س 678: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج نظر إلى امرأة أجنبية وقد تحلل الحل الكامل وكان نظره بشهوة فأنزل وندم بعد ذلك واستغفر فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للإنسان المحرم أن ينظر إلى المرأة سواء أجنبية منه، أو غير أجنبية إذا كان يخشى أن ينزل، أما إن كان غير محرم فإن نظر إلى زوجته وأنزل فهو جائز؛ لأنها زوجته، أما النظر إلى الأجنبية فهذا حرام ولا يجوز، بل عليه أن يصرف بصره، ولهذا لما سئل النبي يم عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك، فإنما لك النظرة الأولى، وليست لك الثانية " (1) .
س 679: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل مقدمات الجماع لها فدية مثل الجماع؟
فأجاب فضيلته بقوله: المباشرة والتقبيل من المحظورات؛ لأنها وسائل للجماع، فإن الإنسان إذا قبل أو باشر كان من اليسير عليه أن يجامع، لأنها تثور شهوته فيجامع فقد لا يملك نفسه، ولهذا منع المسلم من المباشرة والتقبيل، فإن فعل: باشر أو قبل ولم يُنزل فعليه فدية مخير فيها بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة. وإن أنزل: فإن كان قبل التحلل الأول فقد قال بعض العلماء: إن عليه بدنة، وقال
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (4/361) ، ومسلم مختصراً، كتاب الآداب، باب نظر الفجأة (رقم 2159) ، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في نظرة المفاجأة (رقم 2777) وقال: هذا حديث حسن غريب. الحاكم (2/396) .(22/179)
آخرون: ليس عليه بدنة، بل عليه فدية أذى فيخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا سواء بين الجماع وبين الإنزال بالمباشرة، بل بينهما فرق
عظيم، فكيف نلزمه بفدية الجماع بدون دليل.
س 680: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن تلبس المرأة اللباس الأسود الشرعي في حالة إحرامها للحج بدل الأبيض علما بأنها تلبس ذلك من بيتها وهل نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو نساء الصحابة- رضي الله عنهن- كلن يلبسن اللباس الأبيض في
حالة الإحرام أرجو الإفادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة إذا أحرمت ليست كالرجل يلبس لباساً خاصاً إزاراً ورداء، بل المرأة تلبس ما شاءت من الثياب التي يباح له لبسها قبل الإحرام، فتلبس الأسود أو الأحمر، أو الأصفر، أو الأخضر وما شاءت، أما الأبيض فلا أعلم أن المرأة مطلوب منها أن تحرم بأبيض، بل إن الأبيض في الحقيقة من التبرج بالزينة فإن اللباس الأبيض للمرأة يكسوها جمالاً ويوجب انطلاق النظر إليها، لذلك كونها تلبس اللباس الأسود مع العباءة أفضل لها وأكمل، ولها أن تلبس الجوارب شراب
الرجلين، وأما القفازان شراب اليدين فإنه لا يجوز لها لبسهما، وعليها أن تغطي وجهها إذا قرب الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، وفي هذه الحال تغطي وجهها ولا يضرها إذا مس
بشرتها خلافاً لقول بعض العلماء الذين يقولون: إنها تغطي(22/180)
وجهها بساتر لا يمس بشرتها، فإن هذا القول ضعيف ولا دليل عليه، ولكنها لا تنتقب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحرمة أن تنتقب (1) والحاصل أن لباس المرأة إذا أحرمت يكون أسود أو ما أشبه مما يبعد النظر إليها.
س 681: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لبس المرأة الثوب الأحمر أو الأصفر وغيرهما من الألوان في الحج ما حكمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس للمرأة أن تلبس ما شاءت إلا ما يعد تبرجاً وتجملاً فإنها لا تفعل، لأنها سوف يشاهدها الرجال، وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ) فمثلاً الثوب الأبيض يعتبر ثوب تجمل ومن ثياب الجمال، فلا تلبسن المرأة في حال الإحرام ثوباً أبيض، لأن ذلك يلفت النظر
ويرغب في النظر إليها؛ لأن المعروف عندنا أن الثوب الأبيض بالنسبة للمرأة ثوب تجمل، والمرأة مأمورة بألا تتبرج في لباسها.
س 682: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن تلبس في الحج ملابس ملونة كالأبيض والأخضر والأسود؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز للمرأة في الإحرام أن تلبس ما شاءت من الثياب غير أن لا تتبرج بزينة أمام الرجال الأجانب؛ لأنه ليس للمرأة ثياب مخصوصة بالإحرام، خلافاً
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة (رقم 1838) .(22/181)
للرجل فإن الرجل لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف، أما المرأة فالممنوع في حقها لبس القفازين والانتقاب والتبرج بالزينة.
س 683: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة لثوب المرأة في الحج هل يلزم أن يكون أخضر؟
فأجاب فضيلته بقوله: تلبس ما شاءت من الثياب غير أنها لا تلبس ثياب التجميل أو الزينة سواء كانت سوداء، أو خضراء أو أي لون.
س 684: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت من الميقات وهي حائض ثم طهرت في مكة وخلعت ملابسها فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة إذا أحرمت من الميقات وهي حائض ثم وصلت مكة وطهرت فإن لها أن تغير ما شاءت من الثياب وتلبس ما شاءت من الثياب، ما دامت الثياب من الثياب المباحة، وكذلك الرجل يجوز أن يغير ثياب الإحرام بثياب إحرام أخرى ولا حرج عليه.
س 685: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كيف تتحجب المرأة المحرمة وهل يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها؟
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة المحرمة إذا مرت من عند(22/182)
الرجال، أو مر الرجال من عندها وهم من غير محارمها يجب عليها أن تغطي وجهها، كما كانت نساء الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- وفي هذه الحال لا فدية عليها؛ لأن هذا أمر مأمور به،
والمأمور به لا ينقلب محظوراً.
ولا يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها، بل لو مس الغطاء وجهها فلا حرج عليها، فيجب عليها أن تغطي وجهها ما دامت عند الرجال وإذا دخلت الخيمة أو كانت في بيتها كشفت الوجه؛ لأن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها.
س 686: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجب على المرأة تغطيه وجهها في جميع مناسك العمرة وهل يستثنى شيء من أعمال العمرة تكشف المرأة وجهها فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما إذا لم يكن حولها رجال فلتكشف وجهها هذا هو الأفضل، وإذا كان حولها رجال لا يحل لها الكشف عندهم فالواجب عليها أن تستر وجهها، ومعلوم أنها في المطاف وفي المسعى وفي الأسواق عندها رجال لا يحل لها أن تكشف وجهها أمامهم فلتحتجب، أما في السيارة أو في البر فإن المشروع في حقها أن تكشف وجهها ما دام الذين معها من محارمها.
س 687: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد حججت أكثر من مرة وكنت مرتدية الحجاب الشرعي الكامل إلا أنني لم(22/183)
ألبس قفازين وذلك لأنه من محظورات الإحرام وإنما أخفيت اليدين داخل العباءة وغطيت وجهي كاملاً فهل في تغطية وجهي محظور؟
فأجاب فضيلته بقوله: لبس القفازين في حال الإحرام نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من محظورات الإحرام كما قالت السائلة، وأما تغطية الوجه فالمشروع في حق المحرمة أن تكشفه إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها، ففي هذه الحال يجب عليها أن تغطيه كما حكت ذلك عائشة- رضي الله عنها- أنهم كانوا إذا مر بهم ركبان وحاذوهم فإنهن يغطين وجوههن، فإذا جاوزهن كشفن وجوههن. وليس على المرأة حرج فيما لو مس حجابها وجهها، خلافاً لقول بعض أهل العلم الذين يقولون: لابد أن يكون الحجاب غير مماس لوجهها، لأن هذا الشرط ليس له دليل من الكتاب أو السنة.
س 688: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يعاني الدعاة والناصحون من أمر عظيم وهو أنهم يرون النساء كاشفات في الحج والعمرة حتى في حال الطواف أو في الوقوف بعرفة أو غير ذلك.
فما هو المشروع في حق النساء إذا أحرمن بالنسبة لتغطية الوجه، خاصة أننا نرى بعض من يتحجبن في غير الإحرام إذا أحرمن كشفن عن وجوههن بحجة أن إحرام المرأة في وجهها، ويحتجون بقوله
- صلى الله عليه وسلم -: " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " (1) فيقولون: إذا كانت
__________
(1) تقدم ص 108.(22/184)
المرأة ممنوعة من النقاب فمن باب أولى تغطية الوجه. فما توجيه فضيلتكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يتضايقون من فعل بعض النساء، سواء في موسم الحج أم في غير موسم الحج من التبرج والتطيب وكشف الوجه والكف وربما كشف بعض الذراع، وهذا أمر يحتاج إلى الصبر والمصابرة، لقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) (1) .
ولقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)) (2) .
والواجب على النساء إذا خرجن إلى الأسواق أن يخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، ولا كاشفات لوجوههن، ولا لأكفهن، ولا لأبدانهن بقدر المستطاع، والمرأة إذا أحرمت فإنه يحرم عليها أن تنتقب، لأن لبس النقاب في وجهها كلبس الرجل العمامة على رأسه، ولهذا أطلق بعض العلماء قولهم: إحرام المرأة في وجهها، يعنى أن لباس الوجه للمرأة بمنزلة لباس الرأس للرجل فلا تنتقب، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل لا تغطي وجهها، وإنما قال: لا "تنتقب ". والنقاب أخص من تغطية الوجه، والنهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن الأعم.
وعلى هذا فالمرأة يجب عليها إذا مرت من حول الرجال،
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 200.
(2) سورة لقمان، الآية: 17.(22/185)
أو مر من حولها الرجال أن تستر وجهها، وهذا يتعين في الطواف، وفي السعي، وفي المشي في الأسواق؛ لأنها ستمر بالرجال وسيمر الرجال من عندها، فالواجب عليها أن تتقي الله- عز
وجل- لا سيما وأنها في أمكنة معظمة، وفي أزمة معظمة، وفي عبادة الله عز وجل؛ إذا كانت محرمة فعليها أن تتقي ربها، وقد قال الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) وكشف المرأة وجهها أمام الرجال من الفسوق؛ فلتتق الله المرأة المسلمة، ولتحافظ على دينها وعلى حيائها وعلى سترها، حتى تكون ممتثلة لأمر الله ورسوله.
وأما لبس القفازين فإنه مشروع في غير الإحرام، أما في الإحرام فإنه منهي عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " (2) وأقول: إن لبس القفازين مشروع؛ لأنه كان من عادة نساء الصحابة- رضي الله عنهم- في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأقرَّه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فيه من تمام الستر.
س 689: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم لبس المرأة البرقع واللثام حال الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما البرقع فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقب المرأة وهي محرمة، والبرقع من باب أولى، وعلى هذا
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.
(2) تقدم ص 108.(22/186)
فتغطي وجهها غطاء كاملا بخمارها إذا كان حولها رجال أجانب، فإن لم يكن حولها رجال أجانب فإنها تكشف وجهها هذا هو الأفضل والسنة.
س 690: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل صحيح أنه لا يجوز للمرأة أثناء أداء فريضة الحج أو العمرة أن تضع النقاب أو البرقع على وجهها بهذا اللفظ كلما كتب في الجريدة؟ وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا ينهانا أولياء أمورنا عن كشف الوجه أثناء الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الذي قرأته صحيح فإنه لا يجوز للمحرمة أن تنتقب، وذلك لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن النقاب في إحرام الحج أو العمرة، والبرقع مثله أو أشد، فالمحرمة لا تنتقب ولا تتبرقع.
ولكن إذا مر الرجال من حولها، أو مرت من حولهم وهم ليسوا من محارمها فيجب عليها ستر وجهها، فتدلي الخمار على وجهها ولا حرج عليها في ذلك، ولو مس وجهها، وكون أولياء
الأمور لا يسمحون لهن بكشفه في حال الإحرام هو الحق، كما جاء ذلك في حديث عائشة- رضي الله عنها-، إذا حاذى الركبان النساء سدلن خمرهن على وجوههن، وذلك لكونه لا يجوز للمرأة
كشف وجهها لغير الزوج والمحارم. والله الموفق.(22/187)
س 691: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج، فقد كنت قرأت حديثاً بما معناه لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين، وقرأت قولاً آخراً عن عائشة
- رضي الله عنها- وهم في الحج تقول: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. فكيف تربط بين القولين وأيهما أصح؟ فإذا طبقنا قول عائشة ففي هذه الأيام كثيراً ما تختلط المرأة بالرجال في أثناء سيرها في الحج وفي صلاتها فهل تغطي وجهها دائماً أم ماذا تفعل؟ وهناك قول سمعته عن الإمام أبي حنيفة- رحمه الله تعالى- أن المرأة إذا غطت وجهها فعليها دم فما الصواب في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب في هذا مادلّ عليه الحديث وهو نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقب المرأة (1) ، فالمرأة المحرمة منهية عن النقاب مطلقاً سواء مرّ بها الرجال الأجانب أم لم يمروا بها، وعلى هذا فيحرم على المرأة المحرمة أن تنتقب سواء كانت في حج أو في عمرة، والنقاب معروف عند الناس وهو أن تغطي وجهها بغطاء يكون فيه فتحة واحدة من عينيها.
أما حديث عائشة- رضي الله عنها- فلا يعارض النهي عن الانتقاب، وذلك لأن حديث عائشة- رضي الله عنها- ليس فيه أن النساء ينتقبن، وإنما يغطين الوجه بدون نقاب، وهذا أمر لابد منه
إذا مرّ الرجال بالنساء فإنه يجب عليهن أن يسترن وجوههن؛ لأن
__________
(1) تقدم ص 108.(22/188)
ستر الوجه عن الرجال الأجانب واجب، وعلى هذا فنقول: لبس النقاب للمحرمة حرام عليها مطلقاً، وأما ستر وجهها فالأفضل لها كشف الوجه ولكن إذا مرّ الرجال قريباً منها فإنه يجب عليها أن تغطيه، ولكن تغطية بغير النقاب.
س 692: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عندما ذهبت لأداء العمرة ولم يكن معي غطاء للوجه، وإنما كنت ألبس النقاب الساتر لكل الوجه مع غطاء خفيف على العينين لضعف بصري،
وكنت أرفعه عندما يخلو المكان من الرجال الأجانب، ولكن عندما دخلت الحرم كنت لابسة هذا النقاب، فهل عليّ شيء حيث يصعب عليّ غطاء الوجه بدون فتحة للعينين لضعف بصري فما
الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لبس النقاب محرم على المحرمة لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، ولكن يبدو أن هذه المرأة كانت جاهلة، أو متأولة بأنه يجوز لها، وحينئذ لا يكون عليها فدية. والواجب على المرأة إذا مر الرجال قريباً منها وهي محرمة أن تستر وجهها، ولا حرج أن تظهر إحدى عينيها إذا دعت الحاجة إليها.
س 693: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أمي امرأة كبيرة قد ضعف بصرها فهل يجوز لها أن تلبس النقاب في الحج وتضع غطاء خفيفاً على عينها وذلك لتستطيع الإبصار؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لها ذلك لعموم نهي النبي(22/189)
- صلى الله عليه وسلم - المرأة النقاب، ولكن من الممكن أن تغطي وجهها وإذا كانت لا تبصر تمسك بيد بنتها، أو أختها أو ما أشبه ذلك، وأما أن نجيز للمرأة ما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا.
س 694: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لي لبس النقاب وأنا في حج أو عمرة لكن يكون على العينين غطاء خفيف؟
فأجاب فضيلته بقوله: المحرمة لا يجوز لها أن تنتقب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنتقب المرأة" وأما تغطية وجهها بغير نقاب فلا بأس به إذا مر الرجال الأجانب عنها قريباً، بل يجب عليها في هذه الحال أن تستر وجهها، ولا بأس عليها إذا مست الغطوة وجهها فالمرأة في حال الإحرام يشرع لها كشف الوجه إلا إذا مر الرجال قريباً منها فإنه تستره، وأما النقاب فحرام عليها لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
س 695: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد حججت أول عمري ولم أكن أعرف واجبات الحج ولا أركانه وأنا لا أقرأ ولا أكتب ولبست النقاب، وفوق ذلك غطوة. وعندما وصلت منى
مشطت شعري ليلاً فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجتك هذه صحيحة ما دام الإخلال الذي حصل منك هو هذا؛ لأن غاية ما فيه أنك فعلت هذه الأشياء جهلاً منك، والجاهل لا يؤاخذه الله عز وجل بما فعله حال جهله،(22/190)
لقول الله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله تعالى: " قد فعلت ".
وهذه قاعدة عامة في جميع المحظورات في العبادات أن الإنسان إذا فعلها ناسياً، أو جاهلاً فإنه لا يؤاخذ في ذلك، وليس عليه في ذلك فدية، ولا كفارة، ولا إثم.
وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده ولمقتضى حكمه ورحمته، وكون رحمته سبقت عذابه.
س 696: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت إلى مكة وفي الميقات لبست النقاب بدون أن تخرج عينيها لعدم وجود غطاء الوجه فهل عليها شيء في ذلك؟ وهل عمرتها صحيحة وماذا يلزمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم عمرتها صحيحة ولا يلزمها شيء لأنها مجتهدة إن أصابت فلها أجران وإن أخطأت فلها أجر.
والنقاب إذا لم تخرج العينان بمعنى أنها وضعت بعض الخمار على بعض حتى تغطت عيناها لا بأس به، والمقصود من النهي عن النقاب. النقاب الذي ينتقب على حسب العادة يغطي الوجه ويفتح للعينين هذا هو الذي لا يجوز للمحرمة (1) .
س 697: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم النقاب في العمرة علماً بأن فوقه غطوة؟
__________
(1) هذه الفتوى منقولة بعد وفاة فضيلة الشيخ رحمه الله، من أشرطة نور على الدرب رقم الشريط (365) .(22/191)
فأجاب فضيلته بقوله: النقاب نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - المحرمة، وأطلق فلا فرق بين أن يكون فوقه غطوة أو لا، وإذا كان فوقه غطوة فما الفائدة منه، لكن بعض الناس مولع بما لا فائدة فيه.
س 698: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة نظرها ضعيف ولا ترى إذا لبست الغطوة فلبست النقاب وهي محرمة ولبست فوقه غطوة من طبقة واحدة لتتمكن من الرؤية فهل عليها
شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يحل للمحرمة أن تنتقب وإذا كان نظرها ضعيفاً فنقول: ضعي هذه السترة الخفيفة بدون نقاب، أما النقاب فمحرم على المرأة، وإذا كانت قد فعلت ذلك جاهلة فلا شيء عليها، لقول الله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذه قاعدة عامة في جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسياً أوجاهلاً فلا شيء عليه.
س 699: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قدمت مع والدتي وجدتى للعمرة ولما طفنا تبين لي أنهما تلبسان البرقع فأمرتهما بنزعه وإسدال الغطاء فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم هذا أن المرأة إذا أحرمت لا يجوز لها أن تلبس البرقع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنتقب المرأة" (1) . فلا يجوز لها النقاب، ولا البرقع لأنه أعظم من
__________
(1) تقدم ص 108.(22/192)
النقاب، ولكن إذا لبست البرقع جاهلة تظن أنه لا بأس فإنه ليس عليها شيء، ليس عليها فدية ولا إثم، وليس في عمرتها نقص؛ لأنها جاهلة؛ وهكذا جميع محظورات الإحرام كحلق الرأس جاهلاً، أو ناسياً، وكلبس المخيط والطيب وغيره إذا فعله الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً فإنه ليس عليه بذلك إثم ولا فدية.
(فائدة)
قول الأصحاب -رحمهم الله-: في المحرمة تغطي جانباً من وجهها؛ لأنه لا يمكنها تغطية جميع الرأس إلا بجزء من الوجه، فستر الرأس كذلك أولى، وعللوا بأنه لا يختص ستره بالإحرام بل هو عام بخلاف كشف الوجه فإنه خاص.
وكلامهم هذا يدل على أن مراعاة الحكم العام مقدم على ما كان مختصاً بحالة دون أخرى.
ومثل ذلك النصان إذا كانا عامين وتعارضا فيقدم ما كان عمومه محكماً على ما كان فيه تخصيص كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-
س 700: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم كشف الحاجة والمعتمرة لوجهها مع وجود الرجال الأجانب؟
فأجاب فضيلته بقوله: حرام عليها ذلك، فلا يجوز للمرأة(22/193)
أن تكشف وجهها عند الرجال الأجانب لا في حج ولا في عمرة ولا في غيرهما.
س 701: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل بإمكان المرأة أن تربط غطاء الوجه أو تضع غطاءً على الرأس دون أن تربطه، ذلك أنه أثناء الطواف والسعي ليس من السهل الرؤيا بوضوح حينما نسدل الجلباب على الوجه؟
فأجاب فضيلته بقول: نقول لا بأس بربط غطاء الوجه إذا كان يمكن إلا بشده أو ربطه في حال الإحرام أو غيره.
س 702: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن تغطي وجهها بدون نقاب؟
فأجاب فضيلته بقول: يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الانتقاب، والانتقاب لباس الوجه ولم ينه عن تغطية الوجه بل نهى عن النقاب، فيجوز للمرأة أن تغطي وجهها وهي محرمة، ولهذا لو أن الإنسان لف على رجليه خرقة فلا يحرم عليه؛ لأنها ليست خفاً لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن ستر الرجل، بل نهى عن لبس الخف وفرق بين الأمرين: فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تنتقب المرأة أي أن تلبس النقاب فإنه لا يلزم من ذلك أن تنهي عن ستر الوجه، لكن أكثر أهل العلم يقولون: إنها منهية عن ستر الوجه إلا إذا كان حولها رجال غير محارم فيجب عليها أن تستر الوجه لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ورجل أجنبي ينظر إليها أو يمكن أن ينظر(22/194)
إليها بل عليها أن تستره لأنها مأمورة بذلك، وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ".
س 703: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة اعتمرت قبل ثلاث سنوات ولكن تقول أثناء الطواف والسعي كانت مغطية لوجهها لحيائها مع علمها بأنه لا يجوز تغطية الوجه أثناء العمرة
فهل عليها شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المرأة أصابت الحق في كونها قد غطت وجهها في الطواف والسعي؛ لأن حولها رجال ليسوا من محارمها فيجب عليها أن تغطي وجهها، فهي مصيبة فيما فعلت إلا أن المحرمة يحرم عليها النقاب، وأما تغطية الوجه فإنها واجبة إذا كان حولها رجال من غير محارمها، وإن لم يكن حولها رجال من غير محارمها فكشف الوجه أولى، وقد ذكرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- أن الرجال إذا مروا قريباً منهن سدلت إحداهن خمارها على وجهها.
س 704: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تغطية الوجه بالنسبة للمرأة المحرمة إذا كان الرجال الأجانب في كل مكان في الشارع وفي السيارة وفي الحرم نفسه وما المخرج من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين " هل(22/195)
يجوز كشف الوجه حال الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للمحرمة ولا لغير المحرمة أن تكشف وجهها وحولها رجال أجانب، بل الواجب ستر الوجه حتى في الإحرام، فقد ذكرت عائشة- رضي الله عنها- أنه إذا مر الرجال قريباً منهن أسدلت إحداهن خمارها على وجهها لئلا يراها الرجال الأجانب، وأما نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النقاب فنعم هو نهي عن النقاب لكن إذا كان حولها رجال فلابد من ستر الوجه، وإذا سترت وجهها في هذه الحال فلا شيء عليها.
س 705: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قبل حوالي خمس سنوات نوينا أداء العمرة وعندما وصلنا إلى الحرم قمت أنا وإحدى أخواتي بعمل غطاء الوجه بحيث صار أشبه يشبه النقاب بمعنى أنه كان يغطي الجبهة وبقية الوجه أما العينان فقد كانتا مكشوفتين وقد قمنا بذلك ونحن نجهل حكم النقاب فماذا نفعل الآن بعد ما عرفنا أن النقاب غير جائز للمحرمة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليكن شىء؛ لأن كل إنسان يفعل محرماً في العبادة وهو لا يدري ليس عليه شىء، ولهذا لو تكلم الإنسان في الصلاة جاهلاً أن الكلام حرام فصلاته صحيحة، كما لو دخل شخص على رجل يصلي فسلم فقال المصلي: عليك السلام وهو لا يدري أنه حرام فليس عليه شىء، فقد ثبت في الصحيح أن معاوية بن الحكم- رضي الله عنه- دخل المسجد وصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فعطس رجل من القوم وقال: الحمد لله.(22/196)
فقال: معاوية- رضي الله عنه- يرحمك الله. يخاطبه فرماه الناس بأبصارهم منكرين عليه فقال: " واثكل أمي " زاد على ما سبق فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكت، فلما سلم دعاه
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: معاوية (فبأبي هو وأمي ما كهرني، وما نهرني، وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للتكبير وقراءة القرآن أو كما قال ولم يأمره بإعادة الصلاة، وقال في الصيام "من نسي هو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " وهكذا جميع المحرمات في جميع العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً، أو جاهلاً فليس عليه شيء.
س 706: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمحرمة أن تلبس القفازين والجورب؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما لبس المرأة الجورب فلا بأس، وأما لباسها القفازين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك فقال في المحرمة لا تلبس القفازين.
س 707: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة التي تريد أن تحرم أن تلبس القفازين على يديها في أثناء العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للمرأة إذا أحرمت بحج أو عمرة أن تلبس القفازين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك والقفازان هما شراب اليدين التي تلبسها المرأة، أما لبس القفازين في غير الإحرام فحسن؛ لأنه أكمل في الستر.(22/197)
س 708: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شاهدت امرأة تطوف وعليها قفازات فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شاهدت المرأة امرأة أخرى تطوف وعليها قفازات فلتسألها قبل أن تنكر عليها ولتقل لها: هل أنت محرمة؟ إذا قالت نعم فلتقل لها: اخلعي القفازات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرمة: "لا تلبس القفازين " وإن قالت: إنها غير محرمة وإنما هذا طواف تطوع، فلا حرج عليها أن تلبس القفازين في طواف التطوع.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على المسألة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي: أنك لا تنكر على أحد منكراً حتى تعلم أنه منكر؛ لأن إنكارك قبل ذلك تعجل وتسرع، ولهذا لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم
جمعة وجلس لم ينكر عليه الجلوس حتى سأله: "أصليت؟ " قال: لا. قال: "قم وصل ركعتين وتجوز فيهما" (1) وانظر كيف كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن فعل فعلاً يحتمل أنه منكر في حقه ويحتمل أنه غير منكر وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير أسوة، وأما من أنكر على الشخص مجرد فعل يراه منكراً فإن هذا تسرع وتعجل.
س 709: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت وهي لابسة للقفازات ولم تكن تعلم بحكمها فهل حجها صحيح؟
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب (رقم 930) ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب (رقم 875) .(22/198)
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المرأة التي لبست القفازات وهي لا تعلم أنها حرام حجها صحيح وليس عليها إثم ولا فدية، وذلك لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالي: (قد فعلت) ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)) وليعلم أن جميع المحرمات التي تكون في العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً فلا شيء عليه وهذه قاعدة لسنا نأخذها من قول فلان وفلان، أو من مؤلف فلان وفلان، وإنما نأخذها من الكتاب والسنة: أن كل من فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم أو فعله وهو ناسي فلا شيء عليه، لكن إذا علم من جهل وجب عليه أن يدع هذا المحرم، وإذا ذكر بعد النسيان وجب عليه أن يترك هذا المحرم، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالي: (قد فعلت) ومن قوله تعالي: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)) ومن قوله تعالى في قتل الصيد: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيام: "من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " (1) . ولأن الصحابة- رضي الله عنهم-: أفطروا في رمضان في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء لأنهم كانوا
جاهلين بالوقت. ولهذه القاعدة
__________
(1) تقدم ص 122-123.(22/199)
العظيمة أدلة وشواهد نكتفي فيها بما ذكرنا، فهذه المرأة التي لبست القفازين جاهلة أو ناسية ليس عليها شيء لا فدية، ولا إثم، وحجها صحيح.
س 710: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للرجل المحرم أن يلبس القفازين لأن النهي خاص بالمرأة المحرمة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للرجل أن يلبس القفازين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاه أن يلبس الخفين ففي الخفين ستر الرجل، وفي القفازين ستر اليدين.
فإذا قال قائل: ما وجه تخصيص النهي بالمرأة؟
فالجواب: لأن المرأة جرت العادة بلبسها للقفازين، أما الرجل فلم تجر العادة بأنه يلبس القفازين، ولهذا فإن النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسن القفازين لأجل ستر اليد، وقد بدأ النساء - ولله الحمد- منذ عهد قريب يلبسن القفازين كعادة نساء الصحابة رضي الله عنهن.
س 711: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كيف تستر المرأة كفيها إذا أحرمت؟
فأجاب فضيلته بقوله: تستر كفيها بعباءتها أو بخمار واسع طويل، أو بثوب له أكمام طويلة، المهم أنه يمكنها أن تستر الكفين دون أن تلبس القفازين.(22/200)
س 712: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجب على المرأة أن تلبس شراباً لأرجلها إذا أرادت الحج أو العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمها ذلك لكن تستر قدميها بثوب طويل يكون ضافيا على القدمين، وقولنا: إن ذلك لا يجب عليها لا يعني أنه يحرم عليها أن تلبس الخفين بل لها أن تلبس الخفين، دون لبس القفازين، وهما شراب اليدين، فإنه لا يجوز للمحرمة أن تلبسهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحرمة أن تلبس القفازين.
س 713: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم لبس المرأة للذهب من خواتم وغيرها في حال الإحرام علماً بأنها تبرز لغير المحارم في كثير من الأحوال؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن تلبس المرأة حال الإحرام من الذهب ما شاءت إذا لم يخرج إلى حد الإسراف حتى الخواتم والأساور في اليدين، لكن في هذا الحال تستره عن الرجال الأجانب خوفاً من وقوع الفتنة.(22/201)
باب الفدية وجزاء الصيد
*فدية الحلق وتقليم الأظافر وتغطية الرأس والطيب.
*جزاء الصيد.
*دم المتعة والقِران.
*فدية الجماع.
*من كرر محظوراً من جنس ولم يفد.
*من كرر محظوراً من أجناس.
*حكم النسيان في فعل المحظور.
*كل هدي أو إطعام فلمساكين الحرم.
*صيد الحرم المكي.
*صيد الحرم النبوي.
*قطع الشجر.
*وصف مكة بالمكرمة والمدينة بالمنورة والمسجد الأقصي بثالث الحرمين.
*العمرة في رمضان.
*تكرار العمرة في رمضان.
*اصطحاب العوائل للعمرة في رمضان والبقاء في مكة وما ينتج عن ذلك.
*العمرة في شهر رجب(22/203)
س 714: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- ما فدية من فعل محظوراً من محظورات الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يخلو فاعل المحظور من أحوال:
الأولى: أن يفعله ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، أو نائماً، فلاشيء عليه.
الثانية: أن يفعله عمداً، ولكن لعذر يبيح فعل المحظور، فلا إثم عليه ويلزمه فدية ذلك المحظور، ويأتي بيانها.
الثالثة: أن يفعله عمداً بلا عذر، فهو آثم، وفديته على أقسام:
القسم الأول: ما ليس فيه فدية وهو عقد النكاح.
القسم الثاني: ما فديته بدنة وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.
القسم الثالث: ما فديته صيام ثلاثة أيام إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة، أو ذبح شاة مما يجزىء في الأضحية أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة، أو سبع بقرة ويفرق اللحم على الفقراء ولا يأكل منه
شيئاً، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع مما يطعم.
فهو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة في إزالة الشعر، والظفر، والطيب، والمباشرة لشهوة ولبس القفازين، وانتقاب المرأة، ولبس الذكر المخيط، وتغطية رأسه.
القسم الرابع: ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامه وهو قتل الصيد، فإن كان للصيد مثل خير بين ثلاثة أشياء:
1- إما ذبح المثل وتفريق لحمه على فقراء الحرم.(22/205)
2- أن ينظركم يساوي المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع.
3- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
أما إذا لم يكن للصيد مثل فإنه يخير بين شيئين:
1- أن ينظركم يساوي الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع.
2- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
س 715: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل فدية فعل المحظورات على التخيير أم على الترتيب؟ وما توجيهكم لحديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه- الذي قال فيه عليه الصلاة
والسلام: "تجد شاة؟ " قال: لا. قال: "فصم ثلاثة أيام "؟ (1) فأجاب فضيلته بقوله: محظورات الإحرام التي ورد فيها الفدية ليست كلها على طريق واحد، فمثلاً حلق الرأس قال الله تعالى فيه: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فبدأ الله تعالى بالصيام لأنه أهون الخصال الثلاث، ثم بالصدقة، وقد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، ثم قال الله عز وجل: (أو نسك) وهو ذبح شاة.
أما حديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشده إلى الأكمل، ولا شك أن ذبح الشاة أكمل من إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب المحصر، باب الإطعام في الفدية (1816) .(22/206)
س 716: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من دعس هرّاً وهو محرم في مكة ماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا من كلام الله- عز وجل- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)) (1) وهذا الذي قتل هرّاً ليس عليه شيء؛ لأنه ليس من الصيد، لكن لو قتل حمامة بغير قصد فلا شيء عليه لأن الله اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمداً. والله أعلم.
س 717: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائق ذهب للحج مع حملة وأخبروه بأن كل شيء عليهم وعند إتمام المناسك طلبوا منه قيمة الهدي، فالبعض رفض بحجة أنه قارن، ويبقى السؤال: هل يلزم القارن الهدي حيث أن السائق امتنع عن ذبح الهدي بحجة أنه قارن ورجع إلى بلده ولم يذبح فماذا يلزمه إذا كان يجب عليه الهدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، القارن يجب عليه الهدي كالمتمتع، وهذا السائق الذي لم يفعل يجب عليه الآن أن يبعث بدراهم إلى أحد يعرفه بمكة ليشتري له شاة ويذبحها هناك في مكة يأكل منها ويتصدق.
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 95.(22/207)
س 718: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل حج تمتعاً وحصل الحريق فاحترقت أغراضه وفلوسه في الخيمة فلم يفدِ فهل عليه شيء؟ وهل يمكن في هذه الحال أن يحول نسكه إلى
إفراد لأن الحريق كان في اليوم الثامن؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا ندري ماذا صنع الأخ هل صام؛ لأن الحريق وقع في اليوم الثامن؛ فإذا جاء يوم النحر فليس معه شيء فيصوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر وإذا رجعِ إلى أهله صام السبعة الباقية، لقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) (1) فإذا لم يفعل هذا فعليه الآن أن يتوب إلى الله وأن يصوم عشرة أيام ثلاثة قضاء وسبعة أداء.
ولا يمكن أن يحول الإنسان تمتعه إلى إفراد أبداً، ولا يمكن أيضاً أن يحول قِرانه إلى إفراد، لكن لو أحرم بعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل شروعه في طوافها جاز ذلك وصار قارناً.
س 719: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحجاج يكون معه دراهم، وهو ممن يجب عليه الهدي فتسرق منه أو تضيع، فهل له أن يقترض من أحد يعرفه لأجل شراء الهدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: له أن يقترض إذا كان يجد وفاءً في بلده عن قرب، أما إذا كان معسراً ولا يرجو الوفاء عن قرب فلا
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 196.(22/208)
يقترض، بل يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، وأما وجوب الاقتراض فلا يجب.
س 720: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أكثر الحجاج يذبح هديه ثم يتركه في المكان الذي ذبح فيه ولا يوزعه فتأخذه البلدية فترميه في المحرقة، فما حكم هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من ذبح الهدي أن يبلغه إلى أهله لقول الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)) (1) . وكونه يذبحها ثم يُلقيها تُحرق، لا تبرأ به الذمة، فيجب عليه أن يضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم يعني كيلو أو ما شابهه، يتصدق به في مكة.
س 721: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الشرع في رجل حج عن أبيه، هل يلزمه الهدي أو لا يلزمه؟ وإذا لم يجد الهدي هل يصوم؟ وهل يجزىء صيام العشرة أيام عنها في حالة
عدم القدرة؟ وفي حالة القدرة على دفع ثمن الأضحية هل يجوز له الصيام لأنه في حاجة إلى هذا المال؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: لا ينبغي أن يوجه السؤال إلى شخص بهذا اللفظ- ما حكم الشرع- لأن المجيب قد يخطىء في جوابه فلا يكون من الشرع، وإنما يقال: ما رأيكم، أو ما ترون،
__________
(1) سورة الحج، الآية: 28.(22/209)
أو ما حكم الشرع في رأيكم، أو في نظركم أو ما أشبه ذلك. وأما الجواب عن المسألة: فإذا كان أبوه عاجزاً عن الحج عجزاً لا يُرجى زواله كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه فإنه لا بأس أن يحج عنه ولده؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألته امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم " (1) . فيحج عنه، ثم إن كان الحج تمتعاً أو قراناً وجب عليه الهدي، وإن كان الحج إفراداً لم يجب عليه الهدي، وإذا كان عاجزاً عن الهدي، إما لعدم الدراهم معه، أو أن معه دراهم لكنه يحتاج إليها للنفقة فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
س 722: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد حججت أنا وزوجتي قبل عشرة أعوام وفي ذلك الحين لم يكن لنا نقود لشراء الفدية وقمنا بصيام ثلاثة أيام في الحج، وعندما عدنا إلى البلد
حصل منا الإهمال بسبب مشاكل الدنيا ولم نكمل الصوم، وبقينا على هذا الحال حتى ما قبل خمسة أعوام فحججت أنا وحدي مرة أخرى وذبحت فدية ولكن لم أدرِ كيف حال حجتنا الأولى أنا
وزوجتي حيث بقي علينا صيام سبعة أيام، وأحيطكم علماً أن زوجتي قد توفيت رحمها الله وأنا الآن محتار كيف أعمل هل يجب
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله (رقم 1513) ومسلم، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز (رقم 1334) .(22/210)
عليَّ الصوم في الوقت الحاضر عني وعن زوجتي المتوفاة أم ماذا أعمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل الذي فعلتم من صيام ثلاثة أيام في الحج حين كنتم لا تجدون هدياً هو عمل صحيح، لكن تأخيركم صيام الأيام السبعة إلى هذه المدة أمر لا ينبغي، والذي ينبغي للإنسان أن يسارع في إبراء ذمته وأن يقضي ما عليه، والواجب الآن أن تصوم أنت عن نفسك سبعة أيام، أما المرأة فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " (1) ماذا صام عنها أحد أولادها، أو أبوها، أو أمها، أو صمت عنها أنت فإن ذلك يكفي، فإن لم يصم منكم أحد فأطعموا عن كل يوم مسكيناً، ولكن أحب أن أنبه على أن الدم لا يجب على الحاج إلا إذا كان متمتعاً أو قارناً، فأما المتمتع فهو الذي يأتي بالعمرة قبل الحج في أشهر الحج يحرم بها بعد دخول أشهر الحج فيحج في عامه، وأما القارن فهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها لسبب من الأسباب، أما إذا كان الإنسان قد حج مفرداً بأن أتى بالحج فقط ولم يأتِ بعمرة فإنه لا يجب عليه الهدي؛ لأن الله تعالى أوجب الهدي على
المتمتع في قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) والمتمتع في هذه الآية ذكر أهل العلم أنه يشمل المتمتع الذي يفرد العمرة، والقارن الذي يأتي بهما جميعاً.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم (رقم 1952) ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت (رقم 1147) .(22/211)
أما حجته الثانية فلم يذكر فيها شيئاً يوجب النقص، أو يوجب الهدي، ولا يؤثر عليه ما بقي من حجته الأولى.
س 723: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سبق أن حججت قبل سبع سنوات وكان حجاً تمتعاً صمت ثلاثة أيام في مكة حيث لم أستطع حين ذاك أن أهدي ورجعت لمقر عملي ولكن مضت
سنتان ولم أستطع أن أكمل صيام سبعة أيام الباقية عليَّ وفي السنة الثالثة راسلت أحد معارفي بمكة وطلبت منه أن يذبح عني وقد قام بذلك مشكوراً ودفعت له قيمة الهدي وكانت بنية الهدي الذي
فاتني سابقاً ولم أستطع الصيام عنه أيضاً، والآن أريد أن أستفسر هل أجزأت تلك الأضحية المتأخرة أم يلزمني أن أكمل صيام سبعة أيام أم يلزمني شيء آخر غير ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، هذا السؤال الذي ساقه السائل ظهر لي أنه كان متمتعاً ولم يجد الهدي، وأنه صام ثلاثة أيام في الحج وبقي عليه سبعة أيام، ثم إنه تشاغل عن هذه السبعة أو تثاقلها وأراد أن يذبح الهدي، والجواب على ذلك أنه لو كان هذا في وقت الهدي قبل مضي أيام التشريق لكان تقربه صحيحاً، أي لو أنه بعد أن صام ثلاثة أيام أراد أن يذبح الهدي الذي هو الأصل وكان ذلك في وقت ذبحه لكان هذا التصرف صحيحاً، أما بعد أن فات وقت الذبح بانتهاء أيام التشريق فإنه ليس عليه إلا الصيام، وحينئذ فيلزمه أن(22/212)
يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام نسأل الله له العفو.
س 724: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: اشتريت هدياً في أيام الحج فأثناء إنزاله من السيارة انكسرت يده فماذا علي؟
فأجاب فضيلته بقوله: اشتر شيئاً سليماً واذبحه، وإذا لم تجد ثمنه فتصوم ثلاثة أيام في الحج أيام التشريق، وسبعة إذا رجعت.
س 725: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: تمتعت في العمرة والحج ولم أذبح هدياً ولم أصم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يقول السائل إنه متمتع بالعمرة إلى الحج ولم يهد هدياً ولم يصم؟ يجب أولاً أن نعلم ما هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي ينبني عليه وجوب الهدي؟ التمتع بالعمرة إلى الحج أن يشرع الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويتحلل تحللاً كاملاً ثم يحرم بالحج من عامه فيكون عند إحرامه بالعمرة قد نوى أن يحج هذا هو المتمتع، ويلزمه الهدي بشرط أن لا يرجع إلى بلده، فإن رجع إلى بلده ثم أنشأ السفر إلى الحج وأحرم بالحج فقط فإنه يكون مفرداً لا متمتعاً والهدي الواجب هو ما يجزىء في الأضحية ويشترط له شروط:
الأول: أن يكون من بهيمة الأنعام، فلا يجزىء الهدي من(22/213)
غيرها، لقول الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (1) .
الثاني: أن يكون بالغاً للسن المجزىء وهو الثني من الإبل والبقر والنعاج، أو الجذعة من الضأن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " (2) .
الثالث: أن يكون سليماً من العيوب المانعة للإجزاء وهي التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين
ضلعها، والعجفاء- يعني الهزيلة- التي لا تنقى" (3) .
الرابع: أن يكون في الزمان الذي يذبح فيه الهدي وهو يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده فلا يجزىء ذبح الهدي قبل يوم العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذبح هديه إلا يوم العيد حين رمى جمرة العقبة. (4)
الخامس: أن يكون في الحرم، أي داخل أميال الحرم، إما في منى، أو مزدلفة، أو في مكة، وكل طريق مكة وكل فجاج مكة طريق ومنحر، فلا يجزىء أن يذبح في عرفة، أو في غيرها من أماكن الحل، وقد سمعنا أن بعض الناس ذبحوا هداياهم خارج
__________
(1) سورة الحج، الآية: 28.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب سن الأضحية (رقم 1963) .
(3) أخرجه الإمام أحمد (4/284، 289، 300) وأبو داود، كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الضحايا (رقم 2802) ، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي (رقم 1497) .
(4) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(22/214)
الحرم، إما في عرفة أو في جهات أخرى ليست من الحرم، وهذا لا يجزىء عند أكثر أهل العلم، بل لابد أن يكون الذبح في نفس الحرم أي في حدود الحرم، فإذا ذبح في الحرم فلا بأس أن ينقل من لحمها إلى خارج الحرم.
ويشترط لوجوب الهدي على المتمتع ألا يكون من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي؛ لقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي ذلك الحكم ثابت لمن لم يكن حاضري المسجد الحرام، والحكم المذكور هو وجوب الهدي أو بدله ممن عدمه، وحاضري المسجد الحرام هم أهل مكة أو الحرم، أي هم من كانوا داخل حدود الحرم، أو كانوا من أهل مكة، ولو كانوا خارج حدود الحرم، وإنما قلت: أو كانوا من أهل مكة ولو كانوا خارج حدود الحرم؛ لأن جهة التنعيم الآن قد صارت من مكة فإن الدور والمباني تعدت التنعيم الذي هو مبتدأ الحرم ومنتهى الحل، وعلى هذا فمن كان من أهل التنعيم الذين هم خارج الحرم فهم وراءهم البيوت متصلة كبيوت مكة
فإنهم يعدون من حاضري المسجد الحرام، ومن كان من الجهة الأخرى داخل حدود الحرم وغير متصل بمكة فإنه من حاضري المسجد الحرام أيضاً، فحاضرو المسجد الحرام إذن هم أهل مكة
أو أهل الحرم فإن كانوا من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي ولا صوم، وهذا السائل يقول: إنه حج متمتعاً ولم يهد(22/215)
ولم يصم نقول له: الآن عليك أن تتوب إلى الله، فإن كنت من القادرين على الهدي في عام حجك وجب عليك أن تذبحه اليوم، ولكن في مكة، وإن كنت من غير القادرين على الهدي في عام حجك فعليك الصوم فصم الآن عشرة أيام ولو في بلدك.
س 726: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت متمتعاً ومعي مبلغ يسير من المال ظننت أن لا يكفي للهدي فصمت ثلاثة أيام وأنفقت المال الذي عندي بصورة فيها كثير من التبذير، ثم
ظهر لي في اليوم الحادي عشر أن المال الذي كان عندي قبل إنفاقه كان كافياً لشراء الهدي فندمت على ما حدث مني من تفريط، ثم صمت السبعة أيام بعد العودة من الحج فهل بقي الهدي في ذمتي
بسبب التفريط الذي حدث مني أم لا؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذمتك برئت بالصوم؛ لأنك إنما صمت بناء على أن المال الذي معك لا يكفي، لكن نظراً لأنك أسرفت في الإنفاق وأنفقت في غير وجهه أرى من الاحتياط أن تذبح هدياً في مكة يقوم مقام هدي التمتع الذي كان واجباً عليك مع القدرة.
س 727: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج ضاعت نفقته هل عليه أن يستدين للفدية؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ضاعت نفقة الحاج فإنه ليس عليه(22/216)
أن يستدين للفدية ولكن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ لأنه صار عاجزاً عن الهدي، وقد قال الله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)) (1) .
س 728: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل يقول: لقد وقعت في جريمة نكراء وداهية دهياء في حج العام الماضي حيث سول لي الشيطان ووقعت على زوجتي وجامعتها جماعاً في
منى ولكن هذا وقع في الليل، وقال بعض طلبة العلم: إن حجك قد فسد فصرعوني بهذا القول، وركبت سيارتي وهربت إلى بلدي وتركت زوجتي مع أخيها وأنا لم أهرب إلا خوفاً من الله تعالى أن
أبقى في مشاعره المقدسة وأنا قد عصيته وليس لي حج أرجو الإفادة والمخرج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب يحتاج إلى تفصيل وذلك أن جماعه إياها في منى إن كان بعد التحلل مثل أن يكون بعد يوم العيد بعد أن رمى وحلق أو قصر وطاف وسعى فهذا لا شيء عليه إطلاقاً؛ لأنه قد تحلل من الحج، أما إذا كان بعد الرمي والحلق وقبل الطواف يعني بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإن الحج لا يفسد، ولكن يفسد الإحرام، فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل ليحرم من جديد ليطوف طواف الإفاضة محرماً، وعليه
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 196.(22/217)
مع ذلك شاة يذبحها ويفرقها على الفقراء.
أما إذا كان الوطء في منى قبل الذهاب إلى عرفة فمعناه أنه جامع قبل التحلل الأول وهذا يفسد حجه وعلى ما قاله أهل العلم يجب عليه المضي فيه، ويجب عليه بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء، ويجب عليه القضاء من العام القادم، ولكن هذا الرجل في الحقيقة لا ندري أي الأحوال كان عليه، فلا نستطيع أن نحكم على فعله وذهابه إلى بلده. وذهابه بعد الجماع إلى بلده لا يجوز ويجب عليه الرجوع لو فرض أنه سأل في ذلك الوقت قبل أن ينتهي الحج وجب عليه الرجوع ليكمل الحج الفاسد ثم يقضيه العام التالي، أما وقد فات الأوان الآن فإنه يجب عليه على ما تقضيه قواعد الفقهاء يجب عليه أن يمضي في الحج هذا العام تكميلاً للحج الفاسد الأول لأنه لازال على إحرامه لم يتحلل منه، أو يتحلل بعمرة حيث فاته الحج بفوات الوقوف ثم يقضي الحج الفاسد الذي تحلل منه بعمرة بالفوات ولا يلزمه شيء عن لبس الثياب لأنه جاهل.
س 729: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائلة تقول: أنا امرأة قدمت من بلدي إلى جدة وكنت محرمة، وقبل أداء العمرة جاءني ما يأتي النساء فأدى زوجي العمرة ورجعنا حيث إنه مرتبط
بعمل، وسارت بنا الحياة الطبيعية كزوجين ثم نزلنا وأدينا مناسك العمرة والحج بعد ذلك، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات ولم نعلم أنه كان ينبغي علي أداء العمرة إلا قريباً، فماذا علي الآن؟ مع العلم(22/218)
أنني عندما أديت مناسك العمرة لم أنوِ أنها عن العمرة التي لم يتيسر لي القيام بها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: نسأل نقول للسائلة: إذا كنت لا تدرين أن الجماع في الإحرام حرام فلا شيء عليك، وإذا كنت تعلمين أنه حرام ووافقت الزوج عليه فأنت آثمة والعمرة التي وقع
فيها الجماع عمرة فاسدة ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب أيضاً أن تقضي عمرة بدل العمرة التي
فسدت.
س 730: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض أهل العلم يرون أن جماع الحاج لزوجته ناسياً محرم يفسد الحج ويستدل أنه يجب عليه غسل الجنابة وإنما المرفوع هو الإثم فما الجواب عن
ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نجيب على هؤلاء الذين يقولون إن الإنسان إذا جامع وهو صائم في رمضان أو جامع وهو محرم فعليه كفارة ويسقط عنه الإثم نجيب عليهم بأمرين: أمر أثري وأمر نظري، أما الأثري نقول: إن الله تعالى قال في كتابه: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: " قد فعلت "، وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهذا لم يتعمد وحصل تطبيق عملي لهذا القاعدة وهي عدم المؤاخذة بالجهل والنسيان، فقد أفطر الصحابة- رضي الله(22/219)
عنهم- في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين ظنوا أن الشمس قد غربت، وعدي بن حاتم- رضي الله عنه- أراد أن
يصوم فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد فيهما يد البعير، أحدهما أسود، والثاني أبيض، فجعل ينظر إليهما فلما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمسك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإعادة، ومعاذ بن الحكم- رضي الله عنه- تكلم في الصلاة ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، فالمهم أن نقول: إن هذه الأدلة تدل على أن الإنسان إذا صنع شيئاً محرماً جاهلاً أو ناسياً فلاشيء عليه.
أما الدليل النظري فنقول: إذا سقط الإثم لزم سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون من أجل اتقاء عقوبة هذا الإثم، فإذا لم يكن هناك إثم فلا عقوبة، وعموم العفو في قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) يشمل العفو عن الذنب والعفو عن الكفارة.
س 731: سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى-: من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه وهو لم يقعد النية بعد فلا شيء عليه؛ لأن العبرة بالنية لا بلبس ثوب الإحرام، ولكن إذا كان قد نوى ودخل في النسك فإنه إذا فعل شيئاً من المحظورات ناسياً، أو جاهلاً فلا(22/220)
شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر فيذكر إن كان ناسياً، ويعلم إن كان جاهلاً يجب عليه أن يتخلى من ذلك المحظور.
مثال هذا: لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم، فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب، وكذلك لو نسي فأبقى سراويله عليه، ثم ذكر بعد أن عقد النية ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سراويله فوراً، ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه، مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خيط بل منسوجة نسجاً يظن أن المحرم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبين له أن الفنيلة وإن لم يكن بها توصيل فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها.
والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) . فقال الله تعالي: " قد فعلت "، ولقوله تعالي: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)) . ولقوله تعالى في خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)) ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد، وحلق(22/221)
شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق؛ لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان. والله أعلم.
س 732: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج وقع في بعض الأخطاء في أداء نسكه ولم يكن معه ما يكفر به وسافر إلى بلده فهل يخرج ما وجب عليه في بلده أم يلزمه أن يكون في مكة؟
وإذا كان يلزم في مكة فهل يجوز التوكيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لابد أن نعرف ما هو هذا الشيء الذي حصل، إن كان ترك واجباً ففيه فدية يذبحها في مكة؛ لأنها تتعلق بالنسك ولا يجزىء في غير مكة.
وإن كان فعل محظوراً فإنه يجزىء فيه واحدة من ثلاثة أمور:
إما إطعام ستة مساكين ويكون في مكة أو في مكان فعل المحظور.
وإما صيام ثلاثة أيام، وفي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام في مكة أو غيرها.
وإما ذبح شاة.
إلا أن يكون هذا المحظور جماعاً قبل التحلل الأول في الحج فإن الواجب فيه بدنة يذبحها في مكان فعل المحظور، أو في مكة ويفرقها على الفقراء، أو أن يكون جزاء صيد فإن الواجب مثله أو إطعام، أو صيام، فإن كان صوماً ففي أي مكان.(22/222)
وإن كان إطعاماً أو ذبحاً فإن الله تعالى يقول: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) فلابد أن يكون في الحرم.
وله أن يوكل فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل عليّاً- رضي الله عنه- في ذبح ما بقي من هديه (1) .
س 733: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه دم، والسؤال هل لهذا الدم زمن معين من العام؟ وهل له مكان معين؟ ومن لم يجد هذا الدم فهل له من صيام بدلاً من الدم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من وجب عليه فدية بترك واجب، أو بفعل محظور أن يبادر بذلك؛ لأن أوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الفور إلا بدليل؛ ولأن الإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فقد يكون اليوم قادراً وغداً عاجزاً، وقد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً، وقد يكون اليوم حيّاً وغداً ميتاً، فالواجب المبادرة، أما في أي مكان فإنه يكون في الحرم في مكة ولا يجوز في غيره، وأما إذا لم يجد الدم في ترك الواجب، فقيل: إنه يصوم عشرة أيام، والصحيح أنه لا يجب عليه صوم بل إذا لم يجد ما يشتري به الفدية فلا شيء عليه؛ لأنه ليس هناك دليل على وجوب الصيام، ولا يصح قياسه على دم المتعة لظهور الفرق العظيم بينهما، فدم ترك الواجب دم جبران، ودم المتعة دم شكران.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(22/223)
س 734: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء الهدي الشركات ولكن يا فضيلة الشيخ ما الحل فيما مضى، فإنا قد حججنا أكثر من مرة
ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا فما الحكم فيما مضى هل يجزىء؟ فإن كان لا يجزىء فماذا يلزمنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة؛ لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطي هذه الشركات، وإما أن يذبحه ويدعه في الأرض لا ينتفع به لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة فيوكلوهم على ذبح الهدى وإحضار بعضه وتفريق الباقي، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكنني الذي أرى أنه خطأ عظيم هو أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي - عليه الصلاة والسلام- كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة، ولم ينقل عنه لا بحديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته إلى أي مكان بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون.
س 735: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من ذبح الهدي أو حلق رأسه خارج منطقة الحرم في عرفات مثلاً؟(22/224)
فأجاب فضيلته بقوله: أما الحلق فلا بأس يحلق في عرفات أو غيرها؛ لأن الحلق ليس له مكان، وأما الهدي هدي التمتع فلابد أن يكون داخل الحرم فلو ذبح هديه في عرفات لم يصح ولم يجزئه، حتى لو دخل باللحم وأعطاه أهل منى لم يقبل منه؛ لأنه ذبحه في غير مكانه، وإذا كان هذا قد وقع فالأمر والحمد لله سهل يوكل أحد الذاهبين إلى مكة ليشتري له شاة يذبحها بنية الهدي الذي ذبحه في غير مكانه، وإن كان هو يريد أن يذهب بنفسه ليحج فليباشر ذلك بنفسه.
س 736: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا نسي الحاج الفدية فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نسي الحاج الفدية فإنه يقضيها إما بنفسه، أو يوكل من يذبحها في مكة، ولا يجوز أن يذبح خارج الحرم على ما نص عليه الأصحاب.
س 737: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أراد أن يحج متمتعاً أو قارناً، نسمع أن البنك الإسلامي يستقبل المبالغ ليقوم بذبح الهدي والفدية يوم العاشر من ذي الحجة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس بمن عليه هدي، هدي التمتع، أو قران، أو عليه فدية محظور، أو ترك واجب أن يوكل من يقوم به، لكن بشرط أن يكون الوكيل ثقة أميناً، فإذا كان ثقة أميناً فلا بأس إلا فلا توكِّل، على أنه لو كان ثقة، أميناً فالأفضل(22/225)
أن تباشر ذلك أنت بيدك، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذبح هديه بيده، وذبح أضحيته بيده، وإن كان قد أعطى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أن يُتمِّم ذبح
هداياه؛ لأن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أشركه في هديه.
س 738: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز نحر هدي التمتع خارج الحرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول أهل العلم: إن الواجب نحر هدي التمتع داخل حدود الحرم لقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر هديه في منى وقال: "لتأخذوا عني مناسككم " (1) . ولأن هذا دم يجب للنسك فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم، وعلى هذا فمن نحر خارج الحرم لم يجزئه الهدي وتلزمه إعادته في الحرم، ثم إن كان جاهلاً فلا إثم عليه، وإن كان عالماً فعليه الإثم.
وقد أشار صاحب الفروع (ص 465 ج 3 ط آل ثاني) إلى أن وجوب ذبحه في الحرم باتفاق الأئمة الأربعة، لكن قال الشيرازي في المهذب (ص 411 ج 7 ط مكتبة الإرشاد) : إذا وجب على
المحرم دم لأجل الإحرام كدم التمتع والقران، ودم الطيب وجزاء الصيد وجب عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً (رقم 1297) .(22/226)
الْكَعْبَةِ) فإن ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظرت فإن تغير وأنتن لم يجزئه؛ لأن المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير، وإن لم يتغير ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأن الذبح أحد مقصودي الهدي فاختص بالحرم كالتفرقة.
والثاني: يجزئه؛ لأن المقصود هو اللحم، وقد أوصل ذلك إليهم. اهـ.
قال النووي: وهو الصحيح.
ولكن الأحوط المنع؛ للأدلة التي ذكرناها في صدر الجواب.
س 739: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حدثونا عن خصائص البيت الحرام، وهل دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمدينة؟ وما أجر من صلى بالمدينة من الثواب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، من خصائص البيت الحرام التي لا يشركه فيها غيره أنه يجب على كل مسلم أن يحج إليه، ولكن إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا يوجد في الأرض مكاناً يجب على المسلم أن يقصده بحج أو عمرة إلا البيت الحرام، ومن خصائص هذا البيت تضعيف الصلوات فيه، فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ومن خصائصه تحريم قطع أشجاره وحش حشيشه وقتل صيده، وله(22/227)
خصائص كثيرة لا يسع المقام لذكرها، لكن في ذلك كتب معروفة يمكن للسائل أن يرجع إليها.
وأما المسجد النبوي فمن خصائصه أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وله نوع من التحريم لكنه دون حرم مكة.
س 740: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الصيد في الحرم النبوي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أنه محرم، لكنه ليس كالصيد في حرم مكة، فإن حرم مكة إذا صاده الإنسان فإثمه أكبر مما لو صاد صيداً في حرم المدينة، وحرم المدينة ليس في صيده جزاء، وحرم مكة يحصل فيه جزاء، وحرم المدينة إذا أدخل الإنسان الصيد فيه من خارج الحرم فله إمساكه وذبحه، وحرم مكة فيه خلاف، فمن العلماء من يقول: إذا أدخل الإنسان صيداً إلى حرم مكة وجب عليه إطلاقه، ومنهم من يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه إطلاقه، فلو أدخل الإنسان أرنباً أو
حمامة من خارج الحرم إلى الحرم فله استبقاؤها وذبحها؛ لأنها ملكه، بخلاف ما إذا صادها في الحرم، فإنه ليس له إبقاؤها وليس له ذبحها، إنما يجب عليه أن يطلقها.
س 741: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم؟ وهل معنى هذا أننا لو(22/228)
وجدناها أو بعضها ونحن محرمين في داخل حدود الحرم أنه يجوز قتلها؟ ولماذا هذه الخمس دون غيرها مع أنه قد يكون هناك من الدواب والسباع ما هو أخطر منها ومع ذلك لم تذكر أم أنه يقاس
عليها ما شابهها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الفواسق الخمس هي: الفأرة، والعقرب، والكلب العقور، والغراب، والحدأة، هذه هي الخمس التي قال فيها النبي- عليه الصلاة والسلام- "خمس كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم " (1) ، فيسن للإنسان أن يقتل هذه الفواسق الخمس وهو محرم، أو محل داخل أميال الحرم أو خارج أميال الحرم، لما فيها من الأذى والضرر في بعض الأحيان، ويقاس على هذه الخمس ما كان مثلها أو أشد منها، إلا أن الحيات التي في البيوت لا تقتل إلا بعد أن يحرج عليها ثلاثاً؛ لأن يخشى أن تكون من الجن إلا الأبتر وذو الطفيتين فإنه يقتل ولو في البيوت؟ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين (2) . فإذا وجدت في بيتك حية فإنك لا تقتلها إلا أن تكون أبتر أو ذا الطفيتين، الأبتر يعني قصير الذنب، وذو الطفيتين هما خطان أسودان على ظهره فهذان النوعان يقتلان مطلقاً، وما عداهما فإنه لا يقتل ولكنه يحرج عليه ثلاث مرات بأن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب (رقم 1829) ومسلم، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (رقم 1198) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال (رقم 3308) ومسلم، كتاب السلام، باب قتل الحيات وغيرها (رقم 2232) .(22/229)
يقول لها: أحرج عليك أن تكوني في بيتي، أو كلمة نحوها مما يدل على أنه ينذرها ولا يسمح لها بالبقاء في بيته، فإن بقيت بعد هذا الإنذار فمعنى ذلك أنها ليست بجن، أو أنها وإن كانت جنّاً أهدرت حرمتها حينئذ يقتلها، ولكن لو اعتدت عليه في هذه الحال فإن له أن يدافعها لو بأول مرة فإن لم يندفع أذاها إلا بقتلها أو لم تندفع مهاجمتها إلا بقتلها فله أن يقتلها حينئذ، لأن ذلك من باب
الدفاع عن النفس.
ومشروعية قتل الفواسق لا تختص بهذه الخمس بل يقاس عليها ما كان مثلها أو أشد ضرراً منها، وهذا الاجتهاد لمن كان أهلاً لذلك بأن يكون عنده علم في موارد الشريعة ومصادرها، وعلم بالأوصاف والعلل التي تقتضي الإلحاق أو عدمه.
س 742: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم أو في الحرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: صيد الطيور في الأشهر الحرم جائز؛ لأن الأشهر الحرم إنما يحرم فيها القتال على أن كثيراً من العلماء أو أكثر العلماء يقولون: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ، ولكن إذا كانت الطيور داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز صيدها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين فتح مكة: "لا ينفر صيدها" (1) أي مكة، وإذا منع من التنفير فالقتل من باب أولى، وقال- عز
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا ينفر صيد الحرم (رقم 1833) ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها ... (رقم 1353) .(22/230)
وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) . وقال- عز وجل-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) . فإذا كان الإنسان محرماً أو دخل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد.
س 743: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أخذ النحل أو العسل من المشاعر المقدسة أو من الجبال الواقعة بين المزدلفة وعرفات؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس في هذا أن يجني الإنسان العسل في داخل حدود الحرم، وذلك لأن النحل ليس من الصيد الذي يحرم قتله في الحرم وإذا لم تكن من الصيد فالأصل الحل.
س 744: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة كانت محرمة فجاءت على يدها بعوضة فمن شدة ألمها ضربتها فماتت فهل عليها شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليها شيء، وإن لم تقرص الإنسان يستحب له أن يقتلها سواء كان محرماً أو محلاًّ؛ لأنها من الحشرات المؤذية، وقد قال العلماء: يستثنى قتل كل مؤذٍ للمحرم وغير المحرم، ولمن كان في مكة ولمن كان خارج مكة، فنقول: أعظم الله أجر هذه السائلة حيث تركتها حتى آلمتها بالقرص ولو أنها قتلتها من أول ما رأتها لكان في ذلك كف لأذاها.(22/231)
س 745: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم قتل الحشرات في الحرم، وخاصة البعوض؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحشرات ونحوها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل وفي الحرم حتى لو تجده في وسط الكعبة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" (1) . والوزغ أيضاً أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله، وقال: "إنه كان ينفخ النار على إبراهيم " (2) وسبحان الله هذه الحشرة الضعيفة سلطت تنفخ النار على إبراهيم لذلك نحن نقتلها امتثالاً لأمر الله تعالى وانتصاراً لأبينا إبراهيم- عليه الصلاة
والسلام- لأنها تنفخ النار عليه.
القسم الثاني: ما نهى عن قتله فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، مثل: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد، فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم إلا إذا آذى فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتل.
القسم الثالث: ما سكت الشرع عنه وكالخنفساء وما أشبهها فهذه قال بعض العلماء: إنه يحرم قتلها، وقال بعضهم: إنه يكره، وقال بعضهم: إنه يباح، لكن تركه أولى، وهذا القول الثالث
الأخير هو الصواب والدليل أنه لم ينه عن قتلها ولم يؤمر أي
__________
(1) تقدم ص 229.
(2) أخرجه الإمام أحمد (6/83، 109) ، والبخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً) (رقم 3359) .(22/232)
بقتلها، فهي مسكوت عنها، لكن الأولى عدم القتل لأن الله تبارك وتعالى قال: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) . فدعها تسبح الله- عز وجل- لا تقتلها لكن لو قتلتها فلا إثم عليك.
ومكة شرفها الله- عز وجل- لا يجوز فيها قتل الصيد كالحمام، والبط، والأرانب والغز لان وما أشبه ذلك.
والبعوض مما أمر بقتله قياساً على الخمس؛ لأن البعوض مؤذ بلا شك، وأذيته واضحة، فأحياناً تقرصك البعوضة وينتفخ الجلد، وربما يسبب جروحاً فهي مما أمر بقتله، وإذا لم نتوصل إلى قتله إلا بالصعق كما يوجد الآن مما يعلق فلا حرج.
س 746: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن نقيم على بعد أربعين كليلو عن الحرم، ويوجد بعض العمال يقدمون لنا الحمام الموجود في المنطقة للأكل، وبعض الناس يقولون: بأن
هذا الحمام تابع للحرم هل أكل هذا الحمام حلال أم حرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: ما دمتم تبعدون عن حدود الحرم أربعين كيلو فإنكم في الحل، وصيد مكان الحلال حلال، وعلى هذا فما يقدمه العمال لكم من هذا الحمام يكون حلالاً؛ لأنه لم يصد في الحرم، نعم لو قال لك العامل: إنه صاده في الحرم فإنه حرام عليك وعلى العامل أيضاً، وينبغي درءاً للشبهة وطرداً للشك أن تخطروا العمال بأنه لا يجوز الصيد داخل حدود الحرم حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم.(22/233)
س 747: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أحرم من بلده، وفي الطريق إلى الميقات وجد صيداً فقتله ولم يعقد النية إلا في الميقات ولكن لبس ملابس الإحرام فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: مادام لم ينوِ وعليه ثياب الإحرام فلا محظور عليه لا صيد، ولا طيب، ولا أخذ من شعر، ولا جماع امرأته ولا شيء حتى ينوي، فإذا نوى ولو في بيته صار محرماً.
س 748: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الذي يحرم على المحرم أن يقتله في إحرامه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يحرم على المحرم قتله هو الصيد، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) قال أهل العلم: والصيد كل حيوان بري مأكول متوحش مثل الضباع،
والأرانب، والحمام وغيرها، فهذه يحرم على المحرم أن يقتلها، وإذا قتلها كانت حراماً عليه وعلى غيره، وأما إذا صادها غيره فإن كان صادها من أجل المحرم فهي حرام على المحرم نفسه أي على
الذي صيدت من أجله وليس حراماً على غيره؛ لأن الذي صادها غير محرم، وأما إذا صيدت لغير المحرم مثل أن يصطادها رجل غير محرم فيطعم منه أناس محرمين فإن ذلك لا بأس به.
س 749: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم إخراج تربة مكة منها وكذلك إخراج ماء زمزم من مكة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس بإخراج تراب مكة إلى(22/234)
الحل، ولا بأس بإخراج ماء زمزم إلى الحل.
س 750: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: تقول إحداهن: لا يجوز الاستجمار بالحصى في مكة وقد ورد النهي عن ذلك فهل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاستجمار بالأحجار ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما ذكره السائل لا صحة له.
س 751: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت ولما نزلت إلى منى قمت بنصب الخيمة ثم نزعت الأشجار التي في مكان الخيمة ولم أكن أعلم أن منى من حدود الحرم فما الحكم في
ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم أنه لا شيء على الإنسان إذا فعل شيئاً من المحظورات جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً، وهذا قاعدة عامة، فكل المحظورات في الإحرام أو في الحرم إذا فعلها الإنسان ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً فلا شيء عليه، ولهذا لو انفرش الجراد في طريقه والجراد صيد يحرم إذا كان داخل حدود الحرم أو إذا كنت محرماً ولو خارج حدود الحرم لكن لو انفرش في طريقك ورأيت أن الأرض مملوءة من الجراد فلا نقول توقف ولا تمشي حتى يرتحل الجراد عن الأرض، بل نقول: امشِ وإذا أصبت شيئاً لم تقصده فلا شيء عليك؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، كذلك أيضاً الأشجار في منى أو في مزدلفة إن قلعتها(22/235)
قصداً فهذا حرام عليك، وإن لم تقلعها ولكن فرشت عليها الفراش وتكسرت من أجل فرش الفراش وأنت ما أردت ذلك فلا حرج عليك.
س 752: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل قطع الشجر في الحرم من محظورات الإحرام؟ وإذا وجد الإنسان شيئاً ساقطاً على الأرض سواء كان ثميناً أو غير ذلك هل يأخذه؟
فأجاب فضيلته بقوله: قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالحرم الذي هو خلاف الحل، وعلى هذا فمن كان داخل الحرم حرم عليه قطع أشجار الحرم قبل التحلل وبعد التحلل، ومن كان خارج الحرم حل له قطع الشجر قبل أن يحل وبعد أن يحل، فالحاج بعرفة يحل له قطع الشجر. وعلى هذا فالحاج بعرفة يحل له قطع الشجر، وإن كان في مزدلفة أو مِنى فلا يحل له قطع الشجر.
أما اللقطة فإن كان في الحرم أي داخل الأميال فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحل ساقطتها" (1) - يعني مكة- إلا لشخص يريد أن ينشدها أي أن يطلب صاحبها مدى الدهر، أما إذا كانت خارج الحرم فإن التقاطها كالتقاط أي لقطة في أي مكان إن تعهد الإنسان على نفسه وظن أن يعرفها لمدة سنة التقطها وعرفها لمدة سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي له، وإن لم يلزم نفسه عليها فليتركها لكن إن كان هنالك لجنة أو طائفة من قبل أولي الأمر لتلقي الضائع
__________
(1) تقدم ص 230.(22/236)
فيأخذها وليؤدها إلى هذه اللجنة التي عينها أولو الأمر؛ لأن أخذها وتسليمها لهؤلاء خير من أن تبقى في الأرض وتضيع أو يأخذها إنسان لا يهتم بها ويملكها.
س 753: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم قلع المحرم للنبات الذي ينبت في مكة أو التعرض له بإتلاف؟
فأجاب فضيلته بقوله: النبات والشجر لا علاقة للإحرام بهما؛ لأن تحريمهما لا يتعلق بالإحرام، وإنما يتعلق بالمكان بالحرم، فما كان داخل أميال الحرم فإنه لا يجوز قطعه ولا حشه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في مكة: "إنه لا يختلى خلاها" (1) فقطع شجرها وحشيشها حرام على المحرم وغيره، وأما ما كان خارج الحرم فإنه حلال للمحرم وغير المحرم، وعلى هذا فيجوز للحاج أن يقطع
الشجر في عرفة ولا حرج عليهم في ذلك، ولا يجوز أن يقطع الحشيش أو الشجر في مزدلفة وفي منى؛ لأن مزدلفة ومنى داخل الحرم، ويجوز للحجاج أن يضعوا البساط على الأرض ولو كان فيها أعشاب إذا لم يقصدوا بذلك إتلاف الحشيش الذي تحتها؛ لأن تلفه حينئذ حصل بغير قصد، فهو كما لو مشى الإنسان في طريقه وأصاب حمامة أو شيئاً من الصيد بغير قصد منه فإنه ليس عليه فيه شيء.
__________
(1) تقدم ص 230.(22/237)
س 754: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمحرم أخذ بعض أوراق الشجر ليوقدها للتدفئة إذا كان الجو بارداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: اعلم أن قطع الشجر ليس من محظورات الإحرام ولا تعلق له بالإحرام، وإنما قطع الشجر متعلق بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم فأخذه حرام للمحرم ولغير المحرم، وما كان خارج حدود الحرم فأخذه حلال للمحرم وغيره. ولهذا فالأشجار في عرفة مثلاً لا بأس بأخذها للمحرم ولغير المحرم، والتي في منى ومزدلفة حرام على المحرم وغير المحرم، إلا الأشجار التي غرسها الإنسان فهذه حلال، ولو كانت داخل حدود الحرم.
وأما قولك: إنه يأخذ الأشجار للتدفئة فالأشجار الخضراء لا تدفئة فيها ليس فيها إلا الدخان، أما اليابس فخذه ولا حرج عليك.
س 755: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اشترى قطعة أرض داخل حدود الحرم وبنى عليها عمارة ولكن عند البدء في العمل قلع من الأرض شجرة فهل عليه شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يحل للإنسان أن يقطع شيئاً من شجر الحرم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم ذلك (1) . ومن قطع شيئاً جاهلاً فإن أمكن رد الشجرة إلى مكانها ردها، وإن لم يمكن فليس عليه
__________
(1) تقدم ص 230.(22/238)
شيء، والذي يظهر من حال السائل أنه كان يجهل كون هذا حراماً، بمعنى أنه يعرف أن قطع الشجرة محرم، لكن يظن أنها إذا كانت في مكان يريد البناء عليه فهو جائز، فعلى كل حال أرجو الله
سبحانه وتعالى أن لا يكون على هذا الرجل شيء، لاسيما وأن الظاهر أنه تاب إلى الله وندم مما صنع.
س 756: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يطلق على المسجد الأقصى اسم الحرم؟ وما تعليق فضيلتكم على كلمة (المسجد الأقصى ثالث الحرمين) وهل للمدينة حرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما المسجد الأقصى فإنه لا يطلق عليه حرم وليس بحرم.
وقولهم: ثالث الحرمين. توهم أنه منها وليس كذلك. وأما المدينة فلا شك أن لها حرماً، وحرم المدينة ما بين عير إلى ثور، ولكنه لا يساوي حرم مكة، بل حرم مكة أعظم حرمة منه، ولهذا يحرم صيده وفيه الجزاء، وأما صيد المدينة فيحرم وليس فيه الجزاء، وكذلك شجر مكة يحرم قطعه، وشجر المدينة يباح منه ما تدعو الحاجة إليه في الحرث ونحوه، وكذلك على المشهور من مذهب الإمام أحمد- رحمه الله- من أدخل صيداً إلى مكة من خارج الحرم وجب عليه إطلاقه، بخلاف من أدخل صيداً إلى المدينة فإنه لا يجب عليه إطلاقه، والصحيح أنه لا يجب إطلاقه في الموضعين، وأيضاً حرم مكة يشرع لمن دخله أن يحرم(22/239)
إما وجوباً أو استحباباً بخلاف المدينة، وأيضاً حرم مكة لا يجوز دخول المشركين فيه بخلاف حرم المدينة.
س 757: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل إضافة كلمة (المكرَّمة) إلى مكة أو (المنورة) إلى المدينة من البدع وهل من الأفضل أن يقال مكة المحرمة والمدينة النبوية؟
فأجاب فضيلته بقول: لا أعلم أن مكة تعرف بمكة المكرمة في كلام السلف، وكذلك المدينة لا توصف بأنها المنورة في كلام السلف، وإنما يسمونها المدينة، لكن حدث أخيراً بأن يقال في
مكة المكرمة وفي المدينة المنورة ومكة سماها الله بلداً آمنا، وسماها بلداً محرماً، كما قال تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) وكذلك مباركة.
وأما المدينة فهي لا شك أنها المدينة النبوية وأنها طيبة كما سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - بطيبة. لكن الناس اتخذوا هذا عادة بأن يقولوا: المدينة المنورة، ومكة المكرمة، وليتهم يقولون: مكة فقط، لأننا لسنا أشد تعظيماً لهذين البلدين ممن سلفنا.
س 758: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن وصف مكة بالمكرمة والمدينة بالمنورة هل له أصل من الشرع؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعرف أصلاً من الشرع لوصف مكة بالمكرمة، ووصف المدينة بالمنورة، وكلتاهما في الحقيقة مكرمتان معظمتان محرمتان، وكلتاهما منورتان بالوحي مكة(22/240)
بابتدائه، والمدينة بانتهائه، وتلك مكان ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وابتداء دعوته، وهذه مكان وفاته وكمال رسالته، والله لطيف خبير.
س 759: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل ورد حديث صحيح في فضل الاعتمار في شهر رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم ورد حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، في فضل الاعتمار في شهر رمضان أخرجه مسلم في صحيحه حيث قال النبي، عليه الصلاة والسلام: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (1) وفي رواية " تعدل حجة معي ".
س 760: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صحة هذا الحديث "عمرة في رمضان تعدل حجة معي "؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بلفظين، أحدهما: "عمرة في رمضان تعدل حجة"، والثاني: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي " وهو دليل على أن العمرة في رمضان لها مزية عن غيره من الشهور، فإذا ذهب الإنسان إلى مكة في رمضان وأحرم للعمرة وأداها فإنه يحصل له هذا الثواب الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء (رقم 1863) ، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان (رقم 1256) (222) .(22/241)
س 761: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل وردت أحاديث تدل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة أو أن فضلها كسائر الشهور؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم ورد في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " عمرة في رمضان تعدل حجة" فالعمرة في رمضان تعدل حجة كما جاء به الحديث، ولكن ليس معنى ذلك أنها تجزىء عن الحجة، بحيث لو اعتمر الإنسان في رمضان وهو لم يؤد فريضة الحج سقطت عنه الفريضة، لأنه لا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون مجزئاً عنه.
فهذه سورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)) تعدل ثلث القرآن، ولكنها لا تجزىء عنه، فلو أن أحداً في صلاته كرر سورة الإخلاص ثلاث مرات لم يكفه ذلك عن قراءة الفاتحة، وهكذا قول الإنسان، "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات " يكون كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل. ومع ذلك لو قالها الإنسان وعليه عتق رقبة لم تجزىء عنها، وبه تعرف أنه لا يلزم من معادلة الشيء للشيء، أن يكون مجزئاً عنه.
س 762: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نأمل شرح حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عمرة في رمضان تعدل حجة" فأجاب فضيلته بقوله: معنى ذلك إن الإنسان إذا اعتمر في(22/242)
شهر رمضان فإن هذه العمرة تعدل حجة في الأجر لا في الإجزاء، وقولي: لا في الإجزاء، يعني أنها لاتجزىء عن الحج فلا تسقط بها الفريضة، ولا يعتبر حاجاً متنفلاً، وإنما يعتبر هذه العمرة من
أجل وقوعها في هذا الشهر تعدل في الأجر حجة فقط لا في الإجزاء، ونظير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، وهذا بلا شك بالأجر وليس بالإجزاء، ولهذا لو كان عليه أربع رقاب وقال هذا الذكر لم يجزئه، ولا عن رقبة واحدة، فيجب أن تعرف الفرق بين الإجزاء، وبين المعادلة في الأجر، فالمعادلة لا يلزم منها إجزاء وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: "قل والله أحد تعدل ثلث القرآن " ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مرات في ركعة ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عدلت القرآن كله حينما قرأها
ثلاث مرات.
س 763: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: العمرة في رمضان هل الفضل فيها محدد بأول رمضان أو وسطه أو آخره؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمرة في رمضان ليست محددة بأوله ولا بوسطه ولا بآخره بل هي عامة في أول الشهر ووسطه وآخره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عمرة في رمضان تعدل حجة" ولم يقيدها(22/243)
صلوات الله وسلامه عليه، فإذا سافر الإنسان في رمضان وأدى فيه عمرة كان كمن أدى حجة.
وهنا أنبه بعض الأخوة الذين يذهبون إلى مكة لأداء العمرة، فإن منهم من يتقدم قبل رمضان بيوم أو يومين فيأتي بالعمرة قبل دخول الشهر فلا ينال الأجر الذي يحصل فيمن أتى بالعمرة في رمضان، فلو أخر سفره حتى يكون يوم إحرامه بالعمرة في رمضان لكان أحسن وأولى.
كذلك يوجد بعض الناس يخرجون إلى التنعيم فيأتون بعمرة ثانية وهذا العمل لا أصل له في الشرع، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما ولم يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة مع أنه - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة في رمضان ولم يخرج بعد انتهاء القتال إلى
التنعيم ليأتي بعمرة، بل أتى بالعمرة حين رجع من غزوة الطائف ونزل الجعرانة وقسم الغنائم هناك دخل ذات ليلة إلى مكة وأتى بعمرة من الجعرانة ثم خرج من ليلته- عليه الصلاة والسلام-.
وفي هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يخرج من مكة من أجل أن يأتي بعمرة من التنعيم أو غيره من الحل؛ لأن هذا لو كان من الخير لكان أول الناس عملا به وأولاهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأننا نعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرص الناس على الخير؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرع ومبلغ عن الله سبحانه وتعالى ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره، وكل
ذلك لم يكن والاتباع وإن قل خير من الابتداع.(22/244)
س 764: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نشاهد كثيراً من الناس يقومون بتكرار العمرة في رمضان، هل في ذلك بأس؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم في ذلك بأس؛ وذلك لأنه مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهدي أصحابه- رضي الله عنهم أجمعين-؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة في العشرين من رمضان، وبقي في مكة آمناً مطمئناً ولم يخرج هو وأصحابه ولا أحد منهم إلى التنعيم من أجل أن يأتي بعمرة، مع أن الزمن هو رمضان وذلك في عام الفتح، ولم يعهد عن أحد من الصحابة أنه أتى بعمرة من الحل من التنعيم أبداً. إلا عائشة- رضي الله عنها- بسبب من الأسباب؛
وذلك أن عائشة- رضي الله عنها- قدمت من المدينة في حجة الوداع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت محرمة بالعمرة، فحاضت قبل أن تصل إلى مكة، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت.
ومن المعلوم أن القارن لا يأتي بأفعال العمرة تامة، بل تندرج أفعال العمرة في أفعال الحج. فلما انتهى الناس من الحج، طلبت عائشة- رضي الله عنها- من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر، فأمرها أن تخرج مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى الحل: التنعيم وتحرم بعمرة ففعلت.
ولما كان هذا السبب ليس موجوداً في أخيها عبد الرحمن لم يحرم بعمرة بل جاء حلاً ولم يحرم. وهذا أكثر ما يعتمد عليه الذين يقولون بجواز العمرة من التنعيم لمن كان في مكة وليس فيه(22/245)
دليل على ذلك، لأنه خاص بحال معينة أذن بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها-.
أما تكرار العمرة فإن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- نقل أنه مكروه باتفاق السلف، ولقد صدق رحمه الله في كونه مكروهاً؛ لأن عملاً لم يعمله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه- رضي الله عنهم- وهو من العبادة؛ كيف يكون مطلوباً ولم يفعله عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولو كان مشروعاً لبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه مشروع، إما بقوله، أو بفعله، وإما بإقراره، وكل هذا لم يكن.
فلو أن هؤلاء بقوا بمكة وطافوا حول البيت لكان ذلك خيراً لهم من أن يخرجوا ويأتوا بعمرة. ولا فرق بأن يأتوا بالعمرة لأنفسهم أو لغيرهم كآبائهم وأمهاتهم.
فإن أصل الاعتمار للأب والأم نقول فيه: إن الأفضل هو الدعاء لهما إن كانا ميتين، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) .
فأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى الدعاء عن الأب والأم، ولم يرشد إلى أن نعمل لهما عمرة أو حجاً أو طاعة أخرى.
وخلاصة القول: إن تكرار العمرة في رمضان أو غير رمضان ليس من عمل السلف، وإنما هو من أعمال الناس الذين
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (رقم 1631) .(22/246)
لم يطلعوا على ما تقتضيه السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
س 765: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كم الوقت الذي يجب أن يفصل بين العمرة والعمرة الأخرى؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرى بعض العلماء أن العمرة لا تتكرر في السنة وإنما تكون عمرة في كل سنة، ويرى آخرون أنه لا بأس من تكرارها، لكن قدروا ذلك بنبات الشعر لو حلق، وقد
روي ذلك عن الإمام أحمد- رحمه الله- أنه إذا حمم رأسه أي إذا نبت واسود فحينها يعتمر؛ لأن الواجب في العمرة الحلق أو التقصير ولا يكون ذلك بدون شعر، وقد ذكر شيخ الإسلام - رحمه الله- في إحدى فتاويه أنه يكره الإكثار من العمرة والموالاة بينها باتفاق السلف فإذا كان بين العمرة والعمرة شهرٌ أو نحوه فهذا لا بأس به ولا يخرج عن المشروعية إن شاء الله، وأما ما يفعله بعض الناس في رمضان من كونه يكرر العمرة كل يوم فبدعة ومنكر ليس لها أصل من عمل السلف، ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة وبقي فيها تسعة عشر يوما ولم يخرج يوماً من الأيام إلى الحل ليأتي بعمرة، وكذلك في عمرة القضاء أقام ثلاثة أيام في مكة ولم يأت بعمرة كل يوم، ولم يعرف عن السلف الصالح- رضي الله عنهم- أنهم كانوا يفعلون ذلك، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنكر من ذلك أن بعضهم إذا اعتمر العمرة الأولى حلق جزءاً من رأسه لها ثم تحلل، فإذا أعتمر الثانية حلق جزءاً آخر ثم تحلل، ثم يوزع(22/247)
رأسه على قدر العمر التي كان يأخذها، وقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة وقد حلق شطر رأسه بالنصف وباقي الشطر الآخر وعليه شعرٌ كثيف، فسألته لماذا؟ فقال: إني حلقت هذا الجانب لعمرة أمس، والباقي لعمرة اليوم، وهذا يدل لا شك على الجهل لأن حلق بعض الرأس وترك بعضه من القزع المنهي عنه، ثم ليس هو نسكاً أعني حلق بعض الرأس وترك بعضه ليس نسكاً يتعبد به لله بل هو مكروه، لكن الجهل قد طبق على كثير من الناس - نسأل الله العافية- وله سببان:
السبب الأول: قلة تنبيه أهل العلم للعامة في مثل هذه الأمور، وأهل العلم مسئولون عن هذا ومن المعلوم أن العامي لا يقبل قبولاً تاماً من غير علماء بلده فالواجب على علماء بلاد المسلمين أن يبينوا للعامة في أيام المناسبات في قدومهم لمكة ماذا يجب عليهم وماذا يشرع لهم وماذا ينهون عنه، حتى يعبدوا الله على بصيرة.
السبب الثاني: قلة الوعي في العامة وعدم اهتمامهم بالعلم، فلا يسألوا العلماء، ولا يتساءلون فيما بينهم، وإنما يأتي الواحد منهم يفعل كما يفعله العامة الجهال، وكأنه يقول: رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلت، وهذا خطأ عظيم فالواجب على الإنسان إذا أراد أن يحج أو يعتمر أن يتفقه في أحكام الحج
والعمرة على يد عالم يثق به حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وإنك لتعجب أيما عجب أن الإنسان إذا أراد أن يسافر إلى مكة مثلاً فإنه لن يسافر إليها حتى يبحث عن الطريق، أين الطريق(22/248)
الموصل إلى مكة؟ أين الطريق الأمثل من الطرق؟ حتى يسلكه، لكن إذا أراد أن يأتي إلى مكة لحج وعمرة لا يسأل كيف يحج وكيف يعتمر مع أن سؤاله كيف يحج وكيف يعتمر، أهم لأنه سؤال عن دين وعن عبادة، فالذين يريدون الحج نقول لهم: ابحثوا عن أحكام الحج قبل أن تحجوا، كونوا صحبة مع طالب علم يبين لكم ويرشدكم، واستصحبوا كتباً تبحث في الحج والعمرة من العلماء الذين تثقون بعلمهم وأمانتهم وديانتهم، أما أن تذهبوا إلى مكة والواحد منكم فارغ من أحكام الحج فهذا تهاون وتساهل، نسأل الله أن يرزقنا علما نافعاً وعملاً صالحاً.
س 766: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يشرع للحاج أن يعتمر أكثر من عمرة في أيام الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يشرع للحاج أن يعتمر إلا عمرة المتمتع إذا كان متمتعاً، أو عمرة القارن التي تندمج في الحج إذا كان قارناً، أما إذا كان مفرداً فلا يشرع له بعد انتهاء الحج أن يأتي بعمرة؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً في عهد الصحابة- رضي الله عنهم- وغاية ما هنالك أن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- حاضت قبل أن تصل إلى مكة وهي قادمة من المدينة فدخل عليها
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي تبكي ثم أخبرته بما حصل لها فأمرها أن تحرم بالحج فأحرمت بالحج وبقيت على إحرامها حتى انتهى الحج، فأصبحت بذلك قارنة، فقال لها النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن طوافك بالبيت وبالصفا(22/249)
والمروة يسعك لحجك وعمرتك " ولما انقضى الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة مستقلة كما أتى الناس المتمتعون بعمرة مستقلة فأذن لها وأخرجها مع أخاها عبد
الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأحرمت عائشة ولم يحرم عبد الرحمن لأن ذلك لم يكن معروفاً عنده، فأي امرأة حصل لها مثل ما حصل لعائشة فلا حرج أن تأتي بعمرة بعد الحج، وأما ما عدا هذه الصورة فإن ذلك ليس من السنة ولا ينبغي للإنسان أن يفعل شيئاً لم يفعله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم.
س 767: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن الوقت بين أداء العمرة والأخرى؟ وهل يجوز بعد أداء العمرة الأولى أن آتي بعمرة ثانية لأحد أقاربي؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا نرى أن هذا من السنة بل هو من البدعة أن الإنسان إذا أنهى العمرة التي أتى بها حين قدومه أن يذهب إلى التنعيم فيأتي بعمرة أخرى فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فقد مكث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما لم يخرج أحد منهم إلى التنعيم ليأتي بعمرة، وكذلك في عمرة القضاء أتى بالعمرة التي أتى بها حين قدم ولم يعد العمرة مرة ثانية من التنعيم، وعلى هذا فلا يسن للإنسان إذا أنهى عمرته التي قدم بها أن يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة لا لنفسه ولا لغيره(22/250)
وإذا كان يحب أن ينفع غيره فليدع له؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) ولم يقل: ولد صالح يأتي له بعمرة، أو يصوم، أو يصلي، أو يقرأ، فدل ذلك على أن الدعاء أفضل من الأعمال الصالحة التي يهديها الإنسان إلى الميت، فإن كان لابد أن يفعل ويهدي إلى قريبه شيئاً من الأعمال الصالحة فليطف بالبيت وطوافه بالبيت لهذا القريب أفضل من خروجه إلى التنعيم ليأتي له بعمرة؛ لأن الطواف بالبيت مشروع كل وقت، وأما الإتيان بالعمرة فإنما هو للقادم إلى مكة، وليس للذي في مكة يخرج ثم يأتي بالعمرة إلى التنعيم.
فإن قال قائل: ما الجواب عن قصة عائشة- رضي الله عنها- حيث أذن لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تذهب وتأتي بعمرة بعد انقضاء الحج؟
قلنا: الجواب عن ذلك أن عائشة- رضي الله عنها- حين قدا مكة كانت قد أحرمت للعمرة ولكنه أتاها الحيض في أثناء الطريق ولم تتمكن من إنهاء عمرتها، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت فلما أنهت الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة مستقلة كما أتي بها زوجاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج فأذن لها مع ذلك كان معها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- ولم يأت هو بعمرة مع أن الأمر متيسر، ولم يرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك فإذا وجد حال كحال عائشة
__________
(1) تقدم ص 246.(22/251)
رضي الله عنها قلنا لا حرج أن تخرج المرأة من مكة إلى التنعيم لتأتي بعمرة، وفيما عدا ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخرج من مكة ليأتي بعمرة من التنعيم لا هو ولا
أصحابه فيما نعلم.
س 768: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تكرار العمرة في رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: تكرار العمرة في سفر واحد ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام ولا من هدي أصحابه- رضي الله عنهم- فيما نعلم، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام فتح مكة في
رمضان في العشرين من رمضان أو قريباً من ذلك وبقي عليه الصلاة والسلام تسعة عشر يوما في مكة ولم يحفظ عنه أنه خرج إلى التنعيم ليأتي بالعمرة مع تيسر ذلك عليه وسهولته، وكذلك أيضاً في عمرة القضاء التي صالح عليها المشركين قبل فتح مكة دخل مكة وبقي فيها ثلاثة أيام ولم يأت بغير العمرة الأولى مع أننا نعلم علم اليقين أنه ليس أحد من الناس أشد حباً لطاعة الله من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونعلم علم اليقين أنه لو كان من شريعة الله أن يكرر الإنسان العمرة في سفرة واحدة في هذه المدة الوجيزة لو كان ذلك من شريعته لبينه لأمته إما بقوله، أو فعله، أو إقراره نعلم هذا، فلما لم يكن ذلك لا من قوله، ولا من فعله، ولا من إقراره علم أنه ليس من شريعته، وأنه ليس من السنة أن يكرر الإنسان العمرة في سفرة واحدة، بل تكفي العمرة(22/252)
الأولى التي قدم بها من بلاده، ويدل إلى هذا أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر مع عائشة- رضي الله عنها- إلى التنعيم أحرمت عائشة بالعمرة
ولم يحرم عبد الرحمن ولو كان معروفاً عندهم أن الإنسان يكرر العمرة لكان يحرم لئلا يحرم نفسه الأجر مع سهولة الأمر عليه ومع ذلك لم يحرم، والعجب أن الذين يفعلون ذلك أي يكررون العمرة
في سفر واحد يحتجون بحديث عائشة- رضي الله عنها- والحقيقة أن حديث عائشة حجة عليهم وليس لهم، لأن عائشة- رضي الله عنها- إنما فعلت ذلك حيث فاتتها العمرة فهي- رضي الله عنها- أحرمت من الحديبية أول ما قدم النبي عليه الصلاة والسلام مكة بعمرة، وفي أثناء الطريق حاضت بسرف فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي وأخبرته أنه أصابها ما يصيب النساء من الحيض، فأمرها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تدخل الحج على العمرة، فأحرمت بالحج ولم تطف ولم تسع حين قدومهم على مكة وإنما طافت وسعت بعد ذلك، فصار نساء الرسول عليه الصلاة والسلام أخذن عمرة مستقلة وحجاً مستقلاً، فلما فرغت من الحج طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بعمرة، وقالت: (يذهب الناس بعمرة وحج وأذهب بحج) فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تأتي بعمرة فذهبت وأحرمت بعمرة ومعها أخوها عبد الرحمن ولم يحرم معها ولو كان هذا من السنة المطلقة لعامة الناس لأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن أن يحرم مع أخته، أو لأحرم عبد الرحمن مع أخته حتى يكون في ذلك إقرار الرسول صلى الله(22/253)
عليه وعلى آله وسلم على هذه العمرة التي فعلها عبد الرحمن، وكل ذلك لم يكن، ونحن نقول: إذا حصل لامرأة مثل ما حصل لعائشة- رضي الله عنها- يعني أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج ولكن جاءها الحيض قبل أن تصل إلى مكة وأدخلت الحج على العمرة ولم يكن لها عمرة مستقلة ولم تطب نفسها أن ترجع إلى أهلها إلا بعمرة مستقلة فإن لها أن تفعل ذلك كما فعلت عائشة - رضي الله عنها- فتكون القضية قضية معينة وليست عامة لكل أحد، وحينئذ نقول لهذا السائل: لا تكرر العمرة في سفر واحد وائت بالعمرة الأولى التي قدمت بها إلى مكة وكفى، وخير الهدي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الحق في هذه المسألة.
وبهذه المناسبة أرى كثيراً من الناس يحرصون على العمرة في ليلة سبع وعشرين من رمضان ويقدمون من بلادهم لهذا، وهذا أيضاً من البدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحض
يوما من الأيام على فعل العمرة في ليلة سبع وعشرين في رمضان، ولا كان الصحابة- رضي الله عنهم- يترصدون ذلك فيما نعلم، وليلة القدر إنما تخص بالقيام الذي حث عليه النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم حيث قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له اتقدم من ذنبه " (1) والقيام في ليلة السابع والعشرين من رمضان أفضل من العمرة خلافاً لمن يخرج من مكة إلى العمرة في هذه
الليلة، أو يقدم فيها من بلده قاصداً هذه الليلة، أما لو كان ذلك
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً (رقم 1951) ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (رقم 760) .(22/254)
على وجه المصادفة بأن يكون الإنسان سافر من بلده في وقت صادف أن وصل إلى مكة ليلة سبع وعشرين فهذا لا نقول له شيئاً، لا نقول له: لا تؤدِ العمرة، وفرق بين أن نقول يستحب أن يأتي
بالعمرة ليلة سبع وعشرين، وبين أن نقول لا تأتي بالعمرة في ليلة سبع وعشرين، نحن لا نقول: لا تأت بالعمرة ليلة سبع وعشرين لكن لا تتقصد أن تكون ليلة سبع وعشرين لأنك إذا قصدت أن
تكون ليلة سبع وعشرين فقد شرعت في هذه الليلة ما لم يشرعه الله ورسوله، والمشروع في ليلة سبع وعشرين إنما هو القيام كما أسلفنا، لذلك أرجو من إخواني طلبة العلم أن ينبهوا العامة على
هذه المسألة حتى نكون داعين إلى الله على بصيرة، داعين إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، وحتى يتبصر العامة؛ لأن العامة يحمل بعضهم بعضاً ويقتدى بعضهم ببعض، فإذا وفق طلبة العلم في البلاد وكل إنسان في بلده إلى أن ينبهوا الناس على مثل هذه المسائل التي اتخذها العامة سنة وليس بسنة حصل بهذا خير كثير، والعلماء هم قادة الأمة وهم سرج الأمة كما كان نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم سراجاً منيراً فإنه يجب أن يرثوه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الوصف الجليل، وأن يكونوا سرجاً منيرة لمن حولهم، ونسأل الله تعالى أن يبصرنا جميعاً في ديننا.
س 769: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تكرار العمرة في رمضان؟ وهل هناك مدة معينة بين العمرتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: تكرار العمرة في شهر رمضان من(22/255)
البدع، لأن تكرارها في شهر واحد خلاف ما كان عليه السف، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ذكر في الفتاوى أنه يكره تكرار العمرة والإكثار منها باتفاق السلف. ولا سيما من
يكررها في رمضان هذا لو كان من الأمور المحبوبة لكان السلف أحرص منا على ذلك ولكرروا العمرة؛ وهذا النبي عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله عز وجل وأشد الناس حبّا للخير بقي في
مكة عام الفتح تسعة عشر يوما يقصر الصلاة، ولم يأت بعمرة، وهذه عائشة- رضي الله عنها- حين ألحت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل لتأتي بعمرة ولم يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن أن يأتي بعمرة ولو كان هذا مشروعاً لأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان هذا معلوم المشروعية
عند الصحابة لفعله عبد الرحمن بن أبي بكر لأنه خرج إلى الحل.
أما المدة المعينة لما بين العمرتين فقد قال الإمام أحمد - رحمه الله- (ينتظر حتى يحمم رأسه) بمعنى يسود كالحممة، والحممة هي العيدان المحترقة.
س 770: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الخروج من الحرم إلى الحل للإتيان بعمرة في رمضان وغيره؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-، أنه يكره تكرار العمرة، والإكثار منها باتفاق السلف.
وسواء سلم هذا القول أو لم يسلم، فإن خروج المعتمر الذي أتى بالعمرة من بلده، خروجه من الحرم إلى الحل ليأتي بعمرة ثانية(22/256)
وثالثة في رمضان أو غيره، هو من الأمور المبتدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد من هذا النوع سوى قضية واحدة في مسألة خاصة وهي قضية أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- حينما أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج، فحاضت فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي وسألها عن سبب البكاء، فأخبرته، فطمأنها بأن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، ثم أمرها أن تحرم بالحج فأحرمت به وصارت قارنة، ولكنها لما فرغت منه ألحت- رضي
الله عنها- على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بعمرة منفردة عن الحج، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أن يخرج بها إلى التنعيم فخرج بها واعتمرت، ولو كان هذا من الأمور المشروعة على سبيل الإطلاق لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرشد إليه أصحابه بل لكان يحث عبد الرحمن بن أبي بكر الذي خرج مع أخته أن يأتي بعمرة، لأن فيها أجراً، ومن المعلوم للجميع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوما ولم يأت بعمرة مع تيسر ذلك عليه الصلاة والسلام، فدل هذا على أن المعتمر إذا أتى بعمرة في رمضان أو في غيره فإنه لا يكررها بالخروج من الحرم إلى الحل، لأن هذا ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا من هدي خلفائه الراشدين ولا من هدي
أصحابه أجمعين.. أيضاً كثير من الناس يقول: أنا أتيت للعمرة في هذا الشهر وأحب أن أعتمر لأمي، أو لوالدي، أو ما أشبه ذلك.
فنقول: أصل إهداء القرب إلى الأموات ليس من الأمور المشروعة، يعني لا يطلب من المرء أن يعمل طاعة لأمه، أو(22/257)
لأبيه، أو لأخته، ولكن لو فعل ذلك فإنه جائز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لسعد بن عبادة- رضي الله عنه- أن يتصدق في نخله لأمه (1) .
واستأذنه رجل فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت. أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم " (2) ، ومع ذلك لم يقل لأصحابه على سبيل العموم: تصدقوا عن موتاكم، أو عن آبائكم، أو أمهاتكم، ويجب أن يعرف طالب العلم وغيره الفرق بين الأمر المشروع وبين الأمر الجائز، فالأمر المشروع هو الذي يطلب من كل مسلم أن يفعله، والأمر الجائز هو الذي تبيحه
الشريعة، ولكنها لا تطلبه من كل إنسان، وأضرب مثلاً يتبين به الأمر: في قصة الرجل الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية، فكان يقرأ لأصحابه، ويختم بقل هو الله أحد، كلما صلى بهم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه، فقال سلوه لأي شيء كان يصنع ذلك، فقال الرجل: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "اخبروه أن الله يحبه " ومع ذلك فلم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يختم قراءة الصلاة بقل هو الله أحد ولا أرشد أمته لذلك.
ففرق بين الأمر المأذون فيه، وبين الأمر المشروع الذي يطلب من كل إنسان أن يفعله، فإذا أذن النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن عبادة- رضي الله عنه- أن يتصدق ببستانه عن أمه، وأذن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة لله (رقم 2756) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البعتة (رقم 1388) ، ومسلم كتاب
الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت (رقم 1004) .(22/258)
لهذا السائل الذي افتلتت نفس أمه أن يتصدق عنها، فليس معنى ذلك أنه يشرع لكل إنسان أن يتصدق عن أبيه وأمه، ولكن لو تصدق لنفعه، إنما الذي نحن مأمورون به أن ندعو لآبائنا وأمهاتنا
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) .
س 771: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل ورد حديث صحيح في فضل صيام رمضان في مكة؟ وهل وردت أحاديث صحيحة في فضل الإكثار من الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول فليس فيه حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصيام في مكة، ولكن ورد فيه حديث ضعيف في تفضيل الصيام في مكة كالصلاة. أما كثرة الطواف فيؤخذ من كون الطواف من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة كلَّما أكثر الإنسان منها فهي خير، قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (2) . ولكن إذا كان في وقت المواسم: موسم الحج، أو موسم العمرة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الطواف، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه حين حج لم يطف إلا طواف النسك، طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وذلك من أجل إفساح المجال للطائفين.
__________
(1) تقدم ص 246.
(2) سورة البقرة، الآية: 197.(22/259)
س 772: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل إنفاق نفقة عمرة التطوع في الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج الضعفاء أفضل من الاعتمار أو الاعتمار أفضل؟ وهل يشمل ذلك عمرة رمضان؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يمكن الجمع بينهما فيما يظهر إذا اقتصد في نفقات العمرة ولا سيما العمرة في رمضان، فإن لم يمكن الجمع فما كان نفعه متعدياً فهو أفضل، وعلى هذا يكون الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج المحتاجين أولى.
س 773: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من اعتمر في رمضان وأقام في مكة بعض أيام رمضان فهل الأفضل في حقه تكرار العمرة أم البقاء وتكرار الطواف، وكذلك في أيام الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل ألا يكرر العمرة، بل إن تكرارها ليس معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد أصحابه، والعمرة إنما تكون عن سفر، ولا يكرر الطواف أيضاً لئلا يضيّق على الناس الذين يريدون أن يطوفوا بالبيت طواف نسك، بل يشتغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر وغير ذلك مما يقرُّب إلى الله عز وجل.
س 774: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة أفتونا مأجورين؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عمرة في رمضان(22/260)
تعدل حجة" (1) وهذا يشمل أول رمضان وآخر رمضان، أما تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة فهذا من البدع لأن من شرط المتابعة أن تكون العبادة موافقة للشريعة في أمور ستة:- 1- السبب. 2- الجنس. 3- القدر. 4- الكيفية. 5- الزمان. 6- المكان.
وهؤلاء الذين يجعلون ليلة سبع وعشرين وقتاً للعمرة خالفوا المتابعة بالسبب؛ لأن هؤلاء يجعلون ليلة سبع وعشرين سبباً لمشروعية العمرة، وهذا خطأ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحث أمته على
الاعتمار في هذه الليلة والصحابة- رضي الله عنهم- وهم أحرص على الخير منا لم يحثوا على الاعتمار في هذه الليلة، ولم يحرصوا على أن تكون عمرتهم في هذه الليلة، والمشروع في ليلة القدر هو القيام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (2) .
فإن قال قائل: إذا كان الرجل قادماً من بلده في هذه الليلة وهو لم يقصد تخصيص هذه الليلة بالعمرة وإنما صادف أنه قدم من البلد في هذه الليلة واعتمر هل يدخل فيما قلنا أم لا؟
فالجواب: أنه لا يدخل؛ لأن هذا الرجل لم يقصد تخصيص هذه الليلة بعمرة.
__________
(1) تقدم ص 241.
(2) تقدم ص 254.(22/261)
س 775: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أريد أن أذهب إلى مكة لأداء عمرة لي هل يجوز لي بعد أن أتحلل من العمرة أن أحرم بعمرة أخرى لوالدي المتوفى أهبها له؟ ثم هل يجوز أن أتحلل من عمرة والدي وأحرم بعمرة أخرى لوالدتي؟ أفتونا مأجورين يعنى ثلاث عمرات في وقت واحد عمرة لي، وعمرة لوالدي، وعمرة لوالدتي؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البدع أن يأتي الإنسان بأكثر من عمرة في سفر واحد؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم- أنهم كانوا يترددون إلى التنعيم ليحرموا مرة ثانية وثالثة ورابعة، وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخل مكة في عمرة القضاء مكث ثلاثة أيام ولم يعد العمرة مرة أخرى، وفي فتح مكة بقي تسعة عشر يوما ولم يأت بعمرة، وأما حديث عائشة- رضي الله عنها- فقضية خاصة، لأن عائشة- رضي الله عنها- أحرمت مع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أحرمت بعمرة وفي أثناء الطريق حاضت فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقال لها: "ما يبكيك؟ " فأخبرته أنها حاضت فقال لها: "إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم " قال ذلك يسليها، وأن هذا ليس خاصاً بها فكل النساء تحيض، ثم أمرها أن تحرم بالحج ففعلت ولم تأت بأفعال العمرة لأنها لم تطهر إلا في يوم عرفة وانتهى الحج فقالت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحج وأرجع بحج قال لها: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك " فصار طوافها وسعيها(22/262)
أدى عن نسكين ولكن رآها مصرة على أن تأتي بعمرة فأذن لها - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بعمرة وأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم وتأتي بعمرة، ولم يأمر أخاها أن يعتمر، ولا اعتمر أخوها أيضاً؛ لأن ذلك ليس بمشروع فدخل أخوها محلا، ودخلت هي محرمة بعمرة فطافت وسعت وقصرت ومشت إلى المدينة، فهذا قضية معينة في أوصاف معينة فكيف يفتح الباب؟! ويقال: من شاء تردد إلى التنعيم وأتى بعمرة فنقول: لا عمرتان في سفر واحد.
س 776: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تكرار العمرة عدة مرات إذا حج الإنسان إلى مكة المكرمة؟
فأجاب فضيلته بقوله: تكرار العمرة عدة مرات إذا حج الإنسان إلى مكة من الأمور غير المشروعة، قال شيخ الإسلام - رحمه الله- إن ذلك غير مشروع باتفاق المسلمين، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يكرر العمرة أثناء وجوده في مكة أيام الحج، بل إن السنة ألا يكرر حتى الطواف بالبيت، وإنما يطوف طواف النسك فقط، وهو طواف أول ما يقدم، وطواف الإفاضة، وطواف
الوداع كما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ريب أن خير ما يتمسك به
المرء في عبادته ووصوله إلى رضوان الله سبحانه وتعالى ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.(22/263)
س 777: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل العمرة يوم الوقفة في عرفات مكروهة؟
فأجاب فضيلته بقول: إذا كان الإنسان لم يحج وأتى بعمرة يوم عرفة أو يوم العيد فإن هذا لا بأس به، فإن العمرة جائزة في كل وقت ليس لها وقت محدد كالحج، ففى أي وقت جاء بها الإنسان
فيها عمرة صحيحة ونسأل الله لنا وله القبول.
س 778: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل اعتكاف الإنسان في بلده أما العمرة في رمضان؟
فأجاب فضيلته بقول: يمكن للإنسان أن يأتي بهما جميعاً بمعنى أنه يذهب إلى مكة يوم وليلة قبل دخول العشر الأواخر؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في العشر الأواخر فقط، ويرجع ويعتكف في بلده.
س 779: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تكرار العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" استحباب الإكثار من العمرة لأن كفارة الذنوب مطلوبة كل وقت، لكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أن الموالاة بينها عن قرب مثل أن يعتمر كل يوم، أو كل يومين، أو في الشهر خمس عمر، أو ست عمر، أو يعتمر من يرى العمرة من(22/264)
مكة كل يوم عمرة أو عمرتين، ذكر أن هذا مكروه باتفاق سلف الأمة ولم يفعله أحد منهم، وذكر عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. وقال عكرمة: يعتمر إذا
أمكن الموسى من رأسه. وهو قريب من فعل أنس، لأن تحميم الرأس اسوداده. وقال الإمام أحمد- رحمه الله- إذا اعتمر فلابد من أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس.
وذكر شيخ الإسلام- رحمه الله- أن المراد بالعمرة التي ورد الحديث بها هي عمرة القادم إلى مكة لا الخارج منها إلى الحل، ونقل عن أبي طالب أنه قيل لأحمد: ما تقول في عمرة المحرم، والمراد بها العمرة التي يخرج فيها المقيم بمكة إلى الحل- قال أحمد: أي شيء فيها العمرة عندي التي تعمد لها من منزلك، قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وذكر حديث علي وعمر: إنما إتمامهما أن تحرم بها من دويرة أهلك.
قلت: وذكر ابن كثير قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس، ثم ذكر شيخ الإسلام حديث العمرة في رمضان وألفاظه، وقال: إنها تبين أنه - صلى الله عليه وسلم - اراد بذلك العمرة التي كان
المخاطبون يعرفونها، وهي قدوم الرجل إلى مكة معتمراً، فأما أن يخرج المكي فيعتمر من الحل فهذا أمر لم يكونوا يعرفون، ولا يفعلون، ولا يأمرون به، قال: ونظير هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - "تابعوا بين الحج والعمرة" الحديث رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح، فإنه لم يرد به العمرة من مكة، ولو أراده لكان الصحابة يقبلون أمره ولا يظن بهم أنهم تركوا سنته وما رغبهم فيه وقال(22/265)
صاحب المغني: فأما الإكثار من الاعتمار بالموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه. قال: وقال بعض أصحابنا: يستحب الإكثار من الاعتمار.
وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينها، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم.
س 780: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سمعنا بأن للمرأة حجة واحدة وعمرة واحدة فهل هذا صحيح وإذا رغبت في تكرار العمرة فهل لها ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم المرأة كالرجل في الحج والعمرة، ولهذا سألت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل على النساء جهاد قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" (1) لكن لا ينبغي للمرأة أن ترهق زوجها، أو وليها بتكرار العمرة أو الحج؛ لأن هناك أبواباً كثيرة للخير قد تكون أكثر من العمرة أو الحج فإطعام الجائع، وكسوة العاري،
وإزالة المؤذي عن المسلمين قد تكون أفضل من الحج والعمرة وأعني بذلك الحج والعمرة إذا كان تطوعاً، أما الفريضة فلا بد منها.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/71، 165) ، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء (رقم 2901) ، وابن خزيمة (رقم 3074) ، والبيهقي في سننه الكبرى (4/350) وصححه الألباني.(22/266)
س 781: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة لأخذ عمرة أخرى؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الإمام أحمد- رحمه الله- حداً مقارباً قال: إذا حمم رأسه. يعنى إذا أسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس الآن في رمضان أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدث، وأنه بدعي وليسوا أحرص من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من الصحابة- رضي الله عنهم- ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشر يوما في غزوة الفتح ولم يحدث نفسه ويخرج ويعتمر وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام ولم يعتمر وكذلك الصحابة- رضي الله عنهم- لو يكونوا يكررون العمرة.
س 782: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم أنه لا يعتمر الإنسان في سفره أكثر من عمرة فهل يجوز لمن اعتمر ثم خرج لبلده لحاجة أن يعود بعمرة أخرى: كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رجوعه من الطائف وهو لم ينشىء سفراً من بلده؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا اعتمر الإنسان ثم خرج من مكة لحاجة ثم عاد إلى مكة فلا بأس أن يأتي بعمرة، لكن كلامنا في هؤلاء القوم الذين يأتون بعمرة في مكة ويبقون في مكة ثم يخرج(22/267)
إلى التنعيم ويأتي بعمرة هذا لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفعله الصحابة- رضي الله عنهم- غاية ما هنالك ما حصل لعائشة - رضي الله عنها-. في حجة الوداع وقد سبق ذكر ذلك. والله الموفق.
س 783: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يأتي من مكان بعيد للعمرة ثم يعتمر ويحل ثم يحرمون يذهب إلى التنعيم ثم يؤدي العمرة يعني في سفرة عدة عمرات فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البدع في دين الله؛ لأنه ليس أحرص من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من الصحابة- رضي الله عنهم- والرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة فاتحاً في آخر رمضان وبقي تسعة عشر يوما في مكة ولم يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة وكذلك الصحابة
- رضي الله عنهم- فتكرار العمرة في سفر واحد من البدع، ويقال للإنسان: إذا كنت تحب أن تثاب فطف بالبيت خير لك من أن تخرج إلى التنعيم، ثم نقول: أيضاً طف بالبيت إذا لم يكن موسم
حج، فإن كان موسم حج فيكفيك طواف النسك ودع المطاف للمحتاجين إليه، ولهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عمره كلها لا يكرر الطواف، ولا يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة، ونجده في حجة الوداع لم يطف إلا طواف النسك فقط: طواف القدوم: وطواف الإفاضة وطواف الوداع، ومن المعلوم أننا لسنا أشد حرصاً على طاعة الله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فنقول: لهذا خفف على نفسك تكفيك العمرة الأولى، وإذا أردت أن تخرج من مكة فطف طواف الوداع والحمد لله.(22/268)
س 784: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم أن الصحابة- رضي الله عنهم- لم يعتمروا في رمضان إلا مرة واحدة فما الطريقة الصحيحة لمن أراد أن يأخذ عمرة لأحد والديه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطريق الصحيح أن يأتي من بلده لوالد أو لأمه من الأصل، لكن مع ذلك الأفضل أن يعتمر الإنسان لنفسه وأن يدعو لوالده في الطواف وفي السعي وفي الصلاة كل ما
دعا لنفسه؛ لأن هذا هو الذي اختاره النبي - صلى الله عليه وسلم - ووالله إن اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير لنا من اختيارنا.
حدث النبي علي الصلاة والسلام "أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " بالله ربك هل قال: أو ولد صالح يصوم عنه؟ أو يتصدق
عنه؟ أو يحج عنه؟ عدل عن العمل كله وقال: "أو ولد صالح يدعو له " ولهذا لو سألنا أيهما أفضل عنه أتصدق لأبي أتصدق بألف ريال أو أدعو دعوة تستجاب إن شاء الله؟ فالثاني أفضل، وأنت بنفسك محتاج للعمل، والله ليأتين عليك يوم تتمنى أن في صحيفتك تسبيحة، أو تحميدة، أو تكبيرة، أو تهليلة، فاجعل العمل لك وأسترشد بإرشاد الرسول عليه الصلاة والسلام واجعل الدعاء لأمك ولأبيك ونحن لا نتكلم بهذا عن فراغ إنما عن أدلة، وإذا كان كذلك فالواجب علي طلبة العلم أن يبينوا للناس، والعامة إذا أرشدوا استرشدوا، ولكن الغفلة وتتابع الناس على هذه الأمور جعلت كأن هذا هو أفضل شيء.(22/269)
س 785: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا هم الإنسان بالسيئة وخاصة في مكة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا هم ولم يعملها فإن تركها لله أثيب على ذلك، وإن تركها لأن نفسه طابت منها فإنه لا يثاب على الترك تكتب عليه. وفي مكة (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .
س 786: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقوم بالذهاب إلى مكة بغرض العمرة في كل سنة وتقوم بأخذ أولادها وأعمارهم من الرابعة عشرة والثالثة عشرة فما رأيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا يرجع إلى حال الأم وحال الأولاد إن كان الأولاد يخشى عليهم من السفه هناك والتجول في الأسواق يميناً وشمالاً فالأفضل أن تبقى في بلدها، وإن كان الأولاد لا يخشى عليهم، وهي ترى أن هناك أخشع لها وأحضر لقلبها فتفعل، فالأمر واسع، نعم لو كان في البيت زوج لها ولم يسافر معها ويرغب أن تبقي معه حرم عليها أن تذهب إلى العمرة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه " فإذا كان هذا في الصوم وهي عند زوجها لا تصوم إلا بإذنه، فكيف أن تسافر؟ وعلى هذا يجب على المرأة إذا كان زوجها لم يسافر أن تبقى معه إلا إذا أذن لها، فإذا أذن لها مرغما فإذنه غير معتبر ويجب أن تبقى، فإذا علمت أنه لم يقل هذا إلا عن إكراه أوخوف فلا تسافر.(22/270)
س 787: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نرى كثيراً من الناس يقضون أيام شهر رمضان المبارك في مكة طلباً للثواب، مضاعفة الأجر مستصحبين عوائلهم معهم ولا شك أن هذا من
حرصهم على طاعة ربهم عز وجل ولكن يلاحظ على بعضهم إهماله أو غفلته عن أبنائه أو بناته هناك مما يتسبب في أمور لا تحمد مما تعلمونها فهل من توجيه إلى هؤلاء ليكمل أجرهم ويسلم عملهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: والشكايات في هذا كثيرة والناس في هذا أقسام:
القسم الأول: فبعض الناس يصطحب عائلته للعمرة، لكنه يعتمر ويبقى في مكة يوم أو يومين ثم يرجع إلى بلده وينشط أهل مسجده، وربما يكون خشوعه في بلده أكثر من خشوعه في المسجد الحرام لكثرة الناس، وكثرة الضوضاء والأصوات، وما أشبه ذلك فهذا لا شك أنه على خير وحصل الأجر كاملاً، لأنه أدى عمرة في رمضان وقد قال عليه الصلاة والسلام: "عمرة في رمضان تعدل حجة" وفي رواية: "حجة معي ".
القسم الثاني: رجل ذهب بأهله وأدى العمرة وأبقاهم هناك ورجع إلى بلده وهذا غلط عظيم وإهمال وليس له من الأجر- والله أعلم- أكثر من الوزر، إذا فعل أهله ما يوزرون به لأنه هو السبب.
القسم الثالث: رجل ذهب بأهله وبقي طيلة شهر رمضان، ولكن كما قال السائل: لا يبالي بأولاده ولا ببناته ولا بزوجاته، يتسكعون في الأسواق وتحصل منهم الفتنة ولا يهتم بشيء من(22/271)
ذلك وتجده عاكفاً في المسجد الحرام، سبحان الله تفعل شيئاً مستحباً وتدع شيئاً واجباً فهذا آثم بلا شك وإثمه أكثر من أجره؛ لأنه ضيع واجباً والواجب إذا ضيعه الإنسان يأثم به، والمستحب
إذا تركه لم يأثم به.
فنصيحتي إلى هؤلاء أن يتقوا الله فإما أن يرجعوا بأهلهم جميعاً وإما أن يحافظوا عليهم محافظة تامة، والله المستعان.
س 788: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأي فضيلتكم في العمرة في شهر ذي القعدة؟ وهل نقول بأنها سنة مؤكدة لورودها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في ذي القعدة. ثلاث عمر منفردة: في عمرة الحديبية التي صُدَّ عنها، وفي عمرة القضاء في السنة التي تليها. وفي عمرة الجعرانة في السنة التي تليها أيضاً، وفي عمرة حجه حيث كان قارناً في السنة العاشرة.
والعمرة في أشهر الحج في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت مؤكدة لأنه كان عند العرب عقيدة فاسدة في الجاهلية أنه لا اعتمار في أشهر الحج. وأن أشهر الحج للحج، حتى إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أصحابه- رضي الله عنهم- الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة، استغربوا ذلك وقالوا: يا رسول الله، كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ وقد استحب بعض العلماء أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إن بعض العلماء تردد هل العمرة في أشهر الحج أفضل أم العمرة في رمضان.(22/272)
س 789: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تخصيص شهر رجب بالعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، هذه أربعة أشهر حرم ورجب منها بلا شك، والله حرم القتال فيها، أما الثلاثة: ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم، فلأنها أشهر الحج: القعدة للقادمين إلى مكة، والحجة للذين في مكة، ومحرم
للراجعين من مكة، فجعل الله هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال حتى يأمن الناس الذين يأتون إلى الحج، وشهر رجب كان في الجاهلية يعظمونه ويعتمرون فيه فجعله الله محرم.
واختلف السلف- رحمهم الله- هل العمرة فيه سنة أو لا؟ فقال بعضهم: سنة وقال الآخرون: ليست سنة لأنها لو كانت سنة لبينها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إما بقوله، وإما
بفعله.
والعمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب؟ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في أشهر الحج، ولما ذكر ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في رجب، وهمته عائشة وقالت: (لقد وهم أبو عبد الرحمن) قالت له: وهو يسمع. فسكت. فعلى كل حال لا أرى دليلاً واضحاً على استحباب العمرة في رجب.
كذلك أيضاً يوجد في رجب أن بعض الناس يخصه بالصوم يقول: إنه يسن الصيام فيه. وهذا غلط فإفراده بالصوم مكروه، أما(22/273)
صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس فيه، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك لا نراه، نرى أن لا يصوم الثلاثة أشهر يعني رجب وشعبان ورمضان.
وأما ما يسمى بصلاة الرغائب وهي ألف ركعة في ليلة أول رجب، أو في أول ليلة جمعة منه فأيضاً لا صحة له وليست مشروعة.
وأما العتيرة التي تذبح في رجب فهي أيضاً منسوخة كانت في الأول مشروعة ثم نسخت فليست مشروعة.
وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب وفي ليلة السابع والعشرين منه، فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأحسن وأظهر الأقوال أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ثم إن إقامة في ليلة سبع وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها، والبدع أمرها عظيم جداً، أمرها شديد؛ لأن البدع الدينية التي يتقرب بها الناس إلى الله فيها مفاسد عظيمة منها:
أولاً: أن الله لم يأذن بها وقد أنكر الله على الذين شرعوا بلا إذن فقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) .
ثانياً: أنها خارجة عن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور".
ثالثاً: أنها تقتضي إما جهل النبي صلى الله عليه وعلى آله(22/274)
وسلم وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم عملهم بها، وكلا الأمرين خاطىء.
رابعاً: أنها تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) لأنك إذا أتيت بشيء جديد يعني أن الدين في الأول ناقص ما كمل، وهذا خطير جداً أن نقول هذه البدعة
تقتضي أن الدين لم يكمل.
خامساً: ومنها أن هؤلاء المبتدعون جعلوا أنفسهم بمنزلة الرسل الذين يشرعون للناس وهذه أيضاً مسألة خطيرة، ولو تأملت لوجدت أكثر من هذه الخمسة في مضار البدع، ولو لم يكن منها إلا أن القلوب تتعلق بهذه البدعة أكثر مما تتعلق بالسنة كما هو مشاهد تجد هؤلاء الذين يعتنون بالبدع ويحرصون عليها لو فكرت في حال كثير منهم لوجدت عنده فتوراً في الأمور المشروعة المتيقنة، ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق اللحية مسبل الثياب شارب للدخان، مقصر في صلاة الجماعة، ويقول بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها، أو أشد، حتى أن بعض العلماء قال: المبتدع لا توبة له؛ لأنه سن سنة يمشي الناس عليها إلى يوم القيامة، أو إلى ما شاء الله،
بخلاف المعاصي الخاصة، فهي خاصة بفاعلها، وإذا تاب ارتفعت، لكن البدعة لو تاب الإنسان منها فالذين يتبعونها فيها لم يتوبوا، فلذلك قال بعض العلماء إنه لا توبة لمبتدع، لكن الصحيح أن له توبة، وإذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم يسر الله أن تمحى هذه البدعة ممن اتبعوه فيها.(22/275)
س 790: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: العمرة في رجب هل لها أصل في السنة وقول بعض الناس العمرة الرجبية وهل لها مثل فضيلة العمرة في رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن شهر رجما أحد الأشهر الحرم الأربعة، والأشهر الحرم الأربعة هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، هذه الأشهر كان تحريمها معروفاً حتى في الجاهلية، فكانوا في الجاهلية يحرمون فيها القتال حتى إن الرجل ليجد قاتل أبيه في هذه الأشهر ولا يتعرض له، وجاءت الشريعة الإسلامية بتأييد هذا، فحرم الله القتال في هذه الأشهر الأربعة، وإنما كانت قريش تحرم هذه الأشهر الأربعة، لأن الشهور الثلاثة للحج ذو القعدة، شهر قبل الحج، ومحرم شهر بعد الحج وذو
الحجة شهر الحج فكانوا يحرمون القتال فيها ليأمن الناس الذاهبين إلى الحج والراجعين منه، وفي رجب كانوا يعتمرون، ولذلك حرموه، لكن لم تأت السنة باستحباب الاعتمار في رجب، بل قال عمر- رضي الله عنه- أن ذلك شهر كان يعتمر فيه أهل الجاهلية فأبطله الإسلام، يعني أبطل استحباب العمرة فيه، ومن السلف من كان يعتمر فيه، حتى قال عبد الله بن عمر- رضي الله
عنهما-: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في شهر رجب، ولكن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنك وهمت، وقالت: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتمر إلا في أشهر الحج، وهي أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعمرة حجه فسكت عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-، وعلى هذا فنقول: إن ابن(22/276)
عمر- رضي الله عنهما- وهم في كون الرسول عليه الصلاة والسلام اعتمر في رجب، لكن روي عن بعض السلف أنهم يعتمرون فيه فمن اعتمر دون أن يعتقد أن ذلك سنة فلا بأس، وأما أن نقول إنها من السنن التابعة للشهر فلا ولم ترد العمرة في شهر من الشهور إلا في أشهر الحج وفي شهر رمضان.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: هناك من يخص رجب بالصيام فيصوم رجب كله، وهذا بدعة وليس بسنة، حتى إن أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- دخل على أهله فوجدهم قد جمعوا كيزاناً للماء مستعدين للصيام في رجب فكسر الكيزان وقال: أتريدون أن تشبهوا رجب برمضان. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- يضرب الناس إذا رآهم صائمين حتى يضع أيديهم في الطعام في رجب، فليس للصوم في رجب فضيلة بل هو كسائر الشهور، من كان يعتاد أن يصوم الاثنين والخميس استمر، ومن كان يعتاد أن يصوم الأيام البيض استمر، وليس له صيام مخصوص.
كذلك يوجد في بعض البلاد الإسلامية صلاة في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء يسمونها صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة وهذه أيضاً لا صحة لها، وحديثها موضوع مكذوب
على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال شيخ الإسلام:- رحمه الله- إنه موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة، إذن لا صلاة مخصوصة في رجب لا في أول جمعة منه، ولا في ليلة النصف منه. ورجب في الصلوات كغيره من الشهور.(22/277)
كذلك زيارة المسجد النبوي يعتقد بعض الناس أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية ويفدون إليه من كل جانب ويسمون هذه الزيارة (الزيارة الرجبية) وهذه أيضاً بدعة لا أصل لها، ولم يتكلم فيها السابقون حتى من بعد القرون الثلاثة لم يتكلموا فيها؛ لأن الظاهر إنها حدثت متأخرة جداً فهي بدعة لكن من زار المدينة في رجب لا لأنه شهر رجب فلا حرج عليه، لكن أن يعتقد أن للزيارة في رجب مزية فقد أخفق وضل، وهو من أهل البدع.
كذلك يعتقد كثير من الناس أن المعراج الذي حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات كان في رجب في ليلة سبع وعشرين منه، وهذا غلط، ويحتفلون بتلك الليلة، والاحتفال بها بدعة؛ لأنهم يحتفلون بها يعتقدون ذلك ديناً وقربى إلى الله عز وجل، فهو من البدع ولا يجوز الاحتفال بها لعدم صحتها من الناحية التاريخية، ولعدم مشروعيتها من الناحية التعبدية، ومن المؤسف جداً أن بعض المسلمين يحتفلون بهذه الليلة ويعطلون العمل في صباحها وربما يحضر بعض رؤساء الدول، وهذا من الغلط الذي عاش فيه المسلمون مدة طويلة، والواجب على طلبة العلم بعد أن استبانت السنة- والحمد لله- أن يبينوا للناس، والناس قريبون، إن كثيراً من هؤلاء لا يحتفلون هذا الاحتفال إلا محبة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان هذا هو الحامل لهم على الاحتفال فإنه بمجرد ما يبين لهم الحق وهم قاصدون للحق سيرجعون إلى الحق.(22/278)
س 791: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل لشهر رجب مزية عن غيره من الشهور؟ وهل العمرة في شهر رجب أفضل أم في شهر شعبان؟ أيهما أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب فضيلته بقوله: شهر رجب كغيره من الأشهر الحرم، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم هذه ثلاثة متوالية ورجب منفرد، والأشهر الحرم المعاصي فيها أعظم من غيرها، لقول الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) .
وشهر رجب صار بعض السلف يعتمرون فيه لأنه نصف الحول إذا أسقطنا الثلاثة الحرم الأول: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، وبدأنا بصفر صار رجب هو الشهر السادس نصف السنة، وإن بدأنا من محرم صار شهر رجب هو السابع فبعض السلف فكانوا يعتمرون في هذا الشهر لئلا يتأخروا عن زيارة البيت الحرام، حتى يبقى البيت الحرام معموراً في آخر السنة، وفي وسط السنة، أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يعتمر فيه، فكل عمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت في أشهر الحج، ولم يعتمر لا في رمضان ولا في رجب، لكن رمضان ورد فيه أن عمرة في رمضان تعدل حجة، أما رجب فلم يعتمر فيه، ورجب يظن بعض الناس أنه تسن فيه زيارة المسجد النبوي ويسمونها الرجبية، وهذا لا أصل له، ولا يعرفه السلف ولا قدماء الأمة فهو بدعة محدثة،(22/279)
ليست من دين الله عز وجل، وزيارة المسجد النبوي مشروعة في كل وقت.
كذلك رجب يظن بعض الناس أن الإسراء والمعراج كان في رجب في ليلة سبع وعشرين وهذا غلط ولم يصح فيه أثر عن السلف أبداً، حتى إن ابن حزم- رحمه الله- حكى الإجماع على أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ولكن الخلاف موجود حقيقة، فلا إجماع، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشرة أقوال، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: كل الأحاديث في ذلك ضعيفة منقطعة مختلفة، لا يعول عليها، إذن ليس المعراج في رجب وأقرب ما يكون أنه في ربيع، هذه. ثانياً: لو فرضنا أنه في رجب وفي ليلة سبع وعشرين هل لنا أن نحدث في هذه الليلة احتفالاً وفي صبيحتها تعطيلاً للأعمال؟ أبداً، فهذه بدعة دينية قبيحة وبدعة منكرة، حتى إن بعض الناس يظنون أن ليلة المعراج أفضل للأمة من ليلة القدر،- والعياذ بالله-، وهذا غلط محض، فلذلك يجب علينا نحن أواخر هذه الأمة أن ننظر إلى ما فعله سلف الأمة قبل ظهور البدع وأن نبين للناس، ومن بان له الحق ولم يتبعه فهو على خطر لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)) .(22/280)
باب دخول مكة
*دخول مكة.
*دخول المسجد الحرام وآداب الدخول.
*صفة الطواف وواجباته وسننه.
*تقبيل الحجر الأسود واستلامه.
*استلام الركن اليماني.
*التكبير في آخر شوط.
*ذكر الطواف.
*استعمال الهاتف الجوال في الطواف أو السعي.
*من ترك شيئاً من الطواف.
*الطهارة للطواف.
*الصلاة بعد الطواف.
*مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
*حكم الموالاة بين الطواف والسعي.
*الخروج للصفا.
*صفة السعي.
*التحلل من العمرة بالحلق أو التقصير.(22/281)
س 792: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أخطاء يقع فيها الحجاج في مسيرهم من الميقات إلى المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، هناك أخطاء بعد الإحرام من الميقات إلى الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك في التلبية، فإن المشروع في التلبية أن يرفع الإنسان صوته بها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتاني جبريل وأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال " (1) يعنى التلبية وترى أفواج الحجيج بأعداد ضخمة لا تسمع أحداً يلبي، فلا يكون للحج مظهر في ذكر الله عز وجل، بل إنه تمر بك الأفواج وكأنهم ما ينطقون والمشهور للرجال أن يرفعوا أصواتهم بما يستطيعون من غير مشقة في التلبية؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يفعلونها هكذا في عهد النبي
- صلى الله عليه وسلم -، امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، كما أشرنا إليه آنفاً.
وخطأ آخر في التلبية أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي، فيتقدم أحد منهم، أو يكون في الوسط، أو في الخلف ويلبي، ثم يرفعون أصواتهم بصوت واحد، وهذا لم يرد عن الصحابة - رضي الله عنهم- بل قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ومنا المكبر، ومنا المهلل، ومنا
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف التلبية (رقم 1814) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية (رقم 829) وابن ماجه، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية (رقم 2922) وابن خزيمة (رقم 2625) والبيهقي (5/41) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.(22/283)
الملبي " (1) وهذا هو المشروع أن يلبي كل واحد لنفسه، وأن لا يكون له تعلق بغيره.
س 793: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- هل هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج عند دخول المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأخطاء التي تأتي عند دخول الحرم:
أولاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام، فيرى بعض الناس مثلاً أنه يدخل إذا كان معتمراً من باب يسمى باب العمرة، وأن هذا أمر لابد منه، أو أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لابد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثماً أو مكروهاً، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان، وإذا دخل المسجد فليقدم رجله اليمنى، وليقل ماورد في الدخول لسائر المساجد فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " (2) .
ثانياً: أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، يبتدع أدعية لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول، أو فعل، أو اعتقاد لم يكن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة (رقم 1659) ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات (رقم 1285) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب صلاة السافرين، باب ما يقول إذا دخل المسجد (رقم 713) .(22/284)
عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- رضي الله عنهم- بدعة ضلالة حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثاً: يعتقدون أن تحية المسجد الحرام الطواف، بمعنى أنهم يسنون لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف، اعتماداً على قول بعض الفقهاء في أن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " (1) ولكن إذا دخلت المسجد الحرام سواء كان الطواف طواف نسك كطواف العمرة والحج، أو كان طواف تطوع كالأطوفة في غير النسك فإنه يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين، هذا هو معنى قولنا: (إن المسجد الحرام تحيته الطواف) وعلى هذا فإذا دخلت لغير نية الطواف ولكن لانتظار الصلاة، أو لحضور مجلس علم، أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره يُسن فيه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
س 794: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا قدم إلى مكة وهو متعب ولم يتمكن من أداء العمرة إلا في اليوم التالي فما حكم ذلك؟ وهل يشترط أداء العمرة فور الوصول للمسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل للإنسان الذي أتى معتمراً أن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين (رقم 444) ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين (رقم 714) (70) .(22/285)
يبدأ قبل كل شيء بالعمرة حتى قبل أن يذهب إلى بيته ويبتدىء بالعمرة لأنها هي المقصودة، ولكنه إذا أخرها ولا سيما عند التعب حتى يستريح فلا حرج عليه في ذلك وعمرته تامة.
س 795: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: المعتمر والمتمتع متى يقطع التلبية في العمرة وفي الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعتمر يقطع التلبية إذا شرع في الطواف. والحاج القارن، أو المفرد، أو المتمتع يقطع التلبية عند شروعه في رصي جمرة العقبة.
س 796: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " (1) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو يطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف.
__________
(1) تقدم ص 285.(22/286)
س 797: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نرى كثيراً من الناس في المطاف يعمد بعضهم إلى أن يتحلقوا حول نسائهم فتكون ظهور بعضهم إلى الكعبة فهل هذا جائز وهل حجهم صحيح؟ وما تنصحون من كان معه نساء هل يكونون جماعات أو أن يكونوا فرادى؟
فأجاب فضيلته بقوله: صورة المسألة أن بعض الناس يكون معه نساء ثم يدورون حول نسائهم وفي هذه الحال سيكون بعضهم ظهره إلى الكعبة، أو صدورهم إلى الكعبة والطواف يجب أن تكون الكعبة عن يسار الطائف فهؤلاء الذين ظهورهم نحو الكعبة، أو صدورهم نحو الكعبة يجب أن ينتبهوا لها لأن من شروط صحة الطواف أن تكون الكعبة عن يسار الطائف..
أما الشق الثاني من السؤال وهو: هل الأولى أن الناس يجتمعون جميعاً على نسائهم، أو أن كل واحد منهم يمسك بيد امرأته، أو أخته، أو المرأة التي معه من محارمه ويطوف بها وحده؟
هذا يرجع إلى حال الإنسان فقد يكون الإنسان ضعيفاً لا يستطيع المزاحمة فيحتاج إلى أن يكون حوله أحد من رفقته ليدافع عنه ما يخشى من الهلاك، وقد يكون الإنسان قوياً فهنا نرى أن كونه يأخذ بيد امرأته ويطوف بها وحدها أيسر له، وأيسر لها، وأيسر للناس أيضاً.
س 798: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يعمد كثير من الرجال إذا كان معهم نساء أن يمسك بعضهم بيد بعض في الطواف(22/287)
ويتحلقوا على من معهم من النساء حتى إن بعضهم ربما طاف على قفاه أو الكعبة عن يمينه ثم إنهم قد تكون النساء ليس كلهن محارم لهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من الأمر الخطير من وجه والمؤذي من وجه آخر أما كونه مؤذياً فلأنه إذا جاءوا هكذا مجتمعين آذوا الناس ومن المعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يتعمد ما فيه أذية المسلمين.
وأما الخطر فلأنه كما قال السائل بعض الناس يطوف والكعبة خلف ظهره، أو الكعبة أمام وجهه، ومن شرط الطواف أن تجعل الكعبة عن يسارك، وإذا جعلتها خلف ظهرك، أو عن يمينك، أو أمامك فإن الطواف لا يصح.
س 799: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف في سطح المسجد الحرام وفي أثناء الطواف نزل إلى المسعى ولم يكن ذلك عن شدة زحام حيث كان هناك زحام ولكن كان يطيقه ولكن نزل وطاف في المسعى عدة أشواط فما حكم طوافه هذا وهو طواف وداع الحج؟
فأجاب فضيلته بقول: حكم طوافه هذا أنه لم يصح لأنه طاف خارج المسجد، وإذا طاف خارج المسجد لم يصدق عليه أنه طاف بالبيت والله عز وجل يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) (1) وإذا طاف خارج المسجد صار طائفًا بالمسجد لا بالبيت؛ لأنه
__________
(1) سورة الحج، الآية: 29.(22/288)
حال بينه وبين البيت جدار المسجد، فعلى هذا يكون طوافه هذا غير صحيح، وإذا كان طواف الوداع فقد ترك واجباً، والمشهور عند العلماء أن من ترك واجباً فعليه فدية يذبحها في مكة،
ويوزعها على الفقراء.
س 800: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل في طواف الوداع في الحج طاف من ناحية المسعى على الجدار الذي بين المسعى والمطاف وفي أحد الأشواط طاف مع المسعى، فسأل
أحد الحجاج: هل يجوز الطواف مع المسعى، فأجاب: أنه يجوز، فهل هذا صحيح أم لا وإن كان غير صحيح فما يلزمه وكذلك الرجل الذي أجاب. علما أنه لا يعرفه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الطواف على سطح المسعى فلا يجوز؛ لأن المسعى خارج المسجد الحرام، ولذلك لو أن امرأة طافت للعمرة ثم حاضت قبل السعى جاز لها أن تسعى لأن السعي لا يشترط له الطهارة، والمسعى ليس مسجداً حتى نقول لا تمكث فيه، وكذلك لو أن امرأة جاءت مع أهلها وعليها الحيض وجلست في المسعى تنتظرهم وهي حائض فلا بأس، وكذلك الجنب يمكث فيه بدون وضوء؛ لأنه ليس بمسجد، وكذلك المعتكف في المسجد الحرام لا يخرج إلى المسعى، لأن المسعى خارج المسجد فلا يجوز الطواف خارِج المسجد، لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)) (1) ومن طاف خارج حدود
__________
(1) سورة الحج، الآية: 29.(22/289)
المسجد يقال طاف بالمسجد لا طاف بالبيت، لكن نرى في هذه الأزمنة المتأخرة وكثرة الحجاج والزحام الشديد نرى أنه إذا طاف في سطح المسجد وامتلأ المضيق الذي بجانب المسعى ولم يجد
بداً من النزول إلى المسعى أو الطواف فوق الجدار نرى إن شاء الله تعالى أنه لا بأس به، لكن يجب أن ينتهز الفرصة من حين ما يجد فرجة يدخل في المسجد.
أما إفتاؤه للرجل بغير علم فهو حرام عليه لقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)) (1)
وليعلم المفتون أن من أفتى أحداً بغير علم فترك واجباً فإثمه على الذي أفتاه، وإن فعل محرماً فإثمه على الذي أفتاه، والفتوى ليست سلعاً تباع وتشترى ويجلب لها الزبائن، الفتوى أمرها خطير؛ لأن
المفتي سفير بين الله وبين خلقه في إبلاغ شرعه، فهو أمر عظيم جداً، وأجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار والعياذ بالله فعلى كل واحد أن يتقي ربه وأن لا يستعجل إن قدر الله تعالى أن يكون
أمة يهدي الله به الناس، فسوف يكون، فليصبر حتى ينضج، والإنسان إذا أكل العنب وهو حصرم قبل أن ينضج فإنه يضره، فنقول: تأنى حتى تصل إلى الغاية التي تؤهلك للفتوى، أما أن تعرف مسألة من العلم وتظن أنك عرفت جميع المسائل أو تحمل برأيك فهذا لا يجوز.
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.(22/290)
س 801: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يطوف الناس في سطح المسجد الحرام وهو يضيق من قبل المسعى إلى ستة أمتار فيضطر الناس للخروج إلى سطح المسعى فهل في ذلك مانع وما
التعليل والدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسعى ليس من المسجد الحرام بل هو خارجه، ولهذا يجوز للمرأة الحائض أن تنتظر أهلها في المسعى، لكنها لا تدخل المسجد، ولا يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يخرج إلى المسعى؛ لأن المسعى خارج المسجد الحرام، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز الطواف في سطح المسعى؛ لأنه خارج المسجد، لكن لو حصل ضرورة كالزحام الشديد الذي لا يتمكن الإنسان معه أن يستمر في طوافه فأرجو ألا يكون به بأس؛ لأن المطاف من جهة المسعى في السطح ضيق، فقد يأتي الناس وهم قد ملئوا ما قبلها فإذا جاءوا منها ضاقت عليهم فيضطر الإنسان أن ينزل إلى سطح المسعى فلكون هذه الضرورة أرجو ألا يكون فيه بأس، أما الدليل على أنه لا يجوز الطواف في المسعى أو خارج المسجد الحرام فإن الله تعالى يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (1) وإذا طاف الإنسان من
وراء المسجد فقد طاف بالمسجد لا بالبيت فلا يصح طوافه.
__________
(1) سورة الحج، الآية: 29.(22/291)
س 802: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الطواف في سطح المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف من فوق سطح المسجد جائز، كما نص على ذلك أهل العلم، لأن جميع المسجد الحرام ما أدخلت أبوابه فهو محل للطواف، أما المسعى وما وراء الأبواب فليس بمحل للطواف. والله أعلم.
س 803: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف خمسة أشواط وشعر بتعب شديد من شدة الزحام عند الساعة العاشرة مساءً فارتاح إلى بعد صلاة الفجر ونام نوماً خفيفاً وبعد الصلاة أكمل الطواف فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بد أن يستأنف الطواف إذا فصل بين أجزائه فاصل طويل، أما الفاصل اليسير كما لو أقيمت الصلاة فصلى فهنا يبني على ما سبق، ولا يحتاج على القول الراجح أن
يبدأ الشوط من أول الشوط، بل يكمل من المكان الذي توقف فيه، وكذلك لو حضرت جنازة فصلى عليها فإنه لا ينقطع، أما لو انتقض وضوؤه على القول بأنه شرط لصحة الطواف ثم ذهب
يتوضأ فلابد من استئناف الطواف من أوله، وعلى هذه المسألة التي ذكرها السائل نقول: يجب عليه أن يعيد الطواف من الأول، وهذا الرجل لا زال الآن في عمرته، ويجب عليه أن يخلع الثياب الآن، ويتجنب جميع محظورات الإحرام، ويذهب إلى مكة ويطوف من أول الطواف ويسعى ويقصر. أما ما فعله من(22/292)
محظورات في هذه الحال فهو جاهل ولا شيء عليه.
س 804: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف من الطواف شوطين ولكثرة الزحام خرج من الطواف وارتاح لمدة ساعة أو ساعتين ثم رجع للطواف ثانية فهل يبدأ من جديد أو يكمل
طوافه من حيث انتهى؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الفصل طويلاً كالساعة والساعتين فإن الواجب عليه إعادة الطواف، وإذا كان قليلاً فلا بأس، وذلك لأنه يشترط في الطواف وفي السعي الموالاة وهي تتابع الأشواط، فإذا فصل بينها بفاصل طويل بطل أول الأشواط، ويجب عليه أن يستأنف الطواف من جديد، أما إذا كان الفصل ليس طويلاً جلس لمدة دقيقتين أو ثلاث ثم قام وأكمل فلا بأس.
س 805: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن سيدة طافت طواف الإفاضة ستة أشواط وكانت تعتقد أنها سبعة وبعد السعي والتقصير قامت بطواف الشوط الواحد فهل هذا جائز؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً كلمة (سيدة) أنا لا أوافق عليها، وكلمة (السيدة) جاءتنا من الغرب، من الذين يقدسون النساء أكثر من الرجال، ونحن نسميها ما سماها الله به وهي امرأة، والذكر رجل.
لكن سؤالها تقول: إنها طافت طواف الإفاضة ستة أشواط.
ونقول: هل هي متيقنة؛ لأنه أحياناً يظن الإنسان أنه طاف ستة(22/293)
أشواط وهو قد طاف سبعة، فإن كانت متيقنة أنها ستة أشواط فإن إلحاق الشوط السابع بعد هذا الفصل الطويل لا ينفع فعليها الآن أن تعيد الطواف سبعة أشواط من أوله، أما إذا كان مجرد شك بعد أن انتهى الطواف ظنت أنها لم تكمل فلا تلتفت إلى هذا، وهذه قاعدة تنفعك في الصلاة وفي الطواف: إذا شككت بعد الفراغ من العبادة فلا تلتفت إلى الشك أبداً حتى تتيقن.
س 806: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف ثلاثة أشواط وهو صائم ثم قطع الطواف لأجل الافطار ولم يكمله إلى الآن (أي بعد صلاة التراويح) فهل يكمله؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: لا يمكن أن يكمله الآن لطول الفص بين أجزاء الطواف، والطواف لابد أن يكون متوالياً، فإذا قطعه على غير وجه شرعي فلا بد من إعادته، ولكن الذي يظهر من حال السائل أن هذا الطواف نفل وليس بطواف عمرة، وإذا كان نفلاً فلا حرج عليه أن يقطعه ولا يكمله، ونقول له: الآن أنت قطعته للإفطار وتركته حتى الآن فليس عليك وزر، ولكن فاتك أجر الطواف، لأن الطواف لم يكمل.
س 807: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الأفضل للطائف الصائم إذا أذن المغرب وهو يطوف أن يفطر ويعيد الطواف من جديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: حيث إنه ورد في الحديث: "لا يزال(22/294)
الناس بخير ما عجلوا الفطر" (1) فالأولى أن يبادر بالفطر، لكن لا يضُر إذ يمكن أن يأكل وهو يطوف، ومثل هذا إذا كان المغرب قريباً فليستعد لذلك يأخذ معه تمرات من أجل أن يبادر بالفطر.
ولا حاجة إلى أن يقطع الطواف.
س 808: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول نويت الحج متمتعاً هذا العام وهي المرة الأولى أحج فيها وعندما قمت بأداء العمرة وعند الطواف بالكعبة طفت أكثر من سبعة أشواط لأني ما كنت أعلم من أين يبدأ الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل يقول إنه مكة أول ما قدم هذه السنة وأنه طاف بالبيت أكثر من سبعة أشواط لأنه لا يدري من أين يبتدىء الطواف، وعلى كل حال الإنسان أول ما يقدم يخفى عليه الشيء لكن من فضل الله وتيسيره ونعمته أنه يوجد الآن خط بني يبتدىء منه الطواف وينتهي إليه، هذا الخط موضوع على قدم الحجر الأسود، فلذلك ابتدىء الطواف منه وانتهي به، أما كونه طاف أكثر من سبعة أشواط فلله منها سبعة والباقي لا شيء عليه فيها لأنه جاهل كما يوجد بعض الناس يطوف بالصفا المروة أربعة عشر شوطاً، يرون أن الشوط لا يكون إلا من الصفا إلى الصفا فلو فعل الإنسان هذا جاهلاً فلا شيء عليه، لكن ينبغي على الإنسان بل يجب على الإنسان إذا أراد أن يحج أو يعتمر أن يفهم قبل أن يبدأ.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار (رقم 1957) ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ... (رقم 1098) .(22/295)
س 809: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا طاف الإنسان أربعة أشواط ثم قطع الطواف من أجل الصلاة أو الزحام ثم أتمه بعد ذلك بعد خمس وعشرين دقيقة من الفصل فما حكم هذا
الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الطواف قد انقطع بطول الفصل بين أجزائه؛ لأنه إذا قطعه لأجل الصلاة فإن المدة تكون قليلة، الصلاة لا تستغرق إلا عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو نحو ذلك أما خمس وعشرون دقيقة فهذا فصل كثير يبطل بناء الأشواط بعضها على بعض، وعلى هذا فليعد طوافه حتى يكون صحيحاً؛ لأن الطواف عبادة واحدة فلا يمكن أن تفرق أجزاؤها أشلاًء ينفصل بعضها عن بعض بمقدار خمس وعشرين دقيقة أو أكثر، فالموالاة بين أشواط الطواف شرط لا بد منه، لكن رخص بعض العلماء بمثل صلاة الجنازة أو التعب ثم يستريح قليلاً ثم يواصل وما أشبه ذلك.
س 810: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة، أو طواف حج، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي، ثم يرجع ويكمل الطواف ولا يستأنفه من جديد؛ ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد، لأن ما سبق بني على أساس(22/296)
صحيح وبمقتضى إذن شرعي، فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليل شرعي.
س 811: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قمت بأداء العمرة مع أهلي وأنا مصابة في ألم بالساق نتيجة إصابتي بكسر يسير والحمد لله، ولكن الآلام تعاودني مع كثرة المشي، وسؤالي هنا يا فضيلة الشيخ هو: أثناء الطواف بدأت أطوف وأجلس قليلاً لأريح قدمي وهكذا ولكن الألم اشتد عليَّ حتى جعلني أترك الشوط الأخير ماذا عليّ الآن وما الحكم إذا كان والدي قد طاف عني في
الشوط الأخير في نفس الوقت؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الطواف الذي وقع من هذه المرأة لم يصح، وإذا لم يصح الطواف لم يصح السعي، وعلى هذا فهي لا تزال الآن في عمرتها، يجب عليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام، ومنه معاشرة الزوج، إن كان لها الزوج، ثم تذهب إلى مكة وهي على إحرامها وتطوف وتسعى وتقصر من أجل أن تكمل العمرة، إلا إذا كانت قد اشترطت عند ابتداء الإحرام "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " (1) فإنها قد تحللت الآن، ولكن ليس لها عمرة لأنها تحللت منها.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم والتحليل بعذر المرض (رقم 1207) .(22/297)
وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين من التهاون في هذه الأمور، فإن من الناس الآن من يسأل عن حج أو عمرة لها سنوات أخل فيها بركن وجاء يسأل، سبحان الله إن الإنسان لو ضاع له شاة لم يبت ليلته حتى يجدها، فكيف بمسائل الدين والعلم؟! فأقول: إن الإنسان يجب عليه:
أولاً: أن يعلم قبل أن يعمل.
ثانياً: إذا قدر أنه لم يتعلم وحصل خلل فالواجب المبادرة، لكن بعض الناس يرى أن ما فعله صواباً فلا يسأل عنه، ولكن هذا ليس بعذر؛ لأنه إذا فعل ما يخالف الناس فقد خالف فلابد أن يسأل، إذ إن الأصل أن مخالفة الناس خطأ فلو قدر مثلاً: أن إنسانًا سعى وبدأ بالمروة وختم بالصفا فهذا خالف الناس، وإذا خالف الناس فلا بد أن يسأل، فهو غير معذور في الواقع ما دام فعل ما يخالف الناس فليس معذورا بتأخير السؤال، فعلى المرء أن يسأل ويبادر بالسؤال، وأحياناً لا يسأل ثم تتزوج المرأة أو الرجل وهو على إحرامه، وحينئذ نقول: لا يصح النكاح لابد أن يعاد عقد النكاح، فهذه المرأة لو فرضنا أنها تزوجت بعد أداء العمرة فالنكاح غير صحيح، فيجب أن تذهب وتكمل عمرتها، ثم يعاد العقد؛ لأنها تزوجت وهي على إحرامها فالمسألة خطيرة خطيرة.
س 812: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن شباب ذهبنا إلى مكة للعمرة ووجدنا في أثناء الطواف بعض إخواننا الشباب فخرج منا ثلاثة خارج الحرم في أثناء الطواف لأخذ أغراض منهم(22/298)
قبل إكمال الطواف ثم رجعوا وأكملوا طوافهم فما حكم عملهم وماذا عليهم الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليهم الآن أن يخلعوا ثيابهم ويلبسوا ثياب الإحرام، ويذهبوا إلى مكة لإتمام النسك، لأن نسكهم ما تم، حيث فرقوا في الطواف بين أوله وآخره، ومن شروط صحة الطواف الموالاة بين أشواطه، وهؤلاء لم يوالوا بين أشواطه، وخرجوا أيضاً من المسجد الحرام، وربما تكون السيارة بعيدة، لذلك نقول لهؤلاء الذين خرجوا ثم رجعوا وأتموا: يجب عليكم الآن أن تخلعوا الثياب وتسافروا إلى مكة وتطوفوا الطواف من أوله، وتسعوا، وتقصروا، وتتحللوا.
س 813: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الأفضل للحجاج تكرار الطواف بالبيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تكرر الطواف بالبيت ودع الطواف للمعتمرين والحجاج الذين لم يحلوا من أحرامهم، فإذا قال الإنسان: ما الدليل؟ قلنا: الدليل سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة حاجاً حجة الوداع، قدمها في اليوم الرابع من ذي الحجة وبقي قبل الخروج إلى منى أربعة أيام ولم يطف إلا ثلاث مرات فقط، طواف القدوم أول ما قدم، وطواف
الإفاضة يوم العيد، وطواف الوداع حين سافر فقط، ما طاف غير هذا وإذا لم يكن طاف غير سوى ثلاثة أطوفة فلنا فيه أسوة ولا سيما في أوقاتنا هذه زحام شديد والإنسان يؤدي الطواف وكأنه(22/299)
يطادر الموت فدع المطاف لأهل الطواف، وتطوع بما شئت من الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك.
س 814: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقول فضيلة الشيخ ذكرتم في إحدى الفتاوى (1) أن من طاف بولده لم يجزىء الطواف حتى يطوف عن نفسه أولاً، ثم يطوف بولده فما دليل ذلك من الكتاب أو السنة؟ وما رأيكم بمن يقول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل للمرأة التي رفعت صبيها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت ألهذا حج؟ قال: "نعم " فلم يقل لها بالتفصيل هذا، أرجو إقناع من يعترض على ذلك بهذا الحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً نحن قلنا إن بعض العلماء يقول بهذا، أما رأيى في الموضوع فإنه إذا كان الولد المحمول يعقل النية، وقال له أبوه، أو حامله الذي يطوف، قال له: انو الطواف، فحمله ونوى
الطواف عن نفسه، والحامل نوى الطواف عن نفسه فيجزىء عن الاثنين، وذلك لأن المحمول استقل بنيته، أما إذا كان المحمول لا يعقل النية ونوى الحامل عنه وعن المحمول فلا يمكن أن يكون نيتان في فعل واحد ويجزىء عن اثنين هذا ما نراه في هذه المسألة.
وأما حديث المرأة فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يذكر لها إلا أن له حجة فقط، ولم يقل غير ذلك، فلم يتعرض للطواف، ولا للسعي، ولا للوقوف بعرفة ولا لغيرها، فليس فيه
__________
(1) انظر الفتوى رقم (83) ص (85) ج (21) .(22/300)
دليل على أنه يجزىء أن يحمل الإنسان صبياً لا يعقل النية ثم يجزيء عنه وعن الصبي.
س 815: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل التكبير عند الحجر الأسود ركن من أركان الطواف، وإذا مررت من عند الحجر الأسود ولم أكبر هل أعيد ذلك الشوط؟
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير عند محاذاة الحجر الأسود سنة، وليس بواجب، فلو تركته ولو عمداً فطوافك صحيح.
س 816: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم فيما يفعله كثير من الطائفين الذين يقفون على الخط المحاذي للحجر الأسود لأجل التكبير، ويظنون أنه لابد من التكبير على الخط، وأنه لا يجوز تجاوزه إلا بعد التكبير مما يكون سبباً للزحام ومضايقة الطائفين؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أقول هذا الخط الذي وضع على قلب الحجر الأسود هو من نعمة الله عز وجل على كل الحجاج والمعتمرين، ذلك لأن الإنسان لا يتيقن محاذاة الحجر بدون هذا الخط، وما أكثر ما كنا نقف هل حاذينا الحجر؟ هل تقدمنا؟ هل تأخرنا؟ لكن لما جاء هذا الخط صرنا نتيقن أن بدأنا الطواف من حيث يبدأ، وانتهينا به من حيث ينتهي.
أما مسألة الوقوف فقد طفنا نحن في أيام السعة، وفي أيام الضيق لم نجد هذا الذي يقوله بعض الناس- وإن كان الحج في(22/301)
الحقيقة كالبحر أمواج- لكن ما لقينا أحد، بعض العوام ربما يقفون، ولكن مع ذلك إذا كان الزحام شديداً لا يتمكنون من الوقوف طويلاً، لأن الناس يدفعونهم، وكان الناس في الزمن السابق يقفون في مساحة أوسع من هذه المساحة، لأن كل واحد منهم يقول: حاذيت الحجر ويقف ويشير إلى الحجر، أما الآن فانحصر الموقف عند هذا الخط، فأرى أنه من نعمة الله، ومن حسنات الحكومة- وفقها الله عز وجل- وكان بالأول خطان أحدهما عن يمين الحجر والثاني عن يساره، أرادوا به أن يحتاط
الإنسان عند ابتداء الطواف أن يبدأ من الخط اليسار، ويحتاط في انتهاء الطواف فيصل إلى الخط اليمين، وحصل في ذلك إشكال، لأن هذين الخطين يكون الحجر بينهما فيحصل إشكال تجد بعف
الناس يبتدىء من الخط الثاني الأيمن فينقص الشوط الأول، وبعض الناس ينتهي في الشوط الأخير عند الخط الأيسر، فينقص الشوط الأخير ثم بعد ذلك رأى أن تزال الخطان، وأن تجعلا خطاً
واحداً، فإذا أردت أن تعرف ضرورة الناس إلى هذا الخط فانظر منتهاهم عند باب الصفا، فالذي يقف عند منتهاه من عند باب الصفا، يقول: سبحان الله هذا من محاذاة الحجر؛ لأنه يظن أن
محاذاة الحجر قبل هذا بأمتار، وإذا ظن هذا ووقف في الشوط الأخير قبل أن يصل إلى المنتهى ما صح الشوط الأخير فيرجع بدون طواف، فالمهم أن هذا والحمد لله آثاره حسنة جداً وحفظ
للطواف لا نظير له، وإذا وقف الناس ثلاث ثواني فإنهم لا يمكنهم الوقوف طويلاً مع زحام الناس لهم، مع أني وأقول ذلك(22/302)
مشهداً أياكم على هذا ما رأيت هذا الشيء، بمعنى أن كثيراً منهم يشير بيده وهو ماشي والذي يقف ثواني ولا دقيقة واحدة.
س 817: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يسن الاضطباع في الطواف في الثلاثة أشواط الأول فقط أو في جميع الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاضطباع في السبعة أشواط كلها، والذي في الثلاثة الأولى هو الرمل فقط، أما الاضطباع فهو جميع الطواف، ولا اضطباع قبل الطواف ولا بعد الطواف، وهذه المسألة ينبغي لنا أن نعرفها وأن نعلم إخواننا المسلمين، فأكثر المسلمين اليوم من حين أن يحرم تجده مضطبعاً، وهذا ليس من السنة، فالاضطباع لا يكون قبل الطواف ولا بعده، إنما يكون في حال الطواف فقط.
س 818: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكمة من الطواف؟ وما الجواب عما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على القبور؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكمة من الطواف بيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " (1) .
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل (رقم 1888) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في كيف يرمي الجمار (رقم 902) وقال: هذا حديث صحيح.=(22/303)
فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكراً لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل، واستلام الحجر والركن اليماني، والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى، لأنها من عبادته، وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام، وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى.
وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى، بتعظيم واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال حين قبّل الحجر "إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " (1) .
وأما ما يظن بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك فإنه لا أصل له فيكون باطلاً.
وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية، فذاك من زندقتهم وإلحادهم، فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله
تعالى، ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله تعالى الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى وكان ترك السجود له كفراً. وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجل
__________
= وصححه الحاكم (1/459) ووافقه الذهبي.
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود (رقم 1597) ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (رقم 1270) .(22/304)
العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام، ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف، وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله، والله
المستعان. كتبه محمد الصالح العثيمين في 21/1/1406 هـ
س 819: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن في بلاد غير إسلامية يكثر فيها غير المسلمين وكان بينهم وبين المسلمين مناظرة وفي هذه المناظرة أثيرت شبهة وهي أن أهل الكتاب قالوا: إنكم
أيها المسلمون تشركون بالله؛ لأنكم تطوفون بالكعبة ومن ضمنها الحجر الأسود، فكيف نرد على هذه الشبهة علما بأنهم رفضوا قبول النصوص بتاتا؟
فأجاب فضيلته بقوله: نرد على هذه الشبهة بأننا ندور على الكعبة لا تعظيماً للكعبة لذاتها، ولكن تعظيماً لله عز وجل " لأنه رب البيت، وقد قال الله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)) (1) والذين يطوفون بالبيت ليسوا يسألون البيت يقولون: يا أيتها الكعبة أقضي حوائجنا، اغفري ذنوبنا، أرحمينا أبداً، بل هم يدعون الله عز وجل، ويذكرون الله، ويسألون الله المغفرة والرحمة، بخلاف النصارى عابدو الصلبان الذين يعبدون الصليب ويركعون له، ويسجدون له، ويدعونه، ومن سفههم أن الصليب- كما يدعون- هو الذي صلب عليه المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فكيف يعظمون ما
__________
(1) سورة الحج، الآية: 26.(22/305)
كان المقصود به تعذيب نبيهم عليه الصلاة والسلام وكيف يعظمونه؟! ولكن هذا من جملة ضياع النصارى وسفاهتهم، على أننا نحن المسلمين لا نرى أن عيسى عليه الصلاة والسلام قتل، أو صلب، لأن ربنا عز وجل يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (1) وهات أي واحد من المسلمين حقاً يقول: إنه يطوف بالكعبة من أجل أن تكشف ضره، أو تحصل ما يطلب، لن تجد أحداً كذلك.
س 820: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكمة من تقبيل الحجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكمة من تقبيل الحجر بينها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حيث قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " (2) فهذه الحكمة التعبد لله عز وجل باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تقبيل هذا الحجر، وإلا فهو حجر لا يضر ولا ينفع، كما قال أمير المؤمنين، ومع ذلك فإنه لا يخلو من ذكر الله عز وجل، لأن المشروع أن يكبر الإنسان عند ذلك، فيجمع بين التعبد لله تعالى بالتكبير والتعظيم، والتعبد لله عز وجل بتقبيل هذا الحجر باتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبه يعرف أن ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الحجر بيده ثم
__________
(1) صورة النساء، الآية: 157.
(2) تقدم ص 304.(22/306)
يمسح على وجهه وصدره تبركاً بذلك، فإنه خطأ وضلال وليس بصحيح، وليس المقصود من استلام الحجر أو تقبيله التبرك، بل المقصود به التعبد لله باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، وكذلك يقال: استلام الركن اليماني المقصود به التعبد لله باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كان يستلمه، ولهذا لا يشرع استلام بقية الأركان فالكعبة القائمة الآن فيها أركان
أربعة: الحجر، والركن اليماني، والركن الغربي، والركن الشمالي، فالحجر يستحب فيه الاستلام والتقبيل فإن لم يمكن فالإشارة، والركن اليماني يسن فيه الاستلام دون التقبيل فإن لم يمكن الاستلام فالإشارة، والركن الغربي والشمالي لا يسن فيهما استلام ولا تقبيل ولا إشارة، وقد رأى ابن عباس- رضي الله عنهما- أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- يطوف ويستلم الآركان الأربعة، فأنكر عليه، فقال له معاوية: (إنه ليس شيء من البيت مهجوراً) يعني كل البيت معظم، فقال له ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين- يعنى الحجر الأسود والركن اليماني- (1) فتوقف معاوية- رضي الله عنه- وصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا واجب على كل أحد سواء كان صغيراً، أو كبيراً، كل الناس أما الشرع سواء، وفيه فضيلة ابن عباس- رضي الله- عنهما وفضيلة معاوية- رضي الله عنه- نسأل
__________
(1) أخرجه بلفظ قريب البخاري، كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين رقم (1608) .(22/307)
الله أن يوفق رعيتنا ورعاتنا لما فيه الخير والسداد والتعاون على البر والتقوى.
س 821: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل السنة الإشارة إلى الحجر إذا لم يستطع الاستلام في كلل شوط باليدين أم بيد واحدة؟ وما حكم المرور بين يدي المصلى في الحرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن تشير بيد واحدة فقط، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستلمه بيد واحدة، ففي ذلك الإشارة إلى أن تكون الإشارة بيد واحدة وهي اليمنى.
ولا يجوز المرور بين يدي المصلي في الحرم، كما لا يجوز المرور بين يدي المصلي في غيره، والأحاديث الواردة في تحريم المرور بين يدي المصلي عامة لم يخصص منها شيء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المار بين يدي المصلي لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه " (1) وقد فسر أربعين بأنها أربعين سنة لكان خيراً من أن يمر بين يديه، وبإمكان الإنسان أن لا يمر بين
يدي المصلي، بل يمر بينه وبين صاحبه الذي إلى جنبه فيشق الصفوف شقاً، ولا يمر بينها عرضا.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلى (رقم 510) ومسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي (رقم 507) .(22/308)
س 822: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الاضطباع ومتى يشرع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاضطباع أن يكشف الإنسان كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وهو مشروع في طواف القدوم، وأما في غيره فإنه ليس بمشروع.
س 823: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى يكون الاضطباع؟ هل هو من الميقات أو عند بداية طواف القدوم؟ وهل يستر عاتقيه قبل ركعتي الطواف أو بعدهما؟ وهل يشرع الاضطباع في الطواف فقط أم في الطواف والسعي؟ وما الحكم فيمن ترك الاضطباع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاضطباع هو أن يخرج الإنسان الطائف كتفه الإيمن، ويجعل طرف الرداء على الكتف الأيسر، وهو سنة في طواف القدوم خاصة، وليس بواجب فلو لم يفعله الإنسان فلا حرج عليه، ولا يشرع إلا في الطواف، فإذا أتم الطواف قبل أن يصلى ركعتي الطواف ستر منكبه، ويكون في جميع الأشواط السبعة، بخلاف الرمّل فإنه يكون في الثلاثة الأشواط لأولى فقط. ومن ترك الاضطباع فلا شيء عليه.
س 824: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الاضطباع في طواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة(22/309)
والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين: طواف الوداع لا اضطباع فيه؛ لأن الإنسان ليس بمحرم، فالإنسان يطوف طواف الوداع وعليه ثيابه المعتادة، ليس عليه إزار ورداء، وحتى
لو فرض أنه ليس لديه ثياب معتاد كالقميص وأن عليه رداءً وإزاراً فإنه لا يضطبع، لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة.
س 825: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: جعلت طواف الإفاضة يقوم مقام طواف الوداع وكان علىَّ إحرامي فاضطبعت في هذه الحال فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا اضطباع، لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة كطواف العمرة، أو طواف القدوم.
س 826: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: سبق أن حججت من مدة خمس سنوات أو ست سنوات تقريباً، وبدل أن أعمل السنة في الاضطباع عكست الأمر فجعلت طرف ردائي تحت إبطي الأيسر وغطيت منكبي الأيمن فهل عليّ شيء في ذلك من هدي أو فدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليك هدي ولا فدي، فإن كان ذلك نسيانًا منك فنرجو أن يكتب لك الأجر كاملاً؛ لأنك قصدت الفعل وأخطأت في صفته، وإن كان هذا عن تخرص فنرجو الله(22/310)
تعالى أن يعفو عنك، وأن لا تعود إلى التخرص في الدين، بل تسأل أهل العلم حتى تعبد الله على بصيرة.
س 827: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الاضطباع في طواف الوداع، وسبق أن حججت وعكست الأمر فجعلت طرفي ردائي تحت إبطي الأيسر وغطيت منكبي الأيمن، فهل عليَّ شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم وهو الطواف أول مايصل الإنسان إلى مكة، سواء كان طواف عمرة، أو طواف قدوم في حق القارن والمفرد، وليس في طواف الوداع اضطباع لأن الإنسان في طواف الوداع قد لبس ثيابه المعتادة فلا محل للاضطباع هنا، وعلى كل حال فكون هذا الرجل أيضاً يعكس الاضطباع فيبدي الكتف الأيسر بدلا عن الكتف الأيمن هذا أمر هو معذور فيه، والله تعالى يثيبه على نيته، ولكن الفعل لم يحصله فلا ثواب له على الفعل نفسه، إنما له ثواب على النية التي أراد منها أن يوافق الصواب في فعله، ولم يوفق له.
س 828: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل لبس ملابس الإحرام لكنه لم يترك الذراع الأيمن مكشوفاً وغطى الصدر والظهر والذراعين فهل عليه شيء؟ وإذا أمسك بمظلة لحماية رأسه
من الشمس فهل عليه شيء؟ وكذلك لو لبس حزاماً من الجلد حول وسطه فوق الإزار وهو مخيط فهل يؤثر هذا على صحة الإحرام؟(22/311)
فأجاب فضيلته بقوله: المسألة الأولى إذا لم يكشف كتفه الأيمن، والواقع أن أكثر الحجاج يغلطون في هذه المسألة حيث يكشفون الكتف من حين الإحرام إلى أن يحلوا من الإحرام، وهذا سببه الجهل، وذلك لأن كشف الكتف الأيمن إنما يشرع في حال طواف القدوم فقط، وعلى هذا فإذا أحرمت فإنك تغطي جميع الكتفين حتى تشرع في طواف القدوم، فإذا شرعت في طواف القدوم اضطبعت بأن تكشف الكتف الأيمن، وتجعل طرف الرداء على الكتف الأيسر، فإذا فرغت من الطواف أعدت الرداء على ما كان عليه- أي غطيت الكتفين جميعاً- وبهذا يزول الإشكال الذي ذكره السائل.
وأما المسألة الثانية وهي: حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس فإن هذا لا بأس به ولا حرج، ولا يدخل هذا في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تغطية رأس الرجل، لأن هذا ليس تغطية، بل هو تظليل من الشمس والحر، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان معه أسامة بن زيد وبلال- رضي الله عنهما- أحدهما يقود به راحلته، والثاني رافع ثوبه يظلله من الشمس، حتى رمى جمرة العقبة (1) وهذا دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استظل بهذا الثوب وهو محرم قبل أن يتحلل.
وأما المسألة الثالثة وهي: وضع الحزام على وسطه فإنه لا بأس به ولا حرج فيه، وقوله (مع أنه مخيط) هذا القول مبني على
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ... (رقم 1298) .(22/312)
فهم خاطىء من بعض العامة، حيث ظنوا أن معنى قول العلماء (يحرم على المحرم لبس المخيط) ظنوا أن المراد به ما كان فيه خياطة، وليس كذلك ومراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مخيطاً على قدر العضو، ولبسه على هيئته المعتادة، كالقميص والسراويل والفنيلة وما أشبهها، وليس مراد أهل العلم ما كان فيه خياطة، ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس، وإن كان خيط بعضه ببعض، وعلى هذا يجوز جميع أنواع الأحزمة، وما يسمى منها بالكمر لحفظ النقود وغير ذلك.
س 829: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم فيمن قدّم سعي عمرته على الطواف؟ وما الحكم فيمن بدأ السعي بالمروة وانتهى بالصفا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول: فإن سعيه لا يصح وعليه أن يعيد مرة ثانية، لأنه وقع في غير محله.
أما الثاني: وهو بدأته بالمروة فإنه يلغى الشوط الأول، ويكون الشوط الثاني هو الشوط الأول ثم يتم عليه سبعة.
س 830: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الطواف يومياً تطوعاً وجعله أحياناً للأقارب الأحياء أو الأموات؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف بلا شك من العبادات قال الله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(22/313)
والإكثار منه سنة هل الطواف أفضل أم الصلاة أفضل؟ فمنهم من قال: الصلاة أفضل، ومنهم من قال: الطواف أفضل، منهم من فصل وقال: الطواف لغير أهل مكة أفضل، لأنه لا يحصل لهم كل
ما شاءوا، والصلاة لأهل مكة أفضل لأنه متى شاءوا طافوا بالبيت، والصواب أن يقال: انظر ما هو أخشع لقلبك وأنفع، فقد يكون الطواف أحياناً أنفع للإنسان وأخشع للإنسان، ويكون الطواف أفضل، ويكون أحيانا الطواف أخشع للقلب وأنفع للعبد فتكون الصلاة أفضل وفي وقتنا الحاضر كما تشاهدون المطاف يكون مزدحما ويزاحمك فيه النساء، وربما يكون الإنسان ممن لا يملك نفسه فيقع في الفتنة، فإذا انزوى في زاوية من المسجد الحرام وأبعد عن الضوضاء وعن مرور الناس بين يديه وقام يصلى بخشوع وخضوع فإن هذه الصلاة أفضل من الطواف، أما إذا لم يكن هناك فتنة في الطواف ولا مزاحمة نساء وهو بعيد في مثل أوقاتنا هذه وكان يخشع في الطواف أكثر ما يخشع في الصلاة فالطواف أفضل.
س 831: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- الحجر الأسود يطيب فهل يجوز للمحرم أن يمسه ويقبله؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان على الحجر الأسود طيب ويلصق باليد إذا مسه الإنسان فإن المحرم لا يمسه، لأن المحرم لا يجوز أن يمس شيئاً فيه طيب يعلق بيده، لأن هذا تعمد للتطيب والمحرم ممنوع عن التطيب، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل(22/314)
الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة فمات قال: "لا تحنطوه " أي: لا تجعلوا فيه طيباً، فالطيب حرام على المحرم، فإذا تيقن أن في الحجر الأسود طيباً وأنه يعلق باليد فلا يمس الحجر، لكن قد يكون جاهلاً ويمس الحجر ويكون قد طيب ويعلق بيده، ففي هذه الحال يجب عليه فوراً أن يزيل هذا الطيب إما بمسحه بمنديل أو بغير ذلك من الأشياء التي تزيله.
س 832: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- يكون الركن اليماني أو الحجر الأسود مطيبين أحياناً فما حكم استلامهما للمعتمر وهما بهما هذا الطيب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحجر الأسود والركن اليماني يطيبهما بعض الناس تعظيماً لبيت الله عز وجل، وهو يشكر على هذه النية، لكن إذا كان الطيب لا يعلق باليد وإنما هو رائحة فإنه لا يضر المحرم شيئاً، لأنه لا يعلق بيده، وإن كان الطيب كثيراً بحيث يعلق باليد فليتجنب المحرم استلام الحجر الأسود والركن اليماني، وحينئذ يكون فوت على نفسه سنة من السنن، وسبب تفويت هذه السنة تطيب هذين الركنين، وعلى هذا فيكون الذي يطيبها بطيب يعلق بأيدي الماسحين قد جنا على المحرمين بحرمانهم من هذه السنة، فيكون الذي طيب هذين الركنين أراد خيراً، ولكنه وقع في منع المحرمين من فعل سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا ينبغي لمن طيب هذين الركنين أن يمسحهما أولاً حتى لا يبقى إلا الرائحة.(22/315)
س 833: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- رجل لم يتمكن من استقبال الحجر الأسود من شدة الزحام فنوى إلغاء هذا الشوط وأتى بشوط آخر بدل من هذا الشوط وأتم الأشواط السبعة فهل هذا صحيح؟ وبعض الأشواط استدبر الكعبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: يجب أن نعلم أن استقبال الحجر ليس بواجب فلو مر الإنسان وهو يطوف ولم يستقبل الحجر ولم يشر إليه، ولم يستلمه، فطوافه صحيح، لأن استقبال الحجر ليس بواجب وتقبيله ليس بواجب، ما دام دار سبع مرات على الكعبة فقد تم طوافه، ثم إني أقول: إن هذا الخط البني الذي وضع في محاذاة الحجر المقصود منه العلامة فقط، وليس الوقوف عنده وإنما هو علامة لمبتدأ الطواف ومنتهاه، لأنه لولا هذه العلامة لتشكك الناس: هل أنا ابتدأت من مبتدأ
صحيح أو لا؟ فوضع هذا الخط ليتيقن الإنسان أنه ابتدأ مبتدأ صحيحاً، وليس المراد أن تقف وتدعو، فهذا غلط وقوفك يعوق الطائفين، فلا تقف لأن هذا غير مشروع، وأما كون هذا الرجل الأخ السائل زاد شوطاً من أجل أنه لم يستقبل الحجر فهذا تفقه باطل وجهل مركب، لأنه لا يدري فزاد شوطاً ثامناً بناء على أن هذا هو المشروع، وليس كذلك إذن فهو جاهل جهلاً مركباً والجاهل
البسيط أحسن حالاً من الجاهل المركب، ونحن نضرب مثالاً: سأل سائل متى كانت غزوة بدر؟ فقال المسؤول: كانت في رمضان في السنة الثانية من الهجرة. فهذا صحيح، وهذا الجواب مبني على علم، وسأل سائل: متى كانت غزوة بدر؟ فقال(22/316)
المسؤول: لا أدري فالمسؤول جاهل لكن جهله بسيط يقول: لا أعلم، لأن الله يقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) أنا لا أدري، وسأل سائل ثالث: متى كانت غزوة بدر؟ فقال المسؤول: كانت غزوة بدر في رجب في السنة الثالثة من الهجرة. فهذا جاهل جهلاً مركباً، لأنه أخبر بخلاف الصواب وهو لا يدري أنه أخطأ، فجهله مركب من أمرين: الجهل بالواقع،
والجهل بحاله يظن أنه يدري وهو لا يدري. والجاهل البسيط خير من الجاهل المركب. فعلى كل حال نقول: لهذا الأخ الذي زاد شوطاً ثامناً لعدم استقبال الحجر نقول: إنك إن شاء الله مأجور،
لأنك اجتهدت ولكنك أخطأت والمجتهد إذا عمل العمل فإن الله لا يضيع أجره، خرج رجلان من الصحابة- رضي الله عنهم- فحضرت الصلاة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا ثم وجد الماء بعد
الصلاة، أما أحدهما فتوضأ وأعاد الصلاة، وأما الآخر فتوضأ ولم يعد الصلاة، فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال للذي لم يعد "أصبت السنة". وقال للآخر: "لك الأجر مرتين " (1) ، فالذي أصاب السنة لا شك أنه أصح، أما الثاني فأجر لأنه عمل العمل يظنه واجباً عليه فأجره الله على عمله لكنه لم يصب السنة، ولهذا لو أن الإنسان بعد أن بلغه هذا الحديث ذهب وأعاد الصلاة بعد أن تيمم وصلاها، لقلنا: إنه لا أجر لك؛ لأنك علمت أن الصلاة لا تعاد.
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المتيمم يجد الماء (338) .(22/317)
ص 834: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الإنسان يطوف وسلم عليه أحد فهل يرد عليه؟ وإذا أطال الحديث فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم عليك إنسان وأنت تطوف فقل عليك السلام، ولو صار يحدثك: أنا سافرت من أهلي وأتيت إلى مكة وأحرمت عند الميقات، وفعلت وفعلت، واشغلك عن الطواف. فتقول: يا أخي دعني أنا في عبادة، لكن لو سألك إنسان سؤال مضطر فقال: ما تقول فيما إذا طفت ودخلت مع باب الحجر، فذا تجيبه؛ لأن هذا ضرورة ولا بأس.
ص 835: هل يجوز للطائف أن يقرأ القرآن وهو يطوف بالمصحف أو عن ظهر قلب، ولو قال: أنا أريد أن أقرأ القرآن بصوت مرتفع وبتجويد أيجوز أو لا يجوز؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للإنسان أن يرفع صوته بالقرآن ليشوش على الآخرين، ولا في الدعاء من باب أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه ذات يوم وهم يقرءون ويجهرون بالقراءة فقال: "لا يؤذي بعضكم بعضاً بالقراءة" لا تجهر به فتؤذي غيرك، فكيف بالدعاء؟ ربما يكون صوتك قوياً فاتق الله، قال الله تبارك تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وأنت إذا دعيت وجهرت على إخوانك شوشت عليهم لا يدرون ماذا يقولون، فأتق الله يا أخي واعلم أن الله يسمع وإذا كان يسمع(22/318)
فلماذا ترفع صوتك هذا الرفع؟! ثم إني أقول: هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم ليسمعهم من خلفهم إن هؤلاء الذين يدعون خلفهم- وأظن والعلم عند الله- أن هذا الذي يجيب الداعي برفع الصوت لا يدري ما يقول وإنما يمشي معه ويتبعه بدون دليل، والمشروع للمسلمين في الطواف وفي المسعى أن يدعوا ربهم تضرعاً وخفية، تضرعاً في القلوب، وخفية في اللسان بدون صوت مزعج، وإذا أتى الإنسان إلى المطاف في غير أيام المواسم والناس يدعون الله كل يدعو لنفسه يخفى ويتضرع فيجد
لذة عظيمة في الطواف، وكذلك في السعي تجد هذا لذلك جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " (1) . فينبغي للحجاج أن يتأملوا في هذا الحديث ويفكروا لا أن يأتوا من بلادهم تاركين أهليهم وأولادهم وباذلين الأموال الكثيرة من أجل أن يأتوا ويؤدوا هذا الحركات وهذه الأقوال دون أن تتأثر القلوب نسأل الله تعالى أن يجعل حجنا مبروراً، وذنبنا مغفوراً، وسعينا مشكوراً، وأن يجعلنا أخوة صادقين متألفين في دين الله.
__________
(1) تقدم ص 303.(22/319)
س836: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: أديت فريضة الحج في عام مضى ولكن حينما دخلنا الحرم بقصد الطواف والسعي للعمرة كان معنا أحد إخواننا ممن سبقونا بأداء
الفريضة وبعد أن طفنا أربعة أشواط اعترض طريقنا، وقال: يكفي هذا الطواف. فقلت له: الذي أعرف أن الطواف سبعة أشواط.
فقال: الطواف حول الكعبة أربعة أشواط والباقي في المسعى وفعلاً اتجهنا إلى المسعى وسعينا سبعة أشواط وأكملنا بقية مناسك الحج فما الحكم في عملنا هذا وهل يلزمنا شيء لتصحيحه الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الفتوى التي أفتاكم بها هذا الرجل فتوى غلط وخطأ، وهو بهذا آثم؛ لأنه قال على الله ما لا يعلمه، ولا أدري كيف يجرؤ هذا على مثل هذه الفتيا بدون علم ولا برهان؟! أن يتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا يفتي إلا عن علم بإدراكه لكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إن كان أهلاً لذلك، وإما بتقرير من يثق به من العلماء، وأما الفتوى هكذا فلا ينبغي بل لا يجوز أن يفتي بغير علم لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)) (1) ، وقال سبحانه وبحمده: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)) (2) . وما أكثر الذين يفتون فتاوى بغير علم ولا سيما في الحج، ولكن عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن لا يتجرؤا
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.(22/320)
على الفتوى إلا بعلم؛ لأن المفتي يعبر عن حكم الله عز وجل ويقول على الله وفي دينه فعليه أن يتقي الله تعالى في نفسه، وفي عباد الله، وفي دين الله تبارك وتعالى، وينبغي لكم أنتم- أيها السائل ومن معه- حين قال لكم: إن أربعة أشواط تكفي أن لا تعتدوا بقوله، وقد كان عندكم شبهة " لأنه لابد من سبعة أشواط، ولو أنكم سألتم في ذلك الوقت لأخبرتم بالصواب، ولكن مع الأسف إن كثيراً من الناس يتهاون في هذه الأمور، ثم إذا مضى الوقت وانفلت الأمر جاء يسأل.
وأما الجواب عن مسألتكم هذه: فإن عمرتكم لم تصح؛ لأنكم لم تكملوا الواجب في طوافها، فيكون حلكم منها في غير محله وإحرامكم للحج يكون إحراماً بحج قبل تمام العمرة، وتكونون في هذا الحال قارنين، بمعنى أن حكمكم حكم القارن؛ لأنكم أدخلتم الحج على العمرة، وإن كان إدخالكم هذا بعد الشروع في الطواف لكن هذا الطواف لم يكن صحيحاً حينما قطعتموه قبل إكماله، فيكون حجكم حج قران بعد أن أردتم التمتع، ويكون الهدي الذي ذبحتموه هدياً عن القرآن لا عن
التمتع، ويكون عملكم هذا مجزئاً ومؤدياً للفريضة فريضة الحج وفريضة العمرة، وأما ما فعلتموه بعد التحلل من العمرة فإنه لا شيء عليكم فيه، لأنكم فعلتموه عن جهل، والجاهل لا شيء عليه إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام؛ لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (1) ولقوله عز وجل: (وَلَيْسَ
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 286.(22/321)
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (1) إلا أنني ألومكم حيث قصرتم في عدم السؤال في حينه ولو أنكم سألتم حين أنهيتم أعمال العمرة حتى يتبين لكان هذا هو الواجب
عليكم.
س 837: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو طواف القدوم وما كيفيته؟
فأجاب فضيلته بقوله: طواف القدوم هو الطواف بالبيت العتيق أول ما يقدم مكة، فإن كان محرماً بالحج مفرداً فهذا طوافه طواف سنة وليس بواجب، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله عروة بن المضرس- رضي الله عنه- وهو في مزدلفة في صلاة الصبح سأله بأنه لم يدع جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حج وقضى تفثه " (2) ولم يذكر عروة أنه طاف بالبيت، فدل هذا على أن طواف القدوم للحاج المفرد سنة وليس بواجب.
وكذلك من طواف القدوم إذا طاف للعمرة أول ما يقدم سواء كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج، أو كان محرماً بعمرة مفردة،
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 5.
(2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من يدرك عرفة (رقم 195) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع (رقم 891) وابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل فجر ليلة جمع (رقم 3016) وابن خزيمة (رقم 2820) والحاكم، 1/463 وصححه الترمذي والحاكم.(22/322)
فإن هذا الطواف -القدوم- كان ركناً في العمرة يسمى طواف القدوم أيضاً؛ لأنه متضمن لطواف العمرة الذي هو الركن، ولطواف القدوم، وهذا بمنزلة من يدخل المسجد فيصلي الفريضة، فتكون هذه الفريضة فريضة وتحية المسجد في آن واحد.
كذلك يكون لمن حج قارناً لأن الحاج القارن أفعاله كأفعال المفرد تماماً إلا أنه يمتاز عنه بأنه يحصل على نسكين، وأنه يجب عليه الهدي هدي التمتع، لقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) (1) وقد ذكر العلماء أو أكثرهم أن القارن كالمتمتع، وبعضهم أطلق على القارن اسم المتمتع.
س 838: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقول: لقد أحرمت بالعمرة وأديت مناسكها غير أني طفت بالبيت الحرام أكثر من سبع مرات؛ لأنني كنت مشغولة بالدعاء، ولا أستطيع حصر
العدد، فكنت أعد من الأول في كل مرة وتقريباً طفت أكثر من عشرين مرة، وقلت في نفسي: أطوف أكثر من باب الخير، فهل هذا يجوز وهل عمرتي صحيحة أم غير صحيحة نرجو التوضيح
يافضيلة الشيخ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى بالمسلم والأجدر به أن يكون
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 196.(22/323)
مهتماً بعبادته، وأن يكون حاضر القلب فيها حتى لا يزيد فيها ولا ينقص، ومن المعلوم أن المشروع في الطواف أن يكون سبعة أشواط فقط بدون زيادة، ولا تنبغي الزيادة على سبعة أشواط، ولكن إذا شك هل أتم سبعة أو ستة ولم يترجح عنده أنها سبعة فإنه يأتي بواحد أي بشوط واحد يكمل به الستة، ولا ينبغي أن يزيد عن العدد الذي شرعه الله عز وجل، في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكون الإنسان يشتغل بالذكر والدعاء في الطواف لا يمنع أبداً أن يكون حاضر القلب في عدد الطواف، لكن لو فرض أن الإنسان زاد على سبعة أشواط فإن طوافه لا يبطل، لانفصال كل شوط عن الآخر، بخلاف الصلاة فإنه لو صلى الرباعية خمساً لم تصح صلاته لأنها جزء واحد، فإنه في صلاة من حين أن يكبر يدخل في تحريم الصلاة إلى أن يسلم، أما الطواف فإن كل شوط مستقل بنفسه وإن كان سبعة أشواط متوالية، لكن إذا زاد ثمانية أو تسعة أو عشرة فإن ذلك لا يبطل الطواف.
س 839: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم خاص بالرجال أم عام للنساء والرجال؟ وهل يشرع الرمل في الشوط كله أو بعضه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرمل خاص بالرجال، فالنساء لا يسن في حقهن الرمل، ولا السعي الشديد بين العلمين في المسعى.
وهو خاص بالأشواط الثلاثة الأولى، ويستوعب جميع(22/324)
الشوط، يعني من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، لأنه آخر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع (1) ، أما في عمرة القضية فكانوا يرملون من الحجر إلى الركن اليماني، ويمشون ما بين الركنين لأجل إغاظة قريش (2) ، وقد كانت قريش في الجهة الشمالية من الكعبة فإذا اختفى الصحابة- رضي الله عنهم- صاروا يمشون مشياً، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع رمل في الأشواط كلها أي الأشواط الثلاثة الأولى كلها.
س 840: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الطواف والسعي عبادة مستقلة أو هما جزء من العمرة والحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف بالبيت عبادة مستقلة تارة، وجزء من عبادة تارةً أخرى، فهو جزء من الحج والعمرة، وعبادة مستقلة يتعبد لله تعالى به في كل وقت بدون إحرام.
وأما السعي بين الصفا والمروة فليس عبادة مستقلة، بل هو جزء من العبادة، جزء من الحج والعمرة، ولا يتعبد لله تعالى به وحده بدون حج ولا عمرة.
س 841: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن تزاحم النساء علي الحجر ومزاحمة الرجال واختلاطهن بالرجال؟
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب كيف كان بدء الرمل (رقم 1602) ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف في الحج والعمرة (رقم 1266) .(22/325)
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن التزاحم على الحجر إلى هذا الحد المشاهد خلاف السنة، هؤلاء الذين يتزاحمون هذا الزحام على الحجر هل يكون في قلوبهم خشوع واستحضار أنهم يقيمون ذكر الله؟! أبداً، بل رأينا من الجهال من هو في صلاة الفريضة يقوم يركض قبل أن يسلم الإمام من أجل أن يقبل الحجر ولا يطوف أيضاً، وتقبيل الحجر بدون طواف ليس مشروعاً فيما نعلم؛ لأن تقبيل الحجر من مسنونات الطواف لكن الجهل يغلب على الناس.
س842: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تقبيل الحجر الأسود مشروع بدون طواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر لي أن تقبيل الحجر الأسود من سنن الطواف، وأن تقبيله بدون طواف ليس بمشروع.
س843: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يحصل الزحام الشديد لتقبيل الحجر فهل هذه مشروع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الزحام لتقبيل الحجر غير مشروع وغير مسنون، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمر: "إنك رجل قوي فلا تزاحم، فتؤذي الضعيف، إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر" (1) والزحام يحصل به أذية على الطائف
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/28) والبيهقي (5/80) وحسنه محققو المسند الشيخ شعيب الأرناؤوط وإخوانه (1/321 رقم 190) .(22/326)
وعلى الآخرين، ويذهب عن القلب الخشوع الذي يراد للعبادة؛ لأنه يكون مشغولاً بنفسه لا يدري هل يستطيع الخروج أو لا، فلذلك نرى أنه ليس من السنة أن تزاحم لتقبيل الحجر، والحمد لله
يكفي عن التقبيل أن تشير إليه.
س 844: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يلاحظ التحلق على النساء في المطاف حتى يستدبر بعضهم الكعبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: التحلق على النساء في المطاف صورته: إذا كانوا يطوفون يتحلقون على النساء حتى إن بعضهم يمشي في الطواف وقد جعل الكعبة خلف ظهره، والثاني جعل الكعبة أمام وجهه، وكلا الرجلين لا يصح طوافه؛ لأنه لابد أن يكون البيت عن يسارك وأنت تطوف، فلذلك يجب التنبه لهذا.
س 845: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رأيت بعض الطائفين يدفع نساءه لتقبيل الحجر فأيهما أفضل تقبيل الحجر أو البعد عن مزاحمة الرجال؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا السائل رأى هذا الأمر العجيب، فأنا رأيت أمراً أعجب منه، رأيت من يقوم قبل أن يسلم من الفريضة ليسعى بشدة إلى تقبيل الحجر، فيبطل صلاته الفريضة
المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام، لأجل أن يفعل هذا الأمر الذي ليس بواجب، وليس ابمشروع أيضاً إلا إذا قرن بالطواف، وهذا من جهل الناس الجهل المطلق الذي يأسف الإنسان له،(22/327)
فتقبيل الحجر واستلام الحجر ليس بسنة إلا في الطواف، لأني لا أعلم أن استلامه مستقلاً عن الطواف من السنة، وأنا أقول في هذا المكان- المسجد الحرام- لا أعلم، وأرجو ممن عنده علم خلاف ما أعلم أن يبلغنا به جزاك الله خيرا.
إذا فهو من مسنونات الطواف، ثم إنه ليس بمسنون إلا حيث لا يكون بذلك أذية لا على الطائف ولا على غيره، فإن كان في ذلك أذية على الطائف أو على غيره، فإننا ننتقل إلى المرتبة الثانية
التي شرعها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث إن الإنسان يستلم الحجر بيده ويقبل يده. فإن كانت هذه المرتبة لا يمكن أيضاً إلا بأذى أو مشقة فإننا ننتقل إلى المرتبة الثالثة التي شرعها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي الإشارة إليه، فنشير إليه بيدنا، لا بيدينا الاثنتين، ولكن بيدنا الواحدة اليمنى نشير إليه ولا نقبلها هكذا كانت سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا كان الأمر أفضع وأشد كما يذكر السائل أن الإنسان يدفع نساءه وربما تكون المرأة حاملاً، أو عجوزاً، أو فتاة لا تطيق، أو صبياً يرفعه بيده ليقبل الحجر، كل هذا من الأمر المنكر، لأنه يحصل بذلك ضرر على الأهل، ومضايقة ومزاحمة للرجال، وكل هذا مما يكون دائراً بين التحريم أو الكراهة، فعلى المرء أن لا يفعل ذلك ما دام الأمر ولله الحمد واسعاً فأوسع على نفسك، ولا
تشدد فيشدد الله عليك.(22/328)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد وصلني نسخة مما كتبته إحدى الأخوات في مسائل تتعلق بالنساء خصوصاً في رمضان، ومن ضمن ذلك مسألة خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وأن ذلك قد أُلغِيَ بسبب وجود السترة في هذه الأزمان، وزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه سترة، وقد قرضتم تلك النصيحة.
وحيث إنه مر علينا في قراءتنا لمناسك الحج هذه الأيام مسألة الرمل في الأشواط الثلاثة من طواف القدوم، وأن سببه إظهار القوة والجلد عند المشركين في تلك العمرة، ورد ما قالوه من ضعف المسلمين من حمى يثرب. وحيث إن هذه العلة زالت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحكم باقٍ إلى قيام الساعة. فما الذي يزيل الحكم في مسألة صفوف النساء إذا زال سببه علماً بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر السبب؟ بينوا لنا وجه الصواب. وفقكم الله وسدد
خطاكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/329)
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مسألة الرمل بقيت المشروعية فيه في حجة الوداع مع زوال السبب، بل زيد في ذلك ما بين الركنين اليماني والأسود، حيث كان قبل ذلك لا رمل فيما بينهما، وقد صح في البخاري أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: "مالنا وللرمل إنما كنا راءينا به المشركيين، وقد أهلكهم الله " ثم قال: "شيء صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه " (1) ثم إن من حكمة بقاء هذه السنة أن يتذكر المسلمون أن إغاظة الكفار من الأمور المقصودة شرعاً، وأن الكفار أعداء للمسلمين يحبون لهم الضعف والعجز، ويظهرون الشماتة فيهم، نسأل الله أن يخذلهم وينصرنا عليهم.
أما من جهة صفوف النساء فلم تتغير الحال في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فهمنا الحكمة من حثهن على التأخر بعدهن عن الرجال كما كن يصلين مع الرجال في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا صلين وحدهن عادت فضيلة الصف الأول كما لو صلين جماعة فإن الصف الأول في حقهن أفضل، هذا ما تبين لي والعلم عند الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه
محمد الصالح العثيمين
في 19/11/1410 هـ
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل (رقم 1887) .(22/330)
س 846: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم أن الطائف يشرع له في طوافه أن يقبل الركن الأسود إن أمكن وإلا يلمس أو يكبر وهذا في الشوط الأول فما حكم بقية الأشواط؟ وما
الحكم لو لم يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: جميع الأشواط حكمها واحد، وإن لم يفعل فليس عليه شيء، لأن التكبير والتقبيل والمسح سنة، والمقصود الطواف.
س 847: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا انتهى الإنسان من الشوط السابع في الطواف فهل يسن له استلام الحجر والتكبير؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسن له استلام الحجر، ولا التكبير في نهاية الشوط الأخير، لأن الطواف انتهى، والاستلام والتكبير إنما هما في أول الشوط لا في آخره.
س 848: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك ذكر مشروع عند مسح الركن اليماني؟
فأجاب فضيلته بقوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ولم يكن يكبر كما ثبت ذلك من حديث جابر- رضي الله عنه- (1) وعلى هذا فلا يسن التكبير عند استلامه.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(22/331)
س 849: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الدعاء المشروع للطائف بين الركن اليماني والحجر الأسود؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع: أن يقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أما تكملة الدعاء (وأدخلنا الجنة مع الأبرار) . فهذا لا أصل له، وبعضهم يزيد: (يا عزيز يا غفار يارب العالمين) وهذا لا أصل له.
ولكن إذا قدر أن الإنسان قال هذا الدعاء ولم يصل إلى الحجر بأن كان المطاف مزحوماً مثلاً، فإنه يكرر هذا الدعاء مرة بعد أخرى حتى يصل إلى الحجر الأسود.
س 850: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للركن اليماني كثير من الناس وخاصة أيام الزحام لا يستطيعون أن يمسحوه فيكبرون إذا حاذوه فما حكم التكبير والإشارة إليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا التكبير لا أعلم له أصلاً، ولا أعلم للإشارة أصلاً أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا لم يعلم لذلك أصل لا لأشارة ولا لتكبير، فإن الأولى أن لا يكبر الإنسان ولا يشير.
وأما الحجر الأسود فقد ثبت فيه التكبير والإشارة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبما أننا نتحدث عن الطواف فإن من البدع أيضاً ما يوجد في هذه الكتيبات التي تجعل لكل شوط دعاء خاصاً، فإن هذا ليس وارداً عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا ينبغي للمسلم التزامه ولا العمل به أيضاً؛ لأن كل شيء لم يرد عن الرسول عليه الصلاة(22/332)
والسلام مما يتعبد لله به فإنه بدعة ينهى عنها، وهو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "كل بدعة ضلالة" ولو أن الإنسان اتخذ دعاء عاماً مما وردت به السنة غير مخصص بكل شوط، لقلنا: إن هذا لا بأس به، بشرط أن لا يعتقد مشروعيته في الطواف، ولو أن الإنسان دعا لنفسه بما يريد وذكر الله تعالى بما يحضره من الأذكار المشروعة لكان هذا أولى فالوجوه إذن ثلاثة: تارة يذكر الإنسان ربه بما تيسر ويدعوه بما يحب، هذا خير الأقسام، وتارة يذكر الله تعالى بما ورد ويدعوه بما ورد غير مقيد بشوط معين فهذا لا بأس به إذا لم يعتقد الإنسان أنه سنة في الطواف، والقسم الثالث: أن يدعو الله سبحانه وتعالى في كل شوط بدعاء مخصص له فهذا بدعة، ولا ينبغي للإنسان أن يتخذه ديناً يتقرب به إلى الله عز وجل، وهذه الطريقة يحصل بها في الحقيقة مفسدة من الناحية العملية- غير الناحية الاعتقادية والمشروعية- وهي أن كثيراً ممن يأتون بهذا الدعاء لا يفهمون
معناه ولا يدرون، ولهذا نسمعهم أحياناً يأتون بالعبارة على وجه تكون دعاءً عليهم لا دعاءً لهم، لأنهم لا يفهمون ولا يعرفون، وأحياناً يكونون غير عرب فلا يعرفون الحروف العربية فيكسرونها
ويغيرون معناها، ولهذا لو أن علماء المسلمين وجهوا إلى الطريق السليم، وقالوا: إن هذا الطواف لا حاجة إلى أن تدعو بهذه الطريقة التي ليست من السنة، وإنما تدعون الله تعالى بما تحبون أنتم، ولكل إنسان رغبة خاصة ومطلب خاص يسأله ربه، لكان هذا أولى وأحسن، وأسلم أيضاً من هذا التهويش الذي يحصل(22/333)
برفع الأصوات، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وهم يصلون ويجهرون فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" أو قال: "في القرآن " (1) والحديث رواه مالك في الموطأ، وهو صحيح كما قاله ابن عبد البر، وعلى هذه فنسلم إذا تجنبنا هذه الطريقة التي عليها كثير من الحجاج اليوم نسلم من التشويش، ويكون الطواف هادئاً، ويكون خاشعاً، وكل إنسان يدعو ربه بما يريد، وأسأل الله تعالى أن يحقق ذلك للأمة
الإسلامية.
س 851: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك دعاء خاص لمناسك الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس هناك دعاء خاص بالحج والعمرة بل يقول الإنسان ما شاء من دعاء، ولكن إذا أخذ بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أكمل، مثل الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وكذلك ما ورد من الدعاء في يوم عرفة، وما ورد من الذكر على الصفا والمروة وما أشبه ذلك، فالشيء الذي
يعلمه من السنة ينبغي أن يقوله، والشيء الذي لا يعلمه، يكفي عنه ما كان في ذهنه مما يعمله، وهذا ليس على سبيل الوجوب أيضاً، بل هو على سبيل الاستحباب.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (2/36) وصححه محققو المسند الشيخ شعيب وإخوانه (8/523 رقم 4928) .(22/334)
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنما يكتب في المناسك الصغيره التي تقع في أيدي الحجاج والعمار من الأدعية المخصصة لكل شوط، أقول: إن هذا من البدع، وفيها من المفاسد ما هو معلوم فإن هؤلاء الذين يقرؤنها يظنون إنها أمر وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يعتقدون التعبد بتلك الألفاظ
المعينة، ثم إنهم يقرؤنها ولا يعلمون المراد بها، ثم إنهم يخصون هذا الدعاء بكل شوط، فإذا انتهى الدعاء قبل تمام الشوط كما يكون في الزحام سكتوا في نهاية الشوط، وإذا انتهى الشوط قبل انتهاء هذا الدعاء قطعوا الدعاء وتركوه، حتى لو أنه قد وقف على قوله (اللهم) ولم يأتِ بما يريد قطعه وتركه، وكل هذا من الأضرار التي تترتب على هذه البدعة، وكذلك ما يوجد في هذه المناسك
من الدعاء عند مقام إبراهيم، فإن هذا لم يرد عن النبي عليه السلام والسلام أنه دعا عند مقام إبراهيم وإنما قرأ حين أقبل عليه (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (1) وصلى خلفه ركعتين، وأما هذا الدعاء الذي يدعون به يشوشون به على المصلين عند المقام فإنه منكر من جهتين:
الأولى: أنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهو بدعة.
الثانية: أنهم يؤذون به هؤلاء المصلين الذين يصلون خلف المقام.
وغالب ما يوجد في هذه المناسك مبتدع: إما في كيفيته، وإما في وقته، وإما في موضعه. نسأل الله الهداية.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 125.(22/335)
س 852: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التزام دعاء معين لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي؟ وما حكم ترديد بعض الأدعية وراء المطوف بصوت مرتفع إذا حصل من رفع
الصوت تشويش على المصلين والطائفين وغيرهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معين من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغاية ما ورد التكبير عند استلامِ الحجر الأسود وقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي فهو ذكر مطلق وقرآن ودعاء لا يخصص به شوط دون آخر.
وأما الدعاء من شخص يتبعه فيه نفر خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله فلا أصل له أيضاً من عمل الصحابة- رضي الله عنهم-.
وأما رفع الصوت به فإن كان فيه تشويش على الطائفين وإزعاج لهم فيكون منهياً عنه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه وقد سمعهم يقرأون جهراً وهم يصلون في المسجد فقال- عليه الصلاة والسلام- "لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن " أو قال: "في القراءة" (1) فهكذا نقول لهؤلاء الطائفين لا تجهروا على الناس فتؤذوهم، ولكن كل يدعو بما يحب، ولهذا لو أن هؤلاء
المطوفين وجِّهوا إلى أن يقولوا للناس: طوفو فكبروا عند الحجر الأسود وقولوا: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً
__________
(1) تقدم ص 318.(22/336)
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وادعوا بما شئتم في بقية الطواف، واذكروا الله، واقرأوا القرآن وصاروا يتابعونهم على هذا، لكان هذا أحسن، وأفيد للناس، لأن كل إنسان يدعو ربه بما يحتاج إليه، وهو يعرف المعنى الذي يتكلم به بخلاف ما يفعله المطوفون الآن بالدعاء الذي لا يعرفه الداعي خلفه، فلو سألت هذا الداعي خلف المطوّف ما معنى ما يقول؟ لم يفدك -في الغالب- فكون الناس يدعون ربهم دعاء يعرفون معناه ويستفيدون منه خير من هذا.
س 853: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم في القراءة من كتاب المناسك التي تخصص لكل شوط دعاءً؟
فأجاب فضيلته بقوله: القراءة من الكتيبات التي توزع كل شوط له دعاء معين هذا بدعة بلا شك، وهو إشغال للمسلمين عما أتوا من أجله وهو دعاء الله عز وجل، فالإنسان يقرأ الكتيب وربما
لا يدري ما معناه لا يدري وهو كذلك، وسمع بعضهم وهو يقول: (اللهم أغنني بجلالك- بالجيم- وعن جرامك) ولا يدري ما معنى ما يقول، وسمع بعضهم وهو يقول: اللهم أعطنا في الدنيا حسنتوا، وفي الآخرة حسنتوا من أجل حرف العطف ولا يدري، صد المسلمين عن دعائهم الذي يريدون بلية، وهل من المعقول أن تقرأ دعاء لا تدري ما معناه، أو أن تدعو الله بشيء في قلبك تريده من أمور الدنيا والدين، إن الثاني أولى ادع الله بما تريد، كل إنسان يريد حاجة، الفقير يريد غنى والمريض يريد صحة، والشاب يريد زوجة، وهكذا كل إنسان له غرض، والعجيب أنه(22/337)
إذا وصل إلى حد الحجر لو باقي كلمة واحدة من الدعاء وقف لو قال (ربنا آتنا) ووصل الحجر فلا يقول (في الدنيا حسنة) لأنه انتهى الشوط، وربما ينتهي الدعاء قبل تمام الشوط فيسكت، وهذا شيء نسمعه ونسمع به أيضاً، فوصيتي لكم أن تنهوا عن هذه الكتيبات وان تناصحوا عباد الله فإن ذلك من باب النصيحة لله ولكتابه، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللأئمة المسلمين وعامتهم.
س 854: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى: ما حكم هذا الكتاب الذي يستخدمه الناس للقراءة منه أثناء الأشواط في العمرة أو الحج ولم يرد هذا الدعاء الذي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب فضيلته بقوله: السائل يشير إلى مناسك صغيرة يقوم بها بعض الحجاج والعمار مكتوب فيها لكل شوط: دعاء: الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث.. الخ، وهذه بدعة باتفاق الفقهاء، بدعة لا تزيدك من الله إلا بعداً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
ولذلك أقول للأخ السائل: إن استعمال هذه الأدعية لا تزيد الإنسان من الله إلا بعداً ولا تزيده إلا ضلالة، لكن قد يقول الطائف ماذا أقول؟ فنقول: اسأل ربك تبارك وتعالى ما تريد فلك حاجات
في نفسك تريد الدعاء بها لأهلك، ولأخوانك المسلمين فادع ما شئت، ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله. وإذا كان نفد ما عندك(22/338)
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سئمت اقرأ القرآن فالأمر واسع، أما أن تحمل هذه البدعة تتقرب بها إلى الله فهذا خطأ. ثم إن في هذه الكتيبات من الأدعية ما ليس بمشروع أصلاً، ومنها ما لا يعرف معناه من قرأه، حتى ما يعرف معناه، حتى نسمع في بعض الأحيان أناسا يقلبون الكلمات، وأنا سمعت رجلاً يريد أن يقول: (اللهم اغنني بحلالك عن حرامك) فقال: (اللهم اغنني بجلالك) ولا أدري هل قال عن حرامك أو قال عن جرامك المهم أنه أخطأ؛ لأنه لا يدري ما يقول ولا يعرف معناه.
س 855: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان المعتمر أو الحاج لا يعرف إلا القليل من الأدعية فهل يقرأ من كتب الأدعية في طوافه وسعيه وغير ذلك من المناسك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الحاج أو المعتمر يكفيه من الأدعية ما يعرفه، لأن الأدعية التي يعرفها يدعو بها وهو يعرف معناها يسأل الله حاجته فيها، وأما إذا أخذ كتاباً أو مطوفاً يلقنه ما لا يدري عنه فإن ذلك لا ينفعه، وكثير من الناس يتبعون المطوف بما يقول وهم لا يدرون معنى ما يقول:- وكثير من الناس يأخذ هذه الكتيبات ويقرؤها وهو لا يدري ما معناها، وهذه الكتيبات التي فيها لكل شوط دعاء معين هي من البدع التي لا يجوز للمسلم أن يستعملها؛ لأنها ضلالة؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت لأمته دعاءً لكل شوط وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر(22/339)
الله " (1) إذا كان كذلك فإن الواجب على المؤمن الحذر من هذه الكتيبات، وأن يسأل الله حاجته التي يريدها، وأن يذكر الله بما يستطيع وبما يعرف فذلك خير له من أن يستعمل هذه الكتيبات
التي قد لا يعرف معناها، بل قد لا يعرف لفظها فضلاً عن معناها.
س 856: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لو قال قائل سأحمل كتيباً لأتذكر الأدعية ولا أجعلها ديدناً لي بل مجرد التذكر أو أحمل ورقة مكتوب فيها بعض الأدعية المأثورة للتذكر فقط فما
حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا بأس فيه، فإذا كان الإنسان لا يعرف دعاء مأثورا، وأراد أن يحمل أدعية مأثورة يقرأ بها يكون مقصوداً له ولم يخصص كل شوط بدعاء معين فهذا لا بأس به.
ولا حرج فيه.
س 857: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم في استئجار مطوف يطوف بالمعتمر والحاج؟
فأجاب فضيلته بقوله: المطوف هادي ودال؛ لأنه يهدي الناس كيف يصنعون، ويدلهم ماذا يقولون وماذا يعملون، ولهذا ينبغي أن يكون على جانب من الفقه، وعلى جانب من الأمانة، ليس كل من هب ودب يصح أن يكون مطوفاً، بل لابد أن يكون على جانب من الفقه والأمانة، لكي لا يغرهم جهلاً أو عمدا،
__________
(1) تقدم ص 303.(22/340)
وينبغي أن لا يشارط على العمل، يعنى لا يقول لا أطوفك إلا بكذا وكذا، بل يطوف وأن أعطى أخذ، وأن لم يعط لم يطلب؛ لأنه هادي ودليل ومعلم.
وبهذه المناسبة أرى كثيراً من الحجاج بأيديهم كتيبات بها أدعية ما أنزل الله بها من سلطان: دعاء للشوط الأول، ودعاء للثاني، ودعاء للثالث، والرابع إلى آخره، وحتى إني سمعت معتمرًا يقول (اللهم اجعله حجاً مبروراً) فأمسكته وقلت له (أنت حاج وإلا معتمر) فأنبهر وقال: لا أنا معتمر. فقلت أما الآن حاج؛ لأنك تقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً. فعدل العبارة، فقال: أنا أردد خلف المطوف فقلت للمطوف: كيف تقول للناس اللهم اجعله حجاً مبروراً وهم لم يحجوا؛ قال:
سيحجون إن شاء الله. قلت: إذا حجوا فقل لهم حجاً مبروراً، أما الآن لا تقل حجاً مبروراً هذا خطأ، قل: اللهم اجعلها عمرة مقبولة، فالحمد لله فعل وتابع، فهذه مشكلة إذا كان المطوف جاهلاً لا يدري، وهذه الكتيبات فيها أدعية لكل شوط ولهذا تجد بعضهم إذا صار المطاف ضيقاً ينتهون من الدعاء قبل أن يصلوا إلى الركن اليماني فماذا يصنعون، إن كانوا فقهاء أعادوا من جديد، وإن
كانوا غير فقهاء سكتوا يبقى يطوف بلا دعاء وإذا وصل الحجر الأسود قبل أن ينتهي الشوط قطع الكلمة، وإذا قال (اللهم ارزقني الجنة) ووصل الحجر على حد قوله (اللهم ارزقني) حذف كلمة
(الجنة) لأنه انتهى الشوط ولا يمكن أن يأتي بالدعاء زائداً على الشوط، ولهذا أرى من واجب طلبة العلم أن ينبهوا الناس على(22/341)
هذا الشيء، ويقال: يا أخي أنت تقرأ الآن في كتاب لا تدري معناه ربما يحرف فيه الكلام وهذا ليس قرآناً نتعبد بتلاوته ادع الله بما شئت، لكن يجيبك بكل سهولة: أنا لا أجيد الدعاء. فنقول: قل
ما تعرف، قل اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار وكلنا يعرف هذا لو تكررها مئة في الشوط فلا مانع. وكل الناس الذين يدعون الله ويعبدون الله يريدون دخول الجنة والنجاة من النار،
- نسأل الله أن يحقق هذا لنا جميعاً- كل الناس في عباداتهم يريدون الجنة والنجاة من النار، فلو أن الناس نبهوا لهذا الأمر لكان حسناً، في المسعى أيضاً نسمع بعِض الناس إذا صعد إلى الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وإذا صعد المروة قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وإذا جاء الصفا المرة الثانية قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وإذا جاء الثانية إلى المروة قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) هكذا سبع مرات، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قرأها على الصفا وعلى المروة ولا مرة واحدة، يقول جابر - رضي الله عنه- فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ابدأ بما بدأ الله به (1) .
. لم يقل: فلما صعد الصفا، والدنو من الشيء ليس صعوداً علِي الشيء، لما دنا يعني قرب قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ليبين للناس لماذا تقدم إلى الصفا دون المروة، ليبين أنه فعل ذلك امتثالاً لأمر الله فقط، ولهذا قال: (أبدأ بما بدأ الله به) أذن لا يشرع أن أقرأ هذه الآية وأنا فوق الصفا، وإن إذا دنوت من
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(22/342)
الصفا، ولا تشرع في كل مرة بل في أول مرة فقط. وهناك غلط آخر يقول: (حجر إسماعيل) ويعتقد أن هذا الحجر حجره إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والذي يسمع هذه العبارة يظن أن إسماعيل هو الذي بناه، وليس كذلك والذي بنته قريش، فإن قريشاً لما بنت الكعبة قصرت النفقة ما كان عندهم نفقة فقالوا: ماذا نصنع وقرروا أن يقطعوا بعض الكعبة ويبنون البقية التي قدروا عليها، والباقي أحاطوه بجدار حجر، وبجدار فسمي الحجر ولهذا لا تجد لا في السنة ولا في كلام السلف تسمية هذا بحجر إسماعيل، لكن الخطأ من العامة فإسماعيل عليه الصلاة والسلام لا يدري عنه ولا عرف الكعبة إلا كلها مبنية؛ لأن قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام تشمل أكثر الحجر، فهذه من
الغلطات أيضاً، فينبغي لطلبة العلم أن يبينوا للناس مثل هذه الأمور ولكن باللطف واللين.
س 858: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يلاحظ في الوقت الحاضر بشكل ظاهر كثرة استخدام الجوال عند تأدية المشاعر خاصة في الحرم في الطواف والسعي فما توجيهكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله أديت العمرة في رمضان ولا رأيت في هذا إشكالاً، وحضرت المساجد في الجماعة ولا رأيت إشكالاً، وأنا أتعجب من كثرة السؤال في هذا الموضوع والإشكالات، حتى إني سمعت من بعض الناس أن الإمام يقول:(22/343)
اعتدلوا استوو، طفوا البياجر، وكلاماً هذا معناه، فالمسألة لم تصل لهذا إطلاقاً (1) ، لكن لا شك أن الإنسان إذا عرف أن الاتصالات عليه كثيرة وإبقاؤه الهاتف، أو البيجر مفتوحاً لا شك أنه يؤذي، فهذا نقول: قفلها حتى لا يؤذى، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه- رضي الله عنهم- وهم يقرؤون القرآن ويجهرون بالقرآن فنهاهم عن ذلك وقال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً في الجهر بالقراءة" فكيف بهذه الأصوات؟! وعلى كل حال من عرف بنفسه أن الاتصالات تكثر عليه فيقفل هذا الأجهزة.
س 859: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يلاحظ على بعض الحجاج والمعتمرين:
1- الحديث والضحك والممازحة أثناء السعي.
2- يلاحظ الحديث بالجوال والضحك أثناء الطواف.
3- يلاحظ أن بعض الناس لا يكتفي برد السلام بل يسترسل في الحديث عن أمور الدنيا. فما حكم السلام ورده أثناء الطواف؟
فنأمل من فضيلتكم التكرم بالتوضيح والبيان حول ما تقدم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
1- السعي من شعائر الله تعالى، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) فهو من شعائر الله المشروعة في الحج والعمرة، وهو عبادة من العبادات، واللائق بالمسلم إذا كان في
__________
(1) انظر الفتوى التالية.(22/344)
عبادة أن يكون وقوراً خاشعاً لله سبحانه وتعالى، مستحضراً عظمة من يتعبد له، ومستحضراً بذلك الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " (1) فكون الإنسان يعبث ويضحك ويصوت فهذا، وإن كان لا يبطل السعي، لكنه ينقصه نقصاً بالغًا، وربما يصل إلى درجة الإبطال إذا فعل ذلك استخفافاً بهذا المشعر أو بهذه الشعيرة، ولهذا يروى: "الطواف بالبيت
صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير ".
2- الكلام في الطواف أشد من الكلام في السعي؛ لأن الطواف مشروع في كل وقت، والطهارة فيه واجبة، أو شرط على قول جمهور العلماء، وأما السعي فإنما يشرع في العمرة، أو في الحج ويقول الله عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (2) ويقول تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (3) والأفضل للإنسان أن يشتغل في طوافه وسعيه بالدعاء وذكر الله عز وجل.
3- السلام ورده لا بأس به لأنه من الخير، وأما كونهم يسترسلون في الحديث، فهذا لا ينبغي، ثم إن كان الأمر توسع حتى حصل بيع أو شراء كان ذلك محرماً؛ لأن البيع والشراء في المساجد حرام، لاسيما في أفضل المساجد وهو بيت الله الحرام.
__________
(1) تقدم ص 303.
(2) سورة الحج، الآية: 30.
(3) سورة الحج، الآية: 32.(22/345)
س 860: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم المناقشة العلمية بين شخصين فأكثر في أثناء الطواف أو السعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: المناقشة العلمية في الطواف أو السعي لا بأس بها، لا تبطل الطواف ولا السعي، لكن الأفضل أن يشتغل الإنسان بالذكر؛ لأن الطواف ينتهي ويزول، والمناقشة لها وقت، أما الإجابة الخاطفة على سؤال من الأسئلة في أثناء الطواف أو السعي فإنها لا يفوت بها شيء ما لم يكثر السائلون، ولهذا نقول: لا حرج على الإنسان إذا سأله سائل في الطواف أن يقول: انتظر حتى أفرع من الطواف من أجل أن يفرِّغ نفسه للذكر.
س 861: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا نسي الرجل كم طاف حول الكعبة أو كم سعى ستة أو سبعة فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الطواف فنسيانه وارد، يطوف الإنسان فلا يدري هل هذا الخامس، أو السادس، أو السابع، وإذا شك فإن كان عنده غلبة ظن فليبني على غلبة الظن، مثلاً: إذا غلب على ظنه إنها سبعة أشواط يجعلها سبعة وينهي الطواف، وإذا غلب على ظنه أنها ستة يجعلها ستة، أما إذا لم يغلب على ظنه شيء بل هو شك محتمل فليبني على الأقل؛ لأنه يقين، فإذا شك هل هي خمسة أو ستة بدون أن يرجح فليجعلها خمسة.
أما السعي فالخطأ فيه قليل لأن فيه علامة فإن ختمت بالصفا فأنت إما زائد شوطاً وإما ناقص شوطاً، وإن ختمت بالمروة فأنت أما مصيب، أو زائد، أو ناقص على كل حال نقول فيه ما قلنا في(22/346)
الطواف إذا غلب على ظنك أحد العددين فاعمل به وإذا كان الشك متساوياً فخذ بالأقل.
س 862: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا شك الإنسان في الطواف فهل يسجد للسهو باعتبار أن الطواف بالبيت صلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسجد؛ لأنه لا يتعبد في الطواف بالسجود، فإذا كان الأصل ليس فيه سجود، فكيف إذا كان فيه شك؟! كيف يجبر بالسجود وهو أصلاً ليس فيه سجود؟!.
س 863: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة بدأت الطواف للعمرة فنقص عليها شوط كامل جهلاً منها بعد أن ضاع وليها فماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليها إن وجدت وليها عن قرب أن تأتي بما نقص من أشواط، واحداً كان، أو أكثر، وأما إذا لم تجده إلا بعد مدة تنقطع بها الموالاة فإن عليها أن تعيد الطواف من جديد؛ لأن الطواف عبادة واحدة لابد أن يكون متوالياً، ولا يسمح بقطعه إلا إذا أقيمت الصلاة المفروضة، أو حضرت جنازة، أو تعب فاستراح قليلاً ثم استأنف وأكمل.
س 864: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة حجت مع زوجها حج تمتع وفي الشوط السادس من طواف العمرة قال زوجها إنه السابع وأصر على رأيه فهل عليها شيء؟(22/347)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت هي تتيقن أنها في الشوط السادس وأنها لم تكمل الطواف، فإن عمرتها لم تتم حتى الآن؛ لأن الطواف ركن من أركان العمرة، ولا يمكن أن تتم العمرة إلا به. فإذا أحرمت بالحج بعدُ صارت قارنة، لأنها أدخلت الحج على العمرة قبل انتهائها، وإن حصل عندها شك حين رأت زوجها مصمماً على أن هذا هو الشوط السابع، فإنه لا شيء عليها؛ لأنه
إذا حصل عندها شك وعند زوجها اليقين فإنها ترجع إلى قول زوجها لترجحه. والله أعلم.
س 865: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من نسي شيئاً من أشواط الطواف أو السعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نسي الإنسان شيئاً من أشواط الطواف والسعي فإن ذكر قريباً أتم ما بقي عليه، فلو طاف ستة أشواط بالبيت ثم انصرف إلى مقام إبراهيم ليصلي، وفي أثناء انصرافه ذكر أنه لم يطف إلا ستة أشواط، فإنه يرجع من الحجر الأسود ليأتي بالشوط السابع ولا حرج عليه، أما إذا لم يذكر إلا بعد مدة طويلة، فإن كان الطواف طواف نسك وجب عليه إعادة الطواف من جديد؛ لأن طوافه الأول لم يصح لكونه ناقصاً، ولا يمكن بناء ما تركه على ما سبق بدون الوصل بينهما، فيستأنف الطواف من جديد، وهكذا نقول في السعي أنه إذا نسي شوطاً من السعي فإن ذكر قريباً أتى بالشوط الذي نسيه، وإن طال الفصل أستأنفه من جديد، هذا إذا قلنا: إن الموالاة في السعي شرط، أما(22/348)
إذا قلنا: إنها ليست بشرط، كما هو قول بعض أهل العلم فإنه يأتي بما نسي ولو طال الفصل، ولكن الأحوط أن يبدأ السعى من جديد إذا طال الفصل؛ لأن ظهور كون الموالاة شرط أبلغ من عدم كونها شرطاً.
س 866: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ماذا يفعل الحاج أو المعتمر إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي فإنه يدخل مع الجماعة، وإذا انتهت الصلاة أتم الشوط من حيث وقف، ولا يلزمه أن يأتي به من أول الشوط، فإذا قدر أنه
أقيمت الصلاة وهو في منتصف الشوط الثالث من السعي فليقف مكانه ويصلي، ثم إذا سلم الإمام أتم السعي من مكانه، وإن لم يكن حوله أحد يصلي معه في المسعى، فإنه يتقدم ويصلي حيث يجد من يصافه، وإذا سلم من الصلاة خرج إلى المسعى وأتم من المكان الذي قطعه منه ولا يلزمه أن يعيد الشوط من ابتدائه، وهكذا في الطواف لو أقيمت الصلاة وأنت بمحاذاة الحجر من الناحية الشمالية مثلاً فإنك تصلي في مكانك؛ فإذا انتهت الصلاة أتم الشوط من المكان الذي وقفت فيه، ولا حاجة أن تعيد الشوط من الحجر الأسود.
س 867: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم الحاج أو المعتمر قطع الطواف أو السعي للصلاة؟(22/349)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت الصلاة فريضة وجب عليه أن يقطع الطواف أو السعي ليصلي؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وقد رخص للإنسان أن يقطع سعيه من أجلها فيكون خروجه من
السعي أو الطواف خروجاً مباحاً، ودخوله مع الجماعة دخولاً واجباً، أما إذا كانت الصلاة نافلة كما لو كان ذلك في قيام الليل في التراويح في رمضان فلا يقطع السعي أو الطواف من أجل ذلك،
لكن الأفضل أن يتحرى فيجعل الطواف بعد القيام أو قبله، وكذلك السعي لئلا يفوت على نفسه فضيلة قيام الليل مع الجماعة.
س 868: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس يتمسحون بجدران الكعبة وكسوتها وبالمقام والحجر فما حكم ذلك العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل يفعله الناس يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل تريد به التقرب والتعبد لله ليس له أصل في الشرع فإنه بدعة حذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، وكل بدعة ضلالة" (1) ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح سوى الركن اليماني والحجر الأسود، فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة، أو جهة من جهاتها غير الركن اليماني والحجر الأسود فإنه يعتبر مبتدعاً، ولما رأى عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- معاوية بن أبي سفيان
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة (867) .(22/350)
- رضي الله عنه- يمسح الركنين الشماليين نهاه، فقال له معاوية - رضي الله عنه- ليس شيء من البيت مهجوراً فقال ابن عباس - رضي الله عنهما- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد
رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام يمسح الركنين اليمانيين) يعنى الركن اليماني والحجر الأسود، فرجع معاوية رضي الله عنه إلي قول ابن عباس لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (1) ومن باب أولى في البدعة التمسح بمقام إبراهيم فإن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه تمسح بأي جهة من جهات المقام، وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم،
والتمسح بأعمدة الرواق وغير ذلك مما لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فكل ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة.
س 869: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الذين يتمسحون بأستار الكعبة ويدعون طويلاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هؤلاء أيضاً عملهم لا أصل له في السنة، وهو بدعة يجب على طالب العلم أن يبين لهم هذا، وأنه ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الالتزام بين الحجر الأسود وباب الكعبة فهذا قد ورد عن الصحابة- رضي الله عنهم- فعله، ولا بأس به لكن ما يحدث من مزاحمة والضيق كما يشاهد اليوم فلا ينبغي على الإنسان أن
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 21.(22/351)
يفعل ما يتأذى به غيره في أمر ليس من الواجبات.
س 870: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الالتزام هل هو تعلق بهذا الجزء بين الحجر الأسود والبيت أم أنه وقوف ودعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، هو وقوف والتصاق، يلصق الإنسان يديه وذراعيه ووجهه، أو خده على هذا الجدار.
س 871: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في عام مضى حججنا متمتعين وفي أحد الأطوفة لا أتذكر بالضبط هل هو طواف العمرة أو الإفاضة أو الوداع طفنا من داخل الحجر جهلاً منا بعدم
جواز ذلك ولا نتذكر عدد الأشواط التي حصل فيها الطواف من داخل الحجر، وقد حججنا بعد ذلك وتلافينا ما حصل، فماذا يجب علينا تجاه ما حصل في الحج السابق مأجورين؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عندي جواب على هذا.
س 872: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة وزوجها أخذا عمرة وطافا ستة أشواط وفي الشوط السابع دخلا ما بين الكعبة والحجر ثم رجعا إلى بلدهما. فما الحكم في هذه الحالة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف الذي يدخل فيه الإنسان بين الحجر وبين الكعبة طواف ناقص، لأن الواجب أن يكون الطواف بجميع الكعبة مع الحجر لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ(22/352)
الْعَتِيقِ) (1) وإذا كان طوافاً ناقصاً لم يكن عليه أمر الله ورسوله. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) أي مردود عليه.
وبهذا يتبين أن طواف هذين الشخصين- الرجل وزوجته- طواف غير صحيح، فيجب عليهما الآن، فوراً أن يلبسا ثياب الإحرام، وأن يذهبا إلى مكة فيطوفا بنية العمرة، ويسعيا ويقصرا، أو يحلق الرجل وتقصر المرأة. وبذلك يحلان من إحرامهما. هذا هو الواجب عليهما الآن.
وأما ما ارتكباه من فعل المحظور وهو صادر عن جهل منهما فلا إثم عليهما فيه ولا فدية، لقول الله تبارك وتعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (3) وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى قال: (قد فعلت) (4) .
س 873: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الرجل والمرأة في السؤال السابق عرفا أن العمرة باطلة ومع ذلك يرتكبان كثيراً من المحظورات بعد علمهما أنها باطلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا عن جهل أيضاً، لأنهما ظنا أنها بطلت وحلا منها، كما أن الصلاة إذا بطلت خرج الإنسان منها، فهو أيضاً صادر عن جهل، لكن لو علما أنها باطلة وأنهما ما زالا
__________
(1) سورة الحج، الآية: 29.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (1718) .
(3) سورة البقرة، الآية: 286.
(4) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه لم يكلف إلا ما يطاق (رقم 126) .(22/353)
محرمين وفعلا شيئاً من المحظورات لزمهما ما يترتب على فعل ذلك المحظور.
س 874: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف من دخل مع وسط حجر إسماعيل بحيث يضع حجر إسماعيل على يمينه والكعبة على يساره؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً تعبير السائل بحجر إسماعيل خطأ، لأن هذا الحجر ليس لإسماعيل ولا يعرفه إسماعيل- عليه الصلاة والسلام- وهذا الحجر إنما كان من فعل قريش حين أرادوا بناء الكعبة فلم يجدوا أموالاً تكفي لبنائها على أساسها الأول على قواعد إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- فاحتجر منها هذه الجهة، ولهذا سُمِّي الحجر، وتسمى الحطيم أيضاً، لأنه حطّم من الكعبة، وأكثر هذا الحجر من الكعبة، وعلى هذا فإذا طاف الإنسان من دونه بأن دخل من الباب الذي بينه وبين البناية القائمة وخرج مما يقابل فإن شوطه لم يتم؛ لأن الشوط لابد فيه من استيعاب الكعبة والحجر أيضاً، وعلى هذا فمن طاف على هذا الوجه فإن طوافه غير صحيح فعليه إعادته، ولا يترتب عليه ما يترتب على الطواف فلا يحصل به التحلل إذا كان التحلل يتوقف عليه.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه أنه يجب على من أراد الحج أو العمرة أن يتعلم أحكامهما قبل أن يدخل فيهما لئلا يقع في مثل هذا الخطأ العظيم.(22/354)
س 875: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل حاج وفي طواف الإفاضة دخل مع حجر إسماعيل فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: طواف الإفاضة مشكلة فهذا معناه أن الرجل الآن حل التحلل الأول فقط، ويجب عليه أن يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ثم إن شاء أحرم من الميقات بعمرة وطاف وسعى وقصر، ثم طاف طواف الإفاضة عن حجة السابق، وإن شاء طاف طواف الإفاضة فقط ورجع.
ثم إننا ننصح إخواننا الحجاج وغيرهم أن يبقوا مدة بدون سؤال، وقد يتعلل بعض الناس فيقول: ما طرأ على بالي أني أخطأت، لكن بعد ما سمعت من الناس عرفت الخطأ، فنقول: نسأل الله أن يعين هؤلاء، ويعين العلماء أيضاً؛ لأن هذه تحدث مشاكل عند العلماء، ولذلك لو سألت عالمين أو ثلاثة تجد بينهم اختلافاً في الإجابة.
ثم إن السائل يقول: (حجر إسماعيل) وهذا غلط هنا ليس حجر إسماعيل ولم يعلم به ولم يدفن به، هذا الحجر لما هدمت قريش الكعبة وأرادت أن تبنيها قصرت عليهم النفقة فأرادوا أن يخرجوا بعض الكعبة من البناء، ورأوا أن الجهة الشمالية أولى؛ لأن ليس فيها الحجر الأسود فحطموها وأخرجوا منها نحو ستة أذرع ونصف، وأما إسماعيل- عليه الصلاة والسلام- فلا علم له به ولم يدفن به ولا يمكن أن يدفن به وهو بيت الله عز وجل الذي يأمه المسلمون من جميع أقطار الدنيا فتكون قبلتهم قبر آدمي.(22/355)
س 876: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل انتقض وضوؤه في الطواف هل يعيد الطواف من البداية أم يبدأ من الشوط الذي انتقض فيه الوضوء؟ وهل هذا الحكم ينطبق على السعي بين الصفا والمروة.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحدث الإنسان في أثناء الطواف فمن قال من العلماء: إن الوضوء شرط لصحة الطواف قال: يجب عليه أن ينصرف ويتوضأ ويعيد الطواف من أوله؛ لأن الطواف بطل بالحدث، ومن قال: إنه لا يشترط الطهارة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- قال: إنه يستمر ويكمل بقية الطواف ولو كان محدثاً؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح صريح في اشتراط الوضوء في الطواف، وإذا لم يكن هناك دليل صريح صحيح فلا ينبغي أن نبطل عبادة شرع فيها الإنسان إلا بدليل شرعي، ثم إننا في هذه العصور المتأخرة لو أوجبنا على هذا الذي أحدث أثناء الطواف في أيام المواسم، وقلنا: اذهب وتوضأ وارجع ثم ذهب وتوضأ ورجع وبدأ من الأول فانتقض وضوؤه نقول اذهب وهكذا والمشقة لا يتصورها الإنسان إلا من وقع فيها، فمتى يخرج من صحن الطواف، ثم متى يجد ماءً يسيراً تناوله، فالحمامات كلها مملوءة، ثم إذا رجع متى يدخل؟ وإلزام الناس بهذا المشقة الشديدة بغير دليل صحيح صريح يقابل الإنسان به ربه يوم القيامة ليس جيداً، ولهذا نرى أن الإنسان إذا أحدث في طوافه لا سيما في هذه الأوقات الضنكة أنه يستمر في طوافه، وطوافه صحيح، وليس عند الإنسان دليل يلاقي به ربه إذا شق على عباده(22/356)
في أمر ليس فيه شيء واضح، غاية ما هنالك (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام وهذا لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو موقوف على ابن عباس- رضي الله عنهما- ومعلوم أن الطواف يفارق الصلاة ليس في أن الله أباح فيه الكلام، بل في أشياء كثيرة
ليس في أوله تكبير للإحرام ولا في آخره تسليم، ولا فيه قراءة قرآن واجبة، ويجوز فيه الأكل والشرب وأشياء كثيرة يخالف فيها الصلاة.
س 877: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف بالبيت طواف الإفاضة وخلال الطواف أحدث ثم ذهب فتوضأ فرجع فأكمل الطواف بدون استئناف الطواف ظناً منه أن هذا الفعل صحيح فماذا عليه الآن أثابكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف الذي أحدث فيه ثم ذهب فتوضأ إذا قلنا: بأن الطهارة شرط للطواف فإن طوافه الذي حصله فيه الحدث بطل، وبناء آخره على الأول لا يصح، وعلى هذا
فيعتبر الآن غير طائف طواف الإفاضة، أما إذا قلنا: بأنه لا يشترط للطواف الوضوء فإننا ننظر هل طال طلبه للماء ووضوؤه استغرق وقتاً طويلاً، فإن طوافه لم يصح أيضاً؛ لأنه يشترط للطواف
الموالاة أما إذا كان وجد الماء قريباً ثم توضأ ورجع بسرعة فطوافه صحيح.(22/357)
س 878: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: أديت الحج العام الماضي، وأكملت شعائر الحج، غير أني في طواف الوداع انتابني القيء قبل دخولي الحرم، وكنت لا أعرف أن القيء
ينقض الوضوء، فقمت بتأدية الطواف وصليت ركعتين عند مقام إبراهيم، فهل حجي كامل؟ أم علىّ فدية؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن القيء لا ينقض الوضوء؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الدم غير الخارج من السبيلين، والقاعدة أن كل ما خرج من البدن من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وعلى هذا فطوافك صحيح، وكذلك صلاتك ركعتي الطواف خلف المقام صحيحة، وليس عليه فدية، وحجك تام، والله الموفق.
س 879: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل في طواف الوداع في الشوط الثاني أحس أنه دعس على شيء أكرمكم الله مثل البراز في المطاف فشك وفي الشوط الخامس حصل أن الناس
انزاحوا وكلهم يقولون: نجاسة! نجاسة! فحضر عمال النظافة ونظفوا المكان، وفي الطواف كانت زحمة شديدة فعندما انتهى من الطواف رجع وتوضأ ثم صلى ركعتين فما حكم الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف صحيح ولا شيء فيه والنجاسة لا توجب الوضوء وإنما تغسل فقط، وإذا كان الإنسان على وضوئه بقي على وضوئه.(22/358)
س 880: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الطهارة في الطواف شرط؟
فأجاب فضيلته بقوله: جمهور العلماء على أن الطهارة شرط في الطواف لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام واختار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أنها ليست بشرط وأنه يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يطوف وطوافه صحيح، واستدل بأدلة قوية من راجعها تبين له أنه الحق، وحديث (الطواف بالبيت صلاة) (1) لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو موقوف على ابن عباس وأراد ابن عباس- والله أعلم- أن له حكم الصلاة في كون الإنسان يخشع فيه ويذكر الله وما أشبه ذلك، لأن قوله (إلا أن الله أباح فيه الكلام) لا ينطبق فالطواف يجوز فيه الكلام، ويجوز فيه الأكل والشرب، ويجوز فيه السرعة وعدم السرعة، ولا يشترط فيه استقبال القبلة بل لو استقبل الكعبة ما صح طوافه، وليس فيه الفاتحة، ولا تكبيرة
الإحرام، ولا سلام، فكلام شيخ الإسلام في هذا أقرب إلى الصواب، ولكن مع ذلك لا نقول للإنسان: إن طوافه بوضوء وبغير وضوء سواء، بل بالوضوء أفضل بلا شك، وإنما أحياناً يحدث مع الزحمة الشديدة إما بغازات أو بإطلاق بول أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يستطيع الإنسان أن يلزم عباد الله فيقول له: اذهب وتوضأ وأعد الطواف، في هذه الزحمة الشديدة متى يجد ماء
__________
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف (960) ، انظر نصب الراية (3/57) والتلخيص الحبير (174) .(22/359)
يتوضأ به، والمواضع كلها مملوءة، ثم إذا توضأ ورجع هل يؤمن أن لا يحدث؟
لا يؤمن، فيمكن يحدث مرة ثانية، فإذا قلنا: بطل وضوؤك اذهب وتوضأ وذهب متى يجد مكاناً يتوضأ فيه فإذا توضأ وعاد لا يؤمن أن يحدث مرة ثالثة وهلم جرا، فإن جاء شيء لم يتبين في الكتاب والسنة أنه واجب لا سيما مع مشقة التحرز فينظر في إلزام الناس به.
س 881: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الطهارة في الطواف واجبة إذا كان هناك ازدحام شديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: أكثر العلماء على أنها واجبة وأن الإنسان إذا طاف محدثاً فلا طواف له، وإذا أحدث أثناء الطواف فيجب عليه الخروج، لكن يرى شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أنها ليسب واجبة وأن الطواف على طهارة أكمل وأفضل لكن ليست الطهارة بواجبة، ولا شك أن كلام شيخ الإسلام في الوقت الحاضر في أيام الزحام هو الأنسب؛ لأنه أحياناً في طواف الإفاضة في الحج يحدث الإنسان رجلاً كان أو امرأة في أثناء الطواف، فعلى رأي جمهور العلماء يجب أن يخرج من الطواف
ويتوضأ، وعلى رأي الشيخ- رحمه الله- يستمر في طوافه ويكمل ما عليه، ولا شك أن هذا القول أرفق بالناس؛ لأنه لا دليل على أن الطواف لابد فيه من الوضوء، فعلى رأي الشيخ- رحمه الله-
يستمر ويكمل ولا شيء عليه، وهذا الذي نراه ونفتي به، وعلى(22/360)
رأي الجمهور إذا قلنا: اذهب توضأ فسيعاني من الزحام للخروج، وإذا طلع من الزحام فسيعاني من الزحام في دورات المياه، لأن الحمامات كلها مزحومة من الناس، وإذا قدر وتوضأ ثم رجع يطوف وأحدث، نقول: اذهب ثانية، وكلما رجع وأحدث، قلنا اذهب، وهذا وارد في أيام الزحام كثير من الناس لا يتحمل الزحام إطلاقاً ويصيبه الحدث إما قطرة من بوله تخرج، وإما ريح، فنحن نقول؛ فتوانا أن الأفضل وبلا شك أن يطوف على طهارة لأنه إذا طاف سيصلي ركعتين بعد الطواف، وهذا لابد أن يكون على طهارة، لكن في حال المشقة نرى أنه لا بأس أن يطوف على غير طهارة، كذلك لو جاءنا إنسان وأخبرنا أنه طاف على غير طهارة فلا نقول: هل فيه مشقة أو لا؟ نقول الطواف صحيح.
س 882: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لو انتقض الوضوء في أثناء الطواف فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا انتقض وضوء الطائف فإن الواجب عليه أن يخرج من الطواف فيتوضأ ثم يعود ويستأنف الطواف من جديد هذا ما عليه جمهور العلماء؛ لأن من شرط الطواف الطهارة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- إذا انتقض وضوؤه وهو يطوف فإنه يستمر في طوافه ولا يلزمه الوضوء؛ لأن الطواف ليس من شرطه الوضوء، وما قاله شيخ الإسلام- رحمه الله- هو الصحيح؛ لأنه ليس هناك دليل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن الطواف يشترط له الطهارة، غاية ما فيه أن الرسول عليه(22/361)
الصلاة والسلام حين أراد أن يطوف توضأ ثم طاف، وهذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب، كذلك أيضاً في حديث عائشة - رضي الله عنها- لما حاضت قال عليه الصلاة والسلام: "افعلي
ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت " (1) وهذا لأنها حائض، والحيض يلوث المسجد في الغالب، وأيضاً الحائض لا تمكث في المسجد، وكذلك الجنب لا يمكث في المسجد، أيضاً حديث صفية- رضي الله عنها- أنها حاضت بعد الحج فقال: "أحابستنا هي "؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال "فانفروا" (2) فهو دليل على أنها لو كانت حائضاً ما طافت، فيقال: الحيض غير الحدث الأصغر، ولو كانت الطهارة واجبة في الطواف لكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينها للناس؛ لأن كثيرًا من الناس قد لا يكونوا، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام- رحمه الله- وهو الصحيح وهو الذي نفتي به، لكنه لا شك أنه أن كون الإنسان يطوف على طهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة، لكن أحياناً يقع شيء لا يستطيع الإنسان ويشق عليه، مثل أيام الزحمات الكبيرة يحدث ولو قلنا: اذهب وتوضأ فذهب وتوضأ ثم رجع فسوف يستأنف ثم في أثناء الطواف أيضاً أحدث لأن معه غازات مثلاً، فنقول: اذهب وتوضأ ثم ارجع وابتدىء الطواف والوضوء في أيام الزحمة شاق جداً أولاً متى يتهيأ الإنسان لأن يخرج، ثم إذا خرج متى يجد مكان الوضوء خالياً، ثم إذا توضأ ورجع متى يتيسر له أن يدخل فكون نوجب على عباد الله
__________
(1) تقدم ص 92.
(2) تقدم ص 90.(22/362)
شيئاً ليس فيه دليل واضح من الكتاب والسنة مع هذه المشقة العظيمة، الحقيقة أنه لا يسوغ، يعني يجد الإنسان نفسه غير مباح أن يوجب على عباد الله مثل هذا الشيء بدون دليل واضح، نعم لو
كان الأمر سهلاً مثل أيام عدم المواسم يخرج ويتوضأ ويرجع ويعيد الطواف فهذا أمر سهل، نقول: الأحوط أن تفعل هذا، على كل حال الذي نرى ما رآه شيخ الإسلام- رحمه الله- لا يشترط
الوضوء للطواف.
س 883: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج أصابته جنابة ليلة عرفة ومضى في حجه حتى انتهى ورجع إلى بلده فماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد: على هذا الإثم العظيم الكبير حيث أمضى كل هذه الأيام وهو يصلي على غير طهارة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (1) . فالواجب عليه نحو صلاته أن يعيد كل ما صلى قبل اغتساله.
أما بالنسبة للحج فعليه أن يعيد طواف الإفاضة، لأنه طاف وعليه جنابة ولا يصح الطواف من الإنسان وهو عليه جنابة، لأن من عليه جنابة ممنوع من اللبث في المسجد كما قال تعالى: (وَلَا
__________
(1) أخرجه البخاري، بلفظ قريب، كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور (رقم 135) ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة (رقم 224، 225) .(22/363)
جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) (1) ، وعليه إذا كان متزوجاً أن يتجنب أهله حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وفي هذا الحال يحرم من الميقات بالعمرة، ثم يطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي
بطواف الإفاضة وعليه- مع ذلك كله- التوبة إلى الله بالندم على ما حصل منه، وأن يرى نفسه مقصراً، مفرطاً في حق الله، وأن يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذا.
س 884: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج في طواف الحج أحدث في الشوط الرابع وطلع للوضوء ثم عاد وأكمل الشوط الرابع وما بعده فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسألة خطيرة وهذا الطواف غير صحيح؛ لأن الذين يقولون لابد من وضوء يقولون: لما انتقض الوضوء بطل الطواف، ولا يمكن أن يبنى عليه، والذين يقولون: إن الوضوء ليس بشرط، يقولون: هذه المدة قطعت الموالاة، لأنه متى يخرج، ومتى يجد مكاناً خالياً ليتوضأ فيه، ومتى يرجع؟ فعلى هذا الرجل الآن أن يذهب إلى مكة، وإن كان صاحب زوجة لا يقربها حتى يذهب إلى مكة ويطوف بثيابه طواف الإفاضة، ويرجع وإن أحب أن يحرم من الميقات بعمرة فيطوف ويسعى
ويقصر، ثم يطوف طواف الإفاضة فلا بأس.
__________
(1) سورة النساء، الآية: 43.(22/364)
س 885: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل نقض الوضوء مثل خروج الريح أثناء الطواف يفسد الطواف ويلزم منه الإحرام مرة ثانية؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا انتقض وضوء الطائف أثناء الطواف فإن طوافه يبطل عند جمهور العلماء، كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل بالإجماع، وعلى هذا فيجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ، ثم يعيد الطواف من أوله، لأن ما صح بالطهارة من الحدث بطل بالحدث، ولا يلزمه أن يعيد الإحرام وإنما يعيد الطواف فقط، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- إلى أن الطائف إذا أحدث في طوافه، أو طاف بغير وضوء فإن طوافه صحيح، وعلى هذا فليستمر إذا أحدث في طوافه ولا يلزمه أن يذهب فيتوضأ، وعلل ذلك بأدلة من طالعها تبين له رجحان قوله- رحمه الله-، ولكن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام لقوة دليله ورجحانه، فإنه إذا فرغ من طوافه لا يصلي ركعتي الطواف؛ لأن ركعتي الطواف صلاة يشترط لها الطهارة بإجماع العلماء.
س 886: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أذن للصلاة وأنا أطوف أو أسعى. فكيف أتصرف؟ أأقطع أم أكمل؟ وكذلك لو خرج مني ريح. ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف لو كنت واقفاً بعرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما السؤال عن الصلاة إذا أقيمت والإنسان يطوف، فإنه يجب عليه قطع الطواف، والصلاة مع(22/365)
الجماعة، ثم إذا أتم صلاته قام بإتمام طوافه أو سعيه من المكان الذي وقف عليه، ولا حاجة إلى إعادة الشوط الذي قطعه، لأن الشوط الذي فعله قبل الإقامة واقع في محله، ولا دليل على بطلانه.
وعلى هذا فلا تستطيع أن تلزم الناس بشيء إلا بدليل تطمئن إليه النفس، لاسيما في أوقات المواسم، حيث يشق على الإنسان أن يرجع من أول الشوط.
وأما عن خروج الريح في عرفة أو الطواف أو السعي، فإن عرفة لا يشترط للوقوف بها الطهارة، وأما الطواف فإن الإنسان يخرج ويتوضأ ويبدأ الطواف من جديد، وأما السعي فلا تلزم له الطهارة، فلو أحدث في أثناء السعي لم يبطل السعي.
س 887: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج العام الماضي وأجل طواف الإفاضة مع طواف الوداع يقول: وأديت طواف الإفاضة ولم أكن على وضوء وأديت صلاة العشاء والمغرب
أيضاً ولم أكلن على وضوء فأفيدوني بذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نفيدك بأن صلاة المغرب والعشاء باطلة، وأنك آثم بذلك إن كنت تعلم بأن هذا حرام، وعليك أن تعيدها الآن فتصلي المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً لأنك صليت خلف الإمام، والمسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم وجب عليه الإتمام، وأما بالنسبة للطواف فالراجح عندي أنه لا يلزمك إعادته؛ لأنه ليس هناك دليل على وجوب الطهارة من الحدث(22/366)
الأصغر عند الطواف وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وانتصر له وأيده ببراهين من راجعها علم أن الصواب هذا القول، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في هذا الأمر فيطوف بغير وضوء، إنما لو وقع مثل هذه الحالة التي سأل عنها السائل فإنه لا يلزمه إعادة الطواف وحجه قد تم.
س 888: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كثير من الناس أو الرجال يحملون أطفالهم وهم يطوفون والطفل في الغالب يكون نجسًا فهل يكون طواف حامله صحيحاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يكون صحيحاً ولا حرج في ذلك.
س 889: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل بعد الفراغ من عمرته وجد في ثياب إحرامه نجاسة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا طاف الإنسان للعمرة وسعى وبعد ذلك وجد في ثوب إحرامه نجاسة فإن طوافه صحيح وسعيه صحيح وعمرته صحيحة، وذلك لأن الإنسان إذا كان على ثوبه نجاسة لم يعلم بها، أو كان عالماً بها ولكن نسي أن يغسلها وصلى في ذلك الثوب فإن صلاته صحيحة، وكذلك لو طاف بهذا الثوب فإن طوافه صحيح والدليل لذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (1) وهذا دليل عام يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع، وهناك دليل خاص في المسألة وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلى
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 286.(22/367)
ذات يوم بأصحابه وكان من سنته عليه الصلاة والسلام أن يصلي في نعليه فخلع نعاله، فخلع الناس نعالهم، فلما أتم صلاته قال: "ما شأنكم " قالوا: رأيناك يارسول الله خلعت نعليك فخلعنا نعالنا.
قال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها خبثاً" (1) يعني نجاسة، ولم يستأنف النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة مع أن أول صلاته كان قد لبس حذاءً نجساً، فدل هذا على أن من صلى بثوب نجس ناسياً، أو جاهلاً فإن صلاته صحيحة، وهنا مسألة إذا أكل الإنسان لحم جزور وقام يصلي
ولم يتوضأ بناء على أنه أكل لحم غنم فهل يعيد الصلاة إذا علم؟
فنقول: إنه يعيد الصلاة بعد أن يتوضأ.
وإذا قال قائل: لماذا قلتم في من صلى بثوب نجس جاهلاً لا يعيد، وفيمن أكل لحم إبل جاهلاً إنه يعيد؟
قلنا: لأن لدينا قاعدة مفيدة مهمة وهي: أن المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان، والمنهيات تسقط بالجهل والنسيان، ودليل هذه القاعدة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" (2) ولما سلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي ونسي بقية الصلاة أتمها لما ذكر، فهذا دليل على أن المأمورات لا تسقط بالنسيان، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر من
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/20) والحاكم (1/260) وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها.. (رقم 597) ومسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة.. (رقم 684) .(22/368)
نسي صلاة أن يصليها إذا ذكر ولم يسقط عنه بالنسيان، وكذلك أتم الصلاة ولم يسقط بقيتها بالنسيان، والدليل على أن المأمورات لا تسقط بالجهل أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا يطمئن فيها ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل " ورده
ثلاث مرات وهو يصلي ويأتي فيقول: "ارجع فصل فإفك لم تصل " (1) حتى علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى صلاة صحيحة فهذا الرجل ترك واجباً جاهلاً، لأن الرجل قال: "والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني " ولو كان الواجب يسقط بالجهل لعذره النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه القاعدة مهمة مفيدة لطالب العلم.
س 890: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الرجل في الطواف بالبيت العتيق وخرج من أنفه دم ثلاث أو أربع نقاط فهل يمكن أن يتم الطواف أو يتوقف ويعيد الوضوء أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا خرج من أنفه نقطتان أو ثلاث أو أربع أو أكثر فإنه يتم الطواف؛ لأن الذي يخرج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء مهما كثر، فالدم الخارج من الأنف وهو الرعاف لا
ينقض الضوء ولو كثر، والدم الخارج من جرح سكين، أو زجاجة، أو حجر لاينقض الوضوء ولو كثر، والحجامة لا تنقض الوضوء ولو كثر الدم، والقيء لا ينقض الوضوء، فكل ما خرج من غير السبيلين فإنه ليس بناقض للوضوء وذلك على القول
__________
(1) أخرجه البخاري، باب وجوب القراءة (757) ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب القراءة (397) .(22/369)
الراجح، وذلك لعدم الدليل على أنه ناقض، ومن المعلوم أن المتوضىء قد أتم طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فلا يمكن أن تنتقض هذه الطهارة إلا بالدليل الشرعي، ولا يوجد في الكتاب ولا في السنة أن ما خرج من غير السبيلين يكون ناقضاً للوضوء، ومثل ذلك لو حصل له هذا في الصلاة يعني لو كان الإنسان يصلي فأرعف أنفه فإنه يستمر في الصلاة إذا كان يمكنه إكمالها، فإن لم يمكنه إكمالها لغزارة الدم وعدم تمكنه من الخشوع فليخرج منها، ثم إذا انتهى الدم عاد فابتدأ الصلاة من جديد.
س 891: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الإنسان معتمراً واغتسل ثم خرج من جرح فيه بعض الدم فهل يكمل عمرته وهل هذا الدم ينقض الوضوء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان معتمراً وكان به جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا تؤثر على عمرته شيئاً، وكذلك لو كان حاجاً وكان به جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في حجه شيئاً،
وكذلك لو جرح حال أحرامه فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في نسكه شيئاً، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتجم وهو محرم (1) ، ولم يؤثر ذلك على نسكه شيئاً.
وأما بالنسبة لنقض الوضوء مما خرج من الجرح من الدم فإننا نقول: إنه لا ينقض الوضوء مهما كثر، فالدم الخارج من غير
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحجامة للمحرم (رقم 1835) ومسلم كتاب الحج، باب جواز الحجامة للمحرم (رقم 1202) .(22/370)
السبيلين لا ينقض الوضوء قل أوكثر وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في نقض الوضوء بذلك، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح في نقض الوضوء به، فإن الأصل بقاء طهارته، ولا يمكن
أن نعدل عن هذا الأصل وننقض الطهارة إلا بشيء متيقن؛ لأن القاعدة (أن اليقين لا يزول بالشك) وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيمن وجد في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال: "لا يخرج- يعنى من المسجد وكذلك من صلاته- حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحًا" (1) وذلك لأن هذا الشك الطارىء على يقين الطهارة لا يؤثر، كذلك الحدث المشكوك في ثبوته شرعاً لا يؤثر على الطهر المتيقن، وخلاصة القول. إن الدم الخارج من الجرح في أثناء الإحرام بحج أو عمرة لا يؤثر، وأن الدم الخارج من غير السبيلين من غير القبل أو الدبر لا ينقض الوضوء سواء قل أم كثر، وكذلك لا ينتقض الوضوء بالقيء أو الصديد الخارج من الجروح أو غير ذلك؛ لأن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما كان من السبيلين، أي من القبل أو من الدبر.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، رقم (177) ، ومسلم، كتاب الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك رقم (361) .(22/371)
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المحترم حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرجو التكرم بالإجابة سريعاً على هذا السؤال: هذا شخص تذكر أنه كان عليه جنابة وهو مسافر في حجته الأولى، فلما وصل الميقات نسي أن عليه جنابة واغتسل للإحرام فقط، ولم ينو الاغتسال للجنابة، وهكذا أحرم للحج أيضاً فلم ينو الاغتسال من الجنابة، وبالإضافة إلى ذلك فقد رمى الجمرات آخر الليل من يوم العيد، والآن هو يسأل هل من الممكن أن يعتبر تلك الحجة ملغاة
ويحج في هذه السنة بدلها، علماً بأنه كان قد حج بعد تلك الحجة المشار إليها، أو يمكن أن نعتبر تلك الحجة صحيحة بحيث نعتبر الغسل عن الجنابة يكفي عنه الغسل للإحرام؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اغتساله للإحرام يجزىء عن اغتساله للجنابة؛ لأنه غسل مشروع، خصوصاً مع النسيان، وقد نص على ذلك الفقهاء بقولهم (وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب) وقيده بعضهم بما إذا كان ناسياً، وحالة الرجل المذكور منطبق على كلا القولين بأن ذلك يجزئه.
وأما كونه رمى الجمرات آخر الليل يوم العيد فالمعروف أن(22/373)
يوم العيد ليس فيه إلا جمرة العقبة فقط، فعلى هذا يكون صاحبنا على ما يظهر قدم الرمي قبل وقته، والأحوط أن يذبح هدياً يفرق كله على فقراء مكة، هذه قاعدة المذهب.
أما كونه يستبدل الحجة السابقة بحجة آخرى هذه السنة فلا داعي له، وليس ذلك بمشروع والله أعلم.
كتبه
أخوك: محمد الصالح العثيمين
في 19/11/1384 هـ(22/374)
س 892: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أحدث الإنسان في طواف الوداع فما حكم حجه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما حجه فإنه صحيح؛ لأن طواف الوداع منفصل عنه، فهو واجب مستقل، وعلى هذا فلا يكون في الحج نقص، ولكن إحداثه في إثناء الطواف مبطل له على قول من يرى أنه تشترط الطهارة من الحدث للطواف، وإذا كان مبطلاً له فإن هذا الشخص يعتبر غير طائف طواف الوداع، وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به فقال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " (1) وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض (2) . فقوله: "خفف عن الحائض " يدل على أنه على غيرها واجب، ولو كان غير واجب لكان مخففاً عنها وعن غيرها، وعند أهل العلم أن من ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء.
س 893: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل انتقض وضوؤه في أثناء الطواف فما الحكم أفتونا مأجورين؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل لما انتقض وضوؤه في
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1327)
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع (رقم 1755) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1328) .(22/375)
أثناء الطواف كان الواجب عليه إذا كان الطواف طواف عمرة، أو حج أن ينصرف، وأن يتوضأ ويعيد الطواف من جديد؛ لأن طوافه بطل لما انتقض وضوؤه بناء على قول جمهور أهل العلم في أن
الطواف تشترط له الطهارة، وإذا استمر في طوافه بعد الحدث والطواف طواف عمرة ثم سعى وحلق وحل، فإنه يلزمه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويطوف من جديد ويسعى ويحلق أو يقصر.
فإن قدر أن الرجل قد ذهب إلى بلده فإننا نقول: لا يلزمه شيء؛ لأن القول بعدم اشتراط الطهارة بالوضوء للطائف قول له وجه، وهو قول قوي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وقال: إن الإنسان إذا طاف على غير وضوء فطوافه صحيح. وعند التأمل في دليل هذا القول يتبين أنه قول قوي، ولكن متى أمكن أن يطوف الإنسان على طهارة فإنه بلا شك أفضل.
س 894: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: فتاة تقول: أديت فريضة الحج هذه السنة والحمد لله، وما يشغل بالي هو أنني في يوم النحر ذهبنا إلى رمي الجمار سيراً على الأقدام وكانت الشوارع متسخة وفيها مياه ونحن لا نستطيع الابتعاد عن الأماكن المتسخة من شدة الزحام ولما وصلنا إلى الحرم دخلت الحرم والجوارب متبللة ولا أستطيع خلعها لأنها من لباس الإحرام ودخلت وسعيت وهي نجسة وأنا لا أدري هل حجي صحيح أرشدوني جزاكم الله خيراً؟(22/376)
فأجاب فضيلته بقوله: حجها صحيح، والماء الذي تطؤه بقدمها إذا لم تتيقن نجاسته فالأصل فيه الطهارة، ولا فرق في هذا بين أن يكون الماء كما ذكرت مما يضطر الإنسان إلى خوضه، أو في أماكن السعة فإن الماء الذي لم يعلم الإنسان نجاسته ولا يتيقنها حكمه أنه طاهر لا ينجس ثوبه، ولا ينجس نعله ولا شيء أبداً.
وأما قولها: إنها لم تخلعها؛ لأنها من لباس الإحرام فلعلها تعتقد كما يعتقد كثير من الناس أن من أحرم بثوب لا يمكنه أن يخلعه، وهذا ليس بصحيح، فإن المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام سواء لحاجة أم لغير حاجة إذا غيرها إلى ما يجوز لبسه حال الإحرام، وأما ما اشتهر عند العامة أنه لا يغيرها، فهذا لا أصل له، ولو أن هذه المرأة خلعت هذا الجوارب إذا كانت قلقة منها ثم لبست جوارب نظيفة لم يكن عليها في ذلك بأس.
س 895: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد قدمت للعمرة أنا وأهلي، ولكن حين وصولي إلى جدة أصبحت زوجتي حائضاً، ولكن أكملت العمرة بمفردي دون زوجتي فما الحكم
بالنسبة لزوجتي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم بالنسبة لزوجتك أن تبقى محرمة حتى تطهر ثم تقضي عمرتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاضت صفية- رضي الله عنها- قال: "أحابستنا هي "؟ قالوا: إنها قد
أفاضت. قال: "فلتنفر إذن " (1) فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أحابستنا هي؟ " دليل
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (رقم 1757) =(22/377)
على أنه يجب على المرأة أن تبقى إذا حاضت قبل طواف الإفاضة لا تطوف حتى تطهر فإذا حاضت قبل الطواف فإنها تبقى محرمة حتى تطهر وتغتسل وتطوف، أما لو طافت طاهرة ثم حاضت قبل
السعي فإنها تسعى ولو كانت حائضاً ولا حرج. وكذلك طواف العمرة مثل طواف الإفاضة، لأنه ركن من أركان العمرة.
س 896: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قدم من داخل المملكة للعمرة وقبل دخول الحرم حاضت زوجته فاجتهد وقال لها: تحفظي جيداً وطوفي وأتمي العمرة حيث إننا لا نستطيع
المكث والانتظار أو العودة مرة أخرى فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أن هذا فتوى من جاهل وأنه لا يحل للإنسان أن يفتي إلا بعلم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له إن صفية زوجته حاضت قال: "أحابستنا هي " ستحبس القوم: الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصحابة- رضي الله عنهم- حتى تطهر "أحابستنا هي " قالوا: إنها قد أفاضت. قال: (انفروا) لأن طواف الوداع لا يجب على الحائض، فهذه الفتوى التي أفتاها غلط وخطأ، والواجب عليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام ومن معاشرة الزوج؛ لأنها لم تزل على إحرامها، ولتذهب إلى مكة وتكمل العمرة لأنها لاتزال محرمة فلا تذهب إلى الميقات بل
__________
= ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1211) (382) .(22/378)
تذهب إلى مكة وتطوف وتسعى وتقصر.
وأما مسألة الاستثفار والطواف وهي حائض فيجب أن يعلم أنه لم يقل بها إلا قليل من العلماء، ولم يقولوا بها في مثل حالنا الآن قالوا بها: إذا جاءت امرأة على بعير من بلاد بعيدة من الشام، أو العراق، أو مصر، أو ما وراء ذلك، ولم تتمكن من إبقاء الناس معها، ولا تتمكن من الرجوع، فبعض العلماء يقول: تبقى على إحرامها إلى يوم القيامة لا تتزوج ولا يأتيها زوجها ولا شيء من المحظورات لأنها ما كملت فتبقى. وبعض العلماء يقول: تكون محصرة ومعنى محصره، أنها تذبح هدياً ولم تكن أتت بالفريضة عليها، فترجع بدون أداء الفريضة، والمسألة فيها ثمانية أقوال للعلماء، وذهب شيخ الإسلام- رحمه الله- مذهباً جيداً، قال: إذا كانت لا تستطيع أن ترجع ولا تستطيع أن تبقى حتى تطهر فلها أن تستثفر بثوب وتطوف ولا حرج عليها، لكن الذي في أطراف المملكة إذا كان لا يمكن أن يبقى في مكة يستطيع أن يذهب بأهله وهي حائض قبل أن تؤدي النسك، وإذا طهرت رجع به، فليتق الله أخانا وليعلم أن الإقدام على الفتوى بلا علم ليس بالهين قال الله
تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (1) وقال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)) (2) فليتق الله
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.(22/379)
وليبادر الآن قبل أن يكثر الزحام للحج في مكة ويذهب بامرأته لتكمل عمرتها.
س 897: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت مع زوجها وهي حائض وعندما طهرت اعتمرت بدون محرم ثم إنها رأت الدم بعد ذلك فما الحكم؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن
المسلمين خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن هذه المرأة فيما يبدو قدمت إلى مكة هي ومحرمها وقد كانت أحرمت من الميقات وهي حائض، وإحرامها من الميقات وهي حائض إحرام صحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استفتته أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- وهو في ذي الحليفة قالت: يا رسول الله إني نفست قال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي " (1) وإذا قدمت مكة وطهرت وأدت العمرة بدون محرم فلا حرج عليها لأنها في وسط البلد، لكن رجوع الدم إليها بعد قد يورث إشكالاً في هذه الطهارة التي رأتها فنقول لها: إذا كنت قد رأيت الطهر يقيناً فإن عمرتك صحيحة،
وإن كنت في شك من هذا الطهر فأعيدي العمرة من جديد لكن ليس معنى إعادة العمرة من جديد أن تذهبي إلى الميقات فتحرمي من جديد، وإنما نريد أن تعيدي الطواف والسعي والتقصير.
__________
(1) تقدم ص 10.(22/380)
س 898: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج وعندما وصلت مكة حاضت فطافت للعمرة وسعت وهي حائض حياءً ثم طهرت بعد الوقوف
بعرفة فما حكم حجها؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجها هذا يكون قراناً لا متعة؛ لأن طوافها الأول غير صحيح، وسعيها المبني عليه غير صحيح، فتكون باقية على إحرامها، وإذا أحرمت بالحج في اليوم الثامن صارت أدخلت الحج على العمرة فتكون قارنة، والقارن مثل المتمتع عليه هدي يذبح يوم العيد، أو ثلاثة أيام بعد العيد، فالحمد لله حجها صحيح، وذمتها بريئة إن شاء الله.
س 899: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذهبت إلى مكة من أجل أداء العمرة، وبعد الإحرام، وحين وصولي إنا وزوجتي باب الحرم، أصاب امرأتي دم. فاعتقدت أنها العادة الشهرية، فلم
تؤد عمرتها وعدنا إلى بلدنا ثم توقف الدم، فما الحكم في مثل هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: جواب سؤالك ينقسم إلى شقين:
الشق الأول: أن زوجتك لا تزال باقية على إحرامها.
الشق الثاني: أنه يجب عليك أن لا تقربها حتى تكمل عمرتها، وعليها أن تعود إلى مكة لتكمل العمرة، وليتك سألت قبل خروجك من مكة حتى تعلم الحكم. والله الموفق.(22/381)
س 900: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحائض دخول المسجد الحرام أم لا؟ وإذا أحست المرأة بنزول دم الحيض في أثناء الطواف فماذا تصنع؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لها أن تدخل المسجد الحرام إلا مارة به فقط، وإما المكث للطواف، أو لسماع الذكر، أو التسبيح، أو التهليل فإنه لا يجوز.
وإذا أحست بنزول دم الحيض في أثناء الطواف فتستمر في طوافها ما دامت لم تتيقن أنه خرج الحيض، فإن تيقنت أن الحيض قد خرج منها فيجب عليها أن تنصرف، وتنتظر حتى تطهر، فإذا
طرت ابتدأت الطواف من جديد.
س 901: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت وجاءتها الدورة الشهرية فاستحيت أن تخبر أحداً ودخلت الحرم فصلت وطافت طواف الإفاضة وسعت فماذا يلزمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي سواء في مكة، أو في بلدها، أو في أي مكان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرأة: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " (1) وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم، ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الحائض تترك الصوم والصلاة (رقم 1951) .(22/382)
أن تتوب إلى الله، وأن تستغفر مما وقع منها.
وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح، وأما سعيها فصحيح؛ لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج، وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، ولا يتم التحلل الثاني إلا به، وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف، ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف.
والله تعالى أعلم.
س 902: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت وجاءتها الدورة الشهرية فلم تخبر أحداً حياءً ودخلت الحرم وصلت وطافت وسعت فماذا يلزمها علما بأن الدورة جاءت بعد
النفاس؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحائض: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها.
وأما طوافها فإنه إن كان هذا في أول ما قدمت مكة وهي حاجة فإن هذا الطواف يقع غير صحيح عند جمهور أهل العلم، وإذا لم يكن صحيحاً لم يصح السعي الذي بعده، وحينئذ تكون قارنة؛ لأنها أحرمت بالحج قبل أن تحل من العمرة، إذ إنها لا(22/383)
يمكن أن تحل من العمرة إلا بطواف وسعي وتقصير، وهذه لم يكن لها طواف وسعي صحيح، فإذا أحرمت للحج بعد ذلك صارت قارنة بدل أن تكون متمتعة، وحينئذ لا يكون عليها شيء
فيما فعلت بين العمرة والحج لأنها جاهلة، أما إذا كان الطواف طواف الإفاضة أيضاً غير صحيح إلا أن السعي صحيح لأن الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج، فعليه فهذه المرأة إن كان الطواف طواف الإفاضة لم تحلل التحلل الثاني فليزمها أن تذهب لتطوف طواف الإفاضة، ولا يحوز لزوجها أن يعاشرها حتى تطوف.
وبهذه المناسبة أحب أبين للنساء مسألة هامة في حال الحيض، فالمرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض، وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (1) فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت يلزمها القضاء.
ثانيا: إذا طهرت من الحيض قبل خروج وقت الصلاة فإنه يجب عليها قضاء تلك الصلاة، فلو طهرت قبل أن تطلع الشمس بمقدار ركعة وجب عليها قضاء صلاة الفجر، ولو طهرت قبل
منتصف الليل بمقدار ركعة وجب عليها قضاء صلاة العشاء وقد
__________
(1) أخرجه البخاري كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة (رقم 579) ومسلم، كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الركعة (رقم 608) .(22/384)
قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (1) أي فرض موقت بوقت محدد، فلا يجوز للإنسان أن يخرج الصلاة عن وقتها ولا أن يبدأ قبل وقتها. والله الموفق.
س 903: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: فتاة ذهبت مع أهلها إلى مكة للعمرة فأحرمت وهي حائض وعندما وصلوا إلى الحرم انتهت الدورة فطافت وأكملت مع أهلها ولم تخبرهم لأنها
خجلت من ذلك فماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليها شيء إذا كانت قد أحرمت من الميقات؛ لأن هذا هو الصحيح، لكن إن كانت طافت وسعت قبل أن تغتسل فطوافها وسعيها غير صحيح، أما الطواف فإنها
طافت على غير طهارة طافت على حيض، وأما السعي فلأنه لا يصح السعي قبل الطواف في العمرة، وعلى هذا فالواجب عليها إن كانت طافت وسعت قبل أن تغتسل أن تذهب الآن إلى مكة
لتطوف وتسعى وتقصر، وأن تعتبر نفسها الآن في إحرام فلا يحل لها ما يحرم على المحرم من الطيب وغيره حتى تنهي عمرتها، والذي يظهر لي من سؤالها أنها لم تغتسل لأنها مشت مع أهلها ولم تغتسل.
س 904: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أحرمت المرأة للعمرة ثم أتتها العادة الشهرية قبل الطواف وبقيت في مكة
__________
(1) سورة النساء، الآية: 103.(22/385)
ثم طهرت وأرادت أن تغتسل فهل تغتسل في مكة أم تذهب لتغتسل من التنعيم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض، أو أحرمت بالعمرة وهي حائض فعلاً، ثم طهرت فإنها تغتسل في مكان إقامتها في بيتها، ثم تذهب وتطوف وتسعى وتؤدي عمرتها، ولا حاجة إلى أن تخرج إلى التنعيم، ولا إلى الميقات؛ لأنها قد أحرمت من الميقات، لكن بعض النساء إذا مرت بالميقات وهي حائض وهي تريد عمرة لا تحرم وتدخل مكة، وإذا طهرت خرجت إلى التنعيم فأحرمت منه، وهذا خطأ؛ لأن الواجب على كل من مر بالميقات وهو يريد العمرة أو الحج
أن يحرم منه حتى المرأة الحائض تحرم وتبقى على إحرامها حتى تطهر إلا إذا قدر أنها لما مرت بالميقات فرأت نفسها حائضاً ألغت النية تماماً، ثم طهرت في مكة وأرادت العمرة فإنها تحرم من الحل.
ويشكل على النساء في هذه المسألة أنهن يظنن أن المرأة إذا أحرمت بثوب لا تغيره، وهذا خطأ؛ لأن المرأة في الإحرام ليس لها لباس معين كالرجل، فالرجل لا يلبس القميص والبرانس والعمائم والسراويل والمرأة يحل لها ذلك تلبس ما شاءت من الثياب غير ثياب الزينة، فإذا أحرمت بثوب وغيرته إلى آخر فلا حرج، لذلك نقول للمرأة: أحرمي إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة أو الحج، وإذا طهرت فاغتسلي، ثم اذهبي للطواف والسعي والتقصير، وتغيير الثياب لا يضر ولا أثر له في هذا الأمر أبداً.(22/386)
س 905: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف في الحج فماذا تفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حاضت في أثناء الطواف إن كان الطواف طواف الوداع خرجت ولا شيء عليها، وإن كان طواف الإفاضة خرجت ثم أعادت الطواف إذا طهرت.
س 906: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض فإن إحرامها لا يبطل، بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة ولم تطف ولم تسع لا تزال في عمرتها، وعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف وتسعى وتقصر، حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام من الطيب، وأخذ الشعر، أو الظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجىء الحيض فاشترطت عند إحرامها، أن محلها حيث حبست، فإنها لا شيء عليها إذا تحللت من إحرامها حينئذ.
س 907: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة طافت حول الكعبة طواف الإفاضة وهي حائض ولم تخبر والدها وأهلها بذلك وقد توفي والدها فماذا عليها؟(22/387)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان طواف الإفاضة فإنها الآن فيما بقي من إحرامها، يعني لم تحل إلا التحلل الأول، وجب إذا كانت ذات زوج يجب على زوجها أن يتجنبها، وإذا كانت قد عقد
عليها النكاح بعد الطواف الذي طافته وهي حائض فعقد النكاح غير صحيح يجب أن يفارقها زوجها، وتذهب الآن إلى مكة فإن أتت بعمرة من الميقات فحسن، فتأتي بالعمرة وتطوف وتسعى
وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة للحج الماضي، وإن لم تأت بعمرة فلا حرج فتأتي مكة وتطوف الإفاضة للحج الماضي ثم ترجع، فإن كانت قد تزوجت بعد الطواف الذي طافته وهي حائض
فيجب إعادة العقد، وإذا أعيد العقد فله أن يدخل بها فوراً؛ لأن العدة له.
س 908: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة طافت طواف العمرة وهي حائض، ولم تخبر أحداً خجلاً ثم حجت واعتمرت بعد ذلك فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكمها حكم المرأة السابقة لأن طواف العمرة ركن، وهذه أشد؛ لأنها لم تحل- تحللاً أول ولا ثانياً، فهي الآن على إحرامها تماماً فيجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام.
وأما عمرتها بعد ذلك فإن نوت القضاء فهذا المطلوب، وإن لم تنوِ القضاء فيبقى هل صحت عمرها التي وقعت في جوف العمرة الأولى أم لم تصح، أنا أقول -وأسأل الله لي العفو العافية-(22/388)
إن هذه العمر صحيحة -إن شاء الله- لأنها جاهلة، فنقول: إحرامها- إن شاء الله- صحيح وعمرتها صحيحة، وما دامت لم تنوِ القضاء فعليها القضاء.
س 909: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة حجت مفردة وهي في السادسة عشرة من عمرها مع أحد محارمها وفي اليوم الثاني نزلت الدورة ولم تخبر أحداً من محارمها خجلاً منها
وأدت جميع المناسك فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: أحذر إخواني المسلمين من التهاون بدينهم، وعدم المبالاة فيه، حيث إنهم يقعون في أشياء كثيرة مفسدة للعبادة، ولا يسألون عنها ربما يبقى سنة، أو سنتين، أو أكثر غير مبال بها، مع أنها من الأشياء الظاهرة، لكن يمنعه التهاون أو الخجل أو ما شابه ذلك، والواجب على من أراد أن يقوم بعبادة من صلاة، أو زكاة، أو صيام، أو حج أن يعرف أحكامها قبل أن يتلبس بهماِ حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، قال الله تبارك تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (1)
قال البخاري- رحمه الله-: العلم قبل القول والعمل. ثم استدل بهذه الآية.
ثانياً: بالنسبة للجواب على السؤال نقول: هذه المرأة لا تزال في بقية إحرامها لأنها لم تحل التحلل الثاني، حيث طافت وهي حائض، وطواف الحائض فاسد، فهي لم تحل التحلل الثاني إلا إذا
__________
(1) سورة محمد، الآية: 19.(22/389)
أتمت الطواف والسعي مع الرمي والتقصير، وعليه فنقول: يلزمها الآن أن تتجنب الزوج إن كانت متزوجة؛ لأنها لم تحل التحلل الثاني، وتذهب الآن إلى مكة فإذا وصلت الميقات أحرمت للعمرة
ثم طافت وسعت وقصرت، ثم طافت طواف الإفاضة الذي كان عليها فيما سبق، وإن أحبت أن لا تحرم بعمرة فلا بأس؛ لأنها لا تزال في بقية من بقايا إحرامها الأول، فلابد أن تذهب وتطوف؛
لأنها لم يتم حجها حتى الآن، وأن لا يقربها زوجها إن كانت قد تزوجت، فإن كانت قد عقدت النكاح في أثناء هذه المدة، فللعلماء في صحة نكاحها قولان:
القول الأول: أن النكاح فاسد، ويلزم على هذا القول أن يعاد العقد من جديد.
والقول الثاني: ليس بفاسد، بل هو صحيح.
فإن احتاطت وأعادت العقد فهذا خير، وإن لم تفعل فأرجو أن يكون النكاح صحيحاً.
س 910: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت لأداء العمرة في نهاية شهر رمضان وفي طريقها إلى مكة نزلت عليها قطرات من الدم فاعتقدت أنها استحاضة ولم تلتفت لذلك؛ لأن دورتها جاءتها في بداية الشهر، فكانت تتوضأ لكل فرض وتصلي بالمسجد الحرام، وقد أدت العمرة كاملة، وقد لاحظت أن هذه القطرات استمرت لمدة ثمانية أيام، وهي الآن لا تدري هل كانت استحاضة أو دورة شهرية فماذا تفعل وهل هي آثمة في دخولها المسجد(22/390)
الحرام؟ وما حكم عمرتها هل هي صحيحة أفتونا مأجورين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: القطرات لا تعتبر حيضاً؛ لأن الحيض هو الدم السائل كما يدل على ذلك الاشتقاق؛ لأن الحيض مأخوذ من قولهم (حاض الوادي) إذا سأل، وعلى هذا فعمرة هذه السائلة عمرة صحيحة، وبقاؤها في المسجد الحرام إذا كانت تأمن من نزول الدم إلى المسجد جائز لا إثم فيه، وصلاتها صحيحة أيضاً.
س 911: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة من خارج البلاد أتت للعمرة فعندما أتت المسجد الحرام طافت بالبيت وعند انتهاء الطواف باشرها الحيض- أي حاضت- قبل أن تبدأ في
السعي فما الحكم؟ وما تعليقكم على كثرة الأخطاء من الحجاج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب تسعى؛ لأن السعي لا يشترط له طهارة من الحيض.
والأخطاء التي يرتكبها الحجاج لها سببان أو أكثر:
السبب الأول: الجهل فإن كثيراً من الحجاج يخرجون إلى الحج، كأنما يقولون إذا فعل الناس فعلناه.
السبب الثاني: أن عدم تذكير العلماء للعامة بما ينبغي أن يفعلوه في الحج، فصار التفريط والتقصير من الحجاج لا يسألون، ولهذا بعض الناس لا يسأل عن شيء فعله في حجه إلا بعد عشر سنين، أوخمس عشرة سنة وما أشبه ذلك، والثاني: التقصير من طلبة العلم فاجتمع هذا وهذا.(22/391)
السبب الثالث: تهاون الناس بأداء العبادات على الوجه الذي ينبغي، ولهذا تجد التقصير حتى في الصلاة، وحتى في الصيام وحتى في الزكاة، ولهذا نحن ننصح إخواننا إذا أرادوا الحج أن لا يحجوا حتى يعرفوا كيف يحجون، وأن يصطحبوا معهم الكتب من علماء موثوق بعلمهم ودينهم، وأن يصحبوا طلبة العلم ليعلموهم وير شدوهم.
س 912: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم استعمال الإبرة الموقفة للعادة الشهرية أو الحبوب الموقفة للعادة الشهرية علماً بأنها توقف لمدة ساعات فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: كأن السائلة تريد هذا أيام الحج فنقول إنه لا بأس به للضرورة، لكن بشرط أن يكون هذا بعد موافقة الطبيب، فإذا قال الطبيب لا بأس أن تستعملي هذه الإبرة أو الحبوب فلا بأس أن تستعملها من أجل الضرورة. سواء كان لساعات أو لأيام.
س 913: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم استعمال الحبوب لإيقاف دم الحيض في الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: استعمال الحبوب في الحج أو في العمرة لا بأس بها؛ لأن هذه حاجة، ولكن يجب أن تستأذن من الطبيب وأن تراجعه؛ لأنه قد تكون الحبوب ضارة، فتضرها.(22/392)
س 914: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الأحكام المتعلقة بالمرأة إذا حاضت وهي تؤدي المناسك؟ وهل يجوز لها أن تأخذ حبوب منع الدورة في أثناء هذه الفترة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حاضت المرأة بعد إحرامها، فإنها تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت والسعي الذي بعده، فإذا حاضت مثلاً بعد أن أحرمت ولم تصل بعد إلى مكة، فإنها إن غلب على ظنها أنها تطهر قبل اليوم الثامن فتبقى على إحرامها، ولكنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وحينئذ تحل من العمرة.
وإن غلب على ظنها أنها لا تطهر إلا بعد اليوم الثامن فإنها تحرم بالحج فتدخل الحج على العمرة، وتصير قارنة، كما جرى ذلك لأم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-.
وأما أخذ الحبوب من أجل منع العادة فلا بأس به هنا للحاجة بشرط موافقة الطبيب.
س 915: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة في أثناء طواف الإفاضة نزلت عليها العادة فأخبرت طبيبة الحملة بذلك فقالت: سوف أعطيك إبرة توقف عنك الدم لمدة ست ساعات
وفعلاً توقف الدم ست ساعات، فطافت من جديد وسعت بعد ست ساعات جاءت الدورة فهل ما فعلته صحيح أم ماذا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كان الوقوف طهراً كاملاً - والنساء يعرفن الطهر- فلا بأس، ويكون طوافها صحيحاً، وأما(22/393)
إذا لم يكن طهراً صحيحاً فقد طافت قبل أن تطهر، وطواف المرأة قبل طهرها غير صحيح.
س 916: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم استعمال حبوب منع الحمل لغرض العمرة أو الحج أو لمنع الحمل لكونها تتضرر بذلك؟.
فأجاب فضيلته بقوله: استعمال حبوب منع الحمل لا أرى أن المرأة تستعملها، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مثل أن تكون المرأة ضعيفة الجسم، أو مريضة، أو ما أشبه ذلك، مما يحوجها إلى استعمال هذه الحبوب، وإذا جاز لها أن تستعمل هذه الحبوب لكونها تتضرر بالحمل، فلا بد من موافقة الزوج على ذلك، لأن الزوج له حق في النسل كما أن لها حقاً في النسل.
ولهذا قال العلماء: لا يجوز للرجل أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، والعزل من أسباب منع الحمل، فنصيحتي لكل امرأة أن تتجنب هذا، وكلما كثر الأولاد كان ذلك أبرك وأنفع، وكان أشد امتثالا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما استعمال ذلك للتمكن من أداء العمرة والحج، فلا بأس به لأنه أمر عارض.
وفي كل حال من هذه الأحوال لابد من أخذ رأي الطبيب في ذلك.(22/394)
س 917: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل الطواف أثناء صلاة التراويح لأن المطاف في ذلك الوقت خالٍ من النساء أو صلاة صلاة التراويح جماعة المسلمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل صلاة التراويح؛ لأن الصلاة مع جماعة المسلمين أفضل من الانفراد عنهم بعبادة، والشارع له نظر عظيم في مسألة الاجتماع على العبادة، فالأفضل أن تصلي مع
المسلمين صلاة التراويح، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (1) وهذه التراويح هي قيام رمضان، وفي الحديث "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" فالأفضل أن تؤدي مع المسلمين صلاة التراويح وإذا انتهيت تطوف بالبيت إن شاءت.
س 918: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقع بعض الحجاج في أخطاء أثناء الطواف فنأمل من فضيلتكم التكرم بذكر شيء منها؟
فأجاب فضيلته بقوله: في الطواف أخطاء خطيرة تقع من الحجاج وغير الحجاج فمنها:
الخطأ الأول: النطق بالنية عند إرادة الطواف، فتجد الحاج يقف مستقبلا الحجر إذا أراد الطواف، ويقول: اللهم إني نويت أطوف
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان (رقم 2009) ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترتيب في قيام رمضان وهو التراويح (رقم 759) .(22/395)
سبعة أشواط للعمرة، اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربا إليك، وما أشبه هذا، فالتلفظ بالنية بدعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أمته به فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع، فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور، وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف؟! وإذا كان الله تعالى عالم بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله.
فإن قلت: أنا أقوله بلساني ليطابق ما في قلبي قلنا: العبادات لا تثبت بالأقسية، والنبي عليه الصلاة والسلام قد طاف قبلك، ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة- رضي الله عنهم- قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات. والخير في اتباعهم.
الخطأ الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحجر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها، وقد يؤذي غيره، والمزاحمة قد تكون مع امرأة، ويحصل في قلبه إذا نزغه من الشيطان نزغ، يحصل في قلبه شهوة عندما يزاحم المرأة في هذا المقام، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه، كما أنه فتنة في أي وضع كان، والمزاحمة(22/396)
الشديدة عند استلام الحجر، أو الركن اليماني ليست مشروعة، بل إن تيسر لك بهدوء فهذا هو المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود، أما الركن اليماني فلم يرد عن الرسول
- صلى الله عليه وسلم - أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، وثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه أشار إليه، والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنها يخشى منها الفتنة إذا ما كان زحام مع امرأة، فهي أيضاً تحدث تشويشاً في القلب والفكر؛ لأن الإنسان عند المزاحمة لابد أن يسمع كلاماً يكرهه، أو يسمع هو كلاماً يكرهه ويتندم عليه، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل، والذي ينبغي للطائف أن يكون دائماً في هدوء وطمأنينة من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " (1) .
الخطأ الثالث في الطواف: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون استقبال الحجر وتقبيله، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف ولصحة الحج أو العمرة أيضاً، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة، وليست سنة مستقلة أيضاً، بل هي سنة للطائف ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا بشرط، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول: إن طوافه غير صحيح، أو إن طوافه ناقص نقصاً يأثم به، بل طوافه صحيح، بل نقول: إنه إذا كان
__________
(1) تقدم ص 303.(22/397)
هناك مزاحمة شديدة فالإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عند الزحام، ولأن الإنسان يتقى به أذى يكون منه لغيره ويكون من غيره له، فلو سألنا
سائل. وقال: إن المطاف مزدحم فما ترون هل الأفضل أن أزاحم واستلم الحجر وأقبله أم الأفضل أن أشير إليه، قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الخطأ الرابع: من الأخطاء التي يفعلها بعض الطائفين: تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي بدعة وليست بقربة، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به
الحجة.
الخطأ الخامس: نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه باليد اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقدم إلا للأذى كالاستنجاء بها، والاستجمار بها، والامتخاط بها وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقديس والاحترام فإنه يكون باليد اليمنى.
الخطاء السادس: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد فيتمسحون به تبركاً، وهذا بلا شك خلاف ما قصد به، فإن المقصود بمسحه وتقبيله بالنسبة للحجر الأسود تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استلم الحجر قال:(22/398)
"الله أكبر" إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " هذا الظن الخاطىء من بعض الناس، وهو أنهم يظنون أن المقصود من مسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك أدى إلى بعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه، وأن يبين للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وإنما المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل، وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم -، وننتقل من هذا إلى خطأ يقع في المدينة عند حجرة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان بعض العامة يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة، ويمسحون بأيديهم وجوههم، ورؤوسهم وصدورهم اعتقاداً منهم أن في هذا بركة، وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعة فيه، بل بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء، لكن إذا كان صاحبه جاهلاً ولم يطرأ على باله أنه من البدع فيرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالماً أو متهاوناً لم يسأل عن دينه فإنه يكون آثماً، فالناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهل جهلًا مطبقًا لا يطرأ بباله أن هذا محرم، فهذا يرجى أنه لا شيء عليه، وإما عالم متعمد يضل ويضل الناس، فهذا آثم بلا شك، وعليه إثم من تبعه واقتدى به، وإما(22/399)
جاهل ومتهاون بالسؤال عن العلم فيخشى أن يكون آثماً لتفريطه وعدم سؤاله.
الخطأ السابع: الرمل في جميع الأشواط مع أن يكون الرمل في الثلاثة الأشواط الثلاثة الأولى فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل هو وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وأما الأربعة الباقية فيمشي على عادته، وكذلك الرمل لا يكون إلا للرجال، وفي الطواف أول ما يقدم إلى مكة، سواء كان ذلك طواف قدوم أم طواف عمرة.
الخطأ الثامن: أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم- فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضاً، وغاية ما في ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) وقال عليه الصلاة والسلام: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله " (1) . وتزداد هذه البدعة خطأ إذا حمل الطائف كتيباً، كتب فيه لكل شوط دعاء، وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول، إما لكونه جاهلاً باللغة العربية ولا يدري ما المعنى وإما لكونه عربيًا ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع محرفة تحريفاً بينا، من ذلك
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الدعاء في الطواف (رقم 1892) والحاكم 1/455، والبيهقي 5/84 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(22/400)
إننا سمعنا من يقول: (اللهم أغنني بجلالك عن جرامك) والصواب: بحلالك عن حرامك.
ومن ذلك: إننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفاً، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء قطع الدعاء.
ودواء ذلك أن يبين للحاج بأن الإنسان في الطواف يدعو بما يشاء وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء، فإذا بين للناس هذا زال الإشكال.
الخطأ التاسع: وهو خطأ عظيم جداً: أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحجر- أي المحجر الذي على شمال الكعبة- ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام، يرى أن هذا أقرب وأسهل، وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفًا بالبيت؟ لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)) (1) والنبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر، فإنه لا يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه مسألة خطيرة لاسيما إذا كان الطواف ركناً، كطواف العمرة وطواف الإفاضة.
ودواء ذلك أن يبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت، ومنه الحجر.
وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن كثيراً من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم (حجر إسماعيل) والحقيقة أن إسماعيل عليه
__________
(1) سورة الحج، الآية: 29.(22/401)
السلام لا يعلم به وأنه ليس حجراً له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تكف النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام، فحطموا منها
هذا الجانب، وحجروه بهذا الجدار، وسمى حطيماً وحجراً، وإلا فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل.
الخطأ العاشر. أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره فتجده يطوف معه نساؤه، ويكون قد وضع يده مع يد زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف
والكعبة بين يديه، وهذا خطأ عظيم أيضاً؛ لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها عن يمينه، أو عكس الطواف، فكل هذا طواف لا يصح، والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه.
ومن الناس من يتكيف في طوافه حين الزحام، فيجعل الكعبة خلف ظهره، أو أمامه، لبضع خطوات من أجل الزحام، فهذا خطأ.
الخطأ الحادي عشر: أن بعض الطائفين يستلم جميع أركان الكعبة الأربعة. الحجر الأسود، والركن اليماني، والركن الشامي والركن العراقي، يزعمون أنهم بذلك يعظمون بيت الله عز وجل،
بل من الناس من يتعلق بأستار الكعبة من جميع الجوانب، وهذا أيضاً من الخطأ، وذلك لأن المشروع استلام الحجر الأسود(22/402)
وتقبيله إن أمكن وإلا فالإشارة إليه.
أما الركن اليماني فالمشروع استلامه وبدون تقبيل إن تيسر، وإن لم يتيسر فلا يشير إليه أيضاً؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أما استلام الركن العراقي، وهو أول ركن يمر به بعد الحجر الأسود، والشامي وهو الركن الذي يليه فهذا من البدع، وقد أنكر عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- على معاوية بن أبي سفيان
- رضي الله عنه- استلام جميع الأركان، وقال له: "لقد رأيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستلم الركنين اليمانيين، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فقال معاوية- رضي الله عنه- (صدقت) ورجع إلى قول ابن عباس بعد أن كان- رضي الله عنه- يستلم الأركان الأربعة، ويقول: "ليس شيء من البيت مهجوراً".
الخطأ الثاني عشر: رفع الصوت بالدعاء، فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً، يذهب الخشوع ويسقط هيبة البيت، ويشوش على الطائفين، والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر، فقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه- رضي الله عنهم- ذات ليلة وهم يقرأون، ويجهرون بالقراءة في صلاتهم، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن كل مصل يناجي ربه، ونهاهم
أن يجهر بعضهم على بعض في القرآن وفي القراءة وقال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً" (1) ولكن بعض الناس في المطاف يدعون ويرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه المحذورات التي
__________
(1) تقدم ص 318.(22/403)
ذكرناها، وهي إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين، فهو مخالف لظاهر قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)) (1) الخطأ الثالث عشر: وهو من الأخطاء العظيمة في الطواف: أن بعض الناس يبتدىء من عند باب الكعبة، ولا يبتدىء من الحجر الأسود، والذي يبتدىء من عند باب الكعبة ويتم طوافه على هذا الأساس، لا يعتبر متماً للطواف لأن الله تعالى يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود، وقال للناس: "لتأخذوا عني مناسككم " (2) وإذا ابتدأ من عند الباب، أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل، فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون لاغياً، لأنه لم يتم، وعليه
أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً وإلا فليعد الطواف من أوله، والحكومة السعودية- وفقها الله- قد وضعت خطاً بينًا ينطلق من حذاء قلب الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء
الطواف، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلاً، ولكنه يوجد من بعض الجهال وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ لئلا يقع في خطر عظيم من عدم تمام
طوافه.
هذه الأخطاء التي تحدث في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقاً
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 55.
(2) تقدم ص 226.(22/404)
لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكن يؤخذ بالتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقها،
فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق: وعن الطريق السهل، ليصل إليها براحة وطمأنينة، وبدون ضياع أو ضلال، أما في أمور الدين فإن كثيراً من الناس- مع الأسف- يتلبس بالعبادة هو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور، بل من التقصير، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
س 919: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الوقوف على الخط الموضوع حذاء الحجر الأسود والدعاء طويلاً؟ والذي يسبب حجزاً لإخوانه في أن يستمروا في الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفاً طويلاً، بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشى، وليس هذا الموقف موقفاً يُطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولون: نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو تطوعًا، أو ما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وقد نبهنا عليه، وأن ما التكلم بالنية في العبادات بدعة، لم(22/405)
يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه- رضي الله عنهم- وأنت تعمل العبادة لله تعالى، وهو تعالى يعلم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها.
س 920: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ركعتا الطواف هل يلزم أن تكون خلف المقام؟
فأجاب فضيلته بقوله: خلف المقام هو الأفضل، وإن صلى في مكان آخر بعيداً وهو أيسر له فهو أفضل؛ لأن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على مكانها.
س 921: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكر بعض المفسرين في قول الله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد الطواف يتجه إلى مقام إبراهيم ويتلو هذه الآية ثم يصلي خلفه، والسؤال: هل يمكن أن يقال إنه يشرع أن تتلى هذه الآية للمعتمر وهل الحديث في ذلك صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- الطويل في صحيح مسلم وفيه (كان إذا فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم، وقرأ حين تقدم (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (2) وذلك ليشعر نفسه أنه إنما تقدم إلى هذه المقام ليصلي
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 125.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (1218) .(22/406)
خلفه امتثالاً لأمر الله، وكذلك أيضاً حينما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (1) أبدأ بما بدأ الله به، ليشعر نفسه أن هذا السعي من شعائر الله، وأنه يبدأ بالصفا لأن الله بدأ به،
وهكذا أيضاً ينبغي لنا في كل طاعة أن نشعر بأننا نفعلها امتثالاً لأمر الله، مثل الوضوء، أكثرنا يتوضأ الآن، على أن الوضوء شرط من صحة الصلاة، هذا هو الذي يكون على ذهن الإنسان، لكن ينبغي أن ينوي بذلك أنه ممتثل لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (2) حتى يشعر بالعبادة والتذلل لله عز وجل، كذلك أيضاً هو يتوضأ الآن على صفة مخصوصة ينبغي أن يشعر بأنه يتبع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يكون جامعاً بين الإخلاص والمتابعة، هذه المسألة والله إننا نغفل عنها كثيراً.
على هذا ينبغي للإنسان إذا فرغ من الطواف وتقدم إلى مقام إبراهيم أن يتلو هذه الآية، وإذا دنا من الصفا أوِل مرة، لا إذا صعد إليه أن يقول: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) هو ولا يعيدها مرة
ثانية. لا عند الصفا ولا عند المروة.
س 922: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الصلاة التي بعد الطواف تكون بعد كل طواف أم في طواف خاص؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعروف عند العلماء- رحمهم الله- أنها بعد كل طواف حتى طواف التطوع، لكن قالوا: للإنسان أن
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 158.
(2) سورة المائدة، الآية: 6.(22/407)
يجمع أسبوعين، أو ثلاثة ثم يصلي بعد ذلك لكل أسبوع ركعتين، يعنى مثلاً طاف أربعة عشر مرة ينوي سبعاً وسبعاً، نقول: لا حرج وصلى ركعتين للسبع الأول، وركعتين للسبع الثاني.
س 923: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الدليل على مشروعية صلاة ركعتين بعد الطواف النافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم له دليلاً إلا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما طاف طواف القدوم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وصلى خلفه ركعتين (1) ، فالعلماء- رحمهم الله- ألحقوا بذلك جميع الطواف، كطواف الإفاضة، وطواف الوداع، والطواف المستحب، ولكني أنا لا أعلم دليلاً خاصاً، وأن كل طواف فإنه يصلى بعده ركعتين، وإنما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه بعد طواف القدوم في حجة الوداع تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وصلى ركعتين، وهذا ثابت في صحيح مسلم (1) ، فالعلماء ألحقوا به جميع الأطوفة، ولا يحضرني الآن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان كلما طاف صلى ركعتين، ولا في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، بل لو قال قائل: إن طواف الإفاضة ظاهر حديث جابر، أنه لم يصل؛ لأنه ذكر أنه طاف وأنه أتى على زمزم وشرب منه، وذكر الحديث، لكنه في حديث جابر أنه صلى بمكة الظهر، فيمكن أن يكون صلى بعد الطواف واكتفى بالفريضة عن النافلة، والله أعلم.
__________
(1) تقدم ص (406) .(22/408)
س 924: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تجزىء الفريضة عن ركعتي الطواف أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف فيها العلماء فإن قيل: المراد إيجاد صلاة بعد الطواف كتحية المسجد فإنها تجزىء، وإذا قيل: إنها صلاة مستقلة مطلوبة فإنها لا تجزىء، والاحتياط أن يصلي الركعتين.
س 925: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يكون في المطاف زحام كثير فيصلى بعض الجهال قريباً من المقام ويحولون بين الناس وبين طوافهم وقد يتحلق بعضهم على بعض فهل علينا من شيء إذا دفعناهم خصوصاً في حال الزحام الشديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن أولئك الذين يصلون خلف المقام، ويصرون على أن يصلوا هناك مع احتياج الطائفين إلى مكانهم، قد ظلموا أنفسهم، وظلموا غيرهم، وهم آثمون معتدون ظالمون، ليس لهم حق في هذا المكان، ولك أن تدفعهم، ولك أن تمر بين أيديهم، ولك أن تتخطاهم وهم ساجدون؛ لأنه لا حق لهم في هذا المكان أبداً، وكونهم يصرون على أنهم يكونون في هذا المكان من جهلهم لا شك؛ لأن ركعتي الطواف تجوز في كل المسجد، فمن الممكن أن الإنسان يبتعد عن مكان الطائفين، ويصلي ركعتين، حتى إن أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه- صلى ركعتي الطواف بذي طوى، وذي طوى بعيدة عن المسجد(22/409)
الحرام، فضلاً عن أن تكون في المسجد الحرام، فالإنسان يجب عليه أن يتقي الله في نفسه، ويتقي الله في إخوانه، فلا يصلي خلف مقام إبراهيم، والناس محتاجون إلى هذا المكان في الطواف، فإن فعل فلا حرمة له، ولنا أن ندفعه، ولنا أن نقطع صلاته عليه، ولنا أن نتخطاه وهو ساجد، لأنه هو المعتدي الظالم- والعياذ بالله-.
ولكن مع ذلك فلا بد من التراحم، ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذا المقام أن يتأسوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن هديه خير الهدي.
س 926: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تشرع صلاة ركعتي الطواف خلف المقام وإن كان المطاف مزدحماً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل في ركعتي الطواف أن تكون خلف المقام، ولكن إذا كان المطاف مزدحماً ووصل الطائفون إلى المقام، فلا يجوز أن تصلي في المكان الذي يحتاج إليه الطائفون؛ لأن في ذلك إيذاء لهم وتضييقاً عليهم، ويحصل لك انشغال وتشويش، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الإنسان وهو مشوش البال فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الإخبثان " ومدافعة الطائفين وأنت تصلي أشد من مدافعة الأخبثين، وفي هذا الحال نقول: صل في أي مكان بالمسجد، ولكن الأفضل أن تجعل المقام بينك وبين الكعبة ولو كنت بعيداً عنه.(22/410)
س 927: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج ولم يأت بركعتي الطواف فهل حجه تام، أو يجب عليه إعادته؟
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الطواف ليست ركناً من أركان الحج ولا العمرة، وإنما هما من الأمور التي أمر بها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى تقدم طوافه تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (1) والذي حج ولم يأت بهما فحجه تام، ولا يجب عليه إعادته ولا يجب في ذلك دم. والله أعلم.
س 928: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حدِّد لنا يا فضيلة الشيخ المكان الذي تصلى فيه ركعتا الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الطواف يسن أن يصليهما خلف المقام، بأن يجعل المقام بينه وبين البيت، وإن قرب من المقام فهو أفضل، وإن لم يتيسر له فإنه يجزىء أن يصليهما وإن كان بعيداً عن المقام، المهم أن يجعل المقام بينه وبين البيت، فإن لم يتيسر ذلك أيضاً وصلاهما في أي مكان من المسجد فلا حرج.
س 929: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الأثر الذي في مقام إبراهيم هو أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن مقام إبراهيم ثابت وأن هذا الذي بني عليه الزجاج هو مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن الحفر الذي فيه، لا يظهر أنه أثر القدمين؛ لأن المعروف من
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 125.(22/411)
الناحية التاريخية أن أثر القدمين قد زال منذ أزمنة متطاولة، ولكن حفرت هذه، أو صنعت للعلامة فقط، ولا يمكن أن نجزم بأن هذا الحفر هو موضع قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وبالمناسبة أحب أن أنبه على مسألة وهي أن بعض المعتمرين والحجاج يقف عند مقام إبراهيم ويدعو بدعاء لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يدعو بصوت مرتفع، فيشوش على الذين يصلون ركعتي الطواف خلف المقام، وليس للمقام دعاء، بل السنة تخفيف الركعتين خلفه، ثم يقوم بعد
التسليم مباشرة، ليترك المكان لمن هو أحق به منه، من الذين يريدون صلاة ركعتي الطواف.
س 930: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أخطاء في ركعتي الطواف تقع من الحجاج يجب التنبيه إليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من الأخطاء أن بعض الناس يظنون أن هاتين الركعتين لابد أن تكونا خلف المقام وقريباً منه أيضاً، ولهذا تجدهم يزاحمون زحاماً شديداً يؤذون الطائفين، وهم ليس لهم حق في هذا المكان؛ لأن الطائفين أحق به منهم مادام المطاف مزدحماً؛ لأن الطائفين ليس لهم مكان سوى هذا، وأما المصلون للركعتين بعد الطواف- فلهم مكان آخر، المهم أننا نجد بعض الناس يتحلقون خلف المقام ويشغلون مكاناً كبيراً واسعاً من أجل رجل واحد، أو امرأة واحدة تصلي خلف المقام، ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم، لأنهم يأتون من(22/412)
مكان واسع، ثم يضيق بهم المكان من أجل هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلاء، فيحصل بذلك ضنك وضيق، وربما يحصل مضاربة ومشاتمة، وهذا كله إيذاء لعباد الله عز وجل، وتحجر لمكان غيرهم به أولى، وهذا الفعل لا يشك عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أنه محرم، وأنه لا يجوز لما فيه من إيذاء المسلمين وتعريض طواف الطائفين للفساد أحياناً، لأن الطائفين أحياناً باشتباكهم بهؤلاء يجعلون البيت إما خلفهم، وإما أمامهم، مما يخل بشرط من شروط الطواف، فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد
أنه لابد أن تكون ركعتا الطواف خلف المقام وقريباً منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء، فالركعتان تجزئان في كل مكان من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويحصل بذلك على السنة من غير إيذاء للطائفين ولا لغيرهم.
الخطأ الثاني: ومن الأخطاء في هاتين الركعتين: أن بعض الناس يطولهما؛ يطيل القراءة فيهما، ويطيل الركوع، والسجود، والقيام، والقعود، وهذا مخالف للسنة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخفف هاتين الركعتين، ويقرأ في الأولى (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثانية (قل هو الله أحد) ، وينصرف من حين أن يسلم تشريعاً للأمة، ولئلا لا يحجز المكان عمن هو أحق به منه، فإن هذا
المكان إنما يكون للذين يصلون ركعتين خلفه بعد الطواف، أو للطائفين إن ازدحم المطاف، ولهذا يخطىء بعض الناس الذين يطيلون هاتين الركعتين خلف المقام، لمخالفتهم السنة وللتضيق(22/413)
على إخوانهم من الطائفين إذا كان المطاف مزدحمًا، ولاحتجاز المكان الذي غيرهم أولى به ممن أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام.
الخطأ الثالث: ومن الأخطاء في هاتين الركعتين: أن بعض الناس إذا أتمهما جع يده مرفوعة ويدعو دعاء طويلاً، والدعاء بعد الركعتين هنا ليس بمشروع؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولا أرشد أمته إليه، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي للإنسان أن يبقى بعد الركعتين ليدعو، لأن ذلك خلاف السنة، ولأنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحمًا، ولأنه يحجز مكاناً غيره أولى به ممن أتم الطواف وأرادوا أن يصلوا في هذا المكان.
الخطأ الرابع: وهو من البدع أيضاً ما يفعله بعض الناس، يقوم عند مقام إبراهيم ويدعو دعاء طويلاً، يسمى دعاء المقام، وهذا الدعاء لا أصل له أبدا في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو من البدع التي نهى عنها، وفيه مع كونه بدعة وكل دعة ضلالة، أن بعض الناس يمسك كتاباً فيه هذا الدعاء، ويبدأ يدعو به بصوت مرتفع، ويؤمن عليه من خلفه، وهذا بدعة إلى بدعة، وفيه أيضاً تشويش على المصلين حول المقام، والتشويش على المصلين سبق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وكل هذه الأخطاء التي ذكرناها في الركعتين وما بعدهما تصويبها أن الإنسان يمشي في ذلك على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا مشينا عليه زالت عنا هذه الأخطاء.(22/414)
س 931: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو الإنسان بعدهما، وهناك من يدعو طويلاً ثم يمسح وجهه بعد ركعتي الطواف فهل هذا المسح
خاص بركعتي الطواف أم في جميع السنن التي يصليها الإنسان؟
فأجاب فضيلته بقوله: في السؤال مسألتان: المسألة الأولى: وهي مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة.
أما الأول وهو مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة، اختلف فيها أهل العلم، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية- رحم الله- إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة،
لأنها ضعيفة مخالفة لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين وغيرهما فإنه روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاء بأحاديث صحيحة، وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية- رحم الله- فقال: إن مسح الوجه بالدعاء باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة.
ومن العلماء من يرى أن هذه الأحاديث الضعيفة بمجموعها ترتقي إلى درجة الحديث الحسن لغيره؛ لأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض صارت من القسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني- رحم الله- في كتابه (بلوغ المرام) .
والذي يظهر لي أن الأولى عدم مسح الوجه باليدين بعد(22/415)
الفراغ من الدعاء، لأنه وإن قلنا: أن هذا الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، فإنه يبقى متنه شاذا، لأنه مخالف لظاهر الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه بالدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وعلى كل حال فلا أتجاسر على القول بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أنه من الأفضل أن لا يمسح، ولو مسح فلا ينكر عليه هذا بالنسبة للفقرة الأولى من السؤال.
أما المسألة الثانية وهي: الدعاء بعد النافلة، فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة بحيث إنه يعتقد أنه يُشرع كلما سلم من النافلة أن يدعو، فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لأن ذلك لم
يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فما أكثر ما صلى النبي عليه الصلاة والسلام من نافلة، ولم يرد عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بعدها، ولو كان هذا من المشروع لسنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، إما بقوله، أو بفعله، أو بإقراره، ثم إنه ينبغي أن يعلم أن الإنسان مادام في صلاته فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يَدَعَ الدعاء في الحال التي يناجي فيها
ربه، ثم يأخذ بالتضرع بعد انصرافه عن صلاته، وانقطاع مناجاته لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان أن يجعل الدعاء قبل السلام، ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه، وهذا
المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وهو معنى حسن جيد، فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل دعاءك قبل السلام؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى
الله عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله(22/416)
عنه- حين ذكر التشهد قال: "ثم يتخير من الدعاء ما شاء" ولأنه أليق بحال الإنسان لما أسلفناه من كونه في حال صلاته يناجي ربه.
س 932: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التعلق بأستار الكعبة أو الانكباب عليها؟
فأجاب فضيلته بقول: التعلق بأستار الكعبة، أو الانكباب عليها ليس له أصل في الشريعة، ولهذا لما رأى ابن عباس معاوية - رضي الله عنهما- يطوف بالكعبة ويستلم الأركان الأربعة بيَّن له أن الاستلام خاص بالحجر الأسود، والركن اليماني. فقال له معاوية: "ليس شيء من البيت مهجوراً" فأجاب ابن عباس بقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولم يستلم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الركنين اليمانيين) فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما.
س 933: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز التبرك والتمسح بثوب الكعبة؟
فأجاب فضيلته بقول: التبرك بثوب الكعبة والتمسح به من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما طاف معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- بالكعبة وجعل يمسح جميع أركان البيت أنكر عليه عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- فأجاب معاوية ليس(22/417)
شيء من البيت مهجور، فرد عليه ابن عباس بقوله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح الركنين) يعنى الحجر الأسود والركن اليماني، وهذا دليل على أننا نتوقف في مسح الكعبة وأركانها على ما جاءت به السنة؛ لأن هذه هي الأسوة الحسنة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب، فإن هذا قد ورد عن الصحابة- رضي الله عنهم- أنهم قاموا به فالتزموه يدعون، والله أعلم.
س 934: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الوقوف في الملتزم، فإن كان مشروعاً فما هو الدعاء المستحب في ذلك، وما هو المكان المحدد من الكعبة للالتزام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوقوف في الملتزم لم يرد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة، ولكن كان من فعل الصحابة- رضي الله عنهم- ويدعو فيه بما أحب، وموضعه من الكعبة ما بين الحجر الأسود والباب.
س 935: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التزام ما بين الحجر والباب وكذا جميع أركان البيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة للالتزام فإن الالتزام فعله الصحابة- رضي الله عنهم- وهو أن يلصق الإنسان صدره وخده ويمد يديه ما بين الحجر الأسود والباب هذا هو محل الالتزام،(22/418)
وبقية أركان الكعبة وبقية جدران الكعبة ليست محلاً للالتزام، فلا يسن التزامها؛ لأنه ليس من السنة.
س 936: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رأيت بعض الناس بعد الطواف وقفوا بجوار باب الكعبة ووضعوا أيديهم على جدار الكعبة ويبكون هل يجوز ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا يسمى الالتزام، والالتزام خاص بالملتزم، والملتزم: ما بين الباب والحجر الأسود، فالمكان ضيق جداً، وفي أيامنا هذه وأيام المواسم لا يمكن للإنسان أن يلتزم أولاً لأنه يتأذى تأذياً عظيماً، وأحياناً يعوق الطائفين فيؤذي الطائفين، وأيضاً أصل الالتزام لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا توقف فيه بعض العلماء.
وأما الالتزام في غير هذا المكان، حيث نجد بعض الناس في كل مكان من الكعبة يلتزم ويلصق صدره ويمد يديه على كسوة الكعبة، وهذا بدعة، فصار مكان الالتزام مما بين الباب والحجر
فقط، ولا ينبغي للإنسان أن يفعله في أيام المواسم والزحام لما في ذلك من الأذية على نفسه وغيره.
س 937: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقف بعض الناس للدعاء عند مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما قولكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا كله من الجهل، وكذلك نجد(22/419)
أناساً يقفون على ما يقال: (إن هذا بئر زمزم) ويدعون دعاءً طويلاً.
وبالمناسبة، قال لي بعض الناس اليوم إنه إذا فرغ من الصلاة، قال لصاحبه تقبل الله، حرماً، فقال الثاني: تقبل الله، جمعاً، فسألته أنا: ما معنى: (حرمًا، جمعًا) هل جمع مزدلفة؛ لأنها تسمى جمعاً، فقال: جمعاً يعنى نحن وإياك نصلي في الحرم، إذًا الصواب أن تقول: جميعاً وقال أيضاً: إنه إذا توضأ.
يقول: زمزم ومعنى زمزم أي نشرب من زمزم، وهذا لا أصل له، وكونها تتخذ راتبة خلف الصلاة بدون دليل ليس بصحيح.
س 938: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكر بعض العلماء- رحمهم الله تعالى- أن استلام الحجر بعد الركعتين تحية للمسعى ما توجيه هذا القول؟
فأجاب فضيلته بقول: هذا غير صحيح، فكيف يحيا السعي في مكان ليس هو المسعى.
س 939: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تشترط الموالاة بين الطواف والسعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي، فيجوز للإنسان أن يطوف ثم يستريح، ثم يسعى، أو يطوف في أول النهار، ويسعى في آخر النهار، ولكن الموالاة أفضل.(22/420)
س 940: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود، فالموالاة بينهما ليست بشرط، لكن لا شك أن الأفضل أنه إذا طاف يسعى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - والى بين سعيه
وطوافه، ولكن لو أخر فطاف في أول النهار وسعى في آخره، أو بعد يوم أو يومين، فلا حرج عليه في هذا، لأن الموالاة بين الطواف وبين السعي سنة، وليست واجبة.
س 941: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل السعي بعد طواف القدوم للقارن والمفرد والمتمتع يجزىء عن سعي الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما القارن والمفرد فسعيه بعد طواف القدوم يجزىء؛ لأن أفعال العمرة دخلت في الحج، إذ إن القارن أفعاله كأفعال المفرد تماماً، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم- الذين كانوا معه- أي قارنين- لم يسعوا مرتين.
وأما المتمتع فلا يكفيه سعي العمرة عن سعي الحج؛ لأن النسكين انفصلا، وتميز بعضهما عن الآخر، فيجب على المتمتع طواف العمرة حين يقدم مكة وسعي العمرة، ويجب عليه طواف الإفاضة، وسعي الحج، فالطواف والسعي الأول للعمرة، والطواف والسعي الثاني للحج ولا بد.(22/421)
س 942: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا سعى المعتمر قبل الطواف ثم طاف فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سعى المعتمر قبل أن يطوف ثم طاف فإنه لا يعيد إلا السعي فقط، وذلك لأن الترتيب بين الطواف والسعي واجب، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رتب بينهما وقال: "لتأخذوا عني مناسككم " (1) وإذا أخذنا عنه - صلى الله عليه وسلم - مناسكه بدأنا بالطواف أولاً ثم بالسعي ثانياً، ولكن لو قال: أنا تعبت في السعي الأول، قلنا: إنه يؤجر على تعبه، ولكن لا يقر على الخطأ.
وذهب بعض التابعين، وبعض العلماء إلى أنه إذا سعى قبل الطواف في العمرة ناسياً، أو جاهلاً، فلا شيء عليه، كما لو كان ذلك في الحج. والله أعلم.
س 943: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذهبت أنا وزوجتي للعمرة فلما بلغنا الحرم حاضت زوجتي فأجلستها في المسعى، ثم ذهبت وطفت ثم سعيت أنا وهي جميعاً فلما طهرت
طافت فهل هذا الفعل صحيح، حيث قدمت سعي العمرة على طواف العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الفعل ليس بصحيح، لأنه لا يجوز تقديم سعي العمرة على طوافها، بخلاف الحج، فالحج يجوز أن تقدم سعيه على طوافه، وأما العمرة فلا، وبناء على هذا نقول: الواجب الآن عليك أن تتجنب زوجتك، أن تذهب بها من
__________
(1) تقدم ص 226.(22/422)
أجل أن تسعى بين الصفا والمروة، وهي لا زالت باقية على إحرامها، فعليها أن تتجنب محظورات الإحرام حتى تصل إلى مكة، وتسعى بين الصفا والمروة، وتقصر لتحل من إحرامها.
س 944: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أثناء العمرة، أدى السعي بالزيادة لأنه كان يظن أن السعي من الصفا إلى الصفا واحدة فأرجو منكم الإفادة حول هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإفادة حول هذا أن سبعة من هذه الأشواط هي صحيحة، والموافقة للشرع، والسبعة الباقية فعلها عن اجتهاد، ونرجو الله تعالى أن يثاب عليها، لكنها ليست مشروعة، فالسعي من الصفا للمروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر، وعلى هذا فيكون ابتداؤك من الصفا وانتهاؤك بالمروة.
س 945: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل سعى بدأ بالصفا ويرجع من المروة ويعتبره شوطاً واحداً جهلاً منه هل يصح سعيه؟
فأجاب بقوله: نعم يصح منه سعيه، والباقي يأجره الله على التعب، مع أن إبن القيم- رحمه الله- ذكر أن بعض العلماء توهم في هذا، وظن أن السعي دورة كاملة، فعلى هذا يسعى أربعة عشر
شوطاً، وقد اشتهر بين الطلبة أن هذا عن ابن حزم- رحمه الله- وليس كذلك، والذي عن ابن حزم أن الرمل في الأشواط الثلاثة(22/423)
فقط في السعي كالطواف، وسبب وهمه -رحمه الله- أنه لم يحج والإنسان الذي لم يحج لا يتصور الحج كما يمكن، والعجب أنه لم يحج ويتكلم عن أحكام الحج بأحسن ما يكون من الكلام من
العلماء الذين حجوا، وليس بغريب على فطاحلة العلماء، فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- لم يتزوج وإذا تكلم فيما يتعلق بالنساء وعشرتهن وغير ذلك قلت: هذا من المتزوجين.
س 946: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يعتبر السعي من الصفا إلى المروة شوطًا ومن المروة إلى الصفا شوطًا أم شوطين. أفيدونا وفقكم الله وقد كنا نحتسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعكس شوطاً واحداً ونحن نجهل ذلك وفقكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما عملكم هذا فهو خلاف المشروع، لكن نظرًا لجهلكم يجزئكم، ويكون السعي المشروع الذي تثابون عليه هو السبعة الأشوط الأولى فقط، التي هي في حسابكم ثلاثة أشواط ونصفًا والسعي بين الصفا والمروة من الصفا إلى المروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا هو الشوط الثاني، وهكذا حتى تتم الأشواط السبعة، ويكون الانتهاء بالمروة لا بالصفا، وهذا هو ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجمع المسلمون عليه، ولم يقل أحد بخلافه إلا قولاً يكون وهما من قائله.
س 947: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قدمت زوجتي للحج متمتعة وقامت بأداء عمرة الحج ثم تحللت بنية التمتع، ثم(22/424)
قمنا بأداء فريضة الحج غير أنها لم تكرر السعي واكتفينا بالسعي الأول في العمرة عملاً بقول من قال بذلك من العلماء حيث قرأنا أن في المسألة خلافاً بين العلماء وأرشدنا أحد الأخوة إلى كلام شيخ
الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- بأن سعي العمرة يجزىء عن سعي الحج، وبناء عليه لم تسع وعدنا إلى جدة فنرجو من فضيلة الشيخ إرشادنا إلى الصواب جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواقع أن كثيرًا من مسائل الفقه في الدين لا تخلو من خلاف، وإذا كان العامي الذي لا يعرف يطالع كتب العلماء ويعمل بالأسهل عنده فإن هذا حرام، وقد قال العلماء: من تتبع الرخص فقد فسق، أي صار فاسقاً، والمعلوم أن اختيار شيخ الإسلام- رحمه الله- هو ما ذكره السائل، من أن المتمتع يكفيه السعي الأول الذي في العمرة، وله أدلة فيها شبهة، ولكن الصحيح أن المتمتع يلزمه سعيان، سعي للحج، وسعي للعمرة، ويدل لذلك حديثا عائشة، وابن عباس- رضي الله عنهم- وهما في صحيح البخاري، والنظر يقتضي ذلك؛ لأن كل عبادة منفردة عن الأخرى، ولهذا لو أفسد العمرة لم يفسد الحج، ولو أفسد الحج لم تفسد العمرة، ولو فعل محظوراً من المحظورات في العمرة لم يلزمه حكمه بالحج، بل الحج منفرد بأركانه وواجباته ومحظوراته، والعمرة منفردة بأركانها وواجباتها ومحظوراتها، فالأثر والنظر يقتضي انفراد كل من العمرة والحج
بسعي في حق المتمتع، وعلى هذا فإن كنت متبعاً لقول شيخ الإسلام- رحمه الله- بناء على استفتاء من نثق به لعلمه وأمانته(22/425)
فليس عليك شيء، لكن لا تعد لمثل ذلك، والتزم سعيين: سعياً في الحج، وسعياً في العمرة، إذا كنت متمتعاً.
س 948: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا طاف من عليه سعي ثم خرج ولم يسع وأخبر بعد خمسة أيام بأن عليه سعياً فهل يجوز أن يسعى فقط ولا يطوف قبله؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا طاف الإنسان معتقداً أنه لا سعي عليه، ثم بعد ذلك أخبر بأن عليه سعياً فإنه يأتي بالسعي فقط، ولا حاجة إلى إعادة الطواف، وذلك لأنه لا يشترط الموالاة بين الطواف والسعي، حتى لو فرض إن الرجل ترك ذلك عمداً- أي أخر السعي عن الطواف عمداً- فلا حرج عليه. ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف.
س 949: سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: رجل جاء بالإفراد فطاف طواف القدوم وبدا له أن يسعى بعد يومين من طوافه للقدوم فهل له ذلك أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين: نعم يجوز للمفرد الذي قدم إلى مكة بنية الحج وحده أن يطوف للقدوم ويؤخر السعي يوما، أو يومين، أو أكثر، وله أن يؤخر السعي أيضاً إلى ما بعد طواف الإفاضة في يوم العيد، ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- رضي الله عنهم-(22/426)
طافوا أول ما قدموا وسعوا، فهذا هو الأفضل، ولكن تأخيره لا حرفيه.
س 950: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حجت والدتي متمتعة لكنها لم تسع بين الصفا والمروة إلا أربعة أشواط؛ لأنها مريضة وطلبت أن أحضر لها العربة لحملها عليها وأكمل معها
السعي، ولكنها رفضت لجهلها وظنا منها أنها تشعر بالحرج والعجز مع العلم بأنني في العام التالي ذبحت هديًا في مكة المكرمة ولكن هل يجزىء ذلك أم نكمل لها الأشواط المتبقية مع العلم
بأنها مصرة، ومن الصعب أن تحضر مرة أخرى وذلك لمرضها جزاكم الله خيراً
فأجاب فضيلته بقوله: مسألتها مشكلة على قواعد الفقهاء - رحمهم الله- وذلك لأن عملها هذا يتضمن أنها أحرمت بالحج قبل أن تتم العمرة في وقت لا يصح فيه إدخال الحج على العمرة؛
لأن إدخال الحج على العمرة إنما يكون قبل الشروع في طوافها، وهذه قد طافت وسعت أربعة أشواط، فيكون إدخال الحج على العمرة في هذه المسالة خطأ، فمن العلماء من يقول: إن إحرامها
بالحج غير منعقد، وأنه لا حج لها، وفي هذه الحال يجب أن ترجع إلى مكة على إحرامها وتسعى وتقصر، لكن لو قال قائل: إنه في مثل هذه الضرورة بحكم بصحة إدخال الحج على العمرة،
وتكون بذلك قارنة ويكفيها سعي واحد، وكنت أرجو أن لا بأس بذلك.(22/427)
ثم إنه يقول إن أمه أبت أن يأتي بالعربة لتكمل عليها أشواط السعي. أقول في مثل هذه الحال: حتى لو أبت الأم يجب عليه أن يبين أن عمرتها لم تتم، وأنه يلزمها أن تتم عمرتها، ويؤكد عليها حتى لو غضبت، ولو زعلت؛ لأن هذا أمر عبادة لا يمكن أن يراعى فيها جانب المخلوق.
س 951: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج أن يسعى ماشياً لبعض الأشواط وراكباً في بعضها الآخر إذا كان يتعب من السير المتواصل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز، ولا حرج عليه في ذلك، والدليل على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأم سلمة- رضي الله عنها- أن تطوف وهي راكبة، حيث اشتكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: "طوفي وراء الناس وأنتِ راكبة" (1) .
س 952: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج وهو يسعى أن يجلس ليستريح ثم يواصل ويجلس وهكذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز له هذا، وقد ذكر أهل العلم أن الموالاة بين أشواط السعي سنة وليست بشرط، وعلى هذا فله أن يستريح ولو طال الزمن، ثم يبتدىء السعي، ولكن كلما كانت الأشواط متوالية فهو أفضل بحسب ما يستطيع.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب المريض يطوف راكباً (رقم 1633) ومسلم، كتاب الحج، باب الطواف على بعير (رقم 1276) .(22/428)
س 953: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا توقف الإنسان للاستراحة أثناء السعي فهل يباح له أن يخرج من المسعى؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يباح له أن يخرج يعني يذهب لقضاء حاجته أو يشرب وما أشبه ذلك.
س 954: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم السعي في سطح المسعى، أو في الطابق الثاني، أو في الخلوة (القبو) وهل يصح السعي في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما السعي فوق سواء في السطح الأعلى، أو في الأوسط فهذا لا بأس به.
وأما في الخلوة أو في القبو فلا أعرف أن تخط المسعى قبوًا فليس تحته قبو، فعلى هذا يكون محل الطواف ومحل السعي ثلاثة: الأرض، والسطح الذي فوقها، والسطح الأعلى، ولو بنوا سطحاً رابعا فلا حرج، ولو بنوا خامساً فلا حرج؛ لأن الهواء تابع للقرار، كما أنه لو قدر أنه فتح قبو على طول المسعى فإنه يجزىء السعي فيه.
س 955: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل سعى فأكمل الشوط الأول ومن شدة الزحام انتقل إلى السطح هل يلغي الشوط الأول أو يبني عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يبني على الأول إذا كان سعى ثم شق عليه للزحام فانتقل إلى فوق فلا حرج، ويكمل على(22/429)
الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل.
س 956: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الرجل معه امرأة أو نساء في المسعى فهل يهرولن معه أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر بعض أهل العلم أن العلماء أجمعوا بأن المرأة لا تهرول لا في الطواف ولا في السعي وكان يترائى لي في الأول أن المرأة في السعي تسعى بين العلمين- أي تركض- لأن أصل السعي من أجل أم إسماعيل، فأم إسماعيل لما تركها إبراهيم عليه الصلاة والسلام وولدها في مكة، وترك عندهما جراباً من التمر ووعاءً من الماء، فلما نفد التمر والماء قل لبنها على ابنها، وصار الابن يجوع فجعل يصيح، فضاقت عليها الأرض بما رحبت، فنظرت أقرب جبل إليها؛ لأن الولد كان عند محل الكعبة، فأقرب جبل إليها هو الصفا، فذهبت فصعدت تتسمع لعل الله يأتي بأحد، وفي هذا الوقت لم يكن أحد، فلم تسمع، فنزلت متجهة إلى المروة؛ لأنه أقرب جبل أيضاً، وفي أثناء مسيرها مرت بالوادي، وهو عادة يكون منخفضاً، فلما هبطت الوادي أسرعت لئلا يغيب عنها ولدها، فلما صعدت مشت على العادة، حتى أتت المروة فلما أتمت سبع مرات، نزل الفرج من رب الأرض والسماوات، نزل جبريل- عليه الصلاة والسلام- فركل برجله أو جناحه محل زمزم، حتى نبع الماء، فجعلت من شفقتها تحجره لئلا ينساب في الأرض، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يرحم الله(22/430)
أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً" (1) وجعلت تشرب من هذا الماء وكان ماءُ زمزم لما شرب له فكان يغنيها عن الطعام والشراب، فدرت على والدها، فمر ركب من جرهم ورأوا الطيور
تنزل على هذه الجهة لتشرب من الماء، فتعجبوا فقالوا: ليس في هذا المكان ماء فكيف يكون؟ فذهبوا نحو ما تأوي إليه الطيور، فإذا بأم إسماعيل وولدها فنزلوا عندها، وصارت قرية- سبحان
الله- بعد أن لم يكن فيها إلا الوحش، وإسماعيل وأمه.
كان يترائى لي أن المرأة تسعى بين العلمين؛ لأن أصله من سعي أم إسماعيل، لكن لما رأيت بعض أهل العلم نقل إجماع العلماء على أن المرأة تمشي ولا تسعى رأيت أن الصواب أن تمشي بلا سعي.
بقي علينا المحرم الذي معها هل يرمل في الطواف، وهل يسعى ويتركها أم يمشى معها حسب مشيها؟
نقول: إن كانت المرأة تهتدي بنفسها وامرأة مجربة ولا يخشى عليها فلا حرج أن يرمل في الأشواط الثلاثة، ويقول لها في آخر الطواف: نلتقي عند مقام إبراهيم، وإن كانت لا تستقل بنفسها ويخشى عليها فإن مشيه معها أفضل من الرمل، وأفضل من السعي الشديد بين العلمين.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه (رقم 2368) .(22/431)
س 957: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاضت وقد تحفظت تحفظاً كاملا فهل يجوز لها الجلوس بالمسعى من أجل البراد حتى ينتهي أهلها من عمرتهم أم تخرج خارج المسجد في التوسعة الجديدة أم ماذا تفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج عليها أن تجلس في المسعى؛ لأن المسعى ليس من المسجد خارج المسجد، فله حدود معينة وجدر تحجزه عن المسجد الحرام، فليس من المسجد، وإذا جلست فيه الحائض فلا حرج عليها تنتظر أهلها، أو ما أشبه ذلك.
س 958: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل المسعى من المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد الحرام، ولذلك جعلوا جداراً فاصلا بينهما، لكنه جدار قصير كما هو مشاهد في الدور الأرضي، أما الدور الأعلى فهو جدار قائم طويل فيه أبواب. وهذا لا شك أنه خير للناس لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه، لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى.
والذي أفتي به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى؛ لأن المسعى لا يعتبر من المسجد. والله أعلم.(22/432)
س 959: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة طافوا للعمرة بعد صلاة العصر ثم سعوا بعد صلاة المغرب وفي السعي حاضت أمهم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن مسألتين:
المسألة الأولى: فيما ظهر لي منها: الفصل بين الطواف والسعي، والفصل بين الطواف والسعي لا بأس به، وإن كان الأفضل الموالاة بينهما، ولكن لو طاف أول النهار وسعى في الليل، أو
آخر النهار فلا حرج.
المسألة الثانية: أن أمه حاضت بعد الطواف في أثناء السعي وهذا أيضاً لا بأس به، وعمرتها تامة ولا حرج عليها؛ لأن السعي ليست من شرطه الطهارة، بخلاف الطواف، فإذا أكملت المرأة الطواف
وجاءها الحيض ولو قبل الركعتين خلف المقام، فإن عمرتها صحيحة ولا حرج عليها في ذلك.
س 960: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لو قطع الساعي سعيه في منتصف الشوط الرابع للحاجة كالصلاة فهل يعيد الشوط الرابع من أوله؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قطع الشوط سواء في الطواف، أو السعي قطعاً يبيح له المواصلة فيما بعد، فإنه يبدأ من المكان الذي قطعه منه، ولا يلزمه إعادة الشوط، حتى في الطواف فمثلاً لو أقيمت الصلاة وهو عند باب الكعبة، فإنه إذا فرغ من الصلاة(22/433)
يبتدأ من باب الكعبة، ولا يلزمه أن يبتدأ من الحجر؛ لأنه لا دليل على بطلان ما سبق.
س 961: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قدمنا للحج ولما دخلنا السعي وجدنا الزحام ولم نستطع إكماله إلا شوطاً واحداً وخوفاً على أنفسنا وأطفالنا وبعد مضي ساعة تقريباً صعدنا إلى
الدور الثاني وأكملنا السعي مبتدئين من الشوط الثاني فهل يجوز هذا أم لا نرجو منكم إفتاءنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل لو أعدتم الشوط الأول حتى تكون الأشواط متوالية، ولكن الأمر قد وقع وفات فليس عليكم شيء، إنما لو وقع مثل هذا الأمر فإن إعادة الأشواط السابقة أولى وأحسن، خروجًا من خلاف من يرى أن الموالاة في السعي شرط وليست بسنة.
س 962: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يشترط رؤية البيت إذا سعى؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس بشرط، لكن جابرًا- رضي الله عنه- يقول (حتى رأى البيت) ليبين مقدار ارتفاعه
س 963: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من حج مع رفقائه، وهو جاهل بمناسك الحج والعمرة، وبعدما قضى(22/434)
حجه ومضى على ذلك مدة، عرف مناسك الحج والعمرة، وشك بقوة في أنه لم يسع فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي نرى أنه إذا شك الإنسان في أنه طاف، أو سعى، أو رمى مع طول المدة، فإنه لا يلتفت لهذا الشك، وذلك لأن النسيان يرد كثيراً على الإنسان، فليطرح الشك وليبعده عن قلبه؛ لأن الإنسان إذا طرأت عليه الشكوك وكثرت عليه، تذبذب في حياته وتعب، ولحقه الوسواس في طهارته وصلاته، بل وفي أهله، فالذي أرى أن يعرض عن هذا الشك ويتلهى عنه. أما إذا تيقن فحينئذ يفتى بما يقتضيه الحال، وأما إذا كان مجرد شك: هل سعى أو لم يسع، فالأصل أنه سعى، وأن هؤلاء الرفقة سيسعون وسيسعى معهم، فأرى أن يتلهى عن ذلك ولا يخطر على باله، والأصل السلامة.
ولهذا قال العلماء قاعدة ينبغي أن نفهمها، وهي: (أن الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر ما لم يتيقن) فمثلاً لو سلمت من الصلاة ثم بعد السلام شككت هل صليت ثلاثاً، أو أربعاً، فلا تلتفت إلى هذا الشك، إلا إذا تيقنت بأنك صليت ثلاثاً فحينئذ تأتي بما يلزمك في هذه المسألة.
س 964: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطًا فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل لا يزال على إحرامه يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام ويلبس ثياب الإحرام(22/435)
من بلده الذي هو فيها فوراً، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد؟ لأنه إلى الآن في عمرته.
س 965: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي السنة عند الصعود على الصفا للمعتمر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعرف بالنسبة للعمرة سنة في ذلك، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع لما أقبل على الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به والأصل أن ما ثبت في الحج ثبت في العمرة إلا ما دل الدليل، أو الإجماع على خلافه. والدليل على هذا الأصل أن النبي قال للمتغمس في الخلوق "واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك " (1) وأخذ من هذا الحديث العام أن كل ما ثبت في الحج ثبت في العمرة، إلا مادل الدليل أو الإجماع على خلافه، وهذا أوجب لي أن أذهب إلى ما ذهب إليه الشافعي وكثير من أهل العلم- رحمهم الله- من وجوب طواف الوداع للمعتمر كما يجب ذلك للحاج.
س 966: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم رفع اليدين عند التكبير فوق الصفا أو المروة؟ وأقصد رفع اليدين كهيئة من يريد الدخول في الصلاة فأنا أرى الناس يفعلون ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هؤلاء الذين يرفعون أيديهم على
__________
(1) تقدم ص 149.(22/436)
الصفا والمروة ويشيرون بها كأنما يريدون أن يكبروا في الصلاة ليس عندهم علم، والمشروع في رفع اليدين على الصفا وعلى المروة أن يرفعهما رفع دعاء، وهكذا أيضاً عند إشارة إلى الحجر الأسود كثير من الناس يشيرون إليه كأنما يريدون الدخول في الصلاة، وهذا أيضاً لا أصل له، الإشارة بيد واحدة وهي اليمنى.
س 967: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قد يشق على الساعي الصعود على الصفا والمروة من الزحام فهل يوجد حد أدنى للصعود عليهما، نأمل تحديده تماماً؟
فأجاب فضيلته بقوله: حد السعي الواجب استيعابه هو الحد الفاصل بالعربيات، فنهاية طريق العربيات هو منتهاه، هو حد المكان الذي يجما استيعابه في السعي لأن الذين وضعوا طريق العربيات وضعوه على منتهى ما يجب السعي فيه، ومع هذا فلو أن الإنسان إذا وصل إلى حد طريق العربيات تقدم قليلاً نحو متر ثم رجع فقد تم سعيه، وإن لم ينته من الصعود إلى أعلى الصفا وأعلى المروة.
س 968: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم الإنسان إذا سعى في الدور الثاني أو السطح أن يدور على قبة الصفا وقبة المروة أو أن ذلك ليس بلازم حيث نرى الزحام في الدوران
عليهما؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدوران على قبة الصفا أوالمروة(22/437)
ليس بلازم؛ لأن الواجب استيعاب المسعى إلى نهاية ممر العربيات، وممر العربيات دون مكان الدوران بكثير.
س 969: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- ما هي السنة في سعي المرأة بين العلامتين الخضراوين هل تسرع في السعي أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة لا تسرع لا في الطواف في الثلاثة أشواط الأولى ولا بين العمودين الأخضرين في السعي، وقد حكى بعض العلماء إجماع أهل العلم على أن المرأة لا يلزمها ركض ولا رمل، وعلى هذا يكون الدليل المخصص هو إجماع العلماء- رحمهم الله- أن المرأة لا تسعى ولا ترمل.
س 970: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- هل يجوز للحائض أن تسعى قبل طواف الإفاضة ويبقى عليها طواف الإفاضة إذا طهرت؟ وهل تطوف في نفس الوقت طواف وداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للحائض وغير الحائض أن تقدم السعي على طواف الإفاضة، ولكن الأفضل أن يبدأ بالطواف ويسعى بعده، وطواف الإفاضة مجزىء عن طواف الوداع، إذا جعله الإنسان عند خروجه، يعنى أن السعي بعد الطواف لا يمنع من كون الطواف آخر ما يكون؛ لأن هذا السعي تابع للطواف.
س 971: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أديت العمرة ونظراً لمرضي لم أستطع السعي، فطفت وصليت ركعتين(22/438)
وتحللت، فهل عمرتي صحيحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه العمرة ليس صحيحة؛ لأن السعي ركن في العمرة، فلابد أن تسعى، ولهذا فعلى السائل أن يذهب الآن ويلبس ثياب الإحرام، ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر رأسه؛ لأن التقصير الأول في غير محله، أو يحلق رأسه.
ويجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء يخل بالعبادة إلا بعد سؤال أهل العلم؛ لئلا يقدم على أمر منكر عظيم وهو لا يشعر، والعبادات ليست على هوى الإنسان، يحذف منها ما يشاء ويقتصر على ما يشاء.
وهذا السائل لا يترتب على عمله هذا إثم لأنه جاهل، فحتى لو جامع أهله وهو جاهل فلا شيء عليه، وهكذا جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد كالمكره فلا إثم عليه، ولا كفارة.
س 972: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هذا الرجل الذي ترك السعي هل يلزمه غير القضاء وهو متزوج؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه غير القضاء، ولكن يحرم عليه النساء فيتجنب زوجته حتى يسعى.
س 973: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أذن للصلاة وهو في المسعى بين الصفا والمروة وهو على غير طهارة فهل(22/439)
يجوز له أن يخرج خارج الحرم ليتوضأ ويرجع ليصلي مع الناس ثم يكمل سعيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم لابد أن يخرج ويتوضأ ويصلي مع الجماعة، وفي هذه الحال إن كان الفصل طويلاً استأنف السعي، وإن كان قصيراً فلا يستأنف، فإذا قدر أن الميضأة قريبة من المسعى، ولن يستغرق وقتاً، وأنه من حين جاء أقيمت الصلاة فهذا زمن قليل فليتم السعي، وأما إذا كان الزمن طويلاً مثل أن تكون الميضأة بعيدة، بحيث يكون الفاصل بين أجزاء السعي فاصلاً طويلاً فإنه يأتي بالسعي من أوله.
س 974: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- رجل خرج منه ريح أثناء السعي بين الصفا والمروة فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا خرج من الإنسان ريح وهو يسعى فلا إثم عليه، لأن السعي لا تشترط له الطهارة وكذلك لو خرج منه ريح وهو يطوف فلا شيء عليه على ما اختاره شيخ الإسلام ابن
تيمية- رحمه الله- ولا سيما في مثل هذه الأوقات التي يكون فيها الزحام شديداً ولو ذهب الإنسان يتوضأ ثم عاد وبدأ في الطواف من الأول لكان فيه مشقة عليه وأذية لغيره، وأما السعي فلا إشكال
فيه أنه إذا أحدث يتم ولا شيء عليه.
س 975: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قام أخي بأداء العمرة في أول شهر رمضان، ولكنه بدأ من المروة في السعي(22/440)
وانتهى في الصفا ثم تحلل وحلق ولقد سافر إلى بلده وهي بعيدة فهل يحق لي أن أكمل الشوط الأخير بدلا عنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا سؤال غريب يقول إن أخاه في السعي بدأ بالمروة وختم بالصفا إذن ما بقي عليه إلا شوط واحد وهو أن يرجع من الصفا إلى المروة فيتم له سبعة أشواط ويلغي الشوط الأول الذي ابتدأه من المروة لكن هذا يسأل هل يجوز بعد أن تحلل أخوه وذهب إلى بلده وربما يكون قد تزوج أو ربما جامع زوجته أن كانت له زوجة أن أكمل عنه هذا الشوط، أقول لهذا
السائل: لو أن أخاك توضأ وبقي على وضوئه أن يغسل إحدى يديه ثم ذهب وصلى وانتهى من صلاته ثم غسلت يدك هل يجزي هذا أو لا يجزيء؟
لا يجزيء هذا أيضاً مثله، ولهذا أقول: يجب عليك الآن أن تتصل بأخيك هاتفياً وتقول له اخلع ثيابك لأنك لم تزل محرماً اخلع ثيابك وأت بثياب الإحرام إلى مكة واسع من أول الأمر من جديد وقصر أو أحلق ثم إذا أردت أن تطوف إلى بلدك تطوف للوداع لأن العمرة لابد فيها من وداع ثم تسافر، وإنني بهذه المناسبة أن لا يقدموا على عمل صالح يتعبدون به لله إلا وقد عرفوا كيف يعملون من أجل أن يعبد الله على بصيرة لأنه إذا عملوا عملاً مخلاً ثم جاءوا يسألون لا فائدة من ذلك ليسأل أو لا، ثم يعمل، ولهذا قال البخاري- رحمه الله- في صحيحه. باب العلم قبل القول والعمل. ثم استدل بقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) أرأيتم لو أن إنساناً أراد(22/441)
أن يسافر من هنا إلى المدينة وليس هناك خط مسفلت هل يخرج من مكة ويقول أنا متجه إلى المدينة وهو لا يعرف الطريق أو لابد أن يسأل قبل أن يسافر؟ لابد أن يسأل وإذا كان الإنسان لابد يسأل
في الطريق الحسي فكذلك في الطريق المعنوي وهو الطريق الموصل إلى الله، نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم.
س 976: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر هو وزوجته فهل يسعى هو سعياً شديداً بين العلمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسعى لاسيما في أيام المواسم والزحام؛ لأنه لو سعى ضيعها، فلا يسعى مطلقاً، لكن ذكر بعضهم هنا إشكالاً وهو إذا كان أصل سعينا بين العلمين من أجل سعي أم إسماعيل وهي امرأة فلماذا لا نقول إن النساء أيضاً يسعين.
فالجواب من وجهين:
الأول: أن أم إسماعيل سعت لوحدها، ليس معها رجال.
الثاني: أن بعض العلماء كابن المنذر حكى الإجماع على أن المرأة لا ترمل في الطواف، ولا تسعى بين العلمين، وحينئذ لا يصح لأنه قياس مع الفارق، والثاني: مخالفة الإجماع إن صح.
س 977: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو الدعاء والذكر المشروع عند الصفا والمروة، وهل يرفع يديه عند الدعاء(22/442)
والتكبير. وما كيفية ذلك وما القدر المجزىء صعوده في كل من الصفا والمروة. وهل تسرع النساء، أو من معه نساء بين العلمين الأخضرين، وهل هناك دعاء مشروع في أثناء السعي، وما الحكمة
في السرعة بين العلمين الأخضرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال يشتمل على عدة نقاط: أما النقطة الأولى: فإن المشروع عند الصفا والمروة أن الإنسان إذا دنا من الصفا في أول ابتداء السعي فإنه يقرأ قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به، ثم يصعد الصفا حتى يرى البيت، ثم يرفع يديه كرفعهما في الدعاء ويكبر، ويقول: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل ماشيًا إلى العلم الأخضر، فإذا وصل العلم الأخضر سعى سعياً شديداً، أي ركض ركضاً شديداً إلى العلم الآخر، ثم مشى على عادته، إلا النساء فإنهنَّ لا يسعين بين العلمين، وكذلك من كان مصاحباً للمرأة لا يسعى من أجل مراعاة المرأة والحفاظ عليها، وإذا أقبل على المروة لا يقرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) . وكذلك إذا أقبل علِ الصفا في المرة الثانية لا يقرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) لأن ذلك لم يرد.
ويدعو في سعيه بما أحب، وله أن يقرأ القرآن، وأن يذكر الله عز وجل، ويسبِّح ويهلل ويكبِّر، فإذا وصل إلى المروة صعد(22/443)
عليها، وفعل مثل ما فعل على الصفا.
أما الفقرة الثانية وهي قوله: ما هو القدر الذي يكفي للصعود على الصفا والمروة فنقول: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ارتقى على الصفا حتى رأى البيت، أو رأى الكعبة، وهذا يحصل بأدنى قدر من الصعود.
وأما الحكمة من السعي بين العلمين اتباع سنة النبي، - صلى الله عليه وسلم - وتذكر حال أم إسماعيل، حيث كانت إذا هبطت الوادي وهو ما بين العلمين أسرعت لكي تلاحظ ابنها إسماعيل، والقصة مطولة في صحيح البخاري (1) .
س 978: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم لا يدعو بعد التكبيرة الثالثة عند السعي فما الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لأن حديث جابر- رضي الله عنه- قال: "ثم دعا بين ذلك " ولم يقل دعا بعد ذلك.
س 979: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء على الصفا والمروة أو بعد الدعاء مطلقاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ليس بمشروع؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (رقم 3364) .(22/444)
س 980: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء الواقعة عند الذهاب إلى المسعى وفي المسعى والدعاء فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في هذه الأمور. أما بالنسبة للخروج إلى المسعى فلا يحضرني شيء من ذلك الآن، وأما في المسعى فإنه يحضرني الأخطاء التالية:
الخطأ الأول: النطق بالنية فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال: إني نويت أن أسعى سبعة أشواط لله تعالى، ويعين النسك الذي يسعى فيه، يقول ذلك أحياناً إذا أقبل إلى الصفا، وأحياناً إذا
صعد على الصفا، وقد سبق أن النطق بالنية من البدع، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينطق بالنية لا سراً ولا جهراً، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) (1) وقال النبي: "إن خير الحديث كتاب الله،
وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها" وهذا الخطأ يتلافى بأن يقتصر الإنسان على ما في قلبه من النية، وهو إنما ينوي إلى الله عز وجل، والله تعالى عليم بذات الصدور.
الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة جعل يرفع يديه ويشير بهما، كما ذلك في تكبيرات الصلاة صلاة الجنازة، أو تكبيرات الإحرام، أو في الركوع والرفع منه، أو القيام من التشهد الأول، يرفعهما إلى حذو منكبيه ويشير،
__________
(1) سورة الأحزاب: 21.(22/445)
وهذا خطأ فإن الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أنه رفع يديه وجعل يدعو، وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع دعاء، وليس رفعاً كرفع التكبير، وعليه فينبغي للإنسان إذا صعد الصفا أن يتجه إلى القبلة، ويرفع يديه للدعاء، ويأتي بالذكر الوارد عن النبي في هذا المقام، ويدعو كما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الخطأ الثالث: أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشياً واحداً، مشيه المعتاد، ولا يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وهذا خلاف السنة، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسعى سعياً شديدًا في هذا المكان، أعني المكان الذي بين العلمين الأخضرين، وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى المروة، فالمشروع للإنسان إذا وصل إلى العلم الخضر الأول الذي يلي الصفا أن
يسعى شديداً بقدر ما يتحمله، بشرط أن لا يتأذى أحداً بذلك، وهذا إنما يكون حينما يكون المسعى خفيفاً فيسعى بين هذين العلمين، ثم يمشي إلى المروة مشيه المعتاد، هذه هي السنة.
الخطأ الرابع: على العكس من ذلك فإن بعض الناس إذا كان يسعى تجده يرمل في جميع السعي من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا فيحصل في ذلك مفسدتان، أو أكثر:
المفسدة الأولى: مخالفة السنة.
والمفسدة الثانية: الإشقاق على نفسه، فإن بعض الناس يجد المشقة الشديدة في هذا العمل، لكنه يتحمل بناء على اعتقاده أن ذلك هو السنة، فتجده يرمل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وهكذا حتى ينتهي سعيه، ومن الناس من يفعل ذلك(22/446)
لا تحريًا للخير، ولكن حبًا للعجلة، وإنهاءً للسعي بسرعة، وهذا شر مما قبله؛ لأن هذا ينبىء عن تبرم الإنسان بالعبادة، وملله منها، وحبه الفرار منها، والذي ينبغي للمسلم أن يكون قلبه مطمئناً، وصدره منشرحا، بالعبادة يحب أن يتأنى فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها، فهذا دليل على نقص إيمانه، وعدم اطمئنانه بالعبادة.
والمفسدة الثالثة: في الرمل في جميع أشواط السعي: أنه يؤذي الساعين، فأحياناً يصطدم بهم ويؤذيهم وأحياناً، وأحيانًا يكون مضيقًا عليهم، ومزاحمًا لهم فيتأذون بذلك، فالنصيحة لإخواني المسلمين في هذا المقام أن يتأسوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن هديه خير الهدي، وأن يمشوا في جميع الأشواط إلا في ما بين العلمين، فإنهم يسعون سعياً شديداً، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مالم يتأذوا بذلك، أو يؤذوا غيرهم.
الخطأ الخامس: أن بعض الناس يتلو قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) في كل شوط كلما أقبل على الصفا، وكلما أقبل على المروة، وهذا خلاف السنة، فإن السنة الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلاوة هذه الآية أنه تلاها حين دنا من الصفا، بعد أن أتم الطواف وركعتي الطواف، وخرج إلى المسعى، فلما دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ، أبدأ بما بدأ الله به إشارة منه - صلى الله عليه وسلم - أنه إنما جاء ليسعى، لأن هذا من شعائر(22/447)
الله عز وجل، وأنه إنما بدأ من الصفا؛ لأن الله تعالى بدأ به، فتكون تلاوة هذه الآية مشروعة عند ابتداء السعي إذا دنا من الصفا وليست مشروعة كلما دنا من الصفا في كل شوط، ولا كلما دنا من المروة، وإذا لم تكن مشروعة فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بها إلا في الموضع الذي أتى بها فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الخطأ السادس: أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوط بدعاء، وقد سبق أن هذا من البدع، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخصص كل شوط بدعاء معين، لا في الطواف، ولا في السعي أيضاً، وإذا كان هذا من البدع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل بدعة ضلالة" وعليه فاللائق بالمؤمن أن يدع هذه الأدعية، وأن يشتغل بالدعاء الذي يرغبه ويريده، فيدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، ويذكر الله ويقرأ القرآن، وما أشبه ذلك من الأقوال المقربة إلى الله
سبحانه وتعالى فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ".
الخطأ السابع: الدعاء من كتاب لا يعرف معناه، فإن كثيراً من الكتب التي بأيدي الحجاج لا يعرف معناها بالنسبة لحاملها، وكأنهم يقرؤونها تعبداً لله تعالى بتلاوة ألفاظها؛ لأنهم لا يعرفون المعنى، لاسيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية، وهذا من الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء لا تعرف معناه.
والمشروع لك أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء تعرف(22/448)
معناه، وترجو حصوله من الله عز وجل، وعليه فالدعاء بما تريده أنت بالصيغة التي تريدها، ولا تخالف الشرع أفضل بكثير من الدعاء بهذه الأدعية التي لا تعرف معناها، وكيف يمكن لشخص
أن يسأل الله تعالى شيئاً وهو لا يدري ماذا يسأله، وهل هذا إلا من إضاعة الوقت والجهل؟ ولو شئت لقلت: إن هذا من سوء الأدب مع الله عز وجل أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمر لا تدري ما تريده منه.
الخطأ الثامن: البداءة بالمروة، فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهلاً منه، يظن أن الأمر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة، أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد حتى تكون المروة أقرب إليه من الصفا، فيبدأ بالمروة جهلاً منه، وإذا بدأ الساعي بالمروة فإنه يلغى الشوط الأول، فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة، فأتم سبعة أشواط فإنه لا يصح منها إلا ستة؛ لأن الشوط الأول يكون لاغياً، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب البداءة بالصفا حيث قال: "أبدأ بما بدأ الله به ".
الخطأ التاسع: أن بعض الناس يعتبر الشوط الأول من الصفا إلى الصفا، يظن أنه لابد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر، فيبدأ بالصفا وينتهي إلى المروة ويجعل هذا نصف الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحد، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأ عظيم وضلال بَيَّن، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعى بين الصفا(22/449)
والمروة سبعة أشواط، لكنه ابتدأ بالصفا، واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي، بل يجب على المسلم إذا أراد أن يفعل العبادة أن يعلم حدود الله فيها قبل أن يفعلها، وهذا التعلم من فروض الأعيان؛ لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، فيجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة، ليعبد الله تعالى على بصيرة.
الخطأ العاشر: السعي في غير النسك، يعنى أن بعض الناس يتعبد الله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير حج ولا عمرة، يظن أن التطوع بالسعي مشروع كالتطوع بالطواف، وهذا أيضاً خطأ،
والذي يدلنا على هذا، أنك تجد بعض الناس في زمن العمرة- أي في غير زمن الحج- يسعى بين الصفا والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الإحرام، مما يدل على أنه محل فإذا سألته: لماذا فعلت؟
قال: لأني أتعبد الله عز وجل بالسعي كما أتعبد بالطواف. وهذا جهل مركب؛ لأنه صار جاهلاً بحكم الله، وجاهلاً بحاله، حيث ظن أنه عالم وليس بعالم، أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد
الوقوف بعرفة فيمكن أن يسعى الإنسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لأنه يتحلل برمي جمرة العقبة يوم العيد، بالحلق أو التقصير، ثم يلبس ثيابه، ثم يأتي إلى مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة.
على كل حال أقول: إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي(22/450)
بغير حج ولا عمرة، وهذا لا أصل له، بل هو بدعة، وهو لا يقع غالباً إلا من شخص جاهل، لكنه يعتبر من الأخطاء في السعي.
الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة من غير عذر، فإن بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا
بعذر، وهذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، أي هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشياً إلا من عذر أو لا يشترط؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً مادام قادراً،
فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -لأم سلمة- رضي الله عنها- حين قالت: إني أريد أن أطوف وأجدني شاكية، قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" فأذن لها بالركوب في الطواف؛ لأنها مريضة، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان لا يستطيع، أو يشق عليه مشقة تتعبه فلا حرج عليه أن يسعى على العربة. هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي.
س 981: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل من السنة صعود المرأة إلى الصفا؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعروف عند الفقهاء أنه لا يسن للمرأة أن تصعد الصفا والمروة، وإنما تقف عند أصولهما، ثم تنحرف لتأتى ببقية الأشواط، لكن لعل هؤلاء النساء اللاتي يشاهدن صاعدات على الصفا والمروة يكن مع محارمهن، ولا(22/451)
يتسنى لهن مفارقة المحارم؛ لأنهن يخشين من الضياع، وإلا فإن الأولى للمرأة أن لا تزاحم الرجال في أمر ليس مطلوبًا منها.
س 982: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم السعي الشديد في العودة من المروة إلى الصفا بين العلمين الأخضرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: السعي الشديد ليس بلازم، لكن الأفضل أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين في ذهابه من الصفا إلى المروة، وفي رجوعه من المروة إلى الصفا؛ لأن كل مرة من هذه شوط، والسعي بين العلمين مشروع في كل شوط.
س 983: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يشرع للحاج عندما يصعد للصفا أن يقرأ قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ) إلى آخر الآية، أم يقتصر على قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وهل يشرع أن يقول: "أبدأ بما بدأ الله به " كلما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر قوله- أي جابر رضي الله عنه فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) فيتحمل أنه قرأ الآية كلها، ويحتمل أنه قرأ هذا الجزء منها، فإن كمل الآية فلا حرج عليه.
وأما قوله (أبدأ بما بدأ الله به) فيقولها الإنسان أيضاً اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإشعاراً لنفسه أنه فعل ذلك طاعة لله عز وجل، حيث ذكر الله تعالى أنهما من شعائر الله وبدأ بالصفا.(22/452)
س 984: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم من الأخطاء في الطواف والسعي الدعاء من الكتب فهل ينطبق هذا على الناس الذين يطوفون ويسعون بهم ويقولون أدعية يرددها الناس
خلفهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، هو ينطبق على هؤلاء؛ لأن هؤلاء أيضاً كانوا قد حفظوا هذه الأدعية من هذا الكتاب، ولعلك لو ناقشت بعضهم- أي بعض هؤلاء المطوفين- عن معاني ما يقول لم يكن عنده من ذلك خبر ولكن مع ذلك قد يكون من خلفه لا يعلمون اللغة العربية، ولا يعرفون معنى ما يقولون، وإنما يرددونه تقليداً لصوته فقط، وهذا من الخلل الذي يكون من المطوفين، ولو أن المطوفين أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم، وعلموهم تعليماً عند كل طواف، وعند كل سعي، فيقولون لهم مثلاً: أنتم الآن ستطوفون فقولوا كذا، وافعلوا كذا، وادعوا بما شئتم، ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم فهذا طيب، وهو أحسن من أن يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذي لا يعرفون معناه، والذي قد يكون فيه تشويش على الطائفين، فهم إذا قالوا: نحن أمامكم وأنتم افعلوا كذا أشيروا مثلاً إلى الحجر، أو استلموه إن تيسر لكم، أو ما أشبه ذلك، وقولوا كذا، وكبروا عند محاذاة
الحجر الأسود وقولوا بينه وبين الركن اليماني (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) إلى غير ذلك من التوجيهات لكان هذا أنفع للحاج وأخشع، أما أن يؤتى بالحاج
وكأنه ببغاء يقلد بالقول والفعل هذا المطوف، ولا يدري عن شيء(22/453)
أبدًا، وربما لو قيل له بعد ذلك: طف. ما استطاع أن يطوف لأنه لا يعرف الطواف، وإنما كان يمشى يردد وراء هذا المطوف، فهذا هو الذي أرى أنه أنفع للمطوفين والطائفين أيضاً.
س 985: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للتقصير والحلق بعد السعي للعمرة أو الإحلال من الحج في منى هل هناك أخطاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، في الحلق أو التقصير في العمرة يحصل أخطاء منها:
الخطأ الأول: أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقاً تاماً بموسى ويبقى البقية، وقد شاهدت ذلك بعيني، فقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة، وقد حلق نصف رأسه تماماً، وأبقى بقية
شعره، وهو شعر كثيف بيَّن، فأمسكت به وقلت له: لماذا صنعت هذا؟ فقال: صنعت هذا؛ لأني أريد أن أعتمر مرتين، فحلقت نصفه للعمرة الأولى، وأبقيت نصفه لعمرتي هذه.
وهذا جهل وضلال لم يقل به أحد من أهل العلم.
الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة، قصر شعرات قليلة من رأسه، ومن جهة واحدة، وهذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، فإن الله تعالى يقول: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (1)
فلابد أن يكون للتقصير أثر بيَّن على الرأس، ومن المعلوم أن قص شعرة، أو شعرتين، أو ثلاث شعرات لا يؤثر، ولا يظهر على
__________
(1) سورة الفتح، الآية: 27.(22/454)
المعتمر أنه قصّر، فيكون مخالفًا لظاهر الآية الكريمة.
ودواء هذين الخطأين أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه، وأن يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره، ولا يقصر على شعرة أو شعرتين.
وهناك خطأ ثالثاً وذلك أنه إذا فرغ من السعي، ولم يجد حلاَّقاً يحلق عنده أو يقصر، ذهب إلى بيته فتحلل ولبس ثيابه، ثم حلق أو قصر بعد ذلك، وهذا خطأ عظيم؛ لأن الإنسان لا يحل من العمرة إلا بالحلق، أو التقصير؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر أصحابه في حجة الوداع، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، قال: "فليقصر ثم ليحلل " وهذا يدل على أنه لا حل إلا بعد
التقصير.
وعلى هذا فإذا فرغ الحاج من السعي ولم يجد حلاَّقًا، أو أحداً يقصر رأسه، فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر، ولا يحل له أن يتحلل قبل ذلك، فلو قدر أن شخصاً فعل هذا جاهلاً بأن تحلل قبل أن يحلق أو يقصر ظناً منه أن ذلك جائز، فإنه لا حرج عليه لجهله، ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه، ويلبس ثياب الإحرام، لأنه لا يجوز له التمادي في الحل مع علمه بأنه لم يحل ثم إذا حلق أو قصر تحلل.
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في الحلق والتقصير.(22/455)
س 986: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحلق أو التقصير في العمرة؟ وأيهما أفضل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة في حجة الوداع وطاف وسعى، أمر كل من لم يسق الهدي أن يقصر ثم يحل، فلما أمرهم
أن يقصروا، والأصل في الأمر الوجوب، دل على أنه لابد من التقصير، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم حين أحصروا في غزوة الحديبية أن يحلقوا، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - غضب حين توانوا في ذلك.
وأما هل الأفضل في العمرة التقصير أو الحلق؟ فالأفضل الحلق إلا للمتمتع الذي قدم متأخراً، فإن الأفضل في حقه التقصير من أجل أن يوفر الحلق للحج.
س 987: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج متمتع طاف وسعى للعمرة ولبس ملابسه العادية ولم يقصر ولم يحلق وسأل بعد الحج فأخبر أنه أخطأ فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل يعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، وعليه عند أهل العلم أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها على فقراء مكة، وهو باق على تمتعه
وعمرته صحيحة.
س 988: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقول: قمت بعمل عمرة وهي أول عمرة لي، ونسيت أن أقص من شعري،(22/456)
فقلت: عندما أذهب للبيت سوف أقصه: ولكنني عندما ذهبت إلى البيت نسيت ذلك فماذا على الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: كان الواجب عليها أن تسأل في وقت العمرة، والآن كم لها من وقت، فلا أستطيع أن أفتيها وهي لم تبين لي متى كان ذلك؟
س 989: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة اعتمرت هذا العام ونسيت أن تقصر من شعرها، وحلت من الإحرام بعد الطواف والسعي، ولم تذكر التقصير إلا في الرياض، فما الحكم
جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، إذا نسيت أن تقصر في العمرة ولم تذكر إلا وهي في الرياض فإنها تقصر، ولا حرج عليها إن شاء الله.
وإنني بهذه المناسبة: أود أن أذكر إخواننا المسلمين أنهم إذا أرادوا أن يفعلوا عبادة- أي عبادة كانت- فليقبلوا عليها بجد، وليشغلوا قلوبهم بها، وليهتموا بها.
والناحية الثانية: أن يتعلموا أحكامها، وماذا يجب عليهم فيها، حتى يعبدوا الله تعالى على بصيرة، وما أكثر الذين يسألون عن أشياء أخلوا بها في مناسكهم في الحج أو العمرة، وربما يمضي عليهم سنوات كثيرة لم يتفطنوا إلا بعد مضي هذه(22/457)
السنوات، وهذا لا شك أنه نقص. فالإنسان لو أراد أن يسافر إلى بلد فإنه لن يسافر إلا بهاد يدله الطريق، أو بهاد يصف له الطريق حتى يعرف كيف يسير إلى هذه البلاد، وإلى أين يتجه، فما بالك
بالسير إلى جنات النعيم أليس الأجدر بالإنسان أن يهتم به اهتماماً بالغاً؟! وهكذا في المعاملات ينبغي للتاجر أن لا يشتغل بالتجارة حتى يعرف ما الذي يجوز منها، وما الذي لا يجوز، وهكذا في ما
يسمونه بالأحوال الشخصية كالنكاح، والطلاق، فالإنسان لا يطلق حتى يعرف حدود الله تعالى في الطلاق، إلى غير ذلك من شرائع الدين. وشعائره، فإنه ينبغي للإنسان أن يتلقاها بهمة وعزيمة، ونشاط، واحضار قلب، وأن يقوم بها على علمِ وبصيرة، فقد قال الله تبارك تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
س 990: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أحرمنا للعمرة من ميقات المدينة ثم قدمنا إلى مكة ودخلنا الحرم وطفنا حول الكعبة سبع مرات ثم صلينا ركعتين قبل السعي ثم سعينا سبعة أشواط ثم خرجنا من الحرم هذا كل ما فعلنا في العمرة، إلا أن واحداً منا خرج من الحرم بعد إكمال الطواف وقبل السعي وقص شيئاً من شعر رأسه ولم ينزع لباس إحرامه، وبعد ذلك عاد إلى الحرم وسعى، وبعد إكماله للسعي خرجنا من مكة إلى المدينة ولم نطف طواف الوداع، فما الحكم فيمن قص شيئاً من شعره في السعي وما حكم ترك طواف الوداع جهلاً؟(22/458)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي فهمته من هذا السؤال أنه لم يقصر أحد منهم إلا هذا الذي قصر قبل أن يسعى، فإن كان هؤلاء كذلك فقد تركوا التقصير، والتقصير من واجبات العمرة، فإذا كانوا تركوه جهلاً فلا حرج عليهم أن يقصروا ولو في مكانهم في بلدهم الذي يقيمون فيه.
وأما هذا الذي قصر قبل السعي جاهلاً فلا شيء عليه؛ لأن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها المحرم جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً فإنه لا شيء عليه، ولكن على هذا الرجل الذي قصر قبل السعي أن يقصر الآن؛ لأنه قصر في غير محل التقصير.
وأما خروجكم بعد قضاء العمرة إلى المدينة مباشرة فإنه لا شيء عليكم، أما لو أقام المعتمر في مكة ولو قليلاً فإنه يجب عليه طواف الوداع لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ". ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك " (1) . وهذا عام إلا فيما خصه الدليل كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، فإن هذا لا يجب في العمرة بالنص والإجماع. والله الموفق.
س 991: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: اعتمرت لوالدي المتوفي وفي نهاية العمرة نسيت أن أقصر من شعري، ثم قمت مباشرة بالطواف لأختي أي أخذت لها سبع، وأختي مقيمة في
__________
(1) تقدم ص 149.(22/459)
الرياض ويمنعها زوجها من العمرة، ولا أعلم هل يستمر في منعها أم لا، بحجة أنه لا يحب السفر، وبعد الانتهاء من الطواف لأختي قمت بالتقصير من شعري مرة واحدة فقط عن العمرة لوالدي
وأسأل يا فضيلة الشيخ حكم الطواف لأختي في هذه الحالة والفقرة الأخرى هل أقصر من شعري بعد السبع؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الطواف لأختك صحيح وكونك قصرتي بعد هذا الطواف عن العمرة صحيح أيضاً.
وأما كون زوج أختك يمنعها من العمرة فهذا أمر يعود إليه هو أعلم بشأن زوجته، قد يرى أنه من المصلحة أن يمنعها فيمنعها، فله الحق في ذلك؛ لأن النبي قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه " (1) هذا الحديث أو معناه، فمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه؛ لأنها إذا صامت تمنعه من كمال ما يريد منها، وإن فعل
ما يريد صار في قلبه حرج وقلق، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصوم الذي يكون به منع الزوج مما يريد، فما بالك في السفر، فإن منعه زوجته من السفر حق له ولا لوم عليه في
ذلك، لكن ينبغي للزوج أن يراعي الأحوط، فإذا قدر أن هذه المرأة لم تعتمر من قبل وصار أهلها سيذهبون للعمرة وهو لا يشق عليه فراقها فليأذن لها في العمرة لتؤدي واجباً لله، ويا حبذا لو
اصطحبها أيضاً فإن هذا تكون فيه الفة بين الأصهار بعضهم مع
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها إلا بإذنه (رقم 5195) ومسلم، كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه (رقم 1026)(22/460)
بعض، ويكون فيه الخير الكثير إن شاء الله.
س 992: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أحرم بالحج متمتعاً واعتمر ولم يتحلل من إحرامه بتقصير شعره إلى أن ذبح الهدي جاهلاً فماذا عليه؟ وهل حجه صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب أن يعرف أن الإنسان إذا أحرم متمتعاً فإنه إذا طاف وسعى قصر من شعره من جميع الرأس وحل من إحرامه، هذا هو الواجب، فإذا استمر في إحرامه فإن كان قد
نوى الحج قبل أن يشرع في الطواف- أي طواف العمرة- فهذا لا حرج عليه؛ لأنه في هذه الحال يكون قارناً، ويكون ما أدى من الهدي عن القران.
وإن كان قد بقي على نية العمرة حتى طاف وسعى فإن كثيرًا من أهل العلم يقولون: إن إحرامه بالحج غير صحيح؛ لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها، ويرى بعض أهل العلم أنه لا بأس به، وحيث إنه جاهل فالذي أرى أنه لا شيء عليه وأن حجه صحيح إن شاء الله. والله الموفق.
س 993: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججنا مع والدي عام 1401 هـ أول مرة نحج فيها ولما أحرمنا وطفنا طواف القدوم قصينا من شعر الرأس وكنا محرمين بالحج مفردين، والوالد رجع إلى السودان وأنا حضرت إلى الرياض وأعمل هنا وقد صمت عشرة أيام في الرياض والوالد لم يصم، أرجو إفادتي في(22/461)
ذلك وما هو المطلوب مني ومن والدي بارك الله فيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليك وعلى والدك شيء وذلك أن تقصيركما للرأس كان عن جهل، لم تريدا به التحلل من الإحرام، لأنكما مفردان للحج، والمفرد للحج لا يحل من إحرامه إلاَّ يوم العيد إذا رمى وحلق وقصر، وكل من فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً فليس عليه إثم، وليس عليه فدية لقوك الله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (1) وقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (2) وقوله تعالى في الصيد: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (3) والجاهل غير متعمد للإثم فهو غير آثم، وإذا كان غير آثم
لم يترتب عليه كفارة الإثم، والخلاصة أنه لا شيء عليك ولا على أبيك.
س 994: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: أدينا العمرة ثم قصرنا من بعض الشعر ولم نقصر منه كله وتحللنا من إحرامنا فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب في التقصير أن يكون شاملاً لجميع الرأس لقول الله تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (4) فلابد أن
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 286.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 5.
(3) سورة المائدة، الآية: 95.
(4) سورة الفتح، الآية: 27.(22/462)
يعم كل الرأس، ومن قصر من بعضه فإنه لم يقم بالواجب إلا على رأي بعض العلماء، فمن قصر تبعاً لهؤلاء الذين أفتوه في ذلك فلا شيء عليه، يعني من قصر بعض الرأس تابعاً للعلماء الذين أفتوه
فلا شيء عليه، وإلا وجب عليه الآن أن يخلع ثيابه، لأنه لم يحل له لبسها حتى الآن، ثم يلبس ثياب الإحرام ثم يقصر التقصير الواجب.
س 995: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أحرم متمتعاً ولم يقصر أو يحلق لعمرته وأكمل مناسك الحج ماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحاج ترك التقصير في عمرته، والتقصير من واجبات العمرة، وفي ترك الواجب عند أهل العلم دم يذبحه الإنسان في مكة، ويوزعه على الفقراء، وعلى هذا فنقول لهذا الحاج: يجب عليك على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية بمكة، وتوزعها على الفقراء، وبهذا تتم عمرتك وحجك، وإن كان خارج مكة فإنه يوصي من يذبح له الفدية بمكة.
س 996: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الباقية ومضى على ذلك ثلاث سنوات فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: يلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام، ونسأل الله له العون.(22/463)
س 997: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص يحلق شعره للعمرة في بلده فما حكم عمرته؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول أهل العلم: إن حلق الرأس لا يختص بمكان فإذا حلق في مكة، أو في غير مكة فلا بأس، لكن الحلق في العمرة بتوقف عليه الحل، وأيضاً سيكون بعد الحلق طواف وداع، فالعمرة هكذا ترتيبها: طواف، وسعي، وحلق أو تقصير، وطواف وداع إذا أقام الإنسان بعد أداء العمرة، وأما إذا سافر من حين أن أتى بأفعال العمرة فلا وداع عليه، إذًا معناه لابد أن يحلق رأسه أو يقصره وهو في مكة إذا كان يريد الإقامة لأنه سيأتي بعده طواف الوداع، أما إذا طاف وسعى وخرج إلى بلده فوراً، فإنه لا حرج عليه أن يقصر أو يحلق في بلده، لكنه سيبقى على إحرامه حتى يقصر أو يحلق. والله أعلم.
س 998: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن أقص شعري في المروة بعد نهاية السعي؟ وهل يجزىء حلق أو قص بعض الرأس؟ وماذا يفعل من كان أصلعاً أو محلوق الرأس؟
وهل يجوز للساعي والطائف الاستراحة إذا تعب أثناء السعي، أو الطواف؟ وأيهما أفضل الحلق أو التقصير مع دليل ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا فرغ الإنسان من السعي وكان في عمرة فإنه يحلق أو يقصر، والحلق أفضل؛ لأنه أبلغ في تعظيم الله؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة (1) .
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال (رقم 1727) =(22/464)
ومن كان أصلعًا أو قد حلق رأسه فإنه يسقط عنه الحلق، أو التقصير؛ لأنه لا شعر له، وهذا في الأصلع ظاهر، لأن الأصلع لا ينبت شعره، وأما من حلق، فإنه قد يقال: إنه يجمب عليه أن ينتظر
حتى ينبت أدنى نبات ثم يحلق.
وأما حلق بعض الرأس أو تقصير بعض الرأس فلا يجزىء لأن الله تعالى قال: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (1) فلا بد من أن يكون الحلق أو التقصير شاملاً جميع الرأس، وأحسن ما يقصر به
وأعمَّه أن يكون التقصير في المكائن المعروفة التي يستعملها الناس اليوم لأنها يحصل بما التقصير العام، وعلى وجه متساوٍ فهي أحسن من المقص.
وقولنا إن الحلق أفضل، هذا بالنسبة للرجال، أما النساء فليس في حقهن إلا التقصير.
أما قول السائل: إذا تعب الساعي أو الطائف وجلس فهل يضر ذلك؟
والجواب: أنه لا يضره، ولكن يلاحظ أنه لا يجلس جلوساً طويلاً، ولكن يجلس قليلاً حتى يرتد إليه نفسه وترتاح أعصابه، ثم يواصل، وإن احتاج إلى جلسة أخرى فلا بأس، أو ثالثة، أو رابعة.
__________
= ومسلم، كتاب الحج، باب تفصيل الحلق والتقصير وجواز التقصير (1301)
(1) سورة الفتح، الآية: 27.(22/465)
س 999: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أخذت عمرة فطفت وسعيت ولكنني لم أحلق ولم أقصر لأنني اعتقدت أن التقصير قبل ذلك فقصرت قبل وصولي إلى مكة وأنا في مدينة الرياض فماذا عليّ؟ علمًا بأني لما علمت الحكم حلقت بنية النسك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: ما دمت كنت جاهلاً بوجوب الحلق أو التقصير بعد الطواف والسعي للعمرة، ثم لما علمت حلقت بنية النسك فإنه لا شيء عليك، وإن قدر أنك فعلت شيئاً من
محظورات الإحرام قبل الحلق أو التقصير، فإنه ليس عليك شيء أيضاً لأن هذا صدر عن جهل، قال الله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (1) ..
س 1000: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من اعتمر ولم يحلق أو لم يقصر ناسياً أو جاهلاً فما حكم عمرته؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العصرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسياً فإنه يحلق متى ذكر إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، وإذا تركه جاهلاً، وعَلِم فإنه يحلق، إلأَ إذا فات الأوان فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه هذه الحال ما دام ناسياً أو جاهلاً. والله أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 286(22/466)
س 1001: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من نسي التقصير في العمرة وتحلل من إحرامه وفعل بعضر محظورات الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم من نسي التقصير في العمرة حتى تحلل من إحرامه وفعل شيئاً من محظورات الإحرام أن تحلله من إحرامه ليس عليه فيه شيء، وما فعله من محظورات ولو كان
الجماع ليس عليه فيه شيء، لأنه ناس للحلق، وجاهل في فعل المحظور، فليس عليه شيء، ولكن إذا ذكر وجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام لأجل أن يقصر وهو محرم، هذا إذا كان رجلاً، إما إذا كانت امرأة فإنه لا يلزمها أن تخلع ثيابها بل تقصر وإن لم يكن عليها ثيابها التي أحرمت بها؛ لأن المرأة ليس لها ثياب خاصة للإحرام، فالمرأة تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة. والله أعلم.
س 1002: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج قدم متمتعاً فلما طاف وسعى لبس ملابسه العادية ولم يقصر أو يحلق وسأل بعد الحج وأخبر أنه أخطأ فكيف يفعل وقد ذهب الحج بعد وقت
العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل يعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، وعليه عند اهل العلم أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها على فقراء مكة، وهو باق على تمتعه.(22/467)
س 1003: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل طاف طواف العمرة وسعى ولم يحلق رأسه ناسياً وغادر مكة أو أثناء الطريق تذكر فخلع ثيابه وحلق رأسه وتحلل؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرجو أن لا شيء عليه.
س 1004: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الظاهر أنه باقٍ على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية، فإذا كان موسراً قادراً
وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادراً فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته.
س 1005: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل أحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ولم يصل مكة إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة فعند فراغه من العمرة هل يحلق رأسه أو يقصر؟ وما
حكم الاغتسال بعد العمرة للإحرام بالحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرم الإنسان بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ولم يصل إلى مكة إلا في اليوم الثامن، فإنه في هذه الحال لا يحلق شعر رأسه عند الإحلال، ولكنه يقصره، من أجل(22/468)
أن يبقى الشعر للحج، فإذا أنهى العمرة بالطواف والسعي والتقصير فإنه يغتسل للإحرام بالحج، وهذا الاغتسال ليس بواجب؛ لأن الاغتسال عند النسك سنة، وليس بواجب.
س 1006: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل يقول: ذهبت أنا وعائلتي للعمرة وبعد الفراغ من الطواف والسعي حللنا ولم ثقصر ولم نحلق وخرجنا من مكة لأننا كنا نعتقد أن الحلق أو
التقصير خاص بالحج وقد مضى على ذلك زمن فماذا يلزمنا الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: يلزم كل واحد منهم فدية تذبح بمكة وتوزع على الفقراء، وأنصح كل إنسان أخل بشيء من المناسك أن يسأل فوراً، وأن لا يتأخر.
س 1007: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- هل يجوز أن يوصي من يذبح الفدية عنه وعن عائلته بمكة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز، وإن ذهب فهو طيب يأخذ عمرة ويفدي.
س 1008: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى: يقول صاحب السؤال أعلاه: إنه ليس من أهل المملكة ولا يعرف أحداً فما الحل؟
فأجاب فضيلته بقوله: يعطينا أربعمائة ريال عن كل فرد، وإن شاء الله نجد أحداً والله الموفق.(22/469)
س 1009: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قام بأداء العمرة ونسي أن يقصر أو يحلق ولبس ثيابه وذكر في مكة أنه لم يقصر ولم يحلق وسافر إلى بلده فما حكم عمرته وماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: عمرته صحيحة، لكن بقي عليه الحلق أو التقصير، ولكن من العلماء من يقول: يحلق ويقصر يعنى يخلع ثيابه الآن لأنه يحرم عليه أن يلبس الثياب قبل الحلق أو التقصير، فيخلع الثياب، ويلبس ثياب الإحرام، فيحلق ويقصر.
ومنهم من قال: إنه ثبت عليه الدم بمغادرة مكة، ويذبح بمكة فدية توزع على الفقراء، وأرى الأخير أحسن أن يذبح فدية في مكة وتوزع على الفقراء، هذا إن كان غنياً أما إذا كان فقيراً فلا شيء
عليه.
س 1010: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- حاج أتم الطواف والسعي ولبس ملابسه ولم يقصر ولم يحلق فماذا يفعل الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال العلماء- رحمهم الله- إن الحلق أو التقصير إنه من واجبات الحج وقالوا قاعدة: (كل من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء) وعلى هذا فنقول لهذا الأخ اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء وفي هذا يتم حجك.
س 1011: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- رجل يقول: اديت أنا وزوجتي العمرة ثم حلقت شعري بعد الانتهاء من العمرة ولكن(22/470)
زوجتي لم تقصر لعدم وجود مقص وأخبرتني بذلك بعد خروجي من مكة وبعد فترة جامعتها نسياناً وجهلاً منها في الشرع فما الحكم في ذلك؟ وإذا لم تقصر حتى الآن فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب عليها أن تبادر من حين أن ذكرت أنها لم تقصر وتقصر رأسها، ولايحل لها التهاون في هذا الأمر الخطير، أما ما حصل من المباشرة بينكما وهو صادر عن جهل أو
نسيان فإن ذلك لا يؤثر على النسك شيئاً؛ لأن لدينا قاعدة مهمة يجب لطالب العلم أن يفهمها وهي: (أن ارتكاب المحظور نسياً أو جهلاً لا أثر له) كل المحظورات: محظورات الإحرام ومحظورات
الصيام ومحظورات الصلاة كلها إذا وقعت عن جهل أو نسيان فإنها لا تؤثر شيئاً، فلو أن الإنسان في صلاته تكلم يظن أن الكلام لا يبطل الصلاة فصلاته صحيحة؛ لأنه فعل المحظور جاهلاً، ولو أن
الإنسان احتجم وهو صائم يظن أن الحجامة لاتفطر فصيامه صحيح، وإن جامع الرجل زوجته وهو يظن أن المحرم الجماع بالإنزال دون الجماع بلا إنزال فصيامه صحيح؛ لأن بعض الناس يظن هذا؛ حتى حدثني بعض الناس أنه كان يجامع زوجته ولا يغتسل بناء على أن الاغتسال إنما يجب بناءً على الإنزال؛ وأن الجماع بلا إنزال ليس فيه شيء، وأنه كالقبلة، ولا شك أن هذا جهل عظيم، ولا ينبغي للمسلم أن يجهل مثل هذه الحال لكن إذا وقع جهلاً فلا حكم له، ولهذا يجب أن نتفطن فالغسل يجب بواحد من أمرين: إما الإنزال، أو الجماع ولو بدون إنزال، فإن حصل جماع وإنزال فيجب الغسل من باب أولى. فينبغي للشباب(22/471)
الذين يتزوجون حديثاً أن ينتبهوا لهذه المسألة فبعضهم يقول بعد مضي سبع سنين أو ما أشبه ذلك كان يجامع زوجته دائماً لكن بلا إنزال ولا يغتسل لا الزوج ولا الزوجة، وهذا خطأ عظيم، فمتى
حصل الجماع ولو بدون إنزال وجب الغسل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل " (1) .
س 1012: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت للعمرة مع ابنها وهو صغير لم يبلغ فلما اعتمرت لم تقصر شعره فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر لي أن الصغير لا يلزمه شيء من أحكام الحج، لأنه غير مكلف، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق " (2) فإذا فعل محظوراً في الإحرام، أو ترك واجباً فلا شيء عليه، لأنه غير مكلف، بل ولو تخلص من الإحرام وقال: أنا لا إريد أن أكمل، فله ذلك، لأنه غير مكلف.
س 1013: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة اعتمرت في رمضان وعندما طافت طواف الوداع خرجت من مكة وقصرت من شعرها لتحل من العمرة علماً بأن هذا كله كان في نفس اليوم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما إذا تعمدت فلا شك أنها قد
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء (348) .
(2) تقدم ص 149.(22/472)
أساءت إذ أخرت التقصير عن طواف وداع وأما إذا كانت ناسية وتذكرت بعد طواف الوداع، فإنه لا حرج عليها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذها" (1) . فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة المنسية تصلى إذا ذكرت. وهذا التقصير نقول: لها قصري متى ذكرتي.
س 1014: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص حلق شعره وبعده بيوم ذهب إلى العمرة فلما انتهى من السعي لم يحلق فلما وصل إلى بلده قيل له: إنك أخطأت لأنك لم تمر الموسى
على رأسك، فهل يجب عليه شيء في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: لابد أن يمر الموسى على رأسه، لأن الحلق وإن كان قريباً لابد أن ينبت الشعر، فالشعر ينبت بسرعة، إلا أنه لم يفعل، فأرى أنه من باب الاحتياط أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها على الفقراء، ولا يحلق، لأن الفدية بدل عن الحلق، والحلق فاته وقد تحلل، واعتقد أنه انتهى من العمرة، وإن حلق حين علم، ولم يذبح فدية فأرجو أن لا حرج.
س 1015: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر ونسي أن يحلق رأسه وهو لا يزال الآن في مكة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لابد أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب
__________
(1) تقدم ص 368.(22/473)
الإحرام، ويتجنب جميع محظورات الإحرام، لأنه لم يحل بعد، ثم يحلق ويحل من إحرامه.
س 1016: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل صحيح أن العمرة لها تحللان وأن التقصير يصح في أي مكان خارح مكة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج ثبت أن له تحللين: أما العمرة لم يثبت، ولا يمكن أن يتحلل الإنسان منها إلا بالحلق بعد السعي، والسعي بعد الطواف، ثلاثة مرتبة: طواف، سعي، حلق أوتقصير.
لكن هل يلزم أن يكون الحلق في مكة أو التقصير؟
ليس بلازم، فلو خرج من مكة وهو باق على إحرامه وحلق في جدة مثلاً فلا حرج عليه، مع أن الأفضل أن يحلق من حين ما ينهي من السعي.
س 1017: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: المتمتع إذا نسي التقصير من شعره ثم دخل في الحج وتذكر بعد ما دخل في الحج فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه مسألة عظيمة، بعض العلماء يقول: لا حج له؛ لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ إنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن لا قارن، ولا متمتع، والذي نرى أنه متمتع، وأنه يلزمه فدية لترك الحلق،(22/474)
أو لترك التقصير، وعمرة المتمتع ما فيها حلق فيلزمه فدية لترك التقصير وحجه صحيح إن شاء الله.
س 1018: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم في الفتوى السابقة إنه يكون متمتعاً ويدخل في أعمال الحج فكيف يكون متمتعاً وهو لم يحل من العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نسي التقصير فنقول له: تمتع. إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، ولكنه يبقى الآن أنه لا يمكن أن يحلق؛ لأنه دحْل في الإحرام فالأحوط فيما أراه أنه يذبح فدية في مكة، يوزعها على الفقراء في الحرم، بالإضافة إلى هدي التمتع.
س 1019: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأى فضيلتكم فيمن يقصر للعمرة من بعض الرأس فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لم يتم تقصيره والواجب عليه أن يخلع ثيابه، ويلبس ثياب الإحرام، ويقصر تقصيراً صحيحاً، ثم بعد ذلك يتحلل.
وإننى بهذه المناسبة: أود أن أنبه إلى أنه يجب عل كل مؤمن أراد أن يتعبد لله بعبادة يجب عليه أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله فيها، ليعبد الله على بصيرة، لا على جهل، قال الله تعالى
لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ(22/475)
اتَّبَعَنِي) ولو أن إنسانًا أراد أن يسافر من مكة إلى المدينة وليس هناك خطوط مسفلتة فإنه لا يخرج حتى يسأل عن الطريق، فإذا كان هذا في الطرق الحسية، فلماذا لا يكون في الطرق المعنوية التي
هي الطرق الموصلة إلى الله؟!.
والتقصير هو الأخذ من الشعر جميعه، وأفضل ما يكون في التقصير أن يستعمل الماكينة لأنها تعم الرأس كله، وإن كان يجوز أن يقصر بالمقص، لكن بشرط أن يمر على جميع الرأس، كما أنه في الوضوء يمر على جميع الرأس، فكذلك في التقصير. والله أعلم.
س 1020: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج قصر من بعض شعره جهلاً منه وتحلل فما يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحاج الذي قصر من بعض شعره جاهلاً بذلك ثم تحلل لا شيء عليه في هذا التحلل، لأنه جاهل، ولكن يبقى عليه إتمام التقصير لشعر رأسه.
وإنني بهذه المناسبة: أنصح إخواني إذا أرادوا شيئاً من العبادات أن لا يدخلوا فيها حتى يعرفوا حدود الله عز وجل فيها، لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة، لقوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) (1) وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
__________
(1) سورة يوسف، الآية: 108.(22/476)
لَا يَعْلَمُونَ) (1) فكون الإنسان يعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة خيرًا بكثير من كونه يعبد الله سبحانه وتعالى على جهل، بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون.
س 1021: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعد السعي للعمرة قمت بقص شعرات من رأسي هل يصح ذلك أو يكون التقصير للشعر كله؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب أن يكون التقصير للشعر كله في العمرة وفي الحج، بأن يكون التقصير شاملاً لجميع الرأس، لا لكل شعرة بعينها، وما يفعله بعض الناس من كونه يقص عند
المروة شعرات إما ثلاث، أو أربعاً، فإن ذلك لا يجزىء؛ لأن الله تعالى قال: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ومعلوم أن أخذ شعرات ثلاث، أو أربع من الرأس، لا يترك فيه أثرًا للتقصير، فلابد من
تقصير يظهر له أثر على الرأس، وهذا لا يمكن إلا إذا عم التقصير جميع الرأس وتبين أثره، وعليه فالذي أرى أن من الأحوط لك أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك، لأنك تركت واجبًا
وهو التقصير، وقد ذكر أهل العلم أن ترك الواجب فيه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هناك.
س 1022: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أديت فريضة الحج ولم أقصر من رأسي من جميع النواحي ولكنني أخذت
__________
(1) سورة الزمر، الآية: 9.(22/477)
البعض فما الحكم وهل الحج صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الحج صحيح إن شاء الله، والحكم أن عليك فدية تذبحها في مكة، وتوزعها على الفقراء هناك، كما قال هذا أهل العلم فيمن ترك واجباً من واجبات الحج، والحلق أو التقصير من واجبات الحج.
س 1023: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا قصر الحاج والمعتمر من جانب رأسه ثم حل إحرامه وهو لم يعمم الرأس فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم إن كان في الحج وقد طاف ورمى فإنه يبقى في ثيابه، ويكمل حلق رأسه أو تقصيره، وإن كان في عمرة فعليه أن يخلع ثيابه ويعود إلى ثياب الإحرام، ثم يحلق أو يقصر تقصيراً يعم جميع الرأس، وهو محرم أي وهو لابس ثياب الإحرام.
س 1024: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف للعمرة وسعى ثم قصر من جانب واحد من رأسه ثم ذهب إلى أهله فماذا يلزمه في الحالين: في حال تعذر عودته لمكة، وفي حال
عدم تعذر عودته لذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب عليه أن يحلق الآن أو يقصر، ويكون ما فعله من المحظورات قبل ذلك في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة،(22/478)
بل يجوز في مكة وفي غيرها، فنقول لهذا السائل: الآن اخلع ثيابك التي عليك؛ لأنك لم تحل بعد، ثم قصر تقصيراً صحيحاً، أو احلق، هذا ما لم تكن حين تقصيرك الأول تعتقد أن هذا هو
الواجب عليك بناء على فتوى سمعتها مثلاً، فإنه في هذه الحال ليس عليك شيء؛ لأن الله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ، وبعض أهل العلم يرى أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس.
س 1025: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل اعتمر وقصر من مقدمة الرأس ومؤخرته فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الذي ذهب إلى العمرة وقصر يجب أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ومن الخطاء أن يقص من جانب واحد، أو من جانبين، أو من ثلاثة، أو من أربعة، بل لابد أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ولهذا نرى أنه لو استعمل الإنسان هذه المكائن على نمرة أربعة، أو ما أشبه ذلك لحصل المقصود، فينظر إذا كان التقصير لأكثر الرأس كفى، وإلا فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.
س 1026: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نشاهد وبكثرة من بعض الحجاج- هداهم الله- أنه إذا أراد أن يقصر من شعر رأسه في حج أو عمرة أخذ من كل جانب شعرات واكتفى بذلك، ولربما أخذ من عارضيه فما حكم عمله ذلك في الحالات التالية: أولاً:(22/479)
إذا رأيناه يفعل ذلك وهم كثير على المروة، ثانياً: إذا فعل ذلك ورجع إلى أهله، ثالثاً: إذا فعل ذلك قبل سنوات كثيرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سألني سائل مرة، وقال: إني اعتمرت وكل شيء فعلته إلا أنني لم أحلق، ويقول: هكذا.
بلحيته لم أحلق، يعنى ما حلقت اللحية، ظن أن حلق اللحية من شعائر الله، فقال: كل شيء عملته، إلا أنني لم أحلق ويشير كذا بلحيته يمسحها أمامي، فقلت: الحمد لله الذي هداك إلى هذا، هذا هو الحق أن لا تحلق لحيتك؛ لأن حلق اللحية حرام بكل حال، فهؤلاء القوم الذين نراهم عند المروة، يقصرون من بعض الرؤوس، هم على قول قاله بعض العلماء؛ لأن العلماء- رحمهم الله- مختلفون: هل الحلق والتقصير نسك، أو الحلق والتقصير علامة على أن النسك انتهى؟ فالذي يقول: إنه علامة على أن النسك انتهى يقول: إذا قصرت أدنى شيء لو شعرتين، أو ثلاث فقد كفى؛ لأن المحرم لا يجوز أن يحلق رأسه فإذا حلقت معناه إنك انتهيت، ومن قال: إنه نسك وهو الصحيح، قال: يجب أن يقصر من جميع الرأس عموماً، وهذا هو الحلق، فإذا رأيت شخصاً قابلاً للنصيحة والتوجيه وجهه، أما إذا رأيت شخصاً لا يعرفك، ولا يأخذ بقولك، ولا يبالي وتكلمت معه ولكنه لم يلتفت إليك فلا تلح عليه
س 1027: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر أو حج وعند الحلق لم يعمم جميع شعره، وكان قد مضى على حجه(22/480)
أو عمرته سنوات فما الحكم في ذلك، ونريد أيضاً قاعدة متى يؤمر الحاج أو المعتمر إذا ترك شيئاً من نسكه أن يرجع إلى مكة للإتيان به؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل ترك واجباً، وترك الواجب يجب فيه فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء، وبهذا يتم حجه، وإما ما يلزم الحاج فعله إذا تركه فهي الأركان، أما الواجبات فإذا فات وقتها تجبر بدم.
س 1028: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قمت بأداء فريضة العمرة ولكنني لم أقصر من رأسي ظناً منى بأنها سنة للرجال فقط، وأن النساء ليس عليهن تقصير، وبعد أن رجعت من العمرة
علمت بأن عليَّ دمًا ولكن زوجي لا يريد أن يذبح عني وأنا لا أملك المال لكي أذبح عن نفسي فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول لا تفعل شيئاً؛ لأن الإنسان إذا وجب عليه شيء ولم يقدر عليه سقط لقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال العلماء- رحمهم الله- (لا واجب مع العجز) .
ولكني أنصح هذه المرأة وغيرها بنصيحة وأرجو أن تكون نافعة وهي: أن الإنسان إذا أراد أن يحج فليعرف أحكام الحج قبل أن يحج، وإذا أراد أن يعتمر فليعلم أحكام العمرة قبل أن يعتمر، وهكذا بقية العبادات، حتى يعبد الله على بصيرة وعلى علم، لئلا يقع في الزلل والخطأ، ثم بعد ذلك يفتش عن من ينتشله من هذا(22/481)
الخطأ، أنصح إخواننا المسلمين كلهم هذه النصيحة أن لا يقوموا بشيء من العبادات حتى يتعلموها قبل أن يعملوها، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه على هذه المسألة فقال: (باب العلم قبل القول والعمل) وصدق.
أما هذه فكما قلت أولاً: لا شيء عليها لأنها عاجزة عن الفدية فتسقط عنها، وليس هناك دليل على أن من عجز عن الفدية في ترك الواجب أنه يصوم عشرة أيام، وما دام أنه لا دليل على ذلك، فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، فنقول: من وجب عليه دم وهو قادر عليه فليفعل، ومن لم يجد سقط عنه، إلا دم المتعة والقران، فإن الله تعالى صرح بأن من لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
س 1029: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان شعر المرأة قصيراً بحيث لا يمكنها أن تضفره ضفائر فكيف تقصر منه في الحج أو العمرة؟
فأجاب بقوله: هذه المرأة إذا لم يكن لها ضفائر فإنها تأخذ من أطراف الشعر بقدر أنملة، والأنملة هي فصلة الأصبع.
س 1030: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أين تقص المرأة شعرها بعد فك الإحرام أهو من مؤخرة الضفيرة أم من مقدمة الرأس جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: تقص المرأة من رأسها إذا كانت(22/482)
محرمة بحج أو عمرة من أطراف الشعر، من أطراف الضفائر إن كانت قد ضفرته أي جدلته، أو من أطرافه إذا لم تجدله من كل ناحية من الأمام، ومن اليمين، ومن الشمال، ومن الخلف.
س 1031: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قصرت امرأة شعرها بنفسها، أو حلق الرجل رأسه بنفسه، أو حلقه له محرم، أو حلقه محل كل هذا جائز.
تم بحمد الله تعالى
المجلد الثاني والعشرون
ويليه بمشيئة الله عز وجل
المجلد الثالث والعشرون(22/483)
باب صفة الحج والعمرة(23/7)
س1032: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى يحرم الحاج للحج في يوم التروية؟ ومن أين يكون؟
فأجاب فضيلته بقوله: يحرم للحج في يوم التروية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، ويحرم للحج من مكانه الذي هو نازل فيه، ويحرم ضحى، ويذهب إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر،
والمغرب، والعشاء، والفجر.
س 1033: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء عليه، لأن الإحرام بالحج يجوز أن يكون من الحرم ومن الحل.
س1034: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم المحرم يوم التروية أن يطوف بالبيت، أو يحرم في البيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه أن يطوف بالبيت، ولا أن يحرم في البيت، ولا يسن له ذلك أيضاً؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم- الذين حلوا من عمرتهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرموا من مكانهم، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه، أو أن يطوفوا قبل إحرامهم.
س1035: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يحرم بعض الناس بالحج يوم التروية من تحت ميزاب الكعبة، فهل لذلك من أصل؟(23/9)
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر ذلك بعض العلماء، وهذا القول مخالف لظاهر السنة، فالصحابة- رضي الله عنهم- أحرموا من مكانهم بالأبطح، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه. وعلى هذا فالسنة أن يحرم الحاج من المكان الذي هو فيه.
س1036: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يؤخر سفره للحج إلى اليوم الثامن من ذي الحجة ثم يسافر بالطائرة من الرياض إلى جدة؟ وبأي نسك يحرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان ألا يسافر للحج إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة في الطائرة، ففي هذه الحال يحرم، إما بالحج مفرداً، وإما بالحج والعمرة قراناً، ولكنه يجب عليه إذا كان
قد سافر من الرياض أن يحرم إذا حاذى اليقات، ولا يجوز أن يؤخر الإحرام حتى يصل إلى جدة، أو مكة، وذلك لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما وقَّت المواقيت قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن يريد الحج أو العمرة" (1) .
وعلى هذا فالواجب على السائل أن يحرم إذا حاذى الميقات، وحينئذ يغتسل في بيته قبل أن يركب الطائرة، ويلبس ثياب الإحرام إما في بيته أو في الطائرة، فإذا حاذى الميقات فإنه يلبي بما أراد من
نسك، ولا يجوز له أن يؤخره إلى جدة، أو مكة.-
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل الشام (رقم 1526) ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (رقم 1181) .(23/10)
س1037: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أدى فريضة الحج متمتعاً ودخل مكة في اليوم السابع وأدى العمرة وعندما أراد أن يذهب إلى منى في اليوم الثامن لم يخلع ثياب الإحرام ولكنه نوى الحج فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج عليه؛ لأن العبرة بأفعال العمرة، فإذا طاف، وسعى، وقصر، فقد حل، سواء خلع ثياب الإحرام ولبس الثياب المعتادة، أو بقي بثياب الإحرام، لكن كونه يخلع ثياب الإحرام ويلبس الثياب المعتادة أحسن؛ لأنه أظهر في التحلل فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج، وخرج مع الناس إلى منى، وإن كان في منى فأحرم للحج من منى.
س1038: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أحرمنا في اليوم الثامن من ذي الحجة من ملاوي إلى منى، وبتنا في منى، وفي صباح ليلة الجمعة الموافقة ليوم عرفة خلعنا ملابسنا- أي أحرمنا- واستحممنا بالماء فقط فهل في ذلك حرج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي فهمت من هذا السؤال أنهم خرجوا من مكة من ملاوي إلى منى، وأنهم لم يحرموا إلا في منى وهذا يجزئ، ولكنه خلاف الأفضل، إذ الأفضل للإنسان إذا أراد الإحرام بالحج وهو في مكة ألا ينطلق من مكانه حتى يحرم، لأن الصحابة- رضي الله عنهم- خرجوا إلى منى محرمين، وقد نزلوا في الأبطح قبل الطلوع، فهذا الذي أخر إحرامه إلى منى ليس حجه ناقص إلا نقص مستحب، فالأفضل له لو أحرم من مكانه الذي(23/11)
انطلق منه. وخلع ثياب الإحرام من أجل الغسل لا شيء فيه.
س1039: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أخطاء في الإحرام يوم التروية؟ وما علاجها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، هناك أخطاء في الإحرام للحج يوم التروية، فمنها ما سبق ذكره من الأخطاء عند الإحرام للعمرة وهو: أن بعض الناس يعتقد وجوب الركعتين للإحرام، وأنه لابد
أن تكون ثياب الإحرام جديدة، وأنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه يضطبع بالرداء من حين إحرامه إلى أن يحل.
ومن الأخطاء في إحرام الحج: أن بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ، فإن الإحرام من المسجد الحرام
لا يجب، بل السنة أن يحرم الإنسان من مكانه الذي هو نازل فيه، أي أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم- الذين حلوا من إحرام العمرة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه، بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا السنة، فالسنة للمحرم بالحج أنه يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة، أو في منى، كما يفعل بعض الناس الآن، حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم.
ومن الأخطاء أيضاً: أن بالحجاج يظن أنه لا يصح أن(23/12)
يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها، وهو ظن خطأ أيضاً؛ لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة، أو نظيفة، ولكن كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها؛ لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا الظن ليس بصواب.
س1040: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يتعمد بعض الناس الذهاب إلى مكة في اليوم التاسع ويتعجل الخروج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق ويفعل ذلك احتساباً فما رأيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: ما معنى احتساباً؛ لأن هذا الحج حج ناقص، لكن تبرأ به الذمة، فإذا كان لا يحرم حتى اليوم التاسع، وينصرف في اليوم الثاني عشر لا شك أنه حج ناقص، وأن الأفضل للإنسان أن يحرم بالحج في اليوم الثامن، ويصلي في منى خمسة أوقات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ويقف بعرفة يومه كله، ويدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ويبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ويبقى في منى إلى اليوم الثاني عشر، ولكن بعد أن يرمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن شاء تعجل وإن شاء تأخر.
س1041: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: صليت يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) كل فرض أربع ركعات، والمغرب ثلاثاً، ولكن أعلمني أحد الإخوان بأنه لابد أن يكون قصراً فما حكم
ذلك؟ وما حكم المبيت بمنى ليلة عرفة؟(23/13)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاتك صحيحة، ولكن السنة للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وإن أتم فإن صلاته ليست باطلة، ولكن إذا كان الإنسان جاهلاً كحالك فإننا نرجو أن
يوفيك الله أجرك كاملا؛ لأنك مجتهد، ولم تفعل شيئاً محرماً، وإنما فعلت شيئاً مفضولاً فقط.
والمبيت بمنى ليلة عرفة سنة، وليس بواجب.
س1042: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لماذا سمي اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية؟
فأجاب فضيلته بقوله: سمي اليوم الثامن بيوم التروية؛ لأن الناس فيما سبق إذا أرادوا الخروج من مكة إلى منى في اليوم الثامن، يتروون الماء- أي يجملونه- معهم من مكة؛ لأن منى في ذلك الوقت لم يكن بها ماء.
وبهذه المناسبة فأيام الحج لها أسماء:
فالثامن: يوم التروية، وسبق سبب التسمية. والتاسع: يوم عرفة؛ لأن الحجاج بعرفة. والعاشر: يوم النحر؟ لنحر الهدي والأضاحي، والحادي عشر: يوم القر؛ لاستقرار الحجيج بمنى.
والثاني عشر: يوم النفر الأول؟ لمغادرة المتعجلين بعد الرمي، والثالث عشر: يوم النفر الثاني.
س1043: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أكرمني الله بالحج في هذا العام والحمد لله، ولكن حدث مني بعض الأخطاء(23/14)
ويعلم الله أنه ليس بيدي بحكم أني امرأة، سؤالي يا فضيلة الشيخ: لم نذهب إلى منى يوم التروية بسبب الحريق ولكننا ذهبنا إلى عرفة مباشرة.
ثانياً: لم نبت في مزدلفة، ولكن وقفت بنا السيارة لمدة ربع ساعة للصلاة، ولقط الجمار، ثم سرنا ولكننا لم نسر إلى منى، ولكن جلسنا في السيارة إلى حدود الساعة الثالثة صباحاً ونحن داخل
مزدلفة فهل يعتبر هذا مبيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، كونها لم تبت في منى ليلة التاسع ولم تقم فيها يوم الثامن لا حرج عليها في ذلك؛ لأن البقاء في منى اليوم الثامن وليلة التاسع سنة، وليس بواجب،
فمن أتى به فعل خيرًا، ومن لم يفعله لا لوم عليه ولا إثم عليه.
وأما كونهم لم ينزلوا في مزدلفة إلا قليلاً للصلاة ولقط الجمرات، ثم ركبوا السيارة، وبقوا عليها إلى الساعة الثالثة فهذا أيضاً لا بأس به، لأن المهم أن يبقى الإنسان في مزدلفة سواء على السيارة، أو على الأرض.
وقد أشارت إلى لقط الجمرات من مزدلفة، وقد اشتهر عند كثير من العوام أنه يجب أن تلتقط الحصى من مزدلفة وهذا خطأ، فالحصى تلتقط من منى، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - التقطها من منى حين وقف على جمرة العقبة، وأمر ابن عباس- رضي الله عنهما- أن يلقط له الحصى فلقطها من منى، وجعل يقول: "بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين" (1) . لكن استحب كثير من السلف أن
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (1/268) وأبو يعلى (رقم 2427) وابن خزيمة (رقم 2867) والحاكم (1/466) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي (5/127) .(23/15)
تلقط الحصى من مزدلفة من أجل أن يبادر برمي جمرة العقبة حتى لا ينزل من بعيره فيلقط الحصى من منى، قالوا: يأخذها قبل أن يرتحل لتكون جاهزة؛ لأن الأفضل أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد وهو على بعيره، قبل أن يحط رحله، لكن هذا أمر في الوقت الحاضر لا يمكن بل هو مستحيل، ولو قلنا للناس: اركبوا سيارتكم وقفوا عند الجمرة لا يمكن، لذلك نقول: إن لقط الجمرات من منى أقرب للسنة من لقطها من مزدلفة.
س1044: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت فيها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى، ما سبق ذكره في الخطأ في التلبية، حيث إن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها، فتمر بك أفواج الحجاج ولا تكاد تسمع واحداً يلبي، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ويرفع صوته بذلك ما لم يشق عليه، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدَر، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أيضاً: أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى، وهذا وإن كان جائزاً؛ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب، لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث ينزل في منى من ضحى يوم الثامن إلى أن تطلع الشمس لليوم التاسع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك(23/16)
وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (1) .
لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه؟ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال: يا رسول الله، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، فلم أرَ جبلأ إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" (2) .
ولم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدل على أنه ليس بواجب.
ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن: أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى، فيجمع الظهر جمع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا
الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن ر سول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان الجمع جائزاً؛ لأنه في سفر، والمسافر يجوز له الجمع نازلاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن لا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثًا في
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج باب حجة النبي عغغ (رقم 1218) .
(2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة (رقم 1955) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع (رقم 891) وابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع رقم (3516) وابن خزيمة (رقم 2820) والحاكم (1/463) وصححه.(23/17)
وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها، هذا ما يحضرني الآن فيما يكون من الأخطاء في الذهاب إلى منى، والمكث فيها في اليوم الثامن.(23/18)
الوقوف بعرفة(23/19)
س1045: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أغمي عليه قبل عرفة، ثم حمل إلى عرفة في يوم عرفة وهو مغمى عليه فهل يصح حجه مع عدم علمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر العلماء- رحمهم الله- أن وقوف المغمى عليه مجزي، وأن الإنسان لو أغمي عليه قبل طلوع الفجر يوم عرفة، ولم يفق إلا بعد طلوع الفجر يوم النحر، وهو في عرفة وقد
وقف في عرفة فإن حجه صحيح.
س1046: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم نزول الحاج بنمرة قبل دخوله عرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نزول الحاج نمرة محل خلاف بين العلماء، هل هو سنة أو هو نزول راحة؟
هو سنة إن تيسر، وإلا فلا حرج على الحاج إذا لم ينزل بنمرة.
س1047: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز الوقوف ببطن وادي عرنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز الوقوف ببطن عرنة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة" (1) .
ومن وقف خارج حدود عرفة فلا حج له، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (رقم 1218) (149) والإمام أحمد (4/82) وابن حبان كما في الموارد رقم (1008) والبيهقي في سننه الكبرى (5/295) وصححه الحاكم (1/462) ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/251) : رجاله موثقون.
(2) أخرجه الإمام أحمد (4/359. 335) وأبو داود، كناب المناسك، باب من لم يدرك عرفه=(23/21)
س1048: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من وصل إلى مكة بعد الظهر من يوم عرفة، هل الأفضل له أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف القدوم، ويسعى سعي الحج، ثم يخرج إلى عرفة، أو أن
الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؛ لأن هذا اليوم يوم عرفة، ليس يوم الطواف، والرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم وصلى معه الفجر في مزدلفة،
وهو عروة بن المضرس أتى من جبال طي، من عند حائل وصادف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في صلاة الفجر في مزدلفة وقال: يا رسول الله أتعبت نفسي، وأكللت راحلتي، وإني ما تركت جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم: "من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه" (1) ولم يذكر أنه طاف طواف القدوم، وعلى هذا إذا وصلت إلى مكة يوم عرفة فإلى عرفة.
س1049: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة
على بعيره فما الأفضل للحاج أن يقف على سيارته أو يجلس في خيمته؟
__________
(رقم 1949) والترمذي، كتاب الحج، باب فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (رقم 889) ، والحاكم (1/464) ، والبيهقي في سننه الكبرى (5/116) .
(1) تقدم ص 17.(23/22)
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل ما كان أخشع للإنسان وأحضر لقلبه، وينبغي أن يكون حال الدعاء مستقبلاً لقبلة.
س1050: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يشكك بعض الناس في أن الحجاج وقفوا في اليوم العاشر؛ لأنه حسب وقوفهم تكون الليلة ليلة الثامن والعشرين وبهذا ينقص شهر ذي الحجة لأنه في التقويم تسعة وعشرون فما قولكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: وقوفنا في عرفة ليس فيه شك لكن اختلف دخول الشهر شرعاً، ودخوله حسب التقويم سابق على دخوله شرعاً، فإنه دخل حسب التقويم ليلة الأحد فتكون الليلة ليلة تسع وعشرين، ودخل شرعاً ليلة الاثنين فتكون الليلة ليلة ثمان وعشرين، وليس في وقوفنا شك والحمد لله، ثم إني أقول: لو فرض أن الناس وقفوا بعرفة، ثم تبين يقيناً أنهم وقفوا في العاشر، فإن حجهم صحيح، ولا شيء عليهم، وبهذا يندفع وسواس بعض الناس في هذا العام، حيث قاموا يوشوشون بناءً على أنهم يوسوسون فنقول: اطمئن، الشهر شرعاً، ما كان متمشياً على شريعة الله، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا إذا لم يرَ الهلال أن نكمل الشهر السابق ثلاثين يوماً، ثم إنه ثبت عندنا أنه في صباح يوم الأحد كسفت الشمس على القارة الأمريكية، وكسوفها في ذلك الوقت يدل دلالة قاطعة بأنه لا يمكن أن يهل الهلال ليلة الأحد، وهذا شيء معلوم عند علماء الفلك أنه إذا كسفت الشمس بعد غروبها، فإنه لا يمكن أن يهل الهلال إطلاقاً؛ لأن السبب الحسي لكسوف(23/23)
الشمس هو حيلولة القمر بينها وبين الأرض، وهذا لا يمكن إذا تأخر القمر حتى رؤي بعد الغروب أن يقفز حتى يكون حائلاً بينها وبين الأرض، هذا شيء مستحيل، وهذا مما يزيد الإنسان طمأنينة،
وإلا فالإنسان مطمئن بأن الناس- والحمد لله- قد مشوا في إثبات شهر ذي الحجة على الطريقة الشرعية، التي ليس فيها لبس.
س1051: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن، أو العاشر خطأ هل يجزئهم؟ وما معنى: "الحج عرفة "؟
فأجاب فضيلته بقوله: لو وقف الحجاج في اليوم الثامن، أو في اليوم العاشر خطأ فإن ذلك يجزئهم؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا)
وأما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" (1) فمعناه أنه لابد قي الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له، ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج.
__________
(1) تقدم ص 21.(23/24)
س1052: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص حج قبل سنوات حصل له في ليلة عرفة احتلام فوقف بعرفة وهو جنب ولم يغتسل إلا يوم العيد فما حكم حجه؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجه صحيح؛ لأن جميع مناسك الحج لا يشترط لها الطهارة إلا الطواف على خلاف فيه، ولكن الحيض يمنع من الطواف مطلقاً، حتى على القول بأن الطهارة لا تشترط للطواف، يقولون: إن الحائض لا تطوف؛ لأنه يلزم من طوافها أن تمكث بالمسجد الحرام وهي حائض، وهذا لا يجوز، ولكن يلام هذا الرجل، لماذا لم يغتسل طول يوم عرفة؟! قد يقول: ليس عندي ماء، فنقول: إذا لم يكن عندك ماء، فتيمم حتى تجد الماء، على أن الغالب- ولله الحمد- في السنوات الأخيرة أن الماء متوفر، فيمكن أن يغتسل الإنسان أي وقت شاء، فلا يجوز أن يؤخر الصلاة، بل يجب أن يغتسل فيصلِي، فإن لم يجد ماء فليتيمم ويصلي.
س1053: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أرجو من فضيلتكم إعطاءنا النموذج الأمثل للوقوف بعرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوقوف بعرفة معناه أنه إذا كان في صباح اليوم التاسع، وطلعت الشمس سار الحاج إلى عرفة من منى، فصلى الظهر والعصر قصراً، وجمع تقديم، ثم تفرغ للدعاء والذكر، وقراءة القرآن، ولاسيما في آخر النهار، فيلح بالدعاء رافعاً يديه مستقبل القبلة إلى أن تغرب الشمس.
وليعلم أن الله -جل وعلا- ينزل إلى السماء الدنيا، عشية(23/25)
عرفة فيدنو من عباده على الوجه اللائق به، ويقول سبحانه وتعالى: "ما أراد هؤلاء؟ " (1) يعني أي شيء أرادوا من مجيئهم إلى هذا المكان؟ يريد بذلك أن يتفضل عليهم بالرحمة والمغفرة، وإعطائهم سؤلهم، والمشروع في حال الدعاء أن يكون الإنسان مستقبل القبلة، ولو كان الجبل خلفه، ولا يشترط أن يذهب إلى الجبل فيقف عنده، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف" (3) .
س1054: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما المشروع فعله يوم الوقوف بعرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أنا لا أعلم هل يقصد هذا السائل: للواقفين بعرفة، أو لعامة الناس؟ ولكن نجيب على الأمرين إن شاء الله تعالى:
أما الأول: فإنه يشرع للواقفين بعرفة أن يستغلوا هذا اليوم بما جاءت به السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم دفع من منى بعد طلوع الشمس، ثم نزل بنمرة حتى زالت الشمس، ثم ركب ونزل في بطن الوادي فصلى الظهر والعصر جمعًا وقصراً، وخطب الناس عليه الصلاة والسلام، ثم اتجه إلى الموقف، والموقف الذي اختار أن يقف فيه هو شرقي عرفة، عند الجبل المسمى بجبل الرحمة، ووقف هنالك حتى غربت الشمس، يدعو الله سبحانه وتعالى ويذكره، فينبغي للإنسان أن يستغل هذا اليوم، ولاسيما آخر النهار بالدعاء، والذكر، والتضرع إلى الله
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فضل يوم عرفة (436) .
(2) تقدم ص 21.(23/26)
سبحانه وتعالى، ويحسن أن يدعو بشيء يعرف معناه ليعرف ما يدعو الله به، أما ما يفعله بعض الناس يحملون كتباً فيها أدعية يدعون بها، وهم لا يعرفون معناها، فهذا قليل الفائدة جداً، ولكن الذي ينبغي أن يقرأ، أو أن يدعو بدعاء يعرف معناه، حتى يعرف ماذا دعا ربه به.
الثاني: بالنسبة لغير الواقفين بعرفة: فالذي ينبغي له أن يصوموا هذا اليوم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "أحتسب على الله أن يكفر به السنة التي قبلها، والسنة التي بعدها" (1) ، ويستغله أيضاً بالذكر، والتكبير، وقراءة القرآن؛ لأن يوم عرفة أحد الأيام العشرة أعني عشر ذي الحجة التي قال فيهن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة"، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" (2) .
س1055: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الذي يأتي إلى عرفة بعد غروب الشمس هل يكون مدركاً للحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم مادام أتى قبل طلوع الفجر من يوم العيد.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام.. (196) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (رقم 969) ، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في العمل في أيام التشريق (رقم 757) .(23/27)
س1056: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما السنة بالنسبة لصلاة الظهر والعصر للحاج يوم عرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة للحاج يوم عرفة أن يصلي الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم
س1057: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تعدد الخطب في عرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يخطب إلا وحده، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن كل الناس كانوا حاضرين، وأما في وقتنا الحاضر، فالوصول إلى المسجد
الذي فيه الخطيب صعب، فلو أن أحداً من الناس ذكّر أخوانه إذا كالْوا يصلون مثلاً في مخيمهم، فهذا طيب ليس فيه بأس، وأحسن منه إذا كان معه مذياع فليستمع مع إخوانه إلى خطبة الخطيب، ولا شك أن اجتماع الناس على خطيب واحد أولى.
س1058: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم في تعميم خطبة الإمامٍ يوم عرفة على جميع أجزاء عرفة بواسطة مكبرات الصوت بدلا من أن يقوم خطيب في كلل مخيم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا طيب، ومرجعه إلى الجهة المختصة، ولا حاجة إلى أن يقوم خطيب في كل مخيم، إذ يسر الله تعالى الإذاعة تنقل خطبة الخطيب، ويستمع لها أهل المخيم ويحصل المقصود والحمد لله، وقد يغني هذا عن تعميم الخطبة.(23/28)
س1059: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لا يخفى على فضيلتكم مشقة الذهاب إلى مسجد نمرة لسماع الخطبة فيعمد بعف الإخوة إلى إحضار مذياع وفتحه على خطبة الإمام فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن يصلى الحاج خلف الإمام ويسمع خطبته ولكن كما أشار السائل هناك مشقة وربما ضياع، ولكن ينبغي للحجاج أن يستمعوا إلى الخطبة عن طريق الإذاعة وهذا
تيسير والحمد لل (1) .
س1060: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من خرج من عرفة قبل غياب قرص الشمس لمرض، أو ضعف، أو كبر؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سنة الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران:
الأمر الأول: الإثم.
والأمر الثاني: عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة،
__________
(1) هذا ما كان يفعله فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى- بمخيمه بعرفة.(23/29)
ويوزعها على الفقراء، أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل، وهو أن يذبح شاة في مكة، ويوزعها على الفقراء.
س1061: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائل يقول: إن له صهراً قدم إلى مكة حاجًّا، وهو تابع لأحد المطوفين، فخرج به المطوف يوم التروية مع الحجاج إلى عرفات فمرض، وأدخل
مستشفى عرفة، وخلعت منه ملابس الإحرام لعلاجه، ثم أنزل إلى المستشفى بمكة بعد جلوسه في عرفة الأيام: الثامن، والتاسع، والعاشر، فتوفي في مكة، نرجو الإفادة هل حجه صحيح ويكفيه عن
حج الإسلام؟ علماً أن له أقارب يستطيعون الوصول إلى مكة للحج عنه إذا كان يلزم عنه حج؟
فأجاب فضيلته بقوله: أيها الأخ السائل إن صهرك حجه صحيح، ولا يلزم أحداً من أقاربه أن يحج عنه، حيث إنه من ضمن حاضري يوم عرفة، والحج كما قِال - صلى الله عليه وسلم -: "الِجج عرفة" (1) . والله أعلم.
س1062: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا وقف الإنسان بعرفة قبل الزوال وخرج قبل الزوال أيضاً فهل يكون أتى بهذا الركن أو يلزمه دم أم يجب عليه أن يعود؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الإمام أحمد- رحمه الله- فيرى أن الإنسان إذا وقف بعرفة في يوم عرفة في أول النهار وآخره فقد أدى
__________
(1) تقدم ص 21.(23/30)
الركن، لكن إن دفع قبل الغروب وجب عليه دم.
وأما جمهور العلماء فيقولون: إن ابتداء الوقوف بعرفة من الزوال، وأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعروة بن المضرس: "وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً" يقيد بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى كل حال إذا كان الإنسان حريصاً على إبراء ذمته، وعلى أداء ركن الإسلام فلا يقف بعرفة إلا من الزوال فما بعد.
س1063: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حاج مات بعد أن وقف بعرفة فهل يتم عنه الحج أو يحج عنه إنسان مرة أخرى؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يحج عنه؛ لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" (1) ولم يقل أتموا عنه.
س1064: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: كل سنة أحج فيها إلى بيت الله الحرام أصعد على الجبل الذي هو جبل الرحمة في عرفات، وهذه السنة أجدني ضعيفاً بسبب كبر السن، وأنا متردد أخشى أن أحج ولا أستطيع الصعود فما العمل وفَّقكم الله؟
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا مات (رقم 1851) ومسلم كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (رقم 1206) .(23/31)
فأجاب فضيلته بقوله: نقول للأخ السائل: رويدك أيها الأخ، فإن الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة، بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة بدعة، لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة، ولا أن يعمل به على أنه عبادة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أحرص الناس على فعل الخير، وأبلغ الناس في تبليغ الرسالة، وأعلم الناس بدين الله، لم يصعده ولم يأمر أحداً بصعوده، ولا أقر أحداً بصعوده فيما أعلم، وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع، بل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال: "وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف" (1) وكأنه - صلى الله عليه وسلم - يشير بهذا إلى أن كل إنسان يقف في مكانه، ولا يزدحمون على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
س1065: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تسمية جبل عرفة بجبل الرحمة؟ وهل لهذه التسمية أصل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه التسمية لا أعلم لها أصلاً من السنة، أي أن الجبل الذي في عرفة الذي وقف عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة، فإنه لا ينبغي أن يطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، يتبين فيه مغفرة الله تعالى ورحمته للواقفين بعرفة، فسموه بهذا الاسم، والأول ما أن لا يسمى بهذا الاسم بل يقال: جبل عرفة، أو الجبل الذي وقف عنده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ما أشبه ذلك.
__________
(1) تقدم ص 21.(23/32)
س1066: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة من الحجاج صلوا الظهر والعصر خلف الإمام في مسجد نمرة في الشارع للزحام في المسجد هل هذا جائز؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت الأرض كلها مسجداً وطهوراً" (1) فالطريق ولو كان خارج المسجد هو من الأرض، فالصلاة صحيحة.
س1067: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده؟ وما حكم الصلاة فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية، بأن كل من تعبد لله تعالما بما لم يشرعه الله فهو مبتدع، فيعلم من هذا أن قصد هذا الجبل للصلاة عليه، أو عنده والتمسح به وما أشبه
ذلك مما يفعله بعض العامة بدعة، ينكر على فاعلها، ويقال له: إنه لا خصيصة لهذا الجبل. إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات، كما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف هناك عند الصخرات وقال: "وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف" (2) وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضاً أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة ليذهب
إلى ذلك الجبل، فربما يضيع عن قومه، ويتعب بالحر والعطش، ويكون بهذا آثماً حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب التيمم، باب 1 (رقم 335) ومسلم، كتاب المساجد (رقم 521) .
21) تقدم ص 21.(23/33)
س1068: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم استقبال الجبل وعند الدعاء واستدبار الكعبة؟ وما حكم رفع الأيدي والدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع للواقفين بعرفة حين ينشغلون بالدعاء والذكر أن يتجهوا إلى القبلة، سواء كان الجبل خلفهم، أو بين أيديهم، وليس استقبال الجبل مقصودًا لذاته، وإنما استقبله النبي عليه الصلاة والسلام لأنه كان بينه وبين القبلة، إذ إن موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان شرقي الجبل عند الصخرات، فكان استقبال النبي - صلى الله عليه وسلم - للجبل غير مقصود، وعلى هذا فإذا كان الجبل خلفك إذا استقبلت القبلة فاستقبل القبلة، ولا يضرك أن يكون الجبل خلفك.
وفي هذا المقام أي مقام الدعاء في عرفة، ينبغي للإنسان أن يرفع يديه وأن يبالغ في التضرع إلى الله- عز وجل- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو، وهو رافع يديه، حتى إن خطام ناقته لما سقط أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، وهو رافع اليد الأخرى، وهذا يدل على استحباب رفع اليدين في هذا الموضع، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن
الله حي كريم يستحي من عبده إذاِ رفع يِديه إليِه أن يردها صفْراً" (1) .
س1069: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أحد الحجاج بالأمس سمعته يدعو: اللهم اجعل الصلاة والتوحيد والقرآن والسنة قرة لأعيننا فأعجبني هذا الدعاء فهلا تكلمتم هذا المساء عن
__________
(1) أخرجه إمام أحمد (5/438) والترمذي، كتاب الدعوات (رقم 3556) والحاكم (1/497) وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1757) .(23/34)
الأسباب التي بها يتحقق ذلك للمسلم نسأل الله من فضله جزاكم الله خيراً؟ فأجاب فضيلته بقوله: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" (1) وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تجعل قرة عينه إلا في الصلاة فليس أحد أكمل من الرسول حتى يقول تكون قرة عيني في الصلاة والزكاة وما أشبه ذلك، عسى أن نصل إلى ما وصل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، فتكون الصلاة قرة أعيننا، فهذا الدعاء فيه نظر، لأن مقتضى هذا الدعاء أن الداعي سأل شيئاً يكون به أكمل من الرسول عليه الصلاة والسلام.
س1070: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأدعية الواردة في يوم عرفة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأدعية الواردة في يوم عرفة منها ذكر الله عز وجل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" (2) . وهناك أدعية أخرى يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث والفقه، ولكن المهم أن يكون الإنسان حين الدعاء والذكر حاضر
القلب، مستحضراً عجزه وفقره إلى الله تبارك وتعالى، محسناً الظن بالله فإن الله تعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/128) والحاكم (2/165) والبيهقي (7/78) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3124) .
(2) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات باب في دعاء يوم عرفة (رقم 3585) ، وقال: هذا حديث غريب. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3274) .(23/35)
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
وينبغي أن يكون في حال دعائه مستقبلاً القبلة، ولو كان الجبل خلف ظهره، وأن يكودن رافعاً يديه، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وقف عند الصخرات وقال: "وقفت هاهنا، وعرفة كللها موقف" (1) ولا ينبغي للإنسان أن يكلف نفسه الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع شدة الحر، وبعد المسافة، واختلاف الأماكن، فربما يلحقه العطش والتعب، وربما يضيع عن مكانه فيكون في ذلك عليه ضرر، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "عرفة كللها موقف" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - يشير بهذا القول إلى أنه ينبغي للإنسان أن يقف في مكانه إذا كان يحصل عليه تعب ومشقة في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
س1071: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما أفضل الدعاء يوم عرفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أفضل الذكر في يوم عرفة وغيره: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
والذكر دعاء لكنه دعاء ضمني؛ لأن من أثنى على الله الذكر، فلسان حاله يقول: يا رب أثبني على هذا الذكر، لأنك لو سألت أي ذاكر لماذا ذكرت الله، قال: ليثيبني، لكن إذا دعا الإنسان بالدعاء
الذي يريد، مثل (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً
__________
(1) تقدم ص 21.(23/36)
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أو يختار أدعية من القرآن، أو من السنة فهذا طيب، ولا أعلم دعاءً خاصًّا لعرفة، بل يقول الإنسان ما تيسر إن علم من الأدعية التي في القرآن، أو في السنة شيئاً فليدعُ بها لأنها
خير الأدعية، وإن لم يعلم فما أراد.
س1072: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في يوم عرفة جماعة لا يحسنون الدعاء ويدعو أحدهم ممن يحسن جوامع الدعاء وهم يؤمنون خلفه ما حكم هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرفي في هذا، مثلاً إذا كان الإنسان بين أناس لا يحسنون الدعاء ودعا بهم وهم يؤمنون فلا حرج في هذا.
س1073: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا حصل للحاج ملل في يوم عرفة فهل له أن يقطع الدعاء ويتحدث مع إخوانه؟
فأجاب فضيلته بقوله: يوم عرفة يوم عظيم يتأكد فيه انشغال الحاج بالذكر والدعاء، ولكن إذا أحس بملل فليتحدث مع رفقته بالأحاديث النافعة أو بالذاكرة، أو مدارسة القرآن الكريم، أو
قراءة بعض الكتب المفيدة، لاسيما ما يتعلق بكرم الله عز وجل وسعة رحمته ليقوى جانب الرجاء، أو يقرأ فيما يتعلق باليوم الآخر ليرق قلبه ويلح على ربه بالدعاء.
س1074: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا وقف الحاج بعرفة ليلة العيد هل عليه شيء؟(23/37)
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس، لكن السنة أن يقف في النهار والليل، فإذا غابت الشمس دفع، لكن لو تأخر فله إلى طلوع الفجر.
س1075: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم لو لم يدرك الحاج الوقوف بعرفة إلا متأخراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحاج في اليوم الثامن يخرج إلى منى، ويبقى بها إلى صباح اليوم التاسع، ثم يذهب إلى عرفة، فلو أن الحاج لم ينزل بمنى اليوم الثامن، وذهب إلى عرفة رأساً فيصح حجه، بدليل حديث عروة بن المضرس- رضي الله عنه- أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صلى معه صلاة الفجر في مزدلفة، سأله فقال: يا رسول الله، إني أتبعت نفسي، وأكللت راحلتي فلم أدع جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" (1) .
وهذا يدل على أنه لا يجب أن يبقى الحاج في منى في اليوم الثامن ليلة التاسع، وأنه لو ذهب إلى عرفة رأساً لكان حجه صحيحاً، لكن الأفضل أن يبقى في منى من ضحى اليوم الثامن إلى أن تطلع الشمس من اليوم التاسع.
أما إذا ذهب إلى عرفة متأخرًا، ولكنه أدرك للوقوف بها قبل أن يطلع الفجر يوم العيد فقد أتم حجه ولا شيء عليه، فوقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع فجر يوم العيد.
__________
(1) تقدم ص 22.(23/38)
كلمة فجر يوم عرفة 9/12/1420هـ بمنى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى اَله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد، فهذا اليوم هو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم
عرفة فأكثروا فيه من ذكر الله ودعائه والتضرع إليه وادعوا الله تعالى بما تريدون، لأن الدعاء من العبادة، كما قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، وقد خطب النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم في هذا اليوم خطبة عظيمة بليغة قرر فيها من قواعد الإسلام ما قرر، ومن ذلك أنه أوصى بالنساء خيراً، فقال: "اتقوا
الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، ولهن عليكم
رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (1)
وكثير من الناس يظلمون أنفسهم ويظلمون زوجاتهم بعدم القيام بالواجب، فتجده يقصر في النفقة مع أنه غني، تجده لا يلقاها بوجه طلق مع أنه مأمور بذلك، تجده إذا أعطاها حقها يعطيها ذلك بتكره وتباطؤ، فاتقوا الله عباد الله في النساء ولا تستغلوا ضعفهن في استكباركم عليهن، فإن من كان عالياً في الدنيا بغير حق سيكون
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/39)
ذليلاً في الآخرة، وقرر - صلى الله عليه وسلم - وضع الربا، قال: "ربا الجاهلية موضوع، وإن أول رباً أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله"، والربا من أشد المعاصي إثماً، حتى إن الله تعالى قال في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ) يعني أعلنوا الحرب على الله ورسوله- والعياذ بالله- (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال: "هم سواء"، فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في إخوانكم، وأنظروا المعسر ولا تلزموه، بل ولا تطالبوه بل ولا تطلبوه أن يوفيكم مادمتم تعلمون أنه معسر، لقول الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أن تسمحوا وتسقطوا الحق خير لكم. وبعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا كان مطلوبه فقيراً لا يرحمه ولا يبالي، بل يرفعه إلى الولاة ويسجن، ويحبس عن أهله، وعن طلب الرزق لطالبه، وهذا محرم، يحرم على الإنسان إذا كان له مدين معسر أن يطلبه بدينه، أو يطالبه به، أو يطلب حبسه عليه، لأن الله قال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) إن بعض الناس إذا لم يطلب المدين الفقير هدده بالحبس وأجبره على أن يكبر عليه الدين ويقلب الدين عليه ويقول مثلاً: استدن وأوفني فتتراكم الديون على هذا الفقير، أو يقول له: اشتري مني سلعة بثمن زائد على أصلها
وأوفني وما أشبه ذلك من الحيل والخداع والمكر، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم ولا تخالفوا ما أمر الله به ورسوله فإنكم مخلوقون لعبادة الله(23/40)
والتذلل له، أسأل الله لي ولكم حجًّا مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، ولا حاجة للإطالة لأن الناس سوف يتأهبون للدفع إلى عرفة جعلنا الله وإياكم من المعتقين من النار في هذا اليوم إنه على كل
شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(23/41)
س1076: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء التي تقع في الخروج إلى عرفة والوقوف بها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الأخطاء في الذهاب إلى عرفة: أولاً: أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، ولقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد (1) .
ثانياً: ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة: أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف، ليس لهم حج؟ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة" (2) فمن لم يقف بعرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه، وهذا أمر خطير والحكومة- وفقها الله عز وجل- جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون، فالواجب على كل
حاج أن يتفقد الحدود، حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.
ثالثاً: ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة: أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء آخر النهار تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم، أو عن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع (1670) . ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة (1280) .
(2) تقدم ص 21.(23/42)
أيمانهم، أو عن شمائلهم، وهذا أيضاً جهل وخطأ، فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبلاً للقبلة، سواء كان الجبل أمامه، أو خلفه،- أو عن يمينه، أو عن شماله، وإنما استقبل الرسول
- صلى الله عليه وسلم - الجبل، لأن موقفه كان خلف الجبل فكان - صلى الله عليه وسلم - مستقبلاً القبلة، فإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فإنه من الضرورة سيكون مستقبلاً له.
رابعاً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعضهم يظن أنه لابد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي عند الجبل ليقف فيه، فتجدهم يتجشمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونوا مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماءً وطعاماً، ويضلون ويتيهون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "وقفت هنا، وعرفة كلها موقف " (1) وكأنه
- صلى الله عليه وسلم - يشير إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يفعل ما يتيسر له، فإن عرفة كلها موقف.
خامساً: ومن الأخطاء: أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة، أو غصناً، أو ما أشبه ذلك، لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خطأ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم- أي داخل الأميال- من الشجر فهو محترم، لا يعضد، ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارج حدود
__________
(1) تقدم ص 21.(23/43)
الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرماً، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به، ونعني بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة فإنه لا يجوز قطعها لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة والحجاج، فإن الحكومة- وفقها الله- غرست أشجاراً في عرفة، لتلطيف الجو، وليستظل بها الناس من حر الشمس، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموماً.
سادساً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدسية خاصة، ولهذا يذهبون إليه ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعودُ الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل فيه شيء من رائحة الوثنية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم فقالوا: يا رسول اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من
كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كلما لهم آَلهة" (1) .
وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (5/218، 345) ، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (رقم 2188) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(23/44)
والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الناس موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.
سابعاً: ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة، ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجاً وضيقاً، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً. فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: "وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف" (1) وكذلك أيضاً قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" (2) فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة فإن ذلك خير له وأولى.
ثامناً: ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (3) .
__________
(1) تقدم ص 21.
(2) تقدم ص 33.
(3) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/45)
وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز
للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.
تاسعاً: ومن الأخطاء أيضاً: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخره جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة، مثل كونهم يخوضون في أعراض الناس، ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين:
أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) .
والثاني: إضاعة الوقت.
أما إذا كان الحديث لا يشتمل على محرم ففه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته في الأحاديث المباحة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر، فإن الأولى
أن يشتغل بالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة، في بحث العلوم الشرعية، أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار فيشتغل بالدعاء، ويتجه إلى الله عز وجل متضرعاً إليه مخبتاً منيباً، طامعاً(23/46)
في فضله، راجياً لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن، وفي السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذا خير الأدعية، فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.(23/47)
المبيت بمزدلفة(23/49)
س1077: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الدليل على وجوبه قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) ، والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن مضرس- رضي الله عنه- وقد اجتمع به في صلاة الفجر يوم مزدلفة فقال: يا رسول الله إني أتبعت نفسي وأكللت راحلتي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد
وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه" (1) .
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل (2) ، والترخيص يدل على أن الأصل العزيمة والوجوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، لأن الله تعالى أمر به في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)) ، والنبي عليه الصلاة
__________
(1) تقدم ص 17.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل (رقم 1677، 1678) ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة (رقم 1293، 1294) .(23/51)
والسلام حافظ عليه، وقال: "وقفت هاهنا وجمع- أي مزدلفة- كلها موقف" (1) رواه مسلم. ولكن القول الوسط من أقوال أهل العلم أن المبيت بها واجب وليس بركن، ولا سنة.
س1078: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى يبدأ الوقوف بمزدلفة؟ ومتى ينتهي؟ وما حكمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الوقوف بمزدلفة الذي يعبر عنه أهل العلم بالمبيت بمزدلفة يبدأ من انتهاء الوقوف بعرفة، ولا يصح قبله، فلو أن حاجاً وصل إلى مزدلفة في أثناء الليل قبل أن يقف بعرفة، فوقف في مزدلفة، ثم ذهب إلى عرفة ووقف بها، ثم نزل من عرِفة إلى منى فإن وقوفه بمزدلفة غير معتبر، لقوله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) فجعل محل ذكر الله عند المشعر الحرام، أو وقت ذكر الله عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفة، فيبتدئ المكث بمزدلفة من انتهاء الوقوف بعرفة، ويستمر إلى أن يصلي الإنسان الفجر، ويقف قليلا حتى يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى.
ولكنه يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي، أن يدفع من مزدلفة في آَخر الليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آَخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت (2) .
__________
(1) تقدم ص 21،
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل (1679) . ومسلم، كتابه=(23/52)
وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل، لأنه هو الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الموافق للقواعد، وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة بمقدار صلاة المغرب والعشاء، ولو قبل منتصف الليل، قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فعله، وفيما أذن فيه.
س1079: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى ينتهي الوقوف بمزدلفة بحيث إن الحاج لو أتى لا يعتبر واقفاً بها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ظاهر حديث عروة بن المضرس - رضي الله عنه- الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع" (1) أن الإنسان لو جاء مزدلفة بعد طلوع الفجر وأدرك صلاة الفجر بغلس في الوقت الذي صلاها فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يجزئه، والمعروف عند الفقهاء- رحمهم الله- أنه لابد أن يدرك جزءاً من الليل، بحيث يأتي إلى مزدلفة قبل طلوع الفجر.
س1080: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو المشعر الحرام؟ هل هو مكان في مزدلفة؟ أم هو مزدلفة نفسها؟ ولماذا سميت بذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: المشعر الحرام هو مكان في
__________
= الحج، باب استحباب تحريم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة (رقم 1291) .
(1) تقدم ص 17.(23/53)
مزدلفة، لكن قد يطلق على مزدلفة كلها أنها المشعر الحرام؛ لأنها مكان نسك.
وسميت مشعراً حراماً؛ لأنها داخل أميال الحرم، ولهذا يقال: (الشعر الحلال، والمشعر الحرام) فالمشعر الحلال هو عرفة، والمشعر الحرام مزدلفة، لكن في حديث جابر- رضي الله عنه- يقول: (ركب النبي غغييه حتى أتى المشعر الحرام) (1) . وهو المكان الذي فيه المسجد اليوم.
س1081: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو الراجح في نظر فضيلتكم فيمن حبسه السير من عرفة إلى مزدلفة وخشي خروج وقت العشاء فمتى يصلي؟ وما رأيكم فيمن وصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء متى يصلي المغرب والعشاء؟ وهل يجوز أن نؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل حتى نصل إلى مزدلفة، أم نقف في منتصف الطريق ونصلي؛ لأنه أحياناً لا يتيسر لنا المكان إلا بعد منتصف الليل؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: من دفع من عرفة إلى مزدلفة ثم حبسه السير حتى قارب نصف الليل فالواجب أن يصلي العشاء، ولا يجوز أن يؤخرها إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن وقت العشاء
ينتهي بنصف الليل، فانزل على الأرض وصلِّ المغرب والعشاء.
ومن دفع من عرفة إلى مزدلفة ووصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء، فله أن يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم؛ لأنه وصل قبل
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/54)
العشاء، فيصلي جمع تقديم ولا حرج؛ لأنه مسافر؟ ولأن ذلك أيسر لاسيما في وقتنا الحاضر مع كثرة الحجاج، والإنسان إذا ذهب يتوضأ ربما يضيع عن قومه، فله أن يجمع جمع تقديم متى وصل إلى
مزدلفة.
س1082: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم إذا لم يتمكن من الوصول إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فإنه يتوقف ليصلي ولكن الواقع أن رجال الأمن يمنعون من الوقوف حتى لا يتعطل السير فهل لهم أن يصلوا في سياراتهم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا لم يتمكن فيصلون على الراحلة، لكن عدم التمكن عندي أن ذلك غير وارد أصلاً، فالسائق يوقف سيارته إذ يمكن أن يخرج يميناً أو يساراً عن الطريق، وأما المنع فنحن نصلي كثيراً ولا نجد دوريات، لكن أحياناً لا يمكن الوقوف بسبب مثلاً: في مكان حول وادي، أو جسر.
فالمهم إذا لم يتمكن فيصلي على الراحلة، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى على راحلته حين أمطرت السماء (1) ، فكانت السماء تمطر، والأرض تجري فصلوا على الرواحل الفريضة.
س1083: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم في منسك الحج أنه لا يجوز تأخير الصلاة ليلة المزدلفة إلى بعد منتصف الليل هل يمكن البقاء بعرفة للصلاة خاصة إذا كان معه النساء مع توفر الماء
__________
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة على الدابة (411) .(23/55)
بدلاً من بقائهم في الحافلة حوالي ست ساعات، وقد لا يمكنهم الانحراف عن الخط مع حاجتهم إلى الماء ولا يتمكنون من الوصول إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل حين انصراف سيارات معظم
الحجاج إلى منى؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كانوا يخشون أن لا يصلوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل فإنه بمجود غروب الشمس يصلون المغرب والعشاء في عرفة ويمشون، يعني لا يتجاوز نصف الساعة،
يمكن إذا حمَّلوا تقف السيارات قبل أن تركب الخط العام وتغرب الشمس، ويبقى ربع الساعة، وأحياناً نصف سماعة وأنت ما وكبت الخط العام، فمثل هؤلاء يمكنهم إذا خافوا أن لا يصلوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل، أن يصلُّوا في عرفة.
س1084: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا علم الحاج أفه لن يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فهل الأفضل أن يؤخر صلاتي المغرب والعشاء حتى يصل إليها أم يصليهما في الطريق؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا خشي الإنسان بعد انصرافه من عرفة ألا يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل، فإن الواجب عليه أن يصلي ولو في الطريق، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد
منتصف الليل، لأن وقت العشاء إلى نصف الليل.
س1085: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في الإفاضة إلى مزدلفة بعض الناس يأتون متأخرين جداً إلى قبيل منتصف الليل(23/56)
فيصلون المغرب والعشاء فهل صلاة المغرب هنا في وقتها أي صار وقت العشاء وقتاً لصلاة المغرب؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم الذين يأتون من عرفة إلى مزدلفة، ولا يصلون إلى مزدلفة إلا متأخرين يجمعون جمع تأخير، فإنه ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نزل في أثناء الطريق في مزدلفة، فبال وتوضأ، وكان معه أسامة بن زيد. فقال: يا رسول الله، الصلاة: قال: "الصلاة أمامك" (1) . ثم بقي إلى أد وصل إلى مزدلفة، وصلى المغرب مع العشاء جمع تأخير، لكن لو فرضنا أنه خشي أن ينتصف الليل قبل أن يصل إلى مزدلفة ففي هذه الحال يجب
أن يصلي، ولا يجوز أن يؤخر صلاته إلى ما بعد منتصف الليل.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع (رقم 1669) ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة ... (رقم 1280) .(23/57)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من المحب محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
اليوم وصلني كتابكم الكريم المؤرخ (6) الجاري سرني صحتكم وصحة الشيخ، والأمير، والجماعة، نحمد الله على ذلك، ونسأله أن يرزقنا وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته.
نشكرك على إيرادك ما استشكلته فيمن وصل مزدلفة وقت المغرب أنه يصليها، ثم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء الآخرة، ونسأل الله أن يوفق الجميع للصواب، وأن يجعلنا وإياكم من الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر.
وأفيدك بأن البحث والمناقشة من أكبر طرق تحصيل العلم، وأن لك الفضل في ذلك. ولنرجع إلى صميم الموضوع والإشكال فنقول: هذا الحكم، أعني أن من وصل مزدلفة في وقت المغرب
يصلي المغرب ثم ينتظر، قد أشكل على بعض الإخوان أيضاً، وبينت لهم مستندي في ذلك من السنة ومن كلام الأصحاب.
أما من السنة: فإن من المعروف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان نازلاً بمنى كان يصلي كل صلاة في وقتها، إذ لا حاجة به إلى الجمع، والجمع ليس من رخص السفر المطلقة، كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وإنما هو مشروع، أو مباح عند الحاجة في حضر(23/59)
أو سفر، بخلاف القصر فإنه خاص بالسفر، ولذلك كان من رخصه المطلقة التي تفعل عند الحاجة وعدمها.
فإذا تبين أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - دائماً، أو غالباً أنه لا يجمع في السفر إذا كان نازلاً، ظهر أن جمعه بمزدلفة إنما كان من أجل أنه وقت المغرب كان سائراً في دفعه من عرفة إلى مزدلفة، وأنه لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول وقت العشاء، ولذلك قال أهل العلم: أنه يستحب جمع التأخير بمزدلفة، واستدلوا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا ظاهر منهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل مزدلفة إلا بعد دخول وقت العشاء، وهذا هو ظاهر الحال أيضاً،
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان واقفاً في شرقي عرفة، ولم يدفع من محله إلا بعد غروب الشمس، ويقول للناس: "السكينة السكينة" وقد شنق لناقته الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، لا يرخه لها إلا إذا أتى جبلاً، وإذا وجد فجوة نص (1) ، ونزل في أثناء الطريق، فبال وتوضأ
وضوءَا خفيفاً، فلما وصل مزدلفة توضأ فأسبغ (2) ، وهذا يدل على أنه لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول وقت العشاء، وعلى هذا فهو محتاج إلى جمع التأخير، ولذلك لما وصل مزدلفة بادر بصلاة المغرب قبل تبريك الإبل، فلما فرغ منها بركوا الإبل كل إنسان في منزله، ثم صلى العشاء الآخرة. وجاء في عبارة ابن القيم- رحمه الله- في الهدي أنهم حطوا الرحال بين صلاة المغرب والعشاء، فإما أن تكون رواية أخرى، وإما
__________
(1) عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص. أخرجه
البخاري، كتاب الحج، باب السير إذا دفع من عرفة (رقم 1666) ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات 000 (1286) (283) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية (رقم 1285) .(23/60)
أن يكون فهم من تبريك الجمال حط الرحال فالله أعلم.
فالمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - فصل بين الصلاتين إما بتبريك الجمال، أو بتبريكها وحط الرحال، وقد صح في البخاري أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أتى المزدلفة حين الأذان بالعتمة، أو قريباً من ذلك فأمر من يؤذن وصلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه
فتعشى، ثم أمر من يؤذن للعشاء ثم صلى العشاء (1) .
وأيضاً في صحيح البخاري عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب (2) . فهذا دليل على أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا كان في وقت الأولى سائرأ أخرها إلط وقت الثانية، وإن كان نازلاً صلاها في وقتها. وعلى
هذا فنقول: الحكم كذلك في جمع مزدلفة إن وصل إليها في وقت المغرب صلى المغرب في وقتها، ولا حاجة به إلى الجمع، وإن كان في وقت المغرب سائراً فإنه يؤخرها إلى وقت العشاء.
وقد أورد علي بعض الإخوان بأن العلماء مجمعون على استحباب الجمع في مزدلفة.
وكان الجواب: أنه إن صح الإجماع فإن المستحب جمع التأخير، هذا هو الذي ذكروه، وذلك لأن الوصول إلى مزدلفة في وقتهم لا يكون غالباً إلا بعد دخول وقت العشاء.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما (رقم 1275) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب أبواب تقصير الصلاة، باب إذا ارتحل بعدما زالت الشمس صلى الظهر ثم ركب (رقم 1112) ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (رقم 754) .(23/61)
وأورد علي بعض الأخوان جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر بعرفة ولم يكن سائراً.
وكان الجواب: ما ذكره بعض العلماء من أنه فعل ذلك لمصلحة طول وقت الوقوف والدعاء.
هذا هو تقرير الاستدلال على ما قلنا من السنة، أما من كلام الأصحاب، فقد قال الأصحاب في باب مواقيت الصلاة (في الكلام على صلاة المغرب: والأفضل تعجيلها إلا ليلة جمع لمن يباح له الجمع وقصدها محرماً فيسن تأخيرها إن لم يأت مزدلفة وقت الغروب. قال الشيخ منصور- رحمه الله- في شرح الإقناع: فإن حصل بها وقتها لم يؤخرها، بل يصليها في وقتها، لأنه لا عذر له. اهـ. ولهم كلام في الجمع ظاهره يخالف ذلك لكن هذا صريح.
فإذا تبين وجه ما قلناه فإنه إذا كان الجمع بمزدلفة أرفق به من عدمه، مثل أن يكون محتاجاً إلى الوضوء، ويشق عليه طلب الماء لصلاة العشاء، أو يكون على تعب فيجب أن يجمع لينام مبكراً، فإنه إذا حصل ذلك مع كون السفر سبباً للرخصة في الجمع مطلقاً عند بعض العلماء فإن هذا يوجب أو يسهل الترخيص له في جمع التقديم إن شاء الله.
هذا ما لزم وشكر الله سعيك حيثما حصل هذا البحث كتابياً بسبب سؤالك جزاك الله خيراً. وإن بدا لازم فنحن نتشرف بلغ سلامنا الشيخ محمداً والأمير والإخوان والجماعة، كما أن المشائخ
والإخوان بخير، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 9/5/1383 هـ.(23/62)
س1086: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن جماعة وصلنا إلى مزدلفة بعد غروب الشمس مباشرة وقالوا نصلي المغرب والعشاء جمع تقديم لكن قلت لهم: نصليها جمع تأخير لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأني أعلم بعض العلماء قالوا بجمع التأخير بمزدلفة وذكر بعضهم أنه لو قدمها لم تجزئه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة يصلي من حين أن يصل؛ لأن هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن كان لمجمع جمع تأخير بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن المسافة بعيدة وهو قد جاء على بعير ثم إنه نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، ومثل هذا لا يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول العشاء ولذلك جمع بينهما جمع تأخير، لكن إذا وصل الآن قبل دخول وقت العشاء فصل المغرب، ولكن هل نقول صل المغرب وانتظر للعشاء حتى يدخل وقتها أو نقول اجمعها معها؟ في وقتنا الحاضر نرى أن الأرفق بالإنسان أن يجمع العشاء مع المغرب؛ لأنه يسلم من التعب في تحصيل الماء فربما ينتقض وضوؤه فيحتاج إلى وضوء ولا يجد الماء، وإذا وجده ربما يضيع إذا انطلق من مكانه، فنقول: الأرفق بالناس أن يصلوا العشاء مع المغرب ولو كانوا وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب، وكان ابن مسعود- رضي الله عنه- إذا وصل إلى مزدلفة قبل وقت العشاء يصلي المغرب ثم يدعو بعشاء فيتعشى ثم يأمر مؤذنه فيؤذن ثم يصلي العشاء (1) وهذا يدل على أنه- رضي الله عنه- يرى أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة في وقت المغربِ يصليها ولا يجمع إليها العشاء.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما (1675) .(23/63)
س1087: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قوم ضلوا الطريق عن مزدلفة فلما أقبلوا عليها توقفوا وصلوا المغرب والعشاء الساعة الواحدة ليلاً ثم دخلوا مزدلفة عند أذان الفجر وصلوا فيها الفجر فهل عليهم شيء؟ أفتونا جزاكم الله عنا كل خير؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هؤلاء لا شيء عليهم لأنهم أدركوا صلاة الفجر في مزدلفة، حين دخلوها وقت أذان الفجر وصلوا الفجر فيها بغلس، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" (1) .
لكن هؤلاء أخطأوا حين أخروا الصلاة إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديت عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله
عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) .
س1088: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة في حملة للحج عند النفر من عرفات إلى مزدلفة لم يصلوا إلا مع أذان الفجر فما الحكم؛ لأنهم كانوا في الحافلة فما يستطيعون أن يوقفوها أو ينزلوا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح في هذه المسألة أن الإنسان إذا حبسه حابس، ولم يصل إلى المزدلفة إلا وقت صلاة الفجر مبكراً، وصلى الفجر هناك أنه لا شيء عليه، ودليله حديث
__________
(1) تقدم ص 17.
(2) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس (رقم 612) .(23/64)
عروة بن المضرس- رضي الله عنه- حين أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - في مزدلفة في صلاة الفجر فقال: يا رسول الله، قدمتما من طي وأتعبت راحلتي، فما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" (1) .
س1089: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشيخ بسبب الزحام ما الحكم في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: قال بعض علمائنا: إنه لا شيء عليه؟ لأنه قد اتقى الله قدر ما استطاع، ولم يستطع الوصول إلى مزدلفة فيسقط عنه الواجب، وقال بعض العلماء: إن عليه فدية لترك الواجب، لكن لا إثم عليه لأنه لم يستطع، والفدية بدل عن هذا الواجب، وتذبح في مكة وتوزع على الفقراء، فإن كان الإنسان ذا ميسرة فهذا سهل عليه ومن كصال حجه، وإن كان ذا عسر فليس عليه شيء.
س1090: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص أدى فريضة الحج لهذا العام ولم يتمكن من الخروج من عرفة إلا صبيحة اليوم العاشر، وبالتالي فاته المبيت بمزدلفة، وذلك بسبب ازدحام
السيارات وكثرة الناس واتجه مباشرة إلى منى مروراً بمزدلفة بعد طلوع شمس يوم العاشر فماذا يجب عليه؟
__________
(1) تقدم ص 17.(23/65)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، فإذا أحصر الإنسان عن ترك واجب في الحج كالمبيت بمزدلفة فإنه يذبح هدياً بمكة: في مزدلفة، أو في منى، أو في داخل مكة، فإن لم يجد فلا شيء عليه؛ لأن إيجاب صيام عشرة أيام لمن لم يجد هدياً في الإحصار، أو لمن لم يجد فدية في ترك الواجب لا دليل عليه، وقياسه على هدي التمتع قياس مع الفارق، كما أنه أيضاً مخالف لظاهر النص، فإن الله تعالى ذكر في هدي التمتع أن من لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وأما الإحصار فإنه قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، ولم يذكر بدلاً عن الهدي، فدل هذا على الفرق بينهما.
والخلاصة أن الذي أرى أن هؤلاء الذين فاتهم المبيت بمزدلفة بسبب ازدحام السيارات عليهم هدي، احتياطاً وإبراء للذمة، وهم إذا كانوا أغنياء فإنه لن يضرهم ذلك شيئاً، أما إذا كانوا فقراء فليس
عليهم شيء.
س1091: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا فرض أن الإنسان لم يتمكن من المبيت في مزدلفة لأي سبب من الأسباب كمرض أو غير ذلك هل يلزم عليه دم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الظاهر أنه يلزمه دم، لكنه لا إثم عليه، وذلك أن تارك الواجب إن كان معذوراً فلا إثم عليه، لكن عليه البدل وهو الدم، وإن كان متعمداً صار عليه الإثم والدم، ولو(23/66)
أن الإنسان منع من المبيت في مزدلفة، فهذا لا شيء عليه، لأنه يكون على سبيل الإكراه.
س1092: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذهبنا إلى الحج العام الماضي وعندما اقتربنا من عرفة تعطلت السيارة في نهاية عرفة وصلينا المغرب وأصلحنا السيارة ومشينا ولكن لم نعرف الطريق وتهنا وتعطلت السيارة مرة ثانية ولم نصل مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أنا أرى أن مثل هؤلاء لا يستحقون الجواب، لأنهم يسألون بعد أحد عشر شهراً (1) ، اللهم إلا أن يكون جاهلاً بالكلية، لكن هذه الصورة التي ذكرت لا أحد يجهل أن فيها خطأ، فكان الواجب أن يسأل وهو بمكة قبل أن ينتهي الحج وإنما على حسب القواعد المعروفة عند العلماء، أن على من لم يدرك المبيت في المزدلفة، أو على الأقل يأتي قبل الفجر عليه دم يذبح
في مكة، ويوزع على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.
س1093: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حملة من حملات الحج ساروا من منى الساعة الحادية عشرة صباحاً يوم التاسع، فما وصلوا إلى عرفة إلا في الساعة الثانية عشر ظهراً، ثم توقفت
السيارات إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، ثم ساروا الساعة الثانية عشرة ليلاً إلى المزدلفة، فما أدركوا صلاة الفجر إلا بين عرفة
__________
(1) كان السؤال في شهر ذي القعدة.(23/67)
ومزدلفة، فلم يصلوا المزدلفة إلا الساعة السادسة صباحاً، وكانوا متجهزين عند الغروب في عرفة وما أخرهم إلا تأخر السير، فما حكم ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: بعض العلماء يرى أن عليهم فدية لأنهم تركوا المبيت في مزدلفة، والذي أرى أنه لا شيء عليهم، لأنه إذا كانت القصة على ما قلت أنت فهم غير مفرِّطين.
س1094: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة لم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس بسبب الزحام فرأى أحد الحجاج أن منادياً ناداه في الرؤيا وقال: لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، حيث لم يقف في المزدلفة، أو لم يبت في المزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صحيح، هو أخطأ في الأصل، لكن أخطأ لعذر، والمرائي المخالفة للشرع لا تُعتبر، ولكن على كل حال - كما قلت سابقاً- بعض العلماء يرى أن عليه فدية؟ نظراً لأنه لم
يبت في مزدلفة، ولكني أقول: مادام أن الرجل لم يحصل منه تفريط، وعجز فأرجو أن لا يكون عليه شيء، وإن ذبح فهو أفضل بلا شك.
س1095: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل دفع من عرفة ماشياً إلى مزدلفة وبعد أن مشي مسافة طويلة بات في أحد الأماكن حيث تيقن أنه في مزدلفة، ولكن بعد أن دفع إلى منى في اليوم العاشر وبعد أن مشي قريباً من خمسين متراً وجد لوحة كبيرة تدل على أول(23/68)
الحد لمزدلفة، فماذا على هذا الرجل؟ وهل حجه صحيح أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أولاً إن كلام الرجل متناقض لأنه يقول بالأول: تيقن أنه في مزدلفة، ثم يقول بالتالي: مشى خمسين متراً فوجد لوحة تدل على أنه لم يصل إلى مزدلفة، واليقين لا يعارض الواقع، وعلى هذا فنقول: العبرة بالحقيقة، والحقيقة أنه لم يبت في مزدلفة، لكن يسقط عنه الإثم، لأنه بنى على ظنه، ومن بنى على ظنه فإن الله يقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) لكن نرى من باب الاحتياط أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء.
س1096: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بتنا على بعد أربعمائة متر تقريباً من حدود مزدلفة ولم نعلم بذلك إلا في الصباح فماذا علينا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: عليكم عند أهل العلم فدية، شاة تذبحونها، وتوزعونها على فقراء مكة، لأنكم تركتم واجباً من واجبات الحج.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الحجاج بأن ينتبهوا لحدود المشاعر في عرفة، وفي مزدلفة فإن كثيراً من الناس في عرفة ينزلون خارج حدود عرفة، ويبقون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم
ينصرفون ولا يدخلون إلى عرفة، وهؤلاء إذا انصرفوا فإنهم ينصرفون بدون حج، ولهذا يجب على الإنسان أن يتحرى حدود عرفة، ويتعرف إليها، وهي أميال قائمة- والحمد لله- بينة، وكذلك في مزدلفة، فإن كثيراً من الناس مع التعب من الانصراف من عرفة، ينزلون قبل أن يصلوا مزدلفة، فهؤلاء إذا لم يقوموا من(23/69)
مكانهم هذا إلا بعد طلوع الفجر وصلاة الفجر، فإنه قد فاتهم الوقوف بمزدلفة، فيلزمهم فدية يذبحونها ويوزعونها على الفقراء؛ لأنهم تركوا واجباً، وترك الواجب عند أهل العلم موجب للفدية.
س1097: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن حجاج خرجنا بالسيارة من عرفات إلى مزدلفة ووصلنا إلى نهاية الشارع وقفت السيارة حولنا ونمنا ولما أصبحنا نصلي الصبح وإذا نحن خارج حدود مزدلفة حيث كلنا خلف الإشارة فسألنا المشايخ هناك وأرسلونا إليك تفيدنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن عليكم كل واحد فدية شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنكم أهملتم، والحكومة وفقها الله جعلت على كل باب من أبواب الشاعر: عرفة ومزدلفة ومنى علامات.
س1098: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم أن على كل واحد منا فدية، سلمك الله كان الجبل أمامنا والسيارة خلفنا فما رأينا أي إشارة، وإلا نحن حريصون أن نكون في مزدلفة لكن ما تيسير، وكثير من الناس كانوا نازلين قبل مزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا استطعتم افعلوا ما قلت لكم، فمن لم يستطع فلا شيء عليه.
س1099: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة من الحجاج عند نزولهم من عرفات إلى المزدلفة سألوا سائق الحافلة عن(23/70)
وصولهم المزدلفة. فقال: نحن في المزدلفة، وبناء على كلامه نزلوا ووجدوا الناس قد ناموا، فصلوا وناموا بها وصلوا الفجر وغادروا المكان إلى منى بعد الصلاة ولكن أثناء السير في الصباح حدث لهم
شك بأنهم لم يبيتوا في المزدلفة فهل عليهم شيء في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ليس عليهم شيء في ذلك، لوجود القرائن التي تدل على أنكم بتم في مزدلفة، فأنتم وجدتم الناس نازلين، ونزلتم معهم، ولم يتبين لكم خلاف ذلك، أما لو تبين أنكم نزلتم قبل النزول إلى مزدلفة، فإنكم في حكم التاركين للمبيت؛ لأن الواجب على الإنسان أن يحتاط، وألا ينزل إلا في مكان يتيقن أو يغلب على ظنه أنه من مزدلفة.
س1100: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في الحج العام الماضي وفي ليلة المزدلفة قام أحد الشباب خطيباً في المسلمين وهذه بعض كلماته قال: أيها المسلمون لقد توصل العلماء بأن الدخان مبطل للحج، وأنتم الآن في المزدلفة، ومزدلفة حكمها حكم المسجد، والذي يصر على تعاطي الدخان فهو مجرم، وعليه لعنة الله، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد، ما حكم هذا القول؟ وما حكم الخطبة ليلة مزدلفة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أولاً: الخطبة في ليلة المزدلفة ليست مشروعة، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب في المزدلفة، بل صلى المغرب والعشاء ثم نام إلى أن طلع الفجر.(23/71)
ثانياً: إن قول هذا: (إن الدخان، أو تدخين الدخان مبطل للحج) خطأ فليس مبطلاً للحج.
وأما قوله: (إن مزدلفة مسجد) فهو خطأ أيضاً، فإن مزدلفة كغيرها من الأراضي، ولو كانت مسجداً لحرم أن يبول بها الإنسان، ولحرم أن يكون بها جنباً إلا بوضوء، ولحرم على الحائض أن تبقى فيها، فهي ليست بمسجد، إلا كما نصف بقية الأرض بأنها مسجد.
وأما قوله: (عليه لعنة الله) فهذا قول كذب إن أراد به الخبر، ومحرم إن أراد به الدعاء، فنصيحتي لهذا- إن صح ما نقل عنه- أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن لا يتكلم إلا بعلم، وأن لا يضل عباد
الله، والدخان بلا شك حرام عندنا، يعني لا شك عندنا أن الدخان حرام، ولكن فعل الحرم لا يبطل الحج، ولا يفسد الحج إلا ما ذكره العلماء، وهو الجماع قبل التحلل الأول، إذا كان الإنسان عالماً
ذاكراً، وما عدا ذلك حتى محظورات الإحرام لا تبطل الحج.
س1101: سئل فضيلة الشيخ -رحمَه الله تعالى-: هل يصلي الحاج في مزدلفة صلاة الوتر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: في مزدلفة لم يذكر في حديث جابر - رضي الله عنه- وهو أوفى الأحاديث في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر أنه أوتر، ولم يذكر أنه صلى راتبة الفجر، لكن لدينا عموم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) ولم يخصص،
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الوتر، باب ليجعل آخر صلاته وتراً (رقم 998) ، ومسلم كتاب
صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل (رقم 749) (148) .(23/72)
وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، ولم يستثن من ذلك شيء، وكذلك نقول في سنة الفجر: حط عليها النبي عليه الصلاة والسلام حتى قال: "ركعتا الفجر
خير من الدنيا وما فيها" (1) وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يدعهما حضراً ولا سفراً، فنقول في ليلة مزدلفة: أوتر وصلِّ سنة الفجر.
س1102: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الحاج يوتر ليلة النحر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يوتر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا آَخر صلاتكم بالليل وتراً" (2) . وإذا لم يرد الترك، أو النهي عنه فالأصل بقاء الحكم، فيوتر حسب عدد ما يوتر به ركعة، أو ثلاث ركعات، أو خمس حسب ما يوتر به.
س1103: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يشرع للحاج أن يحي ليلة النحر بالقراءة والذكر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: السنة النوم، ففي صحيح مسلم من حديث جابر- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد، وإقامتين، ولم يسبِّح بينهما شيئاً ثم اضطجع حتى طلع الفجر (3) .
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب ركعتي سنة الفجر (رقم 725) .
(2) تقدم ص 73.
(3) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/73)
س1104: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم في مزدلفة ترك سنة الفجر لأنها لم تذكر في حديث جابر- رضي الله عنه- كما أن الوتر لم يذكر في الحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: في ليلة مزدلفة يصلي الإنسان الوتر قبل أن ينام أو في آخر الليل، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يدع الوتر حضراً ولا سفرا هذه سنته.
فإذا قال قائل: إنه لم يذكر في الحديث أنه أوتر؛ لأن جابر رضي الله عنه أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى المغرب والعشاء اضطجع حتى طلع الفجر.
فالجواب: أن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم. فجابر لم يقل: ولم يوتر، لو قال هذا، قلنا: هذه الليلة مستثناة، ولكنه لم يقل: ولم يوتر. والأصل أنه - صلى الله عليه وسلم - يوتر، وكون جابر لم يذكر ذلك لعله لم يطلع على كل ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلا من المعلوم أنه سوف يتعشى وسوف يبول ويحتاج إلى هذا.
أما سنة الفجر فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدعها حضراً ولا سفرا، وجابر لم يقل: إنه لم يصل سنة الفجر أي لم ينفها، فالأصل بقاء مداومة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
عليها.
س1105: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج خرج من مزدلفة بعد منتصف الليل ومعه أهله ولكن لم يتجه ليرمي جمرة(23/74)
العقبة، واتجه إلى الخيمة ولم يرم جمرة العقبة إلا بعد الضحى هل يلزم من خرج من مزدلفة أن يتجه إلى جمرة العقبة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أولاً: السنة أن يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ويسفر جداً، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن من خاف من زحام الناس في رمي العقبة، فليخرج في آخر الليل وليرم الجمرة، وكونه يخرج من آخر الليل ولا يرمي الجمرة، لا شك أنه مخالف للسنة من وجهين:
الوجه الأول: خروجه قبل أن يصلي الفجر.
والوجه الثاني: أنه أخر الرمي إلى أن ارتفعت الشمس، والإنسان الذي يتقدم من أجل الرمي مأمور أن يتقدم في الرمي. ولا يلزمه شيء.
س1106: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم يجوز هذا لمشقة الزحام في النهار، وأما من كان قويًّا لا يتأثر بالزحام، فإن الأفضل أن يبقى إلى أن يصلي الفجر ويسفر جداً، ثم يدفع، إلا أن يكون معه نساء،
فيدفع من أجلهن في آخر الليل فحسن.
س1107: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل معه ضعفة، فدفع من مزدلفة في الثلث الأخير من ليلة النحر فرمى جمرة العقبة وحلق وذبح هديه قبل طلوع الفجر فما الحكم في ذلك؟(23/75)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما الدفع من مزدلفة والرمي والحلق فلا بأس به، وأما الهدي فلا يجزئ ذبحه قبل طلوع الفجر؛ لأن النحر لا يكون إلا في وقته، وهو يوم العيد إذا مضى قدر فعل الصلاة بعد ارتفاع الشمس قدر رمح.
س1108: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا جاز لجماعة من الحجاج الضعفة الدفع من مزدلفة بعد مغيب القمر مباشرة وتمكنوا من الرمي والطواف والسعي قبل الفجر فما الحكم في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: عملهم جائز، ولا بأس به؛ لأنه إذا جاز للإنسان أن يدفع من مزدلفة جاز له أن يفعل كل ما يترتب على ذلك، فإذا دفعوا مثلاً من مزدلفة في آخر الليل بعد مغيب القمر
ووصلوا إلى منى فليرموا الجمرة ولينزلوا إلى مكة ويطوفوا ويسعوا، ويرجعوا، ولو رجعوا قبل طلوع الشمس فلا بأس، لأنه إنما جاز الدفع للضعفة من أجل أن يأتوا بمناسك الحج قبل زحمة الناس.
س1109: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لماذا رخص للعجزة والضعفة والمضطرين في النفر من مزدلفة قبل الوقت؟ ولم يرخص لهم في رمي الجمار قبل الوقت في أيام التشريق للزحام؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رخص للضعفاء في الدفع من مزدلفة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رخص لهم، ولا يصح قياس الرمي على الدفع من المزدلفة، لأن العلة موجودة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالزحام الذي يكون عند رمي الجمرات أيام التشريق هو الذي يكون عند(23/76)
رمي جمرة العقبة عند يوم العيد وذلك ما رخص لهم.
س1110: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من خرج بعد منتصف الليل من مزدلفة من غير عذر يعني ليس معه ضعفاء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: تخرج إلا في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ولابد أن ينظر في سبب خروج هذا الحاج قبل الوقت المحدد، هل هو جاهل، أغير جاهل، وهل له عذر، أو
لغير عذر.
س1111: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أديت فريضة الحج قارناً وطفت طواف العمرة قبل وقفة العيد بيومين وأديت العمرة، ثم وقفنا على جبل عرفات، ومن ثم بتنا ليلة العيد
في منى، وفي صبيحة العيد بعد صلاة العيد قمت بطواف الوداع يوم عيد الأضحى، ثم عدت وذبحت الهدي لله، ورجمت يوم العيد، وثاني وثالث يوم العيد، أي أنني. "ليلتين في منى بعد العيد، ثم
إنني غادرت مكة وفكيت الإحرام ولم أتمكن من العودة إلى الكعبة للطواف حولها، فهل طوافي يوم العيد يكفي من غيره؟ وهل حجي هذا عليه نواقص أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، هذا الأخ يقول:
أولا: إنه حج قارناً، ثم أد عمرته قبل وقوفه بعرفة، وهذا العمل- يعني أداء العمرة قبل الو- ف بعرفة- ليس عمل القارن،(23/77)
بل هو عمل المتمتع، وعلى كل حال خيراً فعل، لأن القارن ينبغي له أن يحول نيته إلى عمرة ليصير متمتعاً، كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي.
ثانيا: ذكر أنه بات ليلة العيد بمنى، وهذا لا يجوز، يجب أن يكون مبيت ليلة العيد بمزدلفة، إلا أنه يجوز الانصراف من مزدلفة للضعفة من الناس في آخر الليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للضعفاء أن يدفعوا من مزدلفة بليل، أما غيرهم فيجب عليهم صلاة الفجر في مزدلفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بها حتى صلى الفجر، وأتى المشعر الحرام حتى أسفر جداً وقال لعروة بن الضرس:- رضي الله عنه- "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" (1) . وهذا يدل على وجوب الإقامة بمزدلفة إلى صلاة الفجر، والأحاديث الأخرى التي أشرنا إليها، وهو ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفاء أن يدفعوا بالليل دل على جواز الدفع عند الحاجة في آخر الليل، وهذا مما يؤخذ على هذا الأخ في حجه إذا كان قد ضبط.
ثالثاً: ذكر الأخ أنه في يوم العيد طاف للوداع، ولعله يريد بذلك طواف الإفاضة فأخطأ في تسميته، بدليل أنه قال في آخر سؤاله: إنه خرج من مكة وفك إحرامه، ولم يتيسر له الرجوع للطواف حول البيت، مما يدل على أنه أخطأ في التسمية في قوله: (إنه طاف طواف الوداع في يوم العيد) وعلى هذا فإذا كان نوى في الطواف يوم العيد، طواف الإفاضة، يعني طواف الحج فهو
__________
(1) تقدم ص 17.(23/78)
صحيح، وقد أدى ما وجب عليه من طواف الإفاضة، وأما كونه خرج من مكة ولم يطف للوداع فهذا خطأ والواجب عليه أن لا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك، وقال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) لكنه رخص للحائض والنفساء في ترك طواف الوداع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لصفية- رضي الله
عنه- حين أخبر أنها طافت طواف الإفاضة قبل أن تحيض قال: "قلتنقر إذن" (3) ولحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض" (3) .
وبقي أيضاً في قصة الأخ ملاحظة وهي: أنه لم يذكر السعي في الحج، وظاهر حاله أنه لم يسع، فإن كان الرجل بقي على قرانه، وأراد بقوله فيما سبق (إنه أدى العمرة قبل الوقوف بعرفة) أراد أنه
أدى أعمال العمرة مع بقائه على القران فإن سعيه الأول يجزئه"؛ لأنه سعى بعد طواف القدوم، وإن كان أراد بأنه أدى العمرة، يعني حقيقة العمرة وتحلل بين العمرة والحج فقد بقي عليه الآن سعي
الحج، فعليه أن يعود إلى مكة ليؤدي سعي الحج، وحينئذ لا يجوز له أن يقرب أهله حتى يسعى، لأنه لا يكون التحلل الثاني إلا بالسعي.
س1112: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز الانصراف
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجود طواف الوداع ... (رقم 1327) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (رقم 1757) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع ... (رقم 1318) (382) .
(3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع (رقم 1755) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع رقم (1328) .(23/79)
من مزدلفة قبل نصف الليل لعامة الناس؟ وماذا يصنع من كانو! في حافلة واحدة وبعضهم شباب، وبعضهم ضعاف فماذا يصنعون حينئذ؟
فأجاب فضيلته بقوله: جاء في السؤال قبل منتصف الليل، ولعله أراد بعد منتصف الليل، ومع ذلك فنقول: إن ألانصراف من مزدلفة لا يتقيد بمنتصف الليل، إنما يتقيد بآخر الليل، لأن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- كانت تراقب القمر فإذا غاب دفعت (1) .
وإذا كان الناس في سيارة واحدة فحكمهم واحد، إذا دفعوا في آخر الليل من أجل الضعفة والنساء فإنهم يدفعون جميعاً؛ لأن في تفرقهم مشقة عليهم، والدين دين اليسر والسهولة، فإذا كانت هذه
الحافلة فيها ستون راكباً، مثلاً عشرون منهم من الضعفاء الذين يحتاجون إلى التقدم، ليرموا الجمرة قبل طلوع الفجر، فإنه يجوز للباقين، وهم أربعون أن يذهبوا معهم في هذه الحافلة لأنهم رفقة
واحدة، وتفرقهم يحصل به المشقة.
س1113: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كانت حافلة يركب فيها مجموعة من الناس ومن بينهم رجل مسن وامرأة كبيرة فهل يجوز لهم جميعاً أن يدفعوا من مزدلفة بحجة هذا الرجل
وهذه المرأة أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لهم أن يدفعوا بحجة رجل،
__________
(1) تقدم ص 52.(23/80)
أو امرأة، أو رجلين وامرأتين، ولهذا لم يدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - من مزدلفة من أجل الضعفاء من أهله، بل أذن للضعفاء أن يدفعوا من مزدلفة، وبقي هو، فإذا كان الذي في القافلة رجل، أو رجلان، أو امرأة، أو امرأتان، فإن هذا الرجل، أو المرأة الضعيفة يبقى مع الناس ويدفع معهم، ثم ينتظر في يوم العيد حتى ينفض الزحام وترمي، أو يرمي الضعيف ولو بعد صلاة العصر.
س1114: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الشخص معه نساء فأيها أفضل أن يدفع من مزدلفة بعد غياب القمر، أو يتأخر إلى الفجر ثم يؤخر الرمي إلى بعد العصر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر لي أن الأفضل أن يتقدم؟
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفة من أهله أن يتقدموا، ولم يأمرهم أن يتأخروا ويرموا العصر، وهذا لا شك أنه من تيسير الله عز وجل؟
لأنه إذا تقدم ورمى وحل، صار في ذلك تيسير عليه، وفرح بالعيد كما يفرح الناس، أما لو تأخر إلى العصر فإنه يبقى محرماً، وفيه شيء من الحرج والمشقة على المكلف، فالأفضل لمن كان يشق عليه الزحام أن يتقدم في الانصراف من مزدلفة، ويومي قبل أن يأتي عليه الزحام.
س1115: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا خرج الحاج من مزدلفة بعد منتصف الليل من كير عذر، ورمى بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فماذا عليه؟(23/81)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر من السنة أن الدفع من مزدلفة ليس مقيداً بنصف الليل، إنما هو مقيداً بآخر الليل، وكانت أسماء بنمسا أبي بكر- رضي الله عنهما- تقول لغلامها: (انظر للقمر هل غاب) فإذا غاب القمر دفعت إلى مزدلفة (1) ، ومعلوم أن غروب القمر ليلة العاشر لا يكون إلا في نحو ثلثي الليل، يعني إذا لم يبق من الليل إلا الثلث، وتقيد العلماء بالنصف ليس عليه دليل، فالصواب: أن الحكم مقيد بآخر الليل، فإذا كان آخر الليل فليدفع.
ولكن هل يجوز الدفع في آخر الليل لمن له عذر ولمن لا عذر له؟
نقول: أما في وقتنا الحاضر فلا شك أن أكثر الناس معذور؛ لأن الزحام الشديد الذي يكون عند رمي الجمرة بعد طلوع الشمس يخشى منه، وكم من أناس هلكوا وماتوا بهذا الزحام، فإذا تقدم
الإنسان من مزدلفة ورمى إذا وصل إلى منى فلا حرج عليه، لكن الإنسان القوي الأفضل له أن يفعل كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يبقى في مزدلفة، ولا ينصرف منها إلا إذا أسفر جداً.
س1116: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الخروج من مزدلفة بعد الساعة الواحدة والنصف ليلاً لرمي جمرة العقبة خوفاً من الزحام الشديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس بذلك إذا غاب القمر وهو لا يغيب إلا إذا مضى أكثر الليل في ليلة العاشر، فإنه لا بأس أن يدفع
__________
(1) تقدم ص 52.(23/82)
من مزدلفة إلى منى ليرمي جمرة العقبة، لكن إذا كان الإنسان قويًّا لا يشق عليه الزحام، فإنه يبقى حتى يصلي الفجر، ويدعو الله تعالى بعد الصلاة، ثم ينصرف قبل أن تطلع الشمس إلى منى، والذين
يرخص لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، لهم أن يرموا إذا وصلوا منى ولو قبل الفجر، وأما حديث النهي عن رميها أي رمي جمرة العقبة حتى طلوع الشمس، ففي إسناده نظر.
س1117: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل ما فعلته أسماء- رضي الله عنها- من الدفع من مزدلفة بعد مغيب القمر بناءً على أنها من أهل الأعذار أم ماذا؟ مع بيان ما استدلت به- رضي الله عنها- إن أمكن؟
فأجاب فضيلته بقوله: وجه ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفه من أهله أن يدفعوا بليل، وفي بعض الألفاظ (بسحر) (1) ، وهذا يدل على أنه في آخر الليل، ومعلوم أنه إذا غاب القمر أظلم الليل، وفيما سبق يقدرون الساعات بمغيب القمر، ومغيب الشمس، وما أشبهها، فلعلها رأت أنه إذا غاب القمر مضى أكثر الليل، وحصل المقصود.
أما مسألة النساء فإن بعض العلماء يقول: إن النساء يجوز لهن الدفع مطلقاً من مزدلفة قبل الفجر في لحديث أسماء- رضي الله
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة ... (353) (1294) .(23/83)
عنها-: أذن للظعن (1)
س1118: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لمن أراد تقديم طواف الإفاضة على بقية مناسك يوم النحر أن يدفع من مزدلفة إلى مكة مباشرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز لمن دفع من مزدلفة أن يذهب إلى مكة مباشرة، ويطوف ويسعى، ويرجع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يسأل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: "افعل ولا حرج " (3) فالأمر والحمد لله واسع، قد وسَّع الله على العباد تخفيفاً عليهم.
س1119: سئل فضيلة الشيخ- وحمه الله تعالى-: هل لي أن أنصرف من المزدلفة بعد منتصف الليل إذا كانت الحملة ستنصرف ومعها عدد من العجزة؟
فأجاب بقوله: نعم، لا بأس أن تنصرف، لكن الأولى أن تنظروا قليلاً حتى يغيب القمر؛ لأن السنة لم تقيد الانصراف بنصف الليل، لكن كثيراً من العلماء- رحمهم الله- قيدوه بنصف الليل؛ لأنه إذا مضى نصف الليل ثم دفع فقد بقي أكثر الليل في مزدلفة، لكن الوارد عن السلف كأسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- أنه إذا غاب القمر دفعوا من مزدلفة (3) . ومغيب القمر في ليلة العاشر،
__________
(1) تقدم ص 52.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة (رقم 1736) ، ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر (رقم 1356) .
(3) تقدم ص 52.(23/84)
يكون عند مضي ثلثي الليل تقريباً، فلو انتظرتم إلى أَخر الليل، لكان أحسن من الدفع من منتصف الليل.
س1120: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت في حملة وكان معي امرأة وقد سارت الحملة من مزدلفة بعد منتصف الليل وذهبنا إلى الحرم وبدأنا الطواف قبل صلاة الفجر هل هذا
صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا صحيح، لكن الأفضل للرجال القادرين أن يبقوا حتى يصلوا الفجر، ويقفوا قليلاً حتى يسفروا جداً، ثم يدفعوا إلى منى، هذا هو الأفضل، لكن لو دفع الإنسان في
آخر الليل وطاف وسعى قبل الفجر فلا بأس، أو دفع في آخر الليل ورمى وحلق ثم نزل وطاف وسعى قبل الفجر فلا بأس، وإذا كان معه امرأة كان أشد عذراً فيم لو كان وحده.
س1121: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعد النزول من مزدلفة ليلاً بعد نصف الليل، هل الأفضل أن رمي الجمرة، أو الذهاب إلى المطاف لأن ذلك ربما يكون أرفق على من معه نساء
يخشى من حبسهن بالحيض، فيبادر بالطواف قبل الرمي قبل فجر يوم العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل الأرفق، فإذا كان الأرفق له أن ينزل إلى مكة ويطوف ويسعى، ويخرج ويرمي، فليفعل، والدليل على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث الضعفة من أهله ليلة المزدلفة(23/85)
قبل الفجر، مع أن الأفضل أن يبقى الحاج حتى يسفر، فبعثهم ليرموا بهدوء وطمأنينة، فإذا كان الإنسان يرى أنه إذا نزل إلى مكة وطاف وسعى كان أرفق به، فليفعل.
س1122: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل أصحاب سيارة الأجرة يعفون من المبيت بمزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يعفون من المبيت في مزدلفة بل الواجب أن يبيتوا في مزدلفة، ولهم أن ينصرفوا في آخر الليل وكذلك ليس لهم الحق في أن يتركوا المبيت في منى، إلا إذا كان الحجاج محتاجون إلى استعمال سياراتهم في الليل، فلهم في هذه الحال أن يتركوا المبيت في منى، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه- أن يترك المبيت في منى من أجل أن يسقي الناس من ماء زمزم في المسجد الحرام (1) .
س1123: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أكرمني الله بالحج إلى بيته الحرام وأتممت مناسك الحج، ولكن حينما بت في مزدلفة أصبحت محتلماً، فلم أستطع الاغتسال لكثرة الزحام
فتوضأت وصليت الفجر، ثم ذهبت إلى منى واغتسلت وصليت الفجر حوالي الساعة العاشرة، فما الحكم هل علي شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من لا يستطيع أن يغتسل
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب هل يبيت أصحاب السقاية ... (1743) ، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت 000 (346) (1315) .(23/86)
أن يتيمم، لأن الله تعالى رخص للإنسان إذا لم يجد الماء أن يتيمم، وإذا تيمم وصلى فصلاته صحيحة، ولا يحتاج أن يعيدها، فإذا قدر على الماء بعد ذلك وجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة،
أو يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر، لكنما فعله الأخ فصحيح لأن الرجل عليه الإعادة، وقد أعاد.
س1124: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل المشعر الحرام هو المسجد الموجود في مزدلفة أم هو جبل؟ فقد قرأت في كتاب عندي أن المشعر الحرام جبل في مزدلفة، وهل إذا كان المشعر
جبل ينبغي للحاج أن يصعده ويدعو فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشعر الحرام يراد به أحياناً المكان المعين الذي بني عليه المسجد، وهو الذي أتاه النبي عليه الصلاة والسلام حين صلى الفجر في مزدلفة ركب حتى أتى المشعر الحرام، ووقف عنده، ودعا الله، وكبره، وهلله حتى أسفر جداً.
وأحياناً المشعر الحرام يراد به جميع مزدلفة، وهذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وقفت هاهنا، وجمعٌ كللها موقف" (1) وقال الله عز وجل: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) .
وعلى هذا فيكون المشعر الحرام تارة يراد به المكان العين الذي وقف عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الجبل المعروف في مزدلفة وعليه بني المسجد، وأحياناً يراد به جميع مزدلفة، لأنها مشعر حرام، وإنما قيدت بالمشعر الحرام لأن هناك مشعراً حلالاً، وهو عرفة، فإنه
__________
(1) تقدم ص 21.(23/87)
مشعر بل هو أعظم المشاعر المكانية فهو مشعر لكنه حلال؛ لأنه خارج أميال الحرم، بخلاف المشعر الحرام بمزدلفة، الذي يقف الناس فيه فإنه حرام، ولم تسم منى مشعراً حراماً؛ لأنه ليس فيها
وقوف، والوقوف الذي بين الجمرات في أيام التشريق ليس وقوفاً مستقلاً، بل هو في ضمن عبادة رمي الجمرات.
س1125: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جمع كلها موقف" (1) ما المراد بجمع؟
فأجاب فضيلته بقوله: المراد بها مزدلفة، وسميت جمعاً لاجتماع الناس بها؛ لأن الناس يجتمعون بها في الجاهلية والإسلام، وقد كانوا في الجاهلية لا تقف قريش في عرفة، وإنما يقفون يوم الوقوف بعرفة يقفون بالمزدلفة، لأنهم يقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه وإنما نقف في مزدلفة، ولهذا- والله أعلم- سميت جمعاً لاجتماع الناس بها في الجاهلية والإسلام.
س1126: سئل فصْيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أثناء حجي هذا العام وبعد عرفة ذهبت إلى المزدلفة، ولكن نسيت أن أذهب إلى المشعر الحرام هل علي إثم في هذا؟ وإذا كان كذلك فما هي الكفارة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليك إثم إذا بت في مزدلفة في أي مكان منها، ولا ضرر عليك إذا لم تذهب إلى المشعر الحرام، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ييه وقف في المشعر الحرام وقال: "وقفت هاهنا وجمع كللها
__________
(1) تقدم ص 21.(23/88)
موقف" (1) جمع يعني مزدلفة، كلها موقف، فأي مكان وقفت فيه وبت فيه، فإنه يجزئك، والذي يظهر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "وقفت هاهنا، وجمع كللها موقف" أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلف ويتحمل مشقة من أجل الوصول إلى المشعر، بل يقف في مكانه الذي هو فيه،
وإذا صلى الفجر فيدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جداً ثم يدفع إلى منى.
س1127: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحجاج يأخذون أحجاراً من مزدلفة ويظنون أن لا يصح ومي الجمرات إلا بأحجار من مزدلفة فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس أخذ الأحجار من مزدلفة بسنة، فخذ الأحجار من أي مكان، ثم إن بعضهم- أيضاً- يأخذ أحجارًا ثم يزيد معه حجرات وينسى ويأتي بها إلى بلده ثم يأت ويسأل: هل
يجوز أن ألقيها في الأرض، أو أذهب وأسافر بالطائرة، وألقيها في منى؟ لو نسيت أحجاراً في جيبك من الجمرات فارمها في أي مكان.
س1128: سئل فضيلة الشيخ -وحمه الله تعالى-: من بات في مزدلفة ثم ذكر الله عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر ثم طلعت عليه الشمس وهو هناك، يدْي إذا تأخر هل فيه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن يدفع قبل أن تطلع الشمس، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفع من مزدلفة إذا أسفر جداً، وكان
__________
(1) تقدم ص 21.(23/89)
لا يتأخر، والتأخر حتى طلوع الشمس إذا قصد الإنسان به التعبد فإنه يكون في ذلك قد شابه موقف المشركين الذين لا يدفعون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، أما إذا فعله لعذر ولم يقصد بذلك
التعبد فإنه لا حرج عليه في ذلك.
س1129: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء الواقعة في مزدلفة والانصراف إليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: تقع أخطاء في الانصراف إلى المزدلفة، منها:
أولاً: ما يكون في ابتداء الانصراف وهو ما أشرنا إليه سابقاً من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس.
ثانيا: ومنها أنه في دفعهم من عرفة إلى مزدلفة تكون المضايقات بعضهم من بعض؟ والإسراع الشديد، حتى يؤدي ذلك أحياناً إلى تصادم السيارات، وقد دفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عرفة في سكينة، وكان عليه الصلاة والسلام قد دفع وقد اشنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده الكريمة: "أيها الناس: عليكم بالسكينة، فإن البر ليس
بالإيضاع" (1) ولكنه - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى جبلاً
من الجبال أرخى لناقته الزمام حتى تصعد (2) ، فكان عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة (رقم 1671) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/90)
والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل، أو التأني فيكون التأني أفضل.
ثالثاً: ومن الأخطاء في مزدلفة والدفع إليها: أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولاسيما المشاة منهم يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى
يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت بمزدلفة، وهذا أمر خطير جداً، لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة في قول بعضهم، ولكن الصواب: أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت بمزدلفة، وأن لا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف، كما سيأتي إن شاء الله. المهم أن بعض الناس ينزل قبل أن يصل إلى مزدلفة.
رابعاً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة، قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد- رضي الله عنه-: الصلاة يا رسول الله، قال: "الصلاة أمامك " (1) وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.
خامساً: أن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/91)
يصل إلى مزدلفة، ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا لمجوز، وهو حرام من كبائر الذنوب؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، فيصلي على حسب حاله، إن كان ماشياً وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكباً ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته لقول الله تعالى:
(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمراً بعيداً؛ لأنه بإمكان كل إنسان ألن ينزل ويقف على جانب الخط عن اليمين، أو اليسار ويصلي.
وعلى كل حال لا لمجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت صلاة العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة فلا يصلي إلا في مزدلفة، فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول
- صلى الله عليه وسلم - أخر لكنه صلى الصلاة في وقتها.
سادساً: ومن الأخطاء أيضاً في الوقوف بمزدلفة: أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل الوقت، فتسمع بعضهم يؤذنون قبل الوقت بساعة، أو بأكثر، أو بأقل، المهم أنهم يؤذنون قبل الفجر
ويصلون وينصرفون، وهذا خطأ عظيم، فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة، بل محرمة؟ لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل - صلى الله عليه وسلم - فإن(23/92)
الصلاة مؤقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره، فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها، فيجب على الحاج أن ينتبه إلى هذه المسألة، وأن لا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن، أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر.
والذي ينبغي المبادرة بصلاة الفجر ليلة مزدلفة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر بها، ولكن لا يعني ذلك أن تصلى قبل الوقت فليحذر الحاج من هذا العمل.
سابعاً: ومن الخطأ في الوقوف بمزدلفة، أن بعض الحجاج يدفعون منها قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مروراً ويستمر ولا يقف، ويقول: إن المرور كاف، وهذا خطأ عظيم، فإن
المرور غير كاف، بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالما حتى يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى، ورخص النبي عليه الصلاة والسلام للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بالليل (1) وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- ترقب غروب المّمر، فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى (2) ، وهذا ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل؛ لأنه فعل صحابي، والنبي عليه الصلاة والسلام أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بالليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبيناً له ومفسر اً له، وعليه فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة
__________
(1) تقدم ص 51.
(2) تقدم ص 52.(23/93)
الناس، ينبغي أن يُقيد بغروب القمر، وغروب القمر في الليلة العاشرة يكون قطعاً بعد منتصف الليل، يكون بمضي ثلثي الليل تقريباً.
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي تقع في المبيت بمزدلفة.
س1130: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: معظم الأماكن في منى مسفلتة وخاصة بعد مشروع الخيام المطورة ويصعب لقط الحصا منها، أفلا ترون أن لقطها من مزدلفة أسهل للناس
خصوصاً مع السيارات؟
فأجاب فضيلته بقوله: عند الجمرات وتحت الجسر حصا كثير فيمكن أن تلقط سبع حصيات قبل أن تصل إلى العقبة يوم العيد، وتلقط قبل أن تصل للجمرة الأولى في اليوم الثاني سبع حصيات، ثم
إذا تعديتها، لقطت سبعاً للجمرة الوسطى، ثم إذا تعديتها لقطت سبعاً للجمرة الأخيرة، فالتقاط الحصا سهل جداً.
س1131: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا خرج الحاج مكة إلى عرفة رأساً ودفع من مزدلفة قبل الفجر ورمى وقدم الحلق على النحر فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز أن يذهب إلى عرفة رأساً، أما دفعه من مزدلفة قبل الفجر ففيه تفصيل: فإن كان يشق عليه أن يزاحم الناس فإنه يتقدم إلى منى آخر الليل ويرمي الجمرات متى(23/94)
وصل ولو قبل الفجر ولا حرج، وأما إذا لم يكن من الضعفة فإنه يبقى حتى يصلي الفجر ويسفر جداً ثم يدفع. وتقديم الحلق على النحر جائز، وينبغي أن نعلم أن الإنسان في يوم العيد إذا وصل إلى
منى يفعل خمسة أنساك: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، ثم السعي، هذه الأنساك ترتب كما قلنا، ولكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم أو آخر إلا قاِل: "افعل ولا حرج" (1) .
س1132: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من وقف في مزدلفة داخل السيارة ثم أمرهم سائق السيارة بأن يصلوا المغرب والعشاء ثم يجمعوا الحصا ثم بعد ذلك تحركوا من مزدلفة
قبل منتصف الليل فهل يلزمهم شيء؟ وهل ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم، وكذا وهو صائم؟ وهل الحجامة سنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الواجب على المطوفين وعلى أصحاب السيارات أن يتقوا الله تعالى في الحجاج، لأن الحجاج أمانة في أعناقهم ولا يحل لهم أن يقوموا بشي يخالف الشرع، ومعلوم أنه
لا يجوز للإنسان أن يدفع من مزدلفة إلا في آخر الليل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف في مزدلفة حتى صلى الفجر وأسفر جداً، ثم دفع إلى منى، ولكنه رخص للنساء والضعفة من أهله أن يدفعوا قبل الفجر، وليس قبل منتصف الليل، وهنا نقول: إذا كان الراكب لا يستطيع أن ينزل ويبقى في مزدلفة إلى الوقت الذي يجوز فيه الدفع فإن الإثم
__________
(1) تقدم ص 85.(23/95)
على صاحب السيارة وليمس على هذا إثم، لأنه مرغم على أن يدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل.
أما أنه احتجم وهو محرم فهذا ثابت احتجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم، وأما هو صائم فقد اختلف الحفاظ في هذه اللفظة هل هي محفوظة أو هي شاذة؟ فمنهم صن قال: إنها
شاذة. ومنهم من قال: إنها محفوظة، وعلى تقدير أن تكون محفوظة فإن قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" (1) سنة قولية، وأما احتجامه وهو صائم فهي سنة فعلية، وإذا تعارضت السنة القولية والفعلية قدمت السنة القولية لأنه لا يعتريها احتمال آخر، وأما السنة الفعلية فيعتريها احتمالات فمثلاً ربما احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم للضرورة، وقضى هذا اليوم الذي احتجم فيه لا ندري، وربما يكون ليس بصائم حيث يحتجم في غير رمضان فظنه الراوي أنه صائم وهو لم يصم، وعلى كل حال نقول: أولاً هذه اللفظة غير محفوظة عند كثير من المحدثين، وإذا قلنا أنها محفوظة فقد تعارض فيها سنهْ قولية وسنة فعلية والذي يقدم إذا تتعارض السنة القولية والفعلية السنة القوليهْ لأن الفعلية لها احتمالات، ومع الاحتمالات يبطل الاستدلال.
وقوله: هل الحجامة سنة؟ الحجامة ليست سنة، الحجامة دواء إن احتاج الإنسان إليه احتجم، وأن لم يحتاج إليه فلا يحتجم.
__________
(1) أخرجه البخاري معلقاً، كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم ص 368، ط بيت الأفكار الدولية. وأخرجه مسنداً الإمام أحمد (5/276) والحاكم (1/427) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال الذهبي: أصح ما روي في الباب عن ثوبان، وهو متواتر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1136) .(23/96)
س1133: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من لم يبت في مزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: من لم يبت في مزدلفة فقد عصى الله ورسوله لقول الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) والمشعر الحرام مزدلفة، فإذا لم يبت بها فقد عصى الله وعصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها، وقال: "خذوا عني مناسككم" (1) ولم يرخص لأحد بترك المبيت، إلا للضعفة رخص لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، وعليه عند العلماء أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً (رقم 1297) .(23/97)
رمي جمرة العقبة(23/99)
س1134: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة دفعت من مزدلفة آخر الليل ووكلت ابنها في رمي الجمرة عنها مع أنها قادرة على الرمي فما الحكم في توكيلها؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات من مناسك الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به وفعله بنفسه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله" (1) . فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، لأن الإنسان يقوم برمي هذه
الحصيات في هذا المكان تعبداً لله عز وجل، وإقامة لذكره، فهي مبنية على مجرد التعبد لله سبحانه وتعالى، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون حين رميه للجمرات خاشعاَ خاضعاً لله، مهما كان ذلك
الموقف، وإذا دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت، أو يؤخره في آخر الوقت، لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب، كان تأخيره أفضل؛ لأن هذه المزية مزية
تتعلق بنفس العبادة، وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بحفرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" (2) فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها من أجل قضاء الحاجة، أو دفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام، إذن إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت لكن بمشقة وزحام شديد، وانشغال بإبقاء الحياة، وبين
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل (رقم 1888) والترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في كيف يرمي الجمار (رقم 952) وقال: هذا حديث صحيح وصححه الحاكم (1/459) ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام (رقم 560) .(23/101)
أن يؤخرها في آخر الوقت، ولو في الليل، لكن بطمأنينة وحضور قلب كان تأخيره أفضل، ولهذا رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر.
إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من
العبادات، وأنه لا يجوز للقادر رجلاً أو امرأة أن يخيب عنه فيها، فإنه يجب أن يرمي بنفسه، إلا رجلاً، أو امرأة مريضة، أو حاملاً تخشى على حملها فلها أن توكل. وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكرت أنها لم ترم مع قدرتها، فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة، توزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب.
س1135: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لغير الحاج أن يرمي عن الحاج العاجز عن الرمي؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً وقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنبه على مسألة التوكيل في الرمي فإن الناس استهانوا بها استهانة عظيمة، حتى صارت عندهم بمنزلة الشيء الذي لا يؤبه له، ورمي الجمرات أحد واجبات الحج التي يجب على من تلبس بالحج أن يقوم بها بنفسه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) وهذا الأمر يقتضي للإنسان أن يتم جميع أفعال الحج بدون أن يوكل فيها أحداً، ولكن مع الأسف الشديد أن بعض الناس صار يتهاون في هذا الأمر،(23/102)
حتى إنك تجد الرجل الجلد الشاب يوكل من يرمي عنه، أو المرأة التي تستطيع أن ترمي بنفسها توكل من يرمي عنها، وهذا خطأ عظيم، وإذا وكل الإنسان أحداً يرمي له وهو قادر على الرمي فإنه لا يجزئه.
يقول بعض الناس: إن النساء يحتجن إلى التوكيل من أجل الزحام، والاختلاط بالرجال.
فنقول: هذا لا يبيح لهن التوكيل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن لسودة بنت زمعة- رضي الله عنها- إحدى نسائه وكانت ثقيلة لم يأذن لها أن توكل، بل أذن لها أن تدفع من مزدلفة في آخر الليل قبل زحمة الناس، ولو كان التوكيل جائزًا لأمرها أن تبقى في مزدلفة حتى تصلي الفجر ثم تتبعه وتوكل على الرمي لو كان التوكيل جائزاً، ثم نقول: مسألة الزحام واردة حتى في الطواف وفي السعي، بل هي في الطواف والسعي أخطر وأعظم، لأن الناس في الرمي ليس اتجاههم واحداً، فهذا يأتي، وهذا يذهب، ثم إنهم يكونون على وجه عجل ليس فيه وقوف ولا تأمل، بخلاف الطواف
فإنه اتجاههم واحدًا، ويكون مشيهم رويداً رويداً فالفتنة فيه أخطر، ومع ذلك ما قال أحد: إن المرأة مع الزحام في الطواف توكل من يطوف عنها، وعلى هذا فيجب على الحاج أن يرمي بنفسه، فإن كان عاجزاً كامرأة حامل، أو مريض، أو شيخ كبير، لا يستطيع فإنه يوكل في هذه الحال، ولولا أنه روي عن الصحابة- رضي الله عنهم- أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إنه إذا كان عاجزاً لا
يوكل، بل يسقط عنه، لأن الواجبات تسقط بالعجز، لكن لما جاء التوكيل في أصل الحج لمن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، وروي(23/103)
عن الصحابة- رضي الله عنهم- إن كانوا يرمون عن الصبيان (1) ، قلنا: بجواز التوكيل في الرمي لمن كان عاجزاً عنه، وأما من يشق عليه الرمي من الزحام، فإن ذلك ليس عذراً له في التوكيل، بل
نقول له: ارم بنفسك في النهار إن كنت تستطيع المزاحمة، وإن كانت المزاحمة تشق عليك فارم في الليل، فإن الأمر في ذلك واسع، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وقت في أيام التشريق أول الرمي ولم يوقت آخره فدل على أنه آخره يمتد إلى الفجر فيرمي الإنسان حسب ما تيسر له ولو في الليل، والذين أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل كانوا يرمون إذا وصلوا كما روي عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- أنها كانت ترمي ثم تصلي الفجر، وهذا دليل على أن الأمر في ذلك واسع، فما حدده الشرع التزمناه، وما أطلقه فإن هذا من سعة الله سبحانه وتعالى وكرمه، نعم لو فرض أن الإنسان بعيد منزله ويشق عليه أن يتردد كل يوم إلى الجمرات فله أن يجمع ذلك إلى آخر يوم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن لرعاة الإبل أن يرموا يوماً، ويدعو يوماً (2) ، ثم يرموا في اليوم الثالث لليومين، فإذا قدر أن من الناس من منزله بعيد ويشق عليه أن يأتي كل يوم، فله أن لمجمع، وأما مع عدم المشقة فلا يجوز له أن يؤخر رمي كل يوم إلى اليوم الذي يليه.
وأما الإجابة عن السؤال وهو: هل يجوز أن يتوكل من ليس بمحرم في رمي الجمرات؟ فإن الفقهاء- رحمهم الله- قالوا: لا يصح
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/314) ، وابن ماجة (8538) .
(2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار (رقم 1976) والترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوماً (رقم 954) .(23/104)
أن يوكل إلا من حج ذلك العام، والله الموفق.
س1136: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الوكيل هل يرمي عن نفسه الجمرات الثلاث، ثم يبدأ عائداً من الأول يرمي عن موكله ثلاثاً أم يرمي عن نفسه الجمرة الأولى مثلاً ثم يرمي عن موكله؟ وما الدليل على أن الحاج لا يضحي؟ وما الدليل على أن الذي لم يهل بنسك ومرافق لامرأته لا يجوز له التوكل عن امرأته في رمي الجمرات؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوكيل في رمي الجمرات يرمي عن نفسه ثم عن موكله في موقف واحد، فيرمي الجمرة الأولى سبع حصيات لنفسه، ثم يرميها سبع حصيات لموكله، ثم يذهب إلى الوسطى، ثم إلى جمرة العقبة؛ لأن هذا ظاهر فعل الصحابة- رضي الله عنهم- حيث كانوا يرمون عن الصبيان، ولم ينقل عنهم أنهم يكملون الثلاث عن أنفسهم، ثم يعودون، ولو كان هذا هو الواقع لبينوه ونقلوه.
أما بالنسبة لكون الحاج لا يضحي؛ فلأنه اجتمع عندنا شيئان: هدي خاص بالحرم، وأضحية عامة، والخاص مقدم على العام، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى في وأما كون من لم يحج لا يصح أن يكون نائباً عن حاج فظاهر؛ لأن القاعدة: (أنه لا يتلبس بالعبادة إلا من كان أهلاً لها) وهذا النائب الذي لم يحج ليس أهلاً للرمي؛ لأنه لا يشرع له الرمي، فهو الآن ليس بحاج فلا يصح أن يرمي وهو لم يحج؛ لأن الرمي إنما(23/105)
يكون من الحاج، وهذا لم يحج. فلذلك قال العلماء: إنه لا يصح أن يستنيب في الرمي من لم يكن حاجاً، والتعليل واضح؛ لأن هذا الوكيل ليس أهلاً لهذا العمل لكونه لم يحج.
س1137: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج فيقوم بعض كبار السن والنساء الكبيرات في السن بتوكيلنا نحن الشباب فنقوم بالرمي عنهم هل يجوز لنا هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات نسك من مناسك الحج، يجب على الحاج أن يفعله بنفسه، لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) فكما أن الإنسان لا يوكل أحداً يبيت عنه في مزدلفة، أو
يطوف عنه، أو يسعى عنه، أو يقف عنه في عرفة، فكذلك لا يجوز أن يوكل من يرمي عنه، ولكن إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي لضعف في بدنه، أو كان كبيراً لا يستطيع، أو أعمى يشق عليه
الذهاب إلى رمي الجمرة بمشقة شديدة، أو امرأة حاملاً تخشى على نفسها وما في بطنها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل للضرورة، لأنه روي عن الصحابة- رضي الله عنهم- ما يدل على ذلك من كونهم يرمون عن الصبيان، ولولا هذا لقلنا: إن من عجز عن الرمي سقط عنه كغيره من الواجبات، ولكن نظراً إلى أنه ورد عن الصحابة أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لعجز الصبيان عن الرمي عن أنفسهم، فنقول: وكذلك من كان شبيهاً بهم لكونه عاجزاً عن الرمي بنفسه فإنه يجوز أن يوكل، ولكن بعض الناس لا يستطيع الرمي حال الزحام ولكنه لو كان المرمى خفيفاً استطاع أن يرمي بنفسه فهذا لا(23/106)
يجوز أن يوكل في هذا الحال، بل ينتظر حتى يخف الزحام فيرمي إما في آخر النهار وإما في الليل؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الرمي في الليل في الظاهر لا بأس به، فيمكن للإنسان أن يرمي في اليوم الحادي عشر بعد غروب الشمس، أو بعد صلاة العشاء، وفي هذا الوقت سيجد المرمى خفيفاً يتمكن أن يرمي بنفسه. والحمد لله.
س1138: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها الجمار وخصوصاً في الزحام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للمرأة ولا لغيرها أن توكل من يرمي عنها؛ لأن الرمي من أفعال الحج، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . وقال تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وأما الزحام فليس بعذر؛ لأنه يمكن التخلص منه بتأخير الرمي إلى وقت آخر، أو بتقديمه إذا كان يجوز تقديمه، ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل، ليصلوا إلى منى قبل زحمة الناس، فيرموا جمرة العقبة، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، وكذلك أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، وهذا دليل على تأكد الرمي على الحاج بنفسه، وكما ذكرت أن الزحام يمكن تلافيه، أو التخلص منه بتقديمه إن كان يصح تقديمه، أو بتأخيره، فالذي يصح تقديمه مثلنا به وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد، وأما الذي يمكن تأخيره فرمي الجمرات في أيام التشريق، إذ يمكن أن يؤخر الرمي إلى الليل، والرمي في الليل فيه سعة،(23/107)
وفيه لطافة الجو وبرودته، والرمي جائز في الليل لعدم وجود دليل صريح يمنع من الرمي ليلاً.
س1139: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل توكل في الرمي عن زوجته وعن أخته في حج الفرض خشية الزحام الشديد فما حكم ذلك؟ وهل هناك فرق بين حج الفرض والنفل في مسألة التوكيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم أنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً يرمي عنه، ولو جاز ذلك لأذن النبي ع - صلى الله عليه وسلم - للضعفاء من أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، وأن يتأخروا في المزدلفة حتى يدفعوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو جاز التوكيل لأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاة أن يوكلوا من يرمي عنهم، فالرمي جزء من أجزاء الحج وقد قال الله تعالى:
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . وتهاون الناس في الرمي اليوم لا مبرر له فبعض الناس يتهاون في الرمي، تجده يوكل من يرمي عنه بدون ضرورة، لكن يريد أن لا يتعب، يريد أن يستريح، يريد أن يجعل
الحج نزهة، وهذا من الخطأ العظيم، والذي يوكل غيره يرمي عنه وهو قادر لا يجزئ الرمي عنه، وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء.
أما مسألة الزحام: فالزحام مشكلة لها حل وهو أنه بدل أن يرمي في وقت الزحام يمكنه أن يؤخر إلى آخر النهار، أو إلى أول الليل أو إلى نصف الليل، أو إلى آخر الليل، مادام لم يطلع الفجر من اليوم الثاني، لكن أكثر الناس كما قلت يتهاونون كثيراً في(23/108)
مسألة الرمي.
ولا فرق بين الفرض والنفل؛ لأن النفل يجب إتمامه، كما قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . وهذا قبل نزول فرض الحج.
س1140: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة حجت ولم ترم فطلب منها أخو زوجها أن يرمي عنها فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رمى الجمرات أحد عن أحد، والمرمي عنه مستطيع فإنه لا يجزئه؛ لأن الواجب أن يرمي الإنسان عن نفسه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) .
أما إذا كان لا يستطيع فلا بأس أن يرمي عنه أحد من الناس الذين حجوا معه في هذا العام، فلتنظر هذه المرأة السائلة وتفكر هل تستطيع أن ترمي ولو بعد العصر، أو في الليل، فعليها دم يذبح في
مكة، ويوزع على الفقراء، وإن كانت لا تستطيع لا ليلاً ولا نهاراً فالرمي عنها صحيح.
س1141: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأت أدت فريضة الحج ولم ترم جرة العقبة بسبب الزحام الشديد ووكلت زوجها ليرمي عنها، وأثناء رمي باقي الجمرات كانت مريضة فرمت بعض الأيام ولم تتمكن من الرمي في بعض الأيام الأخرى فرمى عنها زوجها فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأيام التي رمى عنها زوجها وهي(23/109)
مريضة فرميه مجزئ- إن شاء الله تعالى- وأما الأيام التي رمى عنها زوجها وليست مريضة ولكن تخاف الزحام، فإن الزحام لا يستمر، فالزحام يكون في أول وقت الرمي ثم لا يزال يخف شيئاً فشيئاً، إلى أن ينعدم بالكلية، فلا يحصل زحام، وإن كان يحصل مثلاً عشرات، أو مئات من الذين يرمون الجمرات، لكن هذا لا يحصل به الزحمة التي تمنع من القيام بواجب الرمي، وعلى هذا فيكون توكيل الزوج في هذه الحال لا يجوز، بل ينتظر حتى يخف الزحام ثم ترمي المرأة بنفسها، وأرى من الاحتياط لهذه المرأة أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك، فإن لم تكن واجدة فلا شيء عليها.
س1142: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة في حجتها الأولى لم ترجم الجمرات الثلاث بل وكلت وذلك لشدة الزحام فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرجو ألا يكون عليها شيء في ذلك مادامت في ذلك الوقت لا تستطيع أن ترمي، وظنت أن التوكيل يجزئ عنها فوكلت، ولكن عندي ملاحظة على قولها (ترجم) لأن الأولى أن لا يكون التعبير بترجم، وإنما يكون التعبير بالرمي فيقال: رمي الجمار. ولا يقال: رجم الجمار.
س1143: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها في الجمرات خشية الزحام الشديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المرأة أو الرجل لا يستطيع(23/110)
أن يرمي مع الزحام، ولا يتمكن أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة فله أن يوكل، وأما إذا كان يمكنه أن يؤخر إلى وقت السعة مثل أن يؤخر رمي النهار إلى الليل، أو يقدم رمي يوم العيد في آخر ليلة
العيد فإنه لا يجوز أن يوكل، لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . والرمي من أعمال الحج، فلابد أن يقوم به الإنسان نفسه ولا يوكل أحداً، فعلى هذا فالمرأة والرجل سواء في هذا، من قدر أن يرمي ولو في وقت آخر فإنه لا يجوز أن يوكل، ومن لا يستطيع فله أن يوكل.
س1144: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حامل وعند رمي الجمرات لم تستطع الرمي لأنها كانت حاملاً وكان معها والدها ورمى عنها فهل عليها شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات كغيره من أفعال النسك يجب على القادر أن يفعله بنفسه، لقول الله تبارك وتعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . ولا يحل لأحد أن يتهاون بذلك، كما يفعله بعض الناس تجده يوكل من يرمي عنه، لا عجزًا عن الرمي ولكن اتقاءً للزحام والإيذاء به، وهذا خطأ عظيم، لكن إذا كان الإنسان عاجزاً كالمريض وامرأة حامل وما أشبه ذلك فله أن ينيب من يرمي عنه، وهذه المرأة تذكر أنها كانت حاملاً، وعلى هذا فالرمي عنها لا بأس به، وتبرأ ذمتها بذلك، ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى.(23/111)
س1145: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أعطاني جمرات في اليوم الثاني عشر لكي أرمي بدلاً عنه بحجة أنه مسافر والمسافة بعيدة، ولعلمكم بأنه ليس مريضًا فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل لا يجزئه؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله "، ومن وكل غيره بذلك فإنه لم يقم بذكر الله في هذه الجمرات: وعلى هذا فإن رمي هذا الوكيل لا يجزي عن موكله، والواجب على موكله الآن أن يستغفر الله، ويتوب إليه مما صنع، وأن يذبح فدية في مكة، وتوزع على الفقراء في مكة؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وقد قال أهل العلم: (إن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج، وجبت عليه فدية تذبح في مكة، وتوزع جميعها على الفقراء هناك) .
وليعلم أن الحج عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وأن الإنسان نفسه مكلف بها وبإتمامها كما قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . فالواجب على من شرع في حج أو عمرة أن يتمها بنفسه، ولا يجوز أن يوكل غيره فيها، لا في الطواف، ولا في السعي، ولا في المبيت، ولا في الرمي، ولا في الوقوف بعرفة، لابد أن تباشر أفت بنفسك هذه الأعمال، ولولا أن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إن من عجز عن رمي الجمرات فإنه لا يوكل أحداً؛ لأنها عبادة متعلقة ببدن الفاعل، فإن قدر فذاك، وإن لم يقدر سقطت عنه، فإن كان لها بدل سقطت بالكلية.(23/112)
وأما تهاون بعض الناس اليوم في التوكيل برمي الجمرات، فإنه يدل على أحد أمرين: إما على نقص في العلم، أو على ضعف في الدين، وأما من كان عنده علم في شريعة الله، فإنه يتبين له أن رمي
الجمرات كغيرها من واجبات الحج، لابد أن يقوم الإنسان فيه به بنفسه، ولا يجوز أن يوكل غيره، فإن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . والإتمام يشمل إتمام جميع أعماله.
فإن قال قائل: إذا كان معي نساء، فإن النساء ضعيفات لا يستطعن مقاومة هذا الزحام الشديد، الذي قد يحصل به الموت أحياناً، وذلك لغشم الناس، وعدم معرفتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في هذه المناسك من الرفق والرحمة بإخوانهم، فإذا ذهبنا بالنساء للرمي صار عليهن مشقة، وربما يحصل عليهن ضرر.
فالجواب عن هذا: أن الزحام ليس دائماً، بل هذا الزحام يكون عند ابتداء وقت الرمي في الغالب، ثم يخف الناس شيئاً فشيئاً، فانتظر وقت خفة الناس، ولو رميت في الليل فإن الرمي في الليل جائز، ولاسيما عند هذا الزحام الشديد، ولا يجوز أن توكل النساء من يرمي عنهن من أجل الزحام، ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا
الجمرات قبل زحمة الناس، فأمرهم أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة مع أن المبيت في مزدلفة من شعائر الله، ومن المشاعر العظيمة قال الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) ومع هذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أدن يقتطعوا جزءاً من هذه العبادة من أجل أن يسلموا من(23/113)
الزحام، ولم يقل - صلى الله عليه وسلم -: اجلسوا لا تتعجلوا من البيت في مزدلفة، وإنما رخص لهم أن يتقدموا، وأن يرموا قبل الوقت الذي رمي فيه، والصحيح: أنه يجوز أن يرموا ولو قبل الفجر، فمتى أبيح لهم الدفع من مزدلفة أبيح لهم الرمي متى وصلوا إلى منى؛ لأن رمي الجمرات تحية منى، وكذلك الرعاة أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمى عنهم، في اليوم الذي هم فيه غائبون عن منى، فلهذا يجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وأدن يؤدي أفعال النسك بنفسه.
س1146: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت إلى الحج وعند الجمرات لم تستطع الرمي بسبب الزحام الشديد فوكلت في رمي الجمرات الثلاث فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: رأينا أنه إذا كانت لا تستطيع أن ترمي بنفسها إما لمرضها، أو لكونها حاملا، أو لكونها عرجاء لا تستطيع المشي إلى الجمرات، ولا أن تستأجر من يحملها إلى ذلك فإنه يحل لها أن توكل، أما إذا لم يكن عذر فإنه لا يحل لها أن توكل؛ لأن الجمرات من شعائر الحج، وجز من أجزائه، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . ومن إتمام الحج إتمام الرمي، ومسألة الزحام يمكن التخلص منها بتأخير الرمي من النهار إلى الليل.
س1147: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل لمن لم يستطع رمي الجمرات التوكيل أو التأجيل لليوم الرابع؟(23/114)
فأجاب فضيلته بقوله: التوكيل إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي بنفسه أولى لوجهين:
الأول: أنه أسرع إبراءً للذمة.
الثاني: إن في جواز تأخير الرمي إلى اليوم الرابع نظراً، وإن كان الأصحاب قد ذكروا جوازه، لكن لا يطمئن القلب لذلك.
س1148: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة وكلت شخصاً لرمي الجمرة لكنه نسي ماذا عليه وماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: تجب الفدية في هذه الحال؛ لأن الرمي من واجبات الحج، وقد قال العلماء: إن في ترك الواجبات دماً، لكن على من يكون؟ أعلى المرأة أم على الوكيل؟
قد يقال: إن الوكيل فرط؛ لأنه لو انتبه وتأهب تأهبًا تاماً ما نسي، وقد يقال: إن النسيان ليس بتفريط؛ لأنه من طبيعة الإنسان.
والذي أرى أن يتصالحا في هذه المسألة: إما أن يتحملا الفدية جميعاً، كل واحد نصفها، وإما أن يتراضيا بأن تكون الفدية على أحدهما.
س1149: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل مريض يوم العيد فهل له أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم التشريق أو يوكل أفضل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوي على ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يقل لهم: وكلوا.
والتوكيل في الرمي لا لمجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك(23/115)
الحج، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . فلا يمكن أن يؤكل إنسان فيه لمجرد أنه تعبان، أو لجرد الزحام، فنقول: أما التعب فإن كان تعبًا دائمًا كالمرأة الحامل، أو الرجل الكبير السن،
أو عجوز كبيرة السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز أن يوكل.
س1150: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يخاف بعض الرجال على نسائهم من شدة الزحام عند رمي الجمرات فيوقفهن على الجمرات فإن كانت الجمرات زحام رمى عنهن وإذا قل الزحام رمين فهل يصح لهن أن يرمين الجمرات إذا خف الزحام، أم أن رمي الرجال عنهن أثناء الزحام كان كافياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الزحام لابد منه مثل أن يكون في اليوم الثاني عشر، وهم يميلون إلى أن يتعجلوا، ولا يمكن أن يتأخروا حتى يخف، فلا حرج أن تؤكل المرأة، بل لابد أن تؤكل
في هذه الحال؛ لأن دخولها غمار الزحام، لاشك أنه خطر عليها.
أما في بقية الأيام فيمكن أن تؤخر الرمي إلى آخر الليل ويكون يسيراً.
س1151: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سبق أن أديت فريضة الحج مع أخي ومعه زوجته وبرفقتنا زوج ابنتي ومعه أيضاً والدته ولم أختر نسكاً معيناً عندما نويت الحج لجهلي، وإنما نويت حجاً فقط، كذلك أدينا طواف القدوم وصلينا خمسة فروض في منى(23/116)
يوم التروية، ثم وقفنا في عرفة، ثم مررنا بمزدلفة لأخذ الحصيات، وفي صبيحة يوم النحر ذهبت مع أخي لرمي جمرة العقبة فرميت الجمرة سبع الحصيات مرة واحدة، ولاحظت عدم وصول هذه
الجمرات إلى المرمى من شدة الزحام، ربما تكون أصابت أحد الحجاج، أو سقطت قريباً مني، وبعد ذلك لم أرم اليومين التاليين، ولم أعلم في ذلك الوقت بل وكلت أخي بالرمي عني. وسألت حالياً
أخي: هل أنا رميت أم لا؟ فأجاب: لا أدري لطول الزمان من خمس عشرة سنة، ولكن يقول: إنني وكلته وقد رمى عني، ولكنه ليس لديه يقين، علماً بأنا أكملنا مناسك الحج من طواف الإفاضة وسعي وطواف الوداع عدا نقصر الرمي. أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الواجب على ما قرره الفقهاء - رحمهم الله- أن عليها دماً، شاة، أو خروفاً، أو تيساً، أو عنزاً. في مكة تذبحها وتوزعها على الفقراء، لأنها تركت واجباً من واجبات
الحج، والضابط في ترك واجبات الحج عند الفقهاء أن من ترك واجباً فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
وبقي تنبيه على قولها: (أقمنا في مزدلفة لنأخذ حصى الجمار) يظن بعض الناس أنه لا بد أن تكون الجمار من المزدلفة، وهذا ليس بصحيح، فحصى الجمار يؤخذ من أي مكان. والنبي عليه الصلاة
والسلام أخذ الجمرات حين كان واقفاً ليرمي جمرة العقبة (1) كما جاء ذلك في منسك ابن حزم رحمه الله.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (1/215) ، والنسائي (5/268) وصححه ابن خزيمة (2867) ، والحاكم (1/466) ، على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.(23/117)
س1152: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج وكل رجلاً أن يرمي عنه إحدى الجمرات وأعطاه سبع حصيات، وذلك عند الجمرة التي لم يستطعِ الرمي عندها، ولكن الموكل رمى الحصيات السبع مرة واحدة جهلاَ من الوكيل، وكان ذلك في العام الماضي فماذا على الرجل الذي رمى عنه؟ وماذا على الموكل؟
فأجاب فضيلته بقوله: على الوكيل أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء "لأن التفريط حصل من الوكيل لاذا لم يسأل هل هذا جائز أو غير جائز؟ والموكل عليه أن يراقب هذا الوكيل هل
ذبح الفدية أو لا، وإذا سمح الموكل عن الوكيل وذبح هو بنفسه فلا حرج.
س1153: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في هذه الأزمان يحصل زحام شديد حول الجمرات فهل يصح أن يتوكل الرجل عن أمه، أو عن زوجته في رمى الجمرات، لأن الرمي يسبب مشقة للمرأة فما حكم التوكيل؟ وهل يرمي عن نفسه ثم عمن وكله في موقف واحد، أو لابد أن يرمي عن نفسه ثم يعود ليرمي عن موكله؟
فأجاب فضيلته بقوله: لاشك أنه يسبب مشقة عظيمة على النساء، لكن إذا كانت المشقة الزحام فدواؤه أن يرمي في الليل، والليل سعة- والحمد لله- أما إذا كانت المشقة على البدن؛ لأنها لا
تستطيع أن تمشي مثلاً إلا بمشقة شديدة، أو كانت امرأة حاملاً فهنا نقول: لا بأس أن توكل، وإذا وكلت جاز للوكيل أن يرمي الجمرة(23/118)
عنه وعنها في موقف واحد، فمثلاً يرمي الجمرة الأولى في اليوم الحادي عشر، بسبع حصيات عن نفسه، ثم يرميها عمن وكله، ثم الثانية عن نفسه، ثم عمن وكله، ثم الثالثة عن نفسه، ثم عمن
وكله. ويفعل مثل ذلك في اليوم الثاني عشر والثالث عشر.
س1154: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للتوكيل في رمي الجمرات عن المرأة هل يرمي الوكيل عن نفسه ثم يرمي عمن وكله ثم ينتقل إلى الوسطى ثم العقبة، أم يلزمه أن يرمي جميع
الجمرات الثلاث عن نفسه، ثم يعود فيرمي عمن وكله؟
فأجاب فضيلته بقولى: يجب أن نعلم أنه لا يجوز التوكيل في رمي الجمرات، والدليل قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) ورمي الجمار من الحج، فإذا كان من الحج فإننا مأمورون بأن نتم الحج، لكن إذا كان الحاج لا يستطيع أدن يرمي إما لكبر سنه، أو لمرضه، أو امرأة حامل، أو امرأة أو رجل أعمى يتعب، فهنا لا بأس أن يوكل
للضرورة.
ويجوز للوكيل أن يرمي عن نفسه وعن موكله في مقام واحد، فيرمي الجمرة الأولى أولاً عن نفسه ثم عن موكله، ثم الوسطى عن نفسه أولاً ثم عن موكله، ثم العقبة عن نفسه أولا ثم عن موكله في
مقام واحد، لأن الصحابة- رضي الله عنهم- رموا عن الصبيان، ولم ينقل أنهم كانوا يتمون الثلاث أولاً، ثم يعودون، ولأن إكمالها أولاً ثم العودة في وقتنا هذا فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة
شديدة، ولم يرد التكليف به من الشرع، فإن الأصل براءة الذمة،(23/119)
وعلى هذا فلا بأس أن يرمي الوكيل عن نفسه وعن موكله في مقام واحد.
س1155: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: تعلمون ما تعانيه النساء في وقت الحج من الزحام وعدم القدرة على فعل بعض المناسك كالرمي مثلاً، وأفتى أهل العلم أنها ترمي في الليل، هل
لوليها أن يذهب معها ويرمي في الليل، أو يذهب في النهار ويرمي ويصاحبها في الليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن الرمي في الليل جائز إلا ليلة العيد، فإنه لا يجوز إلا في آخر الليل، وكذلك أيضاً في اليوم الثاني عشر المتعجل لا يؤخره إلى الليل لأنه لو أخره إلى الليل لزم أن
يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كذلك رمي الثالث عشر لا يؤخر إلى الليل، لأن أيام التشريق تنتهي بغروب ليلة الثالث عشر، فيجوز حتى لغير المرأة أن يرمي ليلاً، ونرى أن الرمي ليلاً مع الطمأنينة،
والإتيان بالرمي على وجه الخشوع، أفضل من كونه يذهب يرمي في النهار، وهو لا يدري أيرجع إلى خيمته، أم يموت، ولا يؤدي العبادة، أو يؤديها وهو مشغول البال بالخوف على نفسه، وقد قررنا قاعدة دلت عليها الشريعة: (أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمنها أو مكانها، مادام الوقت متسعاً) ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" (1) فمن كان يدافع الأخبثين، نقول له: أخر الصلاة آخر الوقت حتى تقضي
__________
(1) تقدم ص 101.(23/120)
حاجتك. وإن كانت الصلاة في أول الوقت أفضل، لكن إذا صليت وأنت تدافع الأخبثين فإنك لا تحصل على الخشوع الذي يتعلق بذات العبادة.
لهذا نرى في الوقت الحاضر أن الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار، وإذا كان الرمي في النهار لا يحصل به الخشوع، وأداء العبادة على الوجه المطلوب، فيجوز للرجل أن يؤخر الرمي
من أجل أن يذهب بأهله لرمي الجمرات.
س1156: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت ولم ترم الجمار وهي قادرة إلا أنها معها طفل له شهران، ومعها زوجها وامرأة أخرى ولا تأمن أن تضع الطفل عند المرأة الأخرى فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إدْا تركت ذلك خوفاً على ابنها، أو عجزاً، ووكلت فلا بأس، وإن أحبت أن تذبح هدياً في مكة فدية توزعها على الفقراء فجزاها الله خيراً إن كان واجبًا عليها أدت الواجب، وإن كان غير واجب فهو تطوع (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)) .
س1157: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججنا وكان معنا نساء وخرجن من مزدلفة على نية أنهن سيرمين، وقبل أن نصل الجمرة خشين عليهن وأبقيناهن ورمين عنهن ولم يكن هناك زحام شديد في الحج؟(23/121)
فأجاب فضيلته بقوله: الرمي يوم العيد وفيما بعده من النسك وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) ولا ينبغي لأحد أن يؤكل من يرمي عنه، لا في يوم العيد، ولا في غير يوم العيد إلا من
لا يستطيع، فمثلاً المرأة الكبيرة السن لا تستطيع، ومثلها الرجل المريض لا يستطيع والرجل الصغير أو النحيف لا يستطيع هذا إذا لم يتأخر، أما إذا تأخر إلى الليل فالغالب أن الأمر واسمع، فلو أن
هؤلاء الرجال أخروا النساء إلى الليل ورمين في الليل لكان ذلك خيراً، أما ما مضى فإن كان قد حصل منهم تفريط فعلى كلام الفقهاء يجب أن تذبح كل واحدة منهن ممن وكلت فدية وتوزعها
على الفقراء، سواء هي بنفسها، أو وكلت.
وإني أقول: الزحام الشديد الذي يخشى على النساء منه لا يجوز أن تخوض المرأة غماره؛ لأن ذلك تعب عليها، ولأنها سترمي الجمرة وهي لا تشعر من شدة الزحام، فمثلاً إذا كان يريد أن يتعجل في يومين ويحب أن يرمي من حين الزوال وينصرف، هنا لا يمكن أن ترمي المرأة أبداً، لأنه خطر عليها، فنقول في هذه الحال: توكل ولا حرج، أما في غير ذلك، مثلاً: في اليوم الحادي عشر يمكن أن تؤخر الرمي عن الزوال إلى العصر، أو إلى الليل، ولها إلى الفجر فالأمر والحمد لله واسمع.
س1158: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة السليمة المعافاة والقادرة على الرمي التوكيل في رمي الجمرات؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للقادر على الرمي أن يوكل(23/122)
أحداً في الرمي عنه؟ لقول الله تبارك وتعالما: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) فيجب أن تتمها أنت بنفسك، لكن قد يطرأ على الإنسان مرض أو كسر أو زحام لا يمكن أن ينتظر خفة المرمى، فهذا له أن يوكل، وفي اليوم الثاني عشر إذا أراد أن يتعجل، وقال: أنا أريد أن أخرج من منى قبل الغروب فهنا نقول: توكل النساء من يرمي عنهن؛ لأن رميهن في هذه الحال قد يكون سبباً للهلاك، أو سبباً للتعب الشديد، أو سبباً لانكشاف العورة، والله عز وجل يقول: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ويقول عز وجل: (مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ويقول عز وجل: (لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) .
س1159: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج رمى وأيقن أن إحدى الحجارة لم تسقط بالحوض، فمن شدة الزحام ذهب ولم يرمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس إن شاء الله، لأنها حصاة واحدة، قد عفا عنها كثير من العلماء رحمهم الله.
س1160: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تاهت عن محرمها عند الجمرات ولم تستطع الرمي فوكلت رجلاً لا تعرفه أن يرمي عنها فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الرجل ثقة فلا بأس أن توكل من يرمي عنها؛ لأنها في هذه الحال لا تستطيع، ولكن لو أنها أخرت الرمي حتى تجد محرمها، ويذهب بها، وترمي بنفسها لكان أحسن.(23/123)
س1161: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيك في النساء اللاتي لا يستطعن رمي الجمرات ليس عجزاً ولكن خوفاً من أن يحدث لهن شيء ما رأيك في توكيلهن وعدم رميهن؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه لا يجوز التوكيل من رمي الجمرات إلا عند الضرورة، وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) والخوف من الزحام يرتفع برمي الإنسان في الليل، فإن الرمي في الليل جائز، وليس فيه بأس، بل قد يكون الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار إذا كان رميه في الليل أخشع لله، وأشد طمأنينة، واستحضاراً للعبادة فإن الليل حينئذ يكون أفضل، ولهذا رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله في ليلة مزدلفة أن يتقدموا ويرموا، فكان الذين يتقدمون يرمون في الليل متى وصلوا إلى منى، وأما ما ورد من نهيهم عن الرمي حتى تطلع الشمس، فإنه ضعيف لا تقوم به حجة، ويدل على أن مراعاة العبادة أولى من مراعاة وقتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم" (1) أمر بتأخير الصلاة عن أول وقتها، مع أنه أفضل، من
أجل أن يقوم الإنسان بصلاته، وهو مستحضر لها مطمئن فيها.
س1162: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لولي المرأة
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في السفر (رقم 539) ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر (رقم 615) .(23/124)
أن يرمي عنها الجمرات خاصة جمرة العقبة لكثرة الزحام؟
فأجاب فضيلته بقوله: جمرة العقبة فيها زحام في أول اليوم، لكن في آخر النهار يخف الزحام جداً، وفي الليل يخف أكثر، فإذا كانت تستطيع المشي فلتؤخر الرمي حتى يخف، لكن الشيء الذي فيه
المشقة هو اليوم الثاني عشر لمن أراد التعجل، هذا لا شك أن فيه مشقة، ويحصل فيه أموات، لذلك أرى أن من أراد أن يتعجل ومعه نساء فليتوكل عنهن، ويبقيهن في الخيمة، لئلا يلقين بأنفسهن
للتهلكة، والناس كثير منهم لا يرحم أحداً، يريد أن يقضي شغله، ولا يهمه أحدًا فتجده كبير الجسم ولا يبالي بأحد إلا من شاء الله، فعلى كل حال في اليوم الثاني عشر إن بقيت الدنيا هكذا زحاماً كما نشاهد وأراد الإنسان أن يتعجل فليتوكل عن النساء ويرمي عنهن.
س1163: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الرمي بقطع الأسمنت؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرى بعض العلماء أن الأحجار التي تؤخذ من الأسمنت لا يجزي الرمي بها، إلا إذا كانت هذه الكتلة مشتملة على حصاة، فإذا كانت مشتملة على حصاة فلا بأس.
س1164: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقال إنه لا يجوز الرمي بجمرة قد رمى بها فهل هذا صحيح، وما الدليل عليه؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ لأن الذين(23/125)
استدلوا بأنه لا يرمى بجمرة قد رمي بها، عللوا ذلك بعلل ثلاث: الأولى: قالوا: إن الجمرة التي رمي بها كالماء المستعمل في طهارة واجبة، والماء المستعمل في الطهارة الواجبة، يكون طاهراً غير مطهر.
الثانية: أنها كالعبد إذا أعتق، فإنه لا يعتق بعد ذلك في كفارة، أو غير ها.
الثالثة: أنه يلزم من القول بالجواز أن يرمي جميع الحجيج بحجر واحد، فترمي أنت هذا الحجر، ثم تأخذه وترمي، ثم تأخذه وترمي، حتى تكمل السبع، ثم يجيء الثاني فيأخذ فيرمي، حتى يكمل السبع. فهذه ثلاث علل، وكلها عند التأمل عليلة جداً:
أما التعليل الأول: فإنما نقول بمنع الحكم في الأصل، وهو أن الماء المستعمل في طهارة واجبة يكون طاهراً غير مطهر؛ لأنه لا دليل على ذلك، ولا يمكن نقل الماء عن وصفه الأصلي، وهو الطهورية إلا بدليل، وعلى هذا فالماء المستعمل في طهارة واجبة طهور مطهر، فإذا انتفى حكم الأصل المقيس عليه، انتفى حكم الفرع.
وأما التعليل الثاني: وهو قياس الحصاة المرمي بها على العبد المعتق، فهو قياس مع الفارق، فإن العبد إذا أعتق كان حراً لا عبداً، فلم يكن محلاً للعتق، بخلاف الحجر إذا رمي به، فلم ينتف المعنى الذي كان من أجله كان صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أعتق استرق مرة أخرى بسبب شرعي، جاز أن يعتق مرة ثانية.(23/126)
وأما التعليل الثالث: وهو أنه يلزم من ذلك أن يقتصر الحجاج على حصاة واحدة، فنقول: إن أمكن ذلك فليكن، ولكن هذا غير ممكن، ولن يعدل إليه أحد مع توفر الحصا.
وبناء على ذلك فإنه إذا سقطت من يدك حصاة، أو أكثر، حول الجمرات فخذ بدلها مما عندك، وارم به سواء غلب على ظنك أنه قد رمي بها أم لا.
س1165: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداءً؟ ومتى ينتهي قضاءً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فإنه ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر، ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة
الناس، وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها، يبدأ الرمي من الزوال، وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم، إلا إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه، وهو ليلة الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهمت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج، وغشمهم، وعدم مبالاة بعضهم ببعض، إذا خاف على نفسه من الهلاك، أو الضرر، أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعى الاحتياط في هذه المسألة، ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه.(23/127)
وأما قوله: قضاء، فإنها تكون قضاء إذا طلع الفجر من اليوم
س1166: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن وقت رمي الجمار؟
فأجاب فضيلته بقوله: وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد، يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- ترتقب غروب القمر ليلة العيد، فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى، ورمت الجمرة.
أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام، أو كان بعيداً عن الجمرات، وأوجب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم
الحادي عشر.
وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس، أي من انتصاف النهار عند دخول وقت
الظهر، ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرم إلْا بعد الزوال، وقال للناس "خذوا عنى(23/128)
مناسككم" (1) وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي إلى هذا الوقت مع أنه في
شدة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي من حين أن تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال، وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل؟ لأجل أن يصلي صلاة الظهر في أول وقتها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل.
والحاصل: أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال.
س1167: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من رمى جمرة العقبة من الجهة المغلقة ووقع الحصى في الحوض؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمود الموجود لا يستوعب كل المساحة فهو في نصف المساحة، وجوانبه من اليمين والشمال يرمى منها، فلو أتيت من خلف العمود ورميتما عن يمين العمود، أو عن يساره، أصبت الحوض، والواجب أن تقع الحصاة في الحوض من أي جهة كانت، حتى لو وقعت في الحوض وتدحرجت وخرجت من الحوض وأنت تشاهد فلا بأس.
س1168: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رميت جمرة العقبة ولكن رميت من الجانب الذي خارج الحوض والسبب أن الحوض مملوء بالحصى ولم أنتبه لذلك إلا أثناء الرمي، ما الواجب علي؟ وهل
__________
(1) تقدم ص 98.(23/129)
يلزمني شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان إذا رمى الجمرات فلا يخلو من أحوال:
الأولى: أن يتيقن أن الحصاة وقعت في الحوض، فإذا تيقن أنها وقعت في الحوض فهي مجزية، ولو تدحرجت وخرجت من الحوض.
الثانية: أن يتيقن أنها لم تكن في الحوض، فهذه لا تجزئه. .
الثالثة: أن يغلب على ظنه أنها وقعت في الحوض، فهذا يكفي.
الرابعة: أن يغلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض، فهذه لا تجزئ.
الخامسة: أن يتردد ويشك، هل وقعت أو لا؟ بدون ترجيح فهذه لا تجزئ.
فصارت لا تجزئ في ثلاثة أحوال: إذا تيقن أنها لم تقع في الحوض، أو غلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض، أو تردد، ففي هذه الحال يعتبر غير رام، وعليه على ما قاله العلماء- رحمهم الله- فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء إلا إذا كانت حصاة، أو حصاتين فأرجو ألا يكون عليه شيء.
س1169: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز رمي الجمرات في العقبة من الجهة المغلقة وقد رأينا حجراً باقياً في القمع من فوق لم يسقط في الحوض فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأصل أن ما يرمى في الحوض يسقط(23/130)
في نفس الحوض الذي في الأسفل هذا هو الأصل، وأنت لا تدري هذه الحصى في فم الحوض لا تدري أهي حصاتك أو حصاة غيرك، فارم من فوق ولا حرج عليك.
س1170: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج رمى جمرة العقبة بست، وفي اليوم الثاني عشر سأل فقال له من سأله: تعيد رمي جمرة العقبة، وتعيد الرمي في اليوم الحادي عشر، ثم ترمي الثاني عشر. ولكنه سأل آخر فقال: يكفيك رمي جمرة العقبة بست، فاختار الأسهل فهل تكفي الواجب؟ وماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الذي أفتاه أولاً وقال له: ارم جمرة العقبة ليوم العيد، ثم ارم ثلاث جمرات اليوم الحادي عشر، ثَم ارم الجمرات الثلاث للثاني عشر. فقد سار على ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد- رحمه الله- أنه لابد من الترتيب، ولكن القول الراجح ما أفتاه به الآخر، وأنه يُعفى عن نقص الحصاة، فقد ذكر أن الصحابة- رضي الله عنهم- كان بعضهم يرمي بست، وبعضهم يرمي بسبع، ولم ينكر أحد على الآخر (1) ، لاسيما لو تركها نسياناً فالصحيح بأن رمي الست مجزئ.
س1171: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أديت فريضة الحج والحمد لله وأثناء رمي الجمرات كان الزحام شديداً وقد حاولت
__________
(1) أخرجه النسائي، كتاب المناسك، باب عدد الحصى التي يرمى بها الجمار (5/275 رقم 3075) .(23/131)
جهدي أن تصيب الحصيات الجمرة وكانت بعض الحصيات تطيش رغم محاولاتي ورغم إعادتي بعضها فالذي أعيده كان بعضه يطيش أيضاً فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في ذلك أنه لا يجب أن تضرب الجمرة، لأن هذه الأعمدة الموجودة في أراض الجمار مجرد علامات على مكان الرمي، والواجب أن يقع الحصى في نفس الحوض، فإذا
وقع الحصى في الحوض فهذا هو الواجب سواء استقر في الحوض، أو تدحرج منه، فأنت أحرص على أن تدنو من الحوض حتى يكون عندك يقين، أو غلبة ظن بأن الحصى وقع في الحوض، فإذا تيقنت، أو غلب على ظنك؛ لأن التيقن قد يتعذر في هذا المقام، فإذا غلب على ظنك أنه وقع في الحوض، فإن هذا كافٍ. ولو طاشت بعض الحصيات ولم تقع في الحوض، فلا حرج عليك أن تأخذ من تحت قدمك وترمي بقية الحصيات، ولو تعذر عليه أن يأخذه ما تحت قدميه وخرج من الزحام ثم أخذ حصى ورجع ورمى فلا حرج أن يكمل الباقي فقط.
وبالمناسبة: فإن كثيراً من العامة يعتقدون أن رمي الجمرات رمي للشياطين، ويقولون: إننا نرمي الشيطان، وتجد الإنسان منهم يأتي بعنف شديد، وحنق وغيظ، وصياح وشتم وسب، لهذه
الجمرة- والعياذ بالله- حتى إني رأيت قبل أن تبنى الجسور على الجمرات، رأيت رجلاً وامرأته وقد ركبا على الحصى يضربان بالحذاء، أو بجزمات، هذا العمود الشاخص، ويسبانه ويلعنانه، ومن العجيب أن الحصى يضربهما، ولا يباليان بهذا، وهذا من(23/132)
الجهل العظيم، فإن رمي هذه الجمرات عبادة عظيمة قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" (1) هذه هي الحكمة من رمي الجمرات، ولهذا يكبر الإنسان عند كل حصاة، لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل يكبر ويقول: الله أكبر. تعظيماً لله الذي شرع رمي هذه الحصى، وهو في الحقيقة- أعني رمي الجمرات- غاية التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان لا يعرف الحكمة من رمي هذه الجمرات في هذه الأمكنة، إلا لأنها مجرد تعبد لله سبحانه وتعالى، وانقياد الإنسان لطاعة الله وهو لا يعرف الحكمة أبلغ في التذلل والتعبد، لأن العبادات منها ما حكمته معلومة لنا وظاهرة، فالإنسان ينقاد لها تعبداً لله تعالى وطاعة له، ثم إتباعاً لما يعلم فيها من هذه المصالح، ومنها ما لا يعرف حكمته، ولكن كون الله يأمر بها ويتعبد بها عباده هي حكمة كما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وما يحصل في القلب من الإنابة لله والخشوع والاعتراف بكمال الرب، ونقص العبد، وحاجته إلى ربه ما يحصل له في هذه العبادة فهو من أكبر المصالح وأعظمها.
س1172: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- هل أمكنة الجمرات الآن هي التي كان الشيطان يقف فيها يتمثل لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؟
__________
(1) تقدم ص 151.(23/133)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ورد فيه حديث (1) والله أعلم بصحته، وحتى على فرض صحته فإنه لا يعني أننا نحن نفعل مثل ذلك كما فعله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أرأيت السعي بين الصفا والمروة أصله سعي أم إسماعيل بينهما بعد أن أصابها الجوع والعطش، لتتحسس هل حولها أحد، ونحن لا نسعى لهذا الغرض، وإنما نسعى تعبداً لله عز وجل، وتذللاً إليه وافتقاراً إليه، بأن يغفر لنا ويرحمنا، فهو وإن كان أصل العبادة عملاً معيناً لا يلزم بأن يستمر إلى يوم القيامة، ثم هذا الرمل أيضاً وهو في الأشواط الثلاثة في طواف القدوم، أول ما يصل الإنسان سواء كان طواف قدوم، أو طواف عمرة، هذا أصله أن النبي عليه الصلاة والسلام فعله ليغيظ المشركين به، الذين قالوا حين قدم النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء قالوا: (إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب) فأصل مشروعيته لهذا الغرض (2) ، ونحن الآن نفعله لا لإغاظة المشركين لأن هذا زال، لكنه بقي فيه التعبد، فهذا يدلنا على أنه لا يلزم من كون هذا العمل المعين من الأنساك أصله كذا، أن
يكون عملنا له الآن هو العمل الذي شرع من أجله.
س1173: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا رمى الإنسان العمود الشاخص في وسط الحوض وأصابه، ولكن الحصاة لم تستقر في الحوض وإنما أصابت العمود فسقطت في الأرض؟
__________
(1) أخرجه الإمام احمد (1/297) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب كيف كان بدء الرمل (1602) .(23/134)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أصابت العمود ثم طاشت حتى صارت خارج الحوض فإنها لا تجزئ، فيجب عليه أن يرمي بدلها.
س1174: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يوم الحج الأكبر هو يوم العيد أو يوم الوقوف بعرفة؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يوم الحج الأكبر هو يوم العيد كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، وسمي يوم الحج الأكبر؛ لأن فيه كثيراً من شعائر الحج، ففيه الرمي، وفيه النحر، وفيه الحلق، وفيه الطواف، وفيه السعي لمن كان متمتعاً، أو كان مفرداً، أو قارناً، ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، فهي خمس كلها تفعل في يوم العيد، ولذلك سمي يوم الحج الأكبر.
أما يوم عرفة فليس فيه إلا نسك واحد وهو الوقوف بعرفة، وكذلك مزدلفة ليس فيها إلا نسك واحد وهو المبيت بها، وكذلك ما بعد يوم العيد ليس فيه إلا نسك واحد وهو الرمي.
س1175: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في اليوم العاشر قدمنا لرمي جمرة العقبة فوجدنا الحجاج يرمون من بعيد ورمينا معهم ورجعنا وظهر لي فيما بعد بأننا رمينا في الهواء فما هو المطلوب منا؟
فأجاب فضيلته بقوله: المطلوب منكم إذا كنتم لم تعيدوا الرمي على وجه صحيح، أن تذبحوا فدية في مكة، وتوزعوها على الفقراء هناك، هكذا قال أهل العلم فيمن ترك واجباً، والرمي من واجبات الحج.
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة براءة.(23/135)
س1176: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا لم تصب جمرة أو جمرتان من الجمار السبع المرمى، ومضى يوم أو يومان فهل يعيد رمي هذه الجمرة؟ وإذا لزمه فهل يعيد ما بعدها من الرمي؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا بقي عليه رمي جمرة، أو جمرتين من الجمرات، أو على الأوضح: حصاة، أو حصاتين من إحدى الجمرات، فإن الفقهاء يقولون: إذا كان من آخر جمرة فإنه يكمل هذا النقص فقط، ولا يلزمه رمي ما قبلها، وإن كان من غير آخر جمرة فإنه يكمل الناقص ويرمي ما بعده.
والصواب عندي: أنه يكمل النقص مطلقاً، ولا يلزمه إعادة رمي ما بعدها، وذلك لأن الترتيب يسقط بالجهل، أو بالنسيان، وهذا الرجل قد رمى الثانية وهو لا يعتقد أن عليه شيئاً مما قبلها،
فهو بين الجهل والنسيان، وحينئذ نقول له: ما نقص من الحصا فارمه، ولا يجب عليك رمي ما بعدها.
وقبل إنهاء الجواب أحب أن أنبه إلى أن المرمى مجتمع الحصا وليس العمود المنصوب للدلالة عليه، فلو رمى في الحوض ولم يصب العمود بشيء من الحصيات فرميه صحيح، والله أعلم.
س1177: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج رمى جمرة العقبة من جهة الشرق ولم يسقط الحجر في الحوض، وهو في اليوم الثالث عشر هل يلزمه إعادة الرمي كله؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه إعادة الرمي كله، وإنما يلزمه إعادة الرمي الذي أخطأ فيه فقط، وعلى هذا يعيد رمي جمرة(23/136)
العقبة فقط، ويرميها على الصواب، ولا يجزئه الرمي الذي رماه من جهة الشرق، إذا لم يسقط الحصا في الحوض الذي هو موضع الرمي، ولهذا لو رماها من الجسر من الناحية الشرقية أجزأ لأنه
يسقط في الحوض.
س1178: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج وعند قدومه من مزدلفة رمي جمرة العقبة ثم الثانية ثم الثالثة، لأنه لم يتأكد أي الجمار هي جمرة العقبة فهل عليه شيء في ذلك، حيث كان لا يعلم أي الجمار هي العقبة؟ فقال: أتخلص من الجميع، وما ترتيب الجمرات في الرمي في أيام التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء عليه في هذا، ولكني أنصحه بأن يتحرى العلم بها من قبل الفعل، حتى يكون فعله على وجه الصواب، ولكن مع هذا هو بفعله هذا رمى جمرة العقبة يقيناً.
وجمرة العقبة هي الجمرة التي تلي مكة، ولكننا نقول: إنك تبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، فتكون جمرة العقبة في اليومين التاليين للعيد تكون هي الأخيرة.
وبهذه المناسبة عن رمي الجمرات: أود أن أذكر إخواني المسلمين أن رمي هذه الجمرات عبادة يتعبد بها الإنسان لله سبحانه وتعالى بالقول وبالفعل، وهي إتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار(23/137)
لإقامة ذكر الله" (1) ، وأنت عندما ترمي الجمرات تتعبد لله تعالى بالقول، فتقول، الله أكبر، وتتعبد له بالفعل، فتر مي هذه الجمرات في هذه الواضع، لمجرد التعبد لله سبحانه، إذ إن الإنسان لا يعقل
علة لها، وكون بعض الناس يقولون: إنا نرمي الشياطين، هذا لا أصل له، فالإنسان لا يرمي الشيطان، وإنما يرمي هذه الأماكن امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى، حيث أمرنا بإتباع رسول الله (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) . وقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "خذوا عني مناسككم" (2) ثم إنه أيضاً ينبغي أن يكون الرمي بهدوء وخشوع، لا بعنف وشدة وقسوة، كما يفعل بعض العامة الجهال، وينبغي إذا رميت الجمرة الأولى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أن تبعد قليلاً عن الزحام، ثم تقف مستقبلاً القبلة رافعًا يديك تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء طويل، وكذلك إذا
رميت الوسطى تقف بعدها وتدعو الله تعالى بدعاء طويل، ثم تذهب وترمي جمرة العقبة ولا تقف بعدها.
س1179: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يصح رمي الجمار الثلاث يوم العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمار الثلاث يوم العيد لا يصح منها إلا رمي جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة؛ لأنها
__________
(1) تقدم ص 101.
(2) تقدم ص 98.(23/138)
هي التي ترمى يوم العيد، ويكون رمي الوسطى، لاغياً. والله أعلم.
س1180: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن حكم الحصيات التي تطيش عن العمود ولا تضرب فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في ذلك أنه لا يجب أن تضرب الحصاة العمود؛ لأن هذه الأعمدة الموجودة في أحواض الجمار لمجرد علامات على مكان الرمي، والواجب أن يقع الحصا في نفس الحوض، فإذا وقع في نفس الحوض فهذا هو الواجب سواء استقر في الحوض، أو تدحرج منه، فالحاج عليه أن يحرص على أن يدنو من الحوض، حتى يكون عنده يقين، أو غلبة ظن بأن الحصا وقع في الحوض، فإذا تيقن، أو غلب على ظنه كفى؛ لأن اليقين قد يتعذر في هذا المقام.
س1181: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: حججت أكثر من مرة ولكن الجاهل عدو نفسه كما يقولون ولم أقض على الجهل بالسؤال في حينه، فبعد قدومي في إحدى السنوات من مزدلفة رميت جمرة العقبة ثم الثانية ثم الثالثة؛ لأني لم أتأكد أي الجمار هي فهل عليَّ شيء في ذلك؟ وفي اليوم الثاني عملت كما عملت في يوم العيد ولم أبدأ من الجمرة التي تلي مكة المكرمة وإنما بدأت من التي تلي منى هل علي شيء في ذلك أيضاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما رميك الجمرات الثلاث يوم العيد فإنه لم يصح منها إلا رمي جمرة العقبة؛ لأنها هي التي ترمى يوم(23/139)
العيد، ويكون رمي الوسطى والدنيا رمياً لاغياً.
وأما رميك الجمرات الثلاث في اليومين التاليين، وبدايتك من الجمرة التي تلي منى فهذا هو صحيح؛ لأن الإنسان في يوم العيد لا يرمي إلا جمرة واحدة، هي جمرة العقبة، وفي الأيام بعده يرمي الجمرات الثلاث مبتدئاً بالجمرة الأولى التي تلي منى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة التي تلي مكة.
س1182: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء التي تحدث في الرمي؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من مزدلفة، وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة، والرمي يكون بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكمة من رمي الجمار في قوله: "إنما جُعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" (1) . هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات، والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس في رمي الجمرات من وجوه متعددة فمن ذلك: أولاً: أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيراً في لقط الحصى من مزدلفة قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان من مزدلفة، أو من منى، من أي مكان يؤخذ، المقصود أن يكون حصى.
__________
(1) تقدم ص 151.(23/140)
ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول إنه من السنة، إذاً فليس من السنة، ولا الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة، لأن السنة إما قول النبي عليه الصلاة والسلام، أو فعله، أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لقط الحصى من مزدلفة.
ثانياً: ومن الخطأ أيضاً: أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله: إما احتياطاً من الخوف من أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى، لظنه أنه كونه نظيفاً أفضل، وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعة، وإذا فعله الإنسان من غر تعبد كان سفهاً وضياعاً للوقت.
ثالثاً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بانفعال شديد، وحنق وغيظ، منفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه، ثم يرمي هذه الجمرات ويحدث من ذلك مفاسد:
1- أن هذا ظن خاطئ، فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله، وإتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحقيقاً للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها إنما يفعلها تعبداً لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله- عز وجل-.
2- مما يترتب على هذا الظن: أن الإنسان يأتي بانفعال شديد، وغيظ وحنق، وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاءً عظيماً، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم. وإنما يتقدم كأنه جمل هائج.(23/141)
3- مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله- عز وجل- أو يتعبد لله- عز وجل- بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع تجده يقول حين يرمي: (اللهم غضباً للشيطان، ورضاً للرحمن) مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرات، بل المشروع أن يكبر كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
4- أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي بها، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثراً وانتقاماً من الشطيان، وتجده أيضاً يرمي بالنعال والخشب، وما أشبه
ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلاً قبل بناء الجسور على الجمرات، جالساً على الحصى التي رمي بها في وسط الحوض هو وامرأة معه، يضربان العمود بجزماتهما بحنق وشدة وحصى الرمي تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على هذا الأذى وهذه الإصابة ابتغاء وجه الله- عز وجل-.
وإذا قلنا: إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيماً لله- عز وجل- وتعبداً له وإتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
رابعاً: من الأخطاء أيضاً في الرمي: أن بعض الناس لا يتحقق من رمي الجمرة من جث ترمى، فإن جمرة العقبة- كما هو معلوم في الأعوام السابقة- كان لها جدار من الخلف، والناس يأتون إليها من
نحو هذا الجدار فإذا شاهدوا الجدار رموا، ومعلوم أن الرمي لابد أن تقع فيه الحصى في الحوض، فيرمونها من الناحية الشرقية من(23/142)
ناحية الجدار، ولا يقع الحصى في الحوض لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح؛ لأن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض فقد
برأت بها الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه.
وتحقق وقوع الحصى في المرمى ليس بشرط لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه، فإذا رمى الإنسان من المكان الصحيح وحذف الحصاة وهو يغلب على ظنه أنها وقعت في المرمى كفى، لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر، وإذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن، ولأن الشارع أحال على غلبة الظن في ما إذا شك الإنسان في صلاته كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: "ليتحرّ الصواب ثم ليتم عليه" (1) . وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية، وهذا من تيسير الله عز وجل، لأن اليقين أحياناً يتعذر.
خامساً: ومن الأخطاء أيضاً في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن تصيب الحصاة الشاخص- أي العمود- وهذا ظن خطأ، فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن
هذا العمود إنما جعل علامة على الرمي الذي تقع فيه الحصاة، فإذا وقعت الحصاة في الرمي أجزأت، سواء أصابت العمود أم لم تصبه.
سادساً: ومن الأخطاء العظيمة الفادحة: أن بعض الناس يتهاون في الرمي فيوكل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم، وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه، وقد
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة (571) .(23/143)
قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . وهذا يشمل إتمام الحج بجميع أجزائه، فجميع أجزئه الحج يجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه، وأن لا يوكل فيها أحداً. يقول بعض الناس: إن الزحام
شديد، وإنه يشق عليه، فنقول له: إذا كان الزحام شديداَّ أَول ما يقدم الناس منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديداً في آخر النهار، ولا يكون شديداً في الليل، وإذا فاتك الرمي بالنهار فارم بالليل؟
لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتيه في النهار، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى. فمن احتج بالزحام نقول له: إن الله قد وسع الأمر لمحلك أن ترمي بالليل.
يقول بعض الناس: إن المرأة عورة، ولا يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي، فنقول له: إن المرأة ليست عورة، إنما العورة أن تكشف المرأة ما لا يحل لها كشفه أمام الرجال غير الأجانب، وأما
شخصية المرأة فليست بعورة، وإلا لقلنا: إن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أبداً، وهذا خلاف دلالة الكتاب والسنة، وخلاف ما أجمع عليه المسلمون. صحيح أن المرأة ضعيفة، وأن المرأة مرادة
للرجل، وأن المرأة محط الفتنة، ولكن إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس فلتؤخر الرمي إلى الليل. ولهذا لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله كسودة بنت زمعة- رضي الله عنها- وأشباهها لم يرخص لهم أن يدعوا الرمي، ويوكلوا من يرمي عنهم، مع دعاء
الحاجة إلى ذلك لو كان من الأمور الجائزة، بل أذن لهم أن يدفعوا(23/144)
من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا قبل حَطَمةِ الناس، وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة، نعم لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه
القول بجواز التوكيل؛ لأنه عاجز، وقد ورد عن الصحابة- رضي الله عنهم- أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم، لعجز الصبيان عن الرمي، ولولا ورود هذا النص وهو رمي الصحابة عن صغارهم
لولا هذا لقلنا: إن من عجز عن الرمي بنفسه فإنه يسقط عنه، إما إلى بدل وهو الفدية، وإما إلى غير بدل، وذلك لأن العجز عن الواجبات يسقطها، ولا يقوم غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند
العجز، ولهذا من عجز عن أن يصلي قائماً مثلاً، لا نقول له: وكَّل من يصلي عنك قائماً. وعلى كل حال التهاون في التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن فيه الحاج من الرمي، خطأ كبير؛
لأنه تهاون في العبادة، وتخاذل عن القيام بالواجب.
سابعاً: ومن الأخطاء أيضاً في الرمي: أن بعض الناس يظنون أن الرمي بحصاة من غير مزدلفة لا يجزئ، حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى من مزدلفة ثم ضاع منه، أو ضاع منه بعضه ثم بقي ما لا يكفي ذهب يطلب أحداً معه حصى من مزدلفة ليسلفه إياه فتجده يقول: أقرضني حصاة من فضلك، وهذا خطأ وجهل، فإنه كما أسلفنا يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت، حتى لو
فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات، وسقطت الحصاة من يده فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه، سواء الحصاة التي سقطت منه أم غيرها، ولا حرج عليه في ذلك فيأخذ من الأرض التي تحته(23/145)
وهو يرمي، ويرمي بها حتى وإن كان قريباً من الحوض؛ لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بحصاة رُمي بها لا يجزئه الرمي، ولأنه لا يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رُمي بها، فقد تكون
هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف بهذا المكان، وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في الحوض، المهم أنك لا تتيقن، ثم على فرض أنك قد تيقنت أن هذه قد رمي بها تدحرجت
من الحوض وخرجت منه، فإنه ليس هناك دليل على أن الحصاة التي رُمي بها لا يجزئ الرمي بها.
ثامناً: ومن الخطأ في رمي الجمرات: أن بعض الناس يعكس الترتيب فيها في اليومين الحادي عشر، والثاني عشر، فيبدأ بجمرة العقبة، ثم بالجمرة الوسطى، ثم بالجمرة الصغرى الأولى، وهذا مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رماها مرتبة وقال: "خذوا
عني مناسككم" (1) فيبدأ بالأولى، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، فإن رماها منكسة وأمكنه أن يتدارك ذلك فليتداركه، فإذا رمى العقبة، ثم الوسطى، ثم الأولى، فإنه يرجع فيرمي الوسطى، ثم
العقبة، وذلك لأن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما، لأن موضعهما تأخرها مع الأولى، ففي هذه الحالة نقول: اذهب فارمِ الوسطى ثم العقبة.
ولو أنه رمى الجمرة الأولى، ثم جمرة العقبة، ثم الوسطى.
قلنا له: ارجع فارمِ جمرة العقبة؛ لأنك رميتها في غير موضعها، فعليك أن تعيدها بعد الجمرة الوسطى، هذا إذاِ أمكن أن يتلافى هذا
__________
(1) تقدم ص 98.(23/146)
الأمر بأن كان في أيام التشريق وسهل عليه تلافيه، أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج، فإنه لا حرج عليه في هذه الحال؛ لأنه ترك الترتيب جاهلاً فسقط عنه بجهله، والرمي للجمرات الثلاثة قد حصل، غاية ما فيه اختلاف الترتيب، واختلاف الترتيب عند الجهل لا يضر، لكن متى أمكن تلافيه بأن كان علم ذلك في وقته فإنه يعيده.
تاسعاً: ومن الخطأ أيضاً في رمي الجمرات في أيام التشريق: أن بعض الناس يرميها قبل الزوال، وهذا خطأ كبير، لأن رميها قبل الزوال رمي لها قبل دخول وقتها، فلا يصح، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) . وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرمها إلا بعد زوال الشمس وقبل صلاة الظهر، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقاباً تامًّا، فبادر من حين زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر، ولقول عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: (كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا) (2) ، ولأنه لو كان الرمي جائزاً قبل زوال الشمس لفعله النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه أيسر للأمة، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما كان أيسر، فلو كان مما يتعبد به لله- أعني الرمي قبل الزوال- لشرعه الله تعالى لعباده، لقوله تعالى: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فلما لم يشرع قبل الزوال علم أن ما قبل الزوال ليس وقتاً للرمي، ولا فرق في ذلك بين اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فكلها سواء، كلها لم يرمِ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (رقم 1718) (18) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار (1746) .(23/147)
بعد الزوال.
فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينه، وليتق الله تعالما ربه، فإن من اتقى ربه جعل له مخرجاً، ومن اتقى ربه جعل له من أمره يسرا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .
وينبغي للإنسان- ونحن نتكلم عن وقت الرمي- أن يرمي كل يوم في يومه، فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر في الثاني عشر، وجمرة العقبة يوم العيد في يوم العيد،
ولا يؤخرها إلى آخر يوم. هذا وإن كان قد رخص فيه بعض أهل العلم فإن ظاهر السنة المنع منه إلا لعذر.
عاشراً: ومن الأخطاء في رمي الجمرات: أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد، فيرمي بثلاث، أو أربع، أو خمس، وهذا خلاف السنة، بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات كما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاة أو حصاتين؛ لأن ذلك وقع من بعض الصحابة- رضي الله عنهم-، (1) فإذا جاءنا رجل يقول: إنه لم يرم إلا بست ناسياً، أو جاهلاً، فإننا في هذه الحال نعذره، ونقول: لا شيء عليك، لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة- رضي الله عنهم-، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات كما جاء ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (1/168) ، والنسائي، كتاب المناسك، باب عدد الحصى التي يرمى
بها الجمار (5/275 رقم 3075)(23/148)
الحادي عشر: ومن الخطأ الذي يرتكبه الحجاج في الرمي وهو سهل، ولكن ينبغي أن يتفطن له الحاج: أن كثيراً من الحجاج يهملون الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى في أيام
التشريق، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا كان رمى الجمرة الأولى انحدر قليلاً ثم استقبل القبلة، فرفع يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل كذلك، وإذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف، فينبغي للحاج أن لا يفوت هذه السنة على نفسه، بل يقف ويدعو الله تعالى دعاءً طويلاً إن تيسر له، وإلا فبقدر ما يتيسر بعد الجمرة الأولى والوسطى.
وبهذا نعرف أن في الحج ست وقفات للدعاء: على الصفا، وعلى المروة، وهذا في السعي، وفي عرفة، ومزدلفة، وبعد الجمرة الأولى، وبعد الجمرة الوسطى. فهذه ست وقفات كلها وقفات
للدعاء في هذه المواطن ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الثاني عشر: ومن الأخطاء أيضاً ما حدثني به من أثق به من أن بعض الناس يرمي رمياً زائداً عن المشروع، إما في العدد، وإما في النوبات والمرات، فيرمي أكثر من سبع، ويرمي الجمرات في اليوم
مرتين أو ثلاثاً، وربما يرمي في غير وقت الحج وهذا كله من الجهل والخطأ، والواجب على المرء أن يتعبد بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لينال بذلك محبة الله ومغفرته لقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في رمي الجمرات.(23/149)
النحر والحلق أو التقصير(23/151)
س1183: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إن لي خالاً وقد توفي منذ حوالي سنتين أو أكثر ولخالي أخ أكبر منه وطلب مني أن أحج لهما وحججت ولما ذهبت إلى الحج وفي يوم رمي الجمرات
ضعت عن الإخوة الذين معي وتعبت في البحث عنهم ولم أذبح في اليوم الأول وذبحت في اليوم الثاني وقد حلقت رأسي في اليوم الأول فهل يجوز لي أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: قوله: (طلب أن أحج عنهما) الحج إنما يمكن أن يكون عق واحد منهما، أما إذا حج عنهما جميعاً في نسك واحد فإنه لا يجوز، لأن النسك الواحد لا يتبعض، لا بد أن يكون عن شخص واحد، فإذا أراد شخص أن يحج عن أمه وأبيه مثلاً في سنة واحدة بنسك واحد، فإن ذلك لا يجوز، وإنما يحرم عن أبيه في سنة، أو عن أمه في سنة، وعن الوالد الثاني في سنة أخرى.
وأما بالنسبة لما فعله من تأخير الذبح إلى اليوم الثاني، والحلق في اليوم الأول فإنه لا بأس به، وذلك أن الإنسان يوم العيد ينبغي أن يرتب الأنساك التي تفعل فيه كالتالي: أولاً يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم بعد ذلك ينحر هدية، ثم يحلق رأسه، أو يقصره، والحلق أفضل، ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وهو طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، أو كان قارناً، أو مفرداً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان قارناً - صلى الله عليه وسلم - مفرداً وقد سعى بعد طواف القدوم فإنه لا يعيد السعي مرة ثانية.(23/153)
س1184: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة حجوا عن طريق المدينة وعند الإحرام قال أحدهم: إنوا كالتالي: اللهم لبيك عمرة، وكان هذا في اليوم السادس من شهر ذي الحجة، ولما
وصلوا مكة المكرمة طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة وقصروا من شعورهم وحلوا إحرامهم وفي صباح اليوم الثامن من ذي الحجة أحرموا من منى ثم ذهبوا إلى البيت العتيق فطافوا وسعوا
ثم أكملوا مناسكهم بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، وفي صباح يوم العيد ذهبوا إلى البيت العتيق وطافوا طواف الإفاضة ثم رجعوا ورموا جمرة العقبة وحلوا ولم يذبحوا، وفي اليوم الثاني والثالث رموا
الجمار الثلاث ولم يذبحوا، وطافوا طواف الوداع ثم غادروا مكة المكرمة إلى الرياض حيث أنهم من المقيمين في الرياض، والسؤال هنا هل حجهم صحيح مع عدم ذبحهم الهدى؟ وهل عمرتهم
صحيحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه القضية التي وقعت منهم، أما عمرتهم فصحيحة لا غبار عليها لأنها على الوجه الشروع.
وأما حجهم فهم أحرموا من منى، ولا حرج عليهم في الإحرام من منى، لكنهم طافوا وسعوا، ولا ندري ماذا أرادوا بهذا الطواف والسعي؟! إن أرادوا أن هذا الطواف والسعي للحج فهما غير صحيحين، لأنهما وقعا في غير محلهما، إذ محلهما بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وعلى هذا فيعتبران لاغيين.
ثم إنه في القضية أنهم طافوا طواف الإفاضة ولم يسعوا للحج فبقي عليهم السعي، وهو ركن من أركان الحج على القول الراجح(23/154)
عند أهل العلم، وبقي عليهم أيضاً هدي التمتع فإنهم لم يذبحوه، فالواجب أن يذبح في أيام العيد، أو أيام التشريق، وفي مكة، أي في الحرم، فعلى هذا فهم يحتاجون الآن إلى إكمال الحج والرجوع إلى مكة والسعي بين الصفا والمروة، وكذلك ذبح الهدي الواجب عليهم، لمن كان مستطيعاً منهم، ومن لم يستطع فليصم عشرة أيام، ثم بعد السعي يطوفون طواف الوداع، ويرجعون إلى بلدهم.
س1185: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: مجموعة كبيرة من الحجاج حجوا معِ صاحب سيارات وكان عددهم كبيراً وتعاقدوا معه ليقدم أكللاَ بمقدار معين من النقود لكل شخص وقد
فوضه بعضهم لشراء فداءٍ فاشتراه وأحضره إلى المخيم في منى وقاموا بذبحه ثم طبخه وقدمه لهم وأكله من في المخيم فهل يجوز ذلك علماً بأنه سيشتري على حسابه ذبائح لو لم نعطه فداءنا في ذلك
اليوم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحقيقة أنه أساء في تصرفه هذا فأولاً هذا الذبح نسأل هل وقع في يوم العيد وما بعده، أو وقع قبل ذلك؟ إن كان وقع قبل العيد فإنه ليس في محله ولا يجزئهم، ولكن الضمان
على من تصرف، وإن كان بعد العيد فإنه في محله بعد الذبح، ولكنه فاته شيء واحد وهو أن هذا الهدي يجب أن يكون للفقراء فيه نصيب وأن يطعموا منه، فعليهم الضمان بأقل ما يطلق عليه لحم(23/155)
يتصدقون به على فقراء الحرم هناك، وهديهم مجزئٌ لوقوعه في محله.
س1186: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة ذبحوا هديهم ثم أحضروه لمخيمهم فأكلوه وكان في المخيم ضيوف فهل يجزئ؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هؤلاء الضيوف فقراء وأكلوا من هذا اللحم فنرجو أن لا يكون به بأس.
س1187: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كثيراً من اللحوم تذهب هدراً في منى فهل يجوز للحاج في يوم العيد أن يرمي جمرة العقبة ويطوف بالبيت ويحلق رأسه ويتحلل ويلبس ثيابه وفي اليوم
الثاني أو الثالث يذبح هديه لكي يأكل منه ومجد من يأكله أيضاً أو أنه لابد من ذبحه قبل التحلل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يذبح الإنسان هديه بعد التحلل، وبهذه المناسبة أحب أن أبين أن الأنساك التي تفعل يوم العيد هي كالتالي: أولاً: رمى جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي، هذه الأنساك تفعل مرتبة هكذا، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رمى جمرة العقبة، ثم نحر بيده، ثم حلق رأسه ثم طافْ، ولكن لو قدم بعضها على بعض ولاسيما عند الحاجة فلا بأس في ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل يوم
العيد في التقديم والتأخير فما سأل عن شيء قدم ولا أخر إلا(23/156)
قال: "افعل ولا حرج" (1) .
فهذا الرجل نطبق عليه هذا الحكم بمعنى أنه يجوز أن يؤخر النحر إلى اليوم الثاني من أيام العيد ويتحلل قبله؛ لأن التحلل لا يرتبط بذبح الهدي، وإنما التحلل يكون برمي جمرة العقبة، والحلق، والطواف، فالرمي والحلق أو التقصير يتحلل التحلل الأول، وإذا طاف وسعى تحلل التحلل الثاني، أما ذبح الهدي فإنه لا علاقة له بالتحلل.
س1188: سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: إذا رمى الحاج جمرة العقبة وحلق فهل يتحلل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يتحلل التحلل الأول، وإذا طاف وسعى تحلل التحلل الثاني.
س1189: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الذبح بعد التحلل الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يذبح الإنسان هديه بعد التحلل الأول والثاني أيضاً ما دامت أيام التشريق باقية.
وبهذه المناسبة أحب أن أبين أن الأنساك التي تفعل يوم العيد هي كالآتي:
أولاً: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي، هذا هو المشروع في ترتيب هذه الأنساك
__________
(1) تقدم ص 85.(23/157)
الخمسة كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه رمى جمرة العقبة، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه، ثم طاف ولم يسع؛ لأنه كان قارناً، وقد سعى مع طواف القدوم، ولكن لو قدم بعضها على بعض، ولاسيما عند الحاجة فلا بأس بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل يوم العيد في التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج" (1) .
س1190: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج مع والديه حج إفراد واتجهوا إلى عرفات مباشرة وباتوا في مزدلفة ولكنهم يوم العيد اتجهوا إلى مكة وسعوا سعي الحج ولم يطوفوا
الإفاضة حتى يجمعوه مع الوداع لعجز والديه ثم حلقوا ثم حلوا جهلاً ثم رموا جمرة العقبة يوم العيد فهل عليهم شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء في هذا، إذا أحرم الرجل بالإفراد أو بالقران، وخرج إلى عرفة ووقف بها، ثم بمزدلفة ثم قدم إلى منى، ونزل إلى مكة وسعى سعي الحج، وأخر الطواف إلى عند السفر فلا حرج، ولكن هذا الرجل تحلل قبل الرمي فإذا كان جاهلاً فلا شيء عليه.
س1191: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حلق شعره للعمرة فلما جاء وقت الحج وأراد أن يحلق فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: يكفي أن يمر الموسى على رأسه لأن
__________
(1) تقدم ص 85.(23/158)
الشعر ينمو شيئاً فشيئاً، ففي اللحظة الواحدة ينمو، ولكن بعض الناس يكون نموه سريعاً، وبعض الناس يكون أقل، فلو قدر أنه حلق قبل أن يمشي بيوم ومشى إلى الحج يبقى عنده اليوم الثامن
والتاسع يومين في اليوم الثالث سيجد شعرًا يحلقه.
س1192: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الرجل الأصلع الذي لا ينبت له شعر مطلقاً ماذا يفعل إذا أراد التحلل بعد جمرة العقبة؟ وهل يلزمه أن يمر الموسى على رأسه؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليه شيء، ولا يمر بالموسى، وبعض العلماء قال: يمر الموسى عليه، لكن هذا ليس بصحيح، ومثله ما قاله بعض العلماء أن الأخرس إذا أراد أن يقرأ الفاتحة في الصلاة فيحرك لسانه وشفتيه.
س1193: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج يقول في ليلة المبيت في مزدلفة أصبحت جنباً، فلم أستطع الغسل لعدم وجود مكان أغتسل فيه فتيممت وصليت الفجر، ثم ذهبت إلى منى فرميت الجمرة، ثم حلقت شعري، ثم رجعت إلى مكاني فاغتسلت، فما حكم الصلاة التي صليتها، وكذا هل علي شيء في حلق رأسي وأنا جنب. أفتوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة صحيحة، لقول الله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وحلق رأسه وهو جنب جائز، ولا شيء عليه.(23/159)
س1194: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من قصر بالمكينة على نمرة واحد فهل له أجر من حلق؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يقصر بالمكينة ولو على نمرة واحد يعتبر مقصراً لا حالقاً، فتفوته الدعوات الثلاث التي دعاها النبي صلى الله عليه واَله وسلم للمحلقين، قالا: "اللهم ارحم المحلقين " ثلاث مرات، والصحابة يقولون: والمقصرين؟ ولكنه لا يقولها لا يوافق إلا في الرابعة، قال: "والمقصرين" (1) . وعلى هذا فمن لم يحلق رأسه بالموسى فإنه ليس بحالق.
س1195: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قالت عائشة - رضي أدنه عنها- لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال الناس حلوا ولم محل يا رسول الله" قال: "لبدت رأسي وسقت الهدي فلم أحل حتى يبلغ الهدي محله" (2) وقلنا إذا قصر الإنسان رأسه أو حلق ورمى الجمرة
حل وهو لم يذبح الهدي حتى الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فله أن يقدم ويؤخر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن التقديم والتأخير فلم يرى في هذا بأساً.
س1196: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقول قصرت بعد
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير (رقم 1728) ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير (رقم 1352) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج (رقم 1566) ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد (رقم 1229) .(23/160)
التحلل والآن أريد أن أحلق بعد طواف الإفاضة فهل يكون لي ثواب المحلقين الذين دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل لما قصر أدى النسك فلا يمكن أن يعيده فيحلق، لكن في الأعوام القادمة إن شاء الله يحرص على أن يحلق في الحج، ويقصر في العمرة إذا جاء متمتعاً، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً، وبعد مراجعة الصحابة دعا في الرابعة للمقصرين (1) .
س1197: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالي-: ما المقصود بقوله تعالى: (وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وهل هذا النهي للتحريم؟ وكيف يكون التحلل على هذه الآية؟
فأجاب فضيلته بقوله: النهي للتحريم، يعني الإنسان لا يجوز إذا ساق الهدي أن لمجل حتى يبلغ الهدي محله، وعبر بحلق الرأس لأنه هو علامة الحل، ولهذا لا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حجة الوداع أن يجعلوا نسكهم عمرة إلا من ساق الهدي قالوا: وأنت يا رسول الله، قال: "أنا قد سقت الهدي فلا أحل حتى أنحر" (2) فمعنى الآية لا تحلوا قبل أن يبلغ الهدي محله، والإحلال
يكون بحلق الرأس.
س1198: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما معنى قول الله
__________
(1) تقدم ص 160.
(2) تقدم ص 165.(23/161)
تعالى: (وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أليس هذا صريح في أن النحر يكون قبل الحلق وإلا فما معنى الآية؟
فأجاب فضيلته بقوله: قوله تعالى: (وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) يعني لا تحلقوا الرأس إلا إذا ذبحتم هذا معنى الآية، لكن جاءت السنة بأنه لا حرج أن يحلق قبل النحر، وما دامت السنة جاءت بذلك فيكون هذا تخفيفاً من الله عز وجل، أو يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي وقت حلوله، لا أن المراد أن يذبحه فعلاً، وحينئذ لا منافاة بين الحديث وبين الآية، فلنا في ذلك توجيهان:
التوجيه الأول: أن يقال إن معنى قوله (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ليس هو أن يذبح الهدي بل أن يأتي وقت الذبح.
التوجيه الثاني: أن يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي حتى يذبح، لكن السنة جاءت بجواز تقديم الحلق على النحر.
س1199: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة سعوا ثم حلقوا ثم تحللوا ثم رموا جمرة العقبة فهل فعلهم صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا غلط، ولا يمكن حل إلا بعد رمي جمرة العقبة، وما فعلوا من التحلل فهم على جهل، والجاهل معذور فلا شيء عليه.
س1200: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة نزلوا من مزدلفة إلى مكة ثم طافوا وسعوا يوم العيد ثم حلقوا فهل فعلهم هذا(23/162)
صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس به، ولا مانع منه.
س1201: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس ينحر هديه قبل يوم العيد فمن نحر قبل يوم العيد وسألنا هل نأمره بالإعادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: من نحر هديه قبل يوم العيد وجاء يسألنا، نسأله هل فعل ذلك تقليداً وإتباعاً لجواب عالم من العلماء أو تهاوناً؟ فإن كان فعله تقليدًا أو إتباعاً لجواب عالم من العلماء فإنه لا يلزمه أن يعيده؛ لأن من العلماء من يرى أنه يجوز أن يذبح هدي التمتع قبل العيد، فإذا كان هذا الرجل يقلد هؤلاء العلماء، أو سأل واحل لأن من هؤلاء العلماء الذين يرون هذا الرأي. وقالوا له:
إن ذبحك صحيح، فإننا لا نأمره بإعادة الذبح.
أما إذا كان قد ذبح قبل يوم العيد تهاوناً، وليس مبنياً على علم، ولا على تقليد عالم فإنه يلزمه أن يعيد الذبح، لأنه لا يجوز أن يذبح هدي التمتع والقران إلا في يوم العيد فما بعده، والدليل على
هذا: أنه لو كان يمكن ذبح الهدي قبل يوم العيد، لذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - هديه وحل من إحرامه كما أمر بذلك أصحابه، بل قال عليه الصلاة والسلام: "إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر" (1) ولو كان يجوز تقديم نحر الهدي على يوم العيد لنحره ثم حل.
__________
(1) تقدم ص 160.(23/163)
س 1202: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: من الله عليّ وأديت فريضة الحج، وعندما تحللت من إحرامي في اليوم العاشر من ذي الحجة بعد رمي الجمرة الكبرى قصرت بعض الشعر ولم أكن أعلم بأن المقصود هو تقصير كلل الشعر. وفي اليوم الحادي عشر وبعد رمي الجمرات الثلاث أرهقت إرهاقاً شديداً، لا أستطيع معه السير، وخاصة لأن صحتي ضعيفة، لست مريضاً، ولم أكن أستطع السير على الأقدام إلا بوضع الثلج فوق رأصي، وفي اليوم الثاني عشر وهو اليوم الثاني لرمي الجمرات الثلاث، أفادتي أصحاب بأنني لا أستطيع رمي الجمرات لشدة الزحام والحر، وهذا فيه مشقة كبيرة عليّ، خوفاً من أن يحدث لي مثل ما حدث في الأمس، فوكلت
أحد أصحاب برمي الجمار نيابة عني، وبعدها ذهبت لطواف الإفاضة ثم إلى المدينة المنورة لزيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والسؤال هل حجي صحيح يا فضيلة الشيخ؟ وهل يجب علي هدي لعدم تقصير الشعر علماً بأنني كما ذكرت لم أعلم وقتها بأن المقصود بتقصير الشعر هو الشعر كله، وإذا كان هناك هدي فكيف أؤديه ومتى؟
وبالنسبة لتوكيل أحد أصحاب برمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة نظراً لما شرحته من ظروف صحتي هل هو صحيح أم ماذا أفعل أفيدوثا مأجورين؟ وإذا أخذت عمرة لأبب
المتوفى فهل أدعو لنفسي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، أما بعد: ما يتعلق بتقصير شعر الرأس حيث أنك لم تقصر إلا جزءً يسيراً منه(23/164)
جاهلاً بذلك، ثم تحللت فإنه لا شيء عليك في هذا التحلل؛ لأنك جاهل، ولكن يبقى عليك إتمام التقصير لشعر رأسك.
وإنني بهذه المناسبة: أنصح إخواني المسلمين إذا أرادوا شيئاً من العبادات ألا يدخلوا فيها حتى يعلموا حدود الله عز وجل فيها، لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة لقوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) فكونك تعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة، خير بكثير من كونك تعبد الله سبحانه وتعالى على
جهل، بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون، وما أكثر ما تقع هذه المشاكل بين الحجاج، والصوام، والمصلين يعبدون الله عز وجل على جهل، ويخلون بهذه العبادات، ثم بعد هذا يأتون إلى أهل العلم ليستفتوهم فيما وقع منهم، فلو أنك تعلمت حدود الحج قبل أن تتلبس به لزال عنك إشكالات كثيرة، ونفعت غيرك أيضاً فيما علمته من حدود الله سبحانه وتعالى.
أعود فأقول بالنسبة للتقصير يمكنك الآن أن تكمل ما يجب عليك فيه؛ لأن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن التقصير والحلق ليس له وقت محدود ولاسيما وأنت في هذه الحال جاهل، وتظن أن
ما قصرته كافٍ في أداء الواجب.
وأما بالنسبة لتوكيلك في اليوم الثاني عشر من يرمي عنك، فإذا كنت على الحال الذي وصفته في سؤالك لا تستطيع أن- ترمي بنفسك لضعفك، وعدم تحملك الشمس، ولا تستطيع أن تتأخر(23/165)
حتى ترمي في الليل، وترمي في اليوم الثالث عشر، ففي هذه الحال لك أن توكل، ولا يكون عليك في ذلك شيء؛ لأن القول الصحيح أن الإنسان إذا جاز له التوكيل لعدم قدرته على الرمي بنفسه لا في النهار ولا في الليل فإنه لا شيء عليه، خلافاً لمن قال: إنه يوكل وعليه دم، لأننا إذا قلنا بجواز التوكيل صار الوكيل قائماً مقام الموكل.
أما قول السائل: (إنه بعد ذلك زار النبي - صلى الله عليه وسلم -) فلي على هذه الجملة ملاحظة وهي أن الزيارة تكون لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه بعد موته لا يُزار، وإنما يزار القبر، ثم إن الأفضل لمن قصد المدينة أن ينوي بذلك الذهاب إلى السجد، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد
الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (1) فلا ينوي قاصد المدينة السفر إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذا من المقصود النهي عنها، إما تحريماً وإما كراهة، ولكن ينوي بذلك زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصلاة فيه؛ لأن الصلاة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، ثم بعد ذلك يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم على أبي بكر- رضي الله عنه- ثم على عمر -رضي الله عنه- ويزور كذلك البقيع، وفيه قبر أمير المؤمنين عثمان- رضي الله عنه -وقبور كثير من الصحابة- رضي الله عنهم-، ثم كذلك يزور قبور الشهداء في أحد، وكذلك يخرج إلى مسجد قباء ويصلي، فهذه خمسة أماكن في المدينة: المسجد النبوي،
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء (رقم 1864) ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (رقم 827) (415) .(23/166)
وقبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبرا صاحبيه، والبقيع، وشهداء أحد، ومسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات في المدينة فإنه لا أصل له ولا يشرع الذهاب إليه.
أما الجواب على سؤاله الأخير، وهو أنه يريد أن يأخذ عمرة لأبيه المتوفى، ويسأل هل يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة؟
الجواب أن نقول: نعم يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة، ولأبيه ولمن شاء من المسلمين؛ لأن المقصود أن يأتي بأفعال العمرة لمن أراد أفعالها، أما مسألة الدعاء فإنه ليس بركن ولا بشرط في
العمرة، فيجوز أن يدعو لنفسه، ولمن كانت له هذه العمرة، ولجميع المسلمين.
س1203: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج مفرداً ولم ينحر ولم يقصر فما الحكم جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: النحر لا يجب إلا على المتمتع والقارن، وأما المفرد فإنه لا يجب عليه الهدي.
أما التقصير فإن عليك أن تذبح بدله فدية في مكة توزعها على الفقراء؛ لأن أهل العلم يقولون: من ترك واجبًا من واجبات الحج فعليه دم يذبح في مكة، ويوزع على الفقراء.
وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين إذا أرادوا الحج أن يتعلموا أحكام الحج قبل أن يحجوا؛ لأنهم إذا حجوا على غير علم فربما يفعلون أشياء تخل بنسكهم وهم لا يشعرون، وربما لا يتذكرون ذلك إلا بعد مدة طويلة، فعلى المرء إذا أراد أن يحج أن(23/167)
يتعلم أحكام الحج، إما عن طريق العلماء مشافهة، وإما عن طريق قراءة المناسك المكتوبة وهي كثيرة ولله الحمد.
س1204: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم فيمن جامع زوجته في الحج يوم العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: جماع الزوجة في الحج يوم العيد إذا كان الإنسان قد رمى العقبة وحلق وطاف وسعى إذا فعل هذه الأربعة فإن زوجته تحل له؛ لأنه إذا رمى وحلق وطاف طواف
الإفاضة وسعى بين الصفا والمروة حل له كل شيء.
س1205: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول أصبت بآفة في رأسي أتت على جميع شعري حتى أصبح كلأنه راحة اليد، وقد حججت وسوف أحج إن شاء الله ولكن حيث إنه يتعذر أخذ شيء من رأسي فإني أعمد إلى شاربي وأطراف لحيتي وآخذ منها هل هذا صحيح أثابكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس هذا بصحيح، فإنه إذا لم يكن عليك شعر رأس سقطت عنك هذه العبادة، لزوال محلها، ونظيره الرجل إذا كان مقطوع اليد من المرفق، فما فوق فإنه لا يجب عليه
غسل يده حينئذ، إلا أنه يغسل إذا قطع من مفصل المرفق رأس العضد فقط، لكن لو قطع من نصف العضد مثلاً سقط عنه الغسل نهائياً، فالعبادة إذا فات محلها الذي علقت به سقطت، فعلى هذا لا
يجب عليك حلق الرأس لعدم وجود الشعر، وأما الأخذ من(23/168)
الشارب فهو سنة في هذا الموضع وغيره، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به، لكن لا لهذا السبب الذي علق الحكم به هذا السائل، وأما الأخذ من اللحية فإنه لا يجوز وخلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: "أعفو اللحى، وحفوا الشوارب" (1) فلا يأخذ منها شيئاً لا قي
الحج ولا في غيره.
س1206: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ورد في الحديث أن التحلل الأول يوم العيد يكون برمي جمرة العقبة فقط دون الحاجة إلى الحلق، فهل يصح أن نقول: يحصل التحلل بالحلق فقط قياسًا على الرمي لأنه من أنساك يوم العيد؟ وما تعليق فضيلتكم على قول الفقهاء - رحمهم الله- إن من فعل اثنين من ثلاثة فقد حل التحلل الأول؟
فأجاب بقوله: الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام جاء فيه: "إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء، إلا النساء" (2) . وفي لفظ: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" (3) وقول بعض الفقهاء أنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول، لا دليل عليه بل يقال: إن التحلل الأول مرتبط، إما بالرمي وحده، هاما بالرمي والحلق، وإما اثنين من ثلاثة، فهذا- وإن كان له حظ من النظر- ولكنه ضعيف، فيقتصر على ما جاء به النص.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار (رقم 5892) ومسلم، كتاب الطهارة باب خصال الفطرة (رقم 259) .
(2) أخرجه الإمام أحمد (1/234) ، وأبو داود، كتاب المناسك، باب رمي الجمار (1978) وقال: ضعيف.
(3) أخرجه الإمام أحمد (6/143) .(23/169)
أما هل يحصل التحلل بالرمي وحده أو بالرمي والحلق؟
فالصواب أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: (كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) (1) ، ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق، لقالت؟ ولحله قبل أن يحلق، فلما قالت: (قبل أن يطوف) علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق، وأيضاً فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق، فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق.
س1207: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل لذبح الهدي أثر في التحلل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذبح ليس له أثر، فليس التحلل معلقاً بالذبح، فيمكن أن يتحلل الإنسان ولو لم يذبح، وذلك لأن الإنسان يتحلل التحلل الأول يوم العيد إذا رمى جمرة العقبة وحلق
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام (رقم 1539) ومسلم، كتاب الحج، الطيب عند الإحرام (رقم 1189) (133) .(23/170)
أو قصر، فإذا فعل ذلك حل التحلل الأول، وجاز له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وإذا أضاف إلى ذلك الطواف والسعي حل الحل كله، حتى ولو لم يذبح، ومعنى قولنا: (حل الحل كله) أنه يجوز له جميع محظورات الإحرام حتى النساء، فإذا فعل الإنسان أربعة أشياء تحلل تحللاً كاملاً وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، والطواف، والسعي، فإن فعل اثنين من ثلاثة عند الفقهاء وهي الرمي والحلق والطواف- والسعي في التحلل الأول ليس له دخل-، فلو رمى وطاف حل التحلل الأول، ولو حلق ورمى حل التحلل الأول، ولو حلق وطاف حل التحلل الأول، لكن الأفضل ألا يحل التحلل الأول حتى يرمي، حتى لو طاف وحلق فالأفضل ألا يتحلل حتى يرمي.
س1208: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا رمى شخص جمرة العقبة ثم دفع المال للبنك الإسلامي للهدي، وقيل له: إنه سوف يتم الذبح بعد ساعة أو اثنتين ولكنه ذهب وحلق وبعد أقل
من هذه المدة فهل يعتبر أن هذا كان صحيحاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم صحيحاً، لأن تقديم الحلق على النحر جائز، والتحلل لا علاقة له بالنحر، ولهذا لو رمى الإنسان وحلق وطاف وسعى حل التحلل كله، وجاز له وطء النساء وإن لم ينحر إلا في اليوم الثاني.(23/171)
س1209: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو التحلل الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رميت جمرة العقبة يوم العيد وحلقت، فقد تحللت التحلل الأول.
س1210: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما مدى القول المأثور: من فعل اثنين من ثلاثة حل، وهل يحل الحاج بالرمي والطواف دون الحلق أو التقصير؟
فأجاب فضيلته بقوله: كثير من أهل العلم يرى أنه يحل التحلل الأول بالرمي فقط، أي برمي جمرة العقبة يوم العيد، ولكن الظاهر أنه لا يحل إلا بالرمي والحلق، وأما العبارة المشهورة عند الفقهاء (أنه يحل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة! وهن: الرمي، والحلق، والطواف، فلا أعلم في هذا سنة، لكن فيه القياس والنظر؛ لأن الطواف له تأثير في التحلل الثاني، فإذا كان له تأثير في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فعلى كلام الفقهاء: إذا رمى وطاف حل التحلل الأول، وإن لم يحلق، وإذا حلق وطاف حل التحلل الأول وإن لم يرم، وإذا رمى وحلق حل التحلل الأول وإن لم يطف.
س1211: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: صبيحة يوم النحر طفت وسعيت ثم ذبحت ثم قصرت، ومن ثم تحللت التحلل(23/172)
الأول، ثم رميت جمرة العقبة قبل أذان المغرب بخمس دقائق، فهل أعمالي صحيحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأعمال صحيحة لكن كونه تحلل هذا غلط، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم" (1) وهذا الرجل حلق وطاف وسعى ولكنه لم يرم فلم يتحقق الشرط الذي رتب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحل، قال: إذا رميتم وحلقتم.
فإذا قال قائل: أليس بعض العلماء يقول: إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول وهو الرمي والحلق والطواف.
قلنا: بلى قاله بعض العلماء، لكن قول العلماء لايحكم على قول الرسول؟ بل قول الرسول يحكم على قول العلماء، والحديث: "إذا رميتم " ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يم يلبي حتى إذا رمى جمرة العقبة فأقول للأخ: لا تتحلل التحلل الأول بعد هذا العام إلا إذا رميت وحلقت.
س1212: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما الراجح التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط أم بفعل اثنين من ثلاثة؟
فأجاب فضيلته بقوله: التحلل الأول لا يحصل بالرمي فقط، والتحلل باثنين من ثلاثة أيضاً لا يصح، لأن هذا من كلام الفقهاء ولا دليل عليه. والصحيح أنه لا يحل إلا برمي جمرة العقبة والحلق،
ودليل ذلك قول عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) تقدم ص 169.(23/173)
لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، ولم تقل: لحله قبل أن يحلق، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حلق قبل طوافه بالبيت، والصواب في هذه المسألة أنه لا يحصل التحلل الأول إلا بالرمي مع الحلق أو التقصير.(23/174)
رسالة
الحمد لله، وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أما بعد:
فقد روى أبو داود عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساء يوم النحر، فصار إلي فدفي علي وهب بن زمعة، ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوهب: هل أفضت أبا عبد الله؟
قال: لا والله يا رسول الله، قال: "انزع عنك قميصك" (1) .
فنرجو الإفادة بما لديكم عن هذا الحديث؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الكلام على هذا الحديث من وجوه:
أحدها: من جهة سنده، وقد انفرد به ابن إسحاق، وقد قيل لأحمد: إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله.
وهذا كاف في تضعيف هذا الحديث.
ثانيها: من جهة معناه ومخالفته للأصول، فإن من المعلوم أن الحاج يحصل له التحلل قبل الطواف بالبيت، كما في الصحيحين من
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج (رقم 1999) .(23/175)
حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: (كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) (1) فإذا ثبت التحلل من الحج قبل الطواف، فإنه لا يعود التحريم إليه إلا بعقد جديد، كما لو تحلل من الصلاة لا يعود إليها إلا بإحرام جديد.
وتقرير ذلك أن يقال: ثبت التحلل قبل الطواف بالبيت فيبقى حكمه إلا أن يستأنف التحريم بإحرام جديد، وليس ثمة إحرام جديد.
ثالثها: من جهة العمل به وقبوله، فإن هذا الحكم من الأمور الهامة في الحج التي يكثر وقوعها وتدعو الحاجة إلى بيانها علماً وعملاً، فلما لم تتلق الأمة هذا بالقبول، ولم تعمل به- اللهم إلا شذوذاً من الناس- علم أنه لا أصل له في الشريعة؛ لأن هذا مما تتوافر الدواعي على نقله، وتحتاج الأمة إلى علمه والعمل به، فكيف لا يرويه إلا واحد، أو لم يعمل به إلا شذوذ من الناس.
هذا ما ظهر لنا في هذا الحديث والعلم عند الله تعالى.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام (1539) ، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم (1189) .(23/176)
س1213: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة لأعمال يوم النحر فيه الرمي والحلق وطواف الإفاضة إلى آخره سمعنا أن هناك قولاً أنه لابد على الحاج أن يعمل عدة أشياء في اليوم الأول منها طواف الإفاضة حتى يتحلل فإن لم يطف طواف الإفاضة بقي محرماً من جديد إن كان قد أحل إحرامه فما مدى صحة ذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا وصل الحاج يوم العيد إلى منى فإنه يبدأ أولاً برمي جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى بين الصفا والمروة للحج إلا إذا كان قارناً أو مفرداً وسعى بعد طواف القدوم، فإن السعي الأول يكفيه، أما المتمتع فلابد أن يسعى مرتين مرة للعمرة حين قدومه لمكة، ومرة أخرى للحج في يوم العيد أو ما بعده، وإذا رمى الإنسان جمرة العقبة يوم العيد وحلق أو قصر حل التحلل الأول، فيحل له كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء، ثم إذا طاف وسعى حل له كل شيء حتى النساء، وقد ثبت من
حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: (كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) (1) ، فأثبتت عائشة في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحل قبل أن يطوف بالبيت، وهذا الإحلال ثابت في الصحيحين، أما الحديث المروي عن أم سلمة- رضي الله عنها- من أن الإنسان إذا غربت عليه الشمس يوم
__________
(1) تقدم ص 175.(23/177)
العيد ولم يطف طواف الإفاضة فإنه يعود حراماً (1) ، أي يعود محرماً، فإنه حديث مخالف لحديث عائشة- رضي الله عنها- وقد نقل أهل العلم الإجماع على عدم العمل به أي حديث أم سلمة، وأن الإنسان إذا حل من إحرامه من الحج فإنه لا يعود محرماً إلا بعقد نسك جديد وهذا هو الصواب. وعليه فإذا لم يطف الإنسان طواف الإفاضة يوم العيد، وقد تحلل التحلل الأول بالرمي والحلق أو التقصير، فإنه لا يعود محرماً بعد ذلك، ويبقي على حله من كل شيء إلا النساء.
س1214: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من تحلل التحلل الأول يوم النحر ولم يطف قبل غروب الشمس هل يلزمه العود إلى الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أنه لا يلزمه العود، والحديث الوارد في هذا ضعيف شاذ، مخالف للأحاديث الكثيرة الصحيحة، ثم ترك الأمة العمل به يدل على أنه ضعيف وليس بحجة، ثم إن كثيراً من الناس اليوم يتمنى أن يطوف يوم العيد لكنه لا يحصل له، ويخشى على نفسه من الهلاك والموت فيؤخر الطواف للضرورة، فعلى تقدير أن الحديث صحيح، فمن أخر الطواف عن يوم العيد خوفاً على نفسه فليس عليه شيء بمعنى أنه يحل التحلل الأول ولا يعود للإحرام ثانية.
س1215: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من تحلل من الحج
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/295) ، وأبو داود، المناسك، باب الإفاضة (1999) .(23/178)
بعد الرمي فقط يظن أن ذلك جائز فماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: من تحلل من الحج بعد رمي جمرة العقبة ظاناً أن ذلك جائز قبل الحلق فلا شيء عليه، بل إن بعض أهل العلم يقول: من رمى جمرة العقبة يوم العيد فقد حل من كل شيء إلا النساء، ولكن الصواب أنه لا يحل حتى يرمي ويحلق أو يقصر، إلا أن هذا الشخص لما كان جاهلاً بهذا الأمر فلا شيء عليه.
والجاهل الذي لا يدرك أن ما فعلهِ محظور فلا شيء عليه.
س1216: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج أن يرمي جمرة العقبة ويطوف بالبيت ويحلق رأسه ويتحلل ويلبس ثيابه قبل أن يذبح هديه؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز؛ لأن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق حل التحلل الأول، وجاز له أن يلبس ثيابه، وأن يفعل كل شيء كان محظوراً عليه في الإحرام ماعدا النساء، فإذا انضاف إلى الرمي والحلق طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل له كل شيء حتى النساء، وإن لم يذبح الهدي، ولكن الأولى أن يبادر فيرمي جمرة العقبة أولاً، ثم ينحر هديه، ثم
يحلق رأسه، ثم يتحلل، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى هذا هو الأفضل.
س1217: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا رمى الحاج جمرة العقبة وذبح هديه هل يجوز له أن يتحلل؟(23/179)
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أنه لا يتحلل إلا بالرمي والحلق، وأن الرمي وحده لا يحصل به التحلل.
س1218: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز حل الإحرام بعد رفي الجمرة والطواف قبل الحلق أم الطواف متعلق بالحلق؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر السنة أن التحلل الأول لا يكون إلا بالرمي والحلق فقط، وقال بعض الفقهاء رحمهم الله: إن التحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف، ولكن
السنة تدل على أنه لا يتحلل إلا إذا رمى وحلق، أما النحر فلا علاقة له في التحلل إلا من ساق الهدي وهو قارن، فظاهر السنة أنه لا يحل حتى ينحر.
س1219: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج يقول: بعدما رميت جمرة العقبة حلقت رأسي ثم ذهبت إلى مكان الاستراحة في منى ثم قمت بذبح الهدي، ثم قال لي بعض الناس: لا يجوز أن تحلق قبل أن تذبح فهل هذا القول صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: حلقك قبل النحر لا بأس به ولا حرج فيه، وليس عليك في ذلك فدية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مثل ذلك أو عنه فقال: "لا حرج" (1) فالحاج يوم العيد يفعل الأنساك التالية: يرمي جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، ثم يطوف
__________
(1) تقدم ص 85.(23/180)
ويسعى، هذه ترتب على هذا النحو، ويبدأ بها أولاً فأولاً على سبيل الاستحباب والأفضلية، فإن قدم بعضها على بعض فإنه لا حرج عليه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر، إلا قال: "افعل ولا حرج ".
س1220: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة خافت على جنينها وهي حامل فماذا عليها في طواف الحج ورمي الجمرات؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا خافت امرأة حامل على جنينها فإنها تحمل كما هو مجروف الآن، فكل من عجز عن الطواف يحمل يقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .
وأما الرمي فإنها توكل.(23/181)
طواف الإفاضة والسعي(23/183)
س1221: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز تأخير طواف الحج عن اليوم العاشر إلى اليوم الحادي عشر، أو الثاني عشر إذا خفت من الزحام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لمجوز تأخير طواف الحج عن يوم العيد إلى الحادي عشر، والثاني عشر، وإلى العشرين من شهر ذي الحجة، وإلى الخامس والعشرين من ذي الحجة، ولكنك لا تحل التحلل كله
إلا بعد أن تطوف وتسعى، وهذا القول الذي ذكرته أنه له إلى منتهى شهر ذي الحجة، قول وسط بين من يقول: إنه يؤخره إلى الأبد.
والصحيح أن له أن يؤخره إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة، فإذا كان هناك عذر كما لو كانت امرأة نفست في يوم العيد قبل أن تطوف طواف الإفاضة ولم تطهر إلا بعد أن خرج شهر ذي الحجة
فإنها تطوف متى طهرت.
س1222: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا حاج ومعي والدتي وأرغب في تأجيل طواف الإفاضة والوداع وأذهب إلى الطائف ثم أعود في شهر ذي الحجة فأطوف طواف الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كان من أهل الطائف فلا يجوز، وإن كان من غير أهل الطائف فلا بأس. لأنه إذا كان من أهل الطائف فمعناه رجع إلى بلده قبل انتهاء حجه، وإن كان من غير أهل الطائف فهو لا يزال في السفر فلا بأس، ولكن لا داعي أن يؤخر إلى آخر ذي الحجة، لأنه يمكن في نصف الشهر الزحام يقل جداً، لأن الناس إذا أنهوا حجهم مشوا.(23/185)
س1223: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قام بفريضة الحج العام الماضي وقد وقع في خطأ وهو بعدما وقف بعرفة وبعد رمي الجمرات أراد أن يطوف طواف الإفاضة وذهب في ساعة متأخرة من الليل ولم يتمكن من الانتهاء من الطواف إلا بعد أداء صلاة الفجر فهل عليه كفارة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر من السؤال أنه لا كفارة عليه؛ لأن الرجل طاف طواف الإفاضة في وقته أي بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، ولا أعلم عليه شيئاً إذا كان الأمر كما
وصف في سؤاله.
س1224: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل في يوم العيد سعى من دون أن يطوف وأخر الطواف إلى اليوم الثالث واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "افعل ولا حرج" فهل فعله صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: فعله صحيح، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سأل فقال له رجل: سعيت قبل أن أطوف قال: "لا حرج".
س1225: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: لقد قمت منذ ثلاث سنوات بالحج وكنت لا أعلم إلا القليل عن مناسك الحج وذهبت مع بعض أصدقائي الذين حجوا في الأعوام السابقة ولكننا عندما وصلنا إلى عرفات ضعت عن أصحاب وكان معهم كل حاجاتنا ولم يبق معي غير نقودي وواحد من أصدقائي وأكملنا باقي(23/186)
مناسك الحج مثل باقي الحجاج نسير معهم ونفعل كما يفعلون حتى نزلنا من منى بعد رمي الجمرات بنوعيها ولا أدري أن علينا غير طواف الوداع ولم أطف طواف الإفاضة ورجعت إلى جدة حيت إنني
مقيم وأعمل فيها وكنت أعزب ولم أطف طواف وداع إلا عند مغادرة المملكة في فترة الإجازة، ثم قمت بعدما علمت بتقصيري في الحجة الأولى بالحج مرة ثانية وطبعاً بحثت في مناسك الحج وقرأت
كثيراً عنها قبل ذهابي ثانياً حتى لا أقصر في شيء مرة أخرى والحمد لله، وأخبروني أن الحجة الثانية تعوض النقص في الأولى فأريد معرفة حقيقة الأمر منكم هل علي شيء الآن بالنسبة للحجة الأولى التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات؟
فأجاب فضيلته بقوله: تكرر ذكر هذه الإشكالات التي يقول فيها السائلون إنهم سألوا، وقيل لهم كذا، وأنا أحب ألن أسأل من الذي يسألون، هل هم يسألون عامة الناس، أو يسألون أي إنسان
رأوه؟! فإن كان الأمر كذلك فإنه تقصير منهم، وهذا لا تبرأ به الذمة ولا يكون لهم به حجة عند الله؛ لأن الله إنما يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وسؤالك لمن لا تعلم أنه من أهل
الذكر سؤال لا يفيد؛ لأن من ليس من أهل الذكر، هو مثلك جاهل لا يصح أن يسأل، أما إذا كانوا يسألون أهل علم ويثقون بعلمهم ودينهم فإنهم يكونون معذورين أمام الله عز وجل، ولا يلزمهم شيء، وحينئذ فهذا الذي أفتاه بأن حجته الأخيرة تجزئه عن حجته الأولى في افتائه نظر؛ لأن حجته الأولى لم تتم إذ إن طواف الإفاضة ركن لا يمَم الحج إلا به، وعلى هذا فكان ينبغي لهذا المفتي(23/187)
أن يأمره بأن يطوف طواف الإفاضة ليكمل حجه الأول، ثم بعد ذلك يأتي للحج الأخير ويكوِن الجج الأخير تطوعاً.
س1226: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أدت فريضة الحج هي وزوجها العام الماضي وقد أدت المناسك جميعاً عدا طواف الإفاضة وقد كانت في كامل صحتها ولكن لشدة الزحام وخوفاً من أن يغمى عليها وقد بدأت فعلاً أن تختنق ثم خرجت في الشوط الأول من الطواف وأدى زوجها الطواف في اليوم الثاني فجراً وخرجوا من مكة ولم يبق لديها الوقت الكافي ماذا يجب عليها أن تفعل بعد هذه المدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحقيقة أن هذه المسألة من المسائل الهامة التي لا ينبغي تأخير السؤال عنها إلى مثل هذا الوقت، بعد مضي أحد عشر شهراً من الحج إن كنت أديته في العام الماضي، أو أكثر إن كنت أديته قبل ذلك، ومثل هذه الحال على حسب ما نعرفه من كلام أهل العلم ما زلت على حجك، لأن طواف الإفاضة ركن لابد منه، ولهذا لما قيل للنبي عليه الصلاة والسلام إن صفية- رضي الله عنها- حائض قال: "أحابستنا هي؟ " (1) ولو كان أحد ينوب عن أحد في طواف الإفاضة ما كان هناك حبس، ولأمكن أن يطاف عن صفية، ولا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أحابستنا هي " وعلى هذا فأنت لا تزالي في الحج، والواجب عليك الآن أن تذهبي إلى مكة، وأن تؤدي هذا الركن الذي فرضه الله عليك في قوله
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (رقم 1757) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1211) (382) .(23/188)
تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وهذا ما جاءت به السنة أيضاً بأن التحلل الثاني لا يحصل إلا بطواف الإفاضة والسعي فتعتبرين لم تحلي التحلل الثاني، فنسأل
الله أن يعيننا وإياك، هذا ما نراه في هذه المسألة، وإن رأيت أن تستفتي غيرنا في هذا فلا حرج.
س1227: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقول: لقد قمت بأداء فريضة الحج في العام الماضي وأديت جميع شعائر الحج ما عدا طواف الإفاضة وطواف الوداع حيث منعني منهما عذر شرعي، فرجعت إلى بيتي بالمدينة المنورة آملاً بأن أعود في يوم من الأيام لأطوف طواف الإفاضة وطواف الوداع ولجهل مني بأمور الدين فقد تحللت من كلل شيء وفعلت كلل شيء يحرم أثناء الإحرام فسألت عن رجوعي لأطوف فقيل لي: لا يصح لك أن تذهبي لتطوفي فقد أفسدتي حجك وعليك الإعادة، أي إعادة الحج مرة أخرى في العام المقبل مع ذبح بقرة أو ناقة فهل هذا صحيح؟ وإذا كان هناك حل آخر فما هو؟ وهل فسد حجي وعلي إعادته؟ أفيدوني عما يجب عليه
فعله بارك الله فيكم؟ .
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البلاء الذي يحصل بالفتوى بغير علم، وأنت في هذه الحال يجب عليك أن ترجعي إلى مكة وتطوفي طواف الإفاضة فقط، أما طواف الوداع فليس عليك طواف
وداع ما دمت كنت حائضاً عند الخروج من مكة، وذلك لأن الحائض ليس عليها طواف وداع، لحديث ابن عباس- رضي الله(23/189)
عنهما-: (أمر الناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض) (1) . وفي رواية لأبي داود: (أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) (2) ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر أن صفية- رضي الله عنها- قد طافت طواف الإفاضة قال: "فلتنفر إذًا" (3) دل هذا على
أن طواف الوداع يسقط عن الحائض، أما طواف الإفاضة فلابد لك منه، وأما كنت تحللتي من كل شيء جاهلة، فإن هذا لا يضرك، لأن الجاهل الذي يفعل شيئاً من محظورات الإجرام لا شيء عليه،
لقوله تعالى: (رَبَّنَا لاّ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقال الله تعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فجميع المحظورات التي منعها الله تعالى
على الحرم إذا فعلها جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً فلا شيء عليه، لكن عليه متى زال عذره أن يعود ويقلع عما تلبس به.
س1228: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا لم تستطع المرأة أن تطوف الإفاضة يوم النحر وأخرت ذلك إلى أيام التشريق هل يجوز أن تطوف لوحدها بدون محرم، أم يجب أن يكون المحرم معها
أثناء الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يشترط في طواف المرأة أن يكون معها محرم، إذا أمنت على نفسها ولم تخش الضياع، فإن كانت لا
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 80.
(3) تقدم ص 188.(23/190)
تأمن على نفسها من الفساق، أو كانت تخشى أن تضيع فلابد من محرم يكون معها حماية لها ودلالة على المكان، وهذا عام في طواف الإفاضة، وفي طواف الوداعِ، وفيِ طواف التطوع.
س1229: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة، وحان وقت مغادرتها ولا تستطيع التأخر، ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى، فكيف تصنع؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة، وحاضت، ويتعذر أن تبقى في مكة، أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف، ففي هذه الحال يجوز لها أن تفعل
واحداً من أمرين:
الأول: إما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم، وتطوف، إذا لم يكن عليها ضرر في هذه الإبر.
الثاني: وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية،- رحمه الله- وخلاف ذلك واحد من
أمرين:
1- إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها، بحيث لا يحل لزوجها مباشرتها، ولا أن يعقد عليها إن كانت غير متزوجة.
2- وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً، وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب، الأمر(23/191)
الأول وهو بقاؤها على ما بقي من إحرامها، والأمر الثاني الذي يفوت عليها حجها، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في مثل هذه الحال للضرورة، وقد
قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وقال: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر، فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج، وفي هذه المدة لا تحل للأزواج؛ لأنها لم تحل التحلل الثاني.
س1230: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أصابها الحيض ولم تطف طواف الإفاضة ويشق محليها البقاء في مكة هل ترجع إلى بلدها وهو خارج المواقيت فإذا طهرت رجعت إلى مكة
لتطوف طواف الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المرأة حائضاً ولا يمكنها أن تنتظر الطهر في مكة، فلا حرج عليها أن تخرج إلى بلدها، فإذا طهرت عادت، لكنها في هذه الحال لا يقربها زوجها إذا كانت ذات
زوج، لأنها لم تحل التحلل الثاني.
س1231: سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: امرأة حاجة حاضت قبل طواف الإفاضة فماذا تفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة فإنه يجب عليها أن تنتظر حتى تطهر، وإن شاءت خرجت من مكة،(23/192)
لكنها تخرج على إحرامها، فإذا كانت ذات زوج فإن زوجها لا يقربها، فإذا طهرت عادت إلى مكة وطافت طواف الإفاضة، ويحسن في هذه الحال أن تحرم بالعمرة فتطوف وتسعى للعمرة وتقصر ثم تأتي بطواف الإفاضة، لكن إذا كانت في بلد لا يمكنها الرجوع، ولا يمكنها البقاء مثل أن تكون في اندونيسيا، أو في باكستان، أو في بنغلادش، أو في مصر، أو في المغرب، أو في مكان لا يمكنها أبدأً أن ترجع، فإننا في هذه الحال نقول: تتحفظ، أي تضع على فرجها شيئاً تتحفظ به من نزول الدم ثم تطوف ولو كانت حائضاً، وطوافها هنا جاز للضرورة، لأننا بين ثلاثة أمور: إما أن نقول: لا تطوفي وارجعي إلى بلدك، وأنت على ما بقيت عليه من الإحرام، وفي هذا من المشقة ما لا يحتمل، لأن مقتضى ذلك أن تبقى إن كانت متزوجة لا يقربها زوجها، وإن كانت غير متزوجة تبقى بلا زوج، لأنه لا يمكن أن يعقد عليها، وهي لم تتحلل التحلل الثاني، وهذا لا شك أن فيه مشقة شديدة.
وإما أن نقول: اعتبري نفسك طفت وتحللي بهدى، وهذه الحجة ليست لك، وهذا فيه مشقة عظيمة لاسيما امرأة لم يتيسر لها الحج إلا هذه السنة ولن يتيسر لها في المستقبل.
وإما نقول: تلجمي بحفاظ وطوفي وأنت على حيضك للضرورة، ولا شك أن هذا القول هو أقرب الأقوال إلى قواعد الشرع، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وعلى هذا فنقول لهذه المرأة التي لا يمكنها أن تبقى ولا يمكنها أن ترجع، تلجمي أي تحفظي وطوفي، ولا حرج عليك.(23/193)
س1232: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة حجت ولم تطف طواف الإفاضة ولا طواف الوداع لكونها حائضاً فماذا يلزمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليها أن ترجع إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة فقط، أما طواف الوداع فليس عليها طواف وداع، ما دامت حائضاً عند الخروج من مكة، وذلك لأن الحائض لا يلزمها طواف الوداع، لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما-: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" (1) .
فدل هذا على أن طواف الوداع يسقط عن الحائض، أما طواف الإفاضة فلابد منه.
س1233: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج مع زوجته مفرداً، ولم تستطع زوجته أن تطوف طواف الحج فطاف عنها وذهب إلى بلده فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أنه لا تصح الاستنابة في الطواف والسعي، وغاية ما ورد الاستنابة فيه رمي الجمرات، والذي يجب على هذه المرأة أن تعود الآن إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة، وتسعى إن لم تكن قد سعت، وإن أتت بعمرة كاملة، ثم أتت بما بقي من حجها فهو أحسن، حتى لا تدخل إلى مكة إلا وهي محرمة، وإن شق عليها ذلك، فلا حرج أن تدخل مكة وتطوف طواف الإفاضة وترجع.
__________
(1) تقدم ص 85.(23/194)
س1234: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج وسعي الحج عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنة، وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن شاء أخره إلى يوم العيد بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط ولا يسعى لأنه سعى من قبل، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها وكانت قارنة: "طوافك بالبيت وبالصفا
والمروة يسعك لحجك وعمرتك" (1) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً.
س1235: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة طافت طواف الإفاضة في الدور الثاني من الحرم، وبعد أن طافت شوطين تعبت فقطعت الطواف وخرجت من مكة، فهل يلزمها شيء؟ وهل تجبر حجها؟ وهل عليها إعادته؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجها لم يتم حتى الآن لأنه بقي عليها ركن من أركانه، وعليه فهي لا تزال لم تحل التحلل الثاني، فلا يجوز إذا كانت ذات زوج أن تتصل بزوجها، حتى تذهب إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة، وحال رجوعها إلى مكة يرى بعض أهل
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوه الإحرام (1211) .(23/195)
العلم أنها إذا ذهبت إلى مكة من بلدها فإنها تحرم بعمرة أولاً فتطوف وتسعى وتقصر للعمرة، ثم بعد ذلك تطوف طواف الإفاضة، ثم بعد ذلك إذا رجعت فوراً بعد طواف الإفاضة فإنه لا يجب عليها أن
تطوف طواف الوداع للعمرة؛ لأنه في الحقيقة صار آخر عهدها بالبيت. وبالنسبة لترك طواف الوداع في الحج فهي معذورة بالجهل فيما يظهر لي أنها تجهل هذا الأمر، فإذا كانت معذورة بالجهل فالأمر في هذا واسع، وربما أنها أيضاً تعبت تعباً جسمياً لا تستطيع معه الطواف لا راكبة، لا محمولة ولا ماشية، فإذا لم يكن عذر فإنه يجب عليها أيضاً ما يجب على تارك الواجب الحج فيما قال أهل العلم وهو أيضاً فدية تذبح بمكة شاة وتوزع على الفقراء من غير أن يأخذ منها صاحبها شيئاً.
وعلى كل حال هي الآن معلقة ما تم حجها، ولا تحللت التحلل الثاني، بحيث إنه لا يجوز لها جميع ما يتعلق بالنكاح من عقد، أو مباشرة، أو غيره، فهي الآن معلقة، ولا ينبغي أن تتهاون في هذا الأمر، لاسيما والوسائل ولله الحمد متيسرة، فيجب عليها أن تذهب وتطوف لتكمل حجها.
س1236: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت إلى حج بيت الله الحرام إلا أنها سعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط قبل أن تطوف الكعبة فما تقولون في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن كان هذا في الحج فالصحيح أنه لا بأس به، كما لو نزلت يوم العيد لطواف الإفاضة وسعى(23/196)
الحج، فسعت قبل أن تطوف فإنه لا حرفي عليها في ذلك؛ لأن النبي كليم سأله رجل فمْال: سعيت قبل أن أطوف فقال: "لا حرج" (1) وهو حديث جيد، وصححه بعض أهل العلم، وهو داخل في عموم قوله في الحديث الصحيح: ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج" (2) . والأول ذكر السعي من رواية أبي داود، والثاني في الصحيحين.
وأما إذا كان ذلك في العمرة فإن جماهير أهل العلم يرون أن السعي فاسد بتقديمه على الطواف، وفي هذه الحال إذا كان السعي فاسداً، فإن هذا المرأة تكون قد أدخلت الحج على العمرة قبل
إكمالها وتكون قارنة، وحينئذ يكون نسكها تاماً.
ويرى بعض أهل العلم -وهم قلة- أن تقديم السعي على الطواف حتى في العمرة إذا كان عن جهل فإنه لا يضر، فحلى كل حال هذه المرأة حجها صحيح، وعمرتها تامة سواء كانت متمتعة،
أم قارنة، ولا شيء عليها.
فإن قيل: كيف تنتقل من التمتع إلى القران؟
قيل: إحلالها لا يمنع مادام النسك باقياً؛ لأن من خصائص الحج والعمرة أن النية لا تؤثر فيهما، بمعنى أن الإنسان لو نوى الخروج ونسكه باقي لم يخرج من ذلك، فلو تحلل ورفض إحرامه وقد بقي عليه شيء منه، فإنه لا ينفع هذا التحلل ولا يخوج منه
__________
(1) أخرجه أبو داود، المناسك، باب من قدم شيئا على شيء (2015) وصححه ابن خزيمة (2774) .
(2) تقدم ص 80.(23/197)
بالنية، وهذا من خصائص الحج، وعلى هذا فإذا كانت تحللت على أنها عمرتها انقضت وهي لم تنقض فعمرتها باقية، ولا يلزمها شيء عن هذا التحلل لأنها جاهلة.
س1237: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج يقول: قدمت زوجتي من مصر للإقامة معي بجدة في الرابع من ذي الحجة، وقامت بأداء العمرة والحج ثم تحللت بنية التمتع ثم قمنا بأداء الحج غير أنها لم تكرر السعي، بل اكتفينا بسعي العمرة عملاً بمن قال ذلك من العلماء، حيث قرأنا أن فيه خلافاً بين العلماء، وأرشدنا أحد الأخوة إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أن سعي العمرة يجزئ عن سعي الحج لمن لم يكرر السعي. وبناء عليه لم نسع ورجعنا إلى جدة، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواقع أن كثيراً من المسائل في الفقه في الدين لا تخلو من خلاف، وإذا كان العامي الذي لا يعرف يطالع كتب العلماء ويعمل بالأسهل عنده، فهذا حرام، ولهذا قال العلماء: (من تتبع الرخص فقد فسق) أي صار فاسقاً.
ومن المعلوم أن اختيار شيخ الإسلام- رحمه الله- هو ما ذكره السائل أن المتمتع يكفيه السعي الأول الذي في العمرة. وله أدلة فيها شبهة. ولكن الصحيح أن المتمتع يلزمه سعيان: سعي للحج، وسعي للعمرة، كما دل على ذلك حديثا عائشة- رضي الله عنها- وابن عباس- رضي الله عنهما- وهما في(23/198)
البخاري (1) . وعليهما جماهير أهل العلم.
والنظر يقتضي ذلك "لأن الحج والعمرة في حج التمتع كل عبادة منفردة عن الأخرى، ولهذا لو أفسد العمرة لم يفسد الحج، ولو أفسد الحج لم تفسد العمرة. ولو فعل محظوراً من المحظورات في
العمرة لم يلزمه حكمه في الحج. بل الحج منفرد بأركانه وواجباته ومحظوراته، والعمرة منفردة بأركانها وواجباتها ومحظوراتها، فالأثر والنظر يقتضي انفراد كل من العمرة والحج بسعي في حق المتمتع.
وعلى هذا إن كنت متبعاً لقول شيخ الإسلام- رحمه الله- بناء على استفتاء من تثق به وأمانته فليس عليك شيء. لكن لا تعد إلى مثل ذلك والتزم سعيين، سعياً في الحج، وسعياً في الجمرة إذا كنت متمتعاً.
س1238: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج مفرداً وطاف للقدوم وسعى، فهل عليه سعي بعد طواف الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليه سعي بعد طواف الإفاضة، لأن المفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم فإن هذا السعي هو سعي الحج فلا يعيده مرة أخرى بعد طِواف الإفاضة.
س1239: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف طواف الإفاضة الشوط الأول في صحن الكعبة وعندما وصل الركن اليماني والحجر الأسود كان الزحام شديداً فصعد إلى الطابق الأول وأكمل بعض الأشواط ثم نزل إلى الصحن عندما وجد متسعاً وكلما حاذى الركن
__________
(1) حديث رقم (1638) ورقم (1572) .(23/199)
اليماني والحجر الأسود ووجد زحاماً شديداً صعد (هذا السؤال كان في منى) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الطواف مرقع يا أخي، لو أنك من الأصل كنت فوق لا بأس، أو أنك كنت في الصحن ورأيت زحاماً وخرجت وكملت فلا بأس أما تبقى صاعداً نازلاً فأنا أشير عليك أن تعيد الطواف إن شاء الله تعالى واجعله في آخر مقامك هنا يعني عند السفر طواف الفريضة ويكفيِ عن طواف الوداع.
س1240: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز تقديم السعي على الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة لسعي الحج على طواف الإفاضة فهذا جائز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر وجعل الناس يسألونه، وقيل له: سعيت قبل أن أطوف فقال: "لا حرج" (1) .
فمن كان متمتعاً فقدَّم السعي في الحج على الطواف، أو مفرداً، أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم فقدم السعي على الطواف فهذا لا بأس به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا حرج".
وأما العمرة إذا قدم الإنسان سعيها على طوافها فإنه لم يرد في هذا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن قال بعض العلماء: - وأظنه عطاء من التابعين- قال: إنه يجوز أن يقدم سعي العمرة على الطواف، وعن أحمد رواية أنه يجوز أن يقدمه إذا كان لعذر.
والاحتياط أن لا يقدمه مطلقاً، وأنه لو فرض أنه سعى قبل
__________
(1) تقدم ص 197.(23/200)
الطواف نسياناً أو جاهلاً، فإنه إذا طاف ينبغي له أن يعيد السعي، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا عني مناسككم" (1) . وقد طاف في العمرة قبل السعي.
س1241: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- سعي الحج وقد تحلل الشخص التحلل الأول هل يسن أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين الأخضرين وهو بثيابه العادية؟
فأجاب فضيلته بقوله: الركض العلمين في المسعى مشروع سواء في العمرة أو في الحج، وسواء كان الإنسان تحلل التحلل الأول أم لم يحل.
س1242: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف طواف الإفاضة وأخر السعي عن الطواف فهل هذا جائز أو غير جائز؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الجواب أنه جائز لأنه لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي حتى وإن لم يكن ضرورة، فلو فرض أن الإنسان طاف في أول النهار وسعى في آخره فلا حرج عليه، أو
طاف في أول الليل وسعى في النهار فلا حرج، لأن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست واجبة.
س1243: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف فماذا عليه؟
__________
(1) تقدم ص 98.(23/201)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف فلا شيء عليه، لأن ركعتي الطواف ليستا واجبتين وإنما هما سنة، إن أتى بهما الإنسان فهو أكمل، وإن تركهما فلا
س1244: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج حج خمس حجات وكلل حجة يأتي يوم عرفة وهو مفرد إلى مكة ويطوف بنية الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: كنت في مسجد الخيف بمنى العام الماضي وسألني هذا السؤال، وقلت هذا يحتاج إلى فتوى ووجهته إلى المسئولين، كل الحجات هذه غير صحيحة وكلها لم تتم، لأنه إن كان في طواف الإفاضة فهو ركن لا يتم الحج إلا به بالإجماع، وقد طاف في غير وقته، لأن وقت طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
س1245: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز السعي يوم العيد وتأخير الطواف إلى يوم الثالث عشر، أو الرابع عشر، أو الخامس عشر، أو السادس عشر؟
فأجاب فضيلته بقوله: معنى السؤال أن الشخص إذا سعى للحج يوم العيد وأخر طواف الإفاضة إلى الخروج حتى يكفيه عن طواف الوداع فهل يجوز؟ نقول: لا بأس بهذا، لأن الترتيب بين السعي والطواف في الحج ليس بواجب، والدليل على ذلك أن(23/202)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم العيد وجعل الناس يسألونه عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج".
كذلك أيضاً لو أنه أخر الطواف والسعي إلى حين خروجه فإنه لا بأس، لأن السعي بعد الطواف لا يمنع أن يكون آخر عهده بالبيت، لكن يجب عليه إن أخر طواف الإفاضة إلى الخروج أن ينوي
به إما طواف الإفاضة فقط، وإما طواف الإفاضة والوداع، أما أن ينوي به طواف الوداع فقط فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة، فلينتبه لذلك.
س1246: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من طاف طواف الإفاضة ولم يسع فأخر السعي ثلاثة أيام؟ وهل الطواف والسعي عبادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى أفيدونا
جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الموالاة بين الطواف والسعي غير واجبة، فيجوز الإنسان أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، أو يطوف اليوم ويسعى بعد يومين، أو يطوف اليوم ويسعى بعد أسبوع، فالموالاة بين الطواف والسعي غير واجبة.
س1247: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان إذا طاف طواف الإفاضة فقط أن يجامع زوجته؟ وبماذا يحصل التحلل الأول؟(23/203)
فأجاب فضيلته بقوله: التحلل الأول يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، والتحلل الثاني يحصل بالرمي والحلق، أو التقصير والطواف والسعي، فإذا فعل هذه الأربعة فإنه يجوز له أن يجامع زوجته.
س1248: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج حجّ قران وفي اليوم الثاني من ذي الحجة طاف وسعى وبعد أن وقف بعرفة ومزدلفة ومنى ورمى جميع الجمار طاف الوداع ورجع إلى بلده ولم يطف للإفاضة ولا سعى فما الحكم؟ وكان ذلك منذ ثلاث سنوات وحصل منه جماع لزوجته جهلاً منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا رجل حج حجّ قران، وطاف للقدوم أول ما قدم لمكة، وسعى، ثم بعد أن وقف بعرفة ومزدلفة وأكمل الرمي طاف للوداع وانصرف، نقول: إنه بقي عليه طواف الإفاضة وهو ركن لا يتم الحج إلا به، وباقي عليه من الإحرام التحلل الثاني، وعلى هذا فلا يقرب زوجته، ويجب عليه أن يكمل حجه مادام الشهر باقياً الآن، يجب عليه أن يسافر إلى مكة، والأفضل أن يأخذ عمرة لأنه مر بالميقات يريد إكمال النسك، فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف طواف الإفاضة.
وأما جماع زوجته فأرى لو عاقبناه بالأشد، لأنه رجل متهاون يبقى ثلاث سنوات، ويسأل، فهذه مشكلة لكن على القول بان الجاهل لا يلزمه شيء، نقول: إذا تاب إلى الله وأصلح عمله فإنه
لا يلزمه سوى ما ذكرت.(23/204)
س1249: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: القارن هل يلزمه طواف القدوم؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس بلازم، فلو ذهب الإنسان في اليوم الثامن إلى منى رأسًا فلا حرج؛ لأن طواف القدوم بالنسبة للقارن والمفرد سنة.
س1250: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج أن يقدم سعي الحج على طواف الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كان الحاج مفرداً أو قارناً فإنه يجوز أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، فيأتي به بعد طواف القدوم، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين ساقوا الهدي.
أما إن كان متمتعاَّ فَإن عليه سعيين، الأول عند قدومه إلى مكة، وهو للعمرة فيطوف ويسعى ويعتمر.
والثاني في الحج، والأفضل أن يكون بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي تابع للطواف، فإن قدمه على الطواف فلا حرج على قول الراجح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل فقيل له: سعيت قبل أن أطوف قال: "لا حرج" (1) .
فالحاج يفعل يوم العيد خمسة أنساك مرتبة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت، ثم السعي بين الصفا والمروة، إلا أن يكون قارناَّ أَو مفرداً سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه مرة أخرى، والأفضل أن يرتبها على
__________
(1) تقدم ص 197.(23/205)
ما ذكرنا، وإن قدم بعضها على بعض لاسيما مع الحاجة فلا حرج، وهذا من رحمة الله وتيسيره، فلله الحمد رب العالمين.
س1251: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا حاج مكي هل يصح لي طواف النافلة ثم أسعى سعي الحج قبل الوقوف في عرفة فهل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ليس بصحيح يعني أن الحاج المكي لو أراد أن يطوف طواف تطوع ثم يسعى للحج قبل أن يقف بعرفة فهذا ليس بصحيح، لأن السعي إنما يصح بعد طواف القدوم، والمكي ليس في حقه طواف قدوم، وعليه فلا يصح فعله هذا، فإذا كان قد فعل فعليه أن يعيد
السعي، لأن السعي وقع في غير محله.
س1252: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل جواز تقديم السعي قبل الطواف خاص بيوم العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب أنه لا فرق بين يوم العيد وغيره في أنه يجوز تقديم السعي على الطواف، حتى ولو كان بعد يوم العيد، لعموم الحديث، حيث قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - سعيت قبل أن أطوف قال: "لا حرج" وإذا كان الحديث عاماً فإنه لا فرق بين أن
يأتي ذلك في يوم العيد، أو فيما بعده.
س1253: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا طاف من عليه سعي ثم خرج ولم يسع وأخبر بعد ذلك بأن عليه سعياً فهل يسعى(23/206)
فقط أم يلزمه أن يعيد الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا طاف الإنسان معتمداً أنه لا سعي عليه، ثم بعد ذلك أخبر بأن عليه سعياً فإنه يأتي بالسعي فقط، ولا حاجة إلى إعادة الطواف، وذلك لأنه لا يشرط الموالاة بين الطواف
والسعي.
حتى لو فرض أن الرجل ترك ذلك عمداً- أي أخر السعي عن الطواف عمداً- فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف.
س1254: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحاج إذا ترك السعي بين الصفا والمروة وما عرف إلا بعد مغادرة مكة ماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ترك السعي بين الصفا والمروة في الحج نظرنا إن كان مفرداً أو قارناً وسعى بعد طواف القدوم فقد تم حجه وإن كان متمتعاً أو قارناً أو مفرداً لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يرجع إلى مكة ويسعى، لأن السعي لا يتم الحج إلا به.
س1255: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: وضعت مدرسة مجلة وذكرت أن التحلل الأول لا يكون إلا بفعل ثلاثة أشياء: الرمي، والنحر، والحلق. والتحلل الثاني: بالطواف والسعي، فما
رأيكم في ذلك؟(23/207)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ليس بصحيح، لأن النحر ليس له علاقة بالتحلل، فلو لم تنحر إلا في اليوم الثالث حللت، ولهذا لو رمى وحلق وطاف وسعى، تحلل التحلل كله وإن لم يكن ذبح الهدي. فالنحر لا علاقة له بالتحلل، لأن النحر لا يجب على كل حاج، إنما يجب على المتمتع والقارن، ولهذا لم يتعلق به التحلل.
س1256: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج مفرداً وبعد طواف القدوم سعى فهل عليه سعي بعد طواف الإفاضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليه سعي بعد طواف الإفاضة، فالمفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم فإن هذا السعي هو سعي الحج، فلا يعيده مرة أخرى بعد طواف الإفاضة.
س1257: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أتى أهله بعد التحلل الأول ولم يطف طواف الإفاضة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهله، لأنه قد حل التحلل الأول دون الثاني، ومن حل التحلل الأول دون الثاني أبيح له كل شيء إلا النساء، ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإكمال نسكه.
أما إتيانه أهله في هذه المدة فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه؟ لأن جميع المحظورات لاشيء فيها مع الجهل، وإن كان عالماً فإن عليه شاة على ما قاله أهل العلم يذبحها ويوزعها على الفقراء، أو يطعم
ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام، وعليه(23/208)
أيضاً أن يحرم ليطوف طواف الإفاضة محرماً، لأنه أفسد إحرامه جماعه قبل التحلل الثاني.
س1258: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: المتمتع إذا طاف ثم رمى فهل يتحلل الحل الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: عند الفقهاء- رحمهم الله- يحل التحلل الأول إذا رمى وطاف، لأنهم يقولون: التحلل الأول يكون بفعل اثنين من ثلاثة، وهما: الرمي، والحلق، والطواف، لكن السنة تدل على أنه لا حل إلا بالرمي، وعلى هذا فنقول: التحلل الأول يكون بالرمي والحلق فقط، وأنه لو رمى وطاف لم يحل إلا على رأي من يرى أن الرمي وحده يحصل به التحلل الأول.
س1259: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من رجع إلى مكة ليقصي طواف الإفاضة قال الفقهاء- رحمهم الله- يدخل بإحرام بعمرة فبأيهما يبدأ بطواف الإفاضة أم العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نسي طواف الإفاضة، أو أخل به على أي وجه لا بد أن يعيده، ووصل إلى بلده فانه يرجع بعمرة فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر للعمرة، ثم بعد ذلك يأتي بالطواف، وإنما يقال ذلك لأنه مر بالميقات وهو يريد نسكاً، فيكون كالذي أراد العمرة والحج، وقد وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المواقيت لمن أراد العمرة والحج، ولو أتى من غير ميقاته الأول، فالعلماء- رحمهم الله- صرحوا بأنه لو أتى بالعمرة بعد التحلل(23/209)
الأول من أي جهة فلا بأس.
س1260: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج مفرداً وسعي يوم الحادي عشر سعي الحج، وطاف يوم الثالث عشر طواف الحج، ثم سافر فما حكم فعله هذا، حيث تحلل يوم العاشر بالرمي والحلق؟
فأجاب فضيلته بقوله: لما رمى وحلق في اليوم العاشر فقد تحلل برمي جمرة العقبة والحلق، لكن هذا التحلل هو التحلل الأول، ويبقى عليه النساء وما يتعلق بهن، وفي اليوم الحادي عشر سعى، وأخر طواف الإفاضة إلى سفره فطافه عند الخروج، فنقول: هذا لا بأس به لأن غاية ما صار عنده أنه خالف الترتيب بين الطواف والسعي، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمن سعى قبل أن يطوف فقال: "لا حرج" وهذا في الحج.
أما في العمرة فلا بد أن يتقدم الطواف على السعي حتى ولو فرض أن الإنسان جاء بعمرة فقدم السعي على الطواف جاهلاً لا يعلم، قلنا له: إن هذا السعي لا يصح، فعليك أن تسعى بعد
الطواف.
س1261: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يمكن للمتمتع أن يقدم سعي الحج مع طواف القدوم، أو بعد انتهائه من العمرة مثل القارن والمفرد؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يمكن أن يقدم المتمتع سعي الحج؟(23/210)
لأن المتمتع أول ما يقدم سوف يطوف طواف العمرة، ثم يسعى سعي العمرة، ثم يحل، ولا يأتي سعي الحج إلا بعد إحرام جديد بالحج، وعلى هذا فنقول: المتمتع لا يمكن أن يقدم سعي الحج، بل
لابد أن يكون سعي الحج بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
س1262: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا لم يتمكن الحاج من طواف الإفاضة لمرض أقعده عن ذلك فعاد إلى بلده ثم لما شفي رجع إلى مكة فهل يدخل إلى مكة محرماً أم يدخلها حلالاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن يدخل مكة محرماً بالعمرة، ويطوف، ويسعى، ويقصر، ثم يطوف طواف الإفاضة، وإن اقتصر على طواف الإفاضة فقط فلا بأس.
س1263: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بما يحصل التحلل الأول والثاني؟
فأجاب فضيلته بقوله: التحلل الأول يحصل باثنين: رمي جمرة العقبة يوم العيد والحلق أو التقصير، فإذا انضاف إلى ذلك طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل التحلل الثاني، وعلى هذا يمكن أن يتحلل الإنسان التحلل الثاني في يوم العيد نفسه فيرمي الجمرة ويحلق أو يقصر، وينزل إلى مكة ويطوف ويسعى فيكون تحلل التحلل الثاني وأحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
س1264: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاجة طافت(23/211)
طواف الإفاضة قبل الوقوف بعرفة وحصلت لها ظروف وغادرت مكة بعد المبيت بمزدلفة فماذا يلزمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المرأة الآن لم تأت بطواف الإفاضة، لأن طواف الإفاضة وقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، إذاً الطواف لاغٍ، ولم تفعل إلا الوقوف بعرفة ومزدلفة فعليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام؛ لأنها لا تزال في إحرامها، وتذهب إلى مكة وتطوف وتسعى، فعليها دم لترك المبيت، ودم لترك الرمي، ودم ثالث لترك طواف الوداع.
س1265: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة جاءها العذر قبل طواف الإفاضة ومعها الرفقة ومضطرة أن تسافر مع رفقتها فكيف تفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة فان كان يمكن أن يبقى رفقتها حتى تطهو وتطوف، فهذا هو المطلوب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر أن صفية- رضي الله عنها- قد حاضت قال: "أحابستنا هي؟ " قالوا: إنها قد أفاضت. قال: "فلتنفر" (1) وإذا كان لا يمكن أن تنتظركما هو الحال في وقتنا هذا، نظرنا إن كانت في المملكة فلتذهب معهم وتبقى على التحلل الأول حتى تطوف، فإذا ظهرت رجعت لأن الأمر ممكن، وإذا كانت لا تقدر أن ترجع مثل أن تكون من المقيمين في المملكة ولا يمكن أن ترجع إلا بتعب ومشقة، أو من الوافدين ولا تقدر ترجع أيضاً فهذه
__________
(1) تقدم ص 188.(23/212)
تلبس حفاضة على فرجها، لئلا يسيل الدم إلى المسجد الحرام، ثم تطوف للضرورة، ويصح طوافها، هذا أصح الأقوال في هذه المسألة للضرورة.
س1266: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة نائبة عن غيرها في الحج وفي يوم عرفة نزل عليها الحيض ولم تبلغ محرمها أدت جميع مناسك الحج وهي حائض بما فيه الطواف ثم طافت للوداع
وهي حائض وعندما وصلت لم تخبر محرمها ومضى على ذلك أربع سنوات مع أنها أرملة فما حكم هذا الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم هذه أن حجها لم يتم وباقي عليها الآن طواف الإفاضة؛ لأنه ركن لا يتم الحج إلا به، فعليها الآن أن تذهب إلى مكة، وتحرم بعمرة وتطوف وتسعى وتقصر للعمرة، ثم تأتي بطواف الحج السابق، وإلا فإنها باقية على ما بقي من إحرامها، وآثمة بالنسبة للنيابة التي أخذتها وإلى الآن لم تتمها، وهي متعلقة بذمتها.
س1267: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إلى متى يجوز تأخير أعمال الحج مثل طواف الإفاضة وغيره؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطواف والسعي والحلق عند علماء الحنابلة- رحمهم الله- ليس لها حد، فمتى شاء حلق، ومتى شاء طاف وسعى لو يبقى عشر سنوات، لكن يبقى عليه التحلل الثاني، ولكن الذي أرى أنه لا لمجوز له أن يؤخره عن آخر يوم من شهر ذي(23/213)
الحجة، لأن هذه أشهر الحج، فيجب أن تكون أعمال الحج في أشهره، إلا من عذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة ولم تطهر إلا بعد خروج شهر ذي الحجة، أو أصيب الإنسان بمرض ولم
يستطع أن يطوف قبل انتهاء شهر ذي الحجة فلا حرج، متى زال المانع طاف.
س1268: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أخَّر الحاج طواف الإفاضة بدون عذر على غير رأي الحنابلة وانتهت أشهر الحج فكيف يصنع؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أدري ماذا يقولون في هذه المسألة، هل يقولون: إنه يقضيه كما تقضى الصلاة، أو يقال: عبادة فات وقتها فلا تقضى، ويكون الحج لم يتم، ولا يكتب له الحج، لا أدري
ماذا يقولون في هذا.(23/214)
زمزم(23/215)
س1269: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ماء زمزم لما شرب له" (1) فهل هو لأول نية لما شرب له، وهل يجوز أن يجمع الإنسان عدة نيات عند أول شربة له؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث إسناده حسن، ولكن ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ماء زمزم لما شرب له" هل المراد العموم وأن الإنسان إن شربه لعطش صار ريان، أو لجوع صار شبعان، أو لجهل صار عالماً، أو لمرض شفى أو ما أشبه ذلك، أو يقال: (إنه لما شرب له) فيما يتعلق بالأكل واّلشرب، بمعنى إن شربته لعطش رويتما، ولجوع شبعت، دون غيرها، هذا الحديث فيه احتمال لهذا ولهذا، ولكن الإنسان يشربه إتباعاً لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي أتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الخير كله.
س1270: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي خصائص ماء زمزم؟
فأجاب فضيلة يقوله: من خصائص ماء زمزم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال عنه "ماء زمزم لما شرب له " وأن الإنسان إذا شربه لعطش روي، وإذا شربه لجوع شبع، فهذا من خصائصه.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/357) وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم (وقم 3662) والحاكم (1/473) وقال: حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5502) .(23/217)
س1271: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل من خصائص مكة أو الكعبة التبرك بأحجارها أو أشجارها؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من خصائص مكة أن يتبرك الإنسان بأشجارها ولا أحجارها، بل إن من خصائص مكة أن لا تقطع أشجارها، ولا يحش حشيشها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن ذلك إلا الأذخر؟ (1) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثناه لأنه يكون للبيوت، وقيون
الحدادين وكذلك اللحد في القبر، فإنه تسد به شقوق اللبنات، وعلى هذا فنقول: إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها لشيء يتبرك به بالتمسح به أو بنقله إلى البلاد أو ما أشبه ذلك.
س1272: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل شرب ماء زمزم بعد الطواف سنة؟ وما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "زمزم لما شرب له " وبماذا يدعو؟
فأجاب فضيلته بقوله: ثبت أن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم (3) ، ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة.
وأما قوله "ماء زمزم لما شرب له " فمعناه أنك إذا شربت عن عطش رويت به، وإن شربته عن جوع شبعت به، فهو طعام طعم، وشفاء سقم، فإن شربته أيضاً للشفاء من مرض كان فيك فإنك تشفى بإذن الله.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب اللقطة، باب تعرف لقطة أهل مكة (2433) ، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة (1355) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/218)
وأما الدعاء فقال بعض الفقهاء- رحمهم الله- إنه يقول: (بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعًا، ورياً وشبعاً، وشفاء من كل داء، اغسل به قلبي، واملأه من خشيتك) ولكن هذا لم يثبت من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
س1273: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "ماء زمزم لما شرب له" فبعضهم يقول: إنك تدعو قبل ما تشرب فهل هذا له وجه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث "ماء زمزم لما شرب له" حديث حسن، ولكن ما معنى قوله (لما شرب له) هل معناه العموم حتى لو شربه الإنسان ليكون عالماً صار عالماً، أو ليكودن تاجراً صار تاجراً، أو المراد لما شرب له مما يتغذى به البدن فقط، بمعنى إنك إن شربته لإزالة العطش رويت، أو لإزالة الجوع شبعت، الذي يظهر لي- والله أعلم- أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى به البدن، بمعنى
أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك.
وأما الدعاء عند شربه فقد استحبه الكثير من العلماء - رحمهم الله-.
س1274: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الذهاب إلى زمزم في أعمال الحج أم في العمرة أم في كليهما؛ لأن بعض الكتب لم تذكر بعد الطواف وصلاة ركعتي الطواف الذهاب إلى زمزم، وهل الشرب من زمزم بعد الطواف سنة؟(23/219)
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف العلماء- رحمهم الله- هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - شرب ذلك تعبداً، أو محتاجاً للشرب هذا محل تردد عندي، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، فما دامت المسألة مشكوك هل هي عبادة، أو طبيعة فلا نقول: إنه يشرع إلا لو أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فمن الممكن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما طاف احتاج إلى الشرب، ولهذا لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام شرب حين طاف للعمرة: عمرة الجعرانة، وعمرة القضاء، و - صلى الله عليه وسلم - هذا ففيه احتمال قوي جداً أنه شربه لحاجته إليه، فالذين أيذكروه لأنهم لا يرون أنه مشروع، وإنما احتاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يشرب فشرب.
ولكن الشرب من ماء زمزم من حيث الأصل أمر مطلوب، لأنه لما شرب له، كما جاء ذلك في حديث حسمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن إلى شرب له (لأي شيء؟ قيل: إنه لما شرب له لإزالة العطش، أو إزالة الجوع، أو إزالة المرض العضوي البدني، وأما تعميمه لكل شيء ففي النفس من هذا الشيء، لكن ينتفع به البدن لإزالة العطش، وإزالة الجوع، وإزالة السقم، كما جاء به حديث آخر "أنه شفاء سقم" (1) ، "وإنها مباركة، وإنها طعام طعم" (2) .
س1275: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في سياق ذكركم لصفة العمرة لم تذكروا الشرب من زمزم؟
__________
(1) صححه الهيثمي في مجمع الزوائد (3/289) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه (رقم 2473) .(23/220)
فأجاب فضيلته بقوله: لم أذكر ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما لشرب ماء زمزم في الحج.
س1276: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عند الشرب من ماء زمزم هل لابد من الجلوس؟
فأجاب فضيلته بقوله: الشرب قاعداً أفضل بلا شك بل يكره الشرب قائماً إلا لحاجة، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشرب الرجل قائماً (1) ، أما إذا كان هناك حاجة مثل أن يكون الماء الذي يشرب منه عالياً، كما يوجد في بعض البرادات تكون عالية لا يستطيع للإنسان أن يشرب منها وهو قاعد فهنا تكون للضرورة؟ لأنه ثبت عق النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لشرب من شن معلق، أي من قربة قديمة معلقة وليس عنده إناء، كذلك أيضاً إذا كان المكان ضيقاً لا يمكن أن لمجلس فليشرب قائماً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرب من زمزم وهو
قائم (3) ، أما في حالة السعة فليشرب وهو قاعد.
وهنا مسألة إنسان دخل المسجد وفيه ماء وهو عطشان يريد أن يشرب فهل يجلس ويشرب، أو نقول: صل التحية ثم اشرب.
الجواب الثاني نقول: صل التحية ثم اشرب، هذا هو الأفضل، فإن صت إذا صليت التحية أن يكثر الناس على الماء وتتأخر فاشرب قائماً، ولا حرج لأن هذا حاجة.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب كراهية الشرب قائماً (رقم 2024) (115) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب الشرب قائما (5617) ، ومسلم، كتاب الأشربة، باب في الشرب من زمزم قائماً (رقم 2527) .(23/221)
س1277: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عندما يسافر الإنسان إلى أهله من مكة فيحمل معه زمزم لأننا نعلم جميعاً أن في هذا الماء الشفاء والحمد لله، فبعض الناس يقولون: لو خرج ماء زمزم من مكة فلا يفيد شيئاً فهل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد، سواء كان في مكة أو في غيرها، لعموم الحديث الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "ماء زمزم لما شرب له" فهو يشمل ما إذا شرب في مكة، أو شرب خارج مكة، وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونها إلى بلادهم.
س1278: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الحاج معه ماء من زمزم فقط وحضرت الصلاة فهل يتوضأ منه، أم يتيمم نظراً إلى أن ماء زمزم مبارك ويتخذ للشرب فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: ماء زمزم كما قال الأخ هو مبارك، وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن "ماء زمزم لما شرب له"، ولكن نقول: من بركته أيضاً أنه يتطهر به العبد لأداء الصلاة، فالوضوء به جائز ولا حرج؛ لأنه ماء فيدخل في عموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى أن قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) فعلى هذا يجب عليه أن يستعمل هذا الماء أي ماء زمزم في طهارته، ولا يجوز له العدول إلى التيمم ما دام هذا الماء مِوجوداً.(23/222)
س1279: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز غسل الطفل في دبره لوجود مرض فيه في الحمام من ماء زمزم وقد قرئ فيه؟
فأجاب بقوله: يقرأ على ماء زمزم وغير ماء زمزم ويمسح به موضع الألم في أي موضع من الجسم، لكن ينظف أولاً الدبر والقبل من أثر البول، أو الغائط ثم يمسح بهذا الماء.
س1280: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى: ما درجة حديث "ماء زمزم لما شرب له "؟ وما معناه؟ وما حكم التضلع منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: "ماء زمزم لما شرب له"، هذا الحديث كثر الكلام في صحته، وأحسن ما قيل فيه ما قاله ابن القيم- رحمه الله- (الحق أنه حسن، وجزم البعض بصحته، والبعض بوضعه مجازفة) .
نقله عنه في فيض القدير شرح الجامع الصغير. ومعناه: أن من شربه لرىّ روي به، ولشبع شبع به، ولشفاء من مرض - صلى الله عليه وسلم - شفي به وهكذا. أما التضلع منه، فقد ذكره أهل العلم في مناسكهم، ولا يحضرني الآن حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم رأيت في (التلخيص الحبير) أن ابن عباس- رضي الله عنهما- أمر رجلاً أن يتضلع منه، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم" (1) وعزاه إلى الدارقطني والحاكم من طريق ابن أبي مليكة، فلينظر.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم (رقم 3561) والحاكم (1/472) وصححه ولم يوافقه الذهبي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 22) . وفي الإرواء (4/325) .(23/223)
س1281: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم حمل ماء زمزم إلى خارج مكة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حمل ماء زمزم روى الترمذي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت تحمله، وتخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحمله" (1) ، وانظر ص/572 من الجلد الثاني من الأحاديث الصحيحة للألباني.
__________
(1) كتاب الحج، باب ما جاء في حمل ماء زمزم (9631) .(23/224)
المبيت بمنى ليالي التشريق(23/225)
درس اليوم الحادي عشر 11/12/1425 هـ بمنى
الحمد لله رب العالين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى اَله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا حجاج بيت الله هذا هو اليوم الأول من أيام التشريق التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" (1) . ولهذا يحرم صومها إلا في حال واحدة وهي التمتع أو القارن إذا لم يجد الهدي فإنه يصومها ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وأما الذكر فينبغي أن تملأ هذه الأيام بذكر الله عز وجل، بالتكبير والتسبيح والتهليل
والتحميد فتقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وفي هذا اليوم الأول من أيام التشريق يرمي الحجاج الجمرات الثلاث الأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة مرتبة هكذا كما رتبها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيبدأ أولاً بالجمرة الأولى
يرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام ويقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه يدعو الله دعاءً طويلاً، ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً عن الزحام فيقف مستقبلاً القبلة رافعاً يدعو الله دعاء طويلاً، ثم يرمي جمرة العقبة وينصرف، هذا عمل الحجاج اليوم.
وهنا وقفات منها: هل لمجوز الرمي في هذا اليوم وما بعده قبل الزوال أو لا لمجوز؟
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق (رقم 1141) .(23/227)
الجواب: لا لمجوز. لأن النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: "خذوا عني مناسككم" (1) ولم يرخص للنساء والضعفة أن يرموا قبل الزوال، بينما رخص لهم في رمي جمرة العقبة يوم العيد أن يتقدموا ويرموا متى وصلوا إلى منى، ولو كان الرمي قبل الزوال في هذه الأيام الثلاثة جائزاً، لرخص لهم في هذا كما رخص لهم في جمرة العقبة، وأيضاً لا يمكن أن يكون جائزاً
فيؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرمي إلى ما بعد الزوال مع أن ذلك في الحر أشق على الناس، وأول النهار لا شك أنه أبرد وأيسر، فلو كان جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم، أو أحله لأمته، فلما لم يفعل علم أنه لا يجوز، ولهذا لو أن أحداً رمى قبل الزوال في هذه
الأيام الثلاثة لقلنا: رميك مردود عليك، والدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) . وإذا اختلف العلماء في شيء فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، وإذا رجعنا إلى الكتاب والسنة وجدنا أن الله تعالى يقول: (فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ) ومن رمى قبل الزوال لم يتبع النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم. ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" والذي يرمي الجمرات قبل الزوال عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود، وليس علينا من قول فلان أو فلان، لأننا مأمورون عند النزاع بالرد إلى
__________
(1) تقدم ص 98.
(2) تقدم ص 147.(23/228)
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالنتيجة الآن أن من رمى قبل الزوال فقد عمل عملاً ليمس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً عليه، فاجتهادات العلماء إذا لم تصب
الشريعة فإنها اجتهادات خاطئة، ولكن المجتهد إذا بذل وسعه في طلب الحق وتوصل إلى رأي مما يراه فهو مأجور وإن أخطأ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر" (1) ، لكن خطأه لا يجوز للإنسان أن يأخذ به وهو يعلم أنه
مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثانياً: من الوقفات متى ينتهي وقت الرمي؟ ما دام حددنا وقته أولاً فمتى يكون وقته آخراً؟
الجواب: بعض العلماء يرى أنه إذا غربت الشمس انتهى وقت الرمي. ويستدل بقوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) فجعل الوقت مقيداً باليوم لا بالليل، ولكن هذا القول وإن كان له وجهة نظر ولكن الحاجة في وقتنا هذا تستدعي أن يرخص الناس في الرمي إلى ما بعد غروب الشمس إلى الفجر، ويستدل لهذا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي وسكت عن آخره، والليل يمكن أن يكون تابعاً للنهار كما في وقوف عرفة، فإن
الإنسان لو وقف نهاراً فقد وقف في الوقت الذي وقف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو وقف في الليل أجزأه إلى الصباح كما جاءت بذلك السنة.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (رقم 7352) ، ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (رقم 1716) .(23/229)
ثالثاً: من الوقفات: هل يلزم المرء أن يرمي بنفسه أو يجوز أن يوكل؟
والجواب على هذا أن نقول: الأصل أنه يجب على المرء أن يرمي بنفسه، لقول الله تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) فمن وكل غيره فإنه لم يتم الحج، ولكن لما ورد عن الصحابة أنهم كانوا
يرمون عن الصبيان تبين أنه إذا كان الإنسان عاجزاً لا يستطيع الرمي فإنه يوكل وهو كذلك، فإذا كان الحاج مريضاً لا يستطيع أن يرمي بنفسه، أو كان أعرج يشق عليه المشي، أو كان أعمى يشق
عليه الحضور إلى الجمرة أو ما أشبه ذلك فله أن يوكل للعذر وأما الزحام فليس بعذر لأن الزحام له أمد ينتهي إليه إذا قلنا: الوقت من الزوال إلى طلوع الفجر فالوقت ممتد، وإذا وجد الإنسان زحاماً
في أول الوقت فليؤخره إلى آخره فيزول العذر، فصار الآن الذي لا يستطيع الرمي بنفسه من الزحام لا يوكل ولكن يؤخر، وأما الذي لا يستطيع أن يرمي بنفسه لعجز، أو كبر، أو امرأة حامل، أو أعمى، أو ما أشبه ذلك فإن هذا يوكل.
رابعاً: ومن الوقفات هل إذا وكل أحداً يحتاج إلى أن يلقط الحصى ثم يسلمها للوكيل؟ أو يجوز أن يتولى الوكيل ذلك بنفسه؟
والجواب: أن كلا الأمرين جائز، إن شاء لقط الحصا وأعطاها الوكيل، وإن شاء لقط الوكيل، لأن المقصود هو رمي هذه الجمرات.
خامساً: ومن الوقفات أيضاً: هل يلزم الوكيل أن يرمي الثلاث عن نفسه أولاً ثم يعود ويرمي عن موكله ثانياً، أو يجوز أن يرمي عنه وعن موكله في وقت واحد؟(23/230)
الجواب: يجوز أن يرمي عنه وعن نفسه وعن موكله في موقف واحد، لأن ظاهر فعل الصحابة وهو قولهم: (لبَّينا عن الصبيان ورمينا عنهم) (1) أنهم كانوا يرمون عن الصبي وعن أنفسهم في موقف واحد، وإذا لم يحق هناك دليل واضح على أنه لابد أن تكمل عن نفسك ثم عن موكلك، فإنه لا ينبغي أن يلزم الناس بذلك مع كثرة الجمع والزحام والمشقة.
سادساً: من الوقفات أيضاَّ: هل يجزئ الرمي بحصاة قد رمي بها؟
والجواب: نعم يجزئ الرمي بحصاة قد رُمي بها، لأن الحصاة حصاة مهما كان، وعليه فإذا سقطت من يدك حصاة فخذ حصاة من الأرض وارم بها، ولو كنت إلى جنب الحوض ولا تسأل: هل رمي بها أو لا؛ لأن الحصاة حجر سواء رمي به أو لم يرم به، وما ذكره بعض أهل العلم- رحمهم الله- من أنه لا يجزئ الرمي بحصاة قد رمي بها، فهذا محل خلاف بين العلماء، فمنهم من قال بذلك، ومنهم من لم يقل بذلك، ولكن إذا رجعنا إلى الدليل وجدنا أنه لا بأس أن يرمي بحصاة قد رُمي بها، ولكنه لا ينبغي للإنسان أن يأخذ حصاة واحدة ويقف على الحوض فيرميها، ثم يأخذها ويرميها، ثم يأخذها ويرميها، يعني هذه الكيفية على غير الكيفية التي رماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
سابعاً: من الوقفات أيضاً: هل الوقوف بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى واجب؟
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/314) وابن ماجة (8538) .(23/231)
الجواب: ليس بواجب لكنه سنة، سنة تكاد تكون مهجورة، ولذلك ترى كثيراً من الناس لا يفعلونها: إما لجهل، وإما لشغل يحدوهم إلى المبادرة، وإما لضيق المكان، المهم أنها ليست بواجبة،
فلو ترك الإنسان الدعاء عمداَّ وَلم يقف ولم يدع فلا حرج عليه.
ثامناً: في اليوم الثاني عشر إذا أراد الإنسان أن يتعجل وحضر إلى الجمرات ووجد الزحام شديداً ولم يتمكن من رمي الجمرات إلا بعد غروب الشمس فله أن يرمي وينصرف حتى لو غابت الشمس،
لأن هذا الرجل متعجل، لكن حبسه حابس، فإذا كان متعجلاً وحبسه الحابس فله أن يرمي متى زال هذا الحابس وينصرف وينتهي من الحج.
تاسعاً: فإذا قال قائل: ما الحكمة من الرمي؟
فالجواب: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا) .
ثانياً: إن في الرمي إقامة لذكر الله، ولهذا ترى الإنسان إذا رمى يقول: الله أكبر، يكبر الله تعالى بلسانه، ويكبره ويعظمه بقلبه.
ثالثاً: إن في ذلك تمام التعبد لله عز وجل، لأن الإنسان إذا تعبد الله بعبادة دون أن يعرف سر هذه العبادة كان ذلك دليلاً على أنه مستسلم لله عز وجل على كل حال، والله تبارك وتعالى أعلم
وأحكم.
وأما ما يروى أن الشيطان تعرض في هذه الأمكنة لإبراهيم الخليل عليه السلام حين أمر بذبح ابنه، فتعرض له في هذا المكان(23/232)
ليصده عن تنفيذ أمر الله، فجعل إبراهيم يرمي هذه الجمرات، فهذا لا أصل له ولا صحة له، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام أجل من أن يرمي الشيطان بالحصيات، إذا مسَّك شيء من الشيطان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا جاء في القرآن. قال الله عز وجل: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وما رمي الجمرات إلا نظير تقبيل الحجر الأسود، لولا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبَّل الحجر الأسود ما قبَّلناه، لقول عمر رضي الله عنه حين قبله: أوالله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك" (1) . إذاً نحن نقبل الحجر لمجرد كونه عبادة لا للتبرك به، كما يفعله بعض الجهال، رأينا من لمجمل الصبي ويقف على الحجر يمسحه بيده ثم يمسح الصبي بهذه اليد تبركاً، وكذلك في الركن اليماني، فهذا من الغلط، فنحن لا نستلم الحجر الأسود ولا نقبله ولا نستلم الركن اليماني إلا تعبداً لا لقصد التبرك.
أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود (رقم 1597) ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (رقم 1270) .(23/233)
س1282: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم المبيت في منى ليالي التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: البيت في منى من واجبات الحج، والمعروف عند أهل العلم أن من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية: ذبح شاة تذبح في مكة، وتوزع على فقرائها.
والمشروع للحاج أن يبقى في منى طول الوقت، هكذا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإنسان لم يتغرب عن وطنه، ولم يتجشم من المشاق إلا لأداء هذه العبادة العظيمة على وفق ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يأت من بلده إلى هذا المكان ليترفه، ويسلك ما هو الأيسر مع مخالفته لهدى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمشروع في حق الحاج أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، ولكن مقتضى كلام الفقهاء- رحمهم الله- أن الواجب أن يبقى في منى معظم الليل في الليلة الحادية عشرة، والثانية عشرة، وأما بقية الليل والنهار جميعه فليس بواجب عندهم أن يمكثوا
بمنى، ولكن ينبغي للإنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة، وأن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلاّ يومان فقط بالإضافة إلى يوم العيد، بل يوم ونصف وزيادة يسيرة مع يوم العيد.
س1283: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الآَداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم أثناء بقائه في منى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي ينبغي أن ينتهز هذه الفرصة في التعرف على أحوال المسلمين، والالتقاء بهم، وإسداء النصح(23/234)
إليهم، وإرشادهم، وبيان الحق البني على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، حتى ينصرف المسلمون من حجهم، وهم قد أدّوا هذه العبادة، ونهلوا من العلم الشرعي البني على كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان لا يحسن دعوة من يخاطب فإنه يجعل بينه وبينهم ترجمانًا يكون أميناً عارفاً باللغتين، المترجم منها وإليها عارفاً بموضوع الكلام الذي يتكلم فيه، حتى يترجم عن بصيرة، وفي ثقة وأمانة.
وينبغي كذلك في هذه الأيام أن يكون حريصاً على التحلي بمحاسن الأخلاق والأعمال، من إعانة المستعين، وإغاثة الملهوف، ودلالة الضائع، وغير ذلك مما هو إحسان إلى الخلق، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) ولاسيما في هذه الأماكن المفضلة، فإن أهل العلم يقولون: إن الحسنات تضاعف في الزمان والمكان الفاضل.
س1284: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يقضي هذه الأيام في منى إما بالاستماع إلى الملاهي أو بالتفكه بالحديث في أعراض الناس فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل محرم في حال الحج وغير الحج، فإن الأغاني المصحوبة بآلات العزف، من الموسيقي والعود والرباب وشبهها محرمة في كل زمان وفي كل مكان، لما ثبت في صحيح(23/235)
البخاري من حديث أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير، والخمر، والمعازف" (1) قال العلماء: والمعازف: آلات اللهو.
ولا يستثنى منها إلا الدفوف في المناسبات التي أذن الشارع باستعمالها فيها، وكذلك التفكه بأعراض الناس، والسخرية بهم ونحو ذلك، مما يحدث في موسم الحج وغيره، وهو حرام، سواء كان في موسم الحج أو في غير موسم الحج، وسواء كان في مكة أم في غير مكة، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12))
س1285: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً ثم دخل مكة ولم يعد حتى طلوع الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً هي منتصف الليل في منى، فإنه لا بأس أن يخرج منها بعدها، وإن كان الأفضل أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، وإن كانت الثانية عشرة قبل
منتصف الليل، فإنه لا يخرج لأن المبيت في منى يشترط أن يكون
__________
(1) أخرجه البخاري كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (رقم 5595) .(23/236)
معظم الليل على ما ذكره فقهاؤنا رحمهم الله تعالى.
س1286: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجب المبيت في منى ليالي التشريق كل الليل أو أكلبه وكذلك مزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما مزدلفة فليبق حتى يصلي الفجر ويسفر جداً، هذا هو الأفضل، ولكن إذا كان معه ضعفاء فلهم أن يدفعوا في آخر الليل. يعني قبل الفجر في الثلث الأخير من الليل وأما منى فمنى أمرها سهل، لأنها ليست كمزدلفة في وجوب المبيت بها، والواجب أن يبقى فيها معظم الليل، وليس واجباً أن يبقى كل الليل، لكن لو فرض أنه لم يجد مكاناً في منى، فنقول: انزل حيث انتهت خيام الناس، وكذلك لو فرض أنه نزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ولكنه لم يستطع الوصول إلى منى إلا بعد طلوع الفجر فنقول: لا شيء عليك.
س1287: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المبيت خارج منى السقاة وغيرهم، فما الذي يقاس عليهم في وقت الحاضر؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى، لأنهم يرعون رواحل الحجيج، ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت، لأن الناس في(23/237)
حاجة إليهم.
وأما من بهم عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه، ذلك فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولين للعلماء:
فمن العلماء من يقول: إنهم يلحقون " لوجود العذر.
ومن العلماء من يقول: إنهم لا يلحقون، لأن عذر هؤلاء خاص، وعذر أولئك عام.
والذي يظهر لي أن أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء كمثل إنسان مريض احتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشرة واثنتي عشرة فلا حرج عليه، ولا فدية لأن هذا عذر، وكون
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرخص للعباس- رضي الله عنهما- مع إمكانه أن ينيب
أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف يعني ليس وجوبها بذلك الوجوب المحتم، حتى إن الإمام أحمد- رحمه الله- رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية
عليه، وإنما يتصدق بشيء. يعني عشرة ريالات أو خمسة ريالات حسب الحال.
س1288: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يعذر أصحاب التجارة من المبيت بمنى ليالي التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: أصحاب التجارة هذه مصالح خاصة ولن يعذر، لكن يمكن أن يقال: أصحاب الأفران الذين يحتاج الناس إليهم قد يلحقون بهؤلاء.(23/238)
س1289: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل سائق الحافلة يعذر من البيت بمنى ليالي التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: ينظر هل السائق يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أو لا؟ فإن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاة في ترك البيت في منى، وإن كان لمصلحة لنفسه فلابد أن يبيت في منى.
س1290: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: والدتي عجوز ووكلتني برمي الجمار ولم تبت بمنى البارحة واليوم هي موجودة بمنى فهل عليها شيء لعدم مبيتها البارحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليها إلا أن تتصدق بأقل ما يسمى صدقة يعني بعشرة ريالات أو ثلاثة ريالات، لأنها لم تترك النسك كله فهي تركت ليلة من ليلتين هذا هو القول الراجح، وبعض العلماء يقول: عليها فدية شاة تذبح وتوزع على الفقراء لكن لا وجه لهذا.
س1291: سئل فضيلة الشيخ رحمَه الله تعالى-: الحاج إذا جمع وقصر بمنى هل ينكر عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا جمع فلا بأس؛ لأنه مسافر والسافر يجوز له الجمع، لكن هل يختار الجمع وعنده هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فيقال له: هذا خلاف السنة: لكن قد يكون الإنسان معذورا إما أنه يشق عليه الوضوء، أو الماء قليل، أو ما أشبه ذلك من(23/239)
الأعذار فلا بأس أن يجمع، وأما القصر فهو سنة.
س1292: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص حج وسكن خارج منى فماذا يلزمه؟ وما الضابط في المبيت في منى؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكاناً فإن الواجب أن يبيت فيها.
أما الضابط في المبيت، فإنه يكون في منى معظم الليل، يعني أكثر الليل، لكن من نزل من منى مثلاً لطواف الإفاضة في أول الليل، ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه
لا شيء عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
سئلت عن الحاج لا يجد مكاناً في منى هل يجزئه أن يبيت خارج منى؟
فأجبت: بأنه لا حرج عليه أن يبيت خارج منى، لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، لقوله تعْالما: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف، ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد.
قال ذلك وكتبه
محمد الصالح العثيمين
في 11/26/1416هـ(23/240)
س1293: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى
وقضى الليل في السيارة يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة، واجب على القول الراجح، يدل لوجوبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد العباس- رضي الله عنهما- أن ينزل إلى مكة لسقاية الحاج رخص له.
قال العلماء: وكلمة (رخص) تدل على أن الأصل الوجوب - صلى الله عليه وسلم - لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمر واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة، ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل - صلى الله عليه وسلم - أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تجد مكاناً في منى، فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء مادمت بحثت عن مكان ولم تجد، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
س1294: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحجاج من سكان العزيزية وغيرهم ينزلون إلى مساكنهم في النهار أيام التشريق فما رأيكم في ذلك؟ وكيف يكون ساكن العزيزية مسافراً إذا كان(23/241)
بمنى وهو يجلس في النهار في بيته وينام فقط في الليل بمنى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه لا ينبغي لساكن العزيزية أن ينزل إلى بيته بالنهار، فمن السنة بلا شك أن يبقى في الخيمة بمنى؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة- رضي الله عنها- عندما قالت: (هل على النساء جهاد؟) فقال: "نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" (1) .
فالمشروع في حق الحاج أن يبقى ليلاً ونهاراً في منى.
ولكن بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر محل تردد في أنها سفر لأهل مكة؛ لأن البيوت اتصلت بها، فصارت كأنها حي من أحياء مكة، أما مزدلفة وعرفة فهي خارج مكة فهي إلى الآن لم تصلها
منازل فالأحوط لأهل مكة في منى أن يتموا الصلاة، لاسيما وأن المشهور في مذهب الإمام أحمد- رحمه الله- أن أهل مكة ليسوا مسافرين حتى في عرفة. لكن القول الراجح أنهم مسافرون؛ لأنهم
كانوا يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في منى وفي عرفة ويقصرون، وإنما بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر أنا أتردد في أنها تعتبر سفراً بالنسبة لأهل مكة، لأنها كما قلت أصبحت وكأنها حي من أحيائها.
س1295: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس في الحج يقيمون خارج حدود منى ويبيتون خارجها وهم لا يعلمون وإذا نصحوا لا يستجيبون؟
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/71، 165) وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء (رقم 2901) وابن خزيمة (رقم 3574) والبيهقي في سننه الكبرى (4/355) .(23/242)
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على الإنسان أن يحتاط لدينه، بأن يبحث بحثاً دقيقاً عن مكان في منى، فإذا لم يجد فقد قال الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإذا لم يجد سقط عنه الوجوب، لأنه
عاجز.
س1296: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للمبيت بمنى هل يلزم المبيت إلى الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بد أن يبيت فيها معظم الليل، يعني ثلثي الليل، إما من أول الليل، أو من آخره.
س1297: سئل فضيلة الشيخً- رحَمَه الله تعالى-: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلاً غير مخلٍّ بالحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلاً ونهاراً بمنى كما بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ليلاً ونهاراً.
س1298: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم من المبيت في منى ليالي التشريق النوم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزم، البقاء يكفي، وأيضاً يكفي البقاء معظم الليل، ولا يلزم كل الليل، فلو فرضنا أن الليل عشر ساعات وبقي ست ساعات كفى، لكن الأفضل أن يبقى جميع الوقت.
وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس يسأل يقول: إن منى(23/243)
ضاقت ولا يوجد بها مكان.
فنقول: إذا لم يجد فيها مكانًا فلينزل عند آخر خيمة حتى يكون مع الناس، كما أن الرجل إذا لم يجد في المسجد مكاناً فإنه يصلي مع الصفوف إذا اتصلت ولو في الطريق.
س1299: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحد الأدنى للمبيت في منى ليالي التشريق؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا بقي في منى أكثر الليل فقد أدى الواجب سواء من أول الليل أو آخره، فمثلا لو بقي في منى حتى انتصف الليل فله أن يغادر، فالحاصل أن الواجب أن يبيت في
منى معظم الليل.
س1300: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما مقدار مبيت الحاج في منى ليالي التشريق؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ذكر العلماء- رحمهم الله- أن المبيت في منى يجب أن يكون معظم الليل فإذا قدرنا أن الليل عشر ساعات، فليكن خمس ساعات ونصف كلها في منى، وما زاد على
ذلك فهو سنه.
س1301: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت عن أبي في العام الماضى وفي اليوم الحادي عشر وكان معنا بعض الناس وأصروا علينا بالرجوع في هذا اليوم فرجعنا وقلى علمت أن الحج يبدأ من(23/244)
اليوم الحادي عشر بالنسبة للجلوس بمنى فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحكم أنكم تركتم واجب المبيت، وواجب الرمي، وهذا حرام عليكم، فإذا حججتم فأقيموا الحج كما شرعه الله، وإلا فلا تحجوا، وابقوا في بلادكم فهو خير لكم، والأمر الذي وقع الآن، حله أن تذبحوا فدية عن رمي الجمرات، وأن تتصدقوا عن ترك المبيت ليلة الثاني عشر بمنى، ويكون ذلك بمكة يوزع على الفقراء، وإذا لم تطوفوا للوداع فإن عليكم فدية أخرى لترك طواف الوداع تذبح بمكة وتوزع على الفقراء.
س1302: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يبت في منى ليالي أيام التشريق هل عليه الدم كما يقول الفقهاء أم ليس عليه الدم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يقول الفقهاء- رحمهم الله-: المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب، والواجب في تركه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، وهذا القول وإن لم يكن قوياً من حيث
النظر لكنه قوي من حيث العمل وتربية الناس، لأننا لو قلنا للناس إنه ليس بواجب، لم يحرصوا عليه، ولم يهتموا به، فكون الشيء يبقى محترماً في نفوس الناس معظماً أولما وأحسن، والذي لا
يستطيع أدت يذبح فدية ليس عليه شيِء.
س1303: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعد رمي جمرة العقبة(23/245)
ذهب لطواف الإفاضة وبسبب التعب والإرهاق لم يستطع الطواف إلا في اليوم الثاني ولم يستطع المبيت في ليلة الثاني عشر في أول أيام التشريق فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل يقول إنه لما رمى الجمرة يوم العيد تعب ولم يتمكن من الطواف في أول النهار فنزل في آخر النهار ليطوف طواف الإفاضة، وطاف فعلاً ولم يتمكن من الخروج إلى منى فهل عليه شيء، والجواب: لا شيء عليه، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن بترك المبيت لعمه العباس بن عبد الطلب رضي الله عنه ليسقي الناس من ماء زمزم، فإذا عجز الإنسان ولم يتمكن من الوصول إلى منى في تلك الليلة فلا شيء عليه.
س1304: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج نزل إلى الحرم ليالي التشريق فأخذه النوم ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كان ذلك بغير تفريط منه فإنه لا شيء عليه، وإن كان هذا بتفريط منه، فإنه يجب عليه عند جمهور أهل العلم الفدية، يذبحها هناك في مكة، ويفرقها على الفقراء،
لأنه ترك هذا الواجب غير معذور، فوجب عليه الفدية لتجبر ما حصل من نقص وخلل.
س1305: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الإنسان لا يريد أن ينام في منى ليلاً أيام التشريق فهل له أن يخرج إلى الحرم مثلاً لينال مزيد من العبادة؟(23/246)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الراد بقول أهل العلم: (إن البيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب) أن يبقى في منى، وسواء كان نائماً أم يقظان، وليس الراد أن يكون نائماً فحسب، وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تبقى في مكة ليالي أيام التشريق، بل يجب عليك أن تكون في منى، إلا أن أهل العلم يقولون: إذا قضى معظم الليل في منى كفاه ذلك.
س1306: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الحاج لا يستطيع البقاء في منى من شدة الزحام لأنه ليس له مكان؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا لم يجد مكاناً في منى فإنه يجب أن ينزل عند منتهى آخر خيمة، وليس له أن يذهب إلى مكة أيضاً بل نقول: إنك إذا لم تستطع أن تكون في منى فانظرآخر خيمة من خيام
الحجاج وكن معهم؛ لأن الواجب أن يتصل الحجيج، كما نقول مثلاً: لو أن المسجد امتلأ بالجماعة فإنه يصف بعضهم إلى جنب بعض.
س1307: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج بعد أن رمى جمرة العقبة وطاف بالبيت عاد إلى منى وذبح هديه وبحث في منى عن مكان ينزل فيه فلم يجد مكاناً حتى خرج إلى مزدلفة ونزل فما حكم هذا العمل؟ كذلك شاهد هذا الحاج بعض الحجاج يذبحون هديهم في مزدلفة فهل لمجزئ؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى(23/247)
للنزول فيه بعد البحث التام والتنقيب في منى كلها، فإنه حينئذ يسقط عنه المبيت فيها، ولكن يجب عليه أن يبيت في أطراف الناس بمعنى أن تكون خيمته متصلة بخيام الحجاج حتى ولو كان ذلك في
خارج منى في مزدلفة، أو فيما وراء مزدلفة، المهم أن تكون خيامه متصلة، وليس معنى سقوط المبيت في منى أنه يبيت في مكة وفي أي مكان شاء، بل نقول: إنه لا بد من أن يتصل الحجاج بعضهم ببعض، فإذا امتلأت منى فإنهم يقيمون وينزلون فيما وراء منى، ولكن لا بد أن يتصل الحجاج بعضهم ببعض، كما نقول فيما لو امتلأ المسجد عن الناس المصلين، فإنهم يصلون في صفوف متصلة ولو في الشوارع، ولا حرج عليهم في ذلك.
وأما بالنسبة للذبح في مزدلفة فإن الذبح في مزدلفة وفي مكة وفي منى كله جائز، فكل ما كان داخل الحرم فإن ذبح الهدى فيه جائز ولا حرج لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلل فجاج مكة طريق ومنح" (1) .
س1308: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحملات يستأجرون خياماً في منى وعمارة في مكة فيبيتون في منى ويرجعون نهاراً إلى عمارتهم في مكة المكرمة ترفهاً منهم فما حكم عملهم هذا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لاشك أن عملهم هذا من حيث القواعد الفقهية جائز، لكن عندي أن هؤلاء في الحقيقة إنما جاؤوا
__________
(1) أخرجه أبو داود، باب المناسك، باب الصلاة بجمع (رقم 1937) والحاكم (1/473) وفال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5436) .(23/248)
للنزهة، لأنهم لم يتبعوا السنة كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس في منى ليلاً ونهاراً، والحج جهاد، وليس ترفهاً، ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة إلى الله، وأنهم مستمرون في الحج وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية، وربما يكون عندهم آلات لهو، ثم يرجعون إلى منى جزءاً من الوقت؟! أنا لا أدري كيف يشعرون بأنهم في عبادة، ولهذا ينبغي أن ينبه المسلمون على هذه المسألة التي انهمك فيها كثير من الماس، أخذوا بقواعد الفقهاء، أو بما يقتضيه كلام الفقهاء، ونسوا أن المسألة عبادة، لذا ينبغي للإنسان أن يفعلها كما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف وهو يقول: "خذوا عني مناسككم" (1) ، فنقول: ابق في خيمتك ولو كانتا حارة، ولو حصل عليك عرق، ولو حصل عليك مشقة وأذية، فهو في طاعة
الله، والمسألة أيام، كل الحج لا يتجاوز ستة أيام، الثامن، والتاسع والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر، وأنت آت من بلدك، مغادر أهلك، ومالك، ومخاطر في الأسفار وتعجز عن أن تحبس نفسك ستة أيام، أو خمسة أيام، أو أقل من أربعة أيام، فو الله يؤسفني هذا جداً، ويؤلمني جداً، وإن كان بعض الناس يفتي بما يقتضيه كلام الفقهاء، فإنه سيتحول الحج بعدئذ إلى
نزهة، فنسأل الله لنا ولهم الهداية، فأرى أن هؤلاء الذين مر ذكرهم في السؤال حجهم ناقص ولا شك، لأنهم لم يتبعوا السنة في البقاء في منى ليلاً ونهاراً.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(23/249)
س1309: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الشخص إذا جلس في منى ثلاثة أيام لا يجوز له الخروج إلى السوق فإن خرج تكون حجته باطلة أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحاج يخرج إلى منى في اليوم الثامن، ويغادرها في صباح اليوم التاسع، ثم يعود إليها في صباح يوم العيد، فأما وجوده فيها في اليوم الثامن فهو سنة وليس بواجب، وأما وجوده فيها يوم العيد وما بعده، فإن الواجب عليه أن يبيت ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وأما ليلة الثالث عشر، فإن شاء بات وإن شاء تعجل، لقول الله تعالى (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد العيد فالحاج يبقى في منى من يوم العيد إلى اليوم الثاني عشر إن تعجل، أو إلى اليوم الثالث عشر إن تأخر، لكن الفقهاء- رحمهم الله- يقولون: إن الواجب هو البقاء في الليل، وأما في النهار فليس بواجب؛ لكن لا شك أنه من السنة أن يبقى الإنسان في منى يوم العيد وأيام التشريق كلها، أو يومين منها إن تعجل ليلاً ونهاراً، وإن كان عليه شيء من المشقة، لأن الحج نوع من الجهاد لابد فيه من مشقة، وبناءً على ذلك لو أن أحداً نزل من منى إلى مكة لشراء شيء في هذه الأيام فإنه لا حرج عليهِ ولا بأس؛ لأنه سوف يشتري ويرجع.
س1310: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز الخروج من منى بعد منتصف الليل في ليلة الحادي عشر والثاني عشر؟(23/250)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا مضى معظم الليل وهو في منى، فله أن يخرج منها، جعلا للأكثر بمنزلة الكل، ولكنني أشير على إخواني الحجاج أن يجعلوا حجهم حجاً موافقاً للسنة التي
جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان عليه الصلاة والسلام يبقى في منى ليلاً ونهاراً، ومع أنه في ذلك الوقت لا مكيفات ولا مياه على ما اعتاد عليه، وهو صابر محتسب، وقد جعل الحج نوعاً من الجهاد في سبيل الله، حين سألته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: (هل
على النساء جهاد؟) قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" (1) والحج ليس نزهة ولا طرباً، الحج عبادة، فليصبر الإنسان نفسه على هذه العبادة، وليتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها تأسياً كاملاً، فيبقى في منى ليلاً ونهاراً، وما هي إلا يوم العيد ويومان بعده لمن تعجل، أو ثلاثة أيام لمن تأخر، لكن الإنسان يأسف أن يسمع وقائع في الحج تدل على استهانة الفاعلين بالحج، وأنه ليس
عندهم إلا اسماً لا حقيقة له، حتى بلغنا أن من الناس من يبقى في بيته ليلة العاشر من شهر ذي الحجة، ثم في أثناء الليل يحرم ويخرج إلى عرفة ومعه الطعام والأشياء التي يرفه نفسه بها، ثم إذا بقي إلا قليل من الليل ذهب إلى مزدلفة ولقط الحصى- كما يقول- ثم مشى إلى منى ورمى الجمرات قبل الفجر، ونزل إلى مكة وطاف وسعى، ثم عاد في ليلته إلى بيته مع أهله، ثم منهم من يخرج في النهار إلى منى ليرمي الجمرات، ومنهم من يوكل أيضاً هل هذا حج؟ هذا تلاعب، وإن كان على قاعدة الفقهاء قد يكون مجزياً، لكن أين
__________
(1) تقدم ص 242.(23/251)
العبادة؟ رجل يذهب يتنزه بعض ليله، ثم يرجع إلى أهله، ويقول: إنه حج، وهذا والله مما يحز في النفس، ويدمي القلب أن يصل الحد إلى هذا في إقامة هذه الشعيرة العظيمة، نسأل الله لنا ولهم
الهداية.
س1311: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نزل جماعة من الحجاج يوم العيد إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي عند العصر وتأخروا بها بعد الطواف حتى الساعة الثانية ليلاً بلا إرادة منهم
حيث فقد أحدهم والده من شدة الزحام وظل يبحث عنه حتى وجده ثم ركبوا السيارة ليدركوا المبيت في منى ليلة الحادي عشر، ووصلوا قبل الفجر بنصف ساعة فقط فهل أدركوا المبيت؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا حرج عليهم في هذا، وليس عليهم إثم ولا فدية، لأن هذا التأخر بغير إرادة منهم، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط البيت في منى. عن الرعاة وعن السقاة لحاجة الناس إلى ذلك فإن هذه التي وقعت من السائل ضرورة وهي أولما بالعذر من الحاجة، وعلى هذا فحجهم إن شاء الله تام صحيح، وليس عليهم إثم ولا فدية.
س1312: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج في عامِ 1398 هـ مع صاحب سيارة ولكن صاحب السيارة كان جاهلاً بمشاعر الحج من حيث الطرق، ومع الأسف الشديد نزلوا أيام منى في الحوض بمكة وباتوا ليالي منى في هذا المكان، وذبحوا هديهم فهل(23/252)
عليهم في ذلك شيء علماً أنه لم يتيسر لهم الوصول إلى منى؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما ذبحهم الهدي هناك فلا بأس به؛ لأنه يجوز الذبح بمنى، ويجوز الذبح في مكة، ويجوز الذبح في جميع مناطق الحرم.
وأما بالنسبة لمكثهم الأيام الثلاثة في هذا المكان، فإن كان الأمر كما وصف لم يتمكنوا فن الوصول إلى منى فليس عليهم في ذلك شيء، وإن كانوا مفرطين ولم يبحثوا، ولم يستقصوا في هذا الأمر، فقد أخطئوا خطاًً عظيماً، والواجب على المسلم أن يحتاط لدينه، وأن يبحث حتى يتحقق العجز، فإذا تحقق العجز فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد قال أهل العلم استناداً لهذه الآية الكريمة: إنه لا واجب مع العجز وليس عليهم كفارة، إنما عليهم أن يحتاطوا في المستقبل.
س1313: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يجد مكاناً في منى فيأتي إليها في الليل ويبقى بها إلى ما بعد نصف الليل ثم يذهب إلى الحرم بقية يومه فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحكم في هذا أن هذا العمل مجزئ، ولكن الذي ينبغي خلاف ذلك؛ لأن الذي ينبغي أن يبقى الحاج بمنى ليلاً ونهاراً في أيام التشريق، فإن لم يجد مكاناً فيبقى حيث انتهى الناس، أي عند آخر خيمة إذا بحث أتم البحث ولم يجد مكاناً في منى، وقد ذهب بعض أهل العلم في زمننا هذا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فإنه يسقط عنه المبيت، ويجوز له أن يبيت(23/253)
في أي مكان في مكة، أو في غيرها، وقاس ذلك على ما إذا فقد عضواً من أعضاء الوضوء، فإنه يسقط غسله، ولكن في هذا نظر؛ لأن العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد، أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج، ونظير ذلك إذا امتلأ السجد وصار الناس يصلون حول المسجد، فلا بد أن تتواصل الصفوف حتى يكونوا جماعة واحدة، والمبيت نظير هذا، وليس نظير العضو المقطوع. والله أعلم.
س1314: سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى-: ما رأي فضيلتكم في أناس يذهبون للحج في كل عام، ولكنهم ينزلون خارج حدود منى طلباً للراحة حتى تكون السيارة إلى جانبهم، مع أنهم لو دخلوا إلى منى سيجدون أماكن، ولكنها وعرة في الجبال أو كذا فماذا نقول لهم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذين ينزلون خارج منى مع إمكان النزول في منى إنهم آثمون ومتعدون لحدود الله، لأن الواجب على الحاج أن يكون في منى إلا إذا لم يجد مكاناً، فإن الله تعالى يقول في كتابه: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ويقول: (اتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ورخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس- رضي الله عنه- أن يترك البيت في منى ليالي منى لأجل سقاية الحجاج (1) ، فمن لم يقدر فهو من باب أولى أن يُعذر.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب هل يبيت أصحاب السقاية (رقم 1745) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق (رقم 1315) .(23/254)
أما إنهم يقدرون ولكن يقولون: نريد الراحة، فأنا أشير عليهم براحة أكثر من هذا، أن يبقوا في بيوتهم حتى لا يتكلفوا عناء السفر، والنفقات، ومفارقة الأهل.
والحج لابد فيه من المشقة، لأنه جهاد، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سألته عائشة- رضي الله عنه- هل علينا- أي النساء- جهاد؟ قال: "نعم، جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" (1) . وقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) فذكره تعالى إتمام الحج والعمرة لله بعد الإنفاق في سبيل الله، يدلِ على أنِه نوع من الجهاد وهو كذلك.
س1315: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص يخرج إلى الشرائع خارج الحرم أيام التشريق ويمكث عدة ساعات نهاراً ويرجع إلى منى وهو حاج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا حرج في هذا.
س1316: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت قبل سنتين ومعي نساء ولم نبت في منى؛ لأننا سمعنا أن الشيخ ابن باز - رحمه الله- أفتى بجواز الجلوس في مزدلفة بسبب شدة الزحام فما
حكم ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل عند آخر خيمة سواء في وادي محسر، أو في مزدلفة، أو من
__________
(1) تقدم ص 242.(23/255)
جهة المعيصم، فإذا لم يجد مكاناً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها وينزل في آخر الحجيج ولا شيء عليه.
س1317: سئل فضيلة الشيخ رحمَه الله تعالى-: ما رأيكم بخصوص الحجاج الذين يقيمون في العزيزية ويذهبون إلى منى ويقضون فيها منتصف الليل فهل يكون بذلك قد أدوا واجب البيت؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما على قواعد الفقهاء- رحمهم الله- فقد أدوا الواجب؛ لأنهم يقولون: إن المكث في منى لا يجب إلا في الليل، فإذا قضى الإنسان معظم الليل في منى فقد أدى الواجب، لكن لا شك أن هذا ناقص، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقي في منى ليلاً ونهاراً، والبقاء في منى ليلاً ونهاراً عبادة. يتعبد الإنسان لله عز وجل بالبقاء، حتى الدقيقة التي تمضي يرى الإنسان أنه قد تقرب إلى الله بها، فمادام الإنسان يشعر أن بقاءه في منى قربة فإنه يهون عليه أن يبقى ولو مع مشقة.
س1318: سئل فضيلة الشيخَ- رحمه اللَه تعالى-: سمعنا أنه في هذا العام تم توزيع بعض الأراضي على أصحاب الحملات ولكن خصم أكثر من النصف حتى اضطر بعضهم إلى أن يستأجر عمائر في
العزيزية ليجلس بها هو ومن معه في النهار ويأتي منى أول الليل ثم ينصرف نصف الليل فما رأيك في هذا؟ وما حكم الحجاج الذين معه إذا فات شرطهم المبيت بمنى رغماً عنه أرجو توضيح الأمر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما الشق الأول وهو. أن يستأجر(23/256)
في العزيزية، أو خارج منى بيوتاً يسكن فيها الحجاج، فهذا فيه تفصيل: فإذا كان لم يتيسر له أن يأخذ مكانين، ولم يتيسر له إلا هذا المكان الضيق الذي لا يسع الحجاج الذين معه، فهذه ضرورة ولا بأس، ولكن يحرصون على أن يكون مبيتهم في منى، وإقامتهم في المكان الآخر.
وأما الشق الثاني وهو: النزاع المتوقع بين صاحب الحملة وبين المحمولين فأرجو أن لا يكون نزاعاً، وإن حصل نزاع فهناك جهات مختصة تفصل بين الناس.
س1319: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاجة كانت من المتعجلين لأن ميعاد طائرتهما في اليوم الثاني محشر الساعة السادسة مساء فخافت من ضيق الوقت خصوصاً مع الزحام فوكلت خالها بالرمي يوم الثاني عشر من ذي الحجة وخرجت في الساعة الثالثة صباحاً يوم أحد عشر من ذي الحجة فوكلته على أن يرمي هو في الساعة الثانية عشرة ظهراً وتطوف طواف الإفاضة بعده وخرجت من مكة حوالي الساعة الواحدة ظهراً يوم الثاني عشر فهل عليها شيء في هذا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لم يفتها إلا ليلة واحدة من ليالي منى والليلة الواحدة من لياليْ منى ليعس فيها دم، لكن قال الإمام أحمد- رحمه الله- يتصدق بشيء. يعني يتصدق بخمسة ريالات، أو عشرة ريالات، أو ما أشبه ذلك كفاه، لكن المشكلة أنها وكلت منى يرمي عنها يوم أحد عشر مع أن الظاهر أنها قادرة على الرمي(23/257)
بنفسها، فإذا كان كذلك يعني أنها قادرة على الرمي بنفسها ووكلت من يرمي عنها فقد أخطأت، ووجب عليها عند العلماء فدية تذبح في مكة عن تركها الواجب في الرمي، وتوزع على الفقراء في مكة، سواء ذهبت هي بنفسها، أو وكلت من يقوم بها في مكة، فإن كانت عاجزة لا تقدر فليس عليها شيء.
أما بالنسبة لليوم الثاني عشر فالتوكيل فيه قد يكون ضرورة؟ لأن المتعجلين يوم الثاني عشر سيجدون مشقة عظيمة، وزحاماً شديداً، فلا يمكن للمرأة أن ترمي في اليوم الثاني عشر فإذا وكلت
فلا بأس.
س1320: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: لقد قمت بالحجز مع أحد الحملات للحج هذا العام وبعد أن تعاقدنا أن يكون المبيت داخل منى، فإذا بهم يخبرون بأن هناك احتمالاً بأن
المبيت قد يكون في خارج منى، قد يكون بالمزدلفة، أو بالعزيزية، أو نحو ذلك فهل هناك حرج أن أسافر مع هذه الحملة، أو يجب عليَّ فسخ العقد والسفر مع حملة أخرى ليس فيها ذلك أرجو الإفادة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كنت يمكن أن تحصل على حملة قد حجز لها مكان بمنى فلا تكن مع هؤلاء، أما إذا كان الناس على حد سواء قد يحصل لهم مكان وقد لا يحصل، فمادامت هذه
الحملة قد رضيت ورضيت الرفقاء فيها فكن معهم.
س1321: سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: حاج خرج من منى(23/258)
في اليوم الحادي عشر إلى جدة ليذبح أضحيته وبقي في بيته النهار ولم يعد إلا في المساء فهل عمله هذا جائز أم لا؟ وهل عليه شيء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا لا شك أنه جائز، لأنه لم يفوت المبيت في منى، لكن الأفضل أن يبقى الإنسان في منى ليلاً ونهاراً، كما بقي محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: "خذوا عني مناسككم" (1) وأما الأضحية فيمكن أن يوكل أحداً يذبحها ويعطيها أهله، وإذا كان في أهله من يجيد الذبح وكله في ذبحها.
س1322: سئل فضيلة الشيخ رحمهً الله تعالى-: ذكرتم أن من يذهب من منى بعد صلاة الفجر إلى سكنه في مكة أن أجره ناقص فمتى يستطيع الحاج أن يخرج من منى في النهار أيام التشريق؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا رمى ونحر وحلق ونزل مكة هذا هو الأفضل في يوم العيد، وأما أيام التشريق فكلام الفقهاء كل اليوم له، ولو ذهب إلى خارج مكة ورجع، لكن هذا قول ضعيف،
ونحن نرى أن الإنسان الذي يريد أن يحج حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقيد بها والنبي - صلى الله عليه وسلم - جلس في منى، ولم ينزل إلى مكة إلا في يوم العيد لطواف الإفاضة.
__________
(1) تقدم ص 98.(23/259)
رمي الجمرات أيام التشريق(23/261)
س1323: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في أيام التشريق ترمي الجمار الثلاث في يومين أو ثلاثة أيام ما الحكمة من رمي هذه الجمار؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحكمة من رمي هذه الجمار بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" (1) وفي رمي الجمار أيضاً تحقيق لعبادة الله- عز وجل- فإن الإنسان يرمي هذه الجمار وهو لا يعرف حكمة
بينة في رميها، وإنما يفعل ذلك تعبداً لله، وذكراً له، وكذلك يرمي هذه الجمار إتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه رماها وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (2) .
س1324: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صفة رمي الجمار؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذي ينبغي للحاج إذا ذهب إلى رمي جمرة العقبة أن يكون ملبياً، فإذا شرع في الرمي قطع التلبية، هذا في رمي جمرة العقبة يوم العيد، أما في رمي الجمرات الثلاث
فينبغي أن يذهب في سكينة وخشوع وخضوع لله عز وجل وإن كبر في مسيره فحسن، لأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، ومن ذكر الله تعالى التكبير، فإذا ذهب مكبراً فهو حسن؟
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل (رقم 1888) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في كيف يرمي الجمار (رقم 902) وقال: هذا حديث صحيح. وصححه الحاكم (1/459) .
(2) تقدم ص 198.(23/263)
لأن التكبير هنا مطلق، ولكنه لا يعتقد أنه مشروع من أجل الذهاب إلى الرمي، وإنما يعتقد أنه مشروع مطلقاً، أما ذهابه في خشوع وتعظيم لله فهذا أمر مطلوب، ولهذا يكبر الإنسان الله عز وجل عند رمي كل حصاة.
س1325: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أدعية عند رمي الجمرات؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا رمى الجمرة الأولى استقبل القبلة ورفع يديه وقام يدعو دعاء طويلاً، وكذلك بعد رمي الجمرة الوسطى، وأما بعد رمي جمرة العقبة فلا يقف.
س1326: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك دعاء مخصوص؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ليس هناك دعاء مخصوص فيما أعلم.
س1327: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل كان يرمي الجمرات بدون تكبير نسياناً منه فهل يأثم بذلك؟ وهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا إثم على من ترك التكبير عند الرمي سواء كان ناسياً، أو متعمداً؛ لأن التكبير عند الرمي سنة.
س1328: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الرمي(23/264)
باليد اليسرى إذا كان لا يتمكن أن يوصلها باليد اليمنى؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج عليه، لأنه معذور، كما أن الإنسان لو كان لا يحسن الذبح باليمنى ويحسن الذبح باليسرى فإنه يذبح باليسرى، ولا حرج.
س1329: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل تلزم الطهارة لرمي الجمار؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا تلزم الطهارة لرمي الجمار، لأن الطهارة لا تلزم في أي منسك من مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنه لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت، لقول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة- رضي الله عنه-: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (1) .
س1330: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل السنة في أيام التشريق تقديم الرمي على صلاة الظهر أم تقديم الصلاة ثم الرمي وذلك بعد الزوال؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي إذا زالت الشمس، ثم يصلي الظهر وهذا هو الأفضل إن تيسر للإنسان، وإلا فالأفضل المتيسر لقول الله تعالى: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فإن تيسر لك أن ترمي بعد
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (رقم 1650) ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (رقم 1211) (119) .(23/265)
الزوال مباشرة ثم يصلي الظهِر فهذِا الأفضل وإلا فالأمر واسع.
س1331: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم غسل حصى الجمرات؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يغسل، بل إذا غسله الإنسان على سبيل التعبد لله كان هذا بدعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغسله.
س1332: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج رمى جمرة العقبة في آخر يوم بثلاث حصيات فقط والباقي نفدت دون سقوط في الحوض، أو ضربت في العمود ثم خرجت ولم يأخذ حصاة ولم يرم فماذا يلزمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أولاً: يجب أن نعلم أنه ليس من شرط الرمي أن تضرب العمود، فالعمود إنما جعل علامة على مكان الرمي.
ثانياً: إذا سقطت الحصاة من يد الحاج أو حين رمى لم تقع في المكان فليأخذ من الأرض تحته حتى ولو كانت بجانب الحوض، لأن الحصاة حصاة سواء رمي بها أم لم يرم بها، والقول بأن الحصاة التي رمي بها لا تجزئ قول ضعيف، ولا يرد على هذه المسألة التي ذكرت؛ لأن الذين قالوا: إن الحصاة التي رمي بها لا يرمى بها، خافوا أن الإنسان يحمل حصاة واحدة فيرمي بها، ثم يأخذها من الحوض ويرمي بها، ثم يأخذها من الحوض ويرمي بها، ثم يأخذها ويرمي بها فحقيقته أنه رمى بحصاة واحدة لكن سبع مرات، وهذا(23/266)
لا يجزئ، لكن إنساناً يأخذ حصاة من غيره ولم يأخذ حصاته التي رمى بها ثم يرمي بها ثانية. من يقول: إنه لا يجزئ الحجر حجر، ونقول: إذا سقطت من يدك، أو رميتها ولم يغلب على ظنك أنها
وقعت في المكان فخذ من المكان الذي أنت فيه وكمل الرمي.
أما بالنسبة للسائل فأنا: أقول- وعلى ذمة القائلين من العلماء بذلك- إنه يجب عليه أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجباً.
س1333: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عند رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر رميت الحصى إلى الاتجاه الصحيح ولكن من شدة الزحام لم أر الحوض فهل هذا الرمي صحيحاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رمى الإنسان الجمرات فلا يخلو من أمور خمسة:
الأول: أن يتيقن أن الحصاة وقعت في الحوض.
الثاني: أن يتيقن أنها لم تقع في الحوض.
الثالث: أن يغلب على ظنه أنها وقعت في الحوض.
الرابع: أن يغلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض.
الخامس: أن يتردد وليس عنده غلبة ظن ولا يقين.
فإذا تيقن أنها وقعت في الحوض فتجزئ. وإذا تيقن أنها لم تقع في الحوض فلا تجزئ، وإذا غلب على ظنه أنها وقعت في الحوض فتجزئ، وإذا غلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض فلا تجزئ، وإذا تردد، فهنا نقول: إن كان حين الرمي فليكمل، يعني تردد هل(23/267)
وقعت في الحوض أو لا، فيرمي بدلها، وإن كان بعد مغادرة المرمى وانتهاء الرمي تردد فهذا لا يضره ولا يلتفت إليه، إذن يجزئ الرمي إذا تيقن أنها وقعت في الحوض وإذا غلب على ظنه أنها وقعت في
الحوض، ولا يجزئ إذا تيقن أنها وقعت خارج الحوض، أو غلب على ظنه أنها وقعت خارج الحوض، وفي التردد والشك بدون ترجيح فإن كان بعد مفارقة الموضع فهذا لا يضره ولا يلتفت إليه، وإن كان في حال رميه شك هل وقعت في الحوض أو لا نقول: ارم بدلها فإذا قال أنا ما معي حصى، فنقول: خذ من الأرض، الأرض كلها حصى وارم بها.
س1334: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل رمى الجمرات أيام التشريق ابتداء بالصغرى وانتهاء بالكبرى فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رمي الجمرات أيام التشريق ابتداء بالصغرى وانتهاء بالكبرى صحيح ولا إشكال فيه، ولعلكم تريدون العكس، ابتداء بالكبرى وانتهاء بالصغرى، فإن هذا عكس السنة، فإن تعمده فهو باطل، وعليه أن يعيد الرمي على الترتيب الصحيح. وإن كان جاهلاَ أو ناسياً فإنه يعيد رمي الوسطى، ثم الكبرى، إن كان الوقت باقياً- أي إنه لم تنته أيام التشريق- وإن كان الوقت قد انتهى، أو سافر بعد رمي اليوم الثاني عشر فلا شيء عليه.
س1335: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج بدأ رمي(23/268)
الجمرات بدأ الأولى ثم الكبرى ثم الوسطى هل يلزمه شيء؟ .
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كان يعلم أنه حرام فعليه فدية تذبح في مكة توزع على الفقراء، وإن كان لا يدري أو يدري، لكن يظن أنه يجوز له في حال الزحام أن لا يرتب فهو جاهل لا شيء
عليه.
س1336: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل جاهل رمى الجمار في اليوم الحادي عشر ابتداء بالكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لو كان في وقت رمي الجمار قلنا له اذهب وارم الوسطى، ثم العقبة، وينتهي الإشكال، لكن الآن وقد فات الأوان وانتهت أيام الرمي وهو جاهل لا يدري فأرى أنه
لا شيء عليه- إن شاء الله- لأنه جاهل، لكن عليه وعلى غيره ممن يريد الحج أو العمرة أن يعرف الأحكام قبل أن يشرع في العبادة لئلا يقع في خطأ، ثم بعد ذلك يحاول أن يصحح هذا الخطأ.
س1337: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج ولم يرم الجمرات أيام التشريق نهائياً ولم يطف طواف الوداع عن جهل فماذا يلزمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا الرجل ترك الرمي وترك طواف الوداع، وهما واجبان، وقد ذكر العلماء- رحمهم الله- أن من ترك واجباً فعليه دم، فإذا عليه دمان، يذبحهما في مكة،(23/269)
ويوزعهما على الفقراء، وتم بذلك حجه.
س1338: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-؟ ذهبنا إلى الحج، ورمينا الجمرات يومين أي الحادي عشر والثاني عشر، وزميلي أشار عليَّ أنه يجوز أن نرمي الساعة الثانية عشرة ليلاً لليوم الثالث عشر، وما كنا نريد التعجل فهل هذا يجوز؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: كان الفروض عليكم إذا كنتم تريدون التعجل أن تخرجوا من منى قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر، ولكنك تقول: "ما كنا نريد التعجل" فلا يصح رميكم
قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، وعليكم الآن إذا كنتم موسرين على ما قال علماؤنا- رحمهم الله- أن يذبح كل واحد منكم الفدية في مكة، ويوزعها على الفقراء.
س1339: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: مجموعة من الحجاج رموا الجمرات الثلاث في أيام التشريق في الصباح قبل الزوال فما الذي يلزمهم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الرسول - صلى الله عليه وسلم - حج بالناس في السنة العاشرة، وأمرهم أن يأخذوا عنه مناسكهم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو الإمام علي المرشد وهو الذي يجب أن يهُتدى به (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا) والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرم الجمرات الثلاث في أيام التشريق إلا بعد زوال الشمس، وهكذا كان الصحابة- رضي الله(23/270)
عنهم- يتحينون هذا الوقت ولا يرمون إلا بعد زوال الشمس، ولم أعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رخص لأحد أن يرمي قبل زوال الشمس في مثل هذه الأيام، لهذا يكون رميهم واقعاً في غير وقته- أي قبل الوقت- والعبادة إذا فعلت قبل وقتها فإنها لا تجزئ، لاسيما وأن السؤال عليهم متيسر، فالعلماء هناك كثيرون ولو سألوا أدنى طالب علم لأخبرهم بما يجب فعله في مثل هذا الأمر، فيكون فعلهم هذا في حكم الترك كأنهم لم يرموا هذه الأيام الثلاثة، وعليه فيجب عليهم على حسب ما قاله أهل العلم. فيمن ترك واجباً من واجبات الحج فدية أي ذبح شاة في مكة يوزعها على الفقراء، ولا يأخذون منها شيئاً؛ لأنها بمنزلة الكفارة، وبهذا يتم حجهم إن شاء الله.
س1340: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجلان وامرأتان رموا الجمار في اليوم الثاني عشر بعد صلاة الفجر، وقالوا: إنا أفتينا بجواز ذلك فما رأيكم يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا استفتوا بمن يثقون بعلمه فالإثم على الذي أفتاهم- إن كالت هناك إثم- لأنه لا يجوز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ولا في اليوم الحادي عشر، ولا في
اليوم الثالث عشر، حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينتهز زوال الشمس، ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، وهذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - يترقب الزوال بترقب شديد، ولو كان يجوز أن يرمي قبل الزوال لرمى أول النهار؛ لأن ذلك أيسر له ولأمته، أو لرخص للضعفة(23/271)
كما رخص لهم في رمي جمرة العقبة، فالصواب أنه لا يجوز، وإن قال من قال به من التابعين، أو من بعد التابعين، لكن المرجع الكتاب والسنة.
والذي يرمي قبل الزوال مستنداً إلى شخص يثق بعلمه فليس عليه لشيء، لأن هذا الذي كلف به (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أما إذا كان قصده تتبع الرخص فعليه الإثم وعليه فدية تذبح في مكة وتوزع للفقراء.
والذي يبدو- والله أعلم- أن مثل هؤلاء يقصدون تتبع الرخص؛ لأن من العلماء من هو أعلم من الذي أفتاهم، يقول: لا يجوز، ولا يمكن أن تكون الأمة كلها إلا واحداً أو اثنين، تجمع على أنه لا يجوز قبل الزوال، ونتبع واحداً من ملايين الملايين. فإذا كانوا أصلاً تتبعوا الرخص فعليهم الفدية مع الإثم والتوبة إلى الله، وإن كانوا يثقون بعلمه فهو عالم وموثوق فليس عليهم شيء.
س1341: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: أديت فريضة الحج قبل سنوات والحمد لله وأديت جميع واجبات الحج وأركانه إلا أنه في اليوم الثاني من أيام العيد لم أستطع أن أرمي
الجمرات في ذلك اليوم وذلك بسبب الزحام. وثانياً أنني ذهبت للمسجد الحرام لأؤدي طواف الحج ولكنني لم أستطع الرجوع إلى منى في ذلك اليوم إلا في وقت متأخر من الليل وذلك بسبب الزحام
الشديد الذي بسببه لم أستطع أن أرمي جمار ذلك اليوم إلا في اليوم التالي فما حكم ذلك وفقكم الله؟(23/272)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: حكم ذلك أنه لا بأس به فيما صنعت، إذ لم تستطع أن ترمي في اليوم الأول ورميت في اليوم الثاني فإن هذا لا حرج عليك، ولو أنك حينما وصلت إلى منى في الليل
رميت لكان أفضل وأحسن من تأخيرها إلى اليوم الثاني؛ لأن الليل يتبع النهار في الرمي، لاسيما إذا كان هناك عذر كزحام ومشقة، وتأخر في مكة وما أشبه ذلك، فلو أنك حين قدمت من مكة ذهبت إلى الجمرات ورميتها ليلاً لكان أولما من تأخيرها إلى اليوم الثاني، ولكن على كل حال ما صنعت فإنه مجزئ إن شاء الله.
س1342: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الدليل على جواز الرمي بالليل أيام التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدليل عدم الدليل، فلا أعلم دليلاً يحدد الرمي بالغروب، وقد ثبت جواز الرمي في ليلة العيد لمن يجوز لهم الدفع من مزدلفة في آخر الليل، وفي صحيح البخاري أن رجلاً
سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: رميت بعدما أمسيت؟ قال: "لا حرج" (1) ، والمساء يكون من آخر الليل إلى منتصف الليل.
س1343: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن ترمى الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر قبل زوال الشمس؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يجوز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرم إلا
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق (رقم 1723) .(23/273)
بعد الزوال وقال: "لتأخذوا عني مناسككم".
س1344: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى الحج في العام الماضي وفي اليوم الثاني من أيام التشريق وبعد صلاة الفجر ذهب إلى الجمرات فوجد الناس يرمون فرمى مثلهم
ولكن سمع من بعض الأخوة أن رمي الجمرات بعد الزوال، ولكنه لم يستطع الرمي مرة أخرى في هذا اليوم من الإرهاق والزحام فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ما أفتى به الأخوة من أنه لا لمجوز الرمي قبل الزوال في الحادي عشر، وكذلك في الثاني عشر، وكذلك في الثالث عشر فهو صحيح؛ لأن الرمي في هذه الأيام الثلاثة لا يدض وقته إلا بعد الزوال، وعلى هذا فرميك قبل الزوال في غير وقته فيكون مردوداً غير مقبول، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) وكان ينبغي لك أنهم لما أخبروك أن رميك بعد صلاة الفجر غير صحيح، أن تذهب في آخر النهار، أو في الليل فترمي، ولكن لما لم يحصل ذلك فإن عليك الآن أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء، ويكون ذلك بدلاً عن الواجب الذي تركته.
وإنني بهذه المناسبة أسأل أخي هذا السائل وسائر إخواني المسلمين أن لا يفعلوا العبادة إلا وقد عرفوا ما يجب فيها، وما يحرم فيها، حتى لا يتركوا واجباً، ولا يقعوا في محرم، وما أكثر الذين
__________
(1) تقدم ص 147.(23/274)
يحصل لهم خطأ في الحج، ثم يأتون إلى العلماء يسألونهم بعد ذلك، وربما قد يكون فات الأوان ولا يمكن تداركه، وكل ذلك بسبب أن الناس لا يهتمون في عباداتهم، أعني أن كثيراً من الناس لا يهتمون في عباداتهم، بل يخرجون ويفعلون كما يفعل الناس وإن كانوا على جهل، وحينئذ يندمون، فأنت إذا أردت أن تعبد الله عز وجل على بصيرة فتعلم أحكام العبادة التي تريد أن تفعلها قبل أن تقوم بفعلها حتى يكون فعلك مبنياً على أساس صحيح.
س1345: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الزحام مبرر للرمي ليلاً، أو لجمع اليومين في يوم، أو لتوكيل المرأة محرمها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الزحام يبرر الرمي ليلاً، ف! ذا كان هناك زحام فلا حرج أن ترمي في الليل، ولك الليل كله، فمثلاً في اليوم الحادي عشر رأيت أنه زحام فلك أن تؤخر الرمي إلى طلوع
الفجر من اليوم الثاني عشر، فيكون كل الليل وقت للرمي.
لا يجوز أن تؤخر الرمي فتجمعه في اَخر يوم، إلا إذا كان يشق عليك المجيء إلى الجمرة لا من أجل الزحام ولكن من أجل البعد، ولهذا رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً.
أما التوكيل فلا يجوز أبداً إلا لشخص لا يستطيع أن يأتي بنفسه لا ليلاً ولا نهاراً فهذا له أن يوكل، فصار الإنسان له ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن لا يستطيع الوصول إلى الجمرات لا ليلاً ولا نهاراً، فهذا يوكل.(23/275)
الحال الثانية: أن يستطيع أن يأتي ليلاً لا نهاراً، فهذا يرمي ليلاً، ولا يرمي نهاراً.
الحال الثالثة: أن لا يستطيع الوصول إلى الجمرات كل يوم، فله أن يجمع ذلك في آخر يوم، كما رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً.
س1346: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص رمى قبل الزوال في اليوم الثاني بقليل، فهل له أن يرمي في اليوم الثالث عن اليوم الثاني، أم يجزئه ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجزئه الرمي قبل الزوال ولو بقليل، ولهذا فمن رمى قبل الزوال في اليوم الثاني، وهو اليوم الحادي عشر، فإنه يرمي في الليل فإن لم يمكن رماه في اليوم الثاني عشر، ولكنه يبدأ برمي اليوم الحادي عشر الثلاث كلها، ثم يبدأ من الأول عن اليوم الثاني عشر.
س1347: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل: رمي الجمرات من فوق الجسر أم من تحته؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن تنظر ما هو أيسر لك، فما هو أيسر هو الأفضل. لأن المهم أن تؤدي العبادة بطمأنينة وحضور قلب ويسر.
س1348: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من رمى(23/276)
الجمرات بعد الفجر مباشرة قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رمى الجمرات في اليوم الحادي عشر، أو الثاني عشر، أو الثالث عشر قبل الزوال فرميه فاسد مردود عليه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ولم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد أن يرمي قبل الزوال، حتى الذين رخص لهم في يوم العيد أن يتقدموا لم يرخص لهم في أيام التشريق أن يتقدموا ويرموا قبل الناس، وكون بعض العلماء يرخص بهذا لا يغير من حكم الله شيئاً، لأن الحكم لله كما قال تعالى: (فَالْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله) وقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ومن أجاز الرمي قبل الزوال نقول له: هات دليلاً واحداً من كتاب الله، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يدل على جواز الرمي قبل الزوال؟ ألسنا نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أحب ما يكون إليه التيسير؟ بلى حتى قال: "إن الدين يسر" (1) وقال: "يسروا ولا
تعسروا" (2) ولو سألنا أي واحد من الناس أيما أيسر أن يرمي الناس بعد الزوال أي عند اشتداد الحر، أو أن يرموا في أول النهار أيهما
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر (رقم 39) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (رقم 69) ، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير (رقم 1732) .(23/277)
أيسر؟ لا إشكال أن اليسر أن يرموا أول النهار في الصباح الباكر والجو بارد والإنسان نشيط، فكون النبي عليه الصلاة والسلام يتأخر إلى الزوال ولم يرخص لأي واحد أن يرمي قبله يدل على
وجوب الانتظار حتى تزول الشمس، ثم يرمي، فمن رمى قبل الزوال فإن رميه مردود عليه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
س1349: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق للعاجز أو للنساء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز أبداً، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن للعاجز أن يقدم الرمي على الزوال لا للنساء ولا لغيرهن، ولا يجوز أن يتعدى حدود الله، ومن رمى قبل الزوال كمن صلى الظهر قبل الزوال ولا فرق، الكل محدد من عند الله عز وجل، ولا أحد من الخلق أرحم بالخلق من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد أعلم بشريعة الله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلماذا لم يرخص للضعفاء؟ ولماذا يؤخر الرمي حتى يشتد الحر مع أنه في أول النهار أيسر وأبرد للناس؟ ولو كان جائزاً لشرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
إما بفعله، وإما بقوله، وإما بإقراره، وكل ذلك لم يكن، فعلى المرء أن يتقي الله وأن لا يأخذ برخص العلماء التي تخالف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله قال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ولكن إذا كان الإنسان يريد أن يتعجل في اليوم الثاني عشر ومعه نساء ولا يمكنه أن يبقى حتى يخف(23/278)
الزحام ففي هذه الحال يجب أن توكل النساء الرجال ليرموا عنهن، وفي ذلك مصلحتان عظيمتان:
المصلحة الأولى: التخفيف على النساء، والنساء كما هو معلوم ضعاف إما عجوز، أو صغيرة، أو ما أشبه ذلك.
والمصلحة الثانية: تقليل الناس حول الجمرات فيحصل في ذلك سعة، وما دام ثبت أصل التوكيل في الرمي فالحمد لله نقول: إنه إذا وجدت مشقة شديدة لا تحتمل، فإن المرأة أو غير المرأة ممن لا
يستطيع يوكل، أما الإنسان الذي يريد أن يتأخر فإننا نقول: انتظر حتى يخف الزحام وارم ولو في الليل، ولكن من يريد أن يتعجل ولابد، نقول له: توكل على الله واستنب، أو كن نائباً عن النساء.
فإذا قال: أنا عندي عشر نساء فماذا أصنع؟
نقول: لا بأس يوكلنك فارم سبع حصيات عن نفسك، ثم سبع حصيات عن فلانة، ثم سبع حصيات عن فلانة، حتى تتم العشر يسميها، أو يرميها وينويها بقلبه، لكن التسمية أحسن لئلا يغلط.
س1350: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بسبب الزحام لم نتمكن من الوضوء أو التيمم لصلاة المغرب، ومع طول الطريق وبعد المسافة بين الجمرات ومحل إقامتنا لم نؤد الصلاة إلا بعد فوات وقتها والسؤال هل علينا إثم في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الأمر واسع والحمد لله إذا لم يتمكن الإنسان الحاج من صلاة المغرب في وقتها فليجمع بين المغرب(23/279)
والعشاء؛ لأن الجمع بابه واسمع، إذ إن قاعدة الجمع أنه كل ما كان ترك الجمع شاقاً على الإنسان كان الجمع في حقه جائزاً، لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) ، قالوا له: ما أراد إلى ذلك؟ يعني لماذا فعل هذا؟ قال: (أراد ألا يحرِّج أمته) (1) ، فدل هذا على أنه متى كان في ترك الجمع حرج أي مشقة فإنه جائز على كل حال في الحضر أو في السفر.
وأما تأخير الصلاة عن وقتها، مثل أن يكون ذلك في وقت العصر لم يصلِّ العصر وقرب غروب الشمس، فهنا يجب أن يصلي في أي مكان، وليس بلازم أن يصلي في خيمته، والحمد لله أي مكان
ينصرف إليه أو ينحرف إليه فإنه سيجد ما يصلي فيه.
س1351: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص رَجَم في الأول من أيام التشريق الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق اعتقاداً منه أن وقت الزوال يبدأ من منتصف النهار أي الثانية عشرة وكان في اعتقاده حين خروجه من منى أنه تحرى الوقت الصحيح للرجم، وسأل أحد المسلمين بالقرب من الجمرات فأجابه بأن وقت الزوال هو الثانية عشرة، وحينما عاد إلى مسكنه بمكة أعلمه أحد الأصدقاء بأن وقت الرجم يحين بعد الثانية عشرة والنصف، وحينها تبين له جهله، وفي اليوم الثاني رجم بعد أذان الظهر أي الساعة الثانية
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر (رقم 755،
706) (50-54) .(23/280)
وعشرين دقيقة، والآن بعد أن عاد إلى بلاده هل يلزمه فدية في هذه الحالة أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن يكون تعبيره عن رمي الجمرات بلفظ (الرمي) لا (الرجم) ، وذلك لأن هذا هو التعبير الذي عبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله" (1) وكلما كان الإنسان في لفظه متبعاً لما في الكتاب والسنة كان أولى وأحسن.
أما بالنسبة لما فعله فإن رمي الجمرات في أيام التشريق قبل أيام الزوال رمي في غير وقته، وفي غير الحد الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرم الجمرات في أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (2) ونحق نعلم أن
رمي الجمرات قبل زوال الشمس أرفق بالناس، وأيسر لهم؛ لأن الشمس لم ترتفع بعد، ولم يكن الحر شديداً، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي حتى تزول الشمس عند اشتداد الحر، دليل على أنه لا لمجوز الرمي قبل ذلك، إذ لو كان جائزاً قبل ذلك ما اختار لأمته الأشق على الأيسر، وقد قال الله تعالى في القرآن حين ذكر مشروعية الصوم قال: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ورمي الجمرات قبل زوال الشمس من اليسر، ولو كان من شرع الله عز وجل لكان من مراد الله الشرعي، ولكان مشروعاً، وإذا تبين أن
__________
(1) تقدم ص 263.
(2) تقدم ص 98.(23/281)
رمي الجمرات قبل الزوال رمي قبل الوقت المحدد شرعاً فإنه يكون باطلاً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) فهو مردود على صاحبه، وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج فإن عليه أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها
على الفقراء إذا كان قادراً عليها، فإن كان ذلك في مقدوره فليفعل إبراء لذمته واحتياطاً لدينه، وإن لم يكن في مقدوره فليس عليه شيء، ولكن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويستغفره، وأن يتحرى لدينه في كل شرائع الدين وشعائره، حتى يعبد الله على بصيرة.
س1352: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جمع رمي الجمار أيام التشريق الثلاثة في اليوم الثالث عشر ما حكمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رأي أن جمعها في اليوم الأخير لا لمجوز إلا لعذر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رماها كل يوم، وقال: "خذوا عني مناسككم" (2) ولم يرخص في الجمع إلا للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً، لأنهم معذورون، لأنهم في إبلهم، فإذا كان للإنسان عذر، كما لو كان في طرف منى، أو من وراء منى، وكان يشق عليه التردد كل يوم، فلا بأس أن لمجمع، وإذا لم يكن له عذر فلا يجوز.
س1353: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: أديت فريضة الحج ومعي زوجتي ووالدة زوجتي، وكان حجنا إفراداً وبعد
__________
(1) تقدم ص 147.
(2) تقدم ص 98(23/282)
الوقفة بعرفات وعند غروب الشمس توجهنا إلى مزدلفة وبتنا بها إلى منتصف الليل ونظراً لوجود نساء معي، وكذلك شدة الزحام وكذلك فأنا لا أستطيع مواجهة شدة الزحام قمنا برمي جمرة العقبة
قبل فجر اليوم العاشر، وكذلك رمينا جمرات أيام التشريق بعد منتصف الليل من كل يوم وباقي مناسك الحج أديناها في أوقاتها تقريباً فهل علينا شيء في ذلك؟ وهل حجنا صحيح؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لم يبين في أيام التشريق أنه رمى بعد منتصف الليل لليوم السابق، أم لليوم المقبل، فإن كان لليوم المقبل فالأمر غير صحيح، وعليه على ما ذكره الفقهاء- رحمهم الله-
أن يذبح فدية في مكة يتصدق بها على الفقراء، وأما إن كان لليوم الماضي مثل أن يرمي الجمرات ليلة الثاني عشر ليوم الحادي عشر فلا بأس.
س1353: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى ينتهي رمي الجمرات في اليوم الأول والثاني والثالث؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: في اليوم الأول وهو الحادي عشر ينتهي بطلوع الفجر، وفي اليوم الثاني ينتهي بطلوع الفجر، وفي اليوم الثالث، الذي هو الثالث عشر ينتهي بغروب الشمس؟ لأدن ما
بعد غروب الشمس خارج عن أيام التشريق التي قال الله تعالى فيها: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) .
س1354: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا نسي الحاج لأي جهة رمى الجمار، فما حكم الرمي؟(23/283)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يجب أن نعلم أن الشك إذا كان بعد الفراغ من العبادة فإنه لا يلتفت إليه أصلاً، أما إذا كان أثناء العبادة، فهذا إن غلب على ظنه أنه صواب فهو صواب، أو تيقن أنه
صواب فهو صواب، وإن غلب على ظنه أنه خطأ، أو تيقن أنه خطأ فهو خطا، وإن شك بلا ترجيح فإنه خطأ، ولكن ليعلم أنك إذا رميت فوقعت الحصاة في المرمى (مكان الحصا) فالرمي صحيح من
أي جهة كانت.
س1355: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز رمي الجمار بعد المغرب مثلاً للذين يخافون من الزحام أو الاختناق والمزاحمة وللذين لا يستطيعون؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: في أيام التشويق يبتدئ رمي الجمرات من زوال الشمس؛ أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع المْجر من اليوم التالي، إلا اليوم الثالث عشر فإنه من زوال الشمس إلى غروب الشمس؛ لأن أيام الرمي تنتهي بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر، فالوقت والحمد لله واسع فجمرة العقبة من طلوع الشمس يوم العيد إلى طلوع الفجر يوم الحادي عشر، ولمن يخشى الزحام والتعب من آخر ليلة النحر إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر هذه جمرة العقبة، والجمرات الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم التالي، إلا اليوم الثالث عشر فإنه ينتهي بغروب الشمس.(23/284)
س1356: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا رمى الحاج الجمار ثم بقي واحدة لا يدري من أيها كان النقص فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إن غلب على ظنه أنها من إحدى الجمرات عمل بغالب ظنه، وإن لم يكن عنده غلبة ظن جعلها من الأولى ورمى ما بعدها لمراعاة الترتيب.
س1357: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الصحابة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - رميت بعدما أمسيت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "افعل ولا حرج" والمساء في اللغة يطلق على ما بعد الزوال إلى ظلام الليل فكيف نجيز الرمي في الليل إلى طلوع الفجر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لأن قوله "رميت بعدما أمسيت" قضية عين يسال عنها، وليس هناك سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والأصل بقاء الوقت كما قلنا في
الوقوف بعرفة يمتد إلى الفجر. وهل قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يرمين أحد بعد المساء، وهذا الرجل سأل عن قضية وقعت له بعدما أمسى فقال: "لا حرج" (1) فدل هذا على أن هذه العبادة لا تختص بالنهار، ماذا لم تختص بالنهار فالليل كله وقت.
س1358: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الذي يرمي زيادة عن سبع جمرات خوفاً من أن بعضها لم يسقط في الحوض؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا بأس إذا شك الإنسان هل رمى
__________
(1) تقدم ص 85.(23/285)
بسبع أو أقل، أن يرمي حتى يطمئن أنه رمى بسبع حصيات ووقعت في الحوض، بل يجب عليه ذلك إلا أن يكون كثير الشكوك، أو يطرأ عليه الشك بعد فراغ الرمي، فلا يلتفت لهذا الشك. وليحرص
على أن يكون قريباً من الحوض حتى لا يخطئ في الرمي.
س1359: سئل فضيلة الشيخ -رَحمه إلا اَلله تعالى-: هل يجوز تأخير الرمي في اليوم الأول من أيام التشريق إلى أن يزول الزحام لكي لا أضايق الآخرين؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يجب أن نقول لإخواننا المسلمين ما نعلمه من السنة: رمي جمرة العقبة يوم العيد من آخر ليلة العيد إلى طلوع الفجر ليلة الحادي عشر، لكن الأفضل للقادرين أن لا
يرموا حتى طلوع الشمس، ورمي جمرات أيام التشريق من الزوال أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، فيوم أحد عشر من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وكذلك رمي
يوم اثني عشر من الزوال إلى طلوع فجر يوم الثالث عشر، ويوم ثلاثة عشر من الزوال إلى غروب الشمس، ولا رمي بعد غروب الشمس يوم ثلاثة عشر، لأنه تنتهي أيام التشريق.
لكن في اليوم الثاني عشر من أراد التعجل فليحرص على أن يرمي قبل غروب الشمس، لكن لو فرض أنه تأخر الرمي عن غروب الشمس للعجز عنه، لكون السير غير سريع، أو لبقاء الزحام الشديد إلى غروب الشمس، فلا بأس أن يرمي بعد غروب الشمس ويستمر، ولا يلزمه في هذه الحال أن يبيت في منى؛ لأن(23/286)
الذي تأهب ونوى التعجل وفارق خيمته، لكن حبس إما من مسير السيارات، وإما من كون الزحام شديداً حتى غابت الشمس فلا حرج عليه أن ينفر.
ولا يجزئ الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى بعد الزوال وقال: "خذوا عني مناسككم" (1) ومن رمى قبل الزوال يأخذ عنه مناسكه بل تعجل.
ثانياً: ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يترقب أن تزول الشمس، بدليل أنه من حين أن تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر، ويلزم من هذا أن يؤخر صلاة الظهر، ولو كالن الرمي قبل الزوال جائز اً لرمى قبل الزوال لأجل أن يصلي الظهر في أول وقتها.
ثالثاً: أنه ما كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أرحم الخلق بأمته ما كان ليؤخر الرمي حتى تزول الشمس، فيشتد الحر مع جواز الرمي قبل ذلك، لأن من المعلوم أن هدي النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
رابعاً: أنه لم يأذن للضعفاء أن يرموا قبل الزوال، كما أذن لهم ليلة العيد أن يتقدموا ويرموا الجمرة قبل طلوع الفجر.
وأما قول بعض الناس: إن هذا مشقة، فنقول: الحمد لله، أكثر ما تكون المشقة عند الزوال اليوم الثاني عشر إلى العصر، فإذا بقي الزحام أخر إلى المغرب، وإذا بقي الزحام أخر إلى العشاء،
__________
(1) تقدم ص 98.(23/287)
ولك إلى الفجر فأين المشقة.
وقول بعض الناس: لا يمكن أن يرمي مليونان من الناس في هذا المكان من الزوال إلى الغروب.
فنقول: هذا أيضاً مغالطة، لأنه أولاً: إذا بلغوا مليونين هل كلهم يرمي بنفسه، فمنهم من يوكل. ثانياً: أننا نقول ليس هناك دليل على أن وقت الرمي ينتهي بغروب الشمس، لأن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم حدد أوله ولم يحدد آخره، فالواجب على المسلمين أن يتبعوا ما دلت عليه السنة، ويجب أن نعلم أنه ليس كلما حلت مشقة جاز تغيير أصول العبادة، وإلا لقلنا: إن الإنسان إذا شقت عليه صلاة الظهر في وقت الظهيرة جاز أن يصليها في أول النهار، لأنه أيسر مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند اشتداد الحر في صلاة الظهر أن يبردوا بالصلاة، ولم يقل قدموها في أول النهار.
س1360: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من يقول من الفقهاء- رحمهم الله- برمي الجمار في الليل كله ما دليله؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذين يقولون إنه يمتد وقت الرمي إلى فجر اليوم التالي، يقولون الرسول - صلى الله عليه وسلم - حدد أوله ولم يحدد آخره، وما جاز في أول الليل جاز في آخر الليل كالوقوف بعرفة، فالوقوف بعرفة ينتهي بغروب الشمس، لكن ليلة العيد تتبع لليوم التاسع، فقالوا: هذا مثله. وأما من قال: يرمى في الليل إلى نصف الليل فقط، فحجتهم في هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله رجل قال:(23/288)
رميت بعدما أمسيت قال: "لا حرج" (1) ، قالوا: والمساء يكون من نصف النهار الأخير إلى أَخر نصف الليل الأول كل هذا مساء، والذي أرى أن القول بأنه يمتد إلى الفجر أقرب إلى الصواب.
س1361: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك من يرى جع الجمار لأيام التشريق مرة واحدة ويومي يوم الثالث عشر فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رأينا أن هذا قول لبعض العلماء أنه لا بأس أن يجمعها في آخر يوم، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي كل يوم في يومه، إلا
إذا كان هناك حاجة، مثل أن يكون منزل الإنسان بعيداًَ في أقصى منى ويشق عليه أن يتردد كل يوم، فهنا لا بأس أن يرمي الجمار، ولكن يرمي الثلاث عن اليوم الأول، ثم يرجع ويرمي الثلاث عن
اليوم الثاني، ودليل جواز هذا عند الحاجة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص لرعاة الإبل أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد (2) .
س1362: سئل فضيلة الشيخ- وحمه الله تعالى-: من فاته رمي جمرة العقبة فمتى يوميها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رمي العقبة إلى فجر يوم الحادي
__________
(1) تقدم ص 85.
(2) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرعوا يوما ويدعوا يوماً (رقم 955) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(23/289)
عشر، فإن فاتتك يعني طلع الفجر وأنت ما رميت، فإن من العلماء من يقول: أخرها إلى ما بعد الزوال، ومنهم يقول: ارمها ولو في الضحى، لأنها قضاء وليست بأداء.
س1363: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر ثم من رمى وجاء يسأل فهل يؤمر بالإعادة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يجوز الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر قبل الزوال، ومن رمى وجاء يسأل نقول: أعد الرمي؛ لأن رميك قبل وقته، فهو كمن صلى الصلاة قبل وقتها يجب عليه أن يعيد الصلاة، فلو صلى الظهر مثلاً قبل زوال الشمس، وجاء يسأل نقول: يجب عليك أن تعيد صلاة الظهر؛ لأن الصلاة قبل وقتها لا تصح، والرمي قبل وقته لا يصح، فإن كان قد فات وقت الرمي، أي أنه لم يسأل إلا بعد أن انقضت أيام التشريق، قلنا: يلزمك الآن دم تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء، لأنك تركت واجباً من واجبات الحج.
س1364: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما نهاية الوقت لرمي الجمار الثلاث، وكذلك رمي جمرة العقبة الكبرى؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما رمي جمرة العقبة فينتهي بطلوع الفجر يوم الحادي عشر، وقال بعض أهل العلم: ينتهي بغروب الشمس يوم العيد، وأما يوم الحادي عشر فيبتدئ من(23/290)
الزوال وينتهي بطلوع الفجر من ليلة الثاني عشر، ويوم الثاني عشر يبتدئ من الزوال وينتهي بطلوع الفجر من اليوم الثالث عشر، ورمي يوم الثالث عشر يبتدئ من الزوال وينتهي بغروب الشمس
ولا رمي بعد ذلك.
س1365: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جاء في الأثر (من ترك شيئاً من نسكه، أو نسيه فليهرق دماً) (1) فمن ترك ثلاثة واجبات مثلاً ترك رمي الجمار اليوم الثاني ما رمى الثلاث كلها،
فماذا يلزمه؟ وما حكم من لم يرم في أيام التشريق؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الجمرات كلها من العقبة إلى آخر جمرة في أيام التشريق واجب واحد
وإذا لم يرم في أيام التشريق كلها ففدية واحدة، إلا إذا فدى عن أول يوم فيفدي عما بعده.
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ (1/419) ، والدارقطني (2/244) ، والبيهقي (5/35) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنه.(23/291)
درس اليوم الثاني عشر 12/13/1420هـ بمنى
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذا اليوم هو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام عشرين وأربعمائة وألف، وهذا اليوم هو يوم النفر الأول الذي ينفر فيه من تعجل في يومان وينهي حجه ويتعلق بهذا مسائل:
أولاً: رمي هذا اليوم متى يبتدئ وقته؟
والجواب: أن وقته يبتدئ من الزوال أي من دخول وقت صلاة الظهر ولا يرمى قبل ذلك. لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "خذوا عني مناسككم " (1) ولم يرم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الزوال. وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم لم يرخص للضعفة والنساء أن يرموا قبل الزوال، مع أنه رخص لهم في يوم العيد أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ويرموا متى وصلوا إلى منى، ولأنه لو كان الرمي جائزاً قبل الزوال لشرعه الله لعباده؛ لأن الرعي قبل الزوال في الصباح أيسر على الحجاج من الرمي بعد الزوال وقت اشتداد الحر وصعوبة الوصول إلى الجمرات، وقد قال الله عز وجل: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولو كان مشروعاً- أن نرمي قبل الزوال لكان هذا مراد الله ولشرعه الله لعباده لأنه ألممهل لهم، ولأن عبد الله بن
__________
(1) تقدم ص 98.(23/292)
عمر رضي الله عنها قال: كنا نتحين -أي ننتظر- فإذا زالت الشمس رمينا، وقول الصحابي: كنا نفعل، "كنا" قيل: إنه إجماع، وقيل: إنه مرفوع حكماً، على كل حال فهذا هدي الصحابة رضي
الله عنهم، وهذا هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عبرة بقول من خالف ذلك، لأنه يجب على المسلمين عند النزاع أن يردوا ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإذا قال قائل: إلى متى ينتهي وقت الرمي؟ فالجواب: ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الثاني فرمي هذا اليوم ينتهي بطلوع الفجر من يوم ثلاثة عشر، ولكن قد يقول قائل: إن أهل العلم يقولون:
من أراد أن يتعجل فليتعجل قبل غروب الشمس، لقول الله تعالى: (فِي يَوْمَيْنِ) وفي للظرفية، وتقتضي أن لا يتأخر تعجله عن غروب الشمس، فالجواب: أنه في حال السعة لا يجوز للإنسان المتعجل أن يؤخر رمي هذا اليوم إلى الغروب، ولكن في حال الضيق إذا أتى الإنسان إلى الجمرة ووجد الزحام شديداً وانتظر حتى غربت الشمس فإنه يرمي ولو بعد غروب الشمس وهو على تعجله لا يلزمه المبيت. لقول النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإن لكل امرئٍ ما نوى" (1) وهذا ما نوى التأخر، والله عز وجل يقول: (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) فهو معذور فمتى تيسر له فليرم وليمش.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ... (رقم 1) ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" (رقم 1907) .(23/293)
وإن قال قائل: ما تقولون في النساء إذا كان الإنسان يريد أن يتعجل قبل غروب الشمس لكونه له موعد في الرحلة مثلاً؟
الجواب: في هذه الحالة لمجوز للإنسان أن يتوكل عن المرأة حتى وإن كانت قادرة، لأنها وإن كانت قادرة فالزحام شديد والمرأة أمام الرجل ضعيفة فربما تدهس وربما تنكشف تسقط عباءتها وما
أشبه هذا، فنرى أنه في هذه الحال يجوز أن توكل المرأة الرجل في الرمي عنها على كل حال دفعاً للضرر والأذى.
فإذا أنهى الإنسان حجه فإنه لا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع وهو في ثيابه بدون لبس الإحرام وبدون السعي، فلا إحرام ولا سعي، يطوف هكذا ثم ينصرف، ويكون الطواف آخر أموره،
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) يسقط هذا الطواف أعني طواف الوداع عن الحائض والنفساء لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض والنفساء، فالحائض يسقط عنها طواف الوداع، قال أهل العلم: ولو أن الحاج أخر طواف الإفاضة وطافه عند السفر كفاه عن طواف الوداع، كما تسقط تحية المسجد في صلاة الفريضة، يعني لو أن الإنسان دخل السجد فإنه ينهى أن يجلس، حتى يصلي ركعتين، فلو أنه دخل المسجد والإمام يصلي، ودخل مع الإمام كفاه عن تحية المسجد، ولو دخل المسجد وصلى الراتبة كفته عن تحية المسجد، لأن الأعمال
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1327) .(23/294)
تتداخل فيسقط بعضها ببعض.
أيها الأخوة، اثبتوا على ما أنتم عليه من الأعمال الصالحة، ومحبة الخير، والإحسان إلى الخلق، ولا يقل أحدكم أنا حججت وقد خرجت من ذنوبي كيوم ولدتني أمي؟ إن هذا الجزاء مقيد بشرط ثقيل وهو: (من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) لم يرفث ولم يفسق في حجه، الشرط ثقيل، والجزاء كثير، ولكن أسأل الله تعالى أن يجعل حجنا مبروراً وذنبنا مغفوراً، وسعينا مشكوراً، وأن يخلف علينا ما أنفقنا من المال في هذا السبيل بالبركة، وأن يردنا إلى أهلينا سالمين غانمين، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.(23/295)
س1366: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج أراد أن يتعجل في اليوم الثاني عشر وبعدما رمى بعد الزوال صار في الطريق إلى الحرم زحمة فوصل الحرم متأخراً فطاف طواف الوداع قبل مغيب الشمس وبعدما طاف غربت الشمس وهو في مكة بجانب الحرم فهل عليه دم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا جائز وليس فيه دم، الممنوع أن تبقى في منى إلى غروب الشمس، وأنت نيتك التأخر ثم يبدو لك بعد غروب الشمس أن تتعجل فهذا لا يجوز، لأنك نويت التأخر
فتأخرت وغابت عليل الشمس، والله عز وجل يقول: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) و (في) للظرفية.
أما إذا تعجلت وخرجت من منى قبل غروب الشمس، أو تأهبت للخروج، ولكن حبسك السير حتى غابت الشمس وأنت في منى، فالشمر في سيرك ولا شيء عليك".
س1367: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز التعجل للمقيمين في مكة أم لا وعندهم دمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز أن يتعجل الإنسان، سواء كان من أهل مكة أو من غيره، ِ لعموم قول الله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) .(23/296)
س1368: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من خرج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد أن رمى الجمار الثلاث يعد الزوال وبات في مزدلفة وعاد صباح اليوم الثالث من أيام
التشريق إلى منى وجلس بها قليلاً ثم انصرف إلى البيت ودع وخرج من مكة إلى أهله؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذه المسألة وهي أنهم خرجوا من منى في اليوم الثاني عشر علي أساس أنهم أنهوا حجهم وأتموا، فرجوعهم بعد ذلك إلى منى في اليوم التالي لا يلزمهم المقام بها، بل
لهم أن يجلسوا فيها قليلاً أو كثيراً، ثم ينصرفوا ويطوفوا للوداع ويخرجوا إلى أهليهم.
س1369: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا تعجل الحاج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق، ونزل منى بعد ذلك لمتابعة عمله وغربت عليه الشمس هناك فهل يلزمه المبيت أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: مادام قد تعجل وخرج من منى بعد أن رمى الجمرات بعد الزوال بنية أنه أنهى نسكه، فقد انتهى نسكه فإذا عاد إلى منى بعد العصر مثلاً لمتابعة عمل، فهو حر متى شاء
خرج؛ لأنه قطع نية العبادة وخرج فعلاً من مني قبل غروب الشمس، فإذا عاد فهو حر إن شاء بقي، إن شاء لم يبق، ولكننا ننصح هذا الأخ الذي سيبقى في منى في عمل أن لا يتعجل، بل أن يبقى في منى على نية النسك ليكتب له أجر في ذلك، فإنه إذا يقي على نية النسك فله أجر تلك الليلة، وله أجر رمي الجمرات في اليوم الثالث عشر.(23/297)
س1370: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا متعجل لظروف عملي وأريد أن أذبح فدية عن ترك الواجب ولكنني لا أعرف فقراء في مكة بالرغم أن الذبائح في المسلخ تتكدس وأنا أخاف أن ترمى فهل يجوز لي أن أوكل البنك الإسلامي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الظاهر من كلام الرجل أنه يريد أن يغادر منى قبل أن يكمل وهذا لا يجوز، والإنسان ليس مخيراً بين أن يقوم بالواجب أو يذبح فدية، لكن إذا اضطر إلى تركه فهذا يتركه
ويأتي بدله بدم، فلذلك لابد أن نسأل هذا الرجل ما هو العمل الذي يقول إنه يريده؟
س1371: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا خرج الحاج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بنية التعجل ولديه عمل في منى سيعود له بعد الغروب فهل يعتبر متعجلاً؟
فأجاب -رحمه الله- بقوله: نعم يعتبر متعجلاً، لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعمله فيها لا يمنع التعجل؛ لأنه إنما نوى الرجوع للعمل المنوط به لا للنسك.
س1372: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظناً منه أن هذا هو التعجل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: حجه صحيح؛ لأنه لم يترك فيه ركناً من أركان الحج، ولكنه ترك فيه ثلاثة واجبات إن كان لم يبت(23/298)
ليلة الثاني عشر بمنى.
الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثاني عشر.
والواجب الثاني: رمي الجمار في اليوم الثاني عشر.
والواجب الثالث: طواف الوداع.
ويجب عليه لكل واحد منها دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء، لأن الواجب في الحج عند أهل العلم إذا تركه الإنسان وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء.
وبهذه الناسبة أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه السائل فإن كثيراً من الحجاج يفهمون مثل ما فهم، يفهمون أن معنى قوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) أي خرج في اليوم الحادي عشر، فيعتبرون اليومين يوم العيد واليوم الحادي عشر والأمر ليس كذلك، بل هذا خطأ الفهم.، لأن الله تعالما قال: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها الحادي عشر، وعلى هذا يكون قوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر، فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ. والله الموفق.
س1373: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: مجموعة من الحجاج سيتعجلون حسب ما قررته الحملة فهل يرمون عن اليوم(23/299)
الثالث عشر في اليوم الثاني عشر؟
فأجاب فضيلته بقوله: من أراد أن يتعجل فإن رمي اليوم الثالث عشر يسقط عنه، ولا حاجة أن يرمي الجمرات عن الثالث عشر وهو متعجل.
س1374: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة نوت التعجل وأخذت متاعها قبل الغروب وذهبت إلى الجمرات فرمتها ولكنها ضاعت من رفيقاتها ولم تستطع الخروج من منى فوجدت من أرجعها إلى المخيم وهي الآن موجودة في المخيم وتريد الانصراف الآن فهل عليها رمي لهذا اليوم؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليها رمي لهذا اليوم؛ لأن بقاءها في منى ليس باختيارها، والله عز وجل يقول: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) والمرأة هذه قد تعجلت، لكن حبسها حابس وبقيت في منى بغير اختيارها فليس عليها رمي لهذا اليوم، ولها أن تنصرف من منى من الآن.(23/300)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على السؤال التالي:
وهو أن حملتنا قد تقرر أن تكون رحلة عودتها بالطائرة في الساعة الثامنة صباحاً من اليوم الثالث عشر، فهل يجوز لنا أن نخرج من منى ونطوف طواف الوداع في اليوم الثاني عشر ثم بعد انتهاء
الحج في حقنا نعود إلى سكننا في منى ونمكث فيه إلى اليوم الثالث عشر وذلك لانتظار موعد الرحلة خصوصاً وأن عدد الحجاج في الحملة يبلغ (600) حاج، ولا يمكننا توفير سكن لهم خارج منى.
أفيدونا مأجورين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا حرج عليكم إذا نفرتم من منى في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات وقبل الغروب، ثم تطوفوا للوداع، وترجعوا إلى منى للإقامة فيها لا بنية التعبد في الإقامة، ثم إذا صار في آخر الليل، أو
في الصباح سرتم إلى جدة من أجل السفر؛ لأن رجوعكم إلى منى ليس بنية التعبد، وقد تعجلتم في يومين فالرخصة ثابتة في حقكم.
هذا الجواب من إملائي 1/12/1412هـ.(23/301)
س1375: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاجِ تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأ فرجع ليلاَ ورمى هل ينقض تعجله رجوعه إلى منى ليلاً؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى اَله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الرجل الذي تعجل، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم بان له أن رمية كان فيه خطأ، فعاد فقضاه فإن له أن يرمي ثم يخرج من منى، لأن هذا الرمي كان قضاءً لما فات والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وهذا قد تعجل.
أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر.
س1376: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في العام الماضي أديت فريضة الحج وقررت بعد رمي الجمرات الثلاث لليوم الثاني عشر أن أتعجل وقد ركبت السيارة في وقت ضيق جداً ولم تكن هناك إمكانية لرؤية الشمس، ولكن ريثما تجاوزت قليلاً للوحة المكتوب عليها حدود منى سمعت الأذان لصلاة المغرب وبدأ يراودني الشك من حين لآخر ولم أكن متيقناً من أني خرجت من منى قبل الغروب أو بعده، فماذا ينبغي علي أن أفعل؟ وهل حجي صحيح؟(23/303)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحج صحيح، وليمس عليه شيء، والإنسان إذا نوى التعجل وركب سيارته ومشى فليمض في سيره ولو غابت الشمس وهو في منى، لأن الرجل تعجل ومشى، لكن
أحياناً تحجزه السيارات أو تتعطل سيارته بدون أن يختار البقاء، فنقول: يمضي في سيره ولا حرج عليه.
س1377: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة لكثير من الحجاج بالطائرة حاجزين في أليوم الثالث عشر وقد تغير دخول الشهر فصار اليوم الثالث عشر هو اليوم الثاني عشر فإذ رموا قبل الزوال تمكنوا من رحلتهم فهل يجوز لهم الرمي قبل الزوال لأنه إذا تأخروا لن يجدوا حجزاً بالطائرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أرى في هذه الحال أنهم ينزلون مكة ويطوفون طواف الوداع ويمشون، والقادر منهم يذبح فدية بمكة لترك الواجب الذي هو الرمي، ولا يسقط عنهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرخص للضعفاء الذين رخص لهم في العيد، أن يرموا قبل الزوال، فإذا كان الرسول لم يرخص مع وجود السبب، دل هذا على أنه لا يجوز، لكن نقول إنهم حصروا عن فعل الواجب، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) هذا أقرب شيء.
س1378: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج من خارج المملكة موعد سفره الساعة الرابعة عصراً من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ولم يخرج من منى بعد الرمي من اليوم الثاني عشر(23/304)
وأدركه المبيت ليلة الثالث عشر فهل يجوز له أن يرمي صباحاً ثم ينفر؟ علماً أنه لو تأخر بعد الزوال فات السفر وترتبت عليه مشقة كبيرة؟ وإذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي
قبل الزوال؟ أفيدونا جزأكم الله عنا وعن المسلمين كل خير؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحال للضرورة، ونقول له: يلزمك فدية تذبحها في منى أو مكة، أو توكل من يذبحها عنك
وتوزع على الفقراء، وتطوف طواف الوداع وتمشي.
ونقول: أما قولك: إذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال؟
فالجواب: هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال، لكنه ليس بصحيح، والصواب أن الرمي قبل الزوال في الأيام التي بعد العيد لا يجوز؟ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذوا عني مناسككم" (1) ولم يرم - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأيام إلا يْعد الزوال.
فإن قال قائل: رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب.
قلنا: هذا صحيح إنه مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، أما كونه مجرد فعل فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بعد الزوال، ولم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال، وأما كون الفعل لا يدل على الوجوب فلان الوجوب لا يكون إلا بأمر بالفعل، أو نهي عن الترك، ولكن نقول. هذا الفعل دلت
__________
(1) تقدم ص 98.(23/305)
القرينة على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب، إذ لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهل، والنبي عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فكونه لم يختر الأيسر هنا، وهو الرمي قبل الزوال، يدل على أنه إثم.
والوجه الثاني: مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلي الظهر، فكأنه يترقب الزوال بفارغ الصبر ليبادر بالرمي، ولهذا أخر
صلاة الظهر مع أن الأفضل تقديمها أول الوقت كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال.
س1379: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رفقة خرجوا من منى متعجلين لإيقاف سيارتهم خارج منى خشية زحام السيارات عند النفر من منى ثم إنهم رجعوا على أرجلهم فرموا الجمرات،
فمنهم من رمى قبل غروب الشمس، ومنهم من رمى بعد غروب الشمس بسبب الزحام فماذا على المتأخرين؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الظاهر أنه لا شيء على الجميع؟ لأن هؤلاء خرجوا من منى قبل غروب الشمس لكنهم رجعوا ورموا، وهم تأخروا نظراً للزحام فليس عليهم شيء، لأنه بغير اختيارهم.(23/306)
س1380: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز التوكل عن المرأة في رمي الجمرات اليوم الثاني عشر بسبب الزحام؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الزحام في الواقع إذا انتظر الإنسان زال الزحام، لكن أحياناً الإنسان لا يمكنه أن يتأخر، فيرمي بعد الزوال مباشرة في اليوم الثاني عشر، ففي هذا اليوم أرى أنه يأخذ إنابة عن المرأة؛ لأن المرأة مهما كانت، فلو كانت شابة في هذا الزحام لا تستطيع، ثم كيف نقول: إن الإنسان يرمي وهو لا يدري أيموت أو يحيا؟ قلبه مشوش، وفي الحديث الصحيح: "لا صلاة بحضرة طعام"؟ (1) لأن القلب مشوش، والرمي عبادة، فأرى أنه في اليوم الثاني عشر لن تعجل ولم يتأخر إلى العصر أن يأخذ حصى كل النساء اللاتي معه ويرمي، لأن شاهدنا أمراً فظيعاً جداً، المرأة تتعب تعباً عظيماً وقوتها أدنى من الرجل، وربما تسقط عباءتها، فتحاول أن تأخذها وتدعس، فالعام الماضي سقط من أحد الرجال متاعه عند الجمرة، فانحنى ليأخذه ودعسه الناس، وسقط من وراءه عليه حتى مات اثنا عشر رجلاً، فالمسألة ليست هينة، وغشم الناس اليوم معزوف، واللغات مختلفة، فربما يضيق عليك إنسان من الزحام وتصيح: ابعد عني! أنقذني! فيظن أنك تسبه فيزيد عليك.
س1381: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أراد إنسان التعجل في اليوم الثاني عشر ومعه نساء فهل يتوكل عنهن في رمي
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام (رقم 560) .(23/307)
الجمرات؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: اليوم الثاني عشر لمن أراد أن يتعجل لا شك أن فيه مشقة ويحصل فيه أموات، لذلك أوى أن من أواد أَن يتعجل ومعه نساء فليتوكل عنهن، ويبقيا في الخيمة لئلا يلقين بأنفسهن إلى التهلكة، والناس اليوم كما هو مشاهد كثير منهم لا يرحم أحداً، يريد أن يقضي شغله ولا يهمه أحد إلا من شاء الله، والنساء ضعيفات متحجبات محتشمات، فأحياناً تخرج المرأة بلا
عباءة، تسقط العباءة من شدة الزحام، وقد تكون حاملاً فتسقِط، وأحياناً تدوخ، وهذا والله لا يأتي به الإسلام، لأن الله تعالى قال في كتابه العظيم: (لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ويقول جل وعلا:
(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فكيف نحرج أنفسنا وقد وسَّع الله علينا.
وعلى كل حال إن بقيت الدنيا زحاماً كما نشاهد، وأراد الإنسان أن يتعجل فيتوكل عن النساء ويرمي عنهن والحمد لله رب العالمين.
س1382: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة حجوا ولكنهم لم يبقوا في منى إلا يوم العيد واليوم الثاني ثم أجروا من يرمي عنهم اليومين الباقيين وسافروا بعد الوداع، فما حكم هذا العمل؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: العمل الذي فعلوه ليس بصحيح، ولا بجائز أيضاً، فإن الواجب على المرء أن يبقى في منى بعد يوم العيد ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويوم الثاني عشر(23/308)
إلى أن تزول الشمس فيرمي الجمرات، ثم إن شاء أنهى حجه وتعجل، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر فرمى بعد الزوال ثم نزل، وكثير من العامةْ يظنون أن قوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) يظنون أن يوم العيد داخل في هذين اليومين، فيتعجل بعضهم إلى اليوم الحادي عشر، وهذا ظن لا أصل له، فإن الله يقول: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، فمن تعجل في يومين، ويكون ذلك التعجل في اليوم الثاني عشر؛ لأنه هو ثاني اليومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.
وأما ما سأله الأخ فإنه يسأله بعض الناس أيضاً ويتعجلون قبل اليومين، فمنهم من يوكل من يقضي عنه بقية حجه كما في هذا السؤال، ومنهم من يزعم بأنه يكفيه أن يذبح فدية عن المبيت وفدية
عن الرمي ويخرج، وهذا أيضاً ليس بصحيح، والفدية ليست بدلاً عن ذلك على وجه التخيير بينها وبين هذه العبادات، وإنما الفدية جبر لما حصل من الخلل بترك هذه العبادات، فيكون فعلها جابراً
لهذه السيئة التي فعلها وهو تركه لهذا الواجب، وليست هذه الفدية سبيلاً معادلاً لفعل واجب، فمن حج يجب عليه أن يبقى في منى اليوم الحادي عشر والثاني عشر، وإذا رمى في اليوم الثاني عشر بعد
الزوال فإن شاء تعجل ونزل وطاف للوداع ومشى، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر ورمى بعد الزوال ثم نزل وطاف للوداع وسافر.(23/309)
س1383: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم أنه إذا عزم الحاج على التعجل اليوم الثاني عشر وكانت الجمرات مزدحمة وانتظر حتى يخف الزحام فله أن يتعجل ويخرج من منى ولو رمى الجمرات بعد الغروب فهل يكون عند الجمرات منتظراً أو لو كان في خيمته؟ وهل لو لم يخف الزحام إلا بعد العشاء أرجو ذكر ضابط نستنير به حول هذا الأمر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الواجب أن يتقدم إلى الجمرات وينتهز الفرصة، وقد بلغني عن بعض الناس أنه في عصر اليوم الثاني عشر يكون المرمى خفيفاً، وذلك لأن زحام المتعجلين قد زال،
وانتهى أكثرهم، والمتأخرون يأتون في الليل، فحدثني شخص يقول: أنا أرمي عادة بعد العصر، وأنا أتعجل وأجده خفيفاً، والعلة معقولة فأقول: تقدم بمعنى حمل متاعك، وتقدم إلى الجمرات، ومتى وجدت فرصة فارم، وانزل إلى مكة، حتى لو فرض أنك لم تجد الفرصة إلا. بعد غروب الشمس، أو بعد دخول وقت العشاء فلا حرج عليك، متى وجدت الفرصة فارم ولو بعد منتصف الليل، وأنزل إلى مكة.
س1384: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة حجوا هذا العام وفي اليوم الثاني عشر بعد صلاة العصر عزموا على التعجل وحملوا متاعهم وخرجوا من منى، ولكنهم لم يرموا الجمرات إلا بعد صلاة المغرب، حيث دخلوا منى بعد صلاة المغرب ورموا الجمرات ثم ودعوا، فهل عليهم شيء أم أن حجهم صحيح؟(23/310)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: حجهم صحيح إن شاء الله ولا شيء عليهم؛ لأنهم تعجلوا وخرجوا لكن بودي أنهم ما خرجوا من منى حتى رموا وهم إذا رموا ولو بعد المغرب مادام قد جهزوا
أنفسهم وسافروا وعزموا على التعجل فلا شيء عليهم ولو رموا بعد المغرب.
س1385: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) ما معنى (لِمَنِ اتَّقَى) ؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يعني أن هذا الحكم إنما هو لمن اتقى الله عز وجل، بحيث أتى بالحج كاملاً قبل التعجل، أو تأخر للتقرب إلى الله عز وجل، لا لغرض دنيوي، أو حيلة أو ما أشبه ذلك فيكون هذا القيد راجعاً لمسألتين: للتعجل والتأخر، وقيل: إن القيد للأخير فقط (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) يعني أن التأخر أتقى لله عز وجل، لأنه خير من التعجل، حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام تأخر، وحيث إن المتأخر يحصل له عبادتان: الرمي والمبيت، لكن يظهر والله أعلم المعنى الأول أن هذا القيد للتعجل والتأخر بحيث يحمل الإنسان تقوى الله عز وجل على التعجل أو التأخر.
س1386: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء الواقعة في أيام الإقامة بمنى في أيام التشريق؟(23/311)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما الأخطاء في منى فمنها:
أولاً: أن بعض الناس لا يبيتون بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، بل يبيتون خارج منى من غير عذر يريدون أن يترفهوا، أو يشموا الهواء- كما يقولون- وهذا جهل وضلال، ومخالفة لسنة
الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده أشد ترفهاً، وأسلم من تكلف الشاق والنفقات.
ثانياً: ومن الأشياء التي يحل بها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، بل التي يخطئون فيها أن بعضهم لا يهتم بوجود مكان في منى، فتجده إذا دخل في الخطوط، ووجد ما حول الخطوط ممتلئاً، قال: إنه ليس في منى مكان، ثم ذهب ونزل في خارج منى، والواجب عليه أن يبحث بحثاً تاماً في ما حول الخطوط وما كان داخلها، لعله لمجد مكاناً يمكث فيه في أيام منى؛ لأن البقاء في منى واجب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" (1) وقد أقام - صلى الله عليه وسلم - في منى ورخص للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- من أجل سقايته أن يبيت في مكة ليسقي الحجاج.
ثالثاً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس إذا بحث ولم لمجد مكاناً في منى نزل إلى مكة، أو إلى العزيزية وبقي هنالك، والواجب إذا لم لمجد مكاناً في منى أن ينزل عند آخر خيمة من خيام الحجاج
ليبقى الحجيج كلهم في مكان واحد متصلاً بعضه ببعض، كما نقول في ما لو امتلأ السجد بالمصلين فإنه يصلي مع الجماعة، حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد.
__________
(1) تقدم ص 98.(23/312)
رابعاً: ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة بمنى وهو يسير لكن ينبغي المحافظة عليه أن بعض الناس يبيت في منى، ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة ليترفه بالظل الظليل، والمكيفات والمبردات، ويسلم من حو الشمس ولفح الحر، وهذا وإن كان جائزاً على مقتضى قواعد الفقهاء، حيث قالوا: (إنه لا يجب إلا المبيت) فإنه خلاف السنة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقي في منى ليال وأيام التشريق فإنه عليه الصلاة والسلام يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق. أما لو كان الإنسان محتاجاً إلى ذلك كما لو كان مريضاً أو كان مرافقاً لمريض لا بأس به؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخص للرعاة أن يبيتوا خارج منى، وأن يبقوا في الأيام في مراعيهم
مع إبلهم.
هذه بعض من الأخطاء لتي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة في منى.(23/313)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم المؤرخ 15 وصلني أمس، سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك.
سؤالكم عمن قدموا مكة فنزلوا بمنى، ثم دخلوا مكة لقضاء عمرتهم، وعادوا إلى منى وأقاموا بها إلى الحج فهل هذا جائز؟
فالجواب: لا أرى في ذلك منعاً، لكن الأولى عدم فعل ذلك؛ لأن هذه المحلات أعني منى ومزدلفة وعرفة إنما هي أمكنة للأنساك المفعولة فيها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نزل بالأبطح في مكة، ولم يخرج إلى منى إلا في يوم التروية.
وسؤالكم أيضاً عمن نفر من منى، ووكل من يرمي عنه، ثم ودع البيت قبل رمي موكله، فهل يجوز ذلك؟
فالجواب كما يأتي:
1- نسأل لماذا وكل من يرمي عنه؟
فإن كان الجواب: لأنه غير قادر على الرمي بنفسه فالتوكيل جائز، ولكن لا ينبغي أن ينفر من منى حتى يرمي الوكيل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينفر من منى إلا بعد الرمي، وقال: "خذوا عني مناسككم" (1) .
__________
(1) تقدم ص 98.(23/315)
أما إن كان قادراً على الرمي بنفسه فإن التوكيل لا يجوز لا في الفرض ولا في النفل، على الصحيح، لأن نفل الحج والعمرة كفرضهما في وجوب الإتمام إذا شرع فيهما، قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) .
2- والوداع لا يجوز إلا بعد فراغ أفعال الحج كلها، فلو ودع الإنسان قبل الرمي، ثم خرج ورمى لم يجز له ذلك؛ وعليه إعادة الطواف؛ لأن النبي لمجسم لم يوح البيت حتى فرغ من جميع أفعال
الحج، ولمحال للناس: "خذوا عني مناسككم" (1) وأيضاً فإنه قال للناس: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (2) ولم يكونوا ينفرون إلا بعد الرمي.
وأيضا فإن قوة كلام الأصحاب وترتيبهم لما لفعله الحاج دليل على أن طواف الوداع يكون بعد تمام أفعال النسك كلها، وقد عبروا عن ذلك بقولهم: يطوف للوداع إذا فرغ من جميع أموره.
وسؤالكم عن المرأتين اللتين تجاوزتا خمسين سنة وإحداهما يأتيها الحيض على الصفة المعروفة، والأخرى على غير الصفة المعروفة فالجواب:
1- التي يأتيها على صفته المعروفة يكون دمها دم حيض صحيح، على القول الراجح، إذ لا حد لأكثر سن الحيض، وعلى هذا فيثبت لها أحكام دم الحيض المعروفة، من اجتناب الصلاة، والصيام، والجماع، ولزوم الغسل، وقضاء الصوم ونحو ذلك.
__________
(1) تقدم ص 98.
(2) تقدم ص 80.(23/316)
2- وأما التي يأتيها صفوة وكدرة فالصفرة والكدرة إن كانت في زمن العادة فحيض، وإن كانت في غير زمن العادة فليست بحيض، وأما إن كان دمها دم الحيض المعروف، لكن تقدم أو تأخر
فهذا لا تأثير له، بل تجلس إذا أتماها الحيض وتغتسل إذا انقطع عنها.
وهذا كله على القول الصحيح من أن سن الحيض لا حد له، أما على المذهب فلا حيض بعد خمس سنة وإن كان دماً أسود عادياً، وعليه فتصوم وتصلي ولا تغتسل عند انقطاعه، لكن هذا
القول غير صحيح.
هذا ما لؤم. شرفونا بما يلزم، بلغوا سلامنا الشيخ محمداً والأولاد والإخوان، كما أن الجميع بخير، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(23/317)
كلمة في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة بمنى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا هو اليوم الثالث من أيام التشريق وهو
آخرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" (1) ولم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وبهذا لا يصوم الإنسان هذا اليوم وإن كان اليوم الأول من الأيام البيض؛ لأنه من أيام التشريق وأيام التشريق ينبغي للإنسان أن يتفرغ للذكر ويأكل ويشرب، لأنه في ضيافة الله عز وجل، ولكن من لم يجد الهدي للقارن أو المتمتع فإنه يصوم هذه الأياٍم الثلاثة، لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فلنا أن نستغرق هذا اليوم في الذكر وأن نتمتع بما منَّ الله علينا بالأكل والشرب حتى نحقق ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" وهو أي هذا اليوم من أيام الذبح؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كل أيام التشريق ذبح" (2) أي وقت للذبح، وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء، ومن العلماء في يقول: تنتهي أيام الذبح بانتهاء اليوم الثاني عشر، لكن القول بأن جميع أيام التشريق أيام ذبح هو الصواب.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب تحريم صيام أيام التشريق (1141) .
(2) أخرجه الإمام أحمد (4/82) .(23/319)
وفي هذا اليوم يودع الحجاج منى؛ لأنهم يرمون الجمرات بعد الزوال، ثم يغادرونها، ولكن إذا أراد الإنسان أن يسافر إلى بلده من مكة بعد الحج، فإنه لابد أن يطوف طواف الوداع، وهو بثيابه
المعتادة، ولا سعي بعده، وطواف الوداع واجب إلا على الحائف والنفساء، فإنه لا وداع عليهما، لقول عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض، وينبغي لك أجها الأخ المسلم بعد أن منَّ الله عليك بهذا الحج الذي أرجو الله تعالى أن يجعل حجنا وحجكم مبروراً، وذنبنا مغفوراً، وسعينا مشكوراً، ينبغي لك أن لا تسود صفحات
أعمالك بالسيئات بعد أن طهرك الله منها، فإن النعمة إنما تشكر بمثلها، بمعنى أن الإنسان إذا وفقه الله لحسنة فإن من شكر هذه الحسنة أن تأتي بحسنة أخرى، ولهذا قال بعض العلماء: علامة
قبول الحسنة الحسنة بعدها، وإذا شكوت الله عز وجل فإن تلك نعمة تحتاج إلى شكر، وإذا شكرت على هذه النعمة أي نعمة الشكر الأول تحتاج إلى شكر آخر وهلم جوا.
ولهذا قال بعضهم شعراً:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له بمثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.(23/320)
طواف الوداع
في الحج والعمرة(23/321)
س1387: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الو داع؟ ومتى يكون؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع واجب على كل إنسان غادر مكة وهو حاج أو معتمر، فإذا قدم الإنسان للحج أو للعمرة وأتى بذلك فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع، أما إذا قدم إلى
مكة لغير حج ولا عمرة، بل لعمل أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك، فإن طواف الوداع لا يلزمه حينئذ، لأنه لم يأت بنسك حتى يلزمه طواف الوداع.
ويجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ولكن العلماء- رحمهم الله- رخصوا لمن طاف طواف الوداع في الأشياء التي يفعلها وهو عابر وماشي، مثل أن يشتري حاجة في طريقه، أو أن ينتظر رفقة متى جاءوا ركب ومشى، وأما من طاف للوداع ثم أقام ونوى إقامة لغير هذه الأشياء وأمثالها فإنِه يجب عليهِ أن يعيد طواف الوداع.
س1388: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف طواف الوداع في الصباح ثم نام وأراد أن يسافر بعد العصر فهل يلزمه أن يعيد طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: عليه أن يعيد طواف الوداع في العمرة والحج، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (2) قال ذلك في حجة الوداع، فابتداء وجوب طواف
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 85.(23/323)
الوداع من ذلك الوقت، فلا يرد علينا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتمر قبل ذلك ولم ينقل عنه أنه ودع؛ لأن طواف الوداع إنما وجب في حجة الوداع، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" (1) وهذا عام يستثنى منه الوقوف، والمبيت، والرمي، لأن هذا خاص بالحج بالاتفاق، ويبقى ما عداه على العموم، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى العمرة حجاً أصغر كما في حديث عمرو بن حزم الطويل المشهور الذي تلقاه العلماء بالقبول، وهو حديث مرسل (2) ، لكنه صحيح لتلقي العلماء له بالقبول؟ ولأن الله تعالى قال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) وإذا كان طواف الوداع من إتمام الحج فهو أيضاً من إتمام العمرة. ولأن هذا الرجل المعتمر دخل المسجد الحرام بتحية فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية.
وعلى هذا فإن طواف الوداع يكون واجباً في العمرة كالحج، وهناك حديث أخرجه الترمذي: "إذا حج الرجل، أو اعتمر فلا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت" (3) . وهذا الحديث فيه ضعف
لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، ولولا ضعف هذا الحديث لكان نصًّا في المسألة وقاطعاً للنزاع، ولكن لضعفه لم يقو على الاحتجاج
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب غسل المخلوق ثلاث مرات (رقم 1536) ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح (رقم 1180) .
(2) أخرجه ابن حبان (793) والحاكم (1/395) .
(3) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (رقم 946) وقال: حديث غريب. وقال الألباني: منكر بهذا اللفظ، وصح
معناه دون قوله: لا "أو اعتمر".(23/324)
به، إلا أن الأصول التي ذكرناها آنفاً تدل على وجوب طواف الوداع للعمرة.
ولأنه إذا طاف للعمرة فهو أحوط وأبرأ للذمة؛ لأنك إذا طفت للوداع في العمرة، لم يقل أحد إنك أخطأت، لكن إذا لم تطف قال لك من يوجب ذلك: إنك أخطأت، وحينئذ يكون الطائف مصيباً بكل حال، ومن لم يطف فإنه على خطر، ومخطئ على قول بعض أهل العلم.
س1389: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تّعالى-: نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع! يبت في حدود مكة نهائياً وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت فهل هذا صحيح أم لا؛ لأننا أحياناً نحرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولا نستطيع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة والطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام من الحجاج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان؛ لأن النبي عكف يقول:! لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ولأبي داود: "حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" وعلى هذا فأعد لنفسك بأنك لا تطف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك، ثم تخرج مباشرة، لكن يسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلي الصلاة إذا كانت قد دخل وقتها، وأن يشتري حاجة بطريقه وهو ماش، وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه
__________
(1) تقدم ص 80.(23/325)
إعادة طواف الوداع، وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير.
س1390: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قمنا بالحج متمتعين قبل عامين من الآن وقمنا بأعمال الحج كاملة من طواف الإفاضة والسعي والمبيت والوقوف بعرفات والهدي ولكن ظنًّا منا بأنه ليس علينا طواف وداع لم نطف للوداع، لأننا كلنا نظن أن طواف الوداع للقادمين من خارج المملكة فقط وهذا اعتقادنا فهل ما قمت به صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً فما العمل؟ وما هي الكفارة علماً بأننا من سكان جدة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ما قام به السائل من أعمال الحج فكله صحيح، لكن الوداع تركه غير صحيح، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان الناس ينصرفون من كل وجه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) فأهل جدة ومن دون جدة أيضاً إذا خرجوا من مكة بعد حج أو عمرة وجب عليهم طواف الوداع، إلا إذا أخروا طواف الإفاضة وطافوه عند الوداع فإنه لمجزئ عن طواف الوداع، وكذلك في العمرة إذا طافوا وسعوا وقصروا ثم رجعوا إلى أهليهم، فليس عليهم وداع، لأن الطواف الأول كاف، والقاعدة عند أهل العلم في مثل هؤلاء: أنه يلزم كل واحد منهم دم، أي فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء لتركهم هذا الواجب.
__________
(1) تقدم ص 85.(23/326)
س1391: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت بطفلة رضيعة ولم أطف بها طواف الوداع فما الحكم في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ليس عليك شيء، الصغار ما جاء منهم من المناسك فاقبلوه، وما تركوه لا تطالبون به، ولكني أشير على إخواننا أن لا يحجوا الصغار في هذه المواسم، لأن في ذلك تضييقاً عليهم، وعلى أطفالهم تعب ومشقة، وتحجيجهم ليس بواجمب، غاية ما في ذلك أن لهم فيه أجراً، لكن هذا الأجر الذي يحصلونه ربما يفوتهم من الأجر في تكميل مناسكهم أكثر وأكثر مما حصلوه من حج هذا الصبي، والإنسان ينبغي له أن يكون بصيراً بالشرع قبل أن يفعل، ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة- رضي الله عنهم- أن يحجوا أطفالهم، وغاية ما روي عنهم أن امرأة رفعت صبيًّا لها، وقالت: أن هذا حج؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم ولك أجر" (1) . فإذا كان تحجيجنا هؤلاء الصغار سيفوتنا سنناً كثيرة في عبادتنا التي جئنا من أجلها فترك تحجيجهم أولى من تحجيجهم.
س1392: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الحاج إذا خرج في يوم التروية يريد أن يذهب إلى الحل مثلاً يريد أن يخرج إلى عرفة فهل يلزمه طواف وداع أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يلزمه طواف وداع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة إلى منى، ثم إلى عرفة، ولم يطف طواف الوداع فإذا قال قائل: النبي عليه الصلاة والسلام مازال في نسكه، قلنا:
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حجة الصبي (رقم 1336) (459) .(23/327)
كثير من الصحابة- رضي الله عنهم- حلوا من إحرام العمرة لأنهم لم يسوقوا الهدي وابتدءوا الحج من جديد في اليوم الثامن، ومع ذلك ما أمروا بأن يذهبوا إلى البيت فيطوفوا طواف الوداع، فليس طواف الوداع في هذه الحال مشروعاً.
س1393: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل للوداع أشواط معدودة أو يطوف الإنسان ما شاء واحداً أو خمسة أو عشرة المهم أن يطوف حول الكعبة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا أطلق الطواف فالمراد به الطواف المشروع وهو لا يقل عن سبعة أشواط ولا يزيد عليها، كما أننا إذا قلنا: (صلاة) فهي الصلاة المشروعة التي لها صفة معينة، من ركوع وسجود وقيام وقعود، فالطواف إذا أطلق فإنما المراد به الطواف بالبيت، وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وفي رواية لأبى داود: لا حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" (2) والطواف إذا أطلق فهو سبعة أشواط.
س1394: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج ورمى الجمرات ثم ذهب إلى مكة وطاف طواف الوداع وانتهى من ذلك في
__________
(1) تقدم ص 85.
(2) تقدم ص 88.(23/328)
حدود الساعة الخامسة قبل المغرب ثم ذهب إلى مسكنه في العزيزية وكان في نيته أخذ أغراضه والسفر إلى جدة مباشرة لأن له قريباً بها، ولكن نظراً لحالته الصحية التي أصابته يوم عرفة لم يستطع فأجل سفوه حتى الصباح فنام في مسكنه واستيقظ وسافر من مكة إلى جدة في حدود الساعة التاسعة صباحاً، ولم يعد طواف الوداع ثم غادر جدة إلى بلده فماذا يلزمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: كان الواجب عليه أدن يرحم من جدة ويطوف قبل أن يسافر، فالذي أرى أنه احتياطاً أن يذبح فدية في مكة وتوزع على الفقراء.
س1395: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم ترك طواف الوداع بحجة أن هناك زحمة شديدة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يجب أن يطوف للوداع ولو محمولاً، ولهذا قالت أم سلمة- رضي الله عنها- للرسول - صلى الله عليه وسلم - في طواف الوداع: إنني مريضة قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" (1) ولم يعذرها، فطواف الوداع واجب، لكن لو أن الإنسان تركه فحجه تام، إلا أنه آثم إذا تعمد، وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
س1396: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج إذا
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب المريض يطوف راكباً (رقم 1633) ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره (رقم 1276) .(23/329)
طاف طواف الوداع أن يعود للبيت؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان إذا فرغ من كل شيء، وأراد أن يركب السيارة يطوف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وهو - صلى الله عليه وسلم - طاف للوداع في آخر الليل، وصلى الفجر ومشى، فمثلاً إذا قدرنا أن موعد الرحلة بعد صلاة الفجر مباشرة نقول: طف للوداع قبل أذان الفجر ثم صل الفجر وتوكل على الله، لكن لو طاف للوداع بعد المغرب وهو لا يريد السفر إلا في الصباح فهذا لا يجوز، وإن فعل ذلك فعليه أن يعيد الطواف ويكون الطواف الأول طواف سنة.
س1397: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز طواف النافلة قبل طواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان إذا خف المطاف ولم يكن عليه ضيق، ولا تضييق على أحد أن يطوف، ثم إذا أراد السفر يطوف للوداع.
س1398: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حج أبي في العام الماضي وهو رجل عامي ويمشي على رجل واحدة معتمداً على عصا فسمع أن طواف الوداع ستة أشواط ونظراً لظروفه تركها فماذا يجب
__________
(1) تقدم ص 85.(23/330)
أن أفعله بالنسبة له حتى أطمئن على أداء هذه الشعيرة على الوجه الأكمل خصوصاً وأنني لم أتمكن من الحج هذا العام فهل أعطي لبعض الحجاج قيمة الدم ثم يذبحوا عنه أم أكلفه بالطواف عنه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: مادام والدك لم يترك إلا طواف الوداع فقط، فإن أهل العلم يقولون فيمن ترك واجباً من واجبات الحج: يجب عليه أن يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء، وعلى
هذا فتوكل أحداً من الذاهبين إلى مكة ليشتري شاة أو معزاً ويذبحها ويتصدق بها على الفقراء هناك.
س1399: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يعمل في مكة المكرمة منذ عامين فهل عندما يسافر في فترة إجازته السنوية يجب أن يطوف طواف وداع مع العلم أنه يحج له أو لأهله المتوفين؟ وهل يصح طواف الوداع ليلاً ثم السفر صباحاً؟ وهل يمكن النوم بعد الطواف وتناول الطعام أو شراؤه ثم السفر أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع واجب على كل إنسان غادر مكة وهو حاج أو معتمر، فإذا قدمت للحج أو العمرة وأتيت بذلك، فإنك لا تخرج حتى تطوف للوداع، أما إذا قدمت إلى
مكة لغير حج ولا عمرة، بل لعمل، أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك فإن طواف الوداع لا يلزمك حينئذ، لأنك لم تأت بنسك حتى يلزمك طواف الوداع.
لا يصح أن يطوف في الليل ثم يسافر في النهار، فيجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر أحد حتى(23/331)
يكون آخر عهده بالبيت" (1) ولكن العلماء رخصوا لمن طاف طواف الوداع أن يشتري حاجة في طريقه أو أن ينتظر رفقة وأما من طاف للوداع ثم أقام فإنه يجب عليه أن يعيد طواف الوداع.
س1400: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت بيت الله الحرام ثلاث مرات، وفي كلل مرة لم تتمكن من طواف الوداع لأعذار شرعية، فتسافر دون الطواف فهل حجها صحيح؟
فأجاب- رحمه الله- بمّوله: من لم يطف طواف الوداع حجه صحيح؛ لأن طواف الوداع منفصل من الحج، ولهذا لا يجب على أهل مكة، ولو كان من واجبات الحج الداخلة فيه لكان واجباً على أهل مكة، لكنه وأجب مستقل لكل من أراد الخروج من مكة من حاج أو معتمر، وإذا كان لهذه السائلة أعذار شرعية وهي الحيض فإن الحائض يسقط عنها طواف الوداع؟ لقول أبن عباس- رضي الله
عنهما-: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) ، وعلى هذا فإن حجك صحيح وليس عليك شيء مادام العذر عذراً شرعيًّا وهو الحيض؟ لأنه خفف عنك الأمر
والحمد لله.
س1401: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: في السنة الماضية قمت بأداء فريضة الحج طلباً للمغفرة وأداء ركن من
__________
(1) تقدم ص 80.(23/332)
أركان الإسلام، وعند طواف الوداع أحدثت أثناء الطواف وكنت أجهل بالحكم، وواصلت حتى نهاية الطواف، وصليت بعدها ركعتين عند مقام إبراهيم، وجهلت الحكم أيضاً أو تجاهلت لكثرة
الزحام ما هو الحكم في ذلك؟ وماذا يجب أن أفعل؟ وهل حجي صحيح؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما حجك فإنه صحيح؛ لأن طواف الوداع منفصل منه، فهو واجب مستقل، وعلى هذا فلا يكون في حجك منفصل، ولكن إحداثك في أثناء الطواف مبطل له على قول من يرى أنه تشترط الطهارة من الحدث للطواف، وإذا كان مبطلاَّ لَه فإنك تعتبر غير طائف طواف الوداع، وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به فقال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهدهم بالبيت" (1) وقال ابن
عباس- رضي الله عنهما-: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أْنه خفف عن الحائض" (2) ، فقوله: "خفف عن الحائض" يدل على أنه على غيرها واجب، ولو كان غير واجب لكان
مخففاً عنها وعن غيرها، وقاعدة أهل العلم وعامتهم على أن من ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء، والذي فهمته من كلام السائل حيث قال: (جهلت أو تجاهلت) أنه في
طوافه وصلاته الركعتين بعده وقد أحدث، فيه تهاون فني هذا الأمر، نرجو الله تعالى له العفو والمغفرة، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى مما
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 80.(23/333)
صنع، وألا يعود، بل إذا حصل له حدث أثناء الطواف فليخرج، وإن كان في ذلك مشقة عليه فليحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى.
س1402: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: زوجته حامل في الشهر الثالث وبعد طواف الحج نزل منها دم خفيف جداً فهل عليها طواف الوداع؟ وهل تصلي؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم هذه تصلي، هذه امرأة حامل نزل عليها دم في حملها فهذه تصلي وتطوف ويأتيها زوجها؛ لأن الحامل لا تحيض، فدمها دم فساد لا حكم له، اللهم إلا حاملاً
استمر معها الدم على عادته فهذه بعض النساء يستمر معها دم الحيض في أول الحمل ثم ينقطع.
س1403: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاضت في الحج وأكملت حجها وسعت بين الصفا والمروة وتريد أن تؤخر طواف الإفاضة مع الوداع بعد الطهر هل عملها هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم لا بأس، ولا حرج عليها أن تؤخر طواف الإفاضة وتطوفه عندِ السفر، ويغني ذلك عن طواف الوداع.
س1404: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت مع زوجها عام 1409هـ وبعد رمي الجمرات يوم الثاني عشر خرجوا إلى مدينة جدة وفي اليوم التالي صنوا الظهر ثم اتجهوا إلى مكة لطواف(23/334)
الوداع ومن ثم يعودون إلى مكان إقامتهم ولكن قبل مغادرة جدة صافح المرأة بعض الرجال الأجانب ولم تستطع أن تجدد وضوءها وطافت بالبيت طواف الوداع وهي على تلك الحال فما حكم هذا الطواف؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أقول إن خروج هذه المرأة وزوجها إلى جدة قبل طواف الوداع، ينظر فيه هل جدة هي مكان إقامتهم، إن كانت جدة مكان إقامتهم، فإن خروجهم إليها من مكة قبل طواف الوداع محرم، ولا ينفعهم الرجوع بعد ذلك والطواف بل عليهم الفدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء على كل واحد منهم شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أما إذا لم تكن جدة مكان إقامتهم ولكنهم خرجوا إليها في حاجة، على أن من نيتهم أن يعودوا إلى مكة ويطوفوا للوداع ويخرجوا إلى مكان إقامتهم، فإنه لا شيء عليهم.
وأما ما ذكرت من أنها سلمت على بعض الرجال قبل الطواف ثم طافت بعد ذلك بدون وضوء، فإن ذلك لا يضر بالنسبة للطواف، لأن مس المرأة للرجل، أو مس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء، حتى وإن كان بشهوة على القول الراجح، ولكن مصافحتها للرجال الأجانب حرام عليها، ولا يحل لها أن تكشف وجهها، ولا أن تصافح الرجال الأجانب، ولو كانت كفاها مستورتين بقفاز أو غيره، والواجب عليها أن تتوب إلى الله مما صنعت من مصافحة الرجال الأجانب، وألا تعود لمثل ذلك.
وهنا أنبه على مسألة خطيرة في هذا الباب وهي: أن بعض(23/335)
الناس اعتادوا أن يصافح أخ الزوج زوجة أخيه، أو يصافح ابنة عمته، وهذه العادة عادة سيئة محرمة، ولا يحل لامرأة أن تصافح رجلاً ليس من محارمها أبداً ولو كان ابن عمها، أو أبن خالها، أو
ابن عمتها، أو ابن خالتها، أو أخ زوجها، أو زوج أختها، كل هذا حرام ولا يجوز، والشيطان يجري من أَبن آدم لمجرى الدم، قد يقول قائل: أنا أصافحها وأنا بريء، وأنا واثق من نفسي أن لا تتحرك
شهوتي، وأن لا أتمتع بمسها. فنقول له: ولو كان الأمر كذلك؛ لأن هذه المسألة حساسة جداً، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولهذا جاء ني الحديث: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان
الشيطان ثالثهما" (1) ، وما ظنك باثنين الشيطان يكون ثالثهما، كذلك أيضاً إذا مس الوجل المرأة فإن الشيطان سوف يجعل في نفسه حركات، وإن كان بعيداً منها، لكن هو على خطر، ولهذا أحذر من أن تصافح المرأة من ليس من محارمها.
قد يقول قائل: أنا لو تجنبتها ومدت إلي يدها، وقلت: هذا لا يجوز، لأثر ذلك على العلاقة بيني وبينها، أو بيني وبين أبيها، إن كانت بنت عمي، أو بينها وبين أخي إن كانت زوجته، أو ما أشبه
ذلك.
فأقول له: أتخشونهم فالله أحق أن تخشاه، ولقد قال الله عز وجل لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أشرف الخلق: (وَاتَّقِ الله وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من اكتتب له جيش فخرجت امرأته حاجة ... (رقم 3006) ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (رقم 1341) .(23/336)
الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وإذا كان أقاربك من أخ، أو عم، أو أي أحد يجدون في أنفسهم عليك إذا أنت فعلت الحق، أو تجنبت باطلاً، فليكن ذلك، فإنه لا إثم عليك، وإنما الإثم عليهم من وجهين:
الوجه الأول. أنهم وجدوا عليك في أنفسهم وهم من أقاربك.
والوجه الثاني: أنهم وجدوا عليك، لأنك فعلت ما تقتضيه الشريعة، وأي إنسان لا يكره شخصاً لما تقتضيه الشريعة، بل الذي ينبغي أن من فعل ما تقتضيه الشريعة، ولاسيما مع مخالفة العادات
الذي ينبغي ألط يجل هذا الوجل، وأن يعظم ويكرم وأن يكون له في قلوبنا منزلة أرقى وأعلى من منزلته السابقة.
س1405: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أدى فريضة الحج ونظراً لتعبه وكبر سنه لم يكمل طواف الشوط الأخير من طواف الوداع فقد طاف ستة أشواط فقط فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الطواف لا بد أن يكون سبعة أشواط، يبتدئ بها من الحجر، وينتهي بها إلى الحجر، فإن نقص شوطاً وأحداَ، أو خطوة واحدة لم يصح الطواف؟ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) وبناء على القول الراجح من قول أهل العلم أن طواف الوداع واجب، والقاعدة عند العلماء أن ترك الواجب فيه فدية شاة أنثى من الضأن، أو ذكر من الضأن،
__________
(1) تقدم ص 147.(23/337)
أو أنثى من الماعز، أو ذكر من الماعز تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
س1406: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع لأن الطواف كان ليلاً ومعه أطفال وغادر مكة في اليوم التالي ما حكمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده، لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم
بالبيت الطواف) ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه خارج ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً، أو انتظار رفقة أو ما أشبه ذلك، فلا تجب عليه إعادة الطواف،
وكذلك قال العلماء لو اشترى حاجة في طريقه لا بقصد التجارة، فإنه لا يجب عليه إعادة الطواف، ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار أو من النهار
إلى الليل فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت.
س1407: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حاج من أهل مكة ويريد الذهاب إلى الرياض بعد انتهاء الحج والعودة بإذن الله تعالى بعد أسبوع هل عليه طواف وداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الرجل من أهل مكة وحج(23/338)
وسافر بعد الحج فليطف للوداع، لقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان الناس ينصرفون من كل وجه يعني بعد الحج، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وهذا عام، فنقول لهذا المكي: ما دمت سافرت في أيام الحج وقد حججت
فلا تسافر حتى تطوف.
س1408: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن حاج ترك طواف الوداع فماذا يلزمه وهو الآن في بلده؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا كان لم يترك إلاّ طواف الوداع فقط، فإن أهل العلم يقولون فيمن ترك واجباً من واجبات الحج: يجب عليه أن يذبح فدية في مكة، يوزعها على الفقراء، وحجه
صحيح.
س1409: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أدينا طواف الوداع لحج العام قبل الماضي في الدور الثاني نظراً لشدة الزحام، وقررنا أن نطوف بدءاً من الشوط الرابع في الدور الأرضي وبعد نزولنا ونحن في الطريق عبر المسعى تجاوزنا الحجر الأسود بدون نية الدخول فيه ولكنا فضلنا العودة مرة أخرى للدور الثاني وأكملنا بقية طوافنا على هذا الأساس بحيث إذا وصلنا منطقة الزحام نتلافه بالطواف من داخل المسعى ثم العودة مرة أخرى للدور الثاني، فما حكم طوافنا؟
وماذا يجب علينا جزاكم الله خيراً؟
__________
(1) تقدم ص 85.(23/339)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الطواف غير صحيح لنقص الشوط الرابع، حيث مشوا جزءاً منه بغير نية، وعلى هذا فعلى القادر ذبح شاة في مكة توزع عل الفقراء جبراً لما نقص، وأما غير
القادر فلا شيء عليه.
س1410: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حاجة وحاضت قبل طواف الوداع فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحكم في هذا أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة، وأتاها الحيض أن أتممت مناسك الحج ولم يبق عليها إلا طواف الوداع، فإن طواف الوداع يسقط عنها في هذه
الحال، لحديث ابن عباس- رضي الله عنها- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" (1) ولما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن صفية بنت حيي حاضت وكانت قد طافت- رضي الله عنها- طواف الإفاضة، قال: "فانفروا إذاً" (3) وأسقط عنها طواف
الوداع.
أما طواف الإفاضة فإنه لا يسقط بالحيض فإما أن تبقى المرأة في مكة حتى تطهر وتطوف طواف الإفاضة، وإما ما أن تذهب إلى بلدها على ما بقى من إحرامها، فإذا طهرت عادت فأتت بطواف
الإفاضة، وهنا يحسن إذا عادت أن تأتي أولاً بعموة فتطوف وتسعى وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة. وإذا كانت لا يمكنها ذلك بأي
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (رقم 1757) .(23/340)
حال من الأحوال فإنها تضع على محل الحيض ما يمنع نزول الحمض، وتلوث المسجد به، ثم تطوف للضرورة على القول الراجح.
س1411: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة من المقيمين قاموا بأداء فريضة الحج وأدوا جميع المناسك عدا طواف الوداع إذا خرجوا من منى إلى جدة مباشرة على أن يعودوا إلى مكة لطواف الوداع قبل مغادرة المملكة إلى السودان عند انتهاء فترة عملهم بالمملكة فما الحكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إن طواف الوداع واجب على كل من حج أو اعتصر فلا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع طوافا بدون سعي؛ لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان الناس
ينفرون في كل وجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) فهؤلاء الجماعة المقيمون في جدة من السودان حينما لم يطوفوا طواف الوداع، نقول لهم: إنهم أساءوا، وأن الواجب عليهم أن لا يغادروا مكة حتى يطوفوا الوداع؛ لأنهم غادروا مكة إلى محل إقامتهم، فيكونوا داخلين في الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً، وعلى هذا فنقول لهم: إن كان عملهم هذا مستنداً إلى فتوى أفتاهم بها أحد من أهل العلم الذين يثقون به فإنه لا شيء
عليهم؛ لأن تلك وظيفتهم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وإذا أخطأ المفتي لم يلزم المستفتي شيئاً؟ لقيامه بما أوجب الله عليه، وأما إذا كان عملهم هذا غير مستند إلى فتوى فإنه يلزم كل واحد
__________
(1) تقدم ص 80.(23/341)
منهم أن يذبح فدية في مكة، ويفرقها على الفقراء، لتركهم واجب من الواجبات، وترك الواجب عند جمهور العلماء يجب فيه دم يفرق على فقراء الحرم.
س1412: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج إلى بيت الله الحرام وأكمل جميع المناسك وطاف الوداع ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط اعتقاداً منه أن الحج هكذا، فماذا يجب عليه أن يفعل وقد مضى على الحج أربعة أشهر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الواقع أنه يؤسفني أن يكون هذا الكتاب يسأل فيه مقدمه عن أمر وقع قبل أربعة شهور، فالواجب على المسلم أولاً إذا أراد أن يفعل عبادة أن يسأل عن أحكامها من
يثق به من أهل العلم، لأجل أن يعبد الله على بصيرة، والإنسان إذا أراد أن يسافر إلى بلد وهو لا يعرف طريقها، تجده يسأل عن هذا الطريق، وكيف يصل، وأي الطرق أقرب وأيسر، فكيف بطريق
الجنة وهو الأعمال الصالحة؟! فالواجب على المرء إذا أراد أن يفعل عبادة أن يتعلم أحكامها قبل فعلها.
ثانياً: إذا قدر أنه فعلها وحصل له إشكال فيها فليبادر به، لا يأتي بعد أربعة أشهر يسأل، لأنه إذا بادر حصل بذلك مصلحة وهي العلم، ومصلحة أخرى وهي المبادرة بالإصلاح إذا كان قد أخطأ في شيء.
أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فنقول: إن سعيه بعد طواف الوداع ظنًّا منه أن عليه سعياً لا يؤثر على حجه شيئاً، ولا على(23/342)
طواف الوداع شيئاً، فهو أتى بفعل غير مشروع له، لكنه جاهل فلا يجب عليه شيء.
س1413: سئل فضيلة الشيخ.- رحمه الله تعالى-: أين تذبح الفدية التي لترك طواف الوداع؟ وهل يأكل منها صاحبها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: دم ترك طواف الوداع يذبح بمكة ويفرق على فقراء الحرم كله، ولا يؤكل منه شيء.(23/343)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
جماعة يحجون تقريباً كل سنة ويفعلون في حجهم في اليوم الثاني عشر ما يلي:
في الضحى ينزلون إلى الحرم لطواف الوداع بالنسبة للنساء، ثم يرجعون إلى منى ويتوكلون عق نسائهم في رمي الجمار، ويتركون نسائهم في الخيام، ثم يرمون الجمرات بعد الزوال ثم يتجه الرجال
فقط إلى الحرم لطواف الوداع، حيث النزول الأول لطواف النساء فقط، ثم يرجعون لخيامهم ويسافرون لبلادهم علماً أن فعلهن هذا خوفاً على نسائهم من الزحام. فهل عملهم هذا صحيح؟ أفتونا مأجورين،
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما عمل الرجال بكونهم يرمون ثم يطوفون للوداع فصحيح.
وأما عمل النساء فغير صحيح، لأنهن يطفن للوداع قبل تمام النسك، حيث لم يرم عنهن إِلا بعد الوداع، والواجب أن يكون طواف الوداع آخر أعمال النسك، ثم هنا خطأ آخر وهو أنهن(23/345)
يوكلن على الرمي مع القدرة على الرمي بأنفسهن، أما إن كن لا يتحملن الزحام في هذه الحال كما هو الواقع غالباً فلا حرج عليهن في التوكيل، لكن يكون طواف الوداع بعد رمي الوكيل.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/11/1415هـ.(23/346)
س1414: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم طواف الوداع من دخل مكة بغير إحرام؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يلزم طواف الوداع من دخل مكة بغير إحرام، وإنما يلزم من دخل مكة بإحرام بحج أو بعمرة، هذا ما لم يكن انصرف من عمرته فور انتهائه منها، فإن انصرف من
عمرته فور انتهائه منها، بمعنى أنه طاف وسعى وحلق أو قصر ثم ركب سيارته راجعاً، فهذا ليس عليه طواف وداع، أي أنه يكتفي بالطواف الأول.
س1415: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل طواف الإفاضة يغني عن طواف القدوم والوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم يغني عن طواف القدوم والوداع إذا جعله آخر شيء، لكن في هذه الحال لا نقول: (طواف القدوم) لأن طواف القدوم سقط بفعل مناسك الحج، ودليل سقوط طواف القدوم والاكتفاء بطواف الإفاضة حديث عروة بن المضرس- رضي الله عنه- حين وافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر في مزدلفة، وأخبره أنه قدم من طيء، وأنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" (1) . ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - طواف
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الناسك، باب من لم يدرك عرفة (رقم 1950) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع (رقم 891) وابن ماجه، كتاب المناسك،=(23/347)
القدوم ولا المبيت في منى ليلة التاسع.
وطواف الإفاضة قال العلماء إذا أخره عند السفر وطاف عند السفر أجزأه عن طواف الوداع، وهنا يبقى إشكال: هل يسعى للحج بعد طواف الإفاضة الذي جعله عند السفر، أو نقول: يسعى
أولاً ثم يطوف ثانياً، نقول: إن هذأ كله جائز، إن سعى أولاً ثم طاف، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن قال له في منى سعيت قبل أن أطوف فقال له: "لا حرج" (1) وإن طاف أولاً، ثم سعى ثانياً فلا حرج أيضاً، لأن هذا السعي تابعٌ للطواف، فلا يضر الفصل بين الطواف والسفر بهذا السعي.
س1416: سئل فضيلة الشيخ- وحمه الله تعالى-: يقول أديت فريضة الحج منذ ثلاث سنوات وكان حجي قارناً وأتممت مناسك العمرة وذهبت لأداء مناسك الحج وعند طواف الإفاضة أخرته مع طواف الوداع وبعد إتمام المناسك دخلت الحرم ولم أؤد الطواف وذهبت إلى جدة لشراء بعض الأغراض ثم عدت في نفس اليوم وطفت من يومها وخرجت من مكة إلى بلدي حائل حتى يكون آخر عهدي بالبيت وعلمت الآن بأنه كان يلزمني السمعي قبل طواف الإفاضة والوداع فما توجيه فضيلتكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا الرجل من أهل حائل
__________
= باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (رقم 3516) وابن خزيمة (رقم 2825) والحاكم (1/463) وصححه الترمذي والحاكم.
(1) تقدم ص 197.(23/348)
والمفهوم من سؤاله أنه حينما نزل من منى مستكملاً المناسك لم يطف طواف الإفاضة، لأنه أخره للوداع؛ لأنه سعى بين الصفا والمروة، ثم خرج إله جدة لحاجة ورجع وطاف ومشى، فبناء على سؤاله حيث قال إنه قارن بين الحج والعمرة وقد طاف وسعى أول ما قدم، فنقول له: لا سعي عليك؛ لأن القارن إذا سعى بعد طواف القدوم، كفاه عن السعي بعد طواف الإفاضة، ولا حرج محليه حين خرج من جدة قبل أن يطوف للوداع؛ لأن جدة ليست بلده، فهو في الحقيقة لم يغادر
مكة إلى بلده أو محل إقامته، ولكته رجع من جدة، ثم طاف طواف الوداع، ثم سار إلى حائل مقر عمله، وهذا العمل لا بأس به.
يبقى أن يقال: إنه قال إنه قدم إلى مكة وأدى مناسك العمرة، مع إنه يقول إنه قارن للحج والعمرة، والظاهر أن مراده بقوله (أديت مناسك العمرة) أنه طاف وسعى فظن أن ذلك عمرة مستقلة وإلا فهو على قرانه.
س1417: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يكفي طواف الإفاضة عن طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الإفاضة إذا أخره الإنسان إلى حين خروجه من مكة ثم طاف وسعى وخرج في الحال، فإن ذلك يجزئه عن طواف الوداع؛ لأن طواف الوداع المقصود به أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت، وهذا حاصل في الطوأف المستقل الذي هو طواف الوداع، وبطواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج، ونظير ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر داخل المسجد أن يصلي(23/349)
ركعتين، ونهاه أن يجلس حتى يصلي ركعتين ومع ذلك إذا دخل والإمام في فريضة ودخل مع الإمام بنية هذه الفريضة، أجزأت عنه تحية المسجد، فهذا مثله إذا طاف طواف الإفاضة عند خروجه
يجزئ عن طواف الوداع؛ لأنه حصل المقصود بكون آخر عهده بالبيت الطواف.
س1418: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أخر طواف الإفاضة عند خروجه فهل يجزئ عن طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إن كان أخر طواف الإفاضة إلى وقت السفر فإن طواف الإفاضة يجزئ عن طواف الوداع، أما إذا كان قدم طواف الإفاضة بمعنى أنه طاف للإفاضة يوم العيد، أو اليوم الثاني، أو الثالث قبل أن ينهي الحج، فإن هذا الطواف للوداع لا يجزئه، لكن يطوف للوداع إذا أراد أن يخرج.
س1419: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من قال إنه من أخر طواف الإفاضة وسعى بعده للحج أنه لا يكفيه عن الوداع معللاً أنه تأخر ليسعى وقد يستغرق السعي ساعات هل لهذا القول وجهة نظر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذي أرى أنه لا وجه له؛ لأن السعي تابع للطواف، وليس من شرط كون الطواف آخر أمره أن لا يفعل بعده عبادة، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف للوداع وصلى الفجر بعد طواف الوداع (1) ، ثم مشى، وكذلك عائشة- رضي الله
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -.(23/350)
عنها- لما اعتمرت في ليلة السفر أنت بعمرة طواف وسعي وتقصير، وقد ذكر البخاري- رحمه الله- في صحيحة ترجمة على حديث عائشة - رضي الله عنها- (باب المعتمر إذا طاف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟) مع أنه سيحول بينهِ وبين الطواف السعي.
س1420: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل بعد طواف الوداع يسن للإنسان أن يصلي ركعتين؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الظاهر أنه يسن أن يصلي ركعتين بعد طواف الوداع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ودع البيت صلى صلاة الفجر، ولم يجعل الصلاة قبل الطواف، بل طاف أولاً ثم صلى ثانياً، وقد ذكر العلماء قاعدة عامة (كل طواف بعده ركعتان) .
س1421: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أخطاء تحدث في الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع يجب أن يكون آخر الأعمال في الحج، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلاَّ أنه خفف عن الحائض" فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج.
والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور:
أولاً: أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره، بل ينزل
__________
(1) تقدم ص 80.(23/351)
إلى مكة ويطوف طواف الوداع، وقد بقي عليه رمي الجمرات، ثم يخرج إله منى فيرمي الجمرات، ثم يغادر، وهذا خطأ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال، وذلك لأنه لم يكن آخر عهد
الإنسان بالبيت الطواف، بل كان آخر عهده رمي الجمرات.
ثانياً: من الخطأ أيضاً في طواف الوداع: أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعده، وهذا يوجبا إلغاء طواف الوداع، وأن يأتي ببدله عند لسفره. لكن لو أقام الإنسان بمكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة في طريقه، أو لتحميل العفش، أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.
ثالثاً: ومن الخطأ في طواف الوداع أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى، أي رجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية البيت ظهره، أي تولية الكعبة
ظهره، وهذا بدعة، لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه- رضي الله عنهم- ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد منا تعظيماً لله تعالى ولبيته، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله - صلى الله عليه وسلم -، حينئذ فإن السحنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحال،
رابعاً: ومن الخطأ أيضاً أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم أَنصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودعها، فيدعو أو يسلم، أو ما أشبه ذلك، وهذا من البدع أيضاً، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولو كان خير اً لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا ما يحضر في الآن.(23/352)
س1422: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من أجل طواف الوداع بحكم أنه من أهل جدة وقريب من مكة ويأتي به بعد خفة الزحام؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا خرج من مكة يريد جدة ووصل جدة فإنه لو أتى به لا ينفعه؛ لأنه خرج وودع فكيف ينفعه بعد أن ودع وذهب، ولهذا نقول: من كان من أهل جدة فإنه يجب
عليه أن لا يخرج من مكة حتى يودع، إلا امرأة يأتيها الحيض، أو النفاس ولا يتسنى له أن تبقى في مكة حتى تطوف للإفاضة فلا بأس أن تخرج إلى منزلها في جدة، فإذا طهرت عادت وطافت طواف
الإفاضة، وإنما استثنينا هذه المسألة؛ لأن الحائض والنفساء ليس عليهما وداع، ليس عليهما إلا طواف الإفاضة، وطواف الإفاضة الآن متعذر لوجود حيض أو نفاس، فتذهب إلى جدة فإذا طهرت
عادت وطافت طواف الإفاضة، لكنها في هذه الحال يحرم عليها إن كانت متزوجة أن يقربها زوجها، لأنها لم تحل التحلل الثاني.
س1423: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يصح لأهل جدة النفر من منى إلى جدة دون طواف الوداع ومن ثم الرجوع بعد أيام لطواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لأهل جدة ولا غيرهم أن يذهبوا إلى بلادهم قبل الوداع ثم يرجعوا إلى مكة إذا خف الزحام يجب ألا يغادروا مكة حتى يطوفوا الوداع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" كما قال ابن عباس: كان(23/353)
الناس ينصرفون من كل وجه يعني من كل ناحية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت".
س1424: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: والدي ووالدتي يعيشان في مكة وأنا أعمل وأقيم خارج مدينة مكة بمئة وخمسين كيلو متر أزورهم كل شهر فهل علي طواف وداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أراد هذا الرجل الذي حج هذا العام أن يغادر مكة إلى عمله فعليه الوداع؛ لأن مقره خارج مكة فيجب عليه الوداع.
س1425: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم في الجمع بين طواف الإفاضة والوداع في ليلة الثالث عشر من شهر ذي الحجة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا أخر الإنسان طواف الإفاضة إلى السفر وطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد، فلو دخلت المسجد ووجدت الناس يصلون صلاة الفجر أجزأك ذلك عن تحية المسجد، كذلك طواف الإفاضة لمجزئك عن طواف الوداع، ولو نويتهما جميعاً حصل لك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" لكن الحذر من أن تنوي في هذا الطواف طواف الوداع دون طواف الإفاضة؛ لأن بعض الناس يقع في هذا فينسى، تجده أخر طواف الإفاضة إلى السفر، لكن عند السفر ما نوى إلا طواف الوداع هذا خطأ" لأنه إذا لم ينو إلا طواف الوداع، يبقى عليه طواف الإفاضة(23/354)
فلابد أن يرجع ويطوف طواف الإفاضة، فلينتبه الإنسان إلى هذا.
س1426: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل سعى سعي الحج في يوم النحر وهو متمتع وأخر طواف الإفاضة مع طواف الوداع فهل عليه شيء من دم وغيره، وذلك لأنه قد سمع حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سأله رجل قد سعى قبل أن يطوف فقال: "افعل ولا حرج" (1) .
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا لا شيء عليه، فتقديم سعي الحج على طواف الإفاضة لا بأس به بشرط أن يكون السعي - للمتمتع- بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وإنما ذكرنا هذا الشرط؛
لأن بعض الناس توهم أنه يجوز للإنسان أن يسعى للحج ويخرج وإذا رجع بعد الوقوف طاف، وهذا غلط، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن تقديم السعي قبل الطواف بعد الوقوف بعرفة وبعد الوقوف بمزدلفة، ولهذا نقول: إذا كان فعله للسعي بعد أن وقف بعرفة وبات بمزدلفة، فلا بأس أن يقدم السعي على الطواف، ويؤخر الطواف إلى السفر هذا في الحج، أما في العمرة فلا يجوز تقديم سعيها على طوافها؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جواز ذلك، والأصل وجوب الترتيب، ولهذا لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة- رضي الله عنها- حين
حاضت أن تقدم السعي على الطواف؛ لأنه لابد أن يكون الطواف في العمرة قبل السعي، ومن قاسها على الحج فقد قاسها مع الفارق، والقياس مع الفارق لا يصح.
__________
(1) تقدم ص 197.(23/355)
س1427: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: فضيلة الشيخ يعلم الله أني أحبك كثيراً، وأريد أن أستفسر عما جرى لي في إحدى السنين قمت بالحجز على الطائرة في اليوم الثاني عشر، فلما ذهبت إلى طواف الوداع في ذلك اليوم تخلفت عن الطائرة فاضطررت إلى البقاء لليوم الثالث عشر،
وقد عزمت على التعجل هل عليَّ رمي الجمرة لليوم الثالث عشر مع أني بقيت مع رفقة في منى خلال هذا اليوم؟ أفتوني جزاك الله خيراً. فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا شك أن الاحتياط للأخ السائل -أحبه الله كما أحبنا فيه- لا شك أن الأحوط في حقه أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء، لقاء ما ترك من رمي الجمرات، أما لو كان قد عزم على ترك المبيت، وعلى ترك الرمي، لكن أجبره زملاؤه على أن يبقى فبقي على غير نسك، فهذا لا شىء عليه؛ لأن الرجل تعجل لكنه حرم أجر البقاء، لأن الذي يتأخر يكون له أجر المبيت، وأجر الرمي، وأجر الاقتداءِ بالرِسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن النبي تأخر.
س1428: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر وأراد الخروج يوم الجمعة فطاف للوداع فهل له أن يجلس ساعة بعد طواف الوداع ليصلي الجمعة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع لابد أن يكون آخر شيء، لكن لو طاف للوداع ثم حضر الإمام للجمعة وبقي معه وصلى فلا بأس أن ينصرف بعد الصلاة؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف للوداع ثم صلى الفجر ثم سافر (1) .
__________
(1) تقدم ص 351.(23/356)
س1429: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكوت يا فضيلة الشيخ أنه يجوز تأجيل طواف الإفاضة إلى ما قبل سفر الحاج حتى ولو كان سيسافر في نهاية ذي الحجة السؤال لو أجل الحاج طواف الإفاضة إلى يوم سفره إلى بلاده فهل يغني هذا الطواف عن طواف الوداع؟ وهل يجوز للحاج أن يطوف طواف الوداع والإفاضة في نفس اليوم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ذكرنا هذا فيما سبق على وجه التفصيل، وقلنا: لمجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة إلى سفره، فإذا طافه عند سفره كفاه عن طواف الوداع، إلا إذا تأخر سفره إلى
ما بعد شهر ذي الحجة فهنا يجب عليه أن يطوف طواف الإفاضة في شهر ذي الحجة، وذكرنا أيضاً أنه إذا أخر طواف الإفاضة إلى سفره فطافه بنية الإفاضة فقط أجزأه عن طواف الوداع، وإن طافه بنية الوداع فقط، لم يجزئه عن طواف الإفاضة، وإن طافه عنهما جميعاً أجزأه عنهما جميعاً، ولهذا يجب أن ننتبه وأن لا ننسى إذا أخرنا طواف الإفاضة إلى السفر أن. لا ننسى طواف الإفاضة، لأن كثيراً
من الناس ربما إذا أخره إلى السفر وطاف عند السفر لا ينوي إلا طواف الوداع، وهذا على خطر، لهذا يجب أن تنتبه إلى هذه المسألة.
س1430: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجال ونساء طافوا طواف الوداع قبل الفجر ثم من شدة التعب ناموا في الحرم حتى أذان الفجر ثم توضئوا وصلوا وسافروا فهل عليهم شيء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا غلبهم النوم قهراً فأرجو أن لا(23/357)
يكون عليهم شيء، وأما إن كان يمكنهم أن يستمروا، ولكنهم أخلدوا للراحة فكأنهم لم يطوفوا طواف الوداع، أما لو طاف الإنسان طواف الوداع ثم أذن لصلاة الفجر وانتظر وصلى فلا بأس،
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رجع من حجة الوداع طاف بالبيت قبل الفجر، ثم صلى الفجر وغادر (1) . فمادام غالبهم النوم بحيث لا يستطيعون أن يتحكموا في أنفسهم فلا شيء عليهم، وإلا فهم كالذين لم يطوفوا طواف الوداع، ومن لم يطف. طواف الوداع فعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء.
س1431: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من مرض قبل طواف الوداع بعد أن أكمل جميع أعمال الحج وهو لا يستطيع أن يؤديه حتى ولو كان محمولاً كمن مرض بالحمى وله رفقة لا يستطيع
أن يبقى بدونهم فهل يسقط عنه الطواف كالحائض يسقط عنها الطواف؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما الحائض إذا حاضت بعد طواف الإفاضة، فإنه لا وداع عليها، ودليل ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت
إلا أنه خفف عن الحائض) .
وأما المريض فإن كان يستطيع أن يحمل وجب حمله؛ لأن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: (يا رسول الله إني شاكية) يعني يشق عليها طواف الوداع، فقال: "طوفي من وراء الناس وأنت
__________
(1) تقدم ص 351.(23/358)
راكبة" (1) ، فأمرها أن تطوف ولو كانت راكبة.
لكن جاء في السؤال أن هذا الرجل لا يستطيع أن يطوف بنفسه، ولا يستطيع أن يطوف وهو محمول، فهل نقول: إنه في هذه الحال يسقط عنه طواف الوداع قياساً على الحائض، فالحائض تعذر
طوافها شرعاً، وهذا تعذر طوافه حسًّا فأقول: لو قال قائل بهذا لم يكن ذلك القول بعيداً، لتعذر الطواف من الجانبين، فالحائض يتعذر منها الطواف شرعاً، والعاجز الذي لا يستطيع أن يطوف ولو
محمولاً يتعذر عليه الطواف حسًّا، ولكن إذا كان الله قد أغناه وبسط له في الرزق فإنه لا يضره أن يذبح فدية عن هذا الطواف، وتبرأ بذلك ذمته.
س1432: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف الوداع قبل رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: طواف الوداع في الحج يجب أن يكون بعد كل شيء إذا انتهى الإنسان من رمي الجمرات ومن المبيت في منى طاف للوداع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" فإذا طاف الوداع قبل أن يرمي الجمرة فإن هذا
الطواف وقع في غير محله فيكون كعدمه، وعليه فإن أهل العلم يقولون: طواف الوداع واجب، ومن ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء، فنقول لهذا الأخ: اذبح فدية الآن في مكة ووزعها على الفقراء إن كنت قادراً، أما إذا لم يكن عندك شيء فلا
__________
(1) تقدم ص 329.(23/359)
شيء عليك، والعمرة كالحج في وجوب طواف الوداع لها.
س1433: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف للوداع بنية الخروج لكن ضاع أخوه وبقي يطلب أخاه لمدة يومين على نية أنه متى وجد أخاه مشى فهل يلزمه إعادة طواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا شيء عليه، يكفيه الطواف الأول، لأنه إنما أقام بعد الطواف للضرورة، وليست إقامة متيقنة، متى وجد أخاه مشى فلا شيء عليه.
س1434: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قام بفريضة الحج وعندما انتهى من طواف الوداع نام في مكة لأنه كان في تعب شديد ولم يستيقظ إلا في اليوم التالي فهل عليه شيء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: عليه أن يعيد الطواف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وهذا آخر عهده بالفراش، فعليه أن يعيد الطواف، وإذا كان لم يفعل فأرى له من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء.
س1435: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج وبعد طواف الوداع نزل إلى السوق واشترى بعض الحاجيات وهو جاهل في ذلك، فماذا عليه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: قال أهل العلم: لا يضر أن
__________
(1) تقدم ص 85.(23/360)
يشتري الإنسان بعد طواف الوداع حاجة في طريقه، إما من أغراض السفر، أو هدية لأهله، أو كتاباً يحتاجه، وأما إذا اشتغل بتجارة فإنه لابد أن يعيد الطواف، وكذلك لا حرج عليه إذا كان قد دخل
وقت الصلاة كما لو انتهى من الطواف مع الأذان وبقي حتى صلى فإن ذلك لا بأس به؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف للوداع وصلى بعد ذلك صلاة الفجر (1) ، وكذلك لو طاف للوداع ثم أتى للسيارة ووجد الرفقة لم يجتمعوا بعد وبقي ينتظرهم ساعة، أو ساعتين، أو أكثر فلا
بأس بذلك.
س1436: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك مدة معينة يجوز للمعتمر بعدها أن لا يطوف طواف الوداع أو أن الأمر مفتوح؟ وهل يجوز للإنسان أن يبقى بعد طواف الوداع ساعات خصوصاً ليشتري بعض الحاجيات أو الهدايا أم ماذا يصنع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الجواب عن الشق الأول: أن الرجل إذا أتى معتمراً وطاف وسعى وقصر ومشى فهذا يغنيه عن طواف الوداع، ولا حاجة لوداع، وأما إذا مكث ولو ساعة فلابد أن
يوح، ثم الذي ينبغي أن لا يشتري بعده شيئاً ولو كان من الأغراض التي يحتاج إليها، وإنما يشتري الأغراض التي يحتاج إليها قبل أن يطوف ثم يطوف هذا هو الأفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يكون الطواف آخر شيء، فليكن آخر عهده بالبيت الطواف، لكن لو فرض أنه طاف ثم مشى، ولكن في أثناء الطريق رأى ما يعجبه مما
__________
(1) تقدم ص 351.(23/361)
يحتاجه واشتراه فلا حرج عليه، وكذلك لو طاف وخرج وتخلف بعض رفقاء وجلس لانتظارهم فإن ذلك لا بأس به.
س1437: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعد طواف الوداع قمنا بشراء الهدايا للأهل وطعام العشاء بغير نسيان هل علينا فدية في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يقول أهل العلم: إنه لا بأس إذا طاف الإنسان للوداع أن يشتري حاجة في طريقه، مثل الهدايا ومؤونة الطريق، قالوا: وليس له أن يشتري شيئاً للتجارة، فإن اشترى شيئاً للتجارة فلابد أن يعيد طواف الوداع.
س1438: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد قمنا والحمد لله في السنة الماضية بأداء فريضة الحج، ولقد أدينا مناسك الحج بكل يسر وسهولة، ونحمد الله على ذلك، ولكن قبل أداء طواف الوداع أردنا شراء بعض الحاجيات من مكة، فبادرنا بطواف الوداع ثم ذهبنا لشراء تلك اللوازم علماً بأن ذلك لم يستغرق منا سوى ثلث ساعة، فهل علينا شيء في ذلك؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيراً.
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الأفضل أن يكون طواف الوداع آخر شيء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ولكن العلماء- رحمهم الله- رخصوا أن يشتري الإنسان
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1327) .(23/362)
حاجة تتعلق بسفره، أو تتعلق بحاجته عند قدومه بلده: كالهدايا التي يشتريها الحجاج لأسرهم، ولو كان ذلك بعد طواف الوداع، أما لو اشترى للتجارة فإنه لابد أن يعيد الطواف، هكذا قال أهل
العلم، ولكننا نقول: الأولى أن يشتري هذه الأشياء قبل طوافه ليكون آخر عهده بالبيت العتيق.
س1439: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الوداع للمعتمر (1) ؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع للمعتمر إذا كان من نيته حين قدم مكة أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويرجع فلا طواف عليه؛ لأن طواف العمرة صار في حقه بمنزلة طواف الوداع، أما إذا بقي في مكة فالراجح أنه يجب عليه أن يطوف للوداع وذلك للأدلة التالية:
أولا: عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" وأحد نكرة في سياق النهي، فتعم كل من خرج.
ثانياً: أن العمرة كالحج، بل سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - حجًّا كما في حديث عمرو بن حزم المشهور، الذي تلقته الأمة بالقبول، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والعمرة هي الحج الأصغر" (2) .
ثالثاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم
__________
(1) حسب ترتيب الفقهاء- رحمهم الله تعالى- فإن طواف الوداع في العمرة بعد مبحث زيارة المسجد النبوي. ولكن قدم هنا لتداخل الأسئلة بين طواف الوداع للحج والعمرة.
(2) أخرجه ابن حبان كما في الموارد (رقم 793) والحاكم (1/395- 397) . والدارقطني (1/121) والبيهقي (1/88) وصححه إسحاق بن راهوية، والشافعي، وابن عبد البر، انظر التلخيص الحبير (175) ونصب الراية (1/196) .(23/363)
رابعاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ليعلى بن أمية- رضي الله عنه-: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" (2) . فإذا كنت تصنع طواف الوداع في حجك فاصنعه في عمرتك، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع العلماء على خروجه، مثل: الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، فإن هذا بالإجماع ليس مشروعاً في العمرة.
ولأن الإنسان إذا طاف صار أبرأ لذمته وأحوط، لأنك إذا طفت لم يقل أحد من العلماء إنك أخطأت، لكن إذا خرجت بدون طواف قال لك بعض العلماء إنك أخطأت حيث خرجت بدون
وداع.
س1440: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: اعتمرت في رمضان وتركت طواف الوداع فهل عليَّ شيء، وأنا أعلم فتواكم بوجوب طواف الوداع في العمرة، ولكني تساهلت
بسبب فتوى بعض العلماء وإلحاج الرفقة عليَّ بالتعجل، فماذا عليَّ الآن؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما الإنسان إذا طاف وسعى وقصر في العمرة ومشى فلا شيء عليه؛ لأن طوافه الأول يكفي،
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1812) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب غسل المخلوق ثلاث مرات (رقم 1536) ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح (رقم 1180) .(23/364)
وأما إذا بقي ولو قليلاً فإن عليه أن يطوف طواف الوداع، وهذا الرجل يقول: إنه سمع فتواي وسمع فتوى آخرين، فإذا كان حين تركه لطواف الوداع متردد هل هو واجب أو غير واجب بناء على
اختلاف الفتوى، فليس عليه شيء، وأما إذا كان يعتقده واجباً ولكن تهاون، فالاحتياط أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء، إما أن يذهب إلى مكة بنفسه، وإما أن يوكل من يقوم عنه بهذا
الشيء.
س1441: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذهبت في الصيف الماضي لأداء العمرة أنا وقريب لي وعندما انتهينا من أداء العمرة ذهبنا فوراً إلى جدة وجلسنا ما يقارب يومين وعندما أردنا السفر إلى أبها لنقضي فيها بقية العطلة مررنا بمكة فقال لي قريبي: كليف نمر بمكة ولا نطوف للوداع؟ فقلت له: لقد خرجنا منها بعد العمرة فوراً، والذي يخرج من مكة فوراً بعد العمرة ليس عليه طواف وداع، والحاصل أننا طفنا للوداع ثم سافرنا فهل الصواب مع قريبي أم معي؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصواب مع من قال إن الإنسان إذا خرج بعد العمرة مباشرة فلا وداع عليه، ودليل ذلك أن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- لما اعتمرت بعد الحج خرجت بدون طواف الوداع، لأن الطواف الذي كان قبل السعي يكفي ولكن طوافكم بعد مروركم بمكة لا شك أنه خير تكسبون به أجرا إن شاء الله عز وجل، فمن ناحية الحكم فالصواب مع السائل الذي(23/365)
قال: إنه لا وداع علينا، ومن ناحية الأجر والثواب فالصواب مع الذي قال: إننا نريد أن نطوف للوداع، ولكن هذا في الحقيقة ليس طواف وداع بل هو طواف تطوع.
س1442: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: طواف الوداع هل يفرق فيه بين العمرة والحج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح أنه لا فرق فيه بين العمرة والحج، وأن طواف الوداع واجب في العمرة، كما أنه واجب في الحج، إلا لمن دخل- معتمراً وهو يريد أن يسافر من حين انتهاء العمرة، فإذا كان كذلك فإنه لا يحتاج إلى طواف وداع.
س1443: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل طواف الوداع واجب في العمرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا اعتمر الإنسان وخرج من مكة من حين انتهى من العمرة فلا وداع عليه؟ اكتفاء بالطواف الأول، وأما إن بقي في مكة فإنه لا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت
الطواف.
ولكن هل طواف الوداع في العمرة واجب أم مستحب؟
الذي نراه أنه واجب، وأنه يجب على المرء ألا يخرج من مكة بعد العمرة إلا بطواف الوداع، إذا انتهى من جميع أموره، لأن العمرة تسمى حجًّا أصغر. كما في حديث عمرو بن حزم المشهور(23/366)
الطويل (1) ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ليعلى بن أمية: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" (2) .
فليكن الأصل تساوي النسكين، الحج والعمرة في الأحكام إلا ما دل الدليل على اختصاص الحج به، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ولأن الطواف أحوط وأبرأ للذمة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " (3) . والقائلون بعدم وجوب طواف الوداع لا ينكرون أنه مشروع، وأن الإنسان يثاب ويؤجر عليه.
س1444: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل طواف الوداع للمعتمر في رمضان وغيره واجب أم لا؟ وما هو الأحوط في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح أن طواف الوداع للمعتمر في رمضان أو غيره واجب، ولكن إذا كان الإنسان يريد أن يغادر فور انتهائه من عمرته فإن الطواف الأول كاف.
س1445: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أدى الإنسان العمرة هل يجب عليه أن يطوف طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا أدى الإنسان العمرة ولما طاف
__________
(1) تقدم ص 363.
(2) تقدم ص 364.
(3) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (رقم 52) ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (رقم 1599) .(23/367)
وسعي وحلق أو قصر فلا يخلو من حالين: إما أن يكون من نيته أن يخرج من مكة من حين انتهاء العمرة فهذا لا وداع عليه، وإما أن يكون عازماً على البقاء بعد العمرة، فإذا بقي بعد العمرة ولو ساعة واحدة فإن عليه أن يطوف للوداع، لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) . وفي لفظ: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" وهذا شامل
للحج والعمرة، فإن العمرة قد دخلت في الحج، ولهذا تسمى حجًّا أصغر، وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث يعلى بن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "افعل في عمرتك كما تفعل في الحج" (2) وهذا عام شامل في كل ما يصنع في الحج أنه يصنع في العمرة إلا ما
خصه الدليل بالنص، أو الإجماع، كالوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، ورمي الجمار، فإن ذلك ليس مشروع في العمرة، هذا هو القول الراجح عندي.
وقال بعض أهل العلم؟ إن العمرة ليس فيها طواف الوداع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (3) قاله في حجة الوداع ولم يقله في العمرة.
والجواب على هذا الحديث: أن يقال: إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الحج لا ينفي أن يكون واجباً في العمرة، لأن قوله إياه في الحج
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 364.
(3) تقدم ص 85.(23/368)
هو تشريع فلم يكن مشروعاً إلا بهذا القول، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى العمرة بالفعل مرتين قبل حجته، مرة في عمرة القضاء، ومرة في عمرة الجعرانة ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف للوداع ولا أمر به، وذلك لأن ابتداء وجوبه إنما كان في حجة الوداع، والله أعلم.
س1446: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل على المعتمر طواف وداع إذا ما بات في مكة أم هو فقط على الحجاج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من يقول: إن المعتمر ليس عليه طواف وداع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطب الناس عام حجة الوداع فقال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) فقد خاطبهم وهو في الحج، ولم يخاطبهم بذلك في العمرة حينما اعتمروا عمرة القضية، فدل هذا على أنه لا يجب إلا في الحج فقط.
وقال آخرون من أهل العلم: إن طواف الوداع يجب على الحاج والمعتمر، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" وكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يذكرها في عمرة القضية لا يمنع الوجوب، لأن هذا مما تجدد وجوبه، فلم يجب إلا في حجة الوداع، وأيضاً فإن العمرة حج أصغر على سبيل التقريب؛ لأن فيها الطواف والسعي، وأيضاً هذا الرجل دخل بعمرة فبدأ بطواف هو تحية القدوم، فينبغي أن يختم بطواف وهو طواف الوداع، وأيضاً فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - العمرة بمنزلة الحج في وجوب الإحرام من
__________
(1) تقدم ص 85.(23/369)
الميقات لمن قصدها، فكذلك يجب أن تكون مثل الحج عند الخروج، وأيضاً فقد روى الترمذي حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنده الحجاج بن أرطأة أنه أمر من حج واعتمر ألا يخرج حتى يطوف بالبيت (1) ، وأيضاً فإن طواف الوداع للعمرة أحوط وأبرأ للذمة، لذلك نرى أنه
يجب على المعتمر أن يطوف طواف الوداع إذا خرج، إلا إذا كان قد خرج فور انتهائه من العمرة فإنه لا وداع عليه حينئذ؛ لأن الطواف بالبيت قد حصل، وقد ترجم على ذلك البخاري رحمه الله في صحيحه.
س1447: سئل فضيلة الشيني- رحمه الله تعالى-: هل يجب طواف الوداع عقب العمرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: اختلف أهل العلم في وجوب طواف الوداع على المعتمر، فمن أهل العلم من يقول إنه يجب عليه أن يطوف للوداع، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (2) ولأن العمرة نسك فيجب فيها ما يجب في الحج، إلا ما قام الدليل على خلافه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله عن الطيب في العمرة قال له: "اصنع في العمرة ما تصنعه في الحج" (3) وهذا عام في كل شيء إلا ما خصه الدليل والإجماعِ مما يختص به الحج، ولكن على هذا القول إذا كان المعتمر خرج فوراً من حين انتهاء عمرته فإنه يسقط عنه الطواف اكتفاءً بالطواف الأول،
__________
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب من حج أو اعتمر.. (946) وانظر ص (371) .
(2) تقدم ص 80.
(3) تقدم ص 364.(23/370)
مثل أن يطوف ويسعى ويقصر ثم يخرج من مكة، فلا طواف عليه حينئذ اكتفاء بالطواف الأول.
وقال بعض أهل العلم: إن العمرة ليس لها طواف وداع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" إنما قال ذلك في الحج في حجة الوداع، والذين قالوا بوجوبه في العمرة أجابوا عن هذا الحديث بأن ابتداء الإيجاب كان في حجة الوداع، وهذا لا ينافي أن يكون واجباً في العمرة، فالاحتياط للإنسان أن يطوف طواف الوداع إذا اعتمر إلا إذا رجع إلى بلده فور انتهاء عمرته.
س1448: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما القول الصحيح في حكم طواف الوداع للمعتمر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح وجوب طواف الوداع على المعتمر إذا أراد الرجوع لبلده، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) وقال لرجل سأله ما يصنع في عمرته: "اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك" (2) وهذا عام لا يخرج
منه إلا ما دل الدليل على خروجه منه، كالوقوف بعرفة مثلاً، ويستثنى من ذلك ما إذا خرج المعتمر فور انتهاء عمرته دون أن يقيم بمكة فإنه يسقط عنه طواف الوداع، اكتفاء بطواف العمرة، ومن
تراجم البخاري في صحيحه: (باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 364.(23/371)
ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع) ، ومن تراجم الترمذي: (باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت) ، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه وأتباعه.
قاله كاتبه: محمد الصالح العثيمين في 8/9/1401هـ.
س1449: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجلان سافرا إلى مكة المكرمة أحدهما بقصد العمرة فاعتمر والثاني بقصد التجارة فلم يعتمر، وبعد أن أقاما بمكة مدة خرجا دون أن يطوفا طواف الوداع فهل على كلل منهما فدية أم على واحد منهما؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أما من لم يعتمر فالصحيح أن لا طواف للوداع عليه، لأن الطواف إنما يلزم من حج أو اعتمر على الصحيح، وعلى هذا فلا شيء على من خرج من غير طواف إذا لم
يكن قد حج أو اعتمر.
وأما الآخر الذي خرج من غير طواف وهو معتمر فعليه هدي دم يذبحه بمكة، ويوزع جميعه على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً، ويجوز أن يوكل شخصا بمكة يشتريه اليوم ويذبحه ويفرقه جميعاً على الفقراء.
س1450: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قرأت في بعض كتب الفقه أنه يشرع للمعتمر أن يذبح هدياً بعد عمرته استحباباً فهل هذه من السنن المندثرة في هذا الوقت حبذا لو نبهتمونا على هذه السنة إن كانت سنة وجزاكم الله خيراً؟(23/372)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذه من السنة المندثرة، لكن ليس السنة أنك إذا اعتمرت اشتريت شاة وذبحتها، السنة أن تسوق الشاة معك، تأتي بها من بلادك، أو على الأقل من الميقات، أو من أدنى الحل عند بعض العلماء، ويسمى هذا سوق الهدي، أما أن تذبح بعد العمرة بدون سوق فهذا ليس من السنة.
س1451: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قام بأداء عمرة في يوم عرفة، وذلك بسبب خلو الحرم من الحجيج وكذلك لفضيلة العمل في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فهل عمله هذا صحيح مع عدم اعتقاد أنه سنة خاصة بذلك اليوم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا بأس أن يعتمر الإنسان يوم عرفة إذا كان غير حاج، والإنسان الذي أدى فريضة الحج لا يجب عليه أن يحج مرة أخرى، فإذا كان هذا الرجل من أهل جدة مثلاً
وقال: أريد أن أطلع إلى مكة لأؤدي العمرة في هذا اليوم الذي يكون فيه الحرم خالياً، فإننا نقول: لا بأس بذلك ولا حرج عليه، سواء فعل ذلك عاماً وتركه عاماً آخر، أو داوم عليه.
س1452: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الوداع في العمرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح أن طواف الوداع في العمرة واجب كما هو في الحج، لكن إن طاف وسعى وحلق أو قصر ومشى فهذا لا وداع عليه اكتفاء بالطواف الأول.(23/373)
س1453: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص أخذ عمرة ونسي الوداع فماذا يلزمه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصحيح من أقوال العلماء أن العمرة لها وداع كالحج، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ولأن العمرة حج أصغر كما في حديث عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة الحج الأصغر" (2) ولأن الإنسان يقدم إلى البيت بتحية وهي الطواف فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية وهي الطواف، فالصحيح أن طواف الوداع في العمرة واجب إلا من طاف وسعى وقصر ثم انصرف إلى أهله فهذا يكفيه الطواف الأول، فإذا كان هذا الذي ذكرت انصرف من حين أنهى العمرة فلا شيء عليه، أما إذا كان بقي في مكة فإنه من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء إن كان قادراً ومتيسراً، وإن لم يكن قادراً ومتيسراً فلا شيء عليه.
س1454: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الوداع؟ وما الجواب عن اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أنه لا يجب طواف الوداع على غير الحاج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع واجب على القول الراجح على كل من أتى بنسك حج أو عمرة، ثم أراد الخروج من مكة إلى بلده " لقول ابن عباس- رضي الله عنهما- (أمر الناس
__________
(1) تقدم ص 85.
(2) تقدم ص 363.(23/374)
أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) . رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ لمسلم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ورواه أبو داود بلفظ: "حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" (2) وقال الترمذي: "باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت") ، ثم روى من طريق الحجاج بن أرطأة، عن عبد الملك بن الغيرة، عن
عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن أوس، عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج هذا البيت، أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت" (3) قال: حديث غريب، وهكذا روى غيرُ واحد عن الحجاج بن أرطاة مثل هذا، وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد. اهـ كلامه.
وأما ما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- من اختياره أنه لا يجب طواف الوداع على غير الحاج، فهذا هو ما نقله عنه تلميذه صاحب الفروع ص 521/ج3، ط آل ثاني، لكنه لم يصرح به بل قال: وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع.
اهـ. ولعل صاحب الفروع أخذ هذا من قول الشيخ في منسكه: فإن
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الوداع (رقم 2002) ، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب طواف الوداع (رقم 3070) .
(3) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (رقم 946) وقال: حديث غريب. وقال الألباني: منكر بهذا اللفظ، وصح معناه دون قوله: "أو اعتمر".(23/375)
الحج فيه ثلاثة أطوفة: طواف عند الدخول، وطواف الإفاضة، والطواف الثالث لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع. اهـ ملخصاً، وكذلك قال حين تكلم عن تمام الحج: فلا يخرج الحاج
حتى يوح البيت فيطوف طواف الوداع. اهـ.
وهذا الذي قاله في الفروع يعارضه ما ذكره في الإقناع أثناء عد الواجبات عن الشيخ، حيث قال: وطواف الوداع ليس من الحج، وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة. اهـ، ولعل للشيخ
رحمه الله في ذلك قولين.
وأما ما نقل عن ظاهر كلام الشيخ أنه لا يجب بتركه دم، فقد صرح الشيخ في منسكه بأن طواف الوداع واجب عند الجمهور، وحكم الواجب معلوم عند الجمهور، أن في تركه دماً. والله أعلم.(23/376)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم الدكتور ... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو الله تعالى أن تكونوا ومن تحبون بخير، ونحن كذلك ولله الحمد، رزق الله الجميع شكر نعمته وحسن عبادته.
ثم يا محب أبلغني بعض الإخوان أنه سمع لكم جواباً في ( ... ) أن طواف الوداع في العمرة ليس بواجب. وأن ذلك بالإجماع.
وكونكم ترونه غير واجب لم يكن سبباً لكتابتي هذه لك؛ لأن كثيراً من أهل العلم يرونه، وكل واحد لا يكلف سوى ما أداه إليه اجتهاده، لكن السبب لكتابتي إليك هو نقل الإجماع إن صح ما
أبلغنيه الأخ، فإن الشافعية- رحمهم الله تعالى- يرون وجوبه على الحاج والمعتمر، ففي (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ص 236 جـ1) : "وأما طواف الوداع فهو واجب مستقل ليس من الناسك على المعتمد، فيجب على غير نحو حائض كنفساء بفراق مكة ولو مكيًّا، أو غير حاج ومعتمر" أهـ. المراد منه، وفي (المجموع لشرح المهذب ص199 ج8 ط الإمام) : السادسة هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟ فيه خلاف، قال إمام الحرمين والغزالي: هو من الناسك، وليس على غير الحاج والمعتمر طواف(23/377)
وداع إذا خرج من مكة لخروجه. أهـ. ثم ذكر القول المقابل.
والمالكية ذكروا أن طواف الوداع كذلك، لكنهم يرونه سنة في النسكين: الحج والعمرة، المهم أنهم لم يفرقوا بين الحج والعمرة في ظاهر كلام (جواهر الإكليل ص185 جـ1) : (وندب لكل من
أراد الخروج من مكة مكيًّا، أو آفاقياً قدم بنسك أو تجارة، طواف الوداع إن خرج لميقات) . أهـ المراد منه.
وقال الحجاوي في الإقناع من كتب الحنابلة: (وهو- يعني طواف الوداع- على كل خارج من مكة، قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم عليه، واحتج به الشيخ تقي الدين على
أنه ليس من الحج) ، ولا عد واجبات الحج ومنها طواف الوداع قال: (قال الشيخ) يعني به الشيخ تقي الدين (: طواف الوداع ليس من الحج، وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة) . أهـ.
لكن لعل هذا الكلام من الشيخ أعني قوله: (وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة) بناء على ما يقتضيه قول القاضي والأصحاب؛ لأنه قال في الفروع ص521 ج3 ط آل ثاني: (وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع) . اهـ. أو يكون للشيخ في ذلك قولان.
وهذا القول أعني وجوب طواف الوداع على المعتمر يعضده عموم حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) رواه مسلم بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين
__________
(1) تقدم ص 85.(23/378)
بلفظ: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) (1) ، وهكذا رواه أبو داود (2) ، وزاد (الطواف) وعموم هذا الحديث يشمل كل منصرف من مكة، وهو وإن كان في حجة الوداع والانصراف فيها كان من الحج، فإن العمرة من الحج لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت العمرة في الحج" (3) وفي الصحيحين من حديث يعلى بن أمية، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الحديث، وفيه: فلما سري عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ " فلما أتى قال: "اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك ". وفي لفظ: "ما أنت صانع في حجك" (4) . و (ما) في قوله: (ما تصنع) أو (ما أنت صانع) للعموم، فما يصنع في الحج يصنع في العمرة، إلا ما استثني بالنص والإجماع كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار.
ومن تراجم البخاري في أبواب العمرة: باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟ ثم ساق
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع (رقم 1755) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1328) .
(2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الوداع (رقم 2002) .
(3) تقدم ص 364.
(4) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (رقم 1789) ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح (رقم 1185) .(23/379)
حديث عائشة- رضي الله عنها- حين اعتمرت من التنعيم قال في الفتح: وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبن الحكم في الترجمة اهـ ص
612 ج3 المطبعة السلفية.
ومن تراجم الترمذي: (باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت) ثم ذكر حديث الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت" (1) وقال: حديث غريب، وهكذا روى غير واحد عن
الحجاج بن أرطاة مثل هذا، وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد. أهـ. كلام الترمذي، ولم يذكر المخالف، ولا نوع المخالفة، والحجاج حاله معروفة.
فإن قال قائل: إنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف للوداع إذا اعتمر.
فجوابه: أن طواف الوداع إنما صار وجوبه عام حجة الوداع فليس واجباً قبلها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجعرانة دخل مكة ليلاً وخرج فلم يقم بمكة، وهكذا نقول: إن المعتمر لو طاف وسعى وحل، ثم خرج بدون إقامة فلا وداع عليه.
قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن المعتمر لو طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه عن طواف الوداع كما فعلت عائشة أهـ.
نقله عنه في الفتح ص612 ج3 المطبعة السلفية.
وإذا كان هذا مقتضى هذه الأخبار فإن النظر يقتضيه أيضاً،
__________
(1) تقدم ص 375.(23/380)
فإن المعتمر قدم إلى البيت بنسك حياه به، فينبغي أن يودعه بطواف كالحاج. ثم إن الطواف أحوط وأبرأ للذمة، فالطائف مثاب على عمله لاسيما إذا قصد به فعل الأحوط والاستبراء لدينه.
فنأمل منكم التأمل في هذا، والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 11/16/1399هـ.(23/381)
أركان الحج والعمرة
وحكم من ترك شيئاً منها(23/383)
س1455: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما أركان الحج وما أركان العمرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ذكر العلماء- رحمهم الله- أن أركان الحج أربعة: الإحرام وهو نية الدخول في النسك، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي، وأن أركان العمرة ثلاثة:
الإحرام وهو نية العمرة، والطواف، والسعي.
س1456: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صفة العمرة؟ وما أركانها وواجباتها؟ وهل من الممكن أن يهدى ثواب العمرة للوالد المتوفى؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحمد لله رب العالين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، العمرة من شعائر الله عز وجل، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب،
ولها واجبات وأركان، وصفتها أن الإنسان إذا وصل إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، ولبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين، وتطيب في رأسه ولحيته وبدنه، وقال: لبيك اللهم
عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا يزال يلبي حتى يشرع في الطواف، فإذا وصل إلى السجد الحرام دخله مقدماً رجله اليمنى
قائلاً: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يتقدم إلى الحجر الألممود فيستلمه بيده اليمنى- أيمما يمسحه- ويقبله إن تيسر، فإن لم يتيسر(23/385)
فإنه يشير إليه ثم يجعل الكعبة عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى منها، والرمل أن يسرع في المشي مع مقاربة الخطى، بدون أن يهز الكتفين، ويشرع له الاضطباع وهو أن يكشف عاتقه الأيسر، وهذا الاضطباع لا يشرع إلا في الطواف فقط، وليس مشروعاً من حين الإحرام كما يظنه العامة، بل إذا شرعت في الطواف فاضطبع إلى أن تنتهي فقط، وفي طوافك تدعو بما شئت، وتذكر الله عز وجل، وتقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وقد شاع عند كثير من الناس كتيبات فيها أدعية مخصوصة لكل شوط، وهذه الأدعية المخصوصة لكل شوط ليست من السنة، بل هي بدعة، فلا ننصحك بها، بل ادع الله سبحانه وتعالما بحاجتك التي في قلبك، والتي تريدها أنت، وتعرف معناها وتتضرع إلى الله عز وجل في تحقيقها، أما هذه الأدعية المكتوبة فإن كثيراً من الناس يتلوها وكأنها حروفاً هجائية،- فإذا فرغت من الطواف فاقصد مقام إبراهيم، واقرأ قوله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وصل ركعتين خلف مقام إبراهيم، قريباً منه إن تيسر، وإلا ولو بعيداً، تقرأ في الركعة الأولى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بعد الفاتحة، وفي الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بعد الفاتحة، وتخفف هاتين الركعتين، ولا تجلس بعدهما، بل تنصرف إلى المسعى، واعلم أنه ليس هناك دعاء عند مقام إبراهيم؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فرغت من الركعتين فاتجه إلى المسعى فإذا قربت من الصفا فاقرأ قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله) أبدأ بما بدأ الله به، ثم اصعد(23/386)
إلى الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك وكبر واحمد الله، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم
الأحزاب وحده، ثم ادع الله بما شئت، وأنت لا تزال واقفاً على الصفا، ثم أعد الذكر مرة أخرى والدعاء، ثم أعد الذكر مرة ثالثة ثم انصرف إلى المروة تمشي مشياً معتاداً إلى أن تصل إلى العلم
الأخضر، فإذا وصلت إلى هذا العمود الأخضر فاسع، يعني فاركض ركضاً شديداً بشرط أن لا تؤذي أحداً، حتى تصل إلى العلم الأخضر الثاني، ثم تمشي مشياً معتاداً إلى المروة، فإذا وصلت
المروة فإنك تقول مثل ما قلت على الصفا عدا الآية فهذا شوط، فإذا رجعت من المروة إلى الصفا فهو شوط آخر، وإذا أتممت سبعة أشواط، فقد تم السعي فحينئذ تحلق رأسك أو تقصره، ويكون
التقصير شاملاً لكل الرأس، وليس لجزء منه، أو لشعيرات منه، وبهذا تمت العمرة وحللت منها، فالبس ثيابك فإن رجعت إلى بلدك من فورك فلا وداع عليك، وإن تأخرت في مكة فلا تخرج من مكة حتى تطوف الوداع بدون سعي، ولا تحتاج إلى ثياب الإحرام في هذه الحال، وتجعل طواف الوداع آخر أمورك، هذه صفة العمرة.
قال أهل العلم: وأركانها: الإحرام، والطواف، والسعي.
وواجباتها: أن يكون الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير.
وقول السائل: هل يجوز أن أهدي العمرة إلى أبي.
فجوابه: إن كنت قد أديت العمرة عن نفسك فلا حرج عليك أن تجعل العمرة لأبيك، وإن كنت لم تؤدها عن نفسك فابدأ بنفسك(23/387)
أولاً، ولأننا نقول: إذا لم تكن العمرة واجبة على أبيك فالأفضل أن تدعو لأبيك، وأن تجعل العمرة لك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد أمته إلى الدعاء دون هبة الثواب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (1) ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - (أو ولد صالح يعتمر له، أو يحج له، أو يصلي له، أو يصوم له) ولو كان هذا الأفضل لأرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه
عليه الصلاة والسلام لا يدع خيراً يعلمه إلا دل أمته عليه، لكمال نصحه صلوات الله وسلامه عليه، وشفقته على أمته، وأنت سوف تحتاج إلى العمل، بل أنت محتاج إلى العمل حتى في الدنيا، لصلاح القلب واستنارته وزيادة الخير، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) فاجعل الأعمال الصالحة لنفسك، واجعل الدعاء لن تحب، هذا هو الأحسن والأفضل.
س1457: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ترك أكثر من واجب متعمداً، ولا يريد أن يجعل مكان تركه للواجب فدية فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الأحسن ألا يحج، وأن يبقى في بيته يستريح ويريح، هذا هو الجواب، وآيات الله عز وجل لا يمكن أن تتخذ هزواً، يجب أن تمشي على الحدود الشرعية، وإلا اترك
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (رقم 1631) .(23/388)
العمل، فهذا تلاعب. وحكى لي بعض الناس أن بعض من حول مكة إذا كان ليلة العاشر أحرموا من مكانهم وخرجوا إلى عرفة ومعهم الطعام والشراب والصبيان وجلسوا في عرفة كأنهم في نزهة
فإذا انتهوا من هذه الأكلة قالوا مشينا إلى مزدلفة وصلوا بها المغرب والعشاء، ثم قالوا: مشينا إلى منى، ورموا جمرة العقبة، وحلقوا ثم طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، وبذلك حلوا التحلل
كله، ثم خرجوا إلى بلدهم ونام الرجل في أحضان زوجته في ليلة العيد، وهذا والله من الاستهزاء بآيات الله، كيف النبي عليه الصلاة والسلام يبقى في حجته الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي
عشر، والثاني عشر، والثالث عشر سبعة أيام، وهؤلاء سبع ساعات، إن هذا إلا استهزاء بآيات الله عز وجل، ونقول: هؤلاء أقرب إلى الإثم من الأجر، فمن أراد أن يحج فليحج كما جاء في الشرع وإلا فليدعه.(23/389)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب الأسئلة الواردة من رئيس تحرير مجلة ( ... ) :
جواب السؤال الأول:
الأمور التي لا يصح الحج بدونها هي:
الأول: الإحرام، وهو نية الدخول في الحج، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (1) . ووقته منِ دخول شهر شوال، لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة/197] .
وأمكنة الإحرام المعينة خمسة، وهي:
1- ذو الحليفة (وتسمى اَبيار علي) لأهل المدينة.
2- الجحفة (وهي قرية قرب رابغ) وقد خربت، فجعل الإحرام من (رابغ) بدلاً عنها، لأهل الشام.
3- يلملم (وهو جبل، أو مكان في طريق اليمن إلى مكة) لأهل اليمن.
4- قرن المنازل (ويسمى السيل) لأهل نجد.
5- ذات عرق (وتسمى الضريبة) لأهل العراق.
فمن مر بهذه المواقيت أو حاذاها برًّا، أو بحراً، أو جوًّا،
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي (رقم 1) ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" ... (رقم 1907) .(23/391)
وهو يريد الحج وجب عليه الإحرام؟ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة" (1) وهو خبر بمعنى الأمر.
ومن كان دون هذه المواقيت وأراد الحج أحرم من مكانه، ولا يكلف الخروج إلى الميقات، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" (2) .
ومن الخط! تأخير بعض الحجاج القادمين جوًّا إحرامهم إلى النزول في جدة، مع أنهم يحاذون المواقيت قبل أن يصلوا إلى جدة، فالواجب عليهم ملاحظة ذلك، والإحرام في الطائرة إذا حاذوا
الميقات.
الثاني: الوقوف بعرفة، لقول الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ) الْحَرَامِ [البقرة/198] ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" (3) .
ووقته من زوال الشمس من اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من اليوم العاشر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد زوال الشمس وقال: "من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك". ومكانه
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ميقات أهل المدينة (رقم 1525) ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (رقم 1182) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (رقم 1524) ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (رقم 1181) (12) .
(3) أخرجه الإمام أحمد (4/309، 335) وأبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة (رقم 1949) والترمذي، كتاب الحج، باب فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (رقم 889) والحاكم (1/464) والبيهقي في سننه الكبرى (5/116) .(23/392)
عرفة كلها؟ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف" (1) .
ومن الخط! أن يقف الحاج خارج حدود عرفة في بطن عرنة أو ما وراءه؛ لأن من لم يقفما بعرفة فلا حج له، فالواحط على الحاج أن يحتاط ويبحث عن حدود عرفة ليتأكد من صحة موقفه.
الثالث: الطواف بالبيت، لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج/29] ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين أخبر أن صفية- رضي الله عنها- حاضت: "أحابستنا هي؟ " فقالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال: "فلتنفر إذن" (2) فقوله: "أحابستنا هي؟ " دليل على أن طواف الإفاضة لابد منه، وإلا لما كان سبباً لحبسهم، ولهذا لما أخبر بأنها طافت طواف الإفاضة رخص في الخروج.
ووقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج/29] . ولا يكون قضاء التفث ووفاء النذور إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
الرابع: السعي بين الصفا والمروة، لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله) [البقرة/158] ولقول ابن عباس- رضي الله عنهما-:) ثم أمرنا (يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا) (3) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة- رضي الله عنها-:
__________
(1) أخرجه مسلم، كناب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (رقم 1218) (149) .
(2) تقدم ص 188.
(3) أخرجه الإمام أحمد (3/268) .(23/393)
"يجزى عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك" (1) وقالت عائشة- رضي الله عنها-: (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة) (2) .
ووقته بعد طواف الإفاضة فإن قدَّمه عليه فلا حرج لاسيما إن كان ناسياً أو جاهلاً، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله رجل: سعيت قبل أن أطوف؟ قال: "لا حرج" (3) .
فهذه الأربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، لا يصح الحج بدونها.
أما الأمور التي تجب في الحج، ولكن يصح بدونها، فهي:
1- استمرار الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس يوم التاسع من ذي الحجة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف إلى الغروب وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" ولأن في الدفع قبل الغروب مشابهة لأهل الجاهلية، فإنهم كانوا يدفعون قبل غروب الشمس.
2- المبيت بمزدلفة ليلة عيد النحر، لقوله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) [البقرة/198] .
ووقته من غروب الشمس تلك الليلة إلى صلاة الفجر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن مضرس- رضي الله عنه-: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (رقم 1211) (132) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي ... ركن (1277) .
(3) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه (رقم 2015) .(23/394)
نهاراً فقدتم حجه وقضى تفثه" (1) .
ويجوز الدفع في آخر الليل إلى منى للضعفة من النساء والصبيان، ممن يشق عليهم زحام الناس، ليرموا الجمرة قبل وصول الناس إلى منى، لأن ابن عمر- رضي الله عنهما- كان يقدم ضعفة
أهله، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة وكان يقول: (أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2) . وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- تمضي فترمي الجمرة، ثم ترجع فتصلي الصبح في منزلها وتقول: إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن (3) .
ومزدلفة كلها موقف، ويجب على الحاج أن يتأكد من حدودها، لئلا ينزل خارجاً عنها.
3- رمي جمرة العقبة يوم العيد، ورمي الجمرتين الأخريين معها في أيام التشريق، لقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) [البقرة/203] . والأيام المعدودات أيام التشريق، ورمي الجمار من ذكر الله تعالى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله" (4) .
ومن الخطأ أن يعتقد بعض الحجاج أنهم يرمون الجمرات على الشيطان، ومن أجل هذا الخطأ صاروا يرمون الجمرات بعنف شديد
__________
(1) تقدم ص 17.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل (1676) .
(3) أخرجه البخاري، في الموضع السابق (1679) .
(4) تقدم ص 263.(23/395)
وصراخ مناف للخشوع والسكون والطمأنينة، التي ينبغي أن يتصف بها ذاكر الله عز وجل.
ووقت رمي جمرة العقبة يوم العيد من القدوم إلى منى من مزدلفة إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر، والأولى أن لا يؤخر الرمي إلى ما بعد غروب الشمس في الأيام كلها.
ووقت الرمي في الجمرات الثلاث في أيام التشريق من زوال الشمس إلى طلوع الفجر من اليوم التالي، إلا اليوم الثالث فينتهي بغروب الشمس لانتهاء أيام التشريق. قال جابر بن عبد الله- رضي
الله عنهما-: (رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس) (1) ، وقال ابن عمر- رضي الله عنهما-: (كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا) (2) .
ويرمي الجمرات الثلاث أيام التشريق مرتبة، فيبدأ بالأولى ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرميهن كذلك.
وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (3) .
4- الحلق، أو التقصير للرجال، والتقصير فقط للنساء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير" (4) ، ويجب أن يشمل جميع الرأس، لقوله تعالى: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) [الفتح/27] .
__________
(1) أخرجه البخاري معلقا، كتاب الحج، باب رمي الجمار (ص 332) ط بيت الأفكار الدولية، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي (314) (1299) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار (رقم 1746) .
(3) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .
(4) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، ْ باب الحلق والتقصير (رقم 1984، 1985) .(23/396)
ووقته بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، والأفضل أن يكون بعد رمي جمرة العقبة وذبح الهدي يوم العيد، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن قدَّمه عليهما فلا حرج، لقولْ ابن عباس- رضي الله عنهما-: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - غ يسأل يوم النحر بمنى فيقول: "لا حرج " فسأنه رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح قال: "اذبح ولا حرج " (1) . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: ما سئل يومئذ عن لمجماء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج " (2) .
5- المبيت بمنى ليلتين ليلة إحدى عشرة وليلة اثنتي عشرة لمن تعجل، فإن تأخر فليلة ثلاث عشرة أيضاً، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها وقال: "لتأخذوا عني مناسككم ". وروى ابن عمر- رضي الله عنهما- أن العباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه- استأذن من النبي جم - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له، وفي لفظ: فرخص له (3) ، والتعبير بالرخصة دليل على وجوب المبيت لغير عذر.
فهذه الأمور الخمسة واجبة في الحج، لكن الحج يصح بدونها، وفي تركها عند الجمهور من العلماء فدية شاة، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة تذبح في مكة، وتعطى فقراء أهلها والله أعلم.
فأما طواف الوداع فهو واجب على كل من خرج من الحجاج
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا رمى بعدما أمسى (رقم 1735) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة (رقم 1736) ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي (رقم 1306) .
(3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب هل يبيبت أصحاب السقاية (رقم 1745) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق (رقم 1315) .(23/397)
من مكة إلى بلده لقول ابن عباس- رضي الله عنهما-: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) . وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف بالبيت حين خروجه من مكة في حجة الوداع.(23/398)
س 1458: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الفرق بين الحج والعمرة؟ وما هو الركن الذي لا يصح الحج إلا به؟ وما هي مبطلات الحج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الظاهر أن جواب هذا السؤال يحتاج إلى مجلد، فالحج والعمرة يختلفان، فالحج حج أكبر، والعمرة حج أصغر، والعمرة مكونة من إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير، أما الحج فهو مركب من أكثر من ذلك فهو إحرام، وطواف، وسعي، وحلق، أو تقصير، ووقوف بعرفة، ومبيت بمزدلفة، ومبيت بمنى، ورمي جمار، فهو أكبر وأوسع من العمرة، ثم إن الحج يختص بوقت معين في أيام الحج، وأما العمرة ففي كل وقت، ثم الحج من أركان الإسلام باتفاق العلماء، أما العمرة فيها خلاف، فمن العلماء من قال: إنها واجبة، ومنهم من قال: إنها ليست بواجبة، ومنهم من قال: إنها واجبة على غير المكي أي الساكن في مكة.
وأما محظورات الإحرام فتشترك فيها العمرة والحج، لأنها تتعلق بالإحرام، والإحرام لا يختلف فيه الحج والعمرة.
وأما الأركان فتختلف العمرة عن الحج فيتفق العمرة والحج بأن من أركانهما الطواف، والسعي، والإحرام، وهذه الثلاثة أركان في العمرة وليس فيها ركن رابع، وأما الحج ففيه ركن رابع
وهو الوقوف بعرفة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الحج عرفة" (1) وهذا يختص بة الحج.
أما الواجبات، فالواجبات في العمرة شيئان فقط: أن يكون
__________
(1) تقدم ص 392.(23/399)
الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً، وأن يحلق أو يقصر بعد الفراغ من الطواف والسعي. وأما الحج فواجباته أكثر يشترك مع العمرة في الواجبات بأن يكون الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً، والحلق أو
التقصير ويزيد الحج بوجوب البقاء في عرفة إلى غروب الشمس، ووجوب المبيت في مزدلفة، ووجوب المبيت في منى الحادية عشرة، والثانية عشرة من شهر ذي الحجة، والثالثة عشرة إن تأخر،
ووجوب رمي الجمار.
وأما طواف الوداع فليس من واجبات الحج، وليس من واجبات العمرة المتصلة، وإنما هو واجب مستقل، يجب على من أدى العمرة أو أدى الحج إذا أراد الخروج إلى بلده، ولهذا لا يجب الطواف على أهل مكة لأنهم مقيمون فيها.
س1459: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج بعد أن رمى جمرة العقبة سافر إلى محل إقامته أمريكا فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: يلزمه أن يعود للطواف والسعي، أما إذا كان قد طاف وسعى فعليه دم لترك الرمي، ودم لترك المبيت، ودم لترك طواف الوداع، تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
س1460: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة؟ وأيهما أفضل؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة واجب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة حجة الوداع وطاف وسعى أمر(23/400)
كل من لم يسق الهدي أن يقصر ثم يحلق (1) ، فلما أمرهم أن يقصروا، والأصل في الأمر للوجوب، دل على أنه لابد من التقصير، ويدل لذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم حين أحصروا في غزوة الحديبية أن يحلقوا حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - غضب حين توانوا في ذلك (2) .
وأما هل الأفضل في العمرة التقصير أو الحلق؟
فالأفضل الحلق، إلا للمتمتع الذي قدم متأخراً، فإن الأفضل في حقه التقصير من أجل أِن يتوِفر الحلق للحج.
س1461: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج في العام الماضي وأخل ببعض الواجبات وما دونها جاهلاً، وأراد أن يحج هذه السنة حجة متابعاً فيها لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهل ينوي بها الفريضة أم أنها تكون نافلة، وتجبر النقص في حجة الماضي؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نعرف الأشياء التي أخل. بها في حجه، فإذا كان ترك شيئاً يبطل الحج بتركه كطواف الإفاضة وجب عليه أن يأتي به قبل أن يحج
الثانية.
وأما إذا كان ترك شيئاً من الواجبات التي لا يبطل الحج بتركها، كالمبيت في منى مثلاً، فإن ذلك لا يبطل الحج، ولكن عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء، نظراً لأن هذا الواجب
له بدل، فليذبح البدل، هذا إذا كان قادراً، أما إذا لم يكن قادراً على ذبح الشاة فلا شيء عليه.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (1218) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد (2731) .(23/401)
وينوي أن تكون هذه الحجة الجديدة نافلة، لأنه قد حج الفريضة، كصلاة الفجر مثلاً، ثم انتهى من الصلاة تذكر أنه ترك هذا الواجب فليس له أن يعيد الصلاة لأجل ذلك، وإنما يكفيه أن
يسجد للسهو.
س1462: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: طفلة صغيرة عمرها ثلاثة أعوام أحرمت بها والدتها للعمرة، وعند السعي لم تكمل هذه الأشواط لعجزها وصغر سنها، فماذا يلزمهم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الصبي أو الصبية إذا كانا دون البلوغ وخرجا من الإحرام قبل إتمامه، أي خرجا من النسك قبل إتمامه فلا حرج عليهما، وذلك لأنهما غير مكلفين، وبناءً على هذا
لا يكون على هذه الصبية شيء.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن تكلف الناس، وتكليفهم صبيانهم من ذكور وإناث بالإحرام بالعمرة، أو بالحج في أيام الضيق، وأيام المواسم ليس بجيد، ولا ينبغي للإنسان أن يفعله؟
لأنه يكون مشقة على الصبي الذي أحرم، خصوصاً إذا قلنا بوجوب إتمامه إتمام النسك، وفيه أيضاً إشغال قلب وفكر بالنسبة لأهله، وكون الإنسان يتفرغ لنسكه ويبقى أولاده بلا نسك أفضل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أمته بأن يحججوا الصبية غاية ما في ذلك أن امرأة رفعت
صبيًّا، وقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" (1) لكنه لم يأمر أمته أن يحججوا الصبيان، فالذي أرى أنه من الخير أن يترك الصبيان
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي رقم (1336) (459) .(23/402)
بلا إحرام في أيام الضيق والمواسم؛ لأن ذلك أيسر عليهم وعلى أهليهم
س1463: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من ترك واجباً من واجبات الحج هل يكفيه دم التمتع أم يطلب منه دم آخر؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ذكر أهل العلم- رحمهم الله- أن من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية أن يذبح شاة أي واحدة من الغنم، أو يشترك في بدنة، أو بقرة، والبدنة والبقرة كل منهما
يجزئ عن سبعة، وبناء على ذلك فإن الدم الواجب لترك الواجب لا يغني عنه هدي التمتع؟ لأن هدي التمتع له سبب يوجبه مستقل، ودم الواجب له سبب يوجبه مستقل، وهذا لا يدخل في هذا، بل لو أن الإنسان ترك واجبين، أو أكثر فعليه لكل واجب فدية كما سبق، واستدل أهل العلم لذلك بحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- (من ترك شيئاً من نسك أو نسيه فليهرق دماً) (1) .
س1464: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض من يكون داخل هذه البلاد من الأمصار الأخرى إذا أرادوا أن يذهبوا إلى مكة للحج يمنعون، لأنهم حجوا أول مرة حج الفريضة، ويكثر السؤال هل يجوز لهم أن يتجاوزوا الميقات بثيابهم وهم قد أحرموا؟ ثم إذا
__________
(1) أخرجه الإمام مالك في موطئه، كتاب الحج، باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئاً (1/383 رقم 977) ، والبيهقي في سننه الكبرى (5/152) وانظر التلخيص الحبير (2/229) .(23/403)
تجاوزوا نقطة التفتيش لبسوا ثياب الإحرام؟ ومن ألزمهم بالدم فهل له من حجة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يجوز أن يلبسوا الثياب. فإذا أحرموا التزموا بشرع الله، وإذا منعوا يكون هذا مما سلط عليهم فيسألون الله أن يخفف عنهم هذا المنع.
فيحرم عليهم هذا العمل، ووجوب الدم في ترك الواجب في النفس منه شيء، ليس فيه إلا حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً) ، وهذا فيه
نقاش. أولاً: في ثبوته، والثاني: هل له حكم الرفع أو لا، لكن كونه يأثم فهو بالاتفاق.
س1465: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل احتلم في الليلة الثالثة في منى وأصبح اليوم الثالث جنباً، وقبل الشمس تيمم وصلى حتى المساء ورمى الجمرات، وعند عودته إلى مكة المكرمة
اغتسل وصلى المغرب والعشاء وطاف طواف الإفاضة ومضى، وحتى الآن لم يذبح، فهل حجه صحيح؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لم يذكر تفاصيل الحج وكيفيته من أوله إلى آخره، لكن الذي ذكر الآن لا يوجب بطلان حجه، فحجه لا يفسد بما ذكره، ولكن يجب عليه إذا احتلم في منى، أو غيرها من
المشاعر أن يغتسل، فإن تعذر عليه ذلك وخاف فوات الوقت فإنه يتيمم، ولكن إذا تيمم لصلاة الفجر مثلاً التي خاف فوات وقتها فإنه يتعين عليه أن يطلب الماء في النهار ليغتسل.(23/404)
وأما الهدي فلا ندري هل يجب عليه أم لا؛ لأنه إذا كان متمتعاً وهو قادر على الهدي وقت حجه وجب عليه أن يهدي، وكذلك إذا كان قارناً، أما إذا كان غير قارن ولا متمتع وهو مفرد
فإنه لا يجب عليه الهدي.
س1466: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من أحرم بالحج متمتعاً وطاف وسعى ولكنه لم يحلق أو يقصر بل حل من إحرامه وبقي إلى اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرم بالحج من جدة إلى منى وأدى الناسك كاملة حتى طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا الحاج ترك التقصير في عمرته، والتقصير من واجبات العمرة، وفي ترك الواجب عند أهل العلم دم يذبحه الإنسان في مكة، ويوزعها على الفقراء، وعلى هذا
فنقول لهذا الحاج: عليك على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية بمكة، وتوزعها على الفقراء، وبهذا تتم عمرتك وحجك، وإن كان خارج مكة فيوصي أن يذبح له الفدية بمكة.
س1467: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قدم إلى مكة في رمضان وهو صائم ويقول: إن أديت العمرة حين وصولي إلى مكة في النهار صائماً أديتها وأنا هزيل، وإن أخرتها إلى الليل أديتها بنشاط وإن أفطرت وأديتها حين وصولي أديتها بنشاط فما الأفضل في حقي؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يبادر الإنسان في فعل العمرة(23/405)
من حين يصل فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينيخ بعيره إلا عند البيت ويقضي العمرة فوراً، وهذا قاعدة خذوها منهاجاً لحياتكم، (الشيء القصود يبدأ به قبل كل شيء) لأنه هو المقصود، وهذه القاعدة لها فروع منها حديث عِتْبَان بن مالك- رضي الله عنه- كان إمام قومه
وكبر وضعف بصره وبينه وبين قومه وادي يأتي السيل ويمنعه أن يصلي معهم، فطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرج إليه ليصلي في مكان في بيته يتخذه عتبان مصلى، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً، فقال: "سأفعل إن شاء الله "، فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه نفر من أصحابه فلما وصل إليه وعلم أهل الحي أن الرسول قد جاء ثاب إليه قوم يعني اجتمعوا حول البيت يشهدون الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال عتبان: فستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت له، فلم يجلس حين دخل البيت، ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟ " فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فكبر، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم " (1) فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى قبل كل شيء، وهذه مسألة اجعلوها في حياتكم، المقصود يبدأ به قبل التابع في كل شيء، فإذا قدم الإنسان إلى العمرة ورأى أنه مجهد وقال: إن أخرت العمرة إلى الليل صرت نشيطاً، وإن فعلتها وأنا صائم تعبت وأديتها بكسل، وإن أفطرت أديتها بقوة ونشاط، فهذه ثلاث حالات فنقول: الأفضل أن تفطر وتؤديها بقوة.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت (425) . ومسلم، كتاب المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر (263) (33) .(23/406)
زيارة المسجد النبوي(23/407)
س1468: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة المسجد النبوي؟ وهل لها تعلق بالحج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: زيارة المسجد النبوي سنة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) (1) فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي، لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام (2) ، ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذا وصل إلى هناك زار قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على الوجه الشروع في ذلك من غير بدع ولا غلو.
وقولك في السؤال: هل له علاقة بالحج؟
جوابه: أنه لا علاقة له بالحج، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة، والحج والعمرة منفصلان عنه، لكن أهل العلم- رحمهم الله- يذكرونها في باب الحج أو في آخر كتاب الحج، لأن الناس في
عهد سبق يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر، وزيارة المسجد النبوي في سفر، فكانوا إذا حجوا واعتمروا مروا بالمدينة لزيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (رقم 1189) ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (رقم 1397) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (رقم 1190) ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (رقم 1394) .(23/409)
س1469: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الأداب المشروعة في زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الأداب المشروعة أن يزور قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسلم عليه، فيقول: السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم
يخطو خطوة ثانية، عن يمينه ليكون مقابل وجه أبي بكر- رضي الله عنه- ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم يخطو خطوة عن يمينه
ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم ينصرف. هذه هي الزيارة المشروعة.
وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - لتفريج الكربات وتحصيل الرغوبات، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضرًّا، ولا يعلم الغيب، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحييون، ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيِء أبداً، قال الله تعالى له- للرسول - صلى الله عليه وسلم - -: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) . وقال الله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله)(23/410)
وقال الله له: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنى عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد، أو يدفع ضّرا عن أحد، بل هو عبد مربوب، مكلف
كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما منَّ الله عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله، ولن تكون لأحد بعده، وهى الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.
س1470: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة بعض المقابر بالمدينة كالبقيع والشهداء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: زيارة القبور سنة في كل مكان ولاسيما زيارة البقيع الذي دفن فيه كثير من الصحابة- رضي الله عنهم- ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وقبره
هناك معروف.
وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً ويصلي فيه ركعتين؛ لأن في ذلك فضلاً عظيماً.
وليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه- رضي الله عنهما- وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وزيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له.(23/411)
س1471: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الذي يلزم من وجد في قلبه ميلاً إلى طلب أصحاب هذه القبور، الشفاعة أو قضاء الحوائج - صلى الله عليه وسلم - أو الشفاء أو ما إلى ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذي يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب القبور، فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير، وكان الإنسان يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة
بدون أن يسألهم ذلك، ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له، فهذا لا بأس به، فإننا كلنا نرجو أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفيعاً لنا، ولكننا لا نقول: يا رسول الله اشفع لنا، بل نسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لنا، وكذلك أهل الخير الذي يرجى منهم الصلاح فإنهم يكونون
شفعاء يوم القيامة، فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم إلى قسمين:
قسم خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه أحد، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها - صلى الله عليه وسلم - للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم، فإن الناس يوم القيامة ينالهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فيقولون: ألا تذهبون إلى من يشفع لنا عند الله عز وجل، يعني يريحهم من هذا الموقف، فيأتون إلى اَدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى - صلى الله عليه وسلم -
موسى، ثم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، وكلهم لا يشفعون، حتى يأتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنتهي الشفاعة إليه، فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده، فيجيء الله عز وجل ويقضي بين عباده، والشفاعة الثانية: شفاعتة - صلى الله عليه وسلم - في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
أما الشفاعة العامة التي تكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من إلأنبياء(23/412)
والصديقين والشهداء والصالحين، فهذه تكون فيمن دخل النار أن يخرج منها، فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا النار بقدر ذنوبهم، فإن الله تعالى يأذن لمن شاء من عباده من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين أن يشفعوا في هؤلاء بأن يخرجوا من النار.
فالمهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفِّع فيه نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أو يشفِّع فيه أحداً من الصالحين بدون أن يسألهم ذلك، فهذا لا بأس به.
وأما أن يسألهم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، أو يا فلان اشفع لي، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز، بل هو من دعاء غير الله عز وجل، ودعاء غير الله شرك.
س1472: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة المساجد السبعة في المدينة أو هذه المزارات التي يزورها بعض الحجاج؟
فأجاب رحمه الله- بقوله: نحن ذكرنا أنه لا يزار إلا هذه الخمسة التي هي: مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبره وقبر صاحبيه وهي في مكان واحد، هذه القبور الثلاثة، والبقيع، وفيه قبر عثمان- رضي الله عنه- وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- ومسجد قباء، وما عدا ذلك فإنه لا يزار، وما أشرت إليه من المساجد السبعة أو غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته، وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(23/413)
ولا يجوز لأحد أن يثبت لزمان، أو مكان، أو عمل أن فعله أو قصده قربة إلا بدليل من الشرع.
س1473: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل المرأة إذا قدمت المدينة حاجة أو معتمرة تزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا تزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن زيارتها لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس لها ضرورة، إذ إن الإنسان إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو في أقصى المشرق والمغرب، فإن سلامه يبلغه، فليس هناك ضرورة إلى أن تقف على قبره لتسلم عليه، ثم إن كثيراً من العلماء يقول: إنها إذا زارت قبر الرسول عليه الصلاة والسلام
دخلت في اللعنة، حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور (1) ، فلا تزور قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويكفي أن تسلم عليه وهي في المسجد النبوي، أو في بيتها، أو من أي مكان.
س1474: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صحة هذا العمل وهو ما يوجد عند المسجد النبوي خصوصاً عند البقيع من بيع الحب للحمام فبعض الناس يشتريه ثم يرميه وبعضهم يتقصد رميه بالمقبرة فما حكم هذا العمل؟ وحدثونا يا شيخ عن المزارات التي تزار في المدينة النبوية والتي دل عليها الدليل؟
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور (رقم 3236) والترمذي، كتاب الصلاة، باب كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً (رقم 320) وقال: حديث حسن، والحاكم (1/374) .(23/414)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أرى أن هذا عمل ليس بجيد، كون الإنسان يشتري الحب ويلقيه على الأرض للحمام هذا غلط، فأحياناً يداس هذا الحب بالأقدام خصوصاً في أيام الموسم؛ لأن أيام
الموسم يكون الناس بكثرة، ولا تتمكن الحمام من النزول فتأكل وهذا إضاعة مال وإهانة طعام.
أما المزارات التي في المدينة: أولاً: المسجد النبوي تصلي فيه ما شاء الله. ثانياً: قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبرا صاحبيه أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-. ثالثاً: البقيع. رابعاً: مسجد قباء. خامساً: شهداء أحد، وغير هذا ليس فيه مكان تشرع زيارته في المدينة.
س1475: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم زيارة البقيع وشهداء أحد فهل يجوز للرجل أن يذهب بأهله من النساء إلى تلك الأماكن؟ وهل يجوز أيضاً للمرأة أن تدخل في الروضة قريباً من قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم هذا سؤال، وفيه تنبيه يشكر عليه، النساء لا يزرن المقابر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة
الله، ولا فرق بين البقيع وشهداء أحد وغيرها من مقابر المسلمين، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها قاصدة زيارة المقبرة، فإن فعلت فهي ملعونة- والعياذ بالله- لكن لو مرت بالمقابر بدون قصد زيارة
ووقفت ودعت لأهل القبور فلا بأس.(23/415)
أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبري صاحبيه- رضي الله عنهما- فقد رخص بعض العلماء في ذلك وقال: إن زيارة المرأة لقبري الرسول صلى الله عليه وعلى اَله وسلم
وقبري صاحبيه ليست زيارة، لأن مكان القبور الثلاثة محاط بثلاثة جدران، فهي لم تقف على القبر وبينها وبين القبور حائل، فهي وإن وقفت مثلاً في الروضة- كما يقول السائل- فإنها لم تكن زائرة لقبر بينها وبينه الحجاب وثلاثة جدر، لكن مع ذلك نرى أن لا تزور المرأة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبري صاحبيه- رضي الله عنهما- لأنها إذا ذهبت إلى هناك، يقال: إنها زارت القبر، فهي زيارة عرفية وإن لم تكن حقيقة زيارة، لكنها زيارة عرفية فلا نرى أن تذهب.
ثم أليس المقصود من الوقوف على القبر أن يصل سلامك إلى الرسول؟ الجواب: بلى، هذا المقصود، ومع هذا نقول: أنت لو سلمت عليه في أقصى الدنيا فإن سلامك سوف يبلغه " لأن الله وكل
ملائكة سياحين في الأرض إذا سلم أحد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - نقلوا السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن الآن إذا قلنا: اللهم صل وسلم على رسول الله. نقل سلامنا إليه، في الصلاة تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ينقل السلام إليه، إذن لا ضرورة إلى أن تأتى المرأة إلى القبر.
سمعتما بعض الناس يقول في المدينة: إن أبي وصاني أن أسلم على الرسول وقال: سلم لي على الرسول. وهذا غلط، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس حيًّا حتى ينقل سلام الحي له، ثم إنه إذا سلم أبوك على الرسول نقل سلامه من هو أقدر منك على إبلاغه وأوثق منك، وهم(23/416)
الملائكة، إذن لا حاجة إلى هذا، ونقول أنت في مكانك في أي مكان من الأرض، تقول: السلام عليك أيها النبي، وسيبلغه بأسرع من هذا، وأوثق وأحسن.
س1476: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج أدى مناسك الحج ولم يتمكن من الذهاب لزيارة المسجد النبوي وسافر مباشرة فهل من ضرورة قبول الحج أن يلحق بالزيارة أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ليس من ضرورة الحج أن يزور الإنسان المسجد النبوي، ولا علاقة له بالحج، وإنما زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكون في كل وقت، ولكن أهل العلم ذكروها في المناسك؛ لأنه فيما سبق كان يشق على الناس أن يأتوا لزيارة المسجد النبوي، فكانوا يجعلونها مع فعل الحج، ليكون السفر إليها واحداً، وإلا فلا علاقة لها بالنسك، بل من اعتقد أن لها علاقة بالنسك، فإن اعتقاده ليس بصحيح؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه- رضي الله عنهم-.
س1477: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: وجدت في الصحيحين حديثاً هذا نصه: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من زارني ميتاً فكأنما زارني حيًّا، ومن قصدني في مسجدي كنت شهيداً شفيعاً يوم القيامة، ومن زار مكة وقصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان، ومن زار مكة ولم يزرني فقد جفاني "، وقد تعلمنا في المدارس بأن زيارة القبور شرك ينافي كمال(23/417)
التوحيد، لذا نرجو الإفادة جزاكم الله خير اً؟
فأجاب- رحمه الله بقوله: هذا الحديث ليس في الصحيحين، ولا في أحدهما، ولا في شيء من الكتب المعتمدة من كتب الحديث، بل هو حديث موضوع مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان الأمر كما قال الأخ السائل، فإن الواجب عليه أن يرسل هذا الكتاب إلى دار الإفتاء للنظر فيه، واتخاذ ما يلزم حياله، وذلك لأن مثل هذه الكتب المضلة التي تشتمل على أحاديث موضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب أن تمنع من التداول في الأسواق، لأن ما يحصل فيها من الضرر أضعاف أضعاف ما يحصل فيها من النفع إن قدر فيها نفع.
وأما قوله: (إنا تعلمنا في المدارس أن زيارة القبور شرك) فإنه لم يتعلم هذا، بل الذي في المدارس أن زيارة القبور سنة للرجال، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بزيارة القبور، وقال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الاَخرة" (1) لكن المحرم هو أن يشد الإنسان الرحل لزيارة القبور، فإن شد الرحل إلى زيارة القبور هو الذي ذكر أهل العلم أنه حرام ولا يجوز، لكن إن كان يقصد زيارة النساء فإن زيارة النساء للقبور حرام، بل هي من كبائر الذنوب،
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور (2) ، لكن لو أن المرأة مرت بالمقبرة فلا حرج عليها أن تقف وتسلم على أهل القبور، لأنها لم تقصد الزيارة.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (رقم977) .
(2) تقدم ص 414.(23/418)
س1478: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نرى بعض المصلين بعد الصلاة في مكانه الذي صلى فيه أو يتقدم قليلاً ويتجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتكلم كلام لا أسمعه فما حكم السلام على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الصفة، كلما صلى ذهب للسلام؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا شك أن اتخاذ هذا سنة كلما صلى ذهب يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم- لم يكونوا يفعلون ذلك، وكان ابن عمر
- رضي الله عنهما- لا يسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا إذا قدم من سفر، فكون الإنسان كلما صلى ذهب يسلم، فهذا غلط، لكن سلِّم عليه أول ما تقدم، وسلِّم عليه إذا أردت أن تسافر وكفى.
س1479: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يلتفت وهو بعيد عن القبر ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أردت أن تسلم فاذهب وقف أمام القبر وسلم عليه.
س1480: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صحة الحديث القائل: "من حج ولم يزرني فقد جفاني "؟(23/419)
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا الحديث موضوع، أولاً: أن زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تمكن بعد موته، وهو يقول: "لم يزرني " كيف يزور الرسول وهو مقبور؟ فالزيارة- إن ثبتت- فهي للقبر.
الشيء الثاني: أن هذا الحديث لو صح لكان ترك الزيارة بعد الحج كفراً مخرجاً عن الملة، لأن جفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ردة مخرجة عن الإسلام، فهذا الحديث موضوع، مكذوب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
س1481: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" (1) هل يشمل جميع المسجد النبوي؟
فأجاب فضيلته بقوله: يشمل ما بين البيت ومنبره عليه الصلاة والسلام، والظاهر أنه في مكان الآن لم يتغير، وهذا قد يحتاج إلى الرجوع إلى تاريخ المدينة.
س1482: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: تقول السائلة: زرت مكة بنية العمرة ولكن بعد بقائي في مكة يوماً مرضت ولم أستطع أن أكمل شعائر العمرة فقد قمنا بالطواف حول الكعبة سبع
مرات وعلى الصفا والمروة ولم نستطع أن نذهب إلى المدينة المنورة لزيارة مرقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب هذا المرض ورجعت إلى البلد وأنا
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر (رقم 1195) ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (رقم 1395) .(23/420)
حزينة ومتألمة بسبب رجوعى وهل يعتبر لنا عمرة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا العمل الذي قامت به المرأة المعتمرة طواف وسعي، بقي عليها أن تقصر من شعرها، وإذا فعلت الثلاثة: الطواف، والسعي، والتقصير، فقد أتت بالعمرة كاملة.
وأما زيارة المدينة، فإنها ليست من مكملات العمرة، ولا علاقة لها بالعمرة، وإنما زيارة المسجد النبوي سنة مستقلة يفعلها الإنسان متى تيسر له ذلك، فعمرتها الآن باقٍ عليها حسب سؤالها،
التقصير لأنها لم تقصر، والتقصير ليس له وقت فلو قصرت الآن فقد تمت عمرتها، وقد بقي عليها أيضاً طواف الوداع إن كانت لم تسافر فوراً، أما إذا سافرت فور إنهاء السعي والتقصير فإنه لا وداع
عليها، لأن الصحيح أن العمرة يجب فيها طواف الوداع؟ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " (1) .
ولأن العمرة كالحج إلا فيما ثبت الخلاف بينهما فيه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك " أو "كلما تصنع في حجك) (2) .
فالعمرة حج أصغر كل ما يجب في الحج يجب فيها، إلا ما قام الدليل على استثنائه: كالوقوف، والرمي، والمبيت.
فنقول: إن كنت سافرت من بعد السعي فليس عليك طواف لأنك في الحقيقة صار طوافك الذي سعيت بعده اَخر عهدك
__________
(1) تقدم ص 80.
(2) تقدم ص 324.(23/421)
بالبيت، وإن بقيت بمكة فإنك أخللت بطواف الوداع.
أما قولها: (ولم أزر قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -) تُريد أنها في سفرها للمدينة أرادت زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشد الرحل لزيارة القبور أيًّا كانت هذه القبور لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (1) .
والمقصود بهذا أنه: لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض بقصد العبادة بهذا الشد؛ لأن الأمكنة التي تختص بشد الرحل هي الثلاثة المساجد وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال.
س1483: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا ذهبت المرأة مع زوجها للعمرة وبعد الانتهاء من العمرة ذهبوا إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل يجوز للمرأة أن تصلي في الروضة التي ما بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنها؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم يجوز لها أن تصلي في كل المسجد، لكن بشرط أن لا تزاحم الرجال، فإن كان لا يتيسر لها ذلك إلا بمزاحمة الرجال فلا تفعل، والمسجد النبوي حكمه واحد في
الثواب، حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم أنه قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام " (2) .
__________
(1) تقدم ص 409.
(2) تقدم ص 409.(23/422)
س1484: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لماذا تؤكدون على الحجاج في كل حج أن ينووا زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا زيارة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد قضاء مناسك الحج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: هذا السؤال له شقان:
أحدهما: قوله (تؤكدون على الحاج أن يزور المسجد النبوي) ، نقول: نحن لا نؤكد عليه ذلك، ونقول: إن زيارة المسجد النبوي لا تعلق بها بالحج، وأنها عبادة مستقلة ليست من متممات الحج، ولا ينقص الحج بفقدها، ومن حج ولم يزر فحجه تام صحيح، وليس فيه أي نقص، ولكن أهل العلم ذكروا الزيارة بعد الحج؛ لأن الأسفار في ذلك الوقت صعبة، فيكون سفر المسلمين إلى الحج وإلى الزيارة واحداً أسهل عليهم، لذلك صاروا يذكرون الزيارة بعد الحج، وإلا فلا علاقة لها بالحج إطلاقاً، وتكون الزيارة في أي وقت من السنة.
وأما الشق الثاني فهو قوله: (إنكم تؤكدون أن ينوي زيارة المسجد) فنحن نعم نقول ذلك إنه ينوي زيارة المسجد، وهذا السؤال له تعلق بالسؤال الذي ذكرناه قريباً، وذلك لأن شد الرحل لزيارة القبور منهي عنها، لأنها لا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة فقط على سبيل العبادة.
س 1485: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم قول (المدينة المنورة) ؟ وما العلة في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: (المدينة المنورة) هذا اسم حادث(23/423)
ما كان معروفاً عند السلف، وهم يقولون: إنها منورة؛ لأنها استنارت بالدين الإسلامي، لأن الدين الإسلامي ينور البلاد، ولا أدري قد يكون أول من وضعها يعتقد أنها نور إلى الآن، أو أنها
تنورت بوجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها لا ندري ما نيته، ولكن خير من هذه التسمية أن نقول: المدينة النبوية، فالمدينة النبوية أفضل من المدينة المنورة، وإن كان ليمس بلازم أيضاً، لو قلت المدينة كفى، ولهذا تجد عبارات السلف: ذهبت إلى المدينة. رجع إلى المدينة،
سكن المدينة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المدينة خير لهم " (1) ، ولم يقل: (المنورة) ولا (النبوية) ، لكن إذا كان لابد من وصفها فإن النبوية خير من المنورة، لأن تميزها بالنبوة أخص من تميزها بالمنورة، إذ إننا إذا قلنا المنورة يعني التي استنارت بالإسلام، صار ذلك شاملاً لكل
بلد إسلامي فهو منور بالإسلام، فإذا كان لابد أن تصفها بشيء فصفها بالنبوية.
س1486: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تسمية المدينة المنورة بهذا الاسم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: اشتهر عند الناس المدينة لقب المنورة ولكن هذا حدث أخيراً، فكل كتب السابقين يقولون المدينة فقطٍ، أو يقولون المدينة النبوية، والمدينة المنورة في الواقع ليس
خاصّا بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن كل مدينة دخلها الإسلام فهي منورة بالإسلام، وحينئذ لا يكون للمدينة ميزة إذا قلنا المدينة
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها (رقم 1381) .(23/424)
المنورة، لكن مع هذا لا نقول: إنه حرام، نقول هذا لقب جرى الناس عليه فلا بأس به، لكن الأفضل أن نقول: المدينة النبوية.
س1487: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الذهاب إلى مسجد قباء كل يوم سبت مشياً على الأقدام أو راكباً أحياناً هل يشرع مثل هذا أو لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذهاب إلى مسجد قباء في المدينة كل يوم سبت من السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله (1) ، وهذا من حكمته، لأن الله تعالى قال له: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) والمسجدان النبوي والقبائي كلاهما أسس على التقوى من أول يوم، مسجد قباء من أول يوم نزل فيه قباء - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد المدينة من أول يوم وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فكلاهما أسس من أول يوم، لكن لا شك أن المسجد النبوي أفضل، لهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لمجعل يوم الجمعة للمسجد
النبوي، ويوم السبت لمسجد قباء، فإذا تيسر لك أن تزور قباء كل يوم سبت راكباً، أو راجلاً حسب ما تيسر لك، وتخرج من بيتك متطهراً وتصلي فيه ماشاء الله فهو خير.
س1488: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إن بعض الناس
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب من أتى مسجد قباء كل سبت (رقم 1193) ومسلم، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته (رقم 1399) (525) .(23/425)
يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا
بأنه قد شفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عن اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيراً حسنا لإزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين:
أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال، ولا يسأل عنه، إنما يسأل عن هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء، هل يكون دواء لهذا المرض العين، لأنه ليس كل ما كان دواءً لمرض يكون دواءً لكل مرض.
القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع، لكن ثبتت به التجارب، وهذا كثير جداً من الأدوية المستعملة قديماً وحديثاً، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما علمت منافعها بالتجارب، لأنه لم ينزل فيها شرع، فالهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيراً في بعض الأمراض فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها.(23/426)
س 1489: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكر صاحب كتاب شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد: أن الناس في زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - مراتب ومنازل، ويقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي بالأول والآخر والظاهر إلى غير ذلك، فهل ما ذكره صاحب هذا الكتاب في كتابه صحيح؟ وهل يأثم من يطبع مثل هذا الكتاب أو يقوم بتوزيعه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الكتاب الذي ذكره السائل لم أقرأه، وما ذكره من أن الزائر للنبي - صلى الله عليه وسلم - له مراتب لا ندري ما هذه المراتب التي أشار إليها السائل حتى نحكم عليها بالصحة أو بالبطلان، وأما من سمى أحداً بالأول والآخر والظاهر والباطن فقد جعله شريكاً لله- عز وجل- في هذه الصفات التي لا تحل إلا لله، فليس أحد من المخلوقين يكون هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" (1) ، ويجب أن نعلم أن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكون بالغلو فيه، بل من غال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلو فيه، فإذا غاليت فيه فقد عصيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن عصا أحداً، فهل يقال: إنه عظمه؟ إذن يجب علينا أن لا نغلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - كما غلى أهل الكتاب بأنبيائهم، بل نقول: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبد لا يعبد ورسول لا يكذب. وإنني بهذه المناسبة أشير إلى كلمة يقولها بعض الناس يقول:
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (رقم2713) .(23/427)
(إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله) وهذا خطأ؛ لأنهم إذا قالوا إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله، فقد نقصوا في قدر النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أن الخليل أعلى من الحبيب، ولهذا نقول: إننا لا نعلم أن الله اتخذ أحداً خليلاً منْ البشر إلا اثنين وهما: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة
والسلام، قال الله تعالى: (وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) ". ولكن المحبة تثبت لخلق كثير، فالله يحب المؤمنين، ويحب المتقين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفِّا كأنهم بنيان مرصوص، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، فمن قال: إن إبراهيم خليفة الله، ومحمد حبيب الله، فإنه قد انتقص في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - بل نقول: إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (532) .(23/428)
س1490: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: للعلماء آراء كثيرة ي تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ونريد أن سمع رأي فضيلتكم في هذا الموضوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: معنى الآية ظاهر، إلا أن بعض العلماء اختلفوا في معنى الإحصار (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) هل يشترط أن يكون الإحصار بعدو، أو أن الإحصار كل ما منع من إتمام نسك؟ ظاهر الآية الكريمة أن الإحصار عام لكل ما يكون به المنع من إتمام النسك، ومن قال: إنها خاصة بالعدو قال: إن قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)) إن هذا الفرع المفرع على قول "فإن أحصرتم " يدل على أن المراد به إحصار العدو، ولكن الراجح أن المراد بالإحصار كل ما يمنع من إتمام النسك، فإذا قدر أن الإنسان أحرم بالنسك، ولكن لم يتمكن من إتمامه لمرض، أو لكسر، أو لغير ذلك، فإنه يكون محصراً فيذبح هدياً ويتحلل، ثم إن كان هذا النسك واجباً عليه أداه بعد ذلك، وإن كان غير واجب فقد تحلل منه، ولا قضاء عليه.
س 1491: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من ذهب إلى الحج ولم يأخذ تصريحاً؟ حيث يقول بعض الأشخاص: أدخل(23/431)
بدون إحرام ثم أذبح فدية فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الثاني وهو أن نقول: أدخل بلباسك العادي واذبح فدية، فهذا من اتخاذ آيات الله هزواً، فرض الله عليك إذا أحرمت أن لا تلبس القميص، ولا السراويل، إلى آخره، وأنت تبارز الله تعالى بهذه المعصية، وتدعي أنك متقرب إليه، لاسيما إذا كان الحج نفلاً- سبحان الله- التقرب إلى الله بمعصية الله، وإن كان هذا غلط عظيم وحيلة على مَن؟ على الله عز وجل، كيف تحيّل على الله بهذا، وأنت تريد أن تفعل السنة؟!
فنقول: ابق في بلادك وأعن من يريد الحج على حجه. ويحصل لك الأجر.
أما الثانية: وهي التحيل على الأنظمة، فأنا أرى أن الأنظمة التي لا تخالف الشرع يجب العمل بها إذا كانت لا تخالف الشرع، فمثلاً لو أن الحكومة قالت لمن لم يحج فرضاً لا تحج لتمام الشروط، فهنا لا طاعة لها؛ لأن هذه معصية، والله أوجبه على الفور، أما النافلة فليست واجبة. وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة، ثم إني أقول في غير معصية هي طاعة لله عز
وجل، لأن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فوجه القول بالإيمان يعني مقتضى إيمانكم أن تطيعوا الله، وأن تطيعوا الرسول، وأولي الأمر، فنحن إذا أطعنا ولي الأمر في غير معصية، نتقرب بهذه الطاعة إلى الله عز وجل، وتقربنا إلى الله بطاعة ولي الأمر بعدم الحج هو طاعة واجبة، وترك حج النفل ليس معصية، فلا أرى الناس يتكلفون ويخالفون ولي الأمر(23/432)
الذي في مخالفته مخالفة لله عز وجل في أمر لهم فيه سعة، والحمد لله.
س 1492: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج بدون تصريح فمنع من دخول مكة فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كان قال عند الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فيحل ولا شيء عليه، وإذا لم يشترط فالواجب عليه أن يذبح هدياً لقوله (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ويتحلل حيث أحصر.
س 1493: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن حكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم وما العمل إذا قدم بها؟
فأجاب فضيلته بقوله: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام، والله عز وجل يقول: (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) ؟! هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر لهذا يقول لها: أسلمي، فإن
أسلمت فهذا هو المطلوب، وإن لم تسلم إما يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها. وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل. ثانياً: امتهان للحرم. فيرجع هو وإياها أو
يردها هي إلى بلدها.
س 1494: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص كبير في السن أحرم بالعمرة ولما وصل إلى البيت عجز عن أداء العمرة فماذا يصنع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب أنه يبقى على إحرامه حتى(23/433)
ينشط، إلا إذا كان قد اشترط في الإحرام، إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإنه يحل ولا شيء عليه، لا عمرة، ولا طواف وداع، أما إذا لم يقل ذلك ولم يرج زوال ما به، فإنه يتحلل ويذبح
فدية إذا كان واجداً؛ لأن الله تعالى يقول: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أحصر عن إتمام عمرة الحديبية ذبح هديه وحل (1) ، والله أعلم.
س 1495: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أحرم بالحج من الميقات ولما وصل إلى مكة منعه مركز التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذه الحال أنه يكون محصراً حين تعذر عليه الدخول إلى مكة، فيذبح هدياً في مكان الإحصار ويحل، ثم إن كانت هذه الحجة هي الفريضة أداها فيما بعد بالخطاب
الأول، لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول الراجح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الذين أحصروا في غزوة الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها، فليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجوب القضاء على من أحصر، قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ولم يذكر شيئاً سوى ذلك، وعمرة القضاء سميت بذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشاً، أي عاهدهم عليها، وليس من القضاء الذي هو استدرك ما فات، والله أعلم.
__________
(1) تقدم ص 401.(23/434)
س 1496: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من قصد الحج ثم منع منه فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه شيء في هذه الحال مادام لم يتلبس بالإحرام؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله، وإن شاء رجع إلى أهله، فإذا كان الحج فرضاً فإنه يجب
عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع فإنه لاشيء عليه.
أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام، فإن كان قد اشترط عند إحرامه، إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط فإن كان يرجو
زوال المانع عن قرب انتظر حتى يزول المانع ثم أتم الحج، فإن كان قبل الوقوف بعرفة وقف بعرفة وأتم حجه، وإن كان بعد الوقوف بعرفة ولم يقف بها فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة ويقضي الحج من
العام القادم إن كان حجه الفريضة.
وإن كان لا يرجو زوال المانع عن قرب تحلل من إحرامه وذبح هدياً، لعموم قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
س 1497: سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى-: رجل سافر في إحدى السنوات قاصداً أخذ عمرة وزيارة بعض الأقارب بمدينة جدة وفي الطريق صار عليه حادث وتعرض بعض الركاب الذين معه
لإصابات ووقف بسبب ذلك في مدينة رابغ لمدة ثلاثة أيام وعندما دخل التوقيف تحلل من إحرامه وخرج بعد ثلاثة أيام حيث شمله(23/435)
العفو وعاد إلى المدينة ولم يكمل عمرته فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الرجل قد اشترط عند إحرامه فقال: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فلا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط، فقد اختلف العلماء- رحمهم الله-
في الحصر بغير العدو، فقال بعضهم: إنه إذا حصر بغير عدو يبقى على إحرامه حتى يزول الحصر ثم يكمل.
وقال آخرون: بل هو كحصر العدو، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فيجب على من حصر عن إتمام النسك لمرض أو نحو ذلك أن يذبح شاة في محل حصره، فنقول له:
يلزمه فدية للحصر وعدم إكمال النسك يذبحها في المكان الذي حصر فيه، أو في مكة ويوزعها على الفقراء.
س 1498: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نويت في سنة من السنين حجة الإسلام وكنت مقيماً في السعودية، وكنت لا أعلم شيئاً عن المناسك إطلاقاً، وتواعد مع رجل في مسجد الخيف في منى في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وذهبت إلى منى وإلى المسجد محرماً وبحثت عنه عدة مرات ولكني لم أجده، ثم ذهبت إلى مكة وفسخت الإحرام ولم أحج للسبب الذي ذكرته فما هو الحكم علماً بأنني حججت بعد هذا العام بسنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذا أن الأخ مفرط ومتهاون في أمر دينه، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما فعل، وإن ذبح هدياً بمكة نظراً إلى أنه كالمحصر العاجز عن إتمام نسكه(23/436)
فحسن، والواجب على المرء إذا أراد أن يتعبد لله بحج أو غيره أن يكون عارفاً لحدوده قبل أن يدخل فيه، والذي نرى لهذا الأخ أن يذبح هدياً هناك في مكة، لأنه بمنزلة المحصر، لعجزه عن إتمام نسكه في ذلك العام، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
س 1499: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من أخل بشيء من أركان الحج؟ سواءً كان محصراً أو غير محصر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، إذا أخل بشيء من أركان الحج فإما أن يكون ذلك لحصر، أو لغير حصر، فمعنى
الحصر أن يمنع الإنسان مانع لا يتمكن به من إتمام حجه، فإن كان بحصر فإنه يتحلل من هذا، ويذبح هديه إذا تيسر ويحلق وينتهي نسكه، ثم عليه إعادة الحج من جديد في العام القادم إذا كان لم يؤد
الفريضة، فإن كان قد أدى الفريضة فالصحيح أنه لا تجب عليه الإعادة، لأن هذا من وجوب الإتمام ولم يتمكن منه بهذا الحصر الذي حصل له، والواجب يسقط مع العجز عنه، وأما إذا كان لم
يؤد الفريضة فإن الفريضة لاتزال في ذمته ويجب عليه أن يؤديها، هذا إذا كان بحصر، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
وأما إذا كان بغير حصر بمعنى أنه تركه لغير مانع منه، فإن كان ما أخل به هو الوقوف بعرفة فإن حجه لا يصح ولا يتم، لقول(23/437)
النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الحج عرفة" (1) وإن كان طوافاً، أو سعياً، فالطواف والسعي من أركان الحج ويجب عليه فعلهما، فإن رجع إلى بلده فإنه يجب أن يرجع ويطوف ويسعى لإتمام أركان نسكه.
س 1500: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى مكة المكرمة وهو محرم وعندما بلغه أن ولداً له توفي خلع إحرامه على الفور ولبس ثوبه، ثم انطلق إلى الرياض فمكث في الرياض أكثر من ثلاثة أيام ثم لبس ثوبه ولم يفعل شيئاً، وعاد ليحج ولبس الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل الإنسان في حج أو عمرة فإنه لا يحل له أن يخرج منه إلا بعذر يمنعه من إتمام نسكه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فقوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) يعني منعتم عن إتمام النسك، والصواب في معنى الآية أنه شامل للإحصار بعدو أو غيره، وبناءً على هذه القاعدة الأساسية التي دل عليها كتاب الله فإنه ليس من الإحصار المانع أن يموت للمحرم قريب؛ لأن هذا لا يمنعه من إتمام النسك بلا شك، وحضور العزاء ليس بلازم على الإنسان، بل إن أهل العلم يقولون: إنه يكره لأهل الميت أن يجتمعوا للعزاء، وهذا الرجل الذي فعل ما فعل وتخلى عن نسكه وذهب للرياض ولبس ثوبه ثم عاد إلى مكة، هذا الرجل أخطأ في تصرفه، ولكن يبدو أنه جاهل بذلك، وهو وإن رفض إحرامه، فان إحرامه باقٍ كما ذكر أهل العلم، فعلى هذا فإن رجوعه إلى مكة من الرياض ليس ابتداء إحرام
__________
(1) تقدم ص 392.(23/438)
ولكنه استمرار لإحرامه السابق، ولباسه المخيط أو ثيابه المعتادة في هذه الفترة لاشيء فيه؛ حيث كان ناشئاً عن جهل منه.
س 1501: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض فإن إحرامها لا يبطل بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة ولم تطف ولم تسع لاتزال في
عمرتها، وعليها أن ترجع إلى مكة، وأن تطوف وتسعى وتقصر، حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام من الطيب، وأخذ الشعر، والظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها أن محلها حيث حبست، فإنها لا شيء عليها إذا تحللت من إحرامها حينئذ.
س 1502: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قدمت للحج في الموسم الفائت برفقة عائلتي مع إحدى الحملات وعند وصولنا للمشاعر لم نجد ما وعدنا به صاحب الحملة من مكان مهيأ مثل
المكيفات وغيرها، فخفت على أطفالي من الحر ورجعت بهم ولم أؤد الفريضة فهل علي إثم في ذلك؟ وما كفارته؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال مشكل من عدة وجوه:
أولاً: كون هذا الرجل يريد أن يجد من الرفاهية والتنعم في(23/439)
حال الحج مثل ما يجده في بيته، أمر لا يجب أن يكون وارداً؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، ولابد أن يكون فيه مشقة، ومشقة الحر في المشاعر محتملة، بمعنى أن باستطاعة الإنسان أن يستخدم المراوح العادية ليروح بها على أولاده أو ما أشبه ذلك. أما بالنسبة للكبار فإنهم يتحملون المشقة، فلا ينبغي للإنسان الذي يريد الحج أن يكون همه البحث عن مجالات التنعم، بل الأصل في الحج
أنه مشقة، أو أنه نوع من الجهاد.
ثانياً: أن هذا الرجل بالنظر إلى سؤاله (تحلل من إحرامه بدون سبب شرعي) وهذا حرام لا يجوز له، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) ، وقد قال العلماء: إن المحرم إذا نوى التحلل لغير سبب شرعي فإنه لا يحل، وبناء على ذلك فإنه في هذه الحال يجب عليه أن يمسك الآن عن جميع محظورات الإحرام، وأن يذهب إلى مكة ليتحلل بعمرة، بمعنى أنه الآن يلبس لباس الإحرام، ويتجنب كل ما يتجنبه المحرم، ثم يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويحلق أو يقصر. وكذلك من معه من العائلة البالغين، وعليهم مع ذلك هدي يذبح في مكة، لأنهم فوتوا الحج على أنفسهم بدون عذر شرعي.
فكل واحد منهم عليه ذبح هدي، ثم عليه قضاء الحج في العام القادم مباشرة دون تأخير.
ثالثاً: يجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً بالندم لما حصل منه، ويستغفر الله عز وجل.
وينطبق ذلك كله على أفراد عائلته البالغين، وإن كان هذا الرجل اشترط أثناء عقد الإحرام، وقال: إن حبسني حابس فمحلي(23/440)
حيث حبستني، وهو يدري معنى هذه الكلمة، ثم حصل له هذا الذي حصل، وأعتقد أن هذا حابس يمنعه من إكمال نسكه، فإنه في هذه الحال لا يكون عليه شيء مما ذكرنا، ولكن يجب عليه أن يحج
حجة الإسلام في العام القادم، إن كان لم يؤد الفريضة.
س 1503: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كنت أعمل سائقاً وفي شهر الحج اتفق جماعة على الحج وكلموني على ذلك مع أني سائق سيارة، لكي أتنقل بهم بسيارتي بين المشاعر ونويت الحج معهم، وعندما وصلنا مكة ودخلنا المسجد الحرام وطفنا طواف القدوم بعد ذلك خرجنا وإذا بهم غيروا رأيهم، وقالوا لي: أوقف السيارة في مكة وأنت اذهب وحج لوحدك، وكنت قد اتفقت معهم على مبلغ معين من المال وأعطوني أقل منه بكثير، وعندها غضبت ونزلت إلى جدة وقطعت حجي ومن يومها، وأنا لا أعرف ماذا يترتب علي من جراء ذلك، فهل لهم الحق أولاً: في نقض هذا الاتفاق على الأجرة، وثانياً: ماذا عليَّ في العدول عن الحج وهم أيضاً فقد عدلوا عن الحج وقطعوه من تلك اللحظة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة للأجرة فإن لك الأجرة كاملة مادام الفسخ من قبلهم، لأنه لا عذر منك أنت ولا تفريط، وإنما هم الذين قطعوا ذلك على أنفسهم، فيلزمهم أن يسلموا
الأجرة كاملة.
أما بالنسبة للحج فإن كنتم قد تحللتم بعمرة يعني طفتم وسعيتم وقصرتم ثم حللتم على نية أن تأتوا بالحج في وقته، فإنه لا(23/441)
شيء عليكم حيث انصرفتم قبل أن تحرموا، وأما إن كان ذلك بعد الإحرام فإنه يجب عليك الآن أن تتحلل بعمرة لفوات الحج، وعليك أن تأتي بالحج الذي تحللت منه بدون عذر، وعليك أيضاً على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية، لأنك أخطأت حينما تحللت بدون عذر.
س 1504: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: خرجت من بيتي في تنزانيا قاصداً الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وبعد أن قطعت حوالي ستمائة ميل منعت من السفر وليس بي شيء أفعله فرجعت إلى بلدي فهل يلزمني شيء في هذه الحالة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمك شيء في هذه الحال مادمت لم تتلبس بالإحرام؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله، وإن شاء رجع إلى أهله، إلا أنه إذا كان الحج فرضاً فإنه
يجب عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع كما ذكر السائل فإنه لا شيء عليه، أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام فإنه له حكم آخر، ولكن ظاهر السؤال أنه منع قبل أن يتلبس بالإحرام.
س 1505: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك رجال ونساء أحرموا للعمرة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ثم عندما وصلوا الكعبة طافوا بالبيت ثم بدأوا بالسعي ولكن لشدة الزحام في تلك الليلة خافوا على أنفسهم الخطر فخرجوا من المسعى بعد مرة أو مرتين من السعي ورجعوا إلى بيوتهم بدون إتمام السعي وبدون حلق(23/442)
أو تقصير هل عليهم شيء؟ وماذا ينبغي لهم أن يفعلوا حيث لم تتم عمرتهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن العمرة كما قال السائل لم تتم حيث إن سعيها لم يتم، والواجب عليهم أن يعودوا محرمين إلى مكة ويكملوا السعي، ولكنهم يبدءون به من الأول فيسعون سبعة
أشواط، ويحلقون أو يقصرون، وما فعلوه من المحظورات قبل هذا فإنه لا شيء عليهم لأنهم جاهلون، ولكنني آسف أن تمضي عليهم مدة وهم قد عملوا هذا العمل ويعلمون أن عمرتهم لم تتم ثم لم يسألوا عن ذلك في حينه؛ لأن الواجب على المسلم أن يحرص على دينه أكثر مما يحرص على دنياه، وإذا كان فاته شيء من الدنيا لبادر في استدراك ما فاته، فما باله إذا فاته شيء من عمل الآخرة لم يهتم به إلا بعد مدة؟! قد يمضي سنة، أو سنتان، أو أكثر وهو لم يسأل، وهذا من البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس، بل من المؤسف حقاً أن بعض الناس يقول: لا تسأل فتخبر عن شيء يكودن فيه مشقة عليك، ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتبدل الأحكام فيه، أو تتغير، أما بعد أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه.
س 1506: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جئت من مصر لأداء العمرة وأحرمت من الباخرة ونزلت جدة لكي أذهب إلى مكة(23/443)
ولم أتمكن من الوصول إلى مكة، وذلك لظروف طارئة، واضطررت لفك الإحرام، وذهبت ثاني يوم لأداء العمرة فهل علي فدية؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليك فدية؛ لأنك جاهل وفكك الإحرام بدون عذر شرعي يبيح لك التحلل ليس له أصل، وعلى هذا الواجب عليك في المستقبل إذا أحرمت بعمرة أو حج أن تبقى حتى تنهي العمرة والحج. وتتحلل منهما، أما إذا أحصرت لمانع شرعي يبيح لك التحلل فحينئذ تحلل وتذبح هدياً لتحللك؛ لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
س 1507: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من خرجوا لأداء العمرة من جدة فلما طافوا بالبيت وشرعوا في السعي سعى بعضهم شوطين والبعض الآخر ثلاثة أشواط، ثم لم يستطيعوا
أن يكملوا السعي لأجل الزحمة الشديدة في تلك الليلة وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي فخافوا على أنفسهم من الموت أو الضرر فعادوا إلى بيوتهم من غير حلق ولا تقصير ولم يفعلوا شيئاً حتى الآن، فماذا عليهم جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أنصح هذا السائل ومن كان على شاكلته ممن يفعلون الخطأ ثم لا يبادرون بالسؤال عليه، هذا تهاون عظيم بدين الله وشرعه، وعجباً لهذا وأمثاله أن يقدموا ليلة السابع
والعشرين لأداء العمرة، وأداء العمرة في رمضان سنة ثم ينتهك حرمة هذه العمرة، فلا يتموها، ثم لا يسألون عما صنعوا- نسأل الله لنا ولهم الهداية- ونحن نتكلم أولاً على مشروعية العمرة ليلة(23/444)
السابع والعشرين، وعلى ما صنعوا من قطع هذه العمرة.
أما الأول وهو مشروعية العمرة في ليلة سبع وعشرين، فنقول: إنه لا مزية لليلة سبع وعشرين في العمرة، وأن الإنسان إذا اعتقد أن لليلة سبع وعشرين مزية في أداء العمرة فيها، فإن هذا
الاعتقاد ليس مبنياً على أصل، فلم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أدى العمرة في ليلة سبع وعشرين من رمضان فله كذا وكذا) ، ولم يقل: (من أدى العمرة ليلة القدر فله كذا وكذا) بل قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه " (1) والعمرة ليست قياماً،
ثم نقول: من قال: إن ليلة. القدر هي ليلة سبع وعشرين، ليلة القدر قد تكون في السابع والعشرين، وقد تكون في الخامس والعشرين، وقد تكون في الثالث والعشرين، وقد تكون في التاسع والعشرين، وقد تكون في الأشفاع في ليلة اثنين وعشرين، وأربعة وعشرين، وستة وعشرين، وثمانية وعشرين، وثلاثين، كل هذا ممكن، نعم أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، وأما هي بعينها كل عام فلا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رؤي ليلة القدر أنه يسجد في صبيحتها- أي في صلاة الفجر- من صبيحتها في ماء وطين، فأمطرت ليلة إحدى وعشرين، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر وسجد في الماء والطين في صبيحة تلك الليلة، ليلة إحدى وعشرين (2) ، إذاً فليلة القدر تتنقل، قد تكون هذا العام في سبع
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية (رقم 1901) ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (رقم 760) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر=(23/445)
وعشرين، وفي العام التالي في ثلاث وعشرين، أو في خمس وعشرين، فليست متعينة ليلة سبع وعشرين، ولهذا نرى أن من الخطأ أن بعض الناس يجتهد في القيام ليلة سبع وعشرين، وفي بقية
الليالي لا يقوم، كل هذا بناء على اعتقاد خاطئ في تعيين ليلة القدر، والخلاصة أنه لا مزية للعمرة في ليلة سبع وعشرين، وأن ليلة سبع وعشرين ليست هي ليلة القدر بعينها دائماً وأبداً، بل تختلف ليلة القدر، ففي سنة تكون في سبع وعشرين، وفي السنة الأخرى في غير هذه الليلة أو في الليلة، وفي سنوات أخرى في غيرها، وهذا أمر يجب على السلم أن يصحح اعتقاده فيه، أي أن للعمرة ليلة سبع وعشرين مزية، وأن ليلة سبع وعشرين هي ليلة القدر في كل عام، لأن الأدلة لا تدل على هذا.
أما بالنسبة لعمل السائل فهو عمل خاطئ، مخالف لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) والسعي من العمرة، بل هو ركن فيها، وعلى هذا فيجب عليهم الآن أن يلبسوا ثياب الإحرام، وأن
يذهبوا فيسعوا ويقصروا تكميلاً لعمرتهم السابقة، وأن يتجنبوا من الآن جميع محظورات الإحرام مع التوبة والاستغفار من هذا الذنب الذي فعلوه.
س 1508: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أهلت بعمرة عن والدها المتوفى، وكان معها طفلها الرضيع، وحينما وصلت
__________
= الأواخر (رقم 2018) ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (رقم 1167) .(23/446)
الحرم كان الهواء بارداً فخافت على وليدها ولم تكمل عمرتها ثم رجعت إلى جدة وحلت فما الذي يجب عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: فعلها هذا محرم، ولا يحل لها أن تحل من عمرتها، والواجب عليها الآن أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتقصر، وما فعلته من محظورات الإحرام فإنه لا شيء عليها فيه،
لأنها جاهلة، وننصحها ألا تتسرع في شيء من العبادات إلا بعد سؤال أهل العلم.
س 1509: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة أحرموا بالحج وعند مركز التفتيش تم ردهم، لأنه ليس معهم تصاريح الحج، ورجعوا إلى بلدهم وحلوا إحرامهم، فماذا يلزمهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواقع أن هؤلاء مفرطون ماداموا يعرفون أنه ربما يردون، فعليهم أن يشترطوا ويقولوا: إن حبسنا حابس فمحلنا حيث حبستنا، لكن يبقى الآن هل أنهم أحرموا على
نية أنهم إن ردوا رجعوا وحلوا من الإحرام، إذا كانوا على هذه النية فلهم ما نووا، وأرجو أن يكون إحلالهم صحيحاً، ولا شيء عليهم.
س 1510: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يتمكن من إخراج بطاقة الحج فهل إذا أحرم ومنع من دخول مكة يدخل في حكم المحصر فيحل ويهدي، أم أن له أن يلبس ثيابه ويدخل، لأنه يريد عمل الخير لا لطمع في الدنيا؟(23/447)
فأجاب فضيلته بقوله: أقول: ما دام الحج الآن لابد أن يحمل الحاج بطاقة الدخول فما الذي يمنعه من حمل البطاقة؟ الأمر ميسر، وفي كل مكان تعطى هذه البطاقات؟! فكيف يخاطر ويذهب إلى
الحج دون أن يحمل البطاقة لكن لو فرض أنه فعل ومنع من دخول مكة فإنه يكون في حكم المحصر، يذبح الهدي هناك في مكان إحصاره ويتحلل والحمد لله، لكن هنا شيء يكفيه عن التحلل وهو
أن يقول عند عقد الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإذا قال ذلك ومنع فيلبس ثيابه ويرجع ويحج في وقت آخر.
أما الشيء الثاني قال في السؤال إنه يلبس الثياب وهو محرم، فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، كيف تحرم وتعصي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما نهاك عنه من لبس القميص، وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرط والجنود فليس خداعا لله عز وجل (إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) ثم ما الذي أوجب لك هذا الشيء، أليس حجك سنة وعمرتك سنة، وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية، ولهذا لو منعنا أن نؤدي الحج الواجب، قلنا: لا سمع ولا طاعة، لكن حج نفل أو عمرة رأى ولي الأمر أن من الخير للمسلمين عموماً الذين يحجون أن يخفف عنهم بهذا النظام، فلا محظور فيه، ولا شك أن ولي الأمر له أن يفعل ما فيه المصلحة ودفع المضرة، وما دمت أديت الفريضة فالباقي نفل، وطاعة ولي الأمر واجبة، ومساعدة إخوانك في هذا(23/448)
النظام،- الذي نسأل الله أن يجعل عاقبته حميدة- خير لك من أن تكلف نفسك، ثم نقول: إذا كان لديك رغبة في الحج فانظر إلى بعض الناس الذين لم يؤدوا الفريضة وساعدهم وأعطهم دراهم
يحجون بها لأنفسهم، فتكون معيناً على فريضة، وتشارك صاحب الفريضة فيما أعنت عليه.
س 1511: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول. حججت هذا العام بدون تصريح وأنا قد بلغني قولك بإثم من لم يأخذ تصريح ويحج نافلة، والآن وأنا في منى ضاقت بي الدنيا فماذا
أفعل أرشدني وفقك الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: تب إلى الله عز وجل مما صنعت وأكمل الحج، ولا تعد لمثل هذا العمل الذي هو معصية، فإن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وولاة الأمر لم يرتبوا هذا الترتيب إلا من أجل مصلحة الناس، لا من أجل كف الناس عن الطاعة، لأنه كلما قل العدد صار أهون على الناس، وصار الناس يؤدون مناسكهم براحة، وهؤلاء الذين حجوا تطوعاً بدون تصريح هم حريصون على الخير يقصدون بذلك الخير، ولكني أقول: هل الخير ممنوع من غير الحج؟ أو يمكن أن يلتمس الخير في غير الحج؟ بمعنى هل لا يوجد سبب لمغفرة الذنوب إلا الحج؟ فأبواب الخير كثيرة، فإذا قال الإنسان: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وإذا قال الإنسان خلف الصلوات المكتوبة: سبحان الله،(23/449)
والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة وأكملها بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كذلك تغفر خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وإذا صام الإنسان رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أن رجلاً أو امرأة رأى كلباً يلهث عطشاً فنزع من الماء بخفه وسقى الكلب فغفر الله بسقيا الكلب، فلا تظن أن الأمر محصور على الحج، فأسباب مغفرة الذنوب كثيرة، فإذا رأى ولي
الأمر أن يرتب الناس فهذا خير، فعليك أن تمتثل وألا تتحيل.
وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية- يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يلبس المحرم القميص " وهذا لبس، وبعض الناس يفعل أيضاً شيئاً آخر يؤخر الإحرام عن الميقات حتى يتجاوز التفتيش، وهذا أيضاً عاص للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالإهلال من المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة، فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة.
س 1512: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب هو وصاحبه للحج في العام الماضي فمات صاحبه فهل يكمل عنه الحج أم لا؟(23/450)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرم الإنسان بالحج ومات قبل تمامه فإنه لا يقضى عنه ما بقي، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان واقفاً بعرفه فأتوا إليه، وقالوا له: يا رسول الله إن فلان وقصته ناقته فسقط منها ومات، فقال: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تغطوا رأسه، ولا تحنطوه،- أي لا تجعلوا فيه طيباً- فإنه يبعث يوم القيام ملبياً" (1) يعنى يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك.
ولم يقل: كملوا عنه، ولأننا لو كملنا عنه لفاته هذه المنقبة، وهي أن يخرج محرماً، لأننا إذا كملنا عنه حل، لذلك إذا مات الإنسان في أثناء النسك فلا يقضى عنه شيء، وإذا كان لم يحل التحلل الأول
دفن في ثوبه أي في إزاره وردائه، ولا يؤتى له بكفن جديد، ليخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، وهذا نظيره المجاهد، الذي يقتل شهيداً، فإنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون
الدم، والريح ريح المسك.
س 1513: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رفقة حجاج مات معهم شخص فما الذي يفعلونه في شأن الأنساك المتبقية؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مات الإنسان وهو محرم بالنسك فإنه لا يقضى عنه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فمات، قال عليه الصلاة والسلام: "اغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه وكفنوه في ثوبيه، فإنه يبعث يوم
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا مات (رقم 1851) ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (رقم 1206) .(23/451)
القيامة ملبياً". وهذا يدل على أن الإنسان إذا مات أثناء النسك لا يقضى عنه ما بقي.
س 1514: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى العمرة والحج مع أمه وبعض أخواته، وبعد مناسك العمرة كانوا في منى وفي اليوم الثامن وافت هذا الرجل المنية، فذهبت الأم مع بقية أخواته وتركن الحج فما الحكم وماذا يلزمهن؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هؤلاء النسوة قد اشترطن عند الإحرام أنه إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني فلا حرج عليهن، لأن بعض الناس قد لا يتحمل أن يكمل الحج مع المصيبة
أما إذا كن لم يشترطن فهذه مشكلة، ويجب عليهن الآن أن يعتبرن أنفسهن محرمات، حتى يذهبن إلى مكة ويؤدين العمرة تحللاً من الحج، ويحججن العام القادم لأنهن تركن الحج قبل الوقوف، فينقلب إحرامهن عمرة، فيلزمهن الآن أن يذهبن إلى مكة على اعتبار أنهن محرمات، وأن يأتين بالعمرة وهدي وفي العام القادم يلزمهن أن يأتين بالحج هذا إذا لم يكن اشترطن، فإن اشترطن ذلك فليس عليهن شيء.
س 1515: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جزار ذهب للحج وعندما كان بمنى ذهب للمجزرة بأجرة وقبل أن يرمي جمرة العقبة وهو داخل المجزرة قطع الحج وخرج إلى بيته فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للحاج أن يذبح الهدي قبل أن(23/452)
يرمي، ولا حرج عليه في ذلك، لكن هذا الرجل لم يتحمل وكأنه ذهب إلى بيته وقطع الحج، فنقول لك: إن الحج وإن قطعته لا ينقطع إلا بإتمامه، ولهذا لو قال وهو محرم بالحج: فسخت نية الحج
وهونت عن الحج. فإنه لا يخرج منه ويجب أن يكمل، وهذا مما يختص به الحج من بين العبادات، فالعبادات التي غير الحج لو قطعها الإنسان انقطعت، لكن الحج لا ينقطع ولو قطعه الإنسان،
فمثلًا لو أن الإنسان يصلي وقطع صلاته انقطعت، ولو كان محرماً بحج أو عمرة ونوى قطع الحج والعمرة فإنه لا ينقطع، ويلزمه الإتمام، وعلى هذا نقول لهذا الرجل ونحن الآن في زمن الحج:
يلزمك أن تتم الحج، وذلك بأن ترجع إلى منى، وتبيت بها الليالي: الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة، ويلزمك أن ترمي الجمرات في أيام التشريق.
س 1516: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة طلقها زوجها بعدما تلبست بالإحرام وهو محرم، هل تتم نسكها أم تعود وتعتبر محصرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تعود، لأنه إذا طلق الإنسان زوجته الطلقة الأولى أو الثانية فهو محرم لها يجوز أن تتجمل له وأن تتزين له، وأن تفعل المغريات التي توجب أن يراجعها، ولهذا قال
الله عز وجل في الرجعيات: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) . كثير من(23/453)
الناس اليوم مع الأسف إذا طلق زوجته يطردها من البيت مباشرة وهذا حرام عليه، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، وكثير من النساء إذا طلقت ذهبت إلى أهلها، وهذا. حرام عليها (وَلَا يَخْرُجْنَ) ثم قال تعالى في آخر الآية: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) . إذن المطلقة الرجعية تبقى في بيت زوجها تتجمل له وتتطيب وتفعل جميع المغريات لرجوعها إلى زوجها.
وبالنسبة لهذه المرأة التي طلقها زوجها وهو محرمها نقول: إذا كان الطلاق الأول أو الثاني فهو محرم لها، وإذا كان الثالث فليس بمحرم، ولكن تمضي في حجها معه للضرورة.
س 1517: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أحرم بالعمرة وعلى مشارف مكة تعرض لحادث مروري وتم نقله إلى المستشفى، حيث تعرض لإصابات، ولم يتمكن من أداء العمرة، فماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشكلة أن هذا قد وقع فما أدري ماذا صنع الرجل؟ ولنقل: إن الرجل تحلل، وألغي العمرة فالواجب غليه هدي، كما قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ)
يعنى منعتم عن إتمامهما (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعلى هذا الرجل الآن أن يذبح في مكة هدياً يفرقه على الفقراء.
س 1518: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لما كان الحريق في منى هذا العام 1417 هـ ترك بعض الناس الحج وعاد إلى أهله قبل أن يكمل حجه، وظن أنه يكفيه أن يذبح دما ويكفي عن الحج، فما(23/454)
حكم هذا العمل، وهل يعذرون لأجل ما أصابهم من الروع والذعر؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما أكثر العلماء فيرى أنه لا عذر لهم، وأنهم يبقون على إحرامهم، ولا يتحللون منه، فلا يحل لهم جميع محظورات الإحرام، ثم إن تمكنوا من الرجوع قبل فوات الوقوف بعرفة وجب عليهم الرجوع، وإن لم يتمكنوا وفاتهم الوقوف، وجب عليهم أن يأتوا إلى مكة ويحلوا إحرامهم بعمرة، يعنى يأتون إلى مكة ويطوفون ويسعون ويقصرون، ثم يحلون ويذبحون هديًا وعليهم الحج من العام القادم؛ لأنهم فرطوا، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم. ومن العلماء من يقول: يجوز التحلل بالحصر بالخوف أو مرض، أو كسر، أو ما أشبه ذلك، وبناء على هذا القول نقول لهؤلاء: إذا اضطروا إلى التحلل من أجل الذعر والخوف، فيذبحوا هدياً في مكة ويتحللوا نهائياً، ولا يلزمهم
القضاء في المستقبل إلا أن تكون هذه الحجة حجة الإسلام.
س 1519: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج وحصل بينه وبين صاحب الحملة نقاش وكان محرماً فرجع وحل إحرامه فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول هذا السائل: اعلم أنك تعتبر محرماً الآن، فعليك أن تبادر بخلع الثياب، ولبس ثياب الإحرام وتذهب إلى مكة، وتأتي بالعمرة يعنى تطوف وتسعى وتقصر، ثم عليك أن تحج من العام القادم. وعليك الهدي، لأنك تحللت بلا(23/455)
عذر. وأنصحك ومن يسمع إذا وقع عليكم مشكلة فاسألوا العلماء من حينها، فلو أنك في ذاك الوقت سألت العلماء: هل يجوز لك أن تتحلل لمجرد الخصومة بينك وبين صاحبك؟! لكانت المسألة سهلة، فنصيحتي لك ولغيرك أنه إذا وقعت إشكالات في العبادة أن تبادر بالسؤال عنها.
س 1520: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من وجد مخيمه قد احترق في اليوم الثالث وقد اشترط فهل يجوز له أن يتحلل من إحرامه؟
فأجاب فضيلته بقوله: اسأل إذا احترقت الخيمة فهل هذا حابس يمنع من إتمام النسك؟ ما يمنع، فإذا احترقت الخيمة بدلها خيمة وإذا لم يتمكن من البقاء في هذا المكان بحث عن مكان آخر، فهذا لا يعتبر من الحابس، أما لو أصيب وعجز أن يكمل فهو حابس، والذين احترقت خيامهم ولم يمنعهم من إتمام النسك إلا الاحتراق، فليس لهم عذر في الواقع، فهم كالذين تكلمنا عنهم قبل قليل.
س 1521: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أحرم الصبي بالحج أو العمرة ولم يكمل حجه أو عمرته وهو لم يشترط فهل على وليه شيء؟ وسائل يقول: فتاة لم تبلغ ولبست الإحرام للعمرة وعندما وصلت مطار جدة كانت متعبة لمرض ألم بها ففسخت الإحرام ولم تعتمر من عامها ذلك فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس إذا أحرم الصبي أو الصبية(23/456)
التي لم تبلغ، فإذا أحرم الصبي بالعمرة أو الحج وقال: إنه هو، أو رأى وليه أنه يتعب ويشق عليه ففسخ الإحرام فلا حرج في ذلك؛ لأن الصبي غير مكلف، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رفع القلم عن ثلاثة" وذكر منهم "الصغير حتى يبلغ " (1) كما إنه إذا شرع في الصلاة ثم
خرج منها لم يأثم وقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) إنما يوجه الخطاب للمكلف، أما غير المكلف فلا يتوجه إليه الخطاب على سبيل الإلزام، وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة- رحمه الله-
وصاحب الفروع- رحمه الله- تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيه توسعة على الناس في الواقع؛ لأنه أحياناً مع الزحام والحر والمشقة يتعب الصبي ويصرخ ويصيح، وربما يمزق إحرامه، فكونه يلزم
هذا الصغير وهو غير مكلف لا يجب عليه الحج، ولا يتوجه إليه الخطاب إلزاماً بدون دليل قطعي أو ظني غالب، يكون في نفوسنا شيء، وما دامت المسألة ليس فيها دليل من القرآن، أو السنة،
وليس فيها إجماع فإن القول الراجح أنه لا يلزمه إتمام النسك.
س 1522: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا فعل الصبي محظوراً يوجب الفدية فهل على وليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أنه لا شيء فيه، لأن عمد الصبي خطأ، والخطأ لا يجب فيه الفدية، وبما أن هذا الصبي لا يأثم فإنه لا فدية عليه، فإذا قدر أن هذا الصبي حلق رأسه، أو فعل أي محظور
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (1/140) والحاكم (4/389) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3512) .(23/457)
فليس عليه شيء، فقط يلزم وليه أن يعلمه، ويبين له أن هذا الشيء غير جائز.
س 1523: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أحرم بالعمرة وطاف ولم يكمل السعي ولبس ثيابه فماذا عليه؟ وآخر يقول: رجل أحرم هو وزوجته بالعمرة فلما طافوا بعض الأشواط
قطعوا العمرة وذهبوا ولبسوا ثيابهم ولم يرجعوا إلا بعد أيام بسبب الزحام فما هي القاعدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: القاعدة أن الحج والعمرة إذا شرع فيهما الإنسان وجب عليه إتمامهما، لقول الله تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فلا يحل له أن
يقطعهما، حتى ولو كان زحاماً، وعليه أن ينتظر حتى يخف الزحام، ثم يكمل العمرة، فهؤلاء الذين قطعوا عمرتهم نقول الحكم فيهمِ:
أولاً: أنهم آثمون، إلا أن يكونوا جاهلين فلا إثم عليهم.
ثانياً: أنهم لا يزالون في إحرامهم حتى ولو خلعوا ملابس الإحرام ولبسوا الثياب العادية، فهم لا يزالون في إحرام، فيجب على الرجل أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام.
ثالثاً: أنه يلزمهم الآن أن يرجعوا إلى مكة ليتموا عمرتهم، فإذا كانوا طافوا، ولكن لم يسعوا، نقول: بقي عليكم السعي، وإن كانوا طافوا بعض الأشواط ثم خرجوا، نقول: أعيدوا الطواف من أوله، وإذا كانوا سعوا بعض الأشواط، فنقول: ارجعوا فابدؤوا(23/458)
السعي من أوله.
وإنه يؤسفنا أن هذا واقع كثير من الناس في هذا العام، لما رأوا الزحام تركوا الإكمال، وذهبوا إلى أهلهم، وربما يكون الإنسان قد وطئ زوجته في هذه المدة، وربما يكون قد تزوج، وإذا كان قد تزوج فإن عقد النكاح غير صحيح؛ لأنه ما زال محرماً، والمحرم لا يصح عقد النكاح له، فإذا قدر أنه عقد قلنا: أمسك، لا تأتي أهلك حتى تذهب وتكمل العمرة، ثم أعد العقد من جديد.
س 1524: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل سار من الميقات إلى مكة حاجاً ولما وصل إلى مركز التفتيش بين مكة وجدة منعوا دخوله مكة، لأنه لم يكن معه بطاقة للحج فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً لا نشير على الإنسان أن يخاطر ويحج وليس معه بطاقة، بل إذا لم يكن معه بطاقة فمعناه إنه قد حج أولاً، ويكفي الباقي تطوع، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا المانع
لحججت، فإنه يرجى أن يكتب لك أجر الحج؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من تمنى الشهادة بصدق رزق أجرها ولو مات على فراشه، أو نال أجر الشهيد ولو مات على فراشه (1) فأنت إذا علمت أن السلطات سوف تمنعك أصلاً فلا تسافر، أديت الفريضة والحمد لله، لكن على فرض أن الإنسان لم يعلم بهذا، وذهب وأحرم، ثم منع فإنه يذبح هدياً في مكان منعه، لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى (رقم 1909)(23/459)
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ويتحلل ويرجع.
س 1525: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل قام بأداء العمرة قبل ثماني سنوات أثناء الطواف أحس بتعب شديد وإعياء ولم يستطع إكمال العمرة وتحلل ولبس ملابسه وخرج من مكة فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: من مدة ثماني سنوات -سبحان الله- منذ سنوات ما سأل عن دينه، لو ضاعت له شاة عرجاء لذهب يطلبها في الليل، وهذا الدين لا يسأل عنه إلا بعد ثماني سنوات،
فانظر إلى التفريط. هذا الرجل يلزمه على قول بعض العلماء أن يلبس الآن ثياب الإحرام، ويذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ولابد، وإن كان قد جامع في أثناء هذا فإنها فسدت عمرته، فيكلمها، ويأتي بعمرة جديدة قضاء لما فسد، وأن كان قد تزوج بعد ذلك يعنى بعد أن ألغى العمرة فنكاحه فاسد، يجب أن يتجنب زوجته، وأن يجدد العقد من جديد بعد أن يقضي العمرة، وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله-.
وعند أصحابه قول آخر: أن الإنسان إذا عجز عن إكمال النسك لمرض، وليس لتعب؛ لأن التعب يمكنه أن يستريح، فإذا كان لمرض فإنه يتحلل، ولكن عليه هدي، لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فاسأل الرجل: هل تعبه هذا أدى إلى مرضه بحيث لا يستطيع أن يكمل العمرة لو استراح، أو لا؟ إذا كان يستطيع فمعناه لا زال في عمرته فليذهب ويكمل عمرته،(23/460)
ولكن المحظورات التي فعلها على القول الراجح لا تضره؛ لأنه جاهل إلا مسألة الزواج، فإنه يجب عليه- إذا تزوج في هذه المدة- أن يجدد العقد، إذن الخلاصة: الذي نرى أنه إن كان هذا التعب
أدى إلى مرض لا يستطيع معه أن يكمل فهذا ليس عليه إلا الهدي: هدي الإحصار، وإلا فإنه لا يزال محرماً الآن، ويجب عليه أن يذهب محرماً من بلده من بيته الآن ويكمل العمرة، وليس عليه شيء فيما فعل من المحظورات؛ لأنه جاهل، وإن كان قد عقد النكاح في هذه المدة فعليه أن يجتنب زوجته حتى يتم العمرة فيعقد له من جديد.
س 1526: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج ووقف عرفة ثم منعه صاحب العمل من إكمال المناسك وقال: حجك تم ما دام وقفت بعرفة، خلاص ما يحتاج تكمل النسك فهل حجه تام؟ وماذا يلزمه الآن ونحن في أيام الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: باقي عليه الطواف والسعي، إذا لم يكن قارناً، أو مفرداً سعى مع طواف القدوم، وباقي عليه المبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، ورمى الجمار وطواف الوداع، يلزم صاحب العمل أن يأذن له بالبقية، ولا يجوز أن يقول: تحلل الآن خلاص، ولو قال ذلك فله الحق أن يمتنع ويرفع الأمر إلى الجهات المسئولة.
س 1527: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا أحرم الإنسان ونوى العمرة ولكن الظروف لم تسمح لضيق الوقت فهل عليه شيء في ذلك؟(23/461)
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: قول السائل: (ولكن الظروف لم تسمح) إن كان يقصد أنه لم يحصل له وقت يتمكن فيه مما أراد فلا بأس به، وإن يقصد أن للظروف تأثيرًا فإنه لا يجوز.
وأما ما سأل عنه فالإنسان إذا أحرم بالعمرة وجب عليه إتمامها، لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) حتى لو كانت نافلة، وهذا من خصائص الحج أن الإنسان إذا شرع فيه يجب عليه
أن يتمه ومثله العمرة، ولكن إذا أحصر بأن حصل له مانع لا يتمكن من إتمام العمرة فإنه يتحلل، لكن إن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه أن محله حيث حبس، فإنه يتحلل ولا شيء عليه، وفي هذه الحال التي يتوقع الإنسان فيها أنه لا يحصل له إتمام نسكه، ينبغي له أن يشترط عند الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حسبتني، لأجل إذا حصل الحادث تحلل ولا شيء عليه، أما إذا كان حصل له عذر قاهر لا يتمكن معه من إتمام العمرة ولم يشترط أن محله حيث حبس، فإنه في هذه الحال يتحلل وعليه دم، لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) بعد قوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعلى هذا نقول: تتحلل بالنحر والحلق.
س 1528: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من أصيب بمرض يوم عرفة وهو في حج؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان قد اشترط إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، حل ولاشيء عليه، وإلا لزمه أن يبقى على(23/462)
الحج حتى ينتهي، وإذا خشي مشقة كبيرة ولم يتمكن من إتمامه فالصحيح أنه يكون كالمحصر بالعدو، بمعنى أنه يتحلل ويذبح هدياً إن تيسر له، ويحج من العام القادم إذا كان حجه فرضاً.
***
تم بحمد الله تعالى
المجلد الثالث والعشرون
ويليه بمشيئة الله عز وجل
المجلد الرابع والعشرون.(23/463)
س 1529: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين: المنافع التي يشهدها المسلمون في الحج منافع كثيرة منافع دينية، ومنافع إجتماعية، ومنافع دنيوية.
وأما منافع الدينية: فهي ما يقوم به الحجاج من أداء المناسك، وما يحصل من التعليم والتوجيه من العلماء من هنا ومن هناك، وما يحصل كذلك من الإنفاق في الحج، فإنه من الإنفاق في سبيل الله عز وجل.
وأما المنافع الإجتماعية: فهي ما يحصل من تعارف الناس بينهم، وأئتلاف قلوبهم، واكتساب بعضهم من أخلاق بعض، وحسن المعاملة والتربية بعضهم البعض، كما هو مشاهد لكل لبيب تأمل ذلك.
وأما الفوائد الدنيوية: فما يحصل من المكاسب لأصحاب السيارات وغيرها مما يستأجر لأداء الحج، وكذلك ما يحصل للحجاج من التجارة التي يوردونها معهم ويستوردونها من مكة وغير هذا من المنافع العظيمة، ولهذا قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فأتى فيها بالجمع الذي هو صيغة منتهى الجموع،(24/7)
ولكن مع الأسف الشديد أن الحج في هذه الأزمنة عند كثير من الناس لا يستفاد منه هذه الفوائد العظيمة، بل كأن الحج أفعال وأقوال جرداء، ليس فيها إلا مجرد الصور فقط، ولهذا لا تكسب
القلب خشوعًا، ولا تكسب ألفة بين المؤمنين، ولا تعلمًا لأمور دينهم، بل ربما يكره بعضهم أن يسمع كلمة وعظ من ناصح لهم، بل ربما يكون مع بعضهم سوء نية في دعوة الناس إلى الباطل، إما
بالمقال، وإما بالفعال بتوزيع النشرات المضلة الفاسدة وهذا لا شك أنه مما يحزن، ومما يجعل هذا الحج خارجًا عن نطاقه الشرعي الذي شرع من أجله، لذا أنصح أخواني الحجاج بما يلي:
أولاً: إخلاص النية لله تعالى في الحج، بأن لا يقصدوا من حجهم إلا الوصول إلى ثواب الله تعالى ودار كرامته.
ثانياً: الحرص التام على اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لتأخذوا عني مناسككم " (1) .
ثالثاً: الحرص التام على التألف والتقارب بين المسلمين، وتعريف بعضهم بعضاً بما ينبغي أن يعرفوه من مشاكل دينية واجتماعية وغيرها.
رابعاً: الرفق بالحجاج عند المشاعر، وعند الطواف، وعند السعي وعند رمي الجمرات، وعند الدفع من مزدلفة ومن عرفة وغير ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .(24/8)
خامساً: الحرص على أداء المناسك بهدوء وطمأنينة، وألا يكون الواحد كأنما أتى ليقابل جيشاً، أو جندياً محارباً، ويظهر ذلك عند رمي الجمرات فإن بعض الناس تجدهم مقبلين إلى الجمرات والواحد منهم ممتلىء غضباً وحنقاً، وربما يتكلم بكلمات نابية لا تليق بغير هذا الموضع فكيف بهذا الموضع؟!.
سادساً: أن يبتعد كل البعد عن الإيذاء الحسي، والمعنوي بمعنى أنه يجتنب إلقاء القاذورات في الطرقات، وإلقاء القمامة في الطرقات وغير ذلك، الإيذاء المعنوي أن يتجنب شرب الدخان مثلاً بين أناس يكرهون ذلك، مع أن شرب الدخان محرم في حال الإحرام وغير حال الإحرام، وإذا وقع في الإحرام أنقص الإحرام وأنقص أجر الحج والعمرة؟ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) والدخان محرم، والإصرار عليه يؤدي إلى أن يكون كبيرة من الكبائر، فالمهم أن الإنسان ينبغي له في هذا الحج أن يكون على أكمل ما يكون من دين وخلق حتى يجد طعم وحلاوة هذا الحج.
س 1530: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يحتج كثير من شاربوا الدخان إذا نصحوا بان الله ابتلاهم به فما توجيهكم لمثل هؤلاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: شارب الدخان إذا نصح قال إن الله
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/9)
ابتلاه بهذا، هذا إقرار منه بأن الدخان بلوى وحرام، ولكن نقول هذا مردود عليه من القرآن والسنة، أما القرآن فقال الله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا) . (1) قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) فحجتهم باطلة بالقرآن. في السنة لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: "لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (2) . ونقول لهذا الرجل المبتلى بشرب الدخان اسأل الله العافية، اسأل الله العافية وجاهد نفسك بالامتناع عنه، وإن شيئاً فشيئاً قد لا يقدر الإنسان المبتلى بشرب الدخان الإقلاع عنه فوراً لكن شيئاً فشيئاً فإذا أقلعت عنه ابتغاء وجه الله ذقت بذلك حلاوة الإيمان فارتدت عليك الصحة ونشطت فحاول يا أخي أن تقلع عن الدخان، واعلم أنك إذا شربت الدخان وأنت محرم نقص حجك ونقصت عمرتك؛ لأن الله يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (3) وشرب الدخان فسوق.
س 1531: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 148.
(2) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: (وأما من بخل واستغنى) (رقم 4947) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (رقم 2647) .
(3) سورة البقرة، الآية: 197.(24/10)
"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (1) بعض المراجع من كتب الفقه تقول: إنه لا يغفر بالحج إلا الصغائر وتأخير الفروض عن أوقاتها، أما الكبائر فلا تغفر بالحج، والبعض الآخر يقول: يغفر
بالحج كل شيء حتى الكبائر لكن بشرط التوبة من الكبائر وسداد التبعات فما رأيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج المبرور هو الذي جمع عدة أوصاف:
الوصف الأول: أن يكون خالصاً لله عز وجل، بحيث لا يريد الإنسان بحجه ثناءً من الناس، أو استحقاق وصف معين يوصف به الحاج، أو شيئاً من الدنيا دون عمل الآخرة، أو ما أشبه ذلك.
الوصف الثاني: أن يكون متبعًا فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بحيث يأتي بالحج كما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أذن فيه، ودليل هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " خذوا عني مناسككم " (3) ومن ثم يتبين ضرورة الإنسان إذا أراد الحج إلى أن يقرأ مناسك الحج قبل أن يحج حتى يحج على بصيرة وبرهان، وإذا كان لا يستطيع القرأة فليشتر ما يستمع إليه من أشرطة من علماء
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها (رقم 1773) ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة يوم عرفة (رقم 1349) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأكام الباطلة (1718) (18) .
(3) تقدم تخريجه ص (8) .(24/11)
موثوق بهم وإن لم يتيسر ذلك فليسأل علماء بلده كيف يحج، ولا أظن العلماء يقصرون في بيان ذلك عند سؤالهم عنه.
الوصف الثالث: أن يكون من نفقات طيبة، أي من كسب طيب؟ لأن الكسب الخبيث خبيث؟ فليتحرى الإنسان أن تكون نفقاته في الحج من كسب طيب، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا
طيبًا.
الوصف الرابع: أن يتجنب فيه المآثم سواءً كانت هذه المآثم، من خصائص الإحرام كمحظورات الإحرام، أو من المآثم العامة كالغيبة، والنميمة، والكذب وما أشبه ذلك، لقول الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) .
ومن هذا أن يتجنب أذية الناس بالمزاحمة عند الطواف، أو السعي، أو الجمرات، أو غير ذلك؛ لأن أذية الناس من الأمور المحرمة قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)) (2) فلا يجوز أن يأتي لرمي الجمرات بانفعال وغضب وشد عضلات، وكأن بني آدم الذين أمامه خراف لا يهتم بهم، فإن هذا مما ينافي أن يكون الحج
مبروراً.
ومن ذلك أي مما يشترط للحج أن يكون مبروراً أن يتجنب
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 58.(24/12)
شرب الدخان؛ لأن شرب الدخان محرم كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة العامة، وإذا كان محرمًا كان الإصرار عليه كبيرة من كبائر الذنوب، ولو أن الحجاج تجنبوا شرب الدخان في مواسم الحج، لاعتادت أبدانهم على تركه، ثم من الله عليهم بالإقلاع عنه إقلاعاً تاماً.
فالحج المبرور قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس له جزاء إلا الجنة" (1) وهذا لا يقتضي أن يغفر للإنسان التبعات التي لبني آدم، فالتبعات التي لبني آدم لابد من إيصالها إليهم، فمن أخذ مالاً للناس وحج - وإن حج بغير هذا المال الذي أخذه وإن أتقن حجه تماماً في الإخلاص والمتابعة- فإنه لا يغفر له الذنب، حتى يرد الحق إلى أهله، وإذا كانت الشهادة في سبيل الله، وهي من أفضل الأعمال (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (2) (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (3) إذا كانت الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين، فالحج من باب أولى، ولهذا نقول: إذا كان على الإنسان دين فلا يحج حتى يقضي هذا الدين، إلا إذا كان ديناً مؤجلاً وهو واثق من قضائه إذا حل الأجل، فهنا لا بأس أن يحج، أما إذا كان الدين حالاً غير مؤجل، أو كان مؤجلاً لكنه لا يثق من نفسه أن يوفيه عند أجله فلا يحج، وليجعل المال الذي يريد الحج به وفاءً للدين، وبهذا علم أن الحج المبرور لا يسقط حقوق
__________
(1) تقدم تخريجه ص (11) .
(2) سورة الحديد، الآية: 19.
(3) سورة آل عمران، الآية: 169.(24/13)
الآدميين، بل لابد من إيصالها إليهم إما بوفاء أو إبراء.
س 1532: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم فيمن يصطحب معه آلات اللهو المحرمة في الذهاب إلى الحج أو العمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: اصطحاب الآلات المحرمة إذا استعملها الإنسان لا شك أنه على معصية، والإصرار على المعصية كبيرة، وإذا استعملت حين تلبسه بالإحرام بالعمرة أو بالحج كان
ذلك أشد إثماً لقول الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) فعلى الإنسان المسلم أن يتجنب كل ما حرم الله عليه لا في الذهاب إلى الحج ولا في الرجوع منه ولا في التلبس به.
س 1533: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل ما يفعله الحاج من المعاصي ينقص من أجر الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعصية مطلقاً تنقص من ثواب الحج لقول الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) بل إن بعض أهل العلم قال: إن المعصية في الحج تفسد الحج؛ لأنه منهي عنها في الحج، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة، (أن التحريم إذا لم يكن خاصا بالعبادة فإنه لا يبطلها) والمعاصي ليست خاصة بالإحرام إذ المعاصي حرام في
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/14)
الإحرام وغير الإحرام، وهذا هو الصواب وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج، ولكنها تنقص الحج.
س 1534: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أول من حج البيت الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الأرزقي في تاريخ مكة أن آدم عليه الصلاة والسلام حج البيت الحرام، والله أعلم.
س 1535: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لماذا سميت الكعبة ببيت الله الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين: سميت الكعبة بيت الله؛ لأنها محل تعظيم الله عز وجل، فإن الناس يقصدونها من كل مكان ليؤدوا الفريضة التي فرضها الله عليهم، ولأن الناس يستقبلونها في صلواتهم في كل مكان ليؤدوا شرطاً من شروط صحة الصلاة، كما قال الله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (1) .
وأضافها الله إليه تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لها، فإن المضاف إلى الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون صفة من صفاته، وإما أن يكون خلقاً من مخلوقاته، فإن كانت صفة من
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 144.(24/15)
صفاته فإنما أضيف إليه لأنه قائم به، والله عز وجل متصف به، كسمع الله وبصره، وعلمه، وقدرته، وكلامه وغير ذلك من صفات الله عز وجل، وإن كان مخلوقاً من مخلوقاته فإنما يضاف إلى الله عز
وجل من باب التكريم والتشريف والتعظيم، وقد أضاف الله تعالى الكعبة إلى نفسه في قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) (1) وأضاف المساجد إليه في قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (2) وقد يضيف الله تعالى الشيء إلى نفسه من مخلوقاته لبيان عموم ملكه كما في قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (3) .
وخلاصة الجواب أن نقول: إن الله أضاف الكعبة إلى نفسه تشريفاً وتعظيمًا وتكريمًا لها، ولا يظن ظان أن الله أضاف الكعبة إلى نفسه لأنها محله الذي هو فيه، فإن هذا ممتنع عن الله عز وجل فهو
سبحانه وتعالى محيط بكل شيء ولا يحيط به شيء من مخلوقاته بل (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (4) وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (5) وهو سبحانه وتعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه، ولا يمكن أن يكون حالا في شيء من مخلوقاته أبداً.
__________
(1) سورة الحج، الآية: 26.
(2) سورة البقرة، الآية: 114.
(3) سورة الجاثية، الآية: 13.
(4) سورة البقرة، الآية: 255.
(5) سورة الزمر، الآية: 67.(24/16)
س 1536: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من الذي بنى الكعبة، ومن الذي رفع قواعدها؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال الله تبارك وتعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (1) فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي بنى الكعبة ورفع قواعدها بمشاركة ابنه إسماعيل عليهما الصلاة والتسليم، وقد جاء في بعض الآثار أن الكعبة بنيت في عهد آدم عليه الصلاة والسلام، ولكنها اندثرت وتهدمت ثم جدد إبراهيم بناءها والله أعلم.
وأما لمَ سميت كعبة فلأنها بناء مربع، وكل بناء مربع له أركان أربعة يمسى كعبة، وقد أضاف الله تعالى هذا البيت إلى نفسه، فقال جل وعلا: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)) (2) وفرض الله سبحانه وتعالى على عباده أن يتوجهوا إليه في صلواتهم، وفرض أن يحجوا إليه مرة في العمر.
س 1537: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صحة هذا الحديث: إن لله في كل يوم وليلة مائة وعشرين رحمة تنزل على هذا البيت، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين
إليها أي إلى الكعبة؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 127.
(2) سورة الحج، الآية: 26.(24/17)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والنظر إلى الكعبة ليس بعبادة، بل النظر إلى الكعبة إن قصد الإنسان بذلك أن يتأمل هذا البناء المعظم الذي
فرض الله على عباده أن يحجوا إليه، وازداد بهذا التفكير إيماناً فهو مطلوب من هذه الناحية، وأما مجرد النظر فليس بعبادة، وبهذا يتبين ضعف قول من يقول: إن المصلي يسن له إذا كان يشاهد
الكعبة أن ينظر إليها دون أن ينظر إلى موضع سجوده، فإن هذا القول ضعيف لأنه ليس عليه دليل، ولأن الناظر إلى الكعبة والناس يطوفون حولها لابد أن ينشغل قلبه، والسنة للمصلي أن ينظر إلى
موضع سجوده، إلا في حال التشهد فإنه ينظر إلى موضع إشارته، أي إلى إصبعه وهو يشير به، وكذلك الجلوس بين السجدتين فإنه يشير بإصبعه عند الدعاء فينظر إليه.
س 1538: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحجاج يأتون إلى مكة في وقت مبكر وكل يوم ينزلون إلى المسجد الحرام للطواف والجلوس فيه مما يحدث زحمة في الحرم لكثرة القادمين
للحج فهل هذا من السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من السنة للحاج أن يكثر الطواف بالبيت، والسنة في حقه أن يتبع في ذلك هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع قدم إلى مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة،(24/18)
وطاف طواف القدوم، ثم طاف طواف الإفاضة يوم العيد، ثم طاف طواف الوداع صبيحة اليوم الرابع عشر، ولم يطف بالكعبة إلا ثلاث مرات، وكل هذه الأطوفة أطوفة نسك لابد منها، فعمل بعض الناس الآن بترددهم على البيت في أيام الحج هذا ليس مشروعاً، وقد أقول: إنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى الأجر؛ لأنهم يضيقون المكان على من يؤدون مناسك الحج والعمرة، وليس ذلك من الأمور المشروعة فيحصل في فعلهم هذا أذية بدون قصد مشروع، فينبغي للمسلم أن يكون عابد لله تعالى بحسب الهدى لا بحسب الهوى، فالعبادة طريق مشروع من قبل الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وليس الطريق المشروع بحسب ما تهواه، وما أكثر المحبين للخير الذين يعبدون
الله تعالى بأهوائهم، ولا يتبعون في ذلك ما جاء في شرع الله، وهذا شيء كثير في الحج وفي غيره، ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يعود نفسه على التعبد بما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولو ذهبنا نضرب لذلك أمثلة لكثرت لكن لا بأس أن نذكر بعض الأمثلة:
بعض الناس إذا جاءوا والإمام راكع تجده يسرع لإدراك الركعة، وهذا خلاف المشروع، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "فأمشوا عليكم السكينة" (1) وقال لأبي بكرة- رضي الله عنه- "لا تعد" (2) لما أسرع، وهنالك أيضاً أن بعض الناس في الطواف
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة (رقم 908) ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة (رقم 602) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف (رقم 783) .(24/19)
يبدؤون من قبل الحجر الأسود يقولون: نفعل هذا احتياطاً، ولكن الاحتياط حقيقة هو في اتباع السنة، فالمشروع أن يبدءوا من الحجر نفسه، وأن ينتهوا أيضاً بالحجر نفسه والذي أدعو إليه إخواننا المسلمين أن يكونوا في هذا العمل وغيره متبعين للسنة، ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يتسحر في يوم الصيام يمسك عن الأكل والشرب قبل الفجر معتقداً أن ذلك واجب عليه، حتى إن في بعض المواقيت يكتبون: (وقت الإمساك، وقت الفجر) فيجعلون وقتين: وقتًا للإمساك، ووقتًا للفجر، وهذا أيضاً خلاف المشروع فإن الله تعالى يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (1) وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "كلوا وأشربوا حتى تسمعوا أذان أبن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" فلا (2) وجه لكون الإنسان يحتاط فيمسك قبل طلوع الفجر، وإنما السنة أن يكون كما أمر الله تعالى وكما أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد نبه النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الاحتياط للعبادة بتقدمها أمر ليس بالمشروع ولا بمحبوب إلى الله عز وجل في قوله - صلى الله عليه وسلم -، "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه " (3) فهذه ثلاثة أمثلة في الصلاة، وفي الحج، وفي الصيام.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 187.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمي ... (617) ، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (1091) (38) .
(3) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين (رقم 1914) ومسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (رقم 1082) .(24/20)
س 1539: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من يبيع ويشتري ويكتسب وهو يؤدي الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: جواب هذا السؤال بينه الله عز وجل في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) (1) فإذا كان الإنسان قد أتى بنية الحج، ولكنه حمل معه سلعة يبيعها في
الموسم، أو اشترى سلعة من الموسم لبيعها في بلده، فإن هذا لا بأس به، ما دام القصد الأول هو الحج أو العمرة، وهو من توسيع الله عز وجل على عباده، لم ينههم جل وعلا ويمنعهم من الاتجار
والتكسب، ومثل ذلك إذا كان الإنسان صاحب سيارة وأراد أن يحج ثم حمل عليها أناس بالأجرة فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه، ويدخل في عموم قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) .
س 1540: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الجن قد آمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضاً هل الحج مفروض عليهم وإن كان كذلك فأين يحجون؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله سبحانه وتعالى، وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 198.(24/21)
سورة الجن حيث قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)) (1) وقالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)) وقد (2) صرف الله نفراً من الجن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعوا القرآن وآمنوا به، وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)) (3) وهذا يدل على أن الجن كانوا مؤمنين بالرسل السابقين وأنهم يعلمون كتبهم لقولهم: (كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)) وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أكرم وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة فهي علف لدوابكم " (4) ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث وقال: "إن العظام زاد إخوانكم من الجن " (5) ،
__________
(1) سورة الجن، الآية: 11.
(2) سورة الجن، الآيتان: 14- 15.
(3) سورة الأحقاف، الآيات: 29- 31.
(4) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن (رقم 450)
(5) انظر: الحديث السابق.(24/22)
والظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة.
وحجهم يكون كحج الإنس زمناً ومكاناً، وإن كانو قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الأنس.
س 1541: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من باب المحبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد الصحابة- رضي الله عنهم- هل يجوز للإنسان أن يحج عنهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الصحابة- رضي الله عنهم- فلا بأس أن يحج الإنسان عنهم كما يحج عن أي مسلم، لكن مع ذلك نرى أن الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة، حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما، إذا لم يكن فرضاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) ولم يقل عليه الصلاة والسلام: (يحج عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يصوم عنه، ولا يزكي، ولا يحج) بل قال: "ولد صالح
يدعو له" وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء، والأموات من
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631)(24/23)
الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! لا والله لا نظن، بل نظن ونعتقد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات، ومع ذلك قال: "أو ولد صالح يدعو له ".
ثانياً: أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإهداء القرب له بنفسه من السفه من حيث العقل، ومن البدعة من حيث الدين، أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة- رضي الله عنهم- الذين شاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولازموه وأحبوه أكثر منا، ما كانوا يفعلون ثم نأتي نحن في آخر الدنيا ونهدي للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحج عنه، أو بالصدقة عنه هذا غلط من ناحية
شرعية، ومن الناحية العقلية هو سفه؛ لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مثله؛ لأن من دل على خير فله مثل فاعله، وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا يعني أنك حرمت نفسك فقط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك، له مثل أجرك سواء أعطيته أم لم تعطه، وأظن أن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع، وعلى ذلك أنكرها العلماء، وقالوا: لا وجه لها، وإذا كنت صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأرجو أن تكون صادقاً- فعليك باتباعه وأتباع سنته وهديه، كن وأنت تتوضأ كأنما تشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ أمامك، وكذلك في الصلاة وغيرها حتى تحقق المتابعة ولست أقول (أمامك) أنه عندك في البيت هذا لا أقوله، لكن المعنى
من شدة اتباعك له كأنه أمامك يتوضأ، ولهذا أوجه الآن إلى نقطة(24/24)
مهمة، نحن نتوضأ للصلاة- والحمد لله- عندما نتوضأ أكثر الأحيان وأكثر الناس لا يشعرون، إلا أنهم يؤدون شرطاً من شروط الصلاة لكن ينبغي أن يلاحظ.
أولاً: أن نشعر بأننا نمتثل أمر الله عز وجل حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (8)) (1) .
ثانياً: أن نشعر بأتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأننا توضأنا نحو وضوءه.
ثالثاً: أن نحتسب الأجر؛ لأن هذا الوضوء يكفر الله سبحانه وتعالى به كل خطيئة حصلت من هذه الأعضاء، الوجه إذا غسله آخر قطره يكفر بها عن الإنسان، وكذلك بقية الأعضاء، هذه ثلاثة أمور
غالباً لا نشعر بها إنما نعمل كأننا أدينا شرطاً من شروط الصلاة، فأسأل الله أن يعينني وأخواني المسلمين على ذلك حتى تكون العبادة طاعة لله تعالى واتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتساباً لثواب الله.
س 1542: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يريد أن يحج ومحمل عدة وصايا، وطلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة أومن المدينة مثل حجر أو ماء أو تراب أو ما شابه
ذلك فهل يلزمه أن يفي بها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.(24/25)
والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين: هذه الوصايا التي أشار إليها أن يأتي لمن أوصوه بتراب، أو ماء، أو أحجار من الحرم، لا يلزمه أن يفي بها، وله أن يردها عليهم، ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر لكان ذلك أولى وأجدر، فإذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم كان ذلك أولى وأجدر وأحسن.
وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، لأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية.
س 1543: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم السير في المشاعر المقدسة ورفع اليدين والأصوات إشادة بزعيم من الزعماء؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكمه أنه من الأمور المنكرة لأن هذه المشاعر ليست وسيلة لدعاية لشخص، أو لحكومة، أو لدولة وإنما هذه المشاعر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " (1) لا لإقامة ذكر فلان وفلان من الرؤساء، أو الزعماء، سواء كانوا زعماء دينيين، أو زعماء ذوي سلطان، فالواجب على الحجاج جميعاً أن يكون همهم وشأنهم في هذا المكان هو التعبد لله تبارك وتعالى، مع التداول فيما بينهم ولا سيما الزعماء منهم أمور المسلمين؛ لأن ذلك من المنافع
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك باب في الرمل (1888) والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء
في.. كيف يرمى بالجمار (902) وقال: حديث صحيح وصححه الحاكم (1/459) ووافقه الذهبي.(24/26)
التي قال الله تعالى فيها: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقد ظن بعض الناس أن المنافع التي تحصل في الحج مقدمة على ذكر الله في الحج لأن الله تعالى قدم ذكرها فقال (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وفي هذا نظر، بل إن قوله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) من جملة المنافع المشهودة في هذا المشعر، وعلى هذا فيكون عطفها على شهود المنافع، من باب عطف الخاص على العام، الدال على العناية به، فيكون ذكر الله تعالى أهم من هذه المنافع،
ولكن مع ذلك لا تهمل هذه المنافع التي تحصل بإجتماع المسلمين، وتعارفهم وتناصحهم، ودراسة أمورهم وشئوونهم، أما من اتخذ هذا دعاية لحاجة أو حكومة أو طائفة من الناس فإن هذا من المنكر الذي كما أشرنا إليه قبل يجعل هذا المذكور شريكاً مع الله تعالى في هذه المواطن.
س 1544: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كم في الحج من وقفات؟
فأجاب فضيلته بقوله: فيه ست وقفات: وقفة على الصفا، ووقفة على المروة، ووقفة في عرفة، ووقفة في مزدلفة، ووقفة بعد رمي الجمرة الأولى، ووقفة بعد رمي الجمرة الثانية في أيام التشريق.(24/27)
س 1545: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سمعت أن الحجاج رخص لهم في مشاهدة النساء من غير المحارم، والذي سمعت منه هذا الكلام روى لي دليلاً هو قصة الفضل- رضي الله عنه- مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1) فهل هذا فيه شيء من الصحة أثابكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس فيه شيء من الصحة، بل إن الواجب على الحاج أن يتحفظ من النظر أكثر من غيره، ولهذا لا يجوز للحاج أن يستمتع بزوجته مع أنها حلال لقوله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (2) والأبلغ من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التزوج في الحج، وعن الخطبة في الحج فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب " (3) فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن عقد النكاح الذي قد
يكون وسيلة إلى الاستمتاع بالزوجة، ونهى عن ما يكون وسيلة لعقد النكاح وهي الخطبة، فما بالك بالنظر والتمتع بالنظر ولا سيما إلى النساء الأجنبيات، فلا شك في تحريم النظر إلى النساء الأجنبيات في الحج وفي غير الحج، وأما قصة الفضل- رضي الله عنه- فإن فيها دليلاً على من استدل بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل الفضل ينظر إلى المرأة وتنظر إليه صرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه الفضل إلى
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (رقم 1218) .
(2) سورة البقرة، الآية: 197.
(3) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته (رقم 1409) .(24/28)
الشق الآخر، فدل هذا على أن النظر لا يجوز، وإلا لما صرف النبي - صلى الله عليه وسلم - شقه إلى الشق الآخر.
س 1546: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة ومسح الخدود عليها ولحسها باللسان ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج؟
فأجاب فضيلته بقوله: التقرب إلى الله تعالى بتلك الأعمال من البدع التي تضر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغاية ما ورد في مثل هذا الأمر هو الالتزام بحيث يضع الإنسان صدره وخده ويديه على الكعبة فيما بين الحجر الأسود والباب، لا في جميع جوانب الكعبة كما يفعله جهال الحجاج اليوم.
وأما اللحس باللسان أو التمسح بالكعبة ثم مسح الصدر به، أو الجسد فهذا بدعة بكل حال؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظر الحجاج إلى أن المقصود بسمح الحجر الأسود، والركن اليماني هو التعبد لله تعالى بمسحهما، لا التبرك بمسحهما، خلافاً لما يظنه الجهلة، حيث يظنون أن المقصود هو التبرك، ولهذا ترى بعضهم يمسح الركن اليماني، أو الحجر الأسود ثم يسمح بيده على صدره، أو على وجهه، أو على صدر طفله، أو على وجهه، وهذا ليس بمشروع وهو اعتقاد لا أصل له، ويدل على أن المقصود التعبد المحض دون(24/29)
التبرك، أن عمر- رضي الله عنه- قال وهو عند الحجر (إني لأعلم إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك) (1) .
وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أبين أن ما يفعله كثير من الجهلة، يتمسحون بجميع جدران الكعبة، وجميع أركانها فإن هذا لا أصل له، وهو بدعة ينهى عنه، ولما رأى عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- معاوية- رضي الله عنه- يستلم الأركان كلها أنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً. فأجابه ابن عباس: (لقد كان في رسول الله أسوة حسنة، وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح الركنين اليمانيين) (2) فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما فدل هذا على أن التعبد لله تعالى بمسح الكعبة أو مسح أركانها إنما هو عبادة يجب أن تتبع فيه آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط.
س 1547: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في الحرم المكي بعض الناس يتعلق بأستار الكعبة وجدارها ويظل على هذه الحالة مدة من الزمن فما الحكم في ذلك وكذلك بعض الناس يمسح الحجر الأسود بالدراهم تبركاً؟
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود (1097) ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (1270) .
(2) أخرجه بلفظ قريب البخاري، كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين (1608) .(24/30)
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: التعلق بأستار الكعبة أو إلصاق الصدر عليها، أو ما أشبه ذلك بدعة لا أصل له، فلم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه يفعلون ذلك، وغاية ما ورد الالتزام فيما بين باب الكعبة والحجر الأسود فقط، وأما بقية جهات
الكعبة وأركانها فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أنهم كانوا يلتزمون بها، أو يلصقون صدورهم بها، وكذلك ما ذكره السائل من أن بعض الحجاج يأخذ الدراهم ويمسح
بها على الحجر الأسود. فهو أيضاً بدعة لا أصل له، والحجر الأسود لا يتبرك بمسحه، وإنما يتعبد لله وتعالى بمسحه، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وهو يقبل الحجر
الأسود (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يقبلك ما قبلتك) (1) .
وليعلم أن العبادات مبناها على الاتباع لا على الذوق والابتداع، فليس كل ما عنّ للإنسان واستحسنه بقلبه يكون عبادة لله حتى يأتي سلطان من الله عز وجل على أن ذلك مما يحبه ويقرب
إليه، وقد أنكر الله تعالى على الذين يتعبدون بشرع لم يأمر به فقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (2) وثبت
__________
(1) تقدم تخريجه ص 30.
(2) سورة الشورى، الآية: 21.(24/31)
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) أي
مردود على صاحبه غير مقبول منه، وغاية ما نقول لهؤلاء الجهال: أنهم معذورون لجهلهم، غير مثابين على فعلهم؛ لأن هذا بدعة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: () كل بدعة ضلالة" (2) فنصيحتي لإخواننا الحجاج والعمار أن يعبدوا الله تعالى على بصيرة، وأن لا يتقربوا
إلى الله تعالى بما لم يشرعه، وأن يصطحبوا معهم مناسك الحج والعمرة التي ألفها علماء موثوق بعلمهم وأمانتهم، والواجب على الموجهين لهم- الذين يسمون المطوفين- الواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يتعلموا أحكام الحج والعمرة قبل أن يتصدروا لهدي الناس إليها، وإذا تعلموها فالواجب عليهم أن يحملوا الناس عليها أي على ما جاءت به السنة من مناسك الحج والعمرة، ليكونوا هداة مهتدين، دعاة إلى الله تعالى مصلحين، أما بقاء الوضع على ما هو عليه الآن من كون المطوفين لا يفعلون شيئاً يحصل به اتباع السنة وغاية ما عندهم أن يلقنوا الحجاج دعوات في كل شوط دون أن يهدوهم إلى مواضع النسك المشروعة محل نظر، ومن المعلوم أن تخصيص كل شوط بدعاء معين لا أصل له في السنة، بل هو بدعة نص على ذلك أهل العلم- رحمهم الله- فلم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جعل للشوط الأول دعاء خاصاً، وللثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وغاية ما ورد
__________
(1) تقدم تخريجه ص (11) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة الخطبة (رقم 867) .(24/32)
عنه التكبير عند الحجر الأسود، وقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) (1) بين الركن اليماني والحجر الأسود، وقد كان ابن عمر- رضي الله عنهما-
يقول في ابتداء طوافه: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
خلاصة الجواب على هذا السؤال: أنه لا يشرع للإنسان أن يتمسح بسترة الكعبة، أو بشيء من أركانها، أو بشيء من جهات جدرانها، أو يلصق صدره على ذلك، بل هذا بدعة لم يرد عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه- رضي الله عنهم- وغاية ما هنالك أنه ورد عنهم الالتزام، وموضعه بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وكذلك ما يتعلق بتقبيل الحجر الأسود واستلامه واستلام الركن اليماني، نسأل الله تعالى لنا ولأخواننا أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
س 1548: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنوي الحج هذه السنة ولما أخبرت أقاربي حملوني أمانات عديدة وطلبوا مني مطالب وكانت يسيرة لكنها كثرت ولا أستطيع تحقيقها كلها وأنا تحملت
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 201.(24/33)
لهم هذه الأمانات التي منها مجموعة أطوف لكل واحد منهم وهم كثير فهل يلزمه الوفاء بها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه أن يفعل، ولو وصوه بذلك، ولو تعهد به لهم؛ لأن هذا اختلف أهل العلم في كونه نافعاً لمن جعل له، هل يصل الثواب أو لا يصل؟ ثم إن فيه أيام المواسم مخالفة للسنة؛ لأن السنة ألا يزيد الإنسان في موسم الحج على أطوفه النسك وهي: الطواف أول ما يقدم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وعلى هذا فنقول: لا حرج عليك إذا لم تف لهم بهذه الوصايا التي أوصوك بها.
س 1549: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: مجموعة طلبوا مني أن اشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات مثل سجادة وكفن مغسول بماء زمزم، فما حكم الوفاء بتلك الطلبات؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما السجادات فإن كانوا أوصوك بها، لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص فلا حرج، وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تشترى
من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشتريها لهم بناءاً على هذا الاعتقاد.
وأما الكفن فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس وارداً عن النبي(24/34)
عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه- رضي الله عنهم- وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أهديت إليه جبة فسأله إياها رجل من الصحابة فلامه الناس وقالوا: كيف تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلاً؟! فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، كذلك طلب عبد الله بن عبد الله
بن أبي من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن أباه عبد الله بن أبي بقميص الرسول عليه
الصلاة والسلام ففعل، فهذه الأكفان كانت من لباس الرسول عليه الصلاة والسلام لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وإما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به.
س 1550: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الفرق بين طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الفرق بينها أن طواف القدوم إذا كان من القارن والمفرد سنة وليس بواجب، فلو تركه الحاج المفرد أو القارن فلا حرج عليه، ودليل ذلك أن عروة بن المضرس- رضي الله
عنه- وافق النبي - صلى الله عليه وسلم - في صباح يوم العيد وصلى معه في المزدلفة صلاة الصبح وأخبره أنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليل أو نهارا فقد تم حجه " (1) ، ولم يذكر له النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من يدرك عرفة (195) ، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع (891) ، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب من=(24/35)
طواف القدوم، وهذا يدل على أنه ليس بواجب.
أما إذا كان طواف القدوم للمعتمر فإنه ركن في العمرة سواء أكانت العمرة عمرة تمتع أو عمرة مفردة.
وأما طواف الإفاضة فإنه ركن في الحج، وهو الذي يكون من بعد الوقوف في عرفة، والوقوف في مزدلفة، ولا يتم الحج إلا به.
وأما طواف الوداع فهو واجب من واجبات الحج، وكذلك واجب من واجبات العمرة، لكنه ليس من ذات الحج ولا ذات العمرة، ولهذا لا يجب على من لم يغادر مكة، والفرق بين الطواف
الواجب والطواف الركن: أن طواف الركن لا يتم النسك إلا به، وأما طواف الواجب وهو طواف الوداع فإن النسك يتم بدونه، ولكن إذا تركه الإنسان فعليه ذبح شاة في مكة يوزعها على الفقراء، فصار الفرق كما يلي: طواف القدوم سنة إلا طواف المعتمر فإنه ركن في العمرة، طواف الإفاضة ركن في الحج لا يتم الحج إلا به، طواف الوداع واجب يتم النسك بدونه، ولكن في تركه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
س 1551: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يعمل في المملكة واستدعى زوجته لزيارته وبالفعل حضرت وكانت له مدة طويلة بعيداً عنها ووصلت في شهر رمضان وجامعها في نهار رمضان
__________
= أتى عرفة قبل فجر ليلة جمع (3016) ، وابن خزيمة (2820) والحاكم 1/463 وصححه الترمذي والحاكم.(24/36)
ولم يدر ما كفارة ذلك؟ وبعد ذلك بثلاثة أشهر أديا فريضة الحج فهل الحج صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة للحج فالحج صحيح؛ لأن عدم القيام بالكفارة لا يوجب فساده، وأما الكفارة فيجب عليه أن يكفر هو وزوجته إذا كانت مطاوعة، والكفارة عتق رقبة على كل
واحد، فإن لم يوجد فعلى كل واحد منهما أن يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فأطعم ستين مسكيناً إلا إذا كانت الزوجة مكرهة فإنه لا شيء عليها لا قضاء ولا كفارة، وكذلك لو كانت
مسافرة، وكذلك لو كانت الزوجة تظن أنه يجب عليها إجابة الزوج في هذه الحال فإنه ليس عليها قضاء ولا كفارة؛ لأنها جاهلة، وهنا يجب أن نعلم الفرق بين الجهل بالحكم وبين الجهل بما يترتب على الحكم، فالجهل بالحكم يعذر فيه الإنسان ولا يترتب على فعله شيء، والجهل بما يترتب على الفعل لا يسقط ما يجب فيه، فمثلاً إذا كان رجل قد جامع في نهار رمضان وهو يعلم أنه حرام، لكن لا يعلم أن فيه هذه الكفارة المغلظة، فإن الكفارة لا تسقط عنه ويجب أن يكفر، وأما إذا كان يظن أنه لا شيء فيه أي ليس فيه تحريم، فهذا ليس عليه شيء، ويدل لهذا قصة الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال ماذا علي؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكفارة، فهذا دليل على أن الرجل إذا جامع وهو يعلم أن الجماع(24/37)
حرام ولكن لا يدري ماذا عليه، فإن عليه الكفارة ولابد، فإذا كانت المرأة مكرهة، أو تظن أن طاعة الزوج واجبة في تلك الحال، أو المرأة حين قدومها مفطرة على أنها مسافرة، ثم جامعها زوجها
فليس عليها هي شيء؛ لأن القول الراجح أن المسافر إذا قدم مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك بل يبقى على فطره.
س 1552: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل أتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمرة الحديبية أم لم يتمها؟ وكم عمرة أعتمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما هي؟
فأجاب فضيلته بقوله: عمرة الحديبية لم يكملها النبي بحسب الأمر الواقع؛ لأن قريش صدوه عن المسجد الحرام، لكنه أتمها حكماً. لأنه ترك العمل عجزاً، ومن شرع بالعمل وتركه عجزاً
عنه كتب له أجره قال الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (1) .
وأما عُمْر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها كانت أربعاً: إحداها: عمرة الحديبية، والثانية: عمرة القضاء، التي قاضى عليها قريشاً فإن من جملة الشروط التي وقعت بينهم في الصلح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمر من العام القادم، وقد فعل عليه الصلاة والسلام "، والثالثة: عمرة
الجعرانة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رجع من غزوة حنين، والرابعة: العمرة التي في حجة الوداع، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً جامعاً بين الحج
__________
(1) سورة النساء، الآية: 100.(24/38)
والعمرة في إحرام واحد، فهذه أربع عمر أعتمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلها كانت في أشهر الحج، فعمرة الحديبية وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، كانت في ذي القعدة، وعمرته مع حجته كان الإحرام بها في آخر ذي القعدة وإتمامها في ذي الحجة لأن عمرة القارن تندرج في الحج أفعال الحج، ولهذا كان القول الراجح: أنه لا يلزم القارن طوافان وسعيان، وإنما يكفيه طواف واحد وسعي واحد، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطف إلا طوافاً واحداً، ولم يسع إلا سعياً واحداً، وأما طوافه حين قدم فهو طواف قدوم، وطوافه عند خروجه طواف وداع.
س 1553: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا كل سنة أسافر بصالون كبير ويمتلئ هذا الصالون من أفراد العائلة ومن الأقارب تذهب علينا الأيام في مشاعر الحج نقضيها بالمزاح واللعب
والضحك، وأحياناً قد يأتي كلمات نابية، وفي هذه السنة أود أن أسافر إلى الحج الأخرى أي أن أركب مع وسائل النقل الأخرى لكي لا أسافر مع من أسافر معهم كل سنة حتى أحج حجاً تطمئن إليه نفسي وأرتاح فيه وأقبل على الله سبحانه وتعالى، فأيهما الأحسن لي والأفضل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان يمكنك أن تسافر مع أهلك وتوجههم إلى ما فيه الخير، وإلى ترك اللغو من الكلام والرفث فهذا(24/39)
خير وأفضل، لما فيه من صلة الرحم والتقارب بين الأقارب واصلاح الأحوال، وإذا كان لا يمكنك إصلاح أحوالهم فإن الأفضل أن تختار لك جماعة من أهل العلم والدين وتسافر معهم إلى الحج ليكون حجكم أقرب إلى الصواب من غيره.
س 1554: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: اشتريت خيمتي وحزمت أمتعتي وأريد السفر للحج هذا العام لأكمل ما فعلته في الأعوام الماضية من المسيرة مع الصالحين لعل الله أن يرحمنا جميعاً
لكنني أريد أن أتزود بزاد في حجي هذا فما هو الزاد أثابكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول الله عز وجل: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (1) فخير الزاد أن تتقي الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، فتحرص على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، وتحرص على الصدق في أقوالك وأفعالك، وتحرص على النصيحة لإخوانك، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وعلى إعانة من يحتاج إلى عون بالمال، أو البدن، أو الجاه، وكذلك تتجنب ما نهى الله عنه من تأخير الصلاة عن أوقاتها، أو ترك صلاة الجماعة، أو الإخلال بشيء من واجباتها، أو الكذب، أو الغيبة، أو النميمة، أو الإساءة للخلق بالقول أو الفعل، تتجنب جميع ما حرم الله عليك، فالتقوى اسم جامع لفعل ما أمر الله به، وترك جميع ما نهى
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/40)
عنه، لأنها مشتقة من الوقاية، وهي أن يتخذ الإنسان وقاية له من عذاب الله ولا وقاية من عذاب الله، إلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
س 1555: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما يفعله كثير من الناس من حجز المكان في المسجد الحرام أو في غيره، يضع كرسي أو المصحف مثلاً على مكانه ويأتي بعد ست أو سبع ساعات ويحجز عن غيره من المسلمين الذين يأتون قبله، فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي نرى في حجز الأماكن في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد أنه إن حجز وهو في نفس المسجد، أو خرج من المسجد لعارض وسيرجع عن قرب فإنه لا بأس بذلك، لكن بشرط إذا اتصلت الصفوف يقوم إلى مكانه ولا يتخطى الرقاب.
وأما ما يفعله بعض الناس يحجز ويذهب إلى بيته وينام ويأكل ويشرب، أو إلى تجارته يبيع ويشتري، فهذا حرام ولا يجوز، هذا هو القول الصحيح في هذا المسألة، لكن قد يرد علينا مسألة الحجز في منى فإنه يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: ألا نبني بناء يعني في منى، فقال: "منى، مناخ من سبق " (1) فنقول: إذا حجز الناس في منى فأحجز، لأنه لو لم تفعل ما وجدت مكاناً، ولو أن الناس كلهم
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب تحريم حرم مكة (رقم 2019) والترمذي، كتاب الحج، باب منى مناخ من سبق (رقم 881) وقال: حسن صحيح.(24/41)
اتقوا الله عز وجل، وتركو الحجز، وصار من سبق فهو أحق، فهذا هو الخير، لكن الآن الأمر بالعكس، إلا أنه بحمد الله في ظني أن ما حصل أخيراً من الحملات التي تأخذ أرضاً بإذن المسئولين عن توزيع الأراضى هي أهون بكثير من الحجز؛ لأنه بذلك تكون البقاع منظمة، وكل إنسان يعرف مكانه.
س 1556: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يعمل عند شخص براتب شهري فلو ذهب لأداء فريضة الحج هل يستحق الراتب الشهري أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا حسب العرف أو الشرط الذي بينهما فإن كان العرف أنه يستحق وجب إعطاؤه، أو كان الشرط بينه وبين المستأجر أنه إذا حج أجرته ماضية فعلى ما اشترط.
س 1557: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عند بعض الناس خادمة فإذا أرادوا أن يحجوا أو يعتمروا أخذوها معهم بقصد الخير؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخادمة تابعة لأهل البيت، فإذا لم يكن عندها في البيت أحد إذا خرجوا للحج فإنهم يحجون بها؛ لأن حجها معهم أحفظ لها من بقاءها وحدها في البيت، وأحفظ لها مما لو جعلوها عند جيرانهم، أو عند أقاربهم، فمثل هذا يرخص به إن شاء الله، لأن سفرها معهم آمن من بقاءها.(24/42)
س 1558: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يتطلب المسلم المشقة في الحج لحديث "أجرك على قدر نصبك " (1) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على قدر نصبك " ولم يقل: (أتعبي فيها) والمعنى إذا تعبتي في العمرة وزاد عليك العمل فالأجر على قدر العمل، وعلى قدر التعب، فمثلاً: إنسان يذهب للمسجد ليصلي جماعة ويتعب بعض الشيء، وإنسان آخر يذهب بسهولة، فالأول يؤجر على مشقته، لكن لا نقول: اطلب الاشقاق على نفسك، بل إن طلب الاشقاق على النفس من الأمور المذمومة، ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو ابن العاص- رضي الله عنهما- أن يصوم كل الدهر، وأن يقوم كل الليل (2) ، لما فيه من المشقة، الله تعالى يقول: (مَّا يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ......) (3) .
أما (أجرك على قدر نصبك) فالمعنى إذا تعبتي في نسكك فلك أجر على التعب، كإنسان يطوف والمطاف واسع، وإنسان آخر يطوف بمشقة، فالثاني أكثر أجرًا للمشقة، لكن لا نقول: انتظر
حتى يوجد الزحام الشديد ثم طف.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب أجر العمرة على قدر النصب (رقم 1787) ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج (رقم 1211) (126) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم (رقم 1975) ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقاً (رقم 1159) .
(3) سورة النساء، الآية: 147.(24/43)
س 1559: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل العمل إذا كان شاقًّا على النفس أعظم للأجر، وما رأيك فيمن يقول أحج على بعير أو على قدمي لأنه أعظم للأجر؟ ويأخذ هذا من حديث عائشة عندما أمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر من التنعيم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا أن نقول المشقة إن كانت من لازم فعل العمل فإنك تؤجر عليها، وإن كانت من فعلك فإنك لا تؤجر عليها بل ربما تأثم عليها. مثلاً إذا كان الإنسان حج
على سيارة أو طيارة لكن في أثناء المناسك حصل له تعب من الشمس أو من البرد أيام الشتاء أو ما أشبه ذلك، فإنه يؤجر على هذه المشقة لأنها بغير فعله، أما لو كانت المشقة بفعله مثل أن يتعرض
هو بنفسه للشمس، فإنه لا يؤجر على هذا، ولهذا لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً قد نذر أن يقف في الشمس منعه من ذلك ونهاه لأن تعذيب الإنسان لنفسه إساءة إليها وظلم لها، والله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين، فالحاصل أن المشقة الحاصلة في العبادة إن كانت بفعلك، فأنت غير مأجور عليها، وإن كانت بغير فعلك فأنت مأجور عليها، وأما حديث عائشة- رضي الله عنها-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تخرج إلى التنعيم، فليس هذا من طلب المشقة،
ولكن لأنه لا يمكن للإنسان أن يحرم بالعمرة من الحرم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن أبي بكر وقد أمره بأن يخرج بعائشة، قال: "اخرج بأختك من الحرم كي تهل(24/44)
بعمرة" (1) فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الحكمة من الخروج إلى التنعيم هو أن تخرج من الحرم، لتأتي بالعمرة من الحل، ولا يمكن للإنسان أن يحرم بالعمرة في الحرم.
س 1560: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر، وبعد ما أنهى العمرة ذهب إلى الطائف لشغل ما، وبعد ما أتم شغله أراد أن يعتمر لميت فهل هذا جائز؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا اعتمر الإنسان ثم خرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة لسبب، ثم بدا له أن يعتمر لميت فلا حرج في ذلك، ولو تكرر لا مانع، والذي ينهى عنه أن يكون في مكة ثم يخرج ليأتي بالعمرة، هذا هو الذي ينهى عنه.
س 1561: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل وجد كتاباً مرمياً في الطريق داخل مكة وأخذه فهل يعتبر لقطة أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: يعتبر هذا في حكم اللقطة، ولقطة الحرم- أي حرم مكة- والحرم إذا قيل: (الحرم) ليس هو المسجد، بل الحرم كل ما كان داخل الأميال فهو حرم، ولقطته ليست كغيره
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: في مكة "لا تحل ساقطتها إلا لمنشد" (2) يعنى أنك لا
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (رقم 1362) ، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوه الإحرام (1211) (112) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا ينفر صيد الحرم (1833) (رقم 4313) =(24/45)
تأخذ شيئاً ساقطاً في مكة إلا إذا كنت تريد أن تنشده مدى الحياة، إما الساقطة في غير مكة فتنشد سنة، فإن وجد صاحبها وإلا فهي لمن وجدها.
ولكن لا ينبغي أن ندع هذا الكتاب تدهسه السيارات وتمزقه بل نأخذه ونعطيه المسؤلين عن مثل هذه الأمور في مكة.
س 1562: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا شاب نذرت على نفسي أن أترك معصية ونذرت سبع مرات كلما أنذر أعود لتلك المعصية، فأنذر على نفسي تركها، هل علي ذنب وهل له كفارة وهل يجوز لي الحج قبل الكفارة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً أنصح أخانا أن لا يجعل الحامل له على ترك المعصية النذر، لأنه يعتاد هذا حتى لا يدع المحرم إلا بنذر والله- عز وجل- يقول في كتابه: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) (1) يعنى أطيعوا طاعة معروفة بدون يمين، ولا حاجة للقسم، كذلك لا حاجة للنذر، فاجعل عندك عزيمة قوية تستطيع أن تدع هذه المعصية بدون نذر،
هذا هو الأفضل والأولى، ولكن إذا نذرت أن لا تفعل المعصية ثم فعلتها، فعليك أن تستغفر الله وتتوب من هذه المعصية، ولا تعود
__________
= ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد (رقم 1353) .
(1) سورة النور، الآية: 53.(24/46)
إليها، وعليك أن تكفر عن النذر كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أي عتق رقبة، وإطعامهم يكون مما يأكل الناس (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (1) ، وأوسط ما نطعم اليوم هو الرز، تطعم عشرة أنفار من الفقراء طعاماً أرزاً عشاءً، أو غداءً، وإن شئت وزعه عليهم غير مطبوخ، فتعطى كل واحد حوالي كيلو، ومعه شيء من اللحم يأدمه، وبذلك ينحل النذر، ولكني أعود فأكرر أنه ينبغي للإنسان أن تكون طاعته لله مربوطة بعزيمة وقوة فيدع المعاصي بدون نذر.
أما حجه قبل أن يكفِّر فلا بأس ولا حرج، لأن الكفارة يسيرة، وإذا لم يستطع إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة فإنه يصوم ثلاثة أيام متتابعة.
س 1563: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الأدعية المشروعة في الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمى الجمار لإقامة ذكر الله " (2) فيشرع له عند ابتداء الطواف أن يقول: بسم الله، الله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم في أثناء طوافه يدعو بما أحب من أدعية القرآن والسنة
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 89.
(2) تقدم تخريجه ص 26.(24/47)
وغيرها مما يريده في نفسه، ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ثم كلما حاذى الحجر الأسود كبر وفي السعي إذا صعد الصفا
رفع يديه وكبر الله وحده وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ثم يعيد هذا الذكر مرة ثانية ثم يدعو، ثم يعيد الذكر ثم ينزل متجهًا إلى المروة ويقول مثل ما قال في الصفا. وفي الوقوف بعرفة يكثر من ذكر الله عز وجل مثل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري
وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، اللهم ربنا(24/48)
آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ويدعو بما يحضره من أدعية الكتاب والسنة وبما يريده لأن رغبات الناس وحاجاتهم تختلف وكل إنسان يدعو بما يشاء لأنه لا توقيف في ذلك وأما عند رمى الجمرات فإنه يكبر عند كل حصاة يقول: الله أكبر، والذي ينبغي للحاج أن يصون حجه عن الرفث والفسوق والجدال قال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) وأن يكون هادئا مطمئناً لا يؤذي.
س 1564: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: فتاة تقول في شهر رمضان ذهبت بقصد العمرة في رمضان ولكنني لم أكمل العمرة فقد قمت بالطواف حول الكعبة والصفا والمروة وقد مرضت مرضاً شديداً هو الجنون ورجعنا إلى البلد بألم وحزن وبعد فترة قصيرة استيقظت من هذا المرض والحمد لله ولكنني منذ ذلك وحتى الآن يوجد في قلبي وسواس من إلحاد وعدم رضاء الله وآلمنى أن أقول هذا، مع العلم أنني أؤدي جميع الفرائض من صلاة وصوم وزكاة ولا أستطيع أن أمسح هذا الشعور من قبلي برغم محاولتي بالتوبة والدعاء لله فأرجو منكم حل هذه المشكلة لأنني في غاية الحيرة
والألم وهل أنا مذنبة وماذا أفعل وقد تركت الحجاب؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة لعمرتها فإن ظاهر كلامها أنها أدت العمرة؛ لأنها تقول: إنها طافت حول الكعبة وفي الصفا
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/49)
والمروة، وما بقي عليها إلا التقصير إذا كانت لم تقصر. وأما بالنسبة لما تجده في قبلها من وساوس فإن ذلك لا يضرها، بل أن هذا من الدلالة على أن إيمانها خالص وصريح وصحيح، وذلك لأن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم بمثل هذه الوساوس إذا رأى في إيمانه قوة وصراحة، يريد أن يبطل هذه القوة ويضعفها، ويزيل هذه الصراحة إلى شكوك وأوهام، ودواء ذلك أن لا تلتفت إلى هذه الوساوس إطلاقاً ولا تهمها، ولا تكون لها على بال، ولتمض في عبادتها لله عز وجل من طهارة، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج وغيرها وبهذا يزول عنها إذا غفلت عنه، فالدواء ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام أن ينتهي الإنسان عن ذلك، ويعرض عنه، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يشتغل بفرائضه وسننه عن مثل هذه الأمور فسيزول بإذن الله.
وأما تركها للحجاب فإذا كان ذلك في زوال عقلها كما ذكرت فإنه لا إثم عليها؛ لأن المجنون قد رفع عنه التكليف، وأما إذا كان بعد أن زال عنها هذا البلاء، فإنه يجب عليها أن تتوب إلى الله
وتستغفره من ذنبها وتعود إلى حجابها.
س 1565: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شاب عاق لوالديه وهما خارج المملكة فهل له أن يحج قبل الرجوع إليهما مع أنه لو سافر قبل أن يحج ليسترضيهما فلا يتمكن من الرجوع إلى هنا(24/50)
لصعوبة الطريق وهل تقبل منه الأعمال الصالحة وقد تاب إلى الله عز وجل وندم على ما حصل منه ندماً شديداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الأعمال الصالحة تقبل من هذا الرجل الذي تاب إلى الله سبحانه وتعالى من عقوق الوالدين، ولكن نظراً إلى أن العقوق من حقوق الآدميين فإنه لابد من استرضاه الوالدين واستسماحهما لأن من تحقيق توبته إلى الله سبحانه وتعالى أن يسترضي والديه ويستسمحهما عما جرى منه من العقوق. ولا حرج عليه لو حج قبل ذلك.
س 1566: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاجة تقول: في هذا الحج قلت كلمة خفت أن تكون أثرت في حجي وهذه الكلمة قلتها وأنا أصعد مكان في منى وتعبت فقلت: أعوذ بالله من هذا
المكان، وقلت ذلك جاهلة، ومن غير قصد وأريد أن أعرف هل هذا يؤثر في حجي؟ وأيضاً عند الجمرات دعوت بصوت مرتفع قليلاً وأظن أن الرجال سمعوا صوتي، هل إذا سمعوا صوتي عليّ إثم في
ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول وهو قولها: (أعوذ بالله من هذا المكان) فلا أظنها استعاذت بالله من هذا المكان من أجل أنه مشعر من مشاعر الحج، لكن تعوذت من هذا المكان لصعوبته ومشقته عليها وهذا لا ينقص شيئاً من حجها.(24/51)
وأما الثاني وهو سماع الرجال صوتها فلا بأس به أصلاً سواءً في الحج أو في غيره، فإن صوت المرأة ليس بعورة لقول الله تبارك وتعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)) (1) فنهي الله عز وجل عن الخضوع بالقول يدل على جواز أصل القول؛ لأن النهي عن الأخص يدل على جواز الأعم، وعلى هذا فالمرأة ليس صوتها عورة، فيجوز أن تتكلم بحضرة الرجال، إلا إذا خافت فتنة، فحينئذ يكون هذا السبب هو الذي يقتضي منع رفع صوتها.
فإذا قال قائل: أليست المرأة مأمورة بخفض الصوت عند التلبية مع أن الأصل في التلبية أن تكون جهراً؟ قلنا: بلى، الأمر كذلك، تؤمر المرأة بخفض الصوت في التلبية، وبخفض الصوت في أذكار الصلوات الفريضة إذا صلين مع الجماعة، وذلك لأن إظهار المرأة صوتها يخشى منه أن يتعلق بصوتها أحد من الرجال يسمعه، فيحصل بذلك فتنة، ولهذا قلنا: إنه لا بأس برفع المرأة صوتها في حضرة الرجال، ما لم تخش الفتنة، أما الخضوع بالقول فهذا حرام بكل حال.
س 1567: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل للمعتمر نوافل الصلاة أم نوافل الطواف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه إذا كان الاعتمار في
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 32.(24/52)
وقت يكثر فيه العُمَّار، فإن الأفضل أن يتشاغل بالصلاة، من أجل أن يوفِّر مكان الطواف للطائفين.
س 1568: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بما أن النساء يمنعن من الطواف أثناء صلاة التراويح فهل الأفضل للرجل الطواف أم الاستمرار في صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن يستمر في صلاة التراويح ليكتب له قيام الليلة كلها، والطواف له وقت آخر.
س 1569: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تسأل فتقول: كنت في مكة الكرمة، وصلني نبأ أن قريبتي قد توفيت فطفت لها سبعاً حول الكعبة ونويتها لها، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز لك أن تطوفي سبعاً تجعلين ثوابها لمن شئت من المسلمين، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن أي قربة فعلها المسلم وجعل ثوبها لمسلم ميت
أو حي فإن ذلك ينفعه، سواء كانت هذه القربة عملاً بدنيًا محضاً، كالصلاة والطواف، أم مالياً محضاً كالصدقة، أم جامعاً بينهما كالأضحية.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه، وأن يخص من شاء من المسلمين بالدعاء له؛ لأن(24/53)
هذا هو ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) .
س 1570: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل للمرأة الطواف في حالة ازدحام المطاف أو انشغالها بعبادة أخرى بعيداً عن الرجال؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان في مواسم العمرة، أو الحج فالأفضل أن لا يكرر الإنسان الطواف، حتى الرجل فكيف بالمرأة؟!
س 1571: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سمعت رجلاً يقول: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه) ، ما صحة هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الدعاء الذي سمعته، "اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، وإنما نسألك اللطف فيه " دعاء محرم لا يجوز، وذلك لأن الدعاء يرد القضاء كما جاء في الحديث: "لا يرد القدر إلا
الدعاء" (2) . وأيضاً كأن هذا السائل يتحدي الله يقول: اقض ما شئت ولكن الطف. والدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به وأن يقول: اللهم
__________
(1) تقدم تخريجه ص (23) .
(2) أخرجه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء (رقم 2139) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم 7687) .(24/54)
إني أسألك أن ترحمني، اللهم إني أعوذ بك أن تعذبني، وما أشبه ذلك، أما أن يقول: لا أسألك رد القضاء، فما الفائدة من الدعاء إذا كنت لا تسأله رد القضاء، والدعاء يرد القضاء، فقد يقضي الله
القضاء ويجعل له سبباً يمنع ومنه الدعاء، فالمهم أن هذا الدعاء لا يجوز، ويجب على الإنسان أن يتجنبه وأن ينصح من سمعه بأن لا يدعو بهذا الدعاء.
س 1572: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في منى بعد الرمي حصل خلاف أسر عبارة عن خصام بيني وبين أم زوج ابنتي. وبقيناً على هذا الخصام عدة أشهر، فهل الخصام يبطل الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يبطل الحج، ولكن ينبغي للإنسان المحرم بحج أو عمرة أن لا يجادل؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) .
س 1573: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقول: ذهبت إلى الحج وأنا مغتربة وحدث أن ابنة لي كانت تعاني نوعاً من المرض، وأخذت مدة على الدواء وترفض الأكل وألزمتها عدة مرات فرفضت فغضبت عليها وضربتها ضرباً شديداً، لكني ندمت على هذا الفعل وبكيت كثيراً عليها. فهل علي شيء في ذلك وهل يؤثر على حجي؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/55)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت هذه البنت التي أعطيتها الدواء بوصف من الطبيب، وكانت مريضة وضربتها ضرباً غير مبرح - أي ليس شديداً- بل ضرب تأديب، فإن هذا لا بأس به سواء في الحج، أو في غير الحج. والمقصود أن هذا الضرب مما سمح به الشرع: أن يكون للتأديب، وأن يكون غير مبرح، وحينئذ فليس عليك شيء.
س 1574: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حاج ومعه طفلة صغيرة فضربها للتأديب فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الضرب للتأديب لا بأس به، فقد ضرب أبو بكر- رضي الله عنه- غلامه وهو محرم.
س 1575: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تقول: ذهبت إلى الحج وأنا مغتربة، وحدث أن ضللت الطريق ومعي أطفالي الثلاثة، الصغير منهم يبلغ من العمر عاماً، وسرنا سبع
ساعات نبحث عن الخيام، وحصل لنا تعب شديد، وعندما هدانا الله إلى خيامنا طلبت من إحدى النساء ماء ليشرب أولادي ويغتسلوا فرفضت، وقالت: نحن قد اشتريناه، لأن المخيم لم يحضروا فيه الماء منذ الصباح. فاستعطفتهم فأبوا، فتضايقت منهم، فتحدثوا إلى بعضهم بطريقة أحزنتني وحسبتهم يغتابونني، فرفعت صوتي(24/56)
عليهم، فما الحكم في ذلك؟ وهل يدخل في الجدل ويبطل حجي به؟
فأجاب فضيلته بقوله: بالنسبة لمن طلبت منهم الماء فلم يعطوك، هؤلاء في الحقيقة حرموا أنفسهم خيراً كثيراً، ولو كانوا قد اشتروا الماء فهي تريد سقي أولادها العطاش، ولم تقل أريد الماء لأتوضأ أو ما شابه ذلك، بل تريد إرواء ظمأ أولادها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سقى مسلماً على ظمًّا سقاه الله من الرحيق المختوم " (1) ، فهؤلاء المساكين حرموا أنفسهم من هذا الأجر الذي بينه الرسول عليه الصلاة والسلام لمن سقى مسلماً على ظمأ، فلو سقوها وأولادها لكان خير اً لهم.
أما بالنسبة لها وتكلمها عليهم فهذا لا ينبغي منها، فعلى المرء أن يصبر ويحتسب الأجر من الله تبارك وتعالى، فتصبر وتحتسب حتى يجعل الله فرجاً ومخرجًا منه. والله الموفق.
س 1576: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه باتجاه الكعبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه باتجاه الكعبة، بل إن الفقهاء- رحمهم الله- يقولون: إن المريض الذي لا يستطيع القيام ولا القعود يصلي على جنبه ووجهه للقبلة،
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء (رقم 1682) .(24/57)
فإن لم يتمكن صلى مستلقياً، ورجلاه إلى القبلة.
س 1577: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عمن وكل شخصاً ليحج عن أمه ثم علم بعد ذلك أن هذا الشخص قد أخذ وكالات عديدة فما الحكم حينئذ أفتونا مغفوراً لكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازما في تصرفه، وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخص يطمئن إليه في دينه، بأن يكون أميناً، عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي وكل
إليه، فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى، أو أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه وفي دينه؛ وذلك لأن كثيراً من الناس عندهم جهل عظيم في أحكام الحج، فلا يؤدون
الحج على ما ينبغي، وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء، لكنهم يظنون أن هذا هو الواجب عليهم وهم يخطئون كثيراً، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس لديه أمانة، فتجده لا يهتم بما يقوله أو يفعله في مناسك الحج، لضعف أمانته ودينه، ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى، أو أن يوكل إليه أداء الحج، فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار أفضل من يجده علماً وأمانة، حتى يؤدي ما طلب منه على الوجه الأكمل.
وهذا الرجل ذكر السائل أنه أعطاه ليحج عن والدته وسمع(24/58)
فيما بعد أنه أخذ حجات أخرى من غيره، ينظر فلعل هذا الرجل أخذ هذه الحجات عن غيره وأقام أناساً يؤدونها وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه.
ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل، أي هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاص متعددين في الحج، أو في العمرة ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك بل يكلها إلى أناس آخرين؟
فنقول في الجواب: إن ذلك لا يجوز ولا يحل، وهو من أكل المال بالباطل، فإن كثيراً من الناس يتاجرون في هذا الأمر، تجدهم يأخذون عدة حجج وعدة عمر، على أنهم هم الذين سيقومون بها
ولكنه يكلها إلى فلان وفلان من الناس بأقل مما أخذ، هو فيكسب أموالاً بالباطل، ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمر، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وفي
نفسه؛ لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق، ولأنه إذا أؤتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج أو العمرة فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره؛ لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج، أو هذه العمر.
س 1578: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: معتمر قبل سبع سنوات ترك السعي ليخرج مع رفقته معتقداً أنه إذا أبطل هذا العمل بطل حجه، وحج بعد ذلك واعتمر فماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟(24/59)
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: أقول إن تأخير هذا السائل سؤاله إلى ما بعد سبع سنوات خطأ عظيم، يجب على المرء أن يسأل عن دينه أولاً قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وشك في نفسه من بعض الأفعال
التي فعلها فليسأل عنها مباشرة، ولكن الأمر وقد وقع الآن، فالذي أرى أنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة، ويأتي بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بالسعي الأول، لأنه ما زال ديناً في ذمته،
والحجات التي حجها بعد ذلك هي حجات منفصلة ما نواها قضاء عما سبق.
س 1579: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يستطيع الحج كل سنة وقال له بعض الناس إن في هذا إيذاء للحجاج فهل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن الحج مشروع كل سنة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب فيه وقال: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (1) .
لكن إذا كنت تخشى الفتنة من تكرار الحج، وذلك بما يحدث من مشاهدة النساء والمزاحمة الشديدة بين الرجال والنساء، وقد أديت الفريضة فهنا قد يقال: ترك الحج أفضل واصرف الدراهم التي
كنت تريد الحج بها على أعمال البر والصدقات، وذلك لأن درء
__________
(1) تقدم تخريجه ص (11) .(24/60)
المفاسد أولى من جلب المصالح. أما الرجل الذي يحج ويؤدي الحج بتؤدة وبأدب شرعي، ويمكن أن يستفيد الناس من علمه، أو عمله وخلقه، فهذا يشرع له أن يحج كل عام.
س 1580: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يقصر الحاج من أهل مكة الصلاة في المشاعر؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشهور عند أصحاب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد- رحمهم الله- أن المكي لا يقصر ولا يجمع لأنه غير مسافر، إذ أن السفر ما بلغ ثلاثة وثمانين كيلو، أو أكثر، والمعروف أن عرفة هي أبعد المشاعر عن مكة لا تبلغ هذا المبلغ، فعلى هذا لا يجمع أهل مكة ولا يقصرون، بل يتمون ويصلون كل صلاة في وقتها، سواء في عرفة، أو في مزدلفة، أو في منى.
وذهب أبو حنيفة- رحمه الله- إلى أنهم يجمعون ويقصرون، وقال: إن هذا الجمع والقصر سببه النسك، وليس سببه السفر، فيقصرون. ولو كانوا في منى وهي أقرب المشاعر إلى مكة.
ولكن الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج،
وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر.
وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا(24/61)
يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا القول هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-.
س 1581: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة إلى الحاج المكي هل يقصر في منى وعرفة ومزدلفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة للمكي إذا حج فإن الذين يقدرون السفر بالمسافة لا يرون له جمعاً ولا قصراً كالإمام أحمد والشافعي- رحمهما الله- ولهذا لا يجوزون للحاج المكي أن يقصر
أو يجمع، لكن القول الراجح أن السفر لا يتقيد بالمسافة، وإنما يتقيد بالعرف والتأهب له، فما تأهب الناس له وشدوا الرحل إليه فهو سفر، وعلى هذا القول فإنه يجوز للمكي أن يقصر ويجمع إذا
حج ويدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حج معه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام، ولما فتح مكة وصار يصلي بهم في مكة كان يأمرهم بالإتمام، ويقول: "أتموا يما أهل مكة فإنما قوم سفر" (1) . وعلى هذا فنقول: إن مذهب الإمام أحمد- رحمه الله- على المشهور عنه والشافعي- رحمه الله- أن المكيين لا يجمعون ولا يقصرون في منى وفي عرفة وفي مزدلفة، وأما على القول الثاني الذي رجحناه فإن
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/23 (1229) .(24/62)
الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فإن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حي من أحياء مكة، فلهذا نرى أن الاحتياط للمكي أن لا يجمع ولا يقصر في منى، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ أن منى السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما مزدلفة وعرفة فهي منفصلة عن مكة ولم تتصل بها،
حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد.
س 1592 (*) : سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كثير من الحجاج أشكل عليهم اليوم عدم صلاة الجمعة في منى ولا يعرفون سبب ذلك، وكذلك مسألة الجمع بين الصلوات أفيدونا جزاكلم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الجمعة فإنها لا تصلى في هذا المكان بناء على أنه مشعر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل الجمعة يوم عرفة، ولذلك كان الناس يصلون ظهراً.
وأما الجمع بين الصلاتين فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يجمع بين الصلاتين في منى لا قبل يوم عرفة ولا بعدها، وهذا هو السنة لكن لو كان هناك حاجة إلى الجمع يمكن أن تكون
الرفقة في تعب شديد ويشق عليهم عدم الجمع فلا بأس في الجمع.
وصلاة الجمعة للمسافرين حال السفر لا تجوز ولا تصح؛ لقول
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هنا قفز في الترقيم في المطبوع(24/63)
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) . والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل صلاة الجمعة في السفر، أما إذا كان الجماعة في البلد وسمعوا نداء
الجمعة وجب عليهم أن يصلوا الجمعة.
س 1593: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أداء العمرة بعد مناسك الحج وقبل طواف الوداع حيث أني لم أنو إلا بالحج مفرداً وبعد نويت العمرة وأحرمت بالعمرة من جدة وجدة
ليست بلداً لي؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمرة بعد الحج إذا حصل مثل ما حصل لعائشة- رضي الله عنها- حينما أحرمت للعمرة فحاضت قبل أن تصل إلى مكة فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج ففعلت وبعد انتهاء الحج طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر فأمر أخوها عبد الرحمن ابن أبي بكر- رضي الله عنهما- أن يخرج بها إلى التنعيم فأحرمت منه (2) ، فإذا جرى لامرأة مثل ما جرى لأم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- ولم تطب نفسها إلا بفعل العمرة بعد الحج، فهذا لا بأس به لورود السنة به، وأما من سواها فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- رضي الله عنهم- لم يقم أحد منهم بعمل عمرة بعد أداء الحج، بل هذا عبد الرحمن بن أبي بكر كان مصاحباً أخته وخارجاً إلى التنعيم، ومع
__________
(1) تقدم تخريجه ص (11) .
(2) تقدم تخريجه ص (45) .(24/64)
ذلك ما أتى بعمرة، ولو كانت العمرة بعد الحج من الأمور المشروعة، لكان عبد الرحمن بن أبي بكر يفعلها، لأنها متيسرة عليه حيث أنه قد ذهب مع أخته إلى التنعيم، فهذا دليل على أنه لا يشرع
للحاج أن يأتي بالعمرة بعد الحج، إلا إذا رجع إلى بلده ثم أتى بها من بلده، مثل لو كان من أهل جدة فلما انتهى الحج خرج إلى جدة، ثم رجع محرماً بالحج فلا حرج عليه هنا؛ لأنه أتى بالعمرة من بلده.
س 1594: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يريد استقدام أهله لأداء الحج لكن العملية مكلفة بالنسبة له ولا يطيقها، ولكن يمكن استقدامها للعمرة ويبقيها إلى موسم الحج، ثم تحج ثم يرجعها؛ هل هذا الأمر جائز يا شيخ أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قدمت بمحرم فليس هناك مانع.
س 1595: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن يذهب رجل إلى مكة للتجارة بجانب أداء فريضة الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان أن يذهب إلى مكة بنية التجارة والحج؛ لقول الله تبارك تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) (1) لكن ينبغي أن يغلّب جانب الحج.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 198.(24/65)
س 1596: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج بجواز سفر مزور فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجه صحيح؛ لأن تزوير الجواز لا يؤثر في صحة الحج، ولكن عليه الإثم وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وإن يعدل اسمه إلى الاسم الصحيح حتى لا يحصل تلاعب
لدى المسؤلين، ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليه بالاسم الأول لاختلاف اسمه الثاني عن الاسم الأول، فيكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب في تغيير الاسم.
وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني بإن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء، ويستعيرون أسماء لغيرهم من أجل أن يستفيدوا من إعانة الحكومة، أو من أمور أخرى، فإن ذلك تلاعب في المعاملات وكذب وغش وخداع للمسؤولين والحكام، وليعلموا أن من اتقى الله عز وجل جعل له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب، وأن من اتقي الله جعل الله له من أمره يسراً،
وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (1) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (2) والله الموفق.
__________
(1) سورة الطلاق، الآية: 2.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 75.(24/66)
س 1597: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة مرت بالميقات وهي حائض فأحرمت منه ونزلت إلى مكة وأخرت العمرة حتى طهرت فما حكم عمرتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمرة صحيحة ولو أخرتها إلى يوم أو يومين، ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد طهارتها من الحيض لأن المرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، ولهذا لما حاضت عائشة- رضي الله عنها- وهي قد أقبلت إلى مكة محرمة بالعمرة قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - "أحرمي بالحج وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " (1) ولما حاضت صفية- رضي الله عنها- قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحاسبتنا هي " ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فقالوا: "إنها قد أفاضت " فقال: "انفروا" (2) فالمرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، فإذا قدمت إلى مكة وهي حائض وجب عليها الانتظار حتى تطهر ثم تطوف بالبيت.
أما إذا حصل الحيض بعد طواف العمرة وقبل السعي فلتكمل عمرتها ولا شيء عليها؛ وإذا أتاها الحيض بعد السعي، فلا يجب عليها طواف الوداع حينئذ؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض.
__________
(1) تقدم تخريجه ص (45) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها (رقم 1650) ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (رقم 1211) (119) .(24/67)
س 1598: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لو ارتد الإنسان عن الإسلام- والعياذ بالله- وقد أدى فريضة الحج ثم عاد للإسلام فهل تكفيه فريضة الحج الأولى التي عملها. وبالنسبة للحديث: "وشاب نشأ في طاعة الله ". هل نقول: إن الإنسان مثلاً لو نشأ في طاعة الله في فترة سن الشباب ثم ارتد ثم رجع هل ينطبق عليه هذا الحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال لقول الله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (1) ولقوله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)) (2) لكن هذا مقيد بما إذا مات على الكفر لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)) (3) . فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا والمناقب والفضائل، فالشاب الذي نشأ في طاعة الله، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يحصل له ثواب الشاب الذي نشأ في طاعة الله، وكذلك الصحابي لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن صحبته لا تبطل، بل هذه المنقبة له كسائر الأعمال الصالحة.
__________
(1) سورة الزمر، الآية: 65.
(2) سورة الأنعام، الآية: 88.
(3) سورة البقرة، الآية: 217.(24/68)
س 1599: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص كلف بانتداب إلى الطائف، فأنهى العمل خلال ساعات وأراد أن يأخذ عمرة مع موافقة العمل على ذلك هل يصح له هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: يصح للإنسان إذا انتدب لعمل معين وأنهاه، ثم أراد أن يأتي بعمرة يصح له أن يأتي بذلك؛ لأن العمل الذي انتدب من أجله قد أتمه وبقي بقية وقت، فله أن يتصرف فيه بما
يشاء، لا سيما إذا كان قد استأذن من مسئوله وأذن له، فإن الأمر واضح بأن هذا جائز.
س 1600: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص له أولاد يشغلونه عن حج التطوع ويخشى عليهم من نقص الأخلاق في أثناء أداء حج التطوع فما الأفضل له؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن تربية أولاده واجبة، وحج التطوع ليس بواجب، وكذلك عمرة التطوع، فإذا كان يخشى على أولاده من الضياع إذا ذهب للعمرة في رمضان مثلاً، أو للحج تطوعاً
فإنه لا يجوز أن يذهب للحج، لأنه مسؤول عن أهله سؤالاً مباشراً.
س 1601: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يريد أن يعتمر عن الميت هل له أن يشرك نفسه في الثواب؟ وإذا اعتمر الصبية ونوى هو أجرهم للميت هل يكون ذلك؟(24/69)
فأجاب فضيلته بقوله: هذان سؤالان في سؤال.
أما المسألة الأولى: فإنه لا يصح أن ينوي نسكاً واحداً عن اثنين، لأن النسك لا يجزئ إلا عن واحد، كما لو أردت أن تصوم قضاء عن نفسك وعن ميت فإنه لا يصح.
أما المسألة الثانية: فإن ثواب الأولاد لهم، لأن الصبي الذي لم يبلغ يكتب له الثواب، ولا يكتب عليه العقاب، لكن لك أجر لكونك أحرمت بهم، ودليل هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المرأة التي رفعت إليه الصبي: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" (1) الحج للصبي، وأنت لك أجر، أما ما اشتهر عند العامة أن أجره يكون لأبيه لا لمن حج له، فهذا لا أصل له.
س 1602: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس هداهم الله يلتقطون الصور في المشاعر المقدسة وربما رفع الشخص يديه في الدعاء من أجل التصوير فقط فهل هذا جائز؟ وهل يخل
بالحج أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: التقاط صور للحجاج في مكان العبادة غير جائز من وجهين:
الوجه الأول: أنهم يفعلون ذلك للاحتفاظ بالصور والذكرى، وكل تصوير يقصد منه الاحتفاظ للذكرى فإنه حرام.
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي (1336) (409) .(24/70)
الوجه الثاني: أنه لا يسلم غالباً من الرياء؛ لأن الإنسان يأخذ هذه الصور ليريها للناس أنه حج، ولهذا يفعل كما قال السائل يرفع يديه للدعاء، وهو لا يدعو ولكن من أجل أن تلتقط له صورة.
أما إذا احتيج إلى ذلك لكون هذا الرجل نائباً عن شخص فقال: التقط الصورة لأثبت أنني حججت، فإذا وصل إلى صاحبه الذي أنابه مزق الصورة، فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولم يقصد به مجرد الذكرى، أو الاقتناء.
س 1603: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم إنه إذا كان نائباً عن الغير فلا بأس أن يصور لأن الحاجة داعية إلى ذلك ألا يمكن الاستغناء بالشهود عن الصور؟
فأجاب فضيلته بقوله: على كل حال الاستغناء بالشهود عن الصورة قد يكتفي به، ولكن الشهود قد يلحقهم مانع من أداء الشهادة، وقد لا يثق النائب بهم تمام الثقة.
س 1604: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: والدي معي في الحج ومعي كذلك أخي ولله الحمد، وأخي يريد أن يأخذ لنا صورة تذكارية لأن الوالدة مشتاقة لنا وهي لم ترانا منذ ستة أشهر وسنبقى مقيمين في هذه البلاد سنة كاملة فهل إذا تصورنا علينا شيء؛ وما حكم اقتناء الكتب التي فيها صور؟(24/71)
فأجاب فضيلته بقوله: لا أرى هذا، لا أرى أن يصوروا أنفسهم للتذكار؛ لأن التذكار يعني اقتناء الصور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة،
وليبلغوا الوالدة ويعتذروا منها ويقولوا: مضى ستة أشهر وباقي سنة فلتتحمل.
وأما الكتب التي فيها صور فلا بأس باقتنائها؛ لأن الإنسان لا يقتنيها لأجل الصورة إنما يقتنيها لأجل ما فيها من العلم، فلا بأس بها.
س 1605: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحج من مالٍ لم تخرج منه زكاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج من مال لم تخرج زكاته صحيح. ولكن عجباً لهذا الرجل كيف يدع الزكاة ويؤدي الحج مع أن الزكاة سابقة للحج بإجماع المسلمين ولهذا أوجبها الله تعالى كل
عام، ولم يوجب الحج إلا مرة واحدة في العمر، وأعجب من ذلك وأغرب رجل لا يصلى ثم يحج، وهذا الذي لا يصلي أقول: لا يحل له أن يدخل مكة، ولا يقبل منه حج، ولا صدقة، ولا جهاد، ولا أي عمل صالح؛ لأن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة، والكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يقبل الله منه أي عمل صالح. فأنا أعجب من بعض المسلمين الذين إن شئت قلت: إن إسلامهم عاطفياً أكثر(24/72)
من عقلياً واستسلاماً، نجدهم مثلاً يحرصون على الصوم وهم لا يصلون الصلاة في وقتها، يصوم ويتسحر في آخر الليل وينام ولا يصلي الفجر إلا مع الظهر، أو أنه لا يصلي أبداً. وفي الحج أيضاً
يحرص الإنسان غاية الحرص، حتى إنه يحرص على الحج مع عدم وجوب الحج عليه، وهو مضيع لكثير من الواجبات، والواجب أن يكون إسلام الإنسان استسلاماً لله وإسلاماً عقلياً يحكم فيه الإنسان العقل على العاطفة، وينظر ما قدمه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويقدمه، دون أن يقدم ما ترضاه نفسه ويدع ما لا ترضاه.
س 1606: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجب على الشخص إذا أراد الحج أن يختار من يثق بعلمه ودينه، وهل عليه إثم إذا حج مع أناس يدخنون ويغتابون وغير ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أنه من الحكمة والعقل أن يختار الإنسان رفقة ذات علم ودين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة" (1) ولا سيما في سفر الطاعة كسفر الحج، فإن الإنسان محتاج لأن يكون معه طالب علم يرجع إليه عند الإشكال، ويوجهه طالب العلم عند المشاعر، ولكن لا حرج أن يخرج مع أناس دون ذلك بشرط ألا يفعلوا محرماً في سفرهم، فإن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك (رقم 5534) ومسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين ... (رقم 2628) .(24/73)
فعلوا محرماً حرم السفر إلا لمن أراد أن يمنعهم من المحرم، فلو اصطحبت رفقة تفتح الأغاني المحرمة، أو يشربون الدخان فإن ذلك محرم عليك، إلا إذا كان يمكنك أن تمنعهم من هذا فلا بأس
لأنك تكسب منعهم من المحرم.
س 1607: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل شرب الدخان حال الإحرام يكون من الفسوق الذي نهى الله عنه في قوله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) .
فأجاب فضيلته بقوله: نعم شرب الدخان من الفسوق، فالإنسان المحرم إذا كان يشرب الدخان لم يمتثل حكم الله عز وجل لأنه فسق في شربه للدخان، لأن الإصرار على شرب الدخان يجعل
شرب الدخان من الفسوق، وكذلك لو ابتلى الإنسان بقوم يغتابون الناس ويسخرون بهم فإنه لا يجوز أن يصحبهم إلا إذا كان كما قلت أولاً يمكنه أن يمنعهم من ذلك.
س 1608: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج مع مخيم حكومي عن طريق قريب يعرفه دخل بواسطته إلى المخيم ومن ثم علم رئيس المخيم أنه غير مسجل في العمل فسكت عنه مقدراً للرجل الذي يعرفه فما حكم حجه؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.(24/74)
فأجاب فضيلته بقوله: حجه صحيح لكن لا يجوز للإنسان أن يُدخل على جماعة من ليس منهم إلا بإذن رئيسهم ولا يجوز لرئيسهم أن يأذن له إلا إذا علم رضى الجميع، مثال ذلك: جماعة
اشتركوا في حملة عددهم مئة فلا يجوز لواحد منهم أن يدخل واحداً إلا بإذن رئيس الحملة، ولا يجوز لرئيس الحملة إذا استئذن في إدخال هذا الرجل أن يأذن إلا بإذن الجميع.
س 1609: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك مخيمات خاصة بالحج في بعض الجهات وفيها جميع الخدمات حتى الأكل والشرب، بدون مقابل، وقد يحدث أن يأتي حاج يعرف شخصاً من
منسوبي هذه الجهات، فيستطيع أن يدخله ضمن مخيمات الحج، فهل يحق له هذا، ويجوز فعله، وهل حجي صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، الخيام التي تحجز ويتحجرها أصحابها في منى، لا حرج على الإنسان أن يطلب خيمة منها، لأن له الحق في أن ينزل في منى، وأما الأكل والشرب
والكهرباء وما أشبهها فإن أذن المسئول عن هذه المخيمات، فلا بأس بذلك، وإن لم يأذن، فإنه لا يجوز أن يأكل أو أن ينتفع بالكهرباء والمكيفات التي جعلت في هذه الأماكن. والغالب أن
المسئول عن هذه الخيام الغالب أنه يسمح للإنسان أن ينتفع ويأكل ويشرب ضمن الناس وتكون هذه بمنزلة الضيافة، وحينئذ يكون(24/75)
الأكل والشرب والانتفاع بالكهرباء وكذلك بالنزول في الخيمة يكون أمراً جائزاً ما دام صدر الإذن به من المسئول عنها.
س 1610: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول أتيت إلى مكة لأداء العمرة لنفسي وبعد الانتهاء من العمرة أردت أن أسافر إلى المدينة ووالدتي لم تعتمر قط، مع العلم بأنها موجودة على قيد الحياة ولكن لا تستطيع الأداء فهل لي أن أعتمر لها إذا رجعت من المدينة إلى مكة، وهل هذا من التكرار الذي ذكرتموه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرجو أن لا يكون هذا من التكرار الذي ذكرنا أنه ليس على عهد السلف، فإن هذا الرجل حينما أدى العمرة عن نفسه في مكة، وذهب إلى المدينة إنما ذهب لغرض من
الإغراض فلا حرج أن يرجع من المدينة بعمرة ينويها لأمه أو لأبيه أو لمن شاء من المسلمين، ولكن أقول وأكرر مرة بعد أخرى أن الدعاء للوالدين أفضل من أن تهدى إليهما ثواب العمرة، أو ثواب
الطواف، أو ثواب القراءة، أو ثواب الصوم، أو ثواب الصدقة، أو قل ذلك استناداً إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (1) فالرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث عن العمل ومع ذلك لم يقل: (أو ولد صالح يعمل له صلاة،
__________
(1) تقدم تخريجه ص 23.(24/76)
أو صيام، أو صدقة) بل قال: (أو ولد صالح يدعو له) فالدعاء للوالدين أفضل من إهداء الصلاة، أو الصدقة، أو الصوم إلا ما كان واجباً كما لو مات الأب ولم يؤد الحج، أو الأم لم تؤد الحج، أو
يؤدي العمرة فهنا نقول إن أداء الواجب أفضل من الدعاء على أن في النفس من ذلك شيئاً.
س 1611: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا قلنا إن الرجل الذي لا يصلي لا يجوز له أن يدخل مكة واستدللنا بالآية التي تدل على تحريم دخول المشركين. فهل تارك الصلاة يعتبر مشرك؟
فأجاب فضيلته بقوله: تارك الصلاة يعتبر مشركاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بين الرجل وبين الكفر والشرك: ترك الصلاة" (1) ثم إن المشرك إنما منع لفساد عقيدته، والكافر: فإن العقيدة وفاسد العلم، ولا فرق بين المشرك والمرتد، بل إن المرتد أسوأ حالاً من المشرك، لأن المرتد لا يقرّ على عقيدته، ربما يكون بينه وبين المسلمين عهد لا يعتدون عليه، لكن المرتد ليس له عهد، بل يجبر على الرجوع إلى الإسلام، فإن لم يفعل قتل.
س 1612: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كثر في الآونة الأخيرة استخدام جهاز النداء الآلي والجوال ما يزعج المصلين في
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على ترك الصلاة (82) .(24/77)
صلاتهم أو أثناء الخطبة بأجراسها فهلا نبهتهم على ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أنا أنبه على هذا بأن كل شيء يؤذي المؤمنين فإنه ممنوع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه ذات يوم وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة" (1) هذه وهي قراءة القرآن فكيف بهذا الجرس؟ فإذا حضرت الصلاة فأغلقها.
س 1613: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم استعمال الجوال أو الهاتف في المسجد للمعتكف وما ضوابط ذلك إذا كان جائزاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس باستعمال الجوال والهاتف للمعتكف في المسجد إذا لم يشوش على الناس، فإن شوش على الناس فإنه لا يستعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على أصحابه ذات ليلة وهم يصلون في المسجد أوزاعاً ويجهرون في القراءة فقال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة، وكلكم يناجى ربه " وأمرهم ألا يجهروا لئلا يؤذي بعضهم بعضاً، فإذا كانت هذه الجوالات أو البياجر تشوش على المصلين فإن الواجب أن يغلقها الإنسان حتى لا يشوش على إخوانه.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الأئمة الذين يصلون
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (2/36) وصححه محققو المسند الشيخ شعيب وإخوانه (8/523 رقم 4928) .(24/78)
بالميكرفون ويفتحونه على حافات المسجد أو في المنارة فإن ذلك يشوش على من بقربهم من المساجد ويشوش على أهل البيوت الذين يصلون وحدهم وربما يؤدي إلى الإضرار بأهل البيوت، قد يكون المريض متشوفاً للنوم فيذهب عنه النوم ويتأذى بهذا، فأدعوا أخواني الأئمة إلى إقفال الميكرفونات عن المنابر وقت الصلاة لأنها أذية لا شك فيها، وليس فيها فائدة للمصلين، لأن المصلين قد يستغنوا بالمكبرات الداخلية، لأن الذين خارج المسجد إذا سمعوا القراءة وظنوا أن الإمام قريباً يركع أسرعوا وركضوا لإدراك الركوع فخالفوا بذلك السنة ولأن بعض الناس- قد شكي إلينا هذا- يبقى
في بيته ويقول توه في الركعة الأولى والإنسان إذا أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ثم يبقى إلى أن يبقى ركعة فيخرج ثم قد يدرك ركعة وقد لا يدركها.
س 1614: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقول بعض الناس (هل حجي مقبول) ، هل صلاتي مقبولة، هل صيامي مقبول ما رأيكم في كلمة مقبول مع أن القبول علمه عند الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس في هذا شيء؛ لأن المراد بمقبول أنه جار على المناهج الشرعية، وأما قبول العمل ذاته من هذا الشخص المعين فهو عند الله، لكن كلامه على أنه مقبول بحسب الظاهر على ما تقتضيه قواعد الشريعة هذا المراد بالمقبول.(24/79)
س 1615: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: السائلة تقول: حججت في العام الماضي أنا وزوجي وفي يوم عرفة ضاع زوجي ولم أره إلا بعد أن انتهى الحج في بلدي فهل حجي صحيح أم ناقص؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج صحيح وليس به نقص لقول الله تبارك وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (1) وقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (2) وماذا تصنع إذا فقدت زوجها؟ تستمر في حجها وترجع مع رفقتها.
س 1616: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو المرجع المناسب لمعرفة صفة الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله الآن المناسك كثيرة لعلماء موثوقين والحمد لله، وأجمع حديث في صفة الحج حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- فإنه ذكر حج النبي - صلى الله عليه وسلم - من خرج من المدينة إلى أن عاد مفصلاً فهو أجمع حديث وأشمل حديث.
س 1617: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما تعليق فضيلتكم على عدم الاستفادة من أيام الحج الفاضلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا صحيح كثير من الناس يجعل الحج كأنه نزهة ومزاح ولغو، ولا يستغل هذه الأيام الفاضلة،
__________
(1) سورة التغابن، الآية: 16.
(2) سورة البقرة، الآية: 286.(24/80)
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة" وعلى رأسها يوم عرفة ويوم النحر. قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله " قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" (1) فاستغل هذه الأيام
لأنك لا تدري أتدركها بعد هذا العام أو لا؟ ولا تدري أيحصل لك المجيء إلى مكة بعد هذا العام أولا؟
س 1618: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في الحملات يكثر الرجال والنساء فهل تصلي النساء مع الرجال في مكان منفصل في منى حال ما يكونون في المخيم سواء كانوا خلفهم أو بجوارهم أم يفرق بين من كانت على جانب ومن كانت خلف وإذا كان غير مشروع فهل من المشروع أن تصلي امرأة بتلك النساء أم ماذا يصنعن، هل يصلين فرادى ويتفرقن وقد يشوش الرجال على النساء حال الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للنساء أن يصلين تبع الرجال، كما يجوز لهن أن يصلين في مساجد البلد، وإذا لم يصلين مع إمام الرجال فلهن أن يصلين جماعة، ولهن أن يصلين فرادى، وذلك لأن
المرأة ليست من أهل الجماعة حتى يقال إننا نلزمها بأن تصلي مع جماعة الرجال، أو أن تقيم النساء جماعة لهن، ولهذا اختلف
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (رقم 969) .(24/81)
العلماء هل يسن للنساء أن يصلين جماعة سواء في السفر أو الحضر أو لا يسن؟.
فمنهم من قال: يسن لهن أن يقمن صلاة الجماعة إذا كن منفردات عن الرجال.
ومنهم قال: إنه لا يسن ذلك، والمخاطب بالجماعة هم الرجال فقط، لكن لو فعلن وأقمن الصلاة جماعة فلا حرج عليهن.
وخلاصة الجواب: أن نقول الحملات التي معها نساء يجوز للنساء أن يصلين مع الرجال جماعة، لكن بدون اختلاط، والأفضل أن يكون النساء خلف الرجال، ويجوز أن يكون النساء في خيمة محاذية لخيمة الرجال، إما يميناً وإما شمالاً لكن الإمام لابد أن يكون متقدماً في مكانه.
س 1619: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قلتم يجوز أن تصلي النساء مع الجماعة فهل وجود ممر بين مخيم الرجال والنساء يؤثر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يؤثر وجود الممر؛ لأن المخيم واحد، ولكن كما قلت إن صلاة النساء وحدهن أولى من صلاتهن مع الرجال فيما إذا خشي من الاختلاط.(24/82)
س 1620: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نطلب من فضيلتكم كلمة لأصحاب الحملات؟
فأجاب فضيلته بقوله: الكلمة التي أوجهها لإخواني أصحاب الحملات أن يتقوا الله عز وجل فيمن كان معهم من الحجاج، وأن يحرصوا غاية الحرص على أن يؤدوا المناسك على الوجه المطلوب
الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحسن أن يكون لهم تنظيم في رحلتهم، ماذا يقرؤون؟ ماذا يقولون حتى ينتفع الجميع.
س 1621: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما توجيهكم لأصحاب حملات الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: صاحب الحملة أمين وموجه للحجاج الذين معه، فالواجب عليه أن يتقي الله في هؤلاء الحجاج لأن الله قد استرعاه عليهم، فيجب أن يتقي الله فيهم في أداء مناسك الحج
والعمرة، بحيث يؤدونها على الوجه المشروع الذي جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدر المستطاع، وأن يفي لهم بما التزم به، وإننا لنرى من بعض هؤلاء الذين يحجون بالحجاج تفريطاً يخل بحج هؤلاء القوم، وهذا ظلم وخطأ عظيم، وهو مسئول عن ذلك أمام الله عز وجل، فليتق الله فيمن ولاه عليهم، وليحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب على ذلك في الآخرة.(24/83)
س 1622: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يدفع مائة ريال لبعض الناس الذين لهم علاقة بإخراج الجوازات لكي يختم له الإقامة له بالحج فما حكم حجه هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: حجه صحيح إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، ولكن يبقى النظر هل يجوز للإنسان أن يرشي المسئول من أجل أن يخالف النظام من أجل هذه الرشوة.
س 1623: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أسألك يا فضيلة (1) الشيخ وأنا الآن في منى، كنت قبل خمس سنوات ممن يسب الصحابة رضي الله عنهم فرأيت في المنام الشيخ محمد بن صالح
العثيمين هذا الذي أمامي مع الرسول صلى الله عليه واَله وسلم فكان الرسول يعطيه حصيات في يده ويقول لك: سلمها للولد هذا ويقسمها على أصحابه تنفعهم، وبعد عدة أيام أتاني أناس فأخذوني معاهم حمداً لله قضيت معهم فترة أربعين يوماً فتبصرت الحمد لله ولكن يا شيخ الآن فيه ناس كلما سألتهم عن شيء قالوا هؤلاء أصحاب بدع فأنا أحبهم حباً شديداً ولا أريد أن أخرج عنهم فماذا رأيت يا شيخ أبقى معهم؟ وما تأويل هذه الرؤيا؟ وهل حجي صحيح؟ حيث حججت ثلاث مرات وأنا أعتقد أن سب الصحابة رضي الله عنهم طاعة؟
__________
(1) هذا السؤال كان في مخيم فضيلة الشيخ- رحمه الله- بمنى.(24/84)
فأجاب فضيلته بقوله: على كل حال أنا أشكرك على هذا السؤال لأنه صريح، وسأجيب بإذن الله عز وجل، اعلموا أن سب الصحابة رضي الله عنهم منكر عظيم وإذا سبهم على سبيل العموم
كان كافراً بالله عز وجل، كيف يرضى الإنسان أن يسب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسب الصحابة سب للرسول عليه الصلاة والسلام، وجه ذلك أنه إذا كان أصحاب هذا النبي الكريم موضع قدح وذم فإن الخليل للمرء يكون على دين المرء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال " (1) ، فإن الإنسان عندما يرى شخصاً يصاحب قرناء سوء فإنه يتهمه بالسوء أليس كذلك؟ فإذا كان هؤلاء الصحابة الكرام محل قدح وذم، فإن هذا يعني أن ذلك قدح في رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يخفى ما في قدح النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثالثاً: هو قدح في حكمة الله عز وجل، كيف يختار الله لأفضل البشر عنده عز وجل أصحاب سوء وقرناء فتنة، لا يمكن، لكن الذي يدعيه قادح بحكمة الله عز وجل.
رابعاً: القدح في الصحابة قدح في الشريعة الإسلامية كلها، لأن الذي نقل الشريعة هم الصحابة، فإذا كان ناقل الشيء محل قدح وذم فإنه لا يقبل ما روى، ولا يكون شريعة، فتبين الآن أن قدح
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (رقم 4844) والترمذي، كتاب الزهد، باب الرجل على دين خليله (رقم 2378) وقال: حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3545) .(24/85)
الصحابة يستلزم أربع مفاسد:
الأول: أنه قدح في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: بأنه قدح برسول الله.
الثالث: أنه طعن في حكمة الله عز وجل.
الرابع: أنه قدح في الشريعة الإسلامية لأنهم الذين نقلوها.
وأما ما جرى بينهم من الفتن فهذا عن اجتهاد، المصيب منهم له أجران، والمخطىء له أجر واحد، ولا يمكن أبدأ أن يكون ذلك قدح فيه، فعلي رضي الله عنه أقرب بلا شك إلى الصواب من
معاوية، ولكننا لا نقدح بمعاوية لأنه مجتهد، ثم إن ما جرى بين الصحابة فالواجب الكف عنه، وألا يتحدث به ولا يسمع إلى أشرطة تنقل هذا الشيء، لأنكم تعلمون أن التاريخ كثير منه مبني على
السياسة، فإذا كان الخليفة وجدت المدح والثناء حتى جعلوه فوق الثريا، وإذا سقط حطوا من قدره، فالتاريخ خاضع للسياسة تماماً فلا يجوز أن نخوض فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، وأمر من الله عز وجل ولهذا قال الناظم:
ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجردا فعلينا أن نحب الصحابة رضي الله عنهم ونثني عليهم ونترضَّى عنهم، ولا يجوز أن نخوض فيما جرى بينهم من هذه الأمور.(24/86)
أما بالنسبة لجماعة التبليغ، فجماعة التبليغ لا شك أنهم لهم تأثيراً كبيراً، فكم من إنسان هداه الله عز وجل على أيديهم، وكم من كافر أسلم، فهذا شيء مشاهد ولهم تأثير بالغ لكنهم يشوب دعوتهم
شيئان:
الشيء الأول: الجهل، فكثير منهم على جهل ليس عندهم علم، وهذا يمكن دواؤه بأن يحرصوا على التعلم.
الشيء الثاني: أن عندهم بعض البدع وهذا دواؤه أن يعالجوا في تركه، أما تأثيرهم فتأثير بالغ فنسمع قصصاً عظيمة في أناس هداهم الله وهم من أفسق الناس وأفجر الناس على أيدي هؤلاء، فأنت إن خرجت معهم لتصحح الخطأ في أوضاعهم فجزاك الله خيراً.
وأما الرؤيا لا أؤولها ولا أدري ما هي، الله أعلم.
أما صحة الحج فإننا نسأل هذا الرجل الذي أمامنا ونقول له: هذا الاعتقاد الذي اعتقدته هل كنت تظن أن هذا هو الحق؟
السائل: كنت أظن أن هذا هو الحق حسب ما تعلمت من المشايخ، وكذلك يا شيخ أنا أحبك في الله، وأول ما بدأت أحبك في الله من كنت أسب الصحابة لأني كنت أسمعك في الراديو تقول: (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كنت أعتقد أن من قال (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يحب أهل البيت فحبيتك حب لله عندما كنت أسمعك تقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولهذا رأيتك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(24/87)
وأعطيتني الحجرات.
الشيخ: على كل حال الحج مقبول مادمت ترى أنك على حق وجاهل بالأمر ثم لما تبين لك الحق تركت الباطل وأخذت بالحق، أسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يعيذنا وإياكم من الشيطان
الرجيم.
س 1624: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص مات وهو محرم ولم يعرف به إلا متأخراً فهل يكفن أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كان إحرامه باقياً كفن في إحرامه، وإن كان تالفاً ففي أي ثوب آخر؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي وقصته ناقته: "كفنوه في ثوبيه " (1) فدل هذا على أن الأفضل فيمن مات محرماً أن لا يؤتى له بكفن جديد، بل يكفن في إزاره وردائه.
س 1625: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل صحيح أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة في السماء السابعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم البيت المعمور في السماء السابعة، وهو كما جاء في الحديث بحيال الكعبة (2) ، وحيال الكعبة
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا مات (1851) ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (1206) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (رقم 3207) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات (رقم 164) .(24/88)
هل معناه أنه فوقها، وهذا ليس بغريب والله على كل شيء قدير، أو المعنى بحيال الكعبة أنه كما تعمر الكعبة من أهل الأرض يعمر البيت المعمور من أهل السماء، الذي يهمنا أن البيت المعمور في
السماء السابعة وأنه يدخله في اليوم سبعون ألف ملك.
س 1626: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يصح حديث أبي داود وسعيد بن منصور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأزواجه في حجة الوداع: "إنما هي هذه ثم ظهور الحصر " (1) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: معنى (ثم ظهور الحصر) : أي ثم الزمن ظهور الحصر، والمعنى: هذه ثم الزمن بعد ذلك البيوت:
وهذا إشارة من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أزواجه ينبغي ألا يحججن لمكة وفي آخر خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خاف من التبعة فأذن لهن أن يحججن، فحج من أراد منهن الحج في آخر خلافة عمر ابن الخطاب لأنه خاف من منعهن، ومن ثم نقول: في هذا الزمان
الذي فيه الحجاج كثيراً جداً، ويحصل بالحج من المشقة والتعب والإختلاط بالرجال ومزاحمة الرجال ما يحصل، نقول: لو أن المرأة اكتفت بفرضها، وإذا كان عندها فضل مال تعين من أراد أن يحج فرضاً، فإنها إذا أعانت من يريد أن يحج فرضاً صار لها مثل أجره، خير من كونها تذهب وتزاحم وتتعب، وربما تهلك،
__________
(1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب فرض الحج (رقم 1722) وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 7008) .(24/89)
وكذلك أيضاً لو جاءنا رجل يقول: أنا أريد أن أحج تطوعاً أو أبذل ما أحج به في مساعدة إخواننا المحتاجين في البوسنة والهرسك فنقول له: ساعد هؤلاء المجاهدين في سبيل الله الذين يدافعون عن
أوطانهم، ويدافعون عن دينهم، وعن أعراضهم، وعن صبيانهم، فهو أفضل من أن تجعل هذا في الحج والعمرة تطوعاً.
س 1627: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم تعليق بعض الإعلانات للحج والعمرة داخل المساجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المساجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي، فيكون هذا نوع من التجارة ولكن بدلاً من
أن تكون بالمسجد تكون عند باب المسجد من الخارج.
س 1628: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يحج بمال حرام هل حجه مقبول؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح أن حجه صحيح؛ لأنه ليس من شرط الحج المال، فيستطيع الإنسان أن يحج ببدنه، بخلاف الصدقة، إذا تصدق بمال حرام فلا تقبل منه؛ لأن الحرام وقع في عين العبادة، أما الحج فأعمال الإنسان حركته وطوافه وسعيه ورميه، فهي أفعال وليس دراهم ولا نفقة، فالصحيح أن(24/90)
حجه صحيح، ولكن لا يحل له أن يستهلك الأموال المحرمة في عبادة ولا غيرها ويجب عليه أن يتخلص منها.
س 1629: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك مدرس يشرح للطلاب صفة الحج والعمرة ولكن يقول: لا يستوعب الطلاب استيعاباً جيداً فهل يجوز أن أجعل في المدرسة مجسماً للكعبة والمشاعر حتى يطبقونها تطبيقاً عملياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يجوز، ولا ينبغي إطلاقاً ويستطيع أنه يرسم في السبورة صورة كعبة، ويقول: تطوف عليها هكذا، أما أن يجعل مجسماً، فهذا في ظني أنه يجعل العبادات مجرد طقوس وحركات فقط، ليس لها تأثير في القلب.
س 1630: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل صلاة الجنازة في الحرم المكي تضاعف بقية الصلوات في أجر القيراط؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا محل خلاف بين العلماء فبعض العلماء يقول: الذي يضاعف في المسجد الحرام هو الصلوات الخمس فقط وغيرها لا يضاعف.
والذي يظهر من الحديث العموم، وتكون الصلاة على الجنازة داخلة في العموم تضاعف في المسجد الحرام، والله أعلم.(24/91)
س 1631: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الجدال في الحج؟ حيث يقع بين الرفقة في الحج خلاف حول بعض الأمور؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول الله عز وجل في الحج: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (1) والجدال أنواع:
الأول: جدال يراد به إثبات الحق، فهذا واجب حتى وإن كان الإنسان في الحج، ما دام يريد إثبات الحق ولكن بالتي هي أحسن؛ لقول الله تبارك وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (2) ولا يقول إن هذا جدال والله يقول: (وَلَا جِدَالَ في اَلحَجِّ) بل نقول: هذا جدال لابد منه، واجب، وهو دفاع في الواقع عن الحق أو إثبات له.
الثاني: جدال في أمور ليست حقاً ولا باطلاً، مثل أن يقول: الشيء الفلاني الذي في الجبل إنسان، وهذا يقول: شجرة، وهذا يقول: حجر وما أشبه ذلك، ويتجادلون هذا منهي عنه لما فيه من
تحريك النفس وصدها عما هي بصدده من الإقبال على النسك.
الثالث: أن يكون جدال بالباطل بمعنى إنه يجادل وهو يعلم أن الحق بخلاف ما يقول، لكن يريد أن ينتصر لنفسه، وأن تكون كلمته هي العليا، فهذا آثم من جهة إنه جادل وهو محرم بالحج، ومن جهة إنه أراد أن يحق الباطل ويبطل الحق.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 197.
(2) سورة النحل، الآية: 125.(24/92)
وفي هذه الحالة لو أن القافلة جعلت لها أمير يحدد لها المصالح، حتى لا يحصل نزاع؛ لأنه أحياناً يكون جدال فإذا كان هناك أمير فصل، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يأمروا أحدهم (1) ، وتأمير هذا الواحد ليس معناه أنه أمير بلا أمارة، بل هو أمير له أمارة، وله كلمة يجب قبولها، لأنه لم كان أميراً صار من أولياء الأمور، وقد أمر الله بطاعة ولي الأمر إذا لم يأمر بمعصية.
س 1632: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة بعد رمي جمرة العقبة لم يؤدوا جميع الصلوات حتى قدموا إلى أهلهم، فعند قدومهم جمعوا الصلوات كلها يعني الأربعة أيام جمعوها مرة
واحدة، فما حكم عملهم هذا وعذرهم التعب؟
فأجاب فضيلته بقوله: هؤلاء الذين ذكرت أنهم لما رموا جمرة العقبة تركوا الصلاة حتى رجعوا إلى أهلهم، وعذرهم في ذلك أنهم متعبون، نقول: إن هؤلاء أثموا لأنهم أخروا الصلاة بلا عذر شرعي، ولا ينفعهم قضاؤهم، فلو قضوها ألف مرة فإنها لا تقبل منهم، لأنهم أخرجوها عن الوقت الذي حدده الله سبحانه وتعالى بلا عذر وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) أي مردود عليه، فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن
__________
(1) رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم (2608) .
(2) تقدم تخريجه ص 11.(24/93)
يرجعوا إليه مما صنعوا وأن لا يقدموا على شيء في العبادات إلا بعد أن يسألوا أهل العلم.
س 1633: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لا يخفى على فضيلتكم ما يقوم به الكشافة في الحج من أعمال وخدمات نرجو منكم إبداء رأيكم حول هذا الموضوع من خلال ما شاهدتموه وما
تتمنوا أن تكون عليه برامجهم مستقبلاً جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الكشافة في الواقع لهم سعي مشكور في أيام الحج؛ لأنهم يقومون بتنظيم المرور من جهة، وبإرشاد الضائع من جهة أخرى، وبمساعدة من يحتاج إلى مساعدة، وهم بأنفسهم أيضاً حسب ما بلغنا مستقيمون يقومون بالنوافل التي يستطيعونها، وبالعبادات التي يستطيعونها، وفيه أيضاً من التألف والتعارف بين أفراد الأمة الذين أتوا من أنحاء شتى ما يحصل به الخير الكثير فنصيحتي لهم:
أولاً: أن يخلصوا عملهم لله عز وجل، بحيث يريدون بذلك التقرب إلى الله عز وجل.
ثانيا: أن ينووا بهذا الإحسان على الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يجزي المحسنين، ومن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون(24/94)
أخيه " (1) وقال: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " (2) .
ثالثاً: أوصيهم كذلك بغض البصر عن إطلاقه في مشاهدة النساء المتبرجات، فإنه كما تعلمون في موسم الحج يكون فيه نساء متبرجات بناء على عادتهن فيغضون البصر.
رابعاً: إذا شاهدوا هؤلاء النساء فينصحون أولياءهن إذا كانوا معهن بأن يلزموا نساءهم بالحجاب الشرعي، أهمه تغطية الوجه، وليس الحجاب الشرعي كما يفعله بعض الناس تغطي المرأة كل شيء منها إلا وجهها، لأن هذا ناقص، فإن الأدلة تدل على وجوب ستر الوجه إلا من المحارم والزوج.
ولا شك أن الإنسان إذا رأى أعمال هؤلاء الكشافة فإنه يسر بذلك، فنوصيهم بأن لا يتأخروا إذا طلب منهم المشاركة في ذلك وأن يلاحظوا الإخلاص لله تعالى، والرفق بعباد الله، والإحسان
إليهم.
س 1634: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أناب آخر في الحج ثم هرب بالمال قبل أن يؤدي الحج؟
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن (رقم 2699)
(2) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه (رقم 2442) ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم (رقم 2580) .(24/95)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان حجه واجباً ينيب غيره ويسعى في طلب هذا الهارب.
س 1635: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا قلنا إن المقصود من إشعار البدن وتقليدها تعظيم شعائر الله عز وجل، وبيان ما يختص به الفقراء هل يمكن أن يقوم مقام ذلك الأصباغ الموجودة بأن يكتب عليها هذه هدي أو ما أشبه ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أولى أن تتبع.
س 1636: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في النيابة في الحج يدفع بعض الناس للنائب أكثر من تكلفه الحج ويقول: هذا المال كله لك فما حكم هذا المبلغ الزائد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذين يدفعون أكثر من التكلفة إما أنهم يريدون الإحسان إلى هذا المستنيب الذي استناب عن غيره، وإما أنهم يقولون: نحن لا نقدر مجرد النفقة: بل نقدر النفقة وتعب الرجل ومخاطرته.
س 1637: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يبحث عن النيابة في الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن علم هذا الشخص أن معينًا يبحث(24/96)
عن أحد، فلا بأس أن يذهب بقصد الإحسان إليه، أما أن يذهب إلى الناس ويحرج على نفسه فلا أرى هذا.
س 1638: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم فيمن يمشون بأحذيتهم على أرض المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشي على أرض المسجد الحرام بالحذاء لا ينبغي، وذلك لأنه يفتح باباً للعامة الذين لا يقدرون المسجد، فيأتون بأحذية وهي ملوثة بالمياه، وربما تكون ملوثة بالأقذار يدخلون بها المسجد الحرام فيلوثونه بها، والشيء المطلوب شرعاً إذا خيف أن يترتب عليه مفسدة فإنه يجب مراعاة هذه المفسدة وأن يترك، والقاعدة المقررة عند أهل العلم أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد مع التساوي، أو مع ترجح المفاسد، فإن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يهدم الكعبة، وأن يجدد بناءها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن لما كان الناس حديثى عهد بكفر، ترك هذه الأمر المطلوب، خوفاً من المفسدة، فقال لعائشة- رضي الله عنها-: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر، لهدمت الكعبة، وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين، باباً يدخل منه الناس، وباباً يخرجون منه " (1) ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توفي وبقيت الكعبة على ما هي
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه (رقم 126) ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها=(24/97)
عليه لم تؤسس على القواعد التي أرادها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولما تولى عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- الخلافة في الحجاز بناها على قواعد إبراهيم وجعل له بابين، ثم لما عادت ولاية الحجاز إلى بني أمية أعادوها على ما توفي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلوها على هذا الوجه الموجود الآن، بناية مستقلة لها باب وحِجْر من جانبها له بابان، وانظر إلى الحكمة الألهية حيث تحقق ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون للكعبة بابان، باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه فالحجر من الكعبة- ستة أذرع ونصف كله من الكعبة- فيه باب
يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، مع الفضاء وعدم التسقيف، فما ظنك لو كانت الكعبة بناية واحدة، ولها بابان، ما ظنك أفلا تكون سبباً لموت كثير من الناس؟! بلى تكون سبباً في موت الكثير
من الناس عند ازدحامهم فيها وعند دخولها، والله أعلم.
س 1639: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائلة تقول: حججت قبل خمس سنوات ثم قلت إن يسر الله لي حجة أخرى فسأجعل تلك الحجة السابقة سنة، وأجعل هذه فريضة لأني في تلك الحجة في أيام جهل وعدم إدراك، فهل يجوز لها هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول فريضتها هي الحجة الأولى، والحجة الثانية هي التطوع.
__________
= (رقم 1333) (402) .(24/98)
واعلم أخي المسلم أن جميع النوافل تكمل بها الفرائض، فالصلاة لها رواتب فإن كان في الفريضة خلل فهذه الراتبة تجبر الخلل والحمد لله، كذلك هذه المرأة نقول: إذا كان في حجها الأول خلل فحجها الثاني يرقع ذلك الخلل، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة إذا كان في الفرائض نقص، والسائلة لم تبين ما وقع منها في حجها السابق حتى يحكم عليه بما تقتضيها الأدلة الشرعية، والله الموفق.
س 1640: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نذرت أن أحج للفريضة إذا توظفت في نفس العام فتوظفت والحمد لله وأنا الآن أحج حجة الفريضة فهل علي شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء عليك، مادمت وفيت بالنذر لا شيء عليك، ولكني أنصحكم عن النذر، لا تنذروا مهما كانت الظروف، لأن النبي نهى عن النذر وقال: "إنه لا يأتي بخير وإنما
يستخرج به من البخيل ". وفي رواية أخرى: "إنه لا يرد قضاء" (1) ، وبعض الناس إذا أيس من الشيء، قال: إن حصل فللَّه علي كذا وكذا. نقول: لا تفعل. إن كان الله قد قضاه لك حصل بدون النذر، وإن لم يكن فإنه لا يحصل حتى لو نذرت، فاترك النذر، إن كثيراً من الذين ينذرون تجدهم يندمون على هذا ويطلبون أن يفتيهم الناس
__________
(1) البخاري، كتاب القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر (رقم 6608، 6609) ومسلم، كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئاً (رقم 1639، 1640) .(24/99)
من كل باب لعلهم يسلمون من النذر، وبعضهم- والعياذ بالله- يترك النذر ولا يبالي، وكأنهم لم يقرأوا قول الله عز وجل: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)) (1) لا صاروا صالحين ولا منفقين، قال الله عز وجل: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) نعوذ بالله، أعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه يعني إلى الموت بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا ايكذبون.
س 1641: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى المسعى وسعى وهو يظن أنه مكان الطواف فلما وصل إلى العلم الأخضر عرف أنه في المسعى فنوى السعي فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب عليه أن يعود من الأول فإن لم يكن فعل ذلك فليعد السعي الآن، لأن السعي الأول لم يصح، حيث إنه لم ينوه من أوله، نواه من أثناءه فعليه الآن أن يعيد السعي.
س 1642: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الإنسان محمولاً؟ والسعي بعربية؟
فأجاب فضيلته بقوله: طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية ففيه خلاف بين العلماء منهم من
__________
(1) سورة التوبة، الآيتان: 75-76.(24/100)
يقول: لا يجزي إلا لعذر. ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس. والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذر كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية
الطواف كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذر فلا يجوز.
س 1643: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا من أهل مكة هل أصلي الجمعة أم أصلي في منى الظهر؟
فأجاب فضيلته بقوله: صل مع الناس هنا في منى لأن بقاء الحاج في منى أفضل من نزوله إلى مكة، فهذا مكان في وقته أفضل من مكة؛ لأن بقاءك في هذا المكان عبادة مطلوبة منك لكن في مكة
تجدها في أي وقت.
س 1644: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه طاف ببرد أخضر؟ وهل يستحب ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أدري عن الجملة الأولى هل طاف ببرد أخضر، وأما الثانية فالأفضل البياض، والجديد أفضل، ثم الغسيل ثم المستعمل.(24/101)
س 1645: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: القاعدة تقول إن الحكم يدور مع علته فكيف بقيت سنة الاضطباع والرمل في الأشواط الثلاثة من الطواف الأول وقد انتهتا العلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: بقيت لأن السنة دلت على هذا والسنة مقدمة على التعليل؛ لأن التعليل دليل عقلي قياسي والسنة خبر أثري. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج حجة الوداع
وليس هناك مشركون يريد أن يغيظهم ومع ذلك اضطبع في الطواف كله ورمل في الأشواط الثلاثة ولهذا لما أورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا على نفسه وقال فيما الرمل الآن؟ قال: لا أدع سنة سنها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. يقال في الجواب: إن هذه القاعدة على صواب لكن لما دلت السنة على أن الرمل مشروع حتى في غير إغاظة الكفار قلنا ببقاء الرمل حتى في غير إغاظة الكفار، وفائدته أن يتذكر الإنسان ما جرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه من مغايظة الكفار.
س 1646: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس يفلسفون قضية الاختلاط ويستدلون على أنه جائز ومباح بالاختلاط الموجود في الطواف في المسجد الحرام وكذلك ما جاء وورد عن بعض مجالس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها يفهم منها أنها(24/102)
كانت مختلطة بين النساء والرجال لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (1) فكيف الجواب عن ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب عن هذا أن نقول: إن النصوص تنقسم إلى قسمين محكمة ومتشابه، وطريق الراسخين في العلم أن يحملوا المتشابه على المحكم؛ ليكون النص كله محكماً، فإذا وجدنا نصوصاً تدل على أن الشريعة الإسلامية تحبذ على ابتعاد النساء عن الرجال، فالنصوص الأخرى التي تكون فيها إشارة إلى اختلاط النساء والرجال تكون من المتشابه وتحمل على قضايا معينة خاصة لا يحصل فيها مفسدة، ومعلوم أنه لا يمكن أن يعزل النساء عن الرجال في الطواف؛ لأنك إن عزلت النساء عن الرجال في الطواف في الزمان صار في هذا إشكال، لو قلت مثلاً في النهار للنساء، وفي الليل للرجال، أو في الليل للنساء، وفي النهار للرجال أشكل على الناس، النساء لهن محارم فكيف يصنع محرم المرأة إذا قيل لا تطوف امرأتك إلا في الليل وهو يريد أن يسافر مثلاً ماذا يصنع ثم عند انتهاء الوقت سوف يقدم الرجال، والنساء يخرجن، فيحصل بذلك اختلاط، وإن فصلنا بينهن وبين الرجال في المكان وقلنا الكعبة للنساء، والخارج البعيد للكعبة للرجال، أو بالعكس، فلابد من الاختلاط، فالاختلاط في الطواف ضرورة لابد منه، ولكن يبعد كل البعد أن أحداً من الناس يفتتن في هذه الحال، هذا بعيد جداً، وذلك لأن المقام مقام عبادة، ولا يمكن لأحد أن
__________
(1) سورة التوبة، الآية: 71.(24/103)
يخطر بباله فتنة في هذه الحال إلا من أزاغ الله قلبه- والعياذ بالله- ومن أزاغ الله قلبه فلا حول ولا قوة إلا بالله.
س 1647: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نرى كثيراً من الحجاج أصلحهم الله يشربون الدخان، هل يؤثر شرب الدخان على الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: شرب الدخان حرام على الحاج وغير الحاج، ومعصية، ولا يغرنكم كثرة الشاربين، والدليل على أنه حرام ومعصية قول الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (1) ومعلوم أن شرب الدخان والإدمان عليه سبب للهلاك، والعجب أن بعض الدول الكافرة التي لا تؤمن بالإسلام حرموه على شعوبهم ومنعوهم منه، لأنه ضار بلا شك، والله عز
وجل يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وليس المراد بقوله لا تقتلوا أنفسكم أنه يأخذ الإنسان خنجراً ويقتل نفسه هذا معروف حرام، لكن يشمل قتل النفس التي تزهق به الروح والضرر أيضاً، والدليل
على أنه شامل للضرر أن عمرو بن العاص رضي الله عنه بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية فأجنب أصابته جنابة، وكانت الليلة باردة فتيمم فصلى، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال يا رسول الله ذكرت قول الله عز وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا
__________
(1) سورة النساء، الآية: 29.(24/104)
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) يعني وخفت من البرد، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقر (1) ، فالدخان فيه ضرر على الإنسان.
ثانياً: فيه إضاعة للمال، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال (2) ، وفي القرآن ما يدل على النهي عن إضاعة المال كما في قوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) (3) لا نؤتيهم الأموال لأنهم سفهاء يبذلونها في غير فائدة فنهى الله عنها في ذلك.
ثالثاً: المدخن مؤذ للغير يؤذي الناس برائحته وبدخانه وما آذى المسلمين فهو حرام لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)) (4) .
رابعاً: اسأل المدخن، هل الصوم سهل عليه أم صعب؟ سيقول: إنه صعب، لا لأنه يجوع ويعطش، بل لأنه فقد شرب الدخان، فيكون شرب الدخان مثقلاً للعبادات على الإنسان، فيأتي بالعبادات على وجه الكراهية، وهذا خطر على الدين، أي إنسان يكره شيئاً من فرائض الله فإن عمله حابط، قال الله تعالى: (ذَلِكَ
__________
(1) أبو داود، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البر د يتيمم (1640) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا يسألون الناس إلحافاً. ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة.
(3) سورة النساء، الآية: 5.
(4) سورة الأحزاب، الآية: 58.(24/105)
بِأَنَّهُم كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُم (9)) (1) وإذا كان كذلك فإن الله تعالى يقول في القرآن: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (2) وهذا أتى الفسوق فيكون نسكه ناقصاً، فالذي يدخن وهو محرم نسكه ناقص ينقص أجره وثوابه، ولهذا أرى أن الإنسان العاقل يتخذ من الإحرام فرصة لترك الدخان؛ لأنه إذا بقي هذه المدة لم يشرب الدخان سهل عليه تركه والمضي في ذلك فتكون هذه فرصة لمن أراد أن ينتهي عن الدخان. والله الموفق.
س 1648: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الرجوع للمعاصي بعد أداء فريضة الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرجوع إلى المعاصي بعد أداء فريضة الحج نكسة عظيمة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع "يعني من ذنوبه "كيوم ولدته أمه " (3) وقال صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (4) فإذا نقى صحيفته بهذا الحج فإن من السفه أن يسود الصحيفة بسيئات أعماله بعد الحج، وهكذا أيضاً موسم الصوم في رمضان إذا عاد الإنسان إلى المعاصي فقد خسر خاسرة عظيمة، وانتكس نكسة عظيمة، فعليه
__________
(1) سورة محمد، الآية: 9.
(2) سورة البقرة، الآية: 197.
(3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (1521) ، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1350) .
(4) تقدم تخريجه ص 11.(24/106)
أن يعود إلى الله مرة أخرى، وأن يستغفر ويتوب، والتائب من الذنب كالذي لم يفعل الذنب أو أشد، فقد يكون الإنسان بعد ذنبه إذا تاب إلى الله واستغفر أحسن حالاً منه قبل ذلك ألم تروا إلى آدم عليه الصلاة والسلام قال الله عنه (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)) (1) وهذا الاجتباء والتوبة والهداية حصلت بعد الذنب، فقد يكون الإنسان بعد الذنب أحسن حالاً منه قبل الذنب إذا تاب إلى الله، وعرف أنه مفتقر إلى الله عز وجل.
س 1649: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الذي ينبغي لمن وفقه الله لإتمام نسكه من حج وعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي ينبغي لمن منّ الله عليه بعبادة أن يشكر الله سبحانه وتعالى لتوفيقه لهذه العبادة، وأن يسأل الله تعالى قبولها، وأن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة نعمة يستحق
سبحانه وتعالى الشكر عليها، فإذا شكر الله وسأل الله القبول، فإنه حري بأن يقبل؛ لأن الإنسان إذا وفق للدعاء فهو حري بالإجابة، وإذا وفق للعبادة فهو حرى بالقبول، وليحرص غاية الحرص أن
يكون بعيداً عن الأعمال السيئة بعد أن منّ الله عليه بمحوها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (2) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى
__________
(1) سورة طه، الآيتان: 121-122.
(2) تقدم تخريجه ص (11) .(24/107)
رمضان، كفارة لما بينهن ما أجتنبت الكبائر" (1) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" (2) وهذه وظيفة كل إنسان يمن الله تعالى عليه بعبادة أن يشكر الله على ذلك، وأن يسأله القبول.
س 1650: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك علامات تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قد يكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحجاج، والصائمين، والمتصدقين، والمصلين وهي انشراح الصدر وسرور القلب، ونور الوجه، فإن للطاعات علامات
تظهر على بدن صاحبها، بل على ظاهره وباطنه أيضاً، وذكر بعض السلف أن علامة قبول الحسنة أن يوفق الإنسان لحسنة بعدها، فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله
الأول، ومنَّ عليه بعمل آخر يرضى به عنه.
س 1651: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الذي يجب على المسلم إذا انتهى من حجه وسافر تجاه أهله ومن يعيش في وسطهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الواجب نحو الأهل واجب على من حج ومن لم يحج، واجب على كل من ولاه الله تعالى على رعيه
__________
(1) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة (233) .
(2) رواه البخاري، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة.(24/108)
أن يقوم بحق هذه الرعية، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن "الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته " (1) فعليه أن يقوم بتعليمهم وتأديبهم كما أمر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما يأمر بذلك الوفود الذين يفدون إليه أن يرجعوا إلى أهلهم ويعلموهم ويؤدبوهم، والإنسان مسئول عن أهله يوم القيامة؛ لأن الله تعالى ولاه عليهم، وأعطاه الولاية فهو
مسئول عن ذلك يوم القيامة، ويدل لهذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا) فقرن الله تعالى الأهل بالنفس، فكما أن الإنسان مسئول عن نفسه، يجب عليه أن يحرص كل الحرص على ما ينفعها، فإنه مسئول عن أهله كذلك يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يجلب لهم ما ينفعهم، ويبعد عنهم قدر ما يستطيع ما يضرهم.
س 1652: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي آثار الحج على المسلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: سبق لنا الإشارة لشيء منها في علامات قبول الحج فمن آثار الحج أن الإنسان يرى من نفسه راحة وطمأنينة وإنشراح صدر ونور قلب، وكذلك قد يكون من آثار
الحج: ما يكتسب الإنسان من العلم النافع الذي يسمعه في المحاضرات، وجلسات الدروس في المسجد الحرام، وفي
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (893) ، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل ... (1829) .(24/109)
المخيمات في منى وعرفة، وكذلك من آثاره: أن يزداد الإنسان معرفة بأحوال العالم الإسلامي، إذا وفق لشخص ثقة يحدثه عن أوطان المسلمين، وكذلك من آثاره: غرس المحبة في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض، فإنك ترى الإنسان في الحج وعليه علامات الهدى والصلاح فتحبه وتسكن إليه وتألفه، ومن آثاره أيضاً: أن الإنسان قد يكتسب أمراً مادياً بالتكسب بالتجارة وغيرها،
لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (1) ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) (2) وكم من إنسان اكتسب مالاً بالتجارة في حجة شراء وبيعاً وهذا من المنافع التي ذكرها الله تعالى.
ومن آثار الحج: أن يعود الإنسان نفسه على الصبر على الخشونة والتعب، لا سيما إذا كان رجلاً عادياً من غير أولئك الذين تكثر لهم الرفاهية في حجهم، فالذي يكون حجه عادياً يكتسب خيراً
كثيراً بتعويد نفسه على الصبر والخشونة.
س 1653: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما نصيحة فضيلتكم لمن أدى فريضة الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: نصيحتي له أن يتقي الله عز وجل في
__________
(1) سورة الحج، الآية: 28.
(2) سورة البقرة، الآية: 198.(24/110)
أداء ما ألزمه الله به من العبادات الأخرى، كالصلاة، والزكاة، والصيام، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق، وإلى المملوكين، أو المملوكات من البهائم، وغير هذا مما أمر الله
به وإجمال ذلك كله قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)) (1) .
__________
(1) سورة النحل، الآيتان: 90- 91.(24/111)
[سؤال من حاج]
س 1654: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اعتمر ولما جاء الميقات أحرم وقبل أن يركب سيارته ليمشي قص أظافره (1) ؟
الشيخ: هل قصها ناسياً؟
السائل: قصها جاهلاً بالحكم مع أنه بعد أن قص أظافرة وتقدم ليركب السيارة لبى وقال: اللهم لبيك عمرة على أساس أنه من الآن بدأ إحرامه ولم يكن يعلم؟
الشيخ: هل نوى بعد أن ركب؟
السائل: لا هو نوى قبل الركوب، بل هو ناوي العمرة أصلاً منذ أن خرج من ديرته.
الشيخ: لكن لما اغتسل في الميقات ولبس الإحرام هل قال لبيك عمرة؟
السائل: نعم قال لبيك اللهم عمرة قبل أداء السنة في الميقات.
فأجاب فضيلته بقوله: على كل حال، مادام أن الرجل جاهلاً بالحكم فلا شيء عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (2) فقال الله عز وجل: "قد فعلت "،
ويقول سبحانه: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (3) .
__________
(1) هذه الفتاوى من برنامج سؤال من حاج، وقد رأى فضيلة الشيخ رحمه الله بعد مراجعة هذه الفتاوى أن تبقى كما هي مناقشة بين فضيلة الشيخ والسائل.
(2) سورة البقرة، الآية: 286.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 5.(24/115)
وكل المحظورات: أي محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، لكن إذا علم أو ذكر وجب عليه التخلي عن هذا المحظور فوراً.
س 1655: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لدينا خادمة مسلمة نريد أن نرسلها للحج فهل يجوز لها ذلك من غير محرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا لا يمكن إلا بمحرم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " (1) .
السائل: يعني الخادمة ما نقدر نوديها؟
الشيخ: ما تقدرون، إلا إذا كان البيت ما باق فيه أحد.
السائل: إذا كان البيت يبقى فيه ناس، تبقى في البيت؟
الشيخ: إذا كان كل البيت يريد الحج ولا يوجد في البيت أحد فهي تذهب معهم للضرورة وتحج.
السائل: لا. إحنا جالسين، لكن بعضهم ذاهبين للحج وبعضهم ليس بذاهب.
الشيخ: تبقى في البيت إذا أمن عليها وإلا فتسافر مع من سافر حيث يكون أشد أمناً لها.
س 1656: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا في رمضان أفطرت متعمدة بسبب ذهابي للعمرة، لأنني أخذ حبوب لكي تمنع
__________
(1) أخرجه البخاري، باب حج النساء (1862) ، ومسلم، باب سفر المرأة (1341) .(24/116)
الدورة، وأفطرت متعمدة لأنني نسيت حبة، فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يجوز.
السائلة: لأنه كان في وقت الدورة.
الشيخ: ولكنك أفطرت وأنت في بلدك، هذا لا يجوز، والمسافر لا يجوز له أن يفطر إلا إذا خرج من البلد، عليك الآن أن تتوبي إلى الله مما حصل، واستغفري الله، وهذا اليوم الذي أفطرتيه لابد أن
تقضيه. ولا يوجد كفارة، الكفارة هي التوبة والاستغفار وألا تعودي لمثل هذا.
س 1657: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك امرأة تريد أن تحج ولكن لا يوجد لها محرم وهي فريضة، فهل يصح لها ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يمكن أن تحج إلا بمحرم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " فقال له رجل: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: "انطلق فحج مع امرأتك " (1) ، والمرأة إذا لم تجد محرماً فإنه لا إثم عليها بتأخير الحج، بل إن المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا حج عليها، وأنها كالفقير ليس عليها حج، ولا يقضى عنها من تركتها، فلتطمئن ولا تتكدر، ولتعلم أنه لا حج عليها مادامت لا تجد محرماً.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء (1862) ، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (1341) .(24/117)
السائل: وإذا كانت في سفر من جدة إلى الرياض أو من الرياض إلى جدة مثلاً؟
الشيخ: لا. لا تسافر أي سفر كان.
السائل: ولو بالطائرة؟
الشيخ: ولو بالطائرة.
السائل: وإذا ذهبت مع نساء؟
الشيخ: حتى لو ذهبت مع نساء؛ لأن الحديث الذي أشرت إليه عام، ولو كانت الأحوال تختلف لاستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعند أهل العلم قاعدة معروفة: "أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال " فلما لم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه المرأة بل قال لزوجها: اترك الغزو واذهب وحج معها دل ذلك على أنه لا فرق بين أن تكون وحدها أو معها نساء، أو أن تكون آمنة أو خائفة.
س 1658: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت واعتمرت، وكانت في كل مرة عند الوضوء تمسح رأسها فوق الغطاء هل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم بعض العلماء يرى أن المرأة يجوز أن تمسح على خمارها مادام معصوباً على رأسها، وبناء على هذا فإن طهارة هذه المرأة صحيحة.
السائل: فيه ناس قالوا لا، غلط، فيه بعض العلماء يرى أنه يصح(24/118)
المسح على الخمار خوفاً من أن يسقط شعر.
الشيخ: لا، لا هذا غلط كونها تخاف أن يسقط الشعر هذا ليس بصواب، لأن الإنسان إذا سقط منه الشعر بغير قصد منه فلا شيء عليه.
س 1659: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إن شاء الله إني ناوي أحج وأريد أن أنزل مكة بدون إحرام هل هذا ممكن؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّت المواقيت، وألزم من مر بها وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم منها ولا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الإحرام فيتعدى حدود الله، فإن من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
س 1660: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا نويت أحج لجدتي أم أمي كانت متوفية، وبعدين جدتي أم أبي كانت طيبة في الأعوام الماضية، وما حصل ولا حجيت، ثم توفيت جدتي أم أبي،
وهي عزيزة علي والآن أقول جدتي أم أبي أولى فما رأيك؟
الشيخ: هل كل الجدتين لم يؤديا الفريضة؟
السائل: لا، لم يؤدوا الفريضة.
فأجاب فضيلته بقوله: ابدأ بأم أبيك إن كنت قد حججت عن نفسك، ثم بعد ذلك بجدتك أم أمك.(24/119)
س 1661: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن إن شاء الله ذاهبين للحج ومعنا أطفال سن 7، 9 سنوات فهل يحج هؤلاء الأطفال أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأطفال لا يحجون، يروحون معكم فقط ولا يحجون، ليس بلازم.
س 1662: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الوالدة أوصت بملغ من المال ليحج عنها، فحججنا عنها ببعض من المال، والباقي موجود الآن، فهل يحج عنها مرة أخرى أو نصرفه في عمل خيري لها؟
الشيخ: هل قالت: حجوا عني بهذا المال؟
السائل: نعم أوصت بهذا المبلغ في حجة، فصار المبلغ أكثر يعني دفعنا جزء منه.
الشيخ: أوصت بهذا المال في حج، فيحج عنها مرة ثانية، مادامت ما قالت حجة واحدة.
السائل: لا، قالت: يحج عني.
الشيخ: مادام قالت يحج عني بهذا المال، يصرف حتى ينفد، فيحج عنها مرة بعد أخرى حتى ينتهي.
السائل: هي لم تحدد واحدة ولا اثنتين ولا ثلاث لكن قالت يحج عني بهذا المال.(24/120)
الشيخ: إذاً يصرف كله في الحج.
س 1663: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لمن تحج أن تستعمل حبوب منع الحمل مدة الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، مدة الحج فقط للضرورة.
س 1664: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججنا مرة، فمرضت الوالدة، وكانت متعبة جداً وقت صلاة الجمعة وصلتها لكن لم تفهم ما قال الإمام من شدة التعب والنوم، فتسأل هل صلاتها جائزة أو تعيد الصلاة مرة ثانية؟
الشيخ: هل صلت ذلك الوقت أم لا؟
السائل: نعم صلت ولكنها كانت نائمة فلم تفهم ما قال الإمام.
الشيخ: لكن صلت صلاة تامة.
السائل: نعم.
الشيخ: إذاً يكفي مادام قرأت الفاتحة وأتت بما يجب.
س 1665: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عندنا واحد مسافر السودان، وهو ينوي العمرة من جدة لأنه سيقيم في جدة الأربعاء والخميس، وهو مسافر من الرياض؟(24/121)
فأجاب فضيلته بقوله: لا، لا بل يغتسل في بيته في الرياض، فإذا ركب الطائرة غير ثيابة ولبس ثياب الإحرام، وإذا مضى نصف ساعة تقريباً من إقلاع الطائرة من الرياض يقول: لبيك عمرة، ولا
يجوز أن يؤخر الإحرام إلى جدة.
السائل: حتى لو بقي في جدة ثلاثة أيام؟
الشيخ: ولو كان يقيم ثلاثة أيام، وحينئذ إما أن يبقى في إحرامه في جدة وإلا يطلع إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر ويرجع فوراً، وهذا لا يستغرق أكثر من ثلاث ساعات.
س 1666: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل طواف الوداع ضروري للذي في جدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، ضروري للذي في جدة.
س 1667: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا كنت سألت فضيلتك فقلت: الرمي يصح بالليل من الساعة كم إلى كم أول يوم، وأنا أرغب في الرمي ليلاً بسبب الشمس؟
فأجاب فضيلتهَ بقوله: أول يوم (يوم أحد عشر) من الظهر إلى الفجر.
السائل: قبل الفجر ممكن أرجم أول يوم؟
الشيخ: نعم قبل الفجر بساعة، وثاني يوم بعد المغرب والعشاء إلى(24/122)
الفجر.
السائل: وثالث يوم متى أرجم؟
الشيخ: نفس الشيء من الظهر إلى الغروب.
س 1668: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا لا أريد المبيت ثالث يوم هل أرمي الصبح باكراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، لا يصلح، ثالث يوم قبل الظهر لا يصلح.
س 1669: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة لطواف الوداع ممكن أعود لجدة ثم أذهب أعمل طواف الوداع؟ يعني يمكن أرجع بيتي في جدة لأستحم ثم أذهب مرة أخرى لكي أطوف طواف الوداع أم لا يجوز؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، لا يجوز.
السائلة: ضروري وأنا قادمة من منى أطوف طواف الوداع؟
الشيخ: نعم.
س 1670: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا متمتعة هل علي طواف قدوم أم انتظر في السيارة بسبب الزحمة؟
الشيخ: هل أتيت من جدة؟(24/123)
السائلة: أنا عملت عمرة التمتع ليس علي طواف قدوم فيها، طواف واحد فقط، يعني يوم أذهب إلى عرفة ليس على طواف قدوم أذهب فوراً إلى عرفة أو إلى منى أليس كذلك؟
الشيخ: هل أنت متمتعة أم مفردة؟
السائلة: لا، متمتعة.
الشيخ: المتمتع لابد إذا وصل مكة يطوف ويسعى ويقصر ويحل.
السائلة: وبعدين سوف أروح أحج هل علي أن أطوف مرة ثانية؟
الشيخ: لا، إذا كنت تريدين تحجين فقط، فالذي يحج ليس بلازم أن يطوف طواف القدوم وإنما طواف القدوم في حقه سنة.
س 1671: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في منى ألا يمكنني أن أصلي صلاة الليل وأكتفي بذكر الله أم لي أن أصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة أفضل وإذا لم تصل ما فيه شي.
السائل: يعني التسبيح أفضل؟
الشيخ: لا، الصلاة أفضل.
السائل: لكن يقولون: إن الصلاة تقصر ولذا لا أصلي السنة؟
الشيخ: لا، أقول: الفريضة الظهر اثنتان، والعصر اثنتان، والعشاء اثنتان، والنوافل صل ما شئت، إلا راتبة الظهر والمغرب والعشاء فالأفضل تركها، وكذلك بالليل يمكن أن تصليه، والوتر أيضاً وهو(24/124)
قبل الفجر آخر الصلاة.
س 1672: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا امرأة نفاس منذ عشرة أيام وأريد حج الفريضة هذا العام فهل لو انقطع عني الدم قبل الأربعين أقدر أن أطوف بالبيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا انقطع الدم قبل الأربعين اغتسلي وصلي وطوفي.
السائلة: يعني لا يلزم أن انتظر الأربعين؟
الشيخ: تنتظر حتى تطهر ولا يلزم أربعين، فإذا طهرت المرأة من النفاس ولو لعشرة أيام يجب أن تصلي.
س 1673: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا حججت حجة الإسلام وأريد الحج عن والدي وهو حي لكنه مسن وضرير، فهل يصح أن أؤدي الحج بالنيابة عنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: ألا يستطيع الحج هو؟
السائل: ما يستطيع الحج.
الشيخ: نعم، لا بأس أن تحج عنه.
السائل: والدتي أيضاً حية هل يصح أن أحج عنها؟
الشيخ: أمك ما تقدر تأتي؟
السائل: ما تقدر تأتي للحج؟(24/125)
الشيخ: هي كبيرة السن؟
السائل: سبعون عاماً.
الشيخ: لا بأس تحج عنها أولاً، وتحج عن أبيك بعد ذلك، فتبدأ بالأم هذا العام، والأب بعد ذلك.
س 1674: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة تريد السفر للحج وتريد معها محرم، هل يجوز أن يكون زوج ابنتها محرم لها وهي كانت تتغطى عنه؟
الشيخ: أليس هو زوج ابنتها؟
السائل: نعم.
الشيخ: يكون محرماً لها.
السائل: ما يخالف إذا تغطت عنه، وليس عليها ذنب؟
الشيخ: لا يجب عليها أن تتغطى عنه، وليس عليها شيء إذا تغطت وإذا كشفت وجهها عنه فلا بأس لأنه محرم لها.
س 1675: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يوجد عندي حجج وأجر عليها بواسطة واحد من مكة المكرمة فهل يجوز ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحجج لغيرك أم لك؟
السائل: الحجج لغيري، وهي حجج ناس متوفين، وأجر عليها من مكة بواسطة واحد هل يجوز ذلك؟(24/126)
الشيخ: لا بأس إذا كان الرجل الذي يحج ثقة مأمون فلا بأس.
س 1676: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من أراد مكة لغير حج أو عمرة فقط لزيارة بعض الأقارب هل يجب عليه الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، إذا ذهب إلى مكة لغير حج ولا عمرة فلا يجب عليه الإحرام؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت وقال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة" (1) فالذي لا يريد الحج ولا العمرة ليس عليه إحرام.
س 1677: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يوكل إنساناً في رمي الجمار؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، لا يجوز أن يوكل في رمي الجمار إلا إذا كان لا يستطيع أن يرمي: إما كبير أو مريض، أما الزحام فهو يمكن أن يرمي بالليل.
س 1678: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: خمسة أشخاص وكلوا واحداً يرمي لهم الجمار، ثم إن هذا الشخص قصر ولم يرمها على التمام، والآن هو نادم وقد مضى وقت طويل فماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: يذبح لكل واحد فدية في مكة ويوزعها
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل الشام (1526) ، ومسلم كتاب الحج، باب المواقيت (1181) .(24/127)
على الفقراء.
وأقول: لا يجوز للواحد أن يوكل أحداً يرمي عنه بل يلزم أن يرمي هو بنفسه إلا إذا كان مريضاً أو كبيراً لا يستطيع، وأما إذا كان يستطيع فيرمي، وإذا خاف من الزحام يرمي بالليل.
س 1679: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا اعتمرت العام الماضي في رمضان، وجلست في مكة يومين، وخرجت بدون أن أطوف طواف الوداع لأني ما كنت أعلم الحكم ولم أسأل أحداً بل كنت أعرف فقط أن علي أن أعتمر وأجلس وأمشي فهل علي دم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كانت أمورك متيسرة فالأحسن أنك تذبح فدية بمكة وتوزعها على الفقراء؛ لأن القول الراجح أن طواف الوداع للعمرة واجب؛ لأن العمرة حج أصغر كما جاء في حديث عمرو بن حزم، وإذا كانت الأمور غير متيسرة فلا حرج عليك لكن إن شاء الله فيما بعد إذا اعتمرت لا تخرج حتى تطوف طواف الوداع.
س 1680: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أدى عمرة في رمضان هل تجزئه عن عمرة الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تجزئه العمرة متى أتى بها الإنسان في رمضان أو في غيره فقد أدى فريضة الإسلام، فإذا رجع إلى مكة فإن شاء أحرم متمتعاً وأتى بالعمرة ثم تحلل منها ثم أحرم بالحج وإن(24/128)
شاء قرن بين العمرة والحج، وإن شاء أفرد الحج، والتمتع أفضل.
س 1681: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك دعاء نقوله عند الإحرام للعمرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس هناك دعاء، إنما ينوي الإنسان فيقول: لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
س 1682: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لي أخت وأردت أن أحج بها لكنها عرجاء شديدة العرج فإذا أردت أن أحج عنها فهل يجوز؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت هذه الأخت لم تؤد الفريضة فإننا ننظر إن كانت عرجاء عرجاً لا يمكنها أن تحج معه فلا حرج عليك أن تؤدي عنها الفريضة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما:
أن امرأة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم " (1) فهذه الأخت إذا كانت لا تتمكن من أداء الحج من أجل العرج الذي فيها فلك أن تحج عنها الفريضة، أما إذا كان الحج نفلاً وقد أدت الفريضة من قبل فالأمر في هذا أسهل ولا حرج عليك أن تحج عنها، ويشترط أن تكون قد أديت حجة الفريضة عن نفسك؛ لأن الإنسان لا يحج عن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله رقم (1513) ومسلم، كتاب الحج عن العاجز رقم (1334) .(24/129)
غيره إذا كان الحج فرضاً عليه حتى يؤدي الفريضة عن نفسه. السائل: إذا كانت تستطيع أن تركب الراحلة لكن يصعب عليها المشي فقط؟
الشيخ: تستطيع أن تركب الراحلة فالطواف والسعي يمكن أن تطوف محمولة، وتسعى على العربة هذا إذا كان حج فريضة، أما النافلة فالأمر فيها أسهل كما قلت لك.
السائل: هو الحج فريضة.
الشيخ: إذاً لابد أدن تذهب بنفسها وعند الطواف تحمل، أما بالنسبة للجمرات فإنه يُرمى عنها، توكل محرمها ويرمي عنها، ولا حرج عليها.
س 1683: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا حججت العام الماضي حجة الفريضة، ولم أرم الجمرة الثالثة بل وكلت عنها لأنه قيل لنا أنه لا بأس أن توكل عن الثالثة، ولم يكن فيه سبب فهل علي فدية؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا خطأ، لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً في الرمي عنه لا في الفريضة ولا في النافلة إلا لمن لا يستطيع لمرض أو كبر، وبناء على أنه ليس لك عذر فاذبحي فدية في مكة،
وتصدقي بها على الفقراء، ويتم حجك إن شاء الله.(24/130)
س 1684: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذهبت إلى العمرة وعمري ثمانية عشر سنة، فأتاني الحيض قبل أن أدخل الحرم بلحظات فما استطعت أن أترك أهلي فطفت معهم واعتمرت فماذا علي أن أفعل؟
الشيخ: هل طفت معهم وأنت على غير طهارة؟
السائلة: نعم على غير طهارة.
فأجاب فضيلته بقوله: عمرتها ما تمت حتى الآن، والواجب عليها الآن أن تذهب وتطوف وتسعى وتقصر لتتم عمرتها.
س 1685: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا أنوي الحج فهل علي أن أحج وأشترط أن محلي حيث حبسني؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم إذا كنت تخشين من شيء لا يتم به النسك فاشترطي، وإن ما كان فيه شيء تخافين منه فلا تشترطي.
س 1686: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نوينا الحج إن شاء الله فكيف أحرم وأنا متجه بالطائرة من الرياض إلى جدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: تغتسل في بيتك وإذا قامت الطائرة تلبس ثياب الإحرام، وإن شئت أن تلبسها في بيتك فلا حرج، فإذا مضى نصف ساعة من إقلاع الطائرة تقريباً احرم، يعني قل: لبيك عمرة، ولا تؤخر الإحرام إلى جدة. فتكون بعد إقلاع الطائرة بنصف(24/131)
ساعة متجهزاً خالصاً وتقول: لبيك عمرة، وإذا وصلت إلى مكة تطوف وتسعى وتقصر وتحل، تلبس ثيابك أي تكون متمتعاً وهذا هو الأفضل.
س 1687: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للطفل الصغير الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأطفال الصغار يجوز لهم الإحرام، ولكن نظراً للظروف الحاضرة الآن، والمشقة التي تحصل عليهم وعلى أهلهم أرى أن الأولى ألا يحرموا لما في ذلك من التعب
والمشقة، ولا حرج عليهم إذا تركوا الإحرام لأنه قد رفع القلم عنهم. فإذا لم يمكن ترك الطفل الصغير لعدم وجود من يقوم بمصالحه فيذهب مع أهله للحج ولا يحرم.
س 1688: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للهدي في الحج هل الواحد يجزئ عن اثنين مثلاً المتمتع وزوجته؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا، المتمتع يلزمه هدي واحد، وزوجته عليها هدي آخر، كل شخص عليه هدي واحد كامل، ويجوز أن يشترك السبعة في البدنة أو في البقرة.
س 1689: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: المرأة إذا مات(24/132)
زوجها وكانت في أول أيام العدة هل يجوز لها أن تحج أو تعتمر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لها أن تحج ولا تعتمر؛ لأن الواجب على المرأة إذا مات زوجها أن تبقى في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (1) . ولا يحل لها أن تسافر لا لحج ولا لغيره بل ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة ليلاً أو الحاجة نهاراً.
السائل: وإذا كانت المرأة وحيدة في بيتها ومحتاجة إلى علاج؟
الشيخ: هي تخرج للطبيب في النهار ولا حرج عليها.
السائل: والانتقال من بيتها إلى بيت آخر؟
الشيخ: لا يجوز إلا لضرورة. إذا كانت وحيدة في منزلها وتخشى على نفسها، أو على عقلها، أو على مالها فلها أن تخرج إلى بيت آخر تأمن فيه.
س 1690: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نحن في المدينة ونذهب إلى العمرة ونرجع فوراً وما كنا نعرف أنه يلزمنا طواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رجعتم فوراً ما بقيتم في مكة بعد العمرة فلا طواف عليكم للعمرة؛ لأنه لا طواف وداع للعمرة إذا
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 234.(24/133)