكسجين إلى كافة خلايا الجسم.
وكما يحدث في القلب فإن الأعصاب القادمة من الجهاز العصبي المركزي تتحكم في حركة الرئتين، وهذا التحكم أقوى مما رأيناه في القلب حيث أن تعطل الجهاز العصبي المركزي أو موت الدماغ يؤدي حتماً إلى توقف التنفس في حين أنه لا يؤدي إلى توقف القلب.(5/3)
في معظم الأحيان فإن تعطل الرئتين عن العمل يكون تدريجياً ويحدث ذلك في بعض الأمراض المزمنة والتي تؤدي تدريجياً إلى قصور في اداء الرئتين أما تعطل الرئتين بصورة حادة فيحدث في حالات الاختناق والغرق وغير ذلك وفي هذه الحالات فإن الأكسجين لا يصل إلى الدم من خلال الرئتين وبالتالي يحدث نقص حاد في الأكسجين القادم إلى الجهاز العصبي مما يؤدي إلى موت الدماغ.
مما سبق تبين أن الرئة عضو أساسي لإبقاء الجسم على قيد الحياة ومن المهم الإشارة هنا أنه من الممكن أن تقوم الرئة في حالة فشلها - بوظيفتها إذا تم اسنادها بجهاز التنفس الصناعي الذي يقوم بضخ الأكسجين وسحب ثاني أكسيد الكربون، ويحدث هذا في حالة موت الدماغ حيث تتوقف حركة الرئتين تماماً وتتعطل جميع أجهزة الجسم إلا إذا تم وضع أجهزة التنفس كي تقوم مقام الرئة في ضخ الأكسجين وسحب ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي فإن الأكسجين يتوزع على كافة أنحاء الجسم مبقياً الأعضاء في حالة عمل مستمرة حيث تم توفير الأكسجين لها، وابقاء الأعضاء بهذه الحالة يضمن الاستفادة منها في عمليات زراعة الأعضاء.
الكبد:
أحد الأعضاء الرئيسة في الجسم وهي كالمصنع الكيميائي الذي يقوم بالتحكم بالعمليات الاستقلابية في الجسم وتقوم الكبد بالتعامل مع الغذاء القادم من الجهاز الهضمي وتحويله إلى مركبات يستطيع الجسم أن يفيد منها، بالاضافة إلى ذلك تقوم الكبد بصنع مواد ضرورية للجسم مثل بروتينات التخثر وغيرها.
إن الآثار المترتبة على تعطل الكبد تكون عادة أقل حدة من الأعضاء الأخرى، ومعظم حالات الفشل الكبدي النهائي تكون مزمنة رغم أن هناك حالات حادة تموت فيها خلايا الكبد وبالتالي تتعطل الكبد عن العمل مما يؤدي إلى حدوث قصور حاد في عمل الكبد ينتهي بالمريض إلى الموت ما لم يتم استبدال الكبد (أي زراعة الكبد).(5/4)
إن معظم حالات فشل الكبد الحادة والمزمنة ينتج عن إصابة الكبد بفيروسات تؤدي إلى إلتهاب حاد يؤدي إلى تحطم الخلايا وتحولها من خلايا عاملة إلى ألياف ومن ثم يحدث ما يسمى بتليف الكبد ونتيجة لهذا تحدث الأعراض الدالة على اعتلال الكبد مثل الصفار والاستسقاء والنزيف والغيبوبة وغير ذلك، وكما قلنا فإن الفرق بين تعطل الكبد من جهة وتعطل القلب والرئتين من جهة أخرى هو أنه في الحالة الأخيرة النتائج سريعة وحادة وقد تؤدي إلى الوفاة أما في حالة الكبد فإن تعطلها أقل حدة ويؤدي إلى الوفاة ولكن بعد فترة زمنية أطول.
عندما يحدث موت الدماغ ويتم توصيل الجهاز التنفسي بأجهزة التنفس المساعدة فإن الكبد وغيرها من الأعضاء الأخرى تستمر في العمل رغم كون الشخص ميتاً حيث إن الكبد كغيرها عضو يمكن أن يستمر في العمل في حالة ضمان تزويده بالأكسجين والغذاء.
الكلى:
الوظيفة الرئيسة للكلى هي التخلص من مخلفات العمليات الحيوية في الجسم وبالأخص البولينا، وفي حالة تعطل الكلى عن العمل فإن هذه المادة تتراكم وتؤدي إلى حدوث اعتلال في جميع أنحاء الجسم.
ويعد تعطل الكلى أقل حدة من تعطل الأعضاء الأخرى، ونتائجه لا تؤدي إلى تأثير سريع ومباشر على الحياة، يضاف إلى ذلك أن وجود البدائل الصناعية (الغسيل الكلوي) أدى إلى بقاء مرضى فشل الكلى على قيد الحياة سنوات طويلة.
وفي حالة توقف الدماغ عن العمل وبقاء الدورة الدموية التنفسية فإن وظيفة الكلى تستمر، وكما أوضحنا في حالة الكبد مما سبق نستطيع أن نربط بين وظائف الأعضاء الرئيسة بحيث نصل إلى فهم واضح لنتائج تعطل هذه الأعضاء عن العمل.
فالأساس هنا أن جميع أعضاء الجسم تحتاج إلى الأكسجين وفي حالة توفر هذا العنصر فإن هذه الأعضاء مستمرة في العمل.(5/5)
فالرئة هي العضو الذي يقوم بضخ الأكسجين إلى الجسم ولا يمكن للرئة أن تعمل في حال موت الدماغ إلا بوجود أجهزة التنفس، أما بالنسبة للقلب فوظيفته هي ضخ الدم إلى كافة أنحاء الجسم وهو كغيره من الأعضاء يقوم بعمله في حالة توفير الأكسجين رغم موت الدماغ، وفي حالة استمرار ضخ الدم إلى كافة أنحاء الجسم فإن أعضاء الجسم تبقى تعمل وتقوم بوظائفها وهذه هي الأسس التي تقوم عليها زراعة الأعضاء.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكرا للدكتور محمد السبيل على هذه المحاضرة القيمة ونهنئك على نجاح مثل هذا البرنامج الذي ساعد الكثير من المرضى للاستمرار في الحياة، والمحاضرة الثالثة للدكتور أحمد القاضي فليتفضل:(5/6)
تشخيص موت ساق المخ
الدكتور عماد الدين الفضلي
إذا تأملنا الجسم البشري في أدائه لوظائفه الحيوية المختلفة وجدنا أنه يشتمل على عدة منظومات كل منها يتكون من عدة مكونات يربطها بعضها ببعض وسائل اتصال تسمح بتبادل المعلومات بين كل مكون وآخر بحيث تعمل المنظومة بطريقة ثابتة تصلح نفسها بنفسها إذا ما اعتراها خلل مؤقت، ومن أوضح هذه المنظومات منظومة الغدد الصم فالهرمونات التي تفرزها غدة تربط بينها وبين الغدة النخامية وتستمر وظيفة الغدة في حالة سواء ما دامت هناك تلك الصلة بينها وبين النخامية، ومثل ذلك يحدث في تنظيم درجة حرارة الجسم ومستوى الجلوكوز في الدم، وقد عرفت هذه الحقيقة منذ بدء تاريخ الطب، وأخذت أسماء مختلفة تدل على وجود حالة من الثبات الديناميكي يحافظ على صحة الجسم، فإذا اختل هذا الثبات أصبحنا نواجه حالة مرضية يجب التدخل الطبي لإصلاحها.
وبمراجعة وظيفة هذه المنظومات نجد أنها كلها تخضع أخيرا للجهاز العصبي الذي يحتوي على العديد من المراكز المنظمة لوظائف الجسم المختلفة، فإذا اختل المركز المنظم لدرجة الحرارة مثلا وجدنا حرارة الجسم ترتفع بلا رابط، وإذا اختل المركز المنظم لضغط الدم اضطرب هذا الضغط صعودا وهبوطا، فإذا بلغ هذا الاختلال في الجهاز العصبي مرحلة لا عودة منها توقفت الحياة ذاتها، وأخذت أعضاء الجسم المختلفة تفقد حيويتها واحدا بعد الآخر إلى أن تتم وفاة الجسم كله، وتبدأ مظاهر تحلل الأنسجة في الظهور.
فإذا جئنا إلى تعريف الموت نجد أنه مر بعدة مراحل حسب ما كان متوفرا للإنسان من معلومات، فكلنا يؤمن أن الموت هو فراق الروح للجسد ولكننا لا نعلم عن الروح شيئا فإن الروح من أمر ربي، ولكن كان الإنسان يلجأ إلى بعض الظواهر التي تعتري الجسد ليقرر أن الموت قد حل مثل ترهل الخدين وانخفاض المقلتين وهكذا.(6/1)
فلما كان المراد من تشخيص الوفاة هو القيام بما يجب علينا حيال المتوفى من غسيل وتجهيز ودفن جاء العلماء بمظاهر الموت الواضحة للعين المجردة التي تحدث عندما تتقدم عملية الوفاة شوطاً بعيدا - وحتى إذا ما التزمنا بهذا التحديد للموت نجد أن بعض وظائف الجسم تستمر بعده مثل نمو الشعر والأظافر، ولكن مع تقدم العلوم الطبية واجهتنا مواقف أدق تتطلب منا تحديدا أوضح لتلك اللحظة التي يحدث عندها الموت، إذ أنه أصبح في استطاعة الطب في غرف العناية المركزة أن يستمر في إمداد الجسم بالأكسجين وبالدم بأجهزة حديثة تمنع ظهور التغيرات التي تعتري مختلف الأعضاء عندما تترك عمليات التحلل لتأخذ مجراها، فنصبح أمام جسد لا يمكن أن يعود إلى الترابط الطبيعي من حيث وظائف أعضائه، إذ أن المراكز المسؤولة عن ذلك توقفت بلا رجعة في حين لا تظهر باقي علامات التحلل على أعضاء الجسد الأخرى ما دامت تتغذى بالأكسجين والدم إلى فترات قد تطول لمدة أشهر.
هنا أصبح من الواجب تحديد هذه اللحظة التي تبدأ عندها رحلة اللاعودة حتى نجنب أهل المريض والهيئات الطبية مشاعر القلق والترقب التي قد تطول شهورا، كما نجنب الهيئات الطبية المجهود البشري والاستهلاك المادي الباهظ وشغل الأماكن القليلة في غرف الإنعاش التي يمكن أن يستفيد منها مرضى آخرون استفادة أكثر جدوى. ومن جرب مثل هذه الفترات الطويلة القاسية التي تنتهي أخيرا وبدون استثناء بالتوقف التام لكل الوظائف الفسيولوجية وأهمها نبض القلب يمكن أن يقدر الأهمية الإنسانية لتحديد تلك اللحظة التي تبدأ عندها عملية الموت التي لا رجعة فيها، وحتى مهما حاولنا الإبقاء على حيوية أعضاء الجسم في هذه الحالات نجد أن اختلال الوظائف يتوالى من فقد الكليتين للزلال وإصابة الرئتين المتكررة بالالتهابات وغير ذلك مما يزيد من نفقات العلاج والمجهود اللازم للمتابعة في العلاج بلا طائل.(6/2)
مثل هذه الحالة نبهت الأطباء إلى مفهوم جديد للموت، وهو موت الدماغ، الذي يهتم بالظاهرة المحددة لعملية الوفاة التي لا عودة منها.
وهنا جاء التساؤل - أي جزء من الدماغ هو المسؤول أساسا عن هذه الحالة من اللاحياة؟ وفي هذا اقترح البعض لفترة عابرة أن هذا الجزء هو قشرة الدماغ بناء على ما هو معروف من أن هذا الجزء هو المسؤول عن الأنشطة العقلية العليا التي تميز الإنسان عن باقي الحيوانات - مثل التفكير المنطقي المؤدي إلى اتخاذ القرارات، والنشاط الشعوري المناسب لمختلف المواقف، والذكاء والذاكرة وغيرها مما يحدد شخصية الإنسان، إلا أن هذا المفهوم ما لبث أن رُفض إذ أننا نعلم أن هناك من المرضى من يصيبه العته ويفقد كل هذه المستويات العليا من النشاط العقلي، ولكنه لا يعد أبدا في عداد الأموات الذين يجب علينا غسلهم ودفنهم اذ أنهم لا زالوا متمتعين بالوعي وقادرة أجسامهم على أداء وظائفها الفسيولوجية في تكامل.
كما أن هناك حالات الأطفال حديثي الولادة الذين يولدون بدون قشرة دماغية، وأكثر من ذلك نقابل حاجات الحياة النباتية المزمنة Persistant Vegetative State الذي فقد فيها المريض جل وظائفه العقلية العليا فهو يفقد القدرة على التهدي في الزمان والمكان والتعرف على ما حوله، ولا يستطيع القيام بنشاطات الحياة اليومية العادية دون مساعدة إلا أن وظائف جسمه الفسيولوجية الأخرى تبقى متكاملة ومتآزرة وتمكن من البقاء على قيد الحياة وإن كان في حالة يرثى لها تضيع فيها شخصيته وهويته الإنسانية ولكننا لا نستطيع أن ندرجه بين الأموات الذين يحق لهم الدفن.(6/3)
وهنا انتقل الانتباه إلى تحديد منطقة ساق المخ، المتضمنة للتكوين الشبكي المسؤول عن الوعي والمحتوية على المراكز المنظمة للتنفس والدورة الدموية وباقي المسارات العصبية التي تربط بين المراكز العليا للجهاز العصبي الذاتي وبين ما يسيطر عليه أعضاء الجسم المختلفة، وهنا برز مفهوم - موت ساق المخ - على أنه المرادف الملموس لمعنى «الموت» أي مفارقة الروح للجسد فراقا لا رجعة فيه بسبب فقد الوظيفة المتكاملة للجهاز العصبي.
ثم جاءت مرحلة نجاح الطب في زرع الأعضاء المختلفة من شخص إلى آخر وقد كان من أول أمثلتها نقل القرنية ثم توالت عمليات نقل القلب والكلية والكبد ولا ندري إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الخط في التقدم، وهنا جاءت الحاجة الملحة لتحديد لحظة بدء الموت التي لا يعود بعدها الجسم إلى أداء وظائفه المختلفة بالاتساق والتكامل اللازمين للحياة، إذ أن هذا الميت الذي لا فرصة له في العودة إلى الحياة، تكون أعضاؤه لا زالت في مرحلة من الحيوية لاستمرار إمدادها بالأكسجين وبالدم ولما تلحق بعد بمرحلة التحلل الزمني الذي لا بد ملاقيها إذا ما تركناها دون ري دموي أو إمداد بالأكسجين، ومثل هذه الأعضاء قادرة على مواصلة أداء وظيفتها إذا ما نقلت إلى جسم يتمتع بمراكزه العصبية المنسقة لوظائفه الحيوية والمحافظة على تكامل هذه الوظائف.
فإذا ما وصلنا إلى هذا الموقف أصبح من الواجب أن نحدد تحديدا دقيقا لحظة موت ساق المخ وقبل أن تتقدم عمليات التحلل التي تصيب الأعضاء الأخرى واحدة بعد أخرى.
وقد دلت الدراسات أن هذا التحديد يتوقف على عدة مظاهر سريرية أو إكلينيكية تمكن الطبيب الحاذق من التشخيص عند فحصه للجهاز العصبي، وهي لا تحتاج إلى كثير من الأجهزة عالية التخصص، وهذه المظاهر الإكلينيكية هي المتفق عليها من الجميع طبيا على أنها دالة على وجود حالة موت ساق المخ.(6/4)
ولكن لأن هذا التشخيص يدخل في المنطقة البينية بين الطب والقانون، فقد أرادت المراكز الطبية المختلفة أن تؤيدها ببعض إجراءات مكملة لها تستخدم فيها أجهزة متقدمة لفحص وظائف الجهاز العصبي وتعطي نتائج يمكن رصدها على الورق تصلح لأن تكون وثائق محسوسة تعرض على الجهات القانونية إذا لزم الأمر.
فإذا بدأنا بالعلامات الطبية المتفق عليها والممكن التأكد منها إكلينكيا وبشكل دقيق وجدنا أنها:-
1 ـ الفقد الدائم للوعي وللاستجابة للمنبهات العصبية.
2 ـ الفقد الدائم للتنفس الذاتي - أي بدون أجهزة.
3 ـ اختفاء المنعكسات العصبية المتصلة بمراكز ساق المخ.
1 ـ الفقد التام للوعي وللاستجابة للمنبهات العصبية:-
مثل الألم والأصوات العالية والضوء المبهر وتنبيه المسالك التنفسية للأنف وحركة العين أو الإيماءات المعبرة في الوجه - وذلك باستثناء المنعكسات الشوكية التي تعتمد على مراكز الحبل الشوكي وهي نادرة الحدوث.
2 ـ وقف التنفس:-
بعد تعريض المريض لتركيز مرتفع من ثاني أكسيد الكربون 40 مجم زئبق ويزاد إذا أردنا في أثناء الفحص إلى 55 مم في وجود تركيز كاف للأكسجين 200 - 200 مم زئبق بالمنفسة ثم إبقاء أنبوبة أكسجين في القصبة الهوائية - وأثناء الاختبار يهبط تركيز الأكسجين إلى 150 - 250 مم زئبق. ويجب ايقاف الفحص إذا هبط ضغط الدم أو اضطربت نبضات القلب - ونعيد المريض إلى الأجهزة المدعمة وهنا يُلجَأ إلى الاختبارات المؤكدة. كما نلجأ إلى هذا الإجراء إذا كان المريض يقاسي من أمراض أنسداد المسالك التنفسية المزمن.
3 ـ اختفاء المنعكسات العصبية المتصلة بمراكز ساق المخ :-
انعكاسات البؤبؤ - انعكاسات الجهاز الدهليزي - انعكاس القرنية - انعكاسات الحلقوم - الحركات الانعكاسية للمقلتين عند لفت الرقبة من جهة إلى إخرى أو تنبيه الدهليز بالماء المثلج أو بالكهرباء.(6/5)
ولحسن إجراء هذه الاختبارات الإكلينيكية يجب التأكد من عدم استخدام العقاقير المؤثرة على المراكز العصبية، وإذا كانت حرارة الجسم أقل من 90 فهرنهيت فيجب تدفئة المريض إلى هذه الدرجة قبل إجراء الاختبارات كما يجب علاج حالة الصدمة إذا وجدت حتى يصل ضغط الدم الانقباضي إلى 90 مم زئبق أو أكثر ويستحسن إعادة الفحص مرة أخرى بعد 6 ساعات على الأقل.
الأبحاث المؤكدة
يبقى تشخيص ساق المخ تشخيصا إكلينيكيا. أما الأبحاث المؤكدة فنلجأ إليها في الأحوال الآتية:-
1 ـ إذا تعذر القيام بأي اختبار إكلينكي مثل توقف التنفس.
2 ـ للحصول على وثائق موضوعية لأسباب قانونية.
3 ـ لسرعة تشخيص موت المخ في حالة نقل الأعضاء.
تلك الأبحاث المؤكدة تنقسم إلى فئتين:
1 ـ بحوث فسيولوجية عصبية.
2 ـ دراسة دورة الدم الدماغية.
1ـ البحوث الفسيولوجية العصبية:-
أ - رسم المخ الكهربي
حيث نثبت التوقف الكامل للنشاط الكهربي الدماغي في غيبة التسمم بعقاقير مثبطة لهذا النشاط.
ومن ناحية أخرى قد نجد بعض النشاط الكهربي غير السوي بعد وفاة ساق المخ إذ أن ذلك لا يسبب وفاة خلايا قشرة الدماغ مرة واحدة بل يتطلب فقط وفاة بعض هذه الخلايا لتصل إلى حجم محدد فقط.
ب - الموجات المستفزة:-
خصوصا من ساق الدماغ.
وترجع أهمية هذه الظاهرة لأنها لا تتأثر بالعوامل الأيضية وأنها تقيس فعلا نشاط ساق الدماغ وليس قشرة الدماغ.
2ـ بحوث الصورة الدماغية المخية:-
أ ـ الفحص بحقن شرايين المخ بالصبغة عن طريق الشريان الوركي حيث نجد الدورة الدموية لا تصل إلى شرايين المخ بل تتوقف عند حلقة ويلس.
ب ـ الفحص بالصبغة المشعة باستخدام مادة التكنيتيام وهو مفيد بشكل خاص في حالات التسمم بمركبات الفينوباربتيورات.
ج ـ الأشعة المقطعية للمخ باستخدام مادة الزيتون ويمكنه معرفة الأماكن التي أصيبت في المخ إلا أنه غير متاح إلا في مراكز قليلة.(6/6)
د ـ فحص الدورة الدموية المخية بالموجات فوق الصوتية حيث تلاحظ أن الدم يتردد روحة وجيئة مع نبضات القلب دون أن تدور دورتها الطبيعية.
وأحب أن أختم قولي بتقرير أن هذه الاختبارات الإضافية هي اختبارات مؤكدة فقط، أما تشخيص وفاة ساق المخ فهي عملية إكلينيكية، كما أحب أن أشير إلى أن التشخيص الأكلينيكي ليس عليه أي اختلاف بين المراكز البحثية المختلفة، أما الأبحاث المؤكدة فهناك بعض المراكز التي تفضل بعضها بينما تفضل مراكز أخرى بحوثا مختلفة تبعا لإمكانات المراكز وخبرة العاملين بها.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكرا للدكتور عماد الدين فضلي للعرض الطيب والالتزام بالوقت وكذلك إثارة بعض الآراء الفلسفية. الحديث الثاني للدكتوره أسمهان الشبيلي فلتتفضل:(6/7)
موت جذع المخ
مراجعة ومناقشة
الدكتور عصام الشربيني
استشاري الأمراض الباطنية
م. الصباح - الكويت
الموضوع الذي تبحثه ندوتنا هذه، سبق أن بحث في ندوة نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في يناير 1985م، وشارك فيها نخبة من الأطباء من مختلف التخصصات، ونخبة من أساتذة الفقه وأهل الفتوى، عرضوا لجوانب القضية المختلفة، وأصدروا بعد حوار مفصل بين الفقهاء والأطباء توصيات سبق نشرها.(1)..
وتحرص المنظمة كعادتها، على متابعة بحوثها وندواتها وتوصياتها، ورصد ما يجد حولها من وجوه المعرفة، أو شواهد التجربة، لتنظر ما يؤيد ويؤكد ما انتهت إليه، أو ما يعارضه وينقضه.
وندوتنا هذه استمرار مبارك إن شاء الله لهذه الجهود الطبية.
وموضوع الندوة يتعرض بالضرورة لثلاثة جوانب:
1ـ الموت.
2 ـ وقف أجهزة الإنعاش.
3 ـ زراعة الأعضاء.
وأحب في مبدأ حديثي أن نتفق على أمور محددة:
أولا: أنه لا يوجد نص شرعي يحدد تعريف الموت، فلا بد إذن أن يحدد باجتهاد بشري وفق قواعد الاجتهاد المعروفة.
ثانيا: أن الاجتهاد البشري يبنى على معرفة بشرية وفهم بشري، وأنه قابل للتغيير كلما تغيرت المعارف البشرية، أو سبل فهم هذه المعارف، وإن كانت القواعد الشرعية لم تتغير، مع التسليم بأن المعرفة البشرية وفهم دلالاتها، وكذلك الاجتهاد المترتب عليها، كلها أمور قابلة للخطأ والصواب، ومن ثم للمراجعة والمناقشة..(7/1)
ثالثا: أن احتمال ظهور معارف جديدة في أمر من الأمور، أو احتمال الخطأ في فهمها، أو في تنزيل الأحكام الشرعية عليها، ليس مبررا للتوقف عن الاجتهاد فيما نحتاج إليه، في حدود ما تيسر لنا من وسائل الاجتهاد، فإنه {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.(2).، ولنا الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم يمنعه احتمال الخطأ في القضاء أن يقضي بين الناس; روى البخاري ومسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر مثلكم، وأنتم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار».(3)..
رابعا: أن تتسع صدورنا للاستماع لمختلف الآراء، ومناقشة أدلتها مناقشة موضوعية، سعيا وراء الأفضل، وأن نجتهد في تجنب ما يقع فيه البعض، ولو بحسن نية، من اعتقاد الرأي أولا، ثم التماس الحجج له بعد ذلك، فما أكثر ما يؤدي ذلك إلى ضعف الاستدلال، ثم إلى افتعال الأدلة واعتساف النصوص، وسوقها للاستدلال بها على ما لا تدل عليه.
كما يؤدي إلى محاولة الإثارة - أو الاستثارة - الدينية أو العلمية - بالاستشهاد بآيات وأحاديث في غير موضعها، أو بادعاءات طبية لا تثبت للتمحيص.
والصحافة - ومنها الطبية - قد تلجأ للإثارة لجذب القراء إلى قراءة موضوع بعينه، والتاجر قد يلجأ إليها لجذب الأنظار إلى بضاعة يرجو رواجها، أما في مثل موضوعنا الذي نبحثه فقد لا تستحق إيرادها، أو الرد عليها، لأنها إن جاز أن تؤثر في عامة الناس أو في غير ذوي النظر من الأطباء أو المرضى، فإنها ستعرض في نهاية المطاف على أساتذة في الفقه أو الطب لهم في تخصصاتهم قدم راسخة، يزنون كل رأي بل كل كلمة? وربما كل حرف، بموازين دقيقة.
تحديد الموت
والأمر هين عندما يحدث الموت في الظروف التي اعتدنا أن نشاهدها في بعض أقاربنا أو جيراننا.(7/2)
إلا أنه ظهرت في علوم الطب والصراع مع الأمراض والجراحات معارف جديدة نمت وتطورت وتراكمت واستقرت على مدى سنين طويلة في مختلف بلدان العالم.
ونتج عن ذلك، فيما يتعلق بالمرض والموت، مشكلتان متربطتان ببحثنا هذا، وندوتنا هذه:
الأولى: أجهزة الإنعاش واتخاذ قرار بوقفها أو نزعها حين يعتقد الأطباء المعالجون، وفق المعرفة البشرية المتوفرة، أنه لم يعد لاستمرارها جدوى، أو قرار بنقلها من مريض لم تعد تقدم له نفعا إلى آخر يرجى أن تساعد على إنقاذ حياته.
الثانية: نقل الأعضاء; كلية أو كبد أو قلب... إلخ; من ميت إلى حي، أو من حي إلى حي بالتبرع إذا لم يهدد ذلك حياة المتبرع.
ومن الواضح أنها أمور تنشأ في ظروف تصحبها ضرورات عاجلة، أو حاجات ملحة والضرورات كما نعلم تبيح المحظورات - والحاجات أحيانا قد تنزل منزلة الضرورات.
وما أسهل وأيسر أن نغلق الباب، ونكف آذاننا وأبصارنا عن كل جديد، وننتظر حتى يتأكد موت الحي، ولكن هل نكون حينئذ قد أدينا واجبنا، وقمنا بما يوجبه علينا فرض الكفاية، الذي نقوم به نيابة عن الأمة جميعها؟
إن الأطباء يعملون، ويبحثون ويجتهدون وقد وضعوا نصب أعينهم قول الله تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا..}.(4)..
وما أحسن ما نقله إلينا في ندوة سابقة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي من قول سفيان الثوري رضي الله عنه: «الفقه هو الرخصة عن ثقة.. أما التشدد فيحسنه كل أحد».
تعارض المصالح:(7/3)
ولم يزل الأطباء، من قبل أجهزة الإنعاش ومن قبل زرع الأعضاء، يتعرضون لمواقف صعبة، تقتضيهم اتخاذ قرارات عاجلة في أمور تتعلق بالحياة والموت، وقد تختلف فيها الآراء، وتتعارض فيها المصالح، كما يحدث في الحوادث والكوارث والحروب، عندما يحال إلى المستشفى في وقت واحد عدد من المصابين أو الجرحى أكبر من عدد الجراحين وغرف العمليات، فمن يعالج أولا؟ الذي وصل أولا، أو الأشد خطورة، أو من يستغرق علاجه وقتا أقصر حتى نتمكن من علاج غيره، أو من نعتقد أن احتمال إنقاذ حياته أرجى وأرجح من احتمال إنقاذ غيره.. إلخ؟
وهي مسألة معروفة في كتب الفقه عندما تتعارض مصلحتان، لا تدرك إحداهما إلا بتضييع الأخرى أو عندما يقع ضرران، إذا دفعت أحدهما وقع الآخر، ولا بد من اختيار..
والقرار يتخذ حينذاك باجتهاد بشري، وفق ما يتوافر، في ذلك الوقت وذلك المكان، من خبرة أو إمكانات، وقد يظهر فيما بعد خطؤه أو صوابه. ولكن لا بد من اتخاذه على خير وجه مستطاع.
والآن إلى أي الآراء انتهت الندوة السابقة؟
1 ـ وضح للندوة بعد عرض الأطباء أن تشخيص موت جذع المخ هو المعتمد عليه عندهم في تشخيص موت الإنسان، وتشخيص موت جذع المخ له شروط واضحة، بعد استبعاد الحالات التي يشتبه في إمكان علاجها، وإن في وسع الأطباء إصدار تشخيص مستقر يطمأن إليه بموت جذع المخ.
2 ـ واتجه رأي الفقهاء بناء على هذا العرض إلى أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة هي موت جذع المخ يعد قد استدبر الحياة، وأصبح صالحا لأن تجرى عليه بعض أحكام الموت قياسا، مع فارق معروف، على ما ورد في كتب الفقه خاصا بالمصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح، وتوقفوا في إجراء بقية أحكام الموت عليه.
3 ـ كما اتفق الرأي على أنه إذا تحقق موت جذع المخ جاز حينئذ وقف أجهزة الإنعاش الصناعية.(5)..
هل من جديد؟
فهل جد من المعارف الطبية ما يجعل الأطباء والفقهاء ينقضون هذه الآراء؟(7/4)
إن تعريف الموت بأنه «الزوال التام الدائم والأكيد لكل علامات الحياة من جميع أجزاء الجسم».(6). لم يعد يستقيم مع الحقائق الثابتة حاليا، فلو تبرع إنسان سليم بأحدى كليتيه، وزرعت في مريض بالفشل الكلوي ثم حان أجل السليم ودفن في قبره، واستمرت كليته تؤدي وظيفتها في جسم المريض هل نمسك عن اعتبار المتبرع ميتا لأن أحد أعضائه حي؟ ويقال مثل ذلك عن الخلايا التي تؤخذ من إنسان، ونستزرعها في أطباق في المختبر، يموت صاحبها وتستمر هي في الحياة منتجة جيلا بعد جيل، ويمكن الاستطراد في الأمثلة المشابهة..
أما عن القول بأن الأيض (الاستقلاب أو التمثيل الغذائي) هو أكثر علامات الحياة وضوحا.(7). فنقول نعم: حياة الخلية أو حياة النسيج أو حياة العضو، وليس حياة الإنسان.
ويضيف الدكتور رؤوف سلام: ليس صحيحا أن تعريف الموت «هو توقف القلب والتنفس» ولكن الصحيح أن هذا التوقف من وسائل التعرف على الموت.(8)..
فهل يمكن من الناحية العلمية أن يقال هذا عند حدوث موت جذع المخ؟
حقيقة أو وهم
لقد كفانا الأستاذ الدكتور مختار المهدي الرد على القول بأن موت جذع المخ مجرد مفهوم تبناه بعض المختصين.. إلخ وليس حقيقة.(9)..
وسواء كان حقيقة أو مفهوما فإنه عند حدوثه بشرائطه المحددة يصبح من المؤكد أن الإنسان قد استدبر الحياة إلى غير رجعة.
ولم يتقبل الأطباء بسهولة هذه الحقيقة إلا بعد سنين طويلة من التحري والبحث والتمحيص والمراقبة، وفي سنة 1976 انعقد في بريطانيا المؤتمر المشترك للكليات الطبية الملكية وحدد الشروط الواجب توافرها لتشخيص موت جذع المخ، وأصبحت بعد ذلك تعليمات قائمة من السلطات الصحية البريطانية إلى الأطباء العاملين في المملكة المتحدة.
وأجريت بعد ذلك دراسات للتأكد من صحة هذه الشروط.(10).:(7/5)
فتمت مراجعة ملفات سبعمائة حالة تم فيها تشخيص موت جذع المخ، ولكن أجهزة الإنعاش لم توقف لسبب أو لآخر، فوجد أن الحالات جميعها ماتت (موتا أكيدا بأي مقياس من المقاييس المختلفة)، إذ توقف القلب بعد ساعات أو أيام قليلة رغم استمرار الأجهزة، ولم تعد حالة واحدة منها إلى الحياة رغم كل الجهود [فهل نعد موت جذع المخ موتا وإن استمرت بعض الأعضاء حية، كما نعد توقف القلب موتا وإن استمرت بعض الأنسجة حية]؟
ثم أعيد النظر في الموضوع من زاوية أخرى: روجعت ملفات ألف حالة أدخلوا إلى المستشفيات في حالة غيبوبة عميقة إثر إصابة بالغة بالرأس، وتمت معالجتهم، وكانوا جميعا أحياء عند إجراء الدراسة، أي بعد ثلاثة أشهر من إصابتهم، وكان هدف الدراسة الإجابة عن سؤال واحد «هل كان من الممكن أن يشخص موت جذع المخ في أي من هذه الحالات؟» ولم يجد الباحثون حالة واحدة من الحالات الألف استوفت شروط هذا التشخيص حتى في أسوأ مراحل الإصابة [فإذا اتضحت صحة التشخيص فيمن ماتوا، ولم يقع التشخيص خطأ فيمن عاشوا (أكثر من ألف حالة)، فهل يكون ذلك دليلا مقنعا على أنه تقدير صحيح، وأنه تشخيص يطمأن إليه]؟
تفاوت الشروط(7/6)
ما ذكر في الأبحاث المقدمة من الاختلاف حول تشخيص موت جذع المخ والشروط اللازمة لذلك، من بلد لآخر، أو من ولاية لأخرى في البلد نفسه، ليس في الواقع غير تفاوت في وسائل درجات التأكد من توافر هذه الشروط، مثل الزيادة المطلوبة في نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، عند فحص إمكان عودة التنفس الطبيعي للمريض، أو اشتراط أو عدم اشتراط إجراء رسم كهربائي للمخ، أو التصوير الشعاعي لشرايين المخ، أو إعادة هذه الإجراءات مرة أو أكثر عند الشك بعد 6 ساعات أو 12ساعة... إلخ، أما الشروط الأساسية نفسها فلا خلاف عليها، [وأما القول بأن هذا الاختلاف يعني أن الشخص الواحد يمكن أن يعد حيا في ولاية ويعد ميتا في ولاية أخرى، وبالتالي نرفض فكرة موت جذع المخ من أصلها]، فهذا لعمري منطق أشبه بمنطق ابن الرومي في تعليقه المشهور على الخلاف الفقهي بين الحجازيين والعراقيين حول شرب النبيذ:
أحل العراقي النبيذ وشربه ... ... ... وقال: حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي: الشرابان واحد ... ... فحل لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... ... ... وأشربها ما فارق الوازر الوزر
أدلة مرفوضة
نشر تقرير في مجلة طبية بعنوان: «متلازمة جويان باريه Guillain Barre شخصت خطأ موت جذع المخ»، (وهو مرض قابل للشفاء) وعندما نتجاوز العنوان إلى ما بعده نجد الكاتب يقول: «كان من الممكن أن نشخص الحالة خطأ كموت لجذع المخ. لولا كذا وكذا..?»? ثم يضيف بعد ذلك أن الحالة لم تستوف الشروط اللازمة لتشخيص موت جذع المخ; أي أن التشخيص لم يقع والخطأ لم يحدث!».(11)..
وبهذا يكون هذا التقرير شاهدا على صحة الشروط المذكورة وإن كان قدم لندوتنا للاستدلال به على عكس ذلك.(7/7)
ومن أهم هذه الشروط أن يكون المريض في غيبوبة عميقة ناتجة، «بغير شك»، عن تلف بالغ بالمخ، غير قابل للعلاج، وسببه معروف، (مثل إصابته بالرأس أو نزيف بالمخ أو عمل جراحة بالمخ.. إلخ)، مع استبعاد أسباب بعينها (لأنها قابلة للعلاج) أي أنه إذا لم يعرف السبب أو كان قابلا للعلاج فإنه لا يتم تشخيص موت جذع المخ، بل لا يوضع أصلا في الحسبان، ولا تجري فحوص للتأكد من حدوثه.
الغيبوبة
ونعود هنا إلى موضوع الغيبوبة الذي يعاد ترديده، إن الغيبوبة طالت أو قصرت، واستعادة الحياة بعدها ليست شاهدا على شيء مما نناقشه، لأن الغيبوبة شيء غير الموت وغير موت جذع المخ، نعم هي مجرد شرط من الشروط الواجب توافرها قبل الحكم بموت جذع المخ بجانب شروط أخرى، ولكنها قد تحدث في إنسان لا اختلاف على حياته.
وقد تكرر هذا الإيضاح في كل الندوات والمؤتمرات، في بلادنا وفي غيرها، ومن حق الإخوة غير الأطباء وبصفة خاصة الفقهاء، أن يعيدوا السؤال والاستفسار والاستيضاح حتى تطمئن قلوبهم، ولكن المستغرب أن يتكرر شيء من ذلك من أحد الأطباء، وهي حقيقة طبية يتوقع ألا يغفل عنها طبيب، وأغرب من ذلك أن يكون نقلا عن جريدة سيارة.
وللصحافة دور هام أشار إليه الدكتور مختار المهدي في بحثه - وذلك على المستوى الإعلامي، وليس على المستوى العلمي، والصحافة نفسها لا تزعم ولا تحرض على أن تكون أخبارها على مستوى الدليل العلمي في قضية من القضايا.
تجربة حاسمة(7/8)
ربما كفانا كثيرا من النقاش، التجربة المثيرة التي أجراها أستاذان يهوديان في إحدى جامعات نيويورك، أتيا بشاة حامل قريبة من وقت الوضع، ثم فصلا رأسها عن جسدها، وأوصلا الجسد بجهاز التنفس لحفظ الأعضاء حية، واستمر قلبها ينبض وضغط دمها في الحدود الطبيعية لساعات عدة، ثم أجريت عملية قيصرية، استولدا بها حملا حيا.. وأظهرا بذلك أن القلب النابض أو الجنين الحي ليسا دليلا على الحياة إذا كان الجسد يعتمد على جهاز التنفس الصناعي.(12)..
وهذه التجربة تجاوزت بكثير ما كنا نفعله عند أول التحاقنا كطلبة بكلية الطب، ندخل مختبر وظائف الأعضاء، ونأخذ حيوانا صغيرا، نقطع نخاعه الشوكي حتى لا يحس، ثم ننزع القلب من الجسم فنضعه في محلول يوفر له شيئا من الغذاء وشيئا من الهواء فيستمر القلب في النبض، وننزع عضلة متصلة بعصب، نثبت أحد طرفيها على لوحة، ونربط الطرف الآخر بخيط ينتهي إلى ريشة تكتب على شريط متحرك، وننبه العصب أو العضلة بتيار كهربائي ضئيل فتنبض العضلة وتكتب الريشة.
ونخلص إلى أن الشبهات والاعتراضات التي أثيرت لم تغير من صحة هذه الشروط فهي لا زالت قائمة.
وقف أجهزة الإنعاش
لا يرى السادة الفقهاء مشكلة في ذلك فأي إجراء علاجي يغلب على ظن الأطباء أنه لا يحقق نفعا للمريض، فلا داعي لاستمراره.(14)..
ومن هنا كانت توصية الندوة السابقة بجواز وقف الأجهزة إذا تم تحقق موت جذع المخ.
ونأتي الآن إلى زراعة الأعضاء
نقل الأعضاء لا يتم عادة إلا في ظروف تنطبق عليها أحكام الضرورة، لإنقاذ حياة مريض، وإذا وجد البديل فلا نقدم عليها، ونعلم أن الضرورات تبيح المحظورات.
أما في حالات ترقيع القرنية فلا ضرورة; لأن الحياة غير مهددة بصفة مباشرة، وإنما تجرى لحاجة هي استعادة البصر، ونعلم كذلك أن الحاجات قد تنزل منزلة الضرورات.(7/9)
فإذا كنا قد توصلنا إلى إقناع السادة الفقهاء بأن من وصل إلى حالة موت جذع المخ قد استدبر الحياة إلى غير رجعة، وأصبح في حالة تشبه حركة المذبوح، وإذا كنا أجزنا (فقهيا وطبيا) وقف أو نزع أجهزة الإنعاش إذا غلب على الظن أنها لم تعد تجدي نفعا في علاج المريض، ونحن نعلم أن وقفها يتبعه على الفور توقف القلب والتنفس (أما استمرارها فلا يمنع توقف القلب بعد ساعات أو أيام قليلة)، فهل يمكننا - في ضوء الضرورة - بدلا من إيقافها عند تشخيص موت جذع المخ - أن نتركها تعمل حتى نتمكن من أخذ أعضاء ممن استدبر الحياة بغير رجعة لننقذ بها حياة مريض آخر؟
هذا سؤال نترك الإجابة عنه للسادة الفقهاء.
وأكرر هنا ما ذكرته في الندوة السابقة: أن الأطباء لا يستعجلون وقف الأجهزة بهدف أخذ عضو أو أكثر للزراعة، بل العكس هو الذي يحدث، بمعنى أنهم عندما يشخصون موت جذع المخ، يؤجلون وقف الأجهزة، حتى يتاح لوليه أن يفكر في روية ويقرر في غير عجلة الموافقة على أخذ أعضاء، إذا شاء، مع المحافظة على صلاحية الأعضاء للزرع خلال مدة التأجيل.
جرائم
ونحن في هذه الندوة لا نتحدث عن القتل ولو كان قتل المرحمة Euthanasia? ولا نتحدث عن المثلة، ولا نتحدث عن تجارة الأعضاء من الأحياء أو الأموات، ولا نتحدث عن استئجار نسوة يحملن ثم يسقطن حملهن ليستفاد من أعضاء الأجنة، أو للتجارة فيها.
فهذه جرائم نتخذ حيالها الإجراءات اللازمة، وفي الفقه الجنائي متسع لذلك.
أضرار محتملة
كما أننا لا نتحدث عن الأضرار التي قد تصيب الحي الذي يتبرع بعضو من أعضائه، أو المريض الذي تلقى عضوا من حي أو من ميت، فلو لم ترجح الفائدة احتمال الضرر لما أقدم عليها أحد.(7/10)
ولم نسمع أن أحدا طلب أن يلغى من قاموس الطب والأطباء العقاقير المخدرة، أو عقار البنسلين أو الأسبرين، بحجة أن الأولى قد تسبب الإدمان وسوء استغلالها واسع الانتشار، والثاني يسبب حساسية تؤدي أحيانا إلى الصدمة والوفاة، والثالث قد يؤدي إلى قرحة ونزيف من المعدة، ولا يزال مئات الملايين من البشر يجنون فوائد صحية جمة من هذه العقاقير.
ولنتذكر أن الغلو في التخوف من الأضرار بلغ بأمة من الأمم، في مرحلة من مراحل تاريخها، أنها وأدت بناتها خشية العار، ولولا رحمة من الله وفضل، وآيات حاسمة في كتابه الكريم، لأوشكت بعض المجتمعات المعاصرة أن تقترب مرة أخرى من هذا المنكر الكبير.
وقد نهينا عن الغلو في الدين {لا تغلوا في دينكم}.(15). «ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه».(16).، ونصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقبل من الله عافيته «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا: وما كان ربك نسيا».(17)..
ملخص البحث
1 ـ تحديد الموت اجتهاد بشري يتغير بتغير المعرفة البشرية.
2 ـ موت جذع المخ يمكن تشخيصه وفق شروط واضحة يُطمأَن إليها.
3 ـ ما أثير من اعتراضات وشبهات لا يغير هذه الحقيقة بل زادت الثقة بها على مر السنين.
4 ـ وافق الفقهاء على أن هذه الحالة تشبه حركة المذبوح في كتب الفقه.
5 ـ إقفال أجهزة الإنعاش على من وصل إلى هذه الحالة لا اعتراض عليه.
6 ـ نقل الأعضاء يتم عادة في ظروف تنطبق عليها أحكام الضرورة.
7 ـ السؤال المطروح على الفقهاء هو: ما دمنا قررنا وقف الأجهزة (ويتبعها فورا توقف القلب) فهل نستطيع أن نأخذ بعض الأعضاء لزراعتها قبل هذا الوقف؟
8 ـ احتمال سوء الاستغلال، أو تجاوز القانون والشريعة، لا يعني الحكم بعدم الجواز بل يدعو إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ذلك? دون أن نحرم الناس من الاستفادة بما هو جائز أو واجب.(7/11)
الكويت أكتوبر 1996
الهوامش
(1)ندوة «الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي» الكويت يناير 1985.
(2)سورة البقرة آية 286.
(3)البخاري ومسلم «رياض الصالحين» رقم 224.
(4)سورة المائدة آية 32.
(5)ندوة الحياة الإنسانية.. ص677، 678.
(6)التعريف العلمي الطبي للموت - رؤوف سلام 1996 ص10.
(7)التعريف العلمي الطبي للموت - رؤوف سلام 1996 ص3.
(8)التعريف العلمي الطبي للموت - رؤوف سلام 1996 ص10.
(9)مفهوم وفاة الإنسان... مختار المهدي 1996 ص9، 10.
(10)Jennt B. & al. (Ternet Boal) 1981, B.M.J. 282, 533-34.
(11)T. Hassann & C. Mumford, Post Graduate Med. J. 1991, 67280-281.
(12)Tendler & Shafren. Proceeding of the 1st International Symposium on Brain Death, Itawa, Havana, Coba, Sept. 1992, p.22.
(13)David Bates Medicine International April, 1996, Page. 51.
(14)ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها (الأساتذة الدكتور القرضاوي ص524 والأشقر 624 - وبدر عبدالباسط 626).
(15)سورة المائدة آية 77.
(16)حديث شريف رواه البخاري - رياض الصالحين رقم 149.
(17)حديث شريف رواه الحاكم وصححه البزار.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكرا للدكتور عصام الشربيني لهذا العرض الواضح، والبحث التالي للدكتور محمد علي البار فليتفضل:(7/12)
نهاية الحياة الإنسانية
الدكتورة أسمهان فرحان الشبيلي
استشاري أمراض الجهاز العصبي
مستشفى ابن سينا
مقدمة:
منذ القدم وحقيقة الموت والحياة تشغل بال المفكرين والمنظرين في الحضارات والمجتمعات المختلفة. وإن تعامل الإنسان مع ظاهرة الموت بطقوس اختلفت باختلاف المعتقدات والحضارات والأزمنة.. إلا أن مفهوم الموت لم يتغير عن كونه «نهاية» لرحلة الحياة.. ولكن بقي كنه هذه النهاية غامضا.
وحتى وقت قريب ورغم ضلوع العلم والطب في تأكيد الوفاة إلا أن تقدير الطبيب ونظرته للموت لم تختلف عن تقدير باقي مجتمعه. وكان غياب التنفس وتوقف القلب وبرودة الجسد وتوقف الحركة هي العلامات المتعارف عليها للموت، إلا أنه مع تقدم العلوم الطبية تقدما سريعا ومذهلا (وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين) ظهر الكثير من الدراسات والأبحاث التي تهتم بدراسة ظاهرة الموت ومحاولة إيجاد مفهوم دقيق متفق ومتعارف عليه للموت.. وإن كان الميل في البداية لاعتماد توقف القلب شرطا أساسيا وعلامة رئيسة للموت، إلا أنه في نهاية الخمسينيات قام طبيبان فرنسيان (وبالتحديد سنة 1959) باستخدام مصطلح «الموت الدماغي» لأول مرة واعتماد توقف الأنشطة الدماغية ككل وبلا رجعة سببا رئيسا لموت الإنسان أو الكائن الحي، وقد اخترنا في ورقتنا هذه أن نناقش موضوع «نهاية الحياة الإنسانية» لما له من أهمية علمية وشرعية في وقتنا هذا. فانتشار جراحة زراعة الأعضاء وأهمية الحصول على الأعضاء اللازمة وفي التوقيت المناسب زاد من أهمية تحديد لحظة الموت وتوقيته بدقة شديدة.(8/1)
بالإضافة إلى ذلك.. فإن التكاليف العالية (الفلكية) للحفاظ على المرضى في حالة «انعدام الوظائف الدماغية» في وحدات العناية المركزة يدعونا للاهتمام أيضا بتحديد الموت وعلاماته، لما لها من آثار اقتصادية. وكذلك لا يمكن تجاهل الضغوط النفسية والاجتماعية الشديدة التي يتعرض لها أقرباء المتوفى دماغيا عند استمرار التعامل معه ككائن حي.
المخ ودوره في الحياة الإنسانية :
إن جسم الإنسان الحي يتكون من وحدات أساسية هي الخلايا التي تختلف خصائصها حسب دورها الوظيفي. فخصائص الخلية الحية وكذلك برمجة أعمالها تتحدد بمحتوى نواتها من المادة الوراثية، وهذه الخصائص الموروثة منذ بدء الخلق تساعد الخلية على أن تؤدي وظيفتها أولاً وأن تتفاعل مع باقي الخلايا والأنسجة بصورة تضمن الإنسجام والتوافق في عمل الأنسجة والأعضاء. وخلايا الجسم في حالة تجدد مستمر (موت واستبدال) ما عدا الخلايا العصبية التي فقدت القدرة على التجديد، إلا أنها تقوم بأهم الأعمال في جسم الإنسان، فهي تشبه وحدات كهربائية صغيرة تستقبل وتترجم الأحاسيس المختلفة من أجزاء الجسم المختلفة وتولد ردود الأفعال المناسبة لها، وهي تشبه بعملها هذا عمل الحاسب الآلي أو الكمبيوتر الذي يقوم بالسيطرة على وتحديد عمل كل أجزاء الجسم.
مكونات الجهاز العصبي:
أ ـ الجهاز العصبي المركزي الذي يتكون من:
1 ـ فصي المخ الرئيسين.
2 ـ جذع المخ.
3 ـ المخيخ.
4 ـ الحبل الشوكي.
ب ـ الأعصاب الطرفية (مستقبلات الحس وموصلات الحركة)
ولنتناول بالنقاش دور جذع المخ والمخ نظراً لأهميتهما البالغة في تنظيم مظاهر الحياة الإنسانية.
أولاً:(8/2)
فجذع المخ يعد الجزء الأساسي في المخ والذي لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونه، فهو يحتوي على مراكز التنفس والنبض وتنظيم ضغط الدم كما أنه يحتوي على ما يسمى بالتكوين الشبكي (Reticular Formation) والذي ثبت منذ زمن ليس بقصير بأن له دورا حيويا في الحفاظ على الوعي أي (اليقظة).
فتعطل المنطقة الوسطية المحتوية له في جذع المخ ينتج عنها غيبوبة عميقة وطويلة. وهذا التكوين الشبكي يمتد إلى مساحات واسعة في فصي المخ ويؤثر على عمل قشرة المخ ويولد التنبيه (Allerting Mechanism) وميكانيكية الوعي. أما فصي المخ فهما المسؤولان عن محتوى هذا الوعي بما فيه من إدراك وتفكير وعواطف وذاكرة وصفات شخصية... الخ.
ثانيا:
هناك دلائل علمية على أن أهمية جذع المخ تتجاوز أيضا ما سبق، إلى التأثير على الوظائف الفسيولوجية للمخ كامتصاص فصي المخ الرئيسة للأوكسجين وكمية الدم المتدفق إليهما.
ثالثا:
وكل ما يصل إلى فصي المخ من إشارات حسية عصبية أو يخرج منه من إشارات عصبية حركية لا بد أن يمر عبر جذع المخ ليصل إلى مبتغاه.
رابعا:
وكذلك فإن كل الأعصاب الدماغية الاثني عشر (ما عدا الأول للشم والثاني للفظ) تتوحد مراكزها ونواها في جذع الدماغ.
ومما سبق نستنتج أن جذع المخ هو الجزء الحيوي اللازم لتشغيل جهاز الوعي والإدراك أو أجهزة التنفس والقلب وكل الأعصاب الحسية والحركية، وبإصابته أو موته تبدأ سلسلة «الموت» بفقد الوعي واليقظة ثم توقف مظاهر الحياة الأخرى من تنفس ونبض وعمل فصي الدماغ. وإن استمرت بعضها في العمل فترة قد تقصر إلى لحظات أو تطول لأيام فإنها تفقد أي عمل ذي معنى وتنتهي إلى التوقف.
العلامات السريرية لوفاة جذع الدماغ:
1 ـ وجود المريض في غيبوبة عميقة وعدم استجابة المريض للتنبيه بالألم بأية صورة من الصور وفقدان الحس والحركة.(8/3)
2 ـ توقف التنفس التلقائي ويمكن الكشف عن ذلك (خاصة وأن هؤلاء المرضى على أجهزة التنفس عادة) بفصل المريض عن جهاز التنفس لمدة 10 دقائق بعد 100% Oxygen إعطائه الأكسجين ثم ملاحظة عدم قدرته على بدء أي محاولة ذاتية التنفس.
3 ـ اتساع بؤبؤ العين وعدم استجابته للمؤثرات الضوئية.
4 ـ غياب انعكاس القرنية.
5 ـ غياب الانعكاس العيني الدماغي Oculocephalic) ).
6 ـ غياب اهتزاز (ترؤرؤ) العين نتيجة الفحص الحراري الأذن (Caloric Test) ).
ويمكن عند وجود الشك في العلامات السريرية إجراء فحوصات أخرى للتأكد من غياب عمل المخ وجذع المخ مثل:
1 ـ تخطيط المخ (اختفاء الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ).
2 ـ Evoked Potentials
3ـ توقف الدورة الدموية للمخ عن طريق الأشعة الملونة للشرايين أو الفحوصات بالنظائر المشعة، أو أجهزة التردد الصوتي. Angio DSA,Technician, Duppler, MRI, CT + Xenon
وتقبل العلامات السابقة مع التأكد من أن المريض لا يخضع لتأثير أية أدوية مخدرة أو غيرها - مما يؤثر على الوعي - أو يعاني من برودة شديدة (Hypothermia)، أو مصاب بالتهاب شديد في الأعصاب يمنع الحركة تماما أو التعبير حتى بحركة العين (متلازمة جيليان باري).
ولكن ما هي أسباب وفاة المخ:
قد تنتج وفاة المخ عن إصابات شديدة للرأس وكسور في الجمجمة أو تجمعات دموية ونزف أو أمراض خبيثة (أورام) أو نقص حاد في الأكسجين أكثر من 4 دقائق والذي يسبب تلفا مباشرا وسريعا لقشرة فصي المخ أكثر مما يؤثر على جذع المخ.(8/4)
ومع ما قد يبدو للمستمع من أن الأمور أصبحت واضحة وجلية وأن الجميع متفق على أنَّ «الموت الدماغي» هو الموت الحقيقي، إلا أن هناك الكثير من التحفظات التي يبديها الكثيرون سواء من ناحية شرعية أوطبية أو حتى فلسفية. فمع الاتفاق على التعريف السابق للموت ظهرت الكثير من الأوراق والتقارير العلمية عن حالات لا تنطبق عليها شروط الموت الدماغي تماما. مثل الحركات التلقائية للأطراف (بصورة مبسطة أو معقدة)، وكذلك استمرار النشاط الدماغي الكهربي في تخطيط المخ، وكذلك استمرار النشاط الهرموني حتى بعد إعلان موت المريض دماغيا لفترات قد تطول أو تقصر.
ولنتناول أولا الحركات التلقائية للأطراف:
فإنه من المعروف أن النخاع الشوكي يملك القدرة على توليد انعكاسات حركية أو حتى حسية (المثانة) بدون أن تصل الإشارة العصبية بكاملها لفصي الدماغ (والذي يمارس دور المنسق والمتحكم النهائي). وبانقطاع الصلة بين المخ وجذع المخ مع الحبل الشوكي كله أو بعضه بعد الإصابات المباشرة له يغيب دور المنسق الرئيسي (المخ) ويترك الأمر للحبل الشوكي لزيادة هذه الانعكاسات، (وهي لا إرادية). وقد أجري العديد من الدراسات على هؤلاء المرضى بتسجيل الإشارة الكهربائية العصبية الصادرة Somato Sensory evoked Potentials في مستويات مختلفة من المخ والحبل الشوكي، وتبين أن هذه الحركات مصدرها الحبل الشوكي فقط ولم يتم تسجيل أي نشاط كهربائي أعلى من مستوى (التقاء جذع المخ بالحبل الشوكي) مما يدل على غياب دور المخ في توليد هذه الحركات وعدم صحة الاستنتاج القائل بأن هؤلاء المرضى يوجد عندهم نشاط دماغي.
ثانيا:(8/5)
أما بالنسبة لاستمرار النشاط الهرموني (وخاصة هرمونات الغدة النخامية و Hypothalamus فقد خضعت أيضا لدراسات مكثفة، ورغم استمرار وجودها بمستويات تتفاوت واستجابة بعضها لفحوصات Dynamic tests لعدة أيام (حتى مع إثبات غياب الدورة الدموية للمخ عن طريق أشعة الشرايين وغيرها من الفحوصات). الأمر الذي قد يولد الانطباع بأنه لا بد وأن توجد استمرارية في الدورة الدموية لهذا الجزء من المخ إلا أنه بتحليل وتشريح هذه الأجزاء من المخ فإنه ثبت تحللها بالكامل بعد اليوم الخامس إلى السادس لظهور الوفاة الدماغية.
وقد استنتج العلماء من ذلك أن مصدر هذه الهرمونات لا بد وأن يكون غير دماغي (وقد يكون من الغدة فوق الكلوية).
ثالثا:
أما استمرار النشاط الكهربائي الصادر عن المخ ولكن مع غياب الاستجابة للمؤثرات الخارجية عند تشخيص موت جذع المخ فإن مصدر هذا النشاط هو قشرة فصي الدماغ الرئيسين، وقد يستمر هذا النشاط لمدة تصل إلى 40 ساعة، وهو نشاط وإن كان يتعارض مع مفهوم الموت الدماغي الكلي وليس موت جذع المخ فقط، إلا أننا نعلم أن موت جذع المخ لا تستقيم معه الاستمرارية في عمل فصي الدماغ.
رابعا:
وحتى وجود تغيرات في النبض وضغط الدم عند إجراء جراحة للمرضى الميتين دماغيا عند نزع الأعضاء لزرعها لآخرين فإن الأبحاث العلمية توحي بأن مصدرها أيضا ردود فعل عكسية للنخاع الشوكي عن طريق الجهاز السمبثاوي.(8/6)
وأما بعد... فإن كان هناك من لا يزال يعتقد أن القلب هو مصدر حياة الإنسان وترتبط به حياته وصفاته وأنه طالما هذا القلب ينبض فإنه يمد سائر الأعضاء وأجهزة الجسم بالحياة ولا يعد ميتا إلا إذا مات القلب وتوقف عن النبض بالحياة ونفس الإنسان تحيا وتموت مع موت القلب؟! فإن هذا الاعتقاد لا يستند إلى أساس علمي صحيح.. فالقلب يتكون من عضلة تعمل كمضخة لضخ الدم وإمداد الجسم باللازم من الأكسجين والتغذية ورغم وجود خاصية النشاط الكهربائي لعضلات القلب فإنه يتم التحكم بها أيضا عن طريق الجهاز العصبي وهذه العضلة لا يوجد دليل على أنها تحتوي على الوجود الإنساني وعقله... الخ.
ومما سبق نستنتج أن المخ هو مصدر الحياة والوجود الإنساني ومتى ما تحقق من موته تنتهي الحياة الإنسانية.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكرا جزيلا للدكتورة أسمهان الشبيلي على هذا العرض الموجز والمفيد والآن المتحدث الثالث هو الدكتور عباس رمضان فليتفضل.(8/7)
كلمة الافتتاح لمعالي الدكتور
عبدالرحمن عبدالله العوضي
رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته?
يسعدني أن أرحب بحضراتكم في بلدكم الثاني الكويت إخوة أعزاء على المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
أيها الإخوة، لقد اعتادت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية منذ إنشائها أن تتصدى للمشكلات الطبية الحديثة التي طرأت على الممارسات الطبية كنتيجة حتمية للتقدم العلمي في كل مناحي الحياة.
فعقدت العديد من الندوات، جمعت فيها أهل الطب من جهة، وعلماء الفقه الإسلامي من جهة أخرى، لتبيان مدى الحل والحرمة في كل جديد دخل عالم الطب، وتدارسنا في هذه الندوات كل الجوانب الطبية التي تحيط بهذه المشكلات بصورة علمية محايدة حتى لا يحيد الرأي الإسلامي، وظهرت الشريعة الإسلامية عملاقة شامخة لتستوعب كل المحدثات التي عرضت على أساتذة الفقه الإسلامي، وإحدى هذه الصعوبات كانت «تعريف الموت». قبل عام 1985 ظهرت هذه المشكلة على الساحة العالمية ومثلت انعطافا خطيرا في المفهوم الإنساني، حيث بدأ العلماء في الغرب يبحثون طرق تشخيص الموت، خاصة في موتى الحوادث، وقرار إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي بعد أن يصبح الجسم الإنساني معتمدا عليها ولا يمكن أن تستمر فيه الحياة من دونها، وبدأت الساحة العالمية تتساءل في قلق شديد: هل يؤخذ بالمفهوم السابق وهو خمود كل أعضاء الجسم أو يؤخذ بموت جذع المخ رغم وجود بعض مظاهر الحياة وخاصة في القلب والرئتين؟
وأدلى كل فريق بدلوه، وظهرت الأبحاث الكثيرة، ولم تتوقف الأبحاث حتى الآن، وظهرت بروتوكولات عديدة لعل أشهرها هلسنكي ومنوسوتا وهارفارد ونوتنجهام وهافانا وسدني وكثير غيرها، وبدأ كل بلد يأخذ ما يراه مناسبا له لاستصدار شهادة الوفاة.(9/1)
وظهرت الآراء العقائدية المختلفة; فاليهودية أدلت بدلوها، والجماعات المهتمة بالأخلاقيات الطبية عبرت عما تقتنع به، وغاب الرأي الإسلامي عن هذا الموضوع المهم والحيوي. وكان لا بد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن تتصدى للمشكلة، فدعت الأطباء والفقهاء لندوة للاستماع والبحث والمناقشة، وكانت من أصعب الندوات في تاريخ المنظمة; لأن المشكلة تتمثل في أن الظاهر يخالف الواقع، فكيف تصدر شهادة وفاة بذلك؟ والفقيه بطبيعته حساس تجاه مثل هذه المسائل، لأنه يخشى أن يصدر حكما بالقتل على إنسان حي، ومن ثم فهو يأخذ دائما بالأحوط، ولكن سعة الأفق ورحابة الصدر بين الطرفين كانت الوسيلة المثلى لما يجب أن يكون عليه الاجتهاد الجماعي، فلم يعد لدينا لا الفقيه الموسوعي ولا الطبيب الموسوعي مثل ابن رشد الفيلسوف المشهور صاحب الكليات في الطب وبداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، والذي قيل عنه «كان يُهرع لفتواه في الطب كما كان يُهرع لفتواه في الفقه» لذلك كان الحوار ساخنا في كل الأوقات، والجميع يسعى إلى الحقيقة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وصدرت التوصيات في هذا المجال، وأعمال الندوة خير شاهد على هذا.
وعند دراستنا لهذا الموضوع لم تكن زراعة الأعضاء آنذاك تطرق الأبواب، بل إن المنظمة درست موضوع زراعة الأعضاء بعد هذا الموضوع بأربع سنوات.
بعد هذه المقدمة التي أردت أن تكون بسيطة مختصرة عن نشاط المنظمة في هذا المجال، أحب أن أضع أمامكم الأمور الآتية:(9/2)
أولا: نحن جميعا في هذه القاعة فريق واحد يبحث عن الحقيقة، قد تختلف وجهات النظر حول الموضوع، ورغم أن هذه الاختلافات ظاهرة إنسانية فإنني أرجو ألا تكون سببا للخلاف بيننا وألا تفسد للود قضية، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون» والإمام مالك رضي الله عنه يقول: «كل واحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر» وكان يشير إلى قبر سيد البشر رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا: إن أهم ما تبحث عنه المنظمة هو المصالح المرسلة التي حددتها الشريعة الإسلامية في مقاصدها الخمسة: «حفظ الدين والنفس والمال والنسل والعقل»، فكيف تحفظ هذه المقاصد بحياة عليلة سقيمة؟!
ولن تستقيم حياة الأمة إلا إذا كانت قوية معافاة صحيحة. وهذه لن تتأتى إلا بأمرين اثنين: الإيمان القوي، والعلم النافع. والعلم الذي أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف أن نطلبه ونسعى في طلبه هو العلم الذي يعود على البشرية بالخير والنفع، وقرآننا فيه ما يزيد عن خمسمائة آية تحثنا على طلب العلم وتفرضه علينا، وقد وصف الإمام الشافعي الطب بصفة خاصة فقال: «لا أعلم علما أنبل ولا أشرف من الطب غير العلوم الشرعية».
ثالثا: نحن مطالبون بالبحث العلمي والتغلب على مشكلاتنا الصحية، إلا أن عجلة البحث العلمي قد توقفت في بلادنا، وأصبحنا عالة ومستهلكين لكل التقدم العلمي، وضاعت فرص كثيرة على العالم العربي والإسلامي في التنمية لو كان بدأها لحصدنا نتائجها اليوم، وسنواجه بأخطر ما ووجهت به الأمة وهو اتفاقية الجات، ليضيع ما بقي لدينا من مؤسسات علمية بسيطة.
رابعا: إن هذا التقدم في العالم يدق أبواب بلادنا شئنا أو أبينا، فكان علينا أن نتدارس كل هذه الأمور بما يتوافق مع تعاليم شريعتنا، فإن جاءت متطابقة مع إسلامنا قبلناها وإن كانت غير ذلك رفضناها.(9/3)
خامسا: الموضوع الذي نحن بصدده اليوم «تعريف الموت البشري» موضوع خطير لأنه يمس كيان الإنسان من حيث هو إنسان، ورغم أن المنظمة عقدت ندوة فقهية طبية عام 1985 بهذا الخصوص، فإنها آثرت أن تعقد هذه الندوة بحثا عما استجد على الساحة العالمية، وقررت أن تؤجل انعقادها إلى ما بعد مؤتمر سان فرانسيسكو في الفترة ما بين 17-19 من نوفمبر 1996م الذي شارك فيه ثلاثة مندوبين عن المنظمة للاطلاع على أحدث ما وصل إليه العلم في هذا المجال ولتزويد ندوتنا هذه بما شاهدوه وسمعوه بكل الصدق والأمانة. والتقرير بين أيدي حضراتكم لتكونوا على بينة من أحدث الأبحاث في هذا المجال، ولن أعلق عليه لكي لا يعد هذا مصادرة للآراء، وسأترك لحضراتكم مناقشة الأبحاث التي بين أيدينا لنصل في النهاية إلى قرار واضح وصريح.
سادسا: إن المشكلة مشكلة مهنية بحتة، والأمانة تقتضي أن تُعرض الآراء بأمانة وإخلاص في أي محفل أو لقاء، لأن إخفاء جزء من الحقيقة جريمة أمام الله وأمام الناس، فلا غاية لنا من الوصول إلى الحقيقة سوى إرضاء رب العالمين ودفع المسيرة الصحية إلى الأمام، ومساندة عجلة التنمية لدولنا العربية والإسلامية لترتفع الهامات ويكون لنا دور في المسيرة الإنسانية.(9/4)
سابعا: مع أن ندوتنا هذه طبية - وغاب الجناح الآخر عنها وهو الفقه، ولسنا في معرض تبيان الحلال والحرام - إلا أن نتائج هذه الندوة سوف تؤدي إلى استصدار الفتوى بالتحليل أو التحريم، ولذلك يجب أن نفرق بين أمرين: الأول هو مدى الحل والحرمة في هذه الأمور الجديدة، وأصحاب القول الفصل في هذا الأمر هم علماء شريعتنا الإسلامية الغراء، أما الأمر الثاني - وهو الذي يبدو أن له السيطرة على الساحة العربية والإسلامية، والعالمية أيضاً - فهو الممارسات غير الأخلاقية، وهذان أمران مختلفان تمام الاختلاف، فهذه الأخيرة صفة بشرية، فلقد خلق الله الإنسان وخلق فيه الخير والشر، وخير ما قيل في هذا الموضوع قول رب العالمين واصفا النفس البشرية: «ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها»، وهنا نلاحظ أن الفجور جاء قبل التقوى، ولذلك فإن الخلافات في هذا المجال يجب ألا تزعجنا بل علينا أن نقومها ونواجهها بما يردعها ونصحح مسارها وأن نتصدى لها جميعا.
والانحرافات ليست مقصورة على فئة معينة ولا قطر بعينه، لكنها تمارس على امتداد العالم شرقه وغربه، فقيره وغنيه.
إن الأخذ بالتقدم العلمي ليس بدعة بل قد يكون فرض عين، فلولا مسايرتنا لهذا التقدم ما وصلنا إلى ما نحن فيه من اكتشافات جديدة في التشخيص والعلاج والدواء لإنقاذ الآلاف بل الملايين من المسلمين وغير المسلمين، ولم يفرق العلم بين فقير وغني بل الجميع سواسية.
قد تكون التكنولوجيا مرتفعة الثمن في بدايتها ولا يقدر عليها إلا الأغنياء، وبمرور الزمن يصبح كل شيء ميسراً ويستفيد منه الجميع، والأمثلة كثيرة في عالم الدواء والتشخيص والعلاج.
لذلك فإن معيار رفض أي تقدم علمي هو مدى الاتفاق والاختلاف مع الشريعة الإسلامية.
وبهذا يعيش المجتمع المسلم في ظل حضارته الإسلامية متكاملا بعضه مع بعضه الآخر.(9/5)
أدعو لحضراتكم بالتوفيق شاكرا لكم تجشمكم مشقة السفر رغم مشاغلكم الكثيرة، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على اهتمامكم وحبكم لإسلامكم ومصلحة أبناء أمتكم مهما كلفكم ذلك من مشقة.
)ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته???(9/6)
تعريف الموت
الدكتور فيصل عبدالرحيم شاهين
مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء - الرياض
مقدمة:
من التقدم الطبي في مجال تشخيص الأمراض وعمل الدماغ وقياس وظائفه (تصوير طبقي، تصوير شرايين المخ، تصوير بالنظائر المشعة، قياس التغيرات الكهربية في تخطيط الدماغ)، ومن التقدم في وسائل الإنعاش والتقدم في مجال زراعة الأعضاء برزت مسألة تحديد علامات الموت إلى الواجهة العلمية والشرعية.
تعريف:
الدماغ = المخ + المخيخ + جذع الدماغ + البصلة السيسائية.
مسلمات وحقائق طبية وفقهية:
1 ـ الإنسان جسد وروح. لا نعلم كنه الروح ولكننا ندرك تأثيرها في الجسد.
2 ـ الجسد الميت لا يختلف كيميائيا عن الجسد الحي على الإطلاق لا من الناحية الشكلية أو التشريحية أو حتى من خلال فحص الأنسجة (خزعة قبل الموت وخزعة بعد الموت)، والخلاف بينهما فقط في تأدية الوظائف.
3 ـ الجسد الحي تعمل جميع أجزائه تعمل على كافة المستويات، والخلية فيه تعمل وتدرك أنها ليست وحدها ولكن ليس إدراك الواعي العاقل بل إدراك برمجة بما تحتويه نواها من مورثات، وبعض هذه الخلايا دائم التجدد وبعضها لا تتجدد وحتى هذه فإن مكوناتها تتغير باستمرار.
4 ـ الغالبية العظمى من خلايا جسد الإنسان وكذلك أعضاؤه التي يحتويها الجسد لها حياتها المستقلة عن حياة الإنسان كفرد. وكحقيقة مطلقة لا ترتبط إحداها بالأخرى (مثال: يمكن زراعة بعض الخلايا أو الأعضاء خارج جسم الإنسان أو دراستها بالمعمل ولا تفقد هذه الخلايا حياتها ولكنها تستمر في حياتها الذاتية من هدم وبناء ونماء طالما توافرت لها إمكانية الغذاء المناسب.
5 ـ يمكن تعريف الإنسان تبعاً لما تقدم بأنه جسد يحتوي على خلايا وأعضاء حية تعمل بوحي ذاتي على مستوى الخلية الواحدة وعلى مستوى العضو بشرط توافر أسباب هذه الحياة ماديا بالإضافة إلى روح قد نسميها نفسا أو ذاتا إنسانية وبها يتم تحديد شخصية هذا الإنسان وفرديته.(10/1)
6 ـ يمكن استبدال أعضاء كثيرة مثل القلب والرئتين والكبد والكُلى بأعضاء أخرى إنسانية وحتى صناعية مع استمرار الذات الإنسانية وعدم تغيرها.
7 ـ هل تكمن النفس الإنسانية في دماغ الإنسان؟ حيث أنه مكان استقبال جميع الحواس من سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولاحتوائه على مخازن الذاكرة ومكان التفكير والابتكار ومكان تواجد الغرائز الموروثة والطباع والعادات والمثل المكتسبة كما أنه مصدر الأفعال المترتبة على ما يستقبله من معلومات (الدليل: تلف أجزاء محددة من المخ ينتج عنه فقد قدرات معينة).
8 ـ إن جميع الأحاسيس الواردة للمخ والأفعال الصادرة عنه تمر في جذع الدماغ وعلى الأدق نسيج داخله يسمى النسيج الشبكي والذي أثبتت الدراسات أنه المسؤول عن وعي الإنسان وهو المسؤول عن نوم الإنسان ويقظته، وإذا تعرض جذع الدماغ بنسيجه الشبكي للرضوض أو السموم أو الأمراض أو الأدوية المخدرة فإن ذلك يؤثر في وعي الإنسان. ويبدو لناأن الدماغ في الغالب هو مكمن النفس الإنسانية.
9 ـ توقف القلب يتبعه فورا فقدان الوعي وتوقف التنفس وهما وظيفتان من وظائف المخ الذي لا يتحمل توقف دورته الدموية إلا لثوان معدودة، وتتوقف الخلايا عن العمل مباشرة وتظل حية بعد ذلك لبضع دقائق فقط.
10 ـ عندما تتوقف الدورة الدموية تحرم بقية أعضاء الجسم من الغذاء اللازم لها وتحدث فيها تغيرات كيميائية تؤدي إلى موتها ولكن بتوقيت متفاوت بحيث يلي موت خلايا الدماغ موت خلايا الكبد والكلى. أما العضلات والعظام والجلد فقد تستطيع الحياة لعدة ساعات في درجة الحرارة العادية.(10/2)
11 ـ إذا أمكن إعادة الدورة الدموية خلال الأربع دقائق الأولى التي يحرم فيها الدماغ من الدورة الدموية أمكن إنقاذ حياة الإنسان. وفي هذه الفترة القصيرة التي هي بين توقف الدورة الدموية وإعادتها يعتبر الإنسان ميتاً بكل المقاييس الطبية ولكنه بالفعل لا يكون كذلك لأن الدماغ ما زال حيا. ويمكن تسمية هذه الفترة بالاحتضار ويتحتم على كل طبيب يحضر هذه الفترة أن يحاول إعادة الدورة الدموية (بطريقة الإنعاش القلبي الرئوي) وإذا لم يفعل فهو نوع من إهمال العلاج.
12 ـ قد تعود الدورة الدموية إلى العمل بطريقة الإنعاش القلب الرئوي ولكن قد يكون هنالك تأخر في البدء بها لأي سبب من الأسباب يحدث معه تلف في أجزاء كثيرة من الدماغ ومنها جذع الدماغ.
13 ـ قد يحدث تلف أيضا في الدماغ وجذعه من جراء إصابة رضّية شديدة تؤدي إلى فقدان الوعي بدرجات متفاوتة تسمى غيبوبة. وقد تصل الغيبوبة إلى فقدان وعي كامل يُسمى خطأ بالحياة النباتية أو الحياة الخلوية، ووصفه بالحياة الجسدية أدق ويعيش الإنسان مدى حياة كاملة على هذا الوضع من فقدان الوعي ويعتمد ذلك على كفاءة التمريض والرعاية الطبية وعلاج الأمراض العارضة التي قد تصيبه نتيجة الرقاد الطويل وإنسان من هذا النوع يمكن تغذيته وأهم صفاته أنه يتنفس ذاتيا ولا يحتاج بشكل مستمر ودائم لجهاز تنفس صناعي.(10/3)
14 ـ هنالك حالات تحدث فيها وفاة للدماغ بأكمله يتوقف فيه التنفس توقفا كاملا بسبب إصابة مركز التنفس في جذع الدماغ وذلك نتيجة رض مباشر أو نتيجة توقف الدورة الدموية لفترة ليست بالقصيرة. ويحتاج الشخص من هذا النوع لجهاز التنفس الصناعي وإلا لا يمكنه التنفس أبداً من ذاته. ويمكننا المحافظة على أعضاء الجسم الأخرى عند هذا النوع من الأشخاص لمدة قصيرة تمتد من عدة ساعات إلى أسبوعين أو نحو ذلك، ولا يمكن للأعضاء أن تستمر لفترة طويلة في عمليات التمثيل الغذائي وتنخفض درجة حرارة الجسم وأخيرا يتوقف القلب. ويمكن أن تسمى هذه الفترة بفترة الحياة العضوية.
15 ـ الاستنتاج مما سبق: إن توقف القلب عن العمل لا يعني بالضرورة الوفاة (فترة احتضار) كما أن استمرار القلب في العمل بعد موت الدماغ لا يعني الحياة.
هنالك علامات للموت مبكرة وهنالك علامات للموت متأخرة:
أعلامات الموت المبكرة:
- فقدان الوعي والإحساس والحواس.
- توقف التنفس.
- توقف القلب عن النبضان.
بعلامات الموت المتأخرة:
- برودة الجثة.
- تيبس الجثة.
- ازرقاق الجثة.
التعفن.
16 ـ تشخيص الوفاة الدماغية: يتم بوجود سبب واضح للأذية الدماغية مع نفي وجود تناول مادة مخدرة أو هبوط في حرارة الجسم أو صدمة دورانية أو سبب استقلالي أو غدّي وقت التشخيص. وأن يتم من قبل طبيبين اختصاصيين ذوي معرفة بكيفية تشخيص الوفاة الدماغية وأن يقوما بالفحص مرتين بفارق ست ساعات وعلامات الوفاة الدماغية هي:
1 ـ فقدان الوعي مع عدم استجابة المريض للتنبيه بالألم على أي صورة من الصور.
2 ـ فشل التنفس التلقائي نهائياً ويختبر بفصل المريض عن جهاز التنفس الصناعية لمدة عشر دقائق كاملة وملاحظة أية محاولة ذاتية للتنفس.
ويجب اتخاذ الاحتياطات التالية قبل إجراء هذا الاختبار:
أ ـ تجنب نقص الأكسجين الذي يمكن أن يتلف الدماغ بشكل أكبر.(10/4)
ب ـ تأكد بأن الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون قد وصل إلى مستوى (50-60 مم زئبقي) عند نهاية فترة فصل المريض عن المنفسة. حيث يشكل هذا التركيز منبها كافيا لمركز التنفس في جذع الدماغ إن كان هذا المركز ما زال حيا. وتتضمن خطوات إجراء الاختبار ما يلي:
أ - إعطاء المريض أكسجيناً مركزاً 100% لمدة عشر دقائق (يُزاد تركيز الأوكسجين بدون تغيير معدل التهوية).
ب - يُفصل المريض بعد ذلك عن المنفسة ويزود بالأكسجين الجاري المرطب بمقدار 6 لتر/دقيقة (100% أوكسجين) بواسطة قسطرة تمرر في الرغامى ويتأكد من أن القسطرة ليست ثخينة بشكل تسبب معه إنسداد مجرى التنفس. ويُنصح باستعمال مقياس الأكسجين النبضاني خلال فترة الاختبار.
ج - يفصل المريض بعد ذلك عن المنفسة لمدة عشر دقائق تتم خلالها مراقبة المريض لرؤية أية محاولة للتنفس. ثم تُسحب عينة دموية شريانية لقياس مستوى الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون والذي يجب أن يصل إلى أكثر من 60 مم زئبقي عند البالغين و55 مم زئبقي عند الأطفال عند نهاية فترة فصل المريض عن المنفسة. ويُعتبر اختبار انقطاع النفس إيجابياً إذا لم تكن هناك أية حركة تنفسية خلال فترة فصل المريض عن جهاز التنفس الإصطناعي (المنفسة).
3 ـ اتساع حدقتي العين وعدم استجابتهما للضوء.
4 ـ اختفاء الموجات الكهربية الصادرة عن المخ في تخطيط الدماغ الكهربي.
5 ـ توقف الوظائف الحيوية لجذع الدماغ (منعكس السعال، منعكس القيء، المنعكس الدهليزي).
6 ـ توقف الدورة الدموية للدماغ وهذه يمكن قياسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
17 ـ نجد من مقارنة العلامات المذكورة أعلاه للموت وعلامات الوفاة الدماغية أن مفهومها قد تطور مع الزمن. فلم تكن علاقة الدورة الدموية ونبضان القلب معروفة قبل المئتي سنة الأخيرة. وتشخيص الوفاة الدماغية مفهوم حديث جاء مع وجود أجهزة التنفس الصناعي ومعرفة وظائف الدماغ في النصف الثاني من القرن الحالي.(10/5)
18 ـ لا ينبغي أن تعرض للناس قضية لا يكون للشريعة حكم فيها بنص أو باجتهاد سواء كان الحكم بالفرض أو المنع أو الإباحة.
19 ـ لا يوجد نص شرعي (من القرآن أو السنة) يعرف الموت وعلاماته تعريفاً محدداً وهذا معناه أن الشارع بحكمته قد تركها للاجتهاد البشري والخبرة البشرية القابلة للتطور مع تطور المعرفة البشرية.
20 ـ علامات الموت منها ما يعرف للعامة مثل العلامات المتأخرة المذكورة أعلاه ومنها ما يحتاج إلى خبرة ودراية مثل العلامات المبكرة للموت وتشخيص الوفاة الدماغية وهنا يدخل أهل الذكر وهم الأطباء في تحمل مسؤولية تشخيص الموت.
21 ـ هنالك دراسات استقرأت حالات كثيرة لم توقف فيها أجهزة التنفس الصناعي بعد تشخيص الوفاة الدماغية وقد توقف القلب فيها جميعا بعد ساعات أو أيام وكان متوسط المدة ثلاثة أيام ونصف يوم وأقصى مدة سجلت لاستمرار القلب في النبض هي أربعة عشر يوما.
22 ـ من زاوية أخرى هنالك دراسة لأكثر من ألف حالة كان فيها رض على الرأس، وكانت الإصابة بالغة وتمت معالجتهم وكانوا جميعا أحياء وقت إجراء الدراسة، وكان السؤال هل كان يمكن أن يشخص موت الدماغ في إحدى هذه الحالات؟ فلم يجد الدارسون حالة واحدة استوفت شروط تشخيص الوفاة الدماغية المذكورة أعلاه حتى في أسوأ مراحل الإصابة. والشيء نفسه لاحظناه في المركز السعودي لزراعة الأعضاء من خلال المتابعة للحالات التي رفض الأهل فيها التبرع ولم ترفع أجهزة الإنعاش عنها.
23 ـ إن حياة الإنسان تنتهي بعكس ما بدأت به. فإذا كانت قد بدأت بتعلق مخلوق سماه الله تعالى ورسوله ( «الروح» بالبدن بناء على أمر الله وقدره فإن انتهاء هذه الحياة لا بد كائن بمفارقة هذا المخلوق للجسد الذي تعلق به. وهذا نتيجة منطقية، أصلها قاعدة السببية المتحكمة في هذا الوجود.(10/6)
24 ـ إن الروح مخلوق خلقه الله تعالى، يمكن للإنسان البحث فيه من حيث خصائصه وصفاته وأنشطته وآثاره في البدن وتأثره أو وقت تعلقه به، ووقت مفارقته له.
25 ـ هنالك اعتماد عند كثير من العلماء المسلمين على قوله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فوقفوا عن البحث فيه بأية صورة من الصور.
26 ـ ورغم ذلك فقد بحث كثير من علماء المسلمين في الروح وألفوا حولها المؤلفات وتكلموا عن صفاتها ونشاطها وأثرها في جسم الإنسان وعندهم أن المحظور هو البحث في كنه الروح وذاتها. ومما يدل على سلامة منهج هؤلاء العلماء أنهم أرجعوا كلامهم في الروح إلى نصوص من كتب الله وسنة رسوله ( ، فمنها أخذوا حقيقة أنها مخلوقة وليست قديمة، ومنها أخذوا مبدأ دخولها في الجسد الإنساني (عندما يكون الإنسان في رحم أمه). ومنها أخذوا كثيرا من أحوالها. وإذا كان الأمر هو النهي المطلق لوقع التناقض في النصوص فقد بيّن رسول الله ( لنا في أحاديث كثيرة أشياء كثيرة عن الروح كمبدأ تعلقها بالجسد، وتآلفها وتعارفها، وتناكرها واختلافها وكيفية خروجها من جسد المؤمن ومن جسد الكافر وغير ذلك.
27 ـ يرى علماء الشرع أن أهم وظائف الروح العلم والإدراك وأنها تؤثر في البدن وأن أهم آثارها الحركة الاختيارية وأن كل ما في العالم من الآثار الإنسانية إنما هو من تأثير الأرواح بواسطة الأبدان التي تعلق بها، ويرى علماء المسلمين أن الحركة الاضطرارية التي لا اختيار فيها ليست أثراً من آثار الروح.
28 ـ إن هنالك حياة قبل نفخ الروح في جسد الإنسان عندما يكون جنينا بنص القرآن والحديث الشريف تكون الحياة في انقسام الخلايا وتخلق العلقة والمضغة (الحياة الخلوية أو العضوية).
29 ـ لقد بحث علماء المسلمين في اللحظة التي يفارق فيها الروح بدن الإنسان فأكدوا أن ملازمة الروح للجسد الإنساني مرهونة بصلاحية هذا الجسد لخدمة هذه الروح.(10/7)
30 ـ تعرض الفقهاء لمسألة وجدوا أنفسهم فيها مضطرين للبحث عن الزمن الدقيق الذي حصلت فيه الوفاة وهي مسألة الاشتراك في القتل العمد على التتابع.
31 ـ قال الفقهاء إذا تحول وضع المقتول إلى وضع يفقد فيه كل إحساس من إبصار ونطق وغيرهما، وكل حركة اختيارية إلى غير رجعة كان صاحب الفعل الأول هو القاتل ويستحق القصاص وصاحب الفعل الثاني يُعزَّر ولا يقتص منه.
32 ـ وأيضاً وصف الفقهاء حياة عيش المذبوح بأنه إذا وصل المقتول إلى حركة الرجل المذبوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار مستقرة فإنه يُعتبر شرعاً بأنه قد توفي. وأرجع بعض الفقهاء فيمن شك في وصوله إلى حالة الحياة غير المستقرة إلى عدلين خبيرين. لقد اعتبر الفقهاء فقدان الإحساس والحركة الاختيارية علامات تورث غلبة الظن بوصول المجني عليه إلى مرحلة الموت.
33 ـ لقد توافق علماء الشرع وعلماء الطب في علاقة الروح بالجسد واتصالها به وأن علامة صلاحية الدماغ الذي هو مكان الإدراك، وأن الروح تدرك المدركات باستعمال الدماغ، وأنها تتصرف بالأعضاء بواسطة الدماغ وأن علامة مفارقة الروح للجسد هو موت الدماغ بصورة نهائية، وأن الحركة الاضطرارية لا تدل على حياة أو موت الإنسان، وأن حياة الخلايا الجسدية غير حياة الروح وإمكان اتصالهما وانفصالهما.
34 ـ لا نستطيع أن ندّعي أن تلك النتيجة في تحديد نهاية الحياة الإنسانية قطعية يقينية، لا نقبل إثبات خلافها وإنما هي غلبة ظن.
35 ـ هل يمكن أن نبني أحكاماً عملية على غلبة الظن المحصلة بالأمارات والدلائل؟ الجواب هو نعم تبعاً لما أشار إليه علماء الأصول. ولكن ينبغي أن يصدر قرار انتهاء الحياة الإنسانية بموت الدماغ النهائي عن لجنة من أهل الإختصاص ذوي الكفاءة والنزاهة، وأن يكون ذلك بالإجماع وهذا حاصل في بروتوكول تشخيص الوفاة الدماغية.(10/8)
36 ـ الجواب عن الاعتراض بأننا نرجح أمراً مبنياً على غلبة الظن والخطأ فيها معناه إهدار حياة موجودة. إن جانباً كبيراً من حقائق الحياة لا يُعرف إلا بغلبة الظن لا بالقطع واليقين. والاقتصار في بناء الأحكام على تحصيل اليقين فيه تعطيل لكثير من المصالح الخطيرة.
37 ـ وكثير من أحكام الشرع مبناه على الظن الغالب. فالقاضي رغم التزامه بأحكام الشرع فهو يحكم في أمور القصاص بشهادة الشهود والذين يحتمل كذبهم. واحتمال خطأ الحاكم لا ينكره أحد وقد يؤدي الخطأ إلى إهدار أرواح بريئة ولم يقل أحد بحرمة إصدار الأحكام في غير محل اليقين.
الخلاصة:
إن تطور علم الطب قد بيّن وظائف كثيرة للدماغ وسهّل تشخيص ما يحدث له، وإن تطور زراعة الأعضاء وإنقاذها لحياة كثير من الناس قد أعاد أهمية تحديد لحظة الوفاة إلى موضع اهتمام الأطباء والفقهاء على حد سواء. وبسبب غياب النص القرآني الصريح والحديث الشريف فيما يتعلق بلحظة الموت ومفارقة الروح للجسد فقد ترك الأمر لأهل الخبرة وهم في هذه الحالة الأطباء لتقرير الوفاة وعلاماتها.
وقد تطور علم الطب بحيث عرف الكثير عن أجهزة البدن واضطراباتها وما يحدث للجسد عند الوفاة، بحيث أمكن الكشف عن أهمية التنفس ونبضان القلب والدورة الدموية ومن ثم علاقة الدماغ بالتنفس وضربات القلب بسبب استخدام أجهزة التنفس الصناعي. وقد وضعت علامات واضحة للوفاة الدماغية وأنها تعادل وفاة الجسد وأنه لم يرجع أحد استوفى شروط التشخيص إلى الحياة. وقد كانت الدراسات واضحة في مصداقية هذا المبدأ سواء الدراسات على الحيوانات أو الدراسات على الإنسان.(10/9)
وإن النقد يجب أن يوجه لشروط التشخيص إذا كان فيها خلل وليس لمبدأ الوفاة الدماغية. فإذا ما استطاع أحد ما أن يبيّن أن هذه الشروط غير كافية فعليه أن يبرهن ذلك. ويجب أيضاً الالتزام بكافة الشروط المذكورة في تشخيص الوفاة الدماغية واستيفائها جميعاً بالضرورة، وعدم إطلاق الوفاة الدماغية بتساهل على كل حالة فقدان وعي حتى لا نقع في أخطاء أن أحداً كان متوفى دماغياً وقد رجع إلى الحياة وهو في الأصل لم يكن متوفى دماغياً لأنه لم يحقق الشروط المذكورة.
الاعتراضات:
1 ـ أن هنالك دلائل على أن القشرة المخية يبقى فيها كهربائية عند إثبات موت جذع الدماغ وأن إثبات موت جذع الدماغ لا يعني توقف كامل أجزاء الدماغ عن العمل. بينما يرى المعارضون في نفس الوقت أن توقف القلب والتنفس هو مقدمة لتحلل الأعضاء كلها في الجسم وأن إثبات الموت (السلبي) أي بمجرد توقف القلب والتنفس يمكن أن يؤخذ به دون انتظار علامات الموت المتأخرة(الإيجابية) اليقينية.
الجواب: إذا كان توقف القلب والتنفس يعني أن الأجزاء الأخرى للجسم ستتحلل لا محالة فهذا أيضا أمر واقع من أن توقف جذع الدماغ سيؤدي إلى توقف كامل القشرة والأجزاء الأخرى من الدماغ عن العمل لا محالة، وهذا ثابت من الدراسات على الإنسان كما قدمنا وأيضا على الحيوانات.
2 ـ يقول المعارضون : إنه حتى في حال إثبات توقف قشرة المخ (مصدر الكهربائية) عن العمل فإن الغدة النخامية تفرز هرمونات وإن فحوصات الهرمونات لا تدخل في اختبارات وظائف الدماغ.(10/10)
الجواب: إن هذه الحالة تُعتبر حالة تحلل للدماغ (عند توقف الكهربائية الصادرة منه) أكثر تقدماً من توقف عمل جذع الدماغ النهائي وذلك بعد إثبات توقف هذا الأخير بالفحوصات السريرية التي قدمنا لها. والغدة النخامية حتى لو تأخرت في التوقف عن العمل فإنها ستقف لا محالة بعد توقف جذع الدماغ وقشرة المخ عن العمل. وإذا أخذ هؤلاء المعارضون بمبدأ أن توقف الدورة الدموية في الجسم تُعتبر مقدمة لتوقف كافة أعضائه عن العمل وتحللها، فإن ما يحصل في حالة الوفاة الدماغية مشابه لما يحدث في كامل الجسم عند توقف الدورة الدموية فيه. ففي حالة الوفاة الدماغية والتي تتضمن توقف جذع الدماغ عن العمل بشكل نهائي بسبب أذية كبيرة أصابته فإن قشرة المخ والغدة النخامية يموتان فيما بعد بسبب توقف جذع الدماغ عن العمل. وإذا تمسكنا بمبدأ أنه مات القسم الأهم من العضو فإن بقاء الجزء غير المهم لحياة ذلك العضو لايهم إذ أنه سيتبعه بالموت لا محالة. لذا نقول: إن موت جذع الدماغ هو القسم المهم لبقاء الدماغ حياً سيتبعه الأجزاء غير المهمة مثل الغدة النخامية بالموت الحتمي. فمن الذي ينظر إلى مستوى الهرمونات التي تنتجها الغدة النخامية بينما مات مركز التنفس الموجود في جذع الدماغ والأساسي للحياة. إن الفحوصات التي أوردناها لموت جذع الدماغ هي فحوصات جازمة وخاصة فحص انعدام التنفس التلقائي بالطريقة التي شرحناها.
3 ـ يقول المعارضون: إنه في حال استخدام تصوير الشرايين السباتية في إثبات الوفاة الدماغية فإن توقف التروية الدموية في الشرايين السباتية لا يعني توقف الدورة الدموية في جذع الدماغ الذي يتلقى تروية من شرايين أخرى. وأن هنالك تجربة تثبت أن إعطاء مادة السوريتول يمكنها أن تعبر إلى المخ رغم توقف التروية الدموية في الشرايين السباتية وهذا يعني أن الدورة الدموية لها مصادر أخرى.(10/11)
الجواب: إن بروتوكول تشخيص الوفاة الدماغية المتبع يُصر في حالة استخدام تصوير الشرايين الدماغية (وهذا أمر ليس ضروريا إلا أنه يزيد الطمأنينة في حالة عدم تمكن الفاحص من إجراء كل الفحوصات السريرية اللازمة للتشخيص مثله في ذلك مثل تخطيط الدماغ الكهربي) على أنه يجب تصوير الشرايين الدماغية الأربعة وهي السباتية والفقرية ولا توجد بطبيعة الحال أية شرايين أخرى تدخل إلى الدماغ سوى هذه الشرايين الأربعة. وطبعاً إذا استخدم تصوير الشرايين السباتية فقط دون التأكد من الشرايين الأخرى يمكن أن يوقع ذلك الطبيب في الخطأ.
المراجع
1 ـ ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي المنعقدة بتاريخ 24 ربيع الآخر 1405 هـ (25 يناير 1985م) والصادرة عن سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة - دولة الكويت.
2 ـ تشخيص موت الدماغ وضوابط جني الأعضاء في المملكة العربية السعودية. النشرة السعودية لأمراض الكلى وزراعتها - المجلد الرابع - العدد الأول 1993م.
3 ـ مقالة الدكتور صفوت حسن لطفي.
4 ـ مقالة الدكتور عبدالرؤوف إسلام.
الرئيس دكتور حمدي السيد: شكرا للدكتور فيصل الشاهين والآن نفتح باب المناقشة وأنا عندي طلبان للمناقشة الأول للأستاذ الدكتور عبدالمنعم عبيد، وأرجو الاختصار لإتاحة الفرصة لباقي الزملاء كي يشاركوا... تفضل يادكتور عبدالمنعم:(10/12)
الأفكار القديمة والحديثة
حول تحديد الموت
الدكتور حسن حسن علي
كلية هارفارد الطبية في مستشفى ماساشوستس
بوسطن، ماساشوستس
موت الدماغ: نظرة تاريخية
تعامل الأطباء مع موت الدماغ منذ:
ـ 1950 (الحرب الكورية).
ـ 1959مولار (Mollaret) وغولن (Goulen) (طبيبا أعصاب من باريس) هما أول من وصف موت الدماغ تحت عنوان (Coma depassإ).
ـ 1968 تقرير اللجنة الخاصة لمدرسة هارفارد الطبية; معايير هارفارد لموت الدماغ.
ـ 1976 نشر مؤتمر كليات الطب الملكية، بالمملكة المتحدة، بيانا حول تشخيص موت الدماغ (معايير المملكة المتحدة).
ـ 1978 مؤتمر المندوبين القومي بشأن توحيد قوانين الدولة أتم «المرسوم الموحد لموت الدماغ).
ـ 1980 تمت الموافقة على «المرسوم الموحد لتقدير الموت» من قبل مؤتمر المندوبين القومي الخاص بتوحيد قوانين الدولة.
المرسوم الموحد لتقرير الموت
تعريف الموت:
الشخص الذي يتصف بواحد من هذين:
1 ـ توقف وظائف الجهازين الدوري والتنفسي دون قابلية للتغيير.
2 ـ توقف جميع وظائف الدماغ كله، بما في ذلك جذع الدماغ، دونما قابلية للتغيير.
ويجب أن يتم الوصفان السابقان طبقا لمعايير طبية مقبولة.
دليل تقرير الموت
*يتطلب النجاح في استخدام هذا الدليل وجود طبيب كفء حكيم ذي خبرة في الفحص الطبي، وفي الإجراءات المتعلقة به.
*جميع فترات الملاحظة تتطلب وجود المريض تحت رعاية طبيب.
ينصح بإجراء الاستشارة عندما يتطلب الموقف.
( أ )
الشخص الذي تتوقف وظيفة جهازه الدوري أو جهازه التنفسي توقفا لا يقبل التغيير، هو شخص ميت.
ويُتعرَّف على التوقف عن طريق:
انعدام الاستجابة (reponsiveness)? ودقات القلب، والجهد التنفسي. ويمكن التثبت من هذه برسم قلب مسطح.
ويتعرف على عدم القابلية للتغيير (irreversibility) عن طريق:(11/1)
التوقف المستمر للوظائف خلال مدة مناسبة من الملاحظة أو الاختبار العلاجي أو هما معا. وتترواح هذه المدة من بضع دقائق إلى فترة طويلة تعتمد على ما إذا كان الموت متوقعا أو حدث فجأة بدون توقع، أو لم تتم ملاحظته، وقد يُحتاج إلى تكرار الاختبار وإلى بذل الجهود للإنعاش.
( ب - 1)
حالة الشخص الذي يتصف بتوقف - غير قابل للتغيير - في جميع وظائف المخ، بما في ذلك موت جذع الدماغ:
تخضع للتشخيص الطبي كما يلي:
1 ـ التأكد عن طريق الاختبارات المختبرية.
2 ـ التشاور مع طبيب خبير في التشخيص المذكور أعلاه.
( ب - 2)
وتوقف أنشطة المخ يتعرف عليه عن طريق:
1 ـ غياب الأنشطة الدماغية:
-غيبوبة عميقة: انعدام التقبُّلية unreceptivity
انعدام الاستجابية unreponsitivity
-دراسات تأكيدية: رسم مخ، تدفق الدم في المخ.
2 ـ غياب أنشطة جذع الدماغ:
اختبار موثوق فيه لغياب الانعكاسات البؤبئية، والقرنية، والعينية الرأسية، والدهليزية الأذنية، والفموية البلعومية، والسعالية، ويتأكد من الاختناق باختبار الاختناق.
(ب - 3)
حالات مهمة قابلة للتغيير reversible يجب استبعادها:
1 ـ السكون sedation.
2 ـ الانسداد العصبي العضلي Neuromuscular blockade.
3 ـ هبوط غير عادي لحرارة الجسم Hypothermia.
4 ـ الصدمة/السكتة الدماغية shock.
إضافة إلى ذلك
*فترة طويلة من الملاحظة إذا وجدت ضرورة لذلك.
إثبات انعدام تدفق الدم إلى الدماغ.
)ب – 4(
امتداد فترة الملاحظة أمر يتوقف على القرار الطبي
*معظم المراكز الطبية ذات الخبرة الجيدة لم يصدر عنها ما يفيد رجوع وظائف الدماغ بعد ست ساعات من التوقف; وقد توثق ذلك عن طريق الاختبار الطبي ورسم المخ، مع استبعاد التسمم الناشئ عن الأدوية، والهبوط غير العادي لحرارة الجسم، وصغر السن، والصدمة/ السكتة الدماغية.
*في حالة غياب الاختبارات التأكيدية، يوصَى بمدّ فترة الملاحظة إلى 12 ساعة لوضع مستقر غير قابل للتغيير.(11/2)
*في حالة تلف المخ بسبب نقص الأكسجين يستحسن مدّ فترة الملاحظة إلى 24 ساعة ما لم تتوفر دراسات لتدفق الدم في الدماغ أو رسم للمخ.
(ب - 5)
نشاط النظام العصبي الطرفي وانعكاسات الحبل الشوكي قد تستمر بعد الموت.
التوقف الحقيقي للنشاط العقلي أو النوبة المرضية لا يتوافق مع تشخيص الموت.
(جـ)
عدم قابلية التغيير في حالة موت الدماغ يمكن اعتماده عندما يسفر التقييم عما يلي:
1 ـ التأكد من سبب الغيبوبة، ومن أنه غير كاف لتفسير فقدان أنشطة الدماغ وذلك عن طريق:
*اختبار طبي دقيق.
*تاريخ الغيبوبة.
*دراسة جيدة لتوضيح السبب: رسم حاسوبي مقطعي CT scan.
*درجة الحرارة داخل الجسم
*الكشف عن المخدر
*رسم المخ (EEG)
*رسم الأوعية angiography
*إجراءات أخرى.
2 ـ استبعاد إمكانية استعادة أي من أنشطة الدماغ. وعندئذٍ تستبعد الحالات القابلة للتغيير.
3 ـ توقف كل أنشطة الدماغ بصفة مستمرة لمدة مناسبة مع الملاحظة والاختبار الطبي.
إن التوقف التام للدورة الدموية عن مخ شخص بالغ، حرارته عادية لمدة تزيد على عشر دقائق لا يتمشى مع بقاء أنسجة الدماغ حية، وتصوير أربعة أوعية من داخل الجمجمة يكون حاسما في تشخيص توقف الدورة الدموية عن الدماغ كله (كلا من المخ Cerebrum والنقرة fossa الأمامية). ودون تعقيد للشروط، فإن انعدام تدفق الدم إلى الدماغ مصحوبا بتقرير طبي عن توقف جميع أنشطة الدماغ لمدة ست ساعات على الأقل يعتبر تشخيصا للموت.
الحالات الرئيسة المعقدة التي يجب استبعادها أو التوفر على دراستها هي:
1 ـ التسمم بالأدوية
2 ـ التسمم الأيضي
3 ـ هبوط حرارة الجسم إلى ما دون 32.28
4 ـ حداثة العمر
5 ـ الصدمة/ السكتة الدماغية
الحالات المعقدة
1 ـ التسمم الدوائي والأيضي:(11/3)
هذه مشكلة خطيرة في تقرير الموت: فالمسكنات والمخدرات والمرض العصبي العضلي إذا اجتمعت يمكن أن تسبب حالة مرضية تضاهي حالة توقف وظائف الدماغ والسكون الكهربي المخي. ويتطلب الأمر تحليلا للكشف عن جميع الأدوية التي يحتمل أن تكون ذات أثر ثم يتم توثيق ذلك إما باختفاء الدورة الدموية داخل الجمجمة، أو بكمون قصير، أو بالإمكانات السمعية أو البصرية المثارة. كما يمكن أن تحدث الغيبوبة العميقة نتيجة التلف الدماغي الكبدي Hepatic encephalopathy? أو ارتفاع الضغط الأسموزي Hyperosmolar أو تَبَوْلُن الدم النهائي terminal uremia.
2 ـ هبوط حرارة الجسم
هبوط حرارة الجسم إلى ما تحت 32.28 يمكن أن يضاهي موت الدماغ طبقا للمعايير السريرية المعتادة. كما يمكن أن يقي من التلف العصبي الراجع إلى نقص وصول الأوكسجين hypoxia.
3 ـ الأطفال
إن أدمغة الاطفال والصغار لديها مقاومة زائدة للتلف أكثر من أدمغة البالغين خاصة من هم دون الخامسة.
4 ـ الصدمة / السكتة الدماغية (shock)
يجب أخذ الحذر عند تطبيق المعايير العصبية بهدف تقرير الموت في حالات مريض الصدمة.
من الذي يجب ألا يعلن الموت؟
يجب على فنّيّي الرعاية الصحية ألا يكونوا:
1 ـ أعضاء في فريق نقل الأعضاء.
2 ـ أعضاء في عائلة المريض.
3 ـ قد وجهت إليهم تهمة إساءة الممارسة بالنسبة لحالة المريض.
4 ـ ممن لهم أي مصلحة مرتبطة بإعلان موت المريض، من نحو إرث بناء على وصية من المريض.
الشروط الصارمة السابقة على التفكير في تشخيص موت جذع الدماغ (BSD).
1 ـ وجود غيبوبة عميقة
2 ـ وجود تلف حاد بالدماغ: مثل جرح حاد بالرأس، أو نزف كثيف بالدماغ، أو جراحة شاملة بالدماغ.
3 ـ استبعاد الحالات القابلة للمعالجة أو للتغيير reversible.
4 ـ فقط عندئذ: يمكن اقتراح موت جذع الدماغ (BSD)? وتقييم المعايير الخاصة، وإجراء اختبارات تأكيدية عندما تكون ضرورية.(11/4)
هناك بعض الأمثلة لمريضين أشار إليهما أحد الملاحظين لكنه أساء تفسير حالتيهما فظن أنهما شُخِّصتا على أنهما حالتا موت جذع الدماغ إذ لم يقرأ محتوى تقريريهما.
ظاهرة «غوليان - باري» Gullain - Barr التي قد تؤخذ خطأ على أنها موت جذع الدماغ (Postgraduate, M.J., 67: 280, 1991: المجلة الطبية للدراسات العليا، 67: 280 ، 1991).
( أ )
حسن ج. وممفورد س.? (Hassan J, & Mamford c, ذكرا ما يلي:
... "إن معايير تشخيص موت الدماغ، التي قدمتها كليات الطب الملكية بالمملكة المتحدة، تتضمن مجموعة من المتطلبات يجب أن تتوفر قبل القيام بالاختبارات العادية الخاصة بإثبات انعدام نشاط جذع الدماغ».
(ب)
وتوجب هذه المتطلبات التوصل إلى سبب لتلف الدماغ الذي لا يقبل العلاج، واستبعاد مجموعة من الأحوال تؤكد بوجه خاص أنه قد تم استبعاد الأسباب القابلة للتغيير والخاصة بهبوط نشاط جذع الدماغ.
(جـ)
ومن الواضح، في هذه الحالة، أنه لم يمكن الوفاء بهذه المتطلبات، وذلك نتيجة للتاريخ السابق. وفي هذه الحالة الحاضرة أدى نمط رسم المخ الملاحظ والتغير التالي إلى استبعاد أي اهتمام بموت الدماغ.
ظاهرة «غوليان - باري» المشابهة لموت جذع الدماغ. مجلة التخدير 45:456، 1990، (Anaesthesia 45:456, 1990).
(أ)
كواد ن ر، و بيرن أج (Coad NR, & Byrne AJ,) قررا في المناقشة:
"لكن (الرجل البالغ من العمر 43 عاما) لم تتوفر فيه بشكل كامل المعايير المعتمدة في المملكة المتحدة لتشخيص موت الدماغ، والتي من بينها البيان التالي: «يجب ألا يكون هناك شك في أن حالة المريض راجعة إلى تلف في بنية الدماغ غير قابل للعلاج. ويجب أن يكون قد تم فعلاً إجراء التشخيص الكامل للخلل الذي يمكن أن يؤدي إلى موت الدماغ».
(ب)
وقد عوفي هذا المريض بشكل جيد.(11/5)
وهذه الحالة تؤكد أن علينا - كي نقوم بتشخيص لموت جذع الدماغ - أن نلتزم التزاما صارما بالمبادئ التي أوصى بها مؤتمر كليات الطب الملكية بالمملكة المتحدة وأن نراعيها دائما.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكرا للدكتور حسن حسن علي على هذا العرض الطيب والسهل الواضح، والآن الكلمة للدكتور عدنان خريبط فليتفضل:(11/6)
بين الأوارق والحقائق والمؤتمرات
الدكتور حسان حتحوت
أود أن استرعى كل انتباهكم إذ أقدم لكم خمسة أمخاخ بخمس إصابات: (رسم1) المخ الأول تتميز إصابته بأنها «إلى زوال». قد تكون دوخة أو إغماءة أو إغفاءة أو غيبوبة تقصر أو تطول ولكنها تنحسر دون أن تتلف أيا من خلايا المخ، ثم يعود المصاب إلى سويته وكأن شيئا لم يكن. فهذه هي «العارضة».
أما الثاني فإصابته أشد.. إذ تتلف قسما من المخ. وخلايا المخ إنْ ماتت لا تُعَوَّض. وتترك بعدها «ثغرة عصبية» تعتمد على الموقع والمقدار.. مثل شلل في العضو أو الأعضاء التي تقوم عليها تلك المنطقة من المخ.
أما الإصابة الثالثة فعجيبة. إنها تغلق المرور في اتجاه واحد في شارع السيالات العصبية من المخ وإليه. وهي تصيب المخ الأوسط فتدع المريض قادرا على الحس والإدراك لكنه عاجز تماما عن الاستجابة بتحريك أو تعبير. فهذا هو الحبيس أو السجين وأسميه الحصور (locked-in)? وإن كان أغلبُ المرضى يحتفظون بقدرة وحيدة هي تحريكُ العينين بين الأعلى والأسفل، فتبقى هذه وسيلتهم الوحيدة للاتصال بمن حولهم.(12/1)
أما المخ الرابع فإصابته فادحة. إذ تتفاقم الأمور فتقضي على فصّي المخ تماما، سواء باستفحال أي من الإصابات السابقة أو بطارئة شديدة كالقذائف أو الأنزفة أو الأورام أو انسداد موارد الدم. فكيف حالُ المريض؟ لا حِسَّ ولا حركة.. غيبوبة كاملة coma قد تمتد أياما أو شهورا أو سنين عددا أو حتى يدركه الموت. ورغم هذا فلا يقال إن هذا المريض مات. فإنه محتفظ لنفسه وبنفسه بقابلية التنفس والدورة الدموية. ومهما طال المدى فإن له رغم موت مخه حقوق الإنسان الحي في الغذاء والماء والرعاية الصحية والتمريضية حتى يقضي الله في أمره. ولا ينبغي اليأس فهناك حالات يتضح فيما بعد أن إصابتها لم تقض على المخ ما توقعناه من قضاء مبرم فإذا بها تصحو من الغيبوبة وتعاني ولو بعد حين.. وتنجلي «الحياة النباتية» كما يقولون عن حياة إنسانية سوية تدوم إلى أجلها المسمى.(12/2)
والآن دعكم من تلك الأمخاخ الأربعة.. ولننتقل إلى هذا المخ الخامس فهو بيت القصيد. هنا جذع المخ. هنا المقتل. ولماذا؟ لأن فيه المركزين الحيويين مركز التنفس ومركز القلب. فإن كفَّ التنفسُ، كف تزويد الدورة الدموية بالأكسجين فحُرِمت منه أنسجة الجسم المختلفةُ فماتت، لأنها لا قوام لها إلا به. بيد أنها لا تموت في الحال ولا تفضي إلى الهلاك بسرعة واحدة. أسرعها موتا أقلُّها صبرا عن الأكسجين وهو نسيج المخ الذي لايصمد إلا دقائق ثلاثا أو أربعا.. لكن القلب يبقى أكثر، والبنكرياس يبقى أكثر، وبعض الغدد الصماء قد تستمر في أداء إفرازاتها لفترة، والكلوة تبقى أكثر وقد كان قسم زرع الكلى هنا في الزمن الأول يستورد الكلوة من هولندا فتأتي في الطائرة ويحملها الإسعاف إلى غرفة العمليات فتودَعُ جسدَ متلقيها فتستأنف العمل، والجلد يبقى لفتراتٍ أطول ولقد كنت في بحثي للدكتوراة أستقبل الأجنة الصغيرة التي ماتت في أرحام أمهاتها ثم اللهجهضت بعد فترة ثم حُملت إليّ في الصباح فآخذ فتفوتة من جلدها أقصّها إلى نمائم أودعها المحلول المغذي فلا تبرح أن تتكاثر بالانقسام الخلوي فتعطي طبقة واسعة من الخلايا، وهي ظاهرة أصبح من تطبيقاتها الحديثة استنباتُ رقائقَ من الجلد تُغطَّى بها المساحاتُ المكشوفة من أجساد المحاريق.(12/3)
لذلك استغربت القول بأن المصاب لاينبغي أن يُعَدّ ميتا إلا بعد أن يكتمل موت أعضائه وأنسجته وخلاياه جميعا. والخطأ واضح وكذلك المأزق.. إذ لو صح ذلك لما جاز شرعا أن ندفن ميتاً إلا بعد أيام من موته أو أسابيع!! واستمر الاستغراب. فقد قرأت في إحدى الأوراق أن مريضاً يحمل تشخيص موت جذع المخ صدرت عنه لما سُحبَ عنه الإنعاش حركاتٌ وخلجات في ذراعيه. ويعلم علماء الطب أن بعض خلايا النخاع الشوكي تلبث فترة بعد موت صاحبها شأنُها شأنُ ما ذكرنا غيرَها فتصدُرُ عنها تلك الحركاتُ الانعكاسية.. والوصية بإقصاء أهل المتوفى لحظة سحب الإنعاش وبعدها بدقائق، هي إجراء إنساني يعفيهم أن يسيء جهلُهم تفسيرَ هذه الظاهرة فيتوهموا أن مريضهم لم يزل حيا. فإنْ لُوِيَ عنقُ الموضوع فصُوِّر على أنه اعتراف ضمني بحياة المريض فهو كلام أعتقد أنه على الأقل في حاجة إلى الاستغفار.
وهناك كذلك غيرَ الحركات الانعكاسية حركاتٌ موضعية. أذكر كيف كانت أمي رحمها الله وأنا طفل صغير، تذبح الأرنب ثم تسلخه ثم تقطِّعُه إِرْباً، ثم أرى العضلاتِ في فخذ الأرنب تختلج ورغم ذلك لم تُصَوِّرْ لي طفولتي أن الأرنب لم يزل حيا. وفيما بعد تهيأ لي أن أشهد قِصاصاً في إحدى البلاد التي تُعْدِمُ بقطع الرأس.. وطاحت الرأسُ وبقي الجسم فترة ينتفض ويختلج لكنْ لم يخطر ببالي بحمد الله أن الرجل ما يزال حيا.
وما دام الشيءُ بالشيءِ يذكر فلاللهشِرْ هنا إلى مقال على صفحة كاملة في أكتوبر 1996 في مجلة اسمها «المسلمون» بعنوان ضخم «موتى يتحركون في قبورهم.. خرج من قبره حاملا كفنه وآخر مات في لحده».. (رسم 2) ونَسِيَ الكاتب المصري أننا في مصر ندفن في غرفٍ بينما هم في الرياض حيث زعم الحادثَ يدفنون في باطن الأرض ثم يُهيلون التراب فلو دفنْتَ حصانا قويا لما كانت له فرصة.. وحساب الصحافة يومَ القيامة عسير.(12/4)
ولنعُدْ إلى جذع المخ هذا لنعرف كيف يموت. في الحالات التي تعنينا جراحيا والتي يدور حولها النقاش لصلتها بزرع الأعضاء، يموت جذع المخ بتفاقم الإصابة التي تعلوه في المخ نفسه، إما نزيفا أو تهتكا أو قطعَ مدده الدموي أو زيادةَ ضغط داخل الجمجمة الصُّلبة تكبسه من أعلى فتحشُرُه حشرا في الفتحة العظمية التي تحته. وهنا تتغير التسمية فبدلا من أن نقولَ «موت المخ» نقول «موت جميع المخ» أو نؤكِّدُ أكثر فنقول: «موت جميع المخ بما فيه جذع المخ». ونعترف أن هذه التسميات قد تكون مثارَ التباسٍ خارجَ محيط الأطباء بل أيضا في محيط الأطباء من غير المحققين وقد شَهِدْتُ هذا الخلط. ولهذا يفكرون في وضع تسميات جديدة.(12/5)
لكن قد يموت جذع المخ بآلِيَّةٍ أخرى خاصةٍ به (رسم 3 أ، ب) والمثال الأكبر لذلك هو حالاتُ الإعدام شنقا. فالرأس محمول على الفقرة الأولى ورباطهما وثيق لا يسمح إلا بانزلاق الرأس عليها أماماً وخلفاً. والفقرة الأولى محمولة على الثانية التي لها زائدةٌ عظمية محورية تصعدُ خلال ثقب في الفقرة الأولى مقدَّمُه عظميّ ومؤخره رباط ليفي. فإن دارت الرأس يمنةً ويسرةً فإنما تدور هي والفقرة الأولى معا حول هذا المحور العظمي للفقرة الثانية. وليس الإعدامُ شنقا إلا إلقاءَ وزن الجسم فجأة فينزاحُ للخلف فتقطعُ العظمة المحورية الرباط الذي كان يمسكها فتهرسُ جذع المخ الذي يحاذيها وهذا نفاذ الإعدام (رسم 3A). هل ماتت آنذاك أعضاء الجسم وخلاياه؟ لا. ومعلومٌ أن القلبَ يظلُّ ينبضُ دقائق. ولو سلمنا جدلا بأننا سبقنا الموت إلى القلب فزودنا المريض بمضخة تنفسية تُزوِّد الدورة الدموية بالأكسجين ومن ثم القلب يظلّ نابضا يستمرُّ في ضخ الدورة الدموية بأكسجينها إلى الأعضاء بما فيها القلبُ نَفْسُه فيما يعرف بالإنعاش الصناعي. ولا تَسْمَحُ أخلاقياتُ الطب بأمثال هذه التجارب، وإنما تعنينا هذه الحالاتُ الراقدة في المستشفيات مشبوكة فعلا في المضخات التنفسية ولا يجرى عليها تشخيص الموت وإن مات فيها المخ وإنما عندما يتأكد موت جذع المخ.
فهل لموت جذع المخ من تشخيص؟ نعم.. العلامات السريرية التي بينها الزملاء. ولكن ألا توجد حالات تشبهه وليست به؟ بلى.. أن يكون المريض أخذ مسكنات أو مهدئات، أو مصابا بتسمم من أي نوع، أو تكون درجة حرارة جسمه انخفضت تحت المعدَّل. فهذه تُستبعد تماما من التشخيص. وهنا لطيفة أخرى، فإن بعض الأوراق جعلتْ برودة الجسم شرطا لتشخيص الموت والعلماء يرونها استبعادا لهذا التشخيص.(12/6)
ولكن ألا يحسن أن يؤجَّلَ إعلانُ الوفاة ساعتين كما هو متبع حتى الآن؟ وهنا يقولون بل لا بد من ست ساعات ثم ست ساعات يعادُ بعدها الفحص. وليطمئنَّ القلب، لا قلب المريض بل قلب الطبيب، يزوَّدُ المريض بشحنة مركزة من الأكسجين خلال مضخة التنفس ثم يفصل عن هذه المضخة لنتأكد أنه لا يتنفس. ولكن أما من تأكيدات مختبرية لذلك؟ أجل.. انعدام الدورة الدموية في المخ باستعمال الصبغات الشعاعية والموجات فوق الصوتية وقياسات النظائر المشعة واختفاء النشاط الكهربائي ورصد التغيرات الكيميائية، وكشأن التقدم العلمي دائما ينفتح باب جديد من الدراسة العلمية للموت رصدت له الميزانيات وتقرر له مؤتمرٌ كلَّ سنتين وينهض له الأفذاذ من العلماء وليتنا من بينهم.
ويدور السؤال فما موقف العالم من هذا الأمر؟ فالموقف ما ذكرنا. ونسأل هل بالإجماع؟ فنقول هيهات! هناك من يخشى أن يزيف الأطباء موت المخ لينتزعوا أعضاء الأحياء للزراعة، وهناك من يرفض الاعتراف بالموت ما دامت بعض الأعضاء أو الغدد أو الأنسجة مستمرة في وظائفها، وهناك خلفيات دينية ترفض أصلا فكرة زراعة الأعضاء فترفض كل ما ييسرها ويمهد لها، وتوصي البوذية بتفويض هذه الأمور إلى الطبيعة بدلا من التداخلات الإنسانية المعقدة.. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.
ثم أنني لاحظت في بعض الأوراق هنا جنوحا إلى إقحام الأمور الغيبية في المسائل العلمية في غير توفيق. ولا أنكر على الطبيب أن يتناول الفقه لكن بشرط أن يكون له فيه نصيب من الدراسة والوعي، وليس كل طبيب مثل عصام الشربيني أكرمه الله.(12/7)
ونعى بعض الإخوة على الحضارة الغربية افتراسها للفرد هناك واستغلاله وانتهاك حقوقه، وأنا رجل مسلم مؤمن ومع ذلك أتمنى أن تكون حقوق الفرد عندنا عشر معشار ما عندهم.. ومن اللوائح والنظم والضمانات والرقابات والاحتياطات لديهم ما يطمئن، عدا جيش من أسماك القرش هناك اسمه «المحامون» يتربص ويتلمظ لأية واقعة تنتهك فيها حقوق مريض!
وحمدت الله على دينه الذي ارتضى لنا. وعلى شريعة وسعت المساحة للعقل أن يفكر ويجتهد، وعلى فقه استنبط منذ قرون طوال قاعدة «حركة الذبيح» التي اعتمدت الإصابة القاتلة حتى والمصاب لم يزل يُرِي علامات حياة، وعلى فتح المجال للتغيير مع تغير المعارف فلم تعد «حركة الذبيح» نتيجة طعنة تخرج الأحشاء بل موتَ المخ وجذعه، دون أن نجرِّمَ الفقه القديم أو نحجم عن الجديد أو ندعي له الخلود.. فأحكام الفقه فيما لا نص فيه مبنية على غلبة الظن ما وجد الدليل الصحيح وعلى أنه أينما كانت المصلحة فثم شرع الله.
الرئيس: دكتور ممدوح جبر: شكراً للأخ الدكتور حسان حتحوت على محاضرته القيمة والآن نفتح الباب للمناقشة ونبدأ بالدكتور عبدالمنعم عبيد وأرجو من الدكتور عبدالمنعم عبيد الاختصار لأن الموضوع قد أثار الكثير من الأشجان، ولقد طلبت 5 دقائق وأرجو أن تختصرها إلى دقيقتين إن أمكن.(12/8)
الآثار المترتبة على
موت القلب والرئتين
الدكتور أحمد القاضي
قدمت إلى ندوة «تعريف الموت» التي أقامتها «المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الكويت، 17-19 ديسمبر 1996. نشرت في محاضر جلسات الندوة.
ملخص:
القلب والرئتان عضوان حيان لهما متطلبات معينة يجب توفيرها لبقائهما حيين. أعني، دورة الدم والأكسجة. وهذه المتطلبات الحيوية ذاتها تنطبق على بقية أعضاء الجسم. ولكن القلب والرئتين لهما دور خاص هو أنهما المسؤولان عن دورة الدم والأكسجة وإلى وقت قريب كان مجرد إخفاق القلب أو الرئتين أو هما معاً في القيام بإحدىَ هاتين الوظيفتين - الدمونة والأكسجة - أو بهما معا، يؤدي إلى فقد حياة الجسم كله وحياتهما أيضا.
في خلال الثلاثين عاما الماضية، وبفضل خطوات التقدم في مجالات تقنيات الجراحة ونقل الأعضاء، صار واقعا وضع بديل منفصل أو مصاحب، ومؤقت أو دائم، لأي من القلب أو الرئة أو هما معا، مع نجاح مطرد في ذلك. ففي أثناء جراحة القلب المفتوح يمكن الاستغناء عن القلب والرئتين لعدة ساعات. وخلال هذه المدة يضطلع بوظيفة القلب والرئتين كاملة جهاز القلب - الرئة ومضخة الأكسجين أو ما يسمى بالدورة الدموية من خارج الجسم. كما يمكن أن يحل محل الرئة جزئيا جهاز التنفس والأكسجة لعدة أسابيع. ويمكن أيضا أن يستغنى عن القلب جزئيا باستخدام بالون داخل الشريان الأورطي أو أدوات قلبية مساندة أو كلها جميعا. بل إن القلب بكامله يمكن أن يزرع محله قلب صناعي ميكانيكي، أو ما هو أفضل، وهو زرع قلب طبيعي يمكنه البقاء حيا مدة طويلة يصل معدلها إلى 80% مع طاقة وظيفية جيدة. أما زرع الرئة، أو الرئة والقلب معا فهو يتم الآن بمعدلات مطردة الزيادة في مدة البقاء حيا، ومع تناقص مطرد في المضاعفات المرضية. ومن هنا فإن الفقد الكامل للقلب أو للرئتين أو هما معا لا يعني بالضرورة أن يؤدي إلى الموت، أو حتى إلى إصابة الفرد بالإعاقة.
المصطلحات الرئيسة:(13/1)
ـ موت القلب أو الرئة أو هما معا.
ـ استبدال القلب أو الرئة أو هما معا.
ـ زرع القلب أو الرئة أو هما معا.
القلب والرئتان عضوان حيان بحاجة إلى الدم والأكسجين كي يبقيا حيين. وهما أنفسهما - خلافا لبقية أعضاء الجسم - المسؤولان عن القيام بهاتين الوظيفتين الحيويتين; الدَّمْوَنة والأكسجة. ومن هنا، فإنَّ عَجْز أحدهما أو كليهما عن القيام بأي من هاتين الوظيفتين أو كليهما - وفي غياب أي بديل - ينتج عنه موتهما أنفسهما وموت الجسم كله معهما.(13/2)
إن المرحلة النهائية في عجز القلب، وهي التي تحمل تهديدا للحياة، قد تكون نتيجة مرض انتشر في عضلة القلب، أو مضاعفات لمرض في الشريان التاجي، أو مرض في صمامات القلب، أو لمرض خِلقي في القلب كما في حالة الأطفال الذين في قلوبهم عيوب لا علاج لها (1-3). أما العجز الرئوي في مرحلته الأخيرة الخطرة على الحياة فقد يكون نتيجة تليف مزمن في السنخ alveolitis، أو انتفاخ في الرئة Emphysema، أو تليف مراري Cystic، أو اتساع في الشعب Bronchiectasis، أو ارتفاع شديد في ضغط الدم في الرئتين، أو ظاهرة أيزنمنجر Eisenmenger، أو إخفاق رئوي ناشىء عن مرض عام (4-6). وخلال الثلاثين عاما الأخيرة - وبفضل خطوات التقدم في ميدان التقنيات الجراحية وزراعة الأعضاء - صار حقيقة واقعة إمكان أن يستبدل بالقلب أو بالرئة أو بهما معا بديل منفصل أو مصاحب، ومؤقت أو دائم. لقد صار شائعا في المستشفيات، وحتى في بيوت المرضى، أن يقدم عون جزئي في حالة العجز الرئوي باستخدام أجهزة التهوية الصناعية المساعدة(7). ومثل هذا الدعم الجزئي للرئة يمكن، بيُسْر ومع العناية المناسبة، أن يستمر لعدة أشهر أو سنوات. أما الاستبدال الكامل لوظائف الرئة في حالة العجز الرئوي الحاد باستخدام مِكْساج oxygenator غشائي خارج الجسم فيمكن أن ينفّذ مع الشباب والأطفال لمدة أسبوع(8). كما يمكن أن يستعاض عن القلب والرئتين لفترة مؤقتة خلال عمليات القلب المفتوح ولمدة قد تمتد إلى بضع ساعات. وفي هذه الفترة يضطلع بوظيفة القلب والرئتين كاملة ماكينة القلب - الرئة، ومضخة الأكسجين، أو ما يسمى بالدورة الدموية من خارج الجسم (11،12).(13/3)
كذلك يمكن القيام بوظيفة القلب جزئيا لفترة أسابيع أو شهور عن طريق استخدام مضخة بالونية داخل الأورطي (13،14). كما يمكن دعم القلب جزئيا بواسطة زرع مضخة آلية في شكل جهاز بطينيّ مساعد أو بواسطة قلب صناعي كامل يقوم بوظيفة تشغيل الدورة الدموية آليا (1،15). مثل هذا الدعم الدوري الميكانيكي يمكن أن يحفظ حياة المريض الموضوع على قائمة الانتظار لإجراء عملية زرع قلب، وذلك لعدة أشهر انتظارا لمتبرّع ملائم، ويمكن أن يسمى «جهاز الانتقال إلى مرحلة الزرع». أما الاستبدال الكامل والدائم للقلب فهو بزرع قلب آخر. وبفضل خطوات التقدم في الأساليب الفنية الجراحية، وأساليب المراقبة من أجل الرفض وإخماد نظام المناعة في المرحلة التالية للعملية فإن هناك تحسنا مطردا في نتائج عمليات زراعة القلب على المدى القصير والطويل. لقد وصل معدل البقاء حيا إلى 90% لمدة عام، وما يربو على 70% لمدة خمسة أعوام (1،6،17)، وإلى أكثر من 50% لمدة عشرة أعوام (19،20،21). ويتحقق للمرضى الذين كتب لهم البقاء ضرب من الحياة قريب من الحياة الطبيعية(22).
إن معظم المرضى الذين عاشوا بعد إجراء زراعة قلب لهم عادوا إلى الأداء الجسمي الطبيعي وإلى طبقة J من، طبقا لتصنيف «جمعية القلب في نيويورك»
NYHA).) توفر زراعة القلب للمرضى مستوى ممتازا من إعادة التأهيل(25). فالنساء اللاتي هن في سنّ الحمل ممن أجريت لهن عملية زرع قلب قد يبدأن التفكير في الحمل حيث أن عملية زرع القلب يتلوها عادة استئناف لأساليب الحياة العادية وللوظائف الجنسية(26). والخصوبة لا تتأثر بالعلاج المخمد للمناعة.(13/4)
إن زرع رئة منفصلة أو زرع قلب مع رئة يتم الآن بمعدلات بقاء على قيد الحياة تتزايد مدتها باطراد. فمعدل البقاء حيا لمدة عام يتراوح بين 80-90% في حالة الرئة الواحدة، وإلى 75% في حالة زرع قلب ورئة (4،27). وفي دراسة أخرى كان معدل البقاء في حالة زرع رئة واحدة ما بين 87-100% لمدة عامين، بينما كان المعدل في حالة زرع الرئتين معا ما بين 76-82% لمدة عام واحد، و73-82% لمدة عامين(28). ومن بين من بقوا أحياء لمدة أربع سنوات، صار 70% منهم في حالة عادية من حيث التنفس وغازات الدم، ومن حيث مظهر الأنسجة عند تحليلها(4).
ومن هذا العرض الموجز، يتضح أن الفقدان الكامل للقلب أو للرئتين أو لها جميعا ليس له ارتباط ضروري بالموت، ولا حتى بإعاقة الأفراد.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكرا للدكتور أحمد القاضي على هذه المحاضرة الطيبة التي أضافت لنا المعلومات عن نتائج زراعة الأعضاء وتحول المريض من معاق إلى إنسان طبيعي يعيش حياته كالباقين ويكون مفيدا للمجتمع. والآن الأوراق الثلاثة مفتوحة للمناقشة الآن... د. حمدي السيد تفضل:(13/5)
التحديد الطبي الإسلامي
في مفهوم موت الدماغ
الدكتور محمود كريدية
إن المعايير التي تقرر موت الدماغ محددة جيدا ومقبولة بوجه عام. وقد بدأت الفكرة في الخمسينيات عندما شخّص اختصاصيو الأعصاب الأوروبيون حالة سميت «ما وراء الغيبوبة» "Coma De Passe".
إنها حالة من غيبوبة عميقة للوعي لا تقبل الانعكاس، ويعقبها لا محالة توقف أداء القلب، وجميع انعكاسات الحبل الشوكي، وهبوط حرارة الجسم. وهي حالة تعدل الموت وتحدد مدلوله. لكن في مثل هذه الحالات يمكن الإبقاء على الوسائل الصناعية للحفاظ على أداء القلب (كمنظم السرعة Pace maker) وأداء الجهاز التنفسي (كالمنفسة الصناعية mechanical respirator).
والاعتبارات الرئيسة والمركزية في موت الدماغ كانت، ولا تزال:
1 ـ غياب الأداء المخي (عدم الاستقبال وعدم الاستجابة).
2 ـ غياب أداء جذع الدماغ بما في ذلك التنفس التلقائي.
3 ـ انعدام قابلية هذه الحالة للانعكاس.
وإلى هذه تضاف الحالات المرضية الرئيسة الكارثية (من مثل الإصابة الشديدة trauma? وتوقف القلب والسكتة الدماغية apoplexy... الخ).
1ـ يحكم على غياب أداء المخ بما يلي:
انعدام تام للحركات التلقائية.
انعدام تام للاستجابات الحركية والصوتية لجميع المثيرات البصرية والسمعية والجلدية. قد تستمر الانعكاسات الشوكية في بعض الحالات ويكثر أن تنثني أصابع الرجل ببطء استجابة لإثارة الأخمص.
2 ـ ويحكم على غياب أداء جذع الدماغ بما يلي:
غياب الحركات التلقائية للعين.
تمدد البؤبؤين وثباتهما (أو وضع التوسط).
وضع التوسط للعينين (لا استجابة للاختبار الحريري caloric أو الانعكاسات العينية الرأسية، أو أي غياب عيني الدمية doll’s eyes) ).شلل الانعكاسات البصلية والجهاز العضلي، أي انعدام حركات الوجه أو الانعكاسات الكعامية، والسعالية والقرنية والمصية. غياب استجابة المخ decerebrate response للمثيرات المؤذية. غياب حركات الجهاز التنفسي.(14/1)
يكون هناك اختناق تام لكل الأغراض إذا كان المريض لا يبذل أي جهد لتجاوز المنفسة.
اختبار الاختناق:
- أعط أكسجين 100%?
- أوقف المنفسة لبضع دقائق.
- اترك ثاني أوكسيد الكربون يرتفع إلى مستوى 50-60 مج زئبق.
إذا لم يلحظ أي تنفس ½ وجود موت الدماغ.
الحالة النباتية المستمرة:
"موت قشرة الدماغ الجديدة» Neocortically dead ليس موتا قانونيا.
إنها حالة يكون المريض فيها ليس ميتا طبقا للمعايير التقليدية الخاصة بالقلب والرئتين أو تلك الأحداث الخاصة بأداء الدماغ.
وتنتج هذه الحالة عادة بعد تقديم العناية الطبية للمرضى الذين هم في حالة خطرة (ظاهرة الاقتراب من الموت، الاحتضار) والذين يمرون بغيبوبة، ومحتفظون بحرارة الجسم، والقلب والرئتان تعملان، ولديهم الانعكاسات، والنشاط الهضمي، ولكنهم فاقدو الاستجابة حتى ولو لم يكونوا في حالة غيبوبة عميقة.
هؤلاء المرضى ليسوا مرضى لفترة ولكنهم مرضى لا علاج لهم.
وآخر شيء، وإن لم يكن الأقل أهمية، هو أن الحاجة إلى تحديد الموت تنبع من:
ـ ما ينشأ عن هذه الملابسات من الكروب والمآزق الإنسانية.
ـ العوامل الاقتصادية التي تعجز الفرد والنظام.
ـ العوامل الدينية المتعلقة بالميراث والدفن.
ـ القضايا المتعلقة بزراعة الأعضاء.
ظاهرة الاحتضار:
حفلت السنون والكتابات الغزيرة بازدياد في وصف التجربة الإنسانية التي تصف ثبات المعتقدات الدينية وبعض المبادىء الفلسفية البشرية.
ـ قرب توقف القلب:
ـ اضطراب ضربات القلب.
اختلاج البطين. أو الخفقان الحاد.
ـ رشح مخي متناقص أو غير ذلك.
يمر المريض بحالة يصف فيها رحلة تكون عادة في نفق، وقرب نهايته إما أن يفقد المريض كل ما في ذاكرته عن الرحلة، أو يتذكر اتصالات بأرواح موتى آخرين من أقربائه أو معارفه.
الخلاصة:
إنه لأساسي وإلزامي وواجب على الطبيب المسلم أن تكون لديه معايير لتقرير الموت الإنساني.(14/2)
المعايير التي وصفت فيما سبق هي الأكثر عملية وعلمية وحداثة. وهي لا تتعارض مع التعريف الإسلامي للموت على أنه مفارقة الروح للجسد. وحيث إن ذلك ليس مهمتنا، كما أنه من الصعب تحديد حالة الروح (لكونها سرا إلهيا)، ومن ثم فرجائي المتواضع هو أن نتقيد بالمعايير المشار إليها.
الاختبارات التأكيدية:
1 ـ رسم مخ إلكتروني EEG: صمت المخ كهربيا (ECS = رسم مخ مسطح أو متكاهر) يعد موجودا إذا لم يكن هناك جهد كهربي أعلى من 2u فولت خلال تسجيلين مدة كل منهما 30 دقيقة وبينهما 6 ساعات.
ملاحظة: يظهر رسم المخ المسطح أيضا في حالات انخفاض حرارة الجسم hypothermia والتسمم بالعقاقير وعقيب توقف القلب.
2 ـ دراسات دوبلكس Dupplex عن الشريان السباتي: ملاحظة انعدام تدفق الدم في الشرايين السباتية يعد أيضا دليلا تأكيديا على موت الدماغ طبقا للدراسات الحديثة.
3 ـ انعدام الجهود الكهربية في جذع الدماغ رغم الاستثارة.
4 ـ عدم ظهور تدفق الدم في الصور الإشعاعية للأوردة Angiography وللدماغ scintography أو غيرهما من دراسات الحقن بالسوائل perfusion.
إذا لم تتيسر الاختبارات التأكيدية أو كانت غير ممكنة عمليا وحصلنا من الاختبارات السريرية على مثل هذه الأدلة، يكون من اللازم تكرار الاختبار خلال 6 ساعات. وإذا لم يكن تاريخ الحالة متفقا مع النتائج فمن الضروري أن تستمر المتابعة لمدة 72 ساعة لتقدير إمكانية الانعكاس.
تشير الأدلة المتتابعة إلى إمكان استخدام المعايير ذاتها في الأطفال. ولا ينصح في فترة الولادة بإعلان موت الدماغ إلا بعد اليوم السابع بعد الولادة.
مقاييس الممارسة لتحديد
موت الدماغ عند البالغين
ملخص تقرير اللجنة الفرعية للمقاييس النوعية التابعة للأكاديمة الأمريكية للأعصاب.
نظرة عامة:(14/3)
يعرف موت الدماغ بأنه غياب الأداء السريري للدماغ غيابا لا يقبل الانعكاس، بما في ذلك جذع الدماغ. وينتج موت الدماغ من الأمراض العصبية الأساسية بسبب جرح حاد في الرأس أو نزيف فيما تحت الغشاء العنكبوتي subarachnoid نتيجة تمدد الأوعية الدموية. لكن في وحدات العناية المركزة العلاجية والجراحية يمكن لإصابات الدماغ بسبب نقص الأكسجين وفقر الدم أو الفشل الكبدي المفاجىء أن تؤدي إلى غياب أداء الدماغ غيابا لا يقبل الانعكاس. وفي المستشفيات الكبيرة التي تحال إليها الحالات يشخص اختصاصيو الأعصاب من حالات موت الدماغ ما بين 25 إلى 30 حالة سنويا.
التبرير:
اختير موت الدماغ ليكون موضوعا لمعايير الممارسة وذلك لوجود الحاجة إلى إرساء معايير الاختبار العصبي والاختبار السريري اللازمة لتشخيص موت الدماغ. وتوجد حاليا فروق في الممارسات السريرية عند إجراء اختبار الاختناق وفي المجادلات الدائرة حول الاختبارات المختبرية التأكيدية الملائمة. وهذا التقرير يلخص المعايير السريرية لموت الدماغ وإجراءات الاختبار للمرضى فوق سن 18.
وصف العملية:
لقد روجع كل ما كتب متعلقا بموت الدماغ مما أجازته مجلة MEDLINE على امتداد الفترة من 1976 حتى 1994. وقد استخدمت فيها مصطلحات «موت الدماغ» و«اختبار الاختناق» (عنوان فرعي: «البالغون»). ولم تختر سوى المقالات ذات العمل الأصيل والتي راجعها أنداد من الزملاء. كما روجعت الكتب الدراسية في علم الأعصاب، وعلم الطب، وعلم الجهاز التنفسي، والرعاية المركزة، والتخدير، وذلك من أجل تبين الآراء. وعلى أساس من هذه المراجعة ومن آراء الخبراء قدمت التوصيات معايير وإرشادات أو خيارات. والتوصيات في هذه الوثيقة هي «إرشادات» ما لم ينص على خلاف ذلك (انظر التعريفات).
(1) المعايير التشخيصية للتشخيص السريري لموت الدماغ(14/4)
أ ـ المتطلبات: موت الدماغ هو غياب أداء الدماغ سريريا عندما يكون السبب المباشر معروفا ويمكن إثبات عدم قابليته للانعكاس.
1 ـ وجود دليل سريري أو بتصوير الأعصاب يثبت حدوث كارثة حادة في الجهاز العصبي المركزي تتوافق مع التشخيص السريري لموت الدماغ.
2 ـ استبعاد الظروف الطبية التي تعقد وتربك التقدير السريري (انعدام تحلل كهربائي electrolyte حاد، أو حمض - قاعدة، أو اضطراب في الغدد).
3 ـ عدم وجود تخدر أو تسمم بعقاقير.
4 ـ حرارة الجسم العامة 32 درجة مئوية أو أكثر (90 فهرنهايت).
ب ـ النتائج الثلاث الرئيسة في موت الدماغ: غيبوبة أو انعدام الاستجابة، غياب انعكاسات جذع الدماغ، والاختناق.
1 ـ الغيبوبة أو عدم الاستجابة: عدم وجود استجابة حركية من المخ لكل الأشكال الحادة من الألم (الضغط على الأظفر، أو الضغط على محجر العين).
2 ـ غياب انعكاسات جذع الدماغ.
أ ـ البؤبؤان:
(1) انعدام الاستجابة للضوء الباهر.
(2) الحجم: وضع التوسط (4مم) إلى الاتساع (9مم).
ب ـ حركة العين
(1) انعدام الحركة العينية الرأسية (يستخدم فقط حين لا تظهر كسور أو عدم استقرار في فقرات العنق)
(2) عدم وجود انحراف في العينين عند تروية كل أذن.
(2) مزالق في تشخيص موت الدماغ:
قد تتدخل الملابسات التالية في عملية تشخيص موت الدماغ، ومن ثم لا يتسنى إجراؤه بتيقن بناء على الأسس السريرية وحدها. ويوصى باستخدام الاختبارات التأكيدية.
أ ـ الإصابات الحادة في الوجه.
ب ـ الشذوذات البؤبؤية الموجودة مسبقا.
ج ـ مستويات من التسمم بأي عقاقير مسكنة، أمينجليكوسيد aminoglycosides? أو مضاد للهبوط ثلاثي tricyclic antidepressant? أو anticholinergics? أو مضادات الصرع، أو عوامل كيميائية علاجية، أو مسببات الانسداد في الأعصاب والعضلات neuromuscular blocking agents.
د ـ الاختناق النومي أو مرض رئوي حاد ناشىء عن استبقاء مزمن لثاني أكسيد الكربون.(14/5)
(3) الملاحظات السريرية المتوافقة مع تشخيص موت الدماغ:
المظاهر التالية تلاحظ أحيانا ويجب ألا يساء تفسيرها على أنها دلائل على قيام جذع الدماغ بوظيفته:
أ ـ حركات تلقائية «شوكية» spinal في الأطراف (يجب عدم الخلط بينها وبين الانثناء flexion المرضي أو الاستجابات التمددية).
ب ـ حركات شبيهة بحركات التنفس (ارتفاع وانخفاض الكتفين، أو تقوس الظهر، أو تمدد بين الضلوع دون أحجام مدية ذات أهمية).
ج ـ عرق، أو احمرار الوجه، أو خفقان.
د ـ ضغط دم عادي بدون دعم عقاقيري.
هـ ـ غياب حدة insipidus السكري (آلية تنظيم تناضحي osmolar عادية).
وـ انعكاسات عضلية عميقة، استجابة انثنائية ثلاثية.
زـ انعكاس بابنسكي Babinski.
(4) اختبارات مختبرية تأكيدية (اختيارية):
موت الدماغ تشخيص سريري. ويوصى بإعادة التقييم السريري بعد ست ساعات أخرى، لكن مدة تلك الفترة اعتباطية. والاختبار التأكيدي غير إلزامي لكنه مستحسن في حالة المرضى الذين يتعذر معهم إجراء أو تقييم بعض أجزاء معينة من الاختبار السريري بشكل يُطْمَأن إليه. ومما يجب توكيده أن الاختبارات التأكيدية المقترحة قد تؤدي إلى نتائج متشابهة في حالات المرضى المصابين بتلف خطير في الدماغ ممن لم تتحقق فيهم بعد المعايير السريرية لموت الدماغ. ونتائج الاختبارات التأكيدية التالية مرتبة، ويأتي في أولها أشد الاختبارات حساسية. والمعايير محل الإجماع تتحدد عن طريق الاختبارات الفردية.
أ ـ تصوير الأوعية التقليدي: انعدام حشو داخل المخ عند مستوى تشعب الشريان السباتي أو دائرة ويليس Willis. وتكون الدورة الخارجية للشريان السباتي ظاهرة، وحشو الجيب الأعلى الطولاني قد يؤخر.(14/6)
ب ـ رسم المخ: انعدام النشاط الكهربي خلال الثلاثين دقيقة الأولى من التسجيل الذي يلتزم بالحد الأدنى من المعايير الفنية لتسجيلات رسم المخ عند الاشتباه في موت الدماغ كما تبنته «الجمعية الأمريكية لرسم المخ» باستخدام أجهزة رسم مخ ذات 16 قناة.
ج ـ صورة صوتية بنظام دوبلر لما وراء الجمجمة:
1 ـ من المرضى قد لا يوجد لديهم نوافذ صوتية insonation windows صدغية. ومن ثم، فإن الاختفاء الأولي لعلامات دوبلر لا يمكن أن يفسر على أنه بسبب موت الدماغ.
2 ـ وجود القمم الانقباضية الصغيرة في الانقباض المبكر بدون تدفق انبساطي diastolic أو تدفق ارتدادي، يشير إلى مقاومة عالية للأوعية مرتبطة بتزايد كبير في الضغط داخل الجمجمة.
د ـ تصوير مقطعي للدماغ بعنصر Technetium 99m hexamethylpropyleneamineoxime: انعدام الامتصاص للنظائر في النسيج الحشوي للدماغ (ظاهرة الجمجمة الفارغة).
الجمعيات الطبية التي دعيت للتعليق على هذا المقياس العملي.(*)..
الأكاديمية الأمريكية لأطباء العائلات.(*)..
الجمعية الأمريكية لجراحي الأعصاب.
الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال.
واللجنة الفرعية للمقاييس النوعية تشكر اللجنة الفرعية للأخلاق والدراسات الإنسانية، والخمسة جمعيات أعضاء في شبكة المراجعة العضو في الأكاديمية الأمريكية للأعصاب AAN? الذين راجعوا وأرسلوا تعليقاتهم على هذا المقياس العملي. كما تقدر اللجنة الفرعية المراجعات التي قام بها العديد من اختصاصيي الحالات الحرجة.
أعضاء اللجنة الفرعية للمقاييس النوعية:
أقرتها اللجنة الفرعية للمقاييس النوعية في 20 يوليو 1994
أقرتها لجنة الممارسة في 29 يوليو 1994
أقرتها الهيئة التنفيذية في 24 سبتمبر 1994 .(14/7)
توجه المراسلات والاستئذان لإعادة الطبع إلى Joanne F. Okagaki? الجمعية الأمريكية للأعصاب? Suite 335, 2221 University Ave.,SE, Minneaplois, MN 55414دراسة الخلفية التي أعدها Eelco F.M.Wijdicks د.ط. متوفرة لمن يطلبها من مكتب الأكاديمية للأعصاب (2439-623/612).
قدم التقرير إلى مجلة NEUROLOGY للنشر. قد تحتوي النسخة المنشورة على بعض التغييرات التحريرية الطفيفة.
(حقوق النسخ 1994 - الأكاديمية الأمريكية للأعصاب).(14/8)
الجلسة الختامية
أ - بيان من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
حول التعريف الطبي للموت
بيان من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
حول التعريف الطبي للموت
بسم الله الرحمن الرحيم
سبق للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن عقدت في عام 1985، ندوة ضمت نخبة من الفقهاء والأطباء ورجال القانون والعلوم الإنسانية، درست فيها موضوع نهاية الحياة الإنسانية دراسة مستفيضة، ومحصت هذا الموضوع تمحيصا دقيقا، ووافقت على ما يلي:
أولا: رأت الندوة أنه في أكثر الأحوال عندما يقع الموت فلا تقوم صعوبة في معرفته استنادا إلى ما تعارف عليه الناس من أمارات، أو اعتمادا على الكشف الطبي الظاهري الذي يستبين غياب العلامات التي تميز الحي من الميت.
ثانيا: تبين للندوة أن هناك حالات قليلة العدد، وهي عادة تكون تحت ملاحظة طبية شاملة ودقيقة في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ووحدات العناية المركزة، تكتسب أهميتها الخاصة من وجود الحاجة الماسة إلى تشخيص الوفاة فيها، ولو بقيت في الجسم علامات تعارف الناس من قديم على أنها من علامات الحياة، سواء أكانت هذه العلامات تلقائية في بعض أعضاء الجسم، أم كانت أثرا من آثار أجهزة الإنعاش الموصولة بالجسم.
ثالثا: وقد تدارست الندوة ما ورد في كتب التراث الفقهي من الأمارات التي تدل على الموت، واتضح لها أنه في غيبة نص شرعي يحدد الموت، تمثل هذه الاجتهادات ما توفر آنذاك من معرفة طبية. ونظرا لأن تشخيص الموت والعلامات الدالة عليه كان على الدوام أمرا طبيا يبني بمقتضاه الفقهاء أحكامهم الشرعية، فقد عرض الأطباء في الندوة الرأي الطبي المعاصر فيما يختص بحدوث الموت.
رابعا: وضح للندوة بعد ما عرضه الأطباء:
أن المعتمد عليه عندهم في تشخيص موت الإنسان، هو خمود منطقة المخ المنوطة بها الوظائف الحياتية الأساسية، وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ.(15/1)
أن تشخيص موت جذع المخ له شروطه الواضحة، بعد استبعاد حالات بعينها قد تكون فيها شبهة، وأن في وسع الأطباء إصدار تشخيص مستقر يُطمأَن إليه بموت جذع المخ.
أن أيا من الأعضاء أو الوظائف الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس قد يتوقف مؤقتا، ولكن يمكن إسعافه واستنقاذ عدد من المرضى، ما دام جذع المخ حيا.. أما إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقيةٌ من حركة أو وظيفة فهي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام.
خامسا: اتجه رأي الفقهاء - تأسيسا على هذا العرض من الأطباء - إلى أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة هي موت جذع المخ، يعتبر قد استدبر الحياة، وأصبح صالحا لأن تجرى عليه بعض أحكام الموت، قياسا - مع فارق معروف - على ما ورد في الفقه خاصا بالمصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح.
أما تطبيق بقية أحكام الموت عليه فقد اتجه الفقهاء الحاضرون إلى تأجيله حتى تتوقف الأجهزة الرئيسية.
وتوصي الندوة بأن تجرى دراسة تفصيلية أخرى لتحديد ما يعجل وما يؤجل من الأحكام.
سادسا: بناء على ما تقدم اتفق الرأي على أنه: إذا تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعية.
وانطلاقا من حرص المنظمة على متابعة جميع المستجدات العلمية على الساحة العالمية والإقليمية، وحرصا منها على جلاء بعض الشبهات التي نجمت في الآونة الأخيرة عمّا نشر في الصحف السيارة وأذيع على شاشات التلفزيون، من تشكيك في المفهوم المتفق عليه عالميا والقائل باعتبار موت الدماغ brain مع موت جذعه موتا كليا لا رجعة فيه، أساسا لتحديد لحظة الموت.
ولما كانت الساحة العلمية بطبيعتها ساحة متحركة، فقد رأت (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية) أن من واجبها تحري الحقيقة وتسليط الضوء من جديد على هذا الموضوع استجلاء لوجه الحق فيه، فقامت من أجل ذلك بخطوتين:(15/2)
أما الخطوة الأولى: فتمثلت في مشاركة المنظمة في المؤتمر الدولي السنوي «لشبكة موت الدماغ وتحديد الموت» الذي انعقد بمدينة [سان فرنسيسكو] بالولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 1996م، للتعرف على أية مستجدات في الموضوع. وقد تأكد لممثلي المنظمة في هذا المؤتمر أنه لم يطرأ أي تعديل على المفهوم المتفق عليه، والقائل باعتبار موت الدماغ وجذعه موتا كليا لا رجعة فيه أساسا لتحديد لحظة الموت، وأنه ما من حالة صح فيها تشخيص موت الدماغ وجذعه عادت إليها الحياة، وما من حالة عادت إلى الحياة توفرت فيها الشروط الأساسية لتشخيص موت الدماغ وجذعه، وأن كل الاختلافات التي ظهرت أثناء المناقشات إنما انحصرت في أمور فلسفية بحتة لا أثر لها في تحديد لحظة الموت.
وأما الخطوة الثانية: فكانت إقامة ندوة بالكويت من 17-19 ديسمبر 1996م ضمت نخبة من الأساتذة المختصين في الأمراض العصبية، وجراحة الأعصاب، والتخدير، والعناية المركزة، وجراحة القلب، وزرع الأعضاء، والطب الباطني، وطب الأطفال، والأمراض النسائية، والجراحة العامة، ومختصين في التشريع الطبي، وفدوا من المملكة العربية السعودية والكويت ومصر ولبنان وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما حضرها المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.
وقد فُصِّل الأمر خلال الندوة تفصيلا كاملا، ودار نقاش طويل واف للموضوع على مدى ثلاثة أيام، وتبين للمجتمعين أنه ما من حالة تأكد فيها تشخيص موت الدماغ وجذعه وعادت إليها الحياة، وما من حالة عادت إلى الحياة بعدما توفرت فيها شروط تشخيص موت الدماغ وجذعه، وأن كل الحالات التي استشهد بها مَنْ شكك في هذا المفهوم كانت إما حالات لم يتم الالتزام فيها بمعايير التشخيص التزاما صارما، وإما حالات نجمت عن خطأ في التشخيص أو الاستنتاج أو الاستدلال.(15/3)
وبعد جلاء الموضوع، وتصفيته مما ثار حوله، والكشف عن وجه الصواب كما فصله الأساتذة الحاضرون، تأكيدا لرسالة الطبيب الملتزم بتعاليم دينه، والمطلع على أحدث ما وصل إليه العلم الحديث، وكما خلص إليه الرأي العالمي في العديد من المؤتمرات العالمية السابقة على هذه الندوة، وفي ضوء الخبرات الجيدة التي عرضت في الندوة من المنطقة، ولا سيما ما قام به العاملون في المجال الصحي في المملكة العربية السعودية وما يلتزمون به من احتياطات شرعية وعلمية، طمأنت المجتمعين إلى أن هذه الخبرات تتفق مع آخر ما توصل إليه العلم الحديث، فقد أصبح واضحا للمجتمعين أن الموضوع لم يجدّ به جديد وأن ذلك يدعو المنظمة للتمسك بتوصياتها السابقة في ندوتها «الحياة الإنسانية: بدايتها ونهايتها» التي عقدت بالكويت عام 1985، والفتاوى الصادرة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1986م، بل إن كل ما استجد يؤكد صحة ما انتهت إليه تلك التوصيات.
وقد أقرت المنظمة، بناء على معالجات ومناقشات أهل الذكر والتخصص الطبي الثقات، المفاهيم والمعايير والضوابط التشخيصية التالية لتحديد لحظة الموت، وذلك للاسترشاد بها في إصدار التشريعات والقرارات التنظيمية في هذا الصدد، وهي تمثل الضوابط والمعايير المتفق عليها عالميا، والتي وثقتها التجربة والممارسة.
أولا - العلامات التي يعرف بها الموت:
يعتبر الشخص ميتا في إحدى هاتين الحالتين:
أ ـ التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لوظائف الجهاز التنفسي والجهاز القلبي الوعائي.
ب ـ التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لكل وظائف الدماغ brain بأجمعه، بما في ذلك جذع الدماغ brain stem.
ويجب التحقق من حصول إحدى الحالتين السابقتين حسب المعايير الطبية المقبولة.
ثانيا - الدلائل الإرشادية لتقرير موت الدماغ بما فيه جذعه:(15/4)
ـ يتطلب نجاح هذه الدلائل الإرشادية وجود طبيب حكيم مختص وحاذق، ذي خبرة في الفحص السريري (الاكلينيكي) لحالات موت الدماغ وما يتطلبه ذلك من إجراءات.
ـ تستدعي فترات المراقبة الموصوفة أن يكون المصاب تحت رعاية تامة من قبل الطبيب، وفي مركز متخصص تتوافر لديه الإمكانات اللازمة لهذا الأمر.
ـ ينصح بالاستشارة من متخصص ذي خبرة كلما تطلب الأمر ذلك.
الشروط المسبقة Preconditions الواجب توافرها قبل التفكير في تشخيص موت الدماغ brain death:
1 ـ أن يكون المصاب في غيبوبة عميقة لم يمكن استفاقته منها.
2 ـ أن يكون سبب الغيبوبة هو حدوث تلف شديد في بنية الدماغ بسبب إصابة شديدة (مثل رض شديد على الرأس أو نزف جسيم massive داخل الدماغ)، أو في أعقاب جراحة على الرأس، أو ورم كبير داخل الجمجمة أو انقطاع التروية الدموية عن الدماغ لأي سبب، وتأكيد ذلك بالوسائل التشخيصية اللازمة.
3 ـ أن يكون قد مضى ست ساعات على الأقل من دخول المصاب في غيبوبة.
4 ـ ألا يوجد لدى المصاب أي محاولة للتنفس التلقائي.
ولتشخيص التوقف الكامل الذي لا عودة فيه لوظائف الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ فإن ذلك يستلزم:
1 ـ غيبوبة عميقة مع انعدام الإدراك unreceptivity والاستجابة unresponsivity.
2 ـ العلامات السريرية (الإكلينيكية) لتوقف وظائف جذع الدماغ وتشمل غياب منعكسات الحدقة والقرنية، واختفاء المنعكس الرأسي العيني oculocephalic reflex? والمنعكس العيني الدهليزي oculovestibular reflex والمنعكس البلعومي Gag reflex ومنعكس السعال والتقيؤ cough and vomiting reflexes.
3 ـ انعدام قدرة المصاب على التنفس التلقائي بالاختبار المعتمد Apnea test أثناء توقف مضخة التنفس لفترة محددة.
ويلاحظ في هذا الشأن:
أن بعض المنعكسات النخاعية الشوكية يمكن أن تبقى حتى بعد حدوث الموت ولا تتعارض مع اكتمال تشخيص موت الدماغ.(15/5)
وأن وضعيات التشنج المميزة لفصل القشرة decortication أو فصل المخ decerebration وكذلك الاختلاجات الصرعية seizures لا تتوافق مع تشخيص موت الدماغ.
كما يجب استبعاد كل الحالات المرضية التي يمكن علاجها أو تراجعها وفقا لما يلي:
1 ـ استبعاد أي احتمال لكون المصاب تحت تأثير المهدئات sedatives أو المواد المخدرة narciotics أو السموم poisons أو مرخيات العضلات muscle relaxants? أو هبوط حرارة الجسم دون 33 مئوية، أو أن يكون المصاب في حالة صدمة قلبية وعائية لم تعالج.
2 ـ استبعاد الاضطرابات الاستقلابية (الأيضية) metabolic أو الغُدَدِيَّة التي يمكن لها أن تؤدي إلى تلك الغيبوبة.
3 ـ التأكد من توقف كلي في وظائف الدماغ توقفا يستمر لفترة من الملاحظة والمعالجة وهي:
ـ 12 ساعة منذ تشخيص غيبوبة اللاعودة.
ـ 24 ساعة حين يكون سبب الغيبوبة هو الانقطاع الشامل في الدورة الدموية (كما يحدث في توقف القلب مثلا).
وفي الأطفال دون سن الشهرين تمدد فترة الملاحظة والعلاج إلى 72 ساعة مع إعادة تخطيط كهربية الدماغ بعد فترة الملاحظة، أو تجرى اختبارات الدورة الدموية على الدماغ.
أما الأطفال من شهرين إلى اثني عشر شهرا فيحتاج تقرير حالة اللاعودة فيهم إلى زيادة فترة الملاحظة والعلاج إلى 24 ساعة مع إعادة تخطيط كهربية المخ بعد فترة الملاحظة.
ويعامل الأطفال فوق السنة الأولى من العمر معاملة البالغين.
مواصفات الفريق المخول إليه تقرير موت الدماغ:
1 ـ يتكون الفريق من طبيبين مختصين على الأقل، من ذوي الخبرة في تشخيص حالات موت الدماغ، ويفضل استشارة طبيب ثالث مختص في الأمراض العصبية عند الحاجة.
2 ـ ينبغي أن يكون أحد الطبيبين على الأقل مختصا بالأمراض العصبية أو جراحة الدماغ والأعصاب أو العناية المركزة.
ودرءا لأية شبهة أو مصلحة خاصة قد تؤثر على القرار، يستبعد من هذا الفريق أي من المذكورين فيما يلي:
1 ـ أي فرد من فريق زرع الأعضاء.(15/6)
2 ـ أي فرد من عائلة المصاب.
3 ـ أي فرد آخر له مصلحة خاصة في إعلان موت المصاب (كأن يكون له إرث أو وصية مثلا).
4 ـ كل من ادعى عليه ذوو المصاب بإساءة التصرف المهني تجاه المصاب.
نموذج إرشادي لإصدار شهادة موت الدماغ:
يقترح إعداد استمارة تحتوي على مكان لتوقيع كل من الأطباء الفاحصين مقابل كل شرط من الشروط.
الفحص الأول ... ... ... ... الفحص الثاني
عند التشخيص المبدئي لموت الدماغ ... ... بعد 6 ساعات من الفحص الأول
أ ـ استيفاء الشروط المسبقة.
ـ حدوث تلف لا يمكن شفاؤه قد أصاب
الدماغ وذلك بسبب (يذكر السبب مثل النزف الدماغي الجسيم)
ـ مضي ست ساعات على الأقل بعد الدخول في الغيبوبة.
ـ عدم تمكن المصاب من التنفس التلقائي
ب ـ استبعاد الأسباب المشتبهة:
ـ هل حرارة باطن الجسم دون 33 مئوية؟
ـ هل المصاب لم يعالج بأدوية تحدث الغيبوبة أو بمرخيات العضلات.. الخ؟
ـ هل تم إجراء قياس معملي (مختبري) لمستوى الأدوية التي يمكن أن تحدث الغيبوبة؟
ـ هل المصاب في حالة صدمة قلبية وعائية لم تعالج؟
ـ هل تم استثناء الأسباب الاستقلابية والغدية؟
جـ ـ الفحص السريري (الإكلينيكي):
ـ هل انعدمت الاستجابة للمنبهات الخارجية؟
ـ هل منعكسات جذع الدماغ الآتية موجودة:؟
ـ استجابة الحدقة للضوء
ـ استجابة القرنية للمس
ـ المنعكس الرأسي العيني
- المنعكس الدهليزي العيني
- منعكس التقيؤ
- منعكس السعال
د ـ الاختبارات التأكيدية عند الضرورة:
أ ـ تخطيط كهربية الدماغ وفق المعايير المقبولة ... ... لا يوجد نشاط كهربي
... أو
ب ـ انعدام الدورة الدموية نحو الدماغ بالتصوير ... ... لا يوجد دورة دموية للدماغ
هـ ـ في حالة استيفاء الشروط السابقة هل أجري اختبار
ـ توقف التنفس؟
ـ ما نتيجته؟(15/7)
وبعد، فإن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، إيمانا منها بدورها في خدمة شريعة الله السمحة الصالحة لكل زمان ومكان والمحققة دوما للمصالح الصحية للعباد، تغتنم هذه المناسبة لتناشد جميع المعنيين بهذه القضايا الهامة، أن يحصروا مناقشة هذه القضايا الهامة مناقشة علمية جادة مستنيرة مع أهل الذكر من الأطباء المختصين في المحافل العلمية المناسبة، ولا يخرجوا على عامة الناس بعرض آراء أو أفكار يمكن أن تحدث بلبلة أو قلقا لدى الناس.
كما تهيب المنظمة بالمسؤولين في بلدان العالم الإسلامي أن يستصدروا التشريعات التي تتضمن ضوابط تحديد لحظة الموت، والتشريعات التي تتضمن ضوابط زرع الأعضاء، مسترشدين بما توصلت إليه هذه الندوة ضمانا لتوفير الرعاية الإنسانية والأخلاقية للمواطنين، واجتلاء للأصول الشرعية في هذا المجال، واجتنابا لأي انحراف عن الممارسة الطبية القويمة مرده إلى عدم وجود تشريع منظم للقواعد والضوابط أو غموض في تبيُّن هذه الأصول.
كما تدعو المنظمة إلى إيجاد وسيلة للتواصل بين العاملين في مراكز زرع الأعضاء في البلدان العربية والإسلامية، لتبادل المعلومات والخبرة والتدريب، والتعاون في رفع مستوى هذا النوع من أنواع الرعاية الطبية.
والله من وراء القصد???(15/8)
ب - الكلمات الختامية
الرئيس: الدكتور عبدالرحمن العوضي: بعد أن انتهينا من الاستماع للبيان، هناك بعض الإخوان الذين يرغبون في الكلمة... دكتور حمدي السيد تفضل:
الدكتور حمدي السيد: إنني أحب أن أتكلم باسمي أولا وباسم جميع المشاركين في هذا المؤتمر، أولا نتقدم بالشكر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الأستاذ الدكتور عبدالرحمن العوضي على ما بذل من جهد ومبادرة بهذه المشكلة الهامة، والأخ الدكتور أحمد رجائي الجندي على التنظيم، وأعتقد أننا جميعا لا يمكن أن نشكو من أي نقص في التنظيم، لأن التنظيم كان ممتازا، تنظيم على المستوى الشخصي، وتنظيم على المستوى العام، وتنظيم على مستوى المؤتمر، والحقيقة فإني أتقدم بالشكر لجميع المشاركين في هذا. الدكتور عبدالرحمن العوضي له نفوذ شخصي وصداقة شخصية فقد أقنع قمما كبيرة أنا أرى أنها حاضرة في هذا المؤتمر، وأعتقد أن عدداً كبيراً حضروا محبة للدكتور العوضي; لأن الدكتور العوضي له تاريخ طويل في العمل العام، وكلنا يحفظ له ذكريات ممتازة ومتميزة، وأنا أعتبر أن المبادرة من المنظمة لبحث هذا الموضوع الهام، أعتقد بالنسبة لنا جميعا وبالنسبة لي أنا وبالنسبة للإخوة الحاضرين من مصر أعتقد أن توقيته توقيت حيوي جدا، نحن نعني هذه المناقشات وأرجو أنها تنشر في كتاب مثل الكتاب الأول لأنه في الواقع نحن محملين بكمية أوراق كثيرة جدا، وأنا أتحدث عن نفسي لأني استفدت جدا واعتبرت نفسي تلميذاً يحضر في فصل أو مدرسة; تعلمت من إخواننا المتخصصين ومن إخواننا الذين لهم تجربة كبيرة واسعة أو عريضة، وإذا كانت المناقشات حادة في بعض الأحيان لكن الضرورة أن هذه المناقشات كانت تهدف المصلحة العامة، أنا لا بد أن أحيي الأخ الدكتور صفوت لأنه حضر وناقش وإذا كان قد تمسك برأيه إلى النهاية لأنه في الحقيقة لديه شجاعة كبيرة جدا حيث يأتي في مواجهة هذا الحفل الكبير الملئ بالقمم وصمد إلى النهاية، والدكتور رؤوف(16/1)
سلام يمكن لي أتحدث وأقول: إنه كان مثالا طيبا جدا للمناقش. طبعا أنا لا أريد أن أتقدم بالشكر إلى كل من حضر حتى لا أنسى أحداً لكن لي الشرف أن أجلس هنا مع اثنين من أساتذتي: الدكتور إبراهيم بدران والدكتور ممدوح جبر، لأن الدكتور ممدوح جبر أيضا يحضر مؤتمرا ويجلس أربعة أيام لم يتحرك إلى أي مكان آخر لا بد أن يكون قد فعل ذلك بناء على تقدير شديد للمنظمة ورئيسها، والآخر الذي نحرص عليه ولا نقدر أن نلاقيه هو الدكتور حسين الجزائري يحضر ويجلس هنا ثلاثة أيام ولم ينقطع دقيقة واحدة أعتقد أننا نشرف بهذا الوجود واستمرارية هذا الوجود طوال هذه الفترة، الدكتور هيثم الخياط تعلمنا منه البلاغة والفصاحة واللغة، الدكتور حسان حتحوت كان حلما كبيراً، كان حلماً كبيراً أننا نلتقي به ونستمع إلى جهوده وعمله، أما أستاذي الدكتور أبو شادي الروبي الفيلسوف الكبير وأرجو أن توافقوني أنه أحد درر المهنة التي نعتز بها والذي فيكم من سعد بالجلوس معه ثلاثة أيام فهذا يكون قد عمل عملاً عظيماً وهو أحد القمم التي نعتز بها جميعاً. وأنا شرفت بأخينا الدكتور خيري السمرة وهو رجل مشارك حضر وساهم، وإخواننا الذين حضروا جميعاً وتركوا أعمالهم في أمريكا وفي السعودية وأنا سعيد ومسرور بالتجربة السعودية وما حققته، والله يحفظهم ويظلون هم النبراس الذي نلجأ إليه دائما، إخواننا الذين حضروا من كل موقع ومن كل مكان أنا شخصيا أعتز بالزملاء خلال هذه الفترة وأعتقد أنكم جميعا تشاركوني هذا الاعتزاز، أخونا الدكتور عبدالرحمن العوضي وأخونا الدكتور أحمد رجائي الجندي تمنياتنا لكما وللمنظمة دائما التي تحمل هذه المسئوليات على أكتفها بفضل رئاستك وأتمنى لها الخير الكثير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/2)
الدكتور حسين الجزائري: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله، لعلي قد أتيحت لي عدة فرص لم أستعملها لشكر المنظمة، وفي هذه العجالة أعتقد أن من الواجب أن أكرر الشكر لهذه المنظمة على ما تقوم به وقامت به في السابق، أصبحت اليوم هي المسئولة عن إظهار أخلاقيات الطب بالنسبة للعالم الإسلامي، فحتى الآن لا توجد جمعية ذات صوت في العالم الإسلامي تتكلم عن أخلاقيات الطب وتراث الطب العريق لهذه الأمة، وهذا الدور الذي تقوم به المنظمة بطبيعة الحال كان أحد العوامل الرئيسية لإنشائها والحمد لله، وأنها لم تقم بهذا الجانب فقط ولكن في كل الجوانب التي من أجلها أنشئت هذه المنظمة ولعل النشاط المستمر لأخي وزميلي الدكتور عبدالرحمن العوضي وساعده الأيمن الدكتور أحمد رجائي الجندي لعل النشاط لهذين الزميلين السبب أو العامل الأساسي في جعل هذه المنظمة بهذه القوة وبهذه الكفاءة، فنحمد الله سبحانه وتعالى على أن مكن لنا من هذا الاجتماع ومن لقاء هذا الحشد الكبير من الإخوان، ولعل ما قاله الدكتور خيري السمرة من أن وجودي إلى جانب زميل عمري الدكتور حسن حسن علي طيلة هذه الفترة كان في حد ذاته كافيا لإغرائي بالحضور، فنحمد الله سبحانه وتعالى أن سهل لنا هذه المشاركة، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن تستمر هذه المنظمة في هذا العمل وتستمر في هذا النوع من الإنجازات، ونود أن تكون فعلا الجانب المشرق لأخلاقيات الطب الإسلامي، وأن تصل كل هذه النتائج إلى كافة العالم الإسلامي، ولعل التوصية أن يكون لنا في العالم العربي جهد مشترك للتنظيم والتعاون من أجل إنشاء زراعة أو غرس الأعضاء أرجو أن تكون النواة قد صدرت من هذا الاجتماع ونكون بهذا قد حققنا الكثير والحمد لله وشكرا.(16/3)
الدكتور يوسف ريزه لي: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا أيضا أود أن أقدم شكري باسم تركيا لمعالي الأستاذ الدكتور رئيس المنظمة ولساعده الأيمن أيضا لما لقيته أنا شخصيا وما قضيته أنا خلال أيام ثلاثة سعيدة غاية في السعادة أرجو من الله تعالى أن يمد في أعمارهم ويصلح في أعمالهم، وأنا لي رجاء هنا إذا قبلتموه سأكون ممنونا لأني أتعاطى - علاوة على الطب كجراح في الدماغ - أتعاطى فنا عريقا إسلاميا هو فن الخط العربي الذي تعلمته أنا في بغداد وأنا في الدراسة المتوسطة، تعلمته، على يد الخطاط محمد هاشم البغدادي وأنا في تحصيل الطب وقبله كنت أكتب بالوسائل الكلاسيكية للخط أي بالقلم القصب والحبر الصيني إلا أنني في سنة 1993 - وأنا في عيادتي الخاصة أستعمل الكمبيوتر - طرأ على ذهني أن أستبدل، هل يمكنني أن أستبدل القلم القصب بالكمبيوتر؟ (بالماوس) الذي يعود للكمبيوتر، وأن استبدل الورق بشاشة التليفزيون؟ فعملت كثيرا كثيرا حتى حصلت على برنامج أجريت عليه أنا بعض التعديلات ووفقت في كتابة الخطوط بكل أشكالها: الثلث والتعليق والديواني والنسخ والكوفي، ويوجد الآن في [الهاردسك] الذي يعود إلى كمبيوتري لو ترغبون وتحبون وليكن مركزا ترفيهيا بالنسبة لنا جميعا لأننا تعبنا من الجدل وغير الجدل، فأود أن أطلعكم على بعض الآثار لتكون سبيلا للترفيه عنّا جميعا، فهل توافقون؟ بعد الجلسة إن شاء الله، وشكرا.(16/4)
الدكتور محمد علي البار: بسم الله الرحمن الرحيم... أبدأ مرة أخرى بتوجيه الشكر الجزيل لمعالي الدكتور عبدالرحمن العوضي والدكتور أحمد الجندي وأساتذتي الأجلاء وإخواني المشاركين. الحقيقة مجموعة إخواني من السعودية غادروا المكان وهم الذين كانوا أحق بالكلام مني، لأني مشارك لهم مشاركة بسيطة جدا في هذه المشاريع القوية في السعودية، ولكن لا شك أن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد قامت من أول يوم بدورها البارز المتميز في مجال الطب الإسلامي، وقامت كما تعلمون بأكثر من خمسة مؤتمرات قوية كبيرة جدا بالإضافة إلى عشر ندوات من هذا الحجم الثقيل كان لي شرف المشاركة في بعض هذه المؤتمرات وبعض الندوات وقد سعدت شخصيا - مع زملائي من السعودية - بهذه الفرصة بالحضور مرة أخرى إلى الكويت وإلى المنارة التي ترفعها هذه المنظمة، والواقع فإنّ الشكر لله سبحانه وتعالى وبعد ذلك لجهود أستاذنا معالي الدكتور عبدالرحمن العوضي إذْ لولا وجودهم - بعد إرادة الله سبحانه وتعالى - لما تحققت أي خطوة من خطوات وجود هذه المنظمة التي رفعت مستوى التفكير العلمي والأخلاقي الإسلامي في هذه البلد وفي البلاد الإسلامية كافة، وأصبحت منبراً ومعلما بارزا لهذه الأمة وفي الحقيقة فإن الجهود التي بذلتها المنظمة وهم يتواضعون كثيرا ومن كثرة التواضع لا يعرف كثير من إخواننا - حتى الذين جاءوا إلى هنا - لا يعرفون الجهود، المركز الإسلامي سترونه بعد قليل كان معْلماً ثم جاءت الجائحة (اجتياح الكويت) وتهديم كل ما كان موجوداً وهدمت المكتبة - كما فهمت من أخي الكريم الدكتور أحمد الجندي - حتى الأشياء الأساسية الموجودة كلها هدمت، ثم أعادوا البناء في فترة وجيزة وبإعادة البناء - إن شاء الله - تكون الخطوات أقوى مما كانت سابقة وأضافوا إلى ذلك التعاون الوثيق بينهم وبين مجمع الفقه الإسلامي، من منظمة المؤتمر الإسلامي وإيجاد الدورات المستمرة بين الجهتين سيرفع نوعية(16/5)
النقاش ونوعية العلم ونوعية القضايا الطبية المطروحة.
فلا شك أن كل الجهود التي بذلتها المنظمة من أول يوم استفاد منها عدد كبير من المسلمين لكن لي رجاء حقيقة لأني أينما أذهب وأتحدث عن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وما قدمته في الكويت يقولون: أين كتبها؟! في إندونيسيا ويسألون عنها في جنوب أفريقيا وسألوني عنها أينما ذهبت، يبحثون عن هذه الثروة الكبيرة غير المتوفرة حتى في السعودية. فلابدّ من النظر في إيصال هذا العلم وهذه المناقشات لقطاع أوسع عدداً من الذين يحضرون; لأن الذين يحضرون محدودون جدا وعدد الذين يأخذون هذه الكتب عدد محدود أيضا، ولكن كيفية إيصالها إلى مراكز البحث العلمي في العالم الإسلامي كله في الولايات المتحدة وغيرها هذا أمر أساسي، وصحيح إنه زيادة جهد فوق ما تبذله المنظمة لكن المنظمة لا تبخل علينا بذلك ولا تبخل على الأمة الإسلامية بهذه الأبحاث القيمة وهذه الدرر الموجودة التي يستفيد منها أجيال وأجيال، وتضع معلما لكيفية البحث وكيفية الدراسة وكيفية النظر في هذه الأمور حقيقة، أخ من تركيا يقدم رسالة دكتوراه في أخلاقيات مهنة الطب وواحد ثانٍ في مانشستر، وعندما حدثته عن أعمال المنظمة ذهل وقال: أرجوك أن تمدّني بذلك كيف أستطيع العثور عليها؟ فالواقع في كل مكان من كل زاوية في العالم الإسلامي والعالم أجمع يحتاج تماما إلى هذه الأبحاث القوية التي لها مكانة وأصبحت منارة ويحتاج إليها الجميع، وربما تشارككم دول أخرى على هذا الطريق، لا نريد أن تحتكر الكويت هذا الفضل كله، فضل من الله سبحانه وتعالى لكن في الكويت أصبحت في هذا المجال رائدة في العالم الإسلامي بأكمله، والدعوة لا تزال مفتوحة وأنا تعلمت كثيراً في هذه الدورة من أساتذتي الأجلاء من النقاشات الموجودة من الانفتاح وسعة الصدر حتى كان الدكتور رؤوف سلام يعطي مثالا رائعا للإنسان الذي يعارض بعلم واتزان ومعرفة وأدب جم، كذلك أخي الدكتور صفوت(16/6)
حقيقة لولا بعض الانفعالات التي تأتي من حين لآخر، وربما يكون له الفضل - بعد الله سبحانه وتعالى - في اجتماعنا جميعا، وللاستفادة من وجود هذه المجاميع النيرة القوية العالمة التي أفاضت بعلمها وأدبها، وإن شاء الله كلنا نتعلم ما أعتقد أحد منا إلا وقد تعلم الكثير أو القليل حسب درجته من العلم، كما أفاض وعلم، وإذا كان أستاذنا الدكتور حمدي السيد يقول: إنه تعلم الكثير، فكيف بي وغيري؟! لا بد أنهم قد تعلموا الكثير وأكرر الشكر الجزيل لهذه المنظمة التي نرجو أن يزداد نورها وإشعاعها على العالم الإسلامي، وأن توزع هذه الكتب التي نشرت بكافة الوسائل حتى تصل إلى العالم الإسلامي بأكمله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/7)
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، أقدم شكري للمنظمة لدعوتي لهذه الندوة وأقدم شكري بوجه خاص إلى الأخ الكبير الأستاذ الدكتور عبدالرحمن العوضي لبحثه عن الحقيقة وتكراره لسؤالي في الأمور التي اختلفت فيها معه أو مع باقي أعضاء الندوة تكراره لسؤالي مرة بعد مرة وقد شعرت فعلا أنه يبحث عن الحقيقة بكل أمانة كما أشكر الأخ الدكتور أحمد الجندي لعمله في تنظيم هذه الدورة بهذا الشكل الناجح، أنا لا أستطيع أن أتكلم إلا شكرا للدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء ولكني أشكره بالنيابة عنا لأن الدكتور حمدي السيد هو من ناب عنا في مصر وأطباء مصر في الشكر، لكن أتقدم بشكري إلى الدكتور حمدي السيد الذي تصرف معنا بالشكل الذي نتوقعه من نقيب أطباء مصر، وبالطبع أتقدم بالشكر لأساتذتي الأجلاء كلهم: الدكتور إبراهيم بدران، والدكتور ممدوح جبر لتحملهما للرأي المخالف بل وتشجيعهما لي لأن أقول رأيي بصراحة وبكل أمانة. أتقدم بشكري كذلك إلى الدكتور أبو شادي الروبي والذي آمل في جولة معه إلى المكتبة إن شاء الله، أتقدم بعظيم شكري لجميع الزملاء لما تعلمته منهم، وكذلك الذين غادروا القاعة لأسباب السفر، الدكتور فيصل والدكتور سهيل في مناقشتي معهم في شئون نقل الأعضاء والصداقة التي تولدت بيننا في هذا الشأن، وأنا أشهد أن هذه الدورة أتاحت الفرصة لكل رأي، أتاحت الفرصة للرأي والرأي الآخر، وأتاحت الفرصة لجميع المناقشات الخاصة بهذا الموضوع، وأسجل هنا أنها أتاحت الفرصة لمعارضي الرأي الأغلب في الندوة بدرجة كافية جدا لإظهار رأيهم بشكل كافٍ لإقناع أعضاء الندوة إذا كانوا سيقتنعون، ولم يقتصر على رأي أحد أبدا، وأشكر الدكتور هيثم الخياط في رئاسة الجلسة وإتاحة الفرصة لي وكذلك الدكتور حسين الجزائري الذي دائما يشجعني على المشاركة برأي سواء كان الرأي يتفق مع رأيه أو يختلف معه وشكرا جزيلا.(16/8)
الدكتور محمود كريديه: حضرة الرئيس اللبناني الذي يحبك أكثر من أنك تحبه ينقل لك شكره وشكر عدد كبير من اعضاء القسم الطبي في المجتمع اللبناني الذين هم بحاجة ماسة لمثل هذا العمل وفقكم الله وشكرا.
الدكتور حسن حسن علي: بسم الله الرحمن الرحيم يعجزلساني لإتاحة الفرصة لي للمشاركة في أجمل ندوة لا يمكن أن تقاس بالندوة التي حضرتها في [سان فرانسيسكو] أي أنها كانت أكثر نظاما وأكثر فعالية وأكثر قواماً، وأشكر الأخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن العوضي والدكتور أحمد رجائي الجندي لهذا التنظيم الممتاز، وأعود الآن إلى [بوسطن] وأحس إحساسا قويا بأن في العالم الإسلامي وفي العالم العربي أمل كبير لرفع مهنة الطب الإنسانية وأكون شاكرا لكم جميعا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس: الدكتور عبدالرحمن العوضي: أحب - إن لم يبق أحد يريد أن يتكلم - أن أعبر عن سعادتي لأن ألتقي بكم كي نتعلم منكم الكثير ففي كل اجتماع نعقده دائما أزداد علماً في كثير من الأمور كانت خافية عني، ونحن في هذه المنظمة نحرص دائما على أن نعطي للرأي الآخر الفرصة كاملة لكي نستمع ونختلف مادام ذلك لا يؤدي إلى نوع من الخلاف الذي يفسد الود بين بعضنا البعض.(16/9)
في الحقيقة هذه المنظمة هي منظمتكم ومنظمة كل مسلم تحاول أن ترفع رسالة الإسلام في كل مكان وزمان هذه الرسالة مع الأسف الشديد تشوبها الكثير من الشوائب بسببنا نحن لتقصيرنا في هذا الأمر; لأننا لا نقوم بواجبنا كمسلمين، ويمكن - كما تفضل الدكتور حسن - شاهدنا ذلك عند مشاركتنا في مؤتمر [سان فرنسيسكو] كانت كل الآراء موجودة ونحن حاولنا أن نبرز الرأي المسلم بشكل بسيط جدا لأنني أعتقد أننا مقصرون جدا في توصيل هذا الرأي، ويمكن أن بعض المنشورات التي عرضناها هناك، فتعجب الغربيون لوجود عدد من المسلمين على الأقل يفكرون، لأن عندهم أن هذا شيء غريب: أننا نفكر ونناقش القضايا العصرية، ونناقش الأمور الأخلاقية; فتعجبوا وقلنا لهم: الإسلام دين متفتح جدا، والمشكلة في المسلمين وليس في الإسلام، فلذلك أنا كنت سعيداً جداً فعلاً وحررنا كشفا لمن يريد منشوراتنا ووصل العدد أكثر من 200 شخص في ذلك الاجتماع البسيط يؤكد أن صوتنا يجب أن يصل إلى هؤلاء الناس، والآن العالم يتطور فلا بد أن يكون لنا فكر مشارك نحن - المسلمين - علينا مسئولية كبيرة في أن نشارك في بناء هذا الفكر، وأحب أن أطمئن الدكتور البار فيما يتعلق بالنشر إن شاء الله قريبا سوف يكون عندنا Home page باسم [إسلام نت] على الإنترنت سنحاول أن ننشر ما للمنظمة من مطبوعات ومن أفكار، وآراء كجزء من جزئية كاملة في عملية اسمها [إسلام نت] سنحاول أن ننشر الإسلام، الإسلام البسيط، الإسلام القدوة، الإسلام الذي لا يعرف التعصب ولا يعرف الغلو، الإسلام الذي يجمع القلوب ولا يفرقها هذا الإسلام كله محبة، إن كلمة الإسلام من السلام وتسليم للنفس والروح لله سبحانه وتعالى، أحب أن أطمئن الدكتور البار إن شاء الله سيكون هذا الشيء موجودا، وأيضا ما تفضل به الدكتور حسين في هذا الاجتماع جمعية نسميها جمعية إسلامية للأخلاقيات الطبية، لا بد سوف نتبناها نحن كمنظمة ندعو مجموعة من كل الدول فمندوب(16/10)
لكل دولة لكي ننشئ هذه الجمعية ونشارك العالم في موضوع الأخلاقيات المهنية الطبية; لأننا نحن في حاجة والإسلام عنده من الأخلاقيات وعنده من العطاء في هذا المجال الكثير جدا. إننا لو نسمع كلام الرسول
(() في بداية الإسلام كيف كان يتكلم عن التزام الطبيب وأخلاقيات الطبيب؟! كلام لا يمكن أن يحلم به أحد في هذا الوقت فأعتقد أنّ من واجبنا نشر هذه الرسالة خاصة وأن هذه المنظمة يتبناها صاحب السمو أمير البلاد وهو دائما سعيد، وكان من العادة أن نحظى به ونلتقي به; ولكن هذه المرة كان يوجد ضيف لديه فلم نستطع أن نقابله، ولكنه دائما سعيد أن يجد مثل هذا الانتشار الفكري الإسلامي، الإسلام الفطرة البسيطة إسلام العقل والمنطق والعطاء، وأيضا إن شاء الله سوف يكون هناك متابعة للموضوع هذا بشكل دوري، ونحن لدينا الكثير من الآمال والطموحات، كما يرجع هذا الأمر وليس لي شخصيا بل الفضل يعود إلى إخواني في مجلس أمناء، هم الذين يقودون هذه المنظمة وهم أشخاص مؤمنون معكم بعمل العطاء ويؤمنون فعلا أن لدينا رسالة كبيرة وأنا أدين لهم كل إدانة لما يقومون به وأقوم به وما أنا إلا منفذ للتوجيهات الرئيسية، وكذلك الدكتور أحمد رجائي الجندي (دينمو) المنظمة فهو سابق نفسه بيوم في أي مشكلة، نحن لا نلحق به، ما شاء الله عليه هو وإخوانه في الأمانة وفي السكرتارية يجعلون عملنا سهلا، فلذلك هذا اللقاء في نظري من أحسن اللقاءات لأنه في أول مرة كنا نتناقش في حيثية هامة جدا تهم كل إنسان وتمس كل فرد ومهما اختلفت الآراء مثل الدكتور صفوت، والدكتور رؤوف أشكرهم لأني أنا مؤمن أن أسمع الرأي الآخر فهذا هو الإسلام، الإسلام لم يحجر على رأي، وقد جادلتهم بالتي هي أحسن، جادلتهم بالمنطق والفكر والعطاء، ونحن لنا التزامات قانونية والتزامات أخلاقية بين بعضنا البعض كأطباء لا يجوز أن نذهب خارج القسم الطبي في احترام الإخوان ولا ننشر الذي نتبعه، وأنا سعيد جدا أن(16/11)
ألتقي بالدكتور صفوت الذي شاهدناه مرة في التلفزيون ولم يعجبني كثيراً بل أعجبني أنه حضر وناقش بغض النظر عن إيمانه واعتقاده، فأنا أقدر الشخص الذي يوجد لديه رأي، أرجو ألاّ يكون هذا من أجل الخلاف بل من أجل الوفاق أن نتفق نحاول أن نصل إلى اتفاق ونمسك الجزئية بجزئية لها، إلى أن نصل إلى اتفاق ويجب أن لا نختلف نحن أطباء، الناس ينتظرون منا، نحن يسموننا أهل الذكر فيما يتعلق بالطب ولا بد أن نكون على مستوى هذه الأخلاق، شاكرا لكم وأنا آسف إذا أطلت عليكم وجلسنا معكم يوماً طويلاً أتمنى دائما أن تكونوا معنا فعلاً، سننشر هذه الرسالة وأعتقد أنّه من الواجب علينا أن نقول كلّما نلتقي، ونشدد الصداقة مرة أخرى، ونتعلم من بعضنا البعض وكلما نلتقي يزداد الود فيما بيننا، وفي الختام أشكركم على حضوركم وأنا أعرف أنكم كلكم مشغولون، ولكن لحبكم لدينكم ولربكم وإيمانكم بالله وإيمانكم بعمل إنساني إسلامي هو الذي دفعكم للحضور وهذا أفضل من كل شيء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/12)
نحو تعريف الموت
في المفهوم الطبي والشرعي
الدكتور حسين محمد مليباري
استشاري الأمراض العصبية، أستاذ مساعد، كلية الطب، جامعة الملك عبدالعزيز، جدة، المملكة العربية السعودية.
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد كثر الحديث عن الموت واختلفت الآرء في تعريف الموت بالمعايير الطبية والعلمية والفقهية. ومع تزايد حوادث السير وإصابات المخ البالغة والمتعددة وحالات الغيبوبة الشديدة تواجه الطبيب المسلم بعض المعضلات الطبية والفقهية في تحديد معنى الموت نتيجة للتقدم العلمي والتقني في المجالات الطبية العديدة. فبعد أن كان توقف القلب والتنفس توقفاً لا رجعة فيه دليلاً قاطعاً على مفارقة الحياة لجسم الإنسان ظهرت مدلولات جديدة دفعت الأطباء المعنيين بالقانون أو الدين إلى مراجعة تعريف الموت: هل هو الموت الكامل وتوقف سائر أعضاء الجسم بما في ذلك القلب؟ أو هل هو موت المخ ككل أو موت جذع المخ والذي يحتوي على مراكز الصحوة والتنفس؟
أدى التطور الهائل في المعلوماات الطبية والتقنية والوسائل العلاجية إلى تحسن الوضع الصحي للإنسان فقلت مع ذلك حالات الوفاة عند حديثي الولادة وارتفع معدل عمر الإنسان، كل هذا بفضل الله الذي فتح للإنسان المجدّ والباحث عن العلم دروباً جديدة من المعرفة أدت إلى القفزة الهائلة في العلاج الطبي، فالعلم لا يستطيع التحكم في الحياة أو الموت ولكن الإنسان العالم استطاع أن يعرف متى يحدث الموت وبدقة أكثر فأكثر.
ولا يخفى على أحد أن المخ هو العضو الوحيد الذي يتحكم في سائر أعضاء الجسم الأخرى، وأن خلاياه لا تتجدد أبداً كما يحدث مع خلايا الجسم الأخرى، كما أنه لا يمكن زراعة ونقل المخ من إنسان إلى آخر حتى الآن.(17/1)
والمعروف علمياً بأن القلب بالرغم أنه يضخ الدم إلى أعضاء الجسم ليس العضو الأساسي والمسؤول عن الحياة والموت بحيث أصبح الآن يمكن تبديل القلب بقلب آخر ولا يمكن عمل ذلك بالنسبة للمخ.
ولا نستطيع القول بأن القلب هو المسؤول عن الإدراك والإحساس مع وجود الاستعمال العامي كأن يصف شخص شخصا آخر لا ضمير عنده بأن قلبه ميت أو أنه عديم القلب فوظيفة الإدراك والإحساس هي من خاصية المخ.
والمخ مكون من نصفي كرة إضافة إلى جذع المخ والمخيخ، وهناك مناطق معروفة في المخ تتحكم بالحركة والكلام والذاكرة والوظائف الأخرى، كما أن جذع المخ يحتوي على المناطق البالغة الأهمية والتي تتحكم بالصحوة كالتكوين الشبكي والتنفس والدورة الدموية.
والمناطق المخية العليا والتي تتحكم بالإدراك لا تعمل إلا بوجود جذع المخ في حالة وظيفية مناسبة، وبالتالي يمكن أن يفقد الإنسان الوظائف المخية العليا ويبقى حياً كما هو الحال في حالة الغيبوبة النباتية المستمرة (Persistent Vegitetive State) والعكس غير ممكن أي أنه لا يمكن أن يستمر الإنسان حياً إذا توقف جذع المخ عن العمل.
والمتفق عليه في كثير من الأوساط الطبية أن موت المخ بما في ذلك جذع المخ يعد موتاً للجسم كله إذا تم تشخيص ذلك حسب الأسس والشروط المعروفة في كل المستشفيات وخاصة في أقسام العناية المركزة. وإذا تم تشخيص موت المخ أو الوفاة الدماغية فقد اتفق المختصون على أنه لا جدوى من الاستمرار في الوسائل الإنعاشية وخاصة في الجهاز التنفسي، وأن استمرار القلب في النبض لا يعني أن الإنسان لا يزال حياً حيث إن القلب يمكن أن ينبض خارج جسم الإنسان إذا وضع في محاليل خاصة. وموت المخ يؤدي إلى توقف القلب آجلا أو عاجلاً.(17/2)
وهناك دراسات كثيرة عن حالات موت المخ التي تثبت عدم عودة أي شخص إلى الحياة، فعلى سبيل المثال أوردت الدراسة التي أجراها جينت (Jennett) وزملاؤه عام 1981م(1) عن 609 حالاتٍ موت شخصت في ثلاثة من أقسام جراحة المخ في بريطانيا واتضح أن جميع المرضى توفوا خلال 30 إلى 40 ساعة من بقائهم على أجهزة التنفس الصناعية.
وأما الحالات التي أفاق منها المريض فليس من المعقول أن تكون قد شخصت كحالات موت المخ حسب البروتوكولات والشروط الموضوعة بل هي بالأحرى حالات غيبوبة شديدة كما تم إثباته في بريطانيا في دراسة عكسية ل 1003 حالاتٍ(1). حيث لم يمكن تطبيق تشخيص موت المخ في أسوأ حالاتهم المرضية.
وردت في مقالة تعريف الموت في الدين الإسلامي للدكتور صفوت حسن لطفي
(2) أن بعض الحوامل واللاتي تم تشخيص موت المخ عندهن تمكَّنَّ من الاحتفاظ بالجنين لعدة أشهر قبل أن تتم الولادة بعملية قيصرية، وحيث إن المصدر ليس مجلة علمية فيصعب مناقشة هذه الحالات حيث يصعب التأكد أن تشخيص موت المخ تم حسب البروتوكولات المعترف بها، ومن الأرجح أن هؤلاء الحوامل كن في حالة غيبوبة شديدة.
ويجدر بالذكر في هذا المجال سرد التجربة التي قام بها الدكتور تندلر وزميله(3)
(Tendler And Rabbi Yigou) حيث قاما بقطع رأس شاة حامل قريبة من الولادة وأبقيا جسدها مرتبطاً بجهاز الإنعاش للاحتفاظ بوظيفتي القلب والتنفس لعدة ساعات ثم تمت عملية الولادة بعملية قيصرية.(17/3)
هذه التجربة تدل على أن استمرار الحمل لعدة ساعات بعد موت المخ (قطع الرأس أو فقدان المخ وظيفياً) لا تتعارض مع تشخيص موت المخ. وإذا كنا نتكلم عن الموت بطريقة علمية وليس عن طريق الإثارة والتهييج فيجب ألا نعتمد على ما تكتبه الصحف - وخاصة العربية - فيها عن حالات موت المخ أو ما تم وصفه كذلك فالصحفي يعتمد كثيراً على الإثارة الصحفية وتضخم بعض الجوانب للخبر لجلب انتباه القارىء وترويج الصحيفة. ونتيجة لمفهوم ضيق ورفض للحقائق العلمية تطاول بعض الكتاب وشككوا في نزاهة الطبيب (الذي أدى القسم عند تخرجه) وجعلوا منه إنساناً ينجذب إلى المادة أو الشهرة وذلك في تسرعه في الحكم على المريض في حالة الغيبوبة بأنه ميت دماغياً وتسرعه في أخذ الأعضاء من جسمه لزرعها في جسم مريض آخر، هؤلاء جعلوا من الطبيب الذي يعيش شكوى المريض وأناته لحظة بلحظة ذئباً يتسنح اللحظة المناسبة للانقضاض على فريسته.
تشخيص الموت في حالة موت المخ ضرورة حيث إن إكرام الميت هو التعجيل بدفنه وإيقاف أجهزة الإنعاش الباهظة، التكاليف لاستعمالها في معالجة مريض آخر هو في أمس الحاجة لها وهو درء لتبذير المال وإضاعته فيما لا جدوى منه، ومن جهة أخرى إنقاذ لحياة مريض آخر وهذا هو غاية الطب: إنقاذ حياة المريض بكل الوسائل الممكنة.
بالرغم من الزوبعة التي تحدثها- في بعض الأحيان - وسائل الإعلام فليس القصد من تشخيص موت المخ هو جني الأعضاء من الميت، ففي كثير من الحالات - واعتقد أنه الغالبية العظمى - لا يتم أخذ الأعضاء من الميت سواء لعدم صلاحيتها للزرع، أو بسبب رفض ذوي الميت، أو عدم توفر الإمكانات اللازمة لنقل عضو من المتوفى إلى المريض المحتاج. وإذا رجعنا إلى دراسة جنيت لوجدنا أن تشخيص حالات وفاة الدماغ لم يكن الهدف منها جني الأعضاء من المتوفيين.(17/4)
الحكم على مريض عند موت الدماغ لا يتم جزافاً وإنما هناك قواعد وضوابط دقيقة ويجب أن تتم بواسطة طبيب ممن لديهم المعرفة في هذا المجال.. وليس من المعقول أن يأتي أي طبيب ويشخص حالة موت الدماغ دون أن يقوم بالدراسة الكاملة بالموضوع والتشخيص العلمي السليم فليس للطبيب حق بأن يستهتر بأرواح الناس.
أما ما يحدث من تجاوزات واستهتار من ضعاف القلوب وفاقدي الضمائر فهي حالات نادرة ولا يجب أن يبني على ذلك أي تغيير في النظرة إلى تعريف الموت.
يجب النظر إلى الوفاة الدماغية بمبدأ وأد البنات في الجاهلية بل يجب أن ننظر إلى ذلك بموضوعية وجدية وأن نأخذ في الحسبان الدراسات والقرارات التي ظهرت في كثير من الدول والمؤكد أن موت الدماغ هو موت الإنسان وحتى لو أن قلبه لا يزال ينبض وهناك اتفاق ضمني عالمي على أن المريض الذي توقف دماغه عن العمل توقفاً لا رجعة فيه يعد ميتاً شريطة أن يكون التشخيص دقيقاً حسب البروتوكولات المتفق عليها، وقد كان بروتوكول هارفارد في 1967م.(4). أول بروتوكول رسمي لتحديد الوفاة الدماغية، وهناك العديد من البروتوكولات في الدول تختلف بعضها عن البعض في نوعية الفحوصات المكملة للتشخيص السريري، حيث إن أغلب البروتوكولات تتطلب انعدام النشاط الكهربائي في تخطيط المخ (Iso Electric EEg) وهناك بعض الدول لا تعد هذا شرطاً أساسياً حيث إن هناك دراسات أثبتت وجود نشاط كهربي يمتد لبضع ساعات بعد وفاة المخ،.(5). كما أن حالات الوفاة الدماغية والتي يبقى فيها نشاط كهربائي حسب الدراسات الأمريكية أدت إلى نفس النتيجة كما أوردها جينت في مقاله.
وقرار الندوة الوطنية المنعقدة في أمريكا في أغسطس 1980.(6،7). ينص على أن التعريف الموحد للموت هو إما أن يفقد الشخص وظائف الدورة الدموية والتنفس أو التوقف الذي لا رجعة فيه لكل وظائف المخ بما فيها وظائف جذع المخ.(17/5)
وقد صرح برودي في مقاله عام 1991.(8). أنه عندما يموت جذع المخ فليس هناك أمل في إبقاء المريض حيا حتى لو استمرت وظيفة الأعضاء الأخرى في العمل.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فالأمور واضحة فيما يخص الوفاة الدماغية وما يتبعه من جني الأعضاء من المتوفى لزرعه في جسم مريض في أمس الحاجة إليها، فقد أصدرت هيئة كبار العلماء القرار التالي رقم 99 وتاريخ 6/11/1402هـ:.
(9، 10)..
قرر المجلس بالإجماع جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه وأمن الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه كما قرر بالأكثرية ما يلي:
1 ـ جواز نقل عضو أو نقله من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه.
2 ـ جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك.
وحيث إن جني الأعضاء من ميت يحتاج إلى تعريف دقيق للموت فقد اتسم البروتوكول السعودي لتشخيص موت الدماغ بمجاراته لأغلب البروتوكولات العالمية واعتماده على الفتاوي الشرعية في هذا المجال ونذكر منه قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقدة في عمان - الأردن في أكتوبر 1986م.(9 ، 10). والذي يحمل الرقم (5) د 3/07/6 بشأن «أجهزة الإنعاش»:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره بعمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407هـ/11 إلى 16 أكتوبر 1986م.
بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع «أجهزة الإنعاش» واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين.
قرر ما يلي:
يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1 ـ إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.(17/6)
2 ـ إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه، وأخذ دماغه للتحليل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة.
وتبعاً لما سبق فقد نشط المركز السعودي لزراعة الأعضاء في البحث عن حالات موت الدماغ وإمكانية أخذ الأعضاء... ويجب أن نذكر أن زراعة الأعضاء تتم مجاناً ودون مقابل في المستشفيات الحكومية السعودية. والمركز السعودي لزراعة الأعضاء يحث الناس على التبرع بالأعضاء حيث يقول: التبرع بالأعضاء عمل إنساني جليل وأجره عظيم. ويجدر بالذكر أنه تم في المؤتمر الرابع لزراعة الكلى المنعقد في سيؤول في أغسطس 1995م إعلان سيؤول - كوريا.(11). التوقيع على إعلان سيؤول حول الوفاة الدماغية والذي ينص على اعتبار الوفاة الدماغية الناتجة عن الفقدان الكامل لوظائف كل الدماغ موتاً كاملاً مثلها في ذلك مثل الوفاة الناجمة عن توقف القلب بالكامل. وقد وقع الإعلان أطباء من تايلند، وهونغ كونغ، وكوريا، وماليزيا، والهند، وأندونيسيا، واليابان، والفلبين، وسنغافورة، وتايوان، وعمان، والعراق، ويجدر بالذكر أن إعلان سيؤول يتطابق مع البروتوكول السعودي في الوفاة الدماغية.(17/7)
ويجب على الطبيب تحري الدقة المتناهية في حالة تشخيص الموت وخاصة موت الدماغ حتى لا ينقلب قراره إلى حكم بالإعدام وجريمة قتل. وإذ رجعنا إلى إحصائيات مركز زراعة الأعضاء السعودي.(11). نجد أنه تم الإبلاغ عن 1360 حالة وفاة دماغية في المستشفيات السعودية المتعاونة بين 1986 و1994م وأنه تم توثيق الوفاة الدماغية حسب البروتوكول السعودي في 888 حالة فقط أي ما يعادل 65% وأن نسبة الحالات المستأصلة إلى الحالات التي تمت فيها الموافقة على التبرع تصل إلى 40%. وبالنسبة لعام 1994م.(12). فقد تم الإبلاغ عن 334 حالة موت دماغ ولم يتم الحصول بالموافقة على التبرع إلا في 88 حالة. أي ما يعادل 26%. وفيما سبق دليل على أن تشخيص الوفاة الدماغية في المستشفيات السعودية لا يتم جزافا وأن الهدف الوحيد منه ليس جني الأعضاء حيث إن هذا لا يحدث إلا في حدود 25% من حالات الوفاة الدماغية وهذا كاف للرد على الانتقادات الشديدة الموجهة ضد سياسة زراعة الأعضاء في المملكة العربية السعودية.
وقد أشاد دانيال دي قريف في المؤتمر العالي الأول للوفاة الدماغية المنعقد في كوبا في 1992.(13). عن نبل زراعة الأعضاء والذي يسمح للميت منح الحياة لشخص آخر.
وفي حالة الوفاة الدماغية وخاصة إذا كانت هناك فائدة من جني الأعضاء من المتوفى فالموقف الطبي السليم ربما ساعد بمشيئة الله على تخفيف وعلاج المرضى الذين هم في حاجة ماسة إلى زرع عضو معين، وفي هاتين الحالتين فأفضل موقف هو الرجوع إلى قول المولى عز وجل: {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.
بقي أن نقول: إنه في حالة نقل عضو من متوفى دماغياً إلى إنسان حي في أمس الحاجة إليه ربما كان في الإمكان اعتبار هذا العمل الجليل صدقة جارية تفيد المتوفى بعد وفاته لما يناله منها من أجر عظيم في تخفيف المرض والمعاناة عن مريض آخر.(17/8)
والله الهادي إلى سواء السبيل.
المراجع
1- Jennett.B. et al 1981 BMJ 282, 533-539-873.
2 ـ صفوت حسن لطفي: تعريف الموت في الدين الإسلامي.
3- Tendler And Shafren: Proceedings of the 1st International Symposium On Brain Death Havana-Cuba Sept. 1992.
4- Harvard Report, A Defenition of Irreversible Coma Jama 1968, 205-337-340.
5- Grigg the Advocacy of the EEg as a Confirmatory of Brain Death May be of Questionable value Arch. Neurol 1987, 40-948-954.
6-Robirt J. Joynt, A New Look at Death. Jama, 1984, 252, 5, 680-682
7 - Nccusl: Uniform Determination of Death Act August 1980.
8Bioethics Year book, 1991 Edited by B.A. Brody.
9 ـ كتيب المركز الوطني للكلى: سياسة زراعة الكلى في المملكة العربية السعودية 1986م.
10 ـ فيصل شاهين: متطلبات إنشاء برنامج ناجح لزراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً:
خبرة المملكة العربية السعودية
المجلة السعودية لأمراض وزرع الكلى 1996 السنة السابعة عدد 2(محرم 1417).
11 ـ إعلان سيول عن الوفاة الدماغية.
المجلة السعودية لأمراض وزرع الكلى 1995. السنة السادسة عدد 4.
12 ـ المجلة السعودية لأمراض وزرع الكلى 1995. السنة السادسة عدد 2.
13-Danial De Greef ``The Child and his death and Organ Transplantation’’.
1st International Symposium on Brain Death Havana- 1992.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكرا للأخ الدكتور محمد مليباري على هذا البحث القيم والبحوث الثلاثة مطروحة للنقاش فلنبدأ المناقشة.. الأخ الدكتور صفوت لطفي تفضل:(17/9)
مقدمة الكتاب
معالي الدكتور عبد الرحمن العوضي
رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد.
فإن هذه الندوة تأتي تلبية للمطالبات الكثيرة التي تلقتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، من العديد من الجهات الطبية والفقهية العربية والإسلامية، خاصة بعد الضجة الإعلامية وانقسام الجسم الطبي بين: مؤيد، ومعارض لاتخاذ موت جذع المخ أساساً لاستصدار شهادة الوفاة.
وكانت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت ندوة بهذا الخصوص في الفترة ما بين 15 - 17/1985م، جمعت فيها نخبة متميزة من الفقهاء والأطباء وأوصت بالآتي:
أولاً: رأت الندوة أنه في أكثر الأحوال عندما يقع الموت فلا تقوم صعوبة في معرفته استناداً إلى ما تعارف عليه الناس من أمارات، أو اعتماداً على الكشف الطبي الظاهري الذي يستبين غياب العلامات التي تميز الحي من الميت.
ثانياً: تبين للندوة أن هناك حالات قليلة العدد، وهي عادة تكون تحت ملاحظة طبية شاملة ودقيقة في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ووحدات العناية المركزة، تكتسب أهميتها الخاصة من وجود الحاجة الماسة إلى تشخيص الوفاة فيها، ولو بقيت في الجسم علامات تعارف الناس من قديم على أنها من علامات الحياة، سواء أكانت هذه العلامات تلقائية في بعض أعضاء الجسم أم أثراً من آثار أجهزة الإنعاش الموصلة بالجسم.
ثالثاً: وقد تدارست الندوة ما ورد في كتب التراث الفقهي من الأمارات التي تدل على الموت، واتضح لها أنه في غيبة نصّ شرعي يحدد الموت تمثل هذه الاجتهادات ما توفر آنذاك من معرفة طبية. ونظراً لأن تشخيص الموت والعلامات الدالة عليه كان على الدوام أمراً طبياً يبنى بمقتضاه الفقهاء أحكامهم الشرعية، فقد عرض الأطباء في الندوة الرأي الطبي المعاصر فيما يختص بحدوث الموت.(18/1)
رابعاً: وضح للندوة بعد ما عرضه الأطباء: أن المعتمد عليه عندهم في تشخيص موت الإنسان، وهو خمود منطقة المخ المنوطة بها الوظائف الحياتية الأساسية، وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ.
إن تشخيص موت جذع المخ له شروطه الواضحة بعد استبعاد حالات بعينها قد تكون فيها شبهة، وإن في وسع الأطباء إصدار تشخيص مستقر يطمأن إليه بموت جذع المخ.
إن أياً من الأعضاء أو الوظائف الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس قد يتوقف مؤقتاً، ولكن يمكن إسعافه واستنقاذ عدد من المرضى مادام جذع المخ حياً... أما إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي - بلاشك بعد موت جذع المخ - صائرة إلى توقف وخمود تام.
خامساً: اتجه رأي الفقهاء تاسيساً على ها العرض من الأطباء، إلى أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة هي موت المخ يعتبر قد استدبر الحياة، وأصبح صالحاً لأن تجري عليه بعض أحكام الموت، قياساً - مع فارق معروف - على ما ورد في الفقه خاصاً بالمصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح.
أما تطبيق بقية أحكام الموت عليه فقد اتجه الفقهاء الحاضرون إلى تأجيله حتى تتوقف الأجهزة الرئيسية.
وتوصي الندوة بأن تجرى دراسة تفصيلية أخرى لتحديد ما يعجل وما يؤجل من الأحكام.
سادساً: بناء على ما تقدم اتفق الرأي على أنه إذا تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذ إيقاف أجهز الإنعاش الصناعية.
واعتمد هذه التوصية مجمع الفقة الإسلامي بجدة، حيث يجتمع فيه ممثلون من كل الدول الإسلامية.(18/2)
وبرغم هذا فقد رأت المنظمة أن تعقد ندوتنا هذه وتقصر حضورها على الأطباء المختصين، والذين لهم علاقة بهذا الموضوع لمناقشته مناقشة علمية طبية، لتوضيح الرأي الطبي في هذا المجال; للنظر في التوصيات السابقة لتعديلها أو اعتمادها أو إلغائها، خاصة وأن المنظمة ليست لديها مستشفيات ولا مراكز لزرع الأعضاء وتهدف من هذا الموضوع التأكد من الحكم الطبي الخالص لوجه الله، والوصول إلى الحقيقة والتي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
وتأكيداً على هذا المعنى قامت المنظمة باتخاذ عدة إجراءات فقامت بجمع معظم ما نشر حتى ساعة إعداد الندوة، وإرسال جميع هذه المعلومات للمشاركين في الندوة. دون حجب أو إخفاء لأي معلومة على أي مشارك، بل أنها استخدمت من قبل الجميع للاستشهاد بها.
كما قامت المنظمة بإرسال ثلاثة من الأطباء في تخصصات مختلفة للمشاركة في مؤتمر عالمي كان قد تحدد له في الفترة ما بين 21 - 25 نوفمبر 1996 في سان فرانسيسكو للاطلاع على أحدث ما جاء من أبحاث ومناقشات حول هذا الموضوع، وكتابة تقرير عن المؤتمر، وتم توزيع هذا التقرير على المشاركين في الندوة.
بالإضافة إلى ذلك دعت المنظمة بعض الإخوة الأطباء المعارضين لاتخاذ موت الدماغ أساساً لاستصدار هذا الموضوع لعرض وجهة نظرهم بكتابة أبحاث، والمشاركة الحرة في المناقشات والرد على ما يثار حول هذا الموضوع، بل تم توصية رؤساء الجلسات بمنحهم الأولوية والوقت الكافي للتعبير عن آرائهم.(18/3)
ورغم هذا الجو الإيجابي الذي هيأناه للندوة والمشاركين، كنا نأمل أن نخرج من القاعة بعد انتهاء الندوة متفقين على رأي طبي واحد للتعريف الطبي للموت، إلا أن المناقشات كانت تسير في اتجاه واحد لا احد يريد أن يقتنع بالرأي الآخر، ورغم أن الاختلاف سنة من سنن الله في الكون وهو رحمة بعباده والأمر كان واضحاً وإجابات الطرف الموافق على اتخاذ جذع المخ أساساً لتعريف الموت كانت مُقنعة إلا أن الطرف الآخر أصر على رأيه المعارض رغم تغيير رأيهم بعض الشيء قبل نهاية الندوة.
وقد تبين من الأبحاث التي جمعتها المنظمة وقدمتها للمشاركين، ومن مؤتمر سان فرانسيسكو، والأبحاث التي قدمت للندوة والمناقشات، عدم وجود تغيير عما تدارسته المنظمة منذ الندوة الأولى التي عقدتها عام 1985م، إلا أن تقنين هذا العمل جاء أكثر دقة، وجاءت البروتوكولات تؤكد على هذا الأمر.
وعلى العموم فإن رصد أعمال الندوة جاء هاماً وتاريخياً فكل ما دار في الندوة تم تسجيله للاطلاع عليه من قبل الجميع أطباء وفقهاء ولكل منهم أن يتخذ ما يراه مناسباً حسب قناعته من خلال إجابة الأطراف المختلفة، وفي النهاية رأى معظم المشاركين أن يصدروا التوصيات، ومعها بروتوكول به المعايير الواجب اتباعها لتشخيص موت جذع الدماغ.
وقبل أن أنهي هذه المقدمة، أود أن أقول كلمة للجميع بأن مثل هذه الأمور الطبية المتخصصة مجال مناقشتها المنتديات العلمية ليقدم كل فريق رأيه المدعم بالحجج العلمية التي تم التوصل إليها، وليس هناك أي داعٍ لاتخاذ وسائل الإعلام وسيلة للمخاطبة، لأن ذلك سيكون له انعكاس خطير على الثقة بين المواطن والطبيب ولن يتفهم المواطن مواضع الخلل فالأمر أمر طبي بالدرجة الأولى سيعقبه الكثير من الإجراءات المتعلقة بجهات عديدة دينية واجتماعية وثانوية.(18/4)
وأخيراً فهذه أعمال الندوة الطبية والتي خصصناها للتعريف الطبي للموت بين يديك لتطلع عليها، بذلنا فيها جهداً كبيراً لإخراجها بأحسن صورة ممكنة ندعوه سبحانه أن يتقبل منا صالح الأعمال.
والله الموفق والهادي لما فيه الخير والصلاح.(18/5)
مفهوم وفاة الإنسان من الناحية العلمية
ومقارنته بالمفهوم الشرعي
الدكتور مختار المهدي
مقدمة:
بالرغم من إيماني العميق بأنه من حق أي إنسان أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، وأن يطرحه أمام كل من يعارضونه ويقيم الحجة عليهم فيقنعهم أو يقنعونه بعكس ما يقول، إلا أنني أحسست بالأسف العميق عندما علمت أن البعض قد أقام بالفعل ضجة كبيرة في وسائل الإعلام بالنسبة لموضوع على درجة كبيرة من الأهمية للملايين من البشر وفي غاية من الحساسية للعالم كله، بمن فيه من مسلمين وغير مسلمين، وعرضه بدون الفهم الصحيح والعميق لأصل موضوع زراعة الأعضاء البشرية، وبدون الرجوع إلى الجهات العلمية التي سبق لها أن درست الموضوع ذاته دراسات مستفيضة في مختلف الدول العربية وغير العربية، والمنظمات الإسلامية وغير الإسلامية ومنها منظمتنا الموقرة هذه، والتي أبدت رأيا كاملا متكاملا ارتضاه ليس فرداً واحداً أو أفراداً قلائل بل العشرات من العلماء المتخصصين في مختلف الجوانب التي تمت له بصلة من علماء طب المخ والأعصاب والتخدير والعناية المركزة والقلب والولادة وأمراض النساء، إلى أئمة علماء الدين والشريعة ومنهم العمداء والأساتذة بكليات الشريعة ورجال الإفتاء في عدة دول إسلامية وأعضاء بهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بجامعة الأزهر، ووزراء للصحة ووزراء للأوقاف وجمع من كبار رجال القانون ومستشاري المحاكم العليا الشرعية منها وغير الشرعية، وعلماء الاجتماع، وهم كلهم مسلمون ثقاة من مختلف بلاد الإسلام في مصر وبلاد المشرق العربي والمغرب العربي والمسلمون من خارج العالم العربي، بل وشارك بعض العلماء من غير المسلمين. وكان ذلك منذ اثني عشر عاما وقد أرست منظمتنا القواعد لهذا الموضوع بإصدار توصياتها كما قامت بطبع كتاب به تفاصيل الأبحاث والمناقشات، ترجم بعد ذلك إلى لغات غير عربية ليوضع كمرجع للسلوكيات الإسلامية بمكتبة هيئة الصحة العالمية.(19/1)
لقد كان الأجدر والأرقى لهذه القلة المعارضة إذا كان هدفها الحقيقي هو صالح الإسلام والمسلمين فعلا أن تعرض رأيها على بعض هذه الجهات في مناقشة علمية صريحة وواضحة بدلا من الخروج إلى وسائل الإعلام مباشرة لإعلان وجهة نظرها وكأنها المرجع الأخير والقول الفصل في هذا الموضوع الخطير، وهاجم أفرادها من سبقهم الرأي من الجموع الغفيرة من صفوة وخلاصة الفكر الإنساني الإسلامي والعربي والعالمي وعرَّضوا بهم، مستخدمين في ذلك أسلوباً، ومنتقين ألفاظاً لا تتفق وأسلوب البحث العلمي أو الفكر الراقي، فالآخرون هم قتلة ولصوص بينما هم مبعوثوا العناية الإلهية لإنقاذ الإسلام والمسلمين!
وقد استغلوا في رجال الإعلام عدم إلمامهم بالجوانب العلمية الدقيقة والرغبة الكامنة فيهم في حب لفت أنظار القراء بنشر المثير والغريب والمخالف لما هو معروف، وقد استغلوا صفتهم الوظيفية لعرض وجهة نظرهم الشخصية على الكافة وعامة الناس.
لقد أجمع عشرات الألوف من كبار العلماء والأطباء في العالم على ثبوت موت المخ منذ أكثر من ربع قرن، وترتب على ذلك ظهور علوم حديثة في مجال التعرف على أنواع الأنسجة البشرية وإمكان توافقها مع بعضها البعض، وعلوم زراعة الأعضاء بكافة أنواعها ومشاكلها، وهذا من طبيعة مواجهة كل شيء جديد، وقد تم التغلب على الكثير منها ومرجع ذلك إلى الخبرة التي تتنامى يوما بعد يوم. بعد كل هذا يأتي البعض يريد العودة إلى الوراء، لأنهم تصوروا أن جميع المؤسسات العلمية العالمية، بما فيها الإسلامية، هم تجار في لحوم البشر!
إن وجود أشرار كثيرين ممن تدفعهم المكاسب المادية لارتكاب الجرائم أصبحت سمة هذا العصر الذي نعيشه في جميع المجالات، وعلينا أن نحاربهم في كل زمان ومكان، ولكن يجب ألا نسمح لذلك أن يوقف عجلة التقدم العلمي واتساع دائرة الخير للإنسانية.(19/2)
إنني أعتقد أن من ينكر الآن وجود تشخيص «موت المخ» كحالة إكلينيكية ومعملية محددة المعالم، وأن هذا التشخيص يعني نهاية رحلة الإنسان في الحياة الدنيا، لا يختلف كثيرا عمن ينكر أن الأرض كروية أو أنها تدور حول الشمس. لم يستطع المعارضون تقديم أي دليل مادي مقنع لإثبات عدم وجود «ما يسمى بموت المخ» وهدم ربع قرن من العلم الإنساني، بل جاءت مراجعهم الأساسية وأسانيدهم التي قدموها في صورة قصاصات من الجرائد والصحف اليومية والمجلات العربية، ولم تشمل بحثاً علمياً واحداً جاداً في مجلة علمية ذات كيان لتقدم لنا الدليل القاطع على إنكار وجود مثل هذا التشخيص.
لقد أحسنت المنظمة الإسلامية صنعا أن دعت إلى هذا اللقاء الفكري الراقي للمشاورة ومعرفة ما إذا كان هناك لبس ما، بدلا من الدخول في مهاترات إعلامية تسيء إلى علماء المسلمين وتحط من قدرهم وتفقدهم احترام وثقة عامة الناس.(19/3)
كما أنه لايفوتني هنا أن أكرر ما سبق أن أوردته في مقدمة بحث لي سابق في ندرة عام 1989 من أننا في المنظمة لا نعطى المجال الكافي للثقاة من رجال الإعلام لحضور مثل هذه الندوات كمستمعين ومشاركين في المناقشات، وناديت وتمنيت ألا ينتهي الأمر بهذه الندوات التي تبحث مواضيع بالغة الأهمية لمئات الملايين من أمة الإسلام أن تبقى بحوثها ومناقشاتها الثمينة حبيسة من شاركوا في الندوة أو مع قلة أخرى معهم حصلت على كتاب الندوة، بل اقترحت دعوة بعض ثقاة الإعلاميين من رؤساء التحرير أو محرري أبواب الشؤون الدينية لكبريات الصحف اليومية في العالم العربي لحضور هذه الندوات، ليقوموا بالجانب الإعلامي فور انتهاء الندوة وإصدار التوصيات، وذلك حتى يعلم بها الملايين في الدول العربية والمسلمة عن طريق نشر الكتاب الذي يصدر عن الندوة على صورة مسلسلة في الصحف اليومية كلها، فيعلم بها ويقرؤها عشرات الملايين بدون أن يتكلفوا أية أعباء مادية إضافية،فهم يقرؤون الصحف كل يوم على أية حال، ولا أعتقد أن هناك صحيفة عربية لا ترحب بشرف هذا النشر.
بهذه الطريقة تترسخ في قلوب الأمة الإسلامية هذه التوصيات من كبار علمائها مما لا يسمح بعد ذلك بالاستماع لأية آراء فردية أو قلة مخالفة من الناس على أسس غير راسخة.في الصفحات الباقية أقدم تعليقي على هذا الرأي الآخر لأصحح بعض المفاهيم، وسترون أنه ليس به الكثير مما هو جديد، ولكنه ربما يشرح بتفصيل أكبر ما سبق أن أوردناه في تلك الندوة السابقة وما تلاها من ندوات، وسأجعل ذلك في صورة تساؤلات والرد عليها.
هل هناك حالة محددة المعالم تسمى «موت المخ» بينما تبقى بقية أعضاء الجسم تعمل؟(19/4)
لقد كان إنشاء أقسام العناية المركزة بالمستشفيات الكبيرة وهي أقسام تُخصص لمرضى الحالات الحرجة، والذين يحتاجون إلى تركيز من العناية التمريضية والمتابعة الطبية المتكررة لإضافة أوپتغيير العلاج في أي وقت على مدار الساعة، وكذلك لاستخدام الأجهزة التي تتوقف عليها أحيانا حياة المريض مثل أجهزة التنفس الصناعي والأجهزة المتطورة والحديثة لمتابعة حالة المرضى المختلفة داخل قسم العناية المركزة،پوأخص بالذكر أجهزة قياس الضغط داخل الجمجمة ورسام المخ الكهربائي وأجهزة قياس عمل جذع المخ وأجهزة قياس نسبة الغازات في الدم وأجهزة قياس نسبة تركيز غاز الأكسجين داخل شرايين المخ وأجهزة الموجات الفوق صوتية لتتبع سريان الدم في شرايين المخ (الدوبلار). أقول: لقد كان لتجمع هذه الإمكانات الكبيرة والحديثة بجوار أسرة مرضى مصابي الرأس والجهاز العصبي في الحوادث المدنية المرورية أو حوادث العمل والسقوط من المرتفعات أو إصابات الحرب، كل هذا بالإضافة إلى الإمكانات التشخيصية بالمستشفيات الحديثة من تصوير طبقي الكتروني أو تصوير بالرنين المغنطيسي للرأس بكل ما تحويه من جمجمة ومخ ومحجر العين ومكوناتها من الأنف وجيوبها والأذن وتركيباتها الدقيقة والفقرات العنقية العليا، كل هذا كان له الأثر الكبير والفضل العظيم في إمكانية فهم ومتابعة تطور حالة هؤلاء المصابين على مدار الساعة، وتقديم ما يلزم من علاج في حينه مما أدى إلى رفع كفاءة العلاج وتقليل عدد الوفيات ونسب العجز المتخلفة عن هذه الإصابات.
وحتى يمكننا الإلمام بجوانب حالات إصابات الرأس الشديدة والتي تنتهي بموت المخ يلزمنا بداية شرح مبسط لبعض الموضوعات التي لها انعكاس على هذا المفهوم وما يحدث في هذه الإصابات وتطوراتها.(19/5)
1 ـ حيث أن المخ عضو رخو وضعيف فقد جعل له الله حماية من خارجه، تلك هي الجمجمة وهي علبة عظيمة مقفلة إلا من فتحة في قاعها يخرج منها النخاع الشوكي والذي يتواجد أيضا داخل أنبوب عظمي هو العمود الفقري، وقد خلقه الله مفصليا على هيئة فقرات ليسمح للإنسان بالانحناء والحركة، هذا النخاع الشوكي هو الذي يحمل الأعصاب إلى سائر أجزاء الجسم، ولا يزيد حجم فراغ الجمجمة كثيرا عن حجم المخ والسائل النخاعي الذي يحيط به زيادة في حمايته ولا يتسع لأكثر من ذلك.
2 ـ لا يحتوي المخ مثل باقي أعضاء الجسم على أوعية ليمفاوية لتصريف السوائل التي يمكن أن ترشح من الشرايين الدقيقة داخل أنسجته لأن هذا لا يحدث في المخ في الأحوال العادية، حيث أن الشرايين تكون معزولة عن نسيج المخ بغشاء خاص لا يسمح بذلك ويسمى الحاجز الدموي المخي Blood brain barrier.(19/6)
3 ـ كلنا يلحظ أنه إذا تعرض جزء من الجسم كالساق أو الذراع مثلا إلى ضربة قوية نسبيا فإنه يحدث ما يسمى بالكدمة من تأثير الضربة Contusion? حيث يتورم الجزء المصاب نتيجة هرس بعض الأنسجة وارتشاح بعض السوائل من الأوعية الدموية، كما تتمزق بعض الشرايين الصغيرة أو الكبيرة حسب شدة الإصابة فتنسكب بعض الدماء في منطقة الإصابة مما يعطي الكدمة المتورمة ذلك اللون المميز من بني يخفّ تدريجيا إلى الأزرق حتى يتلاشى على مدار أسبوع أو أسبوعين تقريبا، كما قد يصبح المكان مؤلما لتولد بعض الكيماويات في مكان الإصابة التي تسبب الألم لتجبر المصاب على عدم استخدام الجزء المصاب حتى تخف الكدمة. أما في الرأس فإن إصابة المخ غير النافذة (في الحوادث المدنية) لا تكون إصابة المخ مباشرة، بسبب الحماية التي توفرها الجمجمة، فإذا كانت الإصابة شديدة فإن مثل هذه الكدمة قد تحدث في أنسجة المخ ويكون حجمها ومقدار نزيف الدم فيها متناسبا مع شدة الإصابة، كما أن في هذه الحالة يتعطل عمل الحاجز الدموي المخي في مكان الكدمة عن العمل فتبدأ كميات كبيرة من السوائل ترشح من الشرايين في أنسجة المخ في مكان الإصابة في فترة الأسبوع الأول لها، ولا توجد أية وسيلة حتى الآن تمكننا من تصريف هذه السوائل التي تتراكم في الأنسجة المصابة.
إن أبسط ما نتوقعه نتيجة هذه الكدمة أن يحدث تورم شديد في أنسجة المخ، وربما أيضا انتفاخ في مكان الإصابة نتيجة انسكاب دموي لتمزق بعض الأوعية الدموية، ولكننا نعرف سلفا أن فراغ الجمجمة الصلبة لايسمح باستيعاب مثل هذه الزيادة في محتوياتها فماذا تكون النتيجة؟(19/7)
إذا كان التورم بسيطا فإنه يزيح بعضا من السائل النخاعي الذي يحيط بالمخ إلى خارج الجمجمة حول النخاع الشوكي في القناة الشوكية The spinal canal من خلال الفتحة التي يخرج منها النخاع الشوكي في قاع الجمجمة، أما إذا كان التورم كبيرا أو هناك تجمع دموي مصاحب فإن الموقف يكون خطيرا، وهذه هي مشكلة المشاكل التي يواجهها جراحو المخ والأعصاب في عملهم اليومي، فعليهم أن يمنعوا أو يقللوا حدوث الانتفاخ بكافة الطرق الممكنة من لحظة حدوث الإصابة إذا كان ذلك ممكنا.
فإذا كان الانتفاخ نتيجة تجمع دموي فعليهم القيام بعملية سريعة لتفريغ هذا النزيف، وكذلك إعطاء الأدوية المقللة لحدوث التورم أو المقلِّصة لحجم المخ إلى حد ما لتوفر مكانا داخل الجمجمة يسمح ياستيعاب التورم والسوائل المنسكبة داخل أنسجة المخ والتي لا يمكن السيطرة عليها، لتقليل ارتفاع الضغط داخل مكان الإصابة والجمجمة بالتبعية، وفي بعض الحالات الخطيرة والنادرة يقوم الجراح باستئصال جزء من المخ من الفص الأمامي أو الصدغي للمخ إذا كان في دائرة الإصابة وقد تهتكت أنسجته بالفعل وذلك لخلق أو إيجاد فراغ أيضا داخل الجمجمة Internal decompression لاستيعاب التورم وللحد من ارتفاع الضغط داخلها الذي قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.(19/8)
فإذا فشلت كل الوسائل من أدوية علاجية أو عمليات جراحية في منع زيادة الانتفاخ وبالتالي زيادة الضغط داخل الجمجمة فإن المصاب يدخل في غيبوية إذا لم يكن قد جاء أصلا في حالة غيبوبة، وهي تحدث نتيجة تأثير الإصابة على جذع المخ مباشرة وقت حدوثها أو نتيجة زيادة الضغط على جذع المخ بعد الإصابة. إن خطورة زيادة الضغط داخل المخ تتمثل في أنه يسبب ضغطا على أنسجة المخ وشرايينه وبالتالي إضعاف سرعة وكمية الدورة الدموية بداخلها لأن الضغط خارج شرايين المخ يقاوم سريان الدم فيها، فيقل وصول الغذاء والأكسجين أي الطاقة اللازمة لسلامة وعمل أنسجة المخ وقيامها بأداء وظائفها، مما يسبب تلفا جديدا في بعض أجزاء من المخ لم تكن قد تعرضت أصلا للتلف وقت الإصابة، فإذا استمر الضغط داخل الجمجمة في التزايد مع تلف أجزاء أكبر من المخ إلى أن يتساوى مع ضغط الدم داخل الشرايين فتتوقف الدورة الدموية كلية ويموت المخ نتيجة لحرمانه من الغذاء وأيضا الأكسجين وكذلك لعدم تصريف الفضلات الناجمة عن استخدام الطاقة وهي ذات تأثير ضار وسام.
إن جذع المخ بالذات يعاني من أكثر من سبب للانضغاط في حالة الارتفاع الكبير للضغط داخل الجمجمة، فخلاف الضغط العام على كل ما هو داخل الجمجمة هناك أيضا ضغوط عليه نتيجة انزلاقات أو تحركات لأجزاء من المخ (فهو هلامي التكوين) بتأثير زيادة الضغط في مكان الكدمة عن غيرها من الأماكن فتنضغط هذه البروزات المنزلقة على جذع المخ في حافة عظام الثقب مخرج النخاع الشوكي أسفل الجمجمة فيوقفه عن العمل لوقف سريان الدم فيه بما في ذلك توقف التنفس التلقائي فهو أحد وظائف جذع المخ، فإذا لم يمكن عمل أي شيء لرفع هذا الضغط عن جذع المخ بصورة عاجلة في خلال فترة لا تتعدى نصف ساعة تقريبا فإن توقف جذع المخ عن العمل يصبح نهائيا.(19/9)
وفي مجال جراحة المخ يعلم الجميع أن إزالة مسببات زيادة الضغط على جذع المخ بعد هذه المدة لا يغير من النتيجة في شيء لأن خلاياه تكون قد اختنقت وماتت.
كيف نتأكد أن الدورة الدموية داخل المخ قد توقفت؟
هناك العديد من الطرق لمعرفة ذلك ولكننا هنا لن نناقش الأعراض السريرية أو الإكلينيكية التي يمكن أن تقبل الجدل وأكتفي بالفحوصات المعملية:
1 ـ إن مراقبة قياس الضغط داخل المخ باستخدام الجهاز الذي يتم تركيبه بصفة روتينية في حالات إصابات المخ الشديدة، وذلك لمتابعة الحالة وسوف تدلنا قراءات الجهاز على الشاشة والمسجلة على شرائط بالمليمتر الزئبقي على استمرار زيادة الضغط ليتعادل مع ضغط الدم داخل شرايين المريض مما يؤكد توقف الدورة الدموية وتلف المخ بأكمله، وهذا التلف يبدأ في الحدوث فعلا إذا قلت كمية الدم المارة بالمخ بنسبة 40% عن الكمية الطبيعية، وفي النهاية يتلف كل ما هو داخل تجويف الجمجمة بما في ذلك جذع المخ.
2 ـ تشخيص توقف الدورة الدموية داخل المخ وذلك بحقن المواد المشعة بالدم -99mTc HM PAO وعمل المسح الإشعاعي الذي يثبت عدم وصول المادة المشعة إلى أنسجة المخ.(1)(2)(3). لعدم استقبال أي إشعاع من داخل الجمجمة، وهذا الاختبار هو من الاختبارات الموثوق بها لتشخيص وفاة المخ فور حدوثه.
3 ـ استخدام التصوير بالرنين المغنطيسي في حالات موت المخ يظهر اختفاء السائل المحيط بالمخ وتوقف سريان الدم في شرايين المخ الصغيرة والكبيرة وكذلك الجيوب الوريدية داخل الجمجمة، كما أنه يمكن أيضا رؤية انزلاقات المخ نتيجة وجود مناطق ذات ضغط عالٍ وهي تضغط على جذع المخ وتسبب اختناقه..(4)(5)..
4 ـ تشخيص موت المخ بمسح مرور الألوان Color flow duplex scanning تتميز هذه الطريقة أنها تتم بجوار سرير المريض بالعناية المركزة وسرعة الحصول على النتيجة وصحتها بنسبة 100%.(6)..(19/10)
5 ـ قياسات عمل المخ وانعدام صدور موجات كهربية عنه، بعمل رسم المخ الكهربائي وكذلك اختبار الوظائف السمعية والبصرية لجذع المخ.(7).. وإن كان البعض يتحفظون على هذه الطريقة، لأن الموجات الكهربية الصادرة عن خلايا المخ بالغة الدقة، فإذا ازدادت هبوطا فإنه يصعب التمييز بينها وبين الموجات الصادرة من أماكن أخرى، أو يحدث تداخل بينها وبين الموجات المنتشرة من الأجهزة المحيطة.
6 ـ من الطرق الأكيدة أيضا لإثبات توقف الدورة الدموية للمخ هو عمل الأشعة الملونة لشرايين المخ الأربعة، فنرى أن القلب يعمل ويدفع الدم في شرايين الأعضاء المختلفة إلا أن الدم يتوقف عند منافذ الشرايين في الثقوب التي يدخل منها داخل الجمجمة، فنجد أن الصبغة تتوقف في الشرايين الأربعة التي تغذي المخ في الحالات العادية، وهناك أسلوبان لعمل هذا الفحص بالطريقة الرقمية مع استبعاد ظلال عظام الجمجمة من الصورة، إما بالحقن الشرياني المباشر Digital subtraction angiography أو تصوير نفس الشرايين وبالطريقة الرقمية ولكن عن طريق حقن الصبغة عن طريق الوريد Intravenous digital Subrtaction angiography.(8)(9)(10)..
7 ـ متابعة سريان الدم في شرايين المخ (الشرايين السباتية والشريان القاعدي) باستخدام الموجات الفوقصوتية Ultrasonic doppler وهي وسيلة غير باضعة ولا تستلزم التعرض للإشعاع، كما أنها قليلة التكاليف، ويمكن بمعرفتها متابعة الحالات التي تتدهور ولا تستجيب للعلاج بتكرار الفحص عدة مرات فتسجل موت المخ فور حدوثه حيث تصل دقتها إلى 100% مقارنة بالأشعة الملونة للشرايين الأربعة، وهذا يظهر مدى فائدتها وبالذات بالنسبة للشريان القاعدي Basilar artery وهو المغذي الوحيد لجذع المخ.(11)(12)(13)..(19/11)
إن توفر هذا العدد الكبير من الفحوصات التي تثبت توقف سريان الدم في أنسجة المخ وبالتالي تلفها دون رجعة، دونا عن الأعضاء الأخرى التي تستمر لفترة، لا تدع مجالا للتشكيك في وجود ما أطلقت عليه المقالات المعارضة «ما يسمى موت المخ» وأنها حقيقة وليست مفهومة عند بعض الناس دون غيرهم، لقد تجاوز الأمر الفحص الإكلينيكي والاختلافات في تفاصيلها أيا كانت إلى اليقين من خلال هذه الفحوصات المتعددة والتي يمكن تسجيلها كوثائق للرجوع إليها لمن يشاء، ويمكن لمن يساوره الشك أن يجري أي عدد من هذه الاختبارات يرضيه ومعظمها تصل نسبة دقتها وصحتها إلى 100%.
8 ـ أما أكثر الأدلة إقناعا على تلف المخ فهو رؤية ولمس المخ ذاته وقد تحلل، وذلك أثناء إجراء الصفة التشريحية والتي يجريها الطب الشرعي في بعض الحالات الجنائية أو ذات الاشتباه الجنائي، ويكون قد مر أسبوع مثلا على تشخيص موت المخ واستمر المتوفى على جهاز التنفس الصناعي إلى أن توقف القلب، ويسمي أطباء علم الأمراض والطب الشرعي هذه الحالة بمخ جهاز التنفس الصناعي The respirator brain، وقد حضرت بنفسي بعضها، فعند فتح الجمجمة ينسكب من تجويفها قطع مهترئة شبه سائلة، وأحيانا سائل أبيض وهو كل ما تبقى من المخ بعد أن تحلل تماما وقد توقفت الدورة الدموية عنه لفترة طويلة(14)(15)(16)..
إذن أصبح واضحا أن هناك ما يسمى بموت المخ، وأن هذا لا يتعارض مع وجود بقية الأعضاء لو لم يكن المصاب قبل موت مخه متصلاً بجهاز التنفس الصناعي بالفعل، لأن تلف جذع المخ يستتبع توقف التنفس الطبيعي أو التلقائي وبالتالي توقف الأكسجين عن جميع الأعضاء وتلفها بما في ذلك عضلة القلب فتموت كلها دفعة واحدة مع موت المخ، ولهذا لم يعرف موت المخ كتشخيص قبل وجود أجهزة التنفس الصناعي في أقسام العناية المركزة منذ بداية الستينيات تقريبا.(19/12)
بقي أن نوضح هنا أن تشخيص موت المخ لا ينطبق عند توفر الشروط الإكلينيكية في مرضى أمراض المخ والأعصاب على إطلاقها، بل لا بد أن تستبعد جميع أمراض التهابات المخ والأعصاب، والمرضى تحت تأثير العقاقير والسموم، وأمراض التمثيل الغذائي كغيبوبة السكر والكبد والبولينا وكل غيبوبة غير معروف سببها، وكذلك الغيبوبة الناجمة عن انخفاض درجة الحرارة نتيجة البرد الشديد، وفي مثل هذه الحالات تحدث أعراض مشابهة ولكنها تكون قابلة للشفاء أحيانا بالعلاج المناسب، ويجب ألا نخلط بينها وبين موت المخ الحقيقي نتيجة إصاباته الشديدة وتلف خلاياه المنضغطة داخل حيز الجمجمة المحدود.
لقد واجه الأطباء في بداية الأمر هذا الموقف الطبي الجديد لسنوات طويلة لم يقبلوا فيها مفهوم موت المخ بسهولة كنهاية للحياة الإنسانية قبل دراسات مستفيضة في المملكة المتحدة وغيرها من بلاد العالم المتقدمة والتي لها الريادة في مجال الطب، تحدث عنها الدكتور عصام الشربيني في جلستنا السابقة عن بداية الحياة ونهايتها في المفهوم الإسلامي، حيث شرح دور المؤسسات الطبية في بريطانيا حيث تمت متابعة 700 حالة شخصت موت المخ طبقا للبروتوكولات أو الشروط الموضوعة فلم تعش منها حالة واحدة، كما تمت أيضا دراسة عكسية لعدد 1200 حالة من حالات الغيبوبة الشديدة التي استمرت في الحياة لمدة ثلاثة أشهر بعد إصابة المخ فوُجِدَ أن أياً منها لم تستوف على الإطلاق شروط موت المخ المعتمدة، وفي النهاية استقرت هذه الشروط وقد أجمعت عليها الهيئات الطبية البريطانية، وأصبح معمولا بها منذ عام 1976.
هل يمكن أن يعود للحياة من مات مخه؟(19/13)
إن من يعلم عن وظائف المخ أو طبيعة عمله لا يمكن أن يظن مثل هذا الظن، فمن المبادئ الأساسية في علم الأمراض العصبية بصفة عامة أن خلايا المخ لا يمكن أن تتجدد إذا تلفت، وكلنا يعرف أن من تلف عصبه البصري تماما يبقى أعمى مدى حياته، وأن قطع النخاع الشوكي (الحبل الشوكي) في الحوادث نتيجة كسر العمود الفقري الصدري ينتهي بالإنسان أن يصير مقعدا، فإذا كانت الإصابة في الفقرات العنقية أصيب بالشلل في أطرافه الأربعة وكلها تستمر مدى الحياة، بل إن قطع النخاع في الفقرات العنقية العليا (الفقرة الثالثة العنقية مثلا) لا يصاب صاحبها بالشلل الرباعي فقط بل يتوقف أيضا تنفسه التلقائي نهائيا ويحتاج للتنفس الصناعي مع كونه في كامل وعيه، فيعيش في أقسام العناية المركزة ما بقي له من حياة، وفي هذه الحالة الأخيرة، وبالرغم من كونه في حالة وعي كامل ومخه سليم إلا أن الغالبية العظمى تموت حيث أنه يصعب على الإنسان الحياة في حالة رقاد دائم ولسنوات على أجهزة التنفس الصناعي نتيجة تعرضه لمضاعفات لا حصر لها.(19/14)
لقد أثار انتباهي منذ بداية دراستي لجراحة المخ أن جميع أعضاء الجسم يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بينما لا يمكن استبدال مخ الإنسان ولا يخطر ذلك على بال أحد، بل إن جميع أطراف الجسم يمكن أن تبتر ويظل الإنسان موجودا حتى بعد استئصال نصف المخ (أحد النصفين الكرويين) Hemispherectomy، وهي جراحة نادرة تجرى أحيانا في بعض حالات الصرع في الأطفال، بينما إذا لم يكن الفريق الجراحي في جراحات المخ على حرص شديد لعدم تَعَرُّض جذع المخ أو شرايينه ولو لبعض الضغط الخفيف أثناء الجراحة فإن ذلك يتبعه صعوبة في إفاقة المريض قد تمتد لأكثر من أسبوع، وقد ولَّدت هذه الملاحظات عندي الاعتقاد ليس فقط بأن المخ هو أهم عضو في جسم الإنسان، بمعنى ألا حياة بدونه وأنه لا يمكن استبداله، بل أصبحت أميل إلى الاعتقاد بأن جذع المخ يرتبط بسر حياة الإنسان ففيه يكمن وعي الإنسان فهو الجزء من الإنسان الذي ينام ويصحو، وأن مخ الإنسان الحي هو الإنسان ذاته، وأن جميع الأعضاء الأخرى خلقت لتقوم على خدمة هذا السيد من توفير لطلباته وتوفير غذائه من هضم وامتصاص ودفعه إليه في الدم بمعرفة القلب وتصريف فضلاته الناتجة عن استخدام الطاقة، وتمكينه من التنقل من مكان لآخر حسب رغبته بمعرفة الجهاز الحركي.(19/15)
إن تواجد أعضاء الجسم حية بعد وفاة المخ مباشرة لا يعني أنها يمكنها أن تستمر كذلك طويلا، وهي حقيقة نعلمها ونلاحظها جميعا بعد استيفاء المصاب لشروط موت المخ فكل أعضاء الجسم وخلاياه تعمل تحت سيطرة المخ وتنظيمه وتستمد منه أسباب بقائها وحسن انتظامها في عملها، إما بفعل الجهاز العصبي المركزي The central nervous system أو الجهاز العصبي الذاتي (الجهاز العصبي المستقل) The autonomic nervous system أو من خلال الغدة النخامية التي تنظم عمل بقية الغدد الصماء وعلى ارتباط وظيفي وثيق بالوطاء وهو جزء من المخ The hypothalamus أو من خلال مواد كيميائية تفرزها نهايات الأعصاب تسمى بالناقلات العصبية The neurotrasmitters. فإذا مات المخ وفقدت هذه الوظائف فإن الأعضاء الأخرى يصعب عليها الاستمرار الطويل فتبدأ في التحلل التدريجي وفقاً لمدى اعتمادها على وظائف المخ في البقاء فأسرعها في الزوال هو الوعي ووظائف الحس والحركة الإرادية ثم تجيء باقي الأعضاء ونأخذ مثالا لذلك الجهاز الدوري أي القلب والدورة الدموية:
1 ـ يهبط عدد ضربات القلب وتفقد انتظامها في حالات إصابات المخ الشديدة ويتناسب ذلك طرديا مع شدة الإصابة والتي تعتمد أساسا على الجهاز العصبي الذاتي ومراكزه عند قاعدة المخ.(17)..
2 ـ أثبت البعض أن قوة الانقباض العضلي للقلب يقل في إصابات المخ الشديدة بصورة مختلفة تماما عما يحدث في أمراض القلب المزمنة.(18). كما لاحظوا أيضا ارتفاع نسبة مادة التروبونين تي في الدم Troponin T والتي يصاحبها احتمال خلل وتلف في الخلايا العضلية للقلب، وهذه الزيادة يكون لها اعتبار في اختيار الحالات التي تصلح أن ينقل منها القلب للزراعة.(19)..(19/16)
3 ـ يبدأ ضغط الدم في الهبوط نتيجة الفقدان التدريجي لكميات من ماء الجسم وأملاحه في البول لغياب أحد هرمونات الجزء الخلفي من الغدة النخامية Antiduretic hormone? وتوصف هذه الحالة بإدرار البول المتزايد بعد موت المخ أو السكر الكاذب Diabetes incipidus or polyurea of brain death مما يسبب انخفاض ضغط الدم وهبوط الدورة الدموية واضطراب نسب الكهارل أو الأملاح في الدم.(20)(21).، وتتضافر هذه العوامل في النهاية على فشل عمل القلب والدورة الدموية وتوقفهما في النهاية.
من الأمثلة الأخرى لتداعي باقي الأعضاء اضطراب التمثيل الغذائي وانخفاض درجة حرارة الجسم:
أن عملية التمثيل الغذائي في الجسم هي مصدر الطاقة اللازمة له لقيام مختلف خلايا الجسم بعملها مثل حركة العضلات وإفرازات الغدد وامتصاص الطعام من الأمعاء.. الخ، كما أنها أيضا مصدر الحرارة التي تتولد في أنسجة الجسم المختلفة كإنتاج مترتب على أكسدة الأغذية الحاملة للطاقة بفعل إنزيمات التمثيل الغذائي، هذه الحرارة لها أهمية كبرى في خلق درجة الحرارة المثلى لعمل ونشاط آلاف الإنزيمات المختلفة في جسم الإنسان ومنها الإنزيمات اللازمة لعملية التمثيل الغذائي ذاتها. في هذه العملية يتم حرق الطاقة (المواد الغذائية من كربوهيدرات ودهون وبروتينات) بأكسدتها تدريجيا وعلى مراحل باستخدام الأكسجين، ويتم جزء كبير من هذه العملية في الكبد ولذلك يسمى بفرن الجسم، وكذلك في العضلات وجميع خلايا الجسم لأداء عملها.(19/17)
وعند موت المخ نلحظ اضطرابا في عمل الهرمونات المرتبطة والمنظمة لهذه العملية وبالذات هرمونات الغدة الدرقية والكورتيزول، وكان لحقن هذه الهرمونات في حالة موت المخ تأثير واضح في إطالة موت المخ وتحسن أداء القلب، وبالرغم من تحلل أنسجة الوطاء Hypothalamus والمسيطر على إفرازات الغدة النخامية إلا أن وجود بعض هذه الهرمونات بعد موت المخ يكون نتيجة وجود مصادر أخرى لإفرازها مثل البنكرياس، أي أن وجود بعض هذه الهرمونات في الدم ليس دليلا ضد موت المخ بالكامل.(22).، ويرجع البعض الاختلال إلى أنه نتيجة ارتفاع مادة السيتوكينز في الدم Cytokines.(23).. كما لوحظ حدوث تغييرات فسيولوجية خطيرة مثل الإضطراب الخلوي العام في التمثيل الغذائي في حالات موت المخ.(24).، يترتب على ذلك تدني عملية التمثيل الغذائي والذي يترتب عليه التدني في إنتاج الطاقة من المواد الغذائية من ناحية والتدني في درجة حرارة الجسم من ناحية أخرى، وهذا بدوره يقلل نشاط الإنزيمات الخاصة بالتمثيل الغذائي لأنها تفقد الوسط البيئي الأمثل بوجودها في درجة الحرارة المثلى للتفاعل الكيميائي، وهي درجة الحرارة الطبيعية للدم (388 مئوية) ليؤدي إلى مزيد من الهبوط وهكذا.(19/18)
هذا خلاف ما يؤدي إليه ذلك من عدم قدرة الخلايا لتأدية وظائفها وبالتالي تلفها، وهكذا يستمر تحلل الأعضاء إلى أن تهبط الدورة الدموية تماما ويتوقف القلب فيتوقف إرسال الأكسجين لبقية الأعضاء الأخرى بالرغم من استمرار جهاز التنفس الصناعي في العمل فتموت الواحدة منها بعد الأخرى مهما حاول العلماء من إضافة الهرمونات والأدوية اللازمة للحفاظ على الأنسجة والأعضاء لأطول فترة ممكنة للزراعة، ولكن ذلك لا يتعدى فترة من ستة إلى تسعة أو عشرة أسابيع أي حوالي شهرين.(24).. ومن هنا نرى أن ما ذكر في أحد المقالات المقدمة لهذه الندوة «تعريف الموت في الدين الإسلامي» من أن ثلاثاً من السيدات الحوامل استمر حمل اثنتين منهن لمدة خمسة أشهر، والثالثة لمدة أكثر من ستة أشهر بعد تشخيص موت المخ هو من قبيل المبالغة غير المقبولة، لأن ذلك يعني أن هذه الأجنة قد نفخت فيها الروح في رحم أم ميتة، فإذا رجعنا إلى المستندات التي قدمها الكاتب لتؤكد ما جاء به في هذا الموضوع العلمي الدقيق، فإذا بها مأخوذة عن جرائد وصحف يومية تصدر في أقطارعربية، كتبها وترجمها أشخاص غير أطباء لا يدركون المعاني العلمية الدقيقة وأوردوها لجذب اهتمام العامة لشراء الجريدة فلا يمكننا التعويل عليها لإصدار رأي علمي أو فتوى شرعية من هذه الندوة، وكان الأنسب تقديم البحوث العلمية عن العلماء ذاتهم إن وجدت في المجلات العلمية المتخصصة، بل الأكثر من ذلك أن الصحف المذكورة التي أوردها المؤلف لم تذكر كلمة موت المخ على الإطلاق كوصف لهذه الحالات، ففي حالة السيدة البريطانية في برمنجهام أخبرت الجريدة (الأهرام) أنها كانت في غيبوية مستمرة لمدة أكثر من ستة أشهر منذ الحادث، وأما حالة السيدة الأمريكية من مستشفى سياتل ورد في قصاصة الجريدة المنشورة ضمن وثيقة رقم (3) صفحة رقم (21) عن جريدة السياسة أنها كانت تتنفس تلقائيا، مما يعني أنها لا يمكن أن تكون قد شُخّصت حالتها على أنها(19/19)
حالة موت للمخ مثلما أورد الكاتب في مقاله المقدم للندوة، مما يعكس أيضا عدم الدقة في نقل المعلومات من المراجع التي نقل عنها والتي كتبها وترجمها صحفي ليقرأها عامة الناس، وفي كل الأحوال على من يورد مرجعا ألا يغير فيما جاء فيه ليناسب وجهة نظره.
والأغلب أن جذع المخ في هذه الحالات التي ورد ذكرها في هذه الصحف كان حيا، ومثلها يمكن أن تعيش لسنوات في غيبوبة كاملة، بل ومن الناحية العلمية يمكنها أن تنجب أكثر من طفل، فجميع أعضاء الجسم سليمة (الحياة الجسدية أو ما يطلق عليها الحياة النباتية وسيرد ذكرها لاحقا).(19/20)
من المعروف في مجال علم التوليد أن الطفل يولد أحيانا قبل موعده الطبيعي بعدة أشهر فيما يعرف بالأطفال المبتسرين Premature babies وكلما كان الطفل المولود أقل حجما ونموا كانت فرصته في الحياة أقل بالنسبة لظروف البيئة التي يعيش فيها من درجة حرارة ورطوبة وغذاء، كما أن بعض الأعضاء في جسده الضئيل لم تنم بعد لتصبح على مستوى الكفاءة الكاملة للعمل المطلوب منها وبالذات الجهاز التنفسي، لهذا كان في الحضّانات الصناعية بعض الحل للمساعدة في هذه الحالات حيث تُوَفَّرُ البيئة المناسبة ولو جزئيا. وقد استُخْدِمَ في بعض الحالات رحم الأم الحامل التي توفي مخها بمثابة حضّانة إذا كانت مدة الحمل قد انتهت أو قاربت على الانتهاء (في مدى فترة وفاة المخ)، وقد حاول البعض إطالة هذه الفترة باستخدام العديد من الهرمونات والناقلات العصبية ومختلف الكيماويات لمحاولة تصحيح بعض ما نعرفه من اختلال وظائف الجسم والأعضاء بصفة عامة، ولكن هناك الكثير مما لم يعرف بعد، ولهذا يلقى هذا الموضوع معارضة من ناحية آداب مزاولة مهنة الطب من الكثيرين لأن هذه البيئة ليست المثالية على الإطلاق لطفل في طور التكوين، وهناك احتمالات كبيرة ألا يكون هذا الطفل طبيعيا بعد خروجه للحياة مثله مثل الأعضاء التي تحللت بنسبة كبيرة ويرفضها جسم المضيف عند زراعتها فيه.
بالرغم من أن تشخيص موت المخ كتشخيص إكلينيكي معملي قد مضى عليه الآن نحو من ربع قرن تم فيه تشخيص عشرات الألوف من الحالات إلا أنه لم ينشر في المجلات الطبية العلمية عن حالة واحدة عن عودة الحياة لمن مات مخه شريطة الالتزام التام بحالات الإصابات واستبعاد أمراض المخ القابلة للعلاج.
لماذا إذن اختلاف بعض الدول في تشخيص وفاة المخ إذا كان الأمر بهذا الوضوح؟(19/21)
لم تختلف الدول أو المؤسسات العلمية العالمية على الإطلاق حول وجود موت المخ من عدمه، وإنما كان الاختلاف في تبني الشروط والمستويات الإكلينيكية والبحوث اللازمة لتشخيصه وهو ما يسمى ببروتوكولات موت المخ Protocols of brain death.
يرى البعض في الآونة الأخيرة أنه: حيث إن تشخيص موت المخ ليس الغرض منه هو التشخيص الأكاديمي بالدرجة الأولى، أو التوفير المادي لاستخدام أجهزة باهظة التكاليف لما لا طائل من ورائه بينما هناك آخرون هم أولى به، وإنما أيضا طالما أنه قد تأكد استحالة عودة هذا الشخص إلى الحياة بصورة نهائية فإنه من الأجدى محاولة الاستفادة من فقد حياة إنسانية عزيزة، بكسب أخرى أو أخريات وذلك بإعطاء الفرصة لمن أشرف على الهلاك لتلف أحد أعضائه الأساسية والتي لا حياة له بدونها بنقل العضو المطلوب له ممن توفي جذع مخه. كما أن هؤلاء العلماء يعتقدون أن وفاة جذع المخ تعني الدخول في غيبوبة اللاعودة ويستتبع ذلك وفاة بقية أجزاء المخ الأخرى لا محالة مثل بقاء «جزر في المخ» تظهر منها علامات نشاط كهربي، أو وجود نشاط في عمل النخاع الشوكي وهو الجزء من الجهاز العصبي المركزي المتواجد خارج جدران الجمجمة ولا تتعرض شرايينه للانسداد نتيجة ارتفاع الضغط داخلها، مما يتسبب في تأخُّر موته عن المخ بعض الوقت وبقاء بعض النشاط فيه لفترة، مع ما ينتج عن ذلك من بعض ردود الأفعال المنعكسة اللاإرادية في الأطراف Automatism or reflex activity ومن ذلك ظاهرة لازارس مع بداية سلسلة من التحلل بعد ذلك في بقية أعضاء الجسم وخلاياه فكلها تغيرات حتمية في اتجاه واحد، ولتوضيح هذا المعنى لدى القارىء نشبه جذع المخ بجذع الشجرة فإذا تلف جذع الشجرة تماما فإننا لا نتوقع أن تستمر الساق والأفرع والثمار في الحياة طويلا بعد ذلك، ولكن أعضاء الجسم الأخرى يمكنها القيام بوظائفها لفترة من الزمن ويمكن نقلها للآخرين إلا أن فرص نجاح جراحة زراعة العضو تكون(19/22)
في أحسن حالاتها إذا نقل العضو فور موت جذع المخ مباشرة وقبل أن تدب فيه أية درجة من درجات التحلل بقدر الإمكان، وذلك بالقيام بالتشخيص المبكر لموت جذع المخ.
وهناك علماء آخرون يصرون على الالتزام بموت المخ بكامله (بمعنى الجهاز العصبي المركزي) بلا أية علامة بقاء أي نشاط، فهي خلافات أيديولوجية في إيتيكيت وآداب مزاولة مهنة الطب، كما أنها تلقى استحسان رجال الدين وجمعيات زراعة الأعضاء وفيها المتبرعون بأعضائهم عند وفاتهم، مما يعطي الجميع القناعة بأن المتوفى قد تلقى أقصى رعاية ممكنة وأن القرائن الدالة على موته تأكدت بصورة أكثر وضوحا، وأن التشخيص قد تم بأكثر من طبيب كل منهم قام بفحصه على حدة مرتين بفارق زمني بين الأولى والثانية ست ساعات، وليس لأيهم أية علاقة بالمتوفى أو بمن يمكن أن يتلقى أعضاء للزراعة أو بأعضاء الفريق الجراحي الذي يقوم بعمليات النقل، ولكل مركز من المراكز العلمية حريته في وضع الاشتراطات التي تتفق مع معتقداته، ولكن تبقى هنا حقيقتان:
الحقيقة الأولى: أن تشخيص وفاة جذع المخ على وجه التحديد تستتبعه وفاة جميع باقي أجزاء المخ وجميع أعضاء الجسم الأخرى لا مناص، وأن المسألة هي مسألة وقت أو زمن.
الحقيقة الثانية: أن نسبة نجاح وعدم رفض الأعضاء المنزرعة تكون أكبر كلما كان الحصول على العضو أسرع بعد الوفاة مباشرة.(19/23)
أي أن هناك بين المراكز العلمية المختلفة محاولة للموازنة والمعادلة بين الأيديولوجية وآداب مزاولة مهنة الطب وأيضا مراعاة الجوانب النفسية لكل الأطراف، وبين توفير أعلى فرص النجاح من الناحية الجراحية في تناول الموضوع بصفة عامة. هذا لا يمنع إجراء تعديلات بين الحين والآخر على هذه البروتوكولات بإدخال فحوصات مستحدثة تكون أكثر دقة أو أكثر إيضاحا لوجهة نظر معينة، وهذه المراكز تراعي الالتزام بالدقة الممكنة في تبرير شروطها، ليس فقط لأنها مراكز عالمية المستوى وتتحمل أمام العالم أمانة مسؤوليات علمية في جميع مجالات الطب خلاف مجال زراعة الأعضاء، ونحن كمراكز علمية إسلامية لنا مطلق الحرية في اختيار ما نراه الأنسب لنا ولمعتقداتنا ولا يوجد أي إلزام لمركز علمي على ما يراه الآخرون.
أما إذا كانت هناك أديان وثنية مثل البوذية في اليابان أو غيرها لها وجهة نظر معينة في مواضيع الحياة والموت فلن يكون ذلك مبررا لنا لنتبعهم لأنهم من أكثر دول العالم تقدما في العلوم الحديثة، وإن كنت أعلم بالرغم من كل ذلك أنها كانت من أول دول العالم التي أجرت جراحات نقل الأعضاء، أن أول عملية لزراعة الكلى في اليابان كانت منذ أربعين عاما (1956) والكبد في عام 1964والقلب في عام 1984 وأن عدد جراحات زراعة الكلى هناك حتى عام 1987 كانت 5328 حالة.(25)..
أما ما ورد في مقال «تعريف الموت في الدين الإسلامي ص4 فقرة 4» عن إجراء أبحاث لعلاج «ما يسمى موت المخ» والتي نقلها الزميل الكاتب عن صحف الأهرام والأخبار، فربما قصد الصحفي الذي نقل الخبر علاج حالات الغيبوبة قبل أن يؤدي ذلك إلى موت المخ، فلا يبعث الإنسان من موته إلا الله سبحانه وتعالى.
من يضع الرأي الشرعي فيما يختص بشروط الوفاة؟(19/24)
كلنا يعلم أن القرآن والسنة لم يُنَص في أي منهما على ما هو تعريف الموت أو العلامات الدالة عليه والتي يمكن أن يلاحظها العامة وتشير إليه، فعلام يبنى الرأي الشرعي إذن؟. إن ذلك يعني أن الموضوع قد ترك للاجتهاد البشري والخبرة البشرية، مما يتطلب أن يتضافر ثقات المسلمين وعلماؤهم في الوصول إلى أصوب الآراء، كل يقدم غاية علمه في مجال تخصصه، ولا يجوز لفرد ما أيا كان منصبه ومهما أوتي من علم أن يدلي برأيه ويحاول أن يلزم الآخرين به، فلم يعد هناك الآن وحي يدعيه أحد، وهنا نجد أنفسنا ملزمين بالاعتراف بأن الدور الحاسم في هذه القضية يكون من نصيب أهل التخصص المشتغلين بملاحظة هذا المخلوق، والذين يقفون على الثغرة الحرجة وعلى خط التماس مع الواقع وهم الأطباء المتخصصون في هذا المجال، ولكن هذا لا يقلل من الدور الهام الذي يجب على علماء الشريعة أن يقوموا به جنبا إلى جنب مع إخوانهم الأطباء المسلمين، الذين يطلبون في ممارسة مهنتهم الانسجام مع حقائق الدين الحنيف، فهم يتسلمون منهم نتائج بحوثهم وملاحظاتهم وينطلقون منها في تقرير الأحكام المتعلقة بها، أو بمعنى آخر إنه اجتهاد طبي يعقبه اجتهاد فقهي بالرأي يصاغ في النهاية في قالب قانوني، وذلك عملا بالآية الكريمة {فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(43)} (سورة النحل).
ولا أظن أن ندوات هذه المنظمة خرجت عن هذا الإطار في بحثها الشرعي لتقييم المفاهيم الجديدة في عالم الطب وكما تم في جلستنا السابقة.(19/25)
ومن الأمثلة في عصور سابقة ما قاله بدر الدين الزركشي من أن من يطعن في بطنه أو اعتدى عليه حيوان مفترس «فأخرج حشوته وأبانها» أي فخرجت أحشاؤه من بطنه وانسكبت ثم جاء شخص آخر فأجهز عليه فيكون القصاص على الجاني الأول ولا يجب القصاص على الثاني لأنه كان في حكم الميت، وهو ما يعرف بحركة مذبوح من فقدان النطق والإبصار والحركة الإرادية (بحث الدكتور محمد نعيم ياسين في ندوة الحياة والموت ص412). هذا ما نسميه في علمنا الطبي الحالي بالغيبوبة. فإذا كان هذا في عصر ما، وكان هذا هو العلم السائد وقتئذٍ فإن الوضع اليوم قد تغير، أصبح من خرجت أحشاؤه يمكن إعادتها وعلاجه، ومن ذبح فغاب عن الوعي بفقد كمية من دمه يمكن الآن إسعافه ويصبح الاثنان شخصين سويين، فيجب ألا نبقى أبد الدهر نتبع مقدرات طب قديم إذا استجد من العلم ما ينسخه.
ولعل هذا يوضح إلى حد كبير عدم استيعاب البعض وفهمهم للفتاوى الصادرة من فضيلة الدكتور محمد سيد طنطناوي في موضوع زراعة الأعضاء والتي أوردها عندما قال فضيلته «الأطباء هم سادة الموقف في أمثال هذه الحالات وهم المسؤولون مسؤولية تامة عن تصرفاتهم أمام الله تعالى» وقد علق كاتب البحث المقدم لهذه الندوة (أسباب تحريم نقل وزراعة الأعضاء الآدمية، ص61) على هذا أن فضيلته «حاول أن يتنصل من مسؤوليته». نكرر هنا مرة أخرى أنه ليس من آداب البحث العلمي في جميع مجالاته والذي يمثل فكرا راقيا وعاليا استخدام الألفاظ الجارحة لانتقاد من يخالفنا الرأي، فخلاف أنها لا تؤكد المعنى قد تكون عكسية التأثير ولا سيما إذا كان النقد من شخص غير متخصص في مجال ما في حق عالم في هذا المجال.
هل يمكن أن يختلف العلم الحديث مع الشرع في مفهوم موت الإنسان؟(19/26)
يسعدني أن أقرر هنا أننا معشر المسلمين نتميَّز عن غيرنا بأن قرآننا يزخر بالكنوز العلمية وإن كنا لم نستوعبها بعد الاستيعاب الكافي، وبالرغم من أن القرآن يشمل نحوا من ألف آية تشير إلى مدلولات علمية، إلا أن أياً منها لم يتعارض مع العلم الحديث، فديننا هو دين العلم، يشير منذ أربعة عشر قرنا إلى حقائق علمية كثيرة مازال الكثير ممن يدَّعون العلم الآن لا يستوعبونها رغم وضوحها.
يقول العلم الحديث بوجود خمسة مستويات مختلفة لما يطلق عليه الحياة الإنسانية هي:
1 ـ الحياة الإنسانية الواعية اليقظة.
2 ـ الحياة الإنسانية غير الواعية: ويمكن أن نسميها أيضا بالحياة الجسدية وهي الحياة التي لا تحتوي على وعي أو حس أو حركة، مثل النوم (وإن كان في بعض درجاته السطحية يخالطه بعض اليقظة والحس والحركة من تقليب وخلافه) وكذلك في التخدير أو مع استخدام العقاقير المنومة عموما، وحالات فقدان الوعي على إطلاقها بشرط سلامة جذع المخ.(19/27)
في بعض حالات الغيبوبة الناجمة عن إصابات شديدة للمخ يتلف جزء كبير منه وبالذات في قشرة المخ التي تحوي مراكز الحس بجميع أنواعه ومراكز الحركة للعضلات الإرادية، أو بمعنى أوضح أن أجهزة الاستقبال من العالم الخارجي وأجهزة التعامل أو التفاعل معه إراديا قد تلفت أو تعطلت بصورة نهائية مع بقاء جذع المخ سليما والمريض يتنفس تلقائيا كالنائم تماما، فتستمر هذه الغيبوبة بقية حياة المصاب لا يفيق منها أبدا، وقد تمتد لسنوات إذا كانت الرعاية التمريضية فائقة، ولكنها لا تؤتي في النهاية أية ثمار. يصف البعض هذه الحالات (وأحيانا كتب الطب) بالحياة النباتية إشارة إلى أن الإنسان يتغذى ويتنفس وينمو بلا وعي أو حس أو حركة كالنبات، ولكنني أرى أن إطلاق تسمية الحياة الجسدية على هذه الحالة أكثر دقة فهي تشير إلى وجود جسد حي بكامل أعضائه وإن غاب عنه الوعي والحركة، كما أنه وصف أكثر احتراما لما ينتمي إلى الإنسان بصلة فهو لا يؤدي التمثيل الكلوروفيلي ولا يعيش في إصّيص.
3 ـ الحياة العضوية: وهي تصف ما تبقى من حياة في أعضاء من كان إنسانا بعد موته، شريطة وجوده تحت أجهزة العناية المركزة، من تنفس صناعي وغيره مما يلزم من سبل العناية الأخرى، فالقلب يدق ويدفع الدم لجميع الأعضاء ما عدا المخ، والكليتان تفرزان البول والجهاز الهضمي يهضم الطعام ويمتصه، هذه الفترة محددة في أيام وحدها الأقصى أسبوعان، يتدنى في أثنائها تدريجيا مستوى تأدية هذه الأعضاء لوظائفها ويصيبها التحلل التدريجي لغياب المخ، ويمكن بإعطاء بعض الهرمونات التي غابت بموت المخ أن تمتد هذه الفترة إلى فترة أخرى مماثلة.(7).، فإذا زرعت أحد هذه الأعضاء في جسد إنسان حي وكان بها بعض الوهن البسيط فإنها تسترد كفاءة عملها برعاية المخ المضيف.
4 ـ الحياة النسيجية: وهي تصف حياة مجموعة من الخلايا البشرية غالبا ما تكون في مزرعة في مختبر ما.(19/28)
5 ـ الحياة الخلوية وهي حياة الخلية الإنسانية الواحدة.
أي أن العلم يقول بوجود مستويات من الحياة يكون فيها الإنسان حيا، وأخرى لا يكون فيها كذلك، بمعنى ألا يكون الإنسان هناك بالرغم من وجود أعضائه وخلاياه حية تؤدي عملها البالغ التعقيد إلى حد الإعجاز والذي ما زال العلم الحديث حتى الآن يعجز عن فهم بعض جوانبه، فلنترك الآن العلم الإنساني جانبا ولننظر ماذا يقول الشرع وهل يوافق على ذلك؟
يخبرنا الشرع في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أن الإنسان عبارة عن جسد وروح وأن خلق الجسد بكامل أعضائه سابق لنفخ الروح: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ(72)} (سورة ص).
[ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأنََهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ(14)} (سورة المؤمنون).
في الآية الأولى خلق الله الجسد أولاً ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك، وفي الآية الثانية فصَّلَ الله عملية خلق الأعضاء من لحم وعظم، ثم بعد ذلك أنشأه مخلوقا آخر وذلك بنفخ روح مستقلة فيه خلاف المخلوق الأول وهي أمه، أي أن طبيعته تغيرت عن ذي قبل.
وفي حديث الأربعينات قال رسول الله ü «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه نطفة أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد».(19/29)
فإذا كان الإنسان يُخْلَقُ جَسَدُه في أربعة أشهر من قلب ينبض بعد الشهر الأول، وتكون رؤية هذا القلب ينبض من خلال الموجات الفوقصوتية إحدى وسائل تشخيص الحمل، كما يمكن رؤية أطرافه تتحرك في الشهر الثاني والثالث، ويُسْتَكْمَلُ خلق جميع أعضائه في الشهر الثالث، وينفخ فيه الروح في الشهر الرابع، والآن أتقدم بسؤال إلى كل المكذبين بوجود إنسان مات وقلبه ما زال ينبض أو ما يسمى بالجثة النابضة، أسألهم عن جسم الجنين الكامل التكوين قبل نفخ الروح فيه وكل أعضائه تعمل بما في ذلك القلب، نراه ينبض رؤية العين: ماذا تسمون هذا الجنين هل يكون طفلا حيا؟.. أم طفلا ميتا؟..
إن علماء الشرع لا يوجبون الدية على من تسبب في إجهاض المرأة الحامل قبل الشهر الرابع، أي قبل نفخ الروح، ويلزمون من تسبب في ذلك بعد الشهر الرابع من الحمل ونفخ الروح في الجنين.
فإذا حاولت الإجابة بنفسي عن هذا السؤال من وجهة النظر العلمية، فإنني أجيب بأن الجنين لا يمكن أن يكون هذا ولا ذاك، فالجنين قبل نفخ الروح لا يمكن أساسا أن أسميه طفلا (أي إنسانا) على الإطلاق فهو ما زال جنينا جسدا بلا روح، كما أنه لا يمكن أن يكون جنينا ميتا لأن قلبه ينبض وخلاياه وأعضاءه تعمل وتنمو، فماذا يكون إذن؟
إذا راجعنا مستويات الحياة الإنسانية الخمسة التي تحدثنا عنها سابقا نجد أن بداية خلق الإنسان كانت بالفعل مثالاً لحياة الخلية الإنسانية الواحدة أو الحياة الخلوية، وهي البذرة والبييضة المخصبة، والتي بعد أن تنغرس في جدار الرحم تتكاثر وتكون نسيجا من عشرات الخلايا، وهو ما يمكن أن نسميه بالحياة النسيجية ثم تتنوع هذه الأنسجة لتكون أعضاء مختلفة، وهي ما يمكن أن نسميه بالحياة العضوية.(19/30)
في هذه المرحلة وما قبلها لا يختلف الجنين كثيرا من الناحية العلمية عن كونه ورماً مثل بقية الأورام التي يمكن أن تصيب جسم الإنسان، إن خلايا هذه الأورام هي بالفعل خلايا حية فهي تنمو وتتكاثر، بل إن بعض هذه الأورام يتكون من أنسجة مختلفة فيها الجلد وفيها العظم وفيها الغضاريف وأحيانا الشعر والأسنان، وهذا النوع من الأورام يعرف باسم ورم مسخوم أو مسخيّ من كلمة مسخ Teratoma? فإذا استأصلنا ورما كبير الحجم من هذا النوع من جسم أحد المرضى فإنه لا يمكن أن يقال أننا أزهقنا روحا بالرغم من أن الورم كانت خلاياه حية.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ليست جميع حالات الحمل تعطينا في النهاية أطفالا بل في بعض الحالات النادرة تنتهي إلى أورام داخل الرحم، بعضها أورام حميدة مثل المول الحويصلي Vesicular mole وبعضها الآخر أورام سرطانية فتاكة مثل الظهاروم المشيمائي Choriocarcinoma? إنه عند نفخ الروح فقط فإن الأوضاع تختلف تماما من الناحية العلمية والشرعية وعلى كافة المستويات.
يمكننا إذن أن نقول من الناحية العلمية: إن الحمل يبدأ «ورماً طفيلياً» ينشأ عنه «جسد طفيلي» يتحول في النهاية بعد نفخ الروح إلى «طفل إنساني».(19/31)
فإذا كان هذا قبل نفخ الروح، فماذا نتوقع بعد صعود الروح؟.. ولماذا نتوقع أن يكون الأمر مختلفا؟... فالروح شيء مستقل تماما عن الجسد، إننا إذا أردنا أن نتتبع منشأ حياة الجسد وأعضائه ومن أين تأتيه الحياة؟ والتي لا تمت للروح الإنسانية بصلة، نجدها تنشأ من حياة البييضة المخصبة الحية وهذه تنشأ بدورها من الحيوان المنوي الحي من خصية الأب ومن حياة البييضة قبل تخصيبها من مبيض الأم، أي من حياة جسدي الأب والأم، وكل من حياة جسد الأبوين جاءت من حياة جسد أبويه هو أو هي، وهكذا تمتد حياة الأجساد إلى حياة جسد آدم وهي حياة خلقها الله من التراب وتنتمي إلى الأرض ولا تغادرها، أما حياة الروح فهي حياة نورانية سماوية ينفخها الله سبحانه وتعالى في هذا الجسد الترابي أو يقبضها منه وقتما يشاء، أي أن الإنسان عبارة عن روح تنفخ في جسد حي، أو خلق من بعد خلق.
فإذا ذهبت الروح ودخل المصاب في غيبوبة اللاعودة، وأظهرت الفحوصات العديدة توقف الدورة الدموية للمخ الذي ذهب بلا رجعة، عندئذ أصبح الحديث عن قلب ينبض وكلى تعمل حديثاً بلا معنى فأيهما لن يفيد صاحبه بعد ذلك.
[ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.(72). (سورة ص).
إننا لا نرى هنا أية شبهة خلاف بين ما يقوله العلم الحديث والقرآن والسنة، بل إننا نرى أن القرآن قد أضاف جديدا إلى علمنا الحديث بأن هناك نوعين من الحياة في الإنسان، حياة للجسد وهي ممثلة في كل خلية من خلاياه على حدة كالحيوان المنوي أو البييضة مثلا، فأي منها يمكنها أن تعيش بمفردها فلها حياتها الخاصة فإذا جُمِّدَت، فإن حياة الخلية الواحدة منها يمكن أن تعيش عشرات السنين وتؤدي عملها المتخصص إذا أعيدت لدرجة الحرارة العادية.(19/32)
إلى هذا الجسد الحي يرسل الله الملك لينفخ فيه الروح، فينشأ خلقا آخر بإضافة حياة جيدة إلى هذا الجسد الحي ليصبح إنسانا حيا، هذه الروح تخص الإنسان كله كوحدة متكاملة عند نفخ الروح في هذا الجسد ولا تقبل التجزئة، وهكذا أضاف القرآن إلى علمنا أن هناك درجتين من الخلق في كل منهما حياة، فإذا استغلق هذا الفهم على غير المسلمين فلهم عذرهم، أما إذا لم نفهم نحن فلا عذر لنا بعد أن أخبرنا به القرآن ونحاسب على تقصيرنا في الفهم، فما زال بعضنا يصر على أن يربط بين حياة الروح وحياة الجسد ويصرُّ على إنتظار موت كل خلية بالجسد حتى يقول إن الروح صعدت. لقد فهم غير المسلمين أخيرا هذه الحقيقة بالرغم من أن كتبهم المقدسة لم ترشدهم إليها!
قد يتبادر إلى بعض الأذهان سؤال: لماذا تتحلل الخلايا والأعضاء في الجسد بعد موت المخ في أيام معدودة بينما يستمر الجنين وأعضاؤه حيا لأربعة شهور حتى تنفخ فيه الروح؟..
والرد على ذلك بسيط وهو أن الأم الحية بمخها الحي يمكن أن ترعى هذه الأعضاء في رحمها مثلما يرعى المخ المضيف الأعضاء التي تزرع له من كلى وغيرها لسنوات طويلة.
لقد أشارت آيات القرآن والسنة إلى موت الإنسان في مجالين، أشارت في الأولى إلى فترة احتضار الميت:
[أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ...(132)} (سورة البقرة).
[ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(180)} (سورة البقرة).
وقال رسول الله (: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله».(19/33)
يستدل من ذلك أن هناك فترة احتضار يحس بها ويعرفها المقبل على الموت وهو ما زال بعد حيا، يعي ويسمع ويتكلم، فقد أصبح يدرك، بطريقة ما، أن حياته قد قاربت نهايتها وأن روحه تستعد للمغادرة، وربما خبر بعضنا مثل هذه المواقف عند ملازمته لعزيز له يحتضر، وربما تشمل فترة الاحتضار هذه مرحلة أخرى لاحقة? وما زال المحتضر فيها في وعيه وفهمه ولكنه يكون قد ازداد قربا من الموت، وأصبح يراه يقينا أمامه وتأكد من وجود الخالق وربما هي المرحلة التي لا تقبل عندها التوبة والتي تشير إليها سورة النساء:
[وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ(18)}
وهو ما انطبق على فرعون عندما كان يحتضر غرقا وحاول التوبة:
[حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ(90)}.
وقد فسر رسول الله ( هذا المعنى عندما قال: «إن الله يقبل التوبة من عبده ما لم يغرغر» فهي المرحلة المتأخرة من الاحتضار والعبد فيها في وعيه، يتوب ولا تقبل منه.
أما عن المرحلة الثانية فهي لحظة الموت الحقيقي، وهي مرحلة خروج الروح وقد شبهتها سورة الزمر بالنوم:
[اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْها الْمَوْتَ ويُرْسِلُ الاللهخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(42)} (سورة الزمر).
[فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ(83) وأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ(84) ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ(85)} (سورة الواقعة).(19/34)
ويفسر المفسرون أن الموت هو الوفاة الكبرى أو الكاملة والنوم هو الوفاة الصغرى، والتشابه بينهما واضح في فقدان الوعي والحس، والزمن الذي يموت فيه الإنسان هو زمن قصير مثل الزمن الذي يستغرقه الإنسان من اليقظة إلى النوم، فآيات الواقعة تشير إلى وجود الوعي حتى اللحظات الأخيرة حتى عندما تصل إلى الحلقوم، وقد أكد ذلك رسول الله ü فقال: «كما تنامون كذلك تموتون وكما تستيقظون كذلك تبعثون». أي أن الموت عملية لحظية ولا تستغرق أياما بعد موت المخ حتى تموت سائر الأعضاء الواحدة تلو الأخرى كما يتصور البعض.
ونحن معشر الأطباء قد تعلمنا أن سبب الموت هو موت مخ الإنسان بفقد دورته الدموية وتوقفه النهائي عن العمل والذي ربما كان مكان التقاء حياة الروح بحياة الجسد، أو حياة السماء بحياة الأرض.
لقد خلق الله الأرض واستخلف فيها الإنسان ليعبده فيها، وفي يوم موعود سيحاسبه عما استُخْلِفَ فيه، لقد وهبه العقل وألهم نفسَه فجورها وتقواها ثم أرسل لها الرسل لترشدها إلى طريق الهداية، طريق إعمار الأرض، فالخالق لا يستفيد من عبادة مخلوقاته فهو غني عن العالمين، هذه النفس تقود في حياتها الدنيا جسداً سُخِّرَ لها تنفذ من خلاله كل ما يتراءى لها من أعمال، خيراً كانت أم شراً، وهذا الجسد تمده الروح بالحياة.
جعل الله - من جماد الأرض ومعادنها المستخلف فيها الإنسان- الذهب والفضة مالاً يحمله الإنسان في جيوبه وبنوكه ويتصرف فيه، ولكنه لا يملكه مثل كل ما استخلف فيه على وجه الأرض وفي باطنها، وعندما يتوفى الله هذه النفس تصعد الروح إلى بارئها، ويخرج الإنسان من دورالاستخلاف، ويبقى جسده ضمن جماد الأرض مُستَخْلَفاً فيه من غيره من الناس الأحياء.(19/35)
فإذا بعث الله النفوس في اليوم الموعود وسألها عما استخلفت فيه، تتهيأ للثواب أو العقاب فتدخل في أجسادها، فإذا كانت مطمئنة تلقت النعيم، فتحس الحرير وتذوق الفاكهة وتشرب السلسبيل، وإذا كانت أمّارة بالسوء تلقت العذاب، فتحس الحريق وتأكل الزقوم وتشرب المهل.
إن ما نقرره الآن في جسد الإنسان وقد أصبحنا مستخلفين فيه بعد أن ماتت نفسه وصعدت روحه، سوف نسأل عنه هل قصدنا به عبادة الله وإعمار للأرض أم خرابها.
لن أنسى ما قاله فضيلة شيخ الجامع الأزهر متعه الله بالصحة في إحدى ندواتنا السابقة وكان مفتيا للديار «ما أسهل إذا اسْتُفْتِيتَ في أمر أن تقول لا فهي تعصمك من الوقوع في الخطأ، ولكنك في بعض الأحيان قد تُفَوِّت بهذا خيراً كثيراً على أمَّة الإسلام، ولهذا كان للمجتهد الصادق حسنة إذا أخطأ وحسنتان إذا أصاب».
وفقنا الله فيما يهدينا إليه، وأن يكون فيه خيرنا وخير عامة المسلمين.
المراجع الطبية
1.Confirmation of brain death using 99M Tc HM-PAO.
Andelstein W
University of Missouri Hospital and Clinics, Division of Neurosurgery, Colombia
J Neurosci Nurs (United States) Apr 1994.
2.99mTc HM-PAO brain perfusion SPECT in brain death.
Bonctti MG; Parrone E Department of Diagnosing Imaging,Casa Sollievo della Sofferenza Hospital, Italy.
Neuroradiology (Germany) Jul 1995
3.Direct comparison of Tc-99m DTPA and Tc-99m HM PAO for evaluating brain death Spieth ME; Ansari AN; Siegel ME Department of Radiology, King/Drew Medical Center, Los Angeles,CA Clin nucl Med (UNITED STATES) Oct. 1994
4.Magnetic resonance imaging of brain death.
Lee DH;Lownie SPDepartment of Diagnostic Radiology and Nuclear Medicine University Hospital London,Ont.Can Assoc Radiol J(CANADA) Jun.1995.(19/36)
5.MR"hot nose sign"and"intravascularenhancement sign" In brain death Orrison WW Jr; King JN Department of Radiology, University of New Mexico School of Medicine, Albuquerque AJNR Am J Neuroradiol (UNITED STATES) May 1994.
6.Determination of brain death with use of color duplex scanning in intensive care setting.
Lemmon GW; Franz RW; Peoples JB Department of Surgery,Right State University School of Medicine,Dayton,Ohio,USA.Arc Surg (UNITED STATES) May 1995
7.Evoked potentials: a safe brain death confirmatory tool Gurerit JM University of Lauvain Medical School, Cliniques Univeritairs Saint Luc Brussels, Belgium Eur J Med (France) Jul-Aug 1992
8.Digital substraction angiography, a new approach to brain death determination in the new born.
Albertini A;Haiatt M;Hegri TDepartment of Pediatrics StPeter’s Medical Center New Brunswick.
Pediatr Radiol (Germany) 1993
9.Intavenous digital substraction angiography. A criteria of brain death.Van bunne Y; Delcour C; Struyven JAnn Raidol. Paris (France)1989.
10.Brain death determination by angiogrpahy in the seting of a skull defect.
Alvarez LA; Lipton RB; Lantos G Department of Neurology,Bronx Municepal Hospital Center, Albert Einstein College of Medicine New York
Arc Neurol (UNITED STATES) Feb 1988.
11.Transcranial doppler ultrasound in brain death: experincing 140 patients.
Zurynski Y; Choong R Department of Nuclear Medicine and Ultrasound Westmead Hospital, NSW Australia.
Neurorol Res (England) Dec 1991.
12.Investigations on oscillating flow spectra as a doppler ultrasonographic sign of intracranial circulatory arrest.(19/37)
Rosa L;Hassler W.
Department of Neurosurgery University of Tubingen Federal Republic of Germany.
Acta Neurochir (Wien) (Austria) 1991.
13.Evaluation of pulsed Doppler common caroted blood flow as a noninvasive method for brain death diagnosis: a prospective study.
Payen DM;Lamer C:Pilorget A:Echter E.
Department d’Anesthesie-Reanimation,Hospital Universitaire Lariboisiere, Paris, France.
Anesthesiology (UNITED STATES) Feb 1990.
14.The Neuropathological findings in irriversible coma. A critique of the "respirator".
Walker AE: Diamond EL: Moseley J.
J Neuropathol Exp Neurol (UNITED STATES) Jul 1975
15.Respirator brain. Report of a survey and review of current concepts.
Moseley JI; Walker AE.
Arch pathol Lab Med (UNITED STATES) Feb 1976.
16.Autolysis of the granular layer of the cerebellar cortex in brain death.
Ogata J;; Yutani C;; Kukuchi H Acta Neuropathol (Brl) (Germany, West) 1986
17.Autonomic control of heart rate after brain injury in children.
Goldstein B; Kempski MH; Kelly mm; Woolf PD.
Department of Pediatrics, University of Rochester School of Medicine and Dentistry, Strong Children critical care center, NY, USA.
Crit Car Med (UNITED STATES) Feb 1996.
18.Cardiac beta adrenergic neuroeffector systems in acute myocardial dysfunction related to brain injury. Evedence for caticolamine-mediated myocardial damage.
White M; Wiechmann R.J; Roden RL; Lendenfeld J; et alDivision of Cardiology, University of Clorado Health Sciences Center, Denver, USA.
Circulation (UNITED STATES) Oct 15 1995.
19.Circulating cardiac troponin T in potential heart transplant doners.(19/38)
Riou B; Dreux S; Roche S; Viars P.
Department d’Anesthesia-Reanimation, Group Hospitalier Petite-Salpitriere, Paris VI University, France.
Circulation (UNITED STATES) Aug 1995.
20.Diabetes incipidus accompanying brain death in children.
Outwater KM; Rockoff MA.
Neurology (UNITED STATES) sep 1984.
21.Diabetes incipidus with brain death Pallis C
Neurology (UNITED STATES) Jul 1985.
22.Morphological and functional alterations of the hypothalamic - pituitary system in brain death with long-term bodily living.
Segimoto T; Sakano T; Yochioka T.
Department of traumatology, Osaka University Medical School, Japan.
Acta Neurochir (wien) (AUSTRIA) 1992.
23.Blood levels of cytokines in brain dead patients: Relationship with circulating hormones and acute phase reactants.
Amado JA; Lopez-Espadus F; Garcia Unzueta MT.
Department of Endocrinology, Hospital Universitario Marques de Valdecilla, Santander, Spain.
Metabolism (UNITED STATES) Jun 1995.
24.The physiological changes associated with brain death - current concepts and implications for the treatment of brain death organ doner.
Power BM; Van Heerden PV.
Department of intensive care, Sir Charles Gairdner Hospital, Perth, Western Australia.
Anesth intensive care (AUSTRALIA)1995.
25.Organ transplantation in Japan-present status and problems.
Ota K.
Kidney Center, Tokyo Women’s Medical College, Japan.
Transpl Int (GERMANY WEST) Aug 1989.(19/39)
ملحق رقم (1)
الجلسة الأولى
الرئيس:الدكتور عبدالرحمن العوضي
المقرر:الدكتور حسن حسن علي
تقرير عن الجلسة الأولى
تقرير عن الجلسة الأولى
بدأت الجلسة الأولى في صباح الثلاثاء 17 ديسمبر 1996م في الساعة 9 صباحاً بتلاوة آيات القرآن الكريم ثم قام الدكتور أحمد رجائي الجندي - بتقديم رئيس الجلسة - الدكتور عبدالرحمن العوضي الذي افتتح الندوة مرحِّباً بالأخوة الزملاء المشاركين في ندوة تعريف الموت التي عقدت بمدينة الكويت، وقد أشار إلى أن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت العديد من الندوات جمعت فيها: أهل الطب من جهة، وعلماء الفقه الإسلامي من جهة أخرى، وإحدى هذه الندوات كانت «الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي» التي عقدت في عام 1985م وكانت من أصعب الندوات في تاريخ المنظمة وكان لسعة الأفق ورحابة الصدر بين الطرفين الوسيلة المثلى لما يجب أن يكون عليه الاجتهاد الجماعي. لذلك كان الحوار ساخنا في كل الأوقات والجميع يسعى إلى الحقيقة وصدرت التوصيات في هذا المجال وأعمال الندوة خير شاهد على ذلك. ثم قال أن المنظمة آثرت أن تعقد هذه الندوة وهي تعريف الموت البشري بحثا عما استجد على الساحة العالمية إلا أنها قررت تأجيل انعقادها إلى ما بعد مؤتمر سان فرانسيسكو في الفترة ما بين 17-19 نوفمبر 1996 والذي شارك فيه ثلاثة مندوبين عن المنظمة للاطلاع على أحدث ما وصل إليه العلم في هذا المجال ولتزويد ندوتنا هذه بما شاهدوه وسمعوه بكل الصدق والأمانة ولن أعلّق على تقرير هذا المؤتمر الذي بين أيديكم وسأترك لحضراتكم مناقشة الأبحاث التي بين أيدينا لنصل في النهاية إلى قرار واضح وصريح. ثم استطرد قائلا أن المشكلة مهنية بحتة والأمانة تقتضي أن تعرض الآراء بوجهتي نظرها بأمانة وإخلاص لأن إخفاء جزء من الحقيقة جريمة أمام الله وأمام الناس فلا غاية لنا من الوصول إلى الحقيقة سوى إرضاء رب العالمين ودفع المسيرة الصحية(20/1)
الى الأمام ومساندة عجلة التنمية لدولنا العربية والإسلامية لترتفع الهامات ويكون لنا دور في المسيرة الإنسانية ثم دعى الدكتور العوضي الباحث الأول الدكتور عبدالمنعم عبيد لتقديم بحثه.
وقد استعرض الدكتور عبد المنعم عبيد العديد من التقدم في مجالات العلوم والرياضة والفلسفة مما أدى إلى تطوير كبير في الممارسات الطبية وتفهم أهمية المخ بالنسبة لهوية الإنسان وكيانه ووجوده كما استعرض مفهوم موت المخ، وما نتج عن ذلك من تحديد معايير أو مقومات واضحة للتشخيص والتيقن بالطرق المختلفة السريرية والتكنولوجية وتأثير ذلك على فتح طريق جديد لنقل الأعضاء البشرية من موتى جذع المخ وزرعها في مرضى هم في مسيس الحاجة إليها لرد الحياة إليهم.
وكان المتحدث الثاني في هذه الجلسة هو الدكتور صفوت حسن لطفي الذي بدأ بحثه بقوله بأن الكثير من موتى جذع المخ في المراكز المختلفة يبدون كثيراً من مظاهر الحياة ويستعين كثير من العاملين بالمستشفيات بالأطباء النفسانيين لإشاعة الهدوء والاطمئنان في نفوس العاملين بغرف العمليات وقد ذكر كثيرا من المراجع التي سأعلق عليها في فترة المناقشات وقد طرح الدكتور صفوت لطفي بعض الأسئلة التي سنجد وقتا للرد عليها.
هذه الأسئلة تراوحت حول: هل يمكن اعتبار المفهوم مرادفا في حكمه للحقيقة؟ ثم ذكر أن ما يبعث على الشك في مفهوم موت المخ الاختلافات الموجودة حتى اليوم بين البروتوكولات المختلفة لتشخيص موت جذع المخ بين الدول المختلفة وبين المستشفيات الكبرى.
أما السؤال الثالث فإن دلَّ على شيء إنما يدل على سوء فهم أو الجهل حينما سأل؟ هل تتغير حقيقة مفهوم موت جذع المخ من حالة إلى أخرى باختلاف العمر؟(20/2)
فكيف تحذر البروتوكولات أو الدول من تطبيق مفهوم موت جذع المخ على الأطفال تحت سن خمس سنوات وآخرون يرفعون السن إلى عشر سنوات أو أربع عشرة سنة ولم يدرك أن ذلك من دواعي الدقة والاحتياط لأن فسيولوجية الطفل دون السنة يختلف عن باقي الأعمار. ثم استمر في أسئلة حول دور الطبيب في الرعاية المركزة في التعجيل بإنهاء حياة بعض المرضى إلى أسئلة نظرية غير منطقية مثل ألا يمكن إذا توقف قلب مريض موت جذع المخ أن يعود للعمل ولا يفقد الحياة بعمل CPR (إسعافات قلبية رئوية)؟.
أما السؤال السابع فكان هل يمكن للطبيب المسلم فصل جهاز التنفس الصناعي عن المريض بموت جذع المخ بالرغم من رفض أهله؟ - (طبعاً هذا لا يحدث إلا بموافقة أهل المصاب واقتناعهم بعدم جدوى الاستمرار ولكن الدكتور صفوت لطفي يروج عكس ذلك.
والسؤال الثامن: هل يمكن أن نقطع بأن المرضى الذين تم تشخيصهم نهائيا بأنهم موتى جذع المخ سوف يموتون جميعا لا محالة؟
جوابه عن هذا السؤال هو لا لأنه ثبت علمياً أن بعض الحالات قد عادت إلى الحياة الكاملة مرة أخرى وهذا غير صحيح وأن ذلك أحد الأكاذيب التي يروج لها صفوت لطفي لأنه لا يقرا بحثاً واحداً مضموناً ولكنه يعتمد على بعض المجلات والجرائد السيّارة.
والسؤال التاسع كان تشهيراً بالأطباء بأنهم منتزعو الأعضاء من الأحياء. والسؤال العاشر كان حول إعطاء موتى جذع المخ مخدراً عاماً ومرخيات العضلات إذا كانوا موتى حقيقيين (وطبعا قد فات عليه أن دور طبيب التخدير هو الانعاش المركز لهذا المصاب للحفاظ على الأعضاء من التلف المبكر إذا كان في النية نقلها من جسد في وهن شديد وتدهور مستمر وإذا ترك بدون الرعاية المركزة لتوقف القلب والدورة الدموية قبل الحصول على هذه الأعضاء.(20/3)
واستمر صفوت لطفي في أسئلة أخرى لا تمت لموت جذع المخ بأي صلة، ثم كعادته انتقل إلى المغالطات، وشرح تعدد وتتابع المؤتمرات والندوات في الدول الإسلامية ومن بينها ندوتنا هذه إلى أن الأطباء عندهم من الريبة والشك في صحة هذا التشخيص وحرمته وليس لأنهم يريدون المعرفة عن ما يجدّ من حقائق علمية وأبحاث مبتكرة في هذا المجال وتلى ذلك فترة المناقشات.
وقد أعطى الدكتور عبدالرحمن العوضي الدكتور خيري السمرة أول مناقشة والتي فرّق فيها بين حالات موت جذع المخ والحالات الخضرية ثم اعترض على الحالات التي أوردها الدكتور صفوت لطفي بأن المرضى عاشوا بعد تشخيص موت جذع المخ وانتقده كذلك في ظاهرة لازاروس، وأكد له أن الأطباء يحاولون جاهدين عمل كل ما يمكن عمله من إسعافات مركزة لإنعاش القلب حفاظاً على حياة المخ وليس لقتل المصاب كما يدّعي الدكتور صفوت لطفي.
ثم علق الدكتور شريف مختار على ما ذكره الدكتور صفوت لطفي على تعدد المؤتمرات والندوات قائلاً أن ذلك دليل على حرص أطباء الرعاية المركزة والأطباء عموما من التأكد من دلائل موت جذع المخ حتى لا يقعوا في المحظور وأكد أن موت جذع المخ هو الموت وأن ظهور بعض منعكس الكحة والقيء هو دليل على أن تشخيص موت جذع المخ لم يتم بالتأكيد، كما أن بعض الحركات في بعض المرضى هو نتيجة منعكسات بدائية للنخاع الشوكي، وقال له نحن لسنا الدفانين.
ثم شرح الدكتور محمد زهير كلمة Concept في التعبير الغربي هو الحقيقة ولا شك في هذا الموضوع الجديد ثم أضاف أن السعال والقيء لا تتوافق مع الشروط المؤكدة لتشخيص موت جذع المخ وربما أن تشخيص موت جذع المخ يحتاج إلى مهارة طبية سريرية إلا أنه في المملكة العربية السعودية نقوم بتشخيص كل المخ بما في ذلك جذع المخ، ونلجأ لدراسة الدورة الدموية في شرايين المخ وكذلك التخطيط الكهربي للمخ.(20/4)
أما عن قضية اختلاف البروتوكولات لا يؤدي إلى الشك في تشخيص موت جذع المخ لأن اختلاف الفقهاء مثلاً في هيئة أو شكل الصلاة لا يؤدي إلى الشك في حقيقة الصلاة نفسها. أما اختلاف البروتوكولات بين الأعمار المختلفة فهذا أمر واقع وصريح حتى في ممارستنا الطبية أن الأدوية تختلف بين الكبير والصغير. هنالك أدوية كثيرة لا نعطيها للأطفال كما نعطيها للكبار. هل معنى هذا أننا نحرم الأطفال من هذا الدواء؟
أما دكتور رؤوف سلام فاستطرد بقوله أن الدكتور خيري السمرة متفق مع الدكتور صفوت لطفي بقوله أن موت المخ ليس موت الجسد وأعتقد أن خيري لم يذكر هذا في تعليقه ثم دخل في الحياة الخضرية التي لم تكن موضوع المناقشة ثم تكلم عن قيمة الحياة.
الدكتور حمدي السيد عقب في المناقشة بقوله بأن الدكتور صفوت لطفي يؤمن بأن أخذ أي شيء من ميت حرام وغير ديني وغير مقبول مهما كان السبب واستعرض موقف مجموعة أو زملاء لطفي من أخذ قرنية من ميت شبع موت وكذلك صمام الشريان الأبهر (الأورطة) وأهمية ذلك لحياة كثير من المرضى حتى بعد 12 ساعة من الوفاة فهو مرفوض تماماً من لطفي وجماعته وقولهم أن هذا حرام بالرغم من موافقة أهل المصاب والفقهاء على ذلك. كما أكد أنه في الثلاثين سنة الماضية في العناية المركزة لم يجد مريضاً واحداً مصاباً بموت جذع المخ قد عاش وأنه إذا ترك تحت أجهزة الإنعاش فإن قلبه سوف يتوقف في خلال ساعات أو أيام مع كل الجهود المبذولة لإحيائه. وقد عبّر الدكتور حمدي السيد عن أسفه وحزنه على توقف عمليات نقل وزراعة الأعضاء في مصر من تعنت هؤلاء الناس الذين يعارضون هذا العلم ويهددون العاملين في الحقل الطبي بالويل والثبور ويطلقون على الطبيب اسم القاتل ولا بد أن يطبق عليه الحد!، وهذا لا يمكن أن يقبله أحد.(20/5)
وقد حذر الأخ الدكتور عبدالرحمن العوضي في تعليقه على عدم إدخال موضوع زراعة الأعضاء في مناقشاتنا على موضوع موت جذع المخ ولكن السؤال يكون متى يتم إيقاف أجهزة الإنعاش؟ وهل هناك مصاب بموت جذع المخ مع التأكد بكل الوسائل الإكلينيكية ذكر أنه قد عاد إلى الحياة؟
ثم علق: (الدكتور حسن حسن علي) وقد لاحظت أن بعض الزملاء كانوا متساهلين مع الدكتور صفوت لطفي بالرغم من اقتناعهم بأنه على غير حق فقد آليت على نفسي بأن أكون صريحا فواجهته بأخطائه في استنتاجاته واستنباطه من الأبحاث والمراجع المنشورة وقد أكدت له استيائي وغضبي لاتهاماته للحضارة الغربية وكما قال الأخ الزميل الدكتور حسان حتحوت «نعى بعض الأخوة على الحضارة الغربية افتراسها للفرد هناك واستغلاله وانتهاك حقوقه، وأنا رجل مسلم مؤمن ومع ذلك أتمنى أن تكون حقوق الفرد عندنا عشر معشار ما عندهم... ومن اللوائح والنظم والضمانات والرقابات والاحتياطات لديهم ما يطمئن» وهناك جيش من المحامين يتربص ويتلمظ لأية واقعة تنتهك فيها حقوق أي مريض وأذكر هنا تعليقا للمرحوم الشيخ محمد عبده عند عودته إلى مصر من بعثته في فرنسا وقد سأله أحد الصحافيين عن انطباعاته في فرنسا فقال «رأيت إسلاماً بدون مسلمين» وكيف رأيت مصر؟ قال: «رأيت مسلمين بدون إسلام» وما دفعني لهذا القول أني عشت في الغرب بين المملكة البريطانية والولايات المتحدة أكثر من ثلاثين عاما ووجدت أن الإنسان هناك يتمتع بقدسية المعاملة وأن الإنسانية تحترم بكل مفاهيمها وقد صدمت حينما قرأت في أول بحث للدكتور صفوت لطفي إدعاءه بأن آلاف من الأطفال يُشحنون إلى أمريكا فيقتلون لغرض أخذ أعضائهم وزرعها في مرضى آخرين وهذا افتراء وكذب من مسلم يدّعي أنه حريص على الإسلام.(20/6)
ثم استطردت لإيضاح بعض الأخطاء في الاستدلال أو الاستنتاج التي جاءت في الأبحاث الثلاث التي قدمها الدكتور صفوت لطفي إلى منظمتكم الموقرة وعلى سبيل المثال أذكر الآتي:
دكتور لطفي للأسف أنه اتبع منهج عدم التقيد بما جاء في هذه المراجع، بل شوه - الحقيقة، - وفي ذلك أمثلة كثيرة اكتشفها عدد كبير من الزملاء.
ومن ذلك قوله أن اليابان والدانمارك لم يعترفوا بموت جذع المخ أو زرع الأعضاء علماً بأن اليابان كانت نشيطة جداً في هذا المجال حتى 1991 ولكن لظروف فلسفية واجتماعية توقفت مؤقتا، وقد أجريت إحصائية في عام 1990 بين اليابانيين تبين موافقتهم على هبة الأعضاء (ORGAN DONATION) وكانت النتيجة 51 في المائة موافقون بالمقارنة إلى 41 في المائة عام 1982. والآن جاري تشريع في البرلمان الياباني على الموافقة على تشخيص موت جذع المخ وزراعة الأعضاء ومثله في الدانمارك حسب ما ذكر في مؤتمر سان فرانسيسكو.
كما أنه ليس صحيحا كما ذكر الدكتور لطفي أن هناك اختلافاً في معايير تشخيص موت المخ في الولايات المتحدة الأمريكية وقد ادّعى الدكتور لطفي أن هناك تناقضات بين الأطباء في اختبار توقف التنفس وقد غاب عليه التفرقة بين التناقضات وديناميكية الأبحاث المستمرة في الغرب لتصل إلى ما هو أحسن وأدق وقد اعتبر أن وصول Darby et al لطريقة جديدة لاكتشاف الدورة الدموية المخية وهي
(Xenon - Enhanced CT) في حالات موت المخ تتناقض مع الطرق الأخرى مثل استعمال الصبغات الشعاعية والموجات فوق الصوتية وقياسات النظائر المشعة وللأسف هو لا يقدِّر ولا يعترف بالجديد.(20/7)
وتحت «علامات الحياة» جاء في بحث الدكتور لطفي مرجع رقم 4 مغالطة أخرى وهي أن Pitts and Caronna قالوا: عن منعكس الكحة والقيء لا يستبعدون تشخيص موت المخ بينما المؤلفان لهذا البحث قالا أن هذه المنعكسات كانت غائبة في مرضاهم الذين بلا شك - كان بهم علامات موت المخ مثل الغيبوبة - توقف التنفس وانعدام موجات المخ الكهربية لمدة 24 ساعة ثم أكدوا أن ظهور هذه المنعكسات تحدد المرضى الذين يحتمل أن يعيشوا كما قمت بالإجابة على تساؤلات الدكتور لطفي عن المنعكسات الحركية والاستجابات في شكل ارتفاع الضغط وزيادة النبض فذكرته كطبيب تخدير ربما تصادف أن تعامل مع مريض جاء لجراحة ما مثل منظار للمثانة تحت تأثير مخدر عام وهو مصاب بشلل رباعي نتيجة قطع كامل للنخاع الشوكي عند الفقرة الخامسة للرقبة وكيف يتجاوبون للجراحة بارتفاع شديد في ضغط الدم والحركة علماً بأن الجسم منفصل تماما عن المخ مما يدفعنا لتجهيز العقاقير اللازمة لتخفيض الضغط وإعادة النبض إلى طبيعته وهذه الظاهرة توصف بأنها Autonomic Hyper reflexia وللأسف الدكتور لطفي بدأ يتشنج ولا يعطي رداً مقنعاً.
أما عن تعليقه لوجود هرمونات الغدة النخامية وتحت الثلاموس فوجهته إلى الدراسة التي قام بها الباحث Sugimote et al Acta Neurochir (Wien)115:31,1992 وزملائه الذين وجدوا تهتك ونكرزة شديدة في الهيبوثالاموس بعد ستة أيام من تشخيص موت المخ مع وجود هذه الهرمونات وقد شرح أن هذه الهرمونات ليس مصدرها المخ بل ربما تكون نابعة من البنكرياس - الأمعاء أو الغدة فوق الكلوية.
وقد شرحت له على تعليقه بأن مريض موت المخ يكون دفائاً وهذا ليس صحيحاً والحقيقة أن مصاب موت جذع المخ تنخفض درجة حرارته بانتظام وباستمرار بالرغم من استعمال كل وسائل التدفئة وذلك نتيجة موت مركز تنظيم الحرارة في جذع المخ.(20/8)
ثم عدت وشرحت له كيف أنه قرأ خطأ في المرجعين رقمي 25، 26 في البحث الإنجليزي أن حالتين شخصتا خطأ بموت المخ وقد عاشوا بعد ذلك وتبين أن كاتبي المقالين (Case Reports) لم يشخصوا موت جذع المخ نهائيا وأضافوا في مناقشتهم للبحث أن هذين المريضين لم يستوفيا التأكيدات والقرائن المسبقة التي يمكن أن توحي بتشخيص موت جذع المخ وقد عولج كل من المريضين منذ البداية على أنهما حالات غيبوبة عائدة إلى الشفاء.
وقد هاجمت الدكتور لطفي وقلت له: ألم يحن الوقت لأن يعيد النظر في قراءاته ويتبع الحيطة والدقة في الاستنتاج؟ ونصحته أن يقرأ ويتمعن في المقالة الرئيسية
(Editorial) في المجلة البريطانية للتخدير British Journal of Anaestesia التي قدمها جراح المخ والأعصاب البريطاني دكتور Brian Jennet Sept 1981: BTA 53: 1111-1119, 1981 التي شرح فيها الظروف التي لابست برنامج الـ BBC A Panorama Programme entitled: "Transplants: Are the Donors Really Dead?" ثم قلت له ربما تتعلم من هذه المقالة الكثير ونتوقف عن عرض هذا الّيديو بكل أكاذيبه.
وحمدت الله على دينه الذي ارتضاه لنا ورسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.(20/9)
ملحق رقم (2)
المؤتمر العالمي الثالث
للأخلاقيات الحياتية
سان فرانسيسكو
المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للأخلاقيات الحياتية
المؤتمر الدولي الثاني لشبكة تعريف الموت
المؤتمر السنوي للجمعية الدولية للأخلاقيات الحياتية
دكتور عبدالرحمن العوضي
رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
أ.د. حسان حتحوت أ.د. حسن علي ... ... عضو مجلس الأمناء أستاذ التخدير بجامعة هارفارد
للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبيعية بالولايات المتحدة الأمريكية
مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة
21 ـ 25نوفمبر 1996
بسم الله الرحمن الرحيم
كان المؤتمر ضخماً ومتراكباً. وتحدث فيه أكثر من 450 باحثا وتعددت الموضوعات فلم تكن تنتظم جميع الحاضرين إلا جلسات قليلة، بينما دارت معظم الجلسات على التوازي في قاعات كثيرة في وقت واحد ولكل فرد أن يختار ما يملأ يومه من بين الكثير المعروض. وسيفرد هذا التقرير باهتمامه موضوع نهاية الحياة وتحديد الموت وموضوع موت المخ، ولكن نشير بمجرد الذكر إلى كافة الموضوعات المطروحة وقد كانت:
ـ الطب والصحة العامة والأخلاقيات وحقوق الإنسان.
ـ الرعاية الصحية والأخلاقيات الحياتية من منظور اللواطيين والسحاقيات.
ـ أخلاقيات الرعاية الصحية الموجهة.
ـ الانتحار بمساعدة الطبيب.
ـ الأجناس البشرية والطبقات والذكورة أو الأنوثة والأخلاقيات الحياتية.
ـ أبحاث مقدمة من الطلاب.
ـ السبيل إلى الرعاية الصحية: الحقوق العامة ومسئوليات الدول.
ـ علماء الأخلاقيات الحياتية إزاء المخالفات في الجامعات.
ـ الصحة التناسلية.
التدخين.
ـ الرعاية الصحية للجميع: تقييم للأوضاع في الولايات المتحدة.
ـ العلاجات التجريبية.
ـ الدولة والأخلاقيات الحياتية.
ـ أطباء ألمانيا النازية والتجارب الطبية على الإنسان: إعلان نورنبرج.
ـ مصانع الموت اليابانية في الصين وإغضاء أمريكا عنها.
ـ انتهاك الأفراد طبيا في الاتحاد السوفيتي.(21/1)
ـ الجريمة والعقاب وحماية الأفراد موضع التجارب الطبية.
ـ أبحاث وعلاج الإيدز: تناقض الحقوق والواجبات.
ـ أخلاقيات جواز الاستفادة من التجارب غير الأخلاقية على الإنسان.
ـ النساء والأطفال كمرضى وكمادة للأبحاث العلمية.
ـ كفالة حقوق الأفراد موضع الأبحاث والتجارب العلمية.
ـ في ظل محاولات تنقية السلالة البشرية.
ـ التجارب الشعاعية برعاية الحكومة الأمريكية بعد الحرب العالمية.
ـ إباحة القتل بدافع الشفقة.
ـ الطب العسكري وشئون الأخلاقيات الحياتية.
ـ الأوساط الطبية والآثار الصحية للحصار الاقتصادي.
ـ علم الوراثة وعلم تنقية السلالة والعلاقة بتبويب الأمراض.
ـ احترام الأسرار الوراثية أم التفرقة بين الناس.
ـ مؤسسات الأخلاقيات الحياتية.
ـ مراجعة تقييم شعار الصحة العالمية «الصحة للجميع في سنة 2000».
الفحص الجيني للتنبؤ بسرطان الثدي وعلائقه العلاجية الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية.
ـ الجوانب الأخلاقية الحياتية لاستخدام دم (المشيمة) الحبل السري.
ـ تنازع الإمكانيات المحدودة.
ـ سوق التأمين الطبي.
ـ الفوارق العرقية في علاقة الطبيب والمريض.
ـ الغش والتجاوز والفساد الرسمي في الرعاية الصحية.
ـ مقارنة بين قتل الشفقة والانتحار بمساعدة الطبيب.
ـ اعتبار اختلاف الخلفيات الثقافية في الرعاية الصحية.
ـ رعاية حقوق المريض وحرية الطبيب.
ـ شح موارد الأعضاء المزروعة.
ـ استقلالية المريض وحرية اختياره.
ـ نحو برنامج دراسي في الأخلاقيات الحياتية للدراسات العليا.
ـ أخلاقيات التعامل مع الحيوانيات ومع البيئة.
ـ ملامح الأخلاقيات الحياتية في شرق آسيا.
ـ الأخلاقيات الحياتية: اختراع أمريكي أم هي مجرد الأخلاقيات الطبية؟.
ـ موضع الدين في الأخلاقيات الحياتية (شهود يهوذا ونقل الدم/ الذاتية والروح/ مشروع بوذي للأخلاقيات الحياتية العالية/ أثر التاوية في الأخلاق الحياتية في الصين).(21/2)
«التوزيع بالمقدار» للرعاية الصحية في أمريكا وأووربا.
ـ اختيار الجنس (ذكر أم أنثى).
ـ تدريس الأخلاقيات الحياتية لغير العاملين في الحقل الصحي.
ـ تحديد الموت: تعدد النظرات الثقافية والقانونية.
ـ الأخلاقيات الحياتية الأسبانية (باللغة الأسبانية).
ـ تخطيط الجينوم البشري ومستقبل التأمين الصحي.
ـ الأخلاقيات الحياتية في إفريقيا.
ـ المساعدة على الإنجاب: خيارات جديدة وصراعات جديدة.
ـ تصورات جديدة في الذاتية (حق المريض في اتخاذ القرار).
ـ الأخلاقيات الحياتية الإسلامية:
ـ منهجيات الأخلاقيات الحياتية.
ـ غوامض في مفهوم «الشخص» في الأخلاقيات الحياتية.
ـ التشخيص الجيني وتحسين السلالة البشرية.
ـ تقييم مؤتمر المجلس الأوروبي عن حقوق الإنسان والطب.
ـ الأخلاقيات الطبية على مر العصور.
ـ مسائل أخلاقية في العلاج (والبحث) النفسي.
ـ حق الصحة والمتغيرات البيئية.
ـ الكرامة العلمية وأخلاقيات البحث.
ـ العدالة العالمية والظروف الصحية المحلية.
ـ نظرات فلسفية على علم الأعصاب والعلاج النفسي والتحليل النفسي.
ـ أخطاء في علاج الألم.
ـ التناسل والجنس والطبقة.
ـ الإنجاب التعاوني (تلقيح السحاقيات/ الظئرية/ هبة البويضات/ الذاتية/ القصد).
ـ الحركة النسوية وعلم الجينات.
ـ أي الذرية يستحق الحياة.
ـ التشخيص داخل الرحم والعاهات.
ـ المسح الجيني الشامل قبل الولادة ومفهوم العاهة.
ـ مفهوم العاهة في مقررات الدراسة الطبية.
ـ صحة المرأة والتطورات الاقتصادية.
ـ تعديلات في أولويات الأخلاق الحياتية.
ـ الجمع بين العدالة والرعاية من مفهوم نسوي.
ـ سن اليأس والعاطفة وحرية الاختيار.
ـ عن الذاتية والوكالة والمعارضة: منظورات نسوية.
ـ دراسات في الجينوم البشري.
ـ نحو أخلاقيات حياتية عالمية.
ـ التعليم الطبي: حقوق الإنسان.
ـ كانت هذه فقط رؤوس الموضوعات، وتحت كل عنوان منها عرضت عدة أوراق تحمل كل منها عنواناً تفصيلياً مختلفاً.(21/3)
ـ الاجتماع الدولي الثاني لشبكة تعريف الموت:
ـ من مفاهيم الأمم المختلفة
* جدالات جديدة عن موت المخ:
ـ هل الحالة النباتية حقاً نباتية؟
ـ هل نغير مسمى «موت المخ»؟
ـ فماذا عن مصطلح «ميت» فحسب؟
ـ تحليل الوعي: القدرة أم المحتوى؟.
* جوانب فلسفية واجتماعية:
ـ موت «الشخص» أم موت البدن؟
ـ موت المخ والسياسة العامة والعرف.
ـ الموت: مسألة حياتية أم تركيبة اجتماعية؟.
* الجوانب الاجتماعية والثقافية للموت:
ـ الوجود الاجتماعي وصنع الموت: دراسة مقارنة.
ـ النظرة الاجتماعية إزاء الموت في كوبا.
* منظورات دولية:
ـ تعريف الموت في اليابان.
ـ الأيديولوجية اليابانية وموت المخ.
ـ ماذا في ألمانيا؟
كانت الأوراق كما هو ظاهر كثيرة العدد. ولكنها كانت في نظر الذين ذهبوا متوقعين أن يسمعوا تطورات جذرية كقول القائل «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً».
سيطرت الأفكار الفلسفية على كثير من الأوراق. فهناك من رأت أن الإنسان لا يموت، وأن الموت رحلة وليس حدثا، وأن رحلة الحياة هي رحلة الموت فكل ما يعرض لنا من مرض أو عجز أو شيخوخة هو جرعة من الموت، ويظل خط الحياة في انحداره إلى أسفل وينحصر جهدنا في التعرف على اللحظة التي نصلح فيها للدفن في الأرض دون أن نسميها بالضرورة الموت.
وبالمقال (أستاذ أعصاب من كوبا) فهناك من قال إن الإنسان ليس بدناً، بل يتكون الإنسان من شخصيته ومداركه وتفكيره وتأملاته ووعيه وخياله وأحاسيسه فإذا ضاعت هذه المقومات (بموت المخ) فهل بقي للإنسان من حياة؟
ورأى آخر أن «الحياة» تعني: انتظام أعضاء الجسم في علاقة تجعل منها وحدة متكاملة. ويبدو أن ناظم الحياة هو المخ ولكن ليس ذلك بالكامل، فقد تكون هناك مراكز محلية أخرى تستبقى بعض الوظائف التنظيمية.(21/4)
وأيّد ذلك متحدث عن حالات المواليد بلا دماغ أي بغير فصّي المخ فإنهم قد يستمرون في الحياة ساعات أو أياما، فعندهم «جذع المخ» سليم وقد تكون لديهم كذلك «جزر» من الخلايا المخية مختبئة في غير موضعها المخي الطبيعي.
ولم يرد جديد في أشراط التشخيص السريري «لموت المخ مع موت جذع المخ»... فهو تشخيص سريري بالمقام الأول. وهناك بطارية من التأكيدات المختبرية له مثل التوقف التام للدورة الدموية للمخ واختبارات الأشعة بالصبغة أو النظائر المشعة أو الموجات فوق الصوتية أو غياب النشاط الكهربائي للمخ أو التحليلات الكيميائية، ولكن تأكيد التأكيدات أولا وأخيرا هو اختبار سريري حاسم بفصل مضخة التنفس الصناعي عن المريض فإذا هو لا يتنفس. ثم إعادة ذلك أيضا بعد مرور 12 ساعة. وفي كافة الدول لا بد من توفر الأشراط السريرية الأساسية مع تفاوتات في اختيار الاختبارات التأكيدية. (تراجع ورقة الدكتور عدنان خريبط المقدمة لندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في نوفمبر 1996 والتي اطلعنا عليها مؤخراً).
وأشار أحد الباحثين إلى أن موضوع موت المخ (بجذعه) لا ينبغي أن ينظر إليه فقط من زاوية أخذ الأعضاء لزراعتها، فهناك حاجة ملحة من ناحية غرف العناية المركزة لتجنب إطالة الإنعاش الصناعي في مرضى هم عملياً ميتون وما ينتج عنه من سرف ومن حرمان الأحياء في أخذ فرصتهم في الإنعاش.
وعرضت دراسة عن الغرقى، فالغريق عندما يفقد التنفس يموت فيه المخ بعد نحو دقائق أربع والقلب بعد عشر دقائق وتغيب الإشارات الكهربائية من المخ بعد حوالي ثلاثين دقيقة ويبدأ المخ في التحلل بعد خمسين دقيقة.
على أن هناك أربع ورقات تجدر الإشارة إليها، واحدة من جامعة هارفرد وأخرى من طبيب ألماني واثنتان من اليابان إحداهما طبية والأخرى اجتماعية.(21/5)
كانت كلمة الدكتور تروج الأستاذ المشارك للتخدير بجامعة هارفارد هي الورقة الطبية الوحيدة التي هاجمت مسألة موت المخ. لم يكن الزميل موفقاً إذ بدأ كلامه بأنه خلال العمل بالعناية المركزة ينتهج السياسة المقررة بتشخيص موت المخ ويتصرف بمقتضاها.. ولكنه بعد ذلك في غرفة الأطباء يصارح الأطباء بخطأ هذا إذ أنه يرى أن علامة الموت وقوف التنفس. ولهذا عندما سئل فيما بعد كيف تنفذ عملاً يرفضه ضميرك؟
وقع في حرج شديد وقال: أفعله حفاظا على المؤسسة أن تنهار.
فقيل له: إن القانون يعطيك حق التنحي عن إجراء معين إذا كان يأباه ضميرك! لم يجد جوابا شافيا.
وسألناه سؤالا مباشرا هل من أجل زراعة الأعضاء تسمح بأخذ قلب من مريض تعتقد أنه حي؟
قال: نعم. فكان بئس الجواب. وأورد تعللاً بأن الغدة النخامية جزء من المخ وتستمر في العمل فترة فإذن لم يمت المخ، وكان الرد أن الغدة النخامية هي إحدى الغدد الصماء ومعروف أنها كشأن الغدة النخامية والكظرية بل وشأن أنسجة وأعضاء أخرى تستمر في حياتها الموضعية كل لأجلها وليس في ذلك من جديد.
وفي تمسكه بأهمية وقوف التنفس نبهه الأستاذ الدكتور حسن علي إلى أن تشخيص موت الجذع والمخ يحمل ضمنيا التأكد من توقف التنفس بفصل المضخة الصناعية للتنفس عن المريض. ونبهه إلى أخلاقيات تلقين زملائه الصغار ومتدربيه أن عملاً ما خطأ مع أنه هو يمارسه، وأخلاقيات اغتياب المؤسسة والتشهير بها.. ووعد ألا يعود لذلك (رئيس القسم الذي يعمل به الدكتور تروج كان في السابق متدربا عند الدكتور حسن علي) وكان من دلائل عدم توفيقه كذلك أنه عرض في محاضرته صورة لعملية إعدام بقطع الرأس قال إنها في المملكة العربية السعودية، ونبهناه إلى أن الكتابة تحت الصورة تقول إنها بمدينة بانكوك في تايلاند فلماذا قال إنها من السعودية، فاعتذر عن تلك الغلطة. وتعلل بأنه لم يقرأها فكان العذر في قبح الذنب.
فماذا في ألمانيا؟(21/6)
ليس في ألمانيا حتى الآن تشريع خاص بهذا الموضوع وإنما ترك للمهنة الطبية لتتصرف فيه. ودرج العمل على اعتبار موت المخ وجذع المخ هو القاعدة لإيقاف الإنعاش أو أخذ الأعضاء.. على أساس الاختبارات السريرية والتأكدية ومنها التأكد بوقف التنفس بفصل المريض عن التنفس الصناعي وإعادته بعد فترة 12 ساعة على أن يجريه كل مرة طاقم مختلف من طبيبين وليس لأحد منهم علاقة بموضوع زرع الأعضاء إن كان ذلك مطروحا.
بيد أنه منذ سنتين أعلن الكاردينال مايسز من كبار أعضاء الكنيسة رفضه للمفهوم الطبي وقام بحملة معارضة له وتناولته الصحافة فحدثت بلبلة كبيرة مما اضطر البرلمان إلى ضرورة إصدار تشريع بذلك بعد بحثه من قبل نواب الأحزاب الأربعة. وفيما يسير الأمر الآن على ما درج عليه ينتظر أن يصدر البرلمان بعد بضعة أشهر تشريعا يحسم الموضوع.
وعرضت عن اليابان ورقتان. الأولى طبية عرضها جراح أعصاب ياباني عرضت لتأريخ القواعد الطبية المتبعة وما جدّ عليها من تعديلات في التفصيلات كل بضعة أعوام وهي في مجملها لا تخرج عن القواعد الطبية المعتمدة..
والورقة الثانية غير طبية عرضتها سيدة أمريكية ذات اهتمام بدراسة اليابان دراسة اجتماعية. وذكرت كذلك أنه منذ قريب قامت حملة من قبل رجال الدين لرفض اعتبار موت المخ ولو بجذعه، اعتمادا على اهتمام الديانة بتكامل الجسم حتى يبعث متكاملا في الحياة الأخرى فلا يجوز إذن زراعة الأعضاء، وانتهازا لمشاعر سلبية عند الشعب الياباني تجاه الولايات المتحدة تهيئ أن كل ما يجيء من أمريكا مكروه، وأنه إن كانت أمريكا قد أغرقتها التكنولوجيا فنحن بالمقابل ينبغي أن نخلد للطبيعة.
وبعد..(21/7)
فهذه انطباعاتنا. صورها قسيس أرجنتيني في المؤتمر أحسن تصوير إذ قال «جئت أتوقع الجديد الفريد فكما أتيت أعود». ونوصي عند صدور مطبوعات المؤتمر أن تقتنيها المنظمة لتكون من مراجعها. ودرجاً على النهج العلمي لا ينبغي أن نظن أن باب الاجتهاد في هذا الموضوع - أو في غيره - قد أغلق. وعلينا أن نساير ركب العلم الذي لا يتوقف ولا يتقوقع.. بل الأمر كما قال عمر «أفتينا بما علمنا ونفتي بما نعلم». والحمد لله في البدء والختام.(21/8)
ملحق رقم (3)
ب. جينيت
موت الدماغ
ب. جينيت
الموت عملية أكثر منه حادثة. والنقطة التي يمكن عندها، في هذه العملية، أن نعلن الوفاة بيقين إنما هي أمر يحدده المجتمع، آخذين في الاعتبار ذلك الاهتمام الطبيعي بألا يتعجّل أبداً في القيام بذلك. في القرن الثامن عشر أدى الخوف من الدفن قبل الأوان إلى اللجوء إلى كل الحيل والأدوات البارعة لتميكن ضحايا مثل هذا التشخيص الخاطئ من إعطاء إشارة للأحياء أنهم هم كذلك أحياء. وفي عام 1740، خلصت دراسة بعنوان «الشك في علامات الموت وخطر حالات الدفن المتعجلة» إلى أن التعفّن هو العلامة الوحيدة الأكيدة على الموت. وبعد قرن هدأت هذه المخاوف إلى حد كبير نتيجة إدخال السماعات التي ركزت الانتباه على دقات القلب على أنها العلامة القاطعة على الحياة. وفي منتصف القرن العشرين صار الأمر معقداً نتيجة اختراع آخر - جهاز التنفس الصناعي. فحين يستخدم لعلاج حالة فشل تنفس مؤقتة، قد يفلح في إنقاذ الحياة; ولكن حين يتوقف التنفس لتلف في أصل الدماغ لا رجعة فيه، فإن جهاز التنفس الصناعي يفيد فقط في إطالة عملية الموت، إذ أن أجهزة الجسم المختلفة تتعطل وظائفها بالتالي. في عام 1968 قرر «إعلان الرابطة الطبية العالمية (WMA) في سيدني أن نقطة الموت لمختلف أجهزة الجسم والخلايا ليست لها من الأهمية في الحكم بموت الفرد مثل ما للتيقن من أن العملية لا رجعة فيها. وفي حالة المريض المعتمد على التنفس الصناعي لتلف في الدماغ يمكن للقلب أن يظل ينبض أياما بعد أن يكون الدماغ لم يتوقف فقط عن القيام بوظائفه بل بدأ يتحلل. والاستمرار في التنفس الصناعي في مثل هذه الحالة فيه حرمان للمريض من الموت بكرامة، وإطالة لا داعي لها لرب الأسرة، كما أن فيه إساءة استخدام لطاقات البشر والأدوات. ولكي يتجنب الأطباء ما لهذه المحاولات المتطاولة لاستعادة الحياة من نتائج غير مرغوب فيها فإنهم في حاجة إلى أن يتعرفوا على الكيفية التي(22/1)
بها يقررون أن الدماغ قد مات، ومن ثم يمكن وقف التنفس الصناعي.
ثلاثة تصورات خاطئة
لقد استجيش اهتمام الجماهير في بريطانيا حول موت الدماغ حين عرضت هيئة الإذاعة البريطانية في أكتوبر 1980 على 6 ملايين مشاهد في برنامج «بانوراما» حلقة بعنوان «زراعة الأعضاء - هل المتبرعون موتى حقا؟» وقد برزت في هذا البرنامج ثلاثة تصورات خاطئة، فتحت الباب لطوفان من التعليقات والرسائل تدفق على الصحافة العامة والطبية على السواء.
تاريخ موت الدماغ
ألمح برنامج «بانوراما» إلى أن فكرة «موت الدماغ» كانت شيئاً جديداً، تمّ إدخاله دون أن ينال نصيبا من المناقشة كما ينبغي. والواقع أن الأطباء كانوا يتعاملون مع موضوع موت الدماغ منذ نحو ربع قرن. لقد شهدت الحملة الكورية من 1950 حتى 1953 أول استخدام واسع النطاق لأجهزة التنفس الصناعي مع ضحايا الصدمات; كما أن وباء شلل الأطفال عام 1952 في الدانمرك وعام 1955 في نيوإنجلاند استدعيا استخدامات كثيرة لهذه الأجهزة. وفي عام 1958 أنشئت وحدات للعناية المركزة في أكسفورد وبلتيمور وتورنتو (Pontoppidan et al.,1977)، وهو العام نفسه الذي وردت فيه تقارير من «نيوكاسل» على «التاين» عن قيمة العناية المركزة لمرضى التنفس المصابين بإصابات خطيرة في الرأس (McIver, Frew and Matheson,1958) وشهد العام التالي أول وصف رسمي لموت الدماغ على يد طبيبي أعصاب باريسيين (مولاري Mollaret، وغولون Goulon? 1959) أطلقا عليه اسم «الغيبوبة الطاغية» (Coma Dإpassإ). وبعد عشر سنوات نشرت معايير «هارفارد» عن تشخيص موت الدماغ، وتولت النشر لجنة ضمت اختصاصيين في القانون والدين بالإضافة إلى أطباء وجراحي الأعصاب، وكانت برئاسة هنري بيتشر (Henry Beecher) أستاذ التخدير (تقرير اللجنة الخاصة بمدرسة هارفارد الطبية، 1988).
كما ظهرت في المجلات البريطانية عدة مناقشات عن موت الدماغ(22/2)
(Editorial, 1974; British Transplantation, Society, 1975, Editorial, 1975; Jennett, 1975) وذلك قبل أن ينشر «مؤتمر مدارس الطب الملكية وكلياتها» في بريطانيا (1976 a,b)، في كل من «المجلة الطبية البريطانية» و«المشرط»
(Lancet) - بياناً عن تشخيص موت الدماغ. و«معايير المملكة المتحدة» هذه، كما سُمّيت فيما بعد، كانت ثمرة عامين من النقاش بين المتخصصين في التخدير والأعصاب ووظائف الأعصاب وجراحة الأعصاب. وبعد مرور عام دون ظهور أي تعليق مناقض قام رؤساء الأقسام الصحية.. الأطباء بإرسال نسخ إلى جميع أطباء المستشفيات. وفيما بعد أعيد طبع «معايير المملكة المتحدة» في «دستور الممارسة (1979) للأقسام الصحية والذي جاء ثمرة عمل فريق ضم أطباء وممرضين وممثلين لمهنة القانون والمجالس الصحية، كما أنه طلب وجهات نظر الهيئات الدينية الرئيسية. ومن هنا فلا حقيقة في التهمة القائلة إن فكرة موت الدماغ قد اللهدخلت إلى بريطانيا دون أن تنال الفرصة الكافية للمناقشة.
العلاقة بزراعة الأعضاء
كانت الغمزة الثانية من برنامج «بانوراما» هي أن تشخيص موت الدماغ إنما ظهر في الغالب بسبب الحاجة إلى وجود أعضاء مناسبة لعمليات الزراعة. والواقع أن هاتين الظاهرتين التقنيتين قد تطورتا متفرقتين تماما رغم أنهما التقتا في منتصف الخمسينيات; وإن كان موت الدماغ أصبح مألوفاً مدة طويلة قبل زراعة الأعضاء. ولم يحدث قبل عشر سنوات من وصف موت الدماغ أن تمت في كل بريطانيا في الأسبوع الواحد أكثر من عملية زرع أعضاء; وفي السنوات الأولى كان الكثير من الأعضاء يأتي من متبرعين أحياء - أكثر من النصف طبقا لإحصائية أمريكية عام 1971 (Moore,1972).
والقاعدة الآن هي أخذ الأعضاء من الجثث، وفي عام 1977 جاء ثلثا هذه الأعضاء من متبرعين ماتت أدمغتهم (على جهاز التنفس الصناعي) في أحد مقاطعات بريطانيا(22/3)
(Barnes,1979); وفي فترة أحدث ورد من المقاطعة ذاتها أن جميع المتبرعين منها الآن كانوا يتنفسون صناعيا (Barnes,1981). كل ما فعله موت الدماغ في التبرع بالأعضاء كان أن أزال الشعور بالتسرع والتعجل غير الملائم، وبذلك زاد من احتمال موافقة الأقرباء على التبرع وجعلهم يشعرون بالرضا بعد ذلك عما حدث. لكن لو اكتُشف غداً بديل لزراعة الأعضاء فسوف يظل هناك الآلاف كل عام من حالات موت الدماغ بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن الوقت الذي يُغلق فيه جهاز الرئة الصناعية.
عِوَل المعايير.(*).:
لا شك أن أخطر ما تضمنه برنامج «بانوراما» هو أن المعايير التي يشخّص بها موت الدماغ في بريطانيا قد لا يكون التعويل عليها بمستوى المعايير التي في البلدان الأخرى، لأن اهتماما زائدا عن الحد قد وجه إلى موت أصل الدماغ، ولأن التشخيص اعتمد على تقديرات سريرية. لقد زعم أطباء أمريكيون، تحدثوا في هذا البرنامج، أن مرضى - في حالات غير قليلة - قد شُفوا بعد تشخيص سريري قرر موت أدمغتهم وأن بعض من حدث لهم ذلك أجريت معهم مقابلات. وشهدت الأشهر القليلة التالية نشر قدر كبير من الأدلة، من على جانبي الأطلنطي، أكدت صدق المعايير السريرية للتشخيص; وكذلك صار واضحاً أنه ولا واحدة من الحالات الأمريكية التي عرضها البرنامج كانت قد شخصت على أنها موت دماغ طبقا للمعايير البريطانية. لكن صار واضحا أن مجموع الأطباء ليس لديهم تصور موحّد عن موت الدماغ من الناحية المرضية الوظيفية
(Pathophysiology); وهذا يفسر معظم الاختلافات في الرأي حول الأهمية النسبية لمعايير التشخيص المختلفة.(22/4)
ويبدو أن هذه الاختلافات تعكس مراحل متتابعة في تطور التفكير حول موت الدماغ، نظراً لتراكم الخبرات في الخمس والعشرين سنة الأخيرة. وحيث أن معايير المملكة المتحدة قد تأخر نشرها نسبياً في هذا التطور فإنها تمثل منهجا أحدث مما أعلن في أوائل السبعينيات مما اعتمد على وثيقة هارفارد الأصلية لعام 1968.
تغيير التصورات:
كانت معايير هارفارد تتطلب غياب أي نشاط حركي انعكاسي، ويوصي بأن يكون رسم المخ مسطّحا (flat). وهذا يتضمن موت النظام العصبي المركزي بكامله - الغشاء والحبل الشوكي وجذع الدماغ. وقد أصبح الآن واضحاً أن موت جذع الدماغ هو الحاسم; فما أن يصبح هذا الجزء من النظام العصبي ميتا فإن القلب دائما يتوقف خلال أيام، حتى لو ظل جهاز التنفس الصناعي وغيره من الأجهزة المساعدة يعمل. وهذه النتيجة التجريبية، التي سجلت رسميا الآن في مئات الحالات المنشورة ووجد أنها متفقة مع آلاف من الحالات الأخرى التي لاحظها العديدون من الأطباء في بلدان كثيرة، تشير إلى أن موت جذع الدماغ علامة على أن عملية الموت قد جاوزت نقطة اللاعودة وهي التي أكد عليها «إعلان سيدني» تأكيدا قويا.
كذلك فقد ظهر، نتيجة تراكم الخبرة، أن النشاط الانعكاسي المنسَّق في النخاع الشوكي يمكن أن يستمر لمدة أيام بعد موت الدماغ; وبالفعل فإن الحركات الانعكاسية للأعضاء تميل إلى الظهور، وقد تصبح أكثر نشاطا، لمدة طويلة بعد اختفاء جميع انعكاسيات جذع المخ إذا ما استمر جهاز التنفس الصناعي متصلا. ولهذا فإن بعض المعايير الأحدث تبدي ملاحظة عن أن النشاط الانعكاسي للنخاع الشوكي متوافق مع موت الدماغ.(22/5)
ومسألة النشاط المتبقي والمستمر في أجزاء من القشرة الدماغية لفترة من الوقت بعد موت جذع الدماغ أثارت مزيداً من الجدل. وشهادة علم الوظائف تشير إلى أن الوظيفة القشرية المتكاملة تكون ممكنة فقط إذا كان هناك دفع إلى أعلى من جذع الدماغ عن طريق التكوين الشبكي الصاعد، فإذا أوقف ذلك في ظروف تجريبية فإن كلا من النشاط الكهربي والأيضي للقشرة الدماغية يضعف إلى حد كبير. أكثر من هذا، حين تتعرض القشرة الدماغية لموت موضعي نتيجة نقص الأوكسجين بعد توقف للقلب فإن الحالة الطبية الناتجة هي نفسها ما يحدث حين تفصل القشرة السليمة نتيجة تمزق محور عصبي مما يحدث كثيرا في إصابات الرأس - أي حالة الخمول (Vegetative) (انظر ما يلي). والمؤكد أن هذا النشاط الفيزيو - كيميائي يمكن أن يستمر في بعض الوقت في مناطق معزولة في القشرة فوق جذع دماغ ميت، كما يحدث في حالة شرائح الدماغ فوق طاولة المختبر. والنشاط الكهربي المتبقي يظهر كثيرا في رسم المخ بعد موت جذع الدماغ، لكن ظهر أن هذا لا يمثل أي فرق في النتيجة (Pallis,1981).(22/6)
من أجل هذه الأسباب تركز فكرة موت الدماغ حاليا على جذع الدماغ. فإذا مات الجذع مات الدماغ; وإذا مات الدماغ مات الإنسان. وقت الموت يحين عندما يشخص موت الدماغ، وليس بعد ذلك بفترة حين يتوقف القلب (مؤتمر مدارس الطب الملكية وكلياتها في بريطانيا، 1979). وقبول المجتمع لهذه التصورات يتضح في مناطق كثيرة من تشريع قوانين موت الدماغ - وكانت (كانساس) هي أول ولاية أمريكية تفعل ذلك عام 1970، وفنلندا أول دولة أوروبية فعلته عام 1971. وجوهر مثل هذه التشريعات أن يكون واضحاً أن الشخص بمجرد أن يعلن موت دماغه من قِبل مستويات طبية مقبولة فإنه يمكن اعتباره حينئذ ميتاً قانونياً; لكن هذه القوانين (باستثناء حالات قليلة) لا تحاول أن تفصّل المعايير الفنية التي يتم بها تشخيص موت الدماغ، وقيمة قوانين كهذه أنها تزيل أي غموض في تصرف الطبيب الذي يوقف أجهزة التنفس الصناعي بعد القيام بتشخيص موت الدماغ. إنه لا يوقف علاجا ليتسبب في موت شخص، إن ما يفعله ببساطة أنه يوقف عمل شيء لا فائدة له لشخص قد مات بالفعل (حكماً).
معايير التشخيص:
النتيجة في ضوء هذه التصورات أن المطلوب من المعيار أن يبرهن بما لا يدع مجالاً للشك أن جذع الدماغ قد توقَّف بلا رجعة عن أداء وظائفه. وهذا بالتأكيد كان هدف المعايير التي نشرتها الكليات الملكية في بريطانيا ثم صادقت عليه الأقسام الطبية. تتكوّن هذه المعايير من جزأين - الشروط والاختبارات. فلا بد أن تتحقق الشروط أولاً كي يكون مقبولاً أن ننتقل إلى الاختبارات.(22/7)
أما الشروط فتتطلب أن يكون المريض في غيبوبة تامة وأنه مختنق (يعتمد على جهاز التنفس الصناعي)، وأن هناك تلفاً في بنية الدماغ غير قابل للعلاج، وأنه تم استبعاد إمكانية قلب أسباب هبوط وظائف جذع الدماغ. ويتضمن الشرط الأخير أسباب الهبوط مثل انخفاض درجة الحرارة والاختلال الأيضي الشديد، فضلا عن العقاقير المهبّطة (بما فيها الكحول)، أو السدادات العصبية العضلية المستخدمة لتسهيل أنْبَبَة القصبة الهوائية أو للحفاظ على عمل الرئة الصناعية قبل أن يكون انقطاع التنفس. وعندما يعطى المريض عقارا مهدئا يمكن استخدام مثير سطحي للأعصاب لنتبين ما إذا كانت هذه لا تزال تسبب شللاً.
في معظم الحالات يكون التشخيص واضحاً في حالة التلف البنيوي الدماغي غير القابل للعلاج، وليس هناك خوفٌ ذو بال من العوامل المشوشة. أكثر من نصف حالات موت الدماغ التي تحدث في بريطانيا تنتج عن إصابات جسيمة في الرأس; القصة واضحة وليس ثمة سبب للاعتقاد بأن العوامل القَبْلَيّة تؤثر على وظيفة الدماغ - بما يختلف عن تأثير جرعة الكحول الحديثة عند نسبة من المرضى. ويعتبر النزيف المتزامن داخل الجمجمة مسؤولا عما يقرب من ثلث الحالات; وحكايتهم أنهم يصبحون فاقدي الوعي بعد صداع مفاجئ ودلائل من بينها تصلب الرقبة ونزف شبه شفاف وظهور دم في السائل الخشوكي. أما باقي الحالات فإن معظمها لمرضى لم يستجيبوا للعلاج من أحوال أخرى داخل الجمجمة، كورم أو خُرّاج في المخ، وربما التهاب الدماغ أو التهاب السحايا; وهناك قلة من المرضى عجزوا عن الاستجابة لمحاولة الإنعاش بعد حادث توقف في القلب أو انخفاض شديد في ضغط الدم أدى إلى تلف في الدماغ بسبب نقص الأوكسجين.(22/8)
أحياناً تكون الحكاية ليست بهذا الوضوح الحاسم، مثلا عندما يصاب مريض بالاختناق مباشرة قبل أو عقب إدخاله المستشفى، وليس لدينا علم واضح بالأحداث السابقة. أو أن يكون المريض قد وُجد فاقد الوعي ولا يوجد أحد يخبر عما حدث; ورغم أنه يكون واضحا أن ثمة إصابة في الرأس فإننا أحيانا نكون غير متأكدين كيف كانت حالة المريض بالضبط قبل الإصابة. من الضروري في مثل هذه الحالات أن نأخذ في الحسبان أثر العقاقير التي اللهخذت أو أعطيت، وإذا لم يمكن قياسها، فعلى الطبيب أن ينتظر مدة تسمح باستبعاد العقاقير كسبب لهبوط جذع الدماغ.
أما الاختبارات التي تستخدم، إذا كانت الشروط المطلوبة قد تحققت، فمهمتها أن تقرر ما إذا كان في جذع الدماغ أي دليل على نشاط باقٍ أو راجع. يتم اختبار العديد من الاستجابات المنعكسة - بؤبؤ العين للضوء، والجفنين للمس القرنية، وعضلات الحلق لحركة أنبوب داخل القصبة الهوائية، وعضلات الوجه لألم يُحْدَثُ بالوجه أو الجبهة. بعدئذ تحقن الأذن بعشرين ملليلتر من الماء المثلج (للتحقق أولا من أن الصماخ مائل بوضوح نحو الطبلة) وملاحظة العين للحركة. فإن وجدت استجابة لأي واحد من هذه، دل ذلك على أن جذع الدماغ لا يزال يعمل.
آخر الاختبارات وأقواها حسماً هو التثبت من أنه لا يوجد ردّ فعل من جذع الدماغ على دفقات التنفس. وقد علق اختصاصي أعصاب أمريكي على أهمية هذا الاختبار - وأن تلك المواصفات الدقيقة لكيفية إجرائه إنما هي سمة لمعايير المملكة المتحدة(22/9)
(Homan,1979). يفصل المريض من جهاز التنفس الصناعي لمدة تكفي لارتفاع ضغط ثاني أوكسيد الكربون في الدم (Paco2.) إلى عتبة مقدار معين، مع استمرار إيصال الأوكسجين تجنبا لنقصه. إن هذا الضغط عند مريض ميت الدماغ يتلقى تنفسا صناعيا قد يكون منخفضا جدا، ومعدل ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون في حالة ينخفض فيها الأيض على هذا النحو يكون أيضا أقل من المعتاد. وقد اعتبر أن عتبة التنفس التحفيزي لمريض يشتبه في موت دماغه يكون في حدود 45-56 ملم زئبق، وهو يعتبر أعلى بدرجة كبيرة بالنسبة لمريض مخدر سليم المخ (Schafer and Caronna, 1978). ويعتمد طول مدة الفصل المطلوبة على بداية مستوى ضغط ثاني أوكسيد الكربون الذي يمكن رفعه إلى المعدل الطبيعي بضخ 5% ثاني أوكسيد كربون في الأوكسجين قبل الفصل. ويرى «شافر» و«كارونّا» (1978) أن الفصل لمدة عشر دقائق كافٍ لوصول ضغط ثاني أكسيد الكربون إلى معدل 60 ملم زئبق، على أساس أن بداية المستوى تكون أعلى من 30 ملم زئبق. وهناك حاجة إلى اعتبار خاص في حالات المرضى من أصحاب ضيق التنفس المزمن ممن تعودوا على معدل مرتفع لضغط ثاني أوكسيد الكربون في الدم.
أسباب موت الدماغ وملابساته وتواتره(22/10)
إصابات الرأس هي أكثر أسباب موت الدماغ في بريطانيا، وهي مسؤولة عن نحو نصف الحالات. وقد يحدث الفشل التنفسي سريعا عقب وصول المريض إلى المستشفى; ويعتبر الكحول وانخفاض الضغط أو نقص الأوكسجين في الدم، نتيجة الإصابات المصاحبة، عوامل مضاعِفة. ويمكن أن يحدث الفشل التنفسي لمرضى تعافوا من إصابة الصدمة لكن تعرضوا لمضاعفات كأورام دموية داخل الجمجمة أو تورم في الدماغ. كذلك قد يصحب النزف داخل الجمجمة فشلٌ تنفسيّ فور الصدمة الأولى; وقد يكون حدثاً ثانوياً ناتجاً عن فتق في حالة تمدد الأوعية الدموية مرة ثانية بعد الشفاء من النزف الأول. ومن المألوف أن يحدث اختناق مؤقت عقيب نزف في الغشاء العنكبوتي، وقد يزول في الحال خلال دقيقة أو نحوها، لكن في قلة من الحالات حدثت الإفاقة من الاختناق بعد ساعة أو أكثر، وفي حالة استخدام جهاز تنفس صناعي خلال هذه المدة. وهذا الاحتمال يبرر تشغيل جهاز التنفس الصناعي في مثل هذه الحالات، على الرغم من النتيجة المتكررة وهي أن المريض يصبح في حالة موت دماغ.
وقد يحدث موت الدماغ عندما لا يفيد علاج بعض حالات داخل الجمجمة (مثل الخرّاج أو الورم أو التهاب الدماغ أو التهاب السحايا). والمرضى من هذا النوع يستخدم معهم عادة جهاز التنفس الصناعي كجزء من العلاج ثم يصبح واضحا أن أدمغتهم ماتت. أحياناً مع المرضى الذين تتكرر إصابتهم بأورام داخل الجمجمة غير ممكن إجراء عملية لها، والذين قد اتخذ بشأنهم قرار أنه لا يوجد لهم علاج بعد ذلك، قد يستخدم معهم جهاز التنفس الصناعي خلال فترة الاختناق لأن عائلتهم وافقت من قبل على ذلك لكي يمكن التبرع بأعضائهم. ومن ثم فهم ضرب آخر مختلف عن جمهور مرضى موت الدماغ الذين لم تنجح معهم محاولات الإنعاش أو العلاج السريع.(22/11)
هنالك مجموعة أخرى من المرضى وهم أولئك الذين يعانون توقفا في القلب أو هبوطا قويا منتظما في الضغط وقد أمكن معهم استعادة حركة القلب ودورته لكن ذلك تم متأخراً بحيث لم يمكن إنقاذ الدماغ. وطبقاً لمدة الاختناق وحدّته فقد ينتهي هؤلاء المرضى إلى موت الدماغ، أو ربما يتركون في حالة الخمول (vegetative) (انظر مايلي). قلة منهم يُشفون مع درجات أقل من التلف في الدماغ، وآخرون يشفون تماما. ومثل حالات الاختناق هذه مع تلف في الدماغ تحدث مضاعفات في حالات الإصابة في الرأس أو بعض أحوال دماغية أخرى، وقد يصبح من الصعب عندئذ فصل الإسهامات النسبية للتلف الدماغي الأولي والتلف الثانوي الناجم عن الاختناق. وأهمية محاولة القيام بهذا هي أن الشفاء يكون ممكنا بعد عدة ساعات من الغيبوبة الخالية من الاستجابة عندما تكون ناجمة عن تلف سببه الاختناق فقط، وهذا ربما يعود إلى أن العقابيل الكيمحيوية.(*). في اختناق الأنسجة تفسر الهبوط المستمر للنشاط في جذع الدماغ لكنه قابل للاستئناف.(22/12)
ليس هناك طريق مباشر لمعرفة معدل تكرار حوادث موت الدماغ على مستوى القطر أو توزيعها بين المستشفيات أو حقول الاختصاص. نشرت سلاسل صغيرة من وحدتين عامتين للعناية المركزة (Luksza, 1979; Searle and Collins, 1980)? وقامت ثلاث وحدات لجراحة الأعصاب بجمع خبرتها خلال عدة سنوات في مراجعة غطت أكثر من 60 حالة (Jennett, Gleave and Wilson,1981). المرضى الذين ماتوا من تلف حاد في الدماغ وُضِعوا مؤقتاً على جهاز التنفس الصناعي مرات أكثر مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات; وما يقرب من نصف إصابات الرأس القاتلة تمر في وحدات جراحة الأعصاب الآن بفترة موت دماغ قبل أن يتوقف القلب. إن الإحصائيات المبنية على هذه الدراسات، وعلى بيانات علم الأوبئة المتعلقة بإصابات الرأس وحالات أخرى مما ينتهي إلى موت الدماغ، تشير إلى أن هناك حوالي 4000 حالة سنويا في بريطانيا. وفي البلاد التي يكثر فيها استخدام العلاج بجهاز التنفس الصناعي لحالات التلف الحاد للدماغ، يحتمل أن يكون موت الدماغ فيها أكثر تكررا; وكذلك حيث تكثر إصابات الرأس القاتلة - ومعدلها السنوي في الكثير من البلاد يزيد على ضعف عددها في بريطانيا (Jennett and MacMillan, 1981;Jennett and Teasdale,1981).(22/13)
يقوم مركز خدمة زرع الأعضاء في بريطانيا (Transplant Service) بمقارنة جميع السجلات الخاصة بالمتبرعين بالأعضاء، ومنها يمكن استخلاص نتائج عن توزيع حالات موت الدماغ على مختلف أنواع المستشفيات، ورغم أن واحدا فقط من كل أربعة أو خمسة من مرضى حالات موت الدماغ يتبرع بأعضائه، حتى في الوحدات المكرّسة لتوفير الأعضاء (Wilson and Cast, 1980: Jennett, 1981)? فإن المتبرعين يعكسون بدرجة كبيرة التوزيع التشخيصي لمجموع حالات موت الدماغ التي هم نسبة مأخوذة منها. تكشف المراجعة لأكثر من 1200 متبرع خلال الفترة 1978-1980 أن ثلاثة أرباع الـ 285 مستشفى التي جاء منها متبرع واحد على الأقل لم تكن مستشفيات تعليمية ولا بها وحدات جراحة أعصاب Jennett and Hessett, 1981) ).
وكثير من مستشفيات الأحياء هذه كانت صغيرة نسبياً وبعيدة عن وحدة جراحة الأعصاب في المنطقة. معظم وحدات العناية المركزة العامة سجلت من 8-10 حالات موت دماغ كل سنة، على حين بلغ العدد في وحدة جراحة الأعصاب الكبيرة في المنطقة خمسة أضعاف أو أكثر; لكن هناك حالات قليلة جدا من هذه كانت أغلبية حالات موت الدماغ في وحدات غير متخصصة.
مصداقية المعايير:(22/14)
نظرا لأن تشخيص موت الدماغ حاليا يقود إلى فصل جهاز التنفس الصناعي، مما ينتج عنه توقف القلب، فقد زعم البعض أن التشخيص نبوءة تحمل في طياتها تحققها. والحق أن الأمر تطلب سنوات كثيرة قبل أن يصبح لدى الأطباء السريريين الثقة أن يقوموا بالتصرف المنطقي بأن يفصلوا جهاز التنفس الصناعي بمجرد أن يتم تشخيص موت الدماغ. لقد تطلب الأمر 19 عاماً في وحدة جراحة أعصاب بريطانية لترتفع نسبة الحالات التي فصل فيها جهاز التنفس الصناعي من 6% إلى 40%; بل إن حوالي ثلث من أعلن موت دماغهم من المرضى وصلوا إلى توقف نبض القلب بينما كان جهاز التنفس الصناعي لا يزال يعمل (Jennett, Gleave and Wilson,1981). وأكثر من 700 مريض حتى الآن مسجلون رسميا أن جهاز التنفس الصناعي استمر متصلاً بهم بعد تشخيص حالتهم سريرياً بأنها موت دماغ; وفي جميع هذه الحالات توقف القلب خلال 14 يوما، والمعتاد أسرع من ذلك بكثير Editorial, 1981).) ومن اللازم أن يضاف إلى هذه التقارير المنشورة الخبرات المتراكمة للأطباء السريريين في الكثير من البلدان. ومنذ نشر «معايير هارفارد» عام 1968 يقدر أن هناك على الأقل ربع مليون حالة موت دماغ كانت تحت الملاحظة. في هذه المرة لم تتوفر أي استثناءات موثقة بشكل جيد تخرج على الملاحظة التجريبية أن موت جذع الدماغ مؤشر موثوق به على توقف نبض القلب، وأن عملية الموت قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة.(22/15)
هنالك منهج مختلف لإثبات المصداقية وهو أن نحلل الملامح السريرية المبكرة للمرضى الذين شفوا بعد فترة غيبوبة عميقة لنعرف ما إذا كان أي منهم، في أسوأ الأحوال، قد تقرر أو حتى اشتبه أنه حالة موت دماغ. لقد أجري هذا على سلسلة من 1003 حالات من هذا النوع من المرضى الذين عاشوا لمدة ثلاثة أشهر بعد إصابة خطيرة في الرأس، والذين سُجلت تفاصيل وضعهم العلاجي المبكر وبشكل توقعي في بنك معلومات حاسوبي. لم يكن من بين هؤلاء المرضى أحد على الإطلاق اجتمع فيه الاختناق وثبات بؤبؤ العين وغياب حركات العين وأشكال أخرى من انعدام الاستجابة التي تعزى إلى تلف الدماغ ( Jannett, Gleave and Wilson, 1981).
أشباه أخطاء مزعومة:(22/16)
على الرغم من قوة الدلائل المدعمة لمصداقية المعايير السريرية لتشخيص موت الدماغ، تظهر من وقت لآخر قصص صحفية، خاصة في مطلع السبعينيات، عن مرضى شُفوا بعد زعم اعتبرهم حالات موت دماغ. وفي بعض هذه الأمثلة افترض أن الأعضاء قد أخذت «تقريبا» لتزرع. وما إن يكتشف تقرير وافٍ يمكن تفسير مثل هذه الحالات بأنها نتيجة واحد أو آخر من صور سوء الفهم. أحياناً يكون أساس الإشاعة أن أحد الأقارب قيل له عقب إدخال المريض إلى المستشفى إن الظاهر أن حالته «شبه ميئوس منها». وهذا أمر يختلف تماماً عن إعلان موت الدماغ طبقاً للمعايير الدقيقة; ولا غرابة أن بعض المرضى من هذا النوع قد استجاب لعملية إنعاش قوية - وهذا هو ما تسعى إلى تحقيقه عملية الإنعاش. في هذه الملابسات لن يثير الطبيب موضوع إمكانية التبرع بالأعضاء، لكن الأقرباء كثيرا ما يفعلون ذلك اليوم وعياً منهم بأن الحاجة إلى المتبرعين قد زادت. وعلى الطبيب أن يبين أنه من السابق لأوانه أن نعرف ما إذا كان الأمر سينتهي إلى ذلك، بينما يشكر الأقرباء على عَرضهم. في بعض الأحيان قد يستمر الطبيب بطيش في متابعة موضوع التبرع (بل قد يبادر بالمناقشة حول هذه الإمكانية) قبل أن تستوفي المتطلبات حقها من الوقت. وحتى إذا ما كان قبول العرض مشروطا بعدم استجابة المريض لعملية الإنعاش، فما أسهل أن ينسى ذلك الأقرباء المذهولون.
أحيانا يكون هناك اشتباه في موت الدماغ، على الأقل لبعض الوقت في عقل شخص ما، وذلك في حالة المرضى الذين يعانون حالات عدم استجابة، وليس حالة موت الدماغ التي يسهل تمييزها عنها. وأكثر هذه الحالات حالة الخمول (vegetative) وهي حالة تنتج من تعطل عمل القشرة الدماغية بينما يكون جذع الدماغ لا يزال نشيطا(22/17)
(Jennett and plum,1972) ). ومن ثم يمكن للمريض أن يتنفس ويبلع (وإن كان الغالب أنه يحتاج إلى أنبوب تغذية)، لكنه لا يتجاوب مع البيئة باستجابات ذات معنى من الناحية النفسية. فلا كلمات تنطق، لكن تعتريه فترات يقظة عندما تكون العينان مفتوحتين وقد تستطيعان متابعة الأشياء المتحركة بفعل انعكاسي، والأعضاء المصابة بالشلل التشنجي تحتوي على ذخيرة معقولة من النشاط الانعكاسي، ومن بينها قدرة انعكاسية على الإمساك قد تفسر خطأ على أنها حركة اختيارية. وأشْيَع الأسباب حدوث إصابة حادة في الرأس تؤدي إلى عزل القشرة الدماغية نتيجة فصل روابطها، لكن حين يجيء الموت الموضعي في القشرة الناتج عن نقص الأوكسجين عقب توقف في القلب فإن النتيجة السريرية تكون هي هي. المرضى من هذا النوع يمكن أن يعيشوا سنوات، إذا ما أتيح لهم خدمة تمريضية جيدة. وهناك حالة قليلة الوقوع وهي ظاهرة التجمد (Locked-in syndrome) التي تنشأ عن تلفٍ في جذع الدماغ لكنه في بعض أجزائه فقط. ومرضى هذه الحالة يصابون بالشلل فيما تحت الوجه، نظرا لتعطل أجهزة الحركة النازلة - عادة بسبب تلف في الأوعية. إنهم يكونون متنبّهين ويمكنهم التواصل بالإشارة، مستخدمين حركات العين أو الفك، اللذين يظلان يعملان لأن العصب الذي يمدهما واقع فوق التلف.
في جميع هذه الحالات يحدث عند البعض اشتباه في موت الدماغ في حالة مريض هو في الحقيقة حيّ. أحياناً يحدث العكس، فيعتقد البعض في مريض مات دماغه أنه حي - وذلك بسبب الانعكاسات المستمرة من النخاع الشوكي. وأي شخص يحتمل أن يشهد هذه الحركات للمرة الأولى يجب تحذيره وشرح طبيعتها له، كي لا يسيئون تفسير ما يرونه.
مجالات سوء الفهم الأخرى قد سبق التعرض لها، ومن المهم أن يتم تسجيلها وأن ينشر التعريف بها على أوسع نطاق - وذلك مثلما حدث قبل صياغة معايير المملكة المتحدة (Jannett,1975).
إجراءات وقائية:(22/18)
لم تظهر أي حالة تشخيص خاطئ لموت الدماغ على أساس معايير المملكة المتحدة مع التوثيق الجيد، والطبيب البريطاني الوحيد الذي زعم أنه يعرف حالات من هذا النوع عليه أن ينشر تراجعه (Paul,1981 ) ومع هذا فمن المهم أن ننظر في الإجراءات الوقائية المقترحة وأيها هو الملائم. وأفضل هذه الإجراءات وجود مجموعة من الإرشادات العامة يأخذ بها أفراد الهيئة العلاجية والتمريضية الذين هم على دراية ليس فقط بتشخيص موت الدماغ، وإنما كذلك بكيفية التعامل بثقة وتعاطف مع العائلة. وتوصي معظم هذه الإرشادات بإعادة الاختبارات الخاصة بعمل جذع الدماغ وأنه لا بد من مشاركة اثنين من الأطباء ذوي خبرة جيدة في إجراء التشخيص. وحين يكون هناك اتجاه إلى التبرع بالأعضاء فيجب ألا يضم أي من الطبيبين إلى الفريق الطبي الذي ينتظر تلقي الأعضاء للزرع. وبصرف النظر عن هذا، فالواجب ألا يكون هناك فرق في الممارسة سواء أكان هناك تبرع بالأعضاء أم لا; وأهمية تشخيص موت الدماغ أنه يقود الآن عادة إلى فصل جهاز التنفس الصناعي ليتلوه توقف نبض القلب.
والمهارات الطبية المطلوبة لتشخيص موت الدماغ بشكل موثوق فيه ليست محصورة في إجراء اختبارات وظيفة جذع الدماغ. والحق أن هذه الاختبارات سهلة نسبيا، إذ لا تستدعي تفسيرا نوعيا للاستجابات لأن علامة موت الدماغ هي انعدام الاستجابة. وحين يتقرر أن الشروط المطلوبة قد تحققت فإن ذلك يستدعي تقييما دقيقا للوضع السريري - إلى أي مدى يمكن الثقة بتاريخ الأحداث الواقعة قبل الغيبوبة العميقة والاختناق؟ - وما الذي نعرفه عن سبب تلف الدماغ؟ - وهل مر وقت كاف لنتأكد من التشخيص؟ وهذا هو موطن اعتبار خبرة المعالج السريري.(22/19)
ومن الإجراءات الوقائية المهمة ضد الاشتباه الخاطئ في موت الدماغ أن يسمح بمرور وقت كاف. والذي يهمنا هو الفترة الفاصلة بين بداية الغيبوبة والاختبارات الأولى لعمل جذع الدماغ. والواجب أن يتاح الوقت الكافي لتتحقق الشروط المطلوبة، وللسماح بإثبات التشخيص، وللقيام بالجهود العلاجية بالشكل المطلوب لتقرير أن تلف الدماغ غير قابل للعلاج; مثلاً، هناك حاجة إلى وقت لاستعادة الضغط الطبيعي للدم وكذلك
(normoxia)، ولمحاولة تخفيض الضغط داخل الجمجمة بالوسائل الجراحية أو غيرها، ولتتمكن العوامل المضادة من وضع حد للاختناق المؤقت، أو لتركيز العقاقير أن يخفّ. وتختلف المدة التي تتطلبها هذه الأمور طبقا للملابسات. فالمريض المصاب بتلف حاد في الدماغ ودخل في حالة اختناق بمجرد وصوله إلى المستشفى يحتاج إلى 6 ساعات على الأقل، وقد تتطلب الحالة من 12 إلى 24 ساعة. وقد تستدعي الضرورة أطول من ذلك حين لا يكون التاريخ محددا، وعند الاشتباه في تناول عقاقير، أو حين تكون هناك حالة نقص وصول الأوكسجين (من الدرجة الأولى أو الثانية). ويكون الوقت المطلوب، أقل من ذلك بكثير في حالة المرضى الذين يحدث لهم تلف ثانوي في الدماغ وهم في المستشفى، وتم كشف الخلل الأولي في الدماغ لديهم عن طريق التثبت (مثلا، نزيف متكرر في الغشاء العنكبوتي في الدماغ نتيجة لتمدد في الأوعية الدموية).
وقد سجل كل من (1981) Hesset,Jennett مُدد استمرار جهاز التنفس الصناعي وتمدد البقاء في المستشفى لسلسلة من المرضى ذوي الحالات المختلفة. وقد أكدت مجموعة القوانين خلال عقد مضى على الفاصل الزمني بين إجراء مجموعتين من الاختبارات التي تكشف موت الدماغ; ونحن ندرك الآن أنه عند التأكد من مرور وقت كاف لتحقيق المتطلبات، يمكن أن تكرر تلك الاختبارات بعد مرور نصف ساعة.(22/20)
ولعل هذا الفصل عن الإجراءات الوقائية هو أفضل مكان لنناقش تلك الفحوصات المخبرية التي أوصى بها البعض من حيث أنها تقدم دليلاً مؤكِّداً ومفيداً عن حدوث موت الدماغ. ولعل قيمة هذه الفحوصات ومصداقيتها هي الآن المجال المهم الوحيد الذي لا يزال موضع خلاف بين الأطباء في مختلف البلدان. والأغلب أن يطلب أحد نوعين من الاختبارات - تلك التي تقيس تدفق الدم إلى الدماغ والأخرى التي تراقب النشاط الكهربي للقشرة الدماغية. يمكن أن نرى تدفق الدم عن طريق تصوير الأوعية الدموية بالأشعة
(angiography) أو معرفة وجوده عن طريق حقن نظائر مشعة في تيار الدم ومراقبة دخولها إلى الرأس أو عدم تواجدها فيها. ومن المؤكد أن انقطاع تدفق الدم إلى الدماغ لمدة 15 دقيقة يمكن أن يكون دليلاً نهائياً على موت الدماغ; لكن أن يستمر دوران الدم داخل الجمجمة لفترة بعد موت الدماغ. أكثر من ذلك، فإن المعدات والخبرات المطلوبة لا تكون متوفرة في كل وقت، بينما تصوير تدفق الدم بالأشعة يحمل شيئا من المخاطرة; فحتى في الولايات المتحدة ينظر إلى تلك الاختبارات على أنها غير عملية في الاستخدام العام.
أما رسم المخ فأمر مختلف، من حيث أنه متوفر على نطاق واسع في كثير من البلاد ثم هو بالتأكيد لا خطر فيه إطلاقا. ورغم ذلك، فهنالك عدة أسباب لتفسير أنه ليس من الحكمة النظر إليه على أنه اختبار مناسب وأكيد. أهمها أنه ليس ملائماً، من حيث أنه يقيس النشاط في غشاء الدماغ على حين يعتمد موت الدماغ على انعدام النشاط في جذع الدماغ. وكما سبق البيان، فإن بعض النشاط المتبقي في رسم المخ قد يستمر برهة بعد موت جذع الدماغ، ولكن هذا لا يغير حتمية أن يحدث سريعا توقف نبض القلب(22/21)
( Pallis,1981) وحتى حين تُظهر اللواحب (electrodes) على فروة الرأس أن لا حركة في قشرة الدماغ، فقد يوجد نشاط في الدماغ إذا استخدمنا لواحب أعمق - لكن لا أحد قد قدم اقتراحاً جدياً بعمل ثقب من أجل هذا الغرض. وفي أي حادث، يكون تسجيل صمت النشاط الكهربائي الدماغي من فروة الرأس ظاهرة تحكمية، تعتمد على الطريقة المتفق عليها لضبط الجهاز، وعلى الخبرة الفنية للقائم بالتسجيل وعلى تفسير الرسم. وقد يكون من الصعب الحصول على تسجيلات يوثق بها في البيئة غير الملائمة في وحدة العناية المركزة. من ثم يكون من الخداع أن يشار إلى أن رسم المخ يقدم مقياسا موضوعيا لموت الدماغ يمكن أن يعتمد عليه أكثر من التقييم السريري. لكن أبلغ حجة ضد استخدامه هي أنه حتى لو أمكن الحصول على تسجيل مقبول تقنياً، وافترضنا أنه سيكون مسطحا بناء على معايير متفق عليها، فإن هذا لا يشير بالضرورة إلى موت الدماغ. هناك الكثير من التقارير عن مرضى شفوا بعد غيبوبة عميقة، عقيب أخذهم عقاقير مخفضة أو بعد توقف في القلب، وكانت رسومات أمخاخهم في إحدى المراحل مسطحة (Pallis1981). وهكذا أخفق رسم المخ في التمييز بين موت الدماغ والحالة التي تحاكيها إلى حد كبير.
وعلى الرغم من المكانة البارزة التي احتلها رسم المخ المُتكاره.(1). في معايير هارفارد الأصلية فقد نُصّ بوضوح في السنة التالية أنه ليس ضروريا في التشخيص
(Beecher,1969;Sillito,1969.) وأكد جرّاحو الأعصاب في مينيسوتا على هذا عام 1971 (Mohandas and Chou,1971) ثم أعادوا التأكيد مؤخرا على مسألة إجراء التشخيص على أساس الدلائل السريرية فقط (Chou,1981). أما أولئك الذين لا يزالون يصرون على لزوم استخدامه فهم اختصاصيون في علم وظائف الأعصاب السريري، ومن المهم أن نلاحظ أن أشد منتقديهم قسوة هم من مجال تخصصهم نفسه (Legg and Prior,1980,Pallis and MacGillivray,1981;prior, 1980).(22/22)
وقد صرحت معايير المملكة المتحدة بوضوح تام أن رسم المخ لا حاجة إليه في التشخيص، كما أن هناك دلائل على أن استخدام رسم المخ يتناقص في كثير من البلدان بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
الخلاصة
إن الاهتمام الذي تركز على هذا الموضوع خلال السنة الماضية في بريطانيا أدى إلى فهم أفضل للتصورات والجوانب العملية المرتبطة بموت الدماغ. أصبح الأمر اليوم مقبولا كحادث يتكرر حدوثه نسبيا، حيث تستدعي الممارسة الطبية الجيدة أن يتعلم الأطباء أن يتعرفوا عليه بشكل موثوق فيه، كما تتطلب الشفقة منهم أن يتصرفوا بشكل ملائم بمجرد أن يتم هذا التشخيص. ولتسهيل هذه المهمة فلعل من المُعين على ذلك أن يسمّى استشاريٌّ في كل مستشفى تكون مسؤوليته التثبت من أن الأطباء والممرضين المشاركين، رغم التغيير المتكرر في الأفراد، على علم تام بما عليهم فعله، وبالجهة التي يحصلون منها على النصيحة حين يحتاجون إليها.(22/23)
ولعل مما يساعد عمليا أن تكون في البلد قائمة مراجعة مقبولة من الجميع بالمتطلبات الأساسية والاختبارات الخاصة بموت جذع الدماغ والتي يمكن أن تقوم بوظيفة مفكِّرة (aide memoire) للمعالجين على جانبي السرير، وسجل دائم يحفظ في ملف حالة المريض، لكن الإرشادات العامة للتشخيص لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها قواعد جامدة - إذ أن إرشادات كهذه لا يمكن أن تصاغ لتلبي كل احتمال. وكل الإرشادات الأساسية التي نشرتها السلطات في كل من أمريكا (American Neurological Association,1976) وبريطانيا (Conference of Medical Royal Colleges and their Faculties of the U.K.,1976a, b; Robson,1981) قد أكدت على أهمية الحكم الطبي في اتخاذ قرار، في الحالات الفردية، بشأن التحديد الدقيق للفحوصات الضرورية، ولمدة الملاحظة المطلوبة قبل أن يجرى تشخيص موت الدماغ، وما إذا كان هناك ظروف تسمح بحذف واحد أو أكثر من الاختبارات. وفي نهاية اليوم فإن الطبيب المعني بحالة المريض هو الذي عليه أن يقرر وقت إعلان موت مريضه.(22/24)
المناقشات
الدكتور خيري السمرة: بسم الله الرحمن الرحيم وشكرا جزيلا لهذه الدعوة الكريمة لمناقشة هذا الموضوع الخطير الحي وأنا سعيد جدا أن أستمع إلى الأخ الزميل الدكتور صفوت لأن هذه هي وجهة النظر الأخرى، ولقد قرأت الذي كتبه أكثر من مرة، وفي الواقع وجدت أن هناك لبساً بين الوفاة الحقيقية العامة ووفاة جذع المخ وحتى حالات الإنفليت Invalid والحالات Incapitated individual وفي الواقع فإن كل النقاط التي أثارها الدكتور صفوت لي رد عليها نقطة نقطة وأعتقد أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وعندي النسخة الإنجليزية للدكتور صفوت وفي صفحة 2 يقول:
If a brain death person has actualy died
(his soul departed his body), his body begins to cool off gradually and progressively starting by the limbs. The gradual decline in body temperature cannot be stopped
أولا: لقد قال: When Brain death person has actually died his Soul departed his body ولم يقل أحد بأن موت الدماغ شيء والموت الكلي للجسد شيء آخر أبدا. في موت المخ الروح لم تخرج من الجسم، والمخ لم يعد يعمل.
أما في حالة الـ Statment الأولى فالجسم ما زال يعمل وبنى عليها أشياء لا أساس لها من الصحة.
والأمر الثاني أنه يقول: The cadaver or of dead Corpse is devoid of functioning organs and metabolic activity,A brain dead person is obviously not a cadaver. ولسنا مختلفين في هذا لأن هذا شيء وذاك شيء آخر، فهذا جسد حي ولكن مخه لا يعمل أما هذا فميت كامل، وهناك خلاف متعلق بتصريف وتشخيص موت الدماغ ولذلك نجد أن كل دولة تقوم بوضع معايير تتوافق مع تعريف وتشخيص موت الدماغ ولكن المبدأ واحد على الأخذ بموت الدماغ.(23/1)
وأقول لكم بأنني في هذا العمل منذ 40 سنة وكل شهر نرى 10 أو 14 حالة موت دماغ منها نزيف مخي وغيره ولا أعتقد أن حالة واحدة قد شخصت خطأ، ونحن لا نعمل نقل أعضاء ونحن نتابع المريض ونضعه على جهاز التنفس، وفي الستينات كان الأمريكان يضعون المريض على جهاز التنفس ولا ينزع منه إلا عندما ينتهي. إنما موت الدماغ معروفة جيدا والمقاييس معروفة ولا يوجد فيها خلاف وأؤكد لكم أننا لم نلجأ إلى إثارة أي تحدي وإنما الأعراض الإكلينيكية السريرية لتكون كافية لتشخيص موت الدماغ.
وهو يقول أيضا: «إن بعض المراكز تختلف» نعم لا مانع من أن يتأكد كل واحد أن رسم المخ لم يعد يستجيب (Flate EEG) وأنه لا يوجد استجابة.
ويقول أيضا: «بوجود التناقض بين الأطباء بخصوص مدى إمكانية الاعتماد على أحدث وسيلة لتشخيص موت جذع الدماغ وهو جهاز رسم المخ قد ثبت أنه غير مناسب للتشخيص».
نحن لا نفكر بوجود بعض العمل في المخ وإنما هناك بعض النشاط الكهربائي وهو غير ذي قيمة وليس له أي تأثير عملي. فبعض الخلايا قد تستمر في إصدار بعض الإشارات والموجات لفترة قد تطول أو تقصر وهذا لا يلغي وجود موت الدماغ أي أنه لا تعارض بينهما إطلاقا. واختبار انقطاع التنفس (Apnea test) والذي يستخدم عادة في تشخيص موت جذع الدماغ تعرَّض لتناقضات كثيرة في طرق تطبيقه سواء من حيث مدى إجراء الاختبار أو مستوى ثاني أكسيد الكربون.
وقد وجد أخيرا أن (A Coustic evoked) تعطى نتائج مضللة (أو غير دقيقة) لتشخيص موت جذع الدماغ لأنها لا تعطي نتائج ثابتة في المرضى الذين ينطبق عليهم كل شروط موت الدماغ.
نعم هناك أناس يقولون: لا بد أن نرى انعدام الاستجابة حيث في حالات الموت الأكيد للدماغ، ولست أرى شيئا من المعلومات التي قالها د.صفوت ضد القواعد العامة لموت جذع الدماغ. فهناك بعض الموتى الذين ينطبق عليهم كل شروط موت جذع الدماغ نرى فيها وجود آثار للدورة الدموية.(23/2)
ما المشكلة الأساسية في المريض الذي ما زال به إصابة حادة بالرأس ومستمرة عنده؟ هل هذا معناه أن المخ ما زال حيا؟ إن وجود دورة دموية لا يعني استبعاد موت جذع الدماغ.
كما يقول د. صفوت أيضا: برغم استخدام المعايير المختلفة لتشخيص موت جذع الدماغ من المراكز المختلفة يُكْتَشَفُ من حين لآخر ظهور أعراض الحياة على بعض المرضى وهذه الأعراض تشمل الآتي:
حركة معقدة للأطراف والجسم وارتعاش العضلات وأنشطة عصبية للعضلات.
وماذا يعني وجود الانعكاس الذي درسناه في تجربة الضفدعة في أول دراستنا في علم الفسيولوجي عندما نجري لها تدميراً كاملاً لجذع الدماغ، يستمر وجود الانعكاسات، وكذلك إذا عملنا قطعاً كاملاً للحبل الشوكي، فإنّ الانعكاسات أيضاً سوف تكون موجودة. فهل هذا يعني أن الشخص حي؟
إن وجود هذه الانعكاسات - يا دكتور - لا ينفي أبداً موت جذع الدماغ. وهل رأى أحدكم الميت الذي يتحرك ويجلس بمجرد تعرض الجثة للصعق الكهربائي وبعد ذلك تتحول إلى رماد، إن حركة ميت يقعد شيء غريب جداً، ولكن ذلك كله انعكاسات.
وكل ما حدث أن الصدمة الكهربائية عملت تنبيهاً للجهاز المركزي العصبي لدرجة أنه يقعد ويرجع مرة أخرى. فكون أنه يحرك يديه أو غيره لا يستبعد أبدا موت الدماغ.
ويقول أيضا: إنه وُجِدَ حديثا أن نسبة هرمونات الغدة الدرقية وغدة الوطاء في المصل (Seruem) مرتفعة في موتى جذع الدماغ، وهذا أيضا لا يستبعد موت جذع الدماغ.
وقد اتفقنا على أن وجود الدورة الدموية في المخ لا وظيفة لها ولا عمل والمخ هنا لا فائدة منه، وهذا السبب في تعريف كون الغدة الدرقية وغدة الوطاء فيها دورة فإنها ستفرز وكون فيها هرمونات عالية أو منخفضة أو فيها تغير لا يمكن أن يستبعد موت جذع الدماغ.(23/3)
ويقول د. صفوت: «إن الشخص الميت الدماغ يمكن أن يحتفظ بدرجة حرارته في المستوى العادي وهذا يعني أن عملية البناء تعمل ويمكن أن ترتفع درجة الحرارة كاستجابة إذا تعرض هذا الشخص للعدوى».
طبعا طالما فيه دورة دموية فإن درجة الحرارة ستبقى في الوضع الطبيعي ولكن عندما يتوقف القلب بعد موت الدماغ، هنا يكون المريض قد مات فعلاً.
ونحن نريد أن نفرق بين الموت بمعناه العام كما ذكر في القرآن الكريم وكلام الرسول (- صلى الله عليه وسلم -) وبين موت جذع الدماغ. فموت جذع الدماغ له حكم ظهر أخيرا بسبب نقل الأعضاء، ونحن في مصر لا زلنا نترك المريض على جهاز التنفس حتى يتوفّاه الله، ولا نعمل زراعة أعضاء ولا توجد حالة قد شخصناها على أنها موت جذع دماغ وظهرت أنها خطأ، بل بالعكس إننا نتعذب عندما يستمر المريض ثلاثة أسابيع على جهاز التنفس وندخل له أنبوب لتغذيته ولا يحدث أي تحسن.
ويقول الدكتور صفوت أيضا: «إنه من المعروف لنا أن الأشخاص ميتي الدماغ لا يزالون يتمتعون بحياة خضرية، فعلى سبيل المثال فإن أظافره وشعره ينمو ويطول، وجهازه الهضمي يمكن أن يهضم ويمتص المواد».
أنا آسف! لأن هناك فرقاً كبيراً جداً بين ميتي الدماغ وبين المريض الخضري، فالمريض الخضري دماغه مصاب إصابة شديدة ولم يمت. وتوجد آلاف الحالات نراها كذلك فهذا ليس ميتا لأنه يستمر أسبوعين أو ثلاثة ثم يفيق ويفتح عينيه أو يحرك يديه ورجليه هذه هي الحالة الخضرية وليس موت الدماغ، وهذا شيء وذلك شيء مختلف تماما، وكل الحالات التي يقول لك إنها ظهرت وظهر فيها حياة، لم أر منها حالة قبل ذلك، التشخيص يأخذ عدة دقائق.(23/4)
إن حدوث انعكاس بلعومي (قيء لعدة ساعات) يعتمد على مكان الإصابة لجذع الدماغ أو وسط الدماغ أو المدلا. فلو كانت الإصابة جاءت تحت المِدلاَّ (medulla) وكانت الأعصاب 9، 10، 11 لا تزال تعمل فإنه يحدث انعكاس بلعومي (قيء) وهذا لا يستبعد موت جذع الدماغ، ولكن في كل الحالات يوجد عدم اتصال ما بين المخ والنخاع الشوكي وبين الجسم ككل.
الرئيس: دكتور عبدالرحمن العوضي: نريد أن نعطي فرصة للآخرين.
دكتور خيري السمرة: نعم، ولكني أريد أن أقول: إن ظاهرة (لازرس) تعزى إلى الرجوع التلقائي التي قالها دكتور صفوت عندما يحدث لأحد توقف للقلب في العمليات ثم نعمل له إنعاشاً فنحن لا نحول الميت إلى حي لأن القلب قد توقف تماما. ونحن حريصون جداً على المخ لأنه لن يعود بعد خمس دقائق فنحن نعطيه إنعاشاً بصورة مكثفة كي نُرجع الدورة القلبية الرئوية أملاً في أن المخ ما زال حيا، ولكن عندما يحدث هذا بعد ست دقائق أكون متأكداً أن المخ سوف يحدث له تلف شديد وسيكون بدون وظائف ويشخص على أن جذع الدماغ ميت.
وفي هذه الحالة - يا د.صفوت - نحن نعمل ذلك أملاً في أن المريض يمكن أن يكون ما زال عنده دورة دموية في المخ، وشكراً سيادة الرئيس.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: أعتقد أن الإخوان سوف يثيرون كثيرا من النقاط، وعندنا كثير من المتكلمين، والوقت مهم عندنا وانتبهوا حتى لا تذهب منكم الفرصة، والآن الكلمة للدكتور شريف مختار.
الدكتور محمد شريف مختار: بسم الله الرحمن الرحيم. سوف أبدأ من حيث انتهى د. صفوت، لقد بدأ حديثه بسؤال: هل تعدد الندوات والمؤتمرات دليل على أننا نبحث في موضوع محوط بالشبهات؟ وأجيب بأن تعدد الندوات دليل على حرص أطباء الرعاية المركزة - والأطباء عموما - للوصول إلى المعايير الحقيقية لموت الدماغ حتى لا يقعوا في المحظور الذي ذكرته، وأعتقد أن الخدعة كائنة في الخلط ما بين المستويات الخاصة بموت الدماغ وهناك فرق.(23/5)
فإن د. صفوت يتكلم بحسن نية، وأنا متأكد من هذا، فهو في حالة خلط شديد بين الموت المخي وموت جذع الدماغ وبين موت الدماغ الكلي. وهم يفهمون شيئا مختلفا لأنه وضع الحالة الخضرية في النصف، والحالة الخضرية كما وضح لنا د.خيري السمرة أن المريض يظل حيا ويفتح عينيه ويعطينا انطباعا أنه في حالة تعبير وهو ليس كذلك والضغط يرتفع وينزل والحرارة موجودة ولكن ليس هناك قشرة مخية وهي التي تعطي الشخصية، وموتها يعني موت الشخصية.
ما هي الروح؟ تعريف بسيط (أنت بدون جسدك)، وهذا شيء لا يمكن تعريفه. هنا تكمن خطورة الخلط بين التعريف الديني للموت في شكل خروج الروح من الجسد فلا يمكن قياسه وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وبين المقاييس المتاحة لنا، فهنا بخصوص العلامات التي تخص موت الدماغ التي تحدثت عنها كلها تخص الموت المخي (Cerebral Death) وليس موت جذع الدماغ. المريض الذي عنده موت جذع الدماغ، الذي نفهمه أن الموت الكلي لجذع الدماغ يشمل المخ، والقشرة وجذع الدماغ. وهنا يجب أن نوضح أن موت جذع الدماغ يساوي موت كل الدماغ. فحتى وجود حالة الوعي يتطلب وجود نشاط جهاز التوعية الشبكي وهو موجود في جذع المخ من أسفل إلى أعلى. لكن في حالة الموت المخي فالمريض يفتح عينيه. فلقد خلط بين العلامات التي تخص موت الدماغ الكلي (Whole brain death) والموت المخي
(Cerebral Dealth) وكذلك موت جذع الدماغ (Brain stem death)
الدكتور صفوت لطفي: سيادة الرئيس عندي تعقيب بسيط.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: سوف نعطيك الفرصة.
الدكتور صفوت: معذرة فقد تكرر الكلام مرتين وهذا الكلام ليس كلامي.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: معذرة سوف نعطيك فرصة حتى تقول ليس كلامي ولكي ترد، فقد حضرنا هنا لكي نتناقش.(23/6)
الدكتور محمد شريف مختار: لقد قال في مقاله: «إن هؤلاء المرضى قد يسعلون أو تظهر انعكاسات بلعومية قيئية، وهذا أحد شروط عدم إعلان أن المريض قد مات، لأن أول شرط لموت جذع الدماغ هو اختفاء الانعكاسات البلعومية القيئية والسعال أو أي شيء آخر».
الانقباضات العضلية التي تكلم عنها الدكتور خيري السمرة والتي هي انعكاسات من النخاع هي انعكاسات بدائية جداً ومعروفة وحدثت قبل ذلك، ويروى أنها حدثت أمام أهل المريض، وأن المريض قد ضم ذراعيه للأمام على صدره أو رفعهما بصورة من يتوسل إليهم أن يتركوه وقد أثارت هذه الانعكاسات النخاعية الهلع في النفوس، والكلام نفسه عن تذبذب ضغط الدم حيث لا يعني إطلاقاً أن جذع المخ حيّ وهذه كلها وظائف لا إرادية، أما بالنسبة (للبروتوكولات) فقد قمت بنوع من القراءة الانتقائية لتاريخ حالات مرضية ونحن نرى معظمها أثناء عملنا على مدى عشرات السنين لم نر مريضا شُخص على أن جذع مخه ميت ثم عاش مرة أخرى، وقد قمت بقراءة انتقائية عندما نُحصيها لا تتجاوز أصابع اليدين، وواضح أن هذه الحالات كان بها نوع من الأعراض، ولم يكن بها حياة حقيقية حيث إن التعريف بأنها الحرارة، فلا أظن، وهذا يعني أن الجسم كان باردا.
ولو تعرف - سيادتك - أن هناك شيئا اسمه الموت العضوي الكلي وهناك الموت الاجتماعي (Social death) وهو يعادل الموت الخضري. إنما الموت العضوي الكلي هو الذي يبدأ فيه جميع أعضاء الجسم في التحلل والتدهور إلى النهاية ومعروف أن لها وقتا معينا آخرها يبقى الجلد والأظافر ولذلك قد تستمر في النمو ليوم أو يومين، وأول عضو يتحلل هو الدماغ ثم القلب ثم الكلية.(23/7)
لقد كنت حريصا - فقط - على أن أوضح نقطة الفصل الكامل بين الحالة الخضرية الدائمة وموت جذع الدماغ الموت المخي وبين موت القشرة. فإن موت القشرة نقطة شديدة للنقد وهي غير مقبولة لتستخدم لتعريف الموت، أما إدخال التعريف الديني للموت فسوف يثير حرجا شديدا لأن كل من يتردد لا يستطيع أن يقترب من هذه المنطقة، ولا بد أن نكون حريصين، حيث إننا أدوات الله في التنفيذ، ولسنا الذين نحدد الموت والحياة، لكن هذا بفضل الله سبحانه وتعالى، وقد وظفنا لنقول: إن هذا هو الوقت المناسب لنأخذ الأعضاء منه وننقلها لشخص آخر.
الرئيس عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور محمد والآن دكتور زهير القاوي.
الدكتور محمد زهير القاوي: شكراً; الجواب الأول بالنسبة لتعريف الموت بأنه (مفارقة الروح) أتمنى ألا يكون فيه خلاف; لأن الموت هو: مفارقة الروح للجسد لكن الذي نناقشه هنا هو: العلامات التي نستدل بها على أن الروح قد فارقت الجسد، وأما الروح فهي من أمر ربي، وليس لدينا أي وسائل تجريبية لقياسها وقياس خروجها من الجسد.(23/8)
السؤال الأول الذي بدأ به الدكتور صفوت: الفرق بين كلمة مفهوم Concept وبين الحقيقة أرجو ألا ندخل في متاهات ما يعرف (بسمانتكس) ومعاني الكلمات; لأن الأدب الغربي وكل الكتابات الغربية حينما تتكلم عن أي شيء تتكلم عن مفهوم فحينما تقول الكتابات الغربية Concept of God بالنسبة لي فإن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة مطلقة، واستعمالهم كلمة مفهوم في هذا المجال لا يشككني أبداً لأنها حقيقة مطلقة، استعمالهم كلمة مفهوم موت الدماغ بوصفها موضوعاً جديداً لا يجب أن نجعله مجالاً للتشكيك، وأكرر ما ذكره زميلي: إن السعال والتقيؤ والمريض الذي اللهخذ للعملية وكان يسعل وتوفي بعد 15 ساعة كل هذه لا تتوافق مع الشروط لتشخيص موت جذع الدماغ، ولقد تكررت كثيراً كلمة موت جذع الدماغ بوصفه مفهوماً يعتمد على وسائل سريرية فقط; والوسائل السريرية تتعلق بمهارة الطبيب الذي يحاول اكتشاف هذه الأمور، فقد يتوجه إليها بعض الشك، إنما المفهوم المطبّق في المملكة العربية السعودية وهو (الموت الكلي لجذع الدماغ ويحتاج إلى وجود موت جذع الدماغ بالإضافة إلى فحوص دقيقة) أما الفحص عن طريق تصوير الشرايين، أو بتخطيط الدماغ الكهربائي فهذا أوثق وأشد دليل على وجود الوفاة.
أما عن قضية: أن اختلاف (البروتوكولات) يؤدي إلى الشك في المفهوم كله، فلا أظن أن أي شخص يعد هذا أمراً جدياً; لأن اختلاف الفقهاء في هيئة الصلاة وشكل الصلاة أو في وضعية اليدين في الصلاة لا يؤدي إلى الشك في حقيقة الصلاة نفسها وإنما هي وسائل للوصول إلى الأمر نفسه، أما قضية تغيّر الحقيقة باختلاف العمر; أو أن هناك (بروتوكلات) تتعلق بالأطفال تختلف عن (البروتوكولات) التي تتعلق بالكبار فهذا أمر واقعي وصريح حيث إننا في ممارستنا الطبية لا نعطي أدوية كثيرة للأطفال ونعطيها للكبار.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: تفضل يا دكتور رؤوف.(23/9)
دكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين، في الواقع هناك نقاط التقاء كثيرة جداً بين الدكتور خيري السمرة والدكتور صفوت لطفي وتوجد نقطة اختلاف واحدة; فالدكتور خيري فرق بين موت الدماغ والموت الكلي للجسم وقال: إن هذا غير ذاك، وقال: إن الروح لم تفارق الجسد في حالة موت الدماغ وبالتالي أعتقد أن الدكتور صفوت موافق على ذلك حسب كلامه أن موت الدماغ ليس هو الموت الكلي للجسم وإذا كان موت الدماغ مختلف عن الموت الكليّ هل سنقبله كموت أم لا؟ هذا سؤال يبقى مطروحاً علينا ولا بد أن نجيب عنه: هل يوجد نوعان من الموت؟ وإذا كان موت الدماغ غير الموت فلماذا نطلق على موت الدماغ أنه موت مع أنهما مختلفان؟ هذه القضية تفرق بين الحياة كوجود وعدم وبين قيمة الحياة، ومن الخطر جداً أن نقول: إذا أصبحت الحياة لا قيمة لها فإن الإنسان يكون قد مات لأن هذا هو الذي حدث فعلاً فقد تطور مفهوم موت الدماغ إلى موت جذع الدماغ.(23/10)
وبدأ الناس في الغرب يقولون if person without his brain is dead so person without his mind is dead, a person without feeling is dead: أن هذا لا وظائف له ومفقود منه الأمل فصار مثلما قال الدكتور خيري: هل نعدّ الشخص الذي لا دور له ومفقود منه الأمل، أو أن دماغه لا يعمل هل نعدّه ميتاً؟ وإذا كنا سنعد هؤلاء جميعاً موتى فمن باب أولى نعتبر Functionless body dead وأيضاً هذا harmless functionless body فإن harmful من باب أولى، وإذا كنا سنقول Functionless hopless ميت فإن هذا الكلام ينطبق على حالات كثيرة ولا ينطبق - فقط على - حالات موت الدماغ فأنا أعتقد أن المطروح أمامنا الآن هو أن نقرر: هل نحن عندما نتكلم عن الحياة والموت نتكلم عن الحياة من ناحية الوجود والعدم أو من ناحية قيمة الحياة؟! وما الوضع عندما نتكلم عن الحياة بدون قيمة في مرضى ميتي الدماغ وفي غيرهم؟! وأنا أعتقد أن الدكتور صفوت والدكتور خيري على ما يبدو أنهما متفقان على أن موت الدماغ مختلف عن الموت، وبالتالي فإن السؤال الذي يثور: إذا كانا هما أمران مختلفان فلماذا نعتبرهما أمراً واحداً وشكراً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور حمدي السيد تفضل:(23/11)
دكتور حمدي السيد: في الحقيقة أبدأ بشكري للدكتور صفوت لطفي على إصراره واهتمامه: بهذه القضية لأنه هو متبنيها منذ سنوات وأعتقد أنه كلف نفسه جهداً وعناءً ومالاً في سبيل الدفاع عنها، لكن المهم هو أنه لا بد وأن نقرر أن الدكتور صفوت لطفي أيضاً يؤمن إيماناً جازماً بعدم أخذ أي شيء من ميت سواء ميت دماغ أو غير دماغ وأعتقد أن هذه هي لب القضية، ولو قلنا: إن مريضاً مات منذ ست ساعات قد برد وأعوجت أنفه وانخسفت كل أجزائه وتحللت وأخذنا منه القرنية التي يحتاج إليها أكثر من مليون مواطن مصري، يقف الدكتور صفوت وزملاؤه ويقولون: حرام أن تعبثوا بالجثة، حرام أن تأخذوا منها جزءا ولو كان مليمتراً بعملية دقيقة جداً لا تترك أي تشويه ولا تُعيق شيئاً ولا تسبب شيئاً من أجل أن يعود للإنسان النظر. يقول الدكتور صفوت هذه المقولة، ويسوقون حديث كسر العظم والدّية إلى آخره.(23/12)
إذا قلنا: إننا نريد صماماً اسمه صمام الأورطي وهذا أصبح له ضرورة حيوية وماسة في علاج مرضى القلب وبالذات مرضى التشوهات الخِلْقية التي نأخذ الأورطي بالصمام لأجل أن نستبدله بالجزء الأمامي من عضلة البطين أو غيره، ونستطيع أن نأخذه بعد 12 ساعة، وإذا أخذنا الصمام وضعناه في سائل خاص لحفظه تظل خلايا هذا الصمام تنمو وتتجدد وفي هذه الحالة نأخذ هذا الصمام بعد موت الشخص موتاً كلياً ولم يستمر 3 أو أربع ساعات فقط وبرد جسمه، إذا طلبنا ذلك فإنهم يقولون: هذا حرام، علماً بأنه يؤخذ بموافقة أو بوصية أو بإقرار وليس به أي شبهة غير أنك ستعيد الإبصار لإنسان أو ستعيد الحياة لقلب مريض فهم يقولون: هذا حرام. أعتقد أن هذه القضية يجب أن تحسم أولاً. وأنا أعتقد أننا عندما راجعنا معظم من تحدثوا - باستثناءات قليلة جداً - من الفقهاء فإن الجميع يكادون يجمعون على أنه في مثل هذه القضايا يجوز أن تأخذ جزءاً من ميت مات وانتهى فعلاًو وبدأت أنسجته تتحلل، ولكن لا يزال به بعض الخلايا الحية التي لا يستفاد منها.
أما هؤلاء القلة فإنهم يقولون: بأن هذا حرام، وأنه تمثيل بالجثة. وأنا أقول: تسقط باقي الأعذار والدفاعات أمام هذه القضية; لأنه إذا كان هذا ما يؤمن به الدكتور صفوت ومعه مجموعة من الزملاء - وأعتقد أن ذلك عقيدة أو إيمان أو فكر ديني إسلامي - فسوف يبحث الدكتور صفوت ويبحث معه زملاؤه عن أي شيء يقف في وجه هذه القضية، والقضية ليست موت دماغ أو غير ذلك. القضية في النهاية أن هذه القضية مثارة لأنه أخذ من موتى أدمغتهم ماتت.(23/13)
الكلى أصبحت تُؤخذ من مريض مات يعني انفصل عنه الجهاز وتوقف التنفس، وتوقف القلب وليست جثة نابضة وبعدها بنصف ساعة تستطيع أن تأخذ الكلى، وفي حالات كثيرة جداً تصلح هذه الكلى للنقل ومع ذلك لا يُقْبَلُ هذا; لأنه في النهاية هو مساس بحرمة الميت، وهذا طبعاً رأي الدكتور صفوت لأنه - في آخر حديثه - تحدث عن أخذ الأعضاء بشكل عام، ولقد انتقل في هذا إلى أخذ العضو من إنسان سليم، ولقد أنفق الدكتور صفوت وقتاً وجهداً كبيراً لأجل أن يتابع حالات نقل الكلى من أحياء سواء كانت من أجانب أم من أمّ أو أب أو ابنه أو أخ أو أخته يريد أن يثبت أن فيه إصابة، وأن الرجل الذي أخذ الكلى يصلح حاله. إنما القضية تنطوي على شيء كبير جداً وأنا أعتقد أننا كأطباء من واجبنا أن نحافظ على الحياة، وأن نساعد مرضانا، وأنا عندي خطاب مؤلم مرسل من أحد المرضى يقول: أنا عمري 30 سنة وأعيش على الغسيل الكلوي وحياتي حياة قليلة جداً ولا أنتج فهل إذا أخذت كلى من أختي تبرّعَتْ بها لي هل هذا حلال أم حرام؟ في رأي د. صفوت وكثيرين معه أن هذا حرام. وأنا لا أرى أن في هذا أيّة حرمة من أي نوع أو شكل من الأشكال.(23/14)
أما الحديث عما يسمى بجذع المخ وهو ما قاله الدكتور شريف وما قاله أحد الزملاء في القاعة، فنحن - أيضاً - نمارس عمليات العناية المركزة منذ أكثر من 30 سنة ونرى حالات موت الجذع، ولكن لم نر ولم نقم بحالات نقل الأعضاء، ونبذل جهداً كبيراً، ولكن أذكر حضراتكم بأن مريض جذع المخ إذا استمر في إعطائه أحسن رعاية سواء أكانت من جهاز تنفس صناعي أم من أدوية تقوم برعاية القلب، فإن القلب يتدهور حاله خلال 10 أيام في أكثر من 90% من الحالات، ويتوقف إذاً جذع المخ عندما يمرض ولكنه لا يتوقف عن العمل وأداء وظائفه، ومهما كان جهد الأجهزة المنشطة للقلب أو التنفس فإنه في أكثر من 90% من الحالات ينتهي المريض خلال أسبوع بسبب فشل في كل أعضائه فيتدهور القلب وباقي الأعضاء، ونحن لا نعتمد - مثلما قال الدكتور خيري السمرة - على الوسائل التشخيصية المعقدة فإنك تشخص في معظم الأحيان مرض جذع الدماغ بالاختبارات السريرية الإكلينيكية وعندنا توقف التنفس وأعتقد أنه حساس جداً على ألا يكون الشخص متسمماً من أدوية أو غيره وأنك أعطيته وقتاً كافياً وكررتها مرتين وبين كل مرة ومرة ست ساعات. ومع ذلك فإن لم تفعل ذلك واستمررْت تعطي ما لديك، وتحجز سريراً، وتعذب أهل المريض ليل نهار يبكون أمام الحجرة منتظرين شيئاً، 10 أيام 15 يوماً، فإن النهاية حتمية; لأننا لا نستطيع أن نحفظ مريضاً بعد 10 أيام إلى ما شاء الله كما يقال: سنة أو سنتين أو ثلاثاً في موت الدماغ تستطيع في الحالة الخضرية نعم القشرة انتهى ومراكز الوعي انتهت لكن المراكز الأساسية بقيت لأن هذه المراكز الأساسية ليست فقط مسؤولة عن استمرار التنفس وليس فقط مراكز التحكم في ضغط الدم ولها وظيفة حماية. العديد من الأبحاث تقول: بأن وظيفة عضلة القلب تتدهور إذا وقف جذع الدماغ بعد 7 - 10 أيام على أقصى تقدير، وبعدها تتدهور العضلة وأنت تعطيها كل ما تريد من احتياجات ودعم ومن أدوية ومن أكسجين وضابط(23/15)
البول وكل شيء، إنما تتدهور هذه العضلة لأن هذه المراكز أيضاً بجانب استمرارها في التنفس وفي ضبط التغيرات فمهما بلغ جهدها وأدويتها فلن تستطيع أن تقوم مقام هذا الجزء المعجز من المخ; الذي يقوم بهذا العمل. الشيء الأخير الذي أريد أن أقوله: إذا كنا نتحدث عن وقف القلب والمخ فأريد أن أذكّر حضراتكم بأننا نجري عمليات جراحة القلب لمدة أربع ساعات عند درجة حرارة (20 إلى 22 درجة مئوية) وأحياناً نغلق الجهاز والماكينة وكل الأجهزة لمدة 20 دقيقة أو 30 دقيقة وأكثر من ذلك ونضع الثلج على المخ لكي نحميه، فإذا حميت المخ عاش المريض وإذا لم تحم المخ انتهى المريض ولن يكون هناك حياة فإذا أوقفت الحياة بتوقيف القلب بالساعات، وبتبريد الحرارة إلى ما تريد (20 ، 18 درجة)، ولمدة أربع ساعات أو خمس ساعات فإن الأمور تعود مرة ثانية ويعود المريض إلى الحياة، إذاً الحياة في رأيي مرتبطة بالدرجة الأولى بوجود حياة في المخ.
أما بالنسبة لقضية كون الإنسان مقيدا أو غير مقيد - مثلما قال الأستاذ الدكتور رؤوف سلام - فأقول بأن المخ لا شك أنه ذات الإنسان وشخصيته، وهو المهيمن على وظائف الجسم كلها، وإذا اعتمدت على حياة عضو فأقول بأن جلد المريض يبقى في حياة لمدة 24 ساعة ولو أخذت الجلد بعد 24 ساعة ووضعته فسوف ينمو وليس الظفر فقط. فهل معنى حياة خلية في إنسان أنه ما زال حياً؟ أو أن هذا الإنسان يمكن الإبقاء عليه؟ فنحن نعلم تماما أن الإنسان بلا وظيفة للمخ ليس مفيدا أو مضراً لعدم وجود المركز المسيطر على الأجهزة فإذا فشلت وظيفة المخ بالقطع واليقين بعد ساعة أو بعد خمس دقائق أو بعد يوم أو بعد أسبوع فالنهاية حتمية ومعروفة، وإذا أراد البعض أن يستفيد من هذا الوضع بأن يقول: لماذا لا نستفيد بعضو؟(23/16)
وكما سمعتم حضراتكم في قصة أمس أن أحد المصابين بحادثة موت جذع الدماغ يمكن أن ينقذ 6 أو 7 مرضى أو يمكن أن تعطيهم أملاً في حياة منتجة لمدد قد تطول أو تقصر بفضل إنسان واحد. والقصة التي سمعناها وقرأناها معاً بأن ولداً مات في حادث في صقلية وتبرع الأهل بأعضائه، وكان هذا دفعة شديدة لدى الناس. إن هذا هو العطاء الذي يمكن أن تنقذ به الآخرين. أرى أن هذه القضية لا بد أن نصل فيها إلى شيء مقبول; لأننا في مصر أكثر الناس تضرراً; لأنه لا يوجد قانون في مصر ومع الأسف الشديد فشلنا في أن ندخل القانون في مصر; لأن الناس عندما تهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور وبالجحيم الذي في انتظارهم يتوقفون، وفي بعض الأحيان يكون الخطاب حاداً جداً بمثل: أنت قاتل، أو: الطبيب القاتل، أو: الطبيب الذي يتحدى حياة الإنسان، والذي يجب أن يُقام عليه الحد، أي أننا سمعنا ألفاظاً حادة وجارحة. فَمَنْ المستعد بأن يقبل ذلك؟ لا يقبله ولا يحس به إلا الإنسان الذي عنده كارثة في منزله بخلاف غيرهم - خصوصاً المشرعين وما أكثرهم - عندما يقال له: إذا وقّعت هذا القانون خسرتَ دنياك وخسرت دينك، وأنت مهدد بالجحيم وأنت مهدد إلى آخره، وأصبحنا نرفع شعار التكفير، وشعار أنك خارج عن الملة، وأنك مفارق للدين، وهذه الطريقة خطيرة جدا في النقاش وأرجو ألا ينزلق فيها إنسان. نحن جميعاً مجتهدون، ونحن جميعاً نحاول أن نجتهد، وهذه أمور لم تكن موجودة أيام الشافعي، ولا أيام أبي حنيفة، ولا أيام الأئمة، هذه الأمور كلها مستجدة ولم يقم نص صريح يقول مخ أو غير مخ، علينا أن نجتهد وعلينا أن نراعي المصلحة، وحيثما توجد مصلحة أعتقد أنه يوجد شرع الله، وشكراً يا سيادة الرئيس.(23/17)
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور حمدي السيد وأرجو أن نحدد الأمر كما تفضل الدكتور حمدي; فلا نتكلم عن موت المخ وفي نظرنا نقل الأعضاء، لأن هذا موضوع مختلف تماماً وله أبعاد اجتماعية وهذا ناقشناه في انفصال كامل، ولي رجاء أن نتكلم كعلماء لكي نحدد عملية محددة: هل ميِّتُ جذْعِ المخ هناك أمل في رجوعه للحياة، أم أنه إنسان قد استدبر الحياة؟ رجاء لا نناقش موضوع زراعة الأعضاء لأننا ناقشنا هذا الموضوع قبل أربع سنوات، وفي ذلك الوقت طرحنا سؤالاً عن متى نوقف أجهزة الإنعاش؟ وقد وقف أمامه الأطباء يومها حائرين، ثم توصلنا إلى تحديد محدد لموت جذع المخ، وفي هذا تأكد لدينا بأنه قد استدبر الحياة ولن تعود الحياة له حتى لو كان عنده انعكاسات، وفي هذه المناسبة أحب أن أذكر بأن أول من اكتشف الكهرباء كان أحد الجزارين فكان ذاهباً ليبيع لحماً وسرت شحنة كهربية في الفخذ المعلق فتحرك فخذ الخروف المذبوح وكان معلقاً في المحلّ، ولاحظ شحنة كهربائية حركت العضلة، وأذكر أننا في الأضاحي كنا نذبح الخروف ونوزع اللحم وعندما نضع الفخذ في القدر يتحرك بعد ساعتين من ذبحه فأرجو أن نفرق لأننا نتكلم عن استدبار الحياة، وهل هناك أمل بأن تعود الحياة العادية؟ هذا هو السؤال وليس لنا سؤال آخر، ونحن كأطباء علينا مسؤولية فيجب أن نكون حازمين في هذه الأمور فنتكلّم بشيء محدد، فهل إذا تأكدنا من موت جذع المخ بالوسائل المعروفة (الإكلينيكية) وغيرها هل يعود الإنسان للحياة؟ هذا هو السؤال.(23/18)
أما قضية أخذ الأعضاء فرجاء ألا ندخل في أسئلة مع بعض لأن هذا يثير انتقالاً عاطفياً إلى العملية ونحن نتكلم بالحقيقة العلمية، ويجب على كل الأطباء أن يكونوا مطمئنين; هل يوقفوا هذا الجهاز أم لا؟ هذا السؤال هو الأساس، وأنا أعلم أن الدكتور صفوت والدكتور حمدي من الخطباء الجيدين ولا نريد أن نخلط لأننا حضرنا لكي نستكشف حقيقة واحدة فقط; هل هناك أمل في أن يعود ميِّتُ جذعِ المخّ للحياة؟
لقد كنتُ في مؤتمر (سان فرانسيسكو) قبل شهر، ووقفتُ أمام كل الأطباء المشككين; فمنهم من ذهب إلى اليمين ومنهم من ذهب إلى اليسار، والذي لم يعترف بالموت، وقال: بأنه لا يوجد شيء اسمه موت أصلاً، وقال بأن الموت نمط من أنماط الحياة، وسألتهم سؤالاً يخص مسؤوليتنا كمسلمين، لأن ربنا يعاقبنا فنحن نخاف الذنب، وأنتم لا تخافون، فهل لديكم - في الحالات التي عرفتوها - حالة واحدة مات فيها جذع المخ وعادت لها الحياة؟، ولو كان واحداً بالمليون فسوف أطرح الشك فيه - وقد كان معي الدكتور حسان والدكتور حسن حسن علي - فقالوا جميعاً لم نجد أيّة حالة، ولم نسجل أية حالة - من حالات موت جذع المخ عادت للحياة.
وقد دعوت لهذه القضية قبل 10 سنوات وأدعو لها الآن رغم المشككين، وسألت المشاركين واحداً واحداً، فقالوا لي: بأنه لا توجد حالة واحدة مسجلة قد شخصت تشخيصاً أكيدا بأنها موت جذع المخ وعادت للحياة، ونحن هنا ننقل بأمانة ما حدث.(23/19)
ولقد قابلت الدكتور صفوت منذ 10 عشر سنوات تقريباً في الجمعية الطبية بمصر، وذكر كلاماً وبدأ الشك عندي في ذلك الوقت، وحاولت أن أبحث عن الحقيقة، والآن بدأت القضية تأخذ بعداً جديداً غير الحقيقة، فالمفروض ألا أربط هذه القضية بتجارة الأعضاء; لأن هذا موضوع جريمة وقانون وحكم، وأرجو أن يكون التحقق من: هل هناك حالة واحدة ثبت جزماً بأن جذع المخ قد مات ورجع للحياة؟ هذا هو السؤال. أنت رجل على حق ونحن كلنا على خطأ فأرجو أن يكون هذا نقاشنا ولا نخرج عن موضوعنا، وعندنا 10 اشخاص وسوف نعطي كل واحد حقه. وعندنا ساعة وأكثر من الوقت والكلمة الآن للدكتور حسن حسن علي تفضل:
الدكتور حسن حسن علي: بسم الله الرحمن الرحيم أوجه الحديث إلى الدكتور صفوت لطفي وكما ذكر الدكتور خيري السمرة في أنه استغرق ثلاثة أيام لقراءة بحثه بينما أخذت أنا ثلاثة أسابيع للقراءة ومعاودة القراءة مرات ومرات وللأسف تأثرت وكدت أبكي لأن ما رأيت في هذا البحث يفتقد تماماً إلى الحقيقة وتألمت كثيراً لما ذكر عن شحن ألوف الأطفال إلى الولايات المتحدة لقتلهم ونزع أعضائهم وإعطائها المحتاجين لزراعة الأعضاء ولو أن هذه النقطة ليست نقطتي ولكن نقطتي هي ما لحظته على ورقة الدكتور صفوت وما كرره طوال اليوم بقراءته الخاطئة والتي لا تتوافق مع الحقيقة، إنني أعيش في إنجلترا والولايات المتحدة الأميركية منذ 32 عاماً وهؤلاء الناس يتمتعون بأخلاق عالية ووددت أن نتحلى نحن المسلمين بمثل هذه الصفات والأخلاق فَهُمْ يعاملون مرضاهم بطرق مثالية ويفرقون بين الحقيقة والوهم.
وأذكر الشيخ محمد عبده رحمه الله حينما سافر إلى فرنسا في بعثته وعاد إلى مصر فسألوه: ماذا رأيت في باريس؟ قال: رأيت إسلاماً بدون مسلمين، وكيف رأيت مصر عند عودتك إليها؟ فقال رأيت مسلمين بدون إسلام.(23/20)
وهذه حقيقة هامة أن نلتزم بوضع الحقائق ونبينها ونثبتها للآخرين. الدكتور صفوت لطفي زميل لي - وكما يبدو بأنه كان يقرأ الأبحاث بطريقة مغايرة ولكن عباراته تؤدي إلى الشك لأنها لا تقول ما يجب أن يقال; فعلى سبيل المثال ذكر بأن اليابان والدانمرك لا يجري بهما عمليات زرع أعضاء ولا يأخذون بموت جذع الدماغ بينما في عام 1990 اللهجري في اليابان استطلاع للرأي عن التبرع بالأعضاء يتبين فيه اهتمام 51% من الناس بزراعة الأعضاء مقارنة بـ 41% في عام 1982. إن اليابان تفتقر لنظام يوفر معلومات كافية ودعم نفسي واجتماعي للمرضى والعائلات التي تواجه صعوبات في تقبل القرارات الطبية. فإقرار الموافقة - مع العلم - غير معروف في اليابان مما يجعل عملية تفهم ما يجري للمريض الذي يعاني سكرات الموت أمراً في غاية الصعوبة وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم زراعة الأعضاء.
إن افتقاد الدعم من المستشفيات في اليابان يعود جزئياً لكون مفهوم الموت شأن عائلي بحت في التقاليد اليابانية. ورغم أن اليابان يسود فيها نظام الاستماع للرأي العام لكن في النهاية فإن من يقوم بأخذ القرارات المهمة هم قلة من المحترفين المخلصين. فالبناء المادي المنتظم هو أساس أخذ القرارات المهمة والكل يتأثر ويطبق آراء وقرارات الآخرين إلا في قطاع الخدمات الطبية فهناك حاجة لإنشاء نظام من التبادل الحر للمعلومات بين الأطباء والمجتمع وكذلك تسهيل وصول العامة للمعلومات الطبية والتي بدونها لا يمكن لأفراد المجتمع الوثوق بالأطباء لأخذ قرارات مهمة.
ورغم أنهم قاموا بإيقاف برنامج زراعة الأعضاء من 1991 إلا أن هناك قرارات قادمة قريبا لإيجاد الصيغ القانونية المناسبة لمفهوم موت الدماغ وقد سجل هذا في مؤتمر سان فرانسيسكو في نوفمبر 1996، وهناك أحداث مشابهة تحدث في الدانمارك، وهي من البلدان التي ذكرها الدكتور لطفي في الفقرة الثانية من محاضرته.. هذه هي النقطة الأولى.(23/21)
النقطة الثانية: يهمني أن أشير إلى أنه ليس حقيقيا وجود فروقات في معايير الموت الدماغي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول الأوروبية. فالكل يوافق على المعايير وأعتقد أن المراجع المذكورة في ورقة الدكتور لطفي هي مراجع قديمة ولا يمكن تطبيقها في وقتنا الحالي.
النقطة الثالثة: والتي ذكر أنها نقطة خلاف بين الأطباء، وهي تخص فحص انقطاع التنفّس، أنا لا أعتقد أنها نقطة خلاف وهي مجرد نقاش صحي في الحقل الطبي، وفروقات لا تذكر ولا تأثير له على النتيجة النهائية لتقبل فحص انقطاع التنفس.
أما المرجع الخاص ـ acoustic evoked potential? والذي ذكر من قبل الدكتور لطفي فهي أمور لا يمكن تطبيقها أيضا.
هناك نوعان من الفحوصات التأكيدية المقترحة لتأكيد الموت الدماغي وهي: قياس جريان الدم في الأوعية الدموية الدماغية بواسطة أشعة الشرايين أو النظائر المشعة، أو المسبار فوق الصوتي، ولا يوجد تناقضات أو خلافات تخص هذه الفحوصات كما اقترح الدكتور لطفي، والتوصيات باستعمال أي منها أو اقتراح الجديد منها يعود لسهولة استخدام الجديد، وتحسن التكنولوجيا المستعملة فيه كفحص النظائر المشعة باستخدام Xenen مع الأشعة المقطعية للدماغ، والتقارير تفيد باستمرار التطور في استعمال الأجهزة دون الاستغناء عن الفحوصات الأخرى.
وفي المرجع الذي أشار إليه الدكتور لطفي (Pittes&Caronna) لم يذكر أن وجود السعال والانعكاس البلعومي القيئي لا يمكن لها نفي تشخيص الموت الدماغي، ولكن ذكر أن هذه الانعكاسات كانت غائبة في المرضى الذين تحققت فيهم معايير الموت الدماغي المتعارف عليها ومن ضمنها تخطيط الدماغ الكهربائي لمدة 24 ساعة، والغيبوبة العميقة وفحص انقطاع التنفس. وقد تم تقييم وجود هذه المعايير كمقاييس لتحديد المرضى الناجين، هذا ما قاله كارونا Carona? وبيتز Pittes في ورقتهما العلمية.(23/22)
ولإجابة الدكتور لطفي عن قضية الحموضة في الدم وتأثيرها على الانعكاسات الحركية وتغييرات الدورة الدموية، أحب أن أذكر الدكتور لطفي بظاهرة اسمها automatic hyperflexia (زيادة انعكاس الجهاز العصبي الذاتي)، هل حاولت يا دكتور لطفي تخدير مريض مصاب بشلل رباعي تحت مستوى الفقرات العنقية الثالثة إلى الخامسة، ماذا تتوقع عندما تبدأ الجراحة في ذلك المريض - في مريض فُصِل الحبل الشوكي عنده تماما عن المخ؟
الدكتور صفوت لطفي: هذا ما تقول عنه "hangman’s fracture" يحتاج تخدير وهنا لو طبقنا نفس المعايير، يكون موت جذع الدماغ مريض "hangman’s fracture" - وكلاهما حي.
الدكتور حسن علي: ولكنني أسألك عن مريض مصاب بقطع للنخاع الشوكي عند مستوى 3 - 5 كيف يمكن أن تعالج هذا المريض؟ ماذا تتوقع؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها لهذا المريض؟
الدكتور صفوت لطفي: ببساطة لأن هذا المريض حي ولكنه مصاب بالشلل.
الدكتور حسن حسن علي: أما بالنسبة لوجود هرمونة الغدة الدرقية والهيبوتلمس. لقد أجرى الدكتور سوجوموتو عام 1992 ولا حظ وجود موت موضعي شديد يحل بالهيبوتالمس بعد ستة أيام من التأكد من موت الدماغ وأوضح بعد وجود تغذية للدماغ من هرمونات البنكرياس ولا الأمعاء ولا الغدة الجاركلوية وهذا لا يعني بأن الدماغ يفرز هذه المواد.
بعد وفاة الدماغ فإن درجة حرارة الجسم تنخفض ورغم محاولاتنا تدفئته فإن الجسم يبقى بارداً، فماذا تعتبر المريض الذي تنخفض درجة حرارته حتى 158م هل تعتبر هذا الشخص ميِّتاً؟ المريض الذي تجرى له عمليات في القلب نوقف قلبه لمدة تتراوح بين 54 - 60 دقيقة هل هذا المريض ميت؟.(23/23)
الدكتور صفوت لطفي: يا سيدي الفاضل كل الذي تتكلم عنه مظاهر في إنسان حي. ولو وقّفتَ قلبه وبقيت أعضاؤه تعمل فهو حي، ولو وقف مخه وبقيت أعضاؤه تعمل فهو حي. إن ما تتكلم عنه هو معايير وكلها تخص موت جذع الدماغ وتقسيمة الثلاثة هذه لستُ صاحبها، أنا لم أكتب ولا يوجد حرف منسوب لصفوت حسن لطفي وهذا موجود في هارلي 1996م.
الدكتور حسن حسن علي ماذا تقصد بهارلي؟ هل هي مجلة أم صحيفة سيارة؟
الدكتور صفوت لطفي: هارلي، المؤلف موجود في:
the book of A B.C of brain death 2nd ed UK., 1995
الدكتور حسن حسن علي: هذا لا يعتمد عليه
الدكتور صفوت لطفي: إذا كان الكتاب لا يعتمد عليه، والدين لا يعتمد عليه، وعلم الحياة لا يعتمد عليه، و......
الدكتور عبدالرحمن العوضي: رجاء لقد دخلتم في حوار، بعد ذلك افعلوا ما تريدون، أما الآن فنريد أن ننتهي، أمامك 5 دقائق على الأكثر.
الدكتور حسن حسن علي: دقيقة واحدة لو سمحت:
المرجع رقم 25، 26 قُرئت خطأ من الدكتور لطفي الذي فسَّرَهما على أنهما تشخيص خطأ لموت الدماغ. وممفرد لم يقل أبداً أنهما شخصا خطأ موت الدماغ. ولكنهم قالوا: إن هذا المريض لا يحتاج إلى عناية مسبقة ولم تطبق عليه معايير موت الدماغ ولذلك عومل على أنه مصاب بغيبوبة مؤقتة أو يمكن استرجاعه. Reversible Coma ورقتان ذكرتهما على أنهما موت للدماغ ولكنهما لم يشخصا موت دماغ ولكنهما كانا مصابين بـ Guilliam barre syndrome. ولذلك أنصح الدكتور لطفي بقراءة متأنية للأبحاث.
كما أنصحك بدراسة متأنية لتقرير الـ B.B.C عام 1990 وهو تقرير خاطئ وعليك أن تحلله بعناية فائقة.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً عندنا متكلمين تقريباً 8 غير الدكتور صفوت رجاء كل واحد خمس دقائق. الدكتور أحمد القاضي:(23/24)
الدكتور أحمد القاضي: الحمدُ والصلاة والسلام على رسولالله، وبعد، فإن من بين البحوث التي وزعت علينا قبل المؤتمر بحث مكتوب باللغة العربية من الدكتور لطفي بعنوان [أسباب تحريم نقل وزراعة الأعضاء الإنسانية] وأحد الأسباب التي ذكرت لتحريم الزرع أو النقل، ملكية تعالى للأعضاء; فالأعضاء التي عند الإنسان ملك ُ سبحانه وتعالى، وبذلك لا يحل التصرف في هذه الأعضاء سواء أكان الإنسان حياً أم ميتاً. هذه حقيقة متفق عليها أقصد ملكية سبحانه وتعالى للأعضاء، وهذا اجتهاد من الدكتور صفوت مأجور عليه، ولكن الاستنتاج الذي وصل إليه - بناء على هذه الحقيقة - أظن أنه خاطئ; فإن ملكية للأعضاء تشمل كل شيء عند الإنسان; أعضاؤه ودمه ومخه وفكره وماله والحليب في ثدي الأم المرضعة، وهذه الملكية المطلقة لا تمنع الإنسان من حقه في أن يَهَبَ أو يبيع وقته أو جهده أو دمه أو حليب الأم بالنسبة للمرضعة. إذاً فحقيقة ملكية تعالى للأعضاء أو لكل الإنسان لا تتعارض بالمرة مع جواز التصرف فيها بل هذه من الأمور الطيبة الكريمة; فللإنسان أن يعطي من وقته أو دمه.
الحقيقة الثانية: هناك اجتهاد خاص كذلك; ففي الكتاب نفسه ذكرت كلمة التحريم القطعي أعني تحريم ونقل وزرع الأعضاء تحريماً قطعياً، هذا بالنص من الكتاب، وعلى افتراض صحة رأي الزميل الفاضل فنرى علماء - كثيرين - ممّن يؤيدون هذا الرأي - يقولون بحل النقل والزرع بحسب القاعدة الأصولية، إذاً فهذا الأمر خلافيٌّ على أفضل الظروف، وإذا حرّمناه على سبيل القطع فمعنى ذلك أننا نحرم حلالاً، وعند الأصوليين (تحريم الحلال أسوأ أو أشد ذنباً من تحليل الحرام) وأظن أن هذا عندما يدخل في بحث دكتور صفوت وعندما يذكر على الملأ وفي وسائل الإعلام المختلفة فإنه يخالف النصوص والأصول الشرعية.
أما عن المراجع التي استعملها الدكتور صفوت فأنا متفق مع الدكتور حسن على أن هناك كثيراً من عدم الدقة في استعمال هذه المراجع شكراً.(23/25)
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: اجلسوا مع الدكتور صفوت وتناقشوا معه.
الدكتور صفوت لطفي: ارجعوا إلى الكتيب الذي أرسلته المنظمة وهو Abstract والحمدُ أن فيه أكثر من الذي أقوله بعشرات المرات.
الرئيس: شكراً يا دكتور، الدكتور حسان تفضل:
الدكتور حسان حتحوت: بسم الله الرحمن الرحيم. أود أن استسمح الرئيس في أن ألمس موضوعاً نهى عنه، وهو (موضوع زراعة الأعضاء) ما دام له دخل مباشر أو غير مباشر بهذا النقاش الحار والذي أرجو أن يكون مخلصاً، ومن كل الأطراف. أقبل من الأخ الدكتور صفوت لطفي أن يقول: إنني أرى تحريم زراعة الأعضاء وأقبل منه أن يقول: إن زراعة الأعضاء محرمة; لأن هذا أمر نختلف فيه، وقد بحث وطبقت عليه القواعد الأصولية والفقهية، وكان هناك إجماع على أن جسم الإنسان له حرمته حياً وميتاً، إلا أننا أيضاً أعملنا قاعدتين فقهيتين هناك أمام حضراتكم آية من آيات القرآن الكريم على الحائط: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}. ولا أتصور أقرب إلى إحياء نفس من تزويدها بعضو، لأنها إذا لم تجده فهي للموت سائرة وما دام هذا النقل لا يضر المعطي حياً أو ميتاً، وهناك القاعدة التي تقول [الضرورات تبيح المحظورات]، وإذا كان هناك شيء ينقذنا من الموت فإنه يُنزَّل منزلة الضرورة ولهذا يباح، وهناك قاعدة أصولية أخرى تقول [الاختيار بين أخف الضررين إن لم يمكن دفعهما معاً]، فهناك ضرر إذا أَخذتَ كُلْوةً من حي أو ميت; لأن فيه استباحة حرمة الجسم، ولكنْ هناك ضرر أكبر في ترك مريض محتاج إلى كُلوة معرَّضٍ للموت، فهنا تطبق القاعدة الشرعية التي تقضي أن اختيار أخف الضررين يكون في نقل عضو إلى مريض يحتاج إليه بصورة ماسة.(23/26)
ثم أود أن أشير إلى أننا نبحث موضوع موت المخ - كما تفضل السيد الرئيس - مستقلاً تماماً عن موضوع زرع الأعضاء، وهذا الموضوع مهم في حالين الأولى: زرع الأعضاء، والثانية: إيقاف الأجهزة حتى لا تقع في محظور عند تناول ميت الإنعاش الصناعي، ويستمر لذلك أياماً، والشخص قد مات فعلاً وودع الحياة ولهذا فالموضوع مهم في الحالين، وهنا أود أن أذكر لحضراتكم قاعدة شرعية أخرى، وهي: أن العلاج - إذا قرر أهل العلم أنه ميؤوس منه - يكون الكف عنه فريضة; أي أنك إذا قررت طبياً - بحكم الطب الممارس اليوم، وبحكم ما نعرفه من أسراره ودقائقه في بلدنا - بأن العلاج ميؤوس منه فإن الكف عن هذا العلاج يكون ضرورياً، وبالتالي ففي وسعك شرعاً أن تنزع الأجهزة دون أن تكون قد قضيت على الميت; لأن المحظور هو أن تعطيه شيئاً ليموت ولكن أن توقف علاجاً ميؤوساً منه فهذا في نطاق الشرع، والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكرا للدكتور حسان. الدكتور محمد البار تفضل:(23/27)
الدكتور محمد البار: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ رب العالمين شكراً لسعادة الرئيس أولاً، ولو سمحتم أريد أن أنبه على كلمة المخ التي تستخدم كثيراً: ما المقصود بالمخ؟ يقصد به الدماغ وهناك فرق بين الدماغ وبين المخ وربما يكون هذا سبباً للإشكالات في بعض الأحيان حتى بعض المراجع تتحدث cerebral death وهو موت المخ ولا يعني ذلك موت الدماغ، فالمخ يشمل جذع الدماغ والمخيخ وأشياء أخرى كثيرة جداًو فلا بد من توضيح هذه النقطة لأنها تسبب الالتباس في بعض الأحيان فهناك بعض الأشخاص يتكلمون عن موت المخ وهم يقصدون موت الدماغ، وبالعكس يتحدّثون عن موت الدماغ وهم يقصدون موت المخ فقط، أو المناطق المخية العليا فقط، وقد كان هذا واضحاً في بعض الأبحاث، وخاصة بحث الدكتور صفوت لطفي عن الحالات التي استعادت الحياة، وهذه الحالات كلها هي ما يتفق بتسميتها الحالات النباتية المستمرة أو Persistant vegetative state وكما أشار كثير من المعلقين على أنه لم توجد حالة واحدة شُخِّصت بموت الدماغ تشخيصاً كاملاً بشروطه الكاملة واستعادت الحياة مرة أخرى، فهذا أصبح شيئاً مفروغاً منه، وكل القضايا الأخرى التي تثار من حين لآخر حول الإفاقة لأشخاص توفوا دماغياً غير صحيحة على الإطلاق، وإنما هي لأشخاص ربما أصيبت المناطق المخية العليا وهو ما يسمى المخ وليس الدماغ الذي يشمل كل ذلك.(23/28)
وفي الحقيقة فإن الأبحاث قد تشعبت وذكرت موت الدماغ مع زرع الأعضاء، وقد أوضح لنا معالي الرئيس تماماً أن موضوع زرع الأعضاء قد بحث بحثاً طويلاً جدا ليس فقط في المنظمة هنا، ولكن أذكر أن مجمع الفقه الإسلامي اجتمع ثلاث مرات - وهو يمثل جميع الدول الإسلامية 44 دولة اشتركت في مكة المكرمة ويضم نخبة كبيرة من علماء العالم الإسلامي - وبحث هذا الموضوع، وفي كل بلد من البلاد الإسلامية ولقد جُمعتْ هذه الفتاوى التي نشرت منذ سنة 1951، بل إن هناك فتاوى من حوالي ألف سنة; وذلك حينما تحدث الإمام النووي عن زرع عظم بعظم ووصله، وكان الأطباء يصلون العظام التي لا تجبر; فتحدث عنها في باب النجاسة وأباحها، ولا أريد أن أدخل معكم في تفاصيل ذلك، ويعلق عليها دكتور الشربيني وهل تكون من إنسان أو غير إنسان؟ وأباحوا ذلك إذا كان لضرورة وقرر ذلك طبيب مسلم عدل إلى آخر هذا الكلام وهو مقرر في كتب الفقه من قديم: في الحقيقة لا بد أن نترك الأمر لذوي الاختصاص، وهم منذ سنين كثيرة يبحثون هذا الأمر، وموضوع كسر عظم الميت بحثه (ابن رشد) من قديم وقال: «من مارس التشريح فقد ازداد إيماناً بالله»، وبحثه الإمام الشافعي وقال: «العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان»، وعلم الأبدان الشرط فيه التشريح وهو موضوع واسع جداً في هذا الباب ولا أريد أن أناقشه لكن لا بد أن يطرق هذا الباب. وعند ذوي الاختصاص هناك مئات الفتاوى، وعشرات من رسائل الدكتوراه من الجامعات الإسلامية في موضوع زرع الأعضاء بالذات، فزرع الأعضاء في الحقيقة استوفى دراسته من أهل الاختصاص دراسة كاملة على الأقل في الـ50 سنة الماضية، وهذه الدراسات موجودة ورسائل الدكتوراه موجودة ورسائل الماجستير موجودة، ونستطيع أن نعطي الأخ الأستاذ الكبير مجموعة كبيرة من هذه المراجع التي يحب أن يرجع إليها.(23/29)
أما بالنسبة لموضوع الموت، وتعريف الموت فإن التعريف الشرعي يختلط لدينا بالتعريف الطبي، فالتعريف الشرعي هو: مفارقة الروح للبدن، وما هي الروح؟ إن كنه الروح مجهول تماماً لدينا نحن علماء الإسلام. وحديث الرسول (() وآيات القرآن الكريم والمفسرون كذلك يقولون: إن الجنين لا تنفخ فيه الروح قبل 120 يوماً وما قبل ذلك، ويتساءل ابن القيم: هل الجنين قبل نفخ الروح كانت فيه حياة؟ يقول: نعم كانت فيه حياة بنموه والاغتذاء فلما نفخت فيه روحه انضمت إليه حركته الحسية وإرادته، ويقرر ابن حجر العسقلاني نفس الكلام في [فتح الباري]، وأجمع الفقهاء إجماعاً على أن الجنين قبل نفخ الروح كانت فيه حياة ولكن هذه الحياة لا تعطيه الحياة الإنسانية، بل استقر رأي الفقهاء جميعاً على أن هذا الجنين بعد أن يولد لا يحكم له بالحياة إلا إذا استهل صارخاً، واستدل على ذلك بحديث للرسول ((): «لا يرث الجنين حتى يستهل صارخاً» ويقول الإمام مالك إمام دار الهجرة: إن هذا الجنين لو تحرك أو بال أو تنفس أو رضع لا يحكم له بالحياة إلا إذا استهل صارخاً وقد نوقش في هذا كثيراً جداً ونازعه في ذلك أهل الفقه، ولكنهم اتفقوا جميعاً على أنه لو تحرك أو بال لا يحكم له بالحياة.(23/30)
ثم ناقش الفقهاء مناقشة طويلة ما يسمّى حركة المذبوح وهو: إذا فقد النطق والإدراك والإحساس اعتبر أنه قد وصل إلى حركة المذبوح، وحركة المذبوح لا اعتبار لها عند هؤلاء الفقهاء على الإطلاق، حتى لو كان دمه يدور في شرايينه، فلو افترسه وحش وأخرج حشوته ثم جاء شخصٌ آخر فوقف عليه وقتله لا يعد الآخر قاتلاً إنما يعذّر فقط لأن القاتل الحقيقي هو ذلك الحيوان المفترس، مع أن ذلك الرجل لا يزال يتنفس ولا زال الدم في أعضائه، بل وصل الأمر بابن القاسم - أحد كبار العلماء من المالكية - أن يقول: إن عمر بن الخطاب عندما طعن; طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وسقاه الطبيب لبناً فخرج من أمعائه من مكان الجرح كانوا يعدونه ميتاً وهو يتكلم ثلاثة أيام، أي أن عمر بن الخطاب كان يتكلم، ومع ذلك اعتبره بعض فقهاء الإسلام - وليس كلهم - ميتاً، ولو قضى عليه آخر ما اعتبر قاتلاً، ولو مات لعمر مورث ما ورثه عمر، وهذا منصوص عليه في كتب الفقه.
أما أن نعتدي على الفقهاء ونتحدث باسم الفقه، وباسم الدين ونحن لا نعرف الفقه ولا ندرس الفقه فهذا خطأ كبير جداً في الفتوى، ولا بد أن نترك الأمر لهؤلاء الفقهاء، والمنظمة قد جاءت بالفقهاء عدة مرات وكذلك مجمع الفقه الإسلامي، وإذا كان لدى أحد سؤال فليذهب إلى العلماء وإلى الفقهاء ويسألهم {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وكتب الفقه موجودة، وتتحدث أن هؤلاء الفقهاء حددوا خروج الروح فمتى حددوها؟ ما حدّد أحد من هؤلاء الفقهاء بل إن الدورة الدموية لم تذكر قط - في أي كتاب من كتب الفقه، وكذلك نبضات القلب كعلامة من علامات الموت، فعلامات موت الجسد انخساف الأنف، وتدلي الخصيتين، وهذه علامات الموت عند الفقهاء كما كانوا يعرفونها بل تحدث ابن عابدين - وهو من المتأخرين جداً - من أن الذين كانوا يصابون بالسكتة ويموتون بها يكونون أحياء، وقالوا بأنه لا يوجد من يشخصهم.(23/31)
وإذا اعتمدنا على تشخيص الفقهاء في ذلك فإن كثيراً من الأطفال سوف يحكم عليهم بالموت أولاً، وكذلك كثير من الأشخاص مثل: عمر بن الخطاب الذي أصيب بجرح في بطنه وهذه الأحكام تتغير بتغير الزمان لزيادة المعلومات، ثم لا بد من الرجوع إلى أحكام الفقهاء ودراسة هذه الأقوال دراسة علمية منضبطة، وقد ألف (أبو الدية) كتاباً فيمن عاش بعد الموت وذكر عشرات الأشخاص الذين عاشوا وشخوصهم ميتة وسماه «كل من عاش بعد الموت». فقضية حركة المذبوح والجنين بعد الولادة ونمو الأظافر وغيرها معروفة جداً - كما ذكر سعادة الرئيس نفسه بأن الشاة بعد سلخها تتحرك - والذين يحكم عليهم بالقصاص بالسعودية بعد أن ينفذ القصاص نرى هذا الشخص يتحرك وقلبه لا يزال ينبض فهل هو حي أو ميت بعد أن تَفْصِل المقصلة رأسه من جسده ويظل ينبض 20 دقيقة بعد الشنق فهل هذا حي أم ميت؟ فالحياة ليست مرتبطة فقط بكون هذا العضو يعمل أو لا يعمل، أو بقية من خلايا هذا الجسم لا تزال تعمل بدون شك وكما ذكر أحد المعلقين بأن الجلد الحي يستمر 24 ساعة والعظم يستمر 48 ساعة ويمكن أن تبقى القرنية 12 ساعة فهذه الأعضاء لا تزال حية ولا تموت كلها دفعة واحدة، فلا بد أن نفرق إذاً بين موت الإنسان كإنسان، وبين الكائن الحي ككائن حي، وبين موت أعضائه أو موت خلاياه فقد تبقى الخلايا مئات السنين عندما نضعها في مختبر، وتبقى الحيوانات المنوية حية، وبالنسبة للجنين فإن اللقيحة الجاهزة تبقى حية عشر سنين أو أكثر فهذا بقاء الإنسان بعد موت الإنسان ككل أي بقاء خلاياه، ولا يعني ذلك أنه حي.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: الوقت:(23/32)
الدكتور محمد البار: هذا ما أريد أن أقوله، لي نقطة واحدة وهي التحلل; هل ينبغي أن يتحلل جسم كل من يموت؟ هناك أحاديث صريحة وصحيحة بأن الشهداء والأنبياء لا تتحلل أجسامهم وأن النبي صلى (ُ عليه وسلم حي في قبره هل هذه الأشكال الحية تدخل فيه هذه المسائل؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً يا دكتور: الدكتور عدنان خريبط:
الدكتور عدنان خريبط: بسم الله الرحمن الرحيم في الواقع عندي نقطة صغيرة إن شاء الله لن آخذ من الوقت كثيراً، في ورقة الدكتور صفوت في صفحة رقم 3 النسخة الإنجليزية يقول: ثبت مؤخراً أن جهاز رسم المخ الكهربائي غير مناسب لتشخيص موت جذع الدماغ وقد نشر هذا عام 1985.
ولكن في عام 1992 نشر العديد من الأبحاث التي توصي باستخدام جهاز رسم المخ الكهربائي مع Evoked potential كأدوات مساعدة إضافية إلى التشخيص الإكلينكي للتأكد من النتائج.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور عدنان وأرجو أن من يتكلم يذكر ما هو تخصصه حتى يعرف الإخوان ذلك، الدكتور عدنان: فسيولوجيا الأعصاب، دكتور محمود كريدية يتفضل:(23/33)
الدكتور محمود كريدية: دكتور أعصاب في بيروت وفي جامعة كاليفورنيا، في الحقيقة إن ملاحظاتي على النقاش أننا بحاجة إلى تحديد قياسات الممارسة للطبيب المسلم حول تحديد الموت لأن أهم ظاهرة في هذا النقاش أن عدداً كبيراً من الملاحظات لا يلتزم بقياسات الممارسة; سواء السعال أو سواء انعكاسات النخاع الشوكي أو تغيرات الانعكاسات اللاإرادية أو حرارة الجسم وهلم جرا، فقد يكون هناك حاجة ماسة، وقد يكون هذا الاجتماع محطة أساسية لتحديد قياسات ممارسة، وفي الورقة التي سوف أقدمها في الغد إن شاء اللهُ سأتحدث عن قياسات الممارسة التي أقترحها للطبيب المسلم حول تحديد الموت. وفي الحقيقة فإن النقاش الذي قدمه الدكتور صفوت لطفي هو نفس النقاش الذي يقدمه كل مواطن أو كل أهالي المرضى الذين نعالجهم سواء في وحدة العناية المركزة أو خارجها، وكذلك دار نقاش كثير بين الأطباء حول قياسات الممارسة لتحديد الموت في موضوع الأطفال، وهناك اتجاه حديث إلى اعتبار قياسات الممارسة لتحديد الموت عند البالغين هو ذاته عند الأطفال وليس هناك فارق كبير سواء بالنسبة للخدج أو لحديثي الولادة.
أما بالنسبة لاستحضار الأطباء النفسيين لأهل المرضى فهذا موضوع طبيعي جداً، لأنّه بعلم النفس تحدث إحدى الردات وأحد المشاعر بعد وفاته مثل نكران الموت فلذلك نحضر طبيباً نفسياً حتى يعالج أهل المريض، بالنسبة للتغيرات الهرمونية وعندما ندرس practice parameters نجد قد يكون تصحيحاً لـdiabetis incibedis الذي يخرج من posterior pitutery التي من صلب الدماغ إذاً الحاجة ماسة، وقد يكون هذا الاجتماع أحد المحطات لتحديد قياسات الممارسة لتحديد الموت عند الطبيب المسلم وإن شاء الله نصل إلى حل لهذه المشكلة وشكراً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور محمود كريدية... دكتور سهيل الشمري يتفضل.(23/34)
الدكتور سهيل الشمري: بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. دكتور سهيل الشمري عضو هيئة تدريس بجامعة الكويت إخصائي أعصاب: في الحقيقة أعتقد أن هذا المؤتمر قد أتى في وقته لأن الضجة التي أثيرت في مصر - للأسف - انعكست على الكويت وأعتقد أن ذلك أدى إلى ضرورة ظهور فتوى تناقض الفتاوي السابقة، مما سبب الكثير من الإحراج للممارسين في تشخيص موت الدماغ هنا في الكويت، أعتقد أن المشكلة المطروحة حالياً لا تتجزأ عن المشاكل الأخلاقية والفلسفية والدينية، والتي تطرح في كل أنحاء المعمورة، وأعتقد أن المشكلة بدأت مع بداية الثمانينات; عندما استوردنا قوالب جاهزة من الغرب بعيدة كل البعد عن معتقداتنا وأسسنا الإسلامية الفلسفية، وفي البحث الذي سأطرحه اليوم إن شاء الله سأركز على هذا المأزق، لكني أعتقد أن المعارضة التي نراها من الإخوة في مصر وفي بقية الوطن العربي والإسلامي أساسها أن فكرة موت الدماغ لم تُجَزْ على مستوى المجتمع الإسلامي، وعلى مستوى الإنسان العادي فنحن نطلب من الإنسان العادي ومن زملائنا الأطباء أن يتقبلوا موت جذع الدماغ أو موت الدماغ ككل كموت للإنسان أو نهاية للحياة الإنسانية، وأعتقد أنّ فكرة نهاية الحياة الإنسانية كلمة تحتاج للتوضيح إذْ نهاية الحياة الإنسانية يمكن أن تعني نهاية الشخصية الإنسانية، وهناك مدلولات شرعية لذلك، وفي الحقيقة في ندوة 1985 كان هناك دعم شرعي للقضية مفاده أنه إذا انتهت الشخصية الإنسانية وماهية الشخص كإنسان فيعد ميتاً، ولكنّ له امتداداً. وهذا له وجود في الفكر الإسلامي ونعني بذلك حركة المذبوح التي تعد منطلقاً ربما في العالم الإسلامي كله، وأعتقد أن معاملة المرضى الذين في حالة خضريه كموتى سَيُطْرح في مرحلة أخرى في المستقبل، وهل يجوز أن ننزع أعضاء هؤلاء المرضى النباتيين؟(23/35)
وفي الحقيقة لا أريد أن أطيل لكني أعتقد بأنه يجب أن نُجيزَ فكرة موت الدماغ على أرضية إسلامية يفهمها الإنسان العادي وتعبر عن معتقداتنا الإسلامية، وأعتقد أن طَرْحَ الدكتور محمد نعيم ياسين لهذه الفكرة يمكن يكون إطار عمل لا يجاوزها، وهو أن الروح هي العاقلة وأنها صفة ربانية محسوسة ترتكز في المخ لأنه مصدر العقل والإدراك وإذا ما فقد هذا المخ، وبالذات جذع الدماغ تكون الروح قد فارقت الجسد، وقد كان هذا اجتهاداً في المؤتمر السابق، ولكنه يمكن لم يركز عليه أكثر لكنه يمثل أرضية شرعية لتبرير فكرة موت الدماغ كنهاية لا عودة فيها للحياة الإنسانية وأعتقد أنني سأقف عند هذه الدرجة.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور سهيل: تفضل الدكتور عصام الشربيني:(23/36)
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم. أبدأ بشكر الدكتور صفوت على عاطفته الدينية وإصراره على رأيه، ثم نفترق بعد ذلك لأننا هنا - كما أفهم لا نتعرض للفتوى، فالفتوى لأهلها ولكنا نبحث: هل جد في العلم الطبي ما يغير ما بنيت عليه الفتاوى السابقة التي أشار إليها الدكتور البار في الكويت أو في المجمع الفقهي بجدة أو في غير ذلك؟ وأحب أن أؤكّد أنه ليس هناك تعريف شرعي ينص على الموت فهو اجتهاد بشري منذ كان الإنسان إلى الآن، وما أوحي إلينا أو إلى بني آدم عن الدفن أوحاه الله إلينا بواسطة غراب، فالتعريفات كلها منذ التاريخ القديم إلى الآن اجتهاد بشري يتغير بتغير العصور، فهي ليست تعريفات مختلفة للموت، ولكنها اجتهاد البشر في تحديد الموت، وليس في الأطباء - في هذه الندوة وفيما قبلها - مَنْ يقول كما قال الذي حاج إبراهيم في ربه «أنا أحيي وأميت» وكلنا نؤمن أن الموت بيد الله وكل ما نحاوله - كبشر - هو كيف نحدد نفاذ قضاء الله تعالى، ونحن لا نبحث عن أنواع مختلفة من الموت; وهذا تعليقي على الأساتذة الدكتور السمرة والدكتور صفوت فنحن لا نبحث عن تعريفات مختلفة للموت ولكننا نبحث عن إجابة السؤال: هل موت جذع المخ يعد موتاً أم لا؟، في القديم اعترف الناس أن توقف القلب، وبرودة الجسم، وما إلى ذلك موت، أما الآن فقد ثبت لنا - كما أسهب لنا الزملاء - أن الأنسجة والأعضاء والخلايا تستمر بعد توقف القلب فترات متفاوتة من ساعات إلى يوم أو يومين، فهل يعد موت جذع المخ نقطة لا عودة؟، وبالتالي يعد نقطة موت؟ هذا هو السؤال، وأرجو أن نبحث هذه النقطة في الأوراق القادمة، شكراً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً الدكتور عصام، دكتور مختار المهدي تفضل:(23/37)
الدكتور مختار المهدي. بسم الله الرحمن الرحيم أعتقد أن موت المخ أو موت جذع المخ أو موت الجسد أو موت الإنسان كلها تعني شيئاً واحداً، وهو أن شهادة الوفاة يجب أن تحرر عند موت المخ وتكون بداية لعملية توقف الحياة لهذا الإنسان، إنني أعتقد أن هناك حياتين في الإنسان; حياة في الجسد تشمل كل خلية على حدة، وحياة الروح للكائن الحي ككل، ولا علاقة لها بحياة الجسد، ولكنها تتوافق في نهايتها مع وفاة المخ، ومرجعي في ذلك كتاب الله والسنة. ففي القرآن يقول تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} أي أن هناك تسوية للجسد أوّلاً وهو خلق يعقبه خلق آخر بنفخ الروح وهذا تماماً ما جاء في سورة (المؤمنين) من خلق النطفة فالعلقة فالمضعة فالعظام {ثم أنشأناه خلقاً آخر} وكذلك في حديث الأربعينيات، إذاً هناك جسد حي يعقبه نفخ الروح، وخروج الروح لا يعني بالضرورة أنه يجب أن يموت الجسد بالكامل حتى نقول: إن هذا الإنسان قد توفى وأرى أن هذا ما يضيفه شرعنا الحنيف إلى علمنا الدنيوي وشكراً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً دكتور مختار، دكتور أبو شادي الروبي تفضل:(23/38)
الدكتور أبو شادي الروبي: أنا سوف أطيل في مجال آخر ورغم أن الرئيس أصر وحدد المجال، وأن المجال قاصر على موضوع التعريف الطبي للموت لكنني أنا شاهدت أنه لا فرار ولا هروب من موضوع المفاهيم الفلسفية العامة، إنني أعرف أن معظم الخلاف والكلام بين الأطباء والعلماء وأهل الفقه، ولكنني أريد أن أنظر إلى نقطة أخرى فلسفية، أريد فقط أربعة تعريفات، وسوف أقولها بعد ذلك بالتفصيل، ومدى انطباعاتها وانعكاساتها على ما نحن فيه. أحدها المادية materialism والثاني mechanism الميكانيكية أو الآلية والثالث هو الحتمية Determanism ثم ما يهمني جدا هو مفهوم الاختزالية Reductionism لأن هذا الموضوع سيطرق لأن هذا هو روح العلم المعاصر; ويعني اختزال كل ما هو معقّد إلى كل ما هو أبسط مثل: ما الإنسان؟ الإنسان حيوان عاقل، ما الحيوان؟ هو مجموعة من الأجهزة البيلوجية، ما هي الأجهزة البيلوجية؟ هي تفاعلات كيميائية، وما التفاعلات الكيميائية؟ هي انتقال في الأكزومات من الذرات إلى الجزئيات إلى آخره، بمعنى آخر أن تختزل الإنسان إلى البيلوجي ومن البيلوجي إلى Bio-Chemistry وChemistry إلى Physics هذا المشروع أو هذا البرنامج أثبت كفاءته ونجاحه بصورة مذهلة في الجزَيْء البيولوجي وإلى الوراثة وفي كل شيء ولأجل هذا فإن كل علم معاصر يسير في هذا النموذج وهو الاختزال.
هناك آخرون يروْن هذا المنظور منظوراً مختلفاً، وفي الكتب أيضاً، وآخر كتاب أذكره (لآرثر) كتاب اسمه beyond reductionism ما بعد الاختزالية حوالي 15 مشاركاً، منهم علماء وفلاسفة ونفسانيون إلى آخره وقد بينوا جميعاً أن الإنسان ليس أحادي البعد one dimensional man كما يقول (هيرمركوزه) في كتابه المشهور «الإنسان ذي البعد الواحد»، الإنسان ليس مجرد ذرات، وليس مجرد جزئيات وليس مجرد أجهزة عضوية، الإنسان أكثر من ذلك multi diamensional.(23/39)
هذا موضوع آخر أرجو أن تتاح لي الفرصة لكثير من التفصيل، وإنما أردت أن ألفت النظر إلى مجالات الفلسفة المشهورة أهمها الأخلاقيات وبصدده إنما في مفاهيم أخرى نظرية المعرفة Meta physics ولقد تكلمت في هذا الموضوع في مجال آخر من الناحية الجمالية حتى التعبير الذي استعملوه عملية حصد الأعضاء - يا رب - إنه أشبه بعزرائيل ممسك بالمنجل ويحصد، أو مثلما يقولون: عقاب الجو نسور الجو وهي تدور فوق المعركة أو منتظرة من سيموت حتى تنهش منه، وهذا منظر كئيب من الناحية الجمالية، البحتة فأنا قرأت في نفس المجال (الأخلاقيات الطبية) وقد صدر عنه كتاب عن (فلسفة الأخلاقيات الطبية) ومر في عدة طبعات، وخلاصة هذا الكتاب أنه ينظر إلى الأخلاق الطبية من منظورين مختلفين وهذه معروفة تماماً في مجال الأخلاق وأحدهم يقول Antology وهي النظرة التي تقاس بمبادئ مقررة مسبقاً يعني Ten Commands الوصايا العشر: لا تقتل لا تزني إلى آخره، هذه المبادئ بصرف النظر عن النتائج. فهذه لها منظور مختلف عن المنظور الآخر الذي يقولون عنه «النتائج» والذي يؤمن به أصحاب نظرية المنفعة «العبرة بالنتائج» فأنا تمنيت عندما ناقشت هذا الموضوع قلت مع أنني أجزع وأنفر من هذه المفاهيم المادية الميكانيكية - أن الإنسان مثلما يقولون آلة ضخمة، فهو عبارة عن آلة ضخمة وآلة معقدة إنما هي أولاً وأخيراً ماكينة مجرد مجموعة تروس ترفع هذا الترس وتضع مكانه الترس الثاني - هذا مفهوم أناس كثيرين جداً ينفرون ويجزعون من النظرة للإنسان على أنه مجرد تروس ترفع هذا وتضع هذا، الواقع أنهم يفعلون ذلك ويريدون منا أن نفعل مثلهم، وهناك آخرون يجزعون من هذا الكلام، وأقول: رغم هذا الجزع وهذا النفور لازلت أعترف بأنني لو كان كبدي مريضاً أو كُلْيتي مريضة وكنت محتاجاً إلى زرع كبد أو زرع كُلْية فلن أتردد في قبول هذا الزرع، وعندي مرضى فوق العشرات زرع لهم الكبد، ولقد رأيت نتائج مذهلة، ومنهم(23/40)
أساتذة في الجامعات وشعراء، وكلهم ملء السمع والبصر، لا يستطيع الواحد إلا أن يقف أمام هذه النتائج، بصرف النظر عن المبادئ الأولى، ولكن هل من الممكن أن نجد لنا مخرجاً من هذا المأزق وهو اللجوء إلى Xenographts وهو زرع الأعضاء المتخذة من الحيوان وفي هذا أفق واسع ومتاح؟ إذْ يعتقد الكثيرون أن المصادر الحيوانية للكبد أو القلب أو الصمامات، ستتوافر خلال سنوات، وهم في إطار التجارب الآن، وهذا المفهوم قد يفتح لنا أفقاً أوسع وييسر الخروج من هذا المأزق وشكراً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً للدكتور أبو شادي الروبي، تفضل يا دكتور عبدالمنعم عبيد.
الدكتور عبدالمنعم عبيد: دكتور عبدالرحمن هناك نقطة نظام لا تعليق لأنك رئيس الجلسة وأنا أعتقد أن الدكتور صفوت قد تفضل علينا في قضايا مهمة جداً; اقتصادية وأخلاقية وفلسفية واجتماعية حول هذا الموضوع ويجب أن نضع في حسابنا في الجلسات القادمة لأنك قد لا تكون موجوداً وقد حددتَ الإطار، والإطار واسع; فهو فلسفي - واجتماعي - واقتصادي - وأخلاقي ونريد أن نأخذ فرصة في هذا المؤتمر لأجل أن ندور في هذه الآفاق.
الرئيس الدكتور: عبدالرحمن العوضي ما زال هناك بعض الوقت ونستطيع أن نغطي به هذا الجزء الصغير ونعتقد أن القضية تدخل في عدة مجالات وأرجو أن نصل إلى تثبيت حقيقة كأطباء، فلسنا فلاسفة ولكن نريد أن نحكم بالحكم الطبي، وبعد ذلك نقترب أكثر من الشكل الجميل الذي ذكره الدكتور أبو شادي ونريد أن نجتهد في تحديد الموضوع، والكلمة الآن للمستشار إبراهيم علي حسن تفضل:(23/41)
المستشار الدكتور إبراهيم علي حسن: بسم الله الرحمن الرحيم {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}. صدق الله العظيم. سيدي الرئيس شكرا لمنحي الفرصة للحديث وأنا لست بطبيب ولكني مستشار بمجلس الدولة، وإن كان لي علاقة بهذا الموضوع، وذلك حين أحيل إليّ موضوع نقل الأعضاء، وبالذات الصمامات والشرايين الذي كان معروضاً على الجمعية العمومية في مناخ فيه نوع من الإرهاب مثلما يقول الدكتور سهيل وكانت هناك خشية، فقام قسم التشريع - وهو أعلى سلطة في إعداد التشريعات في مصر بمجلس الدولة - بإعداد تقرير انتهى فيه إلى ذكر حديث سيدنا رسول الله ü «كسر عظم الميت ككسره حياً» وانتهى إلى أن الجريء على الفتوى جريء على النار، وتوقف الأمر عند هذا الحد، وأحيل الموضوع إلى الجمعية العمومية بقسميهما: التشريع والفتوى، وأحيل إليّ هذا الموضوع لدراسته.
وقد قمت بدراسته واستعنت بكبار أطباء مصر، وكان الموضوع يتعلق بالصمامات والشرايين وإنشاء بنك لها; وسألت كل الزملاء الموجودين: الدكتور حمدي السيد، والدكتور خيري السمرة، واستعنت بكتب كثيرة منها: كتب الدكتور البار ومنها: الكتاب الذي أصدرتموه «نهاية الحياة الإنسانية»، وطالعتُ كلَّ ما كتب في هذا الشأن من آراء رجال الفقه الإسلامي، وعرضت تقريراً مفصلاً على الجمعية العمومية لتعمل فيه فائق حكمها وفكرها، وانتهت الجمعية إلى مبادئ محددة في هذا الشأن.(23/42)
وقد قلت للجمعية: إن هذا الموضوع يتعلق بنقل الأعضاء عموماً وإن كان يخص الصمامات والشرايين لكنه يتعلق بنقل الأعضاء عموماً، وثانياً لا بد من تعريف الموت، متى يُعدّ الشخص ميتاً؟ - وهذا موضوع ندوتنا اليوم - ثم تعرضت بعد ذلك لالتزامات الطبيب ثم التفرقة بين الطبيب الذي يأخذ العضو والطبيب الذي يزرعه، وانتهت الجمعية بعد أربع جلسات - وهذا أكبر موضوع عرض على الجمعية العمومية قسم الفتوى والتشريع في مصر وهي تضم 24 من كبار مستشاري مجلس الدولة - انتهت إلى المبادئ الآتية:
أولاً: لمشروع القانون أحكامٌ تتعلق بصمامات وشرايين القلب وأنه لا يرد هذا النقل إلاّ من جسم الميت.
ثانياً: اختصاص مجلس الدولة بمراجعة الصيغة التشريعية لمشروعات القوانين إنما تضمن دراسة قانونية فنية تتعلق بعدم تعارض أحكام المشروع المقترح مع أحكام القوانين العليا? وعلى رأسها أحكام الدستور وما يحيل إليه من أصول مرجعية ويقصد بذلك أحكام الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: أنه بالنسبة لمبدأ النقل ومدى جوازه تُرْجِع الجمعية العمومية الآخذَ بما انتهى إليه النظر في جواز نقل الأعضاء.
رابعاً: - وهذا موضوع ندواتنا - أنه إذا كان مشروع القانون المقترح يتعلق بنقل صمامات وشرايين القلب وأنه لا يرد هذا النقل إلا من جسم الميت فإنه يجب الاستيثاق من تمام موت الجسم المراد النقل منه الأمر الذي يقتضي معه وجوب أن يتضمن مشروع القانون تعريفاً للموت.(23/43)
واستدركت الجمعية وقالت: إن وجه الإشكال هو ضبط الفرجة الزمنية بين وقت الوفاة وبين أخذ الأعضاء، وانتقلت بعد ذلك إلى أن عصمة دم الإنسان لا تفارقه إلا بتحقق الموت يقيناً، ثم ذكرت على وجه التحديد أن تنظيم نقل الأعضاء لا بد أن يصدر به قانون يجيز النقل بالشروط وبالضوابط التي تمكّن من إعماله بما لا يهدد عصمة دم أو حق، وبما يرعى حقوق الله في العباد إلى آخره، ولا بد أن يصرح القانون وينظم ذلك، بأن لا يجري نقل إلا بعد تحقق موت الجسم الآدمي، وأن يشير إلى معنى الموت بما تُوجِبه الخبرة الفنية والطبية فيما يجب مراعاته في هذا الشأن.
هذه النقطة التي انتهت إليها الجمعية العمومية - وأعتقد أن بعض الزملاء يسيء تفسير هذا الموضوع، وأنا الذي اقترحته على الجمعية العمومية ونحن نتعرض لفكرة الموت - فقالوا: بأن هذا رأي أهل الخبرة الطبية فهم الذين يحدِّدون ذلك، وأحضرتُ مجلة (لانست) وفيها موضوع موت الدماغ وترجمتُها وعرضتُها عليهم، فقالوا: نحن لا نتدخل في هذه الأمور وإنما نوكلها إلى أهل الطب، وهذا أهم ما في الموضوع من قرارات، وقد استقر الموضوع في مصر وأطمْئِن الدكتور سهيل أنه استقر الآن، وقُبِلَ نقلُ الأعضاء بمصر، وسوف تصدر التشريعات إن شاء الله قريباً وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكرا، هذا يثبت فقط التجاوب الكامل بين الرأي في مصر والكويت وفي كل الوطن العربي والإسلامي فنحن فعلاً أمام الحكم ونرجو أن تساعدك هذه الندوة، وتوضح أكثر لمن يريدون أن يستمعوا وأعتقد أن الوقت قد انتهى.
لا توجد تعقيبات إلا للدكتور صفوت سوف نعطيك خمس دقائق وجادلهم بالتي هي أحسن.(23/44)
الدكتور صفوت لطفي: هناك نقطة أريد أن ألفت إليها النظر حيث إنني قد حضرت هنا ليس بصفتي أستاذ تخدير وعناية مركزة فقط، إنما أنا أساساً والدكتور حمدي وكثير من الإخوة يعلمون أنني باحث وكاتب إسلامي منذ 20 سنة، وقد أخذت الدولة بالكلام الذي أقوله بكتبي، خاصّة بالنسبة للتطرف والإرهاب وطبعتها على نفقة الدولة; نصف مليون نسخة ووزّعته.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: هل هذا جزء من التعليق؟
الدكتور صفوت لطفي: نعم لأن بعض الإخوة يقولون: بأن نترك هذا لأهل الاختصاص.(23/45)
أوّلاً: الإسلام ليس فيه اختصاص وليس فيه رجل دين من بابه، لكن سأبدأ من حيث انتهى بنا سيادة المستشار، وأذكر أن سيادة المستشار يقرأ في نفس المذكرة التي يقول: إنها جاءت في معرض رد المشروع إلى (وزارة التربية والتعليم) بعد المذكرة التي قدمتُها أنا وزملاء لي للمجلس الأعلى للجامعات برفض بنود هذا القانون، وقد أقرته الجمعية العمومية بقسميها أيضاً. كما يقول: إن الحديث عن الأعضاء التي تعمل ليس حديثاً بلا معنى كما يقول بعض الأطباء، لكنّ هذا حديث ذو معنى خطير وأهمية كبرى للأطباء والمرضى ورجال القانون على السواء، لأن انتزاع الأعضاء من هذا الجسد يكون في ضوء هذه الحقيقة جريمة قتل متكاملة الأركان يرتكبها الأطباء، وهذا ما أفتي به مجلس الدولة، والجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع بنص المستشار طارق البشري في 6/9/1995، وقالت الفتوى: إنه لا قول بموتٍ ما دام جزء من الجسم حياً، وإن الموت هو التوقف الذاتي لجميع مظاهر الحياة، وأجهزة الجسم وأعضائه، وأوضحت الفتوى أن انتزاع الأعضاء من مريض الغيبوبة العميقة يُعدُّ جريمة قتل، وقالت الفتوى: إن الموت ليس واقعة طبية إنما هو واقعة دينية، وطبية، واجتماعية، وقانونية، وأخلاقية، وإذا تعرضنا لها فيجب التعرض لجميع النقاط في آن واحد، وهذا أيضاً ما أفتى به (مجمع البحوث الإسلامية) بالأزهر، وأقر البحث الذي قدمتُه للمجلس واتخذه المجلس مرجعاً له، ونشر مرتين; مرة بمجلة الأزهر وسأرسل لسيادتك نسخة منها، ومرة بمجلة البحوث الإسلامية، والكثير من المجلات الإسلامية في مصر مثل: اللواء الإسلامي ومنبر الإسلام وغيرها وسأرسل لسيادتكم منها عدة نسخ.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن العوضي: هذا سوف لن يكون حواراً بينكم رجاء.(23/46)
الدكتور صفوت لطفي: أقول: إنه ليس بحثاً خاصاًّ يحمل اسمي، إنما هو تجميع، وما أقوله، إن السن يختلف، فبعض بلدان من العالم تأخذ بخمس سنين، وبعضها يأخذ بعشر سنين، وبعضها يأخذ بسن البلوغ، وهذا ليس كلامي ولكنه كلام مثبت في الورق استقيت منه هذه المعلومات، وهو الورق الذي أرسلته عن المؤتمر الوحيد الذي عقد في كوبا عن هذا الأمر سنة 1993.
أما بالنسبة للأخ الذي ذكر هذه الآية {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً} فهو يقول: إن الضرورة هنا تحدث عنها الفقهاء في قوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} فقد اشترط الأئمة الأربعة - وهم سادتنا - أن شرط الضرورة يشمل ما نصت عليه الآية القرآنية نفسها {فمن اضطر غير باغ} أي ليس له بغية من هذا الأمر لهوى في نفسه، (ولا عاد) أي ليس معتدياً على غيره، في هذه الحالة فقط فلا إثم عليه، فلو أبَحْتُ لنفسي هذا الأمر فقلت: أنا أَبَحْتُ مضطراًّ فهذا لا يستقيم مع النص القرآني، ونحن أساساً لم نخلق لذاتنا لنكون علماء وأطباء وأساتذة وغيره، إنما خلقنا الله لذاته على حدّ قوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أما قضية أن المريض ميئوس من شفائه، أو أننا لن نعوّل على مظاهر الحياة في جذع الدماغ لأن هذا إنسان ميئوس من شفائه فالمولى عزَّ وجلَّ يقول {لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} وكون أن ذلك لم يحدث ولو في حالة واحدة فغير صحيح. وسوف أحضرها لكم في الفيلم وقد عرض في جميع أنحاء العالم في هذه السنة، وهي حالة الرجل الذي كان في استراليا ونزل من فوق جبل وتهشمت دماغه، وحكم عليه الأطباء بالموت وأوصوا بفصله عن الأجهزة واستعاد وعيه بعد عدة أشهر وقال لهم لقد كنت واعياً لكل كلمة وكل حرف.(23/47)
المناقشات
الدكتور عبد المنعم عبيد: إن شاء الله سوف ألتزم بالوقت: لقد دخل المؤتمر الحالي والسابق في موضوع عدم التعارض بين العلم الطبيعي والشرعي، وتركز الكلام على موضوع الروح باعتبار أن الموت التقليدي - الذي هو موت القلب - يتمثل في خروج كامل للروح وقبض لها ملموس، أما موت المخ فليس واضحاً، فتصور عدد من الإخوة الورعين المسلمين أن الروح هانت; وبالتالي يحاولون أن يجتهدوا كي يضعوا الروح في إطار المخ الذي هو القيمة الأساسية التي تعطي للإنسان قيمة فوق الحيوانية، والتي تمثل النفخة الإلهية التي يعطيها الخالق سبحانه من روحه الإلهية العالية العظيمة للإنسان كهدية بوصفه خليفة له في الأرض، وبالتالي يحاولون إثبات علاقة الروح بالمخ حتى يثبتوا خروجها مع موت المخ.
ولكن هذا في تقديري خلل منهجي شديد في تناول القضايا، لأنه يعقد الأمور; فالعالم الإسلامي متأخر في قضايا الحياة والموت وفي قضايا شتل الأعضاء وفي قضايا دفن الناس.
أولا: يجب أن يكون موقفنا من الروح الاحترام الشديد على أساس أن الله يقبضها كيف يشاء. فلله سبحانه وتعالى أن يديم الحياة بطريقته، ويحاسب ويعاقب ويثيب بها، فنحن لا دخل لنا في قضية الحياة والموت، بل إن تعريف الحياة ليس معروفاً بدقة، وكل العلماء لم يصلوا لهذا (الميكانزم) سواء لَغَوْا حول حامض DNA أو حامض RNA هل هي حياة مادية أو حياة بها ميكانزم، أو بها كهرباء أو بها تمثيل غذائي وتكاثر في نفس الحالة وبالتالي لم يحس أحد بالروح لأنها شيء خارج عن الطبيعة، وأقترح أن نكون عمليين فنترك ما ُ ُوأن نركز على ما في أيدينا من مهام.(24/1)
هناك موتان: موت أكيد كامل هو الموت عن طريق القلب والتنفس وهو لا يكون إلا عن طريق المخ، موت القلب لا يتم إلا عندما يموت المخ، والأمر كذلك في موت المخ. وما نريد أن نسمع فيه التفاصيل من الأساتذة هو: هل يشترط الموت الكلي للمخ؟ والموت الحقيقي في النهاية هو موت المخ، وهذه لا تحتاج إلى قضية إدخال الروح فيها لأن الروح قضية (غيبيّة)، وعلينا أن ننصرف إلى أمورنا الحياتية، وأن ندير مسألة الحياة والموت من ناحية أن تحديد وقت حدوث نهاية الإنسان كإنسان له كيان في التفاعل والاتصال والقدرات والحركة والاستجابة والعمل والاستخلاف في الأرض; فسواء انتهت عن طريق موت القلب أم عن طريق موت المخ فكلاهما وارد فإن الحياة تتوقف عن طريق موت المخ، والله سبحانه وتعالى يقبض الروح وقْتما يشاء وكيفما يشاء، فعندما أغلق جهاز التنفس لا دخل لرغبتي في أخذ الأعضاء لأنني لو كنت أحترم شعبي فسوف أنظر إلى الـ50 في المليون الذين يعانون من وفاة المخ وهم يمثلون في ألف مليون 50.000 شخص موجودين على جهاز التنفس، فكَمْ يحتاجون إلى مصانع أجهزة تنفس في العالم الإسلامي الذي ليس عنده إمكانات، فلا بد أن نفهم اقتصاديات الموضوع وأن ندرسها جيداً.
الخطأ عند المؤتمرين هو الدخول في موضوع الروح والاقتراب من الجماهير البسيطة الساذجة والأطباء العاديين بقضية الروح، والورع الشديد عند الأخ الدكتور صفوت وكل الناس حتى لكأنّهم يلمسون الروح ويقاضونها، فالله يقبض الروح كيف يشاء، ولكن الإنسان الذي انتهى مخه سواء توقف قلبه أم لم يتوقف قد انتهت علاقته واستدبر الحياة. وشكراً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: شكراً لالتزامك بالوقت يا دكتور عبدالمنعم.(24/2)
دكتور محمد هيثم الخياط. شكراً سيدي الرئيس. الدكتور عبدالمنعم عبيد كفاني بعض ما أردتُ، ولكني أضيف شيئاً آخر - مع بالغ التقدير للإخوة الذين تدخلوا والذين سيتدخلون - أرجو أن نحصر كلامنا في المجال العلمي فقط، الأخ الدكتور محمد علي البار لفت نظرنا إلى شيء مهم وأعتقد أنه ينبغي أن نقوله ثانية: «قضية الكهانة في الإسلام» لا كهانة في الإسلام ولا رهبانية في الإسلام، ولا رجال دين في الإسلام، ولكن هذا لا يعني أن يتعامل مع النص الشرعي مَنْ شاء بما شاء مِنْ وسائل ليست في متناوله، ومن أبسطها إجادة اللغة العربية، فمن أجل ذلك أرجو ألا نتعامل مع هذه النصوص إن لم نكن مؤهلين مائة بالمائة لذلك، ونحن نعلم أن هناك شروطاً للاجتهاد، وهذه الشروط ينبغي أن نأخذ بها، وإلا سيكون لدينا مجموعة من أفهام النصوص المختلفة بحسب اختلافنا، وأعتقد أن في هذا نوعاً من التجاوز لإمكانياتنا المتواضعة التي حبانا الله سبحانه وتعالى بها في هذا المجال، والمثال البسيط الذي أذكره هو الآية التي ترددت كثيراً هذا الصباح {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ونحن نريد أن نُلقي بعض الأحكام العلمية على هذه الآية، فإن هذه الآية تُنووِلَتْ بطريقة ما، يُخيَّل إليَّ أنها غير علمية من الناحية الإسلامية، ومن الناحية العلمية أيضاً بشكل عام لأن هناك أمرين مستقلين; التوفي والموت، وهما أمران مستقلان تماماً، ولا يمكن أن نقول عن الإنسان المتوفي بنص هذه الآية وهو نائم إنه ميت; لأن التوفي شيء مخالف للإرسال في نص الآية {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها ويرسل الأخرى} إذاً التوفي هنا يشمل الإمساك والإرسال وكلاهما غير الموت.(24/3)
إن محاولة إدخال المفاهيم العلمية عندنا، وقصر هذه الآيات على تحمل هذه المعاني أعتقد أنه ليس من العلمية في شيء، ومن أجل ذلك أرجو أن نبتعد عن النصوص تماماً ووندع هذه النصوص لمن يستطيع أن يستنبط منها، وأن نحصر حديثنا كلّه في الأمور العلمية البحتة.
فنريد كأطباء أن نعرف متى يموت الإنسان؟ متى نَعدُّ هذا الإنسان ميتاً؟ فعلينا أن نسعى لذلك ونحصر عملنا كلّه في هذا الأمر، ولندع الأمور الأخرى للمختصين فيها وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: شكراً يا دكتور هيثم على هذا الإيضاح الجيد.
الأستاذ الدكتور خيري السمرة: بصراحة أنا أهنئ الدكتور فيصل على المحاضرة القيمة التي قالها، وعلى التساؤلات الكثيرة التي أجاب عنها، وقد وجدنا ما وجدتموه من أنه: لم تعش أبداً حالة شخص موت دماغ أو موت جذع دماغ وهي الحالات التي يمكن أن تظهر على أنها تلف في الدماغ لأن هذا كان أصله في موت الدماغ وأذكركم بحالة الفنان المصري الذي شخص على أنه موت دماغ ولكني قلت: إنه ليس كذلك وقد عاش ويغني الآن. لا يمكن أن نعتمد هذه الحالة مثالاً لموت المخ لأن التشخيص كان خطأ.
النقطة التي أريد أن أسأل عنها يا دكتور حسن هي: ألا تعتقد أن عشر دقائق كثيرة لكي أوقف جهاز التنفس ولكي أتأكد خاصة وأنا أحاول الحفاظ على الجسم حياً في حالة نقل الأعضاء والحفاظ على الكلى والكبد أريد أن أسمع رأيك فيها حتى لو كانت خمس دقائق فهي معقولة أو عمل عشر دقائق للاختبار النهائي الذي يجريه قبل أن يرفع المريض من جهاز التنفس ما رأيك يا دكتور حسن؟(24/4)
الدكتور حسن علي: في الحقيقة هؤلاء الذين وضعوا عشر دقائق لتوقف التنفس بعد فصل جهاز التنفس معظم هؤلاء لم يكن لديهم كمية كافية من ثاني أكسيد الكربون قبل إجراء التجربة، ولكن الآن نصحوا بضرورة إرجاع المريض مرة ثانية للمستوى الطبيعي لثاني أكسيد الكربون، وبعض العلماء أوصوا بإمكانية وضع المريض مرة ثانية على الأكسجين والبعض الآخر لم يوصِ.
ولكني أعتقد بأن فترة الانتظار للحصول على مستوى 50 - 60 Pco2. يحتاج إلى نقطة بداية قريبة من الوضع الطبيعي لـ Pco2لأن هؤلاء الذين يشخَّصون على أنهم موتى دماغ عادة فإن عمليات البناء وإنتاج ثاني أكسيد الكربون تسير ببطء شديد عند الأشخاص العاديين. حيث ينتج هؤلاء الأخيرون بمعدل 409ملم/الدقيقة لثاني أكسيد الكربون بينما موتى المخ ينتجون 2 - 3 ملم/الدقيقة ولذلك يحتاجون لهذه المدة الزمنية، وبعد ذلك عليك إيصال الشخص نفسه على جهاز التنفس مرة ثانية وانتظر لفترة أخرى تتراوح من ساعة إلى ستّ ساعات وكرِّر الاختبار مرة أخرى للتأكد من أن قرارك سليم وشكراً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: شكراً للدكتور حسن والتعليق الآن للدكتور رؤوف سلام.
الدكتور رؤوف سلام: قيل أكثر من مرة: إننا إن كنا قد قبلنا تعريف الموت على أنه توقف القلب والتنفس فلماذا لا نقبل تعريف الموت على أنه توقف المخ. وأحب أن أذكر أنه لم يحدث أبدا أن عرف الموت على أنه توقف القلب والتنفس، ولكن أخذ توقف القلب والتنفس علامة على توقف جميع أعضاء الجسم، ونفس الموقف ينطبق على توقف المخ، فإذا كان توقف المخ مصحوبا بتوقف جميع أعضاء الجسم فبالطبع هذا موت.(24/5)
النقطة الثانية حدث كثير من الكلام عن الجسم المنفصل عن الجسد مثل الحيوانات المنوية والبويضة وأنها حية فهل هي دليل على حياة صاحبها وبالطبع الجزء المنفصل عن الجسد انفصلت علاقته بالجسد وأصبحت حياته أو مماته لا تدل على حياة أو موت الجسد التي أخذت منه، ومثلها في ذلك العضو المنقول، فحياة العضو المزروع مرتبطة بحياة الموهوب له وليست مرتبطة بحياة الواهب.
النقطة الثالثة ما ذكر عن الجنين وأنه تنفخ فيه الروح بعد أن يكون قلبه قد بدأ في العمل; أي أن هناك فترة يعمل فيها قلب الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح، وأخذ من هذا دليل على أن القلب يعمل مع أنه لا توجد حياة ولكن الواقع أن الجنين قبل نفخ الروح فيه حياة ولكنها حياة مستمدة من حياة أمه المتصل بها فيموت معها ويعيش معها ونفخ الروح فيه يجعله خلقاً آخر.
النقطة الرابعة هو أن المخ لا يزرع Transplantation وهذا صحيح، ولكن نستطيع أن نقول بأن المخ لم يزرع حتى الآن وقد يأتي المستقبل بشيء لا نفعله الآن، وفي الواقع فإن هناك محاولات لزراعة بعض أنسجة المخ كما نعلم، كما أن هناك محاولات جادة بدأت في النجاح في علاج حالات موت المخ كما تذكر المراجع الموجودة معنا.
تعليق أخير عن الجانب الاقتصادي: أحب أن أذكّر نفسي وأذكّركم بأن الجانب الاقتصادي مهم جدا; لأننا نحب أن نوجه الاهتمام إلى المرضى الذين يحتاجونها، وأحب أن أذكر أن المرضى المحتاجين إلى جهاز التنفس الصناعي معظمهم لا ينطبق عليهم تشخيص موت المخ، ومعظمهم يحتاجون إلى جهاز التنفس لمدد طويلة جداً، ولا ينطبق عليهم تشخيص موت المخ، ويموتون بتوقف باقي أعضاء الجسم بعد أيام قليلة، وبذلك لا يشكلون عبئاً اقتصادياً، وإذا شكلوا فإنهم يشكلون جزءاً بسيطاً جداً من العبء الاقتصادي لوحدة العناية المركزة وشكراً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: الدكتور عصام الشربيني. تفضل.(24/6)
الدكتور عصام الشربيني: سؤال صغير للدكتور فيصل: عندما تتأكد من موت جذع المخ تعلن موت المريض، وعندما تجد أن جذع المخ لم يمت نتوقع أن يحدث بعد ذلك فماذا نفعل بحالة الشك هذه؟ «عدم التأكد من الموت، وعدم التأكد من الحياة»، وهذه قضية طبية تعرض لكل الأطباء في كل التخصصات. وأضيف ملحقاً لهذا السؤال هو: هل حدث في المركز الذي تعمل به - مع أن به ألفين أو أكثر من ألفي حالة - هل حدث أن استُعجِل قرار الموت لأخذ الأعضاء؟ وشكراً.
الدكتور فيصل الشاهين: أولاً المركز لديه (بروتوكول) خاص معمم على جميع مستشفيات المملكة: الحكومية والخاصة بتشخيص الوفاة الدماغية يفيد: بأننا إذا وصلنا إلى مرحلة لم يتم فيها التشخيص (الوفاة الدماغية) كاملاً لا يعلن عن أن هذه وفاة دماغية; لأنه لم يستوف الشروط. هذه إجابة على السؤال الأول، فلو شخّص طبيب وفاة دماغية ولم يوافق الطبيب الآخر. نستمر في إعطائه جميع الإمكانات الموجودة في العناية المركزة.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: مريض شُخّص على أنه وفاة جذع المخ، والأهل لم يوافقوا على عملية النقل ما الإجراء المتبع؟ هل توقف جهاز التنفس؟ أم تستمر عملية الإنعاش إلى أن يتوقف القلب وباقي الأجهزة تلقائياً؟ لأنك قلت: إن هذا يستمر لمدة ساعات أو أيام وعلى أقصى تقدير 10 أو 14 يوماً أما في خبرتنا فكان أقصى وقت يصل إلى 8 أيام أو 9 أيام، وهذا يعتمد على قدرة القسم على التعامل مع هذا المريض واستخدام المنبهات والمنشطات إلى آخر هذه القضية، فعندما تشخص موت المخ، فالبروتوكول الذي اللهعدّ في المملكة وَوُزِّع على باقي الأجهزة والجهات المختلفة هل ينص على أنه عندما يتوقف تبلّغ أهل المريض بأنه توقف وتقوم بإغلاق جهاز التنفس أو استخدام اختبار توقف التنفس وإذا تأكد سنوقف كل شيء؟ أم نستمر إلى أن تأتي النهاية الطبيعية؟(24/7)
الدكتور فيصل الشاهين: في الحقيقة إن السؤال له أبعاد أخرى بالنسبة للمملكة; فنحن كمركز يهمنا المرضى ككل وتتم المساعدة بكل الإمكانات في كل الأحوال، فنحن دائرة حكومية، وعندنا عدالة في توزيع الأعضاء، ولا نعرف أي عضو سوف يأخذونه وما الذي لن يأخذوه؟ فهذا شيء جانبي. نحن كمركز نحافظ ألا يوجد سوء استخدام للوفاة الدماغية لأي أغراض أخرى.
وقد وصلنا إلى مفهوم من خلال اللجنة التي تنظر موضوع غلق الأجهزة، مفاده: أن ننتظر لمدة سنة أو سنتين إلى أن تتوافر الخبرات الجيدة في كل مكان من المملكة لتشخيص الوفاة الدماغية بدون أي مشاكل، أما الآن ففي بعض المستشفيات تقريباً 90% من مستشفيات المملكة ممنوع إيقاف الأجهزة; لأننا نخشى أن يكون هناك حالة وفاة دماغية تم تشخيصها خطأ، ولكن في المستشفيات الكبرى مثل «التخصّصي» و«الحرس الوطني» و«الدفاع» فهي مستشفيات معروفة لدى المركز من حقهم أن يوقفوا الجهاز لأننا واثقون من أن الذي نفعله صواب، وأن الوفاة الدماغية وفاة حقيقية، وهذه نتيجة لخبرتنا الطويلة معهم، ولكن نخشى أن يكون هناك مستشفى صغير والطبيب غير مؤهل جيداً فننتظر، بل من الممكن أن نرسل فريقاً متكاملاً من المستشفيات المتخصصة لتشخيص هذه الحالة في مكانها، ولكن هناك بعض الحالات يرفض أهلها الاستمرارية على الجهاز، وهنا يمكن إغلاق الجهاز لأن الأهل يرفضون هذه الإجراءات.
نائب الرئيس الدكتور محمود كريدية: هل ممكن أن نتوسع في مفهوم احتمالات موت الدماغ؟ هل هناك معطيات حول الموضوع أم ليس هناك معطيات؟(24/8)
الدكتور فيصل الشاهين: الحقيقة نحن نُعد الحالة التي قد شُخّصت إكلينيكيا على أنها موت دماغ - نعدها محتملة - لأنه ما زال عندنا الاختبارات التأكيدية موجودة في المملكة. فكل حالة وفاة دماغ نعاملها على أنها محتملة Potential فما زال عندنا اختيارات التأكيد للحالات المشخصة إكلينيكيا على أنها محتملة ومازال أمامنا الاختبارات التأكيدية للحالات المشخصة إكلينيكا على أنها موت دماغ.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: الدكتور عدنان خريبط تفضل.
الدكتور عدنان خريبط: في الواقع كنت أريد أن أسأل عن الحالات المتوقع أنها موت دماغ، ومازال عندي التباس هل هي حالات مُشخَّصة على أنها موت دماغ أم لا؟ أما إذا كانت متوقعة أو محتملة (potential) هل معنى ذلك أنها غير مشخّصة على أنها موت دماغ؟.
الدكتور فيصل الشاهين: الحقيقة أن كلنا Potentialy brain death لكن الحالات تأتي للعناية المركزة وعندها معايير لموت الدماغ مثلما قلت عندنا Confirmatory كي أعمل Confirmatory test نحتاج وقتاً لنقوم به ونحن كمركز نستخدم EEG,Angio isotops
الرئيس الدكتور حمدي السيد: ما مقدار نسبة ما يستخدمه؟
الدكتور فيصل الشاهين: نسبة لا تتعدى 10% ولكن لماذا خرجنا إلى موضوع الاحتمالات؟ وهو شيء غير ممكن، بل إنّه من الممنوع أن يتكلم أحد مع الأهل بأن هذا هو موت الدماغ إلا بعد التأكيد، وهذا شيء ثابت بالنسبة للمركز، نحن نتعامل مع حالات مختلفة من كل المملكة، ونحن مسؤولون عن كل المملكة; فيجب أن يكون عندنا معلومات بحالات الوفاة الدماغية التي نخشى من أي تشخيص خاطئ لها، وهذا هو الذي نتابعه كمركز، فليس المهم فقط أن يكون لدينا حالات وفاة دماغية أما المهم أيضاً فهو مصلحة المرضى.(24/9)
الدكتور محمود كريديه: أعتقد يا دكتور فيصل أنه عندما نقول بأن الشخص Potential Brain dealth على أسس إكلينيكية فإنك تكون شخصته على أنه متوفٍّ دماغياً والآن يجب إجراء الاختبارات التأكيدية وقد لا تحتاج إليها.
في بعض الولايات في USA ربما يكون مطلوباً، وفي بعضها الآخر قد لا يكون مطلوباً، في الحقيقة إن أغلب الحالات التي تسميها Potential Brain Death هي في الحقيقة موت دماغ.
فبالتالي يمكن أن يكون ما يقصده الدكتور خريبط يقصده هو فعلاً موت دماغ وليس Potential Death.
الدكتور فيصل الشاهين: لقد وافقت على هذا تماماً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: إنني متفهم لموقف الدكتور فيصل من هذه القضية حتى لا يسوء استخدامه لقضية موت الدماغ، وهو إنما يردُّ على ما يُقال من أن موت الدماغ لا يُستَعْجَل تشخيصه من أجل رغبة الجراحين وحاجتهم إلى الأعضاء، أو بسبب الفقراء، فنحن نعاملهم معاملة مختلفة. وأعتقد أن الدكتور فيصل يقول: إن هذه مسؤولية الدولة بالكامل; ولا يوجد أمام من يحتاج الرعاية المركزة والعلاج المكثف فرق بين غنيّ وفقير، فالدولة مسؤولة بنفس الدرجة ونفس المستوى ونفس الكفاءة عن الجميع فهذه ليست مستشفيات خاصة حتى ندعي أن هناك أفضلية في المعاملة لشخص دون آخر، فأنا أتفهم القول بأن موت الدماغ هذا Potential هو للتأكد والتحرز وعدم التسرع في التشخيص، وأعتقد أن هذا موقف إنساني نبيل ولا بد أن نشكره عليه ونشكر القائمين على المركز.
الدكتور محمد زهير القاوي: نعم نحن نريد أن نحدد الكلام الذي نتكلم عنه ونريد أن نتكلم عن موت الدماغ ثم نعود للكلام عن موت جذع الدماغ الموت المخي وموت القشرة إلى آخره.(24/10)
في الحقيقة الأشياء التي قدمها الدكتور فيصل تتعلق ببروتوكول دقيق ومحدد، وقد طُبِّق بحذافيره على الحالات الألفين التي ذكرها. ويقرر (البروتوكول) أن الوفاة الحقيقية ليست وفاة جذع الدماغ حيث لا تطبق في المملكة وفاة جذع الدماغ بل تطبق وفاة الدماغ بكامله، والسبب في ذلك أن الفتوى التي صدرت من هيئة كبار العلماء كانت تنص على أنه يجب أن يظهر أن دماغ الشخص قد بدأ في التحلل، ولذا وجب أن يكون لدينا دليل على أن الدماغ بأكمله قد بدأ في التحلل، وهذا الدليل الذي نستعمله إما دليل كهربائي عن طريق التخطيط، أو دليل عن طريق تصوير الشرايين، لذلك فإن كل الحالات التي شخص فيها موت الدماغ كانت حالات موت الدماغ كاملاً، وإذا اتبعنا هذه الشروط نجد أنه لم يعد إلى الحياة أي شخص طبقت عليه هذه القرائن جميعاً بالإضافة إلى الأشخاص الذين ذكرهم الدكتور فيصل والذين هم Potential Brain Death والذين تنطبق عليهم القرائن التي تدل على موت جذع الدماغ لكنهم لم يطبق عليهم (البروتوكول) بأكمله حتى يقال عنهم إن موتهم موت الدماغ، ونريد أن نخرج من هذه الندوة بتعريف للموت، لكن تعريف الموت يحتاج إلى قرائن، ونريد أن نتفق هل هذه القرائن ثابتة أم لا؟
الرئيس الدكتور حمدي السيد: هذا الكلام يمكن أن يكون فيه بعض التعارض مع ما استمعنا إليه من الدكتور مختار عندما قال: عندما يحدث وفاة لجذع الدماغ فإن أي نشاط حتى ولو كان قليلاً في القشرة أو المراكز العليا يتوقف بعد قليل.
نريد أن نستوضح بعدما سمعنا من الدكتور فيصل أنه لا يتم عمل المسح الكهربائي للمخ في كل حالة، والذي فهمته أن 10% فقط من الحالات قد يطلب لها عمل رسم كهربائي للمخ أو أشعة، وإنما تعتمد في 80% أو 90% على الفحص الإكلينيكي فقط، ونحن نريد أن تتأكد من حدوث الوفاة لكامل الدماغ، وبالتالي لا بد في رأيي إذا كان هذا صحيحاً، أن يكون هناك مسح كهربائي لكل حالة، فهل هذا صحيح؟(24/11)
الدكتور فيصل الشاهين: ربما يكون هناك سوء فهم في الموضوع لأن كل متوفٍّ دماغياً يكون لديه في المملكة رسم للمخ.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: ولو Spiks خفيفة لا بد أن تستكمل ذلك في فحص آخر.
الدكتور فيصل الشاهين: 10% يحدث معهم هذه الأشياء.
الدكتور خيري السمرة: أحب أوضح أيضاً رسم المخ وهذه الحاجات لا خلاف فيها إطلاقاً فنحن نشخص المريض إكلينيكياً بأنه إصابة لجذع الدماغ وعندما نجري له رسم المخ نجد قليلاً من الـSpiks ولا نكتفي بذلك لأن 100% هذه الـ Spiks لا بد آجلاً أو عاجلاً سوف تتلاشى في 3 أو 4 أيام.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: يا دكتور خيري إذا وجد مثل هذه Spiks فإنك لا تتعجل في إعلان وفاة جذع مخ لكنك تنتظر إلى أن تختفي تماماً أي آثار للنشاط الكهربائي أو كما قال دكتور فيصل ننتقل إلى فحص أكثر تقدماً حتى نتأكد من التشخيص بفحص آخر.
الدكتور خيري السمرة: عفواَ أنا لا اقول إنني أتعجل لا يعني أنني سوف أغير التشخيص، وهذه الـSpiks تعني أنه ما زال هناك بعض الإشارات في جذع المخ فالتشخيص هو في حالة العطل الكامل لجذع الدماغ كون فيه Spiks للنشاط في القشرة مثلما عرفنا فالتشخيص هو هو لكنني أقول بأنها تنتهي بعد 3 أيام، ومن حق البعض أن ينتظر حتى يتأكد تماماً ولا يصح أن نتعجل في ذلك، ولكن ننتظر مثلما قال الدكتور حمدي 7 - 8 أيام نعمل في داخل غرف العناية المركزة وبعدها كل شيء يتوقف من نفسه.
الدكتور محمود كريدية: يا دكتور خيري في سنة 1974 تعاملت مع 50 حالة وأجريت لهم رسم المخ (EEG) وكان الـ€EEG before flate أخذنا خمسين ووزعناهم حتى stags 9
From 1-3 were normal
From 3-6 were boarder line
From 7-9 were upnormal.(24/12)
وبعدين أخذنا الـ ( A,B,C(9 maximum upnormal 9 ) «وهو الموت» وجدنا أن: A and B well Proceed to 9 C which is death لكن الـ criteria في ألباما وفي عدة ولايات أخرى يكون completely flate EEG ولذلك فإن حديثك صحيح وأنا أؤكد كلامك حتى لو قابلنا بعض EEG activity فإنه يحتمل أن ينتهي إلى الموت.
بعد ذلك فإن جماعة (هارفارد) انتهوا إلى موت جذع الدماغ وقالوا: إنك لست بحاجة إلا إلى تعريف موت جذع الدماغ لأن كل مريض مات جذع دماغه سوف يموت كل دماغه بعد ذلك، وفي السعودية يزيدون عليها رسم المخ، ولكنني أشاطرك الرأي أنه موت الدماغ حتى لو وجد به قليل من النشاط في رسم المخ، وحتى يمكننا تحديدها ولكن موت جذع الدماغ كاف حتى نحدد الموضوع.
الدكتور خيري السمرة: وهذا يردّ على قول الدكتور صفوت بوجود خلاف في الرأي فيقول بأن من الضروري أن أعمل رسم المخ ولكننا نريد أن نطمئن أكثر وأكثر.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: دكتور محمد شريف مختار تفضل.
الدكتور محمد شريف مختار: يمكن أيضاً أن اللبس أو التشوش قليلاً لو نظرنا إلى الموضوع بطريقة عامة فإننا سوف نقول لا يوجد تعريف للموت لأننا لم نستطع أن نعرف كيف نعرِّف الحياة؟ لأن تعريف الحياة فلسفي، ولكن تعريفات الموت كثيرة، ومنها المقبول ومنها غير المقبول، وقد تكررت هذه الأشياء ويمكن أن نعيدها، وأولها الموت الإكلينيكي، وأكثر تفسير للموت هو توقف القلب والتنفس، وهذا أضعف شيء معروف في السلسلة.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: فيما مضى لم يكن لدى الأقدمين الوسائل الموجودة الآن، ولم تكن الاكتشافات كما هي الآن فكان يستدل على الموت بتوقف التنفس ثم ببرودة الجسد، ولم يكن أكثر من ذلك معروفاً لأنه - كما قيل في هذه القاعة - إن موضوع الدورة الدموية وهل توقفت أم لم تتوقف؟ هذا المفهوم معروف منذ اكتشاف الدورة الدموية من 200 - 300 سنة.(24/13)
الدكتور محمد شريف مختار: في القرن الأخير ويوم كنا ندرس الطب الشرعي كانوا يقولون بأن هذه هي علامات الموت وكنا نضع مرآة أمام نَفَس المريض وننظر هل توقف أم لا؟ هل كنا نعرف؟ وبقيت التعاريف لا تدخل في تعريف الموت الحقيقي الذي هو الموت المخي الذي هو موت كل المخ والموت الدائم للقشرة الجديدة ويبقى بعد ذلك موت الأعضاء panorganic death أو الحالة الخضرية الموت الاجتماعي clinical, social death (Vegetative State) الموت الحيوي Biological death? حيث يبدأ التحلّل، وبالتالي فأنت أمام تعريفين: موت جذع الدماغ أو موت كل الدماغ والأمران يؤديان إلى نفس النتيجة، وأعتقد أن الصحيح تصنيف المرضى في وحدة العناية المركزة.
إننا نرى في مصر حالات أكثر من حالات الحوادث وهي التي يتم إنقاذها من توقف القلب وقد يتأخر الإنعاش الصناعي ويحدث لهم موت جذع الدماغ وهؤلاء يحدث لهم إما تدهور لبقية الأعضاء أو في خلال عشرة أيام يحدث لهم فشل نخاعي، أو إننا نصنفهم ونقول: لا تُغلَق الأجهزة ولا نقبل فكرة إغلاق الأجهزة، وهؤلاء المرضى يصنفون إما أن المريض: يجري له كل شيء أو يجري له short CPR أو acceptable measure بما فيها التغذية أو minimal support by 20% 02 ونوصل له المحاليل ولا نرفع الضغط إذا نزل.
الأمر الثاني.
الوجه الآخر للعملة هو الالتزام للحالات الحرجة التي يحتاج إلى إعداد خاص وهي الحالات التي لا تعود إليها الحياة رغم محاولة إنعاشها persistant irreversable resuscitation أو حالات فقدان وظائف المخ أو الجهاز القلبي والتنفسي، وهذه الحالات جميعاً يشترط أن تكون دائمة ولا تعود إلى حالتها الطبيعية ولا بد أن تكون لا عودة لها، ويدخل فيها باقي الأمور التي تكلمنا عنها، وقد تحتاج أو لا تحتاج إلى الاختبارات التأكيدية من نوع رسم المخ الكهربائي أو خلافه.(24/14)
الأمر الآخر الذي أريد أن أشير إليه أيضاً هو تأثير موت الدماغ على وظائف الأعضاء الأخرى، وهذا موضوع سيكون موضع كلامي وهو أن أشياء كثيرة تحدث نتيجة نبضات من جذع الدماغ لأن جذع الدماغ محطة تجميع لشبكة جهاز التنبيه للوعي وتحث على وظائف الأعضاء الأخرى.
وقد ندهش عندما نعرف أن تدفق الدم الكبدي تقل، وتدفق الدم الإكلينيكي يقل والوظائف الكلوية تنتهي، ونسبة ثاني أكسيد الكربون Co2. يختل ويحدث نقص الأكسجين وهذا يحدث لأشياء معروفة وبعضها غير معروف من تأثير المخ على الأعضاء الأخرى مثل وظائف القلب.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: يعني دراسات يوم بعد يوم في حالة جذع الدماغ وبيان التدهور بسرعة هائلة ويبدأ الاستجابة للأدوية الخاصة بذلك الإنعاش الكامل للدورة، هل تعني أن هناك تعريفاً واحداً نعم وهو موت كل الدماغ هذا هو التعريف، والقول بتوقف النفَس والقلب ليس هو الأساس بل من الممكن أن تعمل إنعاشاً لأي مريض توقف قلبه وتوقف تنفسه إما بجهاز أو بأي طريق آخر إنما يتوقف على المخ، وفي حالة موت المخ لا يوجد شيء يمكن أن تعمله.
الدكتور شريف مختار: نعم.
الدكتور محمد زهير القاوي: هناك نقطة بسيطة جواباً على موضوع أن الدورة الدموية لم تكن معروفة إلا قبل 200 سنة. إن الدورة الدموية كانت معروفة من قبل 1000 سنة وابن النفيس ذكر الدورة الدموية الصغرى والدورة الدموية الكبرى.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: كان ابن النفيس عام 1300 أي منذ أقل من 1000 سنة.
دكتور محمد زهير القاوي: أقل من 1000 سنة ولكن ليس منذ 200 سنة. والكتب القديمة قد وصلت إلى الشخص وليس به عرق نابض شكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: دكتور حسان له مداخلة:
دكتور حسان حتحوت: لقد وصف ابن سينا النبض وعرفه بأنه رسول القلب وهذا للعلم.(24/15)
الدكتور سهيل الشمري: لي تعليق بسيط على المحاضرة الأخيرة. في الحقيقة الحديث الذي جرى قبل قليل يعكس الكلام الذي تحدثنا عنه سابقاً من أن مفاهيم موت الدماغ هي في الحقيقة مستوردة، فلذلك نرى أصحاب المدرسة البريطانية يطبقون مفهوم موت جذع الدماغ، أما المتأثرون بالمدرسة الأمريكية فيطبقون موت الدماغ ككل (مفهوم موت الدماغ الكلي) ولم يكن أحد يؤمن بفكرة موت فص المخ قبل ذلك، والذين هم persistant vegetative يعدونه نوعاً من الموت أما الإخوة الذين يؤمنون بموت الدماغ كله وموت جذع الدماغ طبعاً يعدون رسم المخ كأنه تأكيد للموت.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: في الحقيقة إن الذي فهمته من هذه المقالة وما تم مناقشته أن يستبعد تماما vegetative في هذه القضية، وحتى الذين يتحدثون عن الوفاة التامة للدماغ يقصدون الجذع وما فوق الجذع، والذين يتحدثون عن الجذع يقصدون أن الجذع سيعقبه في ظرف ساعات أو دقائق أو أيام على أكثر تقدير وفاة أو تحلل باقي الدماغ، فالجذع يموت أولا ثم يعقبه باقي المخ، وهذا قد يختلف عما قيل وما نسمعه في الصحف وما يقال في بعض الأحيان كنوع من التضليل عن السيدة التي ظلت في إغماء لمدة سنتين فهذا ليس موت مخ أو جذع وما يقال عن السيدة التي تم حمْلُها بواسطة الإنعاش والتغذية فهذا لا يحدث مع موت الجذع.
لم نر حالة عاشت أكثر من أسبوعين، وأي قول غير ذلك فهو مبالغة غير مقبولة علمياً - كما يقول الدكتور شريف مختار - وكما أظهرنا في بعض الدراسات التي قمنا بها، فإذا كان هناك موت كامل للجذع فلابد أن يتوقف القلب وتتحلل الأعضاء في خلال أيام وعلى أكثر تقدير من 10 إلى 14 يوماً، بخلاف الكلام الذي يضخم أمام الناس وأمام مجلس الشعب فإن من يقول لهم: إن أحد حالات موت الدماغ كانت لامرأة حامل وبقليل من الإنعاش تم الحفاظ على حملها حتى ولدت وبقى الطفل حياً، فهل يمكن أن يحكموا بالموت على امرأة يمكن أن تنجب طفلاً؟!(24/16)
إن من يسمع ذلك سوف يتهمنا بالقتل. لأن من تنجب لا بد أن تكون أنسجتها حية فالذي يحدث هو خلط متعمد من الذين يقولون: إن سيدة أقامت دعوى في أمريكا لكي يرفع عن طفلها جهاز التنفس والمحكمة العليا قد حكمت لها بعد ذلك بثلاث سنوات، وأنه كان يعاني من موت المخ، وقد بقي كذلك ثلاث سنوات فهذا غير صحيح ولم يكن الأمر كذلك.
الدكتور سهيل الشمري: سيدي الرئيس أقصد أن تواجه مع المؤتمرين في نقطة مهمة هي: هل نقبل بمفهوم موت جذع الدماغ أو مفهوم موت كل الدماغ؟ هذه النقطة أعتقد أنها واضحة للجميع فمعظم موت الدماغ في الحقيقة يحدث كنتيجة لموات الدماغ أو supra tentarial damage أمّا في الحالات التي نواجهها بسبب موت جذع الدماغ فهي حالات نادرة وشكرا.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: الدكتور خيري كان له مداخلة وقال: ممكن تكون trauma مباشرة في جذع المخ وفي خبرتنا أيضاً إما أن نجد Timoblization infarction في midbrain وهذا يؤدي إلى موت جذع المخ قبل أن تتأثر القشرة، فليس صحيحاً أن كل الحالات تبدأ Supratentorial ولكن تبدأ من أسفل إلى أعلى.
الدكتور سهيل الشمري: صحيح ولكن معظمها، وهناك نقطة مهمة لم تذكروها وهي حالة (بارني كلارك) الذي أخذ القلب الصناعي ومات بـbrain stem أحب أن أطرح هذه النقطة على الأستاذ الدكتور صفوت لأننا نعلم أن القلب الصناعي استمر بالرغم من موت الدماغ، وهذه مسالة أخلاقية، فإذا كنت تعدّ توقف القلب هو الموت الحقيقي، فماذا تفعل مع القلب الصناعي؟ هل نبقيه ولا تصدر له شهادة وفاة.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: أريد أن أؤجل هذا الكلام الآن وننصرف جميعاً إذا كنا قد أنهينا ما عندنا. أرجو أن من عنده شيء جديد يذكره حتى لا نكرر ما قيل، والآن الدكتور يوسف ريزه لي: هذا زميل لنا من تركيا نسمع رأيه فهل ستكلمنا بالتركية أم بالعربية أم بالإنجليزية؟(24/17)
الدكتور يوسف ريزه لي: سوف أتكلم بالعربية. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين سيدنا محمد (() اسمح لي يا حضرة الرئيس أولاً بأن أقدم لكم تحياتي معطرة خالصة أحملها إليكم من قلوب مؤمنة تدعو لكم بدوام الخير والبركة والتوفيق في مؤتمركم هذا، قلوب مستقرة في البلد الذي أنقذها الله تعالى - جلت قدرته وعظمته - على يدي عبده الصالح السلطان محمد الفاتح الذي تشرف - وإلى الأبد بما أشار إليه - دون أن ندرك نحن ولا السلطان سر ذلك - سيدنا وحبيبنا الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام، وذلك حين بشر المسلمين جميعاً بحديثه الكريم «لتفتحُنَّ القسطنطينية فلنِعْم الأميرُ أميرها ولنعم الجيش جيشها» وذلك الجيش حيث تم هذا الفتح المبين والحمدُ تعالى في التاسع والعشرين من شهر مارس من عام 1453 من الميلاد.
وبعد فأنتم في كل ما قيل هنا متفقون جميعاً على موت الدماغ، وفي تركيا في بلدنا كلمة قصيرة أود أن أقولها وأنقلها لكم، وهي: أننا نؤمن هناك - وربما تؤمنون أيضاً - بأن التشخيص النهائي هذا هو أمر لا بد من وصفه أو الوصول إليه من الناحية الطبية والقانونية والدينية والأخلاقية، وعندما يتم بإخلاص الوصول إلى هذا التشخيص يلزم علينا أن نكشف لذوي المريض - وبخاصة الذين يرتبط المريض بهم بصورة حقوقية - أن دماغ مريضهم قد مات، ومن ثم نترك لهم كيفية التعامل مع مريضهم هذا، كما نفسح المجال لهم ليعطوا قرارهم النهائي الصائب، على أن هذه العائلة لا بد أن تتوصل إلى إحدى القرارات النهائية التالية:
أولاً: إقفال جهاز النفخ الهوائي المنعش وعدم إجراء أي مداخلة أخرى وإعلان وفاة المريض.(24/18)
ثانياً: إهداء الأعضاء السالمة من المريض المتوفى إلى جهات أخرى للاستفادة منها، الأمر الذي يذكرنا بالقول المعروف «مصائب قوم عند قوم فوائد» وفي هذا المجال - هدية الأعضاء - نحن نؤمن كأطباء معالجين بأنه ليس من شأننا أن نقوم بتلقين ذوي المريض على اتباع ذلك حيث إن هذا التلقين ليس صحيحاً من الناحية الحقوقية والدينية والأخلاقية كذلك ولابأس هنا أن نترك أمر التلقين هذا إلى إدارة المستشفى - وختاماً ليس لي ما أقوله هنا بعد ما قلته.
وفي هذه اللحظة أشكركم جميعاً على حسن سماعكم لكلمتي القصيرة هذه، وأتوجه بالشكر إلى وجوه تذكرنا جميعاً بقوله تعالى في سورة الإسراء. {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وكذلك تذكرنا بقوله تعالى في سورة النحل {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: شكرا للدكتور يوسف ريزه لي.
الدكتور محمد علي البار: بالنسبة (للبروتوكول) السعودي هو في الحقيقة يشمل موت جميع الدماغ، وليس فقط جذع الدماغ - كما وضح الدكتور فيصل - ومع أن الفتاوى التي صدرت من هيئة كبار العلماء، ومفتي عام السعودية، ومن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة الؤتمر الإسلامي، الذي حدث في عمان 1986 هذه المنظمات كلها أباحت وقف جهاز التنفس عند تشخيص موت كل الدماغ.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: إننا سمعنا قولك عندما يتحلل الدماغ فهل سوف تتدخلون في المواصفات؟ أم تتركون هذا للأطباء الثقات الذين هم على علم ومعرفة؟
الدكتور محمد البار: هذه هي الفتوى التي صدرت في عمان.
1 ـ يعدّ الشخصُ ميتاً إذا توقف قلبه ودورته الدموية وتنفسه توقفا نهائياً لا رجعة فيه وحكم بذلك الأطباء الثقات.
2 ـ إذا توقف دماغه توقفا نهائياً لا رجعة فيه وحكم بذلك الأطباء المختصون الثقات.(24/19)
وبهذا المفهوم جاء (البروتوكول) السعودي فأخذ بمفهوم موت الدماغ الكامل وليس موت جذع الدماغ فقط، ومع أن الفروق بسيطة بين الاثنين إلا أن جميع هذه الفتاوى قررت - حتى مفتي المملكة عبدالعزيز بن باز - أنه إذا تم تأكيد أن هذا الشخص قد توقف دماغه ومات، فيسوغ للأطباء أن يوقفوا جهاز التنفس، ولا يحتاج ذلك إلى إذن من الأهل ولا أن يكلموا الأهل.
لكن الذي يجري في المملكة حالياً هو مجرد إجراء مؤقت للتأكد من أن جميع المراكز الموجودة في المملكة والمستشفيات العديدة في كل مكان على المستوى المطلوب، وقد تأكدنا تأكداً تاماً من ذلك لكي لا يحدث أي خطأ، وهذا الحرص الشديد هو الذي جعل اللجنة توافق على أن يستمر المريض على (المنفسة) في الحالات التي لا يوافق فيها الأهل على التبرع، وهي تمثل الأغلبية - حوالي 80% من هذه الحالات - ليس من أجل الناحية الدينية، ولا الطبية فقط، ولكن من أجل التأكد من وصول جميع الأطباء الموجودين في المناطق البعيدة إلى مستوى جيد يستطيعون معه أن يثبتوا هذا التشخيص بكل سهولة.
المرحلة التالية هي وضع هذه الفتاوى في الحسبان; لأن كثيراً من المستشفيات في المملكة العربية السعودية يقولون: لماذا نستمر ما دامت الفتاوى موجودة، والموضوع موجود، وهي فترة مؤقتة ولا شك أنه في الفترة القادمة سيتم إيقاف جهاز التنفس مباشرة بعد التأكد من تشخيص موت الدماغ بكامله. شكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: الأستاذ الدكتور ممدوح جبر.
الأستاذ الدكتور ممدوح جبر: إن شاء الله في دقائق، طبعاً أنا لست متخصصاً في الموضوع كله، ولكني سوف أسأل سؤالين حول هذا الموضوع.(24/20)
هناك فريق من الأطباء يعمل في العناية المركزية، وفريق يعمل في زرع الأعضاء، فهل هناك فريق ثالث يقرر وفاة جذع الدماغ أو الدماغ؟ أم أن أياًّ من هذين الفريقين Conflect of interest يمكن أن يكون موجوداً؟ لأن الأهل قد لا يطمئنون إذا ذهبوا إلى رعاية مركزة وكان الفريق الموجود بها هو الذي يقرر موت الدماغ فقد يكون على اتصال مباشر أو غير مباشر بالفريق الذي يزرع الأعضاء.
السؤال الآخر: نحن نتكلم عن تعريف الموت في العالم الإسلامي - مع احترامي لرئيسنا الدكتور العوضي - بهدف مستقبلي وهو: كيف يمكن أن نستفيد من الأعضاء؟ وفي ظل التعريفات التي سمعناها في المملكة العربية السعودية قد يصعب على أغلب بلدان العالم الإسلامي من بنجلاديش شرقاً إلى مصر غرباً أن تطبق هذه التعريفات كلها، أليس من الممكن أن يركز الباحثون والمتخصصون في العالم الإسلامي على إيجاد تعريفات أيسر تفيد المريض إذا استعملنا هذه الأعضاء؟ شكراً.
الدكتور فيصل الشاهين: باختصار شديد: إن الفريق الذي يقوم بالتشخيص يكون من أي مستشفى وليس له علاقة إطلاقاً بالزراعة حتى لو تدخل واحد من فريق الزراعة في هذا الموضوع لا تقبل هذه الحالة، ويجب أن يكون فريق الزراعة بعيداً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: من أي لجنة مُشكَّلة؟
الدكتور فيصل الشاهين: لجنة مشكلة من إخصائي أعصاب وجراحة أعصاب وعناية مركزة.
الدكتور ممدوح جبر: يجب (( ) يكون المشخِّص يعمل في فريق العناية المركزة نفسه، لأن المريض لن يطمئن عندما يذهب إلى الرعاية المركزة ثم يجد أن الذين يقررون الموت هم أهل الرعاية المركزة أنفسهم، فقد يكون هناك استعجال أو تباطؤ لسبب أو لآخر، وهناك في بعض الأماكن الغربية - على حد معلوماتي السطحية - ففي اجتماع WHO كان هناك ثلاث فرق تقوم بهذا العمل.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: دكتور عبداللطيف عثمان. نرجو الاختصار يا دكتور عبداللطيف.(24/21)
الدكتور عبداللطيف عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، لي تعليق عام، وتعليق على كلام الأستاذ الدكتور مختار المهدي، التعليق العام أنه مع التنبيه والتأكيد من السيد الرئيس على أن نلتزم بالتعريف الطبي للموت إلا أن المتحدثين غير المتخصصين في الدين قد تعرضوا للجوانب الدينية وتعرضوا - أيضاً - لعمليّة نقل الأعضاء، مع أن المقصود من الموضوع هو التعريف الطبي للموت.
الرئيس الدكتور حمدي السيد:
سيدي نحن نخدم الموضوع الرئيسي ونتكلم في موضوعات تُثري الحوار.
الدكتور عبداللطيف عثمان: لقد تعرضنا للدين وتعرضنا لنقل الأعضاء والنقطة المهمة بعد ذلك هي ازدواج اللغة; فيبدو أن القراءة بالإنجليزية تغلبنا فلا نستطيع أن نقاوم ذلك، فمن حين لآخر نُدخل مصطلحاً إنجليزياً وسط كلامنا، فالمناقشة لم تكن بالعربية الفصحى، ولم تكن بالإنجليزية، وكانت الحساسية شديدة من ناحية المفاهيم المستوردة من الغرب. فعندما تقرر الولايات المتحدة الأمريكية بأن موت الدماغ هو موت الدماغ ككل بما فيه جذع الدماغ، ونجد المملكة المتحدة تقول بأن موت جذع الدماغ كافٍ، فليس للحساسية حينئذٍ معنى; لأننا نستخدم الأجهزة المستوردة من الغرب، والعلم ليس فيه حساسية، فمن يضع تعريفاً موضوعياً ومنطقياً وعلمياً نأخذ به دون أيّة حساسية.. هذه واحدة..
والثانية: أن استخدامنا لكلمة المخ والدماغ فيها خلط شديد فمع توضيح الأخ الزميل لذلك في كلمته لكنني أكرر ثانية أن كلمة Brain تعني دماغ وتشمل Cerbrum وهو المخ وCerebelum وهو المخيخ «المخ الأصغر» وBrain stem وهي جذع الدماغ، إذاً فكلمة (برين) التي هي الدماغ تشمل المخ والمخيخ وجذع الدماغ، وهذا تعريف عام.
هذا هو التعليق العام.
أما التعليق على كلمة الأستاذ الدكتور مختار المهدي: فإنه قال في كلمته: بأننا ننتقل مباشرة إلى الفحوص المؤكدة أو الاختبارات المؤكدة; لكن الكلام (الإكلينيكي) عليه جدل.(24/22)
لكنني أرى أن العكس هو الصحيح، فالأصل في تشخيص موت الدماغ هو التشخيص (الإكلينيكي) في انجلترا وأمريكا وكل بلاد العالم، ونلجأ - فقط - إلى الفحوص المؤكدة أو الاختبارات المؤكدة في الحالات المشكوك فيها، لا داعي لها.
ومع احترامنا الشديد لما يفعله الإخوة في السعودية أخذاً بالأحوط، لكن المعمول به في كافة المراكز العلمية في العالم، والرعايات المركزة في العالم شرقه وغربه أن التشخيص (الإكلينيكي) هو الأساس ويلجؤون إلى فحوص تأكيدية بطريقتين محددتين - فهي فحوص أخرى - وهما: تخطيط كهربائية الدماغ أو تخطيط كهربائي الدماغ وتصوير الأوعية المخية أو قياس دوران الدم في المخ وشكراً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: معذرة، الدكتور مختار يريد أن يرد، ولكننا نريد أن ننتهي من هذا، وأريد أن أقول بأننا إذا كنا نستورد بعض الأفكار من أمريكا فليتنا نستورد حرص المملكة المتحدة على حقوق الإنسان، فنحن نتكلم عن المنطقة العربية والإسلامية وحال حقوق الإنسان فيها يرثى له; فإذا كانوا يتاجرون لأجل العلم - ولقد درست التربية في انجلترا medical ethics فلا أحد يستطيع أن يتحدث، ولقد تكلم الدكتور أبو شادي الروبي على كتاب medical ethics أنا أهدي المنظمة هذين الكتابين medical ethics أو هما يكادان يكونان شبه قرآن أو دستور. وهذه المهنة التي تتبع هذه Medical تهتم بالواجب عندما تتحدث عن نقل الأعضاء من الأطفال وتتكلم عن الإقرار بالتوقيع (الكونسنت) بأنه لا يجوز، وقالوا: (إنه لا بد أن تأخذ رأي الطفل حتى لو كان هذا الطفل عمره 13 أو 14 سنة فلا بد أن تأخذ رأيه ولا يجوز الاكتفاء برأي الوصي عليه)، ويسعدني أن أهدي بعض هذه الكتب للمنظمة لأجل أن تعلم أننا عندما نتحدث عن الخواجات لا نقول بأنهم خرجوا عن الملة أو الدين فهم يحترمون الإنسان والبشر وحقوقه، ولا يمكن أن يمس به بشكل من الأشكال فلا مانع أن نأخذ منهم مثل هذه القضايا.(24/23)
الأستاذ الدكتور حسان حتحوت: أرجو أن أستبعد من قبل ومن بعد تعبير [تحلل الدماغ] لإنه لا سبيل إلى معرفة هذا إلا بالدخول إليه أو أخذ عينة منه فلنستبعد هذا المصطلح تماماً لأن تشخيص جذع الدماغ تشخيصاً سريرياً هو الأساس، ولقد كان إبراهيم مؤمناً، ولكنه قال: ولكن ليطمئن قلبي- فالاختبارات كلية محضة ويظل التشخيص تشخيصاً إكلينيكياً كذلك، وأنا ألاحظ أن الذين التزموا بلغة واحدة كانت العامية، فحبذا أن يدور النقاش بلغتنا العربية السليمة الصحيحة وشكراً; وأعلم أن هذا مستحيل.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: سنحاول فيما هو قائم - لا زال أمامنا دقيقتان اثنتان.
دكتور مختار سوف يتحدث إذا كان يريد أن يعلق على بعض ما قيل. والدكتور فيصل سيتحدث، وبعد إذنكم سننهي هذه الجلسة، حيث الساعة الآن 2.40 دقيقة.
الدكتور مختار المهدي: رغم اعتقادي أن التشخيص الإكلينيكي كاف إلى حد كبير - وهذا ما قلته في كلمتي - إلا أنني جنحت إلى استبعاد الناحية الإكلينيكية لأننا ما دعينا إلى هذه الندوة إلا بسبب من ينكر تماماً وجود ما يسمى بموت الدماغ فكان كلامي هو إثبات أن هناك ما يسمى بموت الدماغ وهذا هو السبب وشكراً.
الرئيس الدكتور حمدي السيد: الدكتور فيصل كلمة أخيرة إذا كان لديك ما تضيفه.
الدكتور فيصل الشاهين: ليس لدي ما أضيفه بعد هذا ربما وصلنا إلى قناعة بأن موت الدماغ شيء أساسيٌ لتشخيص الوفاة.
المستشار إبراهيم علي حسن: كلمة صغيرة للأستاذ الدكتور ممدوح جبر بشأن تعارض المصالح في النقل: لقد درست جميع تشريعات العالم - في هذا الشأن تقريباً - من أمريكا إلى استراليا، وكلّها تقرّر أن هناك انفصالاً تاماً للمجموعة التي تقرر الوفاة عن المجموعة التي تقوم بالنقل، فهذه مستقرة تشريعياً في جميع أنحاء العالم ولا مشكلة فيها واطمئن.(24/24)
الرئيس الدكتور حمدي السيد: شكراً للمستشار إبراهيم، والسيد أمين المؤتمر يبلغكم رسالة بأن الجلسة التالية إن شاء الله ستبدأ في الساعة الخامسة والنصف تماماً وشكراً جزيلاً.(24/25)
المناقشات
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم: بعد هذا التوضيح الجيد من السادة الزملاء - وخاصة الدكتور حسن - للشروط اللازم توافرها لتشخيص جذع الدماغ لست أدري لماذا نرفض هذه الشروط؟!
لقد سمعت تعبير (التعريف الشرعي) أو (التعريف الإسلامي للموت) والذي أعلمه: أن كلَّ تعريف للموت - منذ أن صدرت التعريفات إلى الآن - هي اجتهادٌ وأن كل تعريف يمثل ثقافة عصره، فقديماً كان يتولى ذلك التحديد: الجَدُّ أو المسِنُّ في القبيلة أو في العائلة ثم الكهنة أو العرافون ثم من يتعاملون مع المرضى أو الموتى بالعلاج أو بالدفن، وكان الفقهاء الذين يُسألون عن الأحكام يبذلون جهدهم في دراسة هذا الموضوع، حتى توصلوا إلى حركة المذبوح.
وعندما نأتي إلى عصرنا هذا، ويتسع العلم وتتسع التخصصات ويصبح هناك تخصص من داخل تخصص مثل; الدكتور خيري أو دكتور حمدي أو دكتور عباس مثلاً الذين اختاروا أن يتخصصوا في الطب ثم اختاروا أن يتخصصوا من الطب في الجراحة ثم اختاروا أن يتخصصوا من الجراحة في جراحة القلب أو جراحة الأعصاب، وهنا نقول لهم: لا نرفض شروطكم، ونضع في الحسبان أن اجتهادهم هو اجتهاد يمثل عصراً من العصور حسب ما يتوفر لهم من ثقافة.(25/1)
فالشروط التي ذكرها إخواننا لم تزدد على مر عقدين أو ثلاثة عقود إلا تأكيداً أو إثباتاً، وقد قامت بعض دراسات بتحديد هذه الشروط لاختيار جدية هذه الشروط، وهي الدراسة التي أجريت في انجلترا على ألفٍ ممَّن ماتوا، فهل كان يمكن أن يتم التشخيص خطأ؟ لا لم توجد حالة واحدة كان يمكن أن يخطئ الأطباء في تشخيصها على أنها موت جذع الدماغ. ولقد طُبقت الدراسة - أيضاً - من الناحية المقابلة على 700 حالة استمرت على الأجهزة لسبب من الأسباب بعد تشخيص موت جذع الدماغ، ولم تعش حالة واحدة منها، ثم تبع ذلك مؤتمرات كثيرة، كان آخرها مؤتمر في (سان فرنسيسكو)، ولم يَثْبت أن حالة واحدة من التي تم تشخيص موت جذع الدماغ فيها عادت للحياة، فإذا كان التشخيص صحيحاً فيمن ماتوا، ولم يمكن التشخيص خطأ فيمن عاشوا فهل تكون هذه شروط صحيحة؟ هل ثبت بالاختبار والفحص أم لا؟ فماذا نريد أكثر من هذا لاشتراط الموت؟.
إن الاختلاف قائم حول درجات التأكيد، فهناك مركز يريد أن يتأكد ويقوِّم فحصاً مثل إخواننا في السعودية الذين يريدون أن يتأكدوا، ولظروف معينة يشترطون اشتراطات أكثر، ولكن لا خلاف حول مفهوم جذع الدماغ كمفهوم أو حقيقة، وقد نقول: إنها ثقافة غربية ولسنا ملتزمين بالثقافة الغربية، ويعذرني الدكتور حسن حتى لو فرضنا أنها ثقافة غربية فقد قام أطباؤنا في مصر والكويت والسعودية بتحري هذه الشروط.(25/2)
دكتور خيري السمرة يقول إنه: لم يجد حالة واحدة ممّن تعرضوا لها شُخِّص فيها موت جذع الدماغ وعاشت، ويشاركه الدكتور مختار في ذلك، بل إن الدكتور عباس وزملاءه في الكويت، وإخواننا في المراكز السعودية قد جربوا هذه المعلومات ووجدوا أنها صحيحة وقبلوها، فهي الآن لم تعد معلومات غربية، ولكنها علم جاءنا من الغرب بحثناه ومحّصناه ووجدناه صحيحا، فهل إخواننا الذين يقولون: بأن هذا خطأ هل بين أيديهم حالة جربوها وعاشت؟ الخلاف إذن على الشروط، ومن يقول بأن هذا الشخص يعد حياً في مكان وميتاً في مكان آخر؟! إذن سوف نرفض هذه الشروط وتلك قضية خطيرة جداً. لقد قال الدكتور صفوت لطفي صباح اليوم: إن الذي يقرر موت جذع الدماغ والذي يوقف الأجهزة أو ينزع عضواً من المريض يُعدّ قاتلاً، ويجب عليه القصاص، وهو طبيب مسلم، ويقول طبيب مسلم آخر مثل الدكتور مختار المهدي بأن هذا رجل بذل جهده لإحياء حياة وينطبق عليه {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} فهذان طبيبان يتكلمان برأيين مختلفين من الإسلام هل نبطل الإسلام لأنهما اختلفا؟! أم نقول كما قال ابن الرومي في الخلاف الفقهي حول النبيذ.
هذا هو نفس المنطق الذي يقول: فلان ميت في (هارفارد)، وحي في (لندن) إذاً نلغي الموضوع كله، أرجو ونحن نتحدث في موضوع دقيق وحساس ويتعلق بالموت ويتعلق بالدين ويتعلق بالممارسة الطبية وهي مهنة من أدق المهن، أرجو أن نتلمس الدقة في الاستدلال على الكلام، وفي الاستدلال على التجارب الطبية بكثير من الآيات والأحاديث، ولقد ذكر في الأبحاث المقدمة آيات لا تدل على شيء مما يراد الاستدلال بها عليه، ولكنني لا أتعرض لهذا. وإن إخواننا فيهم البركة ليردوا على ذلك وسوف تعرض عليهم في النهاية وسيظهر أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا يثبت للتمحيص الطبي أو الفقهي، وأكتفي بهذا القدر.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً للدكتور عصام.. تفضل دكتور حسّان...(25/3)
الدكتور حسان حتحوت: بسم الله الرحمن الرحيم: لقد كان التعريف الفقهي للموت - على مدى العصور يعتمد على ما توافر من معلومات طبية في هذا العصر، ولهذا فجديد عليّ أن أرى هذا الفصام بين المعنى الشرعي، والمعنى الطبي للموت.
وفي هذا النطاق أود أن أعقب باستدراكة طفيفة على كلام الأخ الدكتور خريبط بأنه عندما ذكر حركة المذبوح; وذلك أن رجلا فُصِل رأسه عن جسده، وظل الجسد يتشنج ويتحرك حركة المذبوح، وأود أن أزيد فأقول:إن حركة المذبوح في الفقه الإسلامي هي أخف من ذلك بكثير; فحركة المذبوح في الفقه تعني أنه إذا اعتدى إنسان على إنسان آخر بطعنة في بطنه حتى خرجت حشوته - مفرد أحشاء - فإن هذه الإصابة تعد إصابة قاتلة حتى قبل أن يموت هذا المصاب، بحيث لو جاء واحد آخر فأجهز على هذا المصاب بقطع رقبته وفصل رأسه عن جسده، ظلت تهمة القتل موجهة إلى الأول الذي وجه الإصابة القاتلة، أما الثاني فيعذَّر ولا توجه إليه تهمة القتل، وقد كان هذا هو صميم الفقه الإسلامي.(25/4)
وعندما جلسنا مع الإخوة الفقهاء في ندوة 1985 قلنا لهم: هذا الفقه الذي كان سليماً في عصره أصبح اليوم خاطئاً فينبغي تغييره ولا ضير في هذا، فثوابت الشريعة محدّدة، أما الفقه فمتغير بظروف الزمان والمكان، وقديماً كتب الشافعي مذهبه في بغداد فلما ذهب إلى مصر كتب مذهبه الجديد، فكان يقال: قال في القديم وقال في الجديد، وقلنا لهم: أن امرؤا مطعوناً خرجت أحشاؤه لا يوصف الآن في عصرنا هذا بأنه في حركة الذبيح أي أن إصابته قاتلة; لأننا نستطيع الآن أن نتعامل جراحياً مع هذه الإصابة فيشفى المريض ويعود إلى سويته، أما الذي نصفه الآن فهو الذي استدبر الحياة إلى غير رجعة، ويكون في موقف المقتول أو القتيل أو الذبيح فهو رجل مات مخه ومات جذع مخه، وقد أخذ إخوتنا الفقهاء بهذا التحديد، ووافقوا عليه وقالوا: إن مثل هذا الشخص يكون قد فارق الحياة إلى غير رجعة، وأصبح صالحاً لأن تجري عليه بعض أحكام الموت، لماذا بعض؟! لأننا لن ندفن إنساناً وقلبه ينبض ولو بالأجهزة ولكنه يعد في حكم الميت ومن كان في حكم الميت فهو ميت وشكراً.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً دكتور حسان على هذه الإفاضة فيما جاء في الصباح وبعد الظهر، وأعتقد بأن حركة الذبيح الآن فعلاً معناها أن هناك تغيّراً في الفقه لتغيّر الوضع الطبي، ولعلّ أهل الذكر كانوا دائماً هم الأطباء، وكان الفقهاء دائماً يعتمدون على رأي الأطباء حتى لا يختلفوا في أمور طبية، ونرجو أن نلتزم بالأمور الطبية لأننا لسنا فقهاء، وبالتالي لن نريد أن ندخل في موضوع الروح، وكيفية خروج الروح ودخولها، إنما الذي نريد أن نتثبّت منه بأن هذا الشخص قد توفي إلى غير رجعة حتى لا ندفن شخصاً لم يمت، أو حتى لا نأخذ عضواً من شخص لم يمت، أو حتى لا نحكم بالموت على إنسان قبل أوانه.(25/5)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: أيها الإخوة أنا حريص على أن نرى أحوالنا العملية في العالم الإسلامي متوازنة حيث إن هناك فرقاً بين الاتفاق في المفاهيم بيننا هنا، وبين الممارسات الواقعية الحقيقية. إن العالم الإسلامي يعاني من ضعف في الخدمات، وصعوبة في نقل المرضى وفي رعايتهم وفي توصيلهم إلى أماكن العناية المركزة، وفي وجود الخدمات الأساسية الخاص بالعناية المركزة، وفي وجود الفرق العاملة، وفي مدى علم هذه الفرق العاملة وقدرتها على أن تصل إلى المستويات التي تتطلبها والتي هي جديرة بالاحترام في مواقف الموت.
ومن هنا فإنني أتفهم جيداً وجهة نظر الأخ الدكتور صفوت وهلعه حول إمكانية الإساءة بالكرامة الإنسانية. والحقيقة أن هذه الظروف الموجودة تدعونا إلى أن نحسّن هذه الظروف، وأن نساعد على تكريم الفرق، وأن نعلِّم الأطباء وإلى أن نبعث ثقة الجمهور في وسائل التشخيص وغيرها حتى نحصل على أوضاع تليق بالاحترام في نظر الجماهير، وحتى لا نشكك في الهيئات الطبية التي تهتم بالمرضى في حالة الموت.(25/6)
النقطة الثانية التي أريد أن أتطرق إليها - وقد أشار إليها الأخ الدكتور رؤوف سلام اليوم صباحاً - وهي: أنه ليست هناك مشكلة لو تم تشخيص موت المخ وبقي المريض قليلاً على جهاز التنفس حتى لا نثير الشكوك، وأقول لكم بأن عدد الحالات التي تحدث لها إصابات في الرأس في العالم في حدود 250 في المليون فإذا كان عندنا 1000 مليون مسلم، فيكون عندنا في الحقيقة 250 ألف مريض سنوياً سوف يوضعون على الرقابة بسبب إصابات المخ، سوف يصل منهم إلى حد وفاة المخ فعلاً 50 ألف من هذا الألف مليون سنوياً، وأذكّر الأخ الدكتور رؤوف سلام بأننا يجب أن نستعجل بل نضرب 50000610 أيام حتى يموتوا وتتوقف القلوب نهائياً ويطمئن الأطباء فسوف نَصِل إلى 50 ألف يوم على جهاز تنفس ventilator و50 ألف جهاز تنفس وعندما ننظر إلى البنية الأساسية واستثمار رؤوس الأموال فإنّني أعتقد أن مبلغ الإنفاق على المريض يصل إلى 1500 دولار في اليوم إذا أخذنا في الحسبان ثمن جهاز التنفس ventilator والأجهزة والهيئة التمريضية والأجور والأسعار ونعطي طبعاً homotropic وأدوية ترفع الضغط وهكذا وهكذا فنصل إلى 750 مليون دولار، 750 مليون دولار ونضيف إليهم 250 مليون دولار تكلفة لوعة الأهل وتركهم لأعمالهم، ونفقد في اليوم مليار دولار في مجتمع إسلامي متوسط دخل الفرد السنوي فيه هو 500 دولار على أحسن الفروض، فإذا وضعنا أنفسنا أمام مرضى قد ماتوا ولو رجع واحد من الـ€50 ألف مليون بخسارة مليار دولار سنوياً، ومن هذه الناحية أنا لا أقوّم الموت بالدولار - عفواً يا ربي أن يكون قصدي ذلك -، ولكن الإسلام يقول: بأن الحي أبقى من الميت وهذا من المصالح المرسلة، فنحن أمام موت تم وتحقق وأرجو من الإخوة أن يضعوا في الحسبان الظروف السائدة في المجتمع الإسلامي من الناحية الاقتصادية كما فصلنا، ومن الناحية العلمية ومن ناحية توفر الإمكانات وشكراً.(25/7)
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً الدكتور عبدالمنعم
الدكتور صفوت لطفي: بسم الله الرحمن الرحيم بعد اطلاعي على الأبحاث المقدمة للندوة والمناقشات التي دارت في الجلسة الصباحية والمسائية، فقد أتاح هذا الأسلوب العلمي عرض أحدث المراجع والآراء العلمية التي أوردها السادة الزملاء حول مفهوم موت المخ، ويتبين منها صحة ما أقول من حقائق عن خطورة ما يسمى بموت الدماغ وعدم جواز الأخذ به من النواحي الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، وسوف اقتصر في حديثي على الجوانب التي لم ترد في أبحاثنا السابقة في صورة حقائق علمية جديدة أوردها السادة الزملاء في أبحاثهم وتؤكد ما أوردناه.
أولاً: أكدت معظم الأبحاث التي ألقيت أن السبب الرئيسي والدافع الحقيقي وراء استحداث مفهوم موت المخ، هو الحرص على جني الأعضاء من مرضى الغيبوبة العميقة، ومصابي الحوادث، وخدمة عمليات نقل الأعضاء، ويكفي أن أورد ما ذكره الدكتور عدنان خريبط رئيس قسم فسيولوجيا الأعضاء بمستشفى ابن سينا بالكويت نقلاً عن المراجع الأجنبية، والذي قال فيه بالحرف الواحد كما هو موجود في بحثه ص1 عن أسباب التشخيص المبكر لموت المخ: إن السبب الأول هو تشوُّف فريق نقل الأعضاء لاستخدام أعضاء الجسد في عمليات نقل الأعضاء.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: عفواً دكتور اسمح لي هناك فرق كبير بين عضو المريض وبين عضو الميت.
الدكتور صفوت لطفي: إن السبب الأول هو تشوُّف فريق نقل الأعضاء يعني Brain death أو Brain stem death استحدث أساساً لأجل نقل الأعضاء هذا باعترافه وكما يعترف الدكتور مختار المهدي في بحثه عندما قال في ص 14: إن جهود العلماء في متابعة من يسمون موت المخ بالأدوية تستهدف الحفاظ على الأنسجة والأعضاء لأطول فترة ممكنة للزراعة حيث إن الهدف الحقيقي المرتبط بتشخيص الموت هو المحافظة على الأعضاء حتى يمكن جنيها في حالة صالحة للزراعة.(25/8)
وكما يعترف الدكتور محمد علي البار في ص 17: بأن الهدف الحقيقي من الفتاوى الدينية بالاعتراف بما يسمى بموت المخ هو فتح الباب لزراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً، وفي ضوء هذه الحقائق فإنه لا يصبح مقبولاً ما يقوله بعض السادة الأساتذة الزملاء من أن سبب حرص الأطباء على تشخيص المخ هو إكرام الميت بالتعجيل بدفنه بدلاً من تركه فترة على أجهزة الإنعاش كما جاء في بحث الدكتور حسين ماليباري، كما أن الإحصائيات التي أوردها سيادته في ص 9 والتي تفيد أن جني الأعضاء قد تم في 40% فقط من حالات الإبلاغ عن الوفاة الدماغية ليست دليلاً في ذاته على قلة حرص الأطباء على جني الأعضاء، حيث إن الحالات الباقية يصعب فيها جني الأعضاء، إما لأسباب طبية تتعلق بصالحية الأعضاء مثل: الهبوط الشديد في درجة الحرارة، أو إصابتها - كما ذكرت في الصباح - التهاب الرئوي أو خلافه أو عدم موافقة الأهل، أو مشاكل تتعلق بجنسيات الأفراد الذين يؤخذ منهم هذه الاعضاء، أو غيرها.
ثانياً: أكدت الأبحاث التي تناولت تفاصيل مفهوم المخ صحة ما أوردناه من الخلافات الواسعة والمستمرة حتى اليوم سنة 96 بين المراكز المختلفة حول تشخيص موت المخ والتي تختلف من دولة لأخرى، أو من ولاية لأخرى، ومهما قلّت هذه الخلافات فقد أورد دكتور عدنان خريبط في بحثه بعض (البروتوكولات) المطبقة في تشخيص موت المخ في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها، وتبيّن منها وجود الخلافات بين هذه (البروتوكولات) حتى الآن، وبين هذه الدول بعضها البعض، وبين المراكز المختلفة في الدولة الواحدة كالولايات المتحدة، واستمرار هذه الخلافات حتى اليوم حسب المراجع التي ذكرها سنة 95.(25/9)
وإذا كان بعض الأطباء يحاولون تبسيط هذه الخلافات والتقليل من أهميتها، فإننا نشير إلى ما ذكره الدكتور عدنان خريبط في بداية بحثه ص1 من أن هذه الخلافات تصل في خطورتها إلى حد أن البعض يروْن عدم جواز أخذ الأعضاء على الإطلاق ممن يسمون بموت جذع المخ قياساً على عدم جواز أخذ الأعضاء من حالات انعدام القشرة المخية والحالة الخضرية الدائمة Persistant Vegetative State; وذلك على اعتبار أن هذه الحالات جميعاً لا تتحقق فيها معايير موت المخ الكاملة، كما نشير إلى التحفظات التي أوضحتها الدكتورة أسمهان الشبيلي في بحثها (نهاية الحياة الإنسانية) في ص 6 من أن ظاهرة استمرار النشاط الكهربائي الصادر عن المخ - عند من يسمون بموت جذع المخ - تعني استمرار عمل فص الدماغ، وتقول في توضيحها لهذا التحفظ: إننا نعلم بأن موت جذع المخ لا يستقيم معه الاستمرار في عمل فصّيْ الدماغ، كما تشير في التحفظ إلى ظاهرة وجود تغيرات في النبض، وضغط الدم عند المرضى الميّتين دماغياً في أثناء عمليات انتزاع الأعضاء منهم، وهذا ما أوضحتُه في بحثي من ضرورة إعطاء هؤلاء المرضى مخدراً عامَّا ومرخيات عضلات; فإذا كان جثة حقيقية فلماذا نعامله معاملة المريض الذي تجرى له عملية؟!، وقد أكد كتاب المؤتمر الدولي الأول لموت المخ سنة 92 ص 25، 26 شدة الخلاف.
التعريف الثاني هو موت كل المخ Whole Brain Death? والتعريف الثالث أيضاً الذي نادى به بعض الأساتذة في هذا المؤتمر، وهو موت الوظائف العليا للمخ? higher brain concept of death.(25/10)
ويرى الداعون للأخذ به أنه يكفي للإعلان عن وفاة الإنسان أن يفقد ما يميزه كإنسان، وهذه نقطة في منتهى الخطورة يا حضرات الأفاضل فقد قال أحد الأطباء في (بيونس أيرس): إذا كان هذا صحيحاً فسيكون المجنون أيضاً كذلك; لأنه يفقد هذه الخاصية، وأوصى أن نأخذ أعضاء المجانين، وقد أدانته الهيئات الصحية التابعة للأمم المتحدة، وهذا التعريف أيضاً يواجه معارضة كبيرة لأنه يحكم بالموت على كل مرضى الغيبوبة العميقة والمسماة Persistant Vegetative State والأمراض العقلية كالذهان (الخرف)، والجدير بالذكر أن بعض الأطباء العرب قد مال إلى التأكيد على الأخذ بهذا، رغم المعارضة الواسعة، ويتحمس له ويطالب به كحل للمستقبل; وذلك مثل البحث الذي استمعنا إليه الآن من السيد الدكتور سهيل الشمري، والذي قال: بأن موت المخ هو المأزق والحل ص9، فنرى أن حل هذه المعضلة الفلسفية سيكون في أن فقدان الوعي وبصورة نهائية هو الموت الحقيقي، وهذا أمر شديد الخطورة، وفي هذا الإطار سيكون المرضى النباتيون والمولودون بدون دماغ في عداد الأموات بالرغم من حياة أبدانهم، وبعد أن أكد كتاب المؤتمر الدولي لموت المخ سنة 92 استمرار وشدة الخلافات أيضاً حول موت المخ أكد أيضاً في التوصيات ص 24 وفي نهاية مناقشاته أن المناقشات التي دارت حول موت المخ لم تنته بعد، وأن موت المخ يكتنفه التخبط بين الأطباء حول حقيقة حالة المرضى الذين تتوقف وظائف المخ لديهم، ولكن خلايا وأنسجة الأعضاء وأجهزة الجسم المختلفة تستمر في الحياة.(25/11)
أما ما قاله بعض الزملاء عن استقرار الشروط و(البروتوكولات) البريطانية لموت المخ منذ عام 76 مثل الدكتور مختار المهدي، أو من سنة 81 مثل الدكتور حسين ماليباري وأن ذلك قد تم بعد إجراء دراسة على مئات الحالات التي ذُكرت طبقاً للمعايير البريطانية، فإن هناك دراسات عكسية أخرى على مئات أخرى من الحالات أيضاً التي لا تنطبق عليها هذه المعايير، ولو أن النتائج في هذه الأبحاث كانت تؤكد دقة هذه المعايير بنسبة 100% كما ورد في كتيب ملخص الأبحاث الذي أرسلته منظمتكم، فإننا نشير إلى الدراسات المنشورة، والتي تختلف فيها هذه الأقوال، وذلك مثل الدراسة التي أجراها (مستر كولسن) في سنة 80، والتي أثبت فيها أن 14 حالة من هذه الحالات قد عادت إلى الحياة الطبيعية بعد تشخيصها تشخيصاً كاملاً كموت جذع المخ طبقاً للمعايير البريطانية British Medical Journal في سنة 80، وكذلك دراسة (البروفسور هوجو) في سنة 81 التي أثبت فيها أن 25% من المرضى الذين تم تشخيصهم كموت جذع المخ طبقاً للمعايير البريطانية قد استعادوا الأفعال الانعكاسية لجذع المخ مرة أخرى.(25/12)
وقد اعترف الدكتور مختار المهدي في بحثه عن مفهوم وفاة الإنسان بصحة ما أوردناه من الاختلافات الشديدة حول مفهوم موت المخ ودوافعها الحقيقية، ومخاطرها في كافة أنحاء العالم، فذكر في ص «16» وجود هذه الاختلافات بين المراكز المختلفة في تشخيص موت المخ محاولاً أن يبرر هذه الاختلافات بين المراكز المختلفة في تشخيص موت المخ بما سماها في ص «17» بمحاولة الموازنة والمعادلة بين الأيدلوجية وآداب مزاولة مهنة الطب، وأيضاً مراعاة الجوانب النفسية لكل الأطراف وبين توفير أعلى فرص للنجاح من الناحية الجراحية لعمليات زرع الأعضاء، ويعترف في ص «17» بالنوايا والأسباب الحقيقية الكامنة وراء محاولة الإسراع في تشخيص موت المخ فيقول بالحرف الواحد: «إن فرص نجاح جراحة وزراعة العضو تكون في أحسن حالاتها إذا نقل العضو فور موت جذع المخ مباشرة»، ثم يعود في ص «18»، ويعترف بأنه ليست هناك أي شروط لتشخيص موت المخ متفق عليها وملتزمة بين المراكز جميعاً في كافة أنحاء العالم، وأن لكل مركز أن يضع ما يشاء من هذه الاشتراطات، فيقول بالحرف الواحد: «ولكل مركز من المراكز العلمية حريته في وضع الاشتراطات، والتي تتفق مع معتقداته»، كما يقول: «ولا يوجد لأي مركز علمي إلزام على ما يراه الآخرون» وكذلك فإنه يعتبر (بروتوكولات) تشخيص موت المخ تتعرض للتعديل والتحديث والتغيير والتبديل المستمر فيقول: «وهذا لا يمنع إجراء تعديلات بين الحين والآخر على هذه البروتوكولات بإدخال فحوص مستحدثة تكون أكثر دقة».
والخلاصة التي اعترف بها الدكتور مختار المهدي من أن موت المخ مجرد مفهوم يتعرض للاختلاف من بلد إلى آخر، ومن ولاية لأخرى ومن مركز لآخر، بل ومن وقت لآخر، وأنه ليس حقيقة طبية ثابتة متّفقاً عليها بين الأطباء في أنحاء العالم، وهنا أتوقف وأسجل أسفي للأسلوب الذي وصف به ما أوردته حول وجود واستمرار الخلافات حول موت المخ.(25/13)
ومن الجدير بالذكر أن ما أوردته من حقائق حول ما يسمى بموت المخ يستند إلى الأدلة الشرعية التي هي أساس ديننا والأساس الذي خلقنا له، وهذا الذي سينْجينا ويضعنا أمام مسؤوليتنا أمام المولى عزَّ وجلَّ مصداقاً لقوله تعالى {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} وأشار العديد من الأساتذة في بحوثهم وفي كلامهم إلى الاستمرار والإقرار; استمرار عمل معظم أجهزة الجسم - كما أوضح السيد الدكتور خيري السمرة - وأعضائه لدى من يتم تشخيصهم بموتى المخ أو موتى جذع المخ، ولما كان استمرار هذه الوظائف - من وجهة نظري، ويؤيدني الكثير من الأطباء وعلماء الدين في مصر - هو دليلاً قاطعاً على استمرار الحياة، ومانعاً شرعياً وأخلاقياً من انتزاع الأعضاء من هذا المريض الحي، فإن هذه الأبحاث تحاول التقليل من أهمية استمرار هذه الوظائف; كما قال الدكتور مختار المهدي ص «12،13». بأن هذه الأعضاء يصعب عليها الاستمرار الطويل، ويقول في ص «24»: «بأن الحديث عن قلب ينبض وكُلًى تعمل هو حديث بلا معنى فأيهما لن يفيد صاحبه بعد ذلك» محاولاً بذلك أن يقلل من خطورة ومدلول ظاهرة (لازروس) فيذكر أنها أقوال وأفعال انعكاسية.(25/14)
وأنا أردّ عليه بالآتي: إن استمرار عمل الأجهزة المختلفة: كالقلب والكبد والجهاز الهضمي والكليتين وإفراز الهرمونات والاحتفاظ بدرجة الحرارة الطبيعية - وهو ما أقر به حضراتكم جميعاً - إنما هي كلها أدلة قاطعة على الاستمرار في الحياة لهؤلاء المرضى; إذ لا يمكن أن يوصف المريض الذي تعمل فيه كل هذه الأجهزة بأنه ميت كما أن chomber de debotie في فرنسا، والتي أقرت مشروع قرار زراعة الأعضاء وهي - أعتى الدول تطبيقاً لهذه الاشتراطات - لم تستطع أن تصفه بأنه ميت، بل أسموه بالميت الحي، وقالوا في المذكرة التفسيرية: إنه حي لأن أعضاءه حية وأنه ميت من الوجهة القانونية حسب القانون الفرنسي - لأنه فقد الاتصال بالآخرين فقط، ولو أعطي هذا المريض مسميات كموت المخ أو موت جذع المخ; إنني أقول: إن الميت الحقيقي لا يحتاج إلى تخدير لانتزاع أعضائه، على حين يتم تخدير من يسمون بموتى المخ تخديراً كاملاً وعاماً full general anaesthesia لتجنب حركة الجذع والأطراف من ناحية، ومنع المؤثرات الجراحية Surgical Stimulator على الدورة الدموية من ناحية أخرى، وقد علق على هذه الحقيقة (البروفسور ديفيد); (وهو) أستاذ التخدير بجامعة (كامبريدج) بقوله: كم من المرضى الذين تم جني الأعضاء منهم كان يمكن لهم أن يفيقوا لو استمرت إجراءات عملية الإفاقة How many of patient used for organ harvesting might be recovered had P R be continued. The question is more urgent considering that the patients used for organ harvesting both require and receive and routinly full general anaesthesia with paralysis for the performance of surgery a situation is difficult. في مجلة التخدير ديسمبر 1993.(25/15)
إن الحديث عن الأعضاء التي تعمل ليس حديثاً بلا معنى - كما يظن بعض الإخوة، وكما قال بعض الأطباء - بل هو حديث ذو معنى خطير، وأهميته كبرى لنا - معشر الأطباء - وللمرضى ولرجال القانون أيضاً على السواء; لأن انتزاع الأعضاء من هذا الجسد يكون في ضوء هذه الحقيقة جريمة قتل متكاملة الأركان يرتكبها الأطباء وهذا ما أفتى به مجلس الدولة المصري في الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع برئاسة المستشار طارق البشري حيث قالت: «لا قول بموت ما دام الجزء حياً».
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: عفواً: الأستاذ الذي قام بالدراسة موجود معنا.
الدكتور صفوت لطفي: موجود عند سيادتك نفس النسخة.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: ربّما لم يستطع أن يقرأها.
الدكتور صفوت لطفي: سوف أحضرها لسيادتك وأحدد لك الصفحة.
وقد قالوا في المذكرة بأن انتزاع الأعضاء عن طريق الطبيب يُعدّ قتلاً، ولا عبرة بالقول: بأن المريض كان في غيبوبة عميقة، وقالوا: بأن نقل العضو الفريد يفيد حتماً، وبذاته موت المنقول منه حتى ولو كان المنقول منه في سكرات الموت.
يا حضرات الأفاضل Brain stem death هذا مريض يعاني إما من غيبوبة عميقة قد تكون غيبوبة الموت. أو من سكرات الموت أو من حضور الموت أو من غرغرة الموت، وهذه كلها أشياء وردت في السنة وفي القرآن; لتبين الأحوال المختلفة للموت، بخلاف الموت الفجائي الذي قال فيه المولى عزَّ وجلَّ {والنازعات غرقاً}، هذه صورة للموت وتلك صورة أخرى أرادها الله عزَّ وجلَّ، حسب عمل الإنسان، وحسب عاقبته: أهي الجنة أم النار.
كما أفتى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمصر - بأن مَنْ يقوم بالانتزاع مِنْ جسد لمّا يزل قلبه نابضاً بالحياة، ولمّا تزل فيه بقية من حياة فهو قاتل نفساً حرم الله قتلها إلا بالحق وتجب محاكمته جنائياً.(25/16)
وتصحيحاً لما ذكره الدكتور مختار المهدي عن (ظاهرة لازروس) فإننا نورد من مجلة Anaesthesiology ديسمبر 1993 ظاهرة لازروس تتضمن تحرك أطراف بعض المرضى الذين تم تشخيصهم كموتى جذع المخ حركات تلقائية ذات غرض وليست reflexes وهي تبدو كمن يجاهدون للتنفس بعد نزع جهاز التنفس الصناعي عنهم patients who have been diagnosed as brain stem dead mode a contineous purposfull movement apparently as struggling to breath after artificial ventilation has been discontinued.
أما ما قاله الدكتور عصام الشربيني والدكتور حسين ماليباري عما يسمى بتجربة ذبح الشاة، واستمرار قلب الضفدعة وعضلاتها، فإني أذكِّر بحديث سيدنا رسول الله ü الذي قال فيه «لا تتعجلوا الأنفس حتى تزهق» لأن هذه في حالة احتضار، أي في حالة موت، وهذا الذي يلتزم به المسلمون في أرجاء الأرض، ويحرصون على طاعته سبحانه في تعاملهم مع الذبائح، فلا يقربون الذبيحة حتى تسكن وتتوقف تماماً عن الحراك، ومن المؤكد أنه أولى بنا - نحن الأطباء وأساتذة الطب - أن نتذكر أيضاً هذا الحديث لسيدنا رسول الله ü، وهو حديث عند علماء الحديث «مطلق»، ويشمل كل الأنفس وكل جسد فيه حياة، ونحن نتعامل مع الإنسان الذي كرَّمه الله حياً وميتاً حيث لا يجوز مطلقاً التعجيل بإعلان وفاته وهو لا يزال حياً وتعمل أعضاؤه وأجهزته المختلفة، وذلك لمجرد الرغبة في انتزاع أعضائه، أو تحت مبرر التكاليف المالية الباهظة.
كما أسأل بعض الأساتذة الزملاء الذين استعرضوا الفحوص الحديثة مثل الدكتور مختار المهدي في ص «9» حيث أوضح [أن معظم هذه الاختبارات تصل دقتها إلى(25/17)
100% مائة في المائة]، وهذا القول غير صحيح، فقط أكّدتْ الأبحاث المقدمة إلى المؤتمر الدولي لموت المخ في «هافانا 92» أن الفحوص الحديثة المذكورة وغيرها يمكن أن تعطي نتائج خاطئة، كما أوضحوا أن مجموعة الفحوص التي تعتمد على اختبارات النشاط الكهربي لخلايا جذع المخ، والتي تتضمن اختبارات الوظائف السمعية والبصرية بجذع المخ audietry and visiual evoked potentials لا يمكن اعتبار نتائجها قاطعة; حيث يمكن أن تعطي نتائج سلبية كاذبة بسبب عدم التزامن في النشاط الكهربي loss of synchorny of brain activity مما يؤدي إلى عدم التزامن في استجابة خلايا المخ للمنبهات في وقت واحد، بسبب وجود اضطرابات في وظيفة المستقبلات الحسية، فلا تحدث الاستجابة الطبيعية في النشاط الكهربي رغم استمرار حيوية المخ.(25/18)
وبالنسبة للمجموعة الأخرى من الفحوص التي تعتمد على سريان الدم، وتستهدف تشخيص توقف الدورة الدموية عن طريق الحقن بالمواد المشعة، وعمل المسح الإشعاعي والأشعة الملونة، والمتابعة بالموجات فوق الصوتية وغيرها، فإن جميع هذه الفحوص أيضا - كما أقر ذلك المؤتمرون في هذا المؤتمر - يمكن أن تتعرض للخطأ نتيجة للنقص الكمي واسمه Quantitative Limitation حيث يمكن أن تكون الدورة الدموية ضعيفة فلا تعطي نتائج إيجابية رغم انقطاع الإمداد الدموي أو قلّته في بعض الحالات التي استمر فيها الحمل ونمو الجنين، وكانوا قد شخِّصوا في البداية كموتى جذع المخ. وقد استنكر الدكتور مهدي هذا القول، ونفى ما أوردتُه عن وجود حالات استمر فيها الحمل حتى تم وضع الجنين، أو استمر الحمل حتى الوفاة، وكانت قد شخصت على أنها جذع المخ. ونفي إمكانية حدوث ذلك، وقال: إن معنى ذلك أن الأجنة قد نفخ فيها الروح في رحم الأم الميتة، فإنه هو نفسه عاد وذكر في ص «15» بأنه يتم في الخارج في بعض الحالات استخدام رحم الأم الحامل التي يتم تشخيصها كموت جذع مخ حضّانة للطفل، وأنه يتم حقن الأم بالهرمونات والكيماويات والناقلات العصبية لمحاولة تصحيح الاختلال في وظائف الجسم والأعضاء بصفة عامة عندها، بل ويعترف صراحة بأن ما يمنع التوسع في هذه الحالات هو المعارضة الأخلاقية لا العلمية، فيقول بالحرف الواحد: ويلقي هذا الموضوع معارضة - من ناحية آداب مزاولة المهنة - من الكثيرين; لأنها ليست البيئة المثالية على الإطلاق لطفل في طور التكوين. وهناك احتمالات كبيرة ألا يكون هذا الطفل طبيعيا بعد خروجه للحياة، وأعود فأؤكد أنه هو يؤكد صحة ما قلتُه عن استمرار الحمل لدى المرأة الحامل التي يتم تشخيصها كموت مخ، وإذا كان سيادته يشبه رحم الأم في هذه الحالة بالحضّانة فإن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئا، إذ إن الحضانة الطبيعية تعطي للجنين كل احتياجات الحياة والنمو من التغذية والتنفس(25/19)
والحرارة المناسبة، فهل يمكن أن توصف الأم التي تعطي كل هذه الاحتياجات للجنين الحي بأنها ميتة؟! وهل يصح أن يباح جني أعضائها؟!
وقد أبرزت الأبحاث المقدمة حقيقة عدم تشخيص موت المخ في السن الصغيرة، وعدم الاعتماد على الاختبارات الإكلينيكية وكافة الفحوص الأخرى، وعدم تطبيق كافة معايير موت المخ عليهم; بسبب قدرة الأطفال الهائلة على استعادة وظائف المخ بصورة أعلى بكثير من البالغين، كما سمعنا في عدة أبحاث ألقيت الآن، ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك اتفاق على سن معينة كحد أقصى لاستبعاد تشخيص موت المخ في الأطفال في المراكز العالمية المختلفة.
وفي حديث الأستاذ الدكتور محمد زهير القاوي أوضح أن هناك خيارات ثلاثة لتحديد وقت الوفاة المخية:
الخيار الأول: وهو الغيبوبة ووضع المريض على جهاز التنفس.
والخيار الثاني: هو وقت الانتهاء من الفحوص اللازمة لتشخيص موت المخ.
الخيار الثالث: هو الانتظار حتى يتوقف القلب. وذكر سيادته الاعتراضات والعيوب الواردة على كل خيار من هذه الخيارات على حدة.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: يا دكتور صفوت أرجو أن يُلقى البحث أولاً ثم نعلق عليه. هل نعلق على البحث قبل أن يقال؟! شكراً.....دكتور يوسف ريزه لي... تفضل.
الدكتور يوسف ريزه لي: في الواقع إني أؤيد سيادة الرئيس الجزائري حين قال نرجو أن نلتزم بالأمور الطبية; فنحن كأطباء علينا أن نلتزم بالأمور الطبية، وحسب المعلومات التي نأخذها من الأبحاث التي طرحت عالمياً أصبح بإمكاننا أن نتثبت من موت الدماغ. وقد أفاد الإخوان السعوديون - في سبيل هذا باستعمال رسم المخ - وأن بعض الأبحاث لا تعتمد تماماً على رسم المخ; لأنه يعطي الفكرة عن القشرة الدماغية فقط ولا يعطيها عما تحت هذه القشرة الدماغية، وهذا هو السبب في عدم الاعتماد التام على رسم المخ.(25/20)
وقد ظهرت كثير من الإمكانيات العلمية التي يجب أن نلتزم بها كأطباء digital subtraction Angiography colour flow doppler scanning, ultra sonographic doppler في بعض هذه الأبحاث مائة بالمائة يحصل عليها لماذا نفكر في هذا، ويجب أن نترك الفقه للفقهاء ونفكر في هذا كأطباء، ثم من النواحي الأخرى لدينا إمكانات في هذا السبيل، ثم لنرى موت الدماغ الذي لا زلنا نناقش فيه، وقد نوقش من قديم الزمان، ولا زالت الاجتماعات تعقد - كما يعقد اليوم مجلسنا الموقر - واسمحوا لي أن أدخل معكم ساحة ترتفع في خباياها أعمدة تحمل استفسارات وأسئلة تترقّب وتأمل أن تحصل منا جميعاً على أجوبة مطمئنة وشافية لها.
إن الطبيب الذي يعالج مريضاً على هذه الشاكلة، وهو متابع له يحاول أولاً وبصعوبة جمة وشاقة جداً يبغي من ورائها إعادة الحياة للمريض; وذلك بربطه بالآلات والأجهزة; مسيرة ميكانيكية لتأمين تنفسه أولاً، ثم بعد ذلك يجب عليه إعطاء القرار فيما يجب عليه عمله بعد ذلك، وبالرغم من الجهود التي تبذل من الطبيب فإن قاعدة التنفس بدون الآلة لن ترجع، لأن كل وظائف الدماغ عاطلة عن العمل، بل إنها - إن صح التعبير - مفلسة، وعند ذلك نطرح السؤال الثاني: هل عمل القلب وحده، والإحساس بضرباته، وبذل الجهد لإدامة هذا العمل على هذه الشاكلة، يعني أن هذا المريض في حالة يجب معها الاحتفاظ به؟ هذا سؤال في محله، وهل من المستحسن أن يقوم هذا الطبيب بنفسه بإيقاف صمام جهاز النفح والإنعاش، وإنهاء هذا الأمر المستعصي؟ وهل سيجابه هذا الطبيب مسؤولية حقوقية إذا قام بهذا العمل؟ وما هي كلفة هذه المسؤوليات؟ هذه مسائل في الحقيقة يجب علينا - كما قال السيد الرئيس وكأطباء - أن نلتزم بما يؤمن لنا الطب في ساحاته المتعددة من براهين علينا أن نؤمن بها، ثم أعود فأقول لنترك الفقه للفقهاء وأشكركم.(25/21)
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً للسيد العزيز لقد سعدت لأنك قد تكلمت عن ضرورة أن نحدد: هل توفي هذا الشخص؟ أم لا؟ هل إذا توفى جذع المخ أو كل المخ يعد الإنسان ميتاً؟ أم لا يعد ميتاً؟ هذا سؤال، والسؤال الآخر: هل إذا استمر الطبيب في ربط الشخص المتوفي بأجهزة تسئ إليه لأنه قد توفى وانتهى هل يعدّ ذلك تمثيلاً بالميت؟
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم. اعتقد أنه لا يجب أن نهون أبداً من الفروق بين (البروتوكولات) أو المعايير المختلفة في تشخيص موت المخ، أو موت جذع المخ من بلد إلى آخر أو من ولاية لأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي آخر مرجع هناك عشر مجموعات من المعايير مختلفة في ستة بلاد أوروبية وأربعة معايير في أمريكا يشكلون عشرة معايير مختلفة، ولعلّ أهم فارق بينها هو: إذا كان هناك نشاط في Cerebral Hemisphere قشرة المخ أم لا؟ وهذا فارق كبير ويجب ألا نهوّن منه، وهذه مشكلة يجب أن نبحثها ونركز عليها في الوقت الحالي، وفي المستقبل ستواجهنا مشاكل مثل مشكلة Higher brain formulatoin and other brain formulatoin كما قال الزملاء.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: عفواً دكتور رؤوف هل يمكن أن أسألك سؤالاً؟ نريد أن تفصل لنا: هل هذه المعايير التي اختُلِف عليها بينها عوامل مشتركة أم لا؟ وإذا كانت هناك عوامل مشتركة فهل الاختلاف في إضافة عوامل أخرى إضافية تختلف من مركز إلى آخر؟ وإذا كان الأمر كذلك فلا يسمى هذا اختلافاً وإنما يكون زيادة في الحرص، أما الاختلاف المعتبر فيكون على الأمور الأساسية; فهل هناك اتفاق على موت جذع المخ أم لا؟ أم أن هناك إضافات؟ تفضل بالشرح.(25/22)
الدكتور رؤوف سلاّم: الاختلاف كبير جداً جداً وأود أن أقول: بأن هذا الشخص ميت، ومع ذلك فقشرة المخ سليمة ويستطيع أن يفكر، أو أقول: إن هذا الشخص لا يعد ميتاً إلا إذا ماتت قشرة المخ; وأعتقد أن هذا الفرق كبير جداً، ويجب ألا نهوّن منه ويجب أن ندرسه.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: إذا اعتبرنا أن القشرة قد توفيت هل هذا ميت أم غير ميت؟
الدكتور رؤوف سلاّم: هذه هي النقطة التالية التي أحب أن أذكرها، وهي أن معايير الدقة في تشخيص موت المخ تحسنت بلا شك في السنوات الأخيرة، ولا شك أنها سوف تتحسن، ولا شك لديّ أننا سنستطيع في الأيام - قريباً إن شاء الله - أن نصل إلى معايير تستطيع أن تفصل مجموعة من المرضى، بحيث نقول: إن هؤلاء المرضى بدأوا في الموت، وأن أياً منهم لن يعود إلى الحياة الطبيعية، ولكن بقية أعضائهم سوف تتوقف بعد بضعة أيام.
والسؤال الحقيقي: هل يعد حياً أو ميتاً خلال هذه الأيام القليلة، وأعتقد أنّه من واجبنا أن نطرح هذا السؤال بأمانة على رجال الدين، ورجال القانون، والجمهور، ونقول لهم: كنا في الماضي نظن أن الإنسان يموت عندما تتوقف جميع أعضائه، أما الآن فقد توصلنا إلى شيء جديد وهو توقف نشاط المخ، وبهذا الشكل ستتوقف باقي أعضائه بعد بضعة أيام، هل نعدّه في هذه الأيام القليلة حياً أو ميتاً؟ هذا سؤال يجب أن يطرح بأمانة على الآخرين; فنحن كأطباء نعرفه، ولكننا كأطباء لسنا وحدنا الذين نعرِّف الموت، ونحن الذين نتعرف على الموت ولسنا الذين نعرِّف الموت.(25/23)
ولأوضّح هذه النقطة: فلنفترض أن شخصين حصل لأحدهما تهتك كامل للكبد في حادث إصابة سيارة - مثلاً - وحدث للآخر تهتك كامل للمخ، وبعد يومين من الإنعاش سيكون كلاهما في غيبوبة وسيكون كلاهما مصيره الموت حسب معايرنا الطبية بعد يوم أو يومين، ولكني سأشخص مَنْ تهتّك مخّه بأنه ميت; وسأشخص مَن تهتّك كبده بأنه ما زال حياً، وفي هذا نوع من الازدواجية في المعايير لحالة تتشابه إكلينيكياً ونهايتها واحدة.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: عفواً دكتور رؤوف مَنْ تهتّك كبده يمكن أن ننقل إليه كبد، هذه نقطة مهمة جداً وأشكرك لذكرها. في بعض البلاد لا نستطيع أن ننقل إليه كبداً فهذا الوضع لا يعتبر في هذه البلاد، أما في بلاد أخرى لا يوجد كبد متوفر، ولكن الأهم من ذلك أن الفرق بينهما; أن هذا له علاج وأن هذا ليس له علاج، فهل نقرر الموت على أساس وجود العلاج أو عدم وجوده؟، هل معنى عدم وجود علاج لحالة ستؤدي إلى الموت هل معناه أن الشخص قد مات فعلاً؟ هذا معنى كلامك.
إذن هناك نقطة لا عودة يكون المريض عندها قد مات، وإذا لم يصل إلى هذه النقطة يكون حياً.
الدكتور رؤوف سلام: قد أختلف مع سيادتك، ولكن رأيي هو رأي واحد من ألف مليون أعتقد أن هذه الأمور يجب أن يقررها المجتمع ككل بعد أن نعرض عليه بأمانة أن هذا الشخص قد وصل إلى حالة اللاعودة، وأن بقية أعضائه ستتوقف بعد أيام، ونسأل الناس: هل تروْنه في هذه الأيام يُعدُّ حياً أو ميتاً؟ نسأل الفقهاء، ونسأل رجال القانون، ونسأل الجمهور.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: لكن سؤال الجمهور فيه صعوبة فكيف نسأل الجمهور عن شيء لا يعرفه؟!.
الدكتور رؤوف سلام: هناك طرق كثيرة لسؤال الجمهور; فنسأل أهل الذكر من الجمهور وليسوا بالضرورة الأطباء فقط ولا رجال القانون فقط ولا رجال الدين فقط، لكنّ هناك الفلاسفة ورجال المجتمع وممثلي المرضى وممثلي الجمهور.(25/24)
الدكتور محمود كريديه: معذرة عندي مداخلة بسيطة لتوضيح موضوع قشرة الدماغ وجذع الدماغ.
الدكتور رؤوف سلام: يمكن أن أكمل وبعد ذلك نقول المداخلة.
هناك نقطة أخرى وهي أننا تحدثنا عن واقع العالم الإسلامي من الناحية الاقتصادية، وهناك واقع آخر للعالم الإسلامي من الناحية التنظيمية، ولعلّ الدكتور الجزائري قد يكون أعلم مني بهذا الجانب فقد كان في مؤتمر في القاهرة قبل حضوره إلى هنا - ودائماً يشارك في المؤتمرات - وقد كان هناك واحد من المكسيك وألقى محاضرة عن خبرة المكسيك في نقل الكبد; بعد صدور القانون الذي يبيح ذلك، بما يتفق مع قانون أمريكا ومع بقية دول جنوب أمريكا، وقال: إن القانون قد صدر منذ عشر سنوات ومع ذلك لم تُجْرَ من العمليات إلا ست حالات، وأن هذه الحالات قد توفيت، ما عدا حالة منها عاشت لفترة شهور ثم توفيت، وأن الباقين توفوا بعد أيام وقال: بأن السبب هو عدم وجود جهاز متكامل في البلد لرصد هذه الحالات والإبلاغ عنها في الوقت المناسب واتخاذ اللازم بالنسبة لها، وأنهم يعملون في ظروف سيئة جداً. هذا الواقع يجب وضعه في الحسبان أيضاً; لأن الواقع التنظيمي في البلد له شأن، وله دخل في هذا الموضوع.(25/25)
نقطة أخيرة أحب أن أنبه إليها: وهي أننا نستطيع الحصول على الأعضاء لزراعتها، وأن الرغبة في الحصول على الأعضاء رغبة مشروعة وشيء مستحسن جداً، وهي حاجة صحية يجب أن نستجيب لها، ولكن أنبه إلى أننا نستطيع الحصول على الأعضاء من المرضى بعد الوفاة الكاملة لهم، وتوقف القلب والتنفس، وأن هذا هو ما كان يجرى في الماضي قبل 1968 وظهور مفهوم موت المخ، وكان يجري بالنسبة للكُلى، والنظام المتبع في ذلك أنه بعد توقف القلب والتنفس توضع قسطرة في الشريان الفخذي وقسطرة في الوريد الفخذي ثم يوصل بجهاز ضخ القلب الذي يستعمل لعمليات القلب ونثير الكُلى بمحلول يبردها ويحتفظ بها بدون تجلط، وقد كان هذا النظام مستقراً قبل عام 1968 إلى حد أنه يظهر في كتب الجراحة text books السارية، ومن ذلك كتاب (كريسنوف ديفس) الطبعة قبل السابقة، وطبعاً الطبعة الحالية تتحدث أكثر عن حالات Brain death ولكن الطبعات السابقة كان فيها هذا النظام، وقد سجل أن نسبة النجاح فيها كانت 60% وأعتقد أن نسبة النجاح في الأعضاء المأخوذة من حالات موت المخ قد تكون 80% أو 90%، وهذا يعني أن هناك فارقاً، ولكنه ليس كبيراً، المهم أنني أنبه إلى إمكانية الحصول على الأعضاء من الجثة بعد توقف جميع الأعضاء، وتوقف القلب والتنفس، وأعتقد أننا كأطباء يجب أن تتجه بحوثنا في اتجاهين: الاتجاه الأول: هو كيفية الحصول على أعضاء من هذا النوع من الجثث بعد الوفاة الكاملة، وبدائل للأعضاء، والاتجاه الآخر: كيفية إنقاذ مرضى موت المخ ونحاول أن نجد علاجاً لمرضى موت المخ وشكراً.(25/26)
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً يا دكتور رؤوف، ولقد وضعت عدداً من الأسئلة لعدد من المشاكل، واعتقد أن الأسئلة التي وضعتها لا بد من الإجابة عليها بشكل واضح وصريح، وأشكرك أيضاً على أنك ذكرت: بأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون هناك تطلع للاستفادة من الأعضاء لمن توفى فعلاً، وكل ما في الأمر أننا قد نختلف في المتوفى دماغياً، وهل نعدُّه ميّتاً أم لا؟ وأعتقد أن هذا هو الطريق العلمي الصحيح.
الدكتور خيري السمرة: في الواقع إنني أشكر الدكتور صفوت، فلولا الدكتور صفوت لما كنّا هنا، لأن البرنامج هو «التعريف الطبي للموت» وعندما أرسل الدكتور عبدالرحمن إليّ بهذا، قلت: إن الموضوع قد قُتل بحثاً فهل سنقدم تعريفاً جديداً بعد أن بحثته بلاد الغرب وبلاد الشرق وبحثه العالم كله، واستقر على أشياء لا خلاف فيها إطلاقاً. لماذا يصر الدكتور صفوت على أن هناك خلافاً، وبالتالي رسم المخ خطوة أخرى متقدمة يعني المركز الذي يجد كل المعايير الإكلينيكية تنطبق على المريض ولا يأخذ بقليل من النشاط الكهربائي فآجلاً أو عاجلاً سيموت الشخص ويستمر في أخذ الأعضاء للتبرع.
السعوديون وغيرهم من أحبابنا: يريدون - فقط - أن يطمئنوا أكثر، لكن النتيجة واحدة ونحن نتكلم عن خبرتنا الشخصية فإننا ننتظر إلى النهاية، ونقوم بعمل رسم مخ ويظهر نشاط كهربائي ونحن مستمرون في وسائل الإنقاذ، وفي اليوم السابع - مثلما قال الدكتور حمدي - نصل لمرحلة فشل الأعضاء يموت الرجل. أما موضوع تحريك الرّجُل ليديه فنحن كأطباء نراها منذ 35 سنة وهذا يحدث يومياً، ولقد كان لديّ مريض من أسبوع head injury، ووجدت النائب مسروراً ويقول: عندما قمت بانعكاس قدير حرك المريض يديه هكذا، وقلت له: انتظر قليلاً لأن ذلك ليس معناه أنه ما زال حياً، وقد مات فعلاً، وهذا موضوع لا يحتاج إلى إعادة الكلام فيه.(25/27)
حكاية البنج الكلي للتبرع بالأعضاء لماذا نعطيه البنج؟ فهذا شيء معروف بالطبع لأنني سوف أقوم بإجراء عملية جراحية ولا بد أن يكون المريض under full aneasthetic core ولا يصح أن آخذه مباشرة ولا بد أن يسير كل شيء في طبيعته، وأرجو أن تتفهم كلامي يا دكتور صفوت فأنا لم أقل بأن المريض ميت تماماً.
دكتور حسن حسن علي: معذرة يا دكتور خيري هل يمكن أن أعقب؟! إن دور طبيب التخدير أثناء عملية نزع الأعضاء لزرعها في العناية بالأشخاص ميتي الدماغ ليس لتخديرهم بل لتوفير الدعم الحيوي القلبي والرئوي للدورة الدموية والذي سيحافظ على الأعضاء المراد زرعها في حالة جيدة تسمح بالاستفادة منها. ولا دخل لها بتخدير الميت دماغياً. إنها فقط محاولة لإبقاء الدورة الدموية وإيصال الدم والسوائل للأعضاء حتى عن طريق إعطاء الأدوية.
الدكتور خيري السمرة: هذه الفكرة معروفة فعلاً، وهو مصرّ على الفرق، إننا نقوم بجني الأعضاء وأخذ الأعضاء، نعم هذا صحيح، فلقد دخلنا في هذه المشكلة لأنه يوجد أمل طبي في إنقاذ آلاف المرضى، ولقد دخلنا في هذا الموضوع لا لمنفعة شخصية لنا في المتبرع أو المتلقي للأعضاء، هل المريض الميت أهم من المريض الثاني؟ نحن نتكلم كأطباء محترفين، وبدلاً من أن يموت دون فائدة بفشل كبدي أو قلبي فقد أعطانا ربُّنا طريقة نقدر بها أن ننقذ الناس، ننقذهم بأعضاء من أناس نحن - كأطباء - متأكدون بأنهم ميتون.
أما ما قصده الدكتور صفوت من موضوع جني الأعضاء وشوق الجراحين إليها، كأنهم جالسون يصطادون فهذا شيء مختلف تماماً، إننا ننقذ أرواحاً كانت ميئوساً من شفائها منذ 30 سنة، فأنت اليوم تنقذهم ويقول الدكتور أيضاً: بأن هناك واحداً عنده نتائجه فيها 25% من حالات diagnosed brain death فإن صح ذلك فهذا رجل مبروك يا أستاذ صفوت، ولقد قلت بأن عنده 25%، فمن هذا يا دكتور صفوت؟ لكي أزوره.
الدكتور صفوت لطفي: موجود عندك في المقالة.(25/28)
الدكتور حسن حسن علي: (للدكتور صفوت) هل تعرف شيئا عن ظاهره lozarus phenomena.
الدكتور صفوت لطفي: لا أعرفها، أنا أقول لك بأنني لا أعرفها.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: لو سمحتم نحن لا نريد التعريض بشخص، وأنا متأكد بأن النقل يجب أن يكون بأمانة وهذا واضح ومعروف لديه عندما قال هذا الكلام.
الدكتور حسان حتحوت: بسم الله الرحمن الرحيم. هناك منطقان: الأول: نريد أعضاء فتعال نشخّص الموت، المنطق الآخر: شخّصنا الموت، فلنفكر في أخذ الأعضاء.
إن الفكرة السائدة عند بعض الإخوة - أننا نريد أعضاء فتعال نشخّص أنه مات. وليس هذا بصحيح، فلنأت إلى الطرف الآخر; إنه قد مات، فلنفكر في مسألة أخذ الأعضاء، إن الذين يحرّمون أخذ الأعضاء لن يرضيهم هذا المنطق، أما الذين يروْن أن في أخذ الأعضاء إنقاذاً لحياة أخرى، من غير قتل حياة المعطي لهم فهذا هو منطقهم، وأود أن أقول بأن الموت - كما يصفه الدكتور لطفي - هو موت حقيقي ولكنه موت حدث منذ مدة، منذ أيام، فالشخص الذي مات كل شيء فيه هو شخص مات منذ أيام، وأنا لا أنكر أنه ميت، أما الذي أنكره هو أننا نتصدى لمحاولة معرفة وقت حدوث الموت وليس معرفة كونه ميتاً أو لا، وذلك لأن في تحديد لحظة الموت استفادة من ناحيتين: إكرام الميت بدفنه; وإذا كان المريض قد مات فلنفصل عنه أجهزة الإنعاش، وإذا كانت هناك حاجة فلنفكر في أن نأخذ عضواً من أعضائه، فنحن لم نقتله لهذا، ولكنه مات فعلاً، وكل الفكرة أننا نريد أن تتحيّن الفرصة عقب الموت مباشرة وما زالت الأعضاء حية في جسد هذا الميت.(25/29)
يا إخواني إنه كما قيل: «ليس الإنسان الحي مجموعة أعضاء حية» لأن كل عضو من هذه الأعضاء جائز أن يقطع ويظل حياً. إنما الحياة هي تكامل هذه الأعضاء وانتظامها لتكون وحدة إنسانية واحدة متكاملة، ولو تصورنا أن هناك مسبحة ذات حياة فماذا يعني موت المسبحة؟ إنه يعني قطع الخيط الذي تنتظم فيه هذه الحياة، وفرط هذه المسبحة، وهنا نقول ماتت المسبحة ولا حول ولا قوة إلا بالله هل معنى هذا أن الحياة قد ماتت فعلاً؟!
إنني لا أستطيع الانتفاع بما على العظام من الأكسجين والغذاء، ولكنني قد أستطيع - بعد انفراط المسبحة أي موتها - أن أستفيد من هذه الحبات المنفصلة قبل أن تموت هي، ولو أنني انتظرت حتى تموت حبات المسبحة جميعها لما جاز لنا أن ندفن ميتاً قبل شهر من موته، لأنه بعد شهر إذا أخذت (فتافيتا) من الجلد وزرعتها فسوف تنمو. فهل من المنطق أن نقول لننتظر حتى يموت كل شيء؟ ولو انتظرنا شهراً أو دهراً، ليس هذا بمنطق. إن الذي نريد أن نحدده هو الوقت الذي انقطعت وانفرطت المسبحة فيه? وأعتقد بأنه إذا كان الفقه قد اتسع لأن يحسِب مطعوناً خرجت أحشاؤه في حكم الذبيح، فمن باب أولى أن يحسِب شخصاً مات فيه المخ ومات جذع المخ وتهتك مركز التنفس وتهتك مركز القلب وتمزقت عوامل المعرفة والشخصية والإحساس والإدراك بالمخ الذي تهتك تماماً، هل يضيق الفقه اليوم عن أن يحسبه في حالة حركة الذبيح؟ هذه أمور عجيبة، وأنا تمنيت لو أن هذا المؤتمر لم يقم ما دام كل واحد منا متَترِّساً في موقفه، والنفس البشرية قد تأبى أن تعود إلى الحق، وأن تناقشه، مع أن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل وشكراً.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً للدكتور حسان:(25/30)
الدكتور مصطفى موسوي: بسم الله الرحمن الرحيم: دكتور مصطفى موسوي من قسم زراعة الأعضاء بالكويت، أشكر المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على إقامة هذا المؤتمر لبحث تعريف الموت، وأعتقد أن موضوعاً بهذه الأهمية يجب أن يناقش بين الأطباء من ذوي الاختصاص بدلاً من مناقشته على صفحات الجرائد وعلى شاشات التليفزيون.
عندي سؤالان: الأول موجه للدكتور عدنان خريبط أو الدكتور حسن علي: بالنسبة لفحوصات موت الدماغ: من المعروف أن هذه الفحوصات إكلينيكية يقوم بها الطبيب المتخصص في الأمراض العصبية? أما مهمة الطبيب الباطني والجراح فتختص بجراحة الأعصاب، وفي حالة وجود شك في هذه الفحوصات الإكلينيكية يلجأ الطبيب إلى عمل فحوصات إضافية، منها فحوصات الطب النووي للتأكد من وصول الدم إلى المخ من عدم وصوله، وعند انقطاع الدم عن المخ فإن ذلك يعني تحلل المخ كنتيجة لانقطاع الدم، فهل يمكن الاستعاضة عن الفحوصات الإكلينيكية بفحوصات تكون أدق من الفحوصات الإكلينيكية، وإعادة هذه الفحوصات بعد فترة من الزمن، للتأكد من انقطاع الدم خلال هذه الفترة، إما ست ساعات أو 12 ساعة أو أكثر من ذلك؟ هذا السؤال الأول.
السؤال الآخر: بالنسبة لموضوع موت الدماغ لقد ناقشنا موضوع موت الدماغ، وهذا النقاش يجر إلى موضوع زراعة الأعضاء، وقد أقر الدكتور رؤوف سلام بأنه يؤمن بقضية زراعة الأعضاء لكن بعد التأكد من موت الإنسان، فالسؤال موجه إلى الدكتور صفوت; هل يقبل زراعة الأعضاء؟ أم هو ضد فكرة زراعة الأعضاء بشكل كامل بكل أشكالها؟ هل يقبل زرع الأعضاء من إنسان حي إلى قريب له يشكو من الفشل الكلوي؟ أو من إنسان ميت بشكل شرعي - حسب كلامه - وأخذ الأعضاء منه لإنقاذ شخص آخر؟ إن هذا الموضوع مهم جداً ويتعلق - في الأساس - بموضوع الندوة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: الدكتور صفوت لطفي هل تجيب على هذا السؤال:(25/31)
الدكتور صفوت لطفي: أنا في الأصل حقيقة لا أوافق عليه من جوانب كثيرة، ولقد ذكرت في البحث الذي كتبته في كتيبي [أسباب تحريم نقل وزراعة الأعضاء الآدمية]، وذكرت منها الطبي والأخلاقي والاجتماعي والأمني خاصة أنني كتبت هذا الكتاب بما يناسب وطني وعادات أهلي وتقاليدهم، فالموت عند المصريين له قدسيته منذ الرسالات القديمة، حتى إن المصريين عندما نقوم بعمل استقطاع عضو يحرص أهل المريض حتى ولو كان إصبع يحرصون على أخذ هذا الأصبع لأجل أن يعملوا له الواجب الشرعي من وجوب غسله وتكفينه ودفنه.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً أنك أجبت على السؤال.
الدكتور حمدي السيد، بالنسبة للسؤال الأول: باعتقادي أنه لا يمكن أن نستعيض عن الفحص السريري بالفحوصات; لأن بعض الأعراض لا يمكن أن نعوضها بالفحوصات أبداً فمثلا فحص انقطاع التنفس وإذا أخذت الـ evoked potential لا تعوض عن الفحوصات السريرية أبداً، فلا يمكن أن نعتمد على الفحوصات بدلاً من الفحص السريري وشكراً.
الدكتور سهيل الشمري: سيدي الرئيس هناك رأي آخر: أعتقد أن السؤال الذي طرح من الدكتور مصطفى الموسوي سؤال مهم جداً، ونحن نحب أن نسمع ونستفيد من خبرة الإخوان السعوديين في هذا الموضوع لأنه إخصائي أعصاب إكلينيكي نرى كثيراً من المرضى ولا نقدر أن نطبق عليهم بعض فحوصات Brain death مثلاً.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: عفواً يا دكتور سهيل إنك لم تطلب الكلمة، ولم تُعْطَ الكلمة وتكلمت.
الدكتور سهيل الشمري: عفواً أنا آسف.(25/32)
الدكتور حسن حسن علي: الجواب ليس سهلاً. فالأسهل أن نبدأ بتقييم المعايير الإكلينيكية، وبإمكانك أن تطلب التأكد بطلب واحد أو أكثر من الفحوصات التأكيدية، وهي تعتمد على الإمكانات المتوفرة في مستشفاك. فإذا لم يتوافر لك غير أشعة الشرايين فإن تحريك أو نقل المريض من غرفة العمليات لقسم الأشعة قد يكون فيه خطورة، وليس بإمكاننا تحمل هذه المخاطرة والأفضل الاعتماد على الفحوصات غير الباضعة (non invasive) doppler ultrasonic and multi modality evoked potentials والتي بالإمكان عملها بجانب سرير المريض. وفي خبرتنا فإنه قد تم تشخيص 90% من المرضى بدقة مع الحاجة أحيانا فقط لتخطيط الدماغ والذي لا نقوم به بصورة روتينية. وأهم الفحوصات التي نقوم بها هي إعادة فحص انقطاع التنفس خلال 24 ساعة. وإذا رأينا فشل المريض في اجتياز فحص انقطاع التنفس ثلاث مرات متتالية فإنه لا يمكن القول بأن المخ حيّ بأيّ حال من الأحوال.
دعوني أقول لكم نحن لدينا 9 وحدات للعناية المركزة، وخلال السنوات الستة السابقة فإن سجل المستشفى أظهر وجود أكثر من ألفي مريض شُخّصوا بموت الدماغ وثبت ذلك. 80% منهم تم فصل أجهزة ووسائل الإنعاش عنهم برغم عدم وجود نية لزرع الأعضاء منهم، وقد أخذنا أعضاء فقط من 20% من هؤلاء المرضى; لأن الباقين لم تنطبق عليهم معايير زرع الأعضاء المقبولة. وبعد فصل وسائل الإنعاش لمدة ثماني ساعات في وحدات العناية المركزة، ومع ملاحظتهم لم يثبت عودة أي من هؤلاء (2000 مريض) للحياة. ومن فعل ذلك هم أطباء ذوو خبرة ويعتمد عليهم، وقد ذكر البعض
(jeuneth) بالاستمرار في دعم التنفس لهذه الحالات، لكني أعتقد أنه حفاظاً على كرامة الميت فمن الأفضل عدم إطالة معاناة العائلة وكذلك فيه استخدام غير مناسب [هدْرٍ] للإمكانات الطبية المتوافرة وأيضاً للعاملين في العناية المركزة.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: دكتور حمدي السيد عفواً لقد أخّرناك.(25/33)
دكتور حمدي السيد: شكراً لسيادة الرئيس: في الحقيقة إنه قد فهم من بعض المناقشات أن هناك خلافاً حول التأكد ثم التأكد قبل إعلان وفاة جذع المخ أو وفاة الدماغ بشكل عام، ولا شك أن التعريف الذي سمعناه من الدكتور حسن; بأن الوفاة تعني توقف بلا رجعة للدورة الدموية والتنفس، والمقصود بلا رجعة أنك حاولت وحاولت وحاولت الإنعاش إلى آخره، ولم تأت بنتيجة فهذه وفاة، والوفاة الأخرى هي التأكد بلا رجعة من عطب كامل وشامل بجذع المخ أو في المخ كله، ويمكن أن يكون هناك خلاف - كما استمعنا وكما قال الدكتور رؤوف سلام - لأنه يوجد بعض الذين يريدون أن يتزيدوا وبعض الذين يقولون: إنه يكفي الكشف الإكلينيكي أو الكشف عند السرير، وأنا متأسف يا سيادة الرئيس لأنني أستعمل كلمات إنجليزية ليس مشهوراً استخدامها، وإنما يقول البعض بأنه يمكن التأكد بقليل من الأشياء - مثلما استمعنا من إخواننا في السعودية - إلى أكثر من فحص أو بحث.(25/34)
والسؤال أنه عندما نتأكد من الوفاة أو من العطب الشامل للمخ أو لجذع المخ، هل هناك حالات تعود إلى الحياة؟ وفي خبرتنا أن الموت يدب بمعناه الشامل: [أي التوقف والفشل الشامل لجميع الأجهزة] في خلال أيام، وإذا لم يحدث ذلك فهناك خطأ في التشخيص، ومعنى ذلك أن المطلوب هو المزيد من التأكد; هل وصل فعلاً جذع المخ إلى هذه الحالة؟ وهذا لا ينطبق، وليس في إمكاننا فنحن لا نوقف أجهزة التنفس وإنما نستمر إلى النهاية، لأنه ليس لدينا برنامج للسماح بأخذ الأعضاء، وشكراً للدكتور صفوت وزملائه الذين أثاروا الدنيا رعباً بادعاء أننا نكون قتلة لو فعلنا غير ذلك، وبادعاء البعض بأنه لا يجوز أو يجوز، وبالادعاء أن يقول الفقه، ويقول الشرع، وبادعاء البعض بعض الكلمات المتناثرة، والظهور على التليفزيون، والظهور في الإذاعة والظهور في الصحف لدرجة أنه أصبح هناك خوف من العامة الذين يطلب رأيهم الدكتور رؤوف سلام بقوله (نريد أن نجري استفتاء للعامة) ومن إخواننا المشايخ كرَّم الله وجوههم لأنهم أصبحوا أيضاً في حالة من الخوف بالسماح بالقتل لأن هذا القتل جريمة كبرى يرتكبها الأطباء.(25/35)
لقد أصبحنا في مصر في وضع سيّء للغاية لا نحسد عليه، وليس هذا فقط، وإنما يكون المنطق منصفاً إن لم يكن هناك غرض، وهناك من يدَّعي أن إخواننا الذين يجنون الأعضاء من أجل عمل عمليات يستعجلون الوفاة، أما الذين يرفضون مجرد أخذ صمام من ميت مضى على موته عشر ساعات، أو قرنية من ميت منذ ست ساعات، فلا يُعتقد أنهم يكونون منصفين عندما يتحدثون عن موت الجذع، إنما يريد أن نسلم له المريض وقد أكله الدود حتى يطمئن بأنْ ليس فيه عضو صالح لشيء، أي أنه لا يريد موت جذع أو غير جذع أو قلب أيضاً، وإنما يريد أن يكون الدود أكل عينيه، وأكل صمام قلبه وأكل جلده حتى لا يبقى منه شيء يصلح لأنه هذا هو الموقف الآن! ولقد حاولت تغييره في الصباح قبل حضور حضرتك، إن الدكتور صفوت وزملاءه - لأنه يتحدث باسم عدد من الزملاء والأطباء وغير الأطباء - جميعهم يقفون ضد نقل الأعضاء فلنترك الأعضاء لأننا متواضعون جداً في مصر، ونتحدث عن بعض جزئيات من الجسم بعد أن يكون قد شبع موتاً، وتعطل برنامج شامل كان يمكن أن يستفيد منه آلاف من المرضى العميان المصابين بعتامة في القرنية، تعطل بسبب ما أثاروه من جدل في هذا الموضوع.
إن الكلام الذي قيل في مجلس الدولة مختلف - مع احترامي للدكتور إبراهيم الموجود معنا - فلم يكن مطروحاً نقل أعضاء، وإنما الذي كان مطروحاً هو شيء ظريف جداً.
كلية طب قصر العيني بها أربعة شبان تدربوا على أيدي الدكتور مجدي يعقوب في لندن لأخذ الصمامات الآدمية بدلاً من صمامات الخنازير حتى لا يقال: إننا نستخدم محرماً في علاجه، لأن الصمامات الآدمية عندما تؤخذ من ميت حديث ثم توضع في سائل أو محلول لكي يغذي الخلايا تظل حية وعندما نضعها في الإنسان تعيش في هذا الإنسان لمدد طويلة ولا تكلفنا شيئاً.(25/36)
أما الإنجليز - باجتهاد شديد - فقد وجدوا أننا لا نستطيع أن نحصل على صمامات بشرية، فبدأوا هم يحضرون صمامات بشرية ويضعونها في علبة ويرسلون إلينا العلبة بـ 6 آلاف جنيه. ونحن عندما نأخذها من المشرحة نأخذها مجاناً لوجه الله تعالى - بغض النظر عن المرضى الأغنياء - لهؤلاء المرضى الفقراء في مصر، نريد أن نعالجهم بصمام يؤخذ من إنسان توفى منذ ثلاث ساعات أو أربع ساعات إلى 12 ساعة، نأخذ هذا الصمام من أجل أن نعالج به إنساناً، أو أن نأخذ الأورطة بالصمام ونستبدلها في حالات الضيق الشديد في مقدمة أو مخرج البطين الأيمن.
لأجل هذا أقنع هؤلاء الشباب وزيرَ التعليم أن يعمل بنكاً في القصر العيني لهذا العمل، وعندما ذاعت هذه الأخبار قامت الدنيا ولم تقعد، والأخ صفوت وزملاؤه أمطروا المسؤولين في كل مكان بأن هذا حرام، وانحشر مجلس الدولة بلا مبرر في تعريف الوفاة، ونحن لم نطلب منه تعريف الوفاة أو غير الوفاة ولا جذع مخ ولا غير جذع المخ ولا شيئاً من هذا أبداً، نحن قلنا له - يا سيدنا - إذا سمح مريض أو أهل مريض بأن نأخذ منه صماماً لكي نعالج به مريضاً نريد أن تسمح لنا بأن يكون ذلك تشريعاً، ونقوم بعمل بنك داخل جدران قصر العيني لتكون هذه الصمامات موجودة.
هل يرضيكم أن يأتي مجدي يعقوب إلى مصر ويُحْضِر معه صمامات الإنجليز لكي يضعها في قلوب المصريين.(25/37)
لأننا بفضل الدكتور صفوت وزملائه والذين أثاروا الكلام بأن الحكم بموت جذع المخ حرام مرة، ونقل الصمام حرام مرة، ونقل قرنية حرام فماذا بقي بعد ذلك؟ هل معقول أن هذا الدين العظيم الذي يلاحق كل تطور في الدنيا، ولقد ضرب إخواننا السعويون مثلاً على برنامجهم، وأقول إنه برنامج يستحقون عليه كل تهنئة ولم يقصّروا في شيء ولم يرغموا أحداً، وقد استمعنا في الصباح أن 80% لا يرفضون ذلك ولا أحد يضغط عليهم. ثم يأتي واحد آخر جديد وهو الذي يقرر أنهم منعوا أن يؤخذ بهذا القرار في الأقاليم حتى تكون مركزية. هل يعقل أن ديناً يقف في وجه أن يبصر العميان، وأن ننقذ قلوب الناس، وأن نعالج الأطفال الصغار الذين يحتاجون قطعة توصيلة!! ما هذا الذي يحدث في هذا الوطن الغريب؟، في مصر المحروسة، مصر محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، مصر التي بدأت التنوير في العالم ثم نعود في نهاية القرن العشرين إلى ما قبل ذلك إلى أيام محمد علي وقبل المماليك. ماذا حصل لنا؟ نحن في مأزق - يا حضرات السادة - نحن في مأزق، وعندما نسأل أخانا الدكتور صفوت: لو لا قدر الله رزقت بطفل يحتاج إلى قرنية ماذا سوف تفعل؟ يقول: أتركه يموت، هل هذا مقبول؟ يذهب المرضى الآن - إذا كنتم لا تعلمون - المرضى العميان في مصر يذهبون إلى إسرائيل، حيث تستورد لهم قرنيات، وتُجرى عمليات القرنيات في إسرائيل بستة آلاف دولار، هل هذا مقبول؟ وهذا أستاذنا الدكتور إبراهيم بدران يحكي لنا ذلك، هل هذا مقبول؟ ماذا نفعل؟ ويقول لي بأن طارق البشري كتب وقال إن الدكتور الذي يعمل كذا يطبق عليه; ما هذه وأين؟ أي بلد إسلامي يسمح بهذا الخراب وهذا الدمار؟! ونريد أن نسابق إسرائيل في معركة المصير، ومعركة التنافس الحضاري اليوم، ونحن نقول: «قرنية ممنوع» وماذا بعد؟ إن هذا الرجل الذي يقول: «قرنية ممنوع وصمام ممنوع» يجب ألا يقف لكي يتحدث في قضية موت الجذع أو غير الجذع، فهو يدعي أنهم يريدون الأعضاء(25/38)
ويتعجلون، إننا نقول: إنه يعوق لأنه لا يريد من أصله لا زرع ولا عضو ولا غير عضو حتى إنه يقول: بأن الزرع من الأحياء أي أنه إذا تبرع أخ لأخيه بكلى حرام، وحجته أن هذا الجسد ليس ملكك فأنت لا تملكه، إنما هذا ملك ُ، وليس مرخّصاً لك في أن تتصرف في ملك الله، فيكون رخص لك بأن تتصرف في مالك وإنما هو مال الله أيضاً، وأنت إنما تتبرع بكليتك وكليتك الأخرى سليمة ثم يقال للناس: احذروا لأنه قد نشر في الجرائد أن الذي انتشر في جنوب أفريقيا في عام 1950 أن هناك واحداً قد تبرع بكليته وتعب مرة ثانية واحتاجها ومات.
إننا نمر نجمع الفتافيت والقصاقيص من هنا وهنا، وكل حالة حدث لها مضاعفات لكي نثبت به ونحاول أن نظهر للعالم أننا موضوعيون، ونحن غير موضوعيين، نحن في الأساس نتحدث من منطق إيماني، وأعتقد أن هذا منطق إيماني ولا يجوز له أن يتحرك عنه لأنه إذا تحرك فهو مصيره النار، ونحن كلنا سوف ندخل النار لأننا نقبل قرنيات ونقبل أن نعمل صمامات، ومع الأسف الشديد فإن الصمامات التي نستعملها في بلدنا هي صمامات الخواجات لأننا قد انقطع بنا الدافع الإنساني لكي يتبرع إنسان بعد ما مات، مع أننا نقوم بتشريح الجثث، وعندنا فتاوى من مشايخ الأزهر على مدى سنوات بجواز التشريح، وعندنا ذلك منذ أيام ابن النفيس، إن ابن النفيس اخترع الدورة الدموية، وكان يشرّح في أيام العصور الأولى للإسلام; فهل أخْذُ صمام من قلب أليس أقل من التشريح الذي يتم؟ هذا ما أريد أن أقوله لكم، وفي الحقيقة إنني أشكر الدكتور صفوت كما قال الدكتور خيري فلولاه ما كان هذا اللقاء وما كنا جلسنا طوال هذا الوقت، ويقول الدكتور عبدالرحمن العوضي إنكم تخرجون عن الموضوع، نحن لا نخرج عن الموضوع، نحن نخدمك خدمة كبيرة جداً لأننا لو لم نخرج عن الموضوع لما كان هناك ما نشغل به وقتك ووقت الزملاء أكثر من ذلك وشكراً جزيلاً.(25/39)
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: بارك الله فيك، أود نذكِّر أنفسنا بأننا عند تقرير الموت لا نُشْرك من له مصلحة في هذا الموضوع، وبالتالي أعتقد أنني ممن ليس له مصلحة في هذا الموضوع فيجب أن نفكر في الموضوع بهذا الشكل.
الدكتور عبدالرحمن العوضي: بسم الله الرحمن الرحيم لا أريد أن أطيل عليكم النقاش الذي سوف يتكرر غداً ويتكرر بعد غد، وأنا في رأيي أن الرئيس يرفع الجلسة ونعمل النقاش غداً إن شاء الله، وسوف نتناول العشاء عندنا في المنزل وقد تهدأ الأمور، وأنا أعتقد أن عندي كلمة سوف ألقيها بعد يومين أي بعدما تستقر الأمور قليلاً، فنكتفي بذلك اليوم، وغداً أو بعد غد سوف نتيح النقاش; والنقاش لن يخرج من هذه الدائرة، مثلما تفضل الدكتور حمدي، فنحن هنا مرة ثانية لكي نحاول - مثلما قال الدكتور صفوت - أن نتعرف على الموت ونحن لا نعرف الموت فنحن أطباء نقول هذا ميت أو لا، أما ما يقوله القانونيون فهذا ليس من عملنا، وما يقوله الفقهاء ليس من عملنا أيضاً، فنرجو أن نرجع لتحديد موت الدماغ، فأرجو يا سيادة الرئيس أن ترفع الجلسة، وغداً إن شاء الله له حديث طويل وتفضلوا عندي للعشاء وسوف أسبقكم إن شاء الله.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: يا دكتور عبدالرحمن ما دام أنك الرئيس وداعينا على العشاء فأعتقد أن بعض المصالح تقدم على المصالح الأخرى.(25/40)
المناقشات
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكرا للدكتور محمود كريديه وأنا سعيد بأن أخصائي الأعصاب يتحدث في هذا الأمر لأنه يوضح الكثير من الاستفسارات حول العلامات التي توحي بأن المريض حي، والآن نفتح الباب للمناقشة وعندنا عدد كبير من المتحدثين وسوف نحاول أن نعطي فرصة لكل واحد ليعبر عن رأيه وأنتهز فرصة رئاستي لهذه الجلسة لكي أبدأ بالمناقشة مع الأخ الدكتور رؤوف سلام، فالأخ الدكتور رؤوف قال: إن تعريف الموت يجب ألا يكون مهمة الأطباء فقط، وأعتقد أن الموت عملية فسيولوجية لا يقدر أن يعرفه ويشخصه إلا الطبيب فقط. معذرة هذه اختلافات في وجهات النظر، إن الذي يُحكم عليه بالإعدام ويُنْزل من المشنقة ضروري أن الدكتور يقول بأن هذا قد مات فعلاً، صحيح (أنه يشخص ولكنّه يعرِّف أيضاً الموت، وهل معنى أن هناك اختلاف 10% بين هارفارد ومينوستا في الحالات التي شُخِّصت أنها موت دماغ هل معنى هذا أن 10% من الحالات قد ثبت أنها ليست موت دماغ أم أنّ هناك فرقاً؟ أم أنهم يعملون sofisticated test أكثر من الآخرين، فمثلاً هناك واحد يقول إن EEG لابد يكون flates وواحد لم يجد فيه flates فبالنسبة للمينوسوتا اعتبر أن هذا لم يكن موت دماغ، ولكن عاجلاً أم آجلاً قد اتفق الاثنان معاً فهل تقصد أنه ثبت وجود 10% اختلاف بمعنى أنه ثبت فيما بعد أن 10% أحياء وليسوا موتى دماغ؟ هذا سؤال أحب أن أوجهه.(26/1)
أما حكاية وجود دورة دموية طفيفة في المخ فهذا ليس معناه أن المخ حي، نحن لا نقول: إن موت الدماغ 100% يعني مرحلة، فيمكن أن توجد حالات فيها دورة دمويّة في المخ، ولكن بعد 3 - 4 أيام لن تجد شيئاً وهو لا ينفي موت المخ، أما عملية تحلل المخ فإنها أيضاً شيء مرحلة متأخرة جدا، وقضية أن المخ أهم جزء وأن موت الجزء لا يعني موت الكل قضية تحتاج إلى إعادة نظر، لأن الواقع أن هناك أشياء أهم من غيرها، فمثلاً لو كان القلب - وهو جزء - يكون الكل قد مات بخلاف من يكون عنده غرغرينا في رجله ثم قطع له رجله فهذا شيء مختلف، وهناك أعضاء هامة وحيوية وهما المخ والقلب فلو وقف القلب مات الكل، ولو مات المخ فإن آجلاً أو عاجلاً سيموت الكل بعده، وسوف نبدأ بأول المتحدثين الأخ الدكتور عبدالمنعم عبيد..تفضّل(26/2)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: شكراً سيدي الرئيس وأبدأ بشكري للمنظمة، وشكري للدكتور عبدالرحمن العوضي، والأخ الدكتور أحمد رجائي الجندي على الجهد العظيم الذي قاموا به وأريد أن أعبر عن إثلاج صدري بالمحاضرتين اللتين ألقيتا اليوم; لأن الدكتور محمود كريدية قد أثلج صدري بالإشارة إلى التكلفة الاقتصادية وكذلك بالإشارة إلى تقرير الأكاديمية الأمريكية للأعصاب، وأنبه الأخ الدكتور صفوت إلى أن ينظر في تقرير عظيم - بنفس القدر وأكثر - أعدته الجمعية (الاشتراكية النيوزلندية) للعناية المركزة ونشرته تفصيلاً في عشر صفحات. وأحب أن أشير إلى الأهمية الفائقة لهذا الموضوع، لأنه لم يتحدث عن شيء واحد، وإنما تحدث عن كل التفاصيل التي ذكرتها الجمعية الأمريكية. بالإضافة إلى التعامل مع الأهل، وتدريب الأطباء، وتدريب المنسقين، وتدريب الجمهور منذ نعومة الأظفار في المدارس والتجمعات وإشراك المدارس والهيئات التعليمية، وتحضير المجتمع لمفاهيم الموت وتنمية روح المشاركة بين الشعب في السراء والضراء حيث يتصور كل إنسان أنه هو الذي يتلقى عضواً لإنقاذ حياته، فلماذا لا يعطي موافقة مسبقة للعطاء، وغير ذلك من التفاصيل المهمة، وكذلك فإن ما ذكره الدكتور القاوي مهم جداً من الناحية المنهجية لأننا إذا دخلنا في جدل لا ينتهي ووضعنا النتائج قبل المقدمات ولم نستخدم الأسلوب العلمي، وخلطنا التعريفات، ولم نحدد المفاهيم، وخرجنا عن الموضوعات، فسوف نجد أنفسنا في موقف سيِّىء، وأقول للأخ الدكتور صفوت بأنه في موقف لا يمكنه التراجع عنه، وسيذهب إلى وسائل الإعلام وسيلجأ إليها باستمرار، وسيضع نفسه في موضع المتمسك بالرأي، لكنّ الرجوع إلى الحق فضيلة، وفي الحقيقة سوف يكون موقفه من أصعب ما يمكن فأنا أناشده كمسلم أن يعود إلى قيم الإسلام الحقيقية في التعامل مع ما يتفق مع المنطق ومع العقل أو مع تطورات العلم الحديث، أما ما ذكره الدكتور رؤوف سلام فهو ذو أهمية(26/3)
كبيرة لأن الحقيقة هي عدم الاتفاق على المفاهيم، فما طرحه الدكتور رؤوف سلام يؤدي إلى بلبلة كبيرة جداً في الرأي العام الإسلامي، ومنذ البدء وهو يتكلم عما عرف الإنسان من مظاهرها الواضحة، وقد سبق أن أوضحت تماماً الفرق بين طب الظاهر وطب الباطن وأن المشكلة ليست مشكلة الدكتور رؤوف سلام ولا الدكتور عبدالمنعم عبيد ولا مشكلة الجمهور العادي، المشكلة الكبرى هي مريض العناية المركزة عندما يتعرض لمرض خطير يوضع تحت تصرف فرق من العاملين ومن أهل الذكر، ومن المختصين في معرفة هذه الأشياء فسوف يواجهون صعوبات كثيرة، ولقد رأيتم - من كلام الدكتور محمود كريدية - الصعوبات التي وجدتها الجمعية الأمريكية وهؤلاء سوف، يرجع إليهم في هذه المسائل وليس في تعريف الموت والحياة بهذه الصورة عند الرجل البسيط هذه الصورة تتردد كثيراً في الصفحات السبع الأولى ويتكلم فيها عن إنسان نزلت درجة حرارته، والأيض وغير ذلك - ونرى أن كل الأديان لم تفعل غير ذلك إلا أنها قد نبهت الناس إلى خطر الموت وعظمة الموت وعبرته، وأن للموت غرغرة، وأن الموت معاناة، وإلى أن الإنسان يجب أن يسعى في حياته إلى الخير والحق والجمال والفضيلة ومساعدة الآخرين، ولم تقصد الأديان جميعها الدخول في أي نوع من التعريفات حول الموت، وأنا أطلب منك أن ترجع إلى [ابن كثير] وترى كيف توفى (() وتحرك في أثناء مرضه ولم يكن أحد يتنبأ بكيفية الوفاة، ولو استطعنا أن نفدي نبينا الكريم بأرواحنا لفعلنا، ولو استطعنا أن نعطي عضواً لأي إنسان مهم لأعطيناه; لأن هذه العناصر العظيمة في تاريخ البشرية هي التي قدمت المعنى للحياة. ولقد كان المسلمون يقولون للنبي (() بأبي أنت وأمي يا رسول الله; يفدونه بأبيهم وأمهم وبحياتهم نفسها، فإذن نقل الأعضاء وموضوع موت المخ به إشارة كبيرة إلى هذه النقطة التي تطرق إليها الدكتور رؤوف، عن أن الموت هو زوال الحياة وانعدامها في الحقيقة أما الحياة الخضرية فهي(26/4)
حالة قصوى من الموت وإن كان الكلام على الطب الشرعي يتعلق بالجرائم والتأكد من الموت لأجل المسائل القانونية والشرعية مثل ضرب الرصاص، وكذلك فإن الطب الشرعي يتطور، ومفاهيم الموت والحياة تتطور اليوم، ونريد تطور الطب الشرعي في مصر حتى يوصلنا إلى يقين. لأنها مسألة من مسائل الطب الشرعي، كما أن للفقهاء موقفهم أيضاً وإن كانت عندهم مخاوف تتعلق بالإنسان وهويته فهم ينتظرون رأينا ونحن نؤدي بهذا الكلام كله إلى زعزعتهم فسوف نضع الدين في موضع حرج جداً، وسوف نشكو من طرق تفكير الناس ومن خروجهم عن الدين وسوف يتبين لنا أننا أسأنا إلى فقهائنا وإلى علمائنا الأجلاء; لأننا نضعهم عند حدود حقيقة مريض في غرفة الإنعاش في مواصفات معينة، وقد كنا نود أن يحضر معنا العلماء بعض الندوات مثل هذه; كي يتفهموا الموقف. فهل يصح أن نضعهم أمام هذه البلبلة ونواجههم بهذه الأفكار المجردة البعيدة تماماً عما يحدث في وحدة العناية المركزة.
هناك مشكلة محددة: أرى أن الدكتور رؤوف لا بد أن يراجع نفسه في هذه المفاهيم المبدئية; إن كان التعرف على الموت هو مسؤولية الطبيب؟ أم هو مسؤولية المجتمع؟ ولا أقول بأن المجتمع منعزل عن الأطباء; لأن الأطباء قواد في هذا الموضوع; وعندما ينهون عملهم في هذه الندوة، ويصلون إلى قناعة، ويوصلونها للجمهور. وإذا كنا لم نستطع الوصول إلى اتفاق فهل نريد من المجتمع أن يوجهنا؟! بل إن الجمهور العادي، وعلماء الفلسفة لا وقت عندهم لكي ينظروا إلى المسائل القانونية، وأملنا منعقد على ندوات مثل هذه، لأننا اليوم نفتح الطريق أمام هؤلاء الناس وننشر التجانس داخل المجتمع، فالدكتور رؤوف في الحقيقة يطلب ممن لا يملك ولن يستطيع أن يعطيه شيئاً، ويضع الأطباء في موقف حرج ويضع العربة أمام الحصان.(26/5)
إن القطعيات في الدلالة من أين أتت في العمل الطبي؟! هل لا يصح أن ننظر في الموت ودلالته بكل الأشياء التي شرحها الدكتور كريدية وشرحها الأخ الدكتور القاوي؟! هل اختبارات وظائف المخ الشاملة لا تكفي؟! اقرأ يا دكتور رؤوف كتابات أساطين في العناية المركزة واسمع إلى الدكتور حسن حسن علي الذي اعتذر إليه، وذهبت إليه في (هافارد) وسألته منذ 15 سنة: هل يمكن أن أعمل عندكم نائباً؟ فقال لي: يا دكتور عبدالمنعم إن بعض النواب الذين يعملون في العناية المركزة حاصلين على درجة الدكتوراه في الطب فاسمح لي يا دكتور رؤوف ونحن نتكلم عن هذه الأشياء وارجع إلى التعريفات عن شمولية التحليلات وهل هذا غير ممكن؟ وألا يكفي من المخ ما يصل توقفه إلى توقف وظائفه التي تؤدي إلى تعطيل الإنسان عن مداومة حياته التي تتلخص في أن تكون لها هدف ومثمرة وفاعلة؟ هذه الوظائف الثلاثة هي التي يقوم بها المخ، وما عدا ذلك فقليل من الهرمونات والحركات في رسم المخ، وهذا الكلام لا قيمة له بالنسبة للوظائف المذكورة أعلاه وهل المهم عندنا أن نتكلم عن الاتجاهات العلمانية. الاتجاهات اللادينية في الغرب؟! إننا إذا لم نفكر كمسلمين ونسمح لكل الناس أن يفكروا معنا فهذا خطأ كبير؟ لماذا لا ينظر المجتمع الغربي إلى العلمانيين وينظر إلى التعدد المجتمعي ليحمي حق الإنسان في إنهاء حياته، ويحمي التوعية ويحمي الغيرة ويحمي العطاء ويشجع ويبادر على العطاء. إن الكنيسة تلعب دوراً كبيراً، وبالمناسبة اقرأ يا دكتور رؤوف ما يحدث في إسرائيل وما تعمله الكنيسة الغربية اليوم وتلتحق بالعلمانيين ولا تتشاجر معهم فيدخلون جميعاً مع بعضهم لأن مجمل الأفكار كلها تلعب دوراً كبيراً في حماية الحياة، وليس في حماية الموت، وما يفعلونه هو استمرار الحياة. فأنا كلما أسمع كلاماً من أحد عن موضوع حقوق الإنسان أقول بأن الذي ينقصنا في عالمنا الإسلامي والعربي هو قيمة الإنسان، فنحن لم نحقق(26/6)
للإنسان قيمة، لا بالدولار، ولا من ناحية وجوده كإنسان في الحياة، فإذا كنا لم نحقق له قيمة فليس له حقوق. إنما في الغرب لأن دخولهم 23 ألف دولار في السنة، وهو متوسط الكويت والولايات المتحدة الأمريكية، و15 ألف دولار و20 ألف دولار في معظم الدول الأوربية، وفي المقابل نجد الدخل 300 دولار في مصر أو الصومال أو موريتانيا أو غيره، وهذه بلاد إسلامية، فما بالك بما في أفغانستان؟ ولا أريد أن أتكلم عن أفغانستان.
وفي النهاية أنا أرجو الدكتور رؤوف مع خبرته القليلة جداً في العناية المركزة - ألا يعتمد مثلي على القراءات في المجلات والجرائد ولكن أقول له: اسمع من أهل الذكر يا أخي وأرجو منك يا دكتور صفوت أن تضع في حسابك أنك لم تعمل في العناية المركزة، ولا علاقة لك بها، ولم تدخلها وللأسف فإن قسم التخدير - الذي أنا منه - قد انفصل عن مهمة العناية المركزة وأوكلها للأخ العزيز رئيس قسم العناية المركزة في قصر العيني الذي حمل عبء العناية المركزة والأمراض الباطنية والحوادث والجراحة في نفس الوقت، وهو عبء تنوء به الجبال، ولقد كانت بداية عظيمة بدأها قصر العيني عندما أنشأ هذا القسم، فمن فضلكم التواضع يا إخوة والرجوع إلى الحق والتجانس لأجل أن ننتهي إلى نتيجة معقولة وأشكركم وآسف للإطالة.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور عبدالمنعم، وأحب أن أوضح للسادة الحضور أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وليس هناك هجوم شخصي على أحد، وبالعكس فإننا نشعر بسعادة ونحن نستمع للرأي والرأي الآخر، ونفس الكاميرا تصور الدكتور صفوت وفي اثناء الكلام وعند كل كلمة لا تعجبه نجد الامتعاض على وجهه.
الدكتور صفوت لطفي: لا... يا سيدي أنا امتعضت - فقط - عندما كان يذكر سيدنا رسول الله ( حيث يجب الحديث عنه بمنتهى الاحترام والتوقير لأن هذا قد يورد الموارد وشكرا.(26/7)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً، وأود أن أوضح للسادة المحاضرين أنه سيترك حرية الرد لكل من المحاضرين الثلاثة على ما أثير هنا. الأخ الدكتور سهيل الشمري.. تفضل.
الدكتور سهيل الشمري: السلام عليكم، في الحقيقة قبل أن أبدأ أحب أن أعلق على رئاسة الجلسة المسائية، وأعتقد أنها تستحق بعض الملاحظات، ومن ذلك: أنه سمح لكثير من المتحدثين بالإطالة، وفي أغلب الأحيان كانت المواضيع ليس لها علاقة بموضوع المؤتمر، ولقد منعت أنا بعد مداخلة عفوية، أعتقد أنها كانت أساسية، لأن الإجابة لم تكن كاملة على سؤال الدكتور مصطفى الموسوي، وأعتقد أن الدكتور مصطفى الموسوي - للأسف - لم يحصل على الإجابة حتى الآن مع أن سؤاله كان عملياً جداً، ولذلك سأبدأ في طرح بعض النقاط المهمة بعدما تحدثنا كثيراً عن الأمور الفلسفية، وأذكِّر الدكتور محمد القاوي أن معظم هذه الأشكال التي نراها ناتجة عن الارتباك والتشويش والخلط بين التعريفات والمعايير لموت الدماغ، واعتقد أن الفحوصات المتعارف عليها في جميع مراكز العالم متشابهة إلى حد كبير، وليس هناك اختلاف حقيقي بين هذه المعايير، واعتقد أن معايير الأكاديمية الأمريكية لعلوم الجهاز العصبي جديرة بالاتباع، إذا ما فكرنا باعتماد (بروتوكول) خاص بالوطن العربي أو الإسلامي، ولكن هناك بعض التحفظات على معايير الأكاديمية أعتقد أنها جديرة بالمناقشة، ومن ذلك القول بأن حرارة الجثة خلال الفحص يجب أن تكون 36 درجة Apnea test واعتقد - من خلال خبرتكم - أن كثيراً من المرضى لا تصل حرارتهم إلى 36 درجة واعتقد أن المكتوب وفقاً للمعايير البريطانية التي تحدد بأن درجة 35م8 أو أكثر مقبولة.(26/8)
السؤال الثاني وهذا جواب إلى الدكتور مصطفى موسوي إذا ما استطعنا أن نرفع درجة الحرارة بالبطانية فاعتقد مع استبعاد الأسباب الأخرى المسببة لانخفاض درجة الحرارة ففي هذه الحالة فإن الأمر يحتاج إلى اختبارات تأكيدية وهذه الاختبارات يجب أخذها بعين الاعتبار إذا لم نتمكن من إجراء اختبار حراري لأسباب متعلقة بانغلاق العصب الثامن. وفي الحقيقة يوجد لدينا حالات كثيرة لا تظهر أي نشاط في تخطيط كهربائية الدماغ ومع ذلك فإن جذع الدماغ لديها طبيعي، وأنا أقترح إضافة Evoked potential لتخطيط كهربائية الدماغ والقضية الثانية هي عمل Transeramial doppler وهو غير متوفر وغالي الثمن رغم أن الجهاز عملي جداً للاستعمال في الفحص السريري وفي بعض الأحيان قد يظهر بعض النشاط الدموي في جذع الدماغ. الدكتور كريديه تحدث عن فحص النظائر المشعة وهو نوعان، فالأول - وهو التقليدي - يتم إضافة بروتين (ألبومين) لمادة (تكنثيوم) وهذا الفحص يتأثر بهبوط ضغط الدم وهبوط عمل القلب. والآخر وهو أكثر الفحوصات حساسية ودقة هو Spect فحص بالنظائر المشعة، وهو مساوٍ لفحص Trans ceranial doppler. وفي مستشفى الأميري استخدمنا فحص Spect لتسع حالات رغم أن الدكتور حسن علي يقول لنا بعدم إمكانية نقل المرضى خوفا من التأثير السلبي على الأعضاء المراد زرعها، ولم نجد في ذلك مشكلة، وفي مركزنا يوجد لدينا توافق جيد إلى الآن رغم عدم وجود أعداد كبيرة من المرضى. والمرضى يتلقون الدعم الكامل ولم يرجع أحد منهم إلى الحياة.(26/9)
وبعد ذلك انتقل إلى الحديث عن المشكلة الأخلاقية والفلسفة في مناقشتنا، وأعتقد أن هذه القضية إذا لم تحسم فسوف تستمر المشكلة وسوف يواجهنا في كل سنة دكتور صفوت، مع احترامي للدكتور صفوت وهذا من حقه لأننا في الحقيقة نطلب من الناس أن يقبلوا فحوصات معينة بدون معايير وبدون تعريف واضح وهذا موت الإنسان أو الحياة الإنسانية. وبالنسبة لأهل المرضى يكون المريض أمامهم حياً وهذه مشكلة أخلاقية وإنسانية كبيرة، لذلك أقص عليكم هذه القصة التي حدثت قبل مؤتمركم الموقر بعدة أيام: فقد كان لدينا مريض تم تشخيصه بأن دماغه قد مات باستخدام Specto scan وكانت هناك محاولات لأخذ أعضائه ولكنها فشلت، والمريض كان غير كويتي، نحن نتفق عليها كأطباء ونتكلم عنها ولكن لا أحد يتبرع بها فكيف نحل هذه المشكلة؟ إن الذي حدث أننا أقنعنا الأب والعائلة وبعد ذلك غيروا رأيهم، وليس لإخصائي الأعضاء دخل له; فأنا أطلع من العناية المركزة وأترك المختصين بنقل الأعضاء ليقوموا بعملهم، ولكن الذي حدث أنني حضرت بعد ثلاثة أيام وظننت أنهم أخذوا الأعضاء فسألت وقالوا لي: إنه موجود ورائحته قد فاحت أي أنه بدأ يتعفن، وسألت لماذا لم يفصل هذا المريض عن الأجهزة؟ فأجابني إخصائي التخدير: ومن يفعل ذلك؟ قلت: الأمر واضح جداً في القانون، أنت تفعل ذلك. قال: لا. قلت له: هل يعقل أن تأخذ المريض على سرير الجراحة لأخذ أعضائه ولا تريد أن تفصل عنه الأجهزة؟ قال: نعم، لأن أخذ الأعضاء هو سبب الوفاة. قلت له: أنت مخطئ ولديك مفهوم مشوش تماما. هذه المشكلة ليست عندنا فقط بل موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية فقد عملت دراسات لتقويم مفهوم موت الدماغ ووجد أن نسبة 35% تشوش كلي للمفهوم، فلماذا نستخدم مفهوم موت الدماغ؟ فاستخدامه يعني أننا لا نؤمن بأن موت الدماغ معناه الموت فلنقل الموت مباشرة وهذا يعكس التخبط الموجود..(26/10)
العملية الثانية التي أحب أن أذكرها، ويمكن أن يستغربها الإخوة السعوديون أنه يوجود عندنا كويتي مريض موجود الآن في وحدة العناية المركزة وهو ميت دماغيا، وعمل له فحص بالنظائر المشعة Spect ولم نعمل له فحص توقف التنفس لأنه غير مستقر الدورة الدموية والقلب وأول فحص وجد به نشاط كهربائي للمخ، لكن الثاني أظهر غياب النشاط في المخ تماما وغياب الدورة الدموية، فوالده اقتنع، وقال: لا تأخذوا أعضاءه ولكن افصلوه عن الجهاز، فاتصلوا بي وقالوا لي: يريدون أن يفصلوه عن الجهاز، فقلت لهم: لا يمكن أن يفصلوا الجهاز، لاحظوا كم نحن حريصون، فتلك مسؤولية كبيرة; لا تظنوا أن هذه قضية سهلة وقلت لهم: لا بد أن أعمل فحصاً ثانياً، ولم نعمل الفحص الثاني، وذهبت هناك ووجدته بارداً (حرارته منخفضة) وحضرنا في اليوم الثاني فوجدت والده قد غير رأيه، فقلت: لماذا غيرت رأيك؟ قال سألنا اثنين من علماء السعودية قالوا لنا: ما دام فيه روح فلا تفصلوه عن أجهزة الإنعاش والتنفس، وهناك واحد من مشايخنا لا أريد أن أذكر اسمه وهو من المشايخ المشهورين جداً في السعودية من أصحاب هذه الفتوى.
النقطة الأخيرة - ولا أريد أن أطيل عليكم - أن قضية أكثر من زميل ومنهم الدكتور حسن علي والدكتور عدنان خريبط قد ذكرا أن الأطفال مستثنون من فحوصات موت الدماغ.
الدكتور حسن حسن علي: أنا لم أقل إن الأطفال مستثنون بل قلت: إن هناك تحفظات معينة للأطفال تحت سن الخامسة والأفضل الانتظار لفترة ملاحظة أطول من البالغين.
الدكتور سهيل الشمري: على حسب (بروتوكولات) الأكاديمية الأمريكية لعلوم الأعصاب، (الأطفال من سن سنة أو أكبر يجب أن يعاملوا معاملة البالغين أما الأطفال من شهرين إلى أقل من سنة فإننا نحتاج لتخطيط الدماغ كفحص تأكيدي ولا نحتاج إلى الانتظار فترة أطول إذا ما عملنا فحص الدورة الدموية للدماغ).(26/11)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور سهيل ونعطي الكلمة للدكتور إبراهيم علي حسن مستشار مجلس الدولة، وفعلاً يا دكتور إبراهيم فقد أثير أمس موضوع مجلس الدولة برأي مضاد للذي قلته وأنا أعرف أنك صاحب الرأي الأول والأخير في هذا الموضوع وأنك الذي كتبت المذكرة، فأرجو أن توضح لنا ما أثير بالأمس.
الدكتور إبراهيم علي حسن: شكراً سيادة الرئيس وشكراً للمنظمة والسيد الدكتور رئيسها والسادة العاملين فيها، وأحب أن أعلق على الدكتور رؤوف في حديثه، وفصله بين الدين والواقع فهو يتصور أن ما يتم في الغرب صادر من العاملين وبالتالي يجب أن نختلف عنهم; في الحقيقة إنني قد عشت في دول الغرب مدة كبيرة وبالذات في فرنسا، ولقد رأيت حرصاً وعناية شديدة جداً جداً - لا نجدها في مجتمعنا - بالإنسان وكرامته وبسلامة جسده وبكل ما يتعلق به كإنسان. ولقد وجدت في قراءتي أن هناك قراراً للمجلس الدستوري في فرنسا بخصوص احترام آدمية الإنسان، وهناك قانون صدر في فرنسا سنة 1994 وقبل أن يصدر القانون يمكن الطعن عليه، قبل أن يصدره رئيس الجمهورية وينشر ممكن الطعن عليه أمام المجلس الدستوري، والقانون اسمه [القانون المتعلق بالجسد الإنساني] وناقشه المجلس الدستوري وأقر سلامته ودستوريته مع أن فيه زراعة أعضاء وأيضاً الـ Donner وما يتعلق به، وأقصد من هذا الحديث القصير أنهم في دول الغرب يحترمون الإنسان حياً وميتاً، وليس كما نصوِّره بأنه إذا اقترب من الوفاة انتُزِعت أعْضاؤه وجُنِيت وحُصِدت.(26/12)
بعد هذا الحديث القصير أحب أن أرد هيبة الدولة لمصر، لأنني كنت في معترك الحوادث، وأعلم تفاصيلها جيداً، وقدمت تقريراً في هذا الشأن لمجلس الدولة، وهو منظمة من أرقى المنظمات القضائية في العالم كله; لأن عندنا الجمعية العمومية في مجلس الدولة تتكون من 24 مستشاراً من كبار مستشاري مجلس الدولة، ذوي الفكر والثقافة الراقية، وعندما يناقش موضوعاً يناقش بعمق وبأسلوب علمي وجادٍّ حتى نصل فيه إلى قرار، ويكون هذا هو القول الفصل فيه.
إن الموضوع الذي عرض هو مشروع قانون بإنشاء بنك للصمامات والشرايين، وقد أرسل من قسم التشريع حيث لم يستطع أن يتعرض له، مع أنه هو القمة في إعداد التشريعات في مصر، وقالوا: بأننا سوف نرسله إلى الجمعية العمومية لأن هذا الموضوع خطير جداً، وهذه أول مرة يوضع في مصر وكان معروضاً بالرفض، وكُلِّفْتُ أنا بإعداد التقرير الخاص بالعرض على الجمعية العمومية? ولقد بدأت بقوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} في هذا التقرير وهو مقدم من مستشار، ولقد أَثَرْتُ فيه نقاطاً كثيرة لأن هذا الموضوع يتعلق بأعضاء تنقل من إنسان ميت، فمتى يعد الإنسان ميتاً؟ وفي صفحة 12 قلت: رغم بداهة هذه المسألة إلا أنها أبرزت مشكلة قائمة في حالة موت المخ، وأخذْتُ في استعراض - وفقاً لمعلوماتي الطبية المحدودة - ماهِيَّة موت المخ ووجدتُ أن أوَّلَ من تكلم فيها كان فرنسياً تكلم عن (Coma de passe) غيبوبة بلا رجعة سنة 1959?(26/13)
وفي سنة 1968 شكلت جامعة [هارفارد] في الولايات المتحدة مجموعة عمل متخصصة لوضع مواصفات موت المخ، وفي سنة 1971 أقرت جامعة [مينوسوتا] بموت جذع المخ ونوع اللاعودة ووصلت إلى ما قرره العلماء الإنجليز بهذا الشأن فيم يخص موت جذع الدماغ، وقد نشرت في مجلة [لانست] في 13 من نوفمبر 1976، وانتهينا إلى أن هذا الموضوع هو تقرير للوفاة، وقلت: بأنني أتعرض لهذا الموضوع لأنه مهم جداً من الناحية القانونية، وليس مهماً من الناحية الدينية أو النفسية أو الاجتماعية فقط بل إنه مهم أيضاً من الناحية القانونية.(26/14)
إن إعلان تاريخ وفاة إنسان غاية في الأهمية وله تأثيرات لها آثارها القانونية المهمة، ولقد ضربت أمثلة لذلك بالنسبة للمصابين في حادث واحد لو كانوا من الأقارب، فإن من يتقرر توقف مخه يعد ميتاً قبل وفاة قريبة، فمثلاً لو كان هناك اثنان أصيبا في حادث فنقلا إلى المستشفى وواحد منهما شُخِّصَ على أنه مات جذع مخه ووضعوه تحت جهاز التنفس وبعد يوم مات أخوه نهائياً وبعد سبعة أيام مثلاً رفعوا عنه جهاز التنفس فمات فمن يرث في الثاني؟ إن الذي يرث في الثاني هو الذي مات مؤخراً وليس الذي أعلن وفاته مؤخراً أي أن الذي كان مصاباً بموت جذع المخ كان ميتاً فعلاً وبالتالي يرث الآخر. وهناك مسائل كثيرة خاصة بعائلة أرملة المتوفي وهذه مهمة أيضاً في عملية التأكد من الوفاة المخية، فهناك موضوع عرض على محكمة النقض الفرنسية وهو أن واحداً أصيب في حادث، وتقرر أنه مصاب بموت جذع المخ، وبعد ذلك وضعوه تحت المنفسة واستحق عليه قسط التأمين على الحياة، ولم يوفِّهِ لأنه كان ميتاً; لكنَّ وفاته أعلنت مؤخراً; فشركة التأمين اعترضت على صرف التأمين وقالت: إن العقد انفسخ لأنك لم تسدد قسط التأمين، وهذا الموضوع وصل إلى محكمة النقض الفرنسية وقالت: لقد كان ميتاً وبالتالي يستحق التعويض التأميني ولا يعد متخلفاً عن أداء مستلزماته? هذا الموضوع ناقشه مجلس الدولة مناقشات طويلة جداً لم تحدث في تاريخه وانتهى إلى مبادئ عشرة ولكنني لم أذكر هذه المبادئ بالكامل أمس لكن أحب أن أذكرها لحضراتكم لنقف على معانيها:(26/15)
الموضوع الأول: خارج عن الموت لكنه يتعلق بنقل الأعضاء عموماً وذكر فيه الموت أيضاً، أولاً مشروع القانون يتضمن أحكاماً بنقل صمامات وشرايين القلب، وأنه لا يَرِدُ هذا النقل إلا من جسم الميت، ومع أننا عارضنا في ذلك وقلنا: إنه من الممكن نقل الصمامات والشرايين - وفقاً للمعلومات العلمية الطبية - خلال فترة تمتد من ساعتين إلى 12 ساعة، ومن ساعتين إلى 24 ساعة وفقاً لمدرسة أخرى، قلنا: نريد أن ننهي هذا الموضوع الآن لأن زراعة الأعضاء عموماً يمكن أن تنتشر في مصر مستقبلاً; فليس هناك قانون في مصر لزراعة شيء سوى القرنية، وهو القانون الذي صدر في سنة 1962 مع أنه وجدت بعض المشاكل التي أثيرت بشأنه مؤخراً.
ثانياً: اختصاص مجلس الدولة بمراجعة الصياغة التشريعية لمشروعات القوانين، إنما تتضمّن دراسة قانونية فنية تتعلق بمدى عدم تعارض أحكام المشروع المقترح مع أحكام القوانين العليا، وعلى رأسها أحكام الدستور وما يحيل إليه من أصول مرجعية، والتي يقصد بها الشريعة الإسلامية? فهذا المشروع يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ما قررته الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في مصر وأورد النصوص الدستور إلى آخره في التفسير.(26/16)
ثالثاً: أنه بالنسبة لمبدأ النقل ومدى جوازه، فإن الجمعية العمومية ترجح الأخذ بما انتهى إليه النظر من جواز نقل الأعضاء. انتهى الموضوع، أي أننا نجيز النقل. أما الموضوع الذي أثرته الآن فهو من المواضيع التي أثرتها في التقرير وأنا أكتبه، فلقد ذكرت لهم بأنه لا بد من التحقق من الوفاة، أما تعريف الموت - الذي هو موضوع ندوتنا - فلم يكن منتظراً أن تعقد له ندوة في هذه الأيام، في شهر أبريل 1995 لأن المبدأ الذي قررته الجمعية هو النص الذي نرجع إليه، وإذا تعارض النص مع مذكرته التوضيحية فالنص هو الأولى بالتطبيق ولا أرجع إلى مذكرته لكي أصل إلى ما يعارض النص ولا يتفق معه أو يجاوزه أو يخرج عليه، وأقول بأن هذا قد أوقف تطبيق النص، والنص الواضح الصريح هو الأولى بالتطبيق والتطبيق الفوري.
رابعاً: إذا كان مشروع القانون المقترح يتعلق بنقل صمامات وشرايين القلب فإن هذا النقل لا يرد إلا من جسم الميت، فإنه يجب الاستيثاق من تمام موت الجسم المراد النقل منه، الأمر الذي يقتضي معه وجوب أن يتضمن مشروع القانون تعريفاً للموت. هذا هو رأي الجمعية العمومية، ولقد دخلت بعد ذلك وقلت: بأنه يجب أن يكون الأطباء المقررون للموت مختلفين عن الأطباء الذين يعهد إليهم بجراحة النقل لأجل ألا يكون هناك تعارض في المصالح، وتحدثت في هذا الموضوع طويلاً وقلت: إن الموت كما نتصوره هو مفارقة الحياة، وهو التعطل لمظاهر الحياة في الإنسان، وذلك لا يعني تعطل مظاهر الـBrain stem death، فليس تعطل مظاهر الحياة في جذع المخ هو التقرير النهائي بموت الإنسان أي لا يستند إلى هذه الفقرة التي جاء فيها التوقف الذاتي لمظاهر الحياة أي أنه لا بد أن يموت كله. فما هو موت المخ؟ هو موت الإنسان بلا عودة.(26/17)
خامساً: أن توفر الضرورة العامة التي تجيز نقل عضو من جسم آدمي ميت يقتضي أحكاماً مناسبة فيتضمن مشروع القانون أحكاماً إجرائية تتعلق بأولويات احتياج الأعضاء المطلوب نقلها، وفقا لشدة الحاجة لدى المرضى زماناً وخطراً، فعملية الأولويات لا بد أن تُنظَّم.
سادساً: أن الجسم الآدمي ليس محلاً للتعامل فيه، مما يقتضي الأمر بإلزام المرضى بالنقل بالإذن أو الإجازة.
سابعاً: إذا كان إذن الشخص لاستخدام أي من أعضاء جسمه بعد موته ليس حقاً مالياً ينقل من بعد موته إلى ورثته، إلا أنه يجوز أن يكون الإذن بالنقل صادراً من الأقارب الأقربين للميت.
ثامناً: يجب حظر الاتجار بالجسم الآدمي، الأمر الذي يستوجب معه تضمين مشروع القانون أحكاماً تكفل سد ذرائع البيع والاتجار.
تاسعاً: أنه يلزم استبعاد جواز انتزاع صمامات القلوب وشرايينها من أجساد الموتى مجهولي الشخصية، فيلزم استبعاد مجهولي الشخصية وهم الذين يموتون في المستشفيات وهم غير معروفين; وذلك من أجل الرضا وتكريماً لهم، ولأنه لم يذكر أن أحداً من أقاربهم وافق على النقل، ولذا استبعدتهم الجمعية العمومية.
عاشراً: وهو ما يختص بمن حكم عليهم بالإعدام فيقول: إن حال المحكوم عليه بالإعدام حال أي شخص آخر فيما يجب أن يعامل به جسده، وبالتالي إذا لم يوافق المحكوم عليه بالإعدام، ووافق أحد من أقاربه لا أستطيع أن آخذ منه شيئاً.
وأخيراً فإن وزارة الصحة بوصفها الجهة المعنية بهذا الشأن يجب أخذ رأيها في مشروع القانون.(26/18)
هذه المبادئ العشرة التي قررتها الجمعية العمومية للفتوى والتشريع في مصر وانتهت من ذلك إلى إباحة زراعة الأعضاء، وطلبت في تقريرها الخاص بتحديد الوفاة الرجوع إلى أهل الرأي والمختصين، فلست أنا ولا زملائي العظام - وعلى رأسهم فقيه وشيخ كبير وجليل شيخ الإسلام طارق عبدالفتاح سليم البشري - الذين نستطيع أن نصل إلى هذا الأمر، ولذلك فإننا أوكلنا هذا الأمر إلى أهل الرأي نرجع إليهم ونسألهم عن وقت تحديد الوفاة.
فمجلس الدولة لم يعترض على شيء في هذا الأمر، ومجلس الدولة في مصر يوافق على نقل الأعضاء عموماً، أما بشأن تحديد الوفاة فقد أوكلها إلى المتخصصين وإلى أهل العلم وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور إبراهيم، وفي الواقع أنك أجبت عن بعض استفسارات مهمة; فلقد حدث بالأمس بعض البلبلة في بعض الأمور التي أخذت بعض العبارات من المذكرة الإيضاحية وذُكِرتْ على أنها من نفس القانون، فهذا سؤال واضح: هل مجلس الدولة وافق على نقل الأعضاء؟ أم لا؟ هل تسمح لي يا دكتور صفوت أن أحكي لهم حكاية المحكوم عليه بالإعدام الذي فجّر هذه المشكلة؟ «موافق» أولاً لقد سمعتها سماعاً من النائب العام، وهي المشكلة التي أثيرت أخيراً. وملخص القصة: أن المجموعة الخاصة بنقل الأعضاء أخذت موافقة النائب العام على نقل أعضاء المحكوم عليه بالإعدام بعد عملية الإعدام وقد صرح النائب العام بهذا فعلاً، وكان هناك واحد قد حكم عليه بالإعدام في الإسكندرية ونفذ فيه حكم الإعدام، وكان فريق التخدير واقفاً تحت المقصلة وأول ما نزل من المشنقة طبعاً في خلال 3 دقائق أو أربع دقائق كان النبض مستمراً فوضعوا الأنبوب ونقلوه على الإسعاف إلى القاهرة. والكلمة الآن للدكتور حسن حسن علي.(26/19)
الدكتور حسن حسن علي: منذ وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأنا مندهش من طريقة معاملتهم الإنسانية للناس والبشر بغض النظر عن جنسهم أو طبقتهم أو دينهم، ولقد تأثرت كثيرا وأحسست أني أعيش في بلد إسلامي رغم عدم نطقهم بالشهادتين، وأحس أنني كمسلم أدعم نداء الدكتور عبدالمنعم عبيد لحثنا جميعا على الالتزام بآخر الأبحاث والمراجع ونترك القديم منها فكل شيء قد تغير ويتغير يوما بيوم، والكتب التي نشرت عام 1990 قد تم مراجعتها كلية عام 1996م.(26/20)
وآخر تعليق لي هو للدكتور رؤوف سلام فقد لاحظت أنك في بحثك قد أشرت إلى مرجع واحد (والكر) سنة 1985م 16 مرة من 32 مرجعاً استخدمتها، وباقي مراجعك كتب قديمة بين 1979-1988 وهي مراجع لا نتكلم عنها بتقدير عال. أعتقد أنك قد بنيت استنتاجك على هذه المراجع، وقولك بأن المعايير في [مينسوتا وهارفارد] مختلفة فهي ليست كذلك. إذا قرأت المراجع الحديثة والطرق الحديثة التي طبقت لتقييم المعايير فلن تجد اختلافا لما قاله (والكر) في المؤتمر الدولي للموت الدماغي في كوبا 1992م وأتمنى أن تكون قد قرأت حقا ما قال; لأنه يختلف تماما عما ذكر في كتابه 1985م. وقد أثرت نقطة.. لماذا المخ يموت والقلب لا يزال ينبض أو يستمر في النبض؟ أريد أن نتذكر جميعا تجربة قلب الضفدعة المفصول عن الجسد والذي يستمر في النبض لأن القلب له خاصية كهربائية أوتوماتيكية ذاتية، والمخ لا يتحكم في هذه الخاصية الكهربائية الأوتوماتيكية الذاتية لتوليد نبضات القلب. ولو لاحظت فإننا - كفسيولوجيين أو أخصائيي عناية مركزة - نحاول أن نبقي القلب حياً باستعمال العقاقير والسوائل الوريدية بغض النظر عن زرع الأعضاء، ولو قمنا بفصل المريض عن جهاز التنفس فخلال ساعات يتوقف القلب تماما، وهناك طرق وفحوصات تستعمل لتبيان مدى صلاحية نقل وزرع القلب في مرضى يحتاجون له. أخيرا أود أن أصحح ما ذكره الدكتور سهيل الشمري عن بعض ما قلته فأنا لم أقل أننا نخاف أن ننقل المريض من العناية المركزة لقسم الأشعة لحفظ الأعضاء المراد زرعها ولكن لخوفنا من حدوث ما يؤثر على حياة المريض وليس على أعضائه وشكراً.(26/21)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور حسن نحن عندنا الآن سبعة متكلمين أحب أن أذكر أسماءهم حسب الترتيب: الدكتور مختار المهدي، الدكتور أحمد القاضي، الدكتور شريف مختار، الدكتور صفوت لطفي، الدكتور حمدي السيد، الدكتور عبداللطيف عثمان، الدكتور عصام الشربيني، وأمامنا 25 دقيقة يا دكتور رؤوف ويا دكتور زهير، ويا دكتور محمود كريدية. إن الأمر متروك لكم هل أحدكم يحب أن يؤجل أو يتنازل للجلسة القادمة لأن المواضيع كلها تكرر والكلام تقريباً يدور حول نفسه.
ونبدأ بالترتيب ولكن الدكتور صفوت هنا رقم 4 فأرجوه ننقله هنا في الآخر لكي يكون لديه حرية الحركة في الرد على كل الأشخاص.
الدكتور مختار المهدي: لو سمحت لي تعليق بسيط لن يستغرق وقتاً: إن البعض يسأل عما يبدو كبدهيات; مثل مدى أهمية بعض الأعضاء عن بعضها الآخر، إننا نقيّم أي إنسان بتقييم أعماله وإمكانية استفادة المجتمع منه، وتزداد أهمية هذا الإنسان كلما قلّ من يمكن توفيره ليقوم بمثل عمله، وإذا طبقنا هذا على الأعضاء فالمخ الحي هو الإنسان ذاته، فهو يقوم بأعماله، فهو الذي يرى ويدرك ويتخذ القرارات والأفعال، فبديهي أن موته هو موت الإنسان وموت أي عضو آخر فقط لا يعد موتاً للإنسان، لأن هذا العضو يمكن استبداله، فإذا لم تتوفر الإمكانيات لذلك في مكان ما فهي مثل عدم توفر الدواء ويوصَى بالعمل على توفيره وشكراً.(26/22)
الدكتور أحمد القاضي: الحمدُ والصلاة والسلام على رسول الله عندي ملاحظة - مع التردد - على إحدى النقاط التي ذكرت في أحد المحاضرات صباح اليوم، وهي نقطة «اشتراط زوال كل مظهر من مظاهر الحياة قبل أن نسلم بموت المريض» وهذا الأمر مخالف للواقع والمنطق - إذا بقي هناك منطق - فالنمو هو أحد مظاهر الحياة والشعر والأظافر تستمر في النمو. وسبب التردد; أن الإنسان يتساءل عن جدوى ذكر أي ملاحظة أو أي مناقشة منطقية، وكما رأينا في المناقشات بالأمس قد اعتبر الزملاء القائلين بتحريم النقل والزرع والذين يتهمون الناقل والزارع بتهمة القتل، اعتبروا كثيراً من الآراء المضادة المخالفة لآرائهم اعترافات مؤيدة لموقفهم، وهذا يثير شبهاً كثيرة على ذكاء المستمعين في هذه الندوة وجزاكم الله خيراً وشكراً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً للدكتور أحمد القاضي والكلمة الآن للدكتور محمد شريف مختار تفضل.(26/23)
الدكتور شريف مختار: في الحقيقة يوجد تعليق صغير، فقط أعلّق على جزئية صغيرة من حديث الدكتور رؤوف سلام، وواضح جداً أن الخلفية الدينية قوية جداً عند الدكتور رؤوف سلام، ولقد أعجبني هدوؤه في عرض وجة نظره، وإن كنت لا أتفق مع الكثير منها. وهناك خلط بين الأشياء التي لا يمكن قياسها و(الميتافيزيقية) وبين ما نراه في الخلفية الدينية، ذلك لأن سماحة ورحابة الإسلام تتسع لكل جديد، وأكبر دليل على هذا - وإن كان خارجاً عن الموضوع - أنه في يوم من الأيام قالوا: بأن الموسيقى هي مزامير الشيطان، مع أن النبي - عليه الصلاة والسلام - سمح بالغناء في منزله، ودخل عليه عمر بن الخطاب وقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ وقد كان أبو بكر يستمع إليهم. فإذا كان [بيتهوفن] وغيره هم مزامير الشيطان فما العلو والسمو؟ وكيف يكون التدني والحقارة؟ وأكثر من هذا فإن رسول الله ( سمح بأن يقول [حسان بن ثابت] فيه الشعر وخلع عليه بردته في الوقت الذي كانت فيه الآية {والشعراء يتّبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون} قد نزلت.(26/24)
إن ما أريد أن أقوله لسيادتك أنني أيضاً طبيب مسلم مثل الدكتور رؤوف سلام، والخلفية الدينية التي أتمتع بها تمنعني أن أفصل جهاز التنفس عن المريض، ولقد توصلت إلى (بروتوكول) خاص بي وذلك أنني أترك المريض وأجري له أقل دعم طبي ممكن، وهناك نقطة صغيرة علمية خاصة وهي أن حضرتك يا دكتور رؤوف قد استهلكت مساحات ضخمة ما بين كيف يكون جذع الدماغ قد مات والقلب ما زال يعمل؟ وقد رد على ذلك الدكتور حسن حسن علي، وأنا أقول نفس الرد: أولا فإن القلب - كما تعلم من علم الفسيولوجي - يحتوي على صفات ذاتية بعضلاته بعيدة عن الجهاز العصبي، ولو رفعنا العصب العاشر منه (Vagus nerve) فسوف يستمر يعمل بخاصيته الأوتوماتيكية والتقلص المنتظم الذاتي، وعندما درست خاصة في قلب القط وهي التي يسهل دراستها لأنها طويلة وأسطوانية ويمكن أن تتغذى عند وضعها في محلول خاص مباشرة عن طريق الانتشار من غير وجود دورة دموية وهذه هي خاصية ذاتية في القلب - أي القدرة على الاستمرار في النبض، وخاصة أنني أعمل في هذا المجال منذ 15 سنة; منذ أن كنت في الولايات المتحدة فقد استوقفني المريض الذي لم نستطع أن نفعل شيئا له، وتوقفت كل المحاولات فنظرت إلى النشاط الكهربائي الموجود في القلب وهو مثير جداً، فكلنا نعرف أن القلب مليء ببطاريات داخلية ذاتية من الأعلى إلى الأسفل وعندما تتوقف واحدة تعمل الأخرى إلى أن يصل نبض القلب إلى 8-9 في الدقيقة، وهذا النشاط الكهربائي وإن كان غير مؤثر ولكن يوجد عمل أيضي وحرق للجلوكوز ونفس الشيء في حالة موت جذع المخ حيث يظل القلب يعمل والنفس العميق والشهيق الذي يأخذه المريض، فالمعروف أن جذع المخ به مراكز التنفس وهذه كلها تعمل... لماذا؟ لأن هذه المراكز تتواجد في جذع المخ بترتيب تصاعدي، وعند حدوث نقص في الدم الوارد لجذع المخ فإنه يتعرض للاحتشاء (التورم) مما يؤدي للضغط عليه. والمراكز القلبية توجد في أسفل جذع الدماغ، ولذلك فهي(26/25)
تتأثر متأخرة ولكن مهما حاولت لن يصلح أمر المريض، والحقيقة أن القلب سيُبطيء ثم يتوقف.
ونحن نتعامل مع مراكز التحكم الموجودة في جذع الدماغ وهي مرتبة ترتيبا معينا كما قلت ولا يمكن القول أن استمرار عمل القلب بسبب استمرار عمل جذع الدماغ بل هو نتيجة للخواص الذاتية الأوتوماتيكية والانقباضية لعضلة القلب، ومراكز التحكم النهائي في جذع المخ تفشل فشلا متسلسلاً، وفي نهاية الأمر تؤثر على القلب فكلنا عرفنا ظاهرة حدوث تغييرات في التخطيط الكهربائي للقلب تفاعلاً مع ما يحدث للمخ وبعض الظواهر المفزعة الأخرى مثل giaut T.wave inverston والتي تلاحظ في تخطيط القلب. وبعض الباحثين سجل كل هذه التغييرات، وتوقع أن يكون هناك جلطة قلبية، ولكن أصحاب هذه التغييرات كانوا قد ماتوا في حوادث سيارات ونزف دماغي وحدث لهم هلع وحدثت لهم جلطات قلبية، وعندما انتزعت القلوب التي حدثت لها تغييرات في تخطيط القلب الكهربائي وجد فيها جلطات نتيجة عواصف في الجهاز (السمبثاوي) ونظير السمبثاوي ناتجة عن مراكز التحكم في جذع المخ فهي المسؤولة عن التحكم الداخلي لما فوق الحبل الشوكي وهذه العواصف تؤدي إلى تغييرات في نسبة جريان الدم في الشرايين التاجية، وكذلك تغييرات في درجة حمضية أو قلوية الدم نتيجة عمليات الأيض غير المعتمدة على الأكسجين، وهو شيء لا يحتمله القلب طويلا. فنحن نعلم أن تغيير (الإنزيمات) مما يسبب التباطؤ المتواصل للقلب والذي لا يمكن إيقافه حتى مع استعمال عقار الأتروبين الذي يعمل لفترة قصيرة، وعندما ندخل إلى مناطق الجهاز العصبي الذاتي (Autonomic nervous system) فإن الأمر يزداد اختلاطا، فعندما نقول مازال القلب يعمل والمخ ميت فهذا صحيح لأن القلب جيد ولكن يعمل وهو أعرج لفترة محدودة ثم ينتهي في أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر لأنه يعمل من رصيده الذاتي. وشكرا.(26/26)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور شريف.. دكتور حمدي السيد تفضل.
الدكتور حمدي السيد: يا سيادة الرئيس على غير العادة نحن نتحدث بأسلوب تلغرافي سريع لأجل الوقت.
أولاً: الحقيقة أنني أكرر هذا عدة مرات; وهو أننا نهنئ إخواننا في السعودية ولا أريد أن أصل إلى أكثر من ذلك حتى لا نحسدهم، وأعتقد أننا نهنئهم ونغبطهم لأننا عندما نراهم نرثي لحالنا، ولعل هذا الرثاء يكون حافزاً لنا إلى عمل شيء في المستقبل - بخلاف الأسلوب الذي سمعناه اليوم في المحاضرة مِنْ أن هناك عملية يعملونها على مدى 12 سنة من تعليم ومن تدريب ومن أخذ احتياطات، ولا أحد يقدر أن يدعي بأن السعودية تشتغل للتجارة أو التمييز بين الناس، وأنا أعلم أن عدداً كثيراً من غير السعوديين تُجرى لهم عمليات نقل بتكلفة مخيفة، وأنت تعلم يا أستاذ أبو شادي أن تكلفة نقل عملية الكبد تصل في [بتسبرج] إلى أكثر من مليون و2 مليون دولار، ومع ذلك تُجرى هذه الجراحات في السعودية مجاناً، لعلّ هذا يكون حافزاً لنا وللآخرين، وأنا أعتذر مقدماً عن كل ما قد يبدو منه قدر من الإساءة بشكل أو بآخر لأنني على يقين، - واعتقد أن كثيرين على يقين أيضاً - بأن ما تفعله السعودية فيما يتعلق بتشخيص وفاة المخ وفيما يتعلق بنقل الأعضاء، يتفق مع صحيح الدين، ويتفق مع صحيح الإسلام، ونحن لا نستطيع أن نكفر بعضاً ونتهم بعضاً بمثل هذه التهم غير المعقولة، ولا يتصور أن بلداً ترعى حرمات المسلمين، وفيها الأماكن المقدسة يمكن أن تقوم بعمل فيه شبه خروج عن صحيح الدين.(26/27)
الأمر الثاني: الذي أريد أن أتحدث عنه هو أنني أهنئ الدكتور رؤوف على محاضرته، وأنا أقول إنه يعطي مثلاً للموضوعية والخلاف في الرأي والعرض الرزين. قد تكون هناك بعض الأمور التي نأتي بها للإيضاح لكنني فعلاً استمتعت استمتاعاً شديداً بما قاله. وطبعاً من سوء حظه أن الدكتور شريف مختار موجود معنا، وهو أحد أعلام مصر في مجال القلب، وفي مجال molecular bioilogy, arrythemia فبالتالي كنا سنوجه نظره إلى نقطة القلب هذه، لكن الدكتور شريف أغنانا بعلمه الغزير عن ذلك، ما الفرق بين الرئة وبين مركز التنفس عن القلب؟ الرئة ليس لها ميكانيكية ذاتية حتى تعمل منفردة؟ لكن القلب له مقوماته التي تساعد على العمل، ونحن نوجه نظركم إلى أن (القلب) يزرع تماماً مع مجموعة الأعصاب والاتصالات ولذلك يوضع ويعمل.
الأمر الثالث: الكلام الذي قاله الدكتور إبراهيم عن مجهولي الجنسية ومدى جواز أخذ أعضائهم.(26/28)
أولاً في قانون القرنية نص صراحة على أن «من حقك أن تأخذ القرنية من مجهولي الهوية» وأريد هنا أن أقرأ كلمة قالها الدكتور يوسف القرضاوي عما يتعلق بمشروعية زراعة الأعضاء، وأريد فقط أن أقول للدكتور إبراهيم: إذا أجزنا للورثة وللأولياء أن يتبرعوا ببعض أعضاء الميت، وتنفع الحي ونعالجه، فهل نجيز للدولة أن تصدر قانوناً يرخص أخذَ بعض أعضاء الموتى في الحوادث والذين لا تعرف هويتهم، أو لا يُعرف لهم ورثة وأولياء لنستخدمها في إنقاذ غيرهم من المرضى المصابين؟ ولقد كتب الرد على ذلك بقوله: إنه يجوز ذلك في حدود الضرورة أو الحاجة التي تُنَزَّل منزلة الضرورة، على أن يستوثق من عدم وجود أولياء للميت، فإذا كان له أولياء وجب استئذانهم، وألا يوجد ما يدل على أن الميت قد أوصى بمنع ذلك ورفضه. وهذا موجود في قانون القرنية في مصر، ومفاده أن الذين ليس لهم أهل، والذين لا يُتعرَّف على أهلهم، يجوز هنا أن ينتقل الإقرار إلى ولي الأمر; فالدولة لها أن تقوم بذلك، وغير معقول ألا نعطي الدولة هذا الحق وهي المسؤولة وصاحبة الولاية - إلى آخره - فيمن ليس له ولي، بشرط الاستيثاق من ذلك وأن هذا [أي مجهول الهوية] لم يكتب وصية وليس في محفظته أيّة ورقة أنه فوض أحداً إلى آخره، إن كان هناك شيء من ذلك لا يجوز، أما إذا لم يكن فأنا أرجو أن يُعاد عرض الأمر مرة أخرى على الجمعية; لأن هناك فتاوى كثيرة تجيز لولي الأمر أن يقوم بهذا وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور حمدي. الأخ الدكتور عبداللطيف عثمان.. تفضل.
الدكتور عبداللطيف العثمان : بسم الله الرحمن الرحيم بداية أرجو أن يتسع صدر الإخوة الحضور لتقبل الخلاف والاختلاف في الرأي، حتى لا يفسد للود قضية، كما تفضل الأخ الدكتور خيري وقال في أول الجلسة.
لدي تعليقان، وسؤالان:(26/29)
التعليق الأول: أنه لا داعي للتشكيك في معايير تشخيص موت الدماغ المتعارف عليها في مختلف المراكز الطبية، وأن نحو 90% من حالات موت الدماغ يتم تشخيصها (إكلينيكيا) وأن 10% - على الأكثر يحسن تشخيصها بعد إجراء الاختبارات المؤكدة، ومن بين الحضور هنا أساتذة في طب الأعصاب وجراحة الأعصاب، ورعاية الحالات الحرجة تتراوح خبراتهم ما بين 25 - 30 عاماً، ولا اعتقد أن أحداً منهم قد صادف واحدة تم تشخيصها موت دماغ قد عادت إلى الحياة.
التعليق الآخر: أن معايير تشخيص موت الدماغ المتعارف عليها، تدور كلها حول إثبات الفشل الوظيفي للدماغ، وبالتالي فلعل التعبير الأدق هو «فشل وظيفة الدماغ». بديلاً لمصطلح «موت الدماغ».
أما السؤال الأول: فهو هل موت الدماغ أو توقفه عن العمل مرادف لموت الشخص؟ والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى اتفاقنا عليها.
السؤال الآخر: هل يصرح بدفن الجثة بعد التيقن من موت الدماغ والتصريح بنقل الأعضاء من المتوفى وفاة دماغية قبل توقف القلب وانقطاع النفس؟ أم أننا سنتركها متصلة بأجهزة الإنعاش حتى يتوقف القلب وينقطع النفس وعندئذ نصرح بدفن الجثة بعد تحرير شهادة الوفاة؟ شكراً:
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم. أولاً لي رجاء للدكتور عبدالمنعم عبيد والدكتور خيري السمرة، لقد تحدث الدكتور عبدالمنعم حديثاً جيداً جداً ثم أثار موضوع الحالة الخضرية Vegitative state ورجاء - حتى لا يلتبس الأمر في ذهننا - عدم إثارة هذا الموضوع حالياً لأن الموجودين كلهم متفقون على أن السؤال المطروح، وقد كرره إخواننا كثيراً، هل موت جذع المخ موت؟ أم لا.؟
أما الدكتور خيري السمرة فيتحدث عن موت جذع المخ ثم يَرِدُ في حديثه عرضاً أن القلب ما زال فيه شيء فنحن نريد أن نعرف من الدكتور خيري السمرة هل يرى أن موت جذع المخ موت؟ أم لا؟.(26/30)
وأشكر الدكتور حسن حسن علي، والدكتور شريف مختار لأنهم تحدثوا عن حكاية القلب، وقلب الضفدعة المنفصل; وذلك لأن الدكتور صفوت بالأمس غضب علي غضباً شديداً لذكر هذا الموضوع في ورقتي، وإن كنت لم أقلها بعد. فأرجو من الدكتور صفوت أن يتوجه بالكلام إلى الدكتور حسن والدكتور شريف مختار. أما موضوع الشابة التي فصلت رأسها ثم عاشت حتى ولدت حملها حياً على المنفسة، فإن الذي قام بهذه التجربة طبيبان يهوديان فأرجو أن تناقشهم.
بالأمس تكلم الدكتور صفوت في ثلاث أو أربع صفحات ليثبت - في غضب شديد - أن تشخيص موت جذع المخ يهدف إلى زراعة الأعضاء، وهل هناك بأس في ذلك لو كنا نبحث عن موت جذع المخ لأجل زراعة الأعضاء؟ الميت إذا مات في منزله، أو مات في الطريق قبل أن يصل إلى المستشفيات، أو مات في مستشفى قروي ليس فيها عناية مركزة، فليس هناك مشكلة، بل إن عامة الناس ينتظرون ساعة أو ساعتين حتى يصبح الشك يقينا. إن المشكلة لم تنشأ إلا عندما تقدم الطب وظهرت عنايات مركزة، وهنا ظهرت مشكلة، هل الإنسان يموت عندما يتوقف القلب؟ أم أن الموت يحدث قبل ذلك; عندما يتوقف جذع المخ، والقلب ما زال ينبض؟ هذه هي المشكلة لأن التنفس متوقف والإنسان في غيبوبة، ومات جذع المخ فهل نعده ميتاً أم لا؟ وأظن أن الإخوة تحدثوا كثيراً عن حكاية القلب الذي ينبض وهو منفصل عن الجسم، ونعرف تماماً أنه بعد توقف القلب تستمر بعض الأنسجة في الحياة لمدد متفاوتة، فهل بعد توقف جذع المخ، وهناك عضو يعمل مثل الكلى، أو عضو ينبض مثل القلب يعد موتاً؟ أم لا؟
ولي تعليق على كلام الدكتور حمدي السيد من الناحية الفقهية بالنسبة لأخذ الإذن: إن الفقهاء عندما تكلموا عن أخذ الإذن، تكلموا عنه منعاً للخلافات، ومنعاً للنزاع ولكنه ليس مطلوباً شرعاً وإنما هو مطلوب فقط لمنع النزاع بين الناس.(26/31)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور عصام وفي الواقع إنني أتفق معك تماماً في أن كل هذه النقاشات حول موت جذع المخ كانت لنقل الأعضاء فعلاً، وقد كنا في الستينيات نبحث هذا الموضوع لأجل شيء واحد فقط لكي نقرر هل نوقف الأجهزة أم لا؟ كانت العملية أن المريض في غيبوبة عميقة عنده Brain stem injury ولكن على منفسة يعمل ولا نستطيع أن نوقف التنفس الصناعي إلا إذا أذن أهله. أما اليوم فقد ظهرت مشكلة رهيبة جداً مِنْ فهمنا لقوله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} فنحن نجري وراء هذا الهدف، وهذا هو الموضوع بالتفصيل، فنحن نريد أن نسرع في أخذ أعضاء المريض التي نقدر أن ننقذ بها أرواح مئات المرضى، ولا يوجد فرق يا دكتور عصام حول كون موت المخ هو موت الحياة أم لا، فليس عندنا خلاف في هذا، إنما نقول المريض الذي عنده موت جذع الدماغ فهو عاجلاً أو آجلاً ميت.
الدكتور عصام الشربيني: هل هو ميت؟ أم لا؟.
الدكتور خيري السمرة: إنه ميت، ولو لم نكن معترفين بأنه ميت لما كنا نزعنا أعضاءه، إننا عندما نقول: بأن هذا ميت فهذا يعني أنه لا يوجد به فائدة، وسوف يموت خلال ساعات أو أيام أو أسبوع أو اثنين على الأكثر فأنا أنتهز هذه الفرصة لكي أستفيد من أعضائه.
الدكتور عصام الشربيني: إذا سمحت لي بكلمة واحدة:
الرئيس الدكتور خيري السمرة: تفضل:
الدكتور عصام الشربيني: إن الذي ألاحظه من الاطباء وغير الأطباء أن عملية تمسكنا بالقلب، بعد التطور الطبي الخطير هي من رواسب الثقافة القديمة، ويمكن أن نكون معذورين في ذلك، أنا أريد أن أسأل سؤالاً - معذرة يا دكتور صفوت - عندما يتقدم الطب، وعندما يصبح هناك نقل أعضاء، وعندما يصبح هناك موت مخ، وعناية مركزة، وكل هذه الأمور، هل أقف وأقول: وجدنا أباءنا يشترطون توقف القلب ولا أبحث هذه الأمور الجديدة لأرى حكم الشرع فيها، ثم أطبق من الطب ما أعلمه في حدود ما يسمح به الشرع؟! شكراً.(26/32)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً للسادة الحضور الذين طلبوا الكلمة، والحمدُ تعالى الذي أعطانا الوقت، وأمامنا عشر دقائق، وسأبدأ بالدكتور صفوت ليعلق ولكن الدكتور حسن حسن علي يريد أن يقول شيئاً، وهو غال علينا جداً.
الدكتور حسن حسن علي: أحب أن أقول للدكتور عصام: إن إعلان الوفاة يتم فورا بعد إعلان موت جذع المخ سواء كان سيغلق جهاز التنفس أم لا، هذا من جهة في حالة عدم الحاجة لزرع الأعضاء. وعند الحاجة لزرع الأعضاء فإنه يتم الاستمرار في دعم المريض بأجهزة الإنعاش للحفاظ على أعضائه لحين الزرع. عموماً إن إعلان الموت يتم قبل تقرير زراعة الأعضاء وقبل رفع أجهزة التنفس. وشكراً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً للدكتور عصام والآن الكلمة للدكتور صفوت وبعد ذلك الدكتور رؤوف والدكتور زهير، ولو سمحت نريد أن يكون الرد يا دكتور صفوت في «نقاط» points.(26/33)
الدكتور صفوت لطفي: أعطوني فرصة لأتكلم، بسم الله الرحمن الرحيم، تعقيباً على الكلام الذي ورد فيه اسمي في كلمة الدكتور محمد زهير. يا سيدي الفاضل: عفواً: أنا لم أتعرض لاسمك ولكنك تقول التجربة. وأنا لم أتعرض للسعودية من حيث إنها تجربة سعودية أو تجربة كذا أو كذا إلا عندما دعيت إلى مجلس الشعب المصري لتوضيح هذه الحقائق، وإلى مركز بحوث مكافحة الجريمة التابع لجامعة الدول العربية، عندما تقدم بعض الأساتذة الزملاء من كليات الطب بمشروع مماثل يطالب بتطبيق نفس التجربة السعودية، وكان انتقادي لهذه القوانين - المقدمة من أساتذة مصريين، لتشريع قانون مصري - منصباً على ما ورد فيها من فقرات هذا القانون، وكان الاعتراض الأساسي على نقطتين: نقطة السن التي حددت بالخامسة، موجود في الكتيب الذي أرسلته المنظمة Abstract ملخص الأبحاث أن الكثير والكثير جداً من مراكز نقل وزراعة الأعضاء في العالم لا تقبل Concept قبل الخمس سنوات، والورق الذي أحضره الأساتذة الزملاء المصريون المطالبون بهذا القانون قد أخذ من البروتوكول السعودي بل إنهم قالوا - اعتماداً على الورق الذي صدر من المركز - بأن من 33 إلى 38% من مجموع الحالات كانوا أطفالاً. هذه النقطة الأولى وأرجو ألا يؤخذ الكلام بحساسية لأنني أذكر تجربة مشروع مصري مقدم.(26/34)
النقطة الثانية: هي جنسية الأفراد الذين جنيت أعضاؤهم فقد لاحظت من خلال التقارير التي قدمها بعض الزملاء المصريين العاملين بالمملكة العربية السعودية إلى المشرِّعين، أن الغالبية العظمى من الجنسيات ليست سعودية، وهذا وضع طبيعي - كما أقر الأخ الدكتور سهيل - حيث إنهم هنا في الكويت يجدون صعوبة كبيرة من الإخوة الكويتيين في التبرع، وهذه نفس المشكلة في مصر، فالمصريّون كانوا يرفضون التبرع ولذلك كانوا يلجأون إلى السودانيين والصوماليين، وهذه مشكلة قائمة في كل دولة وفق ما عندها من المال والمركز الاجتماعي، وهل يسمح؟ أم لا؟ قد ينقلب الأمر أما أنا فقد كنت أناقش هذه المشكلة من الناحية الأخلاقية. هذا هو الأمر الأول.
أما الثاني: فبالنسبة لما ورد في كلام الدكتور زهير القاوي، حيث يقول: «إن موضوع خروج الروح خفي، وقد لا يكون عند الطبيب دليل عليه» أما أنا فأقول له: يا أخي العزيز إن المولى عزَّ وجلَّ قال عن الروح {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} وأنا أتحدث بناء على هذا القليل الذي عندنا ولا أتحدث عن كل الروح، وحاشا ُ أن أتحدث أكثر مما هو مكتوب في الكتب الفقهية من «أنها لطيفة نورانية» إنما أقول: إن الذي نعلمه يقينا أن من مظاهر وجود الروح في هذا الإنسان إمداده بحرارة الحياة التي تميز السليم من السقيم والحي من الميت، وتؤدي إلى عمل جميع أجهزة الجسم المختلفة، وحفظ هذا الجسم من الفساد والتحلل، فإذا فارقت الروح الجسد فسوف تنتهي تلك المظاهر التي ذكرناها لهذا الوجود وهذه الروح.(26/35)
أما بالنسبة للكلمة التي ذكرها الأخ العزيز الدكتور محمود، فأحب أن أسأله عن قوله بأن هناك مرضى كثيرين، وأنا لم أقل - إطلاقاً - في أي لحظة بأن القلب فقط هو مظهر الحياة، ولم ترد على لساني هذه الكلمة، إنما أقول: بأن مجموع أنشطة وأجهزة الجسم المختلفة هي مظهر الحياة. أما الجثة الحقيقية، فكلنا يعلم ماهيتها، وأما في موت جذع الدماغ - كما قررت أنت في كلمتك - فإنه يمكن للقلب والدورة الدموية أن تعمل بدون أي دعم وتستجيب لأي منبه جراحي وأن الجثة تتعرق، وأن الأجهزة تعمل Liver and Kidney إذن ما الفرق بين الجثة وبين ما تصفه الكتب من Brain stem death؟ وفيها كل هذه المظاهر، قطعاً لا بد أن هناك فرقاً كما تسمونه، ولكنْ هناك فرق واضح بين الجثة التي تأكدت فيها الوفاة، وبين ما نقوله أو نحاول أن نقوله بأن هذه هي أيضاً جثة.
الأمر الثالث: يتعلق بالنقطة: التي أثارها الأستاذ الدكتور حمدي السيد: [موضوع المحكوم عليه بالإعدام] فقبل أن يقوموا بهذا الموضوع حضر لكي يسألني عن رأيي، ليس لأنني فقط أستاذ تخدير، ولكن لأن لي بعض الكتابات الإسلامية، وأرأس أسرة كانت موجودة في كلية الطب بجامعة القاهرة، وكان اسمها أسرة النور، وهي التي كانت تتصدى للتيارات التي كانت تدعي أنها إسلامية أصولية بينما هي منحرفة، على مدى سنوات طويلة، ولي كتب في السوق المصرية توزع عن طريق الأهرام. وعندما سئلت من الإخوة قلت لهم إن هذا الموضوع به مخالفات كثيرة، منها مخالفات شرعية ومخالفات قانونية، ومخالفات أخلاقية.. إذا قمتم بهذا فسأرسل بلاغاً في هذا الموضوع. وأخاف أن هذا الباب لو فتح فسوف يكون خطيراً. المهم أنهم قد فعلوا ذلك في حالتين حالة من سجن الإسكندرية، وحالة من سجن الاستئناف بالقاهرة، وذهبت وقابلت النائب العام وسلمته مذكرة بخط اليد موضحاً فيها الحقائق والمخالفات الآتية:(26/36)
الأولى: دينية: وذلك أن سيدنا رسول الله ( يقول في القصاص «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» أي لا يكون القصد أن أصيبه وأتركه وأتلذذ بمشاهدته.
الثانية: وهي قانونية: أن الأطباء قد خالفوا حكماً قضائياً، وهذا أمر في منتهى الخطورة، لأن الأمر القضائي يقول [الإعدام شنقاً حتى الموت]، كما خالفوا اللوائح القانونية المختلفة وهي تشمل ثمانية بنود من لائحة السجون المصرية.
النقطة الثالثة: أنهم قالوا بأنهم قد حصلوا على موافقة، فقلت لهم: يا إخواني إن المحكوم عليه بالإعدام إنسان غير سوى، ولو كان إنساناً سوياً ما ارتكب جريمة قتل، فالإنسان غير السوي الذي يعيش في ظرف صعب حيث ستقطع رقبته أو سيشنق بعد يومين أو ثلاثة تكون الموافقة تحت ضغط وإكراه.
النقطة الرابعة: تكون وصيته حينئذ باطلة في حكم القانون، لأنه محكوم عليه بجريمة إزهاق الحياة، وهي جريمة مقيدة للحرية.
وقد أوضحت للسيد النائب العام أن بعض الأطباء في أمريكا وفي كندا حاولوا هذه المحاولة مع النائب العام في أمريكا وفي كندا; ففي أمريكا رفض النائب العام، وقال: بأن هذا يستدعي تغيير دستور الولايات المتحدة، وهذا أمر شبه محال في هذه الظروف. أما في كندا - في بعض الأقاليم - فقد أخروا الموت وقالوا: بأنهم لن يستخدموا الكرسي الكهربائي، وإنما سوف يحضرونه إلى غرفة العمليات، ويعطونه تخديراً ثم يأخذون الأعضاء وهكذا يكون حكم المحكمة قد نفذ، فوافقت المحكمة العليا هناك على إعطاء تقنين للموت الطبي شريطة ألا تؤخذ أعضاؤه، لأن من حقه أن يموت موتاً طبيعياً ولا تؤخذ أعضاؤه، لأن حق المجتمع في القصاص ينتهي بإزهاق روحه، أما أخذ الأعضاء فهو زيادة على حق المجتمع وبالتالي رفض هذا الموضوع في كندا وشكراً جزيلاً.(26/37)
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور صفوت، ولكني قصدت أن هناك حالات كثيرة قد ذكرتها وفيها إصابة لجذع المخ، والقلب والتنفس يعملان، وفي الواقع هنا سنختلف; لأنك قلت: إصابة جذع المخ ولم تقل موت جذع المخ، ففي حالة إصابات جذع المخ قد نجد أن التنفس يكون طبيعيا والقلب ينبض ونبدأ نعطي وسائل الدعم والإنعاش اللازمة إلى أن يبدأ جذع المخ بالفشل فيوضع المريض على جهاز التنفس ونبدأ محاولات الإنعاش.
الدكتور صفوت لطفي: ألا نجري هذه العملية عندما ننتهي من تشخيص Brain stem death وكيف سيكون الوضع في الفترة من موت جذع الدماغ حتى يتم أخذ أعضائه أو حتى يموت موتة ربنا؟ هل سنعده ميتاً؟ أم لا؟.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: أرجو أن نضع في الحسبان أنه في حالة إصابة جذع المخ Brain stem injury? وهذا نراه كثيراً. فهناك حالات تتحسن ونحن دائماً نسعى لأجل أن ننقذ حياة المريض، وبعض الحالات تستجيب وتتحسن وهناك حالات تتدهور وعندما نبدأ في السوائل ونصل إلى مرحلة أن التنفس يكون ضعيفاً ونضعه على المنفسة ونشوف أعراض موت جذع الدماغ هنا نعد المريض متوفياً.
الدكتور عصام الشربيني: نصف دقيقة فقط تعليقاً على موضوع الإعدام، فمع احترامي الشديد للاهتمامات الإسلامية للدكتور صفوت - جزاه الله عنا خيراً - فإن هذا الموضوع سبق بحثه في هذا المكان، وللشيخ مختار السلامي مفتي تونس رأي جيد وبحث فقهي في هذا الموضوع، وكثير منا حضر معه عدة ندوات ويعلمون من هو الشيخ مختار السلامي؟ وأرجو من الدكتور صفوت أن يقرأه وأحيل الموضوع إليه. ونحن أوثق بعلم الشيخ مختار السلامي من اهتمامات الدكتور صفوت. وشكراً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: الأخ الفاضل الدكتور فيصل الشاهين له تعليق بسيط فليتفضل.(26/38)
الدكتور فيصل الشاهين: أنا لا أتكلم بصفتي واحداً من الموجودين هنا، ولكنْ بصفتي مسؤول عن زراعة الأعضاء في المملكة، وأمثل المملكة في هذا المجال. موضوع أنك ترد على مذكرة لمجلس الأمة أو مجلس الشعب المصري لا يتيح لك أن تتهجم على السعودية بهذا الوضع.
أولاً: أنا آسف لأن هذا الكلام قد ذكرته بلسانك الآن، وقد ذكر هذا الموضوع - أيضاً - في الجرائد ضد المملكة، وهذا شيء لا يتاح لك، ثانياً: أنك بكل ما ذكرت تدعو إلى تجارة الأعضاء، تدعو الأغنياء أن يذهبوا إلى الخارج لشراء الأعضاء. ويفتح هذا المجال في جميع الدول الإسلامية، فأنت الآن بوقوفك أمام الزراعة من الأقارب والزراعة من المتوفين دماغياً إذا نظرت جيداً لما تقول فأنت تدعو إلى ذلك، وتدعو - أيضاً - إلى شراء الأعضاء من بلاد أخرى. وأنا آسف عندما أقول هذا الكلام; لأن أبعاد حديثك تؤدي إلى ذلك، وتؤدي إلى منعطف خطير في الدول الإسلامية.
سيدي الفاضل: إنك تتكلم عن الأطفال وتتكلم عن الأجانب ولم تكن تعلم حقيقة من هم المتوفون دماغياً عندما ذكرت ذلك؟! إن متوفي الدماغ معظمهم مصابون في الحوادث، ومن الذي يقوم بالحوادث؟ إن الذي يقوم بها - غالباً - سائق أجنبي وأطفال سعوديون. ثم إن المجتمع السعودي medium life لو قرأته لعلمت أن معظمهم في الأربعينات، ويجب أن تعلم ذلك عندما تحاول أن تضع بعض البيانات غير الواقعية ضد دولة إسلامية حاولَتْ قدر إمكانها المحافظة على ألا يكون هناك تجارة للأعضاء، فأنت خاطئ في ذلك سيدي، ولك أن تعلم أن المملكة تستطيع أن تحل مشاكل جميع مرضى الفشل العضوي خلال سنة واحدة، يمكنها أن تفعل ذلك بأن نفتح بابين فقط: المحكوم عليهم بالإعدام، ومجهولي الهوية; فكل بيت له أربعة أو خمسة خدم، ولو أن أي واحد في هذا البيت حدث له فشل كلوي - مثلاً - فيمكنه أن يحصل على كلية من أي واحد منهم وهذا ممنوع.(26/39)
أما الباب الثاني: فإن المحكوم عليهم بالإعدام في المملكة يفوقون الأربعين شخصاً في السنة ولو استفدنا منهم لقضي على جميع حالات الفشل العضوي في المملكة، لكن هذه أشياء ضد الأخلاق لذلك لم تأخذ المملكة قراراً ولن تأخذ قراراً فيها وأشكركم.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكراً يا دكتور فيصل، أولاً نحن نشكرك وأنا أؤكد أن منزلة السعودية عندنا في مصر عالية جداً واختلافنا في الرأي ليس عيباً ولا يوجد هجوم ولا شيء. وفي الواقع أنك أثرت نقطة في منتهى الخطورة، وأنا أؤيدك فيها تماماً. إن ابني عنده عتم في القرنية وإذا لم تعمل في مصر زراعة قرنية سوف أرسله إلى إسرائيل، فالكلام الذي تقوله يا دكتور صفوت فيه خطورة لأنّه يا إما أن تُجرى العملية عندي أو أرسله إلى الخارج إذا كنت قادراً على إرساله إلى الخارج بستين ألف دولار، وهذا هدر للأموال الإسلامية وهذا الموضوع أخطر إذ إنه ليس نقاشاً إنما فيه مبدأ خطير.
الدكتور أحمد الجندي: دقيقة واحدة تنظيم: هذه الندوة تنظيم علمي، وقد أرسل الدكتور فيصل إليّ خطاباً وأثار نقطة الخلاف والهجوم على (البروتوكول) وهو موجود الآن والرد موجود أيضاً. وقد رددت عليه وقلت له: إن هذا الموضوع غير مطروح على الإطلاق داخل القاعة، وأرجو ألا يثار هذا الموضوع لأننا لا نتعرض لأية دولة، سواء كانت فيها ممارسات صحيحة أم ممارسات خاطئة، فأرجو أن تظل الندوة ندوة علمية، وأرجو من حضراتكم ألا نتعرض لا للأشخاص ولا للدول ولا للمؤسسات، والرأي واضح في هذا الموضوع فهناك خلاف في الرأي ونحن جميعاً نحيي المملكة العربية السعودية ودورها الرائد في هذا المجال.
الدكتور حمدي السيد: المناقشات تسير في اتجاه سليم، ولست أدري لماذا أنت متشائم هكذا؟.
الدكتور عبدالرحمن العوضي: متشائم وأنا أعتقد أن هذه المناقشات سطحية جداً.(26/40)
الدكتور حمدي السيد: المناقشات في الطريق السليم، أرجوك لا تقلق، وإذا كنتم تريدون منا أن نجلس يوماً آخر فليس عندنا مانع.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: تشرفونا وفي بيتكم، والمنظمة مستعدة، لكنني أرجو أن يكون الخلاف علمياً، ولقد تركنا كل واحد يقول - في هذه القاعة - ما يحلو له، لكن أرجو ألا نتعرض لأية دولة ولا لأي شخص، وأرجو أن أنهي هذا الموضوع، وقد رد الدكتور فيصل بما فيه الكفاية، وقد ردت المنظمة بما فيه الكفاية أيضاً، وانتهى هذا الموضوع وأرجو ألا نتحدث في هذا، وسوف نعطي الكلمة لكل واحد، والثلاثة الذين تكلموا سوف يأخذون وقتهم أيضاً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: أنا أؤيد رأي الدكتور حمدي السيد: في أننا لسنا متشائمين إطلاقاً وأنا فرحان جداً بالذي يحدث هنا، وكلما يشتد الخلاف في الرأي فأنا شخصياً أفرح أكثر، إنما الاتجاه يسير منضبطاً، والقرارات سوف تسير منضبطة أيضاً، ولا توجد في الدنيا قرارات تصدر بموافقة 100%، فأحب أن أطمئنك أننا على صواب وأرجو من الدكتور صفوت ألا ندخل في (ديالوج) القول، فأكتفي بالذي ذكره الدكتور أحمد في هذا الموضوع، ونحن نكن كل حب واحترام وتقدير للإخوة في السعودية وحقيقة فإن هذا الكلام كله من قلبنا ونحن نغار منكم أنكم تسيرون في الاتجاه الصحيح وتوكلوا على الله. نريد أن نسمع رأي الإخوة الدكتور رؤوف وبعده الدكتور زهير وبعده الدكتور محمود... دكتور رؤوف - تفضل.(26/41)
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم. أبدأ بتوضيح أن العشرة بالمائة فرق بين جامعتي [هارفارد ومينسوتا] هو فرق في درجة تطبيق النظم وليس في نتائجها وهذا يمكن أن يطمئن الناس، وأكرر مرة ثانية حكاية العضو المفصول لأنها ذكرت مرة أخرى، وشرفني الدكتور أحمد بالتعليق عليها في بحثي، إنني عندما آخذ كلوة من واهب وأضعها في موهوب له فإنها تصبح مرتبطة بالجسم المتصلة به، وتصبح دليلاً على حياته هو، ولا تدل على حياة الواهب; لأنها انفصلت عنه. وأنا أقترح أن نأخذ برأي الجمهور، وليس في ذلك بدعة; لأنهم في انجلترا عندما أقروا القانون، أخذوا رأي الجمهور ولا يكون ذلك باستفتاء عام مثل استفتاء رئيس الجمهورية، وإنما هناك طرق لأخذ رأي الجمهور بالطريقة الأصولية، ولقد نبهنا الدكتور كريدية إلى نقاط مهمة تنعكس على ما ذكره في محاضرته، مثلاً من أن الاختبارات التي تُجري تكون غير قطعية الدلالة، ومثال ذلك الوجه المشوه فإن الوجه المشوه لا نستطيع أن نحكم من خلاله على كثير من Reflexes التي تعمل في تشخيص حالات موت الدماغ، ونحن نعلم أن كثيرا من هذه الحالات هي إصابات للرأس والرقبة بل إن إصابة الرأس التي لا تتضمن إصابة الوجه يصحبها تورم في الوجه من اليوم التالي للإصابة، ويصبح من الصعب الكشف عن بعض الاختبارات التي تعتمد على حركات في الوجه، كذلك مسألة الأدوية إننا يجب أن نستبعد أن يكون المريض متعاطياً لأي أدوية هذه مسألة صعبة جداً في التطبيق العملي; لأننا في معظم الحوادث لا نعرف إذا كان المريض قد أخذ دواء أم لا، وبالتالي يكون الأحوط أن نستبعد وجود مثل هذه الأدوية في الدورة الدموية في كل حالة وهذه ليست طريقة عملية، أنا أحبّ أن أنبه إلى أن isotops لكي تظهر بدرجة كافية فإنها يجب أن تصل لتركيز معين عال لكي يتم دخولها واستخدامها من قبل الخلايا، ونحن نعرف هذا الكلام، فعندما نختبر حالات النزف في الجهاز الهضمي نعطي النظائر(26/42)
المشعة، ولكن لكي نرى نتيجة إيجابية ونرى النظائر المشعة يجب أن يكون النزيف بكمية كبيرة أما النزيف بكمية قليلة فلا يظهر isotops.
الدكتور عبدالمنعم عبيد - سامحه الله - نصب نفسه ممتحناً لي، وقرر أنني رسبت في الامتحان وأن عليّ أن أقرأ، - وسامحه الله في ذلك - وادّعى أن خبرتي محدودة في الإنعاش، وأنا لم أدع أن خبرتي غير محدودة لكن ليس من حقه هذا الحكم على خبرتي في الإنعاش فهي خبرة جراح يعمل في Trauma ومعظم عملي Trauma وأنا لم أدّع خبرة، وهو يستنكر أن أعتمد على القراءة، فما هو المطلوب إذن؟ إنني عندما أقول بأن الاختبارات غير قطعية الدلالة، أعتمد على مراجع لأناس متحمسين لموت الدماغ، وعندما أقول: بأنها غير شاملة أعتمد على المرجع لنفس الناس المتحمسين لموت الدماغ ويقولون إنها غير شاملة، وقد أنهى كلامه - هو نفسه - بقوله شاملة يعني إيه؟! يعني شمولية غير ممكنة. وأنا أتفق معه في أن الشمولية غير ممكنة، وبالتالي لا نختلف في هذا.
إنه يلومني لأنني ذكرت الاتجاه العلماني في الغرب، ولقد ذكرت الاتجاه العلماني في الغرب كحقيقة، ولم أحكم، فأنا لست حكماً على الناس الآخرين، ولهم الحق أن يكون لهم أخلاقياتهم، وهم أحرار، ولا بد أن أحافظ لهم على هذا الحق، كي أحافظ على حقي، فقد تكون لي أخلاقياتي الخاصة، ولقد ذكرت ذلك كحقيقة بها مقدمات تؤدي إلى نتيجة، ولا يصح أن نحاول تطبيق النتيجة دون أن يكون لدينا المقدمات المناسبة، فلا بد أن تكون نتيجتنا مُتَّسقة مع مقدماتنا. وأنا غير ملزم باحترام فكرهم ولكني ملزم بأن اعترف بأن لهم الحق في أن يكون لهم فكر منفصل، وأنا لم أعلق بتاتاً على فكرهم إذا كان صحيحاً أو غير صحيح فلومك لي غير سليم.(26/43)
بالنسبة للمراجع فلقد ذكرته كثيراً وهذا الكتاب اسمه Cerebral death ومؤلفه E. Walker وهذا الكتاب مجموعة مقالات Articles من أناس مختلفين، ولقد ذكرت الصفحات لكننا عندما نراجع الصفحات فسوف نجد أناساً مختلفين وأنا أعرف E. Walker وأعرف ما قاله في مؤتمر كوبا، وهو من أكبر المتحمسين لمسألة موت جذع المخ، وبالتالي لم أرجع إليه في انتقاد موت الدماغ، وهذا هو منتهى الأمانة في بحثي وأنا لم أنتقد أحداً لكونه ضد الـ Brain death وإنما أرجع إلى كتاب من أكبر المتحمسين للـ Brain death وأما كونه قديماً، فهو فعلاً قديم والمؤلفات الحديثة لا تتكلم على المصداقية Credibility فلا بد أن أبحث عن كتاب يتكلم عن Credibility أما الأمور الجديدة كلها فإنها تفترض أننا وافقنا على الـBrain deat، وهو ليس موضوعنا هنا في الندوة أو ليس موضوع محاضرتي إنما موضوع محاضرتي عبارة عن دراسة الـBrain death أما أنه كلام قديم متغير فهذا يؤكد ما أقول، من أن المعايير تختلف من سنة إلى سنة، وهذا تأكيد لكلامي.(26/44)
مسألة القلب وارتباطه بجذع المخ فلقد طرحتها كتساؤلات، ولم أطرحها كحقيقة، وطرحتها كافتراض Proposal للبحث ولم أطرحها كحقيقة، وقلت: بأنه لا توجد ردود شافية في الكتب، والردود التي سمعتها من دكتور شريف مختار وغيره من الزملاء هي نفس الردود الموجودة في الكتب، وأعتقد أنها غير شافية، وأحد الأسباب التي تدل على أنها غير شافية أن حالات التلف الشديد والكلي لجذع الدماغ خاصة مع الإصابات التي يحدث فيها توقف للقلب في الحال لا يمكن نعمل لها عملية إنقاذ، ولا يمكن أن نبقيه يوماً أو يومين أو غيره، ويعرف الدكتور خيري السمرة هذا الكلام أكثر مني ولقد أيدني الدكتور محمد شريف مختار قليلا، وقال: إن مراكز التحكم في القلب الموجودة في جذع المخ يحدث لها تدهور تدريجي ويسبقها التدهور الحاصل في جهاز التنفس، وفي هذا تأييد جزئي للكلام الذي قلته، وأذكر بعد ذلك أننا لا نقدر أن نقول: إن هذا قد مات لتوقف كبده مع أنه سوف يموت بعد عدة أيام، وإذا توقف مخه يكون قد مات مع أنه مثله سوف يموت بعد عدة أيام، لأن هذا له علاج، وهذا ليس له علاج إننا لا نحكم بالموت بناء على وجود العلاج أو عدمه، إن وجود العلاج أو عدمه يملي علينا إعطاء هذا العلاج أو عدمه.
أما مسألة التشبيه على الشاة الحامل، فإنني عندما قرأت الموضوع لكي أعرف تجارب اليهوديين، وجدت أن هذه التجارب لا تدل على شيء إطلاقاً، ولكن البعض أخذ منها أن نبض القلب واستمرار الجنين يعد دليلاً على الحياة اعتماداً على أن هذه الشاة قد فصلت رأسها لعدة ساعات. أما أنا فقد أخذتها دليلاً على أن الجسد يستطيع أن يبقى حياً لبضع ساعات دون الرأس إذا أجريت له الإسعافات اللازمة.(26/45)
أما عن المحكوم عليه بالإعدام، فقد ذكر الإخوة الزملاء أسباباً كثيرة لعدم صلاحيته لإعطاء الأعضاء، وأنا أضيف هنا سبباً علمياً; التزاماً بأن محاضرتي علمية بحتة، ولا تدخل في الدين، ولا تدخل في القانون، ولم أتطرق للدين والقانون إطلاقاً، والسبب الذي أضيفه أن الإعدام بالشنق الرسمي يتم بالطريقة التي تسمى في الكتب Judicial hanging وهي عبارة عن أن وزن الجسم ينزل فجأة فيكسر الزائدة العظمية للفقرة الأولى مما يحطم الجزء الأسفل لجذع الدماغ بما فيها من مراكز تحكم في التنفس، وهنا يقف التنفس ويموت الشخص بعد لحظة من الشنق، وفي اللحظة التي حدث فيها الشنق، وسقط الجسد يكون الشخص لم يمت بعد وهذا شيء معروف، وهناك شخص حدث له شيء مشابه وما زال يحيا بيننا، وهو الممثل المشهور [كريستوفر ريفز] المشهور بقصص [السوبرمان] حيث إنه في أحد الأفلام عندما كان يمثل وقع من فوق الحصان، ولكن فريق الإسعاف المتواجد كان مدرباً جيداً، فأسرعو وعرفوا أن هذا السقوط يسبب كسراً في العمود الفقري fracture spine فوضعوا له أنبوبة تنفس ووضعوه على Ventilator وأخذوه إلى المستشفى وفي المستشفى ثبتوه قليلاً بعد ذلك واتضح أن عنده Ist end 2 nd cerevical and destruction for medulla (كسر في الفقرة الأولى والثانية للعمود الفقري ودمار في الجزء الأسفل من المخ) لكن لأنهم أسعفوه بالتنفس سريعاً عاش، وحالياً هم وضعوه على كرسي أوتوماتيك، وهذا الكرسي يعمل بنفخ الهواء، وعنده جهاز ينفخ الأوكسجين باستمرار ويسمحوا له أن يتكلم خلال فترة الزفير، وكل ما أريد قوله هو أن عملية الشنق تؤدي إلى الموت عن طريق توقف مركز التنفس، وبالتالي لا يتم الموت لحظة أن يسقط الشخص، ولكن يتم بعد أن يتوقف مركز التنفس بعدة دقائق، لكي تؤدي إلى الموت، وأعتقد أنني التزمت في حديثي بالجانب العلمي، ولست أدري ما الذي أغضب الدكتور عبدالمنعم؟ وما الذي جعله يقول: «بأننا نفتي في الدين(26/46)
ولا نعرف في الدين» أنا لم أتحدث عن الدين ولم أتحدث عن القانون والتزمت بالجانب الطبي وشكراً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: الدكتور حسن علي يريد أن يعلق على الدكتور رؤوف سلام تفضل.
الدكتور حسن حسن علي: في حالة كريستوفر ريف المشار إليها ليس صحيحا أن الـ medulla أصيبت وأن كسور العمود الفقري أصابت الفقرة الخامسة وهو قد بدأ بالتنفس التلقائي وشكراً.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: أنا أؤكد كلام الدكتور حسن علي وأقول: أي إصابة في العمود الفقري تصيب الفقرة الأولى والثانية وإصابة النخاع الشوكي يتبعها بالضرورة موت المريض فنحن نتكلم هنا عن عصب (pheneric) فإنه يكون عند الفقرة الرابعة لو كان في الـ medulla فلن يعيش المريض وكذلك فإن كسور العمود الفقري ليست بالضرورة متوافقة مع مستويات النخاع الشوكي لاعتبارات تشريحية أي أنه من الممكن أن يكون مصاباً في الفقرة الأولى autontoid C - 1 والمريض لا يحدث له أي شيء ونحن نرى هذا كثيراً.
الدكتور رؤوف سلام: (كريستوفر ريف) مصاب بالشلل الرباعي ولا يتنفس تلقائيا وتوجد مضخة أكسجين تضخ الأكسجين إلى الرئتين والكسر عنده في مستوى الفقرة الأولى والثانية.
الدكتور حسن حسن علي: بل يتنفس تلقائيا الآن.
الدكتور رؤوف سلام: هذا يدل على تحسن في حالته، وهذا يدعو للشك في أن الحاجة الأصلية تتحسن، فلم يكن يتنفس تلقائيا في الأسابيع الأولى كلها.
الدكتور خيري السمرة: هذا لا يضر، يحدث oedema ولا نريد أن ندخل في التفاصيل; ولكني أؤكد أن عنده مراكز تنفس تعمل وأنه upto pheneric nerve ومستوى عصب جيد، ولكن الذي حدث له هو قليل من الصعوبة في التنفس في البداية، ولكنه بدأ يتحسن.(26/47)
الدكتور زهير القاوي: كلمة صغيرة على قضية (مخطط كهربائية الدماغ) إن النظام عندنا أنه إذا كان الشخص في المستشفى منذ ثلاثة أيام فأكثر فإننا لا نجري له الفحص على الدم لأجل التقرير، أما إذا جاء إلى المستشفى فلا يقرر له موت الدماغ إلا إذا أجري له فحص الدم وذلك للتحري عن الأدوية وشكراً.
الدكتور أحمد رجائي: أرجو أن أوضح نقطة مهمة، وهي نقطة التعرض لبعض الشخصيات، ومحاولة التجريح? ونحن عندما نعيد كتابة هذه الأشياء سوف نلغي كل هذا الكلام الذي لا يليق بنا كمجموعة مثقفة عالية التثقيف; لأن الموجودين هنا أقلهم أستاذ فأعتقد أن الخلاف يجب أن يكون خلافاً علمياً محترماً بأسلوب راق، فالخلاف هنا لا يدعو أبداً على الإطلاق إلى أن يتعرض أحدنا لزميله بما يُسيؤه، ويمكن أن نقول: نوجه اللوم، ولكن لا نتعرض له شخصياً، أرجو الالتزام بهذه الملاحظة. ولقد كان الدكتور العوضي ومجلس أمناء المنظمة مستائين من المستوى الذي وصل إليه الخلاف بالأمس. لذلك أرجو أن يكون هناك هدوء، حتى نصل إلى قرار ونحن هادئون، وأرجو أن يكون الخلاف علمياً ولا نتعرض للدول أو الشخصيات وشكراً. وترفع الجلسة.(26/48)
المناقشات
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكرا للدكتور عباس رمضان على هذا العرض الطيب وطبعاً المناقشة مفتوحة وفيه متسع من الوقت لكنْ هناك كلمتان: الأولى من الدكتور أحمد رجائي الجندي تفضل.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: شكراً سيادة الرئيس. أفادنا الدكتور صفوت بأن لديه فيلماً يريد أن يعرضه. فهل تحبون مشاهدته الآن أم نستمر في المناقشات وفي المساء نعرض الفيلم لأن به أموراً قد تختلف قراءتها من شخص لآخر؟ ولذلك أقدم ضرورة الاطلاع عليه طالما يدخل تحت هذا الموضوع حيث سننتهي الليلة إن شاء الله من مناقشة قضية موت الدماغ.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: الكلمة الأخرى للدكتور حسن حسن علي يحب أن يضيفها.
الدكتور حسن حسن علي: دكتور محمد علي البار أثار نقطة يبدو أنها إيضاح لهذه النقطة، أنا قلت: بعد تشخيص موت الدماغ القلب قد يظل ينبض من عدة ساعات إلى أيام ثم يتوقف تلقائياً برغم استمرارية عملية الإنعاش، أما إذا توقفت عملية الإنعاش وأوقف جهاز التنفس يتوقف القلب بعد دقائق، وأكدت أنّه بعد إعلان الموت وإيقاف جهاز التنفس وعملية الإنعاش يبقى المتوفى لمدة بضعة ساعات في وحدة الإنعاش قبل نقله إلى المشرحة أو إلى الدفان أو (الحنوتي) هذا تصحيح ما قلت يا دكتور محمد شكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: لو سمحت لي أرجو أن تتاح لي بعض الدقائق لعرض أفكار معينة - كما قلت - أثارها عندي دكتور عماد فضلي لأنها أفكار قد يراها البعض أفكاراً فلسفية بعيدة عن واقع الأمر، ولكن في ظني أن كل فيسلوف أو كل إنسان يتفلسف إلى حد ما، فإن الآراء التي طرحها الدكتور عماد - كما قلت - أثارت في ذهني آراء معينة ومفاهيم طرحت في الخمسين عاماً الأخيرة وأعتقد أنها آراء ومفاهيم تؤثر جداً في فهمنا للأمور العلمية والطبية ويحسن بنا - على الأقل - أن نعيها وأن نكون واعين لها.(27/1)
في منتصف الأربعينات ظهرت فكرة نظرية [الإنسان العامة ونظرية المنظومات العامة] General system theory كان مؤسسها بيلوجي ألماني وكتابه مشهور General system theory يعني خلاصة رأيه أنه يدعو إلى النظر في الأمور بمفهوم [المنظومة أو النسق] System فهو يرى في كل العلوم الطبيعية، أو حتى في العلوم الاجتماعية منظور الإنسان أو منظومات، وهو مفهوم يختلف عما ساد في هذا القرن عموماً في المنظوم العلمي وسمّيتموه بالأمس [الاختزالية]. والاختزال هو اختزال العلوم الإنسانية، والعلوم البيولوجية إلى كيميائية وإلى (فيزيقية) هذا البرنامج هذا النموذج أثبت كفاءته وفعاليته بصورة مذهلة حتى إن معظم العلماء نسوا أن هناك مفهوماً ومنظوراً آخر مختلفاً. وهو النظرة الشاملة أو الكلية مثلما يقولون Atomism، وهي الزرية، ويقابلها Wholism وهي النظرة الكلية وكان هذا الأستاذ في العلوم البيولوجية يرى أنه ممكن بهذا المنظور أن نفيد ونضيف من هذه المعلومات من هذا المنظور.(27/2)
وثاني تطبيق ظهر بعد نظرية المنظومات العامة أو نظرية General system theory كان (نوريت فينر) إذ استحدث مصطلحاً جديداً، هو [السيبرناتكس] جاء به من كلمة يونانية تعني حارس أو متحكِّم في الدقة، وهذه المفاهيم مفاهيم Feed back أو التنظيم الذاتي والتحكم أو الأهرام المدرَّجة كما كان الدكتور كامل حسين - الله يرحمه - كان يعبر عن هذا التعبير (الهيداركي) كان يقول (الهيدرشية) أو التدرج لأنها طبقات فوق طبقات وقوى فوق قوى، والفوْق يحكم ما تحته إلى آخره هذه المفاهيم; هي (السيبرناتكس) وقد طبقت أولا في الحرب العالمية الثانية بفضل (نوريت فيز) الذي كان عالمَ رياضياتٍ وفيزيائي ولقد طبقت أولاً في الصواريخ الموجهة لأن هذه المفاهيم ليست مفاهيم ميكانيكية بحتة، فهي موجودة أيضاً في الكائنات الحية [التغذية المرتدّة التحكم] Hamisatasis كلها مفاهيم موجودة في الكائنات الحية كلها مفاهيم قد تبدو مفاهيم نظرية أو فلسفية إنما تطبيقاتها العملية ظاهرة على الأقل في الصواريخ الموجّهة.(27/3)
الأفكار الثالثة التي أتت بعد نظرية المنظومات العامة General system theory جاءت ما يسمى Thermo dynamics at non equilibrium الدينميكا الحرارية والحرارة والقوانين الثلاثة وخصوصاً القانون الثاني للديناميكا الحرارية، وما قيل عن أن هناك اتجاهاً للحياة وللكون عموماً (the arrow of time سهم الزمن) وأن الاتجاه كله إلى التردي والتحلل، فطلعت أفكار أخرى تقول: إذا كان كل الكون متجهاً إلى التردي والانحلال والفوضى فمن أين نشأت فكرة التطور والحياة والارتقاء؟ فظهرت آراء thermo dynamics at non equilibrium الديناميكا الحرارية عند الاتزان; وهو معروف من العلاقة بين الحركة والحرارة، وهذه أمور مرت بمراحل كبيرة أشهرها هو (كلاوزس)، و(كلاوزس) هذا هو الذي قال بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية وهي أن الطاقة دائمة في حالة تدهورٍ منَ الطّاقة المفيدة أو المجدية إلى طاقة لا نفع منها وهو التحول من energy إلى حرارة، والحرارة تنتقل من الأدفء إلى الأبرد; إذْ لا يمكن أن تنتقل الحرارة من البارد إلى الساخن، ولو أنها نظرية من النظريات البحتة ممكن أن تتبادل الاتجاهين; لأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث إنما الطاقة دائماً تنتقل إلى المستوى الأرقى وهي الحركة إلى طاقة متدنية إلى حرارة، والحرارة آخذة في التدني من الأعلى إلى الأبرد حتى نصل إلى درجة الصفر المطلق، وهذا يمثل 273 كذا يعني درجة الحرارة المطلقة حتى تتوقف فيها حركة الجزيئات والذرات نطلع منه مفهوم the arrow of time أن الكون في طريقه إلى سهم التدني من الطاقة النافعة إلى الطاقة المتدنية حتى نصل إلى درجة أو إلى حالة تسمى (الموت الحراري للكون)، ولقد ظهر بعد هذا أن هناك ديناميكا حرارية عند الاتزان عندما تكون الظروف غير متزنة، ويكون المجتمع مفتوحاً متصلاً - مثلاً - بدرجة الحرارة من الشمس فممكن أن الطاقة تستعمل للاستفادة لترقية الموقف مثلما يحصل في نظرية التطور نأخذ(27/4)
الشمس وتستغل طاقة الشمس مع الكلوروفيل ويطلع منها الكربون الذي هو عنصر الحياة كلها ويطلع منها التبادل بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون كل هذه عبارة عن طاقة أخذت من طاقة الشمس، والتعبير الذي يقوله dissipated energy طاقة مبددة أخذت الطاقة من الشمس طاقة حرارية وحولت إلى طاقة جددت من أجل الحياة بأنها أخذت هذه الطاقة مثلاً أنها صرفت هذه الفلوس كلها في سبيل أنها تحسن موقفها في سبيل أنها تحسن موقعها، من هنا نشأت فكرة الحياة من أول اليخضور والنبات والحيوان والإنسان إلى آخره، هذا إذا كنا معتقدين بفكرة التطور.(27/5)
على كل حال أنا لا أريد أن أتطرق إلى مواضيع أخرى يبقى خروجنا من General System Theory إلى (السايبرنتكس) ثم وبعد هذا طلع موضوعان موضوع (الكيوس) نحن كنا نترجمه بكلمة الفوضى، وبعدين كلمة الأستاذ الدكتور (عدنان شهاب الدين) الذي يشرف على اليونسكو العربية. هو أستاذ في الرياضيات قال بدلاً من تسميته فوضى سمّوه (شواشاً أو تشوّشاً)، وقال: الشواش والتشوش مختلف عن الفوضى، فالشواش له قوانينه Brownean movement التي نحن نراها ونفتكر أن هذه منتهى الفوضى في قانون ينظم اللانظام، المهم هذا موضوع (الكيوس) أنا قرأت ما لا يقل عن عشرين كتاباً في هذا الموضوع [الكيوس] لمجرد أن هذا Science أو فلسفة، وأن هذا كله له تطبيقات في البيولوجي وفي Medicnie في كتاب طلع من واحد اسمه leon glace أستاذ بيولوجي Off clouds and cloks، وتحته عنوان جانبي في مونتريال طلع كتاب اسمه The reasons of life in Health and disease طلعوا حاجات غريبة جداً أن auricular fibrillation أن لها قوانين. إذاً العملية ليست بالبساطة التي نحن نتصوّرها أن ساحل انجلترا يخضع إلى المنحنيات الكسرية طلع أن كل الجزء موجود في الكل، والكل موجود في الجزء، بمعنى أنك عندما تمسك القرنبيط ستجد أن كل القرنبيطة كلها عبارة عن buds وهكذا محتوى كل على الجزء وكل جزء - وهذا هو الغريب في الأمر - محتوٍ على الكل، ساحل انجلترا حللوه فوجدوا أنه عبارة عن مبدأ الكسريات الجزئية بمعنى أنك لو تأخذ ساحل انجلترا وتفكه حته حته ستجد أن كل جزء من هذا الساحل يكرر الساحل كله لإنجلترا في الجزء، وعندما تأخذ جزءاً من الجزء وتكبّره ستجد أن الساحل نفسه يتكرر في الساحل، كل هذه الحاجات لها ما يقابلها في القرآن الكريم.(27/6)
أنا أقصد بأن هذه المفاهيم: مفهوم General system theory ومفهوم سيبرناتكس، ومفهوم thermodynamics at non equilibrium مفهوم الكيوس يعتبرونه الوجه الأول للعملة، أما الوجه الآخر للعملة يسموه Complexity التعقد أو التعقيد، وهذه الموضوعات منها أربعة nobile prise winneres يشتغلون في مركز يسمى [سانتافي] شغلتهم يشوفوا الرياضيات والكمبيوتر جرفكس Graphics وهذا كلام مهم جداً وتطبيقات الكمبيوتر Moudling مع القواعد الرياضية وتطبيقاتها على البيولوجي وهو أمر يهمنا جداً تطبيقات الرياضيات وتطبيقاتها على الكمبيوتر Graphics وSimulation طلعوا الذكاء الاصطناعي، وطوروه إلى الحياة الصناعية، كل هذه مفاهيم تطبق على أساس الكمبيوتر وعلى أسس الرياضيات لدرجة revevsibility نقطة اللاعودة Turning point.(27/7)
وهذه كتب مؤلفة على فكرة ما يسمى Dynamic الأنظمة الديناميكية لها أسس ولها قواعد وقوانين تفسر كثيراً من هذه الأشياء التي تبدو أنها رياضة بحتة وأنها علم كمبيوتر كلها لها تطبيقات مثل هذه العلوم، أنا أريد أن أقول: إن كل هذا الكلام مؤكد أن لها انعكاسات على فهمنا البيولوجي وفهمنا الطبي وذلك مثل: تعريف الموت، وتعريف الحياة، وتعريف جذع المخ، والتعريف الذي ذكره الدكتور عماد أن العملية ليست بالبساطة هذه إنها كلها sybernitics حتى الكنترول هو نفسه لا يملك أن يتحكم دون أن يتلقى التغذية المرتدة من الأطراف، هذه كلّها مفاهيم يجب أن تستقر في أذهاننا وأن نتابع ما يقولونه، وهؤلاء العلماء من أول أساتذة البيولوجي والرياضيات كي يروا بقدر الإمكان التقريب من هذه المفاهيم إلى ما نقوله في الطب وفي البيولوجي، أنا متأسف للخروج عن هذا الموضوع إنما هي دعوة إلى آفاق واللهطر أوسع من الآفاق والاللهطر التقليدية، وأن لهذه المفاهيم التي قد تبدو فلسفية ولكنها في صميم المنهج العلمي والنتائج التطبيقية حتى مثل هذه الأمور مثل موت جذع المخ وما هي الحياة؟ وما هو الموت؟.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: هل نبدأ في الفيلم؟ شكراً نبدأ.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: أعتقد الفيلم انتهى، الآن سنبدأ عملية المناقشة، دكتور أحمد الجندي سيتولى أولاً كلمة أولية وسيتولى عملية تنظيم المناقشين أرجو أن يتولى هذه العملية شكراً.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: شكراً سيادة الرئيس، نحن أمامنا خياران الآن وأنا أميل إلى أحدهما، هل نناقش الأبحاث أو نناقش الفيلم؟ الحقيقة أنا قصدت أن نعرض الفيلم حيث شاهدت منه أجزاء كثيرة وقد عرض في تلفزيون الكويت، وكانت أجزاء من الفيلم - للأسف الشديد - محذوفة.(27/8)
ومعنا مجموعة من الإخوان هنا تريد التعليق على الفيلم، لأن الفيلم يثير الكثير من التساؤلات فلعل هذه الجلسة - وفيها كل التخصصات المطلوبة - يستطيعون أن يقوّموه ويوجد تسعة متكلمين عن الفيلم وهم من جميع التخصصات، أعتقد أن دكتورة أسمهان ستتولى في نصف دقيقة التعليق البسيط دكتورة أسمهان الشبيلي.. تفضلي.
الدكتورة أسمهان الشبيلي: أنا في الواقع أشكركم للسماح لعرض هذا الفيلم لسبب واحد أنا أتصور أنه يثبت مرة بعد مرة الانتقائية في اختيار الأدلة التي تدعم وجهة النظر القائلة بعدم القبول بمفهوم الموت الدماغي، وقد لفت نظري في الموضوع قِدَم الفيلم إذا انتبهتم إلى أعلى الشاشة إلى اليسار كان في سنة 1980، هذا الفيلم سجل منذ 1980 إلى الآن تغيرت مفاهيم كثيرة، والذي أقصده من قدم الفيلم أولاً: قد يكون هذا غير دقيق، ثانياً: أنه في الحالة الأولى كان فيه وجود لمصلحة المريض الأول كان من المتبرعين بالأعضاء، وقد يكون فيه سرعة تشخيصه المبكر غير المبّرر مصلحة للكثيرين، نحن لم نسمع وجهة النظر الأخرى من الأطباء الذين قاموا بتشخيصه مبكراً، لا نعلم وجهة النظر الأخرى، قدم لنا أنه حالة لتشخيص أو تكالب لأخذ الأعضاء بدون أن نعرف لماذا تم تشخيص الخطأ المبكر بالنسبة للمريض الآخر أعتقد أنّه يفسر نفسه بنفسه الحالة التي فيها Succinyl Choline بيشتغل فترة أكثر من اللازم، ونحن نعلم شروط الموت الدماغي التأكد من عدم أخذ المرضى أدوية تسبب أي شلل عضلي أو عصبي أو أدوية مهدّئة تمنع تقييم عمل المخ بتجرد وموضوعية، وبإمكاننا استعمال الفيلم كدليل ضد القائلين بعدم قبول مفهوم موت الدماغ.
الدكتور أحمد رجائي: الآن الكلمة إلى الدكتور حسن حسن علي له تعليق على الفيلم أيضاً لتصحيح بعض المفاهيم تفضل يا دكتور حسن حسن علي.(27/9)
الدكتور حسن حسن علي: بسم الله الرحمن الرحيم: هذه الحالات قد تم نشرها في السبعينات وهذا التقرير قد تم إثارته عن طريق محطة بي بي سي BBC والتي أذاعته لستة ملايين مشاهد عن برنامج (بانوراما) بعنوان «هل المتبرعون بالأعضاء ميتون حقا؟» وهو مفهوم مختلف تماما وقد ولّد البرنامج الكثير من التعليقات والمراسلات طبياً واجتماعياً.. ونحن نعلم جميعا أن وسائل الإعلام تحاول الاصطياد في الماء العكر، وللأسف المرضى والأطباء في هذا البرنامج كانوا أمريكيين، وقد استدعى هذا البرنامج ظهور مقالة لرئيس مجلة التخدير Journal of Anesthesia والذي قال بالحرف الواحد «زعم عدد من الأطباء الأميركيين في هذا البرنامج أن المرضى غالبا ما يستفيقون بعد تشخيص موت الدماغ كيف يمكن لهم ذلك؟ وقد تمت مقابلة هؤلاء الأطباء ومساءلتهم وفي الشهور التالية توالى نشر الأوراق العلمية من القارة الأوروبية والأمريكية والتي دعت بدون شك مصداقية وقيمة المعايير المستخدمة لتشخيص موت الدماغ، وقد اتضح أنه لم يتم تشخيص حالة واحدة من التي ظهرت في الفيلم بأنها حالة موت دماغي حسب المعايير البريطانية، وهذا الفيلم قد ظهر في أكتوبر 1980م وتلته العديد من المناقشات ولا أرى فيه أيًّا من المعايير التي نعرفها الآن لموت جذع الدماغ، وقد أقر الباحث نفسه بعدم وجود معايير موت جذع الدماغ في تلك الحالات.. وشكرا.
الدكتور حسان حتحوت: بسم الله الرحمن الرحيم.(27/10)
توسمت الخطورة التي تنجم من عرض هذا الفيلم في وسائل الإعلام على الجمهور، وأعتقد أن الفيلم اتهام لغير متهم خلال عرض المريض الأول الذي أصيب في بيته ثم حمل إلى المستشفى ثم ساءت حالته حتى تهيأوا لأخذ الأعضاء منه، سألت نفسي خلال هذه المدة: هل كان المريض يتنفس أم لم يكن يتنفس؟ إذا كان المريض قد فقد التنفس فهو الموت; لأنه إن توقف التنفس توقف الأوكسجين مات المخ بعد أربع دقائق ثم استحالت الحياة من بعدها استحالة تامة، أما إذا كان المريض يتنفس في هذه المرحلة فالتشخيص خاطئ; لأننا نقول ونؤكد مرة ومرة أننا نشخص موت المخ مع جذع المخ ولا تشخيص لهذه الحالة إلا باختيار هل المريض فقد النفس أم لم يفقد النفس بفصله من المنفسة؟ ونسميها مضخة التنفس فنراه لا يتنفس فنشك فنعيده مرة أخرى بعد ست ساعات فنجده لا يتنفس.
إن اختبار توقف النفس هو في صميم تشخيص موت المخ وجذع المخ، وأحسب أن هذا المريض لم يكن مصاباً بهذه الحالة ربما بحالة في مخه لكن جذع المخ كان سليماً وهذا ما نراه من عودته للحياة هو نتيجة لتشخيص غير صحيح شكراً.
الدكتور خيري السمرة:(27/11)
شكرا يا سيادة الرئيس، أنا مهتم جداً أن أرى هذا الفيلم وتأكد لنا تماماً أن بعض الأفلام وبعض الحالات تؤخذ لغرض معين ولا تستند إلى أي أساس من الحقيقة العلمية الطبية، وأؤكد كلام الدكتور حسان أن الحالة الأولى أن راح وبعد ساعتين قال: إنه مات; هذا ليس طبًّا هذا ليس طبًّا إطلاقاً، نحن نرى حالات إصابات دماغية شديدة، ونعمل لها إجراءات مكثفة لكي ننقذ حياته، حتى عندما يجئ المريض ونظن أنه خلاص حالة موت جذع المخ لا نعترف أنه موت جذع المخ نقوم بوضعه على المنفسة ونعطيه الأدوية، وكثيراً جدّاً ما يتحسن، أي أنه كان في حالة ارتجاج مخ وفي حالة cerebral oedema? ويختل كل شيء فأنا أنقذ حياة المريض، وغير ممكن أن أشخّص المريض أنه ميت جذع الدماغ بعد ساعتين هذا ليس طباًّ، وقطعاً لم يعمل له مثل ما ذكر الدكتور حسان حتى أعرف هل هو ميت جذع الدماغ حتى أبدأ في أخذ أعضائه، بعد ساعتين أشخّص أنه مات. قالوا إن المريض الأول لما طلع سامع كل شيء. هذا المريض لو عمل له Caloric test في أذنه كان قطعا سيظهر أنه صاحٍ وفي حالة جيدة، يعني يا إخواننا هذا ليس طباً. وكون الطفل الصغير الذي نزل، فإننا نرى مثل ذلك آلاف الحالات ونحاول عمل إنقاذ له ووضعه في الحضانة وربنا يكرم، وهناك أناس كثيرة تسلم وهناك ناس كثيرة بتموت، فليس معنى ذلك أننا نأخذ حالة وأعتبرها تقريراً وأنشره، الرجل الثاني [البحار] شخّصوه أنه إصابة في جذع المخ، وأعطي مثلا لذلك: الدكتور صفوت أستاذ تخدير وأحيانا يموت المريض من البنج فهل يكون البنج كلّه خطأ؟
الحقيقة أنا سعيد لما شاهدت الفيلم وإنني كنت أتوقع أنه هو هذا الفيلم قبل أن أراه، وهذا الكلام يا جماعة غير معقول. فالأخ يتحدث ويقول شخّصوه موت جذع الدماغ... من الذي شخصه نريد أن نعرفه؟ وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: الدكتور عصام الشربيني.. تفضل.(27/12)
الدكتور عصام الشربيني: هو كان مجرد سؤال موجز لما تفضل الأساتذة المتحدثون بتفصيله، القاعة أيها السادة تضم عشرين أو ثلاثين طبيباً فهل في الأطباء الموجودين مَنْ يشخص أحد هذه الحالات على أنها موت جذع الموت؟ وشكراً.
الدكتور حمدي السيد: الحقيقة أن هذا الفيلم يؤكد ما سبق أن تحدثت به إلى حضراتكم، لدينا بعض الزملاء والإخوة يعتقدون أنهم يدافعون عن شرع الله بمنع عمليات الزراعة بأي طريقة وبأي أسلوب، عندما صدرت فتاوى مثل فتوى فضيلة الدكتور [يوسف القرضاوي] وغيرها بجواز زرع الأعضاء طبعاً هذا الكلام لا بد أن يجعل هؤلاء الزملاء يغيّرون الأساليب والتكتيك، ليقنعوا الذين سيموتون أنه ستنزع أعضاؤه وكان صاحي أو عايش وبالتالي الفزع عند المصريين أن يدخل المقبرة وهو حيٌّ، وعندنا قصص كثيرة تحكي عن أناس دخلوا المقبرة [وهي صاحية وقامت]، وأحياناً كانوا يضعون معهم جرساً في الكفن [عشان يعمل جرس لو رجعت إليه الحياة] الفيلم يدل على سذاجة في العرض شديدة جداً، الزميل العزيز الدكتور صفوت وزميل لنا لا أريد أن أقول من حسن حظنا أو سوء حظنا يجلس ويتحدث للبسطاء من الناس، لكن رجل [البانوراما] يتكلم لعالم عنده نسبة ثقافة معينة وقادر أن يميز الغث من الثمين ولكن عندما يتحدث لبسطاء الناس: انظروا ما سوف يفعله هؤلاء بكم؟ إنهم يأخذونكم لكن يتاجروا في أعضائكم، لأجل أن يذبحوكم وأنتم أحياء، ولكي يفعلوا فيكم كذا وكذا، والغريب في الأمر أنني كنت أريده يجيب على سؤال: لو أنا تأكدت من أن شخصاً مات [وشبع موت] يا حضرة [اللي] خائف تأخذ من [صاحي]، هل تقبل تأخذ منه؟ الدكتور صفوت يقولك أنا عملت كتاب قلت فيه الأسباب الأمنية والأخلاقية والشرعية والدينية، في مقابل ماذا؟ في مقابل مجمع الفقه وفي مقابل مشايخ الإسلام وكلهم أفتوا بجواز نقل الأعضاء، ونحن لدينا هذه doccument المستندات موجودة، هو وحده وزملاؤه الأعزاء لديهم رأي مختلف عن مجموع فقهاء(27/13)
الأمة أن نقل الأعضاء حرام، سواء من حيّ أم حرام من ميت كل ذلك حرام، من صاحي حرام، من جثة تعفنت حرام ومن جثة لم تعفن حرام وفي سبيل هذا الغرض يؤمن أنه هو المدافع عن الشرع كما يفقهه ويفهمه، في سبيل هذا يلجأ لمثل هذه الاساليب نتوجه إلى مواطن بسيط ونتحدث معه، ونقول له: انظر كان سيموت، ومَنْ الذي اكتشف الأخ الأول هو الدكتور الذي سيعمل العملية له مصلحته يأخذه وهو صاحي، ويفتحه ويشيله ويقول له مات، هو لقاه متنبّه قال لهم خذوه، ومن الذي اكتشف الثاني واحد قال نعمله E C G لأنه أخذ Succinyle choline وعنده Succinyle choline apnea لماذا لم يقل هذا؟ ولماذا لا يقول لدينا أمانة أن نعرض أيضاً على الناس أربعة أساتذة في الجامعة المصرية كل واحد يقود قسماً، وأجريت لهم عمليات نقل كبد، ويمارسون العمل على أحسن ما يكون; قيادة من قيادات الوطن. وليس فقط قيادة واحدة، عندنا العديد من قيادات الوطن أجريت لهم زراعة كلى أو زراعة كبد وما زالوا في أحسن الإنتاج، يجب أن نكون موضوعين ونبحث عن الحقيقة للموازنه بين كفتي العملية.(27/14)
طبعاً واضح أن هذا الفيلم نحن سرقناه وجئنا به ورأيناه وقصّصْنا وحذفنا منه، وقلنا إنه برنامج معمول، من أين يكون كله أطفال، وبعد ذلك واحد ينزل من الأطفال يتكلم عنهم إلى حديثي الولادة، ونحن عارفين أن هؤلاء لهم وضع خاص؟! إذن يجب الإلتزام بالمعايير العلمية والمهنية والموضوعية عند عرض أي موضوع، إنما يدّعون أن هناك هدفاً وأن ذلك دفاع عن الدين، هؤلاء الموجودون في هذه القاعة لا أظن أن أحداً يشكك، لا في دينهم، ولا في إيمانهم، وجميعهم جالسون في هذه القاعة ويتحدثون أولاً عن مشروعية نقل الأعضاء وأنا أريد من يستطيع أن يثبت غير ذلك أو عكس ذلك. أعتقد أن هذه القضية - باستثناء بعض الفصائل في اليابان - إنما هذه القضية نقل الأعضاء سواء كانوا من أحياء أو من أموات، ومع ذلك فنحن في سبيل هذا نترك الفزع والهلع وننقله، ليس فقط من مصر إنما لا بد أن ننقل هذا الفزع والهلع لكافة بلاد المسلمين، لأن علينا قيادة كبرى ومسؤولية كبرى، وهو الدفاع عن شرع ربّنا كما نفهمه وكما نثق فيه، ولهذا ننقل هذا الفيلم ونلف به من الكويت للسعودية إلى Art في مصر وإلى كل مكان، وقطعاً هذا الفيلم ممكن أن يذاع في المدارس وفي الجامعات، وتصور أنك أو والدك أو أخاك أو أي إنسان عندما يؤخذ وهو حي ويُقطّع وتؤخذ منه قطعة وطبعاً التجارة وغير التجارة وكل هذه الأساليب وكل هذا الكلام هذا يوم مفزع بالنسبة لي والله، وهذا يوم أنا آسف عليه أسفاً شديداً، وأنا كان لدي أمل أن هؤلاء الزملاء والإخوة لديهم يعني عملية موازنة أو (sense) في الاجتماع أو (sense) للجدل أو في سماع الآخرين، إنما نحن أغلقنا الأبواب تماماً وندعي نحن دعاوى معينة الغرض منع ولو قطعة جلد من ميت منذ سنة.(27/15)
وفي سبيل ذلك أنا أحارب على جبهات مختلفة وسألبس مسوح أنني أدافع عن علم وهذا غير صحيح، أدافع عن شرع وهذا غير صحيح، أو أنني أخلط الورق ببعض، أنا لا أتكلم على أعضاء في الوقت الذي يُدّعى أن جذع المخ غير موجود ولا أزعم بترك المريض حتى يبرد، نقول له قرنية ست ساعات أو صمام 12 ساعة وهكذا دخلنا أو رجعنا إلى نفس القصة - مثلما قال أخونا الدكتور سلام - لما تشتغل على واحد قلبه وقف، سنوقف القلب ستدخل قسطرة في الكلى وسنبرّد الكلى ونأخذها، أخونا الدكتور رؤوف سلام - كثّر الله خيره - موافق على ذلك هل يوافق إخواننا الآخرون أن نبرّد المريض ونأخذ كليته بعد توقِّف القلب بنصف ساعة، ونعمل مثلما نريد ECG وغيره لا نفس ولا قلب ولا مخ نقبل بعد نصف ساعة أن نضع قسطرة ونبرد الكلى ونأخذها ونعملها؟ الجواب: لا، كل شيء أصبح لاو هو القاعدة العامة الآن، وأنا لا أفهم أي منطق في هذا؟! وأنا أيضاً حاولت وحاولت مخلصاً حاولت جاهداً وحاولت أن أقرأ وجهات نظرهم وقرأت كل ما كتبه زميلنا العزيز الدكتور صفوت في منشوراته التي (هبلنا) بها على مدى ثلاث أو أربع سنوات بمعدل كل شهر منشور، وقرأنا واستمعنا إلى آخره، لعلّنا نجد منطقاً واحداً يقول - أخلاقياً وأمنياً وشرعياً-: بزرع الأعضاء بأي شكل من الأشكال ولا قطعة صغيرة من صمام نضعها في مريض هذا ممنوع، هذا وضع في غاية الغرابة أرجوكم أن تتعاطفوا معنا لأن هذا هو حالنا وربنا يكون معنا وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: الدكتور أحمد القاضي لو تكرمت.(27/16)
الدكتور أحمد القاضي:الحمد ُ والصلاة والسلام على رسول الله أنا أرى أن استعمال هذا الفيلم هو استمرار في عملية استخفاف بذكاء الحاضرين واضح، لأن أي واحد عنده عقل وأي علم طبي يرى أن هذا الفيلم - إن صح ما رأيناه - يعبّر عن مخالفة مهنية جنائية، تجرم في أماكن كثيرة ولها عقوبات، ويحاسب الناس عليها، لكن لا تصلح كدليل على عدم صحة الاستدلال بموت المخ على وفاة المريض، والاستدلال بهذا الفيلم هو نفس الأسلوب الذي استعمل في البحوث المكتوبة والتي قرأتها باستخدام أخبار من الجرائد والمجلات عن جرائم جنائية يفعلها بعض الناس ولهم عقوبات، وهناك مجرمون كثيرون مودعون في السجون، وبالتالي فإن هذا الأسلوب يجب أن يوقف عند حده وإلا تعرض للمسائله القانونية لأن الأمر يخص الإنسان فيجب تقديم كل ما هو متعلق به بأسلوب موضوعي وعلمي حتى لا تدخل في شبهات قانونية.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكراً للدكتور أحمد القاضي، والكلمة الآن للدكتور محمد شريف مختار... تفضل.(27/17)
الدكتور محمد شريف مختار: الدكتور صفوت طبيب تخدير وعناية مركزة لا يجب أن يفوته أو يسمح بعرض هذا الفيلم. أليست زوجة المريض هي التي تقول: إنه أصيب بنوبة قلبية؟ ولم يكن حادث سيارة وقد حدثت له النوبة القلبية وذهب إلى المستشفى وحدثت له كلُّ هذه (الدراما) في ساعتين، وهذا مستحيل حتى لو كان الفيلم صور لم يكن هذا حال مريض النوبة القلبية أما أن يحدث له اضطراب في دقات القلب ولم تجر معه أي وسيلة للإنقاذ وقلبه سيقف ولن يصلح لنقل الأعضاء لأنه سيكون قد حصل له تجلط مما يجعله حالة ميئوساً منها ولا يمكن لأحد الاستفادة منها، أو سيحدث له هبوط في الدورة الدموية وصدمة قلبية ولن نستطيع إعلان حالة الوفاة، ولا نستطيع إعلان الوفاة في ساعتين لأنه يحتاج ساعات ويأخذ وسائل دعم، بينما الطبيب أمسك التليفون وقال لها: موت دماغ، وطبعاً هذا مستحيل أن يكون موت دماغ حصل; لأن لو كان وقف يبقى انتهى خالص المخ وكل حاجة وغير مناسب لنقل الأعضاء. إذا كان Cardiogenic shock فهناك وقت كافٍ لمعالجة المريض، وفي السبعينيات كان فيه الأدوية التي ما زالت موجودة حتى اليوم يعني كان فيه ardrenaline, Isoprenaline وغيرها طلعت وكان فيه وسائل الإنعاش متاحة وموجودة، فعرض حالة myocardial Infarction على أنه potenial Donner وBD في ساعتين قصة حتى لو كان الفيلم مصوّراً 71 أو 81 لم يكن يبدو أن هناك نقصاً كما هو واضح من الأصل، لا أفتكر أن هذا هو الذي حصل وعرض، هذه القصة لا أعرف كيف ألّفوها كيف؟، واضح أن هذه المجموعة عصابة ولا يمكن أن يكونوا دكاترة، ولا يمكن أن تكون مستشفى محترمة والطبيب يمسك التليفون ويكلم زوجته وتقول له: إنه موت دماغ ويقول لها: نعم، إنما واضح لما قالت له: أنا أحب أعرف كل حاجة لأننا غير متبرعين بالأعضاء ومسجلين لفظ الكلمة ولكن من الناحية الطبية لم يكن يجب عليك قبولها. شكراً.(27/18)
الدكتور مختار المهدي: بصرف النظر عن التفاصيل التي شاهدناها في الفيلم، والتي هي غير مقنعة للكثير منّا أنا أقول: إن البرامج التلفزيونية برامج تكتب ويوضع لها سيناريو ولها هدف معين، والذين يكتبونها يوجهونها لأجل أن يوجهوا الجمهور. وأنا أعيب على الناس الذين يهاجمون موت المخ ويعتمدون على الإعلام، والجرائد قالت: إن واحدة ماتت، مات مخها ولدت بعد ست شهور، والتلفزيون يقول: إذا كان فيه واحد مات مخه ورجعت إليه الحياة أليست هذه حالات فريدة ينبغي نشرها في المجلات العلمية؟! لماذا تطلع في التلفزيون وتطلع في الجرائد اليومية؟! أنا اعتقد أن هذا الكلام غير مقبول شكراً.
الدكتور عدنان خريبط: الواقع الإخوة الزملاء قالوا مشكورين كل الكلام الذي كنت ناوي أتكلم عنه وكل النقاط ذكروها إذاً سوف أذكر فقط الخلاصة، الخلاصة إذاً عن الفيلم مثلما شهدناه أنّه قديم جداً، وأنا أوافق الجميع أنها لا تتفق مع موت جذع الدماغ، إذاً المطلوب تحسين - لو صدقنا ما حصل في الفيلم - طريقة التشخيص في وفاة جذع المخ.. وشكراً.
الدكتور محمد زهير القاوي: في الحقيقة يثبت تماماً [البروتوكول] الذي يستخدم في المملكة العربية السعودية أولاً: تخطيط الدماغ هو جزء ضروري أساسي من كل حالة في الوفاة الدماغية، ثانياً: رأينا حالات من جيلانبرية، ومن المهم نسمع كلام الشخص الذي أصيب جيلانبرية صاعق وأدى إلى شلل الشخص وشلل كل شيء، فقال بعد أن عاد إلى الحركة واستطاع الكلام ذكر لنا أنه كان يشعر كأنه في وضع خيالي جداً وكأنه ليس في حالة حقيقية بالرغم من أنه كان يعي ويتذكر كل شيء. أولا: ذكرت بأنه لا ينطبق عليه الشروط المسبقة ولذلك لم يكن مشخصاً وثانياً: التخطيط من الدماغ كان واضحاً تماماً، هو تخطيط عادي، النقطة الثانية التي أريد أن أثيرها تكررت في هذا الفيلم الطعن في البرامج في [الدول] شكراً.(27/19)
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم: طبعاً لا نقدر أن نستنتج حالة علمية من فيلم تليفزيوني، هذا شيء بديهي وليس فيه نقاش، لكن مع ذلك نفترض أن BBC أتت بأناس وجعلتهم يمثلون ويكذبون فالكلام هذا لا بد أن يكون قد حصل، يبقى ماذا نستنتج منه؟ إذا لم نكن نستنتج منه إمكانية العودة في حالة موت جذع الدماغ Possibility reversibility of BD فعلى الأقل نستنتج إمكانية الخطأ في التشخيص Possibility of error in diagnosis ونستنتج إمكانية سوء ممارسة المهنة Possibility of male practice? وهي أمور يجب أن ننبه عليها، ونحن في هذا المجال لا نتعامل معها ولنأخذ احتياطنا منها فالفيلم يبقى مشكوراً لأنه نبّهنا إلى نقطة علمية مهمة وهي Succinyl choline apnea معظم المرضى يأخذون في البداية Succinyl choline ونفترض بعد ساعة أو أكثر ذهب مفعوله يمكن المفروض بقى أن نأخذ بالنا من Succinyl choline apnea التي لم تظهر بسهولة إذا كنا لما نأخذها بسهولة إن لم نكن منتبهين إليها، أنا أعتقد أن عرض الفيلم مفيد، وإن كان لا يستنتج منه استنتاج علمي معين إلا أنه مفيد لأنه ينبهنا إلى جوانب معينة يجب أن نتعامل معها في التعامل مع هذا الموضوع وشكراً.
الدكتور حمدي السيد: عرض الفيلم للناس أم أولاً للدكاترة، يا دكتور رؤوف؟ هل يعرض على فلاحينا في الغيطان ومَنْ على شاكلتهم أوا للأطباء ومجتمع المثقفين؟!.
الدكتور رؤوف سلام: أنا أتكلّم على عرض الفيلم هنا يا دكتور حمدي أما مسألة عرض الفيلم بره أو هناك خلاف بينك وبين الدكتور صفوت فهذا ليس من شأني.
الدكتور حمدي السيد: أنا ليس بيني وبين الدكتور صفوت خلاف وأرجوك لا تشبهها بهذا، أنا الخلاف بيني وبينه خلاف مهنة وبين ممارسات.(27/20)
الدكتور ممدوح جبر: أنا لي تعليق بالنسبة للفيلم - الجزء الأخير - بالنسبة للأطفال الخدج كنت أفضل ألا يطلع خالص لأن التعليق معتمد على حاجتين: أولا خدج ولدوا وهم غير قادرين على التنفس ويوضعون على جهاز التنفس مدة طويلة ومثلما قال الدكتور خيري: بعضهم يرجع ولا توجد صلة بين العلة التي تبقى وبين الوقت الذي قضاه على جهاز التنفس.
بالنسبة للجزء الثاني من الفيلم يشير إلى انعدام النشاط الكهربائي في كهربائية تخطيط الدماغ فإنه يولد الأطفال عديمي القشرة الدماغية ولا يوجد لديهم نشاط كهربائي للمخ وقبل تطور أجهزة التنفس وكانوا يعيشون بين 3-20 يوما بتنفس تلقائي وليس لديهم فحص مخي وليس عندهم قشرة، يعني الجزء الخاص بالخدج لم يكن يجب أن يعرضه. وشكراً.(27/21)
الدكتور فيصل الشاهين: في الحقيقة حسناً أنني شاهدت هذا الفيلم، وأنا أعرف عنه لكن كنت أتوقع أنه كان فيه أشياء ثانية ربما تغير من رأيي، لكن للأسف هذا جاء يضع إثباتات أخرى عن التي موجودة عندي أن كل ما يقال عن رجوع بعض المرضى من متوفي الدماغ هراء، في الفيلم هناك ثلاثة أشياء مهمة جداً أولاً الحالة الأولى المفروض - حسب البروتوكول السعودي - لا تشخص حالة قبل 6 ساعات وهذا لم يتم في الفيلم، ثاني حالة الدكتورة وضحت أن Drug induced coma وهذا يرد على نفسه. أما بالنسبة للتخطيط الكهربائي للدماغ بالنسبة للأطفال ممكن تكون misleading (مضللة) وهذا شيء مكتوب ومعروف في البروتوكول، أعتقد أن الثلاث حالات لم تُشَخَّص على أنها وفاة دماغية، فعلى أي أساس كتبت أنها وفاة دماغية؟! ليس هناك شيء يتفق علمياً مع أي أحد فاهم أن هذه الحالات حالات وفاة دماغية، ولم يثبت بأي شكل حتى بـ misleading الذي يقولونه إخوة في التلفزيون، الأخ الذي كان يتكلم ما الذي يثبت أنه استخدم معايير تشخيص موت جذع الدماغ؟ واحد يحرك عينيه والثاني رجع آخذ التنفس والثالث على جهاز التنفس لم يستخدم معه أي اختبار لموت جذع المخ. وشكراً.
الدكتور حسن حسن علي: مرة أخرى تعليق سريع للدكتور رؤوف سلام: انقطاع النفس نتيجة لعقار Succinyl choline. وبالصدفة هذا مجال اهتمامي وأبحاثي وبإمكان هذا الانقطاع عن النفس أن يستمر حتى ثمانية ساعات معتمدا على شدة الخلل الجيني الوراثي في الإنزيمات ونوعيته، وتعليقي الأخير للدكتور صفوت: ذكرت ذلك في بحثك المقدم وأنت طبيب تخدير، فقبل أن تبدأ بنشر هذا الفيلم كان يجب أن تقرأ مقالة رئيس التحرير المذكورة حتى لا تنشر هذه التقارير، شكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: سنترك الكلمة الأخيرة للدكتور صفوت لطفي.. تفضل.(27/22)
الدكتور صفوت لطفي: بسم الله الرحمن الرحيم ما قيل عن بعض الحالات هذا يؤكد - مثلما ذكر الدكتور رؤوف - احتمالات الخطأ الوارد سواء سنة 80 أو 90 أو 2000، النقطة الثانية النقطة الخاصة بالأطفال الصغار لأنها ذكرت عندنا بعض المذاهب والناس قالوا حكاية مالم يَسْتَهِل الذي قالها واحد من الإخوان في بحثه فهذا وُلِدَ Premature ولم يستهل وليس فيه EEG شرعاً وعلماً، ومع ذلك عاش وهذا ممكن الحدوث مرة أخرى في حالات كثيرة، وما كنت أهدف إليه إنما هو مذكور في أحد الأبحاث المقدمة في ملخص الأبحاث التي أرسلته إلى منظمتكم الغراء حيث أنبّه كما نبّه غيري في مؤتمر كوبا قائلين: إنّه توجد حاجة متزايدة لزرع الأعضاء وستواجه في المستقبل بدون شك باقتراحات لأخذ الأعضاء من مرضى يحتضرون، هذا ما أحذّر منه أن كل ما ضغطت الحاجة سنضطر أن نغير المعايير وسنضطر أن نقفز على الأحياء، هذا أمر لا يقره شرع ولا دين ولا أي شيء.
الدكتور حسان حتحوت: لو سمحت تكلم عما نختلف فيه، إنما كونك تحذر فهذا شيء آخر.
الدكتور صفوت لطفي: يا سيدي الفاضل مؤتمر كوبا نفسه دكاترة العالم كلهم لم يخرجوا باتفاق موحد، وعند سعادتك الورق الذي أرسلته المنظمة واقرأه سيادتك، لم يتفقوا وأيضاً دخلوا في مناقشات علمية ومن الذي يقول ومن الذي لا يقول؟ وهكذا النقطة الأخيرة أني طوال حياتي لم أكفر أحداً ولم أتهمه بالخروج عن الدين لأني تربيت متمثلاً أمام عيني قول حضرة سيدنا رسول الله (إذا كفر مسلم أخاه المسلم فقد باء بها أحدهما) واحد منهم قطعاً لا بد أن يسقط في حكم هذا الكفر وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكراً. اعتقد أننا قد أغلقنا باب الموضوع عن الفيلم والآن عودة إلى مناقشات أخرى للبحوث التي عرضت في هذه الجلسة.(27/23)
الدكتور حمدي السيد: دكتور عباس: أنا لي سؤال محدد: هو ذكر أعداداً من الناس الذين دخلوا في [ابن سينا] بتلف في جذع الدماغ واستمر يعطيهم بعد التشخيص استمر يعطيهم العلاج وعناية مركزة وإلى أن توقف القلب، وقال: إن الفترة هذه امتدت بين ساعات إلى 14 يوماً فإذا كان هذا هو نظام [ابن سينا] فما فائدة تشخيص حالة تلف جذع الدماغ؟! هل يؤخذ رأي أهل المريض عند هذا الوضع؟ نحن اتفقنا أن الوفاة قد تكون في مساحة من الزمان لكن فيه نقطة اسمها نقطة اللاعودة.
وحضرات الإخوة والزملاء الذين يشتغلون في العناية المركزة أو عندهم خبرة، والذين ليست عندهم برامج زراعة أعضاء لكي نرفع حرج الناس التي تريد أن تستفيد مثل [مستشفى ابن سينا] ليس عندهم برنامج إما غير مهتمين أو لا يعملون هذا في مستشفياتهم، ألا يأتي وقت نعرض على أهل المريض ونقول له: نحن وصلنا لنقطة اللاعودة نقفل كل حاجة وننتهي أو تحب تستمر والعداد 100 دينار أو 1000 دينار يشتغل كل يوم لغاية لما نخلص بالضبط؟! يا أسيادنا تقابلنا هذه المشكلة كل يوم، نحن عندنا بعض المستشفيات المريض يتحمل نفقات علاجه حتى في مستشفيات الدولة، المريض يبقى ونحن نعلم أنه ليس لدينا برنامج أخذ أعضاء إنما المريض ميت دماغياً، ولذلك يجب النظر فيما هو متاح لنا من وسائل المفروض في هذا الزمان أنه في هذا الوقت، نحن - لأن العملية ليست موجودة وليس عندنا تشخيص وليس عندنا قانون يسمح لنا موت دماغ - يترك المريض ويؤخذ منه كل ما يمكن ونحن نعلم أننا أمام إنسان ميت، والعداد شغال وأهل المريض جالسين 24 ساعة أمام الغرفة، ونحن نظل داخلين خارجين نقول لهم: ربنا يسهل الحالة صعبة الحالة شديدة ربنا يسهل، متى سنخبر أهل الميت بالحقيقة بأن الشخص مات دماغياً؟ وأنا بالذات أطلب هذا السؤال من أخينا الدكتور عباس رمضان أن يتحدث عن خبرته عن حالات في مستشفى ابن سينا.(27/24)
الدكتور محمد البار: شكراً سعادة الرئيس: أولاً كلمة بسيطة عن [المتوفى والمتوفي] للأخوة معنا أساتذتنا في المجمع اللغوي فالجميع كانوا يقولون: للمتوفّى وإنما المتوفّي هو الله سبحانه وتعالى، (الله يتوفى الأنفس) والشخص هو المتوفى، وينبغي الانتباه لهذه النقطة.
إن مبدأ التداوي في الإسلام حقيقة مدروس دراسة طويلة جداً كتب عنها فقهاء الإسلام كثيراً واستدلوا بأحاديث للرسول (() وبحثها مجمع الفقه الإسلامي وأعطيكم الخلاصة فقط في (أن التداوي ما لم يكن في أمور إنقاذ الحياة أو مرض معدٍ للآخرين ليس قصرياً ولا واجباً إنما هو أمر اختياري للشخص ذاته، والرسول ( له الحديث المشهور (للسبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عقاب لأنهم لا يتداوون أصلاً ولا يرقون ولا يسترقون) حتى قال الإمام أحمد: إن الذي لا يتداوى مع إمكان التداوي بدون الشروط التي حددها المجتمع أنها ليست حالة إنقاذ حياة هو أفضل من الذي يتداوى... وشكرا.
الدكتور حمدي السيد: يا سيدي هذا كلام خطير جداً سنغلق كلية الطب والله من أجل خاطر سعادتك.(27/25)
الدكتور محمد علي البار: اسمح لي كي أوضح ناحية الجانب الآخر في القضية، نحن لا نقول بهذا لكن أقول لكم: إن هناك جوانب أن فرض التداوي ليس أساساً في الإسلام، عندما تأتي إلى حالة نقول إن هذا على الجهاز وهو [الجهاز] لا يفيده في شيء فأصبح عبئاً دون أي مبرر، حتى الذين لا يقولون بمفهوم موت الدماغ من الفقهاء - مجموعة كبيرة من الفقهاء - لا يقبلون هذا المفهوم إنه موت يبيحون إيقاف الجهاز لأنه أصبح بدون جدوى، وأي معالجة بدون جدوى ليس لها أية قيمة في الإسلام كونك أن تقفل هذه المنفسة أو لهذا الجهاز أمر من الناحية الفقهية الشرعية الإسلامية تتطلب هذا، وكل فقهاء الإسلام - سواء الذين وافقوا على مفهوم موت الدماغ كموت أو الذين لم يوافقوا عليه أيضاً باعتباره موتاً تبدأ به الأحكام الشرعية - هؤلاء جميعاً في مجتمعات متعددة، وفي فتاوى مكتوبة ومرسلة ومن هيئة كبار العلماء في المملكة وفي غيرها سواء في مجامع الفقه الإسلامي وفي كل مكان وهذا ييسر هذه القضية بالذات وحتى قرار الفقهاء في ذلك لا يحتاج الأمر إلى إذن المريض أو أهل المريض، هذه النقطة لا يحتاج إلى إذن فيها هذا من العبث الذي لا لزوم له، والإسلام منزه عن العبث في الأشياء التي لا فائدة منها ولا جدوى، وإذا ثبت أن هذا العلاج غير ذي فائدة أو جدوى فلا مبرر إطلاقاً لاستخدامه فضلاً عن أنه سوف يكلف الأسرة والحاجة له أو غير ذلك، هذه نقطة كان الأستاذ الدكتور رؤوف أشار إلى نقطة حقيقيةً نقطة جميلة جداً وهو إيجاد مصدر آخر لزرع الأعضاء، حقيقة كل الفقهاء يركزون على هذه النقطة، وفي المجامع الفقهية يبحثون الأخذ من الإنسان، وعندنا مئات الفتاوى الموجودة لكن يفضلون إذا استطعنا أن نأخذ من الحيوان حتى لو كان خنزيراً، طبعاً لقد سمعتم أنهم أخذوا قلب خنزير وزرعوه في واحد.
الدكتور رؤوف سلام: هناك خبر [في بريطانيا رفض زرع القلب من الخنزير] في بريطانيا هذا في أهرام أمس؟(27/26)
الدكتور أحمد الجندي: نشر في المجلات العلمية أن هناك ست حالات، الأول حصل رفض في المرحلة الأولى ساعة الزرع وعملوا بعد ذلك تعديل باستخدام الهندسة الوراثية فتأخر الرفض لمدة ساعتين ثم زادت المدة بعد ذلك ووصل الأمر إلى 14 يوماً، لكن التجارب أوقفت خوفاً من انتقال بعض الأمراض الفيروسية الموجودة في الخنزير إلى الإنسان وما زال البحث جارياً.
الدكتور محمد علي البار: يعني في المستقبل هناك مجالات إما ببدائل ميكانيكية أو غيرها، أو بإيجاد الأعضاء من الحيوانات هذه لا نهملها إطلاقاً، والبحث العلمي لا يزال جارياً فيها، وسنشهد تقدماً كبيراً جداً ونحن سعداء عندما نأخذ من حيوان بدلاً من إنسان، أو أفضل من ذلك نجدها - مثلاً - من آلة موجودة تستطيع أن تقوم بالمطلوب مثل المنفسة أو غيرها من الآلات التي تستطيع أن تقوم بأحد الأعمال المهمة، يعني هذا في الحقيقة اقتراح سليم ومطلوب ولا يزال. ولا يعترض عليه لافقهياً ولاطبياً وهو أمر مطلوب في هذه النواحي كلها وشكراً.
الدكتور ممدوح جبر: في اجتماع ECHR في جنيف عن نقل الأعضاء من الحيوانات يروْن أنه سينتشر قبل سنة 2020 متنبِّئون به عام 2010.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: بعد إذنك أنا سوف أقول تعليقاً على النقطة هذه إنه كان هناك عدد طلع من مجلة تايمز اشتريتها من أمريكا كانت عاملة عدداً خاصاًّ عن الجديد في الطب، المهم فيها فصل عن (Organ transplantion) زراعة الأعضاء:(27/27)
أولا نص كلامه: أنه بعد 30 سنة من الممارسة اكتشفنا أننا نمشي في سكة غلط; فبدلاً من التركيز على كتب المناعة نحاول بقدر الإمكان أن نعايش العضو المزروع في الجسد المتلقي وهذه وجهة نظر معينة ويضرب المثل بزرع نخاع العظام وكيف يجعلون الخلايا عندما تدخل في host بعد مرحلة معينة واستعمال أدويتها تثبيت المناعة يحدث نوع من التعايش، يبدأ يقبل الجرافت دون أن يصر على رفضه ويستغني عن هذه الأدوية، هذه نقطة، النقطة الأخرى بالنسبة (نقل الأعضاء من الحيوانات والخنازير بالذات) قالوا: إنهم في طريقهم لعمل مزرعة من الخنازير تذكرني بكلام (أورلي) أنهم سيحاولون وليست الفكرة أنهم يعملون Genetic Engineering (هندسة وراثية) الخنازير لأجل أن يأخذوا ما يريدون من غير ما تعمل رد فعل مناعي، هم يريدون أن يجعلوها خالية من الأمراض، وهذه نقطة مهمة جداً فلقد قرأت في الأهرام أنهم يقولون في مجلس العموم البريطاني: رفض زرع الكبد من الخنازير لأنهم اكتشفوا أنها ممكن أن تكون مصادر لأمراض خطيرة جدا لمرض نقص المناعة (HIV)? وقالوا هم أيضاً في آمالهم: إنهم يزرعون مزرعة من الخنازير الخالية من الأمراض، حتى لا تنتقل إلى البشر، إنما الهدف الأول والأخير أنهم يأخذون من مصادر حيوانية للبشر ليس فقط الصمامات.
هذه مجرد ملاحظة طارئة إنما ارجع إلى الدكتور عصام الشربيني لو سمحت.
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم: سؤال إلى الدكتور عماد فضلي وتحية للدكتورة أسمهان: وقد حياها الرئيس قبلي وأثنى على حسن عرضها، وأنا أضيف أيضاً تحية نيابه عن الدكتور حسان من أجل حسن لغتها.(27/28)
سؤال للدكتور فضلي: أنت تحدثت عن حالات heat strock (ضربات شمس) يأتيهم الالتهاب الرئوي من الثلج أو من التبريد وبالتسخين تَخِفّ، أنا أرجو زيادة إيضاح في الموضوع هذا لسببين: نستفيد طبيا منها لأني أعمل في الكويت وتأتينا ضربات شمس كثيراً في الصيف: السبب الآخر سيزداد فهمي لكلام الدكتور صفوت عن الحياة والموت وعلاقتهما بالبرودة والحرارة وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: دكتور عبدالمنعم عبيد تفضل. لا تتجاوز الدقيقتين.
الدكتور عبدالمنعم عبيد: أنا سعيد جداً بكلام الدكتور عماد فضلي لأنه في الحقيقة قد وضعنا أمام نقطة هامة جداً حول التركيب [السيبرناتكس] الذي يتعلق بالجسم البشري وتعقيداته، أريد أن أنبه على العالم الذي ذكرته - يا دكتور أبو شادي - واحد فيسيولوجي وواحد مهندس وقالوا: على الأطباء أن يعلّموا المهندسين كيف يبنون آلات أعظم من النظر إلى الجسم البشري وما يحدث فيه، وعلى المهندسين أن يعلّموا الأطباء كيف يعمل الجسم البشري كآلة عظيمة معقدة، ومن هنا نشأ علم [السيبرناتكس] لإنشاء الصناعة الحديثة كلها، وهي علم التحكم والاتصال عن بعد وهذا هو الذي أدخل Super Industries.
لكن السؤال الذي يوجه إلى دكتور عماد: نحن نتكلم عن [السيبرناتكس]، السبرنتكس ليست موجودة في الحيوان لا موجودة في الحيوان أنا لو احضرت أسداً وضربته على دماغه سيحصل فيه نفس الشيء وسيحصل له head ingury فما الفرق بين الأسد والحمار والحيوان والإنسان؟ هذه هي النقطة الأساسية أن الانسان فيه طاقة اسمها طاقة الحياة التي فيها الذكاء والإدراك وغيره، ومن هنا فالمهمتان اللتان ستأخذان نصف الدقيقة التالية.
المهمة الأولى أمام البشرية - وأنا كاتبها في بحثي بالتفصيل - هي: تعديل عمر الإنسان أعطيه مائة سنة زيادة ومن ضمنها زرع الأعضاء ومن ضمنها Genetic treatment وكلها مسائل سوف تتصادم مع معتقداتنا وأخلاقياتنا.(27/29)
المهمة الأخرى: زرع المخ وهو المهمة القادمة في المائة سنة القادمة، وسيتم زرع Corpus collosum بمئات بل بآلاف من الأجهزة الالكترونية الصغيرة في حجم (السنابس) والتي تشكل personal Computer بعد خلق technology? والجديد والتفاصيل في البحث لدي وسيؤدي ذلك إلى تغيرات أخلاقية معتقدية وإنسانية وشخصية كبيرة، والذي يعيش مائة سنة سوف يفكر ماذا يفعل بها، الخبر الأخير الذي سمعناه أمس في الجرائد أنه ليس ذلك فقط بل عملوا (كمبيوتر) خارجي هذا الكمبيوتر يعقل ويتحرك وهو موجود في متحف لندن اليوم. وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكراً يا دكتور لو كان الدكتور عماد يريد أن يعلق.
الدكتور عماد فضلي: أولاً heat strock أنا ضربتها كمثل مبسط لأن لما تفهم الظاهرة فهماً (سيبرنتكس) نقدر نحلّها بشكل أحسن، وأنا هذه شاهدتها بعيني منها منذ 8 سنوات حطّين الشباك والمريض موجود على الشبك (وبيطلعوا له حمام بخار) لعلاج heat strock وكانت أحسن من طريقة التبريد; لأن التبريد كنا بندفع سيبرنتكس ضدها، أنا شاهدتها هذه بنفسي والكلام هذا من الأشياء المدخل البسيط السيرنتكس وبعد هذا أتيت بالأعقد قليلاً لها تجد Parkinsonism أول مرة يتم علاج المريض بإصابة منطقة أخرى من المخ جراحيا.(27/30)
أما حكاية الفرق بين الحيوان والإنسان فهذا كان الكلام هل هو موت قشرة الدماغ أو موت جذع المخ؟ كان هناك اعتراض: إذا فسرنا ظاهرة (بيولوجية) يجب أن تمتد إلى كل الكائنات الحية ولهذا قلنا إن الإنسان سيعتبر متوفىًّ عندما يفقد قدرته على الحكم والمنطق والذاكرة وهذا لا ينطبق على الحيوان، إذاً تكون بشكل آخر، لكن الذي نذكره Irriversible هذا لا يُعتبرون متوفين، الحاجات التي ليس لها رجعة هي الحياة البيولوجية وهذه التي نتوقف على تصاعد هذه الأنشطة (السيبرنقية) التي تعمل عجباً، يعني أنا حاولت أبسّطه بقدر الإمكان وليس مثلما دكتور أبو شادي حب يلخصها في الآخر أن هي ليست مجرد feed back وفيه تركيبات أكثر، وهناك أشياء عندما نفهمها نجدها سهلة جداً نعرف لماذا هذه الحاجة لها أهمية استراتيجية فائقة لأنها تعد التكامل للـ Sypernetic Loops لكن الذي ينطبق على الإنسان بيولوجياً يجب أن ينطبق على الحيوان... شكراً.(27/31)
الدكتور عباس رمضان: شكراً سيادة الرئيس... أشكر الدكتور حمدي على استفساراته، طبعاً مستشفى ابن سينا تابع لها مركز زراعة الكلى من قبل الغزو كان أكبر مركز في الشرق الأوسط وعندنا كانت فيها لجنة خاصة لزرع الأعضاء تأخذ من الكويت، طبعاً بعد التحرير المركز دمّر واستطعنا من السنة الماضية بعد التحرير إنشاء الأقسام مرة ثانية في العام الماضي، وشكلت لجنة خاصة وأنا عضو باللجنة ومن المتحمسين لزرع الأعضاء بالكويت، ثاني شيء أنني ذكرت 62 حالة كي أثبت أن هذه الحالات لم تتحسن رغم متابعتها، فبدأنا نأخذ الأعضاء خاصة وأن هناك بين الكويت والسعودية تعاوناً في هذا المضمار، أخذوا أعضاء كثيرة جداً تبرعوا فيها من الكويت هنا، وعملوا عملية مشتركة بين الكويت والسعودية من زراعة القلب والكلى ولكن طبعاً هنا في الكويت هذا شيء فقهياً ليس فيه مشكلة بالنسبة لنا وإن شاء الله بقي لنا سنة واحدة من افتتاح المركز ونحن في بداية تطويره إن شاء الله. وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي:كلمة أخيرة إلى الدكتور الجزائري:(27/32)
الدكتور حسين الجزائري: شكراً يا سيادة الرئيس وآسف بأن الوقت في نهايته ولكن بالنسبة لموضوع علاج ضربات الشمس في المملكة العربية السعودية من عام 75، 76 عندما كان الحج يأتي في الصيف تقرر عمل دراسات موسعة في أحسن طريقة لتخفيض درجة حرارة من يصابون بإصابة إما ضربة شمس أو ضربة حرارة، إن ضربة الحرارة أكثر من ضربة الشمس، وكانت النتيجة أنْ وجدت أفضل طريقة هي استعمال الطريقة (الفسيولوجية) المعتادة وهي أن تتبخر المياه أو العرق تُبخَّر عن سطح الجلد وبالتالي ما يسمى الحرارة الكامنة Latent heat فهذه أفضل طريقة، طبعاً موضوع الثلج هذا كان يعمل حالات توقف القلب مباشرة في بعض الحالات وكل أنواع المشاكل، وكانت نسبة النجاح فيها متدنية جداً بهذه الطريقة أمكن في الحقيقة ببخار من الماء وهواء ساخن، فالبخر وسرعة البخر هذه الطريقة تستطيع أن تستخرج الحرارة من الداخل إلى الجلد دون أن يحصل انقباض للأوعية الدموية هذا الموضوع تم تسجيله للمملكة العربية السعودية وأخذت إذناً من استراليا وعدد من الدول بإنتاج هذا النوع من الأسرّة التي تستطيع أن تعالج هذا الموضوع وشكراً.
الرئيس الدكتور أبو شادي الروبي: شكراً للدكتور حسين ولكم جميعاً والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.(27/33)
المناقشات
الدكتور صفوت لطفي: بسم الله الرحمن الرحيم. نشكر لهذه الجلسة سعة صدرها بالرغم من أنها تتناول بعض الجوانب الشرعية إلا أنني اتفق أنها حتمية في هذا الموضوع إذْ لا يمكن الفصل بين العلم وبين الدين.
لي تعليق على ما قاله السيد الفاضل الدكتور حسين ماليباري إذْ إن هناك خلطاً إذا أدركنا حقيقته حُلَّت بعض المشاكل; إن التكليف - أيها الإخوة الأعزاء والأحباء - لا يمكن إلا للنفس الإنسانية وليست للروح مصداقاً لقوله تعالى {ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها}، وكذلك الموت لا يقع على الروح وإنما يقع على النفس مصداقاً لقوله تعالى {كل نفس ذائقة الموت}، وكذلك الحساب والمجادلة لا تكون من الروح والجسد إنما تكون من النفس أيضاً مصداقاً لقوله تعالى {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} والسؤال الآن ما هي النفس وما هي الروح؟، وهذا قد يحل لنا المشكل، النفس - أيها الإخوة الأعزاء الأعضاء المشاركون في ندوة الطب الإسلامي - هي مجموع صفات الفطرة التي فطر الله الناس جميعاً عليها، وسيجعلهم سواء في الحساب إما إلى جنة وإما إلى نار مصداقاً لقوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} فما هي إذن صفات هذه النفس؟ صفات هذه النفس هي محصلة صفات سبع متنزلة من المولى عزَّ وجلَّ، وهي محل التكليف الإلهي الواقع على هذه النفس، وهي صفات عاقلة صفة الحياة، فهي في كل إنسان، وهي صفة عاقلة بمعنى أنني حيّ، وأعلم أنني حي، وصفة القدرة التي وهبها الله عزَّ وجلَّ، فالله عزَّ وجلَّ وهبني القدرة، وأنا أدرك وأعقل أنني لدي القدرة كي أستخدمها، وكذلك صفة الإرادة فأنا مريد لصفة الله المريد، فإنني أريد وأدري أنني مريد، وكذلك صفة السمع، أسمع وأدرك أنني أسمع وهي صفة خطيرة {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، وكذلك صفة البصر فأنا أبصر وأعي بهذه الصفة العاقلة التي أبصر وأعقل ما أبصر به، وصفة الكلام، فهذه هي الصفات السبع، ولا(28/1)
يمكن أن نقارن الإنسان - مع الاعتذار، للإخوة القائلين بالصفات الإنسانية - بالحيوان لأن صفة الحياة في الحيوان غير تامة; لأنه لا يعي ولا يعقل ما يقول، فالصفات فيه غير تامة، ولذلك ليس محلًّا للتكليف الإلهي، إذن نعود إلى الروح، ما هي الروح؟ الروح كما قيل: هي لطيفة، ولا نعلم ما هي فما إن نتحدث عن الروح حتى لا يحدث خلط إنما المولى عزَّ وجلَّ يقول {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فمن هذا القليل الذي أتانا الله من العلم نعلم أن هذه الروح هي لازمة لصفة الحياة، وهي لطيفة نورانية من قبل المولى عزَّ وجلَّ، لا نعلم ما هي، إنما نعلم مظاهرها التي تحدث عنها الفقهاء قديماً وحديثاً، فمظهر وجود الروح في الإنسان هي التي تبعث فيه حرارة الحياة التي تميز السقيم من السليم والحي من الميت، إما ارتفاعاً وإما انخفاضاً بالموت، ثانياً: هي التي تحفظ هذا الجسد من الفناء والتحلل والعفن: الأمر الثالث هي التي تبعث وتمد الأعضاء الحيوية بالحياة فتستمر جميع أعضاء وأجهزة الجسم في العمل، فإذا فارقت هذه الروح هذا الجسد (الغلاف الإنساني من الإنسان) هذه الأمور الثلاثة، [الحياة، والحركة، وحرارة الحياة] في جميع الأجهزة.(28/2)
والسؤال الآن: هذا الإنسان الذي يراه البعض (وما زالت فيه اختلافات قائمة في جميع مراكز العالم عن موت جذع الدماغ)، هل هذه الفترة [التشخيص اللجنة الثلاثية سواء أعيدت أو لم تعد الفرق بينهم في بعض المراكز حسب السن الصغير تصل ثلاثة أيام أو سبعة أيام بخلاف ما سيعيشه حتى تفصل عنه الأجهزة أو إذا رفض حتى يتوفاه الله الوفاة المتعارف عليها] بماذا نسمي هذه الفترة - أيها الإخوة المسلمون - لا بد من مسمى، هذه لا بد أن نفرق بينها وبين الجثة الحقيقية التي لها مواصفات فإني أرجع إلى ضمائركم هل هذه المواصفات تنطبق على معيار الجثة؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه، لا بد أن هناك فرقاً فما هو هذا الفرق؟ الفرق الذي أرى فيه أن هذا إنسان ولكنه يحتضر، أؤيد حضراتكم بأنه لن تحدث حالة حياة واحدة ممكن، ولكن هذا لا أستطيع أن أجزم به، فالمولى عزَّ وجلَّ {يحيي العظام وهي رميم}، ولا أدّعي هذه القدرة لأني لم أطلع على الغيب، ولم اتخذ عند الرحمن عهداً ولكن أقول: إن هذه الفترة تسمى فترة احتضار، هذا الإنسان يحتضر، وقد وصفت الشريعة هذه الفترة ممكن أن تكون تكفيراً للإنسان ودفعاً عن ذنوب الإنسان المسلم وشكراً.(28/3)
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً للأخ الدكتور الكريم صفوت، وقد كان لي رجاء بالأمس أن نتعامل بحذر شديد مع النص القرآني الكريم لهذه المصطلحات لا سيما الحياة والروح والموت كلها وردت في القرآن الكريم بمعاني متعددة فلا نستطيع أن نأخذ معنى وأن نطلقها على الجميع مثلاً {خلقكم من نفس واحدة}، هذه النفس ليست هذه النفس التي قيل عنها {يتوفى الأنفس حين موتها} وليست هي النفس التي {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، نفس الشي عن الروح، الروح الأمين غير الروح (هي الروح التي هي من أمر ربي) إلى آخره، الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت}، معنى ذلك أن هذه الحياة النباتية هي حياة أيضاً، وسمى البذرة التي فيها الحياة سماها ميتاً هذه كلها مصطلحات في الحقيقة تستعمل لأكثر من معنى لذلك رجوت بالأمس أن نتعامل معها بحذر شديد.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الكلمة للأخ الدكتور أحمد القاضي.. تفضل.
الدكتور أحمد القاضي: الحمدُ والصلاة والسلام على رسول الله لي ملاحظتان، الأولى: الدكتور محمد علي البار كرر أن نفخ الروح يتم بعد 120 يوماً من الحمل، وهذا فهم قديم للفقهاء وقد جدّ عليه فهم آخر للفقهاء أن نفخ الروح يتم بعد 40 إلى 42 يوماًو وأرى أن هذين الرأيين مجتمعين يكونان أكثر دقة وأمانة.(28/4)
الملاحظة الأخرى: أكرر طلب المحاسبة القانونية لمن يستمر في الدعوة والترويج لتحريم نقل زراعة الأعضاء البشرية، وهذه المخالفة على مستويين، الأولى:وصول الاستنتاجات الطبية استناداً على قرائن غير مقبولة طبياً، والأخرى: الوصول إلى استنتاجات فقهية استناداً على قرائن غير مقبولة فقهياً، واستمرارية الدعوة والنشر والترويج لتحريم ذلك يؤدي إلى أضرار عديدة، وهذا طلب غير مقدم إلى المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والمنظمة ليست لها سلطة محاسبة قانونية، ولكن هذا الطلب ترفعه المنظمة إلى الجهات المختصة للمحاسبة القانونية لمن يقوم بالمخالفة المذكورة وشكراً.
الدكتور محمود كريديه: شكراً، في الحقيقة الذي يتحدث عن موضوع النوم والموت أحب أوضح موضوع حرارة الجسم والموت ففقدان حرارة البدن لا تقترن بالتحديد مع الموت فقط أحب أعطي جزءاً من معلومة بسيطة: أن الدماغ ممكن أن يبرد ولا يفقد الحياة وأيضاً الجسم البشري كله، في الوقت الحاضر هناك مشاريع لتبريده لتخزينه لفترة محددة من الزمن ثم إعادة تسخينه حتى يعود، وبعض الناس عندهم مطالبات لهذه المحاولة حتى يمر جزء من الزمن ويعاد علاجه.
إذن فحقيقة تحديد أن الروح فارقت الجسد عند برودة الجسم - كما يحاول الزميل أن يقول - قد لا يكون هذا صحيحاً إذ إن العلم تطور وأثبت أن البرودة ممكنة ضمن استمرار الحياة.
الموضوع الثاني الذي أحب أن أثيره قبل أن أتحدث عن النوم والموت وأسأل الدكتور البار هو الذي أثاره الدكتور سلام حول موضوع موعد الوفاة، والاستفتاء القانوني حول هذا الموضوع، وأنا أعتقد أن رأيه جدير بالتفكير والدراسة لأنه في النهاية تلجأ إلى القانون لتحديد وقت الوفاة بالذات، ولن يكون الأطباء وحدهم هم الذين يقررون هذا الموضوع.(28/5)
أما الموضوع الأخير فهو موضوع النوم والموت فقد لاحظت أن أغلب المتحدثين يثيرون المشابهة بين النوم والموت، فيه علم جديد اسمه علم النوم، وهناك هيئة في الولايات المتحدة لإعطاء شهادات لدارس النوم كعلم خاص، والنوم لا يشبه الموت أبداً، النوم في الحقيقة هو حالة حقيقية موجودة يكون الدماغ حيّاً خلالها، ويكون الدماغ نشيطاً سواءً بتخطيط رسم الدماغ أو في رسم معين بمختلف مراحل النوم، ثم وظائف جذع الدماغ مختلفة جداً أثناء النوم عنها أثناء الوفاة; فالحلقات تكون بشكل معين ولا نخسر reflex وهناك حركة عيون، وهناك تنفس تلقائي، وهناك حركات في العضلات كما أن هناك تغيرات أخرى بالنسبة لوظائف جذع الدماغ موجودة ومسجلة وحقيقية، وحينما تحدث الدكتور محمد علي البار الزميل عن النوم والموت أشار بالحديث الشريف إلى أن سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام لم يقل أبداً إن النوم هو الموت، بل كانت هناك تفسيرات لبعض العلماء التي شبهت النوم بالموت كنوع من التوضيح العلمي، يجب أن نوضح هذا الشيء إذا كان فيه أي التباس عند الجمهور في موضوع النوم والموت والمشابهة عندئذ ممكن أن نقع في أخطاء جسيمة جداً... وشكراً.(28/6)
الدكتور حمدي السيد: في الحقيقة أعلق على كلام الدكتور صفوت وأنا أعتقد أنّه أول مرة يقترب بحديثه إلى المزاج العام للمناقشة، هو تحدث عن النفس وعرّفها بالحياة وبالقدرة وبالسمع وبالبصر، وهذا ما نقوله، إذْ عندما يتوفى جذع المخ يفقد الإنسان جميع هذه الأشياء، إذن فهذا هو الموت، وإذا كان يقول: «عندما تموت النفس تموت وعندما تموت النفس تفقد صفتها» هذه هي الصفات التي ذكرت في هذه القاعة فإنها لا أبصار ولا كلام ولا إدراك ولا وعي ولا ولا إلى آخره هذه الصفات السبع التي حددها للنفس، أما القول بأن الروح فقط هي لبعث الدفء في الجسم أنا لا أعتقد أن هذا الكلام منطقي أو علمي لأنه - كما تحدث الدكتور كريدية - في عمليات القلب الصناعي وغيره يبرَّد الجسم في بعض الأحيان إلى ثماني عشرة درجة، وأكثر من ذلك ولمدة ساعات طويلة وساعات نبقي المريض بعد أن تنتهي الجراحة على درجة حرارة قليلة إلا إذا كان لدينا مشتبه في أي شيء حدث حتى نحافظ على الأعضاء من أن تتأثر تأثيراً سيئاً، أنا لا أتصور أن يكون كل ما تفعله الروح في الجسم فقط هي أن تبعث فيه الدفء، وهذا يحاول أن يجعل من تعاريفه للموت كما جاء في بعض كلمات الفقهاء، وبرودة الجسم هذه هي التعريف الوحيد لديه للوفاة، [أن يكون الجسم قد برد تماماً، وانعوجت الأنف وانخسف الخدان]، هذا هو التعريف الذي ذكر أنه هو التعريف الوحيد المعترف به كشيء للوفاة، وهو في نفس الوقت تحدث عن النفس، وأنها ذكرت أنها تتوفى، وأن هذه النفس لها مواصفات هو ذكرها، وهذه المواصفات تنطبق تماماً وتتوقف تماماً عندما تتوقف أجهزة المخ عن العمل، وأرجوه أن يختلي بنفسه قليلاً بعد هذه المناقشة.(28/7)
قضية أخرى هو أثارها وأنا أعتقد أنها جديرة بالبحث وتحدثت فيها قبل الغذاء ولم أجد الإجابة الشافية، أنا أقول: عندما تصل إلى نقطة اللّارجعة وأرى أنها (نقطة اللارجعة) هي نفس ما وصفها الدكتور صفوت هي الوقت التي فقدت فيه ما زعم أنّه النفس تتوقف تماماً فهذه نقطة اللارجعة، فماذا تسمى هذه؟! ستُعلن وفاته، وهل ستعلن وفاته إذا كان لم يوافق أهله وهو لم يوافق أو لم توجد وصية لزرع الأعضاء؟ أم ستتركه بدون رعاية مكثفة شديدة سوى جهاز المنفسة قائم ويعمل إلى أن تنهار جميع أعضائه ويتوقف بعدها بأيام؟ أم أنك ستقول هذا هو الوقت لإعلان الوفاة؟ وأنا أعتقد أننا في حاجة إلى هذه التعاريف لأن هذا الكلام جيد، يقولون يعتبرون حكم الوفاة، لكن هل ستعلن أنه توفى؟ نحن نقول: إن هناك تداعيات قانونية وإنسانية واجتماعية وأشياء اقتصادية وأشياء تتعلق بمعاناة وأشياء تتعلق بكرامة الميت وسواء تتعلق بالأعصاب والتوتر ولا تتصوروا ماذا يعني ذلك لو رقد مريض على جهاز الرعاية والإنعاش سبعة أيام وثماني أيام أو بعد عشرة أيام بعد وفاته، في الحقيقة نحن نشاهد هذه الأمور على فترات، ونرى الأهل ملازمين 24 ساعة أمام الإنعاش متوقعين منك كلمة تطمئنهم; تقول لهم الحالة سيئة، هل ستقول لهم إن هذا قد توفى ونحن أعلنا الوفاة أم سنقول لهم إنه بالمنطوق العلمي قد توفى ونحن نأخذ رأيكم أن نرفع عنه الأجهزة أم نبقى عليه؟ وسنقول للممرضات الموجودات حول المريض هذا مريض متوفى وأنتم مطالبون بالسهر حوله ليل نهار وإعطائه منبهات وإعطائه الأدوية لترفع الضغط وإعطائه الغذاء وأنت تعلم أنه ميت ماذا تصفون هذا المريض؟ وهذا واقع لا بد أن يكون لنا فيه رأي، سنقول هذا المريض كيف نصفه؟ الدكتور صفوت يقول أنت تصفه بماذا؟ لغاية ما يصل إلى حد أن ننزع الأجهزة ونوقف كل شيء وتوقف القلب إلى آخره تسمي هذا ماذا تسميه؟! هل ستجد الشجاعة أن تقول - كما قال الأخ عصام - قال لنا إن(28/8)
الفقهاء قالوا إن من حقك بدون أن تأخذ رأي أحد أن نقول إن هذا المريض ميت، معظم الأطباء يتوجّسون ويرفضون ذلك، أنا في آخر حالة أتيت باثنين: بمريض في حالة مخ قلت له: أعطني ما يفيد أنك تقول إن هذا رفض أن يعطيني هذا الكلام، وأنا أخبرت أهل المريض أن حالته سيئة في حكم الميئوس منها، ولم يعطوني أي نصيحة أنه توقف ماذا أفعل وهذا الموقف يتكرر بصفة دائمة؟! أنا ليس عندي برنامج نقل الأعضاء، وعندي عدد من الأسرة محدود لحالات الرعاية المركزة، وقد يكون هناك من هو محتاج لهذا السرير في الرعاية المركزة ومن هو محتاج لهذا الجهاز - وأنا عندي فتوى الدكتور يوسف القرضاوي - أنه عندما يكون العلاج لا جدوى منه ولا فائدة منه توقف الأجهزة، إنما هذا أعتقد أنه في حاجة إلى تشريع أو إلى فتوى يعني قاطعة مانعة لا تقبل أن واحداً يقول: أنتم تتركون المرضى وتتعجلون من أجل شيء آخر وتتعجلون من أجل توفير، أنا طبعاً - مع تقديري العظيم للقضية الاقتصادية - أنا ضميري الطبي يمنعني أن أوقف علاج مريض بسبب اقتصادي فهذا ليس عملي، هذا عمل المسؤول عن اقتصاد الوطن، وأنا أضرب مثلاً دائماً. مصر تنفق ملايين الجنيهات على علاج مرضى الفشل الكلوي بالغسيل، وهي ليس لديها أموال كافية تنفق على علاج بعض الأمراض المتوطِّنة التي تحقق عائداً والنتيجة سريعة جداً ولا يقدر وزير صحة أن يقول: أنا سأتوقف عن دفع نفقات العلاج على الغسيل الكلوي لأن هذا علاج وقائي والعائد منه ممكن يستفيد منه عدد أكبر من الناس، هو لا يجرؤ أن يفعل ذلك، ونحن أيضاً لا نجرؤ أن نفعل ذلك، نحن في حاجة لقرار يكون واضحاً وظاهراً وصريحاً; ماذا نحن فاعلون عندما نصل إلى نقطة اللّاعودة; عندما استدبر المريض الحياة؟ وأنا طبعاً كلمة استعملتها وأرجو أن أكون حافظها لما أرجع مصر لأن هذه تعجب الناس جداً [استدبر الحياة إلى غير رجعة] [عندما استدبر الحياة] إنّ [استدبر] هذه ليست مستعملة كثيراً في(28/9)
بلدنا، قولوا لنا ماذا نفعل؟ فحتّى الآن لم نصل إلى هذا، يعني لم نصل إلى توصية تتعلق بهذا، أنا سألت أخانا الذي يعمل بمستشفى (ابن سينا) قلت له: ماذا تفعل؟ قال: نحن سنبدأ برنامج الزراعة، أنا ليس قصدي أنّه لا يوجد لديك برنامج زراعة وشخصنا مريض بوفاة جذع المخ التعريفات التي حضرتكم تفضلتم بها، والبروتوكولات الموجودة في السعودية وموجودة في الكويت وموجودة في أماكن أخرى من الآن إلى أن تنتهي الأمور ماذا نحن فاعلون؟! وماذا نسمي هذا الجالس على جهاز المنفسة؟! وشكراً.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً يا دكتور حمدي وأرجو أن يكون في التعقيبات التالية دكتور واحد أو أكثر على السؤال الذي طرحه أستاذنا الدكتور حمدي السيد.
الدكتور محمد السبيل: بسم الله الرحمن الرحيم، مجرد تأكيد كلام الدكتور حمدي السيد، طبعاً أهمية تعريف الموت من الناحية الطبية كبيرة، لكن أيضاً لا بد أن يتم اتفاق على متى يعتبر ميت جذع المخ ميتاً، ومتى يتم تحرير شهادة الوفاة؟ وهذه مشكلة نواجهها حتى في المستشفيات التي لديها برامج زراعة أعضاء، وفي اعتقادي أن هذا الشأن شأن طبي كما هو شأن شرعي وقانوني، هل شهادة الوفاة تحرر بعد تشخيص وفاة الدماغ أم بعد نزع الأعضاء؟ أنا أعتقد أنه يتم تحريرها ويتم إيضاح هذا للجميع بعد تشخيص الوفاة الدماغية، طبعاً ليس له جوانب فقهية شرعية، ومحل اختلاف حول الأطباء وأرجو ألا نبدأ في جدال آخر في هذا الموضوع إذا اعترف الفقهاء بموت الدماغ وشكراً.(28/10)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: بسم الله الرحمن الرحيم: الروح لا نقدر أن نقيسها، والنفس كذلك، ونحن نتعامل مع الحياة والموت وكل شغلنا - كأطباء - أنني أنظر مظاهر الحياة بالطرق الطويلة التي نعرفها وأنظر كيف تتعب وكيف تتوقف وتموت؟ الغريب أنني أسأت إلى نفسي إساءة بالغة في اليوم الأول أنني لم أذكر أي شيء يتعلق بهذا الموضوع الذي كنتُ مُهتمًّا به، وهو اكتشاف الخلايا ونشاط الخلايا بالناتج من عامل - على رأي الدكتور أبو شادي الروبي - الاختزالية، وأدى إلى مظاهر لهذه الحياة وهذه الخلايا المختلفة وتعمل أنسجة مختلفة ثم تعمل أعضاء مختلفة وفي الغالب أنها في وظائفها مترابطة ولكنها أيضاً متخصصة وهذا الذي يؤدي إلى عملية المرض، والمرض هو الحياة في صور متغيرة، وبالتالي فإنَّ الموت هو نهاية لهذه الحالات المرضية ويتم بسرعات مختلفة، وفي المخ لأنه أسرع يعتبر، وفي الأعضاء الصغرى لأنها أقل، إذاً عندما نتعامل مع الموت ومع فترة الموت وكيف حدثت ونقف إلى أين ونشخص ونعطي الشهادة لا بد أن نتعامل من منطلق طبي، وهذا ليس أبداً ضد المنطق الديني أو العناية بالروح، لماذا؟ لأن في الحقيقة أنا عمري 67 عاماً هنا قضية الروح يا دكتور صفوت قضية بالغة الأهمية بالنسبة لي أنا طبعاً بالنسبة للإخوة الذين هم قبلي في الإكرام والإعزاز والاحترام يعني أنا أعتقد أن الروح والنفس هي مفاهيم عزيزة من الناحية الدينية لأنها منوطة بإيماننا بمصير الحياة من أجل نتيجة جهدنا، فالإنسان له مخ وأشياء تتشوّف إلى لقاء الله تعالى كهروب من الموت أو - إن شاء الله - بانتهاء الموت أملاً في الخلود إلى جوار الله سبحانه وتعالى والمغفرة من الخطأ، فلو أننا نتوقع أن ندخل جهنم على طول فسنبقى مترددين جداً، لكن نحن عندنا أمل في المغفرة ممّن كتب على نفسه الرحمة، وأملا في الخلود في جنة الخلد بعيداً عن العذاب الناتج من الأخطاء المستمرة والعصيان، إلا أن الله يغفر الذنوب(28/11)
جميعاً ألا أن يشرك به، ذلك لمن يشاء، وهذا فهمي للروح، هذه تذكّرني بطلوع الروح والغررة وقضية العصيان وقضية الأخطاء تذكّرني بالمناسبة بقول (حسان) هذا الكلام quality assurance والإجادة في الشغل وتقليل وفيات المخ التي كلمت حضرتك عليها ووفيات البنج التي لا لزوم لها المصيبة التي حصلت لأن الجمهور لا يقبل إلا بهذه الطريقة... وشكرا.
الدكتور حمدي السيد: يا سيدي لا توقعنا في مشاكل نحن واقعون مع أطباء البنج في بلدنا من كثرة المشاكل التي يسببونها لنا.(28/12)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: فإذن نحن لا بد أن نقول عند الوفاة مامدامت الأجهزة الحديثة قد وضعتنا في مقلب حضاري مقلب خطير جداً جداً، العلمانيون والماديون والوجوديون وأنا قلت في بحثي: إن بعضهم يقول الحياة لها مغزى وبعضهم لا مغزى، ولكن المجتمع الغربي تحرسه كنيسة ومتداخلة جداً والجزء الضميري موجود، عند الموت عاملين نشاط كبير جدّا وعند الماديين والعلمانيين والوجوديين بدلاً من الدين أخلاقيات معينة تسمى [منهل] عندهم الذي نحن عندنا نقول عندهم إسلام وليس عندهم مسلمون أو مسلمون وليس عندهم إسلام، وهكذا، فهم خلّفوا نظماً وافية ليحددوا بها الموت، نحن كلنا نريد أن نصل إلى توافق يعتبر حضارة عالمية يساهم فيها الإسلام، نحن لا نُدْخِل موضوع الروح في موضوع الحياة; لأن الحياة ستنتهي بأساليب علمية نعلمها ويتزايد علمنا بها حتى يصل الموضوع إلى موت المخ المسبق في حالات معينة، وندخل في العناية المركزة بعناية أجهزة معقدة جداً، هذه الأجهزة أوجدت مأزقاً لأنها فصلت ما بين المخ العاقل وما بين الأعضاء وتوجد عندنا جسم سليم كامل بما في ذلك الكلى والقلب والكبد، وبعض الأنسجة، وهذه الأنسجة، وهذه الأشياء لا نأخذ بأن نحن نشيلها أن السبب بسيط، (لأن لو نشيلها من الجثة فالذي يعطي هدية يعطيها حلوة ولا يعطيها وسخة; لازم يعطي الوردة دبلانة)، على فكرة إنهم يناقشون هذا الكلام في البحث الذي أنا كاتبه أننا لا يمكن نعطي الهدية وسخة وبالتالي أنك تعطيها بكل طواعية وخيرية، وستعطيها لمن لا تعلم، وهذا أكبر نوع من أنواع التجرد. نحن نريد - كمسلمين - أن نقول: إن هذا يتفق مع الذي كان يُقال للنبي (- صلى الله عليه وسلم -) [بأبي أنت وأمي يا رسول الله] هل نحن نريد أن نقول: إن ديننا الإسلامي يحثنا على العطاء بهذا القدرة، أو نقول إن قضية الدفن قضية مهمة، [وأنا كنت خايف وأنا أكتب وأنا حاسس بصفوت أخوياً طول الوقت حاسس وأنا بقول إن قضية الدفن(28/13)
قضية يعظمها المسلم تعظيماً كبيراً جداً] فنحن نغسل موتانا ونضمخهم ونصلي عليهم ونودعهم بما يستحقونهم من بكاء أو من تكريم ونوسدهم ونقرأ عليهم الآيات المفضلة من القرآن الكريم، إنما هذه (فين) في Classic situation إنما في كل الأماكن: في انفجار الطائرة السعودية في كازبلانكا، وفي الصاروخ الفضائي وفي كل الأشياء صور الحروب الهلعة التي ينقلها إعلامنا العربي الإسلامي، [هيبقى الموت هيتم بالطريقة التقليدية] نحن نريد أن نقول لا بد من حسم قضية الدفن لما نحسن قضية الموت وقضية موت المخ وقضية الهدية هذه ونعطيها ونحن لدينا سماح. هنا عمنا حمدي السيد أصله هذا عميد أطباء مصر وعميد أطباء مصر يليق بقدر مصر وقدر مصر بمعنى أن مصر فيها 60 مليون، وعندها آلاف من الفشل الكلوي المتزايد ومقبل عليه الفشل الكبدي، يا عمنا حمدي السيد الغسيل سيزيد، والحكومة بالمناسبة [بتأكل] على الهيئات الخاصة بالغسيل [وخناقات] حول ملايين الجنيهات على الحكومة وهي غير قادرة ولا أي شيء، [طيب أنا بغسل الكلى هغسل الكبد هغسل (الهارت) هغسل (السكري) هغسل العينين هغسل العظام، أنا مش أغسل وبعدين أنت تعلم كويس وصفوت يعلم كويس] - وصفوت هذا حبيبنا وأستاذ عاش وتربى في القصر العيني، وعارف الظروف، ولم يُسمع عنه أنه مارس ممارسة خاطئة - نحن سنعمل هذا الغسيل والمريض سيتحمله نحن في بلدنا هذه المثقلة 30 سنة وسيحصل استقطاب هائل بين الأغنياء والفقراء وسيحاول الأغنياء أن يزدادوا غنى لأجل أن يفلتوا من المشاكل هذه، وقد كتب رشدي سعيد في مجلة الهلال (قراءة في كف مصر) من ثلاثة أشهر (سيذهب الأغنياء إلى الضواحي وسيبتعدون عن الفقراء وسيتكرس البوليس لمنع الفقراء من الحركة وسيعيشون في الساحل الشمالي وسنجد كتلة فقيرة معدمة لا قدرة لها على الحياة] يا جماعة نحن عندما نأتي ونقول طب الأغنياء ماذا يفعلون بالفلوس؟ (هيغسلوا)؟
الدكتور حمدي السيد: إنك تخرج عن الموضوع.(28/14)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: أنا لا أخرج من الموضوع أنت يا حمدي قد وصلت إلى موت المخ يبقى لازم تعلن الوفاة، وهذا الإعلان للوفاة يعني غلق جهاز التنفس اسألني عن خبرتي، أنا من 23 سنة في أجهزة العناية المركزة مليانة ميكروبات Pseudomonoaus والمرضى تلقى في الشارع، ونأتي للشعب المصري ventilator من أين. ففي البحث الخاص لي حول (قصد المقال فيما بين موت المخ وشتل الأعضاء من اتصال) ناقشت طويلاً ظروف العالم الثالث والظروف الاقتصادية التي لم تعجبك، والتي نقول لك يا دكتور حمدي إن علينا أن نعلم أننا سنقوم بمهام عديدة، ونريد عبقرية أطبائنا ونريد جهوداً جديدة وأساليب جديدة للخدمة الصحية، ونريد economy of Health ننظر إليها من جديد، إنك تعترض وأنا انتهيت من كلامي، وأقول وباختصار شديد في النهاية: إن الموت سيتوقف من هذه اللحظة على أنها لحظة إصدار الشهادة، وأن اتخاذ الأعضاء هذا شرعي، وهذا مصلحة لهذا الشعب، وعلى الشعوب الإسلامية أن تحاول عمله مع منع الأمراض وغيره في خطة متكاملة بطريقة تساعد فيها حمدي السيد وأمثاله من الناس المجتهدين وأشكركم.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً. باقي لدينا 24 دقيقة. والكلمة الآن للدكتور رؤوف سلام.. تفضل.(28/15)
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم. أرجو أن نعيد النقاش إلى حلبة الطب، وقد تمتد تعليقاتي إلى الجلسة السابقة، ولكن أبدأ بالجلسة الحالية? وقد سبق أني علقت على الشاة المنزوعة الرأس وعلى مثل (أنشأناه خلقاً آخر) وعلى نبض القلب خارج الجسم، ونعيد التعليق عليها النقطة الثانية: ورد أكثر من مرة ما ذكر في الفقه المالكي مِنْ علامات الموت وهو: انخساف الأنف إلى آخره، وأعتقد أنه بعرض علامات الموت الواردة في الفقه المالكي على العلوم الطبية نجد أنها دقيقة بمقاييس ذلك العصر نجد أنها خليط من زوال علامات الحياة وظهور علامات الموت، وجميع العلامات الوجهية المذكورة في الفقه المالكي على أنها من علامات الموت هي في الواقع علامات تيبس الجثة ومعروف في الطب الشرعي أن يجيز الموت بعد ساعتين، وكان الفقه المالكي شخَّص الموت بغياب علامات الحياة التي تظهر في بداية الموت فوراً، ثم ظهور علامات الموت بعد ساعتين، وأعتقد أن هذا في زمنهم شيء جيد جداً، وفيما بعد ذلك نلاحظ أن الفقهاء كلما ظهرت علامة من علامات الحياة أضافوا زوالها إلى الموت ولم ينقصوا شيئاً فأصبح عندما عرف النبض قيل والنبض، وأعتقد أننا يجب أن نَنْحو نفس المنحى; فإذا كنتُ أشخّص توقف القلب بتوقف النبض ثم ظهر علامة على جهاز رسم القلب أن أتأكد - لمصلحة المريض - فأقوم بعمل رسم قلب.(28/16)
أحب أن أقول: إن الدكتور عماد الفضلي عرف الحياة (بتكامل وظائف الأعضاء) بحيث تصلح ذاتها تتكامل وتصلح بعضها البعض، وأعتقد أن هذا التعريف قد يكون فيه شَبَه من تعريف كتاب الحياة البيولوجي (كتاب Sience of life) والذي يعرف الحياة بأنها عمليات الأيض وأنها جميع العمليات الكيميائية في الجسم Homu stasis، وهو قريب من التعريف الذي ذكره الدكتور عماد الفضلي وأحب أن أنبه هنا أن حالات موت المخ فيها كثير من التكامل والتجاوب بين عمليات الجسم المختلفة ولعل من أحدها ما ذكره الدكتور عماد فضلي نفسه كمثال لاستجابة الأعضاء بعضها لبعض، إن زيادة السوائل تؤدي إلى زيادة البول وهذا يحدث في حالات موت المخ إذا زادت السوائل تزيد الكلى إفرازها. الأخت الدكتورة أسمهان أقرت بوجود (هرمونات) في حالات موت المخ، وأقرت أن نسبة إفرازات هذه (الهرمونات) يحدث فيها استجابة للاختبارات الديناميكية أن نعطي شيئاً فيزيد الإفراز وهكذا، ولكنها قالت - واقترحه البعض - من أنه بما أن المخ قد مات ونتوقع أن الغدة النخامية قد ماتت أيضاً فلا بد أن تكون الهرمونات من خارج الرأس، وهذا افتراض مبني على أساس أن المخ قد مات وليس هناك دليل على أن هذه (الهرمونات) في حالات موت المخ تصدر من الغدة فوق الكظرية، هو مجرد اقتراح ولا يوجد عليه أي دليل علمي حتى الآن، كما ذكرت الدكتورة أسمهان أن الصفة التشريحية أثبتت أن تحلل الغدة النخامية يحدث بعد خمسة أو ستة أيام من موت المخ وهذا أمر يدعو إلى التأمل، حيث إننا نعرف موت المخ لا بد أن يكون معه بداية التحلل يجب أن نعرف كيف سنعرف بداية التحلل؟ ومتى تبدأ بداية التحلل؟ هل تبدأ مع علامات ثبوت موت المخ فوراً؟ أو أن ثبوت علامات موت المخ هي ثبوت فشل وظيفي ويتبعه بعد ذلك تحلل المخ بساعة أو يوم أو ست ساعات، وليس من الضرورة أن أشرِّح الجثة لأعرف ولكن إذا تراكمت لدي خبرة، [ظهور علامات موت المخ يتبعه بعد 24 ساعة(28/17)
تحلل للمخ] فإنني أستطيع بعد ذلك أن أقول ظهرت علامات موت المخ انتظر 24 ساعة سيدل هذا على حدوث تحلل المخ أما حتى الآن فلا أعتقد أن هناك دراسة تدل بدقة على درجة تحلل المخ وعلاقتها الزمنية بتوقف وظائف المخ كما يظهر في اختبارات لتشخيص حالات موت المخ.
وقالت الدكتورة أسمهان: إن عمل فصّي الدماغ غير مهم في تشخيص موت المخ وقالت: إن السبب في ذلك أن موت جذع المخ يؤدي بالضرورة إلى موت قشرة المخ بعد 16 ساعة أعتقد يعني بعد فترة زمنية وأنا أحب أن أذكرها المسمى الحبيس (Locked in syndrom) وفيه يتوقف جذع المخ عن العمل تماماً بينما قشرة المخ تعمل، وهذا الشخص يشعر ويفكر ولكنه لا يستطيع أن يعبر، قد تكون هذه مرحلة زمنية 16 ساعة كما تقول أو يوم ونصف - كما تقول الدكتورة أسمهان - ولكن لا بد أن تؤخذ في الاعتبار فلا أستطيع أبداً أن أشخص موت المخ وأبدأ في أخذ الأعضاء من شخص أو فصل الجهاز أو دفنه أي كأني اعتبره أنه مات بعلامات موت المخ وهو ما زال فيه مخ يفكر ويشعر ولكنه لا يستطيع أن يتصل بنا فلابد أن نعتبر هذه فترة ونتأكد منها ونضعها في الاعتبار من الناحية العلمية، كذلك ذكرت الأخت أسمهان Warm ischemia ومعلوماتي أن Warm Ischemia لا تبدأ إلا عند توقف القلب أو بالطبع قبل توقف القلب إذا لم يكن المريض مُعْتَنىً به العناية الكافية التي تحفظ الدورة الدموية فيه، والدكتور عباس رمضان أنا أيضاً أحاول أن أبعد عن الجوانب الدينية - مثلما ذكر الدكتور هيثم - حتى لا نغلط، مثلاً قال عن القلوب: المقصود بها العقول، وفي آية من آيات القرآن {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فأنا لا أعرف معنى القلب في هذه الآية، وأرجو أن تبتعد بالآيات القرآنية عن مجالنا العلمي، وأنا أكتفي بمجالنا العلمي الذي نفهم فيه.(28/18)
في المجال العلمي قال الدكتور عباس: الحالة الخضرية (Persistant Vegetative) هي حياة بدون روح، وأنا أرجو أيضاً أن نبتعد عن الروح لأن أنا لا أعرف كنهها، ولكن أعتقد أنه من غير المقبول أن أتصور حياة بدون روح في الإنسان، ولو أنه إذ عرفنا أن خروج الروح أي انفصل الروح عن الجسد فإذن Persistant Vegetative فيعتبر جسمه ويعتبر ميتاً، وأعتقد أن قوله هذا لا يسانده سند علمي قوي وهو اجتهاد منه، ويشكر عليه، ولكن لا يسانده سند علمي قوي، استحسن أن نبتعد عن الآيات القرآنية وعن مسألة الروح حيث إننا لا نجيد فهمها ولا نستطيع أن نفتي فيها.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: هل هناك رد على الدكتور حمدي من ناحية السؤال الذي طرحه.
الدكتور رؤوف سلام: طبعاً السؤال الذي طرحه الدكتور حمدي أنا رأيي فيه مختلف، أنا رأيي فيه أن هذا المريض ما زال حياً، مريض موت جذع المخ ما زال حياً فليس لدي مشكلة، سأقول لأهله إنه ما زال حيًّا وأن حالته حالة حرجة وأنها من الحالات التي لا نعرف لها علاجاً، وأنا سأستمر في علاجه، وأن وضعه مثل الكثير من المرضى الذين لا نعرف لهم علاجاً، ونعرف أحياناً كثيرة أن هؤلاء مآلهم الموت لأنه ليس لنا يد فيهم; هذا رأيي أنا، أما إذا كنتم تريدون التصرف معهم بشكل آخر فالذي يريد التصرف بشكل آخر... هذا شأنه.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الأخ الدكتور حمدي يريد جواباً عن هذا السؤال نحن نريد أن نأخذ أكثر من جواب.
الدكتور رؤوف سلام: يعني يمكن لي أنا كلمة أخيرة واحدة فقط وهو أنني قد سمعت من يرفضون نقل الأعضاء وأترك الرد على هذا للمنصة وشكراً.(28/19)
الدكتور شريف مختار: أنا لي تعليق على نقطتين أثارهما الدكتور حمدي السيد تناول إحداهما الدكتور عبدالمنعم عبيد للمناقشة واحدة منهم عن اقتصاديات العلاج والأخرى عن الوقت الذي يجب وقف أجهزة الانعاش، هو في الحقيقة صادفتني الظروف العام الماضي كنت أحضر مؤتمراً في قبرص (دولة صغيرة) وكان المؤتمر Meditereanian association in cardiology and cardiac surgery فكان أحد المتكلمين من [دول العالم] الثالث مثل اليونان قد أوصى باستخدام البطاريات المزدوجة المنظمة لضربات القلب، وقد رددنا عليه قلنا: غير معقول لأن تكلفة هذا ضعف تكلفة البطاريات الأحاديّة المستخدمة حاليا، فرد وقال: هذا الموضوع غير وارد في الكلام عن الحياة والمريض هو المريض ولازم يركب له المطلوب بغض النظر عن تكلفتها، وهذا يثير نقطة أن تفرق بين ما يجب عمله وبين ما يمكن عمله، ونحن هنا في المؤتمر لا بد أن نناقش قضية قد يكون لا مفر من مناقشتها; لأنني متوقع بأن قضية زرع الأعضاء في مصر سيكون لها مستقبل في القريب العاجل، لا نستطيع أن نثيرها على مستوى كبير إذا كانت مصر بملايينها الستين التي تتعب من الغسيل الكلوي ناهيك عن زرع الكلى الذي تكلفته أقل ومشاكله من ناحية donor غير موجودة متعبة فما بالك بزراعة القلب، فهذه المشكلة قد تكون مؤجلة، لكن قد يأتي الله بالفرج، لكن يجب أن نناقشها ولا نقدر نجلس نفكر في جوانبها الاقتصادية وإن كانت ستفرض نفسها، وواجبنا فقط أننا نضع معايير قياسية لنضمن أن هذا الموضوع سيتم بالمعايير السليمة، ووضوح الفرق بين ما يمكن عمله وما يجب عمله. بالنسبة للنقطة الثانية: الدكتور حمدي أثار نقطة متى نصل إلى نقطة اللاعودة؟ أي متى أنهى عمل أجهزة الإنعاش الخاص بالمريض؟ طبعاً نحن ممكن ننهي أجهزة الإنعاش في أي مرحلة من المراحل الثلاثة الخاصة بالإنعاش وهي الدعم الأساسي للحياة، وهذا ممكن أن أعمله في أي مكان في الشارع أو غيره، الإنعاش(28/20)
المتقدم الذي يحتاج فيه المريض لدعم أجهزة التنفس ودعم ضغط الدم والدورة الدموية، ثم نقله إلى غرفة الإنعاش بعد ذلك تخطى المرحلة وله 2 - 5 ايام وعرفت سبب الموت الدماغي لديه وليست لديه استجابة لأية محاولات علاجية ووصل إلى نقطة اللارجعة ولا استجابة لمساج أو أي صدمات مختلفة، وأما الإنعاش المتقدم - أنهيه - لو وصل إلى علمي وأنا في وحدة العناية المركزة واتضح أن المريض مصاب بمرض عضال كسرطان منتشر لا يرجى شفاؤه، في هذه الحالة حيث إنه لا يستجيب لمحاولات الإنعاش المطوّلة وهو موجود في وحدة العناية المركزة ومعروف حالته، وتختلف معالجة حالته إذا كان ممكنا زراعة أعضائه أم لا.
في الحالة الأولى: إذا كان مرشحا لأخذ أعضائه لا بد من التأكد من تشخيص موت جذع الدماغ بالدقة والحرص الواجب وأخذ المعايير في هذه الحالة وعمل الاختبارات اللازمة لذلك ولكن دون تأخير حتى لا تتلف الأعضاء المطلوب نقلها.
وفي الحالة الثانية: إذا كان ليس مرشحا لأخذ أعضائه، وهنا سيدخل عامل تكلفة العلاج، وهل هو حالة ميئوس منها وهذا ممكن أتركه ونضعه على أجهزة الدعم الأساسية للحياة ولكن لا أستطيع أن أنزع (فيشة) المنفسة لأنه سيموت فوراً حتى ولو طلب أهله مني ذلك لأن ذلك شيء غير إنساني.
ولعلّ ذلك يكون قد أجاب على تساؤل الدكتور حمدي السيد شكراً.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الدكتور مختار المهدي تفضل.(28/21)
الدكتور مختار المهدي: أنا أريد أن أعلق على موضوع الروح وعلاقتها بدفء الجسم أو حرارة الجسم، أنا لا أعتقد أن هناك علاقة على الإطلاق وليس هناك ما يؤكد هذا الكلام عندنا، العكس; الجسم يمتص الغذاء في صورة جلوكوز هذا الجلوكوز يذهب إلى الكبد، وهذا عليه الجزء الأكبر في التمثيل الغذائي في أنه هو يؤكسد أو يختزل وينتج عن العمليات الكيميائية نسبة كبيرة من الحرارة; ولذلك يسمى الكبد فرن الجسم ATP بعد هذا يتوزع على أنسجة الجسم المختلفة ويتم عملية أكسدة أخرى لأن الجلوكوز يحترق على درجات بواسطة الإنزيمات (Enzymatic reaction) وهذا يعطي الطاقة التي تسبب حرارة الجسم ولا أعتقد أن له علاقة بالروح إطلاقاً وشكراً.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الدكتور زهير القاوي تفضل.(28/22)
الدكتور محمد زهير القاوي: أولاً أشكر رئيس الجلسة على إثارته السؤال الذي طرحته في آخر محاضرتي، وهو: متى تحققنا من موت الدماغ متى تعتبر هذا الشخص قد توفى؟ وأظن أن المنطق قد يستدعي أن التوقيت قد يكون مباشرة بعد استكمالنا الفحوصات المثبتة في وفاة الدماغ، لأنه هو هذا الوقت الذي تثبتنا فيه نقطة اللاعودة لذلك الشخص. فهل يصوغ لنا حينئذ إيقاف الأجهزة؟ طبعاً الفتوى صريحة وواضحة لأنه يصوغ إيقاف الأجهزة لأنها علاج لا طائل منه، أو بمعنى آخر أننا نوقف عبثاً نحن منهيون عنه. هل نسأل الأهل بإيقاف الأجهزة أم لا؟ هذا سؤال ظالم للأهل جداً; لأننا إذا كنا كأطباء نسمع من زملائنا أن لديهم بعض التردد، ونحن نعلم تماماً حقيقة وفاة الدماغ نعلم تماماً أن هذا الشخص سواء اقتنعنا بمبدأ موت الدماغ أم لا; نعلم تماماً أن هذا الشخص سيئول إلى الوفاة في خلال أيام أو ساعات ثم نتردد في إقفال الأجهزة، فما بالك وأنت تسأل الأهل - وهم لا يعلمون من الطب شيئاً - أن يتخذوا هذا القرار وهم لم يزوّدوا بالعلم الكافي بأن يتخذوا هذا القرار. هذا السؤال ظالم جداً للأهل، ويجب أن يكون القرار جاهزاً خدمة من الطبيب للمريض وعليه أن يسوق لأهله: بأن هذا المريض قد توفى وأن علينا في هذه الحالة أن نرفع الأجهزة وهذه مسؤوليتنا.(28/23)
وأحب أن أعلق على موضوع آخر وهو موضوع الحبيس locked in syndrome من قال أنه موت دماغ؟ لم يقل أحد في السابق، ولم يقل أحد في اللاحق أن locked in syndrome هو موت الدماغ، ولم يقل أحد أن توقف وظائف جذع المخ هو الحبيس فالحبيس موضوع معروف تماماً بأنه سببه تلف منطقة معينة في جذع الدماغ تمر فيها المسارات النازلة أو المسارات الحركية وسمي locked in لأن الحركة قد تتوقف فيه، أما الحس أما السمع أما الأشياء الثانية: (المنعكسات حركة العينين الأعلى والأسفل) كلها موجودة وتنافي تعريف موت جذع الدماغ، والأشخاص الذين يصابون locked in syndrome إذا توفرت لهم العناية الكافية فإنهم قد يعيشون أشهراً أو قد يعيشون فترات أطول من ذلك، وأكبر مثال على هذا الداعية [أحمد ديدات] حيث لا يزال الآن حيًّا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من نقله من جنوب أفريقيا مصاباً locked in syndrome فقد كتبت الصحف عن هذا، كذلك لا أكون أفشي سراً طبياً فيما إن تكلمت عن ذلك بالنسبة لوجود الهرمونات.
الدكتور رؤوف سلام: ماذا عن القشرة السليم في وجود جذع الدماغ؟
الدكتور محمود كريديه: لا يوجد قشرة سليم في وجود وفاة جذع الدماغ حتى المعايير التي طلعت من (هارفارد) معطّلة تماماً وجذع الدماغ كافٍ تماماً حتى يعطيك تأكيداً أن القشرة أيضاً متوفاة.
الدكتور رؤوف سلام: هذا غير ما ذكر في مؤتمر كوبا الموجود لدينا حالياً.(28/24)
الدكتور محمد زهير القاوي: ممكن أجاوب على هذا السؤال ثم أعود إلى النقطة الثالثة، بالنسبة في حالة وفاة جذع الدماغ عندي خبرة خاصة في ذلك الموضوع، والدي رحمه الله توفَّى باحتشاء كبير في جذع الدماغ وحدثت الحالة أمام أعيني وأنا شاركت في إسعافه، ووضع الأنبوب ثم أخذناه إلى المستشفى، بقي هنالك أجزاء من القشرة المخية تعمل، ولذلك لم يستوفِ شروط وفاة الدماغ إلى ما بعد خمسة أو ستة أيام حينما توقفت القشرة الدماغية تماماً عن العمل لذلك من الممكن أن تبقى القشرة الدماغية تعمل لفترة قد تمد إلى بضعة أيام بعد تلف جذع الدماغ تلفاً كاملاً.
الدكتور رؤوف سلام: هذا هو السؤال: ماذا نفعل في هذه الفترة وكيف نتصرف فيها؟
الدكتور محمد زهير القاوي: نستمر في إعطاء المريض الدعم الكافي عن طريق التنفس إلى أن تستوفى جميع الشروط التي يدعو إليها (البروتوكول) أما بالنسبة للهرمونات، فالغدة النخامية بما فيها الفص الخلفي منها يصله الدم ليس من الشرايين المخية وإنما من الفروع الأخرى. وتوقف الدورة الدموية داخل الدماغ يتم عند نقاط معينة وتبقى الدورة الدموية لشريان العين سليمة وهي جزء من شريان Carotid خارج الدماغ وما يسبق الدورة الدموية داخل الدماغ يستمر كذلك في تغذية الغدة النخامية (الفص الأمامي) وفي علم الأمراض الخاص بالجهاز العصبي عند تشريح بعض الحالات التي بقيت على جهاز التنفس لفترة طويلة ويكون فيها تلف للدماغ نجد بأنه في بعض الأحيان الغدة النخامية سليمة، ومما يساعد على ذلك وجودها في مكان معزول وإحاطتها بحجاب حاجز أعلاها يعزلها عن الضغط الموجود داخل الجمجمة. وشكراً.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الدكتور حسان حتحوت تفضل.(28/25)
الدكتور حسان حتحوت: شكرا. تكرر سؤال من الدكتور حمدي السيد، ومن الدكتور صفوت: ماذا نقول في هذا المريض الذي شخص فيه موت المخ وجذع المخ ولكن ما زالت فيه أمارات الحياة إلى آخره كما هو معروف؟ وهذا المريض أيضاً كما ذكر الأخ الدكتور صفوت مريض بغير نفس، لأن مجالات النفس السبعة التي ذكرها غابت عنه فقط.
الدكتور صفوت لطفي: أنا قلت النفس وأن صفة الحياة في النفس.
الدكتور حسان حتحوت: حذفت هذا الجزء استغنيت عن هذا الجزء ماذا أقول عن هذا المريض؟ أقول عنه ما أقوله عن مريض مرت عليه 12 ساعة لا يتنفس، فحصناه وجدناه لا يتنفس بعد 6 ساعات، وفحصناه بعد 6 ساعات أخرى فوجدناه أيضاً لا يتنفس، فماذا أقول؟ أنا أقول: إنه قد مات، هذا المريض لو أخذت سكيناً وطعنت قلبه - وليس استخرجته من أجل الزراعة - فتمزّق ومات فهل أتّهم بالقتل؟ يقول الأخ صفوت: نعم تتهم بالقتل، قد اتهم بشيء آخر ولكن هذا المريض هو تجسيد لحركة الذبيح في الفقه الإسلامي، وأنا متعجّب إلى الآن، لقد شرحتُ حركة الذبيح أربع مرات إلى الآن ومازالت العيون مغمضة عنها.
السؤال المحير: هذا المريض الذي حُكم عليه بموت المخ ولكنه حيّ أجابت الشريعة الإسلامية عن هذا: أن مثله لو قطعت رقبته لا اللهتهم بالقتل فماذا نقول فيه؟ حسناً لو فتحت صدره وأخذت قلبه لإحياء نفس هل تتهمني الشريعة بالقتل؟ لا. فلماذا أنتم متحيرون في هذا الوضع إذا كان الفقه الإسلامي ومنذ قرون قدم الإجابة لهذا السؤال وشكراً.(28/26)
الدكتور حمدي السيد: موقف عملي نحن نواجهه. دكتور شريف الوحيد الذي تحدث عن كيف نتصرف؟ نحن ليس لدينا برنامج زرع أعضاء فنحن لسنا حريصين على أننا لو انتظرنا عليه يوماً أو يومين أو ثلاثة فهل تتدهور أعضاؤه ولا تصلح للزرع؟ الأخ الدكتور عبدالمنعم استخدم كلمة شديدة نوعاً ما قال: البضاعة وسخة وفاسدة، نحن لا نتحدث عن بضاعة نحن نتحدث عن موقف قانوني يتعلق بكتابة شهادة وفاة، موقف إنساني يتعلق بإبلاغ الأهل. الدكتور أحمد القاضي قال: إن من الظلم أن تُشْرك الأهل في اتخاذ القرار، إنما نحن نعلم أنه فيما يخص informed consent يعني تشرح له الموقف ثم تطلب منه الرأي، نقول له مثلاً: هذا مريض توفى مخه ولكنه لا يزال ينبض قلبه، وفي خبرتنا أن هذا المريض لن يعيش وسيأخذ أياماً فقط على المنفسة، إذاً ماذا أفعل أقفل أو لا أقفل؟ أنتم تقولون: لا نسأله نتخذ نحن القرار، أنا حكيت لكم على قصة - يا دكتور حسان - وقعت منذ ثلاثة أسابيع فقط وهي التي حكيت لك عنها: رفض الطبيب الذي شخّص موت الدماغ هو وزميله أن يكتب لي ويقول: هذا مريض تُوفي، ارفع عنه المنفسة، قلتم: ذلك لا بد أن يأتي من شخص محايد خارج المجموعة، خارج الناس، لأجل أن يكتب هذا جاء هذا الطبيب وجاء طبيب مثله اثنان إخصائيان أعصاب على أعلى مستوى، وأقر الاثنان بأن هذا مريض وعمل الاختبارات وعملنا كل شيء وكتبا تقريراً أن هذا مريض هل نرفع عنه؟ لا أنصح لا أتحمل، ماذا نحن فاعلون إذا كان هناك شيء واضح قاطع صريح يقول ذلك؟! إنما أنتم تعلمون أن هذه القضية يأتي من يقول: أنت إذا رفعت أنت تقتله وتحاسب، ونحن سمعنا كلمة الطبيب يحاسب على أنه قاتل وإلى آخره في هذه القاعة، هل يمكن أن يكون من ضمن التوصيات - سيادة الرئيس - شيء يتعلق بهذا الموضوع؟ إنما تأخذون بمفهوم جذع المخ، طلع قواعد وضوابط يقولون: إنه من حق الطبيب عندما يتأكد من ذلك وعندما يكون لديه قناعة أن يوقف وسائل الإنعاش، أو(28/27)
يبدأ في اتخاذ الإجراءات لأخذ موافقة الأهل على زرع الأعضاء; فإذا كان هذا هو الرأي الذي وصلتم إليه فأنا أقترب من قضية يطالبنا بها الأخ الدكتور عبدالرحمن العوضي نحن نبدأ نقترب في مرحلة اتخاذ توصيات محددة لهذه الجلسة، وحتى الآن الكلام الذي ذكره دكتور حسان طبعاً نحن قد استمعنا إليه عدة مرات ونحن لا نتحدث في هذا، نحن نتحدث في واقع نواجه به في مجتمعاتنا فماذا نحن فاعلون؟
الدكتور شريف أخذ الموقف الذي نأخذه جميعاً من الآن هل أنا أتركه مستمر على المنفسة مثلما هو أو أقول لأهله، أبيض أو أسود؟ غير أن الرجل حالته حرجة ويتركه ينزل تدريجياً لغاية ما تنتهي الوفاة الكاملة طبعاً هذا الوضع لا يتفق مع الذي ذكرناه هنا في هذا، فعلاً هذا انتهى، إن هذا يتعلق بكرامة الميت وسمعنا هذا من الدكتور حسان هذا يتعلق بالأهل واستمعنا ذلك من بعض الزملاء أعني بدلاً من أن أختصر الطريق وأوفر على الأهل أربع ليالٍ أو خمسة أيام. والأهم من ذلك أنه يحدث في المستشفيات الخاصة، ونحن عندنا مستشفى في عين شمس اسمها [عين شمس التخصصي] كثير من المرضى يبقون على المنفسة بعد وفاة المخ أكثر من 13 أو 14 يوماً، والفاتورة تصل في اليوم الواحد في مستشفى الدولة 600 جنيه في 10 أيام يساوي 6 آلاف جنيه يدفعها الأهل في مقابل أن المستشفى اعتنت بمريض قد توفّى منذ 10 أيام، وهذه مشكلة تحدث وهذه مشكلة باستمرار نقابلها، مريض يظل على المنفسة في مستشفى يدفع عليها أجر 6 آلاف جنيه في مصر مشكلة، الأخ الدكتور عبدالمنعم يقول على حالنا وغدنا: الأغنياء يمشون والفقراء ينتظرون، هذه قضية خارج الموضوع إننا لا نعرّض بدول فما بالك إذا كنا نحقر في أنفسنا، لكن نحن نذكر أموراً تحدث لمريض عليه أن يدفع 6 آلاف جنيه، ماذا نحن فاعلون هل ممكن أن نطمع أن تكون ضمن التوصيات الندوة وأن يؤخذ ذلك في الاعتبار؟!(28/28)
الدكتور حسان حتحوت: عندي إجابة: في غياب تشريع يكون الطبيب في موقفٍ صعب فلا بدّ أن يصدر تشريع ينظم هذه الأمور، ولكن حتى يصدر هذا التشريع - وأنا متشائم من صدور تشريع لأنه لو سادت الغوغائية فقد تقفل الطريق على أي تشريع سليم - ولكن الذي أعمله في أمريكا مثلاً أنا لا أمارس الطب في أمريكا، ولكن تتصل بي المستشفيات من بعيد ومن قريب; «عندنا مريض مسلم والموقف كذا وكذا والأهل يقولون، إن هذا يكون حراماً في الإسلام، ونخشى أن نقول لكم: أوقفوا أو انزعوا الجهاز أو نحو ذلك»،، فالذي يحدث أنني أكلم الأهل، وأقول لهم: مثلما أنتم تعرفون فإن الحالة ميئوس منها وفي الإسلام علاج الميئوس منه غير فريضة في الإسلام... وأشرح لهم حركة الذبيح فلا يغرنّكم أنه على الماكينة يظهر أنه يتنفس وقلبه يدق، هذا كله صناعي وعليكم أن تعلموا بهذه المعلومات الإسلامية وأنتم تختارون الذي تريدونه، إنما على الأقل يكون الطبيب مزوداً بالمعلومات الإسلامية، ثم يترك الخيار لأهل المريض بدون مسؤولية على الطبيب شكراً.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً يا دكتور حسان وملاحظة على ما تفضل به دكتور حمدي أولاً: الأخ الدكتور عبدالمنعم لم يقل بضاعة ولكن قال هدية. ثانياً الأخ الدكتور زهير اعتقد أنه أجابك أيضاً، كان هناك جواب من الدكتور زهير الذي قال: إنني أوقف جهاز الإنعاش عندما أتأكد من موت المخ وجزعه دون أن نسأل الأهل.(28/29)
الدكتور حمدي السيد: الدكتور زهير تحميه القوانين والفتاوى، ولكن للأسف نحن ليس لدينا مثل هذه الحماية، هذه مشكلة ثانية، الأخ الدكتور حسان قال: حاولوا أن تصدروا تشريعاً، نحن حاولنا أن نصدر تشريعاً ونذكر فيه بالنسبة للوفاة أن نترك للأطباء الثقات في تشريع القانون المقدم لمجلس الشعب أن نخرج من ورطة جذع المخ، ذكرنا [بترك الوفاة أن يحددها الأطباء الثقات الذين على علم] وقلنا [لا يتم ذلك إلا في مستشفيات جامعية] وقلنا [أن يكون هؤلاء من مرتبة أستاذ ولا يكون لهم أي علاقة بالعناية المركزة ويكون أحدهم متخصصاً] ووضعنا ثلاثة أشخاص يترك لهم هذه المهمة، للأسف الشديد نتيجة الضوضاء التي حدثت في مصر حول هذه القضية، ونتيجة القانون (الدستوري المصري) الذي يصر على أنه لا يجوز أن يكون هناك قانون يخرج عن الشريعة الإسلامية، ونتيجة أن هناك فتوى من بعض إخواننا المشايخ قالوا: إن الموت كما وصفه الإمام مالك، وكما قال الأخ رؤوف لا بد من العوج، وأصر على هذا بعض الإخوان، وحاولنا أن نزحزحهم عن هذا فلم نستطع. ونحن سنعيد الكرة مرة ثانية وثالثة ورابعة، وكلما تسلّحنا بمثل هذه الاجتماعات وبمثل هذه التوصيات فقد يساعدنا ذلك في هذا، نحن نتحدث من الناحية المهنية، وأنا رجل مسؤول عن مهنة ومسؤول عن آدابها، وقد يأتيني شكوى من أحد يقول شيئاً من هذا، نريد أن يكون هناك توصية حتى على الأقل عندما نتحدث مع أطبائنا وعندما ننزل إلى أطبائنا وعندما يكون لنا لقاءات معهم نكون مسلحين بقرارات صادرة عن مثل هذا التجمع النادر المتنوع في التخصص والخبرة; تكون على الأقل وسيلة نصل بها إلى قرار وشكراً.(28/30)
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً يا دكتور حمدي وقبل أن أعطي الكلمة إلى الأخ المقرر أرجو ألا نتحرج عن ذكر البعد الاقتصادي، لأن النبي (() فيما صح من حديثه (نهي عن إضاعة المال) وهذا تحريم لإضاعة المال فكل ما ينطبق عليه اسم إضاعة المال فهو محرم في الشريعة الإسلامية وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار واتخاذ القرار.
الدكتور مصطفى الموسوي: أنا عندي تعليق على كلام الأخ الدكتور زهير قال: إنه يمكن إغلاق الأجهزة بدون إخبار الأهل، أنا أعتقد أن من الصعب جداً إغلاق الأجهزة، هل تغلق الأجهزة في وجود الأهل وأمامهم تغلق الأجهزة ويشاهدونها مرة واحدة أن النفس توقف؟ أو في غياب الأهل وأمام الممرضات لينقلن ذلك إلى الأهل؟ نحن هنا في الكويت القانون أو التنظيم الموجود في الوزارة يسمح للطبيب بتحرير شهادة الوفاة وإيقاف الأجهزة، ولكننا نعطي ثلاثة خيارات: التبرع بالأعضاء ثم دفن المتوفَّى، الخيار الثاني: توقيف الأجهزة ودفن المتوفى، والخيار الثالث: إبقاء الأجهزة إلى أن تتوقف الدورة الدموية، ثلاثة اختيارات ونشرح لأهل المريض أن هذا متوفى وهو على الأجهزة ولكن هذه الاختيارات، ونشرح لهم أن حرمة المتوفى تكون بإكرامه بدفنه في أقرب فترة ممكنة، لهم ثلاثة اختيارات ليختاروا المناسب لهم.
الدكتور محمد زهير القاوي: لم أقل بوقف المنفسة من دون إعلام الأهل، وإنما قلت: لا نطلب من الأهل أن يتخذوا ذلك القرار لأنهم غير مؤهلين لاتخاذ ذلك القرار، أما هل نوقف الجهاز أو لا نوقف؟.(28/31)
الدكتور حمدي السيد: هل هم مؤهلون أم غير مؤهلين؟ إن كان قصة مع شقيقتي التي حصل لها نزيف شديد داخل الدماغ ثم وفاة دماغية، ثاني يوم جاءني الرجل وقال: نحن عندنا شك في الوفاة الدماغية، وسنبدأ إذا وافقت بفحص انقطاع التنفس فهل توافق؟ قلت: طبعا. أنا أعلم أنك ستجد من أهل المرضى كثيرين منهم على علم بمثل هذه الأمور فأنا طلبت وقف الجهاز وجلست أقرأ القرآن مضى عشر دقائق ولم يحدث تنفس وأنها قد توفيت.
أنا أعتقد أن إبلاغ الأهل والموقف الذي قاله الدكتور موسوي أعتقد أنه موقف مقبول، ما يسميه الإنجليز في كتبهم Medical ethics لا يوجد حاجة Consent في الطب اسمها inforned consent وهو إخبار المريض بكل ما يتعلق بالقضية التي تطلب منه الموافقة عليها حتى يعلم ماذا هو فاعل؟ إنما أنا لا أتصور مثلما حضرتك ذكرت إذا حضر واحد وأوقف الأجهزة سيخرج، مريض قلبه شغال (زي الفل وراحوا شدين) مستعجلين عليه أعتقد أن هذا من الممارسة الخاطئة ونحن نتعامل مع مجتمع مختلف الأعراف ومختلف القيم والتقاليد لا بد أن نأخذ ذلك في الاعتبار. وشكرا.(28/32)
الدكتور محمد زهير القاوي: لم تقل أنك تأخذ بعين الاعتبار حالة المريض أو أحيانا نجد أنفسنا في موقف حتى لا نستطيع أن نناقش أي موضوع من وفاة الدماغ مع أهل المريض إلى أن يستقر وضعهم، هذه تتبع لحكمة الطبيب وتتبع مدى علاقته بأهل المريض، ومدى اعتمادهم عليه في اتخاذ القرارات; لكن يجب ألا نضع العبء في اتخاذ القرار على كاهل أهل المريض، القرار نعطيهم إياه جاهزا، إذا أردت أن تعطي القرار كخيار من ثلاث، دائما خيار الجاهل أن يقول لا، وأن تقول: لا أسهل من أن تقول نعم، فلذك خيار الجهل دائماً (لا) لأن خيار أن نقول (نعم) يجب أن يعتمد على علم، ويجب أن يعتمد على فهم كامل للموضوع، أعود إلى القول بأنه إذا أعطيت الخيار، فإذا كان أهل المريض من الناس المتفهمين يمكن أن نعطيهم ذلك الخيار، أما إذا كان أهل المريض من الناس الذين قد يصعب عليهم اتخاذ مثل هذا القرار فإنّك تعطيهم القرار جاهزا; ونقول لهم: هذا مصاب بوفاة دماغية وفي مثل هذه الحالة تقفل الأجهزة، نعلمهم بأن هذا هو العلاج المطلوب; ولا تطلب منهم أن يوافقوا على ذلك; لأنك إنْ تطلب منهم أن يوافقوا على ذلك فإنهم سوف يختارون خيار الجهل يقولون لا.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً، على الرغم من انتهاء الوقت المحدد لكن الإخوة الثلاثة الذين قدموا بحوثهم لهم حق في التعقيب يبقى في قائمتي الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران، والأخ الدكتور عبدالرحمن العوضي. فلنستمع إلى الإخوة المقدمين للأبحاث. دكتور عصام تفضل.(28/33)
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم، في جلسة الصباح التي رأسها الدكتور خيري السمرة أثرت نقطة هو أننا ما زلنا نتمسك بموت القلب نتيجة رواسب ثقافية استمرت قروناً فينا وفي آبائنا وفي أجدادنا. الدكتور حمدي السيد يعاني من هذه الحالة الآن; حتى الأطباء الذين يؤمنون بأن موت جذع المخ هو الموت يتوقفون في نزع الجهاز، أنت في حاجة إلى وقت لتغيّر الثقافة المنتشرة بين الناس حتى يتقبلوا هذا تقبلا عمليا وليس تقبلا نظريا. فالثقافة القديمة لها تأثيرها سواء موت جذع المخ أو موت جذع القلب أو الذين تقرأون في الكتب المصادر الإسلامية أو الفقهية، أنا حتى الآن لا أستطيع أن أفهم حرارة الحياة التي ذكرها الدكتور صفوت وأنت تبرد مرضاك وأنت تعمل عملية لتستعين على القيام بعملية قلب المفتوح ونعلم الذي يصاب بحادث وسط الثلج يتحمل hypoxia وفرصة نجاته أكثر من الذي في جو عادي; فالبرودة هنا مفيدة.(28/34)
هذه كلها نتيجة القراءات والآثار الثقافية القديمة. فموت جذع المخ يا دكتور صفوت الفرق بينه وبين الجثة أن الجثة هذه ماتت من زمان ماتت منذ يوم أو اثنين أو ثلاثة فهذا هو الفرق، تريد أن نهضم هذه العملية مع الوقت بالإضافة إلى ثقافة عامة للناس في علاقتهم بالموت، الموت شيء مهيب ونخاف منه والدكتور شريف لا يقدر أن ينزع الجهاز لهيبة الموت، وأنا أحكي لك قصة موت قلب وليس مخ، أنا مناوب ذهبت للمستشفى مساء أسأل عن طبيب ذهب إلى منزل فلان أخذ التخطيط وذهب منزل الدكتور عبر الشارع، وطلبته في التليفون وقلت له: إيه الحكاية؟ فقال لي: تعال وكل الدكاترة هنا، فذهبت إلى بيت الزميل - رحمه الله - وجدت كل الدكاترة الذين في المستشفى الأميري موجودين هناك، وهم أقدم مني ورؤسائي وأكثر مني خبرة، ونازلين مساج لعضلة القلب ونفس، قلت: يا فلان بقى لكم كم من الوقت؟ قالوا: بقى لنا ساعتين وطبيب وقّف جهاز التخطيط Flater EEG (يا دكتور فلان الراجل مات بقى له كثير) يقول: (لا أقدر أبطل) حتى الأقدم مني أقول له (بطل لا حتى المساج) قلت له: (وقّف) يقول: (لا أنا بسمع كلامكم نعمل ثاني تخطيط Flater) واحد من الدكاترة قال: (أنتم مش عارفين تتصرفوا) قالوا: (لا) قال: (أنت اتصرف مع أني آتي من بره، ولو كنت مثلهم عمال اشتغل في العلاج من ساعتها كنت ترددت) طيّب يا جماعة Stop، قال الدكتور رئيسنا: نأخذه إلى المستشفى وبعد ما يوصل المستشفى نعلن وفاته من هناك، وهذه القصة مع أطباء قدماء، إنّ هيبة الموت تجعلنا نتردد في العملية، هذا الوضع الطبيعي عندما يتم تشخيص جذع المخ هنا مثلما قال الدكتور زهير - يتخذ القرار بالوفاة; عملية الأهل هذه مسألة اجتماعية ومسألة في التعامل مع الناس، إنما هنا يعلن الوفاة وتعتبر الوفاة شرعية منذ هذا الوقت، ولا بد أن تستمر الثقافة وتستمر الإعلان وتستمر التعامل مع الناس بهذه الصورة حتى يتقبلوها نفسيا، فالأطباء أنفسهم في(28/35)
حاجة إلى تقبل هذا فهذا هو الرأي الطبي. كلمة صغيرة عن حكاية النوم والموت، فحديث. (لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون) هذا لا يعني بالضرورة أن الموت مثل النوم; لا يعني هذا إنما يعني في رأيي أن الانتقال من الحياة إلى الموت يتم كالانتقال من اليقظة إلى النوم والانتقال من الموت إلى الحياة في البعث يتم أيضا كما يستيقظ النائم، والآية تؤيد هذا الكلام: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} فهل هذا يحل مشكلة تصور النوم مثل الموت أم لا؟... وشكرا.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: الدكتور البار هل لك تعليق.(28/36)
الدكتور محمد علي البار: شكراً سيادة الرئيس... سأبدأ من نفس المعمعة التي لا يزال غبار النقع فيها يتطاير سؤال عن ميت الدماغ ورفع الأجهزة، وسؤال الأهل مع أنني أشرت أمس أيضا إلى توفر الفتوى من الناحية الشرعية والطبية، من الناحية الطبية فإن (البروتوكولات) المعمول بها في الغرب وغيره إذا تيقن الأطباء من تشخيص موت الدماغ تعتبر هذه اللحظة التي يقرر فيها أن هذا الشخص مات وبعد ذلك تقفل الأجهزة وكتب كثيرون في هذا الباب. أما من الناحية الشرعية في الحقيقة - أيضا - محلولة سواء الذين يعتبرون بموت الدماغ كاملاً أو الذين لا يعترفون به من الفقهاء، وعندنا فتوى [عمان] وقد قرأتها عليكم مرارا، فتوى [عمان] تمثل مجمع الفقه الإسلامي - تمثل أربعاً وأربعين دولة; لا تمثل فرداً ولا أفراداً من مجموعة من الفقهاء; إنما هي منظمة رسمية تمثل جميع الدول الإسلامية; ومصر فيها طبعا وهي من أوائل الدول الممثلة فيها بدون شك، فهذا القرار يقرر أنه: [يعتبر الشخص ميتا شرعا إذا تبيّنّا فيه العلامتين التاليتين: إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الأطباء أنّ هذا التوقف لا رجعة منه، إذا توقف وتعطل جميع وظائف دماغه تعطّلاً نهائيا وحكم الأطباء الأخصائيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وفي هذه الحالة يصوغ رفع أجهزة الإنعاش، ثم حتى مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي وهو لا يوازن موازنة تامة بين موت الدماغ والموت الكامل، مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة في مكة المكرمة سنة 1408هـ وافق على رفع أجهزة الإنعاش وإيقافها متى ما تبين بالفحوصات الطبية المؤكدة من قبل المختصين أن هذا الشخص قد مات دماغيا ولا تؤخذ منه الأعضاء في رأي مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي، لا تؤخذ منه الأعضاء إلا بعد توقف القلب، هذا رأي، وهو رأي الأغلبية فيه أيضا مفتي المملكة العربية السعودية بعث خطاباً رسميَّا إلى الدكتور فيصل،(28/37)
وإلى مجموعة من الأطباء، وإلى مركز زراعة الأعضاء بالنسبة للسؤال عن قفل الجهاز سواء كان هذا الشخص ميّتاً أو غير ميت، وهو ما يعترف بموت الدماغ بأنه موت كامل ولكنه يقول: إذا كان العلاج غير مجد في هذا الباب فلماذا نستمر بالمنفسة ؟!إذا ترون هذا أنتم الأطباء والأهل لا يسألون في ذلك وقد قرر ذلك في عدة خطابات وليس هو وحده بل هيئة كبار العلماء قررت ذلك في عدة اجتماعات وعدة دراسات، إذاً فالمسألة محسومة بالنسبة للسعودية لأن هذا عالم إسلامي واسع وهذه فتاوى واضحة، والقضية فيها شرعا واضحة، وشرعا وقانونا فيه ارتباط وثيق في هذه القضية، ولا أدري لماذا الأطباء لا يزالون يخافون من الناحية العملية البعض لا يزالون يعانون نفس الوضع في السعودية أيضا يترددون أن يوقف من الناحية الشرعية المسألة محسومة.
الدكتور حمدي السيد: بعد إذن حضرتك يا دكتور فيصل، لقد قلت لنا: إنه بالرغم من هذا (البروتوكول) أنتم لا تنصحون الأطباء في المستشفيات خارج الجامعة أو خارج المستشفيات الكبرى ألا يوقفوا الأجهزة، وأن يستمروا إلى نهاية المطاف، بالرغم من أن لديهم هذه الفتوى، ومعنى ذلك أن هذا الوضع الذي أتحدث عنه وضع إنساني ومقبول لدى الأطباء ليس هذا فقط ولكن أنتم تحميكم فتوى ونحن لا تحمينا مثل هذه الفتوى.(28/38)
الدكتور محمد علي البار: هذه نقطة من النقاط الكثيرة، دكتور محمود كريدية تحدث عن موضوع الوفاة والنوم وكذا، وهذا موضوع القرآن والسنة تُشبه المسائل وطبعا قطعا الخلاف بين النوم والموت خلاف واسع من الناحية (الفسيولوجية) لا جدال في ذلك. الدكتور أحمد القاضي في موضوع نفخ الروح، وحديث الأربعين (إذا مرت بنطفة اثنتان وأربعون ليلة). حديث مسلم مشهور ليس فيه ذكر للروح إطلاقا، وإذا راجعت كتب الفقه والحديث وكل ما كتب في هذا الموضوع يكاد يكون إجماعا حول نفخ الروح لا يتم إلا بعد 120 يوما. ونفخ الروح الإنسانية ليس بمعنى الحياة. الدكتور صفوت حقيقة عندما يقول: [الروح والدفء] له بعض العذر في ذلك، إذا واحد راجع الكتب القديمة حتى [ابن سينا] مثلا هو يتحدث ابن سينا وغيره، حتى الفقهاء الغزالي وغيره يقسمها إلى: الروح الحيوانية، والروح الإنسانية كان واضح عند ابن سينا الروح النباتي والحيواني والإنساني. إذاً عنده ثلاثة أقسام بوضوح يوضحها الروح الحيواني منبعه التجويف البطني الأيسر من القلب ومنه الحرارة الغريزية التي تنتشر في الجسم، وتبث الدفء في الحياة، نفس هذا التعبير يعيده الغزالي عدة مرات، ويعيده كثير من الفقهاء، وتحدث عنه ابن النفيس أن الحرارة الغريزية موجودة في القلب وتبث الدفء في الإنسان وهي الروح وسماها الروح الحيواني، أما الروح الإنساني فموضوع آخر تحدثوا عنه بوضوح تام، الحرارة الغريزية الموجودة في الإنسان وهي التفاعلات (عمليات الأيض)، والأكسجين، والتي اكتشفها بعد ذلك [ابن النفيس] وليس مصدرها القلب كما قال، ثم رجع وقال: مصدرها الرئتان ودخول الرئتين فيها والدورة الدموية التي فيها. الموضوع كله له أصل في هذا الباب، لكنّه أصل مردود عليه، وواضح خطؤهم في هذه النقطة للتعميم، لأن هذه الحرارة التي يتكلمون عنها [عملية الأيض] الموجودة مع تداخل الأكسجين الموجود فيها، والذي كان يظن منبعه تجويف القلب وبالذات(28/39)
البطين الأيسر من القلب ونفس الشيء قاله الغزالي، قاله بعض العلماء والفقهاء الذين تحدثوا في هذا الموضوع، لكنّهم ميزوا بين الاثنين: الروح الحيواني والروح الإنساني، الروح الإنساني هذا فوق إدراك البشر: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الروح الإنساني كنهه لا ندري عنه شيئا، وليست لها علاقة مباشرة بهذه الروح الغريزية والحرارة الموجودة في الدم، واستدل عليه [ابن الطفيل] وقصته معروفة كفيلسوف مشهور جدا وشرح البطين وحط يده في القلب ووجد الحرارة الغريزية منبع الروح التي تحدث عنها الحديث عنها طويل جدا وتحدث عنها ابن رشد، وتحدث عنها كل فقهائنا وعلمائنا بتفصيل شديد، ولكنهم استطاعوا أن يميزوا بين هذه الحرارة الغريزية الموجودة وبين الروح الذي تحدث عنها الله سبحانه وتعالى، الروح الإنسانية التي شرفت هذا الإنسان ولا شك أن الجنين فيه حياة - كما قال ابن القيم - مَنْ يقول إنه بدون حياة؟ لكنها ليست الحياة الإنسانية التي بها الإدراك والإحساس، وكذا التي ربطوها بأشياء أخرى لا نعرفها، ولكن لها استدلالات من الجهاز العصبي الواضحة جدا في هذا الباب، فهناك تمييز بين اثنين واستطاعوا أن يميزوا بأن الروح الإنسانية وما قاله عنها أن محطها في الدماغ، واستدلوا عليها بأشياء مثل: وظائف النطق والإدراك والإحساس والحركة الاختيارية، كل هذه علامات الروح الإنسانية، وهذه كلها لها علاقة واضحة بالجهاز العصبي أو بالدماغ على وجه الخصوص، ومن هنا كان من السهل الربط بين الاثنين، وهناك روح حيواني الذي يتحدث عنه الدكتور صفوت وهو لا قيمة له كما قال الإمام الغزالي، وهو موجود عند البهائم ولا قيمة له، وأما الروح الإنساني فشأنه شأن آخر فهو الذي به المعاقبة والمحاسبة والمطالبة وإدراك فهو يتحدث عن مستوى آخر، وكان الأطباء والفقهاء وكل ذلك المسألة واضحة عندهم منذ ألف سنة وليست واضحة لدينا ولا زالت مشوشة(28/40)
تشويشا شديداً بينما عندهم واضحة وضوحاً جيداً جدا; فالمسألة قد تكون محسومة في هذا الميدان وربما تكون هناك نقاط التقاء وتوضيح بسبب هذا الخلط في الروح الغريزية الموجودة والحرارة التي تحدث عنها بعض الفقهاء.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكرا، لقد تجاوزنا الثامنة وخمس دقائق وليس لنا سلطان على الإخوة أن يبنوا على متابعة هذا البحث ولو أن الأخ الدكتور ماليباري حقا فليتفضل.
الدكتور حسين ماليباري: سوف أختصر الكلام إن شاء الله في ردى على دكتور رؤوف أي تلف جزئي في جذع الدماغ لا يعني موت جذع الدماغ وهذا تأكيد ما قاله الدكتور زهير القاوي، وبالتالي فحالة الحبيس لا تعني موت الدماغ، أو موت جذع الدماغ، كما أن هناك حالات مرضية أخرى تصيب جذع الدماغ بدون أن تؤدي إلى موت جذع الدماغ، هذه من ناحية، ومن ناحية ثانية لنا يومان من الإسهامات والنقاش أظهرت أن الوفاة الدماغية حقيقة علمية،لكنْ كلنا عارفون أن الوفاة الدماغية شخص ميت، والمتوفى دماغيا - إذا رجعنا إلى كلام الدكتور صفوت في تعريف النفس [هي مجموعة صفات الفطرة] - فالمتوفى دماغيا ليس عنده قدرة وليس عنده إرادة وليس عنده سمع وليس عنده بصر وليس عنده كلام وليس عنده حركة، وربما كان هذا اعترافا ضمنيا من الدكتور صفوت أن الوفاة الدماغية وفاة متى تظهر الوفاة، أتصوّر - كما قال الدكتور زهير القاوي - أنه لازم نعلق الوفاة بانتهاء الفحوصات السريرية والمتكاملة اللازمة، إذاً كلنا متفقون أن الوفاة الدماغية هي وفاة وبالتالي يجوز لنا إيقاف أجهزة الإنعاش، فلماذا نتردد؟! ولماذا ننتظر رأي العائلة؟! لماذا لا تكون لنا الجرأة الكافية طالما أن هذا مريض ميت؟! لماذا لا تكون لنا الجرأة الكافية لإيقاف أجهزة الإنعاش لأن الاستمرار في هذا الشيء غلط؟! أعتقد أن الاستمرار في هذا يكون من باب التمثيل بالميّت، الشخص هذا ميت وبالتالي الاستمرار في أجهزة الإنعاش نوع من التمثيل به وهذا(28/41)
حرام وشكرا.
الدكتور صفوت لطفي: في حديثي فرقت بين الإنسان والحيوان، والمولى عز وجل وصف نفخ الروح في الإنسان، وأنا قلت: إن العلماء تحدثوا أن صفة الحياة في الحيوان غير تامة، لأنه لا يعي ولا يعقل، إنما أنا قلت صفات النفس الإنسانية المتنزلة من أسماء الحق سبحانه وتعالى هي صفات عاقلة، أنا عندي هذه الصفة وأدرك أنني لدي صفة الحياة، أنا حي وأدرك أني حي، كذلك صفة القدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام وكلّها متنزلة من أسماء المولى عز وجل، وقلت: إن صفة الحياة في هذه النفس الإنسانية المُحاسبة والتي يقع عليها الموت تستتبع وجود الروح، وقلت إن من قراءتي وما أعتقد يقينا أنه صحيح أن هذه الروح قيل: «إنها لطيفة نورانية» وليس لي علاقة بكنهها إنما ما أوتيتم من العلم إلا قليلا، تحدثت الكتب التي راجعتها عن مظهر وجود الروح وتحدثوا - ليس عن الحرارة التلقائية - قالوا: إن الروح تبعث في الإنسان ثلاث حاجات: عمل وظائف جميع أجهزة الجسم وينبعث فيه حرارة، الحرارة التي تميز السقيم من السليم، والحي من الميت، وليس معنى هذا أن السقيم ميت - يا أستاذنا الفاضل - معناه أن حرارة الحياة قد ترجع وتنخفض صعودا وانخفاضا إذا كان سقيما، ويفقد الحرارة إذا كان هذا معنى ما أقول حتى لا يحدث خلط ويدرأ الفساد، وتحفظ هذا الجسد الإنساني الذي نحن ماشين به من الفساد والتحلل والتعفن وشكرا.(28/42)
الدكتور أحمد رجائي: أنا لي مداخلة بسيطة بالنسبة للدكتور البار أن التوصية من مجمع الفقه الإسلامي صدرت سنة 1986م في مؤتمر عمان بعد توصية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في 1985م، إذْ كان هناك مشكلة في الاجتماع الأول لمجمع الفقه ولم يتمكنوا من الوصول إلى حلّها، إلا بعد أن عقدت المنظمة اجتماعاً واتخذت هذه التوصية التي هي تتداول الآن، وهذا مجرد توضيح للعملية، وطبعا هناك اتفاقية بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وبين مجمع الفقه الإسلامي بالنسبة للمسائل الطبية; وهي: أن المنظمة تتولى بحث الموضوعات المتعلقة بالطب لأنها أقدر على طرح المواضيع الطبية بجمعها للأطباء مع الفقهاء وبالتالي يحدث تبادل للآراء بصورة أوسع، ويستطيع المجمع بعد ذلك أن يحولها إلى فتاوى وشكرا.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: مسك الختام... الدكتور عبدالرحمن العوضي.(28/43)
الدكتور عبدالرحمن العوضي: شكراً.. في الحقيقة أنا آسف لم أقدر أحضر اليوم وأرى أنكم ما تقدمتم أبدا كأنكم محلكم، وإن كنت أعتقد أن الحوار أحسن قليلا. أنا أظن أنّ الدكتور صفوت والدكتور رؤوف كثيرا الشك، لكن كثير الشك ينبغي عليه أن يحدد هذا الشك، ولا يزوغ منه مرة يمينا وأخرى شمالا، وأعتقد أن هناك نقطتين أساسيتين أثيرتا في الموضوع هذا: موضوع ما بين موت جذع المخ وبين توقف القلب ويسمونها احتضاراً، الإخوة قالوا ما هي هذه الفترة؟ هنا كلام نحن نسير في النقاط الخلافية حتى نصل في النهاية إلى حاجة، أنا لم أسمع إلى الآن أي شيء تغير عن كلام قلناه قبل عشر سنوات، الإخوان عندهم تساؤلات إن كان صفوت أو رؤوف بالعكس جيد أنني كنت أتمنى أن نحدد النقاش أكثر. إنني كنت أصرّ أمس يا جماعة دعونا نحن ندور ونتكلم على التعرف على الموت وليس تعريف الموت تعريف الموت موضوع شغلنا، من أول ما نقول هذا ميت طبيا [عاوزين يذبحوه يسلخوه هذا ليس شغلنا نحن] هذا قانون يقرره، أعتقد أنه يجب ألاّ نخلط الأمور ولا نتجاوز حدودنا، المطلوب منا فقط حاجة واحدة [هذا ميت أو لم يمت؟] (ميّت يدفنوه يحرقوه هذا ليس شغلنا) وهل يأخذون منه الأعضاء؟ هذا موضوع ثانٍ، كنت أحاول أن نختصر ونضيق الخلاف، الإخوة مثلا قالوا: لو نحن حضرنا معكم وقلنا الموت Total brain death وليس هناك Cortex في هذه الحالة يظل حسب ما يقول الإخوان أن هناك القلب والتنفس موجود فما هي هذه الحالة؟ كنا نحب أن نناقش هذه المواضيع ندخل في الحقيقة هل هذا يعتبر حيا هناك شروط تفرضها صفة الموت على الإنسان، إذن نضع شروطاً، إخواننا في السعودية وضعوا (بروتوكول) كنت أتمنى أن نصل إلى (بروتوكول) الدكتور حمدي نحن لسنا مشرعين يا دكتور حمدي نحن ناس نتكلم Medical ethics واجبنا كيف نحدد هذا الشخص الميت، يمكن القانون يقول: لم يمت، نحن نقول ميت ويمكن القانون يكون له حكم ثانٍ، القانون هو الأداة التي(28/44)
يشارك فيها الشعب في تفسير صفاتنا للموت إلى توقيع باقي أحكام الموت على الإنسان، كنت أتمنى أن نناقش تضييق الفجوة، وأعتقد أن دكتور صفوت وإخواننا بدؤوا يثيرون نقاطاً لا بأس نناقشها، مثال: يا دكتور صفوت أنت أحضرت إلينا أفلاماً طيب أفلامك هذه ليست مضبوطة، نأتي إلى موضوع ثانٍ; نحن - كأطباء مسلمين ثقاة - جايين نحكم العالم الإسلامي اليوم هذا يطلع حكمنا إلى العالم الإسلامي نحن ما يسموننا بالأطباء الثقات إن شاء الله، ومادمنا أطباء ثقات إذن نضع شروطاً هذه شروط حكم موت، نحن من الأول لم نضعها بشكل غير تفصيلي في الاجتماع الماضي; لأن الفقهاء كانوا متفاهمين أكثر منا، بعد أن أفهمناهم أن جذع الدماغ يكون ميتاً والقلب ينبض والتنفس موجود، فقالوا: هذا يقارب حركة المذبوح، حركة المذبوح عندنا معروفة أنه ميت خلاص، أتمنى أن نضيق الخلاف بيننا، أتمنى يا سيادة الرئيس أن نخلص من هذا الموضوع لأنني لست مرتاحاً.(28/45)
الدكتور حمدي السيد: أنا أريد أن أطمئن حضرتك أن الموقف الذي وصلنا إليه لن يتقدم خطوة واحدة عن آراء الموجودين، آراء الموجودين طرحت تماما، وكل واحد أظهر موقفه تماما، وأنا أشك جدا في أنه سيحدث تغير في المواقف، أنت تريد رأياً بالإجماع، لن يحدث; لكن هناك رأي غالب على الحاضرين، لأن بعض الزملاء عندهم تحفظات، وما زال عندهم تحفظات ولن تتغير ولا أعتقد أنها تتغير، إن ما تريده أنت أن تكون هناك توصيات واضحة وظاهرة سواء بأغلبية الحاضرين، وأنا قلت للدكتور أحمد: لا بد للموجودين أن يحددوا وظائفهم وتخصصاتهم إلى غيره، إنما حضرتك - كما تعلم - أنّه لكي تعمل هذه الفرشة الواسعة من المناقشات وتأكد أننا لم نترك في هذه القضية صغيرة ولا كبيرة إلا وتمت مناقشتها وعرضها والباقي الآن أن تترجم هذه المناقشة الطويلة العريضة إلى مجموعة محددة من التوصيات، وهذه سيقوم بها - بعد إذن حضرتك غدا طول النهار يا دكتور أحمد - مقررو الجلسات، يجلس مقررو الجلسات وليكن الدكتور إبراهيم بدران رئيس هذه اللجنة، وتحاول أن تعمل مما دار من توصيات ومن مناقشات تحاول أن تعمل مجموعة من التوصيات في الجلسة الختامية، وهذه ورقة العمل التي سوف تعرض في المناقشة تضاف منها يتحفظ عليها البعض لا يتحفظ عليها البعض إنما إذا كان تبحث عن Consensous لأنه الموت باحترامي في التعريفات الذي أثار هذه المشكلة هو الموت على أجهزة العناية المركزة وهم يشكلون 10% عشرة في المائة من مجموع المتوفين على مستوى الأمة، وهؤلاء الـ 10% ما أهميتهم؟ أهميتهم أن جدت مستجدات هذه المستجدات هي أجهزة للإنعاش التي تستطيع أن تبقي القلب ينبض بالرغم من الوفاة الكاملة للمخ، ونحن هنا - لأسباب إنسانية وأسباب تتعلق بحرمة المتوفى وأسباب تتعلق بكرامته وأسباب اقتصادية - نتحدث عنها عن خجل مع أن الدكتور هيثم يقول: لا تخجلوا من ذلك; لأن الأسباب الاقتصادية أيضا لها نفس الأهمية، ثم أخيرا(28/46)
قضية نقل الأعضاء، هذه هي المستجدات التي أتت على فكرنا جميعا وأرغمتنا أن نفكر في قضية جذع المخ أو غيره لكن قبل ذلك أي واحد إنسان عادي في الشارع يعرف أن أمه وأباه سيموتان، وكل يوم ملايين يموتون وآلاف يموتون ويدفنون ولا مشكلة. المشكلة تتعلق بـ subset كونك تتوقع على subset إجماع لن يحدث إجماع; والدليل على ذلك نحن عندنا ما بين الفقهاء خلافات جذرية; ما بين المفتي السابق وشيخ الأزهر حاليا وشيخ الأزهر السابق وأعضاء مجلس البحوث. وأنا عندما قلت إلى حضرتك: إنك لن تساعدنا على تشريع، ولن يساعدنا أحد على تشريع، ولن يفرض علينا أحد تشريع، إنما ما نقوله عندما تصدر توصيات من هذا المجتمع المتميز، وهذه المجموعة الفريدة هذا سيساعدنا في عملية الإقناع على الأقل عندما نذهب لدى المسئولين، يا سيدنا... إننا لا نستطيع أن نُدخل مشروعاً داخل مجلس الشعب بدون وصاية وموافقة إخواننا الأئمة من مجمع البحوث ودار الإفتاء المصرية وشيخ الأزهر، لا بد أن يعرض على الجهتين، وإذا اعترض أحد أوقف القانون، نحن عندما نذهب من أجل الإقناع فهناك آخرون يقنعون بغير ذلك، إنما عندما نتحدث بهذا المجتمع المتميز وهذا التنوع المتميز، وهذا الفكر المتميز من عدة بلاد ومن عدة أفكار قطعا هذا لا بد أن يساعدنا على أنه هذا مشروع القانون، لكن أنا موافق تماما - يا دكتور عصام - أن القضية قضية Traditions وتقاليد وتغير سلوك وتغير مفهوم، وإخواننا الذين يتصورون أنها سهلة بجرة قلم أن تكتب وتعمل هذا غير صحيح لن تستطيع، الناس لازال لديها ترسباتها من الكلمات التي ذكرها الدكتور صفوت، وأعتقد أنه على حق فيها، في مصر احترام الميت هو فكر فرعوني شديد التأصيل في الوطن، إنكم لا تعلمون عندما يموت إنسان في مصر لازال في بعض القرى في الصعيد لطم الخدود وشق الجيوب ودهن النيلة على الوجه والحزن أربعين يوما متتالية، هذا لا زال قصة في مصر لا توجد في بلد عربي آخر، نحن(28/47)
لدينا ظروف خاصة جدا، نحن ما نقول يا سيدنا إذا كنت حضرتك تريد إجماع لن يحدث، تريد وضع قواعد عامة تشمل
95% ممكن.
أريد أن أقول شيئا: هذا الحوار الذي دار على مدى يومين قبل أن يكون مفيداً كان تعليماً لنا جميعا وليس فقط تعليماً لنا - ونحن نعرف كيف سنتصدى لصفوت - نحن عرفنا جيداً جداً لأننا تعلمنا الفقه وتعلمنا الإسلام وتعلمنا كلام وتعلمنا تجربة وتعلمنا خبرة نحن بقينا أفضل حالا بكثير منذ ما بدأنا ونحن الآن في موقف أفضل بكثير من بعض في الفكر، لا شك في هذا فأنت حضرتك كل ما تحضر إلينا مثل الآن وتظن أننا لم نعمل شيئا، لا بل نحن عملنا عملاً مجيداً يا أخانا. أقترح إذاً اجتماع المقررين، وأقترح بأن يكون دكتور رؤوف في هذه اللجنة لأجل أن يستفاد برأيه في بعض الأمور وتعدون مذكرة يعني ليس التوصيات النهائية بل التي سوف تعرض على المؤتمرين بكامل تشكيلاتهم بعد الظهر وشكرا.
الدكتور محمود كريديه: معالي الدكتور عبدالرحمن الشيء الذي تبدل بين عشر سنوات أننا الآن لدينا خبرة عشر سنوات ولدينا خبرة عشر سنوات (بروتوكول) جاهز طبق والتجربة تدعمه، وهو (بروتوكول) يعتبر بين (البروتوكولات) الأخرى من (البروتوكولات) الشديدة التي لا تدع مجالا للشك، ورأيي أن المؤتمرين هنا يوافقون على اعتمادها; (البروتوكول) والتوصية بأن يعتمد في كل البلاد العربية. يعني اقتراح دكتور حمدي السيد أن يتحفظ عليه من يريد، لكنّ لجنة المقررين تضع (البروتوكول) ويجري النقاش عليه ومن يتحفظ فله ذلك لكن الغالبية العظمى سائرة نحو تحديد الموضوع أنا أوافق على اقتراح الدكتور حمدي.(28/48)
الدكتور عبدالرحمن العوضي: أنا أعتقد أن الدكتور صفوت ودكتور رؤوف وصلا إلى تحديد بعض النقاط المهمة، أما علم الفقه والتشريع فهذا ليس عملنا، أنا أعرف أن أسبح فقط في بحر محدود اسمه بحر الطب البسيط، فلذلك كنت أريد ألاّ نخلط، أنا أشعر اليوم بتقارب نريد أن ننتهي من هذا الموضوع، هو يسألك سؤالاً: ما هي فترة الاحتضار؟ وهل هي حياة أم موت؟ هذه النقطة التي أثارها الدكتور رؤوف تستحق المناقشة.
الدكتور صفوت لطفي: مثلما يقول أو مثلما أقررتم أنا أعتقد أن هذا إنسان يحتضر، وصفات هذا المحتضر أنه ما زال الأصل فيه قبل احتضاره، إنّه حي في الأصل، وهو حيّ - أيضا - في مرحلة الاحتضار هذه إلى أن يتوفاه الله يظهر الكثير من مظاهر الحياة التي موجودة عنده; يعني قلبه كان يدق وهو حي، وهو يحتضر قلبه يدق كذلك، فيه ضغط دم وهو حي وفيه ضغط دم وهو يحتضر ولو شككته وهو حي ضغط دمه يرتفع ويحدث له Tachicardia (تسارع في دقات القلب) وهو يحتضر أيضا كذلك كبده يعمل وهو حي، كبده يعمل وهو يحتضر، والأمعاء، وهكذا والكثير، إذن هو أقرب إلى الحياة منه إلى الموت فالسؤال الآن: هل يصوغ لنا أن ننتزع أعضاء الإنسان المحتضر؟ أريد إجابة على هذا السؤال.
الدكتور حسان حتحوت: يا إخواني... المحتضر إنسان حي ويتنفس أمّا الذي مات مخه وجذع مخه، إنسان لا يتنفس، وفقد القدرة على التنفس من ساعات، فكيف يكون محتضراً؟! إن النفَسَ هو الفارق بين المحتضر وبين الميت، والذي مات جذع مخه لا يتنفس فهو ميت بالضرورة، ولا تخلطوا هذا بذلك... وشكرا.(28/49)
الدكتور إبراهيم بدران: بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة أنا يمكن سآخذ 5 دقائق لو سمحت لي، أنا الحقيقة برؤية أعجز واحد في حضرتكم الموجودين هنا أعطي نفسي الحق أني كرجل مسلم عربي حاضر من مصر أبدأ الشكر (لا نقدر نقول عليه الآن هذا لا شكر على واجب)، ومنظمتنا هذه في هذا الاجتماع بالذات أثبتت وجودها على مائدة صنع القرار في العالم الإسلامي، نحن ظللنا 13 سنة من يوم أن بدأنا بعد 13 سنة أنا فخور أنني أنتمي والحمد لله أنني شاركت في نقطة البداية في هذه المنظمة على أنها أمل يجمع فكر المسلمين ويوحد قلوبنا ورؤيتنا إلى خير يحمي المريض قبل حماية الطبيب، ويحمي الوطن من الشوائب التي ممكن بعض الناس من إخواننا يقولون: تُستورد من العالم الملحد أو العالم غير المسلم هذه أول نقطة، النقطة الأخرى أنا من جيل كان له روابط تعليمية مع أولادنا وزملائنا في مرحلة تكوين الدولة العربية في منتصف هذا القرن من الأربعينيات، والحمد لله رأينا هذا الجيل يقفز على الزمن ويثبت وجوده ويفتح الأمل لما استعصى من مشاكل المنطقة، نحن تأخرنا واستُهلِكنا جزئيا بسبب مشاكل المنطقة التي عشنا فيها، وإنما نحن فخورون بإن زرعتنا أثمرت، وهو الآن أحسن مننا وأنا بأقول له الحمد لله أنني عشت ولقيت واحد مسلم عربي سعودي مثل حضراتكم، أو كويتي، أو سوري ومصري بينكم هذه اللغة فالحمد لله أننا عشنا وسمعناها وأنا أريد أن أقول إنّ الذي طلعتُ به أنه يوجد واحد حي وواحد ميت وبينهما حالة احتضار أنا من سياق الحديث الذي تم فإن مرحلة الاحتضار ثلاثة أصناف: حياة مرضية كالرجل الذي يحصل له نوبة قلبية شديدة عاش في الفيلم وكان حيا أخذوا منه أعضاء!!!، والرجل الذي كان عنده نزيف في أغشية الدماغ عمل له عملية للشرايين الدموية وتعمل فيه حاجة ونحط له كليبس وعاش، وواحد عنده كوليرا ومصاب بالجفاف Dehydrated وقع في الثلج ونشف وبعدين اللهسْعف هذه حياة مرضية مؤقتة ويمكن(28/50)
إصلاحها reversable احتضار خضري فيه قدرة ولكن تفقد فيه قشرة المخ التي تعاونه على التفكر والتصرف والتأمل، والحديث أيضا قضية هذا الرجل في مرحلة احتضار مثل مرضى (الأيزهمير) القشرة المخية يتمشى ويتنفس ويتصرف مثل: الماعز ومثل الفيل. قضية الحياة الخضرية، أو المرحلة الخضرية قضية القرار فيها معروف ننتظر لما أمر الله ينزل خلاص. باقي أمامنا مرحلة صناعية; حياة صناعية هذه ضمن الاحتضار (أنا واحد بيموت لحقته وأعطيته أنبوبة تنفس في القصبة الهوائية intratrachal tube وأعطيت له محاليل ووضعنا إليه قسطرة وشغّلت قلبه وشغّلت كلاويه، إنما حياته صناعية) هذه المرحلة الصناعية مؤقتة يمكن الحفاظ فيها على الأنسجة ومن خلال الأنسجة الحفاظ على الأعضاء ومن هنا هذا الإنسان مخه ميت موتاً كاملا إنما أعضاؤه حية، هذا الإنسان أمامي واحد من اثنين: إما - اقتصاديا - أتركه يموت، وإما أحتفظ به كي أستفيد منه هذا التقسيم الذي طلعت به من كلام حضراتكم.(28/51)
النقطة التالية: تعلمون أنّ العلم اليوم يتقدم وهناك حاجة اسمها صناعة الصحة صناعة تعتمد على حياة الإنسان أنا فاكر لما نشخص أحد المرضى وعنده البنكرياس اليوم يصطاد ورم من البنكرياس وهو حاجة نصف سم. وشكرا للتكنولوجيا يبقى في علم صناعة الصحة غيرت النظرة الطبية لحياة الإنسان بعد هذا طلع عملية System Organization هو نقل الأنسجة وليست عبارة عن System Organization هذا من غير طيارات وسيارات ومن غير طرق ومن غير تلكس ومن غير فاكس ومن غير نقل دم ومعمل دقيق تكنولوجي لا بد أن تكون متوفرة، ربنا أعطانا هذا، ربنا سبحانه وتعالى قال: {وما بكم من نعمة فمن الله}، هذه نعم، {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} العلم الذي يأتي إلينا يفيضه علينا من فضله وإحسانه يعطينا من فضله وإحسانه كل فترة حاجة نتقدم بها خطوتين، وعندما تأتي إلى قوله سبحانه وتعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}، في سورة المائدة، نجد أنه إذا كان الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا حرج على فضل الله فهل أستفيد من فضله أو لا؟ إذا كان هذا المريض لا أحد يحتاج إليه في الحياة الاصطناعية لا أحد محتاج إلىه وأهله يعتزون بجثته فيه سباق ما بين الدود وrecepient، في الدول المتقدمة الحياة لها قيمة وعندنا الحياة لا قيمة لها إننا خرجنا من العلم الممسوك إلى علم الكلام إلى الكلام نحن توهنا في علم الكلام نحن عشنا على سكة حديد في الجراحة اسمه indications فأنا أقول: السياحة جميلة في غابة المعرفة إنما الواحد لو ضل سوف يأكله أسد، الأسد هذا هو الذي سوف أرسل إليه المريض وسوف يأخذ ملابسه وفلوسه وفلوس بلده ويُرْجِعه (فاضي) من أجل أن يعيش سنة أو اثنتين - قضية العلاج الطبي في العالم اليوم هي إضافة أيام بدون قيمة إلى الحياة أو إضافة حياة إلى الأيام، يسعدني أن أكون سليما وأعيش ألف سنة أنا أفضل أعيش سنة منتجاً productive وأضيف وأستفيد، ولا أكون عالة على الدنيا ولا(28/52)
على أولادي ولا مجتمعي ولا بلدي غير أني - فقط - أعيش vegetative حياة خضرية.
إن أمريكا فيها كل سنة عن طريق الحوادث فقط 2000 حالة حياة خضرية كل سنة تكلف أمريكا 175 مليار دولاراً في السنة على نواتج الحوادث التي تحدث بالطرق، فهل نستفيد نحن من فضل الله؟ هل نستفيد من تكنولوجيا العلوم الطبية أو نتركها تنطلق وتتحسن حتى إذا ما توصلنا مثلا إلى أخذ بعض خلايا سليمة [وأحطها في واحد يقوم الكبد يصحي يقوم آخذ حتة من قلب وأركبها لواحد عنده قلب ضعيف يمكن أركب له(28/53)
(Cardiac assist) جزء مساعد للقلب مثلا اليوم يأخذون مرضى ضمور العضلات للأطفال الخلايا من muscles يحقنوها إلا أنّها تكلف 75 ألف دولاراً بتوع ضمور العضلات 75 ألف دولار في إنقاذ طفل هل هذا غلط أم صح؟] العلم ما زال يتقدم يوماً بعد يوم، هل اليوم أنا لا أستفيد من التأثير المضاعف للعلوم المتقدمة يبدأ في نقطة وتجد أولادنا الموجودين واحد منهم وهو بيشتغل يمكن يلاقي حاجة تضيف إلى العلم كله معرفة جديدة، نحن لسنا محرومين من الذكاء، فالذي يخترع خلقه ربنا مثلنا، صحيح نحن أحفاد سيدنا إسماعيل وهم أحفاد سيدنا إسحاق إنما كلنا من (كروموسوم) سيدنا إبراهيم أريد أن أقول لحضرتكم multiplied effect اشتغلت أنا slience rechrotory خمس سنين من عمري نقطة وملاحظة واحدة يشوفها ابننا العزيز ممكن يقلب الكرة الأرضية Progress بيشتغل عليها مليون واحد بعد هذا ويجعلون الدنيا تطير أنا أريد أننا حددنا نفسنا في الحياة الاصطناعية الذي هو artificial life التي هي ثالث صنف من الاحتضار، الأول كان اسمه (مسترجع) reversible في (فيلم) ابننا العزيز صفوت - الثاني ذو المياه الباردة الذي كان يعمل في المحيط كان حالته متجمدة ومرضى الكوليرا عندنا: عندما تعطي أحدهم المحاليل اللازمة يشفى ويصير في حالة جيدة، كان هناك رجل اسمه إبراهيم باشا عطاالله لما كان قائد الجيش المصري زمان (وبعدين) أستاذي قال لي: (إن إبراهيم باشا مرض اذهب شوفه يمكن بيموت) ذهب الرجل كان عمره 60 سنة ويتمشى كل يوم وكان درجة الحرارة وصلت في مصر 46 درجة، ونحن لسنا متعوّدين على ذلك!! مشي وتعب ووقع طريحا ساعتها سنة 47 كان طالع مفهوم توازن سوائل الجسم جلست أعطيه قليلاً من ماء وملح بعد ربع ساعة جلس وبقى (كويس)، هذا مثلا بفضل الله هذه واحدة، الثانية أصحاب (الزهايمر)، الحياة الخضرية وهي مشكلة خاصة هو غائب عن الدنيا، والثالث: هو هذا شغلنا هنا، وأنا كلامي كله محصور في هذا(28/54)
الثالث; فهل أتركه إلى الدود، والدود جاهز لا يترك أحداً; في 12 ساعة القرنية بتكون رايحة، فهل كفرت لو أخذت القرنية وجعلت واحداً أعمى يرى بها؟!! لم أكفر أمام الله أنا جاهز لو سألني عن هذه الجملة وأنا على الصراط المستقيم - أقسم بالله - إن عدله سوف يرحمني، لو أنّ واحداً عنده كلية وفشلت ووجد عنده ورم سرطاني ألا أعطيه كلية؟ فلو أخته ليس لديها أو ليس من نفس فصيلة الدم ألا أقدر آخذ من واحد يحتضر سيأكله الدود بعد شهر سنجده هيكلاً عظمياً، الجماعة في البوسنة في ثلاثة أشهر كانوا عظما وليس هناك لهم قطعة لحم، الدود أكلهم في ثلاثة أشهر، ومنطقة باردة وليست مثل عندنا، الدود جاهز والبعوض والذباب جاهز ننقل ما نريده، ونستفيد به هذا أفضل، النقطة التالية التي أريد أتكلم فيها. النقطة الثالثة: نحن اليوم عندنا علماء دين باسم الله ما شاء الله مستواهم أحسن من مستوانا كأطباء، لماذا؟ لأنهم سلالة مدرسة قوية جدا مدرسة بقى لها 1400 سنة تشتغل وتضيف فالمدارس الدينية أقوى من المدارس العلمية عندنا، لكن للأسف الشديد العلم الذي يأتي من الخارج يسبق رحلة العلماء الذين يتقدمون بها، علماء الدين يتقدمون كثيراً، ولكن الذين يشتغلون بالتكنولوجيا أسرع منهم بكثير، ومن هنا ظهرت الفجوة، نحن لو كنا نسير مع علماء الدين بنفس السرعة لكنّا الآن متفاهمين جدا وما كان طلع ابننا صفوت، ما كان طلع أبداً، أو كان اقتنع من مدة بعيدة لأن كانت رؤيتهم توافقت مع ما سوف نقوله لهم، هم طبعا أناس حريصون جدا ويخافون من ربنا أكثر منا، نحن نعتمد على أنّه كتب على نفسه الرحمة، هو ضامن - إن شاء الله - ونحن نخاف من هذه النقطة، هو لا بد أن يستند إلى كلامنا، كلامنا اليوم لا بد أن أستفيد من خبرات العلم، وخبرات العلم هذه من فضل الله، لا بد أن أضع نفسي في موقع أحد أمد يدي على التقدم الموجود في العالم أفيد منه يعني المريض الذي عنده Cardiac نقل قلب، يكلف(28/55)
فلوساً إنما بفضل [الناس الحلوة زي حضراتكم] ممكن يطلع لكم نبات مثل الذي في اليابان يعمل حماية (Prevention) من رفض العضو، وممكن أولادنا يكتشفون نباتاً يطلع في الصحراء، هل هذا ممنوع؟ أنا أقول: يا إخواننا لعلّنا نخرج برأي واحد - يا صفوت - نخرج كلنا برأي واحد لوجه الله الكريم، نسأل الله ألا يضعك في تجربة ولا يضعنا جميعا في تجربة احتياج لنقل شيء لأولادنا، نقل المخ brain سوف يكون خلال 20 أو 22 سنة، فأرجو من الدكتور صفوت لغاية ما يطلع Brain transplant (زرع المخ) يقبل كلامنا ويوم أن يطلع brain transplant [يبقى يفتح رأس الرجل ويحط المخ هذا ويرجعه]. لكن أتركه يموت وعندي حق آخذ من واحد دوده سوف يسبقني إليه، أكون أنا ظلمت نفسي وظلمت المسلمين وظلمت الرجل الذي سيموت وظلمت أسرته وشكرا.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: شكرا للدكتور إبراهيم بدران على التلخيص الجميل وعلى هذه المناشدة التي ناشدنا إليها جميعا وأرجو أن نكون عند حسن ظنه، الأخ عصام الشربيني.. تفضل.
الدكتور عصام الشربيني: نحن سعدنا بالحديث الشيق من أستاذنا الدكتور إبرإهيم: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي. موضوع الاحتضار موضوع موت جذع المخ احتضار خطأ، فالمحتضر حي - كما يقول الدكتور حسان - والمحتضر هو الذي حضره الموت، القرآن الكريم يقول: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} والمحتضر يستطيع أن يوصي، ويقول: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} فالاحتضار مرحلة فيها حياة، وموت جذع المخ هذا موت، الفرق بين موت جذع المخ والجثة، الدكتور صفوت يقول: نعتبر موت جذع المخ احتضاراً، لو سمحت لا داعي لمرحلة الاحتضار، نجعلها مرحلة الحياة الخضرية، أو مرحلة الحياة الصناعية وشكراً.(28/56)
الدكتور حسان حتحوت: يا إخواننا... لو أحد مات وأنا مسكت يده وصرت أحطها وأشيلها هل يده تتحرك إلى أعلى وإلى أسفل نقول هذا ليس ميّتا، الذي يحصل عن موت جذع المخ نعمل نفس الشيء لكن سلسلة سيبية أطول قليلاً نحن نعمل مضخة على صدره فيدخل الأكسجين فيذهب الدم ويغذي الأعضاء فالقلب يدق. الفرق في طول السلسلة السيبية، إنما لما أمسك يد أحد وأطلعها وأنزلها لا نقول إنه حي ولا حياة صناعية ولا حاجة ليست حياة، أقول: إنه ميت نحركه وهي هذه موت جذع المخ بالتأكيد وبعد ذلك المحتضر ليس ميتاً ولا الميت محتضراً وشكرا.(28/57)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: إنّ دخولنا في التعريفات العربية سوف يتعبنا جدا يا جماعة، نحن مؤتمر طبي، والذي يقوله الدكتور صفوت هذا حرص ديني ولا نحب أن ندخل في مراحل تسمى احتضاراً أو غيره في العمل الطبي، القرآن الكريم إنما قصّ العظة والموعظة لمرحلة الحياة وقضية تتعلق بالخطأ والمعصية، ورجاء الثواب وخوف العقاب، وهذا لا علاقة له بما نحن فيه، وإذا أنتم افتكرتم - وأنا معكم - أننا كمنظمة إسلامية سنبتدع أشياء غير الغرب، أصله نحن خائفون مثلما يقول الدكتور عبدالرحمن العوضي، وهو له الحق أن يفكر هكذا وبالتالي الدكتور شريف مختار أيضا يقول: لا أنا [لا أشد الفيشة] أي لا أوقف الأجهزة، فأنتم تحومون حول الحمى وتخافون أن تقعوا فيه، جذع مخ مات ستعرف بهذا ونعطي تصريحاً وبعدها عندكم (بروتوكولات) وإمكانيات اقتصادية أنا ناقشتها في ورقتي التالية بالتفصيل، وما ذكرته الآن يا دكتور إبراهيم كأنك كنت تنطق ما أقول، وأنا سيئ الحظ ومخطئ أنني عملت الجهد وتركته يرتمي على الأرض وأضرب به وأنتم لكم الحق ألا تقرؤوا ذلك، كل ورق يجب أن يُقدَّم قبلها بثلاثة أشهر، وهذا المؤتمر يجب أن يوصي بعقد ندوة أخرى يحضرها الأخ صفوت والآخرون لأجل أن نناقش نقطتين جديدتين: اقتصاديات الندوة والتضحية في العالم الثالث مع التغير الهيكلي في الاقتصاديات والظروف التي أتت ومشاكل العالم الثالث كي يقابل منع الأمراض المتوطِّنة وعلاج الأطفال بعمل الغسيل، هذا مطلوب من عميد أطباء مصر، النقطة الثانية: الأخلاقيات فإنّ قضايا الأخلاقيات أصبحت إسلامية نحن أصبحنا ناضجين، وأخلاقيات الاقتصاديات الطبية لأنهم اليوم يقولون The ere going on نحن لا نقدر أن نقول هذا الكلام، عندنا مرضى وعندنا شعوب فقيرة ونريد أن نحدّد أولويات وهكذا، فإذا أنا أقول: هنا جذع مخ مات هنا قرار الرخصة فليس هناك حالة احتضار في جسم عايش، ومتفق على هذا الكلام دوليا. فإذا كان هناك من يقول(28/58)
أنا مسلم أضعه في القبر - أنت حر - سيذهبون إلى إسرائيل وأمريكا وسيعملون والأمر مفوض لكم وشكرا.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: أطمئن الدكتور عبدالمنعم أن المنظمة في تخطيطها أنها ستعقد ندوة عن العدالة في التوزيع بين ندرة الموارد وعدالة التوزيع، وشكرا.
الدكتور صفوت لطفي: أنا أقول: إن الإنسان الذي مات جذع الدماغ عنده بكل المقاييس والتشخيص كله موجود وإنما فيه مظاهر كثيرة تتفق مع ما هو موجود في حياته عدا حاجتين: أنّه فاقد الوعي وليس لديه القدرة على التنفس، لو اعتبرت الموت موت تنفس فقط، طيب الذي يأتي بنوبة ربوية حادة ومستمرة أو نوبة جذع متكرر ومستمر، الحكاية ليست تنفّساً إنما هي كل أعضاء وأجهزة الجسم الاختبار بكل أعضائه وجسمه تعمل ما عدا أنه في غيبوبة وفاقد القدرة عن التنفس بل وتكرار الاختبار حسب المراجع وبعضهم يرجع في بعض التجارب فلا يمكن أساوي هذا بجثة الميت، الميت هو الجثة الهامدة، أمّا هذا الإنسان ففيه الكثير من مظاهر الحياة، فلا بد أن يكون هذا الإنسان يحتضر في طريقه إلى الموت، والدليل هو أنني مهما أتيت من علم وعملت إنعاش قلبي رئوي للمريض فهو سيموت، والفرق أن هناك مريضاً يموت بعد ساعة ومريضاً بعد ساعتين، وهناك مريض يموت بعد عشرة أيام ومريض يتحول إلى حالة خضرية فما الفرق بينهم؟!! الحكاية ليست (صناعي) وإلا فالمريض العادي الذي يركّب له pace maker يمكن يموت، وعندما يموت تكون بطارية تنظيم دقات القلب تعمل وشغالة، طب ليه ما الذي يوقف القلب الذي هو مفارقة الحياة، وإلا كان بنفس المنطق ليس هناك مريض على ظهر الأرض مركب pace maker كان مات، إنما لو مات فعلا مهما أتيت من علم لا تستطيع أن تجعله يدق دقة واحدة، فلا بدّ أن ننظر الموضوع الصناعي ليس مطلقاً يا إخواننا ولذلك اسمها aids أي يساعد بعضو حيوي فقط جزء ومن وظيفته أو فقد وظيفته أو فقد وظيفته نهائيا.(28/59)
الدكتور إبراهيم بدران: لا يمكن يا دكتور صفوت فنحن نؤمن بما نقوله ولن نؤمن بما تقول، فحضرتك عفواً لأننا ظللنا 48 ساعة نلف في نقطة واحدة، وجلسنا نعمل ودخلنا في علم الكلام وعلم الكلام لو دخلنا فيه لا نخرج منه، فحضرتك ما عليك من علم الكلام ودعنا نضع حدًّا لهذا الجدل.
الدكتور صفوت لطفي: إنك يا دكتور إبراهيم أتيت بالمفيد وأنا أضيف إليها جملة: أنني أعتقد اعتقادَ يقينٍ كاعتقادي بوجود الله تعالى وببعثة حضرة سيدنا رسول الله أن كل ما أقوله هو الحق، وشكرا.
الدكتور حسن حسن علي: تعقيباً على الأخ الدكتور إبراهيم بدران لو نسينا فكرة زراعة الأعضاء من هؤلاء المرضى، وركزنا على نهاية الحياة في هذا الإنسان بعد فشل جميع الأعضاء، ورغم المحاولات العلاجية فإن المريض سيتوقف قلبه برغم عمل جهاز التنفس خلال ساعات، أتمنى على الدكتور صفوت أن يذهب إلى وحدة العناية المركزة، ويرى المرضى على جهاز التنفس بعد فشل محاولات الإنعاش وينتظر ليرى: كم سيبقى قلب المريض يعمل؟ قبل أن يتوقف تماماً. أريده أن يذهب بنفسه للعناية المركزة ليرى أن هؤلاء المرضى ميّتون وشكراً.
الدكتور أحمد رجائي: نقطة صغيرة يمكن للدكتور صفوت نحن جئنا بالفيلم وعرضناه، والإخوان كلهم علقوا عليه، ولا أدري أنت لم تذكر لنا هل بعدما سمعت كل التعليقات وأن كل الناس الموجودة قالوا: إن هذا الفيلم خطأ 100% هل ستعرض هذا الفيلم مرة ثانية في لقاءاتك وهل يكون هذا وسيلة من وسائل عملك.. شكرا.(28/60)
الدكتور صفوت لطفي: يا أستاذي الفاضل أنا لا أعرض هذا الفيلم، أنا أقول ما أعتقده عن هذا الموضوع في معظم الندوات التي دعيت إليها 34 ندوة في مصر أساسا من منطلق ديني وليس كأستاذ تخدير، والمعتقد ما أقوله: من أن هذا إنسان محتضر ومعظَّم، وأنا أدلّل على أن هذه (البروتوكولات) مهما أوتينا من علم فهي تخضع إلى الاجتهاد الشخصي خاصة أن غالبيتها تعتمد على clinical test، والخطأ البشري وارد، إذْ إن تشخيص جذع المخ لدى الأطباء اليوم وبعد 10 سنين هو تشخيص ظني، أما الموت الذي خلقه المولى عز وجل مصداقا لقوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} بل وقدم خلق الموت على الحياة، هي قطعية دلالة; قطعية ثبوت; أي يقيني لا محالة، إنما الثاني ليس يقينيا لا محالة، إنما هو ظني; يغلب في ظني أن هذا ميت يغلب في ظن اللجنة الثانية أنه ميت ولا يؤخذ في أمور الحياة والموت بالظن.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: إنما أعتقد أن ما تفضلتم به من الظنية ينطبق أيضا على كل علامات الموت لأن كل علامات الموت ظنية التشخيص، فالذي نشخص به الآن الوفاة هو تشخيص ظني.
الدكتور صفوت لطفي: الموت حقيقة فإذا مات إنسان، وهمد جسمه وتوقفت جميع أعضائه وأجهزة الجسم عن العمل، وفقد حرارة الحياة فلا يمكن مهما أوتينا من علم إعادته ولو دقة واحدة في القلب.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: كل هذا ظني وليس فيه شيء يقيني إطلاقاً، والله على كل شيء قدير، ويمكن أن يعود إلى الحياة في أي وقت كان.
الدكتور حسان حتحوت: بنيت الشريعة فيما لا نص فيه على غلبة الظن. وشكراً.(28/61)
الدكتور محمود كريديه: هو في الحقيقة دكتور هناك أزمة منطق Logic وأزمة في المعلومات وأزمة في الموقف، فأنا أقترح أن المقررين يضعون (البروتوكول) ونسير فيه ثم ننظر الانتقادات أو التحفظات لننتقل من موقع إلى موقع حتى لا نظل نناقش وننقاش، يا دكتور صفوت أنا أقول: أثناء حديثك هناك أزمة وهناك خطأ في المنطق، والمعلومات - على سبيل المثال - تذكر أن المريض المصاب بنوبة ربو حادة مستمرة والمريض المصاب بنوبة صدعية مستمرة نحن لم نذكر أنه مات; نحن نقول إذا توقف التنفس لفترة تؤدي إلى فشل الدماغ الكلي عندئذ نعلن الموت، فأنت أخذت معلومة جزئية وقلت: إن هذا لا يتنفّس وشبهته بالميت، وتنتقل إلى غيبات; من وقائع إلى الغيبات، ومن وقائع إلى استنتاجات، وليس هناك علاقة بين الأولى والثانية، إذا ممكن تقارع حجة وفاة الدماغ لازم توضع (بروتوكول) لما هي الوفاة؟ هناك ناس وضعت (بروتوكول) وقف القلب والتنفس، وهناك ناس ذكروا وقف الدماغ، أنت تقول: وقف كل وظائف الأعضاء; الذي ذكره الدكتور سلام هي حالة Rigal Mortis (التيبس الرقي) التي تأتي بعد الموت، الآن تحكي لها غيبات أم أي شيء بالتحديد؟ نحن نحكي علماً بالتحديد قلنا: أنت يا دكتور ممثل الاتجاه الذي بودّك أن تمثله، ما هو تحديدك وبروتوكولك للموت؟؟ إنني وضعت ورقة قلت 1، 2، 3، 4 قارعني بورقة مماثلة حتى أتمكن أن أتحاور معك; فليس هناك حوار إذا لم يكن هناك موقف محدد بورقة مماثلة. وشكراً.(28/62)
الدكتور صفوت لطفي: يا أستاذي الفاضل أنا قلت وطرحت 15 سؤالاً في بحث، وقلت: إذا أنا طبقت هذه المعايير أنا أستدل من هذه المعايير أنه ميت، أنا أستدل فيها life support aids ومع ذلك نفس هذه المعايير إذا كانت قطعية فتطبق مع جميع الأعمار يا أخي العزيز، إنما إذا لم تطبق فسنعمل موتاً لواحد عمره شهران وموت لواحد عمره سنة ومراكز تقول: موت لواحد عمره خمس سنين، ومراكز تقول: موت لسنة، الموت هو موت واحد، خلقه المولى عز وجل كما خلق الحياة هذه أمور واضحة، ثانيا: إن هذا الإنسان الذي فيه موت المخ فقط يظهر الكثير من مظاهر الإنسان الحي وهذا يستتبع أنه كان في الأصل حيا وليس ميتا، ولا يوجد خلط بين موت وحياة، فإمّا حياة أو موت. وشكراً.(28/63)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: تسمح يا دكتور صفوت أنا سوف أقول عليك حاجة: أنت حضرتك قلت لي - وعلى فكرة إنني أحبك جدا وأحترمك مثل ابني ولا أريدك أن تأخذ موقفاً شخصياًّ - إنك قلت: إن مشكلتك ليس بأنّك طبيب، إن مشكلتك الأساسية أنك متفقه دينيًّا، نحن داخلون في قضية علم الكلام الذي قتل المسلمين قديماً، نحن في وضع لماذا لا تقول ما يفهم؟! والثاني يقول له: لماذا لا تفهم ما يقال؟! والدكتور صفوت يهمه موقف ديني يفسر به الدين على أنه إيمان وأنّه من قائمة العلماء الذين واجهوا هذا الموقف واكتسب الحقيقة عبر جهد طويل وعمل منظمة موازية للأطباء الذين يدافعون عن المرضى من الناحية الدينية وكل الأشياء التي تتعلق بالقصاص والهجوم على الأطباء ناتجة عن قناعة، وسيدنا علي رضي الله عنه قال - في وقت أن رُفعت المصاحف على أسنة الرماح -: [القرآن بين دفتيه لا ينطق وإنما تنطق به صدور الرجال] ونحن داخلون في هذه الديلمة نحن لا بدّ أن نتصدى إلى جماهير شعبنا، ونوضح لها الأمور بالشجاعة التي وصلنا إليها طبيا; لأن الدكتور صفوت في هذا ليس طبيبا; إنه يقول: إنه في هذه الموضوع قريب جدا من الاستنارة الإلهية، وأن هذه عقيدة داخلية، وأن كل الآخرين - بمن فيهم المفتيين السابقين - أخطأوا وأنا (حطيتهم) عند حدود الالتزام، وبالتالي فإنك تضع نفسك في موقف الإمامة على أئمة المسلمين. نحن يجب أن ننتهي ونخلص إلى قرارنا في هذا المؤتمر، قراراتنا الطبية لا نقدر أن نصل إلى مستوى صفوت في الوضع الفقهي والديني، دعونا مع فقهائنا نرجع إليهم ثانية ونقول لفقهائنا رأينا، ثم بعد ذلك الله يحكم بيننا يوم القيامة، وفيه شغلنا مع شعبنا لأنّ أمامه مهام ثقيلة جدا لم ندخل في أخلاقيات اقتصاد الندرة والتضحية.(28/64)
الدكتور أبو شادي الروبي:أكون عندي أي إضافة أقولها من المنطلق الفلسفي، الكلام الذي يقال: الحياة، والموت، والاحتضار? هذه مشكلة معروفة جدا لدى الفلاسفة، وهي مشكلة تعريف المفاهيم، تعريف المصطلحات، ومعروف أن هذه متاهة; إن المصطلحات مسالة conventinal اتفاقية يتفقون على [حاجة معينة] يصبح هذا المصطلح وإما أن يقولوا إن هناك الحقيقة المطلقة وكل الذي نحن نقوله إن الحقيقة دائما نبحث عنها، إنما لا نقدر أبدا أن نجزم أو أن نحتكر الحقيقة، إذاً العملية كلها في الحقيقة عملية اتفاقية، يعني إذا أردتم أن تتفقوا على الموت اتفقوا عليه، تريدون معايير الحقيقة (أو واقع الحقيقة)، معيار الحقيقة فيه ثلاثة معايير معروفة: واحد منهم يقول correspondent هو مطابق للواقع في Consistance التناسق لا يكون متناقضاً مع نفسه، وأما الثالث يقول عليه Practical (عملي) هي الناحية المنفعية أو العملية، هذه هي المفاهيم الفلسفية لعلّها تساعدنا يا إخوان، التعريفات يمكن تساعدنا، فالتعريفات متعارف عليها ولكم أنتم أن تحددوا هذه التعريفات وشكرا.
الدكتور عصام الشربيني: د. صفوت يقول: إن مفهوم موت جذع المخ لا ينفع; لأننا نطبقه على الكبار دون الصغار، والموت والحياة شيء واحد. يا دكتور صفوت الحقيقة أنا لم اللهرِدْ أن أقول حكاية ابن الرومي، ولكنني مضطر لذلك الآن. ما نقوله هو أننا في الكبير نكون متأكدين من موت جذع المخ فنقر ذلك، أما في الصغير فنحن غير متأكدين ولذلك نسكت.
الدكتور صفوت لطفي: إذن هذا الاعتبار ظني وغير يقيني ولهذا لكي أنهي الحديث أنا لن أغير من معتقدي في يوم من الأيام.
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط: ليس أمامنا الآن إلا أن نرفع الجلسة والحمد لله رب العالمين.(28/65)
المناقشات
الدكتور حمدي السيد: في الواقع هذه الجلسة الصباحية أعتقد أنها جلسة تعليمية وتعريفية مفيدة لجميع الموجودين، وأنا لابد أن أقدم التهنئة الشديدة للدكتور محمد السبيل على ما عرضه من نتائج لزراعة الكبد، ونحن دائما في مصر نفتخر بهذا الإنجاز، وأنا أمس استخدمت كلمة وأنا أصححها أنا قلت: إننا نحسد، لكن الدكتور حسين قال لي: إن الحسد تمني زوال النعمة، لكن نحن لا نحسد، نحن نهنيء ونتمنى أن النفحة تستمر، نحن نذكر أن يأتي اليوم إلى مثل هذا العمل المجيد العظيم، يستمر في باقي المنطقة، ولعل زملائي الموجودين هنا يتعرفون أن في هذا المركز عندما تصل نتائج زراعة الكبد يادكتور أبو شادي إلى 80% بعد عام أنت تستطيع أن تقدر حجم الإنجاز، وأنا أريد أن هذا الرقم هو رقم يتنافس مع أعرق المراكز عملاً في مجال زراعة الكبد، معنى ذلك أنه لابد من التفاصيل الدقيقة والرعاية الكاملة وتركيز المهارات في مركز واحد، لابد وهو السبب والمستوى العالي من الجودة، ومستوى الجودة في الأداء لابد أن يوصل النتائج لمثل هذا، ونحن طبعاً نشعر ونستشعر أنه لابد من الدفاع عن مثل هذا البرنامج وغيره وخصوصاً في دولة كمصر، يعلم الزملاء - إخواننا الموجودون - إخواننا الذين يريدون أن يدمروا هذا البرنامج وغيره، يعلمون أننا أكثر البلاد العربية حاجةً لمثل ذلك، وأنت تعلم تماماً أن المرحلة النهائية لمرض الفشل الكبدي (end stage of liver disease) الموجودة في مصر بشكل مزعج وأنا أتحدث - أيضاً - من مسئولية أخرى أرجو أن يستشعر بها بعض الموجودين، مرض التهاب الكبد الوبائي (C) أصبح مرضاً مهنياً بين الأطباء، وهناك أعداد متزايدة من الأطباء يصلون إلى حالة الفشل الكبدي النهائي، ويتقدمون إلينا يطلبون المساعدة في عملية زراعة الكبد، الدولة عندها تجربة في عملية زراعة الكبد لأنه - كما تعلمون - أن المرضى المحتاجين لهذه العملية يتقدمون للسفر على نفقة الدولة،(29/1)
والدولة قد سفّرت فعلاً ما يزيد على 13 مريضاً على نفقة الدولة، بعضهم كانوا أساتذة في الجامعة، وتكلفت الدولة في المتوسط - ليس كما قيل مليون دولار بل أكثر -، أستاذ معين أنا أذكره تكلف حوالي 3 ملايين دولار دفعتهم الحكومة المصرية، ثم أخيراً اتخذت الحكومة المصرية قراراً مؤسفاً جداً، ووضعنا في مأزق شديد، إذ إنها لن تنفق من الآن فصاعداً على أية عمليات لزراعة الكبد خارج مصر، لأنها لا تملك الإمكانيات، أن تنفق على فرد واحد 3 ملايين دولار إلى آخره، ولديّ من حَفيت قدماه على باب النقابة من الأطباء، ونحن ليس لدينا الموارد التي تسمح بأن نقدم سلفة أو نرسل، وفي بعض الأحيان بدأنا نرسل لبعض الجهات، وأنا أريد أن أتحدث أنه في بعض الأحيان قام بعض الذين لديهم بعض الانتماء الإنساني الشديد جداً في المنطقة العربية والسعودية بالذات بالإنفاق على بعض المرضى المصريين لعمل عملية زراعة الكبد في الخارج، ستقولون وسيقول عبدالمنعم عبيد not cost benificial, economics (ليس له جدوى اقتصادية) أنا يجوز أن أتحدث في هذا الكلام من النواحي الاقتصادية المحضة، ولو أن واحداً أمسك بورقة وقلم، وعزل نفسه تماماً عن المشاكل الإنسانية والواقعية لكن عندما يأتيني طبيب عنده 35 سنة وعنده أسرة لديها 4 أطفال، وعاجز تماماً عن العمل ويعاني في المراحل النهائية من مرض الكبد، لا تذكر لي أن أفكر في مليون ونصف مليون، وماذا سيحقق لي من عائد؟!! إنّه رجل زميل وإنسان ومشكلة إنسانية ضخمة، ماذا أفعل وأقول بأننا لا نُقدم على هذه العمليات بادعاء أنها قد تكون مكلفة إلى آخره، أنا معك قد يكون هذا منطق تجريدي للإنسان، هذا حجز نفسه وألغى عواطفه وإحساسه وشعوره وجلس يمسك ورقة وقلماً ويحسب إنما هذه ضرورية، وسيادتك تتكلم عن وجود ما يمكن زراعة خلايا يجوز ويصح في 20 سنة أن تتوفر على شيء من هذا، لكن ماذا نحن فاعلون من الآن إلى 20 سنة؟! هل ندمر برامج ناجحة تحت(29/2)
أي إدعاءات؟ هل ندعي أن الذي يحصل هذا للتجارة؟ هل الذي يحدث في السعودية تجارة؟ الذين يعملون زراعة الكبد للسعودي وغير السعودي هل نسمي هذه تجارة؟ ما هي التجارة في هذا؟ ما هي المصلحة لبلد مثل السعودية تستطيع أن ترسل من تشاء، أن يأخذوا أكباد الخواجات حلالاً وأكبادنا نحن الذي نتبرع بها إلى أهلنا أصبحت حراماً؟! الموقف الغريب.. إن الآخرين والخواجات لديهم إنسانية أكثر منا ولديهم عطاء لمرضانا أكثر منا، هذا وضع غريب جداً أخلاقية غريبة جداً، منطقياً غير معقول جداً، والتشدد في هذه الأمور أنا لا أستطيع أن أفهمه إلا إذا كنا نعمل لصالح الخواجات، أنا متصور أن منع زراعة الكبد والكلى والقلب في المنطقة العربية كل هذه الأموال تصل إلى الخواجات، وتذهب إلى أعدائنا وإلى مصلحة الآخرين، ونحن أولى بمواردنا وبفلوسنا، وبحالنا هذا كأنما نحن نتآمر على مصالح الوطن لصالح الآخرين، وهل هذا منطق مقبول أو منطق معقول؟ وهل هذا ممكن أن يتصور؟ وهل أن ندع هذه الأعضاء لكي يأكلها الدود في القبور أفضل من أنها تؤخذ لشفاء ناس؟!
نحن سمعنا أن نسبة القلب تصل إلى 90% وإلى 85%، يعني كلهم يذهبون في الصحف ويقولون: (ما هو المريض الذي يتعمل له زرع يبقى مريض وطول عمره على أدوية) ونحن استمعنا ونحن نعلم أن رفض الجسم في الكبد أقل بكثير من غيره من الأعضاء، وبأربعة أقراص نستطيع أن نقوم بعمل، ونحن لدينا أمثلة على ذلك، فكثيرة من الذين نجحت لهم الزراعة في مصر، بعضهم وزراء وبعضهم يرْأَس أقساماً، واستمعنا اليوم إلى ما هو أحسن من ذلك وهو أن السيدات يستطعن بالرغم من أخذ cyclosporin التي هي أن بعض الزملاء قالوا: إنها تسبب أوراماً وسرطانات وغيره بالرغم من Cyclosporin لا يحدث منها لا تشوهات جنينية ولا منع للحمل ولا أي شيء.(29/3)
إذاً وقوفنا ضد هذا التقدم الجيد والإنجاز العظيم التي أذكرها عندما أخرج خارج مصر زراعة الأعضاء نتفاخر بزراعة السعودية، إي والله، ونقول لهم: عندنا مراكز تعمل زراعة أعضاء وبنسبة نجاح تصل إلى كذا، ما هذا الذي يحدث؟! أنا لا أعلم، لماذا نحن محبطون؟! لأن هذا هو الواقع، وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً للدكتور حمدي السيد، في الحقيقة إنني أوافقك كثيراً في موضوع التكلفة، هناك فرق كبير بين موضوع التكلفة وبين عمل زراعة، وبين الدول العربية وبين الخارج، فأنا لدي إحصاء عندما كانت المملكة ترسل المرضى لزراعة أكباد في الخارج كانت تتكلف سنوياً ما يزيد على مليار ريال فقط، والآن نحن نقوم في المملكة بعمل زراعة الكبد بـ 284 ألف ريال فقط كان المريض يكلف من 2 مليون إلى 3 مليون دولار في أمريكا، وعندي الإحصائيات من المكتب الصحي السعودي في واشنطن الذي هو يصرف على هؤلاء المرضى، فلاشك أن الكلفة كانت كثيرة، لكن أهم من ذلك أن هناك اتجاهات في الدول الغربية لمنع الزراعة للأجانب أيضاً، فمعنى ذلك أننا أمام مفترق طرق; إما أن نقوم به أو نموت، وهذا هام جداً; فهناك الآن قانون في أمريكا يسمح فقط بـ 5% لجميع الأجانب والباقي للأمريكان، فتأكد أن أمامنا تياراً شديداً ضدنا في المستقبل... والآن الدكتور خيري السمرة، تفضل.(29/4)
الدكتور خيري السمرة: شكراً ياسيادة الرئيس، وفي الواقع أنا معجب بالمحاضرات التي قيلت اليوم، إنها تطبيق عملي إكلينيكي عن الموضوع ومشكلتنا وأنا بودي أن أقول كلمة حق في حق الدكتور صفوت: من حق كل إنسان أن يقتنع أو لا، وأنا أذكر مجموعة في أمريكا كبيرة اسمها Johovawittness يمكن الدكتور حسن علي عارفها، لا يؤمنون إطلاقاً بنقل الدم، ورأينا أطفالاً يعملون لهم عمليات والطفل يموت ونخرج ونقول إلى أم الطفل ابنك بيموت ومحتاج نقل دم، تقول أبداً هذا مبدأ!! فهؤلاء لا يقبلن نقل الدم، وابنه يموت لا يعطيه دم أو مشتقاته، من حق أي إنسان ألاّ يؤمن، دكتور صفوت ليس مؤمناً بنقل الأعضاء، هذا حقه، ومن حقه ألا يقتنع بوجهة نظرنا، أما الذي اختلف معه فيها، فليس من حقك أن تفرض رأيك على الآخرين.(29/5)
الحقيقة دكتور محمد السبيل تحدث عن موضوع زرع الكبد وأنا معجب جداً بالحالات التي عملتها، ونحن نفتخر وهذا فخر للأمة العربية كلها نتكاتف ونتعاون، وسعيد أن أطفالا مصريين عُملت لهم العملية هناك، مثلما نحن نشعر بسعادة عندما يأتي المريض السعودي هنا ونعمل له عملية ورم بالمخ أو انزلاق غضروفي، نحن أسرة واحدة، والفضل واحد، وأنا أيضاً أذكر كلمة حق: زميلي الذي ذهب إلى [بيتسبرج] وأتت له إغماءة في المطار ونقلوه إلى المستشفى وكانت زوجته معه، وكان دخل لأجل زراعة كبد، وكان عمل واحداً هناك وحدث رفض للعضو وتعب وسافر، هناك وهو نازل في المطار دخل في إغماءة نقلوه إلى المستشفى، زوجته أرسلت لي (فاكس) رافضين يدخل إلا بعد دفع نصف مليون دولار فأنا أجيب نصف مليون دولار من أين؟ والبنوك مغلقة وإجراءاتنا في الجامعة لابد أن نأخذ القرار، ومثلما قال دكتور حمدي السيد: إن المبلغ ضخم جداً، الحقيقة لجأت إلى السيد رئيس الجمهورية ولجأت إلى خادم الحرمين، بعد 6 ساعات جاءني (فاكس) أن المريض سيموت (وعاوزين) فلوس اليوم، فاتصلت بالدكتور عاكف المغربي - ربنا يستره - كان في القاهرة بالصدفة، قلت له: يا عاكف الوضع كذا كذا فحوّل الفلوس فوراً، الرجل لم يتردد وحوّل نصف مليون دولار إلى المستشفى وعندها ابتدؤوا ينقذون حياة هذا الزميل، أشكر جزيل الشكر الموافقة من خادم الحرمين، وموافقة من الرئيس، شكرْنا خادم الحرمين، والرئيس تكفل بعلاج هذا الزميل.(29/6)
الذي نحن نراه اليوم مشروع إنساني في منتهى الخطورة، فكدت أعارض هذا الكلام، عملية الجراح من أخطر الأشياء، يا أستاذ صفوت إننا نأخذ الأعضاء ليس من أجل أن نلعب بها إنها إنقاذ حياة، وأرجع أقول «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» هذا هو الإيمان بالله، والإيمان بمهنتنا، وأنا أؤكد كلام الدكتور فيصل اليوم فهناك زميل لنا مستشار لمّا ذهب هناك جلس 9 شهور على قائمة الانتظار ويموت ويعيش، وأيضاً رجعوا قالوا: الأولوية لابن البلد، في كل البلاد ابن البلد رقم (1) لكي يأتي عليك الدور - سبحان الله مثلما يقول دكتور حمدي السيد - لابد أن نشتغل ونتكاتف جميعاً، عندنا جراحون على أعلى مستوى، والطبيب العربي يمتاز بالذكاء، فلماذا لا نستغل هذه الطاقة لماذا نحاربها ونُشنِّع عليها؟!
الحقيقة أنا أهنئ بصفتي المسئول عن اللجنة الصحية في الحزب في مصر فأنا أدعوكم أنا سأعمل ندوة مع دكتور حمدي السيد عن زرع الأعضاء وأنا أدعوكم لتحضروا هذه الندوة عندنا لدراسة هذا الموضوع الهام? وأنا واثق أنه لا يصح إلا الصحيح إن شاء الله وربنا سيوفقنا، ومصر ستدخل في هذا، ونحن كنا نسير فيه لكن هناك بعض العقبات سوف نتغلب على هذه العقبات إن شاء الله، نقطة واحدة فقط، بوجود دكتور أبو شادي الروبي هذا أستاذنا الذي علمنا قال في كلامه (تزوغ من الكبد) هل كلمة (تزوغ) كلمة عربية فصحى أم لا؟.(29/7)
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً دكتور خيري أحب أن أضيف نقطة ثانية هامة: تكلمت عن أمريكا أنهم بدأوا يقللون بالنسبة لعمليات زراعة الأجانب، لكن ما هو أسوأ في أوروبا أو في بريطانيا لا يقدمون عمليات زراعة أكباد إلى أي إنسان قادم عليهم أجنبي إلا بعد رفض هذه الأكباد من جميع مراكز هذه الزراعة، معناها أن الأكباد تزرع لنا كمسلمين في هذه الدول بعد أن تُرفض فتكون أكباداً سيئة، ونتائجها أيضاً ستكون سيئة بالتالي، وهذا شيء مؤكد ومعروف وهم يعرفون هذا الكلام... والآن الدكتور صفوت لطفي تفضل.
الدكتور صفوت لطفي: بسم الله الرحمن الرحيم، نشكر المنصة على إتاحة الفرصة للحديث في هذه الجلسة الهادئة حتى الآن، والحقيقة أستاذنا الدكتور أبو شادي الروبي أمتعنا بالحديث عن الكبد والأخ أحمد القاضي أسهب لنا في الحديث عن الكبد أما من الناحية العلمية فأنا كان ودّي أن حضراتكم تتناولون بعض المشاكل التي أثيرت في المجالات الطبية الحديثة من Shimarism and micro shimarism phenomena وتأثيرها على المرضى الذين تم لهم النقل واستمرت حياتهم، فقد لوحظ تحول RNA وDNA الأحماض النووية للمتبرع في هؤلاء المرضى، وهذه كانت ملحوظة غريبة أحب أن أضيفها، ولما حضر الذين من (بيتسبرج) لما حضروا في القاهرة وناقشتهم في الموضوع نفسه أقروا أنهم أوقفوا موضوع نقل الأعضاء الحيوانية للإنسان (Xino) نهائياً لأنهم بعد عدة أسابيع اكتشفوا أن الاثنين الذين تم زرع كبد لهم التابعين (للبابون) ظهر لديهم الحمض النووي لقردة البابون وكان هذا سبب الوفاة.
هذا كلام علمي ليس عليه وجه اعتراض، أنا أحب أننا أيضاً نسمعه.(29/8)
النقطة الثانية: حكاية أن هناك معارضة، المعارضة يا إخواننا لا تهم، الدكتور أبو شادي الروبي نفسه في المراجع قال بالنص (حيث لا يسمح بزرع الكبد ونقله في المانح الآدمي في اليابان لأسباب أخلاقية) كما أن هناك الكثير من المعترضين في الجمعية التي أرأسها [196 أستاذاً جامعيًّا من أطباء ومحامين ورجال دولة] وجهة نظرهم معارضة لأسباب دينية في الأساس، وبالرجوع - كما في كل دول العالم الإسلامي هذا موجود - وبالرجوع كما رجعت إلى قرار (المجلس الفقهي بالمملكة السعودية) وجدت أن في هذا - كما أقر الأخ محمد علي البار - أقر أنه في الأكثرية، معنى هذا أن في هذا المجلس هناك من لم يقبل بهذا المفهوم، ونفس الشيء موجود في مصر، فكثير في الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وافقوا، وكثير جداً أيضاً لم يوافقوا; مثل الأطباء في ندوة كلية الحقوق جامعة القاهرة التي دعيت إليها في مركز بحوث الجريمة للمناقشة، هذا الأمر وما يستتبعه من أخلاقيات; الكثير من العمداء وكلية الحقوق وافقوا، وكثير أيضاً اعترضوا اعتراضاً شديداً، ولا أعتقد أنه يضير أي مجمع علمي أو فقهي أن يكون هناك موافق ويكون هناك معارض، هذا هو الضمان يحمينا من الوقوع في الزلات، والافتئات بأشخاص آخرين، ولو لم يكن هذا لما استقامت الأمور في الحياة، النقطة التي أحب أن أقولها لأستاذنا الدكتور حمدي السيد: أنا لم ألزم أحداً في مصر برأيي، فلتصدر الدولة بالغد أو اليوم أثناء جلستنا هذه قانونا فلن يضيرني في شيء، إنما أقول إن صلاح المجتمع دائماً يستتبع وجود الرأي والرأي الآخر.(29/9)
نقطة أخيرة: كثير يحاولون الاستشهاد بآية {من قتل نفساً بغير نفس} أذكر أنه في الشريعة الإسلامية أن النفس بالنفس فقط، أما حكم هذه الآية - كما ترون سيادتكم - أنها نزلت في بني إسرائيل، وهو حكم خاص ببني إسرائيل فقط لقتلهم الأنبياء، ولذلك قال المولى عز وجل {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} هذا أمر مكتوب على بني إسرائيل: {أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعأ}، هذه خاصة بدعوة الرسل وأنبياء بني إسرائيل، لأنه إذا فرض وأن شخصاً ما قتلني فليس هذا قتلاً للناس جميعاً إنما قتل أنبياء بني إسرائيل هو الذي يؤيد الدعوى (فكأنما قتل الناس جميعاً) وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: لو سمحت رجاء نترك الفقه لرجال الفقه، لكن بصفتي رئيس الجلسة سأنتهز الفرصة وأرد على بعض الأشياء مثل، أولاً: إنك اعترفت أن كثيراً من الأشياء بالأكثرية وهذا شيء معروف عندما يكون هناك قرار بالأكثرية معناها أن يلتزم به الأقلية الذين لا يوافقون على هذا القرار وألا يقفوا ضد هذا القرار باتجاه مضاد آخر، لكن يلتزم بأنه رجل معترض أو متوقف، وهذا ما يقوم به علماء الدين، علماء الدين عندما يكون لديهم قرار بالأكثرية لا يقفون ضد هذا القرار باحترامهم للأكثرية هذه نقطة.
من ناحية ما قالوه كما ذكرت Shimarism ربما تكون أنت فهمت ذلك خطأ أنها Covicon theory وهذه تناقش مبدأ تقبل الأعضاء المزروعة، وكيفية التعامل مع ظاهرة الرفض المزمن chaovic rejection فيؤخذ نخاع العظم ويزرع للتقليل من الرفض المزمن، والتقليل من نسبة فقدان الأعضاء المزروعة، ولاستخدام كمية أقل من الأدوية التي تُهبط جهاز المناعة، ولا علاقة لا بتغيير الحمض النووي. وبالنسبة لتوقيف الزرع من الحيوانات إلى الإنسان فإن الاتجاه العام لإيقافها ظهر بسبب انتقال عدوى فيروسات مثل فيروس نقص المناعة HIV. وشكراً(29/10)
الدكتور حمدي السيد: عندما تكون القضية قضية علمية فلا ينبغي أن ننزل بهذه القضية إلى مستوى رجل الشارع العادي حتى لا نبث في قلبه الذعر، وحتى لا نبث في قلبه الرعب، وحتى نعطيه معلومات من الفيلم الذي عرض على ملايين المشاهدين وهو مليء بالأخطاء العلمية ومليء بالمبالغات، والحمد لله كان هناك معلق أيضاً من مجموعة الأخ صفوت الذي تعمد أن يظهر القضية كأنما هؤلاء مجموعة من مصاصي الدماء والقتلة الذين يريدون أن يستعجلوا القتل من أجل أن يحصل على هذا، أنا أعتقد أن هناك فارقاً كبيراً لأن هذا الفيلم يناقش في مجتمع علْم حيثما الحجة تُضاربُ بالحجة، وفرق أن يُلقى على مَنْ لا يُدرك أبعاد المشكلة من الناس الذين نسبة العلم فيهم في هذه القضية ليس كبيراً ونسبة الأمية في بعضهم عالية، ثم أنزل لهم أحاول أن أثير فيهم الرعب والذعر لأنه قضية مثل أيّة قضية ويمسكون في خناق بعضهم لمدة أيام ليقرروا شيئاً يجب أن يثق الرجل الذي في الشارع أن هذا الموضوع قد قُتل بحثاً بين المتخصصين، وهناك - صحيح - أقلية وأغلبية، وهناك آراء قد قالت: كذا، لكن كم مجتمع علمي؟! نحن تعلمنا أنه لا تُناقش مثل هذه الأمور Medically and ethically لا تناقش خارج قاعات المداورة والمحاورة، وخارج قاعة العلم، نحن نؤمن - يا دكتور صفوت - أن الرأي والرأي الآخر ضرورة، ونؤمن أن من حق الإنسان أن يؤمن بما يريد والعالم كله يؤمن، من حقك أن مسألة العبادات من حق الناس تؤمن بما تشاء وبما تريد، لكن عندما تأتي القضايا العلمية والتي تخضع للجدل العلمي والنقاش العلمي أعتقد مكانها وموقع مناقشتها في مكان غير الشارع وغير التليفزيون وغير الصحافة اليومية غير ذلك، صحيح عندما نناقش داخل الأمور التشريعية من أجل الحصول على قوانين أو غيره هنا تكون قضية مجتمع، والمجتمع كله يجب أن يشارك، ولكن في هذه الحالة سيكون لدى المجتمع الحرية الكاملة والطرق الكاملة للحصول على كافة(29/11)
المعلومات من الطرفين.
المطلوب عندما نعرض هذا الفيلم يجب أن يكون هناك عرض فيلم آخر مشابه تماماً يأتي بناس كانت حالتهم متدهورة، ثم هذا مثل الذي ظهر، حتى يظهر للنّاس ما هو المقابل، الوجه المقابل، حدث خطأ أو خطآن في مقابل 45 ألف عملية نقل كبد تمت على مستوى العالم نريد أن نفرق، ثم إن هؤلاء الناس مسئولون عن أسر، ومسئولون عن عائلات، ومسئولون عن عمل، ومسئولون عن إنجاز، وساهموا في الإنتاج إلى آخر هذه القصة، إنما لا نعترض على هذا، إنما نحن - ياسيدي - نحترم رأيك احتراماً شديداً ونؤمن بما تريده ونؤمن بما تشاء، ولاتؤمن جمعيتك بما تشاء، بالضبط مثل الإنسان المرتد، فالإسلام لا يعاقبه على الارتداد وإنما يعاقبه عندما يدعو ضد الإسلام، عندما يدعو ويكفر الناس، هنا يطبق عليه الحد; لأنه خرج من عقيدة بينه وبين نفسه إلى محاولة إيذاء الآخرين، فنحن لا نريد أن نؤذي الآخرين تذكر دائماً لما يقف Transplantation ستؤذي الكثيرين ممن ربنا فتح لهم باباً وأنت تريد أن تغلقه وهذا ليس مطلوباً، فعندما تقول: إن هذا Transplantation يوفر على الدولة أموالاً أتت تريد أن تبددها فلابد أن تقدر حجم الكلمة التي تذكرها، آمن بما تريد وكوّن جمعيات كما تريد واسْعَ إلى هذه المهمة بما تريد، نحن لا نضع عليك حَجْراً في ذلك، لكن نحن نريد أن نضع عليك حَجْراً عندما تخرج من هذه المناقشة - خصوصاً إذا كانت المعلومات المقدمة غير دقيقة وغير موثقة وغير متأكد منها - ثم تنزل بها للناس كطريقة لبث الذعر في قلوب الناس هذا ما نريده، وشكراً.(29/12)
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً يادكتور حمدي، الحقيقة أنا أستغرب لماذا يُذكر دائماً اليابانيون بأنهم لا يقومون بالزراعة، أو لا صحيح أن موضوع الوفاة الدماغية بالنسبة للطائفة البوذية لم يعترفوا بها كاعتراف، لكنهم يعترفون بالزراعة، وأيضاً يزرعون بعد الوفاة، وأيضاً يدخل مرضاهم في المستشفى Non heart beating caster? وهناك أيضاً عمليات كثيرة تقام للمتبرعين الأحياء المختارين بعناية في اليابان، ومن يريد أن يتعلم على هذه فربما تكون المراكز اليابانية أكبر التي تقوم بمراكز هذه الزراعة وأيضاً تبيحه لعدم وجود جثث، ولكن هم الآن بصدد إصدار قانون به لعدم وجوده، هم أكبر ناس يعانون من تراكم الناس المتجمّعين من الفشل الكلوي عندهم، أعداد كبيرة وخطيرة جداً، الحقيقة نتيجة لعدم زراعات كافية لتناقص هذا العدد، وأعتقد أنهم بصدد إصدار قانون، فأنا لا اللهظهر بأن اليابان لا تقوم بالزراعة أو أنها لا تعترف بالزراعة، اليابان تقوم بالزراعة ولديهم خبراء في هذا المجال، ربما موضوع الوفاة الدماغية لم يتقرر لكن أيضاً يستفاد من الأكباد بعد الزراعة، لديهم (قساتر) خاصة ويستفاد من الأكباد بعد الوفاة فهذه موجودة، إذاً أظهرت أنا أن اليابان غير معترفة بالوفاة الدماغية كطائفة بوذية، من هذه الطوائف لماذا أنا أقارن اليابان بأن هذه دولة متطورة ودولة كبيرة، أنا كمسلم عندما أذهب إلى اليابان وأدخل معابدها أرى أنهم يعبدون ألف إله، فهذا ما معناه؟ هل معناه أنهم أفضل مني؟ إنهم ليسوا أفضل مني، أقول: إن اليابانيين متقدمون ولكن غير متقدمين في فكرهم الديني والعقائدي، فعندما أدخل معابدهم أستهتر بهم كشعب; أن يكون أمامي 1500 واحد أمامي وهم هذه الآلهة إن الجماعة متطورون اقتصادياً ومتطورون علمياً... الدكتور يوسف ريزه لي.. تفضل.(29/13)
الدكتور يوسف ريزه لي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، إني أود هنا أن أتناول ما قاله الأخ الدكتور صفوت واستشهد بالآيات الكريمة، وحَسِبَ أنها نزلت تأمر اليهود فقط، القرآن الكريم جاء لكل البشر خاطب كل البشر لأنه تعالى في كثير من آياته الكريمة نبه على هذا، فأنا أعتبر أن هذه الآية الكريمة تأمرنا جميعاً لا تأمر بني إسرائيل وحدهم هذا ما أود قوله وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: الدكتور رؤوف سلام: الحقيقة أنا معجب بطريقة كلامه وأسلوبه بل الحقيقة إن شاء الله نسمع منه شيئا منسقاً، الحمد لله.
الدكتور رؤوف سلام: قبل تعليقك عني أشكرك عليه كنت مسجلاً شكري وإعجابي ببرنامج زراعة الأعضاء الساري في المملكة العربية السعودية مع عدم اقتناعي بموضوع موت الدماغ، ولكن بالنسبة إليك أنت يادكتور فيصل ويادكتور سهيل إنكم أطباء في مكان قناعتكم الدينية ورجال الدين عندكم رجال القانون يوافقون على إتاحة هذه الفرصة للمرضى، إنكم تستغلون هذه الفرصة للمرضى، وإذا لم تستغلوها [تصبحوا مقصرين] في رأيي، فأنا معجب بالذي تعملونه في ظل قانونكم وعقيدتكم التي تسمح بهذا، وهذا لا يعني أنّي موافق على مسألة موت الدماغ.(29/14)
النقطة الثانية: يمكن نقطة التكلفة; التكلفة مهمة جداً وتؤخذ في الاعتبار، يجب ألا تمنعنا التكلفة بتاتاً عن الأخذ بأي تقدم طبي، يمكن تجعل أخْذِنا به محدوداً بحدود الميزانية، إنما يجب ألا تمنعنا بتاتاً عن ذلك، فيجب أن يكون لدينا أولويات، لكن الأولوية الأولى لا تلغي الأولوية الثانية، قد تكون الأولوية الأولى في مصر (البلهاريسيا) لكن ليس معنى ذلك ألا أعالج الذي يحتاج زراعة قلب أو زراعة كلى، هذا احتياج طبي والمسألة تكون في توزيع الميزانية، وأنا أذكر آخر مرة عندما سافرت عملت فعلاً في إنجلترا كطبيب كان هناك تحديد على أن تزرع كلى واحدة مرة كل شهر في كل منطقة; فالتكلفة مهمة لكنها لن تمنعنا أبداً من الأخذ بالتقدّم الطبي، ستمنعنا في بعض الأحيان من التوسع فيه، لكن لابد من الأخذ به لأن الأخذ به مهم جداً، لأنه قد يكون الخطوة التالية لخطوة ما بعد ذلك أو أن يكون استعداداً ريثما تسمح الظروف المادية لتطبيقه على جميع المحتاجين. أنا أتفق مع دكتور حمدي السيد على أنّ مسألة العرض على الجماهير يجب ألا يكون بطريقة مثيرة، وإذا كان من الضروري العرض على الجماهير يجب أن يكون متعادلاً; فإذا قلت: إن فلاناً مات من عملية زائدة لازم أقول مثله: إن عشرة آلاف لم يموتوا من عملية زائدة، هذا من باب الأمانة، والجمهور لن ينزعج إذا عرف الحقيقة، إلا إذا كانت الحقيقة مزعجة، والجمهور في مصر من آن لآخر يفاجأ بالذي عاد إلى الحياة في المشرحة، أو عامل المشرحة فوجئ بواحد في المشرحة لم يمت، الكلام هذا يحصل مرة كل عشر سنين، لكن إذا كانت الحقيقة مزعجة فمن حق الجمهور أن ينزعج، ويمكن النقابة تنظم هذا الأمر، لكن أقول: إن الناس التي تبدأ في حاجة جديدة لم يتم الاتفاق عليها تسعى أيضاً إلى الإعلان الجماهيري غير المقبول، والدكتور حمدي السيد يكافح هذا وهو مشكور، لذلك اسمحوا لي أن أرجع إلى العلم بعد ما ضيعت وقتكم في جوانب اقتصادية من(29/15)
الناحية العلمية هناك نقطتان، النقطة الأولى: أنه من الواضح أن العدد المتاح أو الموارد الطبيعية - كما سماها الدكتور سهيل - والذي أعتب عليه أنه يعتقد أن الذين يعارضون رأيه لهم أغراض غير مفهومة مشيراً إلى أنها أغراض سليمة، مثلما أعتب على الناس الذين يعتقدون أن الذين يعملون نقل أعضاء إنما يعملونها لأغراض شخصية، وهذا خطأ، هؤلاء يعملون، وهؤلاء يسعون لمصلحة المرضى.
أرجع إلى النقطة العلمية: إنه من الواضح أن العدد المطلوب من الأعضاء لن يكفيه أبداً عدد مرضى موتى المخ، ومن الواضح أن عدد الجثث العادية بالموت التقليدي العادي هي أضعاف بل مئات من عدد مرضى المخ، وأننا في احتياجات للأعضاء إذاً فمن الضروري أن نحصل على هذه الأعضاء من الجسد البشري، فإذا لم نوفق على شيء صناعي أو من الحيوانات، فيكون لابد في النهاية من اللجوء إلى الجثث كلها وليس جثث موتى المخ فقط; لأن مرضى موت المخ لن يكفي بالاحتياج، فيجب أن نتوجه بكل مجهودنا إلى تنمية الطرق للحصول على الجثة بعد توقف القلب والتنفس، فيجب أن تركز بحوثنا على هذا الاتجاه; لأن الغرب يبحث في اتجاه ثانٍ سيفيدنا ونأخذ منه، إذا كان هم في الغرب يهملون هذه، والآن بدأوا يهتمون به، ويجب أن نهتم بها هنا، والطريقة الأصلية معروفة وناجحة، ونجح في الكُلى، وحضرتك ذكرت الآن أنه بدأ يجرب ويستخدم (قسطرة) معينة كي يعمل دورة دموية خارج الجسم للكبد، ومعروف طريقته في الكلى ومستقرة وتستخدم حتى في المراكز التي تعتمد موت المخ، عندهم طريقة لو المريض حصل له توقف للقلب قبل موعد حصول هذه يبدأون في عمل تبريد خارج الجسم عبر الدورة الدموية، والحصول على الأعضاء خاصة بعد توقف نبضات القلب أعتقد أن هذه الطريقة ستوفر مئات الأضعاف من الأعضاء وستكفي الحاجة إلى أن يتم الحصول على بديل آخر غير بشري، وهو أفضل مِن أن يكون شيئاً صناعياً أو من الحيوانات.(29/16)
النقطة العلمية الأخرى التي أحب أن أذكرها يمكن ما أشار إليه دكتور صفوت، ويمكن لم يُفهم بطريقة كافية من دكتور فيصل، ويمكن دكتور صفوت أشار إلى شيء، والدكتور فيصل أشار إلى شيء آخر، لعل الدكتور صفوت يشير إلى ما نشر في (مجلة جاما) من أن الشخص الذي نقل إليه قلب (شمبانزي) أو (بابونا) عندما مات بعد بضعة أسابيع وعمل له صفة تشريحية وجدوا DNA الشمبانزي في كل جزء من جسده حتى الجلد، الكلام هذا نشر في مجلة (جاما) منذ بضع سنوات بعد أسابيع بسيطة من موت هذا الشخص بعد ما نقل الكبد له، وأعتقد أن ذلك كان في (سان فرانسيسكو) أو (بيتسبرج)، المهم في هذا الوقت يمكن في وقتنا هذا غير معروف السبب، وتصادف بعدها أن رئيس جمعية (الميكروبيولجي) في مصر في مؤتمر وصادف أنني كنت رئيس الجلسة التي سوف يلقي بها المحاضرة، فانتهزت الفرصة، وسألته قلت له: إنه حصل كذا ونشر في مجلة (جاما) كذا، فهو حسب كلامه - للأمانة العلمية لازم أحكي كل الذي أعرفه عن الموضوع - قال: إنه لا يعرف أي طريق طبي لينتقل DNA من العضو المنقول لباقي الجسم، ولعل هذا العضو كان فيه فيروس وأن الفيروس هو الذي نقل DNA إلى أجزاء الجسم الأخرى، كل ما قيل في (الجاما) له تفسير علمي أكيد، وكل ما قاله العالم الأمريكي في هذا الموضوع قال: إنه احتمال وإنه لا يعرف أكثر من ذلك ولكننا نعرف ونحن متأكدون أن lymphocytes التي في العضو المنقول تنتشر إلى باقي الجسم، وأن lymphocytes الجسم المنقول إليه تدخل إلى العضو فنحن لابد أن نؤمن أن هناك نوعاً من العلاقة بين العضو المنقول والشخص المنقول إليه، وهذه العلاقة يجب أن نراعيها عند التفكير في النقل من الحيوانات وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً للدكتور رؤوف سلام: دكتور هيثم.. تفضل.(29/17)
الدكتور محمد هيثم الخياط: شكراً سيدي الرئيس، أخي الدكتور يوسف ريزه لي أشار بحق إلى ما يتعلق بالآية الكريمة التي استشهد بها الأخ الدكتور صفوت، هذه الآية الكريمة في سورة المائدة، بعد حديث ربنا عز وجل عن ابني آدم: {واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق} بعد هذه القصة مباشرة من أجل ذلك الاعتداء (ابن آدم على أخيه) كتبنا على بني إسرائيل، والمعروف والمتفق عليه في الفقه [أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في ديننا ما يخالفه]، فهذه قضية مسلمة عندنا، وما يرد في القرآن الكريم دون إنكار من الله عز وجل فهو شرع لنا مادام شرع مَنْ قبلنا، ومادام كتبه الله عز وجل على من قبلنا، وأخي الدكتور رؤوف في تعليقه الآن لفت نظرنا إلى فهم الجزء الآخر من الآية {من قتل نفساً بغير نفس}، الإحياء هو المحافظة على الحياة، إذْ ليس في استطاعة إنسان أن يُحيي آخر، بمعنى بعثه من الموت، فالإحياء هنا المحافظة على الحياة كما قال الملك لسيدنا إبراهيم (أنا أحيي وأميت) معناه أنا أحافظ على حياة هذا الإنسان، والقتل هو المقابل عكس ذلك، فالذي يعرّض إنساناً للموت وكان في المستطاع ألا يتعرض هذا الإنسان للموت، فهذا نوع من القتل المنهي عنه في هذه الآية والله تعالى أعلم. وشكراً.
الدكتور محمد علي البار: في الآية نفسها: إن الفقهاء والعلماء تحدثوا في شرع مَنْ قبلنا من الأمم وقسّموه إلى أنواع; وهو ماجاء نص - كما قال الدكتور هيثم - بقبوله فهو مقبول ولا اعتراض عليه، وهذه الآية من ضمنها، وهذا من الأشياء المقبولة، وما جاء نص برفضه فهو مرفوض، وما سكت عنه القرآن أو السنة فهو قابل للبحث فإن اختلف فيه الفقهاء: فإن وافق روح الشريعة الإسلامية وما فيها من نصوص قُبل وإن خالف نصوص الشريعة الإسلامية رفض وشكراً.(29/18)
الدكتور عصام الشربيني: بسم الله الرحمن الرحيم. الذي عرض اليوم وذكر عن التقدم العلمي في زراعة الأعضاء سواء على المستوى العالمي أو المستوى المحلي - كما ذكر الدكتور أحمد القاضي - كنا نطمع قبل 10 أو 20 سنة أن يعيش الإنسان سنة بعد نقل الأعضاء، الآن يعيش 5، 15، 20 سنة بنجاح بلغ 80%، وهذا يكفي للرد على كل ما أثير من أضرار طبية في عملية النقل، وأظن أنه لا يوجد طبيب بيننا يعترض على هذا الاستنتاج، وهذه لم تعد تجربة عالمية ولا تجربة غربية، أصبحت تجربة عربية إسلامية في تركيا ولبنان وإلى حد ما في مصر وفي السعودية، عربية إسلامية لا شرقية ولا غربية.
وأحب أن أعلق على نقطة أخرى: ما ثار بين الدكتور حمدي السيد والدكتور عبدالمنعم عبيد والدكتور رؤوف سلام عن التكاليف والفوائد المادية هذه نقطة تكلم عنها الدكتور سهيل والدكتور خيري السمرة، ولكن بقي نقطة أخرى لم يُدخلوها في الحساب وهي أن أي تقدم علمي في أي فرع من الفروع الطبية أو أي تخصص من التخصصات تستفيد منه جميع التخصصات الأخرى; فعندما تقدم التخدير والإنعاش استفادت جميع التخصصات الطبية; الجراحية وغير الجراحية، لو أخذنا مثلاً في الكويت عندما أدخلت عمليات القلب المفتوح قبل الزراعة قبل كل شيء استفادت جميع التخصصات الطبية من هذا، وعندما أدخل عملية زراعة الكلى في الكويت استفادت جميع التخصصات الطبية، فالفائدة ليست قاصرة على الإخوة الذين يمن الله عليهم بالشفاء ويعودون إلى عملهم، ولكنها تشمل كثيراً من المرضى وكثيراً من الخدمات الطبية، وهذا لابد أيضاً أن يدخل في الحساب.(29/19)
لفت نظري هنا كثرة استشهاد الدكتور صفوت بالفقه الياباني وعزوفه عن الاستشهاد بالفقه السعودي وهذه نقطة ملفتة للنظر; يعني إذا كان لك رأي فلابد أن يتسع صدرك لاعتبار الآراء الأخرى، لأن الالتزام برأي ثم البحث عن الحجج والأدلة التي تؤيد هذا الرأي بالذات هو مخالف لطبيعة الطبيب أو طبيعة الفقيه في الاستدلال، ومن هنا عرضت أشياء طبية لم يقبلها أي طبيب من الموجودين، وأنا لا أريد أبداً تجريحاً وأكن لك كل احترام، ولكن ما دمت ذكرت أموراً فقهية - معذرة سيدي الرئيس أنا اتجنبت الدخول في الفقه - ولكن نحن طبيب لطبيب أنا أتكلم في الفقه وليس فينا أحد مختص، لقد راجعت - يا دكتور صفوت - كل الآيات والأحاديث التي استشهدت بها في ورقتك فلم أجد آية ولا حديثاً واحداً يصح أن يُحتجّ به فيما أردت أن تحتج به، اسمح لي أن أقول هذا الكلام ونبقى أصدقاء فأنا طبيب وأنت طبيب وليس أحد فينا فقيهاً.(29/20)
الدكتور خيري السمرة أشار إلى نقطة مهمة: الجراح لما يجلس في بيته ويعمل عملية واحدة ويستريح هذه حاجة عظيمة جداً نحن كأطباء مسؤولون عن الرعاية الصحية في المجتمع والأفراد، وهذا ما أعتقد - بفقهي البسيط - فرض كفاية، لابد أن نقوم به، إذا ذهبت في البيت وقلت: لا أعمل عملية شديدة الخطورة لأن المريض سيموت ويقال هذا مات على يد خيري السمرة لأ! أروح أستريح، هل أكون قد قمت بواجب فرض الكفاية الذي أقوم به؟ كثير من الجراحين يدخل يعمل عملية وهو يعلم أنها عملية شديدة الخطورة، ويعلم أن المريض قد يموت ولكنه يبذل ما يستطيع من جُهْد وهذا ما نُكلَّف به من الطب، يشتركان فيما قاله (سفيان الثوري) [الفقه هو الرخصة من ثقة، أما التشدد فيحسنه كل أحد]، كل طبيب يستطيع أن يقول: أذهب إلى النوم لأن العملية هذه خطرة، ولكن الطبيب المجاهد المكافح هو الذي يتحمل تبعة العملية الخطيرة; فلما أعتقد أن موت جذع المخ موت لابد أن أقوم بإشهار الوفاة في هذا الوقت، ولابد أن أحاول زرع الأعضاء، ولابد أن أحاول علاج هذه الأشياء، أما المغالاة في التشدد فليس من فقهنا ولا ديننا ولا حتى من الطب، لا توجد وسيلة من وسائل العلاج لا جرعة ولا حبة ولا إبرة ولا عملية ولا أي شيء ليست لها خطورة، (البنسلين) يموّت و(الإسبرين) كذلك، والعلاجات الشهيرة البسيطة تموّت، أي عملية ممكن يموت بها المريض; فلا نقف أبداً عند هذا الحد، وإنما نبحث عن التقدم ونبحث عما نستطيع أن نبذله فيما كلفنا الله به.(29/21)
النقطة الأخرى: أن التشدد في الدين لا ينفي أبداً أننا نحاول أن نتقدم بحذر وبِحَيْطَة فيما أتيح لنا من علم ومن معرفة، أما أننا نمنع كل شيء لأن هناك احتمال سوء استغلال أو احتمال خطأ أو احتمال إساءة هذا لم يرد في الدين، هناك سد الذرائع تقدر بقدرها ومحدودة; فإذا كان هناك احتمال قتل هناك احتمال أعضاء، سوف (نشوف) مثل المريض الذي عرض في التليفزيون، هذه أشياء لها وسائل لمنعها، والسعودية عاملة وسائلة متشددة. [لا يقرر موت المخ إلاّ المركز المتخصص الذي فيه الكفاءة العالية]. خشية أن يحدث خطأ، لا يعمل إلا في مستشفى حكومي وليس في مستشفى خاص خشية أن يُساء استغلاله، لا يعمل في مستشفيات خاصة حتى لا يأخذ منه مال، وعندما يحدث اطمئنان في التنفيذ ستتسع هذه الشروط ويمكن الإجراء في مستشفيات خاصة، ويمكن السماح للمستشفيات البعيدة على الحدود بأن يشخِّص هذا، وهذا هو التطور الطبيعي؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً للدكتور عصام: هناك مداخلة والمداخلات لا تتعدى نصف دقيقة.
الدكتور خيري السمرة: أحببت أن أوضح نقطة لأنه جاءت عبارة عن نقل الأعضاء والتقدم العلمي في العالم العربي، وذكر السعودية وسوريا ولبنان وتركيا وفي بعض الحالات في مصر أيضاً أجد لزاماً عليّ أن أوضح الحقيقة; إن مصر هي أول بلد عربي دخل في زراعة الأعضاء، نحن في كل يوم نعمل زراعة الأعضاء، أمس احتفل بـ 1000 حالة زراعة أعضاء في المنصورة، المشكلة في حكاية زرع الكبد والقرنية فهي متوقفة، أما بالنسبة لحالات الكلى عملنا آلاف الحالات، فمصر لها باع كبير وعندها كل الكفاءات، لكن المشكلة هذه الأيام ظهرت وسوف نحلها وليس معناها أننا رقم 5 أو 6. وأنا نفسي الدكتور صفوت يعرف أن هذا عبء على أكتاف الجراح يعملونه من أجل وجه الله وشكراً.(29/22)
الدكتور حسان حتحوت: كنت من بين الثلاثة الذين أوفدتهم المنظمة لحضور مؤتمر (سان فرنسيسكو) في الشهر الماضي، كان من بين الأوراق ورقتان من اليابان، الورقة الطبية كان مؤداها وصف (البروتوكول) الذي يستعملونه في اليابان، العمليات تُجرى وتُجرى على أساس موت جذع المخ، و(البروتوكول) الأخير جاء بعد سابقين له، وإنما كان السبب ما عرضته الورقة الأخرى التي قدمتها سيدة مختصة في علم الفلسفة والاجتماع ليست طبيبة، فذكرت أن هناك احترازاً ضد مفهوم موت المخ ينبني على ركنين: الركن الأول: حساسية الشعب الياباني تجاه كل ما يرد من الولايات المتحدة الأمريكية إذْ كل ما تأتي به أمريكا فهو خطأ، لأنهم يستعملون التكنولوجيا، ولابد أن نخلد إلى الطبيعة، الركن الآخر هو أنه من الناحية الدينية عندهم هناك اهتمامات بتمام سلامة الجسم حتى إذا عادت إليه الروح مرة ثانية وجدته جسماً تاما، إزاء هذا كان العمل الطبي مستطرداً حتى صارت هذه الزوبعة، فكل الجديد أن الأمر معروض على البرلمان حتى يؤيد الأطباء قانون يصدره البرلمان في هذا، وشكراً.(29/23)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً أنا أريد أن أقترب من أخي الدكتور حمدي السيد وأرجو ألا يتطرق إلى ذهنه أنني اقتصادي ميكانيكي، أفكر بطريقة اقتصادية منعزلة عن الوضع الفلسفي والاجتماعي، أنا أوصي لك - يادكتور حمدي - من فضلك البحث الذي قدمته عن موت الأعضاء في ص 50 ويقول: إن هناك مشكلة كبرى في العالم الثالث تتعلق بآمال كبيرة لأعداد كثيرة، وأن هذه القضية يجب تتخلى فيها عن المرض في حالات صعبة، ويجب أن نعمل على الزج بين صالح الكثيرين وبين تخفيف آلام المحتاجين، لديّ رعاية مركزة وتحمل المسئولية إزاءهم، وبالطبع فإنّنا لا يمكننا أن نحصل على إنجازات في شتل الأعضاء مقاربة في نتائجها للغرب وشمولها إلا أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا، وننتهز الفرص لتدعيم قدراتنا على عمل المهام الصعبة بأسلوب الفريق، بأدويتنا وبآلاتنا التي نصنعها، وبخبراتنا وبأحبابنا الذين نثق في قدراتهم، فلو أمكننا تنظيم عملهم لمواجهة المهام المشتركة الجديدة في التقنيات الطبية التي نحتاج إلى تكامل الخبرة مع إشراك الناس في تفهم مشاكلهم والمساهمة في تكاليفها وتنشيط المنظمات الشعبية لتوضيح غامضها، وبعث الأمل والرجاء بدل القنوط واليأس، والسيطرة على أساليب الدكاكين الطبية لحساب الصناعات الطبية المعتمدة، والبحث دائماً عن أولويات لتقليل المعاناة عن الكثيرين، وعدم إهمال المشاكل الملحة الجديدة من خلال تفهم جديد للطبيب المسلم في خدمة المجتمع المحتاج.(29/24)
إنني ألفت النظر إلى وضع النتائج الكبيرة التي حققتها زراعة الأعضاء في العالم، ويقول: إنني ذكرتها حول النتائج التي حققتها شتل الكلى وفيه نجاحات 80% وقد جعل إلى ذلك من نجاح شتل الكلى اختيار بديل إلى أي علاج للكلى فيه، اليوم يادكتور صفوت إحصائيات عن السعر الذي تتكلفه زراعة الكلى حوالي 5 آلاف دولار في مقابل 15، 20 ألف دولار الذي يستمر على الغسيل، والناس تلجأ إلى ما هو أصلح لشعوبها، ونبحث عن حلول اقتصادية تخلص الناس من أجهزة الغسيل ونحن سنذهب كما تقترح حضرتك - يادكتور صفوت - سنحضر أجهزة غسيل في البيوت ونعمل هذا الكلام ونحن لسنا قادرين عليه، يمكن نقل الكلى يوفر علينا الكثير وأنا قلت: إن النتائج ممتازة إلى 91% من الأطفال فقد عاشوا أكثر من عشر سنوات ونسبة تشغيلهم في أعمال تتراوح بين 55 - 65% ما بين عمل حرفي إلى عمل جسماني وتزوج أكثر من 50% من الأطفال الذين بلغوا، ويعيش أكثر من 80% حياة جنسية نشطة في حين أن الحياة الجنسية كانت ضعيفة فيمنْ فشل فيها شتل الكلى، أو من استمروا على عمليات الغسيل، ولا يظهر أن الحمل يتأثر.(29/25)
وناقشت بالتفصيل الإنجازات في الغرب التي طرحها اليوم في شتل الأعضاء، وأوضحت أن أعمال المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للشراكة في الأعضاء التي انعقدت سنة 1996 أبدت حماسة شديدة إزاء النجاح الفائق لزراعات الأعضاء التي حصل في العالم اليوم، والحماس نتج عنه طوابير متوقفة وأن هذه الطوابير المتوقفة أدت إلى وفاة كثيرين على قائمة الانتظار مما يدل على أن الناس مقبلة على شتل الأعضاء، هذا أصبح إنجازاً علمياً عظيماً، وأنا أنبئكم بأن المذكور في ص34 بأنه يتوقع أن يكون أهم إنجازات المستقبل، منظور إيجاد التخصص المحترف لوظيفة منسق شتل الأعضاء إلى جانب طبيب العناية المركزة وأن الأهمية القصوى في التعامل بمهارة فائقة مع الواهب المنتظر من أجل المحافظة على حيوية ووظيفة العضو الموهوب، ومن هنا الوردة التي يقدمها هدية، إنني أتكلم أن الهدية تكون نظيفة تقدمها نظيفة وتساعد الاستفادة من المتبرعين، وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: بالنسبة لنتائج الكلى هي تتعدى 98% من المتبرعين الأحياء، وبالنسبة للأطفال لنا خبرة كبيرة ولنا أبحاث منشورة أنه لا ضرر على الأطفال وأن ليس هناك حوامل في حالة Dialysis? وإنما كان عندنا حوالي ثمانية حوامل في حالة Dialysis على مدى 11 سنة، ولكن لدينا أكثر من 300 طفل أنجبوا بعد زراعة كبد وكلى. الدكتور أحمد الجندي يريد أن يعلق. فليتفضل.(29/26)
الدكتور أحمد رجائي الجندي: أنني لا أرى فرقاً يادكتور عبدالمنعم بين كلام حضرتكم وبين كلام الدكتور حمدي السيد. الدكتور حمدي السيد قال كلام، كلامك أنت تؤيده بمعنى أنك لا تنظر إلى القضية من الناحية الطبية، إنك نظرت لها من الناحية الاقتصادية، الدكتور حمدي يقول: إن هناك حاجة خطيرة جداً وصدر قرار بمنع سفر أي شخص لزراعة الكبد إذن حضرتك لما تقول: إنني أريد عمل مركز كي أزرع فيه الكبد فإنك توفر على الدولة وتوفر على الناس جميعاً، وتعطي فرصة للآخرين، مثلما الإخوان في المملكة عاملين، أنا أرى أن كلام حضرتك أيده الدكتور حمدي السيد تماماً; بأن المسألة مسألة فعلاً الاقتصاد يلعب دوراً خطيراً جداً فيها; لأن عملية غسيل الكلى مرتفعة التكاليف جداً إضافة إلى عيوبها التي حضرتك ذكرتها إضافة إلى أنه لا يوجد لدينا عملة صعبة ولا غيره وهو يقول هذا الكلام وأنت أيضاً تقول نفس الكلام.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: في الحقيقة أنا رأيي نعطي الفرصة إلى الدكتور عبدالمنعم لمدة ثلاث دقائق... رجاءً... أنت مصرّ على الخمس دقائق، لا مانع تفضل.(29/27)
الدكتور عبدالمنعم عبيد: إن الدكتور حمدي السيد متفهمني جداً، ويعلم أنني أريد أن أقول ماذا؟ أقول إن هناك آثاراً ضارة شديدة لعدم عمل برنامج لنقل الأعضاء في العالم الإسلامي، هذه الآثار ناتجة عن الازدواج في أنه لابد أن يُعترف بموت المخ. ثانياً لابد من كفاءة لبرامج لشتل الأعضاء، ومن هنا عندما ننظر إلى كلام الأخ الدكتور رؤوف الذي هو متفهم جداً، وعلمي جداً أقول: إنه يشكل موقفاً سلبيا خطيرا يضاف إلى جهود المعتقدية التي يقدمها الدكتور صفوت لإجهاض كل الجهود المقدمة في العالم الإسلامي بشأن التغلب على هذه المشكلة الحادة والخطيرة، والتي ستنتج عن عدم البداية في برامج خاصة في مصر وفي البلاد التي عندها إمكانات كبيرة هو تأخر جراحة شتل الأعضاء وتدهور مصالح المسلمين للاستقطاب المالي والاقتصادي، تدهور الحالة داخل العناية المركزة لأنه سيتحول أطباء العناية المركزة إلى أناس ليسوا مهتمين بمهنتهم نتيجة لتدهور مرضاهم على جهاز التنفس وتحولهم إلى حفاري القبور، لا إلى أناسٍ يحافظون على الحياة.(29/28)
النقطة الثانية التي أريد أن أذكرها: أنه في بحثي بينت أن في اليابان حالات الكلى المنقولة من أحياء 7077 والمنقولة من أموات 2424 والمجموع 9501 كلية في اليابان، أما الكبد فهو 204 حالة، أما البنكرياس 236 حالة، وفي القلب وغيره التي ذكرناه، أما ما يسترعي الانتباه فهو الكلام عن المشكلة في إسرائيل; فطبعاً الإسرائيليون عملوا جهوداً، الأول أنا أتكلم عن المملكة العربية السعودية. فهي لم تكتف بما عملت من جهود حيث أتت بنجاحات لكنها عملت برامج تدريبية، وبدأت تتصل بالجماهير، المشكلة أننا نعمل لهم Feed back? الجماهير نحن لا نتصل بهم ولسنا واخدين بالنا منهم ولا من قدراتهم وليس واخدين بالنا من الواهبين والمحتملين والواقعين، وغيرهم نحن - المصريين - أيضا نعمل لهم feed back معاكس، ونحن بقينا في وضع خطير جداً، الدور الذي لعبته السعودية هذا لو أردنا أن نطبقه في مصر فإنه يحتاج إلى جهد كبير جداً، وهذا الجهد الكبير ستقوم به نقابة الأطباء، وتقوم به اللجنة الطبية في الحزب الوطني; لمضادة الأوضاع الضارة الموجودة فيها التي يقدمها الدكتور صفوت اليوم، والذي يدافع عنها بحسن نية وعن وضع معتقدي هو يؤمن به، إنما عندما نرى الأوضاع في إسرائيل الذي يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون من فضلكم إنني لن أقول شيئاً، ارجعوا للنجاحات والإنجازات التي يعملونها في الأراضي المحتلة والتي يعملونها على عرب وغير عرب; لكي يندى الجبين خجلاً من دولة أتت تغتصب أرضنا كي تضع (موديل) تتفق مع الوضع العالمي.(29/29)
وعندما نأتي للإنجازات التي حققها العالم ففي الولايات المتحدة أنتم تعرفون النتائج جيداً وتعرفون أنها وصلت الشبكة الموحدة لزراعة الأعضاء تضم 277 مركزاً لزراعة الأعضاء في الولايات المتحدة، و866 برنامجاً للكلى وللقلب ولغيرها، وحصلت الشبكة الموحدة على 19.000 ألف عضو في سنة 1994 شتلت منهم 180 ألف عضو وتضم قائمة الانتظار 137.000 ألف مريض وغيره وغيره; نحن محتاجون للتأدب والتعلم مما يفعله الآخرون; نحن مخطئون في حق شعوبنا، إننا متخلفون عنهم في مجال زراعة الأعضاء لأنها ليست بالبساطة مجرد جراحة معقدة لا. هذه عبارة عن لَمّ شمل المجتمع بأسره حسب الفقه الإسلامي الذي يقول: (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)، الخواجات يعملون ذلك، ونحن لا نعمله ولا نخجل، ومعلقين عليهم أفكار دينية بعيدة عن روح الدين الإسلامي في الوهب والعطاء، وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً للدكتور عبدالمنعم. أنت كنت محقاً عندما ذكرت أن لديك كثيراً من الأشياء الهامة يجب أن نسمعها، والحقيقة كانت هامة في مجملها، وأنا شخصياً أشرت إلى موضوع يهمنا كاطباء كناحية فنية، ذلك لأنّ وجود الزراعة في أحد المستشفيات يرفع جميع مستوى الأطباء وفي كل المجالات داخل هذه المستشفى، وعدم وجود الزراعة أو المتابعة عادة يضعف المستشفى تماماً، ناحية (الميكروبيولوجي)، ناحية كل الأشياء المساعدة الأخرى يرفعها تماماً عند وجود برنامج زراعة داخل أي مستشفى وهذا الموضوع الفني الذي في الحقيقة أعجبت به كثيراً عندما ذكرته. والكلمة الآن للدكتور حسن حسن علي فليتفضل:(29/30)
الدكتور حسن حسن علي: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا استمتعت اليوم بالحديث بما سمعت هذا الصباح، وأحب أن أهنئ الإخوة الزملاء العاملين في قسم زراعة الأعضاء في المملكة العربية السعودية برغم الزوبعة الكاذبة القائمة الآن في مصر الحبيبة، وهذا ما يحزنني كثيراً، أحب أن أهنئ الدكتور محمد السبيل على نتائجك في زراعة الكبد إن لم تكن مشابهة بل تكاد تكون أحسن من نتائح الولايات المتحدة، إني سأكون فخوراً بالحديث عند عودتي عن مركز المملكة العربية السعودية، في مستشفيات الولايات المتحدة، التي يصفها الكثير في الولايات المتحدة وأوربا بأنها قبلة الطب، أو مكة الطب في زراعة الأعضاء، كما أحب أن أنبه إلى أنه يوجد لدينا مركز لزراعة الأعضاء به ثلاث مستشفيات رئيسية وهي توزع حالات زرع الأعضاء، الآن ممنوع تماماً زراعة الأعضاء للأجانب نتيجة لنقص الأعضاء للمواطنين الأمريكان، معنى هذا أننا نحن قفلنا موضوع زراعة الأعضاء لناس يأتون من مصر أو السعودية أو الكويت أو أي مكان طبعاً لازم يكون له بديل في هذه الدول هنا. ثالثاً سأحاول تقصي هل كان هناك أي سوء ممارسة للمهنة في أي من الحالات التي ظهرت في هذا الفيلم (بانوراما) علماً بأن كل الأدلة تقول إن الحالات التي ظهرت في (البانوراما) منذ أكثر من 17 عاماً لم يكن فيها حالة واحدة تم تشخيص مؤكد لموت جذع الدماغ، فقط ملاحظة صغيرة على نتائج زراعة الكلى في مركزنا فقد بلغت مدة بقاء المرضى بعد الزراعة ثلاثين عاما بحالة ممتازة. وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً يادكتور حسن، معالي الدكتور حسين الجزائري: لو سمحت.(29/31)
الدكتور حسين الجزائري: شكراً سيدي الرئيس، أقول رُبّ ضارة نافعة فنحن في مجلس وزراء الصحة العرب - ويذكر ذلك الدكتور إبراهيم بدران والدكتور حمدي السيد - قد قاربنا الوصول إلى مرحلة مشابهة لما وصلنا الآن إليه، كنا جميعاً أو الجزء الأكبر من الدول عدا جمهورية مصر العربية تبعث أطباءها للخارج للتدريب، وكان هناك عادة ما يجدون وظائف التدريب ثم بدأت الأمور في التقليل ولعل هذا الوضع الآن بالنسبة لمجال زراعة الأعضاء. وكان رد الفعل لهؤلاء (وزراء الصحة العرب) بأنهم بدأوا البرنامج العربي للتخصصات الطبية. والحمد لله قد أظهر وأثبت النجاح الكامل وأرجو أن نتمكن من إنشاء برنامج عربي موحد لشتل الأعضاء أسوة بالمجلس العربي للتخصصات الطبية بما في ذلك البرامج التدريبية في مختلف التخصصات اللازمة لإنجاح هذا البرنامج، وربما بهذه الطريقة يكون لدينا العدد الكافي من الجمهور من الشعب الذي يقدم ويستفيد من هذا البرنامج، ومن المعروف أن أوربا الآن عملت برنامجاً موحداً ولابد لنا أن يكون لنا برنامج موحد، ونحن نعرف بأن من يتبرع بأعضائه لا يتبرع فقط بعضو واحد بل في العادة يتم التبرع بأكبر عدد ممكن من الأعضاء، أما حكاية أنه سيكون هناك صعوبة في إيجاد العدد الكافي فكلما كان عندنا برنامج موحد وشبكة اتصالات جيدة نستطيع أن ننجح إن شاء الله كما نجحنا في التخصصات الطبية. وشكراً سيادة الرئيس.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً معالي الدكتور حسين، في الحقيقة هناك محاولات جارية لعمل مثل هذا البرنامج الموحد خاصة بين دول مجلس التعاون، والآن ومن خلال الجمعية العربية لأمراض وزرع الكلى هناك وحدة لزرع الكلى ربما من خلال هذه الوحدة نستطيع أن يكون هناك برنامج موحد مثل duroplant وغيرها في العالم.. الدكتور إبراهيم بدران.. تفضل.(29/32)
الدكتور إبراهيم بدران: شكراً سيدي. أنا أقول: الدكتور عبدالمنعم لايزعل اليوم لأن الإنسان بالتعريف حيوان معارض، ولا تزعل، وبعدين لدرجة تعريف الإنسان معارض، وهذه طبيعة البشر، لاتزعل، لأن القرآن قال في آية: {أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} حتى الإنسان الذي أصله خلية حيوان منوي يعارض رب العزة ويكفر به، ولا تزعل ياعبدالمنعم وخليك واسع الصدر معي، وأنا رجل غلبان، عاوز أقول نحن لنا وظيفة والتزام أخلاقي في هذه المهنة; ووظيفتنا الحفاظ على الإنسان وعلى البشر، القضية تدعونا إلى استعمال فضل الله وإذا كان فضل الله (وهو علمه) فتح لنا أبواباً لإطالة العمر الذي هو التزامنا الحفاظ على البشر، فلماذا نرفضه؟! هذه أساسيات لابد أن توضع، عندما كنت أدرِّس زمان كنت أقولها إلى التلامذة عندما كانوا يشاهدون مريضاً ومات بعد عملية كبيرة ولا حاجة، ويمكن أقول لصفوت سيضعنا (من قتل نفساً أو أحياها) أنت قتلت كم وأنا قتلت كم واحد ياصفوتّ؟! كلنا نقتل إنما نقتل ابتغاء رحمة الله; لأننا نشتغل في مساحة محدودة بين قضاء الله ورحمته، قضاؤه هو الموت ورحمته هي الشفاء، من نظرة الطب فأنا رأيي أننا نجتهد وسيعيش أناس ويموت آخرون إنما ستتحسن العملية بالتدريج multiplier phenomenon التي ذكرتها المرة الماضية والتي هي تجعل - مثل الدكتور حسن لما قال - مجرد البداية في موضوع وينجح يطلع بجانبه المعمل، وتتحسن الأشعة، وتتحسن السجلات الطبية يتحسن التزام الأطباء، ويتحسن الجراح الذي يقف على رأس مريض هذا عضلاته تشتغل وعمره يطول وصحته تتحسن لانها رياضة، رياضة ذهنية وعضلية وكل حاجة، فأنا أقول: إنه لابد من اقتحام هذا الموضوع من غير أن يغضب أحد.(29/33)
النقطة التالية التي أحب أن أتكلم فيها: قيل إن مجمع البحوث الإسلامية رفض، أنا أقول لكم إنني عضو منتخب في مجمع البحوث الإسلامية ولم يعرض علينا في الجلسات التي حضرتها، والمحاضر التي قرأتها في الجلسات التي حضرتها أنه رفض هذا الموضوع لأنه لم يعرض إلا في شائبة، إنهم ذهبوا إلى شيخ الأزهر السابق يرحمه الله، خوفوه تصور حضرتك شيخ الأزهر رجل أصول الدين، رجل الشريعة أو رجل اللغة العربية لما واحد يروح يقول له shimarism لا يمكن يوافق على حاجة، فالموضوع أساساً لم يدخل مجمع البحوث الإسلامية - تصور الشيخ جاد الحق لم يسمع كلمة shimarism فأنا أقول: الواقع لم يطرح على مجمع البحوث الإسلامية مع احترامي الشديد لما قيل.
نقطة أخيرة فيه ظاهرة أنا أقدر هذا الموقف وإنما أقول الخلاصة: «هناك بعض الناس لا يرون إلا ما يريدون ويسمعون ما يريدون سماعه فقط»، وأقول: إن نتائج الاجتماع في الثلاثة أيام الماضية إيجابية مائة في المائة وشكرا.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: تعليق بسيط من الدكتور محمد علي البار - تفضل.
الدكتور حمدي السيد: أنا أريد أن نتفق على لقب نحن سمعنا شتل وسمعنا زرع وسمعنا نقل، أنا رأيي نتكلم على نقل أخف على الأذن شويه لأن الشتل والزرع معناهما أننا نجردهما من مفهوم كبير إلى حكاية زراعة وشتل وكلام من هذا القبيل، يادكتور هيثم إنك استحدثت شتل، وعبدالمنعم استخدم شتل، والدكتور البار حالياً يستعمل زرع، نحن نريد أن نتفق على توحيد المصطلحات.(29/34)
الدكتور محمد علي البار: الفتاوى التي ظهرت في مصر من أولى الفتاوى في العالم الإسلامي ففي سنة 1950 الشيخ حسنين مخلوف بدأ الفتاوى، وبعد ذلك الشيخ هريدي سنة 56، وبعد ذلك الشيخ جادالحق نفسه في فتوى طويلة جدا في الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية عندما كان مفتياً وهو فتواه مستمرة. - هو توقف فقط في موضوع موت الدماغ - إنما فقط مستمرة فلا زال يبيح زرع الأعضاء من الحي ومن الميت بشروطها التي وضعها لكن موت الدماغ فقد شُوش عليه موضوع موت الدماغ: هو توقف عنده وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكرا للدكتور محمد والكلمة الآن للدكتور ممدوح جبر.. تفضل.(29/35)
الدكتور ممدوح جبر: شكراً سيادة الرئيس أنا لي تعليق وتساؤل ورجاء، التعليق إلى حد ما يرتبط بالكلام الذي ذكره الدكتور عبدالمنعم عبيد وبالاقتصاديات، أنا أعتقد أنه في مصر التخلف الشكلي بالنسبة لزرع الأعضاء من الأموات متصل جزء منه بالأفكار التي تفسر تفسيرات للشريعة غير ما نفسرها، ولكنْ جزء منه أيضا متصل بالاقتصاديات، وكلام الدكتور حمدي السيد الأخير التوجيه غير المكتوب بعدم إرسال ناس لزرع الأعضاء مكلفة يوضح الجانب الاقتصادي أنا متأكد أن المجلس الموقر الذي نحن فيه بذل جهداً في عمل ندوة عن اقتصاديات زرع الأعضاء أو اقتصاديات الطب في المستقبل، إن هذه الاقتصاديات بخلاف ما قيل عن المزايا لوجود مراكز لزرع الأعضاء وانعكاس هذه المزايا على الفريق الطبي ككل، وبخلاف ما قيل عن التكاليف الزهيدة في المملكة العربية السعودية عنها في الولايات المتحدة وغيرها، أنا أعتقد أن التكاليف الموجودة في بلاد إسلامية فقيرة مثل مصر وبنغلاديش أقل أيضا بكثير من التكاليف الموجودة في بلاد إسلامية غنية، وأعتقد أن زرع الكلى في مصر الحقيقي عند الدكتور غنيم - وهو قد احتفل بالأمس بزرع الكلى الألف -، يقل بين الربع والنصف للتكاليف التي تتم في المملكة العربية السعودية، إذا استمررنا في هذه الدراسات ثم شاهدنا المشاكل التي تنتج عن عدم زرع الأعضاء رضيت الحكومة أم أبت، لا يمكن لها أن تتهرب من غسيل الكلى رضيت الحكومة أو أبت أن تتهرب من العلاج المكثف في الرعاية المركزة لمن لم يتمكن من إعطائهم أعضاء بديلة لأعضائهم التي فقدت وظيفتها، وهذه التكاليف الباهظة مع الأسف لا أحد يحسبها في مصر ولا في غير مصر، قد لا تكون من الأهمية في البلاد الإسلامية الغنية، ولكنّها في البلاد الإسلامية المحدودة الدخل في منتهى الأهمية. ولعل من الصدف المؤسفة أن يكون رأي الإخوة المختلفين في أهمية زرع الأعضاء أو التصريح بزرع الأعضاء متّفقاً تماما مع المانحين من(29/36)
الدول الغربية لهذه البلاد محدودة الدخل.
أنا وأخي الدكتور إبراهيم بدران والدكتور حمدي السيد والدكتور خيري السمرة - بصفتهم السياسية - يعلمون تماماً أن كثيراً من الإنفاق الصحي في مصر يُقضى عن طريق المنح والمساعدات والقروض الخارجية، ويعلمون تماماً والأستاذ الدكتور حسين الجزائري يعلم أن شعار الصحة الأولية دائما يستعان به عند توقيع هذه المنح، ذلك لعدم إعطاء أي منح أو معونات أو قروض للتقدم إلى مستوى الرعاية الثاني أو الثالث، وكله يتركز على أننا في هذه المشكلة، منذ سنة 1950 حتى اليوم حوالي 45 سنة نعمل في الرعاية الأولية ولا نستطيع أن نكمله، فإذن الغرب رغم رفضه إعطاء أعضاء لناس من العالم الثالث أيضاً لا يعطي معونات ولا منح ولا تكنولوجيا لتقدم هذا العلم في العالم الثالث، ومع الأسف الشديد يتفق هذا الرأي مع رأي الذين يظنون أنفسهم أكثر وطنيّة وأكثر إسلاماً وأكثر عطاء بتشددهم في رفض التقدم العلمي في هذا المجال هذه ملحوظة عابرة.
السؤال بالنسبة للإخوة الذين في السعودية لأنني مع تفاؤل الدكتور خيري السمرة وإلى حد ما الدكتور حمدي [أنا مش متفائل قوي] إن هذه المشكلة تأخذ الأولوية في مصر بإصدار قانون في القريب العاجل، وإلى أن يتم ذلك ما مدة نجاح تجارب المركز في المملكة السعودية في نقل الكبد من الأحياء؟ طبعاً أنا طبيب أطفال وأعلم أنه ممكن نقل الكبد للطفل المصاب بفشل كبدي وغير ذلك من الأمور، أو حتى في بعض الحالات نتيجة الإصابة بالفيروسات من أحياء، تجاربنا في هذه ضئيلة ولكن ممكن نتوسع ونتقدم وتكون خطوة، وأيضا تكون العامل المؤثر لمتخذي القرار في الموافقة على إصدار قانون بهذا الشكل، فما هي تجاربهم في هذا المجال؟ هذا هو السؤال.(29/37)
الملاحظة الأخيرة أنا أؤكد للأخوة المسئولين عن كتابة التقرير في الندوة إعجابي اليوم - وللأسف أمس في المساء لم أكن موجوداً - بترحيب كلا الطرفين بوجود معارض ومؤيد، فالمعارضة علامة صحية، ولكني لا أفهم بوجود معارض ومؤيد في قرار علمي!!، ففي القرارات العلمية يؤخذ بالقرار العلمي بالمختصر المفيد، وقد يقال: واعترض البعض من كذا أو خوفاً من كذا على ناحية علمية، ففي صياغة القرارات أو التوصيات أرجو ألا يذكر أغلبية وأقلية في محفل علمي. وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكراً دكتور ممدوح، الحقيقة إجابة على سؤالك زراعة من الأحياء; بالنسبة للكبد فحتى هذا الموضوع درس داخل السعودية ما في أي حالة تمت حتى الآن، ونحن ذكرنا أن أمامنا سنتين إلى ثلاثة إلى أن نبدأ في برنامج مثل هذا، مع وجود الخبرة للذين يعملون هذه العملية، وذلك خوفاً على المتبرعين، وبرنامجنا الوطني نحب أن يقوم أكثر على الجثث في البداية إلى أن يُثبّت أقدامه ثم يقوم بعد ذلك وربما نخوض المجالات الأخرى. والكلمة الآن للدكتور الموسوي.(29/38)
الدكتور مصطفى الموسوي: شكراً. بسم الله الرحمن الرحيم. من الواضح ومن الصعب أن نتكلم عن الموت الدماغي، وعن تعريف الموت بدون أن نتحدث عن زراعة الأعضاء، وعن الجوانب الفقهية وخاصة أن المعارضين للموت الدماغي يتهجمون على برامج زراعة الأعضاء، ويطرحون على عامة الناس معلومات خاطئة عن نسبة نجاح هذه العمليات، ومن الواضح من خلال جلسة اليوم أن سُلطت الأضواء على موضوع نجاح عملية زرع الأعضاء، وكان بودي أن أتكلم عن البرنامج الكويتي، لكنّ الدكتور أحمد أكد أننا لن نتكلم عن زراعة الأعضاء، وأن الحديث سيكون فقط عن مفهوم الموت; فلهذا لم أتقدم بأي ورقة، ولكن أحب أن أذكر لكم حتى الآن أجريت في الكويت 637 عملية زرع كلى منها 137 حالة من الوفيات الدماغية، والبقية من الأحياء الأقارب، وأحب أن أؤكد أنه لم يتوف أي شخص من المتبرعين الأحياء حتى الآن نتيجة لإجراء عملية التبرع، ولم يصابوا بأي أمراض خطيرة، وهذا بعكس ما يطرح في الجرائد بأن التبرع أيضا يضر بالمتبرع الحي وأيضا يضر بالمريض، وأحب أن أؤكد الكلام الذي ذكره الدكتور فيصل: أن نسبة النجاح في العمليات إذا كانت من الأقارب كانت تصل 90 أو 95% وأنه في السنة الأولى وبعد خمس سنوات تصل إلى 75%، وأحب أن أقول: إنه في العام الحالي إلى الآن قمنا بعمل 76 عملية زرع كلى منها 16 حالة من الوفيات الدماغية، وأول مرة يحدث مشاركة زرع الأعضاء بين الدّول كانت بين الكويت والمركز السعودي لزراعة الأعضاء، وهذا شيء نفتخر به ونحن نعتبر المركز السعودي - كما ذكر جميع إخواننا - من المراكز الجيدة ممن يقومون بالنشاط الجيد ونحن نعتز بهذه المشاركة بين الكويت والمملكة العربية السعودية في مجال تبادل الأعضاء; الأعضاء التي لا تزرع في الكويت مثل الكبد والرئتين والقلب بحيث يمكن الاستفادة منها في المملكة، ومع ذلك نقول: إن هناك نقصا شديدا في الأعضاء ويجب أن يتسع هذا البرنامج بحيث نحصل على 50% من(29/39)
الوفيات الدماغية في الكويت سنويا، نحصل على الأعضاء منها لحل مشكلة الفشل العضوي في الكويت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكرا للدكتور الموسوي على نشاط دولة الكويت لزراعة الكلى، ونختتم مع الدكتور إبراهيم علي حسن ثم كل واحد من الذين قدموا أوراق يجب أن يعلق، له دقيقة لكي نختتم الساعة الثانية عشرة.
الدكتور إبراهيم علي حسن: بسم الله الرحمن الرحيم. في الحقيقة أثير اليوم وأمس بعض المسائل الخاصة بالموقف في اليابان، في اليابان حصل في الستينات أن طبيب انتزع قلباً من متوفى وزرعه في مريض وتوفي هذا المريض، وهذا الطبيب نفسه عمل ضجة خطيرة في البرلمان الياباني; وهذه الضجة الخطيرة استعملت بعد ذلك حتى اليوم، ونسوا أن اليابان فيها إحصائيات، وأنا اطلعت على رسالة مقدمة بكلية الطب بجامعة القصر العيني رسالة مقدمة عن زراعة الأعضاء، وقدمتها طبيبة مسلمة والإحصائيات التي ذكرتها - مثلما قالها الدكتور عبدالمنعم - إحصائيات خطيرة جداً في كم زراعة الأعضاء في اليابان فضلاً عن هذا أنا أذكر أن الدواء الذي أغلبه شيوعاً في العالم لمنع طرد زراعة الأعضاء هو دواء ياباني، فهم نجحوا في ذلك وهذا خير دليل على نجاحهم، - لكن القصة القديمة - أن الطبيب الذي انتزع قلب في الستينات وفشل فهذه كانت مسألة تمس الأخلاق لمن يقوم بتقرير وفاة لا يجب أن يكون هو المستفيد من هذه الوفاة.(29/40)
فالحقيقة أن دول العالم جميعاً ليس لهم مشكلة في هذا الموضوع تماماً; حتى إسرائيل التي تقدس جسد الميت، أنا اطلعت واطلعت على ما كتبته منظمة الصحة العالمية لغاية 91 في الواقع فوجدت أنها قالت عن إسرائيل: الصحيح أنهم ليس عندهم تشريع; لكنهم يقومون بنقل وزراعة الأعضاء، في إسرائيل نفسها التي تقدس جسد الميت وتدفع الغالي والنفيس من أجل أن تسترده!! بل سمعت من أستاذ جامعي - أستاذ في الرمد - أنه أسر في الحرب الأولى مع إسرائيل فقدم للمحاكمة من أجل قرنية، (نقل قرنية) فبعثوا يسألون أحد العلماء الأمريكان وهو يهودي فقال لهم: [هذا صحيح ولا عدوان على هذا الشخص الميت لنقل القرنية]، والكلام هذا منذ أمد بعيد، وفي الحقيقة ولقد سمعت هذا من أستاذ كبير. وأنا أيضاً أتكلم في موضوع في منتهى التحفظ: إنجليزي خطير اسمه (ديفيد) هذا الإنسان أنا سمعت عنه - وأنا أتكلم أيضا بمنتهى التحفظ - أنه أوقف عن مهنة مزاولة الطب بقرار من المجلس الطبي البريطاني لإساءته استغلال هذه المهنة، وأيضا أتحفّظ لأن هذا الكلام نقل لي من عديد من الأشخاص.
الموضوع الأخير الذي أريد أن أتكلم فيه وهو خاص بندوتنا أن فضيلة الإمام - رحمه الله - شيخ الأزهر كتب مقالة - مثلما الدكتور البار ذكر - وعبر فيها عن نهاية الحياة وهو لم يستند فيها إلى موت جذع المخ وكان ذلك لما رجعت مقالته استند للدكتور محمد أبو خطوة وهو أستاذ جنائي وليس بطبيب، والدكتور محمد أبو خطوة في كتابه عن زراعة الأعضاء سنة 95 يستند إلى مؤتمر سيدني سنة 1967م حيث كانت الأساليب تختلف كثيرا عن اليوم، وأنا كلمت الدكتور محمد أبو خطوة وقال: أنا أوجه لك دعوة أن تحضر إلى المنصورة لنتكلم في هذا الموضوع فاعتذرت لظروف عملي، وقلت له: سوف أرسل إليك المستندات الخاصة بهذا الموضوع لتستبين هذه الحقيقة وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: نشكرك يا دكتور إبراهيم ونعطي الكلمة للدكتور محمد السبيل.(29/41)
الدكتور محمد السبيل: لي تعليق بسيط على موضوع micro Shimarism هذا الموضوع لا يحدث فيه اختلاط المواد الوراثية كما ورد إنما بعض الخلايا التي تأتي للعضو المزروع وتنتقل إلى أجزاء الجسم ولا يعني انتقال الصفات الوارثية، فهذا مثال من الأمثلة على عدم تحري الدقة في المعلومات العلمية وشكراً.
الدكتور أحمد القاضي: عندي أربع نقاط صغيرة، أولاً: نقدم التهنئة إلى الدكتور أحمد السبيل وزملائه على أدائهم الرائع. النقطة الثانية: أنه في شهر يوليو الماضي كان لي رأي عرضته على مجلس الدراسات الطبية الإسلامية في جاكرتا في مناقشة زراعة الأعضاء من منطلق إسلامي، وكان لي رأي فيه أن زرع الأعضاء مع الالتزام بالشروط الإسلامية هو خدمة إسلامية رائعة مباركة، وأنا غير مؤهل للفتيا، ولو كنت مؤهَّلاً لقلت فيه هو - أي الزرع - فرض كفاية، وهذا الرأي مؤهل شرعاً ومنطقاً. النقطة الثالثة: ليس الاعتراض على المخالفة والمخالفين في موت جذع المخ ليس المخالفة على الاعتراض في الرأي، وعدم الاقتناع برأي الأغلبية من الفقهاء، وإنما الاعتراض على التحريم القطعي في أمر خلافي; وفي ذلك مخالفة في القواعد الأصولية الفقهية، والاعتراض الثاني هو الأسلوب المتبع في وجه هذا التحريم القطعي إن صح وهو أسلوب غير مقبول. النقطة الرابعة وهي: خبرة شخصية أريد أن أشارككم فيها خبرة شخصية هي من معايشتي لأمور زرع الأعضاء، في الستينات في مقتبل عهدي في جراحة القلب كان النجاح في زرع القلب نادراً وبخاصة في زراعة الأعضاء الرئيسية الأخرى ما عدا القرنية والجلد والكلى كان غير وارد أساساً، في ذلك الوقت أنا كنت متحرجاً من عملية الزرع في الأعضاء المذكورة في الجلد والقرنية، وهذا لم يكن لأسباب شرعية تختص بمبدأ الزرع ولكن بسبب زيادة الكلفة وعدم توازنها مع النتائج المرجوة ولكن الآن - وبعد التحسن الواضح في كل مكان وقد كنت في الستينات أفضل الأعضاء الصناعية - لكن الآن تغير(29/42)
رأيي تماماً لأن هذا شيء مندوب شرعاً ويكاد يصل إلى حد فرض الكفاية وشكراً.
الدكتور خيري السمرة: في الواقع لكي نشخص موت جذع الدماغ وهذا الكلام كله وكل التشخيص والفحص هذا يعني من الناحية العملية البحتة فإن Cat Scan ضروري جداً from the practical point of view the Cat Scan and MRI is a must وهذا لم يذكره أحد من الإخوة، لذلك فمن الضروري أن يكتب في التوصيات من ضمن الفحوصات السريرية لأنه لا يوجد حالة تأتي إصابتها شديدة عندنا إلا ويجب أن نعمل له Cat Scan? MRI ونرى مثلاً: النزيف الحاد، وهذا الشيء يجب أن نعمله وكذلك مع اختبار وقف التنفس يجب أن أعمل Cat Scan وشكراً.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: لدي تعليق أنه طالما أنا رئيس الجلسة أن ننتهز الفرصة لكي نذكر عن عدد الزراعات التي أقيمت في المملكة، نحن لدينا 2775 عملية زراعة كلى; منها 558 لغير سعوديين، لدينا 124 كبداً زُرع داخل الملمكة; منها 5 أكباد لغير سعوديين منهم 3 مصريين ذكرهم الدكتور السبيل لدينا 65 قلباً زرع في السعودية; منهم 4 لغير سعوديين أعتقد من دولة السودان واليمن ومصر.(29/43)
لدينا زراعة بنكرياس في خمس حالات، لدينا زراعة رئة في ثمان حالات، لدينا زراعة كبد وكلى سوياً في حالة واحدة، في الحقيقة زاد عن عام، والرجل كبير في السن عمره 69 وهو بكامل قوته وهو يطلع معي للصيد، وفي الحقيقة كان هو مريضاً من السابق، كان يحضر عند أولاده (شايلينه) عندي لكن بعد الزراعة والحمد لله يقوم بكل شيء; يعني يسهر في الليل مع أصحابه لأنه راجل على المعاش ويذهب إلى الصيد ويصطاد السمك ويأكله ويوزع منه، وفي الحقيقة أنا عندي مريضة الآن عندها 84 سنة وكل أربع شهور تراجعني هذا بالنسبة للكبر، وأصغر مريض كان أربع سنوات بالنسبة للأطفال نحن محددون لهم وزناً معيناً 10 كجم بالنسبة للكلى، من 10 ك وأكثر بالنسبة للقلب، كان زميل لنا اسمه القطان هذا خامس سنة له بعد زراعة قلب له، عندما رفضت جميع مراكز القلب في العالم الزراعة له، وحتى عند الدكتور مجدي يعقوب وقال: لا يمكن عمل شيء لك. وجاءنا في مستشفى الملك فهد في جدة وهو زميل لنا وكان صغيرا عمره 26 سنة، والآن هو يعيش بعد زراعة القلب، وكانت عملية خطيرة، وهو الآن يعمل بيننا كمدير لأطباء السجون بجدة، فالنتائج في المملكة جيدة وخبرات جيدة، ونرجو إن شاء الله كعالم عربي أن يكون بيننا مع بعض نتبادل الآراء والخبرات الموجودة، وبعض الدول العربية الشقيقة منها ولا شك جمهورية مصر العربية هؤلاء أساتذتنا، ونحن تعلمنا على أيديهم ويخجلني كثيراً أن الأساتذة الذين علموني يكونون متأخرين عنا في شيء نحن متقدمون فيه، في الحقيقة هذا شيء يخجلني كثيراً، وأرجو إن شاء الله لو أتيحت الفرصة، نحن متأكدون تماماً لو أن جمهورية مصر العربية بدأت بزراعة الأعضاء ومن المتوفين دماغياً سيكون لها مستقبل كبير يضاهي الدول المتقدمة جداً لأن فيها الحقيقة الخبرات موجودة والعقول موجودة أشكر جميع الإخوة الذين شاركوا في هذه الجلسة وشكراً جزيلاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(29/44)
المناقشات
الدكتور عبدالمنعم عبيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، أرجو أن يكون كلامي مسجلاً في هاتين الدقيتين كما يلي:
1 ـ الرجاء جمع الدراسات لتُكَوَّن أمانة إسلامية للمعلومات، تجمع الدراسات حول ما نسميه [فشل الأعضاء النهائي] في البلدان الإسلامية، وخاصة ما يتصل منها بالكلى والكبد والعيون، وما يتبع ذلك من تقدير قائمة للانتظار وتوقعات الوفاة بالنسبة للمنتظرين في العالم الإسلامي.
2 ـ معلومات عن الاحتياجات لزراعة العظام والمفاصل والأربطة والجلد.
3 ـ دراسة التكلفة المحتملة لزراعة مختلف الأعضاء مقارنة بالممارسات الحالية في العالم.
4 ـ عمل عدّة دراسات مهمة على منوال ما يسمى في الولايات المتحدة: مزج المخاطر بين المتبرع والمتلقي للحصول على مدى الحياة المتوقع مقارنة بمدى الحياة الفعلي.
5 ـ دراسة ظروف نقل مرضى الحوادث في العالم الإسلامي ومدى تواجد وحدات العناية المركزة، والاستعانة بالخبرة الرائدة لقسم العناية المركزة بكلية طب القاهرة، وهو القسم الوحيد الموجود في الجامعات - كما أعلم - في العالم العربي والإسلامي.
6 ـ أن يدرس المؤتمر وضع البرامج الإعلامية المرئية والمسموعة المحترمة، التي يقررها رجال الدين الثقات حول مفهوم موت المخ، وحول أهمية شتل الأعضاء من الموتى بالقلب المتوقف، ثم في المستقبل بالقلب النابض على مراحل وتعتمد البرامج على نشر برامج اتصال بالجماهير المتبعة في المجتمع الأوربي بعد أسلمتها وتعريبها.
7 ـ دراسة التعاون بين مراكز نقل الأعضاء الخليجية ومصر وسوريا ولبنان أولاً، ثم الامتداد إلى بقية العالم الإسلامي من الناحية التقنية والإعلامية الموجهة لأفراد الشعب المسلم.
8 ـ عقد جلسة لمناقشة الأخلاقيات الإعلامية حول ثلاثة موضوعات تتم دراستها على أوسع نطاق حالياً في العالم وهي:
أ ـ دراسة إيقاف وسائل العلاج المساعدة عن موتى المخ لدى المسنين بوصية أو بموافقة الأهل.(30/1)
ب ـ دراسة إيقاف وسائل العلاج المساعدة عمن لم يُعط وصية وليس له أهل.
ج ـ دراسة الإيقاف عن القصر والأطفال، ومن لا يملكون أهلية القرار.
د ـ دراسة أخلاقيات العطاء وما يتعلق بالتبرع الطوعي للأعضاء أو بموافقة الأهل.
9 ـ دراسة كيفية ملاحقة الأفكار الخاطئة إسلامياً في مختلف وسائل الإعلام.
10 ـ دراسة تنظيم ندوة للقاء الأطباء المهتمين بشتل الأعضاء مع رجال القانون والتشريع، ومع كبار المراكز الإسلامية في مصر. وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً يا دكتور عبدالمنعم، ونرجو أن نكتبهم ونعطيهم للأمانة... الدكتور محمد علي البار تفضّل.
الدكتور محمد علي البار: شكراً سيدي الرئيس، في الحقيقة لي نقطتان بسيطتان:
النقطة الأولى: أن المتحدث الأول الدكتور محمد شريف مختار - أثار نقطة كانت قد أثيرت في فتوى عمان، وهي تعتمد على أن الدماغ قد بدأ في التحلل، وقد اعترض عليها كثير من الأطباء، إذ إنه لا دليل على ذلك لكن necrosis of brain cell after one hour of cessation of circulation? وهذا يثبت الفتوى، لكني لا أدري مدى التيقن من هذه النقطة، لأن الفتوى تحدد بداية التحلل لكنها لا تفترض أن تكون كل الخلايا تحللت، ولكنها تفترض التحلل في بعض خلايا الدماغ - على الأقل - ونحن عندما نقول (موت الدماغ) فإنه لايزال لدينا هذا الإشكال، ومما يؤدي إلى بعض الإشكالات أن هذا اللفظ لايزال متداخلاً، فنحن نقول: المخ ونقصد الدماغ، ونقول: الدماغ ونقصد المخ وقد ينتج من هذا الالتباس.(30/2)
النقطة الثانية: أن الدكتور حسان يقول: موت المخ كله، لا لم يمت وإنما يقصد بذلك Crebral hemisphere (فصي الدماغ) فهو لا يقصد بذلك الدماغ بكامله; لأن جذع الدماغ لايزال حياً، ولكننا إذا التزمنا بهذه الألفاظ، فربما نزيد الالتباسات التي لاتزال تحدث من حين إلى آخر، المريض فاقد التنفس فهو ميت ولكن بشروط أخرى، أما إذا كان المريض فاقداً للتنفس وحده فهو ليس ميتاً، وإن كان فقهاؤنا من قديم قد قالوا: بأن النفْس والتنفس مشتركان أي أنه إذا فقد التنفس بطريقة دائمة فقد خرجت النفْس، وقد فسر بعضهم - كما في كتاب (الروح) للإمام (ابن القيم) حيث يقول: «النفْس هي النفَس» وبعض الفقهاء النفس هي التنفس، وبعضهم قال (مالا نفس له سائلة) النفس يعني الدم، ولهم ألفاظ كثيرة في هذا الباب.
والواقع أن فقد النفس من أهم الفحوص توقف التنفس لكن بشروط أخرى حتى لا يلتبس فيُفهم فهماً خاطئاً. إذ إن وقوف التنفس وحده بدون توقف الأعضاء الاخرى والفحوصات الأخرى لا يكفي لإعطاء هذا الحكم، لأن التنفس يَتوقَّف لأسبابٍ كثيرةٍ يمكن معالجتها، هاتان هما النقطتان الأساسيتان اللتان أحببت أن أشير إليهما وأحب أن يجيبني الدكتور محمد شريف، أو يؤكد هذه النقطة. جزاه الله خيراً.
الدكتور سهيل الشمري: في الحقيقة أشكر الدكتور حسان حتحوت على شرحه الواضح وأعتقد أنه أثار نقطة مهمة وهي إعطاء الغطاء الشرعي للتشخيص الإكلينيكي لموت الدماغ وهو ما عرّف بالشرع الإسلامي بحركة الذبيح، وأسأل الدكتور حسان، هل يجب هذا الغطاء الشرعي؟ لأن حركة الذبيح عند بعض العلماء أو الناس العاديين تشمل المرضى النباتيّين لأن الذبيح في مرحلة فقد صفة أساسية من إنسانيته وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً دكتور سهيل، الآن الدكتور حمدي السيد.(30/3)
الدكتور حمدي السيد: لقد فهمنا من حركة الذبيح فقهياً، أن الشخص الذي يعتدي على الذبيح يعزّر ولا يطبق عليه حد القتل، وهنا لازال الطبيب في خطر إلا إذا تدخلنا قانوناً، إلا إذا كان هناك قانون يحميه. وإذا كان العدوان على الذبيح له عقوبات تعزيرية وليست عقوبة القتل لأنه ليس هو المسؤول عن القتل، فأنا أيضاً أضم صوتي إلى القول بضرورة أن يكون هناك تشريع يحمي الطبيب فضلاً عن أي إنسان آخر وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً للدكتور حمدي السيد، الكلمة للدكتور رؤوف سلام.. تفضل.
الدكتور رؤوف سلام: بسم الله الرحمن الرحيم سبق أن اتضح في جلسات سابقة ما نقصده من أن حركة رجل الأرنب في الإناء لا تعد حركة حياة; لأن هذه حركة جزء غير متصل بالجسم، النقطة الثانية: أنني أشكر الدكتور حسان على هذه المحاضرة الجميلة، وعلى أنه أوضح أن في حالات الشنق القانوني - حسب كتب الطب الشرعي - لا يموت الشخص فور تعلقه بالحبل، ولكن عملية الشنق تفسد مراكز القلب والتنفس، وفي هذه اللحظة تبدأ عملية الموت، وفي مصر عندما يمارس الشنق القانوني تسجل الوفاة بعد عملية الشنق بعدة دقائق تصل أحياناً إلى 30 دقيقة، وفي المتوسط حوالي 8 دقائق، وأي إنقاذ قبل ذلك يكون كأن لم يتم شنقه لأنه في الواقع لم يمت، ولي تعليق بسيط على عملية الدفن في مصر - أعتقد أنه مختلف - وأنا أتكلم من خبرة عائلية، ولا أعرف الأصول، ولكن من خلال الخبرة العائلية لي أقارب في الإسكندرية تم دفنهم بطريقة مختلفة عن القاهرة، ففي القاهرة يدفنون في حجرات - على ما أعتقد - أما في الإسكندرية فإن التابوت نفسه يهال عليه التراب، ويمكن أن يكون العكس هو الصحيح فلست متأكداً، المهم أن عملية الدفن في القاهرة تختلف عن الإسكندرية، وأختتم بسؤالين للدكتور شريف مختار:(30/4)
لقد قال الدكتور شريف: إن فترة الانتظار للاختبار الثاني الذي يتم للتأكد من موت الدماغ في حالات المرض أو التسمم الأيضي أو التسمم بالأدوية 12 ساعة أو رقم معين، مما يوحي بأننا نشخص موت الدماغ في حالات الاضطرابات الأيضية والتسمم بالأدوية، وقد قلنا سابقاً بوجوب استثناء هذه الحالات قبل القيام بتشخيص موت الدماغ، هل الفرق بأنه يحدث خلالها تلف تام لجذع المخ والثانية جزئية أم أن التفرقة دائمة وليست مؤقتة؟ وشكرا.
المستشار إبراهيم علي حسن:(30/5)
بسم الله الرحمن الرحيم أود أن أشكر من عميق قلبي - المنظمة - برئاسة الدكتور عبدالرحمن العوضي والعاملين فيها - على هذا الجهد الفائق، لأنني عانيت كثيراً في هذا الموضوع معاناة شديدة، والحقيقة أنني كنت أتولى إلقاء محاضرات في موضوع زراعة الأعضاء من الناحية القانونية طبعاً لأنني لست متخصصاً إلا في هذا الجانب، وكنت أواجه من أطباء كثيرين في مصر بمسائل تتعلق باعتراضات قائمة على أصول شرعية، وكنت لا أجد غضاضة في أن أستبعدها لأني لا أستطيع أن ألمس الحق من الصواب، كنت أعود للكتب الفقهية وأدرسها، لكن المشكلة الحقيقية التي كانت تواجهني هي الحديث المعتمد على أسس طبية، وكان في ذلك إحراج كبير لي، ولقد حاولت - فيما كتبت - أن أتحدث عن موت المخ، وتناولت (بروتوكولات) كثيرة وتناولت من أيام الطبيب الفرنسي الذي تكلم عن Cowa deposse إلى آخر ما تحدث عنه الإخصائيون الأطباء في هذا الشأن، ولكني كنت أجد باستمرار إعاقة ما تحدث في هذا المجال فما الذي نتج عن ذلك؟! نتج عن ذلك: أنه لا يوجد لذلك تشريع في مصر إلى الآن بما في ذلك تشريع الصمامات والشرايين الذي وافقت عليه الجمعية العمومية، ولقد توقف العلاج الطبي في هذا المجال في مصر، وتوقف أيضاً البحث العلمي والتطور العلمي، وأصبحنا لا نستطيع أن نلحق بقطار العصر حتى لو لهثنا، وأذكر أنه في سنة 1991 عندما كنت أميناً عاماً للثقافة في مصر كانت هناك محاضرة في نقابة الأطباء، وكان يرأسها الدكتور حمدي السيد، وفي حينها قمت وقلت تعليقاً صغيراً جداً، قلت له: يادكتور حمدي أنقذوا الطبيب قبل أن تنقذوا المريض، الطبيب معرض للعقاب الجنائي حتى في الوقت الحالي، وأرجو ألا يستغل ذلك من الآخرين لأن الجرح الذي يتم بالكلى هو جرح متعمد يؤدي إلى عاهة مستديمة وفقاً للتشريع الجنائي المصري، وبالتالي فهو يرتكب جريمة لإنقاذ إنسان، ولا يوقف ذلك ولا يرفع عنه الحرج إلا بإصدار قانون وتشريع في هذا(30/6)
الشأن ينظم نقل الأعضاء، وهذا ما ناديت به وتحدثت عنه ودافعت عنه.
ولعل الدكتور عبدالمنعم عبيد آثار مسائل غاية في الجوهرية، ولابد أن نتبعها، مثل: إنشاء أمانة عامة لدراسة هذا الموضوع ومتابعته والتنسيق بشأنه، وأحب أن أضيف مسألة في غاية الأهمية بتصوري، وقد تعرضت لها في هذا الشأن، وهي أن الإشارات الصحفية والحديث إلى غير المتخصصين مسألة تخرج عن آداب وقواعد المهنة، فإذا كانت هناك مسألة قانونية محضة فإننا نجتمع ونتحدث عنها كقانونيين، وإذا كانت المسألة طبية فيجب أن تكون بين كبار الأطباء الذين تمثلونهم حتى ينتهوا فيها إلى قرار، ولقد سعدت كثيراً بحضور هذه الندوة لكي أسمع النهايات السعيدة التي كنت أتمنى أن نصل إليها من خلال مؤتمر علمي عام، وهو مؤتمركم الجليل وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً سيادة المستشار، وأمامي الدكتور مختار ثم بعد ذلك نستمع إلى ردود الدكتور شريف مختار ودكتور حسان حتحوت عن الأسئلة المباشرة على محاضرتيهما، ثم نفتح المناقشة مرة أخرى لنستمع إلى كلام الدكتور صفوت ثم أنتظر ما بقي من تعليقات.
الدكتور مختار المهدي: أقترح عمل استفتاء بين جمهور الحضور في هذه الندوة - وهم صفوة الرأي بين الجمهور الطبي العلمي في العالم الإسلامي - عن قبول موت الجذع بمعنى موت الإنسان; لتسجيل مدى الأغلبية العلمية كمرجع لما قد يستجد من جدل في هذا الموضوع وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: بالنسبة للدكتور شريف مختار هناك ثلاثة أسئلة محددة لسيادتكم، الأول: متصل بسيولة المخ من الدكتور البار، والسؤال الثاني: من الدكتور رؤوف، عن أن فترة الانتظار توحي بأن السموم قد تكون أحد الشروط في تشخيص موت جذع المخ، والسؤال الثالث: عن التفرقة بين اضطراب عمل جذع المخ وتلف جذع المخ تفضل يادكتور شريف.(30/7)
الدكتور شريف مختار: شكراً، قد يكون من المناسب أن نستعمل بدلاً من كلمة التحلل decay كلمة necrosis التنقرس، ولأن الدم إذا انقطع من القلب ساعة أو ساعتين يبدأ يحصل Ischemia ثم ليس معنى هذا أنه تعفن إنما هو تنقرس.
ورداً على أسئلة الدكتور رؤوف سلام مثل لو أننا عملنا أقفالاً بواسطة جلطة للشريان التاجي الأمامي وينقطع الدم من القلب ساعة أو ساعتين يبدأ بعدها حصول نقص الدم (ischemia) ويبدأ حدوث تحلل، وإذا لم نلحقه بعلاج لإذابة الجلطة أو أن تتم إذابة الجلطة تلقائيا في فترة قصيرة سيحصل تحلل لعضلة القلب، وليس معنى ذلك أنه تعفن; ولكنه تنقرس، وهذا ممكن يحصل له شفاء، ولو أن المريض عاش سيتحول إلى ندبة، أما الخلايا العصبية فإنها لن تتأثر مما حدث في الشخص الميت. ومن ناحية التحلل، فالتحلل والـ physical dissolution الذي يلي دفن المريض إنما هو نوع من التنقرس وتبدأ في الأعضاء الحساسة وهذه الخلايا تصبح غير عاملة وهذا هو المقصود.
ورداً على الدكتور رؤوف سلام يبدأ تلف في جذع المخ وأعتقد أن هذه نقطة مهمة لأن المسألة مؤقتة، أما من ناحية قوة الإصابة أو التلف الذي يصيب جذع الدماغ، وكذلك مدى انتشاره - كما نرى كثيراً من المرضى الذين تجرى لهم محاولات انعاش قلبية رئوية ناجحة - فالمريض الذي قد يظهر عليه مبدئياً كل المظاهر التي توحي للمتعجل أنه انتهى أمره وأنه لم يعد يستجيب، وتكون بعض علامات الموت الدماغي المتعارف عليها عنده، ولكن هذا المريض قد يحصل له تحسن في الساعات التالية ويعود من الحالة التي كان عليها وهي كانت حالة مؤقتة وليست شديدة دائمة. ولهذا فأنا أصر على أنه كما رأينا في الفيلم (التعجل) بعد توقف القلب أنه تم تشخيص حالة تعطل جزئي لعمل جذع المخ على أنها حالة موت دماغي، ونقول نأخذ المريض لغرفة العمليات لكونه متبرعاً محتملاً.(30/8)
أما بالنسبة للإصرار على تأكيد فترة زمنية أطول من الفترة المتعارف عليها بين فحصين منفصلين لمعايير الموت الدماغي في حالات الاضطراب الأيضي أو التسمم بالأدوية، فأنا لا أناقض نفسي، أنا أقول لا بد من استبعاد الأسباب المرضية التي يمكن علاجها، ولكن أنا أعتقد أن المريض الذي يكون عنده نقص في (الأكسجين) واضطراب في الأيض، وحدث له توقف في القلب فإنه يعاني من نقص (الأكسجين) في جذع الدماغ مما يسبب له تلفاً وهو يحتاج لفترة أطول من الملاحظة لإعطاء فرصة لمعالجة المسببات التي يمكن علاجها والتي تعتبر مؤقتة كنقص السكر أو أي اضطراب أيضي آخر، وهذه هي الحكمة الواضحة في أن نأخذ فترة أطول أكثر من المتعارف عليها. وشكرا.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً للدكتور شريف، والآن تدخل قصير من الدكتور خيري السمرة.
الدكتور خيري السمرة: في الواقع هناك فرق كبير جداً بين التلف الجزئي لجذع الدماغ فنحن لا نرى الحالات التي يظهر عليها علامات موت جذع الدماغ. في حالات الرأس الشديدة فالمريض يموت قبل أن يصل إلينا في أغلب الأحيان. فعند حدوث موت جذع الدماغ إثر الإصابة يتوقّف التنفس عند المريض ويموت، أما في حالة التلف الجزئي لجذع الدماغ فإن المريض تتدهور حالته ويكون هناك بعض الانعكاسات موجودة والتنفس قد يكون موجوداً والدورة الدموية تعمل، ونبدأ بالتدخل الفعال. أما إذا وصلنا لمرحلة موت جذع المخ فإننا ساعتها نضع المريض على جهاز التنفس، ونأخذ الإجراءات اللازمة، وهذا يؤكد أننا لا نستعجل الحالة، فالمريض يأتي بتلف جزئي لجذع المخ وتبعاً لذلك يمكن لحالات كثيرة أن تتحسن وشكراً.(30/9)
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً يادكتور خيري، الآن نستمع إلى الدكتور حسان حتحوت، وعنده سيل من الأسئلة، عن توحيد المسميات عن حركة الذبيح حتى لا تشمل الحياة النباتية عند التشريع المطلوب لحماية الطبيب حتى لا يتدخل في حركة الذبيح وهو الذي أيده سيادة المستشار، وعن الشنق القانوني، وعن نوع الدفن. الأستاذ الدكتور حسان حتحوت... تفضل.
الدكتور حسان حتحوت: لقد عرفت الموضوعات، ولم أعرف الأسئلة بإجمال، وكما أوضحنا في الرسم فإن موت المخ لا نعتبر معه المريض ميتاً، وبالتالي لا يعد إصابة قاتلة، ولهذا لا يندرج تحت عنوان حركة الذبيح، وعلى كل حال لابد أن يعْقُبَ حديثنا هذا إصدار تشريعات حتى ينضبط كل شيء بقانون، لأنني لو تصرفت وفق الشريعة ووفق ما أعتقد أنه المصلحة فسوف أكون عرضة للمساءلة، ولكن الذي يحسم هذه الأمور هو قوانين البلاد، يسألني أحياناً أطباء في أمريكا ويقولون: الحالة كذا وكذا فأقول لهم إن المرض الميؤوس منه تصبح معه المداواة والعلاج غير مفروض، ولكن انظر إلى قانون الولاية التي تعمل فيها لأننا يمكن أن نعمل العمل الصحيح ولكنه يخالف القانون، إن الذي يحكم هذه التصرفات هو نصوص القوانين، ومن سمات العصر أن التقدم العلمي سبق التقدم التشريعي كثيراً بحيث بقيت جهات علمية بغير غطاء تشريعي، والعلاج - في رأيي - أن يتلافى هذا الأمر وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً للدكتور حسان، وهناك تعليق من الدكتور صفوت، وأود أن ألفت النظر إلى أن معالي الدكتور عبدالرحمن العوضي قد شرفنا، وهناك اتجاه لإنهاء اجتماعنا بعد هذه الجلسة فأرجو - مع استعدادنا جميعاً للاستماع إلى الدكتور صفوت وما قد يثيره من تعليقات أخرى - أن نختصر ما أمكن ولا نكرر ما سبق الكلام فيه... دكتور صفوت.. تفضل.(30/10)
الدكتور صفوت لطفي: بسم الله الرحمن الرحيم، سوف أرد في حديثي على ما ذكره الأخ الدكتور حسان من أنني أقحمت نفسي في الدين هذا ليس فخراً، ولكنني أعمل في هذا المجال منذ عشرين عاماً، وحينما قامت حركات التطرف التي هزت كيان المجتمع المصري، كان لي باع فيها، ويعلم ذلك أستاذنا العزيز وعميد كليتنا السابق الدكتور خيري السمرة حيث كنت أرأس (أسرة النور) في كلية الطب بجامعة القاهرة، التي تصدت لهذه التيارات الفكرية، كما أني كعضو في الجمعية الشرعية شاركت في عدة كتب عما نادى به البعض من وجوب تطبيق الشريعة دون ضابط ولا رابط، وقد قامت الدولة المصرية بأخذ الكتابين اللذين شاركت فيهما وطبع منهما نصف مليون نسخة وزع على الشباب في الجامعات والمدارس المختلفة، أما بخصوص كتابي وما جاء به من أدلة شرعية «أسباب تحريم نقل وزراعة الأعضاء الآدمية» فقد قبل ونُشِرَ ملخص له بمجلة الأزهر، أما بخصوص ما ذكره الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران بأن هذا الأمر لم يعرض على مجمع البحوث الإسلامية، فأقول لسيادته إن هناك فرقاً بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وبين مجمع البحوث الإسلامية، حيث عرض هذا الأمر على مجمع البحوث الإسلامية بناء على خطاب أرسله عميد معهد الأورام، عندما طلب المعهد إجراء أخذ أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام وعرض الأمر على مجمع البحوث الإسلامية في مصر، فرفض رفضاً تاماً أخذ أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام، كما رفض مفهوم موت جذع المخ واعتبر ذلك قتلاً. أما ما قاله بالنسبة لحركة المذبوح فإن مجمع البحوث الإسلامية المصري قال ملخصاً: إن القانون المصري يعرف الموت بأنه توقف القلب والنبض والتنفس وهمود الحركة تماماً، وبناء على ذلك صدر الحكم الشرعي من هذا المجلس، بأن من أجهز على إنسان مع بقاء النبض في قلبه، والحياة في أعضائه فهو قاتل لنفس حرم الله قتلها إلا بالحق، وجزاؤه القصاص في الدنيا إن كان ذلك عمداً، هذا ما قال به مجمع(30/11)
البحوث الإسلامية، كما أنني شاركت في العديد من الندوات، وما أقوله قال به كثير من العلماء، وهناك شريط به بعض الندوات مرسل لرئاسة المؤتمر كي ترى هذا، وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً للدكتور صفوت. الحقيقة أن رد الدكتور صفوت يشمل أموراً شرعية أو أموراً دينية حسب ما فهمت، إن المؤتمر يختص حالياً بالناحية العلمية الطبية، ومع ذلك إن أراد أحد التعليق على كلام الدكتور صفوت فليتفضل لأنه أمامنا دقيقتان قبل أن تنتهي الجلسة، وأعطى رئاسة الجلسة لداعينا معالي الدكتور عبدالرحمن العوضي.
الدكتور عصام الشربيني: إن الفتاوى الشرعية التي صدرت هنا بالكويت صدرت بمشاركة مفتي الديار المصرية الدكتور الطنطاوي، ومندوب شيخ الأزهر، ثم صدرت الفتاوى من مجمع الفقه في جدة بمشاركة فقهاء من العالم الإسلامي كله، ثم صدرت فتاوى من المجمع الفقهي الذي انعقد في عمان، وشارك فيه أيضاً فقهاء مصريون; فإذا كان هناك رأي فقهي آخر فقد أصبح لدينا أكثر من رأي، ومعنى ذلك; إذا اختلف رأيان في الفقه ارتفعت الحرمة فعندما يصدر رأيان فقهيان من سلطات فقهيّة على مستوى في العالم الإسلامي كله، لا يقال إن هذا حرام وإن هذا قتل وإن هذا يجب فيه القصاص; لأنهما رأيان فقهيان واجتهدان فقهيان، ولو ألزمنا الناس برأي واحد لأصبح نصاً قرآنياً أو من السنة، ولم يصبح موضوع اجتهاد وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: الدكتور رؤوف سلام، ثم المستشار إبراهيم علي حسن، ثم دكتور حمدي السيد، ثم دكتور حسان حتحوت، ثم تأذنون لي نختتم إلا إذا أراد الدكتور صفوت تعليقاً أخيراً.(30/12)
الدكتور رؤوف سلام: حتى لا أكون كاتماً للشهادة فإن الموضوع فعلاً قد عرض على مجمع البحوث الإسلامية، لأني شاركت في الرأي الطبي مثل ما شارك زميلي المقتنع بزراعة الأعضاء، الذي هو من معهد الأورام، وطلب رأيه، وطلب رأيي وطلب رأي آخرين في هذا الموضوع وعرضت الآراء والمناقشات على مجمع البحوث الإسلامية وخرج منها بفتوى.
الدكتور إبراهيم بدران: ليس بفتوى ولكنه رأي ولم يصل إلى فتوى ومعذرة يا دكتور سلام.
الدكتور رؤوف سلام: أنا كنت سأكمل ويمكن أتفق مع كلامك، فقد لا أعرف الفرق بين الفتوى والحوار فاسمح لي أن أكمل، إنني أقول: إن الذي حدث معي هو طلب رأيي الطبي وعرض على زميلي، وعرض علي رأي زميلي لأنه رأي مضاد، وهذه الآراء كلها عرضت على مجمع البحوث الإسلامية في غيبتي وفي غير حضوري، وعندما وصل فيها مجمع البحوث الإسلامية إلى رأي - لا أعرف تفسير هذا الرأي - أرسل إلينا هذا الرأي بصفتنا شاركنا بإبداء الرأي فأرسل إلى وأرسل إلى زميلي الآخر الدكتور مدحت خفاجي، أي أن الموضوع عرض على مجمع البحوث الإسلامية وخرج منه برأي، أما كيفية تشكيل هذا الرأي فلا أعلم. أما الدكتور إبراهيم بدران فإنه يعلم أكثر مني، وأنا لم أقل هذا الكلام إلا عندما أثير حتى لا أكون كاتماً للشهادة فقط، ولا أقصد أي شيء من ذلك، وهذا الرأي مسجل نصاً ولن أذكره لأني لست حافظاً له فأنا مهتم أكثر بالناحية الطبية ولا أعلم شيئاً في الشرع ولا في القانون.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: لقد استمعت إلى تعليق الدكتور بدران عندما قال: إن الموضوع نوقش في مجمع البحوث الإسلامية، ولا رأي ولا فتوى في هذا موضوع لي، لكن الفيصل فيه طبعاً لممثلنا في المجلس الأعلى. الأستاذ المستشار إبراهيم علي حسن.(30/13)
المستشار إبراهيم علي حسن: بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة لي تعليق سريع جداً أريد أن أقوله: إن موضوع نقل الأعضاء الذي يجرنا إلى التعريف الطبي للموت قد عرض في أكثر من مجمع طبي له سموه وله مكانته; فعندنا على سبيل المثال فتوى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عام 1979م، وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 99 لسنة 1402هـ، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية، ولجنة الفتوى سنة 1985، وفتوى مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في سنة 1986، وفتوى فضيلة مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور محمد سيد طنطاوي سنة 1988، وفتوى ورأي الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وهو رأي مؤسس ومنطقي تماماً، حتى الدين المسيحي، وجدت أن قداسة البابا شنودة الثالث كتب في هذا الشأن مثلما كتب تماماً فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، اتفقوا تماماً الدين الإسلامي والمسيحي، أما إذا انتقلنا بعد ذلك إلى ماهية الوفاة فهذا موضوع ندوتنا، وقد عرض هذا الموضوع على الجمعية العمومية وتصديت له وتكلمت فيه كثيراً، وخبرتي في هذا الموضوع جاءت من هذا الشأن، وقد عرض على الجمعية العمومية رأي فضيلة الشيخ جاد الحق رحمه الله، الذي نشره في مجلة الأزهر سنة 1992، وقال فيه [بضرورة توقف جميع مظاهر الحياة في جسم الإنسان حتى يعد ميتاً]، ولقد قلت لهم: إن هذا الرأي قد قرأته وهو مستند على مؤتمر سيدني في سنة 1967م، ومبني على مرجع أستاذ جنائي في جامعة المنصورة، ومثلما قلت في الصباح: إنني تحدثت معه واقتنع وأقنع الجمعية العمومية عندما تعرضت لهذا الموضوع، وهم أناس لهم شأن، وقد قالوا: إنه يجب الاستيثاق من تمام موت الجسم المراد النّقْل منه لأجل ألا يدخلوا في متاهات علمية، لأن المرجع في ذلك هم أهل العلم وليس القانون، لأنه - أي القانون - يقنن ما يستقر عليه العلم، ولو كان هناك رأي في الوفاة أو في تحديد الوفاة منذ قرن أو منذ خمسين عاماً، وتطورت الوسائل العلمية،(30/14)
وأثبتت الجديد فيجب أن ينصاع القانون ويقنن ويسير مع ما انتهى إليه الرأي العلمي، وهذا ما أريد أن أقوله وشكراً جزيلاً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: أنا أعتذر للدكتور عبدالرحمن العوضي لأننا نخرج عن الموضوع العلمي إلى مواضيع قانونية وشرعية. الدكتور حمدي السيد.. تفضل.
الدكتور حمدي السيد: أنا أريد أن أضيف إلى كلام الدكتور إبراهيم رأي فضيلة المفتي في ذلك الوقت وهو الآن شيخ الأزهر، أولاً أباح زراعة الأعضاء، ثانياً أباح نقل الأعضاء من الموتى، وعندما جاء لتحديد الموت قال: إن هذه قضية علمية والذي يختص بها هم الأطباء المسلمون الثقات، وكان رجلاً يأخذ بالمنطق الذي تتكلم عنه بأن هذه قضية علمية طبية، وليس من اختصاص الفقهاء أن يحددوا ماهية الوفاة أو وقت الوفاة، أعتقد أن هذا ما جرى عليه الحوار في المجلس، فقد كنا نتحدث عن قضايا علمية موثقة، ونحاول أن نصل إلى تعاريف مبنية على الحقائق العلمية، وليس على ما قاله مالك وما قاله الشافعي لأنه - كما قال الدكتور حسان - عبارة عن ثقافة العصر، ولم يأت فيها نص وإنما هي اجتهاد بشري; وهذا الاجتهاد البشري بطبيعته يتغير من عصر إلى عصر، حسبما هو متاح من معلومات أو متاح من علم في هذا العصر وشكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: دكتور حسان تفضل.
الدكتور حسان حتحوت: فليقل خيراً أو ليصمت. أصمت
دكتور خيري السمرة: أنا أوافق على رأي الدكتور مختار بأن نعمل تصويتاً حتى لا يقال بعد ذلك [اجتمع المجلس وتضاربت الآراء واختلفت]، فأقول لا مانع من أن نعمل تصويتاً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: شكراً يا دكتور خيري، مع أني ضد التصويت في الاجتماعات العلمية وأعتقد أن الدكتور حسين الجزائري، ودكتور هيثم، لا يعتقدان في التصويت في المناقشات العلمية، ولكن هناك تسجيل لكافة الآراء، لأن الرأي للأمانة.(30/15)
الدكتور حمدي السيد: معذرة، موضوع أننا ننقل جميع الآراء أنا معترض عليه - بعد إذن حضرتك - فيه توصيات للمجتمعين، فأولاً توضع الديباجة بتحديد الحاضرين كلهم بأعمالهم ووظائفهم، ثانياً نحن اتفقنا أن هناك مشروع توصيات سيعرض علينا، وكما جرت العادة فإن المعترض على التوصية يسجل أنه اعترض فقط، إنما أن نجعل من التوصيات منشِتاّت (عناوين)، ونقول: فلان رأيه كذا وفلان رأيه كذا فنحن ياسيدي لن نصل إلى شيء، وليس هذا هو المتبع فيما يتعلق بمثل هذه المؤتمرات والندوات. شكراً.
الرئيس الدكتور ممدوح جبر: سوف أترك تعليق الدكتور حمدي إلى الجلسة التالية مباشرة التي يرأسها الدكتور عبدالرحمن العوضي، والتي تمس التوصيات، وطريقة كتابتها وطريقة مناقشتها وطريقة الخروج بها، وليس هذا من اختصاصي كرئيس لهذه الجلسة بالذات، فلقد قلت رأيي الشخصي وأعتقد أنه لا يوجد خلاف كبير بين الآراء الثلاثة التي قيلت الآن، وأشكركم حتى نلتقي في الجلسة الختامية برئاسة الدكتور العوضي، وشكراً.(30/16)
أسماء السادة المشاركين
في ندوة «التعريف الطبي للموت»
المنعقدة بالكويت في الفترة ما بين
7 ـ 9 شعبان 1417هـ الموافق 17-19 ديسمبر 1996م
1 ـ الدكتور إبراهيم بدران
عضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ووزير الصحة المصري السابق وأستاذ الجراحة العامة بالقصر العيني بالقاهرة.
2 ـ المستشار الدكتور إبراهيم علي حسن
نائب رئيس مجلس الدولة - مصر.
3 ـ الدكتور أبو شادي الروبي
أستاذ الأمراض الباطنية - القصر العيني - مصر.
4 ـ الدكتور أحمد بدران
أستاذ الجراحة العامة - القصر العيني - مصر.
5 ـ الدكتور أحمد رجائي الجندي
رئيس مركز الطب الإسلامي - الكويت
والأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
6 ـ الدكتور أحمد القاضي
عضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - مدير معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث - وجراح القلب بأمريكا.
7 ـ الدكتورة أسمهان الشبيلي
قسم أمراض الجهاز العصبي ابن سينا - الكويت.
8 ـ السيدة جميلة شهاب
رئيسة الفنيات بمركز الطب الإسلامي - الكويت.
9 ـ الدكتور حسان حتحوت
عضو مجلس أمناء - استشاري النساء والولادة - أمريكا.
10 ـ الدكتور حسن حسن علي
أستاذ ورئيس قسم التخدير بجامعة هارفارد - أمريكا.
11 ـ الدكتور حسين الجزائري
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية – مصر
12 ـ الدكتور حسين مليباري
أستاذ مساعد واستشاري الأمراض العصبية بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز - السعودية.
13 ـ الدكتور حمدي السيد
نقيب أطباء مصر - عضو مجلس الشعب - وأستاذ جراحة القلب بطب عين شمس - مصر.
14 ـ الدكتور خالد المذكور
أستاذ بكلية الشريعة - جامعة الكويت وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية .
15 ـ الدكتور خيري السمرة
أستاذ جراحة المخ والأعصاب - كلية الطب - القصر العيني - عضو مجلس الشورى - مصر.
16 ـ الدكتور رؤوف محمود سلام
أستاذ الجراحة بكلية طب الأزهر - مصر.
17 ـ الدكتور سهيل الشمري(31/1)
عضو هيئة التدريس جامعة الكويت - قسم الأعصاب - الكويت.
18 ـ الدكتور صفوت حسن لطفي
أستاذ التخدير بكلية الطب - جامعة القاهرة
19 ـ الدكتور صلاح العتيقي
رئيس منطقة الصباح الصحية وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
20 ـ الدكتور عباس رمضان
رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب، ونائب مدير مستشفى ابن سينا للجراحات التخصصية - الكويت.
21 ـ الدكتور عبدالرحمن العوضي
رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
22 ـ المستشار عبدالله العيسى
نائب رئيس محكمة التمييز وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
23 ـ الدكتور عبداللطيف عثمان
أستاذ ورئيس قسم الأعصاب بكلية الطب - جامعة الأزهر
24 ـ الدكتور عبدالمنعم عبيد
رئيس قسم التخدير مستشفى المواساة الكويت.
25 ـ الدكتور عدنان خريبط
رئيس قسم فسيولوجيا الأعصاب - ابن سينا - الكويت.
26 ـ الدكتور عصام الشربيني
إستشاري الأمراض الباطنية مستشفى الصباح - الكويت.
27 ـ الدكتور علي السيف
وكيل وزارة الصحة المساعد لشئون الصحة العامة - والأمين العام للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - الكويت.
28 ـ الدكتور فيصل عبدالرحيم شاهين
مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء - استشاري الأمراض الباطنية والكلى - السعودية.
29 ـ الدكتور محمد رضا الجندي
مدير المستشفيات بالمنوفية - مصر.
30 ـ الدكتور محمد زهير القاوي
استشاري الأمراض العصبية مستشفى الملك فهد ومركز الأبحاث في الرياض - السعودية.
31 ـ الدكتور محمد السبيل
استشاري زراعة الكبد مستشفى الملك فهد للحرس الوطني - السعودية.
32 ـ الدكتور محمد شريف مختار
أستاذ أمراض القلب ورئيس قسم الحالات الحرجة - كلية الطب - جامعة القاهرة - مصر.
33 ـ الدكتور محمد علي البار
استشاري الأمراض الباطنية والطب الإسلامي - السعودية.
34 ـ الدكتور محمد عماد الدين فضلي
أستاذ الأعصاب - كلية الطب - جامعة عين شمس - مصر.
35 ـ الدكتور محمد هيثم الخياط(31/2)
نائب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية - عضو مجلس أمناء المنظمة - الكويت.
36 ـ الدكتور محمود سمحان
استشاري جراحة زراعة الأعضاء - الكويت.
37 ـ الدكتور محمود كريدية
رئيس قسم الأمراض الباطنية - مستشفى البربير وأخصائي الأمراض العصبية - لبنان.
38 ـ الدكتور مصطفى الموسوي
رئيس مركز حامد العيسى لزراعة الأعضاء بالكويت.
39 ـ الدكتور ممدوح جبر
وزير الصحة المصري السابق - الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر - وأستاذ طب الأطفال بالقصر العيني - مصر.
40 ـ الدكتور مختار المهدي
استشاري جراحة الأعصاب - مصر.
41 ـ الدكتور مختار محمد بشر
باحث بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - الكويت.
42 ـ الدكتور يوسف ريزه لي
أخصائي جراحة الدماغ والجملة العصبية - تركيا.(31/3)
فشل الكبد والغيبوبة الكبدية
الدكتور أبو شادي الروبي
تفشل خلايا الكبد عن أداء وظائفها لأسباب عدة، منها الحاد ومنها المزمن، كما في التهابات الكبد بأنواعها (فيروسية وغير فيروسية)، وتليف الكبد، والانسداد الصفراوي المزمن، بما في ذلك أورام الكبد السرطانية، وانسداد الشريان الكبدي أو الأوردة الكبدية.
أ) الأعراض والعلامات:
1 ـ انحطاط الحالة الصحية العامة للمريض، ويبدو في شعوره بالضعف والإعياء، وفقد الشهية، والهزال، وعلامات نقص التغذية.
2 ـ اليرقان، وهو علامة أساسية، وسببها هنا عجز الخلايا الكبدية عن التعامل مع صبغ الصفراء (البليروبين)، ويزداد اصفرار اللون بازدياد انهيار الكبد.
3 ـ من مظاهر الفشل الكبدي أن يزيد تسارع الدم في الدورة الدموية، فيسرع النبض، وينخفض الضغط، وتتواثب دقات القلب، وتكون الأطراف دافئة متوردة، أو قد تزرق وتتعجر الأصابع إذا صاحبه الاستسقاء والانسكاب البلوري.
4 ـ الحمى شائعة في مرضى الفشل الكبدي، وسببها تسرب الميكروبات من الأمعاء وغيرها إلى الدم، وعجز مصفاة الكبد المختلة عن حجز البكتريا والتعامل معها. هذه الحمى قد تكون مفاجئة ومرتفعة، أو تكون مخاتلة من التهاب البريتون في حالات الاستسقاء. ثم هناك نوع آخر يصاحب مرضى التليف الكبدي، وتكون درجة الحرارة فيه مرتفعة ارتفاعا طفيفا لايتجاوز 38 مئوية، ولكنه مستمر ويشكل جزءا من الصورة الإكلينيكية.
5 ـ نتن الكبد، وهو تغير مميز في رائحة النفَس، يشبه أحيانا رائحة الفئران، سببه مواد متولدة من الأمعاء ومتسربة إلى الدم. هذه الرائحة المميزة من علامات فشل الكبد، وقد تؤذن بقرب الدخول إلى الغيبوبة.(32/1)
6 ـ التغيرات الجنسية واختلال وظائف الغدد الصم شائعة. في الذكور: ضعف الشهوة والقدرة، تساقط شعر الجسم كالإبط والعانة والذقن، تضخم الثدي (وقد يكون مؤلما)، وصغر حجم الخصية. أما الإناث. ففيهن اضطراب الحيض وقد ينقطع، وضمور الثدي، وضمور الرحم، والخصوبة عادة ضعيفة أو منعدمة.
7 ـ تغيرات الجلد، أهمها احمرار الكفين، والعناكب الشريانية. أما احمرار الكفين، فقد يكون طبيعيا وشائعا بين أفراد بعض العائلات، وكذلك يظهر كثيرا في الحوامل، وفي مرضى الغدة الدرقية. ويكون الاحمرار واضحا في قواعد الأصابع وخاصة الإبهام والخنصر (جانبي الراحة).
وأما العناكب الشريانية، فيكثر ظهورها في الوجه والرقبة وأعلى الصدر والذراعين، وأحيانا تتخذ شكل الشعيرات الرفيعة الحمراء والزرقاء وتشبه بورق البنكنوت. وعلينا ألا نخلط بينها وبين الشعيرات المنتشرة في الرجلين، فهي من احتقان الأوردة ودوالي الساقين.
8 ـ اختلال تجلط الدم، وأهم عناصره الفيبرينوجين والبروثرومبين، وكلاهما يعتمد على أداء خلايا الكبد.
9 ـ الاستسقاء.(32/2)
10 ـ وصب الدماغ الكبدي Hepatic Encephalopathy هذه التغيرات العصبية والنفسية تتفاوت شدتها من الاضطرابات النفسية البسيطة، إلى الغيبوبة العميقة التي قد تفضي إلى الموت. من الأمراض والعلامات المبكرة في المريض: اضطراب النوم، فيغلب عليه النوم نهارا ولكنه يأرق ليلا، بطء الكلام وبطء الحركة عموما، تغير الشخصية، كالقلق أو الاكتئاب أو عدم الاكتراث، أو صعوبة التفكير أو تعثر الكتابة. ارتعاش الجسم (الرعاش) من العلامات المهمة، ويبدو واضحا في اليدين والذراعين المبسوطين فكأنهما طائر يخفق جناحاه. أما الغيبوبة فهي على درجات، أبسطها التشوش واضطراب السلوك والتخليط confusion، ثم الخمول والنعاس drowsiness، ثم الذهول واختلال الكلام stupor، وإن كان المريض ما يزال يستجيب لأوامر المتحدث، وأخيرا الغيبوبة العميقة التي لا استجابة فيها deep unresponsive coma. وفي أمراض الكبد المزمنة كالتليف تظهر علامات إصابات الجهاز العصبي كالشلل السفلي وتشنج العضلات.(32/3)
هذه التغيرات النفسية والعصبية قد تحدث في أمراض الكبد الحادة كالالتهاب المداهم، أي المفاجىء والشديد الوطأة fulminant hepatic failure (جدول 1) وفيه تموت (تتنكرز) خلاياالكبد موتا شاملا وتنهار وظائفه خلال أسبوعين من بدايته، فهو أشبه باستئصال كامل للكبد، أو تحدث هذه التغيرات النفسية والعصبية في الأمراض المزمنة كالتليف، خاصة إذا اتسعت الأوردة الجانبية الموصلة بين الوريد البابي والوريد الأجوف (جدول رقم 2). وأقرب تفسير لمثل هذه التغيرات هو تسرب مادة ضارة تجد طريقها من الأمعاء إلى الدم، تزوغ من الكبد وتصل إلى الدماغ فتفسد أداءه (شكل 1). هذه المادة تنشأ من فعل بكتريا الأمعاء. وأغلب الظن أنها مادة الأمونيا (النشادر). هناك طبعاً احتمالات أخرى كالأمينات والأحماض الأمينية وحمض (GABA). (gamma aminobutyric acid) وهناك أيضا الخلل الكيميائي الذي قد يصيب خلايا الكبد وخلايا الجسم عموما، كاضطراب توازن الحمض. والقلوي، أو اضطراب الالكتروليات كالصوديوم والبوتاسيوم، أو انخفاض نسبة السكر في الدم. هذه الاضطرابات لها أحيانا أسباب مباشرة كالقيء أو الإسهال أو الأدوية المدرة للبول، أو الحمى، أو النزف، أو الافراط في أكل البروتينات كاللحوم، أو الخمر، أو الإمساك الشديد. هذه الأسباب المباشرة قابلة للتصحيح، وتشكل جزءاً مهماً في العلاج.
ب) وسائل التشخيص
ذكرنا فيما سبق أعراض الفشل الكبدي وعلاماته الإكلينيكية، وبخاصة وصب الدماغ الكبدي والغيبوبة الكبدية. ووسائل التشخيص تتوقف على أسبابه ومصادره المختلفة، كتحاليل الدم الكيميائية (مستوى السكر، ومستوى الأمونيا، ونسبة الالكتروليات كالصوديوم والبوتاسيوم)، وتحليل السائل المخي الشوكيCSF، وفيه قد ترتفع نسبة البروتين ولكن عدد الخلايا طبيعي.(32/4)
ومن أهم وسائل التشخيص رسم المخ الكهربائي EEG لمرضى الفشل الكبدي، وفيه يتناقص عدد الذبذبات من الايقاع الطبيعي المعروف ب «الفا alpha» وهو 8 - 13 ذبذبة في الثانية، ويصل في حالة الغيبوبة إلى أقل من 4 ذبذبات في الثانية وهو إيقاع «دلتا delta» (شكل 2) وهذا التغير يبدأ في الفص الجبهي أو الأوسط من المخ على الجانبين ثم يمتد إلى الخلف، ورسم المخ الكهربائي له قيمة كبيرة للتشخيص ومتابعة العلاج، إلا أن التغيرات التي وصفناها قد تحدث في أمراض أخرى كتسمم البولينا uremia وانخفاض سكر الدم.
هناك أيضا الوسائل الحديثة لتصوير المخ بأشعة الكمبيوتر المقطعية CT والرنين المغنطيسي MR وفيه يظهر أو ديما المخ cerebral edema في بعض الحالات أو ضمور قشرة المخ، لذلك تحرص بعض المراكز المتخصصة على قياس الضغط داخل الجمجمة ومراقبته باستمرار، والعمل على خفضه إذا ارتفع (بالمانيتول وغيره من الوسائل).
ج) العلاج
الأسباب المباشرة للفشل الكبدي وللغيبوبة الكبدية ذكرناها سلفا، والكثير منها قابل للتصحيح. منه نزف القناة الهضمية، والحمى، والقيء والإسهال، وإساءة استعمال مدرات البول، والإفراط في أكل البروتينات أو تعاطي الخمر أو الإمساك... الخ.
أما الأسباب الكامنة، فتختلف باختلاف المرض. هناك مثلا الالتهاب الكبدي المداهم، وفيه ينهار الكبد انهيارا شاملا ومفاجئا، بسبب الفيروسات الكبدية أو الآثار الضارة لبعض الأدوية أو تسمم الحمل. مثل هذه الحالات يجب أن تعالج بمنتهى الاهتمام والمتابعة المستمرة، ويفضل أن توضع في مراكز الرعاية المركزة، لأنها بالرغم من خطورتها قابلة للشفاء التام في كثير منها.
أما أمراض الكبد المزمنة، وأغلبها التليف، فلها الراحة والغذاء المناسبان، ومعظم هؤلاء المرضى يسمح لهم بالنشاط المعتدل وبغذاء يوفر حوالي 2500 سعر حراري لليوم.(32/5)
أما البروتينات، فلا داعي لحظرها طالما أن المريض لا يعاني من الغيبوبة أو من مقدماتها، وله أن يتناول 50 - 60 جم بروتين في اليوم. الخمور ممنوعة بتاتا. الفيتامينات قد تساعد أحيانا إذا ظهرت علامات نقصها. لكن كثيراً من أدوية السوق «التي تنشط الكبد الكسلان» أو «تحميه من السموم»، معظمها عديم الجدوى، وبعضه قد يضر، خاصة إذا احتوت على نسبة عالية من الكولين أو الميثيونين. المنومات ومهدئات الأعصاب يحسن تجنبها إلا للضرورة، والمنبهات الجنسية بلا فائدة.
في الغيبوبة الكبدية، وما قبل الغيبوبة، علينا أن نمنع البروتين منعا تاما من الغذاء، ونعوضه بالسعرات الحرارية اللازمة عن طريق أنبوب المعدة أو في الوريد. الإمساك عدو لدود، نغسل القولون بالحقن الشرجية، ونعطي المريض بالفم دواء لاكتيولوز (وشبيهه لاكتيول) الذي يلين الأمعاء ويمنع تكوين مادة الأمونيا. ولنفس الغرض نعطي بالفم أو بأنبوب المعدة دواء نيوميسين (4 جم في اليوم)، وهو مضاد حيوي يطهر الأمعاء من البكتريا التي تنتج الأمونيا، ويمكن الاستعاضة عنه بدواء باروموميسين أو دواء مترونيدازول.
هناك محاولات سابقة لامتصاص مادة الأمونيا من الدم بدواء «جلوتامين»، ولكن لم يثبت نفعها.
ويجرب الآن دواءان آخران لحماية الدماغ من النتائج الضارة المصاحبة للغيبوبة: الدواء الأول هو «بروموكربتين» الذي يساعد في توفير مركبات الدوبامين اللازمة لأداء وظائف الدماغ. والدواء الثاني هو «فلومازنيل» الذي يحمي الدماغ من مركبات البنزوديازبين التي قد تؤدي إلى الغيبوبة.(32/6)
أما الغيبوبة الحادة الناجمة عن فشل الكبد المداهم والمصاحب لانهياره الشامل، فلها إجراءات استثنائية، لأن المشكلة ليست مقتصرة على مجرد الغيبوبة، بل تتضمن أيضا ضياع كل وظائف الكبد الرئيسة: من اختلال سوائل الجسم والكترولياته، واختلال توازن الحمضي والقلوي، واختلال نسبة السكر في الدم، وانهيار تجلط الدم ومضاعفات النزف الشديد، والفشل الكلوي ومضاعفاته، وانهيار الدورة الدموية والتنفس، والعدوى بالميكروبات المختلفة وصعوبة السيطرة عليها، الخ...
لذلك نحن نفضل دائما نقل مثل هؤلاء المرضى إلى أقسام الرعاية المركزة، حيث الإشراف الطبي المستمر والفحوص الدقيقة متوافرة، وحيث المحاليل المختلفة ومشتقات الدم والأجهزة النادرة متاحة. وأحيانا نلجأ إلى تغيير دم المريض تغييرا كاملا واستبدال دم نقي به، أو ننقي دم المريض من المواد السامة بإمراره في نظام من أنظمة دعم الكبد Liver support systems، وهي على أنواع ثلاثة:-
1 ـ نظام بيولوجي، جرب في الخمسينيات من هذا القرن، وفيه يُروَّى (perfused) دم المريض خارج جسمه في كبد حيواني أو آدمي، أو في شرائح أو جُناسات homogenates من أنسجته، إلا أن النتائج لم تكن مشجعة لصعوبتها وقلة جدواها.
2 ـ نظام اصطناعي، يعتمد على مبدأ الامتزاز adsorption في عمود من الفحم النشيط، أو على مبدأ الديلزة dialysis في أغشية من البوليمر شبه المنفذ كما في الغسيل الكلوي. وعلى الرغم من نجاح هذه الوسائل الاصطناعية في إزالة بعض السموم إلا أن فائدتها الإكلينيكية لم تنجح في إطالة حياة المريض.(32/7)
3 ـ نظام بيولوجي اصطناعي (bioartificial liver (BAL) (شكل 3) يجمع بين مزايا النظامين، وفيه تفصل البلازما من الدم خارج الجسم، ثم تُرَوَّى من خلال عمود من الفحم، ثم من خلال ما يسمى بالمفاعل البيولوجي (bioreactor)? وهو عبارة عن أنابيب مجوفة محشوة بخلايا كبدية مأخوذة من كلب أو خنزير. مثل هذه الخلايا يمكن حفظها وتبريدها وخزنها مددا طويلة للاستعمالات الاكلينيكية، وقد جربت هذه الأنظمة البيواصطناعية أولا في حيوانات التجارب - كلاب فشل الكبد فيها فشلا حادا بإقفار دمه ischemia، فتأكدت جدوى هذه الأنظمة إذ انخفضت نسبة الأمونيا ونسبة اللاكتات في الدم، وارتفعت نسبة الجلوكوز، كما تحسنت نسبة البروثرومبين واستقرت ديناميكيات الدم. ثم جربت هذه الأنظمة في عدد محدود من مرضى الكبد والنتيجة حتى الآن مشجعة. ففي لوس انجلوس، حيث يقود الباحث «ديمتريو Demetriou» فريقه في هذه الدراسات، وجد تحسن ملحوظ في مرضى وصب الدماغ الكبدي، اكلينيكيا وكيميائيا، وهم يعدون نظام ال BAL هذا جسرا يجتاز به المريض مرحلته الحرجة حتى تتاح له فرصة زرع كبد جديد له، أو حتى يتمكن المريض من استعادة نمو الخلايا في كبده ويكفيه الله نفقات الزرع الباهظة ومشاكله المحتملة.(32/8)
هناك أخيرا محاولات مشجعة لاستنبات خلايا الكبد البشرية، فمن المعروف أن الخلايا الكبدية الطبيعية لا تنقسم بسرعة في مستنبتات المزارع الخلوية، إلا أن نوعا من الورم الكبدي الأرومي البشري human hepatoblastoma أمكن استنبات خلاياه في المفاعل البيولوجي السابق وصفه، وهو ينتج نحو 200 جم من الخلايا، وهي الكمية اللازمة لهذا الغرض، إذ من المعروف أن فشل الكبد الحاد يحتاج إلى 15% على الأقل من كتلة الكبد الطبيعي (1200 - 1500 جم) للحفاظ على وظائفه الضرورية. جرب إذن هذا الجهاز extracorporeal liver assist device (ELAD) (شكل 4) في كلاب نزع منها الكبد، أو عُرضت للفشل الكبدي الحاد بجرعة ضخمة من البار اسيتامول، فثبت نجاح الجهاز، إذ انخفضت نسبة الأمونيا في الدم، وظهر الزلال البشري في دم الكلب، وأمكن تجنب ظهور وصب الدماغ لمدة 48 ساعة.
ثم جرب الجهاز في المرضى الآدميين: أوَّلُهم سيدة عمرها 68 عاما مصابة بفشل كبدي حاد مجهول السبب، استعادت ذهنها ووظائف الكبد بعد ستة أيام في أثناء استعمال الجهاز، إلا أنها ماتت بعد ذلك بأربعة أيام من صدمة تعفنية Septic shock. والمريضة الثانية عمرها 12 عاما ومصابة بالتهاب كبدي وفشل حاد، عولجت بالجهاز لمدة 58 ساعة، وعادت وظائف الكبد إلى الحالة الطبيعية وشفيت. ثم استعمل الجهاز في سبعة من مرضى الفشل الكبدي الحاد لفترات تختلف من يوم إلى ستة، والنتيجة حتى الآن مشجعة (انظر Sussman & Kelly, in Houston USA).)(32/9)
أما في اليابان، حيث لا يسمح بزرع الكبد ونقله من المانح الآدمي لأسباب أخلاقية، فهناك محاولات لنقل الخلايا الكبدية من جزء من الكبد وزرعها في الطحال زرعاً ذاتياً hepatocyte autotransplantation في مرضى تليف الكبد، والنتائج حتى الآن غير نهائية (انظر: Mito, M. & Kusano, M.: Hepatocyte transplantation in man. وانظر كذلك: `Cell Transplntation 2 (1993). (66-74).أما زرع الكبد كعلاج اضطراري لفشل الكبد الحاد فآخر أرقامه عن النجاح تتراوح بين 50 - 85%
(``Hepatobiliary & Pancreatic Diseases’’ by H.A. Pitt et al., 1995 publisher: Little, Brown & Co.)
.
الرئيس الدكتور فيصل الشاهين: شكرا للدكتور أبو شادي الروبي على هذا البحث القيم وعلى المعلومات القيمة، المحاضرة القادمة للدكتور محمد السبيل وهو من أكثر أطباء العرب زراعة للكبد من المتوفين دماغيا.. فليتفضل:(32/10)
تحديد المفهوم الحديث لموت الدماغ*
الدكتور صفوت حسن لطفي
أستاذ علم التخدير، كلية الطب، جامعة القاهرة
ملخص البحث
لا يزال تعريف «موت الدماغ» "brain death" حتى الآن يختلف من بلد إلى آخر إلى حد أن يعد موتا في بلد ما لا يعد كذلك في آخر(1). وبعض البلاد، كاليابان، ترفض فكرة موت الدماغ وزراعة الأعضاء كلية (2).
والحقيقة البسيطة، أن وسائل تشخيص موت الدماغ (م.ج.د.( (BSD تتعرض يوميا - وفي كل أنحاء العالم - إما للتعديل أو لإحلال أخرى أحدث محلها، مما يثير تساؤلا قويا عن مصداقية تلك الوسائل المتاحة حتى اليوم.
والأشخاص الذين تنطبق عليهم معايير (م.ج.د) تظهر عليهم علامات مختلفة للحياة (3،4،5) (سوف نناقشها هنا). ألا يكون ذلك نفيا قويا لفكرة أن (م.ج.د) يعني موتا فعليا؟
وأخيرا، نوقشت المشكلات الأخلاقية المتصلة بزراعة الأعضاء المتبرع بها من قِبَل موتى جذع الدماغ.
مقدمة
الحياة نعمة من الله، وخالق الحياة أخبرنا أن الحياة هي وظيفة الروح، فالروح تَبْدأ الحياة وتصونها. لإنها تمدّ الجسم بـ «حرارة الحياة»، وهذه الحرارة سمة فريدة تميز بين الجسم الحي والجثة الميتة، والروح هي التي تحمي الجسم من التحلل والفساد.
أما الموت: فهو خروج الروح من الجسم ويدل عليه برودة في الجسم متدرجة ولكنها متزايدة ومصحوبة بتوقف كل أجهزة الجسم عن أداء وظائفها. من هنا فإن الشخص الذي شخِّص على أنه ميت دماغيا يجب ألا يُعدّ - أبدا - ميتا حقيقة. وهذا لأنه لا يزال محتفظا بـ«حرارة الحياة» التي تنبىء عن وجود الروح في جسمه.
وحتى على الرغم من أن مركز تنظيم الحرارة إنما هو واحد من بين المراكز الأخرى الميتة في الشخص الميت دماغيا، فلم يقدم حتى الآن تفسير لحرارة الجسم، والتفسير الوحيد هو وجود الروح التي تمد الجسم بـ «حرارة الحياة» هذه.(33/1)
وليس نشاط أوعية القلب هو الذي يحفظ حرارة الجسم فيمن ماتوا دماغيا، كما يعتقد البعض لأن هذا الفرض تنفيه الحقيقة التالية:
لو كان الشخص الميت دماغيا ميتا حقيقة (أي غادرت روحه جسمه) لبدأ جسمه يبرد تدريجيا وفي تزايد مبتدئة بالأطراف. وهذا الهبوط التدريجي في حرارة الجسم لا يمكن وقفه، وإذا بدأت البرودة فإن ذلك يؤدي إلى توقف القلب آخر الأمر بصرف النظر عن إجراءات الإنعاش المتخذة. إن برودة الجسم التدريجية المتزايدة في حالة الشخص الميت دماغيا هي العلامة الأكيدة على أن عملية الموت الحقيقي قد بدأت بالفعل، وعندئذ فقط يمكن وقف الدعم القلبي والتنفسي بدون حاجة إلى موافقة الأقارب الأدنين; حيث أن برودة الجسم تعني خروج الروح فعليا وفقد «حرارة الحياة» وحدوث الموت النهائي. وعلى هذا فما دامت الروح موجودة في الجسم فإن الشخص يكون حيا حتى لو كان يعاني «عملية الموت»، وقد تدوم عملية الموت ساعات أو أياما أو حتى أسابيع لا بد من اعتبار الشخص خلالها حيا ولو كان موته لا مفر منه..
وإزالة أعضاء من هذا الإنسان الحي هي عملية قتل بكل تأكيد لأننا بذلك نسرّع خروج الروح من الجسم قبل موعدها المقدّر.
ليس الموت مفتاحا لوقف الحركة، لكنه عملية تحدث للكائن الحي. وإذا بدأت هذه العملية، فلا يمكن التنبؤ بالنقطة النهائية فيها، لأن ذلك بيد الخالق وحده القادر على كل شيء.(33/2)
والجيفة هي جثة ميتة ليس فيها عضو يعمل ولا أي نشاط أيضيّ. ومن الواضح أن الشخص الميت دماغيا ليس جيفة. لأن قلبه يدق بشكل طبيعي دقّاً قد يستمر لنحو أسبوعين. كما أن جهازه المعدي والمعوي يعمل بشكل طبيعي ويمكن عن طريق أنبوب عبر الأنف إلى المعدة أن يُغذّى بطعام فيتم امتصاصه وتمثيله مع إنتاج الطاقة المعتادة. كذلك يقوم الكبد بوظائفه بشكل طبيعي، فيفرز الإفرازات الإنزيمية المعتادة. كما أن الكليتين تقومان بوظيفتهما الطبيعية بصرف النظر عن التغير في الإفراز البولي الراجع إلى ضرب من الاضطراب الهرموني. ويقوم جهاز العضلات والهيكل العظمي بعملية الأيض المعتادة.
وإذا افترضنا أن الشخص الذي يقال إنه ميت دماغيا قد تعرض لإصابة من عدوى انتهازية - كداء ذات الرئة - فإن حرارة جسمه ترتفع ويلحظ تكاثر كريات الدم البيضاء في دمه.
التناقض المتعلق بتعريف وتشخيص «موت الدماغ»
1 ـ ثمة فروق كبيرة بين الدول بشأن تعريف موت الدماغ:
فتعريفات موت الدماغ تختلف كثيرا بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا، بحيث يمكن معها أن تعد الحالة «موت دماغ» في بلد وليست كذلك في بلد آخر (1).
وهناك بلاد أخرى كاليابان والدانمرك لا تعترف كلية بفكرة موت الدماغ ولا بعملية نقل الأعضاء (2).
2 ـ بل إنه في البلد الواحد قد تكون معايير موت الدماغ المقبولة في إحدى المناطق أو الولايات غير مقبولة في أخرى. ففي الولايات المتحدة مثلا توجد تشريعات مختلفة في كل من هارفارد وفيلادلفيا ومينيسوتا... الخ (6).
3 ـ الجدل الدائر بين الأطباء بشأن صحة أحدث الوسائل والطرق الفنية لتشخيص (م.ج.د B.S.D.)) .
ـ "الرسم الإلكتروني للدماغ»، الذي كان يستخدم في أول الأمر لتشخيص موت الدماغ (م.د. B.D.)? ثبت مؤخراً أنه غير ملائم لتشخيصه (7).(33/3)
واختبار الاختناق apnea الذي شاع استخدامه لتشخيص م.ج.د BSD يتعرض الآن لجدل شديد بصدد تطبيقاته سواء بالنسبة لمدة استمرار الاختناق، أو مستوى ثاني أوكسيد الكربون CO2? أو المدة السابقة على الأكسجة Oxygenation? فهي تختلف من بلد إلى آخر، بل من مركز إلى آخر.. (1، 4، 6، 8، 9).
والإمكانات المثارة سمعيا acoustic evoked potenials أفادت التقارير مؤخرا أنها مضلِّلَة في تشخيص م.ج.د BSD لأنها كانت تظهر بغير انتظام في المرضى الذين بدونها تنطبق عليهم معايير م.ج.د. (10، 11، 12).
- بعض المرضى الذين تحققت فيهم معايير م.ج.د. ظهر أنه لا يزال لديهم شيء من الدورة الدموية داخل الجمجمة intracranial. وهذا الدليل المعارض أورده د.جينيت Jennet في مطلع الثمانينيات (13). ولا تزال هذه التناقضات قائمة بلا حل حتى الآن، لكن بدلا من الاعتراف بحقيقة، أن م.ج.د. يمكن أن يشخص بدون أن يتوقف تدفق الدم في الدماغ، فإن د. داربي Darby وزملاءه أفادوا بأن هناك مشكلات في الطرق الحالية المستخدمة لتأكيد انعدام تدفق الدم في الدماغ نابعة من طبيعتها وتقلل من فائدتها السريرية Clinical (14).
الدوافع الحقيقية وراء التغيرات المستمرة إزاء تصور الموت:
في مطلع الستينيات، كانت هناك مجموعة من المعايير تحدد موت الدماغ على أنه موت للجهاز العصبي المركزي (ج.م.ع CNS) (القشرة الدماغية cerebral cortex? وجذع الدماغ brain stem? والحبل الشوكي spinal cord). وكان يشخص ذلك بغياب كل الأنشطة الحركية المنعكسة
(reflex motor activities) وبالرسم الإلكتروني للمخ الذي كان يستمر لنحو 12 ساعة على الأقل (6، 13).(33/4)
وبمرور الوقت بدأت تلك المعايير تُحذَف واحدة بعد الأخرى تحت التأثير القوي الذي فرضه الطلب المتزايد على الأعضاء المطلوبة للنقل. في أول الأمر، أسقطت جميع المعايير الخاصة بانعكاسات الحبل الشوكي، ثم حذفت بعد ذلك كل استجابات القشرة الدماغية بما في ذلك غياب رسم إلكتروني للمخ، حتى مجموعات المعايير الخاصة بـ (م.ج.د.) نفسها أسقطت تدريجيا، وهكذا نجد الآن أن من بين 35 مجموعة من المعايير التي نشرت، بقيت مجموعة واحدة فقط تتعلق بـ (م.ج.د.). بل إن هذه المجموعة الأخيرة خضعت باستمرار للتعديل في السنوات الأخيرة لتلبي الحاجة المتزايدة إلى الأعضاء من أجل النقل (9، 16، 17).
علامات الحياة في مرضى شُخّصوا على أنهم (موتى دماغ) خلال عمليات
انتزاع الأعضاء (Organ Extracion):
على الرغم من تطبيق معايير عدة لتشخيص (م.ج.د. BSD) في مراكز مختلفة فقد تكرر كثيرا اكتشاف أن بعض المرضى ظهرت عليهم علامات الحياة. وهذا هو السبب في أن مراكز كثيرة تطلب مساعدة أطباء الأمراض العقلية
(psychiatrists) ليؤكدوا للعاملين في غرف العمليات O.R. أن هذه العلامات لا تبطل (م.ج.د. B.S.D) (3، 9،12،17، 18).
وتضم علامات الحياة هذه ما يلي:
1 ـ استمرار الأفعال المنعكسة من سعال وقيء يحدث كثيرا إلى حد أن د.بتس Pitts ود.كارونّا Caronna (4) اقترحا بقوة أن وجودها يجب ألا يلغي تشخيص موت الدماغ.
2 ـ النشاط العصبي العضلي، والارتعاشات twitchesالعضلية، والحركات المعقدة للأعضاء والجذوع، ثني الذراعين عند المرفقين، وإبعادهما عن مكانهما الأصلي، ورفعهما عن الطاولة وتحريك اليدين كلتيهما إلى الصدر (3،5، 16، 19).. إنما هي علامات حدثت في 60% من الحالات في سلسلة عرضها جيرستنبراند وزملاؤه
(Gerstenbrand et al) عام 1990 (16). وبالفعل كانت من الكثرة في سلسلة أخرى عرضها في عام 1990 جيلب (Gelb) وروبرتسون(33/5)
(Robertson) (3) إلى حد أنهما أقرّا مسألة أنه يجب توقعها في كل حالة مشخصة على أنها موت دماغ.
3 ـ الاستجابات المنعكسة في النشاط الدموي على شكل ارتفاع في معدل النبض وفي ضغط الدم تحدث عادة استجابة للتحدي في حالة الاختناق واستجابة للمثير الجراحي خلال حصد الأعضاء (Organharvesting). لوحظ هذا في التقارير المبكرة عام 1978 (9) ، و1984 (20) ، و1985 (12). وفي عام 1990 اقترح «جِلب» و«روبرتسون» مؤخرا، أنها يمكن أن ترجع إلى أفعال منعكسة من مناطق تحريك الأوعية الدموية (Vasomotor areas) قد تكون لا تزال سليمة.
4 ـ وجد مؤخرا أن مستوى مصل الدم في هرمونات ما تحت السرير البصري hypothalamic في المخ وفي الغدة النخامية كان مرتفعا بشكل غير منتظم لدى المتبرعين من (م.ج.د) (BSD) وهذا مايشير إلى أن بعض أجزاء السرير البصري والغدة النخامية (hypophysis) لا تزال حية بعد موت الدماغ (21، 22).
5 ـ الشخص الميت دماغيا يمكن أن يحافظ على حرارة جسمه، خلال المدى المعتاد، مما يشير بوضوح إلى نشاط أيضيّ. يمكن أن يرتفع ضغط الدم ويمكن أن تتكاثر الكريات البيضاء استجابة للعدوى (23).
6 ـ كلنا نعرف جيدا أن الشخص الميت دماغيا يمكن أن يظل محتفظا بما يسمى الحياة الخاملة (Vegetative life)? بمعنى أن أظافره وشعره يطول، وأن جهازه المعويّ يمكن أن يهضم الطعام ويمتصه ونحو ذلك.
تقارير حالات ترجع إلى 1974:
1 ـ نشرت التايمز (16 مارس 1974) تحقيقا تضمن أن الشخص المتوفى كان قد جرح جرحا قاتلا في حادث مروري ووضع على مَنْفَسة (respirator) (*). وفي أثناء انتزاع كليته سعل وقاوم إلى حد أن عملية الانتزاع أوقفت. وتم موته بالفعل بعد حوالي 15 ساعة (6).
2 ـ ثلاثة مرضى تحققت فيهم معايير م.ج.د (BSD)? طبقا لسلسلة تقارير أعدها روبر Ropper وآخرون (24) ، ظهر عليهم ألم في الظهر غير متكرر واهتزاز في الكتف خلال اختبار الاختناق (1981).(33/6)
3 ـ مريض تحققت فيه معايير م.ج.د. قام فورا بتحريك ذراعيه لمدة سبع دقائق أو ثمانٍ بعد فصله عن المنفسة. كلتا الذراعين انثنت عند المرفق، وابتعدت وارتفعت عن السرير، بعد ذلك تحركتا ووضعتا فوق الصدر، وفي الوقت نفسه ظهرت حركات ضحلة وغير منتظمة شبيهة بالتنفس (1988) (5).
4 ـ امرأة في السادسة والأربعين شخصت على أنها حالة م.ج.د. وبعد ثلاثة أيام ظهر خُرّاج في دماغها. ارتفعت حرارتها إلى 39 مئوية، وأظهر عَدٌّ للكريات البيضاء أنها تكاثرت إلى 40300/مم (3). توفيت المرأة نتيجة فشل كلوي حاد في اليوم الخامس عشر (1988) (23).
5 ـ مريض في غيبوبة ومع اختفاء الأفعال المنعكسة لجذع الدماغ صار يعاني ظاهرة Guillian Barre ثم شفي في النهاية (1990) (25).
6 ـ حالة التهاب حاد ومؤلم في الأعصاب الطرفية لدى رجل سليم في الخامسة والأربعين شخصت أثناء قمة المرض على أنها حالة م.ج.د. وبعد ذلك حدث شفاء تام وتلقائي (1991) (26).
7 ـ تشير ظاهرة لعازر (Lazarus phenomenon) إلى العودة التلقائية للدورة الأصلية بعد التوقف عن عملية إنعاش القلب والرئتين (CPR). كان براي (Bray) أول من كتب عن ذلك عام 1982 (27) ثم كتب عنها مع آخرين بعد ذلك عام 1993. إن علامة ظاهرة لعازر تشير إلى الحركات التلقائية ذات المعنى (كأنها محاولة للتنفس) يقوم بها المرضى الذين شخصوا على أنهم حالات م.ج.د. لحظة فصل المنفسة. هذه التقارير، بالإضافة إلى الكم المتزايد من الأدلة المنشورة، تنفي بقوة أن يكون تشخيص الحالة على أنها م.ج.د. تثبت التوقف التام لكل أنشطة الدماغ.
ومن المثير أن نعرف أن مريضين ظهرت عليهما «ظاهرة لعازر» غادرا المستشفى ليمارسا حياة عادية. كم من أولئك المرضى الذين ظهرت عليهم «العلامة اللعازرية» كان يمكن أن يعيشوا لو وُفِّرت لهم إجراءات إنعاش مناسبة. إننا لنعجب.(33/7)
وأخيرا، لقد اتضح من كل ما سبق أن موت الدماغ شيء والموت الصراح شيء آخر وأن هذين المصطلحين ليسا مترادفين.
المشكلات الأخلاقية المتعلقة بنقل الأعضاء
صاحب بداية عمليات نقل الأعضاء قدر هائل من المعارضة الأخلاقية في أمريكا وأوروبا، وكثيرون من الأطباء المعنيون بنقل الأعضاء طالما ساءلوا أنفسهم في غرفة العمليات (O.R.) هل هم يتعاملون مع أجساد ميتة أو مع مرضى أحياء(13، 31).
وهذا ناتج عن الخلاف القائم حول المعايير المطلوبة لتشخيص موت الدماغ، وكذلك حول مصداقيتها (10). كذلك، فإن هذه المعايير لا يمكنها استبعاد الاستعادة
(reversibility) الممكنة لبعض وظائف الدماغ. ومسألة الاستعادة الممكنة هذه أظهرتها بوضوح حقيقة أن الأطفال تحت سن الخامسة قد يظلون قادرين على استعادة وظائف الدماغ بعد استيفاء معايير تشخيص موت الدماغ (32).
وبناء على ذلك قرر بعض المؤلفين أن موت الدماغ الناتج عن غير التدمير ليس بصحيح، لأنه ما لا يمكن استعادته اليوم قد يكون بالفعل قابلا للاستعادة غدا (2، 6، 31، 33).(33/8)
ثمة قضية أخلاقية أخرى أثارتها حقيقة أن نشاط أوعية القلب الدموية في قلب يدق يوجد بصفة دائمة في أولئك المرضى المشار إليهم على أنهم (موتى دماغ) (3).. ونزع الأعضاء من أولئك (المتبرعين الذين تدق قلوبهم) يتطلب تشريعا يعطي الجنس البشري الحقوق ذاتها المعطاة للحيوانات، إذ أن «مرسوم الحيوان» "Animal’s Act" الصادر عام 1986، القسم الأول، الفرع 4، يقرر أن «الحيوان يعتبر حيا حتى يحدث توقف دائم لدورة الدم أو تدمير لدماغه». هذه هي الحجة التي قدمها د.ديفيد ج.هيل (David J.Hill).(31).، أستاذ التخدير، جامعة كمبريدج، الذي قال: «ألم يحن الوقت كي نمنح المرضى على الأقل الحماية ذاتها التي نُصرّ على منحها للحيوان وأن نستخدم المعايير ذاتها القاضية بضرورة التوقف الدائم للدورة الدموية أو تدمير الدماغ لكي نقرر أن الموت قد حدث فعلا قبل أن نشرع في عملية إزالة الأعضاء الحيوية؟».
دور طبيب التخدير
شغل أطباء التخدير أنفسهم دائما بإنقاذ حياة الناس، ومنذ أمد بعيد وهم يكرسون أنفسهم لتحسين الأساليب المستخدمة في دعم الحياة على المستوى الأساسي والمتقدم، وكم أنعشوا في وحدات العناية المركزة وأقسام الطوارىء، مرضى كانوا أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة، وكثيرا ما واجهوا حالات مرضى يتلهفون فقدموا لهم أقصى ما في وسعهم لينقذوهم، وليس في ذهنهم سوى هدف واحد، الإبقاء على الحياة، وإذا أسعد القدرُ مرضاهم فعاشوا، فإنهم ولا ريب يستمتعون بنظرة الامتنان في عيون أولئك المرضى أكثر من أي شيء آخر.
وقد أسهم أطباء التخدير إسهاما رائعا في تحسين نتائج العمليات الجراحية عن طريق تحسين وضبط أساليب التخدير الفنية لتلائم مرضاهم مهما تكن هشاشة حالتهم. وبفضل جهودهم أنقذت حياة الكثيرين على الرغم من شدة سوء حالات المرضى وصعوبة العمليات الجراحية التي كانوا يخضعون لها.(33/9)
واليوم، يبدو أن أطباء التخدير ينحرفون عن الدور الذي شغلوا أنفسهم به، وذلك عن طريق اشتراكهم في عمليات نقل الأعضاء. إن مجرد اضطلاعهم بدور لا غنى عنه في تخدير وشلّ من يسمون بموتى «جذع الدماغ»، لا يحمل سوى معنى واحد، وهو أنهم ينومون شخصا حيا ويجهزونه للعملية الوحشية - نزع الأعضاء - تاركين وراءهم جثة حقيقية شاهدا على جريمتهم.
ألم يحن الوقت أن نتخلى - نحن أطباء التخدير - عن هذه الجريمة ونستمسك بدورنا الرحيم في إنقاذ حياة البشر؟ نتمنى لو نعرف!.
ألقى صاحب البحث بحثه باللغة العربية وقد ختمه بمجموعة من الأسئلة التي لم ترد في النص الإنجليزي ونظراً لأهميتها قام الدكتور حسن حسن علي مقرر الجلسة بالرد عليها وهي موجودة في صفحة 937.
الرئيس الدكتور عبدالرحمن عبدالله العوضي: شكراً للدكتور صفوت لطفي على هذا العرض والآن نفتح الباب للمناقشة ونبدأ بالدكتور خيري السمرة تفضل:
REFERENCES
1-Levin SD, Whyte RK: "Brain death Sans Forntieres". The new England J. of Medicine, Mar. 31, p. 852 - 3, 1988.
2- Nudeshima J: "Obstacles to brain death and organ transplantation in Japan". The lancet, Vol. 338, p. 1063-4, Oct. 26, 1991.
3- Gelb AW, Robertson KM: "Anaesthetic management of the brain dead for organ donation". Can. J. Anaesth. 37:7, p. 806-12, 1990.
4- Pitts LH, M.D., Caronna J. M.D.: "Apnea testing in diagnosis of brain death". J. Neurosurg, vol. 57, p. 433-4, 1982.
5-Urasaki E. Fukumura A. Itho Y. Itoyma Y. Yamada M. Ushio Y, Wada S. Yokota A: "Lazarus sign and repiratory-like movement in a patient with brain death". No-to-Shinkei, Dec. 40 (12), p. 1111-6, 1988.
6-Camps FE, Rabinson AE, Lucas BB, Thomas FC: "Legal Medicine" Bristol: John Wright & Sons LTD, 3rd edition, 1976.(33/10)
7-Grigg MM, Kelly MA, Celesia GG, Ghobrai MW, Ross ER: "EEG activity after brain death". Arch. Neurol. Sep. 44 (9), p. 948 - 54, 1987.
8- Benzel EC, Gross CD, Hadden TA: "The apnea test for the determination of brain death". J. Neurosurg. 71:191-4, 1989.
9- Schafer JA, M.D. Caronna JJ, MD: "Duration of apnea needed to confirm brain death".
Neurology, July, 661-666, 1978.
10-Biniek R, Ferbert A, Buchner H. Bruckmann H: "Loss of brain stem acoustic evoked potentials with spontaneous breathing in a patient with supratentorial lesion" Eur. Neurol. 30 (1), p. 38-41,1990.
11-Darby JM, Yonas H, Brenner RP: "The value of evoked potentials in brain death diagnosis". Wien-med-Wochenschr, 140 (23-24), p. 564-7, 1990.
12-Wetzel RC, M.D., Setzer N. M.D., Stiff JL, M.D., Rogers MC, M.D.: "Haemodynamic reponses in brain dead organ donor patients". Anaesth, Analg., 64:125-8, 1985.
13-Jennett B. "Brain death", British J. of anaesthesia, Vol. 53, No. 11, p. 1111-19, Nov., 1981.
14-Darby JM, Yonas H, gur D, Latchaw RE: "Xenonenhanced computed tomography in brain death". Arch-Neurol, May, 44 (5), p. 551-4, 1987.
15-Patterson KW, McShane A: "Reflex spinal cord activity as a cause of a delay in diagnosis of brain death". Ir. Med. J. Mar, 4 (1), p. 27-8, 1991.
16-Gerstenbrand, F, Pfausler B, Marosi N: "Clinical aspects of brain death". Wien-Med-Wochenschr, 140 (23-24), p. 556-9, 1990.
17-Kurthen M, Linke DB, Renter Bm, Moskopp D: "The subject of death. On the current controversy about brain oriented determination of death".(33/11)
18-Cole DJ: "The reversibility of death". J. Med. Ethics, Mar. 18 (1), p. 26-30, 1992.
19-Wyngaarden JB, MD, Smith LH, MD: "Neurogenic and behavioral diseases" Cecil Textbook of Medicine. WB Saunders Companym Philadelphia-London - Toronto - Montreal 18th Ed. Vol. II, p. 2072-73, 1988.
20-Rowland TW, M.D.,Donnelly JH, M.D., Jackson, AH, M.D.:"Apnea decumentation for determination of brain death in children".Pediatrics,Vol.74, No.4,October,p.505-8,1984.
21-Yokota H, Nakazawa S, Shimura t, Kimura A, Yamamoto Y, Ot’suka T: "Hypothalamic and Pituitary function in brain death". Neurol-Med. Chir. (Tokyo), Dec. 31 (13), p. 881-6, 1991.
22- Howlett TA, Keogh AM, Perry L, Touzel R, Rees LH: "Anterior and posterior pituitary function in brain stem dead donors". Transplantation, May 47 (5), p. 828-34, 1989.
23-Gando, S, Kitmai K, Tsujinagalt, Matsubara I, Ando M, Tedo I: Ando M, Tedo I; "Non-clostridial gas-producing brain abscess in a brain dead patient-Report of a case". No-to-shinkei, Mar 40 (3) p. 247-52, 1988.
24-Ropper AH, M.D., Kennedy SK, M.D., Russell L.: "Apnea testing in the diagnosis of brain death". J. Neurosurg., Vol. 55, Dec., p. 942-6, 1981.
25-Coad NR, Byrne AJ: "Guillain-Barre syndrome mimicking brain stem death". Anaesthesia, Jun. 45 (6), p. 465-7, 1990.
26-Hassan T, Mumford C: "Guillain-Barre syndrome mistaken for brain stem death". Ppostgrade-Med. J. Mar. 67 (785), p. 280-1, 1991.
27-Linko K, Honakavaara P, Samenpera, M: Recovery after discontinued cardiopulmonary resuscitation (letter). Lancet 8279:1019, 1982.(33/12)
29Mandel S, Arenas A, Scasta D: Spinal automatism in cerebral death: N Engl. J. Med. 307:501, 1982.
30-Heytens L, Verlooy J, ghevens, J. Bossarert L: Lazarus sign and extensor posturing in a brain dead patient. J. Neurosurg. 71:449 - 451, 1989.
31-Hill DJ, Evas DW, Gresham G: "Availability of cadaver organs for transplantation".British-Med. J., Vol. 303, p. 312-313, Aug., 1991.
32- Robert F, Bedford M, Charles G, Durbin GR: "Neurological intensive care". Quoted from: Anesthesia, edited by miller RD, M.D., Chruchill, Livingstone, 1986.
33-Byrne,PA,O’Reilley F,Quey PM:"Brain death - /an opposing view point".JAMA,242:1979,1985.
34-Handschumacher RE:"Immunosupperssive agents". Quoted from "The pharmacological basis of therapeutics" by Goodman & Gilman. Eighth Edition, Section XIII Chap. 53, p. 1264-7.
الملخص
يتحدث هذا المقال عن تعريف الموت وهو مفارقة الروح للجسد وتوقف جميع أجهزة الجسم عن العمل، وأن وظيفة الروح هي حفظ الجسد من التعفن والتحلل والبلاء كما أنها تمد الجسم بحرارة الحياة والتي تميز الحي من الميت والصحيح من المريض.
ثم يتحدث المقال عن الاختلافات الواسعة حول تعريف موت المخ والانتقادات التي وجهت لوسائل التشخيص المختلفة لموت المخ، وحول تغير تعريف موت المخ فإن الدافع الرئيسي وراءه هو سد حاجة برامج زرع الأعضاء والحصول على أعضاء آدمية للنقل.
ثم يتناول المقال مظاهر الحياة المختلفة التي تظهر على مرضى موت المخ مما يؤكد أن موتى المخ هم مرضى مازالوا أحياء.
وفي النهاية يتناول المقال المشاكل الأخلاقية العديدة التي أثارها موضوع نقل الأعضاء من مرضى موتى المخ في الأوساط الطبية والاجتماعية.(33/13)
موت الدماغ: المأزق والحل
الدكتور سهيل الشمري
عضو هيئة التدريس
كلية الطب - جامعة الكويت
مقدمة
"موت الدماغ» يبقى ولا يزال من أكثر الأمور المثيرة للجدل فلسفيا ودينيا وأخلاقيا وقانونيا.
"موت الدماغ» مصطلح يصف المفهوم الذي يقول بأن الكائن البشري ميت عندما تتوقف الوظائف الإكلينيكية (غيبوبة دائمة وانعدام انعكاسات جذع الدماغ) للدماغ وبشكل يتعذر إلغاؤه - مع استمرار وظائف الأعضاء الأخرى.
على مدى العقود الثلاثة الماضية أصبح مفهوم «موت الدماغ» أمرا محسوما ومقبولا في معظم الدول الغربية ودول أخرى كثيرة. فقد تبلورت أرضية مشتركة لهذا المفهوم أثمرت أطراً قانونية تحمي عمل الطبيب من المساءلة القانونية إذا ما اتخذ الأحكام والقرارات في إطار هذه المفاهيم.
ومع ذلك تبقى قضايا فلسفية مثيرة للجدل تتعلق بتعريف ومعايير الموت الإنساني. وهذا الجدل ليس بالضرورة عقيما كما برز في تفسير المجلس الأخلاقي الدنمركي عندما رفض فكرة موت الدماغ لأسباب فلسفية بحتة. حيث إن المجلس أقر بأن الإصابات البليغة للدماغ - وبالتأكيد - تؤدي للشروع في نهاية الحياة الإنسانية، ووصف الموت بأنه عملية تدريجية وليست لحظية، وتساءل متى تنتهي عملية الموت؟ ولكن مع هذا الجدل الفلسفي فقد أقرت اللجنة الأخلاقية الدنمركية السماح بنزع أعضاء موتى الدماغ قبل توقف القلب عن النبض في حالة الحاجة لهذه الأعضاء، أيضا نزع أجهزة الإنعاش عنهم.
نبذة تاريخية
يعد مفهوم «موت الدماغ» من ظواهر النصف الثاني من القرن العشرين. لكن الأدلة تشير بأن طرح المسائل العلمية والفلسفية المتعلقة بتعريف وتحديد موت الإنسان تعود للعصور القديمة. ومن الأسئلة التي طرحت في البداية: أي من الأعضاء البشرية يمثل جوهر الحياة الإنسانية؟(34/1)
فالأطباء الإغريق كانوا يعتقدون بأن «القلب هو مركز الحياة وعدّوه أول الأعضاء خلقا وآخرها موتا» وبناء على ذلك قالوا بأنه جوهر الحياة وأنه المسؤول عن خلق الأرواح الحيوية وأن توقفه العلامة الرئيسة للموت. ولم يعد خبراء الإغريق والرومان وظائف التنفس والدماغ من ضروريات الحياة الإنسانية إلا أن أبقراط وجالينوس قالوا بأن المخ مصدر الإدراك والأحاسيس والحركة.
ومع أن التراث الغربي عَدَّ الحاخام والطبيب اليهودي ابن ميمون أبا فكرة «موت الدماغ» وذلك لملاحظته بأن الإنسان المفصول جسده يعد ميتا مع استمرار حركة الجسم والأطراف، إلا أن الفقهاء والعلماء المسلمين يجب أن يحصلوا على هذا الشرف - وباستحقاق - لأن ما تحدث عنه ابن ميمون هو ما يعرف في الفقه الإسلامي «بحركة المذبوح» قبل ولادة ابن ميمون بمئات السنين علما أن ابن ميمون عاش في الأندلس أيام نهضتنا في العصور الوسطى.
إن الحركات التشنجية للجسد عند المذبوح بعد انفصال رأسه عن جسده لا تعتبر دليلاً على الحياة كما نسب لابن ميمون; لأنها لا تعني استمرارية التحكم المركزي (المخي). فقد ساوى ابن ميمون بين التنفس كجوهر للحياة والعمليات المركزية التي تتحكم بالوظائف الحركية. وهذا يتماشى مع القانون العبري القديم (هلكه) والذي عَدَّ التنفس جوهرا للحياة وليس دقات القلب ولذلك عرف الموت بتوقف التنفس وليس بتوقف القلب.
علما أن المسلمين حددوا انتهاء الحياة الإنسانية بمغادرة الروح للجسد الذي تعلق به.
ومن علامات الموت التي تحدث عنها فقهاء المسلمين انقطاع نفس الميت وإحداد بصره وانفراج شفتيه فلا ينطبقان وسقوط قدميه فلا ينتصبان. واليوم يبقى مفهوم حركة المذبوح أساس المفهوم العصري لموت الدماغ.(34/2)
وفي القرن الثامن والتاسع عشر سيطر الخوف من إمكانية دفن إنسانا ما زال حيا بسبب التشخيص الخاطىء لموته. ولتفادي مثل هذا الخطأ الفادح بيعت بالأسواق أجراس وأعلام لتدفن مع الموتى. فإذا كان التشخيص خاطئا وأفاق الشخص فإنه يستعمل هذه الأدوات لتنبيه الناس بضرورة إخراجه من القبر. مع حلول جهاز التنفس الصناعي في الخمسينيات بدأت المرحلة المعاصرة من مفهوم موت الدماغ وبالتالي - ولأول مرة - أصبح المرضى ذوو الإصابات الدماغية البالغة الميؤوس منها، وفاقدو القدرة على التنفس ذاتيا - أصبح بالإمكان إنعاش قلوبهم ودورتها الدموية بواسطة أجهزة التنفس الصناعية. وهذه الحالة الإكلينيكية الفريدة من نوعها والمرافقة لغيبوبة عميقة كانت تؤدي بالتأكيد لموت المرضى بعد فقدانهم القدرة الذاتية على التنفس. وفي أواخر الخمسينيات كتب الطبيبان الفرنسيان مولارت وجيلون عن هذا النوع من الغيبوبة العميقة التي لم تعرف سابقاً وطرحوا السؤال المهم: هل هؤلاء المرضى يعدون أحياء أم أمواتا؟..
في العام 1968 نشرت اللجنة الخاصة التابعة لكلية هارفرد الطبية ورقتها العلمية والتي كانت نقطة التحول في هذا الموضوع. فقد حددت المعايير التي تجزم بأن المرضى الذين يعانون من التوقف النهائي للتنفس مع فقدان الحركات الانعكاسية لجذع الدماغ وفقدان الاستجابة التامة للمؤثرات الخارجية بسبب تلف مدمر للمخ حسبوا أمواتاً من الناحية القانونية. بعد ذلك صقلت فكرة موت الدماغ كما جاء بلجنة هارفرد وعززت بدراسات ومعايير إضافية كما حدث في معايير مينسوتا 1971 ومعايير لجنة الكليات الملكية البريطانية 1976 مما أدى لتوفير الغطاء الفلسفي لقبول هؤلاء المرضى كأموات وفي العام 1979 اعتبر موت جذع الدماغ مساويا لنهاية الحياة الإنسانية.
النظرة الفلسفية لموت الدماغ(34/3)
حتى الماضي القريب تركز النقاش الفلسفي للموت على الأمور الغيبية وليس البيولوجية. فمن الناحية البيولوجية قبل حلول المنفسة الصناعية كان الموت ظاهرة موحدة، لذلك إذا ما توقف أحد الأعضاء الحيوية للحياة بشكل نهائي فإن فشل وتوقف الأعضاء الأخرى يتبعه بسرعة ويحدث الموت اليقين خلال دقائق.
فالمرضى الذين يتوقف تنفسهم بسرعة يفقدون وظيفة القلب وضغط الدم، وذلك يؤدي للتلف النهائي لخلايا المخ والأعضاء الأخرى، ويتبعه التخشب والتعفن وتحلل الجسد وهذه النتيجة نفسها التي ستحدث إذا ما توقف القلب قبل التنفس. وكما هو واضح فلم يطرح التساؤل عن المرضى الذين فقدوا وظيفة حيوية مع استمرار وظائف أخرى هل هم في عداد الأموات أم الأحياء؟
عندما نبه الأطباء الفرنسيون المجتمع الطبي لمرضى موت الدماغ أصبح الوضع القانوني والشرعي لهؤلاء المرضى مبهما وذلك لأنهم يملكون بعض الصفات التي ارتبطت سابقا بالحياة:
ـ أجسادهم دافئة ودقات قلوبهم تضخ الدم بالشرايين.
ـ أجسادهم تفرز البول والفضلات.
ـ وبالإضافة لذلك فهم يملكون صفات ومميزات ارتبطت بالموت:
ـ الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأية مؤثرات لتنبيه المصاب مهما تكررت ومهما كانت وسائل التنبيه قوية ومؤلمة.
ـ فقدان القدرة على التنفس بشكل نهائي.
ـ انعدام الحركات الإرادية.
ـ انعدام نظام المحافظة على التوازن البدني.
إن التحليل الفلسفي الدقيق لمفاهيم الموت يجب أن يشمل إعادة تعريف الموت في ضوء مفهوم موت الدماغ ويجب أن يكون متجذرا في واقعنا العقائدي والحياتي.
فكما عرف التراث المسيحي واليهودي في الماضي الموت بمفارقة الروح الجسد وفقدان نفس الحياة فقد ترجم العلماء المعاصرون في الغرب هذا المفهوم الديني لما هو متعارف عليه في مجتمعاتهم. فقد وضعوا مفارقة الروح الجسد مقابل الغيبوبة الدائمة. وفسروا فقدان نفس الحياة بفقدان القدرة الذاتية على التنفس عند موتى الدماغ.(34/4)
من الملاحظ أن هذا التفسير قريب من مفاهيم طرحها بعض الفقهاء المسلمون عندما عدوا غياب الحس والحركة الاختيارية بصورة نهائية علامة على مفارقة الروح للجسد، وقوبل بالمفهوم الطبي عن موت الدماغ وهو غياب كلي ونهائي للحس والحركة الاختيارية، وبذلك وصلوا للقول بأن علامة مفارقة الروح للجسد موت الدماغ بصورة نهائية لا عودة منها. وهذا هو المعهود في الشريعة الإسلامية لأنها تبني أحكامها على الأمور الحسية كما في مسائل الصيام والفطر وغيرها.
وهكذا فقد خرجت فكرة الموت من المفاهيم الضمنية للمقاييس الحسية. فإذا ما اتفقنا على تعريف الموت يجب تحديد المعايير التي يمكننا قياسها وتعني أن التعريف قد تم تطبيقه وتكون - أيضا - ضرورية وكافية لتحقيق الموت.
فقد طور الأطباء فحوصات سريرية تم إثبات صحتها وبوساطة هذه الفحوصات سيتم التحقق من سلامة المعايير ومصداقيتها.
هل الموت لحظة أو مرحلة؟
من القضايا التي لم تحسم للآن هل يعد الموت مرحلة أم لحظة؟
فالموت له صفات مرحلية إذ أنه يبدأ بسلسلة من فقدان الوظائف تتبعها تغيرات تفسخية وتدميرية تؤدي لتصفية الكائن الحي نهائيا بعد توقف كل الوظائف الجسدية.
ولاعتبارات شرعية خاصة بالأحكام التي تترتب على إعلان الوفاة - كالصلاة على الميت والدفن والإرث - يجب أن يعد الموت لحظة نزع أجهزة الإنعاش وتوقف القلب إذا لم يكن قد توقف قبل ذلك.
ومن المشاكل العملية لاعتبار الموت مرحلة تدريجية هو أن هذه الفترة الزمنية يجب ألا تتعدى ساعات أو أياماً وسوف يكون الموقف محرجا جدا إذا ما كان ميت الدماغ يحمل داخل صدره قلبا ميكانيكيا والذي ربما سيستمر بالعمل لمدة أسابيع وربما أشهر كما حدث لطبيب الأسنان الأمريكي بارني لكلارك بعد موت جذع دماغه.
المتغيرات المستقبلية لتعريف الموت البشري
التشخيص الطبي الحالي لموت الدماغ يشترط وجود غيبوبة دائمة مع انعدام بعض الأفعال الانعكاسية لجذع الدماغ.(34/5)
إن انعدام الأفعال الانعكاسية لجذع الدماغ بذاتها لا تعني بالضرورة وفاة الإنسان. فالشخص ذو الوعي يعد حيا مع توسع حدقة العين وغيرها من الأفعال الانعكاسية لجذع الدماغ. فغياب الوعي نهائيا هو الشرط الجوهري أما ثبوت غياب الأفعال الانعكاسية لجذع الدماغ فهو إشارة بأن فقدان الوعي أصبح لا رجعة منه.
وهناك من يعدون الشخص ميتا إذا ما دخل في غيبوبة دائمة وحجتهم أنه بدون الوعي ليست هناك صفة شخصية. فمع موت قشرة المخ ربما يفهم موت الشخص مع بقاء البدن حيا.
وفي حقيقة الأمر فإن كل تعريفات الموت; الدماغي منها وغير الدماغي تتضمن طرقاً غير مباشرة لتشخيص الغيبوبة التي لا عودة منها. ومن الطبيعي أن يترك تعريف الموت الذي أساسه توقف التنفس الذاتي أو دقات القلب لأن هذين التعريفين لا يؤديان بالضرورة لغيبوبة دائمة بعد حلول أجهزة الإنعاش.
عندما ظهر مفهوم الموت الدماغي كان تعريف الموت يشترط فقدان كل وظائف الجهاز العصبي المركزي ولكن بعد مرور فترة زمنية بسيطة اكتشف أن موت الدماغ ممكن بدون موت الحبل الشوكي ولذلك ألغي الأخذ به من معايير موت الدماغ المتعارف عليها.
وبما أن جذع الدماغ ليس موطن الشخصية الإنسانية فإنه لا يعد أساسيا للحياة الإنسانية وإذا ما توصل العلم مستقبلا للحفاظ على التركيب الشبكي مع موت جذع الدماغ استمرارية الوعي. فربما يؤدي ذلك لإسقاط موت جذع الدماغ من المعايير المستقبلية لموت الدماغ. ومن الجدير بالذكر أنه لا يكون هناك وعي بدون قشرة الدماغ.
إن المعاييرالحالية لموت الدماغ - كالتي تعتمد على موت جذع الدماغ أو موت الدماغ كوحدة متكاملة - تواجه تحديات فلسفية وعملية وذلك لوجود نشاط هرموني وربما دماغي موجه وذي وظيفة منظمة. وليس مجرد نشاط خلوي غير مترابط. وبالتالي فإنه كحل لهذه المعضلة الفلسفية يمكن أن يعد فقدان الوعي بصورة نهائية هو الموت الحقيقي والذي سيكون نتيجة حتمية لموت جذع الدماغ أو الدماغ ككل.(34/6)
هذا التعريف وعلى الأقل في البداية - سيوصف بكونه خروجا عن المعهود وسيرفضه المجتمع لأنه في هذا الإطار سيحسب المرضى النباتيين والمولودين بدون دماغ في عداد الأموات مع حياة أبدانهم. والمشكلة الأخرى التي سيواجهها هذا التعريف كيفية تحديد وتشخيص الغيبوبة الدائمة. ولكن طرق التشخيص ستتغير مع تطور العلم. ومع ذلك فبالإمكان الاعتماد على علامات موت جذع الدماغ السريرية وتوقف الدورة الدموية للدماغ.
المأزق والحل
إن الجدل الدائر في الدول الإسلامية من مؤيد ومعارض لمفهوم موت الدماغ له جذور فلسفية ودينية عميقة والتي للأسف لم تؤخذ بعين الاعتبار. فقد استورد أصحاب الاختصاص أفكاراً ومعايير جاهزة من الغرب وأريد للمجتمع الإسلامي الطبي وغيره أن يتقبلها. فقد غاب عن أهل الاختصاص أن هذه المعايير الطبية ليست مجرد فحوصات إذا ما طبقت تعني نهاية الحياة الإنسانية. وإنما مفهوم الموت له جذوره الفلسفية والدينية والإنسانية عند الإنسان الغربي وهذا هو أساس الجدل المستمر. صحيح أن أصحاب الاختصاص عندنا اعتمدوا على أن المعايير المتعارف عليها إذا ما طبقت بشكل صحيح فلن يكون هناك خطأ بالتشخيص وبالتالي لن يعود المريض من الموت. ولايخفى على أحد أن هذه المعايير لم تكن امتدادا للتعريف الإسلامي للموت وهو مغادرة الروح للجسد وسكون الجسد.(34/7)
إن المعيار الذي طرحه الدكتور محمد نعيم ياسين في ندوة الحياة الإنسانية 1985، وهو أن الروح تؤثر في البدن الإنساني ومن أهم آثارها الحركة الاختيارية. وأن الحركة الاضطرارية التي لا اختيار فيها ليست أثرا من آثار الروح وأن الروح تسيطر على جسدها الحي في هذه الدنيا بوساطة المخ فيحرك أعضاء الجسد الأخرى فيرسل عن طريقها ما تريد الروح استقباله. فإذا ما أصيب الدماغ بعجز نهائي لارجعة منه ولا أمل في استدراكه رحلت الروح من الجسد بإذن ربها وقبضها ملك الموت.. وبذلك أدى موت الدماغ إلى موت الكائن البشري مع استمرار بعض الحياة الخلوية غير الاختيارية بل الاضطرارية.
إن طرح معايير موت الدماغ في هذا الإطار الشرعي سيؤدي إلى تضييق فجوة الخلاف بين الطرفين المؤيد والمعارض لمفهوم موت الدماغ والله أعلم.
مع التركيز على أن المعايير المتوفرة لموت الدماغ إذا ما طبقت بشكل دقيق فإنها تعكس نهاية الحياة الإنسانية بشكل نهائي والله أعلم.
الرئيس الدكتور حسين الجزائري: شكراً. الموضوع الآن مطروح للنقاش وأرجو أن نستطيع الوصول إلى اتفاق على أنه إذا كان كل الدماغ أو جذع الدماغ قد مات أيكون الشخص قد توفّي أو لم يُتوفَّ بعد؟ وأرجو أن نركز على هذه النقطة لأن هذا هو المطلوب معرفته بالنسبة للطبيب. الموضوع الآن مطروح للنقاش.. دكتور عصام الشربيني. تفضل:(34/8)
موت الدماغ: المأزق والحل
الدكتور سهيل الشمري
عضو هيئة التدريس
كلية الطب - جامعة الكويت
مقدمة
"موت الدماغ» يبقى ولا يزال من أكثر الأمور المثيرة للجدل فلسفيا ودينيا وأخلاقيا وقانونيا.
"موت الدماغ» مصطلح يصف المفهوم الذي يقول بأن الكائن البشري ميت عندما تتوقف الوظائف الإكلينيكية (غيبوبة دائمة وانعدام انعكاسات جذع الدماغ) للدماغ وبشكل يتعذر إلغاؤه - مع استمرار وظائف الأعضاء الأخرى.
على مدى العقود الثلاثة الماضية أصبح مفهوم «موت الدماغ» أمرا محسوما ومقبولا في معظم الدول الغربية ودول أخرى كثيرة. فقد تبلورت أرضية مشتركة لهذا المفهوم أثمرت أطراً قانونية تحمي عمل الطبيب من المساءلة القانونية إذا ما اتخذ الأحكام والقرارات في إطار هذه المفاهيم.
ومع ذلك تبقى قضايا فلسفية مثيرة للجدل تتعلق بتعريف ومعايير الموت الإنساني. وهذا الجدل ليس بالضرورة عقيما كما برز في تفسير المجلس الأخلاقي الدنمركي عندما رفض فكرة موت الدماغ لأسباب فلسفية بحتة. حيث إن المجلس أقر بأن الإصابات البليغة للدماغ - وبالتأكيد - تؤدي للشروع في نهاية الحياة الإنسانية، ووصف الموت بأنه عملية تدريجية وليست لحظية، وتساءل متى تنتهي عملية الموت؟ ولكن مع هذا الجدل الفلسفي فقد أقرت اللجنة الأخلاقية الدنمركية السماح بنزع أعضاء موتى الدماغ قبل توقف القلب عن النبض في حالة الحاجة لهذه الأعضاء، أيضا نزع أجهزة الإنعاش عنهم.
نبذة تاريخية
يعد مفهوم «موت الدماغ» من ظواهر النصف الثاني من القرن العشرين. لكن الأدلة تشير بأن طرح المسائل العلمية والفلسفية المتعلقة بتعريف وتحديد موت الإنسان تعود للعصور القديمة. ومن الأسئلة التي طرحت في البداية: أي من الأعضاء البشرية يمثل جوهر الحياة الإنسانية؟(35/1)