عميق، فإن كان نومه عميقاً بطلت صلاته، واستأنفها من جديد. والله الموفق.
526 وسئل فضيلة الشيخ: في ليلة السابع والعشرين من رمضان ازداد الزحام في المسجد الحرام فلم أتمكن من الركوع والسجود في الصلاة، فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (1) ، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (2) ، وهذا الرجل يفعل ما هو بديل عن السجود وهو الإيماء، وكذلك يومئ عند الركوع إن لم يستطع الركوع. وهذا هو القول الراجح.
وقال بعض العلماء: ينتظر حتى يقوم الناس فيركع ويسجد، وهذا وإن كان فيه تحقيق للركوع والسجود، لكن فيه تخلف عن الإمام.
وقال بعض العلماء: ينتظر حتى يقوم الناس فيركع ويسجد، وهذا وإن كان فيه تحقيق للركوع والسجود، لكن فيه تخلف عن الإمام.
وقال بعض العلماء: يسجد على ظهر من أمامه، وهذا وإن كان فيه حصول الركوع، والسجود، ومتابعة الإمام، لكن فيه تصرف في الغير وتشويش عليه، فكيف تجعل ظهر إنسان مصلى لك، وقد يشوش ذلك عليه جداً، ثم قد يكون في الأمر فتنة.
...
__________
(1) سورة التغابن، الآية: 16.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رواه البخاري في الاعتصام باب (2) : الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7288) ، ورواه مسلم في الفضائل باب:(13/190)
فالقول الأخير أضعف الأقوال، والراجح عندي الأول لما سبق من الدليل.
527 سئل فضيلة الشيخ: يحصل مع الزحام الشديد في مكة وغيرها ألا يتمكن المصلي من السجود على الأرض، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا تمكن أن يسجد ولو على غير الصفة المشروعة التي هي تفريج الذراعين، فإنه يسجد على أي حال كانت، فإن لم يتمكن فإنه يجلس ويومئ بالسجود.
ويرى بعض العلماء أنه ينتظر حتى يقوم الإمام من السجود فيتسع المكان ثم يسجد. ويرى آخرون أن يسجد على ظهر إنسان.
ولكن القول الأول أقرب إلى الصواب أنه يومئ بالسجود إيماءً؛ لأنه عاجز عنه في هذه الحال، ومن عجز عن السجود أومأ به.
528 وسئل فضيلة الشيخ: هل ورد حديث صحيح في تحريك السبابة بين السجدتين في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، ورد الحديث الذي في صحيح مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قعد في الصلاة وذكر أنه يشير بإصبعه (1) ، وفي لفظ، إذا قعد في
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 (580) .(13/191)
التشهد (1) . فاللفظ الأول عام، والثاني خاص، والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص، ومثال ذلك أن يقول رجل لآخر: أكرم طلبة العلم، ويقول له: أكرم محمداً، ومحمد من طلبة العلم، فهذا لا يقتضي أنه لا يكرم بقية طلبة العلم، وقد نص علماء الأصول على هذا، وذكره الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان.
لكن لو قال: أكرم الطلبة، ثم قال: لا تكرم من ينام في الدرس، فهذا يقتضي التخصيص؛ لأنه ذكر بحكم يخالف الحكم العام.
ثم في هذا حديث خاص، رواه الإمام أحمد في مسنده (2) بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني: سنده حسن (3) ، وقال بعض المحدثين على زاد المعاد (4) : سنده صحيح. "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جلس بين السجدتين قبض أصابعه وأشار بالسبابة".
ومن قال لا يحركها، فنقول له: فماذا يصنع باليد اليمنى؟ إذا قلت يبسطها على الفخذ فنطالبك بالدليل. ولم يرد في الأحاديث أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه، ولو كان يبسطها لبينه الصحابة كما بينوا أنه كان يبسط يده اليسرى على الفخذ اليسرى. فهذه ثلاثة أدلة.
__________
(1) الموضع السابق ح115.
(2) يأتي ص196.
(3) الفتح الرباني 3/147.
(4) زاد المعاد 1/231.(13/192)
529 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم تحريك السبابة حال الدعاء بين السجدتين في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه سنة، لحديث وائل بن حجر (1) في مسند الإمام أحمد، وقد صححه من المتقدمين ابن خزيمة، وابن حبان (2) ، ومن المتأخرين الساعاتي في مسند الإمام أحمد فقد قال عنه: إن سنده جيد، قاله في الفتح الرباني (3) ، والأرناؤوط في زاد المعاد (4) .
وفيه التصريح بأن وضع اليد اليمنى بين السجدتين كوضعها في التشهد سواء، ولي سلف من أهل العلم وهو ابن القيم – رحمه الله تعالى – في زاد المعاد فقد صرح أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين.
ثم يقال: إنه لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه وضع يده اليمنى على فخذه مبسوطة.
أما اليسرى فالسنة في هذا صريحة أنها تبسط على الفخذ أو تلقم الركبة، كل ذلك جائز، وهم صفتان.
لكن يبقى النظر، متى يشير بإصبع اليمنى.
...
__________
(1) انظر ص195.
(2) رواه ابن خزيمة في الصلاة باب وضع اليدين على الركبتين في التشهد وتحريك السبابة عند الإشارة بها 1/714 وصحح الألباني إسناده في تعليقه على ابن خزيمة، وابن حبان 5/170 (1860) "الإحسان".
(3) الفتح الرباني 4/14.
(4) زاد المعاد 1/231 أو 1/238.(13/193)
والجواب: الذي بلغني من السنة أنه يشار بها عند الدعاء، فيحركها الإنسان إلى فوق كلما دعا، والمناسبة في ذلك أن الدعاء موجه إلى الله عز وجل؛ والإشارة إلى العلو إشارة إلى الله عز وجل، هذا ما تبين لي في هذه المسألة، والله أعلم.
530 وسئل فضيلة الشيخ: عن دليل مشروعية قبض أصابع اليد اليمنى والإشارة بالسبابة بين السجدتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: دليل ذلك عموم حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – فإن في بعض ألفاظه: "إذا قعد في الصلاة أو قعد يدعو" (1) ، وكذلك حديث وائل بن حجر الذي رواه الإمام أحمد في مسنده (2) ، وجوده صاحب الفتح الرباني قال: إسناده جيد، وكذلك نقول، إذا قلنا لا يقبض بين السجدتين فماذا يصنع باليمنى؟ فإن بسطها فما الدليل؟ لأن البسط ورد في اليسرى، واليمنى ما فيها إلا عموم حديث ابن عمر، وهذا الحديث بخصوصه حديث وائل بن حجر فيؤخذ به، وهذا الحديث وإن كان بعض أهل العلم ضعفه، فيؤخذ به لقوته بشاهد، وهو عموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما في بعض ألفاظه.
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 و115 (580) .
(2) المسند 4/318.(13/194)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه الشيخ المكرم الفاضل:. حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإليكم إيضاح ما حصل فيه الإشكال في كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين، فقد دلت السنة على أن وضعها بين السجدتين كوضعها في التشهدين، وأن المصلي يرفع أصبعه يدعو بها، ففي صحيح مسلم 1/408-409 (1) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قال: "كان (يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى". وفي رواية له: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"، فقوله: "إذا قعد في الصلاة" عام أو مطلق يتناول كل قعود حتى ما بين السجدتين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند 4/317 من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر فرفع يديه حين كبر – فذكر الحديث وفيه – فسجد فوضع
__________
(1) رواه مسلم وتقدم في ص194.(13/195)
يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه (وفي رواية) عقد ثلاثين وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة". قال في الفتح الرباني 3/147: وسنده جيد. وقال الأرناؤوطان في التعليق على زاد المعاد 1/238: وسنده صحيح. وقد رواه بنحوه أبو داود 1/219 والنسائي 3/30.
وأما ما ورد في بعض ألفاظ حديث ابن عمر في صحيح مسلم: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة" (1) فإن ذلك لا يقتضي تقييد المطلق؛ لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يوافق حكم المطلق غير مقتض للتقييد عند جمهور الأصوليين وهو الحق.
وأما ما ادعاه بعضهم من أن حديث وائل بن حجر شاذ، فغير صحيح؛ لأن الشاذ عند أهل العلم بالحديث ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه، وأين المخالفة في حديث وائل؟! فإنه لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه اليمنى بين السجدتين، فيكون مؤيداً لحديث وائل وشاهداً له.
...
__________
(1) رواه مسلم وتقدم في ص194.(13/196)
ولهذا ذهب ابن القيم – رحمه الله – إلى أن ما بين السجدتين كالتشهدين في وضع اليد اليمنى. (زاد المعاد 1/238- تحقيق الأرناؤوطين) .
وفي قول ابن عمر – رضي الله عنهما -: "ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها" دليل على أن السبابة ترفع عند الدعاء، وهو يؤيد حديث وائل بن حجر في المسند 4/318 "فرأيته يحركها يدعو بها". وعلى هذا يشرع تحريكها عند كل جملة دعائية إشارة على علو من يدعوه وهو الله تعالى، وهذا التحريك أمر زائد على مطلق الإشارة التي جاءت في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – فإن هذه الإشارة تكون في جميع الجلوس لا حال الدعاء فقط، فيرفعها كأنه يشير إلى شيء، لكن تكون محنية شيئاً يسيراً كما في سنن النسائي 3/32 (1) .
هذا وأرجو أن يكون فيما كتبته إيضاح للإشكال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 2/8/1411هـ.
__________
(1) سنن النسائي في الافتتاح باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة 2/463 ح (888) . وفي السهو باب: موضع المرفقين 3/42 (1264) .(13/197)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم وصل وسرنا صحتكم، والحمد لله على ذلك، تهنئتكم بعيد الفطر لكم منا مثلها ونسأل الله أن يتقبل من الجميع.
تذكرون أنكم تصفحتم (رسالة في الوضوء، والغسل، والصلاة) وأنه لفت نظركم كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين.
فيا محب إن الذي في الرسالة هو مقتضى ما جاءت به السنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما رواه مسلم (1) ص408 تحقيق محمد فؤاد من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "كان (يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى". وفي رواية: "وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"، وظاهرة أن رفعها للدعاء بها، وهو رفع فوق مطلق الإشارة التي جاءت في الرواية الأولى، وفي حديث ابن الزبير (2) ، وعلى هذا فتكون السبابة مرفوعة رفع إشارة، فإذا ذكر الجملة الدعائية رفعها زيادة، إشارة إلى علو من دعاه وهو الله تعالى، ويؤيد
__________
(1) في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 و115 (580) .
(2) رواه مسلم في الموضع السابق ح112 (579) .(13/198)
ذلك حديث وائل بن حجر (1) ، "ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها"، وفي حديث ابن الزبير عند الدارمي: "رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو هكذا في الصلاة وأشار ابن عيينة بإصبعه". رواه الدارمي (2) .
ولم يرد التفريق بين جلوس التشهد، والجلوس بين السجدتين فيما أعلم، ويدل على أنه لا فرق بين الجلستين ما رواه الإمام أحمد في المسند ص317 ج4 من حديث وائل بن حجر قال: "رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر فرفع يديه حين كبر" فذكر الحديث، وفيه: "وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذارعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه". وفي رواية: "عقد ثلاثين، وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة" وذكر الحديث في الفتح الرباني ترتيب المسند ص147 ج3 وقال: سنده جيد. وقد رواه بنحوه أبو داود (3) وقال فيه: "وقبض اثنتين وحلق حلقة" يعني حلق الإبهام مع الوسطى، وبهذا تبين أن لا فرق بين جلستي التشهد والجلوس بين السجدتين، فأما تقييد الجلوس في بعض روايات حديث ابن عمر بالجلوس للتشهد، فلا ينافي الإطلاق لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يطابق حكم المطلق لا يستلزم تقييده، وإن كان قد يقتضيه إذا لم يقم دليل على الإطلاق.
__________
(1) تقدم تخريجه ص196.
(2) في الصلاة/ باب صفة صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) في الصلاة/ باب رفع اليدين في الصلاة (726) .(13/199)
531 وسئل فضيلة الشيخ عن حكم تحريك الإصبع وضم أصابع اليد اليمنى بين السجدتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم تحريك الإصبع وضم أصابع اليد بين السجدتين كحكمه في التشهد لما روى مسلم ص408 ج1 (1) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي في باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين عن عبد الله بن الزبير عن أبيه (2) قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قعد يدعو"، وفي رواية: "إذا قعد في الصلاة وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته". وروي في نفس الصفحة عن ابن عمر – رضي الله عنهما – "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها". ففي حديث الزبير: "إذا قعد يدعو" والقعود بين السجدتين قعود دعاء، وفي حديث ابن عمر "إذا جلس في الصلاة" وهو عام في جميع الجلسات، فيشمل ما بين السجدتين لاسيما وأنه قال: "ورفع إصبعه اليمنى فدعا بها" ويؤيد العموم ما رواه الإمام أحمد في المسند ص317 ج4 عن وائل بن حجر – رضي الله عنه (3) – قال: "رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر فرفع يديه حين
__________
(1) في المساجد عن ابن عمر ح114 و115 (580) .
(2) رواه مسلم أيضاً ح112 و113 (579) .
(3) تقدم تخريجه ص196.(13/200)
كبر" فذكر الحديث وفيه: "وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه". وفي رواية في الصفحة التي تليها: "فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها". قال في الفتح الرباني ص147 ج3 سنده جيد.
وفي حديث ابن عمر ووائل دليل على أن تحريك الإصبع يكون عند الدعاء فقط وليس كما فهمه بعض الناس، من كونه يحرك دائماً كالعابث بها، فالإشارة بالإصبع وهي رفعه تكون في كل الجلسة، وأما التحريك فلا يكون إلا حال الدعاء. تقول: "رب اغفر لي". فتحرك. "وارحمني"، فتحرك، وتقول: "السلام عليكم أيها النبي"، فتحرك، "السلام علينا"، فتحرك، "اللهم صل على محمد"، فتحرك، وهكذا.
532 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-: ما حكم الإشارة بالسبابة بين السجدتين؟ وما جواب فضيلتكم لمن زعم أن حديث وائل ابن حجر شاذ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإشارة بالسبابة بين السجدتين عند الدعاء مشروع وسنة، وذلك لعموم حديث ابن عمر الثابت في صحيح مسلم (1) في بعض ألفاظه: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قعد يدعو حلق
__________
(1) رواه مسلم في المساجد ح114 و115 (580) .(13/201)
بإبهامه والوسطى" وذكر بقية الحديث؛ ولأن في مسند الإمام أحمد (1) من حديث وائل بن حجر "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك بين السجدتين ويشير بها ويحركها"، وهذا الحديث ذكر صاحب الفتح الرباني بأن إسناده جيد، وذكر المعلق على زاد المعاد أن إسناده صحيح (2) ، وابن القيم – رحمه الله – ذكره في زاد المعاد جازماً به، وذكر أنه يشرع للمصلي بين السجدتين أن يحلق إبهامه مع الوسطى، ويرفع السبابة ويشير بها عند الدعاء.
ونقول لمن زعم أن هذا الحديث شاذ: آت بالدليل الذي يثبت شذوذ ذلك؟ أين الدليل على أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ؟
لا يوجد دليل على ذلك، فإذا لم يكن دليل، وكان لدينا دليل عام، أو دليل خاص بأنها تضم أصابعها كما في التشهد فأين الشذوذ؟
ولو قال قائل: إن عقد الأصابع أمر زائد عن طبيعة الوضع فيحتاج إلى دليل، ولو كان هذا ثابتاً لذكره الصحابة، ولا حاجة لذكر البسط لأنه الأصل.
قلنا: هذا ليس بصحيح، فالصحابة ذكروا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى، فلما ذكروا البسط في اليسرى، علم أن ذكر البسط لابد منه، ولو كانت اليد اليمنى تبسط لكان ذكر بسطها في السنة ظاهراً كما كان ذكر بسط اليد اليسرى ظاهراً، والله أعلم.
__________
(1) المسند 4/317 وتقدم تخريجه ص196.
(2) الفتح الرباني 4/14، وزاد المعاد 1/231.(13/202)
533 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-: ما حكم رفع السبابة بين السجدتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن رفع السبابة بين السجدتين مستحب وهو السنة، ودليل ذلك حديث ابن عمر – رضي الله عنهما (1) – في بعض ألفاظه حيث قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قعد في الصلاة" وذكر قبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، ورفع السبابة. وهذا عام، وأما ذكر التشهد في بعض ألفاظ الحديث فهذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن في علم الأصول قاعدة مهمة وهي: "أن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يقتضي التنصيص على هذا الفرد من إفراد العام فهو مقتض للتنصيص لا للتخصيص". هكذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما إذا قعد يدعو في الصلاة فعل كذا وكذا لا يقتضي قوله "إذا قعد في التشهد" أن يكون مخصصاً لهذا العموم؛ لأنه ذكر هذا الخاص بحكم يوافق العام، ويؤيد ذلك حديث وائل بن حجر عند الإمام أحمد رحمه الله (2) وهو نص صريح في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سد ثم جلس وذكر قبض الأصابع قال ثم سجد. وقد قال مرتب المسند الساعاتي قال: إن سنده جيد. وقال المعلق على زاد المعاد: إن سنده صحيح، وابن القيم – رحمه الله – مشى على ذلك في زاد المعاد، وذكر أنه بين السجدتين يقبض كما يقبض في التشهد.
__________
(1) رواه مسلم في المساجد ح114 و115 (580) وتقدم ص194.
(2) المسند 4/ 317 ورواه غيره أيضاً راجع ص196.(13/203)
ثم نقول ثالثاً: لم يرد في السنة أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ أبداً، ومن وجد في السنة أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ بين السجدتين فليسعفنا به؛ لأننا نعتقد الآن أنه ليس في السنة ما يدل على أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ اليمنى، لا في التشهد، ولا بين السجدتين، وإذا لم يكن هناك دليل على أنها تبسط بقيت على الحالة الموصوفة وهي أنها تقبض. والله أعلم.
534 وسئل فضيلة الشيخ: هل هناك أدلة شرعية على تحريك الإصبع في الجلسة بين السجدتين؟
فأجاب بقوله: نعم، هناك أدلة شرعية، كل الأدلة التي أثبت بها من اثبت تحريك الأصابع في التشهد فإنه يدخل فيها الجلوس بين السجدتين، فحديث عبد الله بن الزبير، وحديث عبد الله بن عمر (1) في إثبات الإشارة يقول: "إذا قعد يدعو أشار بإصبعه" هذا لفظ حديث عبد الله بن الزبير. ومعلوم أننا لو سألناكم جميعاً ما هي القعدة التي فيها الدعاء، هل هي التشهد أو الجلوس بين السجدتين أو التشهد وحده أو هما جميعاً؟ والجواب: هما جميعاً. كل الجلستين محل للدعاء، بل إن الجلسة بين السجدتين ليس فيها إلا دعاء، بينما الجلوس في التشهد فيه تشهد ودعاء. فعلى هذا يكون دخول الجلسة بين السجدتين دخولاً أولياً في الإشارة بالإصبع
__________
(1) رواهما مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة وحديث ابن الزبير برقم 112 و113 (579) وحديث ابن عمر 114 و115 و116 (580) .(13/204)
وقبض الخنصر والبنصر، والتحليق بالإبهام مع الوسطى. ...
ثم إنه قد روى الإمام أحمد (1) من حديث وائل بن حجر حديثاً صريحاً في ذلك حيث ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر أنه يسجد، ثم يقعد ويقبض الخنصر والبنصر، ويحلق بالإبهام والوسطى، ويشير بسبابته، ثم يسجد ثم يصنع في صلاته كذلك ما بقي. وهذا الحديث قال صاحب الفتح الرباني في ترتيب المسند إن إسناده جيد، وذكر الأرناؤوط الذي علق على زاد المعاد: أن سنده صحيح (2) . وابن القيم ذكر ذلك أيضاً في زاد المعاد. وعلى هذا فالذي ينبغي للإنسان أن يصنع في الجلسة بين السجدتين كما يصنع في التشهد. والفقهاء فرقوا بينهما فقالوا: إذا جلس بين السجدتين فإنه يبسط أصابع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأما في التشهد فإنه يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة. لكن مقتضى السنة هو ما ذكرنا من قبل. ...
فإن قيل: هل يحرك في جلسة الاستراحة؟ قلنا: لا يحركها لأن جلسة الاستراحة ليس فيها دعاء، والحديث يقول: "إذا قعد في الصلاة حرك إصبعه يدعو بها".
وعلى هذا فالتحريك في الدعاء فقط، أما تحريكها كما يفعل بعض الناس الذين يحركون دائماً كأنهم يلعبون بأصابعهم، فهذا ليس من السنة، إنما يحرك الإنسان إصبعه يدعو به، كلما قال مثلاً: "
__________
(1) المسند 4/317 وتقدم ص196.
(2) راجع زاد المعاد 1/231.(13/205)
رب اغفر لي"، رفعه، "وارحمني"، رفعه، لأنه يدعو من في السماء تبارك وتعالى، فيشير، أما تحريكها سواء يحركها بتدوير أو بغير تدوير دائماً فهذا من العبث الذي تنزه الصلاة عنه.
535 سئل فضيلة الشيخ: نرى بعض الإخوان يرفع إصبعه أثناء التشهد، أو في الجلسة بين السجدتين، فهل لهذا أصل؟ وكذلك هل يرفع الإصبع عند النطق بالشهادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قلنا من قبل إنه يقبض الخنصر والبنصر والإبهام والوسطى، أو يحلق الإبهام مع الوسطى، وتبقى السبابة مفتوحة، لكنها عند الدعاء تحرك.
أما التشهد فقد ذكر الفقهاء أنه يشير بها أيضاً عند التشهد لكن قيل: إن الأحاديث الواردة في هذا ضعيفة، فالله أعلم لا أعلم عنها الآن.(13/206)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
"بحث حول كيفية وضع اليد اليمنى على الفخذ بين السجدتين"
حديث وائل بن حجر الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/317 من طريق عبد الرزاق صريح في ذلك، وسياقه: "رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر فرفع يديه حين كبر – يعني استفتح الصلاة – ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين قال: سمع الله لمن حمده، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه".
وأخرجه من حديث عبد الصمد قال: حدثنا زائدة قال: حدثنا عاصم بن كليب، ثم تم السند إلى وائل أنه قال: "لأنظرن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي، قال: فنظرت إليه قام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ، والساعد، ثم قال لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد فافترش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه لحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها".
...(13/207)
وهذا صريح في أن هذه القعدة هي القعدة التي بين السجدتين؛ لأنه قال: "ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها ثم سجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى ... " إلخ. وهل هذه القعدة إلا قعدة ما بين السجدتين؟!
وأخرجه أيضاً من حديث أسود بن عامر قال: حدثنا زهير بن معاوية عن عاصم بن كليب به، ولفظه أن وائل بن حجر قال: "قلت لأنظرن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي"، وذكر الحديث، وفيه قال بعد ذكر الرفع من الركوع، "ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى فخذه – في صفة عاصم – ثم وضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثاً، وحلق حلقة، ثم رأيته يقول هكذا" وأشار زهير بسبابته الأولى وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.
وظاهر هذا اللفظ أو صريحه كسابقيه في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين.
وعلى هذا فلا يصح توهيم عبد الرزاق بذكر السجود بعد هذه القعدة؛ لأن ذكره زيادة لا تنافي ما رواه غير بل توافقه كما علم.
ولم أعلم من السنة حديثاً واحداً فيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبسط يده اليمنى حين يجلس بين السجدتين، ولا وجدت ذلك عن الصحابة.
...(13/208)
وما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة" (1) فإنه لا ينافي حديث وائل، ولا يبطله لاختلاف الموضعين على أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قد رواه مسلم بلفظ الإطلاق: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها" (2) وفي لفظ آخر: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى" (3) .
فقد روى مسلم هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: اثنان مطلقان والثالث مقيد بالتشهد، ولا منافاة أيضاً لدخول المقيد في المطلق، ولم يرد في السنة التفريق بين الجلوس بين السجدتين والتشهدين.
وقد قال البنا في ترتيب مسند الإمام أحمد 3/149 عن حديث وائل بن حجر: سنده جيد. وقال الأرناؤوط في حاشية زاد المعاد 1/238: سنده صحيح.
...
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21 – صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح115 (580) .
(2) المرجع السابق ح114 (580) .
(3) المرجع السابق ح116 (580) .(13/209)
وكلام ابن القيم – رحمه الله – لا غبار عليه في ذلك، والنسبة إليه صحيحة وهذا نص عبارته قال 1/322: ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وساق كلاماً كثيراً ثم قال 1/338 فصل: ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع رأسه مكبراً غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً، يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى. وذكر النسائي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى" (1) ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه. وكان يضع يديه على فخذيه يجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه. إلى أن قال 339: ثم كان يقول (بين السجدتين) رب اغفر لي إلخ وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث انتهى المقصود منه.
والمقوس عليه بين السجدتين هو هكذا في الأصل وهو محذوف في نسخ أخرى.
وهذا صريح في إثباته القبض والتحريك بين السجدتين فإن قوله: "وكان يضع يديه على فخذيه" إلخ. إما أن يكون حاكماً به مستدلاً عليه بحديث وائل كما هو الظاهر من عبارته هنا وفي كثير من عباراته كما قال هنا: ثم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي
__________
(1) رواه النسائي في التطبيق باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة (1157) ، والحديث عند البخاري بالمعنى في الأذان باب سنة الجلوس في التشهد (827) .(13/210)
إلخ. هكذا ذكره ابن عباس – رضي الله عنهما (1) -، وذكر حذيفة (2) أنه كان يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي.
وإما أن يكون حاكياً له عن وائل مخبراً به عنه.
فإن كان حاكماً به مستدلاً عليه بقول وائل فنسبة القول به إليه واضحة.
وإن كان حاكياً مخبراً فمن البعيد أن يجزم به عن وائل، ثم يكون المراد به أن يتعقبه لأنه – أي وائلاً – صحابي عدل مقبول الخبر فلا يمكن أن يجزم ابن القيم بما قاله بقصد تعقبه، وإنما يريد ابن القيم بقوله هذا: دفع حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – "أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها" (3) حيث قال: فهذه الزيادة في صحتها نظر، ثم قال بعد ذلك: وأيضاً فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً وهو مقدم وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه (4) . انتهى.
__________
(1) روى حديث ابن عباس وفيه: "رب اغفر لي وارحمني وعافني ... " أبو داود في الصلاة باب الدعاء بين السجدتين (850) ورواه الترمذي في الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (284) ، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (898) .
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (874) ، ورواه النسائي في التطبيق (الصلاة) باب الدعاء بين السجدتين (1144) ، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (897) .
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب الإشارة في التشهد ح (989) .
(4) الإحسان 5/170 (1860) .(13/211)
536 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين-: عن الحكمة من تحريك الإصبع في الصلاة، وكيفية التحريك، وما صحة استدلال بعض العلماء بحديث عائشة – رضي الله عنها – في صحيح مسلم: "عندما أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه" (1) على تحريك الإصبع يميناً وشمالاً، وعن تضعيف بعض أهل العلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان يشير بإصبعه إذا دعا، لا يحركها" (2) ، وما معنى حديث: "لهي أشد على الشيطان من الحديد – يعني السبابة-" (3) وما حكم الدعاء في السجود وإذا كان طول السجود يتعب المصلي؟ أفتونا وفقكم الله وجزاكم خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحريك الإصبع في الصلاة من أسفل إلى أعلى إشارة إلى علو من يدعوه وهو الله تعالى، وأما الحديث الذي ذكرت فلا يدل على ما ذهب إليه بعضهم من التحريك يميناً وشمالاً في الصلاة بل ربما يدل على عكس ذلك لأننا نهينا أن نتشبه بالبهائم.
...
__________
(1) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب 34- فضائل حسان 4/1935 ح157 (2490) ، رواه في أثناء حديث.
(2) تقدم تخريجه ص211.
(3) رواه أحمد 2/119.(13/212)
وأما تضعيف أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحركها فيحتاج إلى مراجعة سبب الضعف الذي وصفه به من ضعفه.
وأما كون الإشارة بها أشد على الشيطان من الحديد، فالظاهر والله أعلم أن معناه أشد من الطعن بالحديد.
وأما الدعاء في السجود: فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الرجوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (1) .
وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2) .
وعلى هذا فإن الساجد أقرب ما يكون إلى ربه، واقرب ما يكون من الإجابة وأحرى ما يكون بها، فينبغي بعد أن يسبح التسبيح الواجب والمستحب أن يكثر من الدعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، ومن أجمع الدعاء وأفضله أن يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) .
والأفضل أن يطيل المرء الدعاء في صلاة الليل، كما ينبغي أن تكون الصلاة متجانسة متفقة، إذا أطال فيها الركوع أطال القيام بعد الركوع، وأطال السجود، وأطال الجلسة بين السجدتين لقول البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "كان ركوع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريباً من
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (482) .
(2) رواه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (479) .(13/213)
السواء" (1) . فهذا هو الأفضل الذي ينبغي.
أما إذا كان الأمر يتعبك فإنك تدعو الله بما تستطيع ولا تكلف نفسك، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بالعمل بما نطيق فقال: "عليكم بالعمل بما تطيقون" (2) ونهى أن يكلف الإنسان نفسه ويتعبها بالعمل، فإن النفس إذا تعبت كلت وملت، وأما إذا يسر الإنسان على نفسه وأعطاها من العمل ما تقدر عليه فإنه ينصرف منه وهو أشد ما يكون فيه حباً وأسلم عاقبة. والله أعلم.
*
__________
(1) تقدم تخريجه ص162.
(2) رواه البخاري في الإيمان (43) ومسلم في صلاة المسافرين (782) .(13/214)
جلسة الاستراحة
* صفة الجلوس للتشهد
* الصلاة على النبي في التشهد الأخير.
* صفات الجلوس في التشهد الأخير.
* التسليم.(13/215)
جلسة الاستراحة
537 سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله ورعاه-: ما حكم جلسة الاستراحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: للعلماء في جلسة الاستراحة ثلاثة أقوال:
القول الأول: الاستحباب مطلقاً.
القول الثاني: وعدم الاستحباب مطلقاً.
القول الثالث: التفصيل بين من يشق عليه القيام مباشرة فيجلس، ومن لا يشق عليه فلا يجلس، قال في المغني ص529 ج1 ط دار المنار" "وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين" وذكر في الصفحة التي تليها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع". رواه الأثرم (1) ،ثم قال: وحديث مالك (يعني ابن الحويرث) (2) "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعداً ثم اعتمد على الأرض"، محمول على أنه كان من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، فإنه قال عليه السلام: "إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود". أهـ.
__________
(1) أخرجه البيهقي 2/136، وابن قدامة في المغني 2/214.
(2) رواه البخاري في الأذان باب 143 – كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة (824) وراجع ص182.(13/217)
وهذا القول هو الذي أميل إليه أخيراً وذلك لأن مالك بن الحويرث قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتجهز في غزوة تبوك (1) والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك الوقت قد كبر وبدأ به الضعف، وفي صحيح مسلم (2) ص506 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "لما بدن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثقل كان أكثر صلاته جالساً"، وسألها عبد الله بن شقيق هل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وهو قاعد؟ قالت: "نعم، بعدما حطمه الناس"، وقالت حفصة – رضي الله عنها -: "ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً" (3) . وفي رواية: "بعام واحد أو اثنين"، وكل هذه الروايات في صحيح مسلم، ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث ذكر الاعتماد على الأرض والاعتماد على الشيء إنما يكون عند الحاجة إليه، وربما يؤيد ذلك ما في حديث عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – عند البخاري وغيره: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم الظهر، فقام من الركعتين، ولم يجلس" (4) فإن قوله: "ولم يجلس" عام لم يستثن منه جلسة الاستراحة، وقد يقال إن الجلوس المنفي جلوس التشهد لا مطلق الجلوس، والله أعلم.
__________
(1) راجع فتح الباري 2/131.
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب 16 – جواز النافلة قائماً وقاعداً. ح117 (732) .
(3) الموضع السابق ح115 (732) وح118 (733) .
(4) متفق عليه: رواه البخاري في الأذان باب من لم ير التشهد واجباً (829) في السهو باب 1 – ما جاء في السهو.. (1225) . ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة.. ح85 (570) .(13/218)
538 وسئل فضيلته: عن جلسة الاستراحة إذا علم المأموم أن إمامه لا يجلسها، فما هو الأفضل له في ذلك؟ وإذا فعلها فهل يكون مخالفاً لإمامه؟
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة الاستراحة هي أن الإنسان إذا قام للثانية أو إلى الرابعة في الرباعية، جلس قليلاً ثم نهض، هذه ثبتت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث مالك بن الحويرث (1) ، وهو في صحيح البخاري، ولكن ذكر الواصفون لصلاته، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجلس هذه الجلسة، فاختلف العلماء في ذلك:
فقال بعض العلماء: إن هذه الجلسة ليست مشروعة مطلقاً.
وقال آخرون: بل هي مشروعة بكل حال.
وفصل آخرون فقالوا: إن كان الإنسان محتاجاً لهذه الجلسة لثقل بدنه، أو مرضه، أو شيخوخته، فيجلس، وإلا فلا، قال صاحب المغني: وهذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة، واختاره كذلك ابن القيم في زاد المعاد.
على أنه إذا كان الإنسان محتاجاً لهذه الجلسة فالسنة أن يجلس، وإلا فلينهض معتمداً على صدور قدميه بدون جلوس.
وهذا فيما إذا كان المصلي منفرداً، أو كان إماماً، أما إذا كان مأموماً فهو تبع لإمامه، إن جلس الإمام فاجلس، وإن كنت لا ترى أنها سنة اجلس اتباعاً لإمامك، وإن لم يجلس فلا تجلس وإن كنت ترى أنها سنة، اتباعاً للإمام؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بمتابعة الإمام فوراً،
__________
(1) تقدم تخريجه ص181 وهو في البخاري.(13/219)
فإذا قام من السجود ولم يجلس، فتمام المتابعة أن تقوم ولا تجلس؛ لأنك لو جلست لتأخرت في متابعة القيام، لكن لما كانت هذه الجلسة يسيرة فإنه لو جلسها المأموم لا يعد مخالفاً لإمامه، لأنه سوف ينهض بسرعة إلا أن تمام المتابعة أن لا تجلس، ولا يضرك إذا تركت هذه الجلسة ولا ينقص صلاتك؛ لأن التشهد الأول أوكد منها، ومع ذلك لو نسي الإمام التشهد الأول، وقام وجب عليك أن تقوم ولا تجلس، فتترك هذه الجلسة الواجبة من أجل متابعة الإمام، ولو دخلت مع الإمام في الصلاة الرباعية، فدخلت معه في الركعة الثانية لوجب عليك الجلوس، وأنت في الركعة الأولى، ووجب عليك ترك الجلوس، وأنت في الركعة الثانية، كل هذا تحقيقاً لمتابعة الإمام.
فإذا سقط الجلوس في التشهد من أجل المتابعة فليسقط الجلوس للاستراحة من أجل المتابعة، لكني أقول لما كان التخلف في جلسة الاستراحة يسيراً فإن الجلسة لا تعد مخالفة للإمام ولا تبطل الصلاة لو جلس لكننا نأمره أن لا يجلس.
539 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم جلسة الاستراحة؟ وهل تشرع للإمام والمأموم؟
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة الاستراحة هي: التي تكون عند القيام إلى الركعة الثانية، أو الرابعة في الرباعية – يعني تكون في الرباعية في موضعين عند القيام للركعة الثانية، وعند القيام للركعة(13/220)
الرابعة، وفي الثلاثية والثنائية في موضع واحد وهو عند القيام للركعة الثانية.
وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا كان في وتر من صلاته أنه لا ينهض حتى يستوي قاعداً.
أي أن هذه الجلسة ثبتت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث مالك بن حويرث (1) .
وقد اختلف العلماء – رحمهم الله – هل هي جلسة للراحة أو جلسة للتعبد:
فمن قال أنها جلسة للراحة قال إنها لا تسن إلا عند الحاجة إليها كأن يكون الإنسان كبيراً في السن لا يستطيع النهوض مرة واحدة، أو في ركبتيه وجع أو مريضاً أو ما أشبه ذلك.
فإذا كان محتاجاً إليها فإنه يجلس وفي هذه الحال تكون مشروعة من جهة أن ذلك أرفق به، وما كان أرفق بالمرء فهو أولى.
ومن العلماء من قال: إنها جلسة عبادة وإنها مشروعة لكل مصل سواء كان نشيطاً أو غير نشيط.
ومنهم من قال: إنها غير مشروعة مطلقاً.
فالأقوال إذاً ثلاثة، وأرجح الأقوال عندي: أنها جلسة راحة ودليل ذلك أنها ليس لها تكبير عند الجلوس ولا عند القيام منها، وليس فيها ذكر مشروع وكل فعل مقصود فإنه يكون فيه ذكر مشروع، فعلم بهذا أنها جلسة راحة، وأن الإنسان إذا كان محتاجاً
__________
(1) رواه البخاري وتقدم في ص181.(13/221)
إليها فليرح نفسه اقتداءً بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلا فلا يجلس.
وهذا اختيار صاحب المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد، وهو أرجح الأقوال فيما أرى.
ولكن يبقى النظر إذا كان الإمام يرى هذه الجلسة والمأموم لا يراها لأنه نشيط. فهل يجلس تبعاً لإمامه، أو يقوم وإن كان إمامه جالساً، أو ينتظر في السجود إذا كان يعلم أن إمامه يجلس حتى يغلب على ظنه أن إمامه استتم واقفاً؟
والجواب على هذا نقول: إذا كان الإمام يرى أن يجلس وجلس فليجلس معه حتى وإن لم يكن المأموم يراها مشروعة اتباعاً لإمامه، وإذا كان الإمام لا يرى الجلسة والمأموم يراها فإن المأموم لا يجلس في هذه الحال اتباعاً للإمام؛ لأن موافقة المأموم للإمام أمر مطلوب حتى لو أن الإمام قام عن التشهد الأول ناسياً وجب على المأموم متابعته مع أن الأصل أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة.
وقد ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله – هذا في الفتاوى وقال: إن المأموم لا يجلس إذا كان إمامه لا يجلس للاستراحة.
540 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة فهل يسن للمأموم أن يجلس؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان المأموم يرى جلسة الاستراحة والإمام لا يجلس فإن الأفضل للمأموم أن لا يجلس، كما نص على(13/222)
ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – لأن متابعة الإمام أهم، ولذلك وجب على المأموم أن يتابع إمامه حتى في ترك الواجب، وذلك فيما لو قام الإمام من التشهد الأول سهواً فإن المأموم لا يجلس، وكذلك لو دخل المأموم في الركعة الثانية من الظهر مثلاً فإنه سوف يجلس للتشهد في غير محله، وسوف يدع التشهد في محله كل ذلك من أجل متابعة الإمام.
ولهذا نقول: إن جلسة الاستراحة للمأموم إذا كان الإمام لا يجلس لا تنبغي بل الأفضل عدمها موافقة للإمام، والعكس بالعكس فلو كان الإمام يجلس لأنه يرى مشروعية الجلسة والمأموم لا يرى مشروعية الجلسة فإنه يجلس متابعة للإمام.
541 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تحريك السبابة في التشهد من أوله إلى آخره؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحريك السبابة إنما يكون عند الدعاء، وليس في جميع التشهد، فإذا دعى حركها كما جاء ذلك في بعض الأحاديث.. "يحركها يدعو بها" (1) ووجه ذلك أن الداعي إنما يدعو الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى في السماء لقوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ
__________
(1) تقدم تخريجه ص201.(13/223)
نَذِيرِ) . وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء" (1) فالله تعالى في السماء - أي في العلو - فوق كل شيء، فإذا دعوت الله فإنك تشير إلى العلو، ولهذا ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خطب الناس في حجة الوداع وقال: "ألا هل بلغت"؟ قالوا: نعم، فرفع إصبعه إلى السماء وجعل ينكتها إلى الناس يقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاثاً" (2) ،
وهذا يدل على أن الله تعالى فوق كل شيء، وهو أمر واضح معلوم بالفطرة، والعقل، والسمع، والإجماع، وعلى هذا فكلما دعوت الله عز وجل فإنك تحرك السبابة تشير بها إلى السماء، وفي غير ذلك تجعلها ساكنة، فلنتتبع الآن مواضع الدعاء في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، هذه ثمانية مواضع يحرك الإنسان إصبعه فيها نحو السماء، وإن دعا بغير ذلك أيضاً رفعها؛ لأن القاعدة أن يرفعها عند كل دعاء.
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، رواه البخاري في المغازي باب 63 بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن (4351) ، ورواه مسلم في الزكاة باب 47 - ذكر الخوارج وصفاتهم ح144 (1064) .
(2) هو جزء من حديث جابر في حجة الوداع وبهذا اللفظ رواه مسلم في الحج باب 19 - حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2/890 ح147 (1218) ..(13/224)
542 وسئل فضيلة الشيخ: يقال إن ضم الإبهام إلى الوسط ومد السبابة وتحريكها والنظر إليها أثناء التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من ضرب الحديد. ما مدى صحة هذه الرواية؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الرواية لا أعرف عنها شيئا (1) ً، لكن من الأمور المشروعة أن الإنسان يقبض الخنصر والبنصر، ويلحق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة كلما دعا.
543 وسئل فضيلة الشيخ: عن الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد هل تكون بصيغة كاف الخطاب أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أكثر العلماء على أن السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون بكاف الخطاب (عليك) بعد وفاته كما هو كذلك قبل وفاته وذلك لأن الكاف ليست خطاب حاضر يكلم، بل كان الصحابة يقولون ذلك والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير حاضر عندهم، فقد كانوا يقولونها وهم في بلد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بلد، وإذا قالوها في حضرته في الصلاة فلم يكونوا يسمعونها إياه، ولو أسمعوها إياه وكانت خطاب حاضر يكلم لأمكن أن يقال بوجوب الرد عليهم، وهذا دليل على أن الكاف هنا لتنزيل الغائب منزلة الحاضر لقوة استحضار القلب له.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – في كتاب (اقتضاء
__________
(1) أخرجها الإمام أحمد بلفظ: "لهي أشد على الشيطان من الحديد - يعني السبابة"، المسند 2/119، وانظر ما تقدم ص212.(13/225)
الصراط المستقيم) ص416 بعد كلام له: هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب لشهوده بالقلب كما يقول المصلي (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) والإنسان يفعل مثل هذا كثيراً يخاطب من يتصوره في نفسه إن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب أهـ.
وإذا تبين أن الكاف هنا ليست خطاب حاضر يكلم علم أن الأولى اتباع ما أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به فيؤتى بالسلام على اللفظ الذي أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال بذلك جمهور أهل العلم. وروى مالك في الموطأ (1) بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن القاري أنه سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا التحيات لله فذكر الحديث وفيه السلام عليك أيها النبي إلخ. وهذا يدل على أن فعل ابن مسعود – رضي الله عنه (2) – كان اجتهاداً منه، وليس إجماعاً للصحابة وحينئذ يكون ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أعلنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأعلمه الناس على المنبر مقدماً على اجتهاد عبد الله بن مسعود – رضي الله
__________
(1) رواه مالك في كتاب الجمعة باب التشهد في الصلاة 1/193 (499) .
(2) حديث ابن مسعود متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 148 – التشهد في الآخرة ح (831) ، مسلم في الصلاة باب 16- التشهد في الصلاة ح55 (402) . ولفظه في البخاري: كنا إذا صلينا خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام= = على الله، السلام على فلان وفلان. فالتفت إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى أن محمداً عبده ورسوله". وفي البخاري ح (6265) قال عبد الله في نهاية الحديث: وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام يعني على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(13/226)
عنه – فيقال: السلام عليك أيها النبي امتثالاً لما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يقال السلام على النبي.
544 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشرع الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأول؟ وهل يكمل المسبوق التشهد الأخير متابعة للإمام؟ وما حكم الدعاء في التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: مشروعية الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأولى اختارها كثير من العلماء، واختار الجمهور عدم استحباب ذلك وهو الأقرب عندي، ولو قالها المصلي فلا حرج.
والمسبوق يكمل التشهد ولا حرج عليه.
أما الدعاء في التشهد الأول فما علمت أحداً قال به، بل صرح بعض العلماء بكراهة تطويل التشهد الأول، والزيادة فيه على ما ورد، قال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: يكره أن يزيد في التشهد الأول على لفظ التشهد، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآل إذا سنناهما فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر.
وبناء على هذا يكون قوله من الدعاء الوارد فيه نظر إذ لم يرد دعاء في التشهد الأول.
وأما التشهد الذي فيه السلام فيدعو فيه بما أحب من الوارد وغيره.(13/227)
545 وسئل فضيلة الشيخ: هل يكره إفراد الصلاة أو السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح أنه لا كراهة في إفراد الصلاة أو السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعدم الدليل على ذلك، بل إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أمته التشهد أولاً وليس فيه ذكر الصلاة. حرر في 19/1/1418هـ.
546 وسئل فضيلته: ما معنى قولنا "اللهم صل على محمد"؟
فأجاب بقوله: إذا قال القائل: "اللهم صل على محمد" فإن معناه: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، أي كرر مدحه في الملأ الأعلى، أي في الملائكة. هكذا قال أبو العالية – رحمه الله – وهو القول الحق، وهو أصح من قول من قال: (إن صلاة الله على عبده هي رحمته) لأن هذا القول ضعيف لأن الله قال في كتابه: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) . فعطف الرحمة على الصلوات والعطف يقتضي المغايرة؛ ولأنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لكان الإنسان يصلي على كل أحد كما يدعو لكل أحد بالرحمة، والصلاة لا تكون إلا على النبي أو على غيره معه مثل قول: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".
أما الصلاة على غير النبي فقد اختلف العلماء في جوازها. منهم من قال: إنها جائزة لقول الله تبارك وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) .(13/228)
وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللهم صل على آل فلان" (1) . ومنهم من قال: تجوز إذا كان لها سبب، ولم تتخذ شعاراً لشخص معين.
ومنهم من قال: تجوز مطلقاً إذا لم تتخذ شعاراً.
وعلى كل حال فهذا يدل على أن الصلاة ليست هي الرحمة، إذ لم يختلف العلماء في جواز الدعاء بالرحمة لكل مسلم، وعلى هذا يتبين بوضوح أن صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
547 وسئل فضيلة الشيخ: هل يقال في التشهد السلام على النبي أو يقال السلام عليك أيها النبي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب بلا شك أننا نقول: السلام عليك أيها النبي كما قالها الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد روى مالك في الموطأ (2) عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الذاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
...
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن أبي أوفى ولفظه: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه أهل بيت بصدقة صلى عليهم فتصدق أبي بصدقة فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى". رواه البخاري في الزكاة باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (1497) ورواه مسلم في الزكاة باب 54 – الدعاء لمن أتى بصدقة 2/756 ح176 (1078) .
(2) في كتاب الجمعة باب التشهد في الصلاة 1/193 (499) .(13/229)
فهو هو عمر – رضي الله عنه – يعلمه الناس كما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته بلفظ السلام عليك أيها النبي، وما أنكر ذلك عليه أحد، ثم إن الصحابة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكونوا يقصدون بكاف الخطاب مخاطبة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنهم في أماكن بعيدة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم في مكة والطائف، وبادية الجزيرة، وفي المدينة فلم يكن يسمعهم، بل الذين معه في مسجده لم يكونوا يقصدون إسماعه ذلك، وأنهم يسلمون عليه في الصلاة كما يسلمون عليه عند الملاقاة. حرر في 19/1/1418هـ.
548 سئل فضيلة الشيخ: ما الكيفية الصحيحة للصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفضل الأعمال كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) . وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإكثار من الصلاة عليه، وأخبر أنه من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه عشراً (1) . وخير صيغة يقولها الإنسان في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما اختاره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصلاة عليه بها مثل قوله: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل
__________
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة في الصلاة باب 17 – في ثواب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد التشهد 1/306 ح70 (408) .(13/230)
محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" (1) ، وغيرها من صيغ الصلوات التي وردت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن خير ما ألف في ذلك كتاب العلامة ابن القيم – رحمه الله – المسمى "جلاء الإفهام في الصلاة على خير الأنام" فليرجع إليه السائل وغيره للاستفادة منه.
549 وسئل فضيلته الشيخ: هل يقتصر المصلي في التشهد الأول على التشهد أو يزيد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: التشهد الأول في الثلاثية والرباعية يقتصر فيه على قول: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) (2) ، هذا هو الأفضل فإن زاد وقال: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) (3) ، فلا بأس.
...
__________
(1) متفق عليه من حديث كعب بن عجره رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 11 (3369 و3370) ومسلم في الصلاة باب 17 – الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد التشهد 1/305 ح66 (405) .
(2) متفق عليه من حديث ابن مسعود راجع ص226.
(3) راجع التخريج في السؤال السابق.(13/231)
ومن العلماء من استحب هذه الزيادة؛ لكن الأقرب عندي الاقتصار على الحد الأول، وإن زاد فلا بأس، لاسيما إذا أطال الإمام التشهد، فحينئذ يزيد الصلاة التي ذكرناها.
550 وسئل فضيلة الشيخ: متى يكون التكبير عند القيام من التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير عند القيام من التشهد الأول يكون عند النهوض - أي فيما بين الجلوس والقيام - وليس وهو جالس، ففي صحيح البخاري (1) عن سعيد بن الحارث قال: (صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين رفع، وحين قام من الركعتين) ، وقال: (هكذا رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وقال مطرف: (صليت أنا وعمران صلاة خلف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما سلم أخذ عمران بيدي فقال: قد صلى بنا هذا صلاة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (2) .
وهكذا كل تكبيرات الانتقال محلها ما بين الركنين المنتقل منه والمنتقل إليه.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان باب 144 - يكبر وهو ينهض من السجدتين ح (825) .
(2) رواه البخاري في الموضع السابق ح (826) وراجع أيضاً ح (786) .(13/232)
صفة الجلوس للتشهد الأخير
551 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم التورك في الصلاة؟ وهل هو عام للرجال والنساء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة التورك في الصلاة سنة في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان؛ كصلاة المغرب، والعشاء، والظهر والعصر. وأما الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد فليس فيها تورك. بل يفترش. هذا عن حكم التورك.
أما كونه للرجال والنساء، فنعم فهو ثابت في حق النساء والرجال؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا بدليل شرعي يدل على عدم التساوي، وليس هناك دليل شرعي صحيح على أن المرأة تختلف عن الرجل في هيئات الصلاة؛ بل هي والرجل على حد سواء.
552 سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: هناك أدعية ثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل: (ربي أجرني من النار) ، فهل يجوز عند الدعاء بها إضافة شيء إليها كأن يقال: (ربي أجرني من النار ووالدي وإخواني) ، بقصد الدعاء لهم؟ وهل يجوز الاستغفار والدعاء للوالدين وغيرهم في صلاة الفرض وأثناء خطبة الإمام يوم الجمعة؟ وكذلك الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذكر والإمام يخطب؟
فأجاب فضيلته بقوله: ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأدعية فالأولى المحافظة فيه على الصيغة الواردة بدون زيادة، ثم بعد ذلك(13/233)
تدعو لمن أحببت.
والدعاء للوالدين وغيرهم من المؤمنين جائز في الفرض والنفل بعد المحافظة على الذكر الوارد؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" (1) .
أما الدعاء أثناء خطبة الجمعة فلا يجوز لا للوالدين ولا لغيرهم؛ لأنه يشغل عن استماع الخطبة، لكن لو ذكر الخطيب الجنة أو النار، وقلت: أسأل الله من فضله، أو أعوذ بالله من النار من غير أن يشغلك عن سماع الخطبة، أو تشويش على غيرك فلا بأس، ومثل ذلك الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذكره في الخطبة إذا لم يشغلك عن سماعها فصل عليه.
553 سئل فضيلة الشيخ - وفقه الله تعالى-: جمع الإمام بين المغرب والعشاء للمطر وعندما سلم الإمام من المغرب لم يسلم رجل من جماعة المسجد بل وصلها بصلاة العشاء ولم يكبر تكبيرة الإحرام للعشاء، فهل تصح صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرجل المذكور الذي قام مع الإمام في الجمع بدون سلام من صلاة المغرب، وبدون تكبيرة إحرام للعشاء هذا الرجل صلاته للمغرب باطلة؛ لأنه لم يسلم منها بل قرنها بصلاة أخرى، والسلام ركن، وقرن الصلاة بأخرى بدون سلام من الأولى لا يجوز.
...
__________
(1) رواه البخاري في الأذان/ باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد (800) .(13/234)
وكذلك صلاته للعشاء باطلة لأنه لم يكبر لها تكبيرة الإحرام ووصلها بصلاة ثانية.
وعلى هذا فيجب عليه إعادة الصلاتين صلاة المغرب وصلاة العشاء مع التوبة إلى الله من هذا العمل. حرر في 28/2/1394هـ.
554 وسئل فضيلة الشيخ: التسليم من الصلاة هل يكون مصاحباً للالتفات، أو قبله، أو بعده؟
فأجاب فضيلته بقوله: التسليم للصلاة مع الالتفات من حين تبدأ حتى تختم السلام وأنت ملتفت تماماً؛ لأنك تخاطب من ورائك.
أما بعض الناس يقول: السلام عليكم هكذا يرفع رأسه وإذا بقي "عليكم" التفت بسرعة هذا ليس بصحيح إنما تقول: "السلام عليكم" تبدأ من حين تبدأ بالجملة تبدأ بالالتفات حتى يكون التفاتك عند قولك "عليكم" لأنك تخاطب الجماعة وراءك.
555 وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله -: عن إمام يسلم تسليمة واحدة عن يمينه فقط فهل يجزئ الاقتصار على تسليمه واحدة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يرى بعض العلماء أنه يجوز الاقتصار على واحدة - أي على تسلميه واحدة - ويرى بعضهم أنه لابد من التسليمتين، ويرى آخرون أن التسليمه الواحدة تكفي في النفل دون الفرض.
...(13/235)
والاحتياط للإنسان أن يسلم مرتين؛ لأن هذا أكثر ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أحوط وأكثر ذكراً، لكن إذا سلم الإمام مرة واحدة وكان المأموم لا يرى الاقتصار على واحدة فليسلم المأموم مرتين ولا حرج عليه في هذا، أما لو سلم الإمام مرتين والمأموم يرى تسلميه واحدة فليسلم مع الإمام من أجل متابعته.
556 وسئل الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين -: ما حكم من يزيد في اليمين في السلام من الصلاة بقوله (وبركاته) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: من زاد في السلام على اليمين (وبركاته) فقد وافق بعض العلماء في ذلك، وهذا مبني على صحة هذه الزيادة، وفيها مقال معروف، فقد قال النووي في كتاب (الأذكار) ولا يستحب أن يقول معه وبركاته لأنه خلاف المشهور عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسي والروياني في الحلية، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدمناه، والله أعلم.
ومراده في الشذوذ يعني في المذهب ورواية أبي داود فيها موسى بن قيس الحضرمي قل العقيلي: من الغلاة في الرفض، يلقب عصفور الجنة، يحدث بأحاديث مناكير وفي نسخة بواطيل، ووثقه ابن معين وغيره، وقال في التقريب: صدوق رمي بالتشيع من السادسة. أهـ. قلت: والظاهر عدم استحبابها ولا ينكر على من قالها.
حرر في 27/6/1418هـ.
*(13/236)
انصراف الإمام.
*المصافحة بعد السلام.
* استعمال المسبحة.
* عدد التسبيح.
* الجهر بالذكر بعد الصلاة والدعاء ورفع اليدين.(13/237)
انصراف الإمام
557 وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله -: هل الأولى للإمام أن ينصرف بعد الصلاة مباشرة أو ينتظر قليلاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى للإمام أن يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى جهة المأمومين (1) .
أما بقاؤه في مكانه فإن كان يلزم من قيامه تخطي رقاب المأمومين فالأولى أن يبقى حتى يجد متسعاً، وإلا فله الانصراف.
أما المأموم فالأولى أن لا ينصرف قبل إمامه لقول النبي:"لا تسبقوني بالانصراف" (2) . لكن إذا أطال الإمام البقاء مستقبل القبلة أكثر من السنة فللمأموم أن ينصرف.
558 سئل فضيلة الشيخ: ما رأى فضيلتكم في المصافحة وقول"تقبل الله" بعد الفراغ من الصلاة مباشرة؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا أصل للمصافحة، ولا لقول،"تقبل الله" بعد الفراغ من الصلاة، ولم يرد عن النبي، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم -.
حرر في 25/5/1409هـ.
__________
(1) هذا حديث ثوبان رواه مسلم في المساجد باب 26 - استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح135 (591) .
(2) رواه مسلم في الصلاة باب 25 - تحريم سبق الإمام 1/320 ح112 - (426) وفي أوله:"أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا السجود ولا بالقيام ولا بالانصراف".(13/239)
559 سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله مكانه ومكانته عنده -: ما حكم استعمال السبحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السبحة ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها، وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله، أو التهليل، أو التحميد، أو التكبير، فهي وسيلة وليس مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله - أي بأصابعه - لأنهن "مستنطقات" (1) كما أرشد ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيراً من أولئك الذين يستعملون المسبحة نجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه، أو تهليله أو تحميده، أو تكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب، يتلفت يميناً وشمالاً، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحضر لقلبه غالباً، الشيء الثالث أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيراً من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات.
وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا، لكنه يخشى منه، فهذه ثلاثة
__________
(1) لما رواه الإمام أحمد في المسند 611/370، وأبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1501) ، والترمذي في الدعوات، باب فضائل التسبيح (3583) ونص الحديث: عن يسيرة قالت: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات".(13/240)
أمور كلها تقتضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمسبحة، وأن يسبح الله سبحانه وتعالى بأنامله.
ثم أن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعقد التسبيح بيمينه (1) واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلاً على الأيسر، ونهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك" (2) . وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله" (3) . فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعاً للسنة، وأخذاً باليمين فقد: "كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه التيامن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله" (4) .
وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدع في الدين، والتسبيح بالمسبحة
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1502) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأطعمة باب 2 – التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376) ، ورواه مسلم في الأشربة باب 13 – آداب الطعام والشراب 3/1599 ح108 (2022) .
(3) رواه مسلم في الموضع السابق ح106 (2020) .
(4) متفق عليه، رواه البخاري في الوضوء، باب 31 – التيمن في الوضوء والغسل (168) ، ورواه مسلم في الطهارة باب 19: التيمين في الطهور وغيره 1/226 ح66 و67 (268) .(13/241)
إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع.
560 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له-: ما رأيكم في استخدام المسبحة في التسبيح؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: استخدام المسبحة جائز، لكن الأفضل أن يسبح بالأنامل وبالأصابع؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اعقدن بالأصابع فإنهن مستنطقات" (1) .
ولأن حمل السبحة قد يكون فيه شيء من الرياء؛ ولأن الذي يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه فيسبح بالمسبحة وينظر يميناً وشمالاً. فالأصابع هي الأفضل وهي الأولى.
561 سئل فضيلة الشيخ: هل يعد الإنسان التسبيح بالأنامل أو بالأصابع؟
فأجاب فضيلته بقوله: التسبيح بالأنامل أو الأصابع واسع، إن شاء عقد بالأنامل، وإن شاء عقد بالأصابع، والأفضل أن يكون عقد التسبيح باليمين كما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (2) .
__________
(1) راجع تخريجه في السؤال السابق.
(2) تقدم تخريجه ص240.(13/242)
562 سئل فضيلة الشيخ: عن عد التسبيح هل يكون باليد اليمنى فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يسبح اليمنى لأن هذا هو ما رواه أبو داود من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعقد التسبيح بيمينه (1) ، ولكن لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث ينكر على من يسبح بكلتا يديه، بل نقول إن السنة أن تقتصر على اليمين؛ لأن هذا هو الذي ورد عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأن ذلك أفضل وأكمل؛ لأن اليمين تقدم في الأمور المحمودة، واليسرى في الأمور الأخرى.
563 وسئل الشيخ - حفظه الله تعالى - عن حكم التسبيح بالسبحة، وهل تعتبر من الوسائل المعينة على العبادة؟ أفتونا وفقكم الله تعالى.
فأجاب بقوله: التسبيح بالأصابع خير من التسبيح بالسبحة من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه الذي أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله لجماعة نسوة: "اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات" (2) .
الثاني: أنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء.
الثالث: أنه أقرب إلى حضور القلب ولذلك ترى المسبح بالسبحة يتجول بصره حين التسبيح يميناً وشمالاً لا لكونه قد ضبط العدد بخرز السبحة فهو يسردها حتى ينتهي إلى آخرها ثم يقول
__________
(1) تقدم تخريجه ص241.
(2) تقدم تخريجه ص240.(13/243)
سبحت مائة مرة أو ألف مرة مثلاً بخلاف الذي يعقد بالأنامل فقلبه حاضر.
وأما وسائل العبادة فهو كل ما أوصل إلى العبادة فإذا لم يكن طريقاً محرماً لذاته ولم يكن موجباً للإعراض عن أصول الدعوة الشرعية فلا بأس به، أما إن كان محرماً لذاته كالكذب والمعازف فلا يصح أن يكون وسيلة للدعوة إلى الله تعالى ولا يحل فعله. وكذلك لو كان موجباً للإعراض عن أصول الدعوة الشرعية كالأناشيد التي تلهي عن أصول الدعوة الشرعية فإنه ينهى عنها.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 10 رجب 1418هـ.
564 وسئل فضيلة الشيخ: ما الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد الصلاة المكتوبة؟ وما قولكم في قول بعضهم إن رفع الصوت في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل التعليم؟ وما رأيكم في قول شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم - رحمهما الله-: إن الدعاء يكون قبل السلام والذكر بعده؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد المكتوبة: كل ذكر يشرع بعد الصلاة، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا(13/244)
سمعتهم" (1) ، فدل هذا على أن كل ما يشرع من ذكر في أدبار الصلاة فإنه يجهر به.
وأما من زعم من أهل العلم أنه كان يجهر به في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتعليم، وأنه لا يسن الجهر به الآن فإن هذا في الحقيقة مبدأ خطير، لو كنا كلما جاءت سنة بمثل هذا الأمر قلنا إنها للتعليم، وأن الناس قد تعلموا الآن فلا تشرع هذه السنة لبطل كثير من السنن بهذه الطريقة، ثم نقول: الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعلمهم بما يشرع بعد الصلاة، كما في قصة الفقراء الذين جاءوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [في أن الأغنياء سبقوهم فقال: "ألا أخبركم بشيء تدركون به من سبقكم" (2) ؟ ثم ذكر لهم أن يسبحوا ويكبروا ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين] . فقد علمهم بالقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالصواب في هذا أنه يشرع أدبار الصلوات المكتوبة أن يجهر الإنسان بكل ما يشرع من ذكر سواء بالتهليل، أو بالتسبيح أو الاستغفار بعد السلام ثلاثاً أو بقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وتباركت يا ذا الجلال والإكرام (3) .
وأما ذكر السائل عن شيخ الإسلام بن تيميه، وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله – من أن الدعاء قبل السلام والذكر بعده، فهذا
__________
(1) رواه البخاري في الأذان/ باب الذكر بعد الصلاة (841) ، ومسلم في المساجد/ باب الذكر بعد الصلاة (583) .
(2) هذا جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (843) ، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/416 ح142 (595) .
(3) هذا جزء من حديث ثوبان رواه مسلم في الموضع السابق ح135 (951) .(13/245)
كلام جيد جداً ويدل عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه حينما ذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهم التشهد، ثم قال بعد ذلك: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه" (1) . فأرشد النبي عليه الصلاة والسلام المصلي أن يدعو بعد التشهد مباشرة وقبل السلام.
وأما أن الذكر بعد السلام فلقول الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) . وعلى هذا فيكون ما بعد السلام ذكراً ويكون ما قبل السلام دعاءً هذا ما يقتضيه الحديث، وما يقتضيه القرآن، وكذلك المعنى يقتضيه أيضاً لأن المصلي بين يدي الله عز وجل فمادام في صلاته فإنه يناجي ربه كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ، وإذا انصرف وسلم انصرف من ذلك فكيف نقول أجل الدعاء حتى تنصرف من مناجاة الله، المعقول يقتضي أن يكون الدعاء قبل أن تسلم ما دمت تناجي ربك تبارك وتعالى، وعلى هذا فيكون ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وتلميذه ابن القيم، هو الصواب الذي دل عليه المنقول والمعقول، ولكن لا حرج أن الإنسان يدعو بعد الصلاة أحياناً، أما اتخاذ ذلك سنة راتبة كما يفعله بعض الناس كلما انصرف من السنة رفع يديه يدعو فإن هذا لا أعلم فيه سنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
(1) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري وتقدم تخريجه ص234.
(2) حديث المناجاة رواه مالك في الموطأ في الصلاة باب 7 – العمل في القراءة 1/86 (225) وتقدم لفظه في ص13.(13/246)
رسالة
الجهر بالذكر بعد الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم المؤرخ في الشهر الماضي وصل، وسؤالكم عن: حكم الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة وصورته.
فالجواب: أن الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاري (1) من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته". ورواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وهذا الحديث من أحاديث العمدة، وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إذا قضى الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له". الحديث (4) ، ولا يسمع القول إلا إذا جهر به القائل.
...
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (841) و (842) ن ورواه مسلم في المساجد باب 23 – الذكر بعد الصلاة 1/410 ح122 (583) .
(2) رواه أحمد 1/367.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب التكبير بعد الصلاة 1/609 (1003) .
(4) متفق عليه، فرواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (844) ، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح137 (593) .(13/247)
وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وجماعة من السلف، والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة – رضي الله عنهم – والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلاً، أو تسبيحاً، أو تكبيراً، أو تحميداً لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير (1) ، وبهذا يعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير.
وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعة؟! قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم) .
وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) .
فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعاً وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري في الموضع السابق ح (842) ، ومسلم في المساجد باب 23 – الذكر بعد الصلاة 1/410 ح120 (583) .(13/248)
وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ.
وأما احتجاج منكر الجهر أيضاً بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم". الحديث (1) .
فإن الذي قال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله.
ثم إن السياق في قوله: "اربعوا على أنفسكم" يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعاً بليغاً يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: "أربعوا على أنفسكم". أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.
أما من قال: إن في ذلك تشويشاً.
فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، إن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي فإن كان قريباً منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيداً منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.
...
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الجهاد باب 131 – ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992) ، ومسلم في الذكر والدعاء باب 13 – استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2076 ح44 (2704) .(13/249)
وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في 15/6/1409هـ.
565 ...(13/250)
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يجهر به كما كان عليه الصلاة والسلام يجهر بذلك، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) ، والناس إذا رفعوا أصواتهم جميعاً لم يشوش بعضهم على بعض. لكن يشوش بعضهم على بعض إذا كان أحدهم يجهر والآخر يسر، والذي يسر لاشك أنه يشوش عليه، فإذا كان الذي يقضي إلى جنب الإنسان وخاف أن يشوش عليه فحينئذ لا يرفع صوته على وجه يشوش، حتى على الذين يقضون؛ لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش.
566 سئل فضيلة الشيخ: وفقه الله تعالى -: ما الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الله تعالى بعد الصلوات قد أمر الله به في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) . (النساء: 103) . وهذا الذكر الذي أمر الله به مجملاً
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص245.(13/251)
بينه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقول إذا سلمت: استغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (2) لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) ، وتسبح الله تعالى بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذلك أن تسبح الله وتحمده وتكبره ثلاثاً وثلاثين تقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين (4) ، وتقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (5) .
وسواء قلتها مجموعة سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، أو قلت التسبيح وحده، والتحميد وحده، والتكبير وحده وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
...
__________
(1) هذا من حديث ثوبان رواه مسلم وتقدم تخريجه ص245.
(2) هذا اللفظ متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (844) ، وفي الدعوات باب الدعاء بعد الصلاة (6329) وفي غيرهما، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح137 (593) .
(3) هذا حديث عبد الله بن الزبير رواه مسلم في الموضع السابق ح139 (594) .
(4) متفق عليه من حديث أبي هريرة (حديث الفقراء) رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (843) ، وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في الموضع السابق ح142 (595) .
(5) هذه الزيادة رواها مسلم في المساجد باب 26: استحباب الذكر ح146 (597) .(13/252)
كذلك يجوز أن تسبح وتحمد وتكبر عشراً عشراً، بدلاً من الثلاثة وثلاثين فتقول: سبحاه الله، عشر مرات، والحمد لله، عشر مرات، والله أكبر، عشر مرات، فهذه ثلاثون وهذا مما جاءت به السنة (1) .
ومما جاءت به السنة في هذا أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر هذه أربع تقال خمساً وعشرين فيكون المجموع مائة (2) .
فأي نوع من هذه الأنواع سبحت به فهو جائز؛ لأن القاعدة الشرعية: "أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يسن فعلها على هذه الوجوه كلها هذه مرة وهذه مرة" لأجل أن يأتي الإنسان بالسنة في جميع وجوهها، وهذه الأذكار التي قلت عامة في الصلوات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي المغرب وفي الفجر يكون التهليل عشر مرات، وكذلك "ربي أجرني من النار" سبع مرات بعد المغرب والفجر، والله الموفق.
567 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم رفع اليدين والدعاء بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم
__________
(1) رواه أبو داود في الأدب باب في التسبيح عند النوم ح (5065) ، ورواه الترمذي في الدعوات باب 25 – منه ح (3410) ، النسائي في السهو باب عدد التسبيح بعد التسليم (1347) ، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقال بعد التسليم (926) .
(2) سيأتي تخريجه في ص285.(13/253)
الصلاة رفع يديه ودعا، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك في حديث ابن مسعود (1) حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء".
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه والله أعلم رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع. فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص234.(13/254)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سؤالكم عن رفع الأيدي في الدعاء وعن الدعاء بعد الصلوات.
والجواب: وبالله التوفيق ومنه تستمد الهداية والصواب: اعلم أن دعاء الله تعالى من عبادته؛ لأن الله تعالى أمر به وجعله من عبادته في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .
وإذا كان الدعاء من العبادة فالعبادة تتوقف مشروعيتها على ورود الشرع بها في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها.
ولا ريب أن الأصل في الدعاء مشروعية رفع اليدين فيه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل رفع اليدين فيه من أسباب الإجابة، حيث قال فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" (الحديث (1) وفيه) : "ثم ذكر
__________
(1) رواه مسلم في الزكاة باب 19 – قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 1/703 ح65 (1015) .(13/255)
الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".
وفي حديث سلمان الذي رواه أحمد وغيره أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً" (1) .
لكن ما ورد فيه عدم الرفع كان السنة فيه عدم الرفع، والرفع فيه بدعة سواء ورد عدم الرفع فيه تصريحاً، أو استلزاماً.
فمثال ما ورد فيه عدم الرفع تصريحاً: الدعاء حال خطبة الجمعة، ففي صحيح مسلم عن عمارة ابن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: "قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه السبابة (2) .
ويستثنى من ذلك ما إذا دعا الخطيب باستسقاء فإنه يرفع يديه والمأمومون كذلك، لما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – في قصة الأعرابي الذي طلب من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
__________
(1) رواه الإمام أحمد 5/438 ورواه أبو داود في الصلاة باب الدعاء (1488) ، ورواه الترمذي في الدعوات وحسنه باب 105 ح (3556) ، ورواه ابن ماجة في الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء (3865) ، وصححه ابن حبان 3/160 (876) .
(2) رواه مسلم في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/595 ح53 (874) وفيه بإصبعه المسبحة وعند أحمد 4/135 والنسائي في الجمعة باب الإشارة في الخطبة (1411) بإصبعه السبابة.(13/256)
يخطب يوم الجمعة أن يستسقي قال: "فرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون". وقد ترجم عليه البخاري: باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء (1) . ...
وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري أيضاً عنه قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه" (2) فيكون المراد به دعاءه في الخطبة، ولا يرد على هذا رفع يديه في الخطبة للاستصحاء لأن القصة واحدة. وقد أيد صاحب الفتح (ابن حجر) حمل حديث أنس على أن المراد بالنفي في حديث أنس نفي الصفة لا أصل الرفع كما في ص517 ج2 طبعة الخطيب.
وأياً كان الأمر فإن حديث عمارة يدل على أنه لا ترفع الأيدي في خطبة الجمعة وإنما هي إشارة بالسبابة، وحديث أنس يدل على رفعها في الاستسقاء، والاستصحاء، فيؤخذ بحديث عمارة فيما عدا الاستسقاء، والاستصحاء، ليكون الخطيب عاملاً بالسنة في الرفع والإشارة بدون رفع.
ومثال ما ورد فيه عدم الرفع استلزاماً: دعاء الاستفتاح في الصلاة، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهدين، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان يضع يديه على فخذيه في الجلوس، ويضع يده اليمنى على اليسرى في القيام". ولازم ذلك أن لا يكون رافعاً لهما.
__________
(1) رواه في الاستسقاء باب 20 المذكور ح (1029) معلقاً، وفي الدعوات كذلك ح (6341) .
(2) رواه في الموضع السابق باب 21 – رفع الإمام يده في الاستسقاء ح (1031) .(13/257)
وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي، بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك. وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً (1) فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء ومثل قول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (2) عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول: "رب أجرني من النار سبع مرات" (3) بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به السنة.
أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل السلام لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين ذكر التشهد: "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"، رواه البخاري (4) ، ولأنه في الصلاة يناجي ربه فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف. وإن دعا بعد السلام فلا حرج، لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك سنة راتبة فيلحقه بالوارد لما سبق في أول الجواب من أن العبادات تتوقف على الوارد عن الشارع في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها.
...
__________
(1) يشير إلى حديث ثوبان رواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة ح135 (591) .
(2) حديث معاذ رواه أبو داود في الصلاة باب في الاستغفار 2/180 (1522) . ورواه النسائي في السهو باب 60- نوع آخر من الدعاء 3/61 (1302) ، وصححه ابن حبان 5/364 (2020) .
(3) رواه أبو داود في الأدب باب ما يقول إذا أصبح 5/319 (5080) ورواه ابن حبان 5/366 (2022) .
(4) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وانظر تخريجه في ص234.(13/258)
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبعه في هديه. قال ذلك كاتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين في 5/6/1405هـ.
568 ...(13/259)
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة، حتى قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: إنها لا تقوم بها الحجة.
وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه (1) ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه.
569 سئل فضيلة الشيخ - وفقه الله تعالى -: عن حكم ترديد الأذكار المسنونة بعد الصلاة بشكل جماعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه بدعة لم ترد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما الوارد إن كل إنسان يستغفر ويذكر لنفسه.
...
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الاستسقاء/ باب الاستسقاء في خطبة الجمعة (1014) ، ومسلم في الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (897) .(13/260)
لكن السنة الجهر بهذا الذكر بعد الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف إذا سمعهم (1) ، وهذا دليل على أن السنة الجهر به، خلافاً لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليل دون التسبيح، والتحميد، والتكبير، ولا أعلم لهذا أصلاً من السنة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما السنة الجهر.
وقول بعض الناس: إن الرسول عليه الصلاة والسلام جهر به من أجل أن يعلمه الناس فقط.
هذا مردود، وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام قد حصل بالقول كما قال للفقراء من المهاجرين: "تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" (2) .
ثم إننا نقول: هب أن المقصود بذلك التعليم، فالتعليم كما يكون في أصل الدعاء، أو في أصل الذكر يكون أيضاً في صفته، فالرسول عليه الصلاة والسلام علمنا هذا الذكر أصله وصفته وهو: الجهر، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة، ولو كان من أجل التعليم فقط لكان النبي عليه الصلاة والسلام يقتصر على ما يكون به علم الناس ثم يمسك.
فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على
__________
(1) تقدم تخريجه ص245.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص252.(13/261)
الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضاً – أعني رفع الصوت – ولا يكون رفعاً مزعجاً فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم" (1) ، فالمقصود بالرفع، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج.
570 وسئل فضيلة الشيخ: سمعت من بعض الناس إنكار رفع اليدين في الدعاء فرجعت إلى بعض كتب السنة وشروحها وجمعت منها الكلمة المرفقة في مشروعية رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، وأنه من آدابه ومن أسباب إجابة الدعاء، ثم سمعت أخيراً أنه صدر منكم فتوى في عدم مشروعية ذلك أظنه قيل بعد السنة، أرجو الإفادة عن صحة ذلك؟
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اطلعت على الورقة المطبوعة المصاحبة لكتابكم التي
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري، فرواه البخاري في مواضع منها الجهاد باب 131 – ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992) ، ومسلم في الذكر والدعاء باب 13 – استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2076 ح44 (2704) .(13/262)
تتضمن بيان أن رفع اليدين حال الدعاء من آداب الدعاء، وأسباب إجابته، ولاشك أن الأمر كما ذكرتم من أن رفع الأيدي حال الدعاء من آداب الدعاء، وأسباب إجابته للأحاديث الواردة في ذلك من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله، هذا هو الأصل.
وقد تأملت في ذلك فظهر لي أن ذلك على أربعة أقسام:
الأول: ما ثبت فيه رفع اليدين بخصوصه كرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه في خطبة الجمعة حين قال: "اللهم أغثنا" (1) ، وحين قال: "اللهم حوالينا ولا علينا" (2) .
الثاني: ما ثبت فيه عدم الرفع كالدعاء حال خطبة الجمعة بغير الاستسقاء، والاستصحاء، كما دل على ذلك ما رواه مسلم 2/595 عن حصين بن عبد الرحمن عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: "قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة" (3) ، وفي رواية: "رأيت بشر بن مروان يوم جمعة يرفع يديه فقال عمارة" فذكر نحوه.
الثالث: ما كان ظاهر السنة فيه عدم الرفع، كالدعاء بين السجدتين، وفي آخر التشهد، فإن الظاهر فيهما عدم رفع اليدين
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس، فرواه البخاري في أثناء قصة في الاستسقاء باب 6 – الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة (1014) ، وكذلك مسلم في الاستسقاء باب 2 – الدعاء في الاستسقاء 2/612 ح8 (897) .
(2) المرجع السابق.
(3) رواه مسلم في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/595 ح35 (874) .(13/263)
وكذلك دعاء الاستفتاح كما في حديث أبي هريرة، وكذلك الاستغفار بعد السلام.
وهذه الأقسام الثلاثة حكمها ظاهر؛ لأن الأدلة فيها خاصة.
الرابع: ما سوى ذلك فالأصل فيه استحباب رفع اليدين؛ لأن رفعهما من آداب الدعاء، وأسباب أجابته لما فيه من إظهار اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه، كما يشير إليه حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيب" وفيه "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب". الحديث (1) .
وكذلك حديث سلمان المرفوع: "إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً" (2) .
هذا ما تبين لي من السنة.
وأما ما ذكرتم من أنكم سمعتم أنه صدر مني فتوى في عدم مشروعية ذلك.
فهذا كذب علينا، إما عن سوء فهم من ناقله، أو سوء قصد منه، وما أكثر ما ينقل عن الناس من الأشياء المخالفة للواقع لهذين السببين، أو غيرهما، وكثير من الناس يصوغ السؤال للتعبير عما في نفسه، ويجيبه المسؤول بمقتضى ظاهر سؤاله المخالف لما في نفسه، فيفهم السائل الجواب عما في نفسه وينقله عن المسؤول
__________
(1) رواه مسلم في الزكاة باب 19 – قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 1/703 ح65 (1015) .
(2) تقدم تخريجه ص256.(13/264)
على حسب فهمه، وكثير من الناس يجاب فيفهم الجواب خطأ وينقله كذلك.
وأما قولكم أظنه قيل بعد السنة: فهذا الذي وقع منكم موقع الظن، وصغتموه بصيغة التمريض، هو الواقع فإنه ليس من السنة أن يعتاد الرجل كلما صلى تطوعاً رفع يديه يدعو الله عز وجل، حتى ليكاد يجعله من الواجب، كما يفعله كثير من العامة ويشعر في نفسه أنه في هذه الحال أقوى رجاء، وأكثر قرباً، وأشد إنابة إلى الله من دعائه في الصلاة.
بل السنة لمن أراد أن يدعو الله عز وجل من المصلين أن يكون دعاؤه قبل السلام مثل أن يجعله في السجود، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (1) ، أو يجعله بعد التشهد قبل السلام لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود (2) – رضي الله عنه – حين علمه التشهد وقال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء"، أو قال: "ما أحب".
وكما أن الدعاء قبل السلام مقتضى ما دلت عليه السنة، فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح، فإن دعاء المصلي ربه حين مناجاته له أولى من دعائه إذا انصرف من صلاته، وانقطعت المناجاة.
وأما قولكم: ما دام الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبة فلماذا لا ترفع الأيدي في هذه المواطن وغيرها؟
...
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 41 – النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479) وفي أوله زيادة عن الرؤيا الصالحة.
(2) متفق عليه وهذا لفظ البخاري، وتقدم تخريجه في ص234.(13/265)
فالدعاء بين الأذان والإقامة لا ينكر، ورفع اليدين فيه من القسم الرابع، ولكن الناس إذا صلوا النافلة بعد الأذان ثم دعوا لا يقصدون بذلك أنهم دعوا من أجل أن هذا وقت إجابة لكونه بين الأذان والإقامة، وإنما يدعون من أجل أنهم صلوا هذه النافلة ويدل على ذلك أمور:
الأول: أنهم يدعون بعد النافلة التي بعد الفريضة وليس هذا بين الأذان والإقامة.
الثاني: أنهم يدعون بهذا الدعاء أحياناً وإن لم يسلموا إلا بعد الإقامة كما نشاهدهم ويشاهدهم غيرنا وليس هذا بين الأذان والإقامة.
الثالث: أن الكثير منهم إذا دعا بعد الأذان بما يشرع الدعاء به كالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسؤال الوسيلة له لا تكاد تراه يرفع يديه بل ربما أنكر على من رفع يديه في هذا الدعاء مع أن هذا من القسم الرابع فالله المستعان.
فقد اتخذوا الدعاء بعد النافلة سنة راتبة ربما يحافظ عليها محافظته على الواجب، مع أن ذلك لا أصل له من السنة، فالدعاء من حيث هو دعاء من العبادة، لكن ربطه بسبب معين يحافظ عليه عنده بدون دليل يجعله من البدع، فإن العبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا حيث توافق الشرع في ستة أمور: سببها، وجنسها، وقدرها، وكيفيتها، وزمانها، ومكانها.
وأما الدعاء أدبار الصلوات المكتوبة ففيه الاستغفار، فقد(13/266)
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً (1) ، والاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء لكن ظاهر السنة فيه عدم الرفع.
وفيه حديث أبي أمامه – رضي الله عنه – سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبة". أخرجه الترمذي (2) من طريق عبد الرحيم بن سابط، لكن قال في التقريب عن عبد الرحمن هذا: إنه كثير الإرسال. وقال ابن معين: إنه لم يسمع من أبي أمامة.
وعلى تقدير ثبوته لا يتعين أن يكون المراد بدبر الصلوات ما بعدها فقد يكون المراد به آخرها فيكون مجملاً يفسر بالأحاديث الدالة على أن آخر الصلاة موضع الدعاء كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – في التشهد (3) .
وفي صحيح مسلم 1/412 عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". (الحديث) (4) . والظاهر أن ذلك في آخر صلاته؛ لأن ذلك هو الموافق لما أمر به أمته حيث قال: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فيتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب
__________
(1) هذا جزء من حديث ثوبان رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص252.
(2) رواه في الدعوات باب 79 ح (3499) .
(3) تقدم تخريجه في ص234.
(4) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 149 – الدعاء قبل السلام (832) ، ورواه مسلم في المساجد باب 25 – ما يستعاذ منه في الصلاة 129 (589) .(13/267)
القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 1/412 (1) .
والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة (في حديث أبي أمامة إن صح) آخر الصلاة لأن دبر الصلاة إذا كان صالحاً لآخرها فتفسيره به أولى؛ لأن كلام الله ورسوله يفسر بعضه بعضاً.
والمتأمل في هذه المسألة يتبين له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها.
أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" (الحديث) (2) . فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة.
وأما الثاني: فلأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل ما بعد التشهد الأخير محلاً للدعاء كما في حديثي ابن مسعود، وأبي هريرة – رضي الله عنهما – فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق.
...
__________
(1) رواه مسلم في الموضع السابق ح130 (588) .
(2) متفق عليه وهو جزء من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (843) ، ومسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة ح42 (595) .(13/268)
واعلم أن الفتوى التي صدرت مني عبر برنامج (نور على الدرب) ونقلها بعض الناس ووزعها موضوعها المهم منها هو الدعاء المقرون برفع الأيدي، لا مجرد رفع الأيدي كما ستراه في صورة المنشور صحبة كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقنا علماً نافعاً تصلح به القلوب والأعمال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 10/4/1408هـ.
571 سئل فضيلة الشيخ: في بعض البلاد وبعد الصلوات المفروضة يقرأون الفاتحة، والذكر، وآية الكرسي بصوت جماعي، فما الحكم في هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: قراءة الفاتحة، وآية الكرسي، والذكر بعد الصلاة بصوت مرتفع جماعي من البدع، فإن المعروف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أنهم بعد الصلاة يذكرون الله بصوت مرتفع، ولكن كل واحد منهم يذكر الله تعالى على انفراده دون أن يشتركوا، فرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة سنة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (1) عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص245.(13/269)
وأما قراءة الفاتحة بعد الصلاة سواء كان ذلك سراً أو جهراً فلا أعلم فيه حديثاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما ورد الحديث بقراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين فقط (1) .
__________
(1) يدل لذلك ما رواه أبو أمامة الخزرجي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت". رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" ص185، وحديث: "أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ المعوذات دبر كل صلاة" أخرجه الإمام أحمد 4/115.(13/270)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سألني الأخ عن حكم رفع الصوت، فأجبته بما يلي:
رفع الصوت بالذكر الذي بعد الصلوات الخمس، والجمعة سنة بشرطين:
الأول: أن لا يجهد نفسه بذلك بحيث يرفع رفعاً شديداً كالصراخ.
والثاني: أن لا يكون أحد إلى جانبه يقضي ما فاته فيشوش عليه.
ودليل رفع الصوت بذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1) .
ودليل أن لا يجهد نفسه بذلك أن الصحابة كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فلما رفعوا أصواتهم بالذكر قال: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم" (2) . أي هونوا عليها.
ودليل أن لا يشوش على من يقضي الصلاة بجانبه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه حين كانوا يصلون صلاة الليل ويجهرون بالقراءة: "لا
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.
(2) تقدم تخريجه ص249.(13/271)
يجهر بعضكم على بعض" (1) . وفي حديث آخر قال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً (2) .
وعلى هذا فينبغي للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بالذكر بعد الجمعة، والصلوات المكتوبة الخمس اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم مع نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن بالشرطين السابقين. حرر في 3/2/1412هـ.
__________
(1) تقدم تخريجه في ص13.
(2) تقدم تخريجه في ص14.(13/272)
572 سئل فضيلة الشيخ: في بعض البلدان إذا سلم الإمام قرأ آية الكرسي جهراً، ثم يبدأ بالدعاء، والمأمومون يؤمنون، ثم بعد ذلك يجهرون بالذكر، كل على حده فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول: وهو قراءة الإمام لآية الكرسي جهراً ثم دعاؤه، وتأمين المأمومين عليه فإن ذلك لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه، وكل من تعبد بما لم يرد به الشرع فقد ابتدع.
وأما الثاني: وهو الجهر بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل بعد الصلاة المكتوبة فإن هذا من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1) ، فالذي ينبغي أن يجهر الإنسان بالذكر خلف الصلوات الخمس اقتداء بالصحابة – رضي الله عنهم – في عهد نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لكن لو كان أحد من المأمومين يقضي ما فاته وهو قريب بحيث يشوش عليه رفع الصوت فلا يرفع الصوت حينئذ.
573 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عن حكم دعاء الإمام بعد الصلاة بصوت مرتفع وتأمين المصلين عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء الإمام بعد الصلاة بصوت جهوري، وتأمين المأمومين عليه من البدع المنكرة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.(13/273)
وخلفاءه الراشدين، وسائر الأئمة، والمحققين من أتباعهم لم يفعلوها ولم يروها مشروعة.
والمشروع رفع الصوت بالذكر المشروع كل على انفراده، كما كان ذلك على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس عن المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1)
حرر في 24/7/1407هـ.
574 وسئل فضيلته: عن حكم الدعاء لشخص معين بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البدع، فلم يكن من عادة السلف الدعاء لمعين بعد الصلاة، بل أرشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته إلى الدعاء بعد إكمال التشهد قبل التسليم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (2) . حرر في 24 رجب 1407هـ.
575 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الدعاء بعد الصلاة؟ وما صحة حديث "من صلى ولم يدع فقد مقته الله"؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدعاء بعد الصلاة بغير ما ورد لا ينبغي، وذلك لأن الأفضل أن يكون الدعاء قبل السلام، هذا ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه –
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.(13/274)
بعد أن ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" (1) وهذا بمقتضى النظر الصحيح، فإن الإنسان قبل أن يسلم من صلاته بين يدي الله عز وجل، وفي حال مناجاته فلا ينبغي أن يؤخر الدعاء حتى ينصرف من مناجاة الله عز وجل، بل الدعاء في حالة المناجاة أفضل وأولى.
أما ما ورد به النص مثل قول المصلي: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، حين يسلم فإن هذا يبقى على مشروعيته. وإنما شرع ذلك لما عسى أن يكون من خلل أو تقصير في الصلاة فكانت مشروعيته بعدها.
أما الحديث الذي ذكر السائل فليس بصحيح، وعلى فرض صحته فإن المراد من صلى ولم يدع في حال صلاته، لأن الصلاة فيها دعاء واجب، فإن قراءة الفاتحة فيها دعاء: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم. وفي التشهد دعاء: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيها أعوذ بالله من عذاب جهنم.
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.(13/275)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كتابكم وصل، وما تضمنه من الأسئلة فهذا جوابها:
جـ1: حديث: "اللهم أعني على ذكرك ... " (1) إلخ لا أعلم فيه رواية بتكرار (على) والمحافظة على لفظ الحديث أولى.
جـ2: لا أعلم أني قلت إن الدعاء بعد الفريضة بدعة، هكذا على الإطلاق، ولكني أقول إن المحافظة على الدعاء بعد الفريضة والنافلة كلتيهما ليس بسنة بل هو بدعة؛ لأن المحافظة عليه يلحقه بالسنة الراتبة سواء كان قبل الأذكار الواردة بعد الصلاة أم بعدها.
وأما فعله أحياناً فأرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان الأولى تركه؛ لأن الله تعالى لم يشرع بعد الصلاة سوى الذكر لقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) . ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرشد إلى الدعاء بعد الصلاة، وإنما أرشد إلى الدعاء بعد التشهد قبل التسليم، وكما أن هذا هو المسموع أثراً فهو الأليق نظراً، لكون المصلي يدعو ربه حين مناجاته له في الصلاة قبل الانصراف.
فأما ما ذكرتم من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – أن النبي
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد 5/244، وأبو داود في الصلاة/ باب الاستغفار (1522) ونصه: عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيده وقال: "يا معاذ، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".(13/276)
صلّى الله عليه وسلم سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات" (1)
فقد أعله ابن معين بأنه من رواية عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامه ولم يسمع منه، وعلى تقدير سلامته من العلة، فالمراد بدبر الصلوات: أخرها قبل التسليم، وهذا وإن كان خلاف المتبادر، لكن يؤيده أن الله جعل ما بعد انتهاء الصلاة ذكراً، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل ما بين التشهد والتسليم دعاء.
وأما حديث أم سلمه – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً" (2) ففيه مولى أم سلمة وهو مجهول، وحديث المجهول غير مقبول حتى تعلم حاله.
وأما سؤالكم عن دبر الصلاة هل هو بعدها أو قبل السلام؟
فدبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، وعلى ما بعد السلام، لكن حسب التتبع يتبين أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان دعاء فهو قبل السلام وإن كان ذكراً فهو بعد السلام، بناء على ما سبق من الآية والحديث.
وهذه قاعدة مفيدة.
وأما حديث فضالة بن عبيد (3) فذاك في التشهد في الصلاة،
__________
(1) رواه الترمذي في الدعوات (3499) .
(2) رواه الإمام أحمد 6/317، وابن ماجة في إقامة الصلاة/ باب ما يقال بعد التسليم (925) .
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب الدعاء (1418) ، والترمذي في الدعوات باب 66 ح (3476) و (3477) وصححه، والنسائي في السهو باب التمجيد والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة (1283) .(13/277)
وليس بعد الفراغ منها كما يفيده سياقه في مشكاة المصابيح 1/293 قال: "بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل عليّ ثم ادعه"، فالمراد بالقعود والله أعلم القعود للتشهد، ثم اطلعت عليه في زاد المعاد (1) كذلك، مع احتمال أن يكون المراد بالصلاة هنا معناها اللغوي، فإنها قد تأتي في السنة مراداً بها ذلك مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم" (2) ، فإن المراد بالصلاة هنا الدعاء كما في قوله تعلى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم بذلك (3) .
وأما سلام المصلي بعد السلام على من حوله ممن مر بهم فهذا دعاء له سبب ولا إشكال في جوازه لوجود سببه، ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه (4) – في قصة وضع المشركين سلا الجزور وهو ساجد عند الكعبة قال: "فلما قضى صلاته رفع صوته فدعا عليهم"،
__________
(1) زاد المعاد 1/250.
(2) رواه مسلم في النكاح باب الأمر بإجابة الداعي.. 2/1045 ح106 (1431) .
(3) راجع هذا التفسير في صحيح ابن حبان بعد روايته للحديث المذكور 12/120 (5306) .
(4) رواه البخاري في الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر (240) ومسلم في الجهاد باب ما لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين 3/1418 ح107 (1794) .(13/278)
هكذا في مسلم "رفع صوته"، فهذا له سبب وذلك من أجل إرهاب قريش.
ولا شك أن الدعاء من العبادة وأنه مشروع كل وقت لكن يجب أن يعرف الفرق بين العموم والخصوص، فتقييد العام بشيء معين من زمان، أو مكان، أو حال، أو عمل يحتاج إلى دليل، فإذا قلنا يسن الدعاء بعد الصلاة؛ لأن الدعاء مشروع كل وقت، قلنا: يحتاج في تقييده بعد الصلاة إلى دليل.
ولو قال قائل: يسن للآكل إذا فرغ من أكله أن يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الصلاة عليه مشروعة كل وقت، قلنا: هذا يحتاج إلى دليل.
ولو قال قائل: يسن لمن فرغ من قضاء حاجته أن يذكر الله تعالى بالتهليل، والتسبيح؛ لأنه مشروع كل وقت. قلنا: تقييده بذلك يحتاج إلى دليل، وهلم جرا. فافهم هذه القاعدة فإنها مفيدة جداً.
وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وجعلنا هداة مهتدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 29/1/1417هـ.
576 وسئل فضيلة الشيخ: قلتم إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فهل يكون جماعياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: في الواقع أني لم أقل يجوز، بل قلت: إنه من السنة يعني الأفضل، وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛(13/279)
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون هذا، بل كل مصلي يقول الذكر وحده لكنهم يجهرون.
577 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: اعتاد بعض الأخوة بعد الانتهاء من صلاة الفريضة وبعد الاستغفار أن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وهذا العمل (رفع اليدين بالدعاء) يتكرر دائماً وبعد كل فريضة، وهناك من يسميه دعاء ختم الصلاة، فهل لهذا العمل أصل في الكتاب والسنة؟ وهل كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه بالدعاء بعد كل فريضة؟ وهل هناك دعاء يسمى دعاء ختم الصلاة؟ وما هو توجيهكم لمن يقوم بهذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدعاء بعد الفريضة ليس بسنة، ولا ينبغي فعله، إلا ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل: الاستغفار ثلاثاً بعد السلام (1) ، والذي ينبغي للإنسان المصلي أن يدعو وهو في صلاته، إما في السجود لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2) ، ولقوله: "وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (3) ، أي حريّ أن يستجاب لكم.
__________
(1) ورد ذلك في حديث ثوبان قال: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". رواه مسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح135 (591) .
(2) رواه مسلم في الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 ح215 (482) .
(3) رواه مسلم في الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479) .(13/280)
وأما في آخر التشهد قبل السلام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" (1) ، وأمر المصلي إذا تشهد التشهد الأخير "أن يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" (2) . ولم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرفع يديه بالدعاء بعد كل فريضة حتى الاستغفار ثلاثاً ولم ينقل عنه أنه كان يرفع يديه فيه.
وليس هناك دعاء يسمى دعاء ختم الصلاة بل المأمور به بعد الصلاة ذكر الله، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) .
وتوجيهي لمن يدعو الله تعالى عقب كل فريضة رافعاً يديه أن يترك ذلك اتباعاً لسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتمسكاً بهديه، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
وفي الله الجميع لما يحب ويرضى إنه قريب مجيب. حرر في 7/7/1414هـ.
__________
(1) تقدم تخريجه ص234.
(2) ولفظ الحديث: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه مسلم من حديث أبي هريرة في المساجد باب ما يستعاذ منه في الصلاة 1/412 ح128 (588) .(13/281)
578 سئل فضيلة الشيخ: ما الأذكار التي تقال بعد الفرائض؟
فأجاب فضيلته بقوله: ينبغي للمصلي إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل، بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) ، ومن ذلك: أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) ، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين (2) ، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميعاً، أي إن شاء قال سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وإن شاء قال: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، ثم الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين، ثم: الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين، كل ذلك جائز، بل وتجوز أيضاً صفة أخرى: أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً. وتجوز صفة رابعة: أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فتتم مائة.
والمهم أن كل ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأذكار بعد الصلاة فليقله، إما على سبيل البدل، أو على سبيل الجمع، لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعض الأذكار يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله
__________
(1) رواه مسلم في حديث ثوبان وتقدم تخريجه ص445.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص252.(13/282)
تعالى في قوله: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) واتباعاً لسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1) فيسن للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر اقتداء بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك، كما قال ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالتكبير" (2) .
وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذكر، وإن جهر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان للتعليم، فيه نظر، فإن الأصل فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه وهو رفع الصوت به مشروعاً، لكان يكفي ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة إلى أن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين، ولا يحافظ عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلما سلم رفع صوته بالذكر، فالحاصل أن الجهر بالذكر بعد الصلاة سنة.
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عباس وتقدم تخريجه في ص245.
(2) أخرجه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (842) ، ومسلم في المساجد باب الذكر بعد الصلاة 1/410 ح120 (583) .(13/283)
579 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: ما الأذكار والأدعية المشروعة التي تقال بعد الانتهاء من الصلاة؟ وهل هناك فرق بين الأدعية بالنسبة للصلوات؟ بمعنى: هل لكل صلاة دعاء خاص بها؟
فأجاب بقوله: الأذكار الواردة بعد الصلوات متنوعة، فإذا أتى الإنسان بنوع منها كان كافياً؛ لأن العبادات المتنوعة يشرع للإنسان أن يفعلها على تلك الوجوه التي أتت عليها، فمثال ذلك: الاستفتاح هناك استفتاحات متنوعة إذا استفتح بواحد منها أتى بالمشروع. فمنا ما دل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" (1) . ومنها أيضاً: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" (2) .
فلو استفتح بالأول، أو الثاني، أو بغيرهما مما ورد من الاستفتاحات. فلا حرج عليه، بل الأفضل أن يستفتح بهذا تارة وبهذا تارة.
وكذلك ما ورد في التشهد، وكذلك ما ورد في أذكار الصلوات، فإذا فرغ الإنسان من الصلاة فإنه يستغفر ثلاثاً يقول:
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة تقدم في ص112.
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب من رأى الاستفتاح بسبحانك (776) ، والترمذي في الصلاة باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (243) ، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب افتتاح الصلاة (806) .(13/284)
أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) . (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) (2) . ثلاث مرات (3) ، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) (4) .
ويقول أيضاً: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (5) . ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين مرة فهذه مائة (6) ، وإن شاء قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، فهذه تسعة وتسعون (7) . ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء
__________
(1) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص245.
(2) متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة وتقدم في ص252.
(3) هذا اللفظ "ثلاث مرات" انفرد به النسائي عن الكتب الستة وقد رواه في السهو باب 86 كم مرة يقول ذلك 3/80 (1342) .
(4) رواه مسلم من حديث عبد الله بن الزبير وتقدم في ص251.
(5) جزء من حديث المغيرة بن شعبة وتقدم في ص251.
(6) رواه الترمذي في الدعوات باب 25 – منه (3413) وصححه، والنسائي في السهو باب 93 نوع آخر من التسبيح 3/85 (1349) و (1350) .
(7) 10) وردت في حديث الفقراء أو فقراء المهاجرين المتفق عليه من حديث أبي هريرة، وتقدم في ص252.(13/285)
قدير (1) . ويجوز أن يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً.
ويقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً. بمعنى أن يسبح ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويكبر أربعاً وثلاثين جميعا (2) ً؛ فهذه مائة، هذه الأنواع من الأذكار الأفضل أن يأتي الإنسان منها مرة بهذا، ومرة بهذا ليكون قد أتى بالسنة.
أما في صلاة المغرب وصلاة الفجر فإنه ورد أنه يقول بعدها عشر مرات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير" (3) .
وكذلك يقول: "رب أجرني من النار" سبع مرات (4) .
وأعلم أن تنوع العبادات والأذكار من نعمة الله عز وجل على الإنسان؛ وذلك لأنه يحصل بها عدة فوائد، منها:
أن تنوع العبادات يؤدي إلى استحضار الإنسان ما يقول من الذكر؛ فإن الإنسان إذا دام على ذكر واحد صار يأتي به بدون أن
__________
(1) هذه الزيادة رواها مسلم في المساجد 1/418 ح145 (597) .
(2) بهذه الصيغة رواه مسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/418 ح144 – (596) . ورواه الترمذي في الدعوات باب: منه ح3412 و3413، والنسائي في السهو باب: نوع آخر من عدد التسبيح 3/84 (1348) وفي أوله: "معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة الحديث".
(3) رواه الإمام أحمد في "المسند" 4/227، والترمذي في الدعوات (3474) .
(4) رواه الإمام أحمد في "المسند" 4/234، وأبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (5080) .(13/286)
يحضر قلبه، فإذا تعمد وقصد تنويعها فإنه بذلك يحصل له حضور القلب.
ومن فوائد تنوع العبادات: أن الإنسان قد يختار الأسهل منها والأيسر لسبب من الأسباب، فيكون في ذلك تسهيل عليه.
ومنها: أن في كل نوع منها ما ليس في الآخر فيكون في ذلك زيادة ثناء على الله عز وجل.
والحاصل أن الأذكار الواردة في الصلوات متنوعة كما سبق.
580 وسئل فضيلة الشيخ: هل الأذكار بعد الصلاة بشكل منفرد أم يقولها الإمام ويرددون خلفه جماعياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذكار بعد الصلوات بشكل منفرد، ولا يرددونها وراء الإمام؛ لأن هذه بدعة لم ترد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
581 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم المصافحة في المسجد حيث اعتاد كثير من الناس ذلك بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته قائلاً: هذه المصافحة لا أعلم لها أصلاً من السنة أو من فعل الصحابة – رضي الله عنهم – ولكن الإنسان إذا فعلها بعد الصلاة لا على سبيل أنها مشروعة، ولكن على سبيل التأليف والمودة، فأرجو أن لا يكون بهذا بأس، لأن الناس اعتادوا ذلك.
أما من فعلها معتقداً بأنها سنة فهذا لا ينبغي ولا يجوز له، حتى يثبت أنها سنة، ولا أعلم أنها سنة.(13/287)
582 وسئل فضيلة الشيخ: ما هو الأفضل في الذكر بعد السلام من الصلاة؟ هل قوله: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؟ أو سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذكر بالتسبيح والتهليل والتحميد بعد صلاة الفريضة له عدة صفات:
منها أن يقول الإنسان: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين، فهذه تسعة وتسعون، ويقو تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
ومنها أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين. ولا يقول سوى ذلك.
ومنها أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات.
ومنها أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه مائة مرة (1) .
هذه كلها وردت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأي صفة ذكرت أجزأ ذلك، والأحسن إذا كان يحفظها جيداً أن يقول هذا مرة وهذا مرة.
__________
(1) سبق تخريج الأحاديث في ص286.(13/288)
583 وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى -: جاءت السنة بمشروعية رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فهل المقصود هو الذكر المباشر لانقضاء الصلاة، مثل: "اللهم أنت السلام" ونحوه، أو أنه يعم جميع الذكر مع التسبيح والتهليل والتكبير؟
فأجاب فضيلته بقوله: هو يعم كل ذكر مشروع بعد الصلاة؛ الاستغفار، وقول: "اللهم أنت السلام" والتسبيح، والتهليل، وقد ألف بعض علمائنا رسالة وقال: من فرق بين التهليل والتسبيح فقد ابتدع، وأنه لا فرق بين هذا وهذا، وهذا هو الصحيح.
لكن إذا كان هناك شخص يصلي إلى جانبك، وقد فاته شيء من الصلاة، وخفت إذا رفعت صوتك أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على الصحابة وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ويوش بعضهم على بعض، فنهاهم أن يرفع الرجل صوته فيشوش على أخيه (1) ، أما إذا لم يكن هناك تشويش، فالسنة أن يجهر.
584 سئل فضيلة الشيخ: متى يقول الإمام: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول هذا الدعاء إذا فرغ من الصلاة قبل أن يقبل على الناس. حرر في 24/1/1407هـ.
__________
(1) فيه إشارة إلى حديث البياضي تقدم في ص13 وحديث أبي سعيد الخدري في ص13..
(2) هذا حديث ثوبان وتقدم في ص245.(13/289)
585 وسئل فضيلة الشيخ: ما الحكمة من الاستغفار بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكمة من الاستغفار بعد الصلاة، أن الإنسان لا يخلو من تقصير في صلاته؛ فلهذا شرع له أن يستغفر ثلاثاً ثم يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذات الجلال والإكرام (1) . ثم يأتي بالأذكار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
586 وسئل فضيلة الشيخ - جزاه الله خيراً -: الأذكار بعد الصلاة هل تردد بشكل جماعي من قبل المصلين؟ وهل من السنة أن يقول الإمام وبصوت عال بعد الصلاة: جل ربنا الكريم، جل ربنا العظيم. سبحانك يا عظيم "سبحان الله": يعني قولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة. ثم يقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، يا ربنا دائماً نشكرك شكراً كثيراً "الحمد لله" يعني قولوا: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة. ثم يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله جل شأنه "الله أكبر" يعني قولوا: الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، ثم يقول بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟
...
__________
(1) هذا حديث ثوبان وتقدم في ص245.(13/290)
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الصفات التي ذكرها السائل من كون الإمام يقول: سبحان الجليل العظيم وما أشبه هذه بدعة لم ترد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما الوارد أن كل إنسان يستغفر الله ويذكر لنفسه.
لكن السنة الجهر بالذكر بعد السلام من الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وأنه كان يعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعهم (1) ، وهذا دليل على أن السنة الجهر بالذكر بعد الصلاة، خلافاً لما عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليلات دون التسبيح، والتحميد، والتكبير، ولا أعلم لهذا أصلاً من السنة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما لسنة الجهر.
وقول بعض الناس: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بالذكر بعد الصلاة من أجل أن يعلمه الناس، هذا قول فيه نظر؛ وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام قد حصل بالقول، كما قال للفقراء من المهاجرين: "تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" (2) .
ثم إننا نقول: هب أن المقصود بذلك التعليم. فالتعليم كما يكون في أصل الدعاء، أو في أصل الذكر يكون أيضاً بصفته، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم هذا الذكر أصله وصفته وهو الجهر، وكون
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص245.
(2) جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه وتقدم في ص252.(13/291)
الرسول عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة، ولو كان من أجل التعليم فقط لكان النبي عليه الصلاة والسلام يقتصر على أن يعلم الناس ثم يقول للناس: هذا الذكر سراً، فالمهم أن القول الراجح في هذه المسألة أنه يسن الذكر ورفع الصوت به.
...
587 سئل فضيلة الشيخ: هناك من الناس من يزيد في الأذكار بعد الصلاة كقول بعضهم: "تقبل الله" أو قولهم بعد الوضوء "زمزم" فما تعليقكم حفظكم الله تعالى ونفع بكم الإسلام والمسلمين آمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ليس من الذكر، بل هذا من الدعاء إذا فرغ وقال: "تقبل الله منك" ومع ذلك لا نرى أن يفعلها الإنسان، لا بعد الوضوء، ولا بعد الصلاة، ولا بعد الشرب من ماء زمزم؛ لأن مثل هذه الأمور إذا فعلت لربما تتخذ سنة فتكون مشروعة بغير علم.
*(13/292)
مكروهات الصلاة.
* الحركة في الصلاة.
* السترة في الصلاة.(13/293)
مكروهات الصلاة
588 وسئل فضيلة الشيخ: إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت.
ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة يعني أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه.
ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به.
بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له كل بقدر الضرورة. فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة.
وهل يلحق بالعشاء من الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟
...(13/295)
الجواب: نعم يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" (1) يعني البول والغائط ومثل ذلك الريح.
فالقاعدة أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً فإن يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة.
ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته.
وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم وجدنا أن الوساوس والهواجس لا تأتي إلا إذا دخل المصلي في صلاته، ومن ذلك العبث في الصلاة فإن العبث يشغل القلب، فالإنسان إذا دخل في الصلاة جاء الشيطان يكره يقول اذكر كذا، اذكر كذا حتى يذكره ما لم يذكره من قبل، يذكر أن رجلاً جاء إلى أحد العلماء وقال: إنه أودع وديعة، وأنه نسي مكانها، وأن صاحب الوديعة جاء يطلبها فماذا أصنع؟ قال العالم: اذهب فصل، وستذكرها، فذهب الرجل وجعل يصلي فذكر مكانها.
استدل العالم على ذلك بقول النبي عليه الصلاة والسلام "إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا
__________
(1) رواه مسلم في المساجد، باب 16، كراهة الصلاة بحضرة الطعام 1/393 ح67 (560) .(13/296)
قضي النداء أقبل، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يحظر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى" (1) .
ومما يشغل عن الصلاة ما يفعله بعض من يقف خلف الإمام تجده يمسك المصحف، ويتابع الإمام في قراءته، والحقيقة أن هذا العمل يترتب عليه أمور محاذير:
أولاً: أن الإنسان يتحرك بحركات لا حاجة إليها، إخراج المصحف، فتح المصحف.
ثانياً: أن هذا الفعل يشغله عن سنة مطلوبة منه، وهي وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على صدره.
ثالثاً: أنه يشغل بصره بالانتقال من أعلى الصفحة إلى أسفلها وبالانتقال من أول السطر إلى آخره. والبصر له حركات كما أن اليد لها حركات لاشك في هذا.
رابعاً: أن هذا المتابع يشعر وكأنه منفصل عن الصلاة، كأنه يمسك على هذا القارئ من أجل النظر هل يخطئ أو يصيب فيشطح قلبه عن الصلاة ويبعد.
أما إذا وقف وراء الإمام من أجل إذا أخطأ يرده فهذا جائز من أجل الحاجة.
ولكن ما علاج هذه الوساوس الذي يثيرها الشيطان في الصلاة؟
...
__________
(1) تقدم تخريجه ص103.(13/297)
علاجها بينه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم هذا هو العلاج (1) .
بقي أن يقول سائل هل يلتفت ويتفل عن يساره وهو يصلي؟
والجواب: نقول نعم، يلتفت لأن هذا الالتفات لحاجة والالتفات لحاجة لا بأس به.
وقد يقول قائل: كيف أتفل والناس عن يساري؟
نقول إذا كنت مأموماً فلا تتفل لأنك ستؤذي من كان على يسارك، ولكن استعذ بالله.
589 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإنسان حاقن وخشي أن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" (2) .
590 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم تغميض العينين في الصلاة.
...
__________
(1) من حديث عثمان بن أبي العاص، رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص110.
(2) تقدم تخريجه ص296.(13/298)
فأجاب فضيلته بقوله: تغميض العينين في الصلاة مكروه؛ لأنه خلاف ما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا ما كان لسبب، كما لو كان أمامه زخرفة في الجدار أو في الفراش، أو كان أمامه نور قوي يؤذي عينيه. المهم إذا كان التغميض لسبب فلا بأس به، وإلا فإنه مكروه، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب زاد المعاد لابن القيم – رحمه الله تعالى-.
591 وسئل فضيلته: ما حكم تغميض العينين في الصلاة عند القراءة، وعند دعاء القنوت حتى يحصل الخشوع في الصلاة؟
فأجاب فضيلته قائلاً: تغميض العينين في الصلاة ذكر أهل العلم أنه مكروه، إلا إذا كان هناك سبب مثل أن يكون أمامه شيء يشغله، أو أنوار ساطعة قوية تؤثر على عينيه، ففي هذه الحال يغمض عينيه درءاً لهذه المفسدة.
وأما ما يدعيه بعض الناس من أنه إذا أغمض عينيه كان أخشع له في صلاته، فأخشى أن يكون هذا من تلبيس الشيطان ليوقعه في هذا المكروه من حيث لا يشعر، ولو عود نفسه على أن لا يخشع إلا إذا أغمض عينيه فهذا هو الذي يجعله يخشع في حال تغميض العينين أكثر مما يخشع لو كان فاتح العينين.(13/299)
592 وسئل فضيلة الشيخ: عن الانحناء الزائد أثناء الوقوف في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الانحناء الزائد أثناء الوقوف خلاف المشروع، فإن ظاهر الأدلة أن القائم ينتصب ويعتدل، ولا يكون حانياً رقبته أو ظهره، حتى إن بعض الفقهاء يقول: يكره أن تمس لحيته صدره.
593 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: هل يجوز أن يدخل المصلي المسجد وأن يصلي وعلبة السجائر معه؟ وهل الدخان حرام؟ وما هو الدليل؟
فأجا فضيلته بقوله: نعم يجوز أن يصلي ومعه السجائر.
والدخان حرام، والدليل قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم) ، وقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، وقوله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) ، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن إضاعة المال، وثبت من الناحية الطبية أن الدخان ضار وربما أدى إلى الموت، فتناوله سبب لقتل شاربه لنفسه، وشاربه ملق بنفسه إلى التهلكة، وشاربه مفسد لماله حيث صرفه في غير ما جعله الله له، فإن الله جعله قياماً للناس، تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، والدخان ليس مما تقوم به مصالح الدين ولا الدنيا، فصرف المال فيه إضاعة له، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال.(13/300)
594 وسئل فضيلة الشيخ: أشاهد بعضاً من الناس يدخلون إلى المسجد لكي يصلوا وهم يحملون معهم السجائر في جيوبهم، هل عليهم إثم في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليهم إثم في حملهم لهذه السجائر بالنسبة للصلاة؛ لأن حملها لا يؤثر في الصلاة؛ لأن السجائر ليست نجسة النجاسة الحسية، ولكن عليه إثم يشرب هذه السجائر. فإن شرب الدخان محرم؛ لأنه ثبت من الناحية الطبية أنه مضر وأنه يسبب الإصابة بأمراض مستعصية قد تؤدي إلى الهلاك، قال الله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) . وثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن أكل البصل والثوم قبل الذهاب إلى المساجد وقال: "إن ذلك يؤذي، وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" (1) . وإذا نظرنا إلى التدخين وجدنا أن الدخان فيه ضرر على البدن، وفيه إضاعة للمال، وفيه أذية للناس (2) .
595 وسئل فضيلته: ما صحة ما يروى أن الصلاة في الظلام مكروهة؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: أنا لا أعرف هذا الحديث، وعلى من أتى به أن يتحقق منه.
والصلاة في الظلام في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت هي الأصل؛ لأن مساجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك الوقت ليس فيها مصابيح، كما قالت
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب 17 – نهي من أكل ثوماً.. 1/395 ح74 (564) .
(2) سيأتي حكم شرب الدخان مفصلاً في موضعه من الفتاوى إن شاء الله تعالى.(13/301)
عائشة - رضي الله عنها - "والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح" (1) .
596 وسئل فضيلة الشيخ: هل النهي الوارد في حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل الثوم والبصل والكراث يشمل إذا طبخت مع الطعام أو لا؟ وهل إذا أكلها الإنسان من دون طبخ ثم أكل ما يزيل ريحها هل يشمله النهي؟ وهل النهي خاص بمسجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو عام؟ وبماذا نرد على الذي يأكل هذه الأشياء ويجعلها ذريعة إلى ترك الصلاة بالمسجد ويقول إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى من أكلها أن يأتي إلى المسجد؟ أفتونا مأجورين والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.
فأجاب فضيلته بقوله: النهي عن أكل الثوم والبصل والكراث ليس نهياً عنها بذاتها، ولكن من أجل تأذي غير الآكل برائحتها، ولهذا إذا طبخت حتى ذهب ريحها فلا بأس، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً" (2)
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب 22 - الصلاة على الفراش (382) ، ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/367 ح272 (512) .
(2) رواه مسلم في المساجد باب نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها 1/396 ح78 (567) وفي أوله خطبة عمر يوم جمعة.(13/302)
وفي حديث أبي سعيد الخدري (1) - رضي الله عنه - في فتح خيبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنا في المسجد". فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها". أخرجه مسلم.
فتبين بهذا أن هذه الشجرة الثوم حلال وليس حراماً ولا مكروهاً، ولكن هي مكروهة من جهة ريحها، فإذا أكل ما يزيل ريحها زالت الكراهة.
والنهي شامل للمسجد النبوي وغيره لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أكل من هذه البقلة (الثوم) فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها" (2) . وفي لفظ: "فلا يأتين المساجد". أخرجه مسلم (3) .
ولأن العلة وهي: تأذي الملائكة لا يختص بالمسجد النبوي.
ولا يحل لأحد أن يأكل منها ليتخذ ذلك ذريعة للتخلف عن صلاة الجماعة، كما لا يحل السفر في رمضان من أجل أن يفطر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطها. حرر في 28/12/1414هـ.
__________
(1) رواه مسلم في الموضع السابق ح76 (565) .
(2) رواه البخاري في الأذان باب: ما جاء في الثوم.. (853) ، ومسلم في باب: نهي من أكل ثوماً.. ح68 (561) .
(3) هذه الزيادة وردت عند مسلم ح69 (561) .(13/303)
597 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل سقيم له رائحة كريهة فهل يجوز إخراجه من المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان في هذا الرجل السقيم الذي ذكر السائل رائحة كريهة فلا بأس من إخراجه من المسجد إذا لم يزل هذه الرائحة عنه؛ لأنه ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى من أكل ثوماً أو نحوه مما له رائحة كريهة أن يقرب المساجد، وعلى هذا فإذا قرب المسجد من كان فيه رائحة كريهة فقد عصى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكر، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" (1) .
وإخراج صاحب الرائحة الكريهة من المسجد من إزالة المنكر فيكون مأموراً به. بل في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد ريحهما - يعني البصل والثوم - من الرجل في المسجد أمر به فخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً".
ولهذا قال في شرح المنتهى وفي شرح الإقناع: يستحب إخراجه من المسجد - يعني إخراج من فيه رائحة كريهة - من إصنان أو بصل أو نحوهما والله الموفق. حرر في 22/3/1399هـ.
__________
(1) رواه مسلم في الإيمان باب كون النهي عن المنكر من الإيمان 1/69 ح78 (49) .(13/304)
598 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تشبيك الأصابع بعد الصلاة، وقبلها، وأثنائها؟
فأجاب فضيلته بقوله: تشبيك الأصابع بعد الصلاة لا بأس به، فقد ثبت (1) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبك بين أصابعه بعد الصلاة.
وأما إذا كان قبل الصلاة، أو في أثناء الصلاة فمكروه، لحديث ورد في هذا، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي (2) عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة".
599 سئل فضيلة الشيخ: عن فرقعة الأصابع أثناء الصلاة سهواً هل تبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: فرقعة الأصابع لا تبطل الصلاة، ولكن فرقعة الأصابع من العبث، وإذا كان ذلك في صلاة الجماعة أوجب التشويش على من يسمع فرقعتها فيكون ذلك أشد ضرراً مما لو لم يكن حوله أحد.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن الحركة في الصلاة تنقسم إلى
__________
(1) رواه البخاري في التيمم باب تشبيك الأصابع (468) ، ومسلم في المساجد/ باب السهو في الصلاة والسجود له (573) .
(2) رواه أحمد 4/241، وأبو داود في الصلاة باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة (562) ، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة (386) .(13/305)
خمسة أقسام: حركة واجبة، وحركة مسنونة، وحركة مكروهة، وحركة محرمة، وحركة جائزة.
أما الحركة الواجبة: فهي التي يتوقف عليها فعل واجب في الصلاة، مثل أن يقوم الإنسان يصلي ثم يذكر أن على غترته نجاسة فحينئذ يتعين عليه أن يخلع هذه الغترة، وهذه حركة واجبة، ودليل ذلك (1) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل وهو يصلي فأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أثناء الصلاة ومضى في صلاته، وكذلك إذا كان يصلي متجهاً إلى غير القبلة مجتهداً ولكنه أخطأ اجتهاده، فجاءه رجل آخر أعلم منه وقال له: إن القبلة على يمينك فحينئذ يتعين عليه أن يدور حتى يتجه إلى القبلة. وهذه حركة واجبة. ودليل ذلك أن الناس كانوا يصلون في مسجد قباء في صلاة الصبح فجاءهم آتٍ فقال لهم: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن وأمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانصرفوا إلى الكعبة وهم يصلون (2) ، وهذه حركة واجبة وضابطها أن يترتب عليها فعل واجب في الصلاة أو ترك محرم.
وأما الحركة المسنونة: فهي أن يتوقف عليها كمال الصلاة. مثل الدنو في الصف إذا انفتحت الفرجة فدنا الإنسان إلى جاره لسد
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب الصلاة في النعل ح (650) وصححه ابن خزيمة 1/384 (786) ، وابن حبان 5/560 (2185) .
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر، فرواه البخاري في الصلاة باب ما جاء في القبلة (403) ورواه في مواضع أخرى، ورواه مسلم في المساجد باب تحويل القبلة 1/375 ح13 (526) .(13/306)
هذه الفرجة فإن هذه سنة، فيكون هذا الفعل مسنوناً.
وأما الحركة المكروهة: فهي الحركة التي لا حاجة إليها ولا تتعلق بتكميل الصلاة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية، مثل أن يكون الإنسان وهو قائم يعبث، وهو راكع يعبث، وهو ساجد يعبث، وهو جالس يعبث حتى تخرج الصلاة عن هيئتها، فهذه الحركة محرمة لأنها تبطل الصلاة.
وأما الحركة المباحة: فهي ما عدا ذلك، مثل أن تشغل الإنسان حكة فيحكها، أو تنزل غترته على عينه فيرفعها فهذه من الحركة المباحة. أو يستأذنه إنسان فيرفع يده ويأذن له فهذه من الحركات المباحة.
600 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن مبطلات الصلاة.
فأجاب فضيلته بقوله: مبطلات الصلاة تدور على شيئين:
الأول: ترك ما يجب فيها.
الثاني: فعل ما يحرم فيها.
فأما ترك ما يجب، مثل أن يترك الإنسان ركناً من أركان الصلاة متعمداً، أو شرطاً من شروطها متعمداً أو واجباً من واجباتها متعمداً.
مثال ترك الركن أن يترك الركوع متعمداً، ومثال ترك الشرط أن ينحرف عن القبلة في أثناء الصلاة متعمداً، ومثال ترك الواجب(13/307)
أن يترك التشهد الأول متعمداً، فإذا ترك أي واجب من واجبات الصلاة متعمداً فصلاته باطلة سواء سمي ذلك الواجب شرطاً، أم ركناً، أم واجباً.
الشيء الثاني مما يدور عليه بطلان الصلاة: فعل ما يحرم فيها كأن يحدث في صلاته، أو يتكلم بكلام الآدميين، أو يضحك، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي حرام في أثناء الصلاة يفعلها متعمداً عالماً فإن صلاته تبطل في هذه الحال.
601 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم كف الكم في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كفه لأجل الصلاة فإنه يدخل في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف ثوباً ولا شعراً" (1) . وإن كان قد كفه من قبل لعمل قبل أن يدخل في الصلاة، أو كفه لكثرة العرق وما أشبه ذلك فليس بمكروه.
أما إذا كان كفه لأجل أنه طويل، فينبغي عليه تقصيره حتى لا يدخل في الخيلاء.
602 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن الغترة أو الشماغ إذا جعله الإنسان على الورى، هل يعد ذلك من كف الثوب المنهي عنه؟
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في الأذان باب: السجود على سبعة أعظم ح (810) ، ومسلم في الصلاة باب أعضاء السجود 1/354 ح227 (490) .(13/308)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه لا يعد من كف الثوب المنهي عنه؛ لأن هذه من صفات لبس الغترة والشماغ، فهي كالثوب القصير كمه والعمامة الملوية على الرأس.
603 سئل فضيلة الشيخ: نرجو من فضيلتكم بيان حكم الحركة في الصلاة؟
فأجاب بقوله: الحركة في الصلاة الأصل فيها الكراهة إلا لحاجة، ومع ذلك فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: حركة واجبة.
القسم الثاني: حركة محرمة.
القسم الثالث: حركة مكروهة.
القسم الرابع: حركة مستحبة.
القسم الخامس: حركة مباحة.
فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته، وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل وهو يصلي بالناس فأخبره أن في نعليه خبثاً فخلعها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في صلاته واستمر فيها (1) ، ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم في ص306.(13/309)
ضرورة؛ لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً.
وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام عن يساره أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه (1) .
وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينت بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جدها من أمها فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها (2) .
وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثل قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) . فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحاً لا يبطل الصلاة.
وأما الحركة المكروهة: فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص27.
(2) رواه البخاري/ الصلاة/ باب: إذا حمل جارية (516) ومسلم/ المساجد/ بال جواز حمل الصبيان في الصلاة (543) .(13/310)
الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيراً متوالياً فإنه محرم مبطل للصلاة.
604 وسئل فضيلة الشيخ: كم عدد الحركات التي تبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس لها عدد معين، بل الحركة التي تنافي الصلاة بحيث إذا رؤى هذا الرجل فكأنه ليس في صلاة، هذه هي التي تبطل؛ ولهذا حدده العلماء رحمهم الله بالعرف، فقالوا: "إن الحركات إذا كثرت وتوالت فإنها تبطل الصلاة" بدون ذكر عدد معين، وتحديد بعض العلماء إياها بثلاث حركات، يحتاج إلى دليل؛ لأن كل من حدد شيئاً بعدد معين، أو كيفية معينة، فإن عليه الدليل، وإلا صار متحكماً في شريعة الله.
605 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: ما حكم حمل المرأة لطفلها في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن تحمل المرأة طفلها إذا كان طاهراً واحتاج إلى حملها، لكونه يصيح ويشغلها عن صلاتها إذا لم تحمله، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي وهو حامل أمامه بنت(13/311)
زينت بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان يصلي بالناس وهو حاملها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام حملها وإذا سجد وضعها" (1) ، فإذا فعلت المرأة ذلك بطفلها فلا بأس به، لكن الأفضل أن لا تفعل إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والله أعلم.
606 وسئل فضيلة الشيخ: عن إمام مسجد إذا كبر للصلاة وانتهى من التكبيرة، يتقدم يمشي خطوتين أو ثلاث خطوات، وأصبحت عادة عنده فما حكم فعل هذا الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا شيئاً بغير اختياره فهو معذور؛ لأن بعض الناس قد يكون معه شيء من الدوخة فيحاول أن يتماسك فيتقدم عندئذ، أو يتأخر، وإن كان باختياره فإنه ينهى عنه؛ لأن هذه حركة في الصلاة بدون حاجة، وكل حركة في الصلاة بدون حاجة فإنها مكروهة.
وهنا يحسن بنا أن نبين أقسام الحركات في الصلاة:
أقسام الحركات في الصلاة خمسة: حركة واجبة، وحركة محرمة، وحركة جائزة، وحركة مكروهة، وحركة مستحبة.
فالحركة الواجبة هي: التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا ضابط الحركة الواجبة ونذكر لذلك مثالين:
المثال الأول: إنسان تذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي،
__________
(1) تقدم تخريجه ص310.(13/312)
فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ويتسمر في صلاته. والغترة نوع مما يلبس على الرأس.
المثال الثاني: رجل يصلي إلى غير القبلة، فجاءه عالم بالقبلة فقال له: القبلة على يمينك، فهنا يجب عليه أن يتجه إلى القبلة، ولكل واحدة من هاتين المسألتين دليل.
أما المسألة الأولى: فدليلها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي في نعليه وفيهما قذراً (1) لم يعلم به، فجاءه جبريل فأخبره بذلك، فخلع نعليه واستمر في صلاته.
وأما الثانية: فإن أهل قباء كانوا يصلون صلاة الفجر إلى جهة بيت المقدس، وكانت مكة وراءهم، وأتاهم آت فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم يصلون (2) .
والحركة المستحبة: هي التي يتوقف عليها فعل مستحب هذا ضابطها.
مثال ذلك: انفتحت فرجة أمامك في الصف، وسد الفرج سنة، فتقدمت لهذه الفرجة، فهذه حركة مستحبة، وكذلك تقارب الصف، فإذا صار بينك وبين جارك فرجة فقربت منه فهذه أيضاً حركة مستحبة.
والحركة المحرمة: هي الحركة التي تنافي الصلاة. يعني أنها كثيرة بحيث يقول من رآك تتحرك: إنك لست في صلاة، فهذه
__________
(1) رواه أبو داود وغيره، وتقدم في ص306.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر، وتقدم في ص306.(13/313)
محرمة وضابطها أن تكون كثيرة متوالية.
والحركة المكروهة: هي الحركة القليلة بلا حاجة، مثل ما يحصل من بعض الناس حيث يعبث في صلاته بقلمه، أو ساعته، أو عقاله، أو مشلحه بدون حاجة، فهذه حركة مكروهة.
الحركة الجائزة: هي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، أو الحركة الكثيرة إذا كانت لضرورة.
مثال الحركة اليسيرة للحاجة: إنسان يشق عليه أن يصلي على الأرض مباشرة لأنها حارة، أو لأن فيها شوكاً، أو فيها حصى يؤلم جبهته، فصار يتحرك، ويضع المنديل ليسجد عليه، فهذه حركة جائزة؛ لأنها لحاجة، لكنها يسيرة، والمنديل ينبغي أن يكون واسعاً بحيث يتسع لكفيه وجبهته، هذا هو الأحسن، لكن إذا لم يكن معه إلا منديل صغير لا يتسع إلا الجبهة وهو محتاج أن يسجد عليه فلا بأس. فهذه حركة يسيرة لحاجة.
وهناك الحركة الكثيرة للضرورة: إن كنت تصلي فهاجمك سبع ففي هذه الحال تحتاج إلى حركات كثيرة وسريعة، فلا بأس بأن تدفع عن نفسك هذا الخطر ولو كنت في صلاتك لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) يعني إن خفتم على أنفسكم فصلوا رجالاً يعني: على أرجلكم ولو كنت تهرب، أو ركباناً على الرواحل.
هذه أقسام الحركات في الصلاة، فاحرص على أن يخشع قلبك وجوارحك، حتى تكون صلاتك تامة، فقد امتدح الله الذين هم في صلاتهم خاشعون.(13/314)
607 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز لي أن أرد السلام وأنا أثناء الصلاة على من سلم عليَّ بصوت مرتفع، بحيث يسمعني من سلم عليَّ أو بصوت منخفض جداً بيني وبين نفسي؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الإنسان على المصلي فإن المصلي لا يرد عليه بالقول، ولو رد عليه لبطلت صلاته؛ لأن الرد عليه من كلام الآدميين، وقد قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما التكبير، والتسبيح، وقراءة القرآن" (1) . ولكنه يرد عليه بالإشارة بأن يرفع يده – هكذا – مشيراً إلى أنه يرد عليه السلام، ثم إن بقي المسلم حتى انصراف المصلي من صلاته رد عليه باللفظ، وإن لم يبق وانصرف فالإشارة تكفي.
608 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الكلام في مصلحة الصلاة مثل أن ينسى الإمام قراءة الفاتحة فنقول له اقرأ الفاتحة، وإذا نسي الركوع وسجد وقيل له سبحان الله فلم يفهم فنقول له لم تركع فهل ذلك يبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، الكلام يبطل الصلاة، وأعني بالكلام كلام الآدميين، والدليل على ذلك قصة معاوية بن الحكم (2) - رضي الله عنه - حين جاء والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بأصحابه فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله، فقال معاوية: يرحمك
__________
(1) هذا جزء من حديث معاوية بن الحكم وسيأتي كاملاً في السؤال الذي بعده.
(2) رواه مسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/381 ح33 (537) .(13/315)
الله، فرماه الناس بأبصارهم فقال: وا ثكل أماه فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت فلما قضى صلاته دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال معاوية: فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه صلوات الله وسلامه عليه، والله ما كهرني، ولا نهرني، وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" الشاهد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وهذا عام فشيء نكرة في سياق النفي يفيد العموم سواء لمصلحة الصلاة، أو لغير مصلحة الصلاة، وعلى هذا فلا يجوز لنا أن ننبه الإمام بشيء من الكلام، فإذا سجد في غير موضع السجود فلا نقول له: قم. بل نقول: سبحان الله؛ وإذا قام في غير موضع القيام، فلا نقول له: اجلس؛ لأنك إن قلت: اجلس، فإنك تكون قد كلمت الآدمي فتبطل صلاتك.
فإذا تكلم أحد الناس جاهلاً فلا عليه إعادة، ولهذا لم يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاوية بالإعادة، مع أنه تكلم مرتين، مرة قال للعاطس (يرحمك الله) ومرة قال: (وا ثكل أماه) ولم يأمره بالإعادة، لكن لو أن الإمام في صلاة جهرية نسي أن يجهر فقلنا له: سبحان الله، فلم يفهم نقرأ جهراً يرفع أحد المصلين صوته بقراءة الفاتحة فينتبه الإمام.
609 وسئل فضيلة الشيخ - جزاه الله خيراً -: ما حكم(13/316)
السترة؟ وما مقدارها؟
فأجاب فضيلته بقوله: السترة في الصلاة سنة مؤكدة إلا للمأموم، فإن المأموم لا يسن له اتخاذ السترة اكتفاءً بسترة الإمام.
فأما مقدارها فقد سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها فقال: "مثل مؤخرة الرحل" (1) .
لكن هذا أعلاها ويجزئ ما دون ذلك فقد جاء في الحديث: "إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم" (2) . وجاء في الحديث الآخر الذي رواه أبو داود بإسناد حسن "أن من لم يجد فليخط خطاً. قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (3) : لم يصب من زعم أنه مضطرب، فالحديث ليس فيه علة توجب رده. فنقول: أقلها خط، وأعلاها مثل مؤخرة الرحل.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب سترة المصلي 1/358 ح241 (499) .
(2) رواه ابن خزيمة في أبواب سترة المصلي 2/12 (811) ، ورواه أحمد 3/404 (وط الرسالة 24/57 (15340) .
(3) انظر سبل السلام شرح بلوغ المرام باب سترة المصلي 1/283 ح8.(13/317)
610 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا مرت المرأة أمام امرأة تصلي وليس أمامها سترة فهل عليها إعادة الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول إن المرأة، والكلب الأسود، والحمار إذا مر واحد منها بين المصلي وبين سترته، بطلت الصلاة، ووجب استئنافها من جديد، إلا إذا كان يصلي خلف الإمام، فإنه لا يقطع صلاته شيء؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، هذا إذا كان للمصلي سترة، فإذا لم يكن له سترة وكان له مصلى فإن من مر وراء المصلى لا يقطع الصلاة ولو كان أحد الثلاثة، فإذا كانت المرأة تصلي على سجادة فمر من وراء السجادة أحد من رجل أو امرأة أو كبير أو صغير فإن ذلك لا يخل بالصلاة لأنه من وراء المصلى، فإن لم يكن له سترة ولا مصلى خاص فإن منتهى ذلك منتهى سجوده أي موضع جبهته حال السجود، وما وراء ذلك فإنه لا يضره من مر فيه.
611 سئل فضيلة الشيخ: هل تقطع المرأة صلاة المرأة إذا مرت بين يديها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، تقطع لأنه لا فرق في الأحكام بين الرجل والنساء إلا بدليل. ولكن إذا مرت من وراء سترتها إن كان لها سترة، أو من وراء سجادتها إن كانت تصلي على سجادة، أو من وراء موضع سجودها إن لم يكن لها سترة ولا سجادة فإن ذلك لا يضر ولا يؤثر.(13/318)
612 وسئل فضيلة الشيخ: هل يستثنى الحرمان الشريفان من قطع الصلاة لوجود المشقة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث لم يستثن شيئاً، وليس في هذا مشقة لأن في الإمكان أن تمنع، والناس سوف يمتنعون، وإذا لم يتيسر ذلك فأجل النافلة إلى وقت يكون فيه المكان غير مزدحم، أو تقدم إلى مكان آخر يكون خالياً، أو إذا كانت نافلة اجعلها في البيت، فإن النافلة في البيت أفضل من النافلة في المسجد سواء في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو في غيرها من المساجد؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو في المدينة: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (1) ، وكان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطوع في بيته.
613 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حكم مرور المرأة بين يدي المصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: مرور المرأة بين يدي المصلي مبطل للصلاة إلا إذا كان تابعاً لإمامه، فإن سترة الإمام سترة له ولمن خلفه، فأما إذا كان يصلي منفرداً، أو كان هو الإمام ومرت بينه وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده إن لم يكن له سترة امرأة بالغة فإن صلاته تبطل ويجب عليه أن يستأنف الصلاة من جديد، هكذا
__________
(1) رواه ابو داود في الصلاة باب صلاة الرجل التطوع في بيته ح (1044) ، ورواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في فضل التطوع في البيت (450) وحسنه.(13/319)
ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه (1) ، ولا يرد على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تنام بين يدي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ، لأن الحديث الذي فيه أن المرأة تقطع الصلاة إنما هو في المرور، والنوم ليس مروراً، والله أعلم.
614 سئل فضيلة الشيخ: عن الأشياء التي تقطع الصلاة إذا مرت أمام المصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة البالغة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أنه إذا لم يكن بين المصلي وبين هؤلاء المارين مثل مؤخرة الرحل" (3) فإنهم يقطعون صلاته.
وعلى هذا فنقول: إذا كان للإنسان سترة ثم مر هؤلاء من وراءها فإنهم لا يقطعون الصلاة ولا ينقضونها حتى لو كانت السترة قريبة من موضع السجود ولم يكن بينهم وبين قدميه إلا أقل من ثلاثة أذرع فإن الصلاة صحيحة ما داموا من وراء السترة.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب قدر ما يستر المصلي 1/365 ح265 (510) وسيأتي في س 615.
(2) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الصلاة باب الصلاة على الفراش (382) و (508) و (511) ومواضع أخرى، ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/366 ح267 و272 (512) .
(3) تقدم في السؤال الذي قبله ص317.(13/320)
أما إذا لم يكن للمصلي سترة ومروا بين يديه فإنهم يقطعون صلاته فإذا مر الحمار بين يديه قطع صلاته ووجب عليه أن يعيدها من جديد، وإذا مر الكلب الأسود بين يديه قطع صلاته ووجب عليه أن يعيدها من جديد، وإذا مرت المرأة البالغة من بين يديه فإنها تقطع صلاته ويجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
ولكن ما المراد بما بين يديه؟
كثير من أهل العلم يقولون إن المراد بما بين يديه مسافة ثلاثة أذرع – أي متر ونصف تقريباً من قدميه -.
وبعض العلماء يقول: ما بين يديه هو منتهى سجوده يعني موضع جبهته، وما وراء ذلك فإنه لا حق له فيه؛ لأن الإنسان يستحق من الأرض ما يحتاج إليه في صلاته، وهو لا يحتاج في صلاته، إلى أكثر من موضع سجوده، وهذا القول هو الأصح عندي، وهو أن المصلي إذا لم يكن له سترة فإن منتهى المكان المحترم له هو موضع سجوده، وما وراء مكان جبهته من السجود لا حق له فيه ولا يضره من مر من ورائه.
والخلاصة: أن المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود إذا مرت إحدى هذه الثلاثة بين المصلي وبين سترته بطلت صلاته ووجب عليه إعادتها من جديد، وإذا لم يكن له سترة ومروا من بينه وبين موضع سجوده بطلت صلاته ووجب إعادتها من جديد.(13/321)
615 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل تقطع المرأة الصلاة؟ وهل هناك فرق بين المسجد الحرام وغيره؟ وهل يشمل ذلك المسبوق؟
فأجاب فضيلته بقوله: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يقطع صلاة الرجل المسلم – أو قال – المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار والكلب الأسود" (1) ، فإذا مرت المرأة بين المصلي وسترته إن كان له سترة، أو بينه وبين موضع سجوده إن لم يكن له سترة، بطلت صلاته ووجب عليه استئنافها حتى ولو كان في الركعة الأخيرة فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره على القول الراجح؛ لأن النصوص عامة، وليس فيها تخصيص بقعة دون أخرى، ولهذا ترجم البخاري على هذه المسألة بقوله: "باب السترة بمكة وغيرها" (2) واستدل بالعموم.
وعليه فإذا مرت المرأة بين الرجل وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده وجب عليه إعادة الصلاة، إلا إذا كان مأموماً فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فيجوز أن يمر الإنسان بين يدي المصلين الذين يصلون خلف إمام ولا إثم عليه، ولا يحل له أن يمر بين يدي غير المأمومين فإن ذلك حرام لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو يعلم
__________
(1) تقدم تخريجه في ص317.
(2) البخاري في الصلاة باب 94.(13/322)
المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه" (1) . وهذا الأربعين في الصحيحين مطلقة، لكن روى البزار (2) أن المراد بالأربعين أربعون خريفاً يعني أربعين سنة لو يبقى الإنسان أربعين سنة واقفاً لكان خيراً من أن يمر بين يدي المصلين.
أما المسبوق فإنه إذا كان يصلي ما فاته في حكم المنفرد.
616 سئل الشيخ – وفقه الله تعالى -: هل يجوز المرور أمام الصف في صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف العلماء رحمهم الله هل يأثم المار بين يدي المصلين خلف الإمام؟
فقال بعض العلماء: إنه يأثم لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه". متفق عليه. وأخرجه البزار (3) بلفظ: "لكان أن يقف أربعين خريفاً" أي أربعين سنة خيراً من أن يمر بين يديه، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمر بين يدي المصلي لعموم الحديث.
وقال بعض العلماء: إن المرور بين يدي المأمومين ليس
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي جهيم، فرواه البخاري في الصلاة باب: إثم المار بين يدي المصلي (510) . ومسلم في الصلاة باب منع المار بين يدي المصلي 1/363 ح261 (507) .
(2)
(3) أورده الهيثمي في المجمع في كتاب الصلاة، باب فيمن يمر بين يدي المصلي وصححه 2/202 (2302) .(13/323)
بمحرم، لأن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد" (1) . فدل هذا على أنه لا يحرم على الإنسان أن يمر بين يدي المصلين إذا كان لهم إمام وهذا القول أقرب إلى الصواب، وهو أنه يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلين خلف الإمام، لكن إذا كان يخشى من التشويش فلا يمر لأن بعض الناس المصلين إذا رأى الإنسان قد مر يلاحظه حين يقبل إلى أن يتجاوزه، فيحصل في ذلك تشويش على المصلين، فإذا حصل أن يبتعد الإنسان عن المرور بين يدي المصلين فهو أفضل، ولكنه لو مر لا يأثم بذلك، ولو كانت امرأة فإنها لا تقطع الصلاة، والله الموفق.
617 سئل فضيلة الشيخ: هل يأثم من يترك السترة في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قلنا إن السترة واجبة أثم، ولكن الصحيح أنها ليست بواجبة، بل هي سنة، إلا للمأموم فإنه لا يتخذ سترة؛ لأن سترة الإمام سترة له، وعلى هذا لا يأثم المصلي إذا صلى دون سترة.
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في العلم باب 19 متى يصح سماع الصغير (76) وفي مواضع أخرى، ومسلم في الصلاة باب 47 سترة المصلي 1/361 ح254 (504) .(13/324)
618 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام سواء كان المصلي مفترضاً أو متنفلاً مأموماً أو منفرداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما المرور بين يدي المأموم فلا بأس به في المسجد الحرام وفي غيره، لأن ابن عباس – رضي الله عنهما – جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منى وهو يصلي بالناس إلى غير جدار فمر بين يدي الصف، وهو راكب على حمار أتان، ولم ينكر عليه أحد (1) .
وأما إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً فإنه لا يجوز المرور بين يديه لا في المسجد الحرام ولا في غيره لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يخص مكة، أو المسجد الحرام يدل على أن المرور بين يدي المصلي فيهما لا يضر ولا يأثم به المار.
619 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: عن حكم وضع الحذاء سترة للمصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: السترة للمصلي جائزة بكل شيء حتى لو كان سهماً لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا صلى أحدكم فليستر لصلاته ولو بسهم" (2) ، بل قال العلماء إنه يمكن أن يستر بالخيط وبطرف السجادة بل جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من
__________
(1) تقدم تخريجه ص324.
(2) رواه الإمام أحمد في "المسند" 3/404، والبيهقي 2/270.(13/325)
لم يجد عصاً فليخط خطاً، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً فليخط خطاً، ولا يضره ما مر بين يديه" (1) . رواه الإمام أحمد، وقال ابن حجر في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن. وكل هذا يدل على أن السترة لا يشترط أن تكون كبيرة، وإنما يكتفي فيها بما يدل على التستر.
فالنعال لاشك أنها ذات جسم وكبيرة إلا أني أرى أنه لا ينبغي أن يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولا ينبغي أن تكون بين يديك وأنت واقف بين يدي الله عز وجل، ولهذا نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المصلي أن يتنخع بين يديه يعني يتفل النخامة بين يديه، وقال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك: "فإن الله تعالى قبل وجهه" (2) .
620 سئل
فضيلة
الشيخ
– حفظه
الله
تعالى -: عن مقدار السترة للمصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: السترة التي يضعها المصلي الأفضل أن تكون كمؤخرة الرحل نحو ثلثي ذراع، وإن كانت أقل من ذلك فلا حرج حتى لو كانت سهماً أو عصاً فإنه تجزئ، فإذا وضع
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم في ص317.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر ولفظه: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى". رواه البخاري في الصلاة باب حك البزاق من المسجد (406) . ورواه مسلم في المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد 1/388 ح50 (547) .(13/326)
الإنسان سترة ومر من ورائها شيء رجل، أو امرأة، أو كلب، أو حمار أو غير ذلك فإنه لا يضره؛ لأن السترة تحجز عن المصلي ذلك المار، وإذا لم يكن له سترة ومر أحد من وراء مصلاة – سجادته – فإنه لا يضر أيضاً فإذا كانت المرأة تصلي في بيتها على سجادة ومر من وراء السجادة أحد رجل أو امرأة فإن ذلك لا يضر لأنه خارج مصلاها.
621 وسئل الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: هل السترة في صلاة الجماعة كما هي في صلاة الفرد؟
فأجاب بقوله: السترة في صلاة الجماعة بالنسبة للإمام كما هي في صلاة المنفرد، أما بالنسبة للمأموم فإنه لا يشرع للمأموم أن يتخذ سترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما – "أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي في الناس بمنى إلى غير جدار فأرسلت الأتان ترتع فمرت أو قال فمررت بين يدي بعض الصف" (1) وهذا دليل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وأنه إذا مر أحد يقطع الصلاة بين يدي المأمومين فإن صلاتهم لا تنقطع؛ لأن سترة الإمام سترة لهم.
وقد ظن بعض الناس أن قول ابن عباس: "ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلى غير جدار". أن الحرم أي ما كان داخل الأميال لا تشرع فيه السترة، وقالوا: "إن قوله: "إلى غير جدار" يدل على أن الحرم لا تتخذ فيه السترة يعني ما كان داخل الأميال. ولكن من تأمل الحديث
__________
(1) تقدم تخريجه في ص324.(13/327)
وجد أنه يدل على خلاف ذلك؛ لأن قول ابن عباس: "إلى غير جدار"، غير صفة ولا تقع غير إلا صفة لموصوف، فعليه يكون تقدير الكلام إلى شيء غير جدار، والمعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي فتركز له العنزه كما في حديث أبي جحيفة وهو ثابت في الصحيحين أنه قال: "رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئاً تمسح منه، ومن لم يصب منه شيئاً أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالاً أخذ عنزة وركزها، وخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلة حمراء مشمراً صلى بالناس ركعتين، ورأيت الناس يمرون بين يدي العنزة" (1) . وهذا نص صريح في أن السترة تتخذ حتى فيما كان داخل الأميال؛ لأن الأبطح أقرب إلى الكعبة من منى، ومع ذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتخذ فيه السترة.
622 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم اتخاذ النعل سترة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس إلا إذا كان فيها شيء بين من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ إلا أن الأولى أن لا يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولهذا فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وسلم نهى أن يبصق المصلي أمام وجهه (2) .
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي جحيفة، فرواه البخاري في الصلاة باب الصلاة في الثوب الأحمر (376) ، ورواه مسلم في الصلاة باب سترة المصلي 1/360 ح249 و250 (503) .
(2) تقدم تخريجه في ص326.(13/328)
623 وسئل فضيلة الشيخ: ذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – في زاد المعاد (1) أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يريد ابن القيم – رحمه الله – أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام (2) ، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس.
624 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عن المسافة التي يمنع فيها المرور من بين يدي المصلي؟
...
__________
(1) زاد المعاد 1/305.
(2) رواه الإمام أحمد 6/4، وأبو داود في الصلاة/ باب إذا صلى على سارية أو نحوها أين يجعلها منه (693) ونصه: عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها، قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمداً".(13/329)
فأجاب فضيلته بقوله: المسافة التي يمنع فيها المرور بين يدي المصلي إن كان للمصلي سترة فما بينه وبين سترته محرم لا يحل لأحد أن يمر منه.
وإن لم يكن له سترة؛ فإن كان له مصلى كسجادة يصلي عليها فإن هذه السجادة محترمة؛ فإنه لا يحل لأحد أن يمر بين يدي المصلي فيها.
وإن كان ليس له مصلى فإن المحرم ما بين قدمه وموضع سجوده، فلا يمر بينه وبين هذا الموضع.
625 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: هل يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي في المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي مطلقاً في مكة وفي غيرها؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه" (1) . وأمر المصلي أن يدفعه إذا أراد المرور بين يديه، وهذا عام يشمل مكة وغيرها، وقد ترجم البخاري على ذلك في صحيحه فقال: "باب السترة بمكة وغيرها" (2) . إلا أن أهل العلم يقولون: إذا صلى الإنسان في مكان يحتاج الناس إلى المرور به كالطريق فإن
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص323.
(2) الباب 94 من كتاب الصلاة.(13/330)
الجناية منه؛ لأن الحق للمارة.
ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان الطواف ويمنع الناس، ولا يلزم الناس أن يتحاشوا من المرور بين يديه؛ لأنه هو الذي وقف يصلي في مكانهم.
626 وسئل فضيلة الشيخ: معلوم أن سترة المأموم هي سترة إمامه، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أم لابد من وجود سترة جديدة، فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً.. فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة، وعليه أن يمنع من يمر بين يديه لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل حيث إنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد أن يمنع المسبوق من يمر بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته.
627 سئل فضيلة الشيخ: ما رأي فضيلتكم فيمن يرفع صوته بالبكاء في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن البكاء من خشية الله عز وجل من صفات أهل الخير والصلاح، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشع في(13/331)
صلاته ويكون لصدره أزيز كأزيز المرجل (1) ، وقال الله تبارك وتعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) . فالبكاء عند قراءة القرآن، وعند السجود، وعند الدعاء من صفات الصالحين، والإنسان يحمد عليه، والأصوات التي تسمع أحياناً من بعض الناس هي بغير اختيارهم فيما يظهر، لا هو شيء يجده في نفسه ويقع بغير اختياره، وقد قال العلماء – رحمهم الله -: إن الإنسان إذا بكى من خشية الله فإن صلاته لا تبطل ولو بان من ذلك حرفان فأكثر، لأن هذا أمر لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه، ولا يمكن أن نقول للناس لا تخشعوا في الصلاة ولا تبكوا، بل نقول إن البكاء الذي يأتي بتأثر القلب مما سمع أو مما استحضره إذا سجد؛ لأن الإنسان إذا سجد يستحضر أنه أقرب ما يكون إلى ربه عز وجل، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2) . والقلب إذا استحضر هذا وهو ساجد لاشك أنه يخشع ويحصل البكاء.
ولا أستطيع أن أقول للناس امتنعوا عن البكاء، ولكني أقول: إن البكاء من خشية الله محمود، والصوت الذي لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه لا يلام عليه.
628 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله وحفظه -: عن كيفية رد السلام في الصلاة؟
...
__________
(1) رواه النسائي في السهو باب البكاء في الصلاة 3/18 (1213) .
(2) رواه مسلم، وتقدم تخريجه في ص280.(13/332)
فأجاب فضيلته بقوله: رد السلام في الصلاة بالإشارة دون اللفظ باللسان، فإن بقي عندك حتى انتهت الصلاة فرد عليه باللفظ، وإن انصرف فإنه تكفي الإشارة.
ولكن هل يسلم على المصلي، أولا يسلم؟
فنقول: ينظر، فإن كان يخشى أن يشوش على المصلي فإنه لا يسلم عليه، وإن كان لا يخشى ذلك فلا بأس أن يسلم، والله الموفق.
*(13/333)
فأجاب فضيلته بقوله: رد السلام في الصلاة بالإشارة دون اللفظ باللسان، فإن بقي عندك حتى انتهت الصلاة فرد عليه باللفظ، وإن انصرف فإنه تكفي الإشارة.
ولكن هل يسلم على المصلي، أولا يسلم؟
فنقول: ينظر، فإن كان يخشى أن يشوش على المصلي فإنه لا يسلم عليه، وإن كان لا يخشى ذلك فلا بأس أن يسلم، والله الموفق.
*(13/334)
حكم الدفايات والمدخنة أمام المصلي.
* السؤال عند آيات الرحمة والاستعاذة والتسبيح.
* أركان الصلاة.
* تعليم صفة الصلاة بالصورة.(13/335)
حكم الدفايات والمدخنة أمام المصلي
629 وسئل فضيلة الشيخ: لا يخفى على فضيلتكم حاجة الناس في الأيام الباردة في فصل الشتاء إلى استخدام الدفايات الكهربائية في المساجد، ولكن ظهر بعض الخلاف بين بعض المصلين حول جواز الصلاة أمام هذه الدفايات حيث إن الأمر مهم، والناس بحاجة إلى توضيح الحكم الصحيح في هذا ونشره لهم، لذا نرجو من فضيلتكم كتابة ما تراه في هذا الحكم، وبمناسبة قرب موعد إجازة الربيع، حيث يكثر جلوس بعض الشباب في مخيمات في البر، نرجو بيان حكم الصلاة أمام المكان الذي يكون مخصص لشب النار (الوجار) إذا كانت النار مشتعلة.
فأجاب فضيلته بقوله: وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلين ليس مكروهاً، بل هو جائز، ولا يدخل في استقبال النار التي ذكر بعض الفقهاء أنه مكروه؛ لأن الذي ذكره بعض الفقهاء هي النار التي تشبه نار المجوس التي يعبدونها وهي نار مشتعلة ذات لهب.
وأما ما يقع في المخيمات فإن كان دفايات كهربائية فقد بان حكمها، وإن كانت نار موقدة مشتعلة فإنها تدخل فيما كره بعض الفقهاء فليجعلوها خلفهم، أو عن أيمانهم، أو عن شمائلهم.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/7/1412هـ.
630 ...(13/337)
سئل فضيلة الشيخ: وقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية، ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام؟ أو مكروه يتنزه عنه، أو لا بأس به؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً بالجواب المحرر لكي يقرأ على المصلين ويزول الإشكال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في الصلاة إلى النار:
فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار. والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لها لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها.
ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت، وإن جعلوها عن أيمانهم، أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم، وهم الذي يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة.
ثم إن هذه الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام وإنما تكون أمام المأمومين وهذا يخفف أمرها؛ لأن الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم. والله أعلم. كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/6/1409هـ.
631 ...(13/338)
وسئل فضيلة الشيخ - جزاه الله خيراً -: عن حكم وضع مدخنة البخور، أمام المصلين في المسجد؟
فأجاب بقوله: لا حرج في ذلك، ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء من كراهة استقبال النار، عللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه.
وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضاً لاسيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام.
632 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم وضع المدفأة الكهربائية أمام المصلين أثناء تأديتهم للصلاة، وهل ورد في ذلك محذور شرعي؟ أثابكم الله ونفع المسلمين بكم وبعلمكم.
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن توضع الدفايات في قبلة المسجد أمام المصلين، ولا أعلم في ذلك محذوراً شرعياً.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 11/8/1418هـ.
633 سئل فضيلة الشيخ - جزاه الله خيراً -: عن حديث "أمرت أن لا أكف ثوباً" هل هو صحيح؟ وما معناه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث صحيح، والمراد أنه لا يكف الثوب في حال الصلاة، فإن الذي ينبغي للمصلي أن يبقي ثيابه(13/339)
على حالها، ولا يكفها رفعاً عن الأرض، ولا يكف أكمامه أيضاً؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف شعراً، ولا ثوباً" (1) . والله أعلم.
634 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمصلي إذا مر في قراءة على ذكر الجنة والنار أن يسأل الله الجنة، ويتعوذ به من النار؟ وهل هناك فرق بين المأموم والمنفرد في ذلك.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز ذلك، ولا فرق بين الإمام والمنفرد والمأموم، غير أن المأموم يشترط فيه أن لا يشغله ذلك عن الإنصات المأمور به.
635 وسئل فضيلة الشيخ: ثبت في صحيح مسلم عن حذيفة أنه صلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية وعيد إلا تعوذ، هل هذا في صلاة النافلة الجهرية والسرية؟
فأجاب
فضيلته
قائلاً
: نعم
، ثبت
في
صحيح
مسلم
من
حديث
حذيفة
(2) أنه
صلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة.. ثم مضى وذكر
__________
(1) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص308.
(2) تقدم
تخريجه
في
ص
145.(13/340)
تمام الحديث وفيه: "كان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ" وهذا في صلاة الليل، لكن العلماء قالوا: إنه يجوز في الفريضة؛ لأن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، وما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل، لكن يعكر على هذا: أن الذين وصفوا صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكروا أنه يفعله في الفرض ولو كان يفعله لنقلوه، ولكن ليس هناك دليل على منعه في الفريضة لأن غاية ما فيه أنه دعاء وتسبيح وهذا لا ينافي الصلاة، ولا فرق في هذا بين الإمام والمنفرد، وإن كان في صلاة الجهر وأشغله فلينصت لإمامه إلا أن يسكت الإمام بحيث تمكن من ذلك فيكون حكمة كالإمام والمنفرد.
636 وسئل فضيلته: هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس، ويتعوذ بالله إذا سمع نهيق الحمار؟ وهل هناك فرق في ذلك بين الفرض والنفل؟
فأجاب – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً – بقوله: أما حمده إذا عطس، وتعوذه عند سماع نهيق الحمار فهو جائز على اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – ومكروه على المشهور من المذهب، والأصح اختيار شيخ الإسلام بالنسبة لحمده عند العطاس، أما بالنسبة لتعوذه عند سماع النهيق فالأولى أن لا يتعوذ، والفرق بينهما: أن الحمد عند العطاس جاءت به السنة، ولأنه(13/341)
مشروع بأمر يتعلق به نفسه، بخلاف نهيق الحمار فإنه لأمر خارج، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بسماع ما هو خارج عن الصلاة.
ولا فرق فيما تقدم بين الصلاة المكتوبة والنافلة.
637 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إذا عطس المصلي هل يحمد الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم إذا عطس المصلي فإنه يقول: الحمد لله، كما صح ذلك في قصة معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - أنه دخل مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرما الناس معاوية بأبصارهم منكرين عليه ما قال، فقال: واثكل أماه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال معاوية: بأبي هو وأمي والله ما كهرني، ولا نهرني، وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن" (1) .
ولم ينكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العاطس الذي حمد الله؛ فدل ذلك على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة حمد الله لوجود السبب القاضي بالحمد، ولكن لا يكون ذلك في كل ما يوجد سببه من الأذكار في الصلاة.
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه في ص315.(13/342)
638 سئل فضيلة الشيخ: عن أركان الصلاة؟ وحكم من ترك شيئاً منها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من الأركان:
الركن الأول: القيام مع القدرة: وهذا ركن في الفرض خاصة لقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238) . ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" (1) .
أما النافلة فتصح من القاعد وإن كان قادراً على القيام، لكن أجره نصف أجر القائم.
الثاني من الأركان: تكبيرة الإحرام لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" (2) . ولابد أن يقول الله أكبر فلا يجزي أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم وما أشبه ذلك، ولا يصح التكبير بمد هزة آل فلا يقول: "الله أكبر" لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا يصح أن يمد الباء فيقول: "أكبار" لأنه حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكبر هو الطبل فهو أكبار كأسباب جمع سبب وأكبار جمع كبر هكذا قال أهل العلم.
وأما ما يقوله بعض الناس "الله وكبر" فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية فلا تبطل به الصلاة.
...
__________
(1) رواه البخاري تقدم تخريجه في ص184.
(2) تقدم تخريجه ص125.(13/343)
الركن الثالث: قراءة الفاتحة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (1) . ولكن إذا كان لا يعرفها فإنه يلزمه أن يتعلمها، فإن لم يتمكن من تعلمها قرأ ما يقوم مقامها من القرآن إن كان يعلمه، وإلا سبح الله وحمده وهلل.
الركن الرابع: الركوع لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي أساء في صلاته ولم يصلها على وجه التمام: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً".
الركن الخامس: الرفع من الركوع لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً".
الركن السادس: السجود لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) . ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً".
الركن السابع: الجلوس بين السجدتين لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً".
الركن الثامن: السجود الثاني لأنه لابد في كل ركعة من سجودين لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً". بعد قوله: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" (2) .
الركن التاسع: التشهد الأخير لقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" (3) ، فدل هذا
__________
(1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، تقدم تخريجه ص73.
(2) الأركان من 4-9 ثم 10 و11 من حديث المسيء صلاته تقدم في ص125.
(3) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص119.(13/344)
على أن التشهد فرض.
الركن العاشر: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأخير على المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله -.
الركن الحادي عشر: الترتيب بين الأركان فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث المسيء في صلاته: "ثم اركع، ثم ارفع، ثم اسجد" إلخ فعلمه إياها مرتبة بـ "ثم".
الثاني عشر: الطمأنينة في الأركان لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم اركع حتى تطمئن، ثم ارفع حتى تطمئن، ثم اسجد حتى تطمئن" إلخ، والطمأنينة أن يسكن الإنسان في الركن حتى يرجع كل فقار إلى موضعه، قال العلماء: "وهي السكون وإن قل" فمن لم يطمئن في صلاته فلا صلاة له، ولو صلى ألف مرة، وبهذا نعرف خطأ ما نشاهده من كثير من المصلين من كونهم لا يطمئنون، ولاسيما في القيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، فإنك تراهم قبل أن يعتمد الإنسان قائماً إذا هو ساجد، وقبل أن يعتدل جالساً إذا هو ساجد، وهذا خطأ عظيم، فلو صلى الإنسان على هذا الوصف ألف صلاة لم تقبل منه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للرجل الذي كان يخل بالطمأنينة فجاء فسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وهذا يدل على أن من صلى صلاة أخل فيها بشيء من أركانها، أو واجباتها على وجه العمد فإنه لا صلاة له ولو كان جاهلاً في مسألة الأركان فإنه لا صلاة له.
...(13/345)
الركن الأخير وهو الثالث عشر: التسليم بأن يقول في منتهى صلاته السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، والصحيح أن التسليمتين كلتاهما ركن، وأنه لا يجوز أن يخل بواحدة منهما لا في الفرض ولا في النفل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة.
وذهب آخرون إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في النافلة دون الفريضة فلابد فيها من التسليمتين.
لكن الأحوط أن يسلم الإنسان التسليمتين كلتيهما.
وإذا ترك الإنسان ركناً من هذه الأركان متعمداً فصلاته باطلة بمجرد تركه، أما إذا كان ناسياً فإنه يعود إليه، فلو نسي أن يركع ثم سجد حين أكمل قراءته، ثم ذكر وهو ساجد أنه لم يركع، فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع، ثم يكمل صلاته، ويجب عليه أن يرجع إلى الركن الذي تركه ما لم يصل إلى مكانه من الركعة الثانية فإن وصل إلى مكانه من الركعة الثانية، قامت الركعة الثانية مقام الركعة التي ترك الركن منها، فلو أنه لم يركع، ثم سجد وجلس بين السجدتين، وسجد الثانية، ثم ذكر فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع، ثم يستمر فيكمل صلاته، أما لو لم يذكر أنه لم يركع إلا بعد أن وصل إلى موضع الركوع من الركعة التالية، فإن الركعة هذه الثانية تقوم مقام الركعة التي ترك ركوعها، وهكذا لو نسى الإنسان السجدة الثانية ثم قام من السجدة الأولى، ولما قرأ ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين، فيجب عليه حينئذ أن يرجع ويجلس بين(13/346)
السجدتين ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يكمل صلاته، بل لو لم يذكر أنه ترك السجدة الثانية والجلوس بين السجدتين إلا بعد أن ركع فإنه يجب عليه أن ينزل ويجلس، ويسجد ثم يستمر في صلاته.
أما لو لم يذكر أنه ترك السجود من الركعة الأولى إلا بعد أن جلس بين السجدتين في الركعة الثانية فإن الركعة الثانية تقوم مقام الأولى وتكون هي ركعته الأولى.
وفي كل هذه الأحوال يجب عليه أن يسجد سجود السهو لما حصل من الزيادة في الصلاة في هذه الأفعال، ويكون سجوده بعد السلام؛ لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإن محله بعد السلام كما تدل على ذلك سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
639 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: ما قولكم حفظكم الله في رسم صور توضيحية لكيفية الصلاة، خصوصاً لبعض أفعال الصلاة التي قد لا تفهم بالشرح، وكذلك رسم بعض الأفعال الخاطئة مع توضيح الخطأ فيها، أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أرى بأساً برسم كيفية الصلاة بصور توضيحية بشرط أن لا تكون محرمة، لكن ترك ذلك أولى، ويكتفى بالتعليم العملي أمام الطالب.(13/347)
640 وسئل فضيلته: ما حكم الصلاة بالبنطال؟ وما المقصود بأن النبي عليه الصلاة والسلام "نهى عن لبستين، ومنها أن يصلي في سروال ليس عليه شيء غيره" أخرجه ابن أبي شيبة جـ8 ص486؟
فأجاب فضيلة الشيخ قائلاً: الصلاة أعني صلاة الرجل بالبنطال لا بأس بها إذا تمكن من إقامة الصلاة من التجافي في موضعه، والاعتدال في السجود، والجلوس بشرط أن لا يكون ضيقاً يصف حجم البدن، ولعل الحديث المذكور في السؤال محمول على ذلك.
641 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: صلى بنا الإمام، وفي الركعة الثانية تذكر أنه ليس على طهارة، فقطع صلاته وقدم المؤذن، وقال له: أعد الصلاة، فكبر وأعاد الصلاة من أولها، وعلى ذلك صلى الجماعة خمس ركعات؛ لأنهم صلوا مع الإمام ركعة ومع المؤذن أربع ركعات، إلا ثلاثة فقط صلوا الرباعية وخالفوا المؤذن، فجلسوا في الركعة الخامسة إلى أن سلم فسلموا معه، فما الحكم في هذه المسألة وفقكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل في هذه المسألة إذا تذكر الإمام أنه ليس على طهارة، أن يخلف من يصلي بهم بقية الصلاة(13/348)
بدون استئناف، فيقول مثلاً للمؤذن أو من ورائه ممن يمكن أن يصلي بالجماعة يقول: يا فلان تقدم أكمل الصلاة بهم ثم يكمل الصلاة بهم ويبني على ما فعل بهم الإمام الأول، إلا أنه في قراءة الفاتحة ينبغي أن يقرأها من أولها، ليكون الركن مبتدءاً من أوله هذا هو الأفضل.
فإذا لم يفعل هذا وانصرف ولم يوكل أحداً يقوم مقامه، فللمأمومين أن يقدموا واحداً يقوم بهم، فإن لم يفعلوا أتموا فرادى، أما استئناف الصلاة فقد قال به بعض أهل العلم، لكن لا وجه له، لأن المأمومين معذورون، ولا يعلمون عن حدث الإمام، ولو علموا عن حدث الإمام ما صلوا وراءه، ولنبهوه قبل أن يصلي بهم.
أما بالنسبة لهؤلاء الذين صلوا خمساً بناءاً على أن هذا هو الواجب عليهم، فليس عليهم شيء، ولا تلزمهم الإعادة، لأنهم معذورون بالجهل، ومجتهدون متأولون، وقد قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286) . والمتأول لاسيما الباني على أصل، ليس عليه شيء، ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام المرأة المستحاضة أن تقضي ما فاتها من الصلاة، بناء على أن الاستحاضة حيض، فليس عليهم شيء، لا إعادة، ولا حتى سجود سهو.(13/349)
642 وسئل الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عمن يصلي جالساً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة جالساً إن كان عاجزاً عن القيام فلا حرج عليه، وإن كان قادراً لم تصح صلاته إلا أن يكون في تطوع غير فريضة.
643 سئل فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم التكرم ببيان أركان الصلاة على وجه التفصيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأركان هي: الأعمال القولية، أو الفعلية التي لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تقوم إلا بها.
فمن ذلك: القيام مع القدرة وهذا ركن في الفرض خاصة.
ومن ذلك: تكبيرة الإحرام أن يقوم الإنسان عند الدخول في الصلاة "الله أكبر" ولا يمكن أن تنعقد الصلاة إلا بذلك، فلو نسى الإنسان تكبيرة الإحرام فصلاته غير صحيحة وغير منعقدة إطلاقاً؛ لأن تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل علمه كيف يصلي قال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" (1) .
فلابد من التكبير، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مداوماً على ذلك.
ومن ذلك قراءة الفاتحة: فإن قراءة الفاتحة ركن لا تصح
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص119.(13/350)
الصلاة إلا به لقوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) . وهذا أمر مبهم، وقد بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المبهم في قوله (مَا تَيَسَّرَ) بأنه الفاتحة فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (1) . وقال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب أو بأم القرآن فهي خداج" (2) . أي فاسدة غير صحيحة.
فقراءة الفاتحة ركن على كل مصل: الإمام، والمأموم والمنفرد؛ لأن النصوص الواردة في ذلك عامة لم تستثن شيئاً، وإذا لم يستثن الله – تعالى – ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً فإن الواجب الحكم بالعموم؛ لأنه لو كان هناك مستثنى لبينه الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال الله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) .
ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث صحيح صريح في سقوط الفاتحة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية.
لكن الفرق بين السرية والجهرية: أن الجهرية لا تقرأ فيها إلا الفاتحة وتسكت وتسمع لقراءة إمامك.
أما السرية فتقرأ الفاتحة وغيرها حتى يركع الإمام، لكن دلت السنة على أنه يستثنى من ذلك ما إذا جاء الإنسان والإمام راكع، فإنه إذا جاء والإمام راكع تسقط عنه قراءة الفاتحة، ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي بكرة – رضي الله عنه -: أنه دخل والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع في المسجد فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص73.
(2) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص120.(13/351)
دخل في الصف، فلما سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أيكم الذي صنع هذا؟ " قال أبو بكرة: أنا يا رسول الله قال: "زادك الله حرصاً ولا تعد" (1) ، فقال له: "زادك الله حرصاً ولا تعد" أي لا تعد لمثل هذا العمل فتركع قبل الدخول في الصف وتسرع، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتيتم الصلاة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار" (2) .
ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء الركعة التي أسرع لإدراكها، ولو كان لم يدركها لأمره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضائها؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه مبلغ والمبلغ يبلغ متى احتيج إلى التبليغ، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل له إنك لم تدرك الركعة علم أنه قد أدركها وفي هذا الحال تسقط عنه الفاتحة، وهناك تعليل مع الدليل وهو: أن الفاتحة إنما تجب مع القيام، والقيام في هذه الحال قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط الذكر الواجب فيه.
فصار الدليل والتعليل يدلان على أن من جاء والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم ولا يقرأ، بل يركع مباشرة، ولكن إن كبر للركوع مرة ثانية فهو أفضل، وإن لم يكبر فلا حرج وتكفيه التكبيرة الأولى.
ويجب أن يقرأ الإنسان الفاتحة وهو قائم، وأما ما يفعله بعض الناس إذا قام الإمام للركعة الثانية مثلاً تجده يجلس ولا يقوم
__________
(1) رواه البخاري وتقدم تخريجه في ص7.
(2) متفق عليه وتقدم في ص12.(13/352)
مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة فتجده يجلس إلى أن يصل نصف الفاتحة ثم يقوم وهو قادر على القيام.
نقول لهذا الرجل: إن قراءتك للفاتحة غير صحيحة؛ لأن الفاتحة يجب أن تكون في حال القيام، وأنت قادر على القيام وقد قرأت بعضها وأنت قاعد، فلا تصح هذه القراءة.
أما ما زاد على الفاتحة فهو سنة في الركعة الأولى والثانية، وأما في الركعة الثالثة في المغرب، أو في الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء فليس بسنة، فالسنة الاقتصار فيما بعد الركعتين على الفاتحة، وإن قرأ أحياناً في العصر والظهر شيئاً زائداً على الفاتحة فلا بأس به، لكن الأصل الاقتصار على الفاتحة في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول إن كانت رباعية، أو الركعة الثالثة إن كانت ثلاثية.
ومن أركان الصلاة: الركوع وهو الانحناء تعظيماً لله عز وجل لأن تستحضر أنك واقف بين يدي الله فتنحني تعظيماً له عز وجل.
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أما الركوع فعظموا فيه الرب" (1) . أي قولوا: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الركوع تعظيم بالفعل، وقول "سبحان ربي العظيم" تعظيم بالقول، فيجتمع التعظيمان، بالإضافة إلى التعظيم الأصلي وهو تعظيم القلب لله.
فيجتمع في الركوع ثلاث تعظيمات:
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479) .(13/353)
الأول: تعظيم القلب.
الثاني: تعظيم الجوارح.
الثالث: تعظيم اللسان.
والواجب في الركوع الانحناء بحيث يتمكن الإنسان من مس ركبتيه بيديه، فالانحناء اليسير لا ينفع فلابد من أن تهصر ظهرك حتى تتمكن من مس ركبتيك بيديك.
وقال بعض العلماء: إن الواجب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام.
والمؤدي متقارب، والمهم أنه لابد من هصر الظهر.
ومما ينبغي في الركوع أن: يكون الإنسان مستوي الظهر لا محدوباً، وأن يكون رأسه محاذياً لظهره، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، وأن يجافي عضديه عن جنبيه ويقول سبحان ربي العظيم يكررها ويقول: "سبحانك اللهم وبحمد اللهم اغفر لي" (1) . ويقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (2) .
ومن أركان الصلاة: الرفع من الركوع لقوله عليه الصلاة والسلام: "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً" (3) .
__________
(1) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الأذان، باب الدعاء في الركوع (794) ، ومسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 ح217 (484) .
(2) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/353 ح223 (487) .
(3) تقدم تخريجه في ص125.(13/354)
ومن أركان الصلاة: السجود، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين" (1) .
فالسجود لابد منه لأنه ركن لا تتم الصلاة إلا به.
ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، وتأمل الحكمة أنك في الركوع تقول: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الهيئة هيئة تعظيم، وفي السجود تقول: "سبحان ربي الأعلى" لأن الهيئة هيئة نزول.
فالإنسان نزل أعلى ما في جسده وهو الوجه إلى أسفل ما في جسده وهو القدمين، فترى في السجود أن الجبهة والقدمين في مكان واحد، وهذا غاية ما يكون من النزول، ولهذا تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي أنزه ربي الأعلى الذي هو فوق كل شيء عن كل سفل ونزول، أما أنا فمنزل رأسي وأشرف أعضائي إلى محل القدمين ومداسها، فتقول سبحان ربي الأعلى تكررها ما شاء ثلاثاً، أو أكثر حسب الحال وتقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" (2) . وتقول: "سبوح قدوس ربك الملائكة والروح" (3) وتكثر من الدعاء بما شئت من أمور الدين، ومن أمور
__________
(1) رواه البخاري في الأذان، باب السجود على الأنف (812) ، ومسلم في الصلاة، باب أعضاء السجود 1/354 ح230 (490) .
(2) متفق عليه وتقدم في الصفحة السابقة.
(3) رواه مسلم، وتقدم في الصفحة السابقة.(13/355)
الدنيا، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (1) . وقال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" (2) . فأكثر من الدعاء بما شئت من سؤال الجنة، والتعوذ من النار، وسؤال علم نافع، وعمل صالح، وإيمان راسخ وهكذا، وما شئت من خير الدين والدنيا، لأن الدعاء عبادة ولو في أمور الدنيا قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم) ، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
وعلى الإنسان أن لا يستبطئ الإجابة؛ لأن الله حكيم قد لا يجيب الدعوة بأول مرة، أو ثانية، أو ثالثة من أجل أن يعرف الناس شدة افتقارهم إلى الله، فيزدادوا دعاء، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، حكمته بالغة لا نستطيع أن نصل إلى معرفتها، ولكن علينا أن نفعل ما أمرنا به من كثرة الدعاء.
وصفة السجود أن يسجد على ركبتيه أولاً، ثم كفيه، ثم جبهته وأنفه. ولا يسجد على اليدين أولاً؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ذلك فقال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك البعير" (3) .
وبروك البعير يكون على اليدين أولاً كما هو مشاهد، وإنما نهى الرسول عن ذلك لأن تشبه بني آدم بالحيوان، ولا سيما في
__________
(1) رواه مسلم وتقدم تخريجه ص280.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(3) رواه أبو داود وغيره، وتقدم الكلام عليه بالتفصيل في ص170.(13/356)
الصلاة أمر غير مرغوب فيه، ولم يذكر الله تشبيه بني آدم بالحيوان إلا في مقام الذم، استمع إلى قول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) (الأعراف: 175-176) ، وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ) (الجمعة: 5) ، وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه" (1) ، وقال: "الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً" (2) .
فأنت ترى أن تشبيه بني آدم بالحيوان لم يكن إلا في مقام الذم، ولهذا نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المصلي أن يبرك كما يبرك البعير فيقدم يديه، بل قدم الركبتين إلا إذا كان هناك عذر كرجل كبير يشق عليه أن ينزل على الركبتين أولاً فلا حرج، أو إنسان مريض، أو إنسان في ركبته أذى وما أشبه ذلك.
ولابد أن يكون السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة، والأنف والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عباس وتقدم في ص171.
(2) رواه أحمد وغيره وتقدم تخريجه في ص171.(13/357)
الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين" (1) . ونسجد على الأعضاء السبعة في جميع السجود، فما دمنا ساجدين فلا يجوز أن نرفع شيئاً من هذه الأعضاء، بل لابد أن تبقى هذه الأعضاء مادمنا ساجدين.
وفي حال السجود ينبغي للإنسان أن يضم قدميه بعضهما إلى بعض ولا يفرج.
أما الركبتان فلم يرد فيهما شيء فتبقى على ما هي عليه.
وأما اليدان فتكون على حذو المنكبين أي الكتفين، أو تقدمها قليلاً حتى تسجد بينهما، فلها صفتان كلتاهما وردتا عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
وينبغي أن تجافي عضديك عن جنبيك وأن ترفع ظهرك، إلا إذا كنت في الصف وخفت أن يتأذى جارك من مجافاة العضدين فلا تؤذي جارك؛ لأنه لا ينبغي أن تفعل سنة يتأذى بها أخوك المسلم وتشوش عليه.
وقد رأيت بعض الأخوة الذين يحبون أن يطبقوا السنة يمتدون في حال السجود امتداداً طويلاً حتى تكاد تقول: إنهم مبطحون وهذا لا شك أنه خلاف السنة، وهذه الصفة كما أنها خلاف السنة ففيها إرهاق عظيم للبدن؛ لأن التحمل يكون على الجبهة والأنف في هذه الحال وتجد الإنسان يضجر من إطالة السجود.
...
__________
(1) تقدم تخريجه ص186.(13/358)
ففيها مخالفة السنة، وتعذيب البدن، فلهذا ينبغي أن يرشد من يفعل ذلك، وأن يبين له أن ذلك ليس بسنة.
وينبغي في حال السجود أيضاً أن يكون الإنسان خاشعاً لله عز وجل، مستحضراً علو الله سبحانه وتعالى، لأنك سوف تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي تنزيهاً له بعلوه عز وجل عن كل سفل ونزول، ونحن نعتقد بأن الله عال بذاته فوق جميع مخلوقاته كما قال الله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) . وإثبات علو الله في القرآن والسنة أكثر من أن يحصر. وقد تقدم الكلام على ذلك بحمد الله تعالى.
ومن أركان الصلاة: الجلوس بين السجدتين، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم رافع حتى تطمئن جالساً".
ومن أركان الصلاة: السجود الثاني؛ لأنه لابد في كل ركعة من سجودين.
ومن الأركان: التشهد الأخير لقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" فدل هذا على أن التشهد فرض.
ومن الأركان: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأخير على المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
ومن الأركان: الترتيب بين الأركان، فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب.
...(13/359)
ومن أركان الصلاة: الطمأنينة: أي الاستقرار والسكون في أركان الصلاة.
يطمئن في القيام، وفي الركوع، وفي القيام بعد الركوع، وفي السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي بقية أركان الصلاة، وذلك لما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء فدخل المسجد فصلى ثم سلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" (1) أي لم تصل صلاة تجزئك، فرجع الرجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع وصلى ولكنه كصلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، وهذه هي الفائدة من كون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلمه لأول مرة بل ردده حتى صلى ثلاث مرات من أجل أن يكون متشوقاً للعلم، مشتاقاً إليه حتى يأتيه العلم ويكون كالمطر النازل على أرض يابسة تقبل الماء، ولهذا أقسم بأنه لا يحسن غير هذا، وطلب من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعلمه، ومن المعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيعلمه لكن فرق بين المطلوب والمجلوب، إذا كان هو الذي طلب أن يعلم صار أشد تمسكاً وحفظاً لما بلغ إليه، وتأمل قسمه بالذي بعث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق، فقال: "والذي بعثك بالحق" ولم يقل والله. لأجل أن يكون معترفاً غاية الاعتراف بأنما يقوله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق.
__________
(1) حديث المسيء صلاته متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص125.(13/360)
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" أي توضأ وضوءً كاملاً "ثم استقبل القبلة فكبر" أي قل الله أكبر وهذه تكبيرة الإحرام "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وقد بينت السنة أنه لابد من قراءة الفاتحة "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" أي لا تسرع بل اطمئن واستقر "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً" أي إذا رفعت من الركوع اطمئن كما كنت في الركوع، ولهذا من السنة أن يكون الركوع والقيام من الركوع متساويين أو متقاربين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" أي تطمئن وتستقر، "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" وهذه الجلسة بين السجدتين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" هذا هو السجود الثاني "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" أي افعل هذه الأركان: القيام، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والسجدة الثانية في جميع الصلاة.
والشاهد من هذا قوله: "حتى تطمئن" وقوله فيما قبل: "إنك لم تصل". فدل هذا على أن من لا يطمئن في صلاته فلا صلاة له.
ولا فرق في هذا بين الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود والجلوس بين السجدتين كلها لابد أن يطمئن الإنسان فيها.
قال بعض العلماء: إن الطمأنينة أن يستقر بقدر ما يقول الذكر الواجب في الركن، ففي الركوع بقدر ما تقول "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود كذلك وهكذا، ولكن الذي يظهر من السنة أن الطمأنينة أمر فوق ذلك؛ لأن كون الطمأنينة بمقدار أن تقول "سبحان ربي العظيم" في الركوع لا يظهر أثر، لأن الإنسان إذا قال: "الله أكبر سبحان ربي العظيم" ثم يرفع أين الطمأنينة؟
...(13/361)
الظاهر أنه لابد من استقرار بحيث يقال هذا الرجل مطمئناً، وعجباً لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل، يناجي الله، ويتقرب إليه بكلامه، وبالثناء عليه، وبالدعاء ثم كأنه ملحوق في صلاته كأنما كان عدواً لاحق له فتراه يهرب من الصلاة.
أنت لو وقفت بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدت ذلك سهلاً، وتفرح أن هذا الملك يكلمك، فكيف وأنت تناجي ربك الذي خلقك، ورزقك، وأمدك، وأعدك، تناجيه وتهرب هذا الهروب.
لكن الشيطان عدو للإنسان والعاقل الحازم المؤمن هو الذي يتخذ الشيطان عدواً كما قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6) .
فالواجب على الإنسان أن يطمئن في صلاته طمأنينة تظهر عليه في جميع أفعال الصلاة وكذلك أقوالها. ...
ومن أركان الصلاة وهو الأخير: التسليم بأن يقول في منتهى صلاته: السلام عليكم ورحمة الله.
والصحيح: أن التسليمتين كلتاهما ركن، ولا يجوز أن يخل بواحدة منهما لا في الفرض أو النفل.
وذهب بعض العلماء: إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة.
...(13/362)
وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الركن التسليمة الأولى في النافلة فقط، دون الفريضة فلابد من التسليمتين.
644 وسئل فضيلة الشيخ: لي أطفال لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة أعوام، يقفون خلفي أثناء صلاتي بالمنزل، وذلك لأعلمهم كيفية الصلاة، ويكون ذلك بدون وضوء منهم، فهل يجوز ذلك؟ وماذا أفعل تجاه زوجتي التي تتهاون أحياناً في أداء الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: جواب الشق الأول من السؤال: أنه يجوز للإنسان أن يعلم أولاده الصلاة بالقول وبالفعل، ولهذا لما صنع المنبر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صعد عليه وجعل يصلي عليه، فإذا أراد السجود نزل وسجد على الأرض، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" (1) . وينبغي أيضاً أن يعلم هؤلاء الوضوء ماداموا يفقهون ويفهمون، لكن الذين في السن التي ذكرها السائل وهو أن أكبرهم له ثلاث سنوات لا أظنهم يعقلون كما ينبغي. والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر (2) .
وأما جواب الشق الثاني وهو أن الزوجة لا تصلي: فإن الواجب على زوجها أن يأمرها بالصلاة ويؤدبها عليها، فإن أصرت
__________
(1) رواه البخاري في الجمعة/ باب الخطبة على المنبر (875) ، ومسلم في المساجد/ باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة (544) .
(2) أخرجه الإمام أحمد 2/187، وأبو داود في الصلاة/ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (495) .(13/363)
إلا أن تدع الصلاة فإنها بذلك تكون كافرة والعياذ بالله، وحينئذ ينفسخ النكاح ولا تحل له مادامت قد تركت الصلاة لقول الله تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن) (الممتحنة: 10) . فالمسلم لا يحل له أن يتزوج بكافرة مرتدة عن الإسلام، وإذا وقعت منها هذه الردة بعد النكاح فإن النكاح ينفسخ، ثم إن عادت إلى الإسلام قبل انتهاء العدة لهي زوجته وإلا فإنها تبين منه (1) .
*
__________
(1) تقدم حكم تارك الصلاة مفصلاً في المجلد الثاني عشر ص20 – 154 من هذا المجموع.(13/364)
رسائل في صفة الصلاة.
* رسالة حول خمس مسائل.(13/365)
رسالة في
صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه أجمعين، أما بعد: فنتكلم هذه الليلة عن صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أولاً: أعتقد أنك إذا قمت إلى الصلاة فإنما تقوم بين يدي الله عز وجل، الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ويعلم ما توسوس به نفسك، وحينئذ حافظ على أن يكون قلبك مشغولاً بصلاتك، كما أن جسمك مشغولاً بصلاتك، جسمك متجه إلى القبلة، إلى الجهة التي أمرك الله عز وجل، فيكن قلبك أيضاً متجهاً إلى الله.
أما أن يتجه الجسم إلى ما أمر الله بالتوجه إليه، ولكن القلب ضائع فهذا نقص كبير، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا غلب الوسواس – أي الهواجس – على أكثر الصلاة فإنها تبطل، والأمر شديد.
فإذا أقبلت إلى الصلاة فاعتقد أنك مقبل إلى الله عز وجل.
وإذا وقفت تصلي فاعتقد أنك تناجي الله عز وجل، كما قال ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذا كان أحدكم في صلاة، فإنه يناجي ربه" (1) .
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس بن مالك رواه البخاري في الصلاة باب ليبزق عن يساره.. (413) ، ومسلم في المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد ح54 (551) .(13/367)
وإذا وقفت في الصلاة فاعتقد أن الله عز وجل قبل وجهك، ليس في الأرض التي أنت فيها، ولكنه قبل وجهك، وهو على عرشه عز وجل، وما ذلك على الله بعسير، لأن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) في جميع صفاته، فهو فوق عرشه، وهو قبل وجه المصلي إذا صلى، وحينئذ تدخل وقلبك مملوء بتعظيم الله عز وجل، ومحبته، والتقرب إليه.
فتكبر وتقول: "الله أكبر"، ومع هذا التكبير ترفع يديك إلى حذو منكبيك، أو إلى فروع أذنيك.
والمنكب هو: الكتف وفروع الأذنين أعلاها، ثم تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى، على الذراع كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) (1) .
ثم تخفض رأسك فلا ترفعه إلى السماء لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، واشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهين – أي الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة – عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم" (2) .
ولهذا ذهب بعض من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي رأسه إلى السماء أو بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً؛ لأنه لا
__________
(1) رواه البخاري، وتقدم في ص160.
(2) رواه البخاري في الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، ح (750) من حديث أنس، ورواه مسلم من حديث جابر بن سمرة، وأبي هريرة في الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ح117 (428) وح118 (429) .(13/368)
وعيد على شيء إلا وهو محرم.
فتخفض بصرك وتطأطيء رأسك، لكن كما قال العلماء: لا يضع ذقنه على صدره – أي لا يخفضه كثيراً – حتى يقع الذقن – وهو مجمع اللحيين – على الصدر بل يخفضه مع فاصل يسير عن صدره.
أدعية الاستفتاح
ويستفتح ويقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ، وهذا هو الاستفتاح الذي سأل أبو هريرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... " إلى آخر الحديث، فذكر له الحديث (1) .
وله أن يستفتح بغير ذلك وهو (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) (2) .
ويستفتح صلاة الليل بما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح به وهو (اللهم رب جبرائيل وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص112.
(2) رواه أبو داود في الصلاة، باب: من رأى الاستفتاح بسبحانك (775) و (776) ، ورواه الترمذي في الصلاة باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (242) و (243) .(13/369)
تشاء إلى صراط مستقيم) (1) .
ولكن لا يجمع بين هذه الاستفتاحات، بل يقول هذا مرة وهذا مرة، ليأتي بالسنة على جميع وجوهها.
ثم يقول بعد الاستفتاح: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم يقرأ الفاتحة، والفاتحة سبع آيات أولها (الحمد لله رب العالمين) ، وآخرها: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) . ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) ، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرحمن الرحيم) ، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: (مالك يوم الدين) ، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) ، قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) ، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (2) .
فتبين بهذا الحديث أن أول الفاتحة: (الحمد لله رب العالمين) .
أما البسملة فهي آية في كتاب الله، ولكنها ليست آية من كل سورة، بل هي آية مستقلة يؤتى بها في كل سورة سوى سورة براءة فإنها ليس فيها بسملة وليس فيها بدل، خلافاً لما يوجد في بعض المصاحف عند ابتداء براءة: "أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار،
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح200 (770) .
(2) رواه مسلم وتقدم في ص108.(13/370)
ومن غضب الجبار، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين"، وهذا خطأ ليس بصواب، فهي ليس فيها بسملة، وليس فيها شيء بديل عن البسملة.
مسألة: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن"، ولم يعين ما يقرأ، فهل يجوز للإنسان أن يقرأ آية أو آيتين ثم يركع؟
الجواب: لا؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن" (1) وبين في أحاديث أخرى أنه لابد من قراءة الفاتحة حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" (2) .
وفي حديث آخر قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" (3) ، والخداج الشيء الفاسد الذي لا ينفع.
ولا تسقط الفاتحة إلا في صورة واحدة فقط وهي إذا جاء الإنسان إلى المسجد ووجد الإمام راكعاً فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع، وتسقط عنه الفاتحة في هذه الصورة.
فإذا قال قائل: ما الدليل؟
فالجواب: الدليل ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع، فركع دون
__________
(1) جزء من حديث المسيء صلاته، متفق عليه، وتقدم في ص125.
(2) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت وتقدم في ص73.
(3) رواه مسلم وتقدم في ص120.(13/371)
الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف"؟ فقال أبو بكرة: أنا، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زادك الله حرصاً ولا تعد" (1) . ...
فالشاهد قوله: "لا تعد" ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقضي الركعة التي أسرع إليها ليدرك ركوعها، ولو كان لم يدركها لبين له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
وهذا القول هو مقتضى هذا الحديث من حيث الدلالة، كما أنه مقتضى النظر.
لأن قراءة الفاتحة إنما تجب في حال القيام، والقيام في هذه الصورة قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط ما وجب فيه وهو قراءة الفاتحة، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يكتفي بقراءة الإمام؟
الجواب: في هذه المسألة خلاف بين العلماء، منهم من قال: إن قراءة الإمام تكفي عن قراءة المأموم مطلقاً في السرية والجهرية.
ومنهم من قال: إنها لا تكفي عن قراءة المأموم لا في السرية ولا في الجهرية.
ومنهم من قال: إنها تكفي عن قراءة المأموم في الجهرية دون السرية.
...
__________
(1) رواه البخاري وتقدم في ص7.(13/372)
والذي يظهر لي من الأدلة أن قراءة الإمام لا تسقط القراءة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية، وأن الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية لعموم الأدلة الدالة على ذلك.
فمنها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (1) .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كل صلاة لا يقرا فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج" (2) ، وهذا مطلق. ...
فإن قال قائل: لماذا لا نختار القول الوسط في هذه المسألة؟
ونقول: إن الإمام يتحملها في الصلاة الجهرية لقول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) . فإذا قرأ إمامي فأنا مأمور بالإنصات وقراءتي على خلاف هذا الأمر.
فالجواب: أن هذا القول يجب المصير إليه لولا أن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بأصحابه صلاة الفجر فلما انصرف قال: "لعلكم تقرءون خلف إمامكم" قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" (3) .
وهذا الحديث نص في أن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم في الصلاة الجهرية، ومادام الحديث قد دل على ذلك فإن
__________
(1) متفق عليه، وتقدم في ص73.
(2) رواه مسلم، وتقدم في ص120.
(3) رواه أبو داود وغيره، تقدم في 120.(13/373)
الآية: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تحمل على غير قراءة الفاتحة، وأن الإمام إذا كان يقرأ فإنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ سوى الفاتحة كالآيات أو السور التي يقرأها الإمام أو غيرها.
ثم إذا انتهى من الفاتحة يقول: (آمين) لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه (1) .
ومعناها: اللهم استجب، فهي اسم فعل أمر بمعنى استجب، ثم يقرأ بعد ذلك سورة ينبغي أن تكون في المغرب غالباً بقصار المفصل. ...
وفي الفجر من طوال المفصل، وفي باقي الصلوات الخمس من أوساطه، والمفصل أوله (ق) وآخره (قل أعوذ برب الناس) وسمي مفصلاً لكثرة فواصله، وطوال المفصل من (ق) إلى (عم) ، وأوساطه من (عم) إلى (الضحى) ، وقصاره من (الضحى) إلى (الناس) ولا بأس بل من السنة أن يقرأ الإنسان أحياناً في المغرب بطوال المفصل فقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قرأ في المغرب بـ (الطور) و (المرسلات) (2) .
__________
(1) تقدم تخريجه في ص116.
(2) حديث القراءة بالطور في المغرب متفق عليه من حديث جبير بن مطعم، رواه البخاري في الأذان باب الجهر في المغرب (765) ، ومسلم في الصلاة باب القراءة في الصبح ح174 (463) . وحديث المرسلات متفق عليه من حديث أم الفضل، رواه البخاري في الأذان باب القراءة في المغرب (763) ، ومسلم في الموضع السابق ح173 (462) .(13/374)
كيفية الركوع
وبعد أن يقرأ السورة مع الفاتحة، ويرفع يديه مكبراً ليركع، فيرفع يديه إلى حذو منكبيه أو فروع أذنيه ثم يضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويسوي ظهره برأسه ويهصر ظهره فلا يقوسه، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك" (1) ويقول: (سبحان ربي العظيم) يكررها ثلاث مرات (2) ، ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) (3) ويقول أيضاً: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) (4) ، ويكثر من تعظيم الله سبحانه وتعالى في حال الركوع.
ثم يرفع رأسه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في هذا القيام لقول سهل بن سعد: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) (5) ، وهذا
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة 1/357 ح240 (498) .
(2) رواه أبو داود في الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود (886) ، والترمذي فيه باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (261) ، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب التسبيح في الركوع والسجود (890) ثلاثتهم من حديث ابن مسعود، وعند ابن ماجة (888) من حديث حذيفة.
(3) متفق عليه من حديث عائشة وتقدم في ص354.
(4) رواه مسلم وتقدم في ص354.
(5) رواه البخاري وتقدم في ص160.(13/375)
عام يستثنى منه السجود، والجلوس، والركوع، لأن السجود توضع فيه اليد على الأرض، والجلوس على الفخذين، والركوع على الركبتين، فيبقى القيام الذي قبل الركوع والذي بعده داخلاً في عموم قوله: (في الصلاة) .
ويقول بعد رفعه: (ربنا لك الحمد) ، أو (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا لك الحمد) أو (اللهم ربنا ولك الحمد) ، فالصفات أربع مختلفة وهل يقولها في آن واحد؟
الجواب: يقول هذا مرة وهذا مرة.
وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها: أن العبادات إذا وردت على وجوه متنوعة فإنها تفعل على هذه الوجوه، على هذا مرة وعلى هذا مرة.
وفي ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنه لو أهملت إحدى الصفتين لنسيت ولم تحفظ.
الفائدة الثالثة: أن لا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، لكن إذا كان يعود نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة صار منتبهاً للسنة، قلنا بعد الرفع من الركوع يقول أحد هذه الوجوه، فمتى يقول ذلك؟
الجواب: يقول ذلك بعد أن يقوم؛ لأنه في حال القيام يقول: "سمع الله لمن حمده" إلا إذا كان مأموماً فإن المأموم لا يقول (سمع(13/376)
الله لمن حمده) ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وإذا قال – أي الإمام – سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد" (1) ويكون هذا في حال نهوضه من الركوع قبل أن يستتم قائماً، وبعد أن يقول (ربنا ولك الحمد) أو إحدى الصفات الأخرى، يقول (ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (2) .
كيفية السجود
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" (3) ، ويخر على الركبتين لا على يديه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير" (4) .
والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخر البعير لوجهه، فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخر الإنسان في سجوده على يديه؛ لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير.
هذا ما يدل على الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخر على ركبتيك؛ لأن البعير عند البروك يخر على
__________
(1) متفق عليه، وتقدم في ص167.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص168.
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في الأذان باب 83 و84، رفع اليدين في التكبيرة الأولى (735) و (736) ومسلم في الصلاة باب استحباب رفع اليدين ح21 و22 (390) .
(4) رواه أبو داود وغيره، وراجع التفصيل في ص170.(13/377)
ركبتيه، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) ؛ لأنه لو قال ذلك، قلنا: نعم، إذاً لا تبرك على الركبتين لأن البعير يبرك على ركبتيه لكنه قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير" فالنهي إذن عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان ويخر عليه، والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نقول: إن ركبتي البعير في يديه وإنه يبرك عليهما لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر في أنه نهي عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه.
ولهذا قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه" منقلب على الراوي؛ لأنه لا يتطابق مع أول الحديث، وإذا كان لا يتطابق مع أول الحديث فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال، فإن قوله: "وليضع يديه قبل ركبتيه" هذا على سبيل التمثيل والتفريغ، وحينئذ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: "وليضع ركبتيه قبل يديه".
فيخر على ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، ويسجد على سبعة أعضاء، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة – وأشار بيده إلى أنفه – ليبين أن الأنف من الجبهة، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين" (1) .
فيسجد المصلي على هذه الأعضاء وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض (2) ولا على ركبتيه بل ينصبهما ويجافي
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص308.
(2) لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا سجدت فضع كفيك ورافع مرفقيك". رواه مسلم في الصلاة باب 45: الاعتدال في السجود ح234 (494) .(13/378)
عضديه عن جنبيه (1) وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً ولا يمد ظهره – كما يفعله بعض الناس تجده يمد ظهره ويبالغ فيه، فلا يمد الظهر بل يرفع حتى يتجافى عن الفخذين ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اعتدلوا في السجود" (2) .
وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة، فهو مخالف للسنة وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل ثقل البدن على الجبهة، وتأثرت رقبته وشق ذلك عليه كثيراً وعلى كل حال فهذا ليس هو السنة.
أذكار السجود
وفي حال السجود يقول: "سبحان ربي الأعلى" (3) يقولها ثلاث مرات: ...
ويقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"
ويقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (4) .
__________
(1) لحديث ابن بحينة، "إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه". متفق عليه. رواه البخاري في الصلاة باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود (390) ومسلم في الصلاة باب 46 – ما يجمع صفة الصلاة ح235 (495) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: لا يفترش ذراعيه في السجود (822) ومسلم في الصلاة باب 45 ح (233 (493) .
(3) هذا جزء من حديث حذيفة رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح203 (772) .
(4) رواه مسلم، وتقدم في ص354.(13/379)
ويكثر في السجود من الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (1) . أي حري أن يستجاب لكم.
لماذا كان حرياً أن يستجاب لنا؟
الجواب: لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2) .
ولكن لاحظ إذا كنت مع الإمام فالمشروع في حقك متابعة الإمام، لا تمكث في السجود لتدعو لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر ... " إلى أخر الحديث (3) .
فأمرنا أن نتابع الإمام وأن لا نتأخر عنه.
الرفع من السجود
ثم ينهض من السجود مكبراً ويجلس بين السجدتين، مفترشاً، والافتراش هو: أن يجعل الرجل اليسرى فراشاً له وينصب الرجل اليمنى من الجانب الأيمن، هذا هو الافتراش.
أما اليدان فيضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى أو على رأس
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم في ص280.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(3) متفق عليه بهذا اللفظ غير قوله: "ولا تكبروا حتى يكبر" فهي لأحمد 2/341، وأبو داود في الصلاة، باب الإمام يصلي قعوداً (603) .(13/380)
الركبة، واليد اليسرى على الفخذ اليسرى، أو يلقمها الركبة كلتاها صفتان واردتان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن اليد اليمنى يضم منها الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام أو تحلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فإنها تبقى مفتوحة غير مضمومة ويحركها عند الدعاء فقط لا تحريكاً دائماً ولا سكوناً دائماً ولكن يحركها يدعو بها، فمثلاً إذا قال: رب اغفر لي يحركها، وارحمني يحركها، واجبرني يحركها، وعند كل جملة دعائية يحركها (1) .
أما اليد اليسرى فإنها مبسوطة على الفخذ أو ملقمة الركبة – ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أعلم أن اليد اليمنى تكون مبسوطة لا بين السجدتين ولا في التشهدين بل في سياق حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – عند الإمام أحمد النص على أن هذه حال اليد اليمنى بين السجدتين وعليه مشى في زاد المعاد (2) ، وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: "كان إذا قعد في الصلاة". وفي بعضها: إذا قعد في التشهد (3) ، وتقييد ذلك بالتشهد لا يعني أنه لا يعم جميع جلسات الصلاة.
لأن الراجح من أقوال الأصوليين أنه إذا ذكر العموم، ثم ذكر بعض أفراده بحكم يطابقه فإن ذلك لا يقتضي التخصيص، كما نص على هذا أهل الأصول، وهذا هو قول جمهورهم.
__________
(1) راجع ص192.
(2) راجع ص193.
(3) راجع ص194.(13/381)
الأذكار بين السجدتين
وفي هذا الجلوس يقول: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني" (1) ، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً.
هل الإمام يقول رب اغفر لي؟
الجواب: نعم.
فإن قال قائل: كيف يفرد الإمام الضمير وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرجل إذا كان إماماً وخص نفسه بالدعاء فقد خان المأمومين (2) ؟
والجواب: نقول هذا في دعاء يؤمن عليه المأمومون، فإن الإمام إذا أفرده يكون قد خان المأمومين، مثل دعاء القنوت علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن بن علي – رضي الله عنه – بصيغة الإفراد: اللهم اهدني فيمن هديت (3) ، فلو قال الإمام: اللهم اهدني فيمن هديت لكان هذا خيانة؛ لأن المأموم سيقول: آمين. والإمام دعا لنفسه وترك المأمومين إذاً فلابد أن يقول: اللهم اهدنا فيمن هديت فلا
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: الدعاء بين السجدتين ح (850) وهذا لفظه: والترمذي فيه باب: ما يقول بين السجدتين ح (284) و (285) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما يقول بين السجدتين ح (897) . وراجع أيضاً صحيح أبي داود للألباني (756) .
(2) تقدم تخريجه ص140.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب: القنوت في الوتر (1425) ، والنسائي في قيام الليل باب الدعاء في الوتر (1744) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1178) .(13/382)
يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين في دعاء يؤمن عليه المأموم.
لو قال قائل: دع الإمام يقول: اللهم اهدني فيمن هديت ونقول للمأموم: قل: وأنا مثلك هل يصلح أم لا؟
الجواب: لا يصلح، لأن المشروع في حق المأموم أن يقول: آمين إذاً لابد من صيغة تكون شاملة للإمام والمأموم.
ثم يسجد السجدة الثانية وكيفية السجود الثاني كالأول ويقال فيه ما يقال في السجود الأول.
جلسة الاستراحة
ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبراً معتمداً على ركبتيه قائماً بدون جلوس، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: بل يجلس ثم يقوم معتمداً على يديه كما هو المشهور من مذهب الشافعي، وهذه الجلسة مشهورة عند العلماء بجلسة الاستراحة، وقد اختلف العلماء – رحمهم الله – في مشروعيتها.
* فمنهم من يرى أنها مستحبة مطلقاً.
* ومنهم من يرى أنها غير مستحبة مطلقاً.
* ومنهم من يفصل ويقول: إن احتجت إليها لضعف أو كبر أو مرض أو ما أشبه ذلك فإنك تجلس ثم تنهض، وأما إذا لم تحتج إليها فلا تجلس، واستدل لذلك بأن هذه الجلسة ليس لها داء، وليس لها تكبير عند الانتقال منها بل التكبير واحد من السجود إلى القيام. فلما لم يكن لها تكبير قبلها ولا بعدها، وليس فيها ذكر دل على أنها(13/383)
غير مقصودة في ذاتها، لأن كل مقصود في ذاته في الصلاة لابد فيه من ذكر مشروع وتكبير سابق وتكبير لاحق.
وقالوا أيضاً في حديث مالك بن الحويرث (1) أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتمد على يديه، والاعتماد على اليدين لا يكون غالباً إلا من حاجة وثقل بالجسم لا يتمكن معه من النهوض بدون اعتماد.
فلهذا نقول: إن احتجت إليها فلا تكلف نفسك في النهوض من السجود إلى القيام مباشرة، وإن لم تحتج فالأولى أن تنهض من السجود إلى القيام مباشرة.
وهذا هو ما اختاره صاحب المغني ابن قدامة المعروف بالموفق – رحمه الله – وهو اختيار ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (2) .
ويقول صاحب المغني: إن هذا هو الذي تجتمع فيه الأدلة التي فيها إثبات هذه الجلسة ونفيها.
والتفصيل هذا عندي أرجح من الإطلاق وإن كان رجحانه عندي ليس بذاك الرجحان القوي.
فالمراتب عندي ثلاث:
أولاً: مشروعية هذه الجلسة عند الحاجة إليها وهذا لا إشكال فيه.
يليه ثانياً: مشروعيتها مطلقاً وليس بعيداً عنه في الرجحان.
ثالثاً: أنها لا تشرع مطلقاً وهذا عندي ضعيف لأن الأحاديث
__________
(1) تقدم تخريجه في ص182.
(2) راجع ص217.(13/384)
فيها ثابتة، لكن هل هي ثابتة عند الحاجة أو مطلقاً.. هذا هو محل البحث.
والذي يترجح عندي يسيراً أنها تشرع للحاجة فقط.
ثم في الركعة الثانية يفعل كما يفعل في الركعة الأولى، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء في صلاته: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" متفق عليه. إلا الاستفتاح فلا يستفتح، قال ابن القيم – رحمه الله – في الزاد: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الثانية كالأولى سواء إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإحرام، وتطويلها أي القراءة، وأما التعوذ ففيه خلاف بين العلماء.
* منهم من يرى أنه يتعوذ في كل ركعة.
* ومنهم من يرى أنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى.
فإذا صلى الركعة الثانية جلس للتشهد.
كيفية الجلوس للتشهد الأول
يجلس للتشهد كجلوسه بين السجدتين في كيفية الرجلين وفي كيفية اليدين ويقرأ التشهد.
التشهد الأول:
التشهد ورد على صفات متعددة وقولنا فيه كقولنا في دعاء الاستفتاح، أي أن الإنسان ينبغي له أن يقول مرة تشهد ابن عباس (1) ، ولفظه: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله،
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 16 – التشهد في الصلاة ح60 (403) .(13/385)
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله". رواه مسلم. ومرة تشهد ابن مسعود ولفظه: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". متفق عليه، ومرة بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير هاتين الصفتين.
فيقول: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (1) .
فإن كان في ثنائية أتم التشهد، وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام بعد التشهد الأول وصلى بقية الصلاة، وتكون الصلاة بعد هذا التشهد بالفاتحة فقط لا يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى، وإن قرأ أحياناً فلا بأس لوروده في ظاهر حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- (2) .
ويرفع يديه إذا قام من هذا التشهد إلى حذو منكبيه أو على فروع أذنيه.
__________
(1) هذا لفظ حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص226.
(2) رواه مسلم في الصلاة باب القراءة في الظهر والعصر ح156 و157 (452) .(13/386)
التشهد الثاني:
ثم يجلس للتشهد الثاني، وهذا التشهد يختلف عن التشهد الأول في كيفية الجلوس؛ لأنه يجلس متوركاً، والتورك له ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى ويخرج الرجل اليسرى من تحت الساق ويجلس بأليتيه على الأرض (1) .
الصفة الثانية: أن يفرش رجليه جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن وتكون الرجل اليسرى تحت الساق اليمنى (2) .
الصفة الثالثة: أن يفرش الرجل اليمنى ويجعل الرجل اليسرى بين الفخذ والساق (3) . فهذه ثلاث صفات للتورك ينبغي له أن يفعل هذا تارة، وأن يفعل هذا تارة أخرى.
ثم يقرأ التشهد الأخير ويضيف على ما قاله في التشهد الأول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (4) .
__________
(1) رواها البخاري في الأذان باب سنة الجلوس في التشهد (828) في حديث أبي حميد الساعدي.
(2) رواها أبو داود في الصلاة باب: من ذكر التورك في الرابعة ح (965) من حديث أبي حميد أيضاً.
(3) رواها مسلم في المساجد باب صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح112 (579) من حديث عبد الله بن الزبير.
(4) متفق عليه من حديث كعب بن عجرة وسيأتي تخريجه في فصل حول معاني التشهد.(13/387)
ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (1) .
والتعوذ بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ثبت ذلك في صحيح مسلم.
وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب التعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير. وقالوا: لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بها.
وكثير من الناس اليوم لا يبالي بها، تجده إذا صلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلم، مع أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بأن يستعيذ بالله من هذه الأربع.
وكان طاووس – رحمه الله – وهو من التابعين يأمر من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع أن يعيد الصلاة كما أمر ابنه بذلك.
فالذي ينبغي لك أن لا تدع التعوذ بالله من هذه الأربع لما في النجاة منها من السعادة في الدنيا والآخرة.
ثم يدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
السلام
ثم تسلم عن يمينك السلام عليكم ورحمة الله، وعن يسارك السلام عليكم ورحمة الله، وبهذا تنتهي الصلاة.
__________
(1) بهذا اللفظ رواه مسلم من حديث أبي هريرة في المساجد باب: ما يستعاذ منه في الصلاة ح28 (588) ، وأما في حديث عائشة المتفق عليه: التعوذ من المأتم والمغرم بدلاً من النار.(13/388)
أفضلية الدعاء في الصلاة
وينبغي للإنسان إذا كان يحب أن يدعو الله عز وجل أن يجعل الدعاء قبل أن يسلم، يعني بعد أن يكمل التشهد وما أمر به النبي صلى الله عليه سلم من التعوذ يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.
مسألة: هل يصح أن يدعو بشيء يتعلق بالدنيا؟ فيقول مثلاً: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو داراً واسعة أو ما أشبه ذلك؟
والجواب: نعم يصح؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حديث ابن مسعود: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" (1) .
والإنسان مفتقر إلى ربه في حوائج دينه ودنياه.
ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف؛ لأنه يخالف عموم قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء".
فأنت إذا كنت تريد الدعاء فادع الله قبل أن تسلم.
وبهذا نعرف أن ما اعتاده كثير من الناس اليوم كلما سلم من التطوع ذهب يدعو الله عز وجل حتى يجعله من الأمور الراتبة والسنن اللازمة لهذا أمر لا دليل عليه، والسنة إنما جاءت بالدعاء قبل السلام.
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص234.(13/389)
فصل
في التسبيح خلف الصلوات
التسبيح أدبار الصلوات قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، محيت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" (1) .
والأذكار خلف الصلوات (2) وردت على أنواع متنوعة منها (سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، فيكون المجموع تسعة وتسعين، وتختم بالمائة بوحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) .
ومنها سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله، الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر، الله أكبر أربعاً وثلاثين) فيكون الجميع مائة.
(ومنها سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات) فالجميع ثلاثون.
(ومنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة وعشرين مرة) فيكون الجميع مائة، فإذا سبحت وذكرت مرة
__________
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة ح146 (597) .
(2) تقدم تخريج هذه الأنواع في ص251 + 252.(13/390)
بهذا ومرة بهذا، فهذا خير، وإن اقتصرت على نوع واحد منها فلا بأس.
وأعلم أن بعض العبادات يرد على وجوه متنوعة، والأفضل أن تأتي بهذا الوجه تارة وبهذا الوجه تارة أخرى، لأجل أن تحصل على سنته كلها.
فإن قلت ما الحكمة من أن هذه العبادات تأتي على وجوه متنوعة؟
لماذا لا تكون نوعاً واحداً؟
والجواب عن ذلك: أن فيه فائدتين.
الفائدة الأولى: حتى لا يتبلد الذهن والحس فتكون مجرد عادة، يسبح الإنسان ولا يدري كم سبح؛ لأنه أخذ على العادة، فإذا تنوعت انتبه.
فأتى هذه المرة بهذا النوع والمرة الأخرى بالنوع الثاني وهكذا.
والفائدة الثانية: تحقق الاتباع لرسول الله؛ لأنك تسبح من أجل موافقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مخلصين لوجهه الكريم محققين المتابعة لرسوله الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(13/391)
645 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه – عن صفة الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: معرفة صفة الصلاة كمعرفة صفة غيرها من العبادات من أهم ما يكون ذلك؛ لأن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمتابعة لا تمكن إلا بمعرفة كيفية عبادة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يتبعه الإنسان فيها، فمعرفة صفة الصلاة مهم جداً، وإني أحث نفسي، وإخواني المسلمين على أن يتلقوا صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكتب الصحيحة: من كتب الحديث المعتبرة حتى يقيموها على حسب ما أقامها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو قدوتنا، وإمامنا، وأسوتنا – صلوات الله وسلامه عليه – وجعلنا من أتباعه بإخلاص.
فصفة الصلاة: أن يقوم الإنسان بشروطها السابقة التي تسبقها كالطهارة من الحدث والخبث، واستقبال القبلة وغيرها من الشروط؛ لأن شروط الصلاة تتقدم عليها، ثم يكبر فيقول: "الله أكبر" رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره (1) ثم يستفتح بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الاستفتاح. يستفتح بأي نوع ورد، إما بقول "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد" (2) . أو بقول: "
__________
(1) رواه ابن خزيمة وتقدم في ص72.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص112.(13/392)
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك" (1) . أو بغيرهما مما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الفاتحة، ويقف على كل آية منها، فيقول كل آية ويقف.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، والأفضل أن يقرا سورة تامة تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره غالباً، وفي الباقي من أوساطه، ثم يرفع يديه مكبراً للركوع فيقول: "الله أكبر" ويضع يديه مفرجة الأصابع على ركبتيه، ويمد ظهره مستوياً مع رأسه لا يرفع ولا يصوبه ويقول: "سبحان ربي العظيم" ويكررها ثلاثاً وهو أدنى الكمال، وإن زاد فلا بأس، ثم يرفع رأسه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" ويرفع يديه كذلك، كما رفعها عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع ثم يقول بعد قيامه" "ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد"، ثم يسجد مكبراً ولا يرفع يديه حال السجود، ولا يرفع يديه إذا هوى إلى السجود، قال ابن عمر – رضي الله عنهما -: "وكان لا يفعل ذلك أي الرفع في السجود (2) . ويسجد على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، يسجد على أعضاء سبعة: الجبهة والأنف وهما عضو واحد، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع ظهره ولا يمده، ويجعل يديه حذاء وجهه، أو حذاء منكبيه، مضمومتي الأصابع، مبسوطة، ورؤوس
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم في ص369.
(2) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص63.(13/393)
الأصابع نحو القبلة، ويقول "سبحان ربي الأعلى" أدنى الكمال ثلاث، ويزيد ما شاء، ولكن ليغلب في السجود جانب الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (1) . ثم يرفع من السجود مكبراً، ولا يرفع يديه (2) ،
ويجلس مفترشاً رجله اليسرى ناصباً، رجله اليمنى، ويضع يديه على فخذيه أو على أعلى ركبتيه، وتكون اليمنى مضمومة الأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والإبهام، وإن شاء حلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فتبقى مفتوحة ويحركها عند الدعاء ويقول: "رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وعافني، وارزقني" وكلما دعا حرك إصبعه نحو السماء إشارة إلى علو المدعو، وهو الله عز وجل.
أما اليد اليسرى فإنها تبقى على الفخذ أو على طرف الركبة مبسوطة أصابعها، متجهاً بها إلى القبلة، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يقال وما يفعل، ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبراً، ولا يرفع يديه عند هذا القيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث صحيح.
ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر، لكن تكون قراءته دون قراءته في الركعة الأولى، ويصلي الركعة الثانية كما صلاها في الركعة الأولى ثم يجلس للتشهد، ويجلس للتشهد كجلوسه للدعاء بين
__________
(1) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(2) بقية صفة الصلاة تقدم تخريج الأحاديث الواردة فيها في فصل صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل هذه الرسالة..(13/394)
السجدتين، أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين، ويقرأ التشهد "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله" (1) وإن كان في ثنائية كالفجر والنوافل فإنه يكمل: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال". ثم إن أحب أطال في الدعاء ما شاء، ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
أما إذا كان في ثلاثية أو رباعية فإنه بعد أن يقول في التشهد "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً عبده ورسوله" يقوم فيصلي ما بقي من صلاته مقتصراً على قراءة الفاتحة، أما الركوع، والسجود فكما سبق في الركعتين الأوليين، ثم يجلس للتشهد الثاني وهو الأخير، ولكن يكون جلوسه توركاً، والتورك له ثلاثة صفات (2) :
__________
(1) تقدم تخريجها في رسالة صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) تقدم تخريجها في رسالة صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الثاني.(13/395)
أما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها. وإما أن يفرش الرجل اليمنى واليسرى من تحت ساقها أي من تحت الساق اليمنى، وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها، كل ذلك ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره كما سبق.
وهنا مسألة يكثر السؤال عنها وهي: وضع الرجلين في الصلاة، فأقول:
وضع الرجلين في حال القيام طبيعي بمعنى أنه لا يلصق بعضهما ببعض، ولا يباعد ما بينهما، كما روي ذلك عن ابن عمر – رضي الله عنهما – ذكره في شرح السنة "أنه كان رضي الله عنه لا يباعد بين رجليه ولا يقارب بينهما" (1) هذا في حال القيام، وفي حال الركوع، أما في حال الجلوس: فقد عرفت فيما سبق.
وأما في حال السجود فمن الأفضل أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى، وأن لا يفرق بينهما كما يدل على ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – حين وقعت يدها على قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوبتين وهو ساجد (2) ، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على قدمين منصوبتين إلا وبعضهما قد ضم إلى بعض، وكذلك جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة (3) – رحمه الله – أنه يلصق إحدى القدمين بالأخرى في حال السجود.
...
__________
(1) شرح السنة للبغوي 3/33.
(2) رواه ابن خزيمة ح (654) تقدم في ص29 – 30.
(3) ح (655) تقدم في ص29 – 30.(13/396)
هذه هي صفة الصلاة الواردة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليجتهد الإنسان باتباعها ما استطاع؛ لأن ذلك أكمل في عبادته، وأقوى في إيمانه، وأشد في اتباعه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الأذكار بعد الصلاة: ينبغي على الإنسان إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) ، ومن ذلك أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله) ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" (1) ، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميع، كل ذلك جائز.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين مرة فتتم مائة.
فالمهم أن كل ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأذكار بعد الصلاة فليقله إما على سبيل البدل، أو على سبيل الجمع؛ لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعضها يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى
__________
(1) تقدم تخريجه في ص245.(13/397)
لقوله: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) واتباعاً لسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) فعلى المصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر، اقتداء بالصحابة في عهد سول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل اقتداء بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك كما قال ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالتكبير" (2) .
وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذكر، وأن جهر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان للتعليم، فيه نظر، فإن الأصل فيما فعله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه - وهو رفع الصوت به - مشروعاً لكان يكفي ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته، فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة لأن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين، ولا يحافظ عليه الرسول عليه الصلاة والسلام كلما سلم رفع صوته بالذكر.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
646 وسئل فضيلته - حفظه الله ورعاه -: كيف كانت صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام؟
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص245.
(2) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص283.(13/398)
فأجاب بقوله: إذا توضأ الإنسان وارتفع حدثه فإنه يصلي على الصفة التالية:
يستقبل القبلة، ويكبر تكبيرة الإحرام، ومع هذه التكبيرة يرفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه. كل ذلك ثبت به الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بعد هذا يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره، ثم يستفتح بالاستفتاح الوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبأي استفتاح استفتح مما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجزئه.
وأصح ما ورد في ذلك: حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الثابت في الصحيحين قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر للصلاة سكت هنيهة، فقلت: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد" (1) . هذا أصح حديث ورد في هذا الاستفتاح.
وإن استفتح بغيره مما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا حرج، ومنه قول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" (2) .
ثم بعد ذلك يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ البسملة،
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص112.
(2) تقدم تخريجه ص369.(13/399)
ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها سورة؛ وهذه السورة تكون طويلة في الفجر، وتكون قصيرة في المغرب، وتكون بين ذلك فيما عداهما، ثم بعد هذا يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويكبر للركوع، فيركع ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويمد ظهره مستوياً، مساوياً رأسه ظهره، قالت عائشة – رضي الله عنها -: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" (1) . ويقول في هذا الركوع: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزل قول الله تعالى: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة: 74) . قال: "اجعلوها في ركوعكم" (2) .
ويقول أيضاً، "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (3) ، ويقول أيضاً: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" (4) ، ثم يرفع رأسه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" رافعاً يديه حتى يكونا حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، وبعد قيامه وانتصابه يقول: "ربنا ولك الحمد"، وإذا كان مأموماً يقول في رفعه: "ربنا ولك الحمد" ولا يقول: "سمع الله لمن حمده" لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: "ربنا ولك الحمد" (5) ، ثم يقول: "
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب ما يجمع صفة الصلاة ح240 (498) .
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود.
(3) رواه مسلم وتقدم في ص354.
(4) متفق عليه وتقدم في ص354.
(5) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص167.(13/400)
ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (1) .
وفي هذا القيام يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره كما وضعهما قبل الركوع.
وأما من قال: إنه يرسلهما. فإنه ليس له حجة من سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل السنة أن يضعهما كما وضعهما قبل الركوع؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري في حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه - قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" (2) ، وهذا في جميع الحالات، ويستثنى منه ما استثنته السنة وذلك حال السجود، فإن اليدين توضعان على الأرض، وحال الجلوس فإنهما توضعان على الفخذين، وحال الركوع توضعان الركبتين. ويبقى ما سوى هذه الأحوال الثلاثة على العموم في حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه -.
ويجوز للإنسان أن يقول: ربنا ولك الحمد، وأن يقول: ربنا لك الحمد دون واو، وأن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد – كل هذه الصفات الأربع جاءت بها السنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
...
__________
(1) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص168.
(2) رواه البخاري وتقدم في ص160.(13/401)
ثم يكبر ساجداً أي: يكبر من القيام ساجداً على سبعة أعظم، ولا يرفع يديه؛ لقول ابن عمر – رضي الله عنهما – حين ذكر المواضع التي رفع فيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه قال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" (1) . يسجد على سبعة أعظم، على الجبهة والأنف، وعلى الكفين، وعلى الركبتين، وعلى أطراف القدمين، وفي حال هويه إلى الأرض للسجود يقدم ركبتيه ثم رجليه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير" (2) .
فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الساجد أن يبرك كما يبرك البعير. أي على صفة بروك البعير، وبروك البعير يقدم يديه قبل رجليه، وهنا لم يقل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) حتى نقول: إن ذلك نهي عن تقديم الركبتين، ولكنه قال: "كما يبرك البعير"؛ فالنهي عن الصفة، وليس عن العضو المسجود عليه، ولهذا ينبغي أن يتنبه لهذا حتى يكون هذا الحديث وهو حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – موافقاً لحديث وائل بن حجر (3) الدال على أن الركبتين تقدمان حال السجود.
ومن كان عاجزاً أو في ركبتيه وجع أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يقدم يديه قبل ركبتيه، وفي السجود ينبغي أن يجعل يديه إما حذو منكبيه، وإما أن يقدمهما حتى تكون الجبهة والأنف بينهما،
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص186.
(2) هذا حديث أبي هريرة وتقدم تخريجه في ص170.
(3) تقدم تخريجه في ص172.(13/402)
وأما بالنسبة إلى ظهره فإنه لا يمده ولكنه يرفعه عن فخذه، ويرفع فخذيه عن ساقيه، ويضم قديمه بعضهما إلى بعض، ولا يفرق بينهما.
وأما من قال من أهل العلم: إنه يفرق بينهما (بين القدمين) حال السجود بمقدار شبر فإني لا أعلم في ذلك سنة، فالظاهر من حديث عائشة – رضي الله عنها – حين فقدت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فخرجت فوجدته ساجداً قالت: "فوقعت يدي على قدميه" (1) ، ومن المعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا إذا كان بعضهما مضموماً إلى بعض.
وقد جاء ذلك أيضاً في صحيح ابن خزيمة – رحمه الله -: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضم إحدى رجليه إلى الأخرى في حال السجود (2) . ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" (3) ، ويقول أيضاً: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (4) . ويقول أيضاً: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" (5) كل هذا مما جاءت به السنة.
وإذا أطال الركوع والسجود، فإنه يكثر في الركوع من الثناء وتعظيم الله عز وجل، ويكثر في السجود من الدعاء، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: "ألا وإني نهيت أن أقرأ
__________
(1) رواه مسلم وتقدم في ص30.
(2) في ح (654) و (655) وتقدم أيضاً في ص29.
(3) هذا جزء من حديث حذيفة رواه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح203 (772) . وتقدم تخريجه في ص374.
(4) رواه مسلم وتقدم في ص351.
(5) متفق عليه وتقدم في ص354.(13/403)
القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" (1) . أي حري أن يستجاب لكم إذا دعوتم الله سبحانه وتعالى في حال السجود، ولهذا ورد في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2) .
والدعاء هنا وفي غيره من الأماكن التي يشرع فيها في الصلاة، ينبغي أن يحافظ الإنسان فيه على الوارد، فإذا فعل الوارد فله أن يدعو بما أحب؛ يدعو لنفسه، ويدعو لوالديه في الفريضة وفي النفل أيضاً، ويدعو لمن أحب من المسلمين، ويدعو أيضاً بما شاء من أمور الدنيا والدين والآخرة.
ولا تبطل الصلاة إذا دعا بشيء يتعلق بأمر الدنيا؛ لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: "ليتخير في الدعاء ما شاء" (3) .
وبعد السجدة يقوم مكبراً، ولا يرفع يديه، ويجلس بين السجدتين مفترشاً جالساً على رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، فينصب الرجل اليمنى ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض. ...
أما اليدان فإنه يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض منها الأصابع الثلاثة: الخنصر والبنصر والوسطى، فيضع الإبهام عليها ويشير بالسبابة كلما دعا فيقول مثلاً: رب اغفر لي فيرفع إصبعه،
__________
(1) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.(13/404)
وارحمني فيرفع إصبعه، هكذا كلما دعا يحركها إشارة إلى علو البارئ جل وعلا الذي دعاه.
أما يده اليسرى فإن فيها صفتين:
الصفة الأولى: أن يلقمها ركبته.
والصفة الثانية: أن يضعها مبسوطة على فخذه، كل من تلك الصفتين جائزة. ويقول في هذا الجلوس: "رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني (1) .
ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يكمل صلاته على صفة الركعة الأولى التي سبق ذكرها، إلا أنه لا يستفتح فيها؛ لأن الاستفتاح محله أول ركعة، ولهذا يسمى استفتاحاً؛ لأنه تستفتح به الصلاة.
وأما التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الركعة الثانية وفي الركعة الثالثة والرابعة فإن العلماء اختلفوا فيه: ...
فمنهم من يرى أنه يتعوذ بناء على أن قراءة الصلاة كل ركعة مستقلة عن الأخرى.
ومنهم من يرى: أنه يكفيه التعوذ الأول؛ لأن الصلاة قراءة واحدة في جميع الركعات.
وعلى كل حال فإني لا أعلم في ذلك سنة تفصل بين القولين ولكن إذا تعوذ في الركعة الثانية والثالثة والرابعة فلا حرج عليه، وإن ترك فلا حرج عليه.
ثم يجلس للتشهد بعد الركعتين فيجلس مفترشاً كما يجلس
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم تخريجه تحت عنوان "الأذكار بين السجدتين من رسالة صفة الصلاة".(13/405)
بين السجدتين ويقرأ التحيات، إن قرأ التحيات بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (1) ولفظه: "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، أو بما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" (2) ، فكل ذلك جائز؛ لأن الصواب من أقوال أهل العلم أن ما وردت به السنة مختلفاً، فإنه يفعل هذا مرة وهذا مرة؛ ليأتي الإنسان بالسنة على وجهيها أو وجوهها.
فإذا قال قائل: ما الحكمة في أن ترد السنة مختلفة في بعض الأمور في صفاتها؟
نقول:
من الحكمة – والله أعلم – أن لا يحصل الملل للمتعبد؛ لأنه إذا بقي على شيء واحد قد يلحقه الملل في ذلك.
ومنها: أنه يكون أخف في بعض الأحيان؛ لأن بعض الصفات الواردة في العبادات تكون أخف من بعض في بعض الأحيان، فيكون في ذلك مراعاة التخفيف على العباد، وأضرب
__________
(1) راجع صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الأول.
(2) راجع صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الأول.(13/406)
لهذا مثلاً بالتخفيف، لقد ورد أن الإنسان يحمد، ويكبر، ويهلل دبر الصلاة حتى يبلغ تسعاً وتسعين ويختم بقوله: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وورد أيضاً صفة أخرى وهو أن يسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً (1) ، ولا ريب أن هذه الصفة الأخيرة أخف على المكلف من الصفة الأولى.
ومن الحكم أيضاً: تنويع العبادات، فإنه أحضر لقلبه؛ لأن الإنسان إذا اتخذ عبادة واحدة دائمة فقد يفعلها بصفة اعتيادية لا يحس بها؛ لأنها عادته، لكن إذا كان يراعي الصفات المختلفة الواردة فإنه بذلك يكون أحضر لقلبه وأجمع.
هذه بعض الحكم من حكم اختلاف الصفات في بعض العبادات.
ترجع إلى صفة الصلاة.. فإذا تشهد المصلي بما رواه ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسن، وإذا تشهد بما رواه ابن عباس فحسن، ولكن الذي ينبغي أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنة على وجهيها.
ثم إذا كان في صلاة ثلاثية أو رباعية فإنه ينهض بعد التشهد الأول ليكمل صلاته، وإن كان في ثنائية وهي الصلاة الثنائية مفروضة كانت كالفجر والصلاة المقصورة للمسافر فإنه يتم التشهد. وكذلك السنن، فإن الإنسان يقتصر فيها على ركعتين
__________
(1) تقدم تخريج هذه الصفات في ص252.(13/407)
ويسلم من ركعتين، لاسيما في صلاة الليل، فإن الواجب أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى" (1) .
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: إنه إذا قام إلى الثالثة ليلاً فكأنما قال إلى ثالثة في الفجر، يعني: أنه إن لم يرجع فإن صلاته تبطل.
وبهذا نعرف أنه إذا أخطأ الإمام في التراويح، وقام إلى الثالثة فإنه يجب عليه أن يرجع متى ذكر؛ قبل القراءة، أو في أثناء القراءة، أو في الركوع، أو بعد الركوع، يجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التشهد ويكمل، ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وإن تعمد المضي في الثالثة عامداً وكملها رابعة فإن صلاته تبطل لمخالفة قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وهذا في غير الوتر، أما في الوتر فقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها (2) ، وأوتر بسبع ولم يجلس إلا في آخرها (3) ، وأوتر بتسع فجلس في الثامنة فتشهد، ثم قام فأتى بالتاسعة ثم سلم (4) .
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في أول الوتر (990) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل مثنى مثنى ح145 (749) .
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل ح123 (737) ، ورواه أبو داود في الصلاة رقم (1338) ، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الوتر بخمس ح (459) ، ورواه النسائي في قيام الليل باب كيف الوتر بخمس 3/266) 1716) من حديث عائشة.
(3) رواه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في الوتر بسبع ح (457) ، ورواه النسائي في الموضع السابق ح (1713) (1714) عن أم سلمة.
(4) هذا جزء من حديث عائشة الطويل رواه مسلم في صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل ح139 (746.(13/408)
وينبغي للمرء أن لا يترك الدعاء الذي أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأخير؛ حيث أمر عليه الصلاة والسلام أن يتعوذ الإنسان في التشهد الأخير من أربع فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" (1) .
وقد ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - إلى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بها، ولأن التعوذ منها أمر مهم لا ينبغي للإنسان أن يدعه، ويجلس في التشهد الأخير متوركاً.
* إما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها.
* وإما أن يفرش الرجل اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساق اليمنى.
* وإما أن يفرش اليمنى ويدخل رجله اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها.
ثم بعد أن يكمل التشهد الأخير، يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
__________
(1) تقدم تخريجه في صفة الصلاة - الاستعاذة من أربع.(13/409)
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الشيخ المكرم الفاضل حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه يسرني ما تقومون به من كتابات قيمة من الرسائل وما فوقها، أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلنا وإياكم ممن دعا إلى الله على بصيرة.
ثم إنه وقع في يدي رسالة ألفتموها بعنوان: "........." وهي رسالة مفيدة إلا أنه استوقفني فيها مسائل:
الأولى: أن من ألفاظ التسوية للصف: "استقيموا" فهل ثبتت هذه عندكم بسنة، أو أثر، فإني أحب أن أتبين.
الثانية: قبض أصابع اليد اليمنى، والإشارة بالسبابة في الجلوس بين السجدتين كما في التشهدين، قلتم: إنه من الحركات الجديدة، وأن عمل المسلمين المتوارث على عدم الإشارة والتحريك بين السجدتين، وأن نسبة القول بالتحريك بين السجدتين إلى ابن القيم غلط عليه. أ. هـ.
مع أن حديث وائل بن حجر (1) الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/317 من طريق عبد الرزاق صريح في ذلك وسياقه: "
__________
(1) راجع ص194.(13/410)
رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر فرفع يديه حين كبر - يعني استفتح الصلاة - ورفع يديه حين كبر، ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه".
وأخرجه من حديث عبد الصمد قال: حدثنا زائدة، قال: حدثنا عاصم بن كليب، ثم تم السند إلى وائل أنه قال: "لأنظرن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي" قال: "فنظرت إليه قام فكبر، ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم قال: لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه، فحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها" (1) .
وهذا صريح في أن هذه القعدة هي القعدة التي بين السجدتين؛ لأنه قال: "ثم رفع رأسه، فرفع يديه مثلها ثم سجد، ثم قعد فافترش رجله اليسرى" إلخ، وهل هذه القعدة إلا قعدة ما بين السجدتين؟!
وأخرجه أيضاً من حديث أسود بن عامر قال: حدثنا زهير بن معاوية عن عاصم بن كليب به. ولفظه: أن وائل بن حجر قال: "
__________
(1) راجع ص194.(13/411)
قلت: لأنظرن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي" وذكر الحديث، وفيه قال بعد ذكر الرفع من الركوع: "ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى (فخذه في صفة عاصم) ثم وضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثاً، وحلق حلقة، ثم رأيته يقولك هكذا"، وأشار زهير بسبابته الأولى وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.
وظاهر هذا اللفظ أو صريحه كسابقيه في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين، وعلى هذا فلا يصح توهيم عبد الرزاق بذكر السجود بعد هذه القعدة؛ لأن ذكره زيادة لا تنافي ما رواه غيره، بل توافقه كما علم.
ولم أعلم من السنة حديثاً واحداً فيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبسط يده اليمنى حين يجلس بين السجدتين، ولا وجدت ذلك عن الصحابة.
وما رواه مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة" (1) .
فإنه لا ينافي حديث وائل ولا يبطله، لاختلاف الموضعين، على أن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قد رواه مسلم بلفظ
__________
(1) تقدم في ص192.(13/412)
الإطلاق: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها". وفي لفظ آخر: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى".
فقد روى مسلم هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: اثنان مطلقان، والثالث مقيد بالتشهد، ولا منافاة أيضاً لدخول المقيد في المطلق، ولم يرد في السنة التفريق بين الجلوس بين السجدتين والتشهدين.
وأما ما ذكر فضيلتكم من أن القبض والتحريك ليس عليه عمل المسلمين المتوارث.
فقد راجعت ما تيسر لي من كتب الآثار فلم أجد عن الصحابة والتابعين ما يقتضي التفريق بين جلسات الصلاة، ثم لو فرض أن هناك آثاراً صحيحة عنهم فالأخذ بما دلت عليه السنة.
وقد قال البناء في ترتيب مسند الإمام أحمد 3/149 عن حديث وائل بن حجر: سنده جيد، وقال الأرناؤوط في حاشية زاد المعاد 1/238: سنده صحيح.
وأما قول فضيلتكم: إن نسبة القول بالتحري بين السجدتين إلى ابن القيم غلط عليه.
فإن كلام ابن القيم رحمه الله لا غبار عليه في ذلك، والنسبة إليه صحيحة وهذا نص عبارته: قال 1/322: ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وساق كلاماً كثيراً ثم قال 1/338: فصل: ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع رأسه مكبراً غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه(13/413)
قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً: يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، وذكر النسائي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى، ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه، وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها، ويحركها هكذا قال وائل بن حجر عنه - إلى أن قال 239: ثم كان يقول (بين السجدتين) رب اغفر لي إلخ وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث أهـ المقصود منه. - والمقوس عليه هو هكذا في الأصل وهو محذوف في طبعة أخرى -.
وهذا صريح في إثباته القبض والتحريك بين السجدتين؛ فإن قوله: "وكان يضع يديه على فخذيه"، إلخ إما أن يكون حاكماً به مستدلاً عليه بحديث وائل كما هو الظاهر من عبارته هنا، وفي كثير من عباراته كما قال هنا "ثم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي" إلخ، هكذا ذكره ابن عباس (1) - رضي الله عنهما -، وذكر حذيفة أنه كان يقول: "رب اغفر لي رب اغفر لي" (2) .
وإما أن يكون حاكياً له عن وائل مخبراً به عنه.
فإن كان حاكماً به مستدلاً عليه بقول وائل فنسبة القول به إليه واضحة.
وإن كان حاكياً مخبراً فمن البعيد أن يجزم به عن وائل، ثم
__________
(1) و (2) راجع ص211.(13/414)
يكون المراد به أن يتعقبه لأنه – أي وائلاً – صحابي عدل مقبول الخبر، فلا يمكن أن يجزم ابن القيم بما قاله بقصد تعقبه، وإنما يريد ابن القيم بقوله هذا دفع حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها حيث قال: "فهذه الزيادة في صحتها نظر" ثم قال عن ذلك: "وأيضاً فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً وهو مقدم حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه" أهـ (1) .
وهذا واضح جداً بأدنى تأمل، وليس غرضي من كتابة هذا لفضيلتكم أن أواجهكم للقول به، فإن هذه مسألة من مسائل الاجتهاد التي من أصاب فيها فله أجران، ومن أخطأ فله واحد، وإنما غرضي أنه كلما أمكن تفادي توهيم الحفاظ فهو أولى، وكلما أمكن تفادي تغليط الناقل فهو أولى.
وقد تبين مما كتب أنه لا وهم في رواية عبد الرزاق، ولا غلط فيما نقل عن ابن القيم – رحم الله الجميع -.
هذا وقد ذكر فضيلتكم أن البيهقي – رحمه الله – أشار إلى ضعفها وترجيح حديث ابن عمر وابن الزبير – رضي الله عنهم – وهو إنما رجحهما من حيث قبض الأصابع كلها على التحليق بين الإبهام والوسطى؛ لأنه احتج بحديث عاصم في الباب الثاني مما بعده.
ثم إن البيهقي لما ذكر حديث وائل في التحليق قال: "ونحن نجيزه ونختار ما روينا في حديث ابن عمر ثم ما روينا في حديث ابن
__________
(1) صحيح ابن حبان 5/170 (1860) .(13/415)
الزبير". والضعيف لا يعمل به، ولا يظن بالبيهقي أن يجيز العمل به. ...
المسألة الثالثة: ذكر فضيلتكم مثالاً للترتيب الذكرى في حرف العطف (ثم) هو قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وقلتم: ليست (ثم) للترتيب؛ لأن الاستواء على العرش قبل رفع السموات.
ومن المعلوم أن الأصل في ترتيب (ثم) أنه ذكري حكمي، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل.
ومن المعلوم أيضاً أن استواء الله تعالى على عرشه من صفاته الفعلية المتوقفة على الأدلة السمعية، ولم يبين الله لنا أنه كان مستوياً على عرشه قبل خلق السموات والأرض.
ومن المعلوم أن قوله تعالى:: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) كقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) فإن السموات خلقت مرفوعة لقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) .
ومن المعلوم أن الواجب في نصوص الصفات القرآنية والحديثية إجراؤها على أصل الكلام وظاهره، وحينئذ لا يمكن الجزم بأن الاستواء على العرش كان قبل خلق السموات أو رفعها.
المسألة الرابعة: ما ترجمتم عنه بقولكم: التطبيق العملي الجديد لحديث عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما -: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش(13/416)
قدمه اليمنى"، رواه مسلم ص408 (1) والبيهقي 2/130 وابن خزيمة في صحيحه 1/345.
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/243: ومعنى حديث ابن الزبير – رضي الله عنه – "أنه فرش قدمه اليمنى" أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشة، وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه ومقعدته على الأرض، وفي ص253 قال بعد ذكر هذا الحديث: وهذه هي الصفة التي اختارها أبو القاسم الخرقي في مختصره، وهذا مخالف للصفتين الأوليين في إخراج اليسرى من جانبه الأيمن وفي نصب اليمنى، ولعله كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا أظهر ويحتمل أن تكون من اختلاف الرواة. أهـ.
وهذا الحديث رواه مسلم بهذا اللفظ من طريق أبي هشام المخزومي، عن عبد الواحد بن زياد، وكذلك البيهقي، ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الجبار عن عبد الواحد.
وقد رواه أبو داود (2) بلفظ: "جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى"، رواه من طريق عفان بن مسلم عن عبد الواحد.
ولا شك أن ما أخرجه ثلاثة حفاظ من طريقين أقرب إلى الصواب مما رواه حافظ من طريق واحد.
ولا شك أن معنى قوله "بين فخذه وساقه" غير معنى "تحت فخذه وساقه" ولا يمكن حمل البينة على التحت؛ لأن هذا تأباه اللغة
__________
(1) ورقمه 112 (579) وتقدم في صفة الصلاة تحت عنوان: التشهد الثاني.
(2) في الصلاة باب الإشارة في التشهد 1/603 ح (988) .(13/417)
العربية وحينئذ الترجيح بما سبق، والله أعلم.
المسألة الخامسة: عقد التسبيح هل هو باليمين وحدها، أو باليدين جميعاً، وبناء على ما ذكر فضيلتكم من ألفاظ الحديث يتبين أنها لا تتنافى؛ فإن لفظ اليد مجمل، ولفظ اليمين مبين، فلفظ اليد صالح لليمين واليسار، فإذا بين أنها اليمين فلا اختلاف حتى نلجأ إلى الترجيح؛ لأنه لا يخفى أن الترجيح يعني إلغاء أحد اللفظين وفضيلتكم يعرف ما في هذا.
ولما كان هذا اللفظ ورد بالإفراد صار المتعين أن يكون بإحدى اليدين: إما اليمنى، وإما اليسرى، ولا يحمل على الثنتين إلا بدليل لأن الأصل أن ما كان بصيغة المفرد فهو فرد، ولو كان يعقد التسبيح بيديه لقالوا: بيديه، كما هو المعتاد حين يذكرون مثل ذلك كما في رفع اليدين للدعاء.
هذا ما أحببت كتابته فضيلتكم؛ لأن الواجب التعاون فيما يقرب إلى الله تعالى، وأرجو أن يكون ذلك منه، وأن يكون منكم عناية فيما كتبناه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 3/7/1413هـ.
تم بحمد الله تعالى المجلد الثالث عشر
ويليه بمشيئة الله عز وجل
المجلد الرابع عشر(13/418)
* باب سجود السهو
* باب صلاة التطوع(11/7)
باب سجود السهو
*(11/9)
الفرق بيت السهو والنسيان
* أسباب سجود السهو
* التنبيه بغير التسبيح
* رسالة في أحكام سجود السهو
* الخشوع وحضور القلب(11/11)
الفرق بين السهو والنسيان
647 سئل فضيلة الشيخ: عن تعريف السهو، والفرق بينه وبين النسيان، والحكمة من مشروعية سجود السهو؟
فأجاب فضيلة بقوله: السهو هو"الغفلة والذهول"
والفرق بينه وبين النسيان: أن الناسي إذا ذكرته تذكر والساهي إذا ذكرته لا يتذكر هذا الفرق فيما إذا كان السهو سهواّ عن الشيء وأما السهو في الشيء فهو بمعنى النسيان، كذا قال العلماء.
كما فرق العلما بين السهو في الشيء والسهو عن الشيء، فالسهو في الشيئ ليس بمذموم، بخلاف السهو عن الشيء فإنه مذموم، ولذا قال الله - عز وجل - ذاماً الساهين عن الصلاة فقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين َ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) ، [سورة الماعون، الآيتان:4،5] وذلك لأن السهو في الشيء ترك له من غير قصد، والسهو عن الشيء ترك له مع القصد.
وأما الحكمة من مشروعية سجود السهو:
فإن من محاسن الشريعة النبوية مشروعية سجود السهو حيث إن كل إنسان لا يمكنه التحرز منه، فلابد من وقوعه منه في هذه العبادة العظيمة، ولما كانت هذه العبادة مطلوبة على وجه مخصوص، وكان الإنسان معرضاً للزيادة والنقص، والشك فيها وبذلك يكون الإنسان قد أتى بها على غير الوجه المشروع فينقص(14/13)
ثوابها، لذلك شرع سجود السهو فيها من أجل أن يتلافى النقص في ثوابها، أو بطلانها، ولذلك أجمع العلماء على مشروعيته.
أسباب سجود السهو
648 سئل فضيلة الشيخ: عن أسباب سجود السهو.
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة:
1- الزيادة.
2- والنقص.
3- والشك.
فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً.
والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركناً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة.
والشك: أن يتردد، كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً مثلاً.
أما الزيدة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً متعمداً بطلت صلاته، لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) .
__________
(1) بهذا اللفظ رواه مسلم ورواه البخاري معلقاً في البيوع باب 60، ورواه مسنداً في الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصالح مردود، ولكن بلفظ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (2697) ومسلم في الأقضية باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ح18 (1718) وبلفظ: ((من أحدث)) ح17.(14/14)
أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حين سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر فلما ذكروه أتى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما بقى من صلاته، ثم سلم ثم سجد سجدتين بعدما سلم (1) . وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم الظهر خمساً فلما انصرف قيل له أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك)) ؟ قالوا: صليت خمساً. فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين (2) .
أما النقص: فأن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة فلا يخلو:
إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده.
إما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها
__________
(1) متفق عليه وسيأتي بتمامه في ص58، رواه البخاري في الصلاة باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (482) مطولاً، وفي الأذان مختصراً (714) و (715) وفي السهو (1226) وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح97 (573) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب ما جاء في القبلة (404) مختصراً و (401) مطولاً، وفي السهو (1227) وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في الموضع السابق ح91 (572) .(14/15)
بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام، مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى ولم يجلس ولم يسجد السجدة الثانية ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام.
ومثل لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى ولم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو.
أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه مثل: أن ينسى قول ((سبحان ربي الأعلى)) ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً فميضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام (1) .
أما الشك فإن الشك وهو: التردد بين الزيادة والنقص، مثل: أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو اربعاً فلا يخلو من حلين:
__________
(1) من حديث عبد الله بن بحينة متفق عليه، فرواه البخاري في الأذان باب من لم ير التشهد واجباً. . (829) ، وفي السهو (1224،1225) وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح85 (570) .(14/16)
إما أن يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام، وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيبنى على اليقين وهو الأقل ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام مثل ذلك: رجل يصلى الظهر ثم شك هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة، وترجح عنده أنها الثالثة فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو.
ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة، ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام: في ما إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين.
وأنه يكون بعد السلام: في ما إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.
649 سئل فضيلة الشيخ: أفتونا أثابكم الله في الحكم الشرعي في المسألة التالية وما تفرع منها:
قام الإمام للرابعة في صلاة المغرب، وسبح المأمومون مراراً، ولكنه استمر وأتى بالرابعة كاملة وسجد للسهو وسلم، ولما سأله المأمومون أجابهم بأنه على علم بأنه أتى بالرابعة وكان(14/17)
نواها بدلاً من الثالثة (السرية) لشكه في قراءة الفاتحة فيها وبالنسبة للمأمومين فمنهم من تابع الإمام حتى السلام ومنهم من انفرد عنه بعد قيامه للرابعة وعند تسليم الإمام سلموا معه، وهؤلاء المنفردون منهم من سجد مع الإمام للسهو ومنهم من لم يسجد معه، ثم إن أحد المأمومين أرشد المصلين إلى أن من تابع الإمام عند قيامه للرابعة مع علمه بأنها رابعة فقد بطلت صلاته وعليه الإعادة وفعلاً أعادوا صلاتهم، أفتونا مأجورين أثابكم الله وجزاكم خيراً، والسلام عليكم.
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما من جهة الإمام فإن كان شكه وهماً كالوسواس فلا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنه لا أثر له بل يكمل صلاته ملغياً هذا الوهم.
وإن كان شكه كثيراً فلا ينبغي أن يلتفت إليه ايضاً، أما إن كان شكه حقيقة أو تيقن أنه لم يقرأ الفاتحة فإن ركعته تلغىو ويأتي بدلها بركعة.
وأما من جهة المأمومين فتجب عليهم متابعته في هذه الحال لأن هذه الركعة التي أتى بها ليست زائدة في حقه بل هي تكميل صلاته، بخلاف ما إذا زاد ركعة ناسياً فإنهم لا يتابعونه، لأن الركعة التي أتى بها زائدة، وإنما قلنا بوجوب متابعتهم له في الصورة الأولى مع عدم الخلل في صلاتهم، قياساً على وجوب متابعتهم له في سجود السهو فيما لو ترك واجباً من واجبات الصلاة لم يشاركوه في تركه، كما لونسي أن يقول ((سبحان ربي العظيم)) في الركوع(14/18)
فسجد لذلك فإن المأمومين يلزمهم متابعته وإن لم ينسوا قولها، مع أن هذا السجود زيادة في صلاتهم لولا متابعة الإمام لبطلت صلاتهم به، والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كتبه محمد الصالح العثيمين في 6/11/1401هـ.
650 سئل فضيلة الشيخ: يقول السائل: إذا زاد الإمام ركعة واعتديت بها وأنا مسبوق هل صلاتي صحيحة؟ وما الحكم إذا لم أعتد بها وزادت ركعة؟
فأجاب بقوله: القول الصحيح أن صلاتك صحيحة، لأنك صليتها تامة، وزيادة الإمام لنفسه، وهو معذور فيها لنسيانه.
أما انت فلو قمت وأتيت بركعة بعده لكنت قد زدت ركعة بلا عذر وهذا يبطل الصلاة. حرر في 25/7/1407هـ.
651 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فإن صلاته صحيحة، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهياً أو جاهلاً صحيحة ايضاً.
وأما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا(14/19)
إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة، لأنه أخل بقراءة الفاتحة (مثلاً) في إحدى الركعات فحينئذ ينتظر ولا يسلم.
وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له، فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلاً سلم مع الإمام الذي زاد ركعة، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمداً، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسياً فلا تبطل صلاته.
652 سئل فضيلة الشيخ: لو صلى الإمام خمساً ودخل معه شخص في الثانية فهل يسلم مع الإمام أو يأتي بركعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف العلماء في هذه المسألة، فرأى بعض العلماء أنه إذا سلم الإمام الذي صلى خمساً فإنه يجب على المسبوق أن يأتي بركعة فيكون قد صلى خمساً كما صلى إمامه خمساً، والدليل قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (1) . قالوا فهذا الرجل فاته ركعة فيجب أن يأتي بها.
ولكن القول الراجح: أنه لا يجوز له أن يأتي بركعة خامسة بل يسلم مع الإمام في هذه الحال، لأن الإمام أتى بالخامسة معذوراً،
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص 12ج 13.(14/20)
وأما هذا فلا عذر له بعد أن علم أنه صلى أربعاً فلا يحل له أن يزيد في الصلاة.
وأما الجواب عن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما فاتكم فأتموا)) فإن قوله ((فأتموا)) يدل على أن هذا الذي فاته نقصت به صلاته وهو إذا صلى مع الإمام أربعاً لم تنقص صلاته هذا هو الجواب عن هذا الحديث والله اعلم.
653 وسئل فضيلة الشيخ: عن كثرة التصفيق في الصلاة للتنبيه؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إذا كثر التصفيق للتنبيه حتى صار كأنه لعب، فهذا لا يجوز في الصلاة، أما إذا كان لحاجة فإنه لا بأس والتصفيق للنساء، والتسبيح للرجال إذا دعت الحاجة.(14/21)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى المحب الأخ المكرم. . . حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ارجو الله تعالى أن تكونوا ومن تحبون بخير، كما أننا بذلك ولله الحمد، رزقنا الله وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته. نشكركم على تقديمكم هذه الأسئلة المفيدة ونرجو الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
سؤالكم الأول عن المسبوق الذي سلم إمامه عن نقص فقضى ركعة ثم ذكر إمامه فماذا يصنع؟
فالجواب: أنه مخير بين أن يستمر في قضاء ما فاته منفرداً، وبين متابعة الإمام، وإذا تابع الإمام فهل تحتسب له ركعته التي قضاها ويسلم مع الإمام، أو لا تحتسب، لأنها وقعت في غير محلها، لأن محل قضاء المأموم بعد تمام إمامه وهذا قد قضاها قبل تمام الإمام فتكون في غير محلها فتلغى، ذكر بعض المحشين في ذلك احتمالين، ولم يتبين لى أيهما أرجح (1) .
__________
(1) بقية الأسئلة الواردة في الرسالة نقلت إلى مواضعها وهي مؤرخة في 17/3/1389هـ.(14/22)
654 سئل فضيلة الشيخ - رعاه الله تعالى -: عن رجل يصلي التراويح فقام إلى ثالثة فذكر أو ذكر فماذا يفعل؟ وما صحة قول من قال إنه إذا رجع بطلت صلاته قياساً على من قام من التشهد الأول في صلاة الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قام من يصلي التراويح إلى ثالثة فذكر أو ذكر وجب عليه الرجوع، وسجود السهو، ويكون سجود السهو بعد السلام، لأنه عن زيادة، فأن لم يرجع بطلت صلاته إن كان عالماً لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) (1) .
فإذا زاد المصلي على ذلك فقد أتى بما ليس عليه أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونص الإمام أحمد على أنه إذا قام المصلي في الليل إلى الثالثة فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر، أي كما لو قام من يصلي الفجر إلى ثالثة، ومن المعلوم أن من قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه الرجوع لئلا يزيد على المفروض، وقد بين الفقهاء - رحمهم الله - هذا في باب صلاة التطوع.
وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً فلا وجه لقياسه، لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو، وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 17/9/1409هـ.
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة / باب الحلق والجلوس في المسجد، ومسلم في المسافرين / باب صلاة الليل مثنى مثنى.(14/23)
655 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه.
الحال الثانية: أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك، وإنما يجب عليك متابعة للإمام. والمتابعة هنا قد فاتت فهي سنة قد فات محلها وتستمر في صلاتك.
656 سئل فضيلة الشيخ: مسالة يكثر فيها الجهل والجدل، نعرضها بين يديك لنعلم حكمها مقروناً بالدليل والتعليل: هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟
فأجاب فضيله بقوله: إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً، لأن سجوده مع إمامه في غير(14/24)
محله، فإن سجود السهو لا يكون في إثناء الصلاة وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه.
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه، وهذا غير ممكن، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لاسجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، وإن كان سهو بعد أن دخل معه سجد إذا سلم.
هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) (1) .
وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة، وانظر الشرح الكبير على المقنع، والمجموع شرح المهذب. حرر في 8/3/1417هـ.
657 وسئل فضيلة الشيخ: إذا سهى الإمام، وجاء مأموم مسبوق بركعة أو أكثر وكان سجود السهو بعد السلام ولم يشارك المسبوق إمامه في السهو الذي حصل، فهل يلزم المأموم أن
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ج13/122(14/25)
يسجد مع الإمام قبل أن يتم ما عليه ولو أتم ما عليه فهل يسجد بعد ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان سجود الإمام بعد السلام، فإن المأموم المسبوق لا يتابعه لتعذر المتابعة حينئذ، لأنه لا يمكن أن يتابعه إلا إذا سلم، ولاسلام متعذر بالنسبة للمسبوق فيقوم المسبوق ويقضي مافاته، ثم إن كان مدركاً للسهو الذي أوجب السجود على الإمام، سجد المأموم بعد إتمامه ما فاته، وإن كان لم يدرك هذا السهو فلا سجود عليه.
658 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: إذا صليت مع إمام ثم قام يصلي الركعة الخامسة، وأنا متأكد من أنها الخامسة، فنبهته ولكنه مضى في صلاته فهل أتابعه أو أنفرد؟
وإذا نبهه اثنان أيتابعه المأمومون أم ينفردون؟ وما حكم صلاته في المسألة الثانية؟
فأجاب فضيلته بقوله: في هذا السؤال مسألتان:
إحداهما: إذا قام الإمام إلى زائدة كخامسة في رباعية وتأكد المأموم زيادتها ونبهه فلم يرجع، ففي هذه الصورة يلزم المأموم الذي تيقن زيادة إمامه أن يفارقه ويسلم منفرداً.
وأما المسألة الثانية: فهي إذا نبهه اثنان هل يتابعه المامومون أم ينفردون، فأن هذه المسألة إما أن يكون المأمومون غير الذين نبهوه جازمين بصوابه أم لا.(14/26)
فإن كانوا جازمين بصوابه تبعوه، وإلا رجعوا إلى ما قاله المنبهان ويفارقونه، وينبغي أن يلاحظ أن لا بد من كون المنبهين ثفتين إذ لا عبرة بقول غير الثفة.
وأما حكم صلاة الإمام الذي نبه اثنان فإن كان جازماً بصواب نفسه فصلاته صحيحة، وإن كان غير جازم بطلت صلاته، لأنه يجب عليه الرجوع إلى قولهما وقد تركه، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة وعليه سجود السهو.
659 وسئل فضيلته: إذا سهى المسبوق مع إمامه ثم سجد الإمام للسهو فماذا يصنع المسبوق وقد قام ليقضي ما فاته؟
فأجاب الشيخ بقوله: إن كان قد استتم قائماً فإنه يمضي في صلاته ويسجد للسهو، وإن لم يستتم وجب عليه الرجوع ويسجد للسهو إن كان قد خرج عن هيئة الجلوس بأن فارقت إليتاه عقبيه.
660 وسئل فضيلته: إذا سلم الإمام عن نقص ركعة ثم قام المسبوق ليقضي ما فاته ثم نبه الإمام فقام ليإتي بالركعة فهل يدخل معه هذا المسبوق أو لا؟
فأجاب الشيخ بقوله: نعم، يرجع حتى ولو كان قد استتم قائماً ويصلي معه، ثم بعد سلام الإمام يقضي ما فاته، وإنما قلنا إنه يرجع لأنه تبين أن الإمام لم يفرغ صلاته.(14/27)
661 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي وكان كثير الكشوك أنه ما قرأ السورة هل يقرأها ثانية؟ وكذلك يشك هل قرأ التحيات فما الحكم.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يقرأها أبداً، إذا قرأها مرة يكفي، لو شك في القراءة يعرض عن هذا ويدعه، لأنه من الوسواس، ولأنه إن فتح على نفسه باب الوسواس تعب وجاءه الشيطان يشككه في الصلاة، يشككه حتى في الله – عز وجل – ربما تصل به الحال إلى الشك في الله، وربما يشككه في زوجته، هل طلق أو ما طلق، أو ما أشبه ذلك، فكون الإنسان يدع هذا هو الواجب عليه، فيجب عليه أن يعرض عنه – يعني لو شك لا يلتفت لهذا الشك –.
662 سئل فضيلة الشيخ: متى يشرع سجود السهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: يشرع سجود السهو في ثلاثة حالات بسبب زيادة، أو نقص، أو شك في الجملة لا في كل صورة، لأن بعض الزيادة والنقصان لا يشرع لها السجود، وكذلك بعض الكشوك لا يشرع لها السجود.
663 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل يشرع سجود السهو عند تعمد الإنسان ترك ركن، أو واجب، أوسنة في صلاة النفل أو الفرض؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يشرع في العمد، وذلك لأن العمد(14/28)
إن كان تعمد ترك واجب، أو ركن فالصلاة باطلة لا ينفع فيها سجود السهو، وإن كان تعمد ترك سنة فالصلاة صحيحة، وليس هناك ضرورة لجبرها بسجود السهو.
664 سئل فضيلته – رعاه الله -: هل يشرع سجو السهو لمن زاد في الصلاة سهواً؟
فأجاب الشيخ بقوله: يشرع سجود السهو لمن زاد في صلاته سهواً وهذا السجود المشروع، إما واجب، أو مستحب سواء في النفل أو في الفرض، بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود احترازاً من صلاة الجنازة، فإن صلاة الجنازة لا يشرع فيها سجود السهو، لأن أصلها ليست ذات ركوع وسجود فكيف تجبر بالسجود، لكن كل صلاة فيها سجود وركوع فإنها تجبر بسجود السهو الفريضة والنافلة.
665 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً عمداً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا زاد الإنسان في صلاته ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً عمداً بطلت ولا ينفع فيها سجود سهو وإنما تبطل لأنه أتى بها على غير الوجه المشروع. وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (((14/29)
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (1) أي مردود.
666 وسئل فضيلة الشيخ: إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً سهواً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله:إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً، أوقعوداً، أو ركوعاً، أوسجوداً،سهواً فإنه يسجد له، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر من زاد في صلاته أن يسجد سجدتين، هذا دليل من القول.
ودليل من الفعل لما صلى خمساً كما في حديث عبد الله بن مسعود (2) ، وقيل له صليت خمساً ثنى رجليه فسجد سجدتين.
667 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإمام في صلاة سرية مثل العصر أو الظهر قرأ الفاتحة جهراً ونبهه بعض المصلين. . فهل يسجد سجود السهو في هذه الحال؟ وهل هذا العمل نفص أو زيادة في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو في هذه الحال ليس بواجب، لأن غايته أنه أخل بالسنة وهي الإسرار في الصلاة السرية، على أنه من السنة أن يسمع الإمام القراءة أحياناً، جاء ذلك مصرحاً به في حديث أبى قتادة - رضي الله عنه - الثابت في الصحيحين (3) أن
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص14.
(2) متفق عليه وتقدم في ص15.
(3) رواه البخاري في الأذان باب: الفراءة في الظهر ح (759) ، ومسلم في الصلاة باب:القراءة في الظهر والعصر ح154 (451)(14/30)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((كان يسمعهم الآية أحياناً في قراءة السر)) ولا يجب عليه سجود السهو في هذه الحال، ولكن إن سجد فلا حرج.
وموضع السجود في هذه الحال بعد السلام، لأن الجهر زيادة، وإن سجد قبل السلام فلا حرج.
668 وسئل فضيلته: عن رجل صلى الظهر خمساً ولم يعلم إلا في التشهد، فما الحكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا زاد الإنسان في صلاته ركعة ولم يعلم حتى فرغ من الركعة فإنه يسجد للسهو وجوباً، وهذا السجود يكون بعد السلام من الصلاة، ودليل ذلك أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صلى خمساً وأخبروه بعد السلام ثنى رجليه وسجد سجدتين (1) وقال: ((إذا شك أحدكم فليتحر الصواب ثم ليبن عليه)) (2) ولم يقل متى علم قبل السلام فليسجد قبل السلام، فلما سجد بعد السلام، ولم ينبه أن محل السجود في هذه الزيادة قبل السلام، علم أن السجود للزيادة بعد السلام، ويشهد لذلك حديث ذي اليدين (3) فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلم من ركعتين ثم ذكروه وأتم الصلاة وسلم ثم سجد سجدتين وسلم.
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص15.
(2) متفق عليه من حديث ابن مسعود رواه البخاري في الصلاة باب: التوجه نحو القبلة (401) ، ومسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح89 (572) .
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص 15.(14/31)
ويؤيده أيضاً المعنى وهو: أن الزيادة في الصلاة زيادة وسجود السهو زيادة أيضاً فاذا كان من الحكمة أن يؤخر سجود اسهو إلى ما بعد السلام مخافة أن يجتمع في الصلاة زيادتان.
669 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته المهديين -: عن رجل قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر وذكر أثناءها، فهل حكمها حكم من قام عن التشهد الأول أنه إذا قام وشرع في القراءة حرم عليه الرجوع؟ وهل عليه سجود سهو؟ وهل هو قبل السلام أو بعده؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ذكر في أثناء الركعة الزائدة في أي موضع منها فإنه يجلس فوراً، وليس صحيحاً ما يتوهمه كثير من طلبة العلم أن حكم هذه الركعة الزائدة حكم من قام عن التشهد الأول فلا يرجع إذا استتم قائماً، بل يجب عليه الرجوع متى علم ولو استمر المصلي في الزيادة مع علمه بذلك فإنه يكون زاد في صلاته شيئاً عمداً، وهذا يبطل الصلاة، وعليه سجود السهو إذا رجع وموضعه بعد السلام.
670 وسئل فضيلته: عن رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل؟ وماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: في هذه الحال نقول له يلزمك(14/32)
الرجوع، لأنك دخلت على أنك تريد أن تصلي ركعتين فلتصل ركعتين ولا تزيد عليهما، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه.
671 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن رجل يصلي الليل، وصلاة الليل مثنى، مثنى، فقام إلى ثالثة ناسياً فماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته، لأنه تعمد الزيادة، ولهذا نص الإمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر يعني إن لم يرجع بطلت صلاته، لكن يستثنى من هذا الوتر فإن الوتر يجوز أن يزيد الإنسان فيه على ركعتين فلو أوتر بثلاث جاز.
وعلى هذا فإن الإنسان إذا دخل في الوتر بنية أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى ثالثة بدون سلام، فنقول له أتم الثالثة فإن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين.
672 سئل فضيلة الشيخ: إذا أتى المصلي بقول قد شرعه الشارع لكن في غير موضعه المشروع سهواً، مثل أن يقرأ القرآن في السجود، فهل يجب عليه سجود سهو؟ وهل هو قبل السلام أو بعده؟
فأجاب بقوله: أولاً: القراءة في السجود غير مشروعة، بل(14/33)
منهى عنها، وكذلك في الركوع لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، أما الركوع فعظموا فيه الرب،وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن ان يستجاب لكم)) (1) وصلاته صحيحة على القول الراجح.
ثانياً: إذا أتى الإنسان بالقول المشروع في غير موضعه مع الإتيان بالقول المشروع في الموضع، كان يقرأ في السجود مع قول ((سبحان ربي الأعلى)) ، فإنه لا يجب عليه سجود السهو بل يشرع له، ولكن لو أتى بالقول المشروع في غير موضعه مع عدم الإتيان بالقول المشروع في موضعه، كأن يقرأ في السجود مع عدم قول ((سبحان ربي الأعلى)) فإنه يجب عليه سجود السهو، لأنه ترك واجباً، ويكون قبل السلام.
673 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل في الوتر ونوى أن يصلي ركعتين ثم يسلم ويأتي بالثالثة مفردة، ولكنه سهى وقام إلى الثالثة فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول له: أتم الثالثة، لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ح207 (479) .(14/34)
674 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن إمام سلم من ثلاث ركعات في صلاة الظهر يظن أنها تمت فنبهه المأمومون مباشرة فماذا يفعل في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: بم أنه علم قريباً فإنه يبنى على ما سبق، فيأتي بركعة بنية أنها تكملة الصلاة لا أنها مستقلة، ثم يسجد سجدتين بعد السلام.
ودليل هذه المسألة: حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((صلى الظهر، أو العصر فسلم من ركعتين، ثم قام فتقدم إلى خشبة في مقدمة المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، وكان الناس فيهم خيار الصحابة كأبي بكر، وعمر، لكن لهيبتهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هابا أن يكلماه مع أنهما أخص الناس به، وكان في القوم رجل يداعبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسميه ذا اليدين لطول يديه، فقال يارسول الله: ((أنسيت، أم قصرت الصلاة؟)) فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) ، قال: بلى قد نسيت، فالتفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس وقال: ((أحق ما يقول ذو اليدين)) ؟ قالوا نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم)) (1) .
675 سئل فضيلة الشيخ- رعاه الله تعالى -: عن مصل سلم من صلاته يظن أنها قد تمت، ففعل ما ينافي الصلاة فأكل وشرب ثم تذكر أنه قد بقى عليه من صلاته فما الحكم؟
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجة في ص 15(14/35)
فأجاب فضيلته بقوله: يبنى على ماسبق، لأن فعله ما ينافي الصلاة كان بناء على أنها تمت صلاته، فيكون صادراً عن نسيان، أو عن جهل بحقيقة الحال، والنسيان، والجهل عذر يسقط بهما فعل المنهى وهو الأكل مثلاً، أو الشرب، أو ما أشبه ذلك، ولهذا بنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه على صلاتهم مع فعلهم ما ينافي الصلاة وهو الكلام، ولكن لو كان الفعل المنافي للصلاة هو الحدث فلا يبني على صلاته، لأنه إذا أحدث تعذر بناء بعض الصلاة على بعض لانقطاعهم بالحدث. وخلاصة جواب السائل: بما أنه كان الفاصل الأكل والشرب فإنه يبني على ما سبق ويسجد للسهو بعد السلام.
676 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: إذا كانت قراءة الفاتحة ركناً من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، فما الحكم في إمام أو مأموم نسي قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا سؤال وجيه، فالفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها في كل ركعة، فإذا نسيها الإمام في الركعة الأولى، ولم يتذكر إلا حين قام للركعة الثانية، صارت الثانية هي الأولى في حقه، وعلى هذا فلا بد أن يأتي بركعة أخرى عوضاً عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة.
أما المأموم فإنه لا يتابعه في هذه الركعة، لكن يجلس للتشهد، وينتظر حتى يسلم مع إمامه.
أما بالنسبة للمأموم إذا تركها، فمن قال: إن المأموم ليست(14/36)
عليه قراءة الفاتحة، فالأمر واضح أنه ليس عليه شيء.
ومن قال: إنها ركن في حقه، فهو كالإمام فإذا تركها يأتي بعد سلام إمامه بركعة، إلا إذا جاء والإمام راكع، أو جاء والإمام قائم، ولكن ركع قبل أن يتمها، ففي هذه الحال تسقط عنه – أي عن المأموم – في الركعة الأولى.
677 وسئل فضيلة الشيخ حفظه الله: إذا ترك الإنسان تكبيرة الإحرام سهواً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام سهواً أو عمداً، لم تنعقد صلاته، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، فلو فرضنا أن شخصاً وقف في الصف ثم شرع في الاستفتاح، وقرأ الفاتحة واستمر فإننا نقول إن صلاته لم تنعقد أصلاً ولو صلى كل الركعات.
678 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل يصلي فقام في الركعة الأولي بعد أن سجد السجود الأول إلى الركعة الثانية، فلما شرع في قراءة الفاتحة ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة، فما الحكم؟
فاجاب الشيخ بقوله: بما أن المصلي ذكر قبل أن يصل إلى موضع السجود من الركعة الثانية فإنه يرجع وجوباً ويجلس بين السجدتين ويسجد، ثم يتم صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام.
...(14/37)
أما لو لم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود في الركعة التالية فإن الركعة الأولي تلغو وتقوم التي تليها مقامها.
679 وسئل فضيلة الشيخ: عن مصل لما جلس بين السجدتين في الركعة الثانية ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولي إلا سجدة واحدة، فهل نقول له ارجع إلى الركعة الأولى؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا نقول له ارجع إلى الركعة الأولي، لأننا لو قنا له: ارجع فسيرجع إلى نفس الموضع الذي هو فيه من الركعة الثانية، وعلى هذا تكون الركعة الثانية التي هو فيها هي الأولي، وعليه في ذلك سجود سهو، ويكون بعد السلام.
680 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى، ولما فرغ من صلاته ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأخيرة إلا سجدة واحدة فهل يعيد الركعة، أم ماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة على القول الصحيح، وإنما يأتي بما ترك وبما بعده، لأن ما قبل المتروك واقع في محله وصحيح فلا يلزم الإتيان به مرة اخري.
اما ما بعد المتروك فقلنا: بوجوب الإتيان به من إجل الترتيب.
وعلى هذا فنقول في هذه الحال: ارجع واجلس بين السجدتين، واسجد السجدة الثانية، ثم اقرأ التشهد، ثم سلم، ثم اسجد للسهو وسلم.(14/38)
681 وسئل فضيلته: عن مصل نوى أن ينهض عن التشهد الأول ولكنه ذكر قبل أن ينهض فما الحكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: في هذه الحال التي ذكر السائل والتي نوى فيها النهوض عن التشهد الأول وذكر قبل أن ينه، يعني قبل أن تفارق ركبتاه الأرض أن هذا محل التشهد الأول، فعليه أن يستقر ويتشهد وليس عليه شيء، لأنه لم يزد في صلاته، وغاية ما هنالك أنه نوى أن يقوم ثم ذكر فاستقر جالساً، ولم يؤثر في صلاته شيئاً لا بزيادة ولا نقص.
682 وسئل فضيلته: عن مصل قام عن التشهد الأول وقبل أن يشرع في القراءة ذكر هل يرجع؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب الشيخ بقوله: في هذه الحال لا يرجع، لأنه انفصل عن التشهد تماماً حيث وصل إلى الركن الذي يليه، فيكره له الرجوع وإن رجع لم تبطل صلاته، لأنه لم يفعل حراماً ولكن عليه أن يسجد للسهو، ويكون قبل السلام.
وقال بعض العلماء يجب عليه المضي ولا يرجع وعليه سجود السهو لجبر ما نقص من الواجب، ويكون قبل السلام.(14/39)
683 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن مصل قام عن التشهد الأول، ولما شرع في قراءة الفاتحة ذكر أنه ترك التشهد الأول فهل يرجع؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ذكر المصلي الذي نسي التشهد الأول بعد الشروع في قراءة الركعة الأخري، فيحرم الرجوع إلى التشهد، ولكن عليه أن يسجد للسهو، ويكون قبل السلام.
684 سئل فضيلة الشيخ: عن مصل نهض عن التشهد الأول وذكر قبل أن يستتم قائماً فهل يرجع إلى التشهد أو يستتم قائماً ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نهض المصلي عن التشهد الاول وذكر قبل أن يستتم قائماً فيجب عليه الرجوع، ويسجد للسهو، وموضعه قبل السلام.
685 وسئل فضيلته: عن رجل نسي أن يقول في الركوع ((سبحان ربي العظيم)) فما الحكم؟ ومتى يسجد للسهو؟ قبل السلام، أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا نهض المصلي من الركوع ولم يقل: ((سبحان ربي العظيم)) فإن ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يلزمه(14/40)
الرجوع، وإن استتم قائماً حرم الرجوع، وعليه أن يسجد للسهو لأنه ترك واجباً، ويكون قبل لأنه عن نقص.
686 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى وشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في صلاة العصر وترجح عنده أنها أربع، فماذا يفعل؟ ومتى يسجد للسهو في تلك الحال قبل السلام أو بعده؟
فأجاب فضيلته بقلوله: نقول له اجعلها أربعاً، لانه ترجح عندك ذلك، ومثله لو ترجح عنده إنها ثلاث يجعلها ثلاثاً، ويأتي بالباقي، ويسجد في كلتا الحالين للسهو، وموضعه بعد السلام، ودليل ذلك حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فيمن شك فتردد هل صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ قال: ((فليتحر الصواب ثم ليتم عليه – يبني على التحري – ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم)) (1)
687 وسئل فضيلته: عن رجل صلى الفجر، وشك هل صلى ركعة أم ركعتين، ولم يترجح لديه شيء، فماذا يفعل؟ ومتى يسجد للسهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك الإنسان في عدد الركعات ولم يترجح عنده شيء، أخذ بالأقل، وبناء على هذا نقول لهذا الرجل:
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة باب: التوجه نحو القبلة (401) ، ومسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح89 (572) .(14/41)
خذ بالأقل الذي هو ركعة واحدة، ثم أتم الصلاة، واسجد للسهو قبل السلام.
688 وسئل فضيلة الشيخ: رجل صلى وشك هل صلى ثلاثاً أم اربعة، لكنه في أثناء هذه الركعة تيقن أنها الرابعة وليس فيها زيادة فهل يلزمه أن يسجد أو لا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يلزمه سجود السهو، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((فلم يدركم صلى)) (1) هذا لأجل أن يبني على ما عنده وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله: ((فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان)) ولأنه إدي الركعة وهو شاك هل هي زائدة، أو غير زائدة؟
فيكون أدى جزءً من صلاته متردداً في كونه منها، فيلزمه السجود، وموضعه قبل السلام.
وقال بعض العلماء: إذا تبين له أنه مصيب فيما فعله، فإنه لا سجود عليه، لأن شكه زال، وسجود السهو إنما كان لجبر الصلاة من الشك الذي حصل فيها وقد زال.
__________
(1) هذا حديث أبي سعيد الخدري وفي أوله: ((إذا شك أحدكم في صلاته. . .)) رواه مسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح88 (571) ، ويسأتي كاملاً ص 100.(14/42)
689 وسئل فضيلة الشيخ - رعاه الله -: عن المصلي إذا شك في ترك الركن، كأن قام إلى الركعة الثانية وشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة في الركعة الأولى ولم يترجح لديه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك الإنسان في ترك الركن ولم يترجح لديه شيء، فالأصل عدم فعله، ولهذا نقول للسائل: ارجع واجلس بين السجدتين، ثم اسجد، وأتم صلاتك، ثم اسجد للسهو بعد السلام.
690 سئل فضيلته: عن المصلي إذا شك في الركن، كأن قام إلى ثانية وشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة وترجح عنده أنها اثنتان فما الحكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: الحكم في هذه المسألة: بما أنه ترجح عنده أنه سجد سجدتين يكون فاعلاً لهما حكماً ولا يرجع، ولكن عليه سجود سهو بعد السلام.
691 وسئل فضيلة الشيخ: عن المصلي إذا شك في الواجب كأن شك هل تشهد التشهد الأو أم لا ولم يترجح عنده شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذ شك المصلي في ترك الواجب فهو كتركه وعليه سجود السهو، لأنه شك في فعله وعدمه، والأصل عدم الفعل فيجب عليه سجود السهو، ويكون قبل السلام، لأنه عن نقص.(14/43)
692 وسئل فضيلة الشيخ: عن مصل شك هل قال: ((سبحان ربي العظيم)) في الركوع أم لا، وترجح عنده أنه قاله فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك المصلي في ترك الواجب وترجح لديه فعله، فلا سجود عليه.
وعلى هذا فنقول لهذا المصلي بما أنه ترجح لديك فعل الواجب الذي هو قول: ((سبحان ربي العظيم)) في الركوع فلا سجود عليك.
693 سئل فضيلة الشيخ: عن مصل شك وهو يتشهد التشهد الأخير في صلاة الظهر هل صلى خمساً أم اربعاً؟ هل عليه سجود سهو أم لا؟
فأجاب الشيخ بقوله: نقول لهذا المصلي لا سجود عليك، لأن الأصل عدم الزيادة، فهذا الشك في سبب وجوب سجود السهو، وهو الزيادة، والأصل عدمها.
694 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله: إذا شك المصلي في الزيادة حين فعلها، كأن شك وهو في الرابعة هل هذه خامسة أم رابعة؟ فهل عليه سجود سهو أم لا؟
فأجاب بقوله: الشك في الزيادة حين فعلها يوجب سجود السهو، لأنه أدى جزءً من صلاته متردداً في كونه منها، وعليه فنقول لهذا المصلي: عليك سجود سهو، ويكون بعد السلام إن كان عنده ترجيح، وإلا فقبل السلام.(14/44)
695 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: إذا سجد الإمام سجود السهو، فهل يجب على المأموم أن يتابعه في ذلك مع أنه لم يسه في صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على المأموم إذا سجد الإمام للسهو أن يسجد معه سواءً سها أم لم يسه، لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفو عليه)) (1) ، وسواء كان سجود السهو قبل السلام، أو بعده، وهذا ظاهر فيما إذا كان سهو الإمام قد أدركه المأموم، يعني أن المأموم لم يفته شيء من الصلاة فهنا يجب أن يسجد مع الإمام ولو بعد السلام، ولكن إذا كان المأموم مسبوقاً وسجد مع الأمام ولو بعد السلام فإنه لا يلزم المأموم متابعته، لأن المتابعة حينئذ متعذرة لوجود الحائل دونها وهو السلام، وحينئذ لا يتابعه إذا سجد بعد السلام وهو مسبوق.
ولكن هل يلزمه إذا أتم صلاه أن يسجد بعد السلام كما سجد الإمام؟ فيه تفصيل:
1- إذا كان سهو الإمام فيما إدركه المسبوق من الصلاة، وجب عليه أن يسجد بعد السلام.
2- وإن كان سهو الإمام فيما مضى من الصلاة قبل أن يدخل معه فلا يجب عليه أن يسجد.
فمثلاً على الحال الأولى: أن يكون سهو الإمام زيادة بأن ركع
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ج13/122(14/45)
مرتين في الركعة الثانية، وأنت أدركته في ذلك، فهنا يلزمك أن تسجد إذا أتممت صلاتك؛ لأنك أدركت الإمام في السهو فارتبطت صلاتك بصلاته، صار ما حصل من نقص حاصلاً لك.
والمثال على الحال الثانية: أن تكون زيادة الركوع في الركعة الأولى، وأنت لم تدخل معه في الركعة الثانية، فإنه لا يلزمك الأولى، لأن الأصل في وجوب السجود هنا متابعة الإمام، المتابعة هنا متعذرة، لأنه بعد السلام، وأنت لم تدرك الإمام في الركعة التي سها فيها، فارتبطت به في صلاة ليس فيها سهو فلم يلزمك أن تسجد.
والخلاصة: أنه إن كان سجود الإمام قبل السلام لزم المأموم متابعته فيه بكل حال، وإن كان بعده، فإن كان لم يفته شيء لزمته متابعته، وإن فاته شيء من الصلاة لم يتابعه لتعذر المتابعة – كما سبق – ولكن إن كان قد أدرك سهو الإمام وجب أن يسجد بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه لم يلزمه السجود.
696 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قام الإمام من التشهد الأول ناسياً فهل يلزم المأموم متابعة الإمام في ذلك مع أن المأموم يعلم أنه ترك التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يلزم المأموم متابعة الإمام إذا قام عن التشهد الأول ناسياً وإن كان المأموم ذاكراً.(14/46)
697 سئل فضيلة الشيخ: غفر الله له وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن رجل صلى مع إمامه صلاة العصر كاملة من أولها، ولكنه سها في إحدى السجدات ولم يقل: "سبحان ربي الأعلى" فهل يسجد للسهو أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول لهذا الرجل لا سجود عليك؛ لأنه في هذه الحال التي ذكر سيكون السجود قبل السلام، ومعلوم أنه سيحصل بسجوده الذي قبل السلام مخالفة للإمام، والقاعدة أن الواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام، وسجود السهو واجب، إذاً: فيسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام.
698 وسئل فضيلته: عن رجل مسبوق نسي أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وقد أدرك الإمام في الركعة الثانية فهل يجب عليه سجود السهود أم لا؟
فأجاب الشيخ بقوله: نعم، يجب عليه سجود السهو؛ لأنه ترك واجباً، فإذا أتى بالركعة التي فاتته وجب عليه أن يسجد سجود السهو عن ترك الواجب، لأنه الآن إذا سجد لا يحصل منه مخالفة للإمام؛ لأنه انفرد في قضاء ما فاته من الصلاة.
وعليه فنقول: إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقاً وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود.(14/47)
699 سئل فضيلة الشيخ: إذا ترك المصلي دعاء الاستفتاح فهل يجب عليه سجود السهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه تعمد تركه، ولا تبطل صلاته؛ لأنه سنة، ولكن إذا تركه ناسياً وهو من عادته أن يفعله، فإنه يسن له سجود السهو؛ لأنه قول مشروع نسيه فيجبره بسجود السهو.
700 وسئل فضيلته: إذا فعل الإنسان ما يبطل الصلاة كأن يتكلم فيها فما الحكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا فعل الإنسان ما يبطل الصلاة، فإن كان متعمداً بطلت صلاته، وإن فعل ذلك جاهلاً، أو ناسياً لم تبطل صلاته، وبناء عليه: إذا تكلم عالماً عامداً في صلاته بطلت، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل.
التنبه بغير التسبيح
701 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان الكلام في مصلحة الصلاة، مثل نسي الإمام قراءة الفاتحة، فنقول له اقرأ الفاتحة، وإذا نسي الركوع وسجد وقيل له سبحان الله فلم يفهم خطأه، فنقول له لم تركع فهل ذلك يبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الكلام يبطل الصلاة، وأعني(14/48)
بالكلام كلام الآدميين والدليل على ذلك قصة معاوية بن الحاكم – رضي الله عنه – حين جاء والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بأصحابه فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله – قاله العاطس – فقال معاوية يرحكم الله، فرماه الناس بأبصارهم، فقال: واثكل أمياه – قاله معاوية – فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكت، فلما قضى صلاته دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال معاوية: فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه – صلوات الله وتسليمه عليه – والله ما كهرني، ولا نهرني وإنما قال: "إن هذه الصلا ة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، الشاهد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وهذا عام، فشيء نكرة في سياق النفي يفيد العموم سواء لمصلحة الصلاة لغير مصلحة الصلاة، وعلى هذا فلا يجوز لنا أن ننبه الإمام بشيء من الكلام، فإذا سجد قلنا سبحان الله في غير موضع السجود وقام وقلنا سبحان الله؛ لأنه ليس موضع القيام فلا نقول له اجلس لأنك إن قلت اجلس فإنك تكون قد كلمت الآدمي فتبطل صلاتك.
فإذا تكلم أحد الناس جاهلاً فلا عليه إعادة، ولهذا لم يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاوية بالإعادة مع أنه تكلم مرتين، مرة قال للعاطس (يرحمك الله) ومرة قال: (واثكل أمياه) ولم يأمره بالإعادة، لكن لو أن الإمام في صلاة جهرية نسي أن يجهر فقلنا له سبحان الله فلم يفهم، فكيف ننبهه؟(14/49)
الجواب: نقرأ جهراً يرفع أحد المصلين صوته بقراءة الفاتحة فينتبه الإمام.
702 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل نسي التشهد الأول فعلم أنه يجب عليه سجود سهو قبل السلام ولكنه نسي وسلم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن ذكر في زمن قريب سجد، وإن طال الفصل سقط، مثل أن لا يذكر إلا بعد مدة طويلة، فلو خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد ويسقط عنه.
...
703 وسئل فضيلته: عن من سها مراراً، كأن ترك قول "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وترك التشهد الأول، وترك قول "سبحان ربي الأعلى" في السجود فكم مرة يسجد للسهو؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا سها الإنسان مراراً، فنقول له يكفيك سجدتان؛ لأن الواجب من جنس واحد فدخل بعضه في بعض، كما لو أحدث ببول، وغائط، وريح، وأكل لحم إبل، فإن يكفيه وضوء واحد، ولا يلزمه أن يتوضأ لكل سبب وضوء.
704 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: ما المشروع في تنبيه الإمام إذا سها في صلاته؟
فأجاب الشيخ بقوله: المشروع في تنبيه الإمام أن يسبح من(14/50)
وراءه بالنسبة للرجل، والتصفيق بالنسبة للنساء، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء".
705 وسئل فضيلته: إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بدون تسبيح فهل يعطى ذلك حكم التسبيح مثل أن يتنحنحوا؟
فأجاب الشيخ بقوله: نعم إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بغير تسبيح فكما لو نبهوه بتسبيح.
706 وسئل فضيلته: عن إمام سبح به رجل واحد فقط فهل يلزمه الرجوع؟
فأجاب الشيخ بقوله: لا يلزمه الرجوع، ودليل ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرجع إلى قول ذي اليدين، لكن إن غلب على ظنه صدقه أخذ بقوله، فإن سبح به رجلان ثقتان وجب عليه الرجوع، إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع وهو لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمداً، وإن جزم بصواب نفسه لم يرجع وبنى على ما جزم به.(14/51)
707 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن إمام سبح به رجل على أنه زاد في صلاته، وسبح به رجل آخر بما يدل على أنه لم يزد في صلاته.. فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في ذلك أنهما يتساقطان، فلو قال أحدهما لما قام الإمام: "سبحان الله" إذاً تعارض عنده قولان للجلوس قال الثاني: "سبحان الله" إذاً تعارض عنده قولان فيتساقطان، كل قول يسقط الآخر، ويرجع إلى ما عنده ويبني عليه.
708 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى بأمه وأخته وأخطأ فنبهتاه بالتصفيق فهل يرجع أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرجع لأن هذا خبر ديني، فاستوى فيه الذكور والإناث، ولأنه خبر عن عمل تشاركان فيه العامل، فلا يمكن أن تكذبا عليه؛ لأنه لو أخطأ أخطأتا معه، فلهذا نقول: أن المرأتين كالرجلين ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا نابكم في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء".(14/52)
فوائد مختصرة في أحكام سجود السهو
1- من ترك ركناً ناسياً لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إن ذكره قبل أن يصل إلى محله وجب عليه الرجوع.
الحال الثانية: إن ذكره بعدما وصل إلى محله، فإنه لا يرجع؛ لأنه لو رجع لم يستفد شيئاً وتكون الركعة الثانية بدلاً عن التي قبلها.
الحال الثالثة: إن ذكره بعد السلام فإن كان في الركعة الأخيرة أتى بها وبما بعده فقط، وإن كان فيما قبلها أتى بركعة كاملة.
وفي كل الحالات يجب عليه سجود السهو، ومحله بعد السلام.
2- لا يشرع سجود السهود في العمد؛ لأنه إن كان تعمد ترك واجب، أو ركن فالصلاة باطلة، لا ينفع فيها سجود السهو، أما إن كان تعمد ترك سنة فالصلاة صحيحة.
3- من ترك واجباً ناسياً كالتشهد الأول فلا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إذا ذكر بعد أن تهيأ للقيام، ولم ينفصل عن المكان الذي هو فيه، فإنه يستقر فيه، وليس عليه سجود سهو.
الحال الثانية: إذا انفصل عن المكان، ولم يصل إلى المكان الذي قام إليه فيجب عليه الرجوع، وعليه السجود.
الحال الثالثة: إذا وصل إلى المكان الذي قام إليه، فإنه لا يرجع، وعليه سجود السهو.(14/53)
4- إذا شك المصلي ولم يترجح لديه شيء، أخذ بالأقل.
5- إذا شك المصلي وترجح لديه شيء، بنى على الراجح عنده.
6- الشك في الزيادة حال فعل الزيادة يوجب سجود سهو.
7- الشك في الزيادة بعد الانتهاء منها لا يوجب سجود سهو.
8- سجود السهو واجب لكل شيء يبطل الصلاة عمده مما كان من جنس الصلاة.
9- إذا ترك المصلي سنة كان يفعلها فسجوده للسهو سنة وليس بواجب.
10- من سها مراراً كفته سجدتان.
11- إذا اجتمع سجودان أحدهما قبل السلام والثاني بعده سجد قبل السلام.(14/54)
709 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا نسي الإمام سجدة وقام إلى الركعة التالية فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: مثل هذه الحال إذا وقعت للمصلي فقام من سجدة واحدة إلى الركعة التي تليها، فإنه يجب عليه أن يرجع ليأتي بالسجود ثم يستمر في صلاته، ويكمل الصلاة ويسلم منها ثم يسجد بعد السلام سجدتين للسهو، ويسلم إلا إذا لم يذكر أنه نسي السجدة حتى وصل إلى المحل الذي قام منه، فإنه حينئذ يلغي الركعة التي نسي السجود فيها ويجعل الركعة التي أتى بها بدل الركعة التي نسي منها السجود.
مثال ذلك: رجل قام من السجدة الأولى في الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة ولما شرع في القراءة واستمر ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، وبهذا تتم الركعة الثالثة، ثم تقوم إلى الركعة الرابعة وتكمل الصلاة وتسلم، ثم تسجد سجدتين للسهو وتسلم؛ وذلك لأن السهو هنا حصل فيه زيادة في الصلاة وهو القيام، وسجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإنه يكون بعد السلام، أما إذا لم يذكر حتى قام من السجدة الأولى في الركعة الرابعة فإنه يلغي الركعة الثالثة، وتكون هذه الرابعة هي الثالثة فيأتي بالرابعة ويسلم، ويسجد بعد السلام سجدتين للسهو، ويسلم.(14/55)
710 وسئل فضيلة الشيخ: عن إمام صلى المغرب، وعندما أكمل ركعتين لم يجلس للتشهد، ووقف ليأتي بالركعة الثالثة فقال بعض الجماعة: سبحان الله، فجلس فوراً وأتى بالجلوس ثم وقف واستتم واقفاً للركعة الثالثة، وأكمل الصلاة، فقال له بعض الجماعة، كيف رجعت من الفرض للسنة؟ فأجاب لم أبدأ بالقراءة، ولذلك رجعت للجلوس، أفيدونا عن حكم ذلك بارك الله فيكم وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: عمله هذا خلاف ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولأن الإنسان إذا قام عن التشهد الأول واستتم قائماً فإنه لا يرجع، وعليه أن يسجد للسهو قبل السلام سجدتين، هكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حين صلى بأصحابه الظهر فقام من الركعتين ولم يجلس فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين ثم سلم" (1) .
وقد روي من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فإن استوى قائماً فلا يجلس" (2) .
فالقاعدة: إذاً: أن من قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً، فإنه لا يجلس، ولكن يجب عليه سجود السهو سجدتين قبل السلام.
...
__________
(1) تقدم من حديث ابن بحينة المتفق عليه، راجع ص15.
(2) رواه أبو دواد في الصلاة باب: من نسي أن يتشهد وهو جالس (1036) بنحوه وح (1037) ورواه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً ح (364) و (365) وصححه ورواه الإمام أحمد 4/247.(14/56)
وأما قول الجماعة له: كيف رجعت من الفرض إلى السنة؟
فهذا فيه نظر؛ لأن جعلهم التشهد الأول من السنة ليس بصحيح؛ لأن التشهد الأول واجب لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه قال: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) (1) فإن قوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد" يعم التشهد الأول والثاني، لكن لما جبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد الأول بسجود السهو علم إنه ليس بركن، وأنه واجب يجبر إذا تركه المصلي بسجود السهو.
711 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا نسي المصلي السجدة الثانية ثم تذكر بعد السلام فما العمل؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إن كانت السجدة الثانية من آخر ركعة فإنه يأتي بها وبالتشهد الأخير بعدها ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين ويسلم.
وإن كانت من ركعة قبل الأخيرة فإن تلك الركعة التي نسي فيها السجدة تلغو وتكون التي تليها بدلها، ويحتاج إلى أن يأتي بركعة ثم يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
712 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى مع الإمام صلاة القيام، وعندما سلم الإمام قام وصلى الثانية، إلا أنه نسي الركوع ولم يتذكر إلا بعد السجود فهل عليه سجود سهو؟
...
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح101 (574) .(14/57)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا تذكر المصلي أنه نسي الركوع، وهو ساجد فإن الواجب عليه أن يقوم من سجوده، ثم يكمل قراءته إذا كانت لم تكمل، ثم يركع ويكمل صلاته، ويسلم، ثم يسجد سجدتين ويسلم.
713 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: من صلى العشاء ثلاثاً ثم تكلم أو مشى قليلاً فهل يعيد الصلاة أو يبني على ما مضى ويسجد للسهو؟
فأجاب فضيلته قائلاً: الواجب عليه أن لا يعيد الصلاة من أولها، بل الواجب أن يكمل الصلاة كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه عمران بن حصين: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله – فذكر له صنيعه – وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم" (1) .
فإذا حصل هذا فالواجب على المرء أن يكمل صلاته ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ثم يسلم، كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (2) . لكن إذا طال الفصل أو انتقض وضوءه، وجب عليه استئناف الصلاة من جديد؛ لأنه يتعذر
__________
(1) رواه مسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح101 (574) .
(2) هو جزء من حديث رواه البخاري وتقدم في ج13/169.(14/58)
عليه بناء بعضها على بعض حينئذ.
714 وسئل فضيلته: عن امرأة صلت مع الإمام في المسجد الحرام صلاة الفجر، وقد فاتها ركعة، وعندما سلم الإمام سلمت معه جهل، وبعد السلام تكلمت وسألت عن حكم هذا، فقيل لها: صلي ركعة واحدة واسجدي سجود السهو ففعلت، فما الحكم أثابكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم عملها صحيح، فإذا سلم الإنسان مع الإمام، وهو يظن أنه قد أتم صلاته ثم ذكر فإنه يأتي بالباقي، ويأتي بسجود السهو بعد السلام، وتتم بذلك صلاته.
715 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً، فإن صلاته صحيحة، ولكن يسجد للسهو؛ لأنه زاد زيادة غير مشروعة ناسياً، فإن المشروع في حق المسافر أن يقتصر على ركعتين، إما وجوباً على مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وإما استحباباً على مذهب أكثر أهل العلم. والله أعلم.
716 وسئل فضيلة الشيخ: قرأت في بعض الكتب بأن الصلاة إذا انتهت وشك المصلي في عدد ركعاتها بأنها باطلة، وفي بعض(14/59)
الكتب بأنه إذا شك المصلي يسجد سجدتين بعد انتهاء الصلاة، فما هو الصحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن الصلاة لا تبطل، لأن هذا الشك يأتي على الإنسان كثيراً بغير اختياره، وقد بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم من شك في صلاته، وأن الشك على قسمين:
القسم الأول: أن يشك الإنسان في عدد الركعات مع كونه يرجح أحد الطرفين، ففي هذا القسم يبني الإنسان على ما ترجح عنده، فيتم الصلاة عليه، ويسلم، ويسجد للسهو بعد السلام.
القسم الثاني: أن يشك الإنسان في عدد الركعات، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، ففي هذا القسم يبني على الأقل، لأنه متيقن، والزائد مشكوك فيه، فيتم على الأقل ويسجد للسهو سجدتين قبل السلام، ولا تبطل صلاته بذلك. هذا حكم الشك في عدد الركعات.
وكذلك لو شك هل سجد السجدة الثانية أم لم يسجد؟ وهل ركع أم لم يركع؟ فإنه إذا كان لديه ترجيح لأحد الطرفين عمل بالراجح وأتم صلاته عليه وسجد للسهو بعد السلام، وإن لم يكن لديه ترجيح لأحد الطرفين فإنه يعمل بالأحوط وأنه لم يأت بهذا الركوع، أوهذا السجود الذي شك فيه، فليأت به وبما بعده ويتم صلاته عليه ويسجد للسهو قبل السلام.
إلا إنه إذا وصل إلى مكان الركن المشكوك فيه تركه، فإن الركعة الثانية تكون بمقام الركعة التي ترك منها ذلك الركن.(14/60)
717 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلي أربعاً صلى أو ثلاثاً، فهل يقطع الصلاة ويصلي من جديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإنه لا يحل له أن يخرج من صلاته بهذا الشك إذا كانت فرضاً؛ لأن قطع الفرض لا يجوز، وعليه أن يفعل ما جاءت به السنة، والسنة جاءت أنه إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يشك شكاً متساوياً، بمعنى أنه لايترجح عنده الثلاث أو الأربع، وفي هذه الحال يبني على الأقل. فيبني على أنها ثلاث، ويأتي بالرابعة، ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
الحال الثانية: أن يشك شكاً بين طرفيه رجحان على الآخر بمعنى أن يشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، ولكنه يترجح عنده أنه صلى أربعاً، ففي هذه الحال يبني على الأربع، ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام.
هكذا جاءت السنة بالتفريق بين الحالين في الشك.
وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبني على ما استيقن في الحال الأولى، وأن يتحر الصواب في الحال الثانية، يدل على أنه لا يخرج من الصلاة بهذا الشك، فإن كان فرضاً فالخروج منه حرام؛ لأن قطع الفريضة محرم، وإن كانت نفلاً فلا يخرج منها من أجل هذا الشك، ولكن يفعل ما أمره به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن شاء فليقطعها فإن قطع النافلة جائز،(14/61)
إلا أن العلماء قالوا: يكره قطع النافلة بدون غرض صحيح، هذا إذا لم تكن النافلة حجاً أو عمرة، فإن كانت النافلة حجاً أو عمرة، فإنه لا يجوز قطعهما إلا مع الحصر لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) . وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج، نزلت في الحديبية، والحج فرض في السنة التاسعة. والله أعلم.
718 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله مكانه ومكانته -: إذا شك المصلي كم صلى من الركعات فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك المصلي كم صلى من الركعات فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يغلب على ظنه عدد معين سواء كان الأقل أو الأكثر، فإذا غلب على ظنه عدد معين أخذ بهذا الظن وبنى عليه، فإذا أتم صلاته وسلم، سجد سجدتين للسهو ثم سلم، وحينئذ يكون محل السجود بعد السلام، كما يدل على ذلك حديث ابن مسعود – رضي الله عنه -.
الحال الثانية: أن يشك في عدد الركعات، ولا يغلب على ظنه رجحان عدد معين، ففي هذه الحال يبني على اليقين وهو الأقل، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، ولم يترجح عنده أنها أربع ولا أنها ثلاث، جعلها ثلاثاً وأتى بالرابعة ثم سجد للسهو قبل أن يسلم، وحينئذ يفرق في الشك بينما إذا كان يغلب على ظنه أحد(14/62)
الطرفين، وما إذا لم يكن يغلب على ظنه، ففيما إذا كان يغلب على ظنه أحد الطرفين يأخذ بما غلب على ظنه ويسجد للسهو بعد السلام.
وفيما إذا لم يغلب على ظنه شيء، يأخذ بالأقل ويسجد للسهو قبل السلام.
وأرجو من إخوتي الأئمة أن يعتنوا بهذا الباب أعني: باب سجود السهو؛ لأنه يشكل على كثير من الناس، والإمام يقتدي به فإذا أتقنوا أحكام سجود السهو، حصل في ذلك خير كثير.
وهاهنا مسألة أحب أن أنبه لها وهي: أن بعض الأئمة يعلمون أن محل سجود السهو بعد السلام فيما وقع منهم من السهو، لكنهم لا يفعلون ذلك يقولون: إننا نخاف من التشويش على الناس، وهذا حق أنه يشوش على الناس، لكنهم إذا أخبروا بالحكم الشرعي وبين لهم الفرق بين ما كان قبل السلام وما بعده زال عنهم هذا اللبس وألفوا ذلك، ونحن قد جربنا هذا بأنفسنا ووجدنا أننا إذا سجدنا بعد السلام في سهو يكون محله السجود فيه بعده لم يحصل إشكال على المأمومين؛ لأنهم علموا أن ذلك هو الحكم الشرعي، وكوننا ندع السنة خوفاً من التشويش معناه: أن كل سنة تشوش على الناس وهم يجهلونها ندعها، وهذا لا ينبغي بل الذي ينبغي إحياء الأمر المشروع بين الناس، وإذا كان ميتاً لا يعلم عنه كان الحرص عليه وعلى إحيائه أولى وأوجب حتى لا تمت هذه الشريعة بين المسلمين، وفي هذه الحال إذا سجد الإمام بعد السلام فيما كان(14/63)
محل السجود فيه بعد السلام فإنه إذا سلم ينبه الجماعة ويقول: إنما سجدت بعد السلام؛ لأن هذا السهو محل سجوده بعد السلام، ويبين لهم ما يعرفه من هذه الأحكام حتى يكونوا على بصيرة من الأمر.
719 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عمن انتقل من سورة إلى سورة قبلها خطأ وهو في الصلاة فهل يجب عليه سجود السهو؟
فأجاب فضيلته قائلاً: لا يجب عليه سجود السهو، إذا عكس الترتيب في القرآن يعني بأن بدأ من آخر القرآن ثم رجع إلى أوله، لكن الأفضل أن يرتب القرآن كما رتبه الصحابة – رضي الله عنهم – على هذا الوجه المعروف في المصحف.
واعلم أن ترتيب القرآن بالآيات أمر توقيفي، بمعنى أنه متلقى من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يجوز فيه العكس. أما ترتيبه بالسور فإن للعلماء في ذلك قولين والصحيح أن بعضه توقيف كالترتيب بين سبح والغاشية، وبعضه باجتهاد من الصحابة – رضي الله عنهم -.(14/64)
رسالة
فوائد عن سجود السهو
1- إذا سلم المصلي قبل إتمام الصلاة ناسياً، فإن ذكر بعد مضي زمن طويل استأنف الصلاة من جديد، وإن ذكر بعد زمن قليل كخمس دقائق فإنه يكمل صلاته ويسلم منها، ويسجد بعد السلام للسهو سجدتين ويسلم.
2- إذا زاد المصلي في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً، فإن ذكر بعد الفراغ من الزيادة فليس عليه إلا السجود للسهو، وإن ذكر في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عن الزيادة، يسجد للسهو بعد السلام ويسلم.
3- إذا ترك ركناً من أركان الصلاة غير تكبيرة الإحرام ناسياً فإن وصل إلى مكانه من الركعة التي تليها لغت الركعة التي تركه منها وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصل إلى مكانه من الركعة التي تليها وجب عليه الرجوع إلى محل الركن المتروك وأتى به وبما بعده، وفي كلتا الحالتين يجب عليه سجود السهو ومحله بعد السلام.
4- إذا شك في عدد الركعات هل صلى ركعتين أو ثلاثاً فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بالراجح ويتم عليه صلاته ثم يسلم.(14/65)
الحال الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فإنه يبني على اليقين وهو الأقل ثم يتم عليه.
فيسجد للسهو بعد السلام في الحال الأولى.
ويسجد للسهو قبل السلام في الحال الثانية.
5- إذا ترك التشهد الأول ناسياً – وحكم بقية الواجبات حكم التشهد الأول -:
1- إن لم يذكر إلا بعد أن استتم قائماً فإنه يستمر في صلاته ولا يرجع للتشهد، ويسجد للسهو قبل السلام.
2- إن ذكر بعد نهوضه وقبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
3- إن ذكر قبل أن ينهض فخذيه عن ساقيه فإنه يستقر جالساً ويتشهد ثم يكمل صلاته ولا يسجد للسهو؛ لأنه لم يحصل منه زيادة ولا نقص.
6- إذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
7- إذا زاد المصلي في صلاته قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً متعمداً بطلت صلاته.
8- إذا ترك ركناً من أركان الصلاة: فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له سواء تركها عمداً أو سهواً؛ لأن صلاته لم تنعقد، وإن كان الركن المتروك غير تكبيرة الإحرام فتركه عمداً بطلت صلاته.(14/66)
9- إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
10- إذا كان سجود السهو بعد السلام فلابد من التسليم مرة ثانية بعده.
حرر في 11/6/1410هـ.
720 ...(14/67)
وسئل فضيلته: سجود السهو هل هو سجدة أو سجدتان؟ وهل يسجد المصلي للسهو في الفرض والنفل أو يسجد للسهو في الفرض فقط؟ وهل يقرأ التحيات بعد السجدتين أم يسلم مباشرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو سجدتان، لا سجدة واحدة، ويكون في الفرض وفي النفل إذا وجد سببه.
وسؤاله: هل فيه تشهد آخر أم لا؟
نقول: إن كان سجود السهو قبل السلام فإنه لا تشهد فيه.
وإن كان سجود السهو بعد السلام فإن القول الراجح أنه لا تشهد فيه وإنما فيه التسليم.
وبهذه المناسبة: من أجل جهل كثير من الناس بأحكام سجود السهو أحب أن أنبه بعض الشيء على أحكام سجود السهو.
فنقول:
سجود السهو له ثلاث أسباب:
الأول: زيادة في الصلاة.
الثاني: نقص في الصلاة.
الثالث: شك فيها، والشك في الصلاة: هل زاد في صلاته أم نقص منها.
السبب الأول: أن يزيد في صلاته ركوعاً فيركع في الركعة الواحدة ركوعين، أو سجوداً فيسجد ثلاث مرات، أو قياماً فيقوم للركعة الخامسة مثلاً في الرباعية ثم يذكر فيرجع؛ فإن كان سجود(14/68)
السهو من أجل هذا، فإنه يكون بعد السلام، ولا يكون قبله، بمعنى أنك تتشهد وتسلم ثم تسجد سجدتين وتسلم، هكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حين صلى خمساً فكذروه بعد السلام فسجد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد السلام) (1) .
ولا يقال: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بعد السلام، هنا ضرورة أنه لم يعلم إلا بعد السلام؛ لأننا نقول: لو كان الحكم يختلف عما فعل لقال لهم عليه الصلاة والسلام: إذا علمتم بالزيادة قبل أن تسلموا فاسجدوا لها قبل السلام، فلما أقر الأمر على ما كان عليه علم أن سجود السهود للزيادة يكون بعد السلام.
ويدل على ذلك أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سلم من ركعتين من صلاة الظهر أو العصر ثم ذكروه أتم صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم (2) .
وذلك لأن السلام في أثناء الصلاة زيادة، فسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بعد السلام، وكما أن هذا مقتضى الأثر، فإنه مقتضى النظر أيضاً، فإنه إذا زاد في الصلاة وقلنا: يسجد للسهو قبل أن يسلم صار في الصلاة زيادتان، وإذا قلنا: إنه يسجد بعد السلام، صار فيها زيادة واحدة وقعت سهواً.
السبب الثاني: النقص، وهذا سجوده قبل السلام، مثل أن يقوم عن التشهد الأول ناسياً، أو أن ينسى أن يقول: "سبحان ربي الأعلى" في السجود، أو أن ينسى أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، فهذا يسجد قبل أن يسلم؛ لأن الصلاة نقصت بسبب
__________
(1) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص15.
(2) هذا من حديث أبي هريرة المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص15.(14/69)
هذا الترك، فكان مقتضى الحكمة أن يسجد للسهو قبل أن يسلم ليجبر النقص قبل أن يفارق الصلاة، وقد دل على ذلك حديث عبد الله بن بحينة أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صلى بهم الظهر فقام من الركعتين فلم يجلس للتشهد الأول، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس فسجد سجدتين ثم سلم" (1) .
السبب الثالث: الشك في الصلاة، في الزيادة أو النقص.
مثال: شك هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، فهذا له حالان:
الحال الأولى: أن يغلب على ظنه أحد الأمرين: إما الزيادة أو النقص، فيبني على غالب ظنه ويسجد للسهو بعد السلام، كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنهما -: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين" (2) .
أما إذا شك في الزيادة أو النقص دون أن يترجح عنده أحد الطرفين؛ فإنه يبني على اليقين وهو الأقل ثم يتم عليه، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، هكذا جاءت السنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعلى الأئمة خاصة وعلى سائر الناس عامة أن يعرفوا أحكام سجود السهو، حتى إذا وقع لهم مثل هذه الأمور يكونون على بصيرة من أمرهم، فيسجدون للسهو قبل السلام إن كان موضعه قبل السلام، أو بعده إذا كان موضعه بعد السلام.
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص16.
(2) متفق عليه وتقدم في ص31.(14/70)
721 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إن كان هناك داع لسجود السهو ولم يتذكر إلا بعد أن سلم وربما تفرق بعض المصلين ثم تذكر بعد ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يسجد إذا ذكر، إلا أن بعض أهل العلم يقولون: إذا طال الفصل سقط عنه السجود حينئذ لكونه لا ينبني على الصلاة لطول الفصل بينه وبينها.
وقال بعض أهل العلم: إنه متى ذكر سجد للسهو. والله أعلم بالصواب، والراجح أنه إذا طال الفصل فإنه لا يسجد.
أما من تفرق دون أن يسجد للسهو فصلاته صحيحة.
722 وسئل فضيلة الشيخ: إذا نسي المصلي أن يقرأ الفاتحة وبدأ يقرأ سورة من القرآن بعد دعاء الاستفتاح مباشرة، ثم تذكر خلال القراءة فرجع وقرأ الفاتحة ثم قرأ السورة التي كان يقرؤها، بمعنى أنه استدرك على نفسه هذا السهو، فهل يسجد للسهو؟
فأجاب بقوله: لا يجب عليه سجود السهو؛ ذلك لأنه لم يغير شيئاً من الصلاة، غير أنه أتى بذكر مشروع في غير موضعه، وهو قراءة السور قبل قراءة الفاتحة، ومثل هذا ذكر أهل العلم أنه يستحب له سجود السهو ولا يجب عليه السجود.
723 سئل فضيلة الشيخ: هل يسجد الإنسان للسهو إذا أخطأ في القراءة؟
...(14/71)
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسجد الإنسان للسهو إذا أخطأ في القراءة؛ لأن هذا الخطأ لا يترتب عليه تغيير هيئة الصلاة، ولكن إذا أخطأ المصلي فإن على من سمعه أن يرد عليه.
724 وسئل فضيلته: من هم بقيام ثم لم يقم، أوهم بزيادة سجود ولم يفعل، هل عليه شيء؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذاهم ولم يفعل، فليس عليه شيء إطلاقاً؛ لأنه لم يحصل منه فعل.
725 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي خلال قراءته للسورة أنه لم يأت بالفاتحة، ولم يترجح عنده أنه أتى بها أو لم يأت، فهل يأتي بالفاتحة دفعاً لهذا الشك، أو يستمر في السورة ويسجد للسهو لدفع الشك؟
فأجاب بقوله: يجب عليه أن يأتي بالفاتحة ما دام عنده شك، ولكن بشرط:
ألا يكون كثير الشكوك، فإن كان كثير الشكوك، أو كان الشك عنده مجرد وهم لا أصل له، فإنه لا يعتبر بهذا الشك؛ لأن بعض الناس كلما صلى شك في الزيادة، أو النقص، أو في النية، أو في التكبير وما أشبه ذلك، فإذا كان هذا شأنه في جميع صلواته فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك؛ لأنه من الوسواس، والوسواس ربما يفسد على الإنسان عبادته إذا استمر معه.(14/72)
726 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: ما أسباب سجود السهو، وكيفيته، ومحله؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو سببه واحد من أمور ثلاثة: إما الزيادة، وإما النقص، وإما الشك.
والمراد بالزيادة: الزيادة الفعلية؛ فمن ركع مرتين في ركعة واحدة ناسياً وجب عليه سجود السهو، ويكون محله بعد السلام؛ لأنه كان عن زيادة، ومن صلى خمساً في رباعية ناسياً لم تبطل صلاته، لكن عليه سجود السهو بعد السلام.
وأما النقص فمثاله: من قام عن التشهد الأول ناسياً لم تبطل صلاته لكن عليه سجود السهو ويكون قبل السلام.
ومن ترك قول: "سبحان ربي الأعلى" في السجود، أو "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وجب عليه سجود السهو، ويكون قبل السلام.
وأما الشك: فهو التردد؛ بأن يتردد الإنسان، هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، فالحكم في ذلك أن يقال: إن كان الإنسان كثير الشكوك لا يكاد يصلي صلاة إلا شك فيها، فلا عبرة في شكه ولا يلتفت له.
وإن كان معتدلاً ليس فيه وسواس وليس فيه شكوك، نظرنا: فإن غلب على ظنه ترجيح شيء، فليأخذ بما غلب على ظنه وليتم عليه، ثم يسجد سجدتين بعد السلام.
وإن قال: ليس عندي ترجيح قلنا: ابن على اليقين وهو الأقل وتتم عليه، ثم اسجد قبل السلام.(14/73)
مثال ذلك: رجل شك؛ هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، نسأله ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: يغلب أنها ثلاث. نقول: ائت بالرابعة واسجد بعد السلام.
إنسان آخر شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً. قلنا له: ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: ليس عندي غلبة ظن والشك عندي متساوٍ. نقول: اجعلها ثلاثاً؛ لأنها الأقل، ثم ائت بالرابعة واسجد سجدتين قبل السلام.
727 وسئل فضيلته – حفظه الله ورعاه – عن مأموم يدخل مع الإمام وينسى كم صلى فهل يقتدي بمن إلى جنبه؟
فأجاب الشيخ بقوله: هذا يقع كثيراً، فقد يدخل اثنان مع الإمام، ثم ينسى أحدهما كم صلى، أو كم أدرك مع إمامه، فيقتدي بالشخص الذي إلى جنبه.
فنقول: لا بأس أن يقتدي بالشخص الذي إلى جنبه، إذا لم يكن عنده ظن يخالفه، أو يقين يخالفه؛ لأن هذا رجوع إلى ما يغلب على ظنه، والرجوع إلى ما يغلب على ظنه في باب العبادات لا بأس به على القول الراجح.
728 وسئل فضيلته: إذا كان السجود بعد السلام هل يلزم له سلام أيضاً؟
...(14/74)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا كان السجود بعد السلام، فإنه يجب له السلام فيسجد سجدتين ثم يسلم.
وهل يجب له التشهد؟
الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا يجب له تشهد.
729 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي في ترك ركن من أركان الصلاة فماذا يعمل؟
فأجاب بقوله: إذا شك في تركه، فهو لا يخلو من ثلاث حالات:
1- 1- إما أن يكون هذا الشك وهماً لا حقيقة له، فهذا لا يؤثر عليه، يستمر في صلاته ولا يلتفت إلى هذا الشك.
2- 2- أن يكون هذا الشك كثيراً، معه، كما يوجد في كثير من الموسوسين – نسأل الله لنا ولهم العافية – فلا يلتفت إليه أيضاً، بل يستمر في صلاته حتى لو خرج من صلاته وهو يرى أنه مقصر فيها فليفعل ولا يلتفت إلى هذا الشك.
3- 3- أن يكون شكه بعد الفراغ من الصلاة، فلا يلتفت إليه ولا يهتم به أيضاً، ما لم يتيقن أنه ترك.
أما إذا كان الشك في أثناء الصلاة، وكان شكاً حقيقياً، ليس وهماً ولا وسواساً فلو أنه سجد، وفي أثناء سجوده شك هل ركع أو لم يركع، فنقول له: قم فاركع؛ لأن الأصل عدم الركوع، إلا إذا(14/75)
غلب على ظنه أنه ركع، فإن الصحيح إذا غلب على ظنه أنه راكع، أنه يعتد بهذا الظن الغالب، ولكن يسجد للسهو بعد السلام.
وسجود السهو باب مهم، ينبغي للإنسان أن يعرفه، ولا سيما الأئمة، لأن الجهل به أمر لا ينبغي من مثلهم، بل الواجب على المؤمن أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله.
730 وسئل فضيلة الشيخ: متى يكون سجود السهو بعد السلام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان سببه الزيادة، أو الشك مع الرجحان؛ يعني شككت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً وترجح عندك أنها ثلاث فإنك تأتي بالرابعة وتسجد للسهو بعد السلام.
731 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمأموم إذا سهى ثم سلم الإمام أن يسجد سجود السهو؟ أم يسلم مع الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر السؤال أن هذا المأموم قد أدرك الصلاة مع الإمام من أولها. وإذا كان كذلك فليس عليه سجود سهو، فإن الإمام يتحمله عنه، لكن لو فرض أن المأموم سهى سهواً تبطل معه إحدى الركعات، فهنا لابد أن يقوم إذا سلم الإمام ويأتي بالركعة التي بطلت من أجل السهو. ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام.(14/76)
732 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: إذا ترك المصلي التشهد الأول فرفع، ولكن تراجع قبل أن يتم القيام، فهل يشرع له سجود السهو أم لا؟
فأجاب بقوله: إذا نسي التشهد الأول ونهض لكن لم يستتم قائماً، فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه.
ولكن هل يجب عليه سجود السهو أم لا؟
الجواب: من العلماء من قال: إنه لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولحديث ورد في ذلك وفيه شيء من الضعف (1) .
ومنهم من قال: ينظر إن كان إلى القيام أقرب وجب عليه سجود السهو، وإن كان إلى الجلوس أقرب لم يجب عليه سجود السهو، فإن سجد فإننا لا ننكر عليه، وإن لم يسجد فإننا لا نأمره بذلك.
733 وسئل فضيلة الشيخ: صليت في أحد المساجد وحدث أن نسي الإمام التشهد الأول واستقام واقفاً، وأخذ من خلفه يسبحون فعاد الإمام فجلس للتشهد، ثم قام فأكمل الصلاة بشكل صحيح، وبعد أن انتهينا من الصلاة قال رجل: أيها الناس إن صلاتكم باطلة؛ فنأمل من فضيلتكم التكرم ببيان الحكم في هذه المسألة؟
__________
(1) الحديث رواه أبو داود والترمذي تقدم في ص56.(14/77)
فأجاب فضيلته بقوله: يقولون: إن الجهل المركب شر من الجهل البسيط، والجهل المركب هو: أن الإنسان لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، وهذه هي المصيبة؛ يفتيك شخص بأمر ليس له عنده به علم، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا في قوله عالم معتبر أخذ عنه متأكداً منه، فيفتي بغير علم فيضل هو ويضل غيره، فهذا الذي أفتاهم ببطلان الصلاة، ووجوب الإعادة ليس عنده في ذلك دليل.
ومثل هذه الصورة: إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام عن التشهد الأول ذات يوم فسبحوا به فمضى ولم يرجع، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين ثم سلم (1) . فهذا هو الواجب إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً. فإن رجوعه محرم ولا يجوز أن يرجع، كما في هذا الإمام الذي سبحوا به فرجع، فإن كان عالماً بأن رجوعه محرم فإن صلاته باطلة، فإن كان لا يدري أن رجوعه محرم، وظن أن الواجب أن يرجع ويجلس للتشهد الأول، وأن الإنسان إذا نبه للتشهد الأول بعد أن قام وجب عليه أن يرجع فرجع هو وظن أن هذا هو الواجب – فإن صلاته لا تبطل وصلاته صحيحة، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام من أجل الزيادة التي زادها وهي القيام، هذا هو حكم هذه المسألة.
__________
(1) تقدم تخريجه في ص16.(14/78)
734 وسئل فضيلة الشيخ: إذا سهى المصلي في التشهد الأخير فهل يعيد التشهد من أوله؟ أو من حيث أخطأ؟ وكذلك في بقية الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يعيد من حيث الخطأ، ثم يأتي بما أخطأ فيه وبما بعده؛ لأن الترتيب لابد منه، وعلى هذا فلو أن الإنسان وقف يصلي ونسي أن يقرأ الفاتحة، ثم ركع وذكر أنه نسي أن يقرأ الفاتحة، فليقم ويقرأ الفاتحة وسورة معها إن كانت السورة مشروعة معها في تلك الوقفة ثم يركع، فمن ترك ركناً فعليه أن يأتي به وبما بعده إلا إذا وصل إليه في الركعة التالية فإن الركعة التالية تقوم مقام الأولى، ويأتي بعد ذلك بركعة بعدها؛ أي بدل الأولى ويسجد للسهو بعد السلام.
735 وسئل فضيلته: رجل صلى خلف الإمام فترك الرفع من السجود؛ لأنه لم يسمع صوت الإمام، ولم يأت بهذا الركن، وبعدما انتهت الصلاة جاء ليسأل الإمام، فهل يأتي بركعة أو يجلس ويسلم مع الإمام؟
فأجاب الشيخ بقوله: نقول يأتي بركعة؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة، ومن ترك ركناً من أركان الصلاة حتى سلم، فإنه يجب عليه أن يأتي بركعة تامة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.(14/79)
736 سئل فضيلة الشيخ: إذا سها المأموم ولزمه السجود فسلم الإمام فهل يسلم معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سها المأموم لزمه سجود السهو، فإن كان لم يفته شيء من الصلاة، سلم مع الإمام وسقط عنه سجود السهو؛ لأن الواجب يسقط عن المأموم مراعاة للمتابعة، كما سقط عنه التشهد الأول إذا نسيه الإمام مراعاة للمتابعة.
وإن كان قد فاته شيء من الصلاة لم يسقط عنه سجود السهو؛ لأنه إذا سجد لم يحصل منه مخالفة لإمامه حيث إن الإمام قد انتهى من صلاته.
737 وسئل فضيلته: إذا سها المصلي عن ركن فما العمل؟
فأجاب فضيلة الشيخ: إذا سها المصلي عن ركن أتى به وبما بعده، إلا أن يصل إلى محله من الركعة التي تليها فتلغو الأولى وتقوم التي تليها مقامها، وفي كلتا الحالين يجب عليه سجود السهو.
738 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان في المصلي نعاس ولا يدري هل سلم أو لا فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان فيه نعاس ولا يدري هل سلم أو لا فليسلم ويسجد للسهو.(14/80)
739 وسئل فضيلة الشيخ: إذا سها المصلي عن قراءة الفاتحة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سها عن قراءة الفاتحة فكسهوه عن بقية الأركان؛ إن كان قد ركع رجع فقرأها إلا أن يصل إلى القيام في الركعة التي تليها فإنها تلغو الأولى وتقوم التي تليها مقامها وعليه سجود السهو، وإن ذكر أنه تركها قبل أن يركع قرأها واستمر في صلاته ولا سجود عليه.
740 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي هل سجد السجدة الثانية فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك هل سجد السجدة الثانية فليرجع ويأت بها ويسجد للسهو.
741 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى وأعلى درجته -: إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام فيما محله قبل السلام فكيف يصنع المسبوق في هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فالمشهور من مذهب الحنابلة: أنهم يتابعون الإمام في السجود بعد السلام لكن لا يسلمون؛ لأن صلاتهم لم تتم ثم إذا انتهى وسلم من سجود السهو قاموا لقضاء ما فاتهم.
...(14/81)
ومن أهل العلم من يقول: إنهم لا يتابعون الإمام في السجود بعد السلام؛ لأن المتابعة متعذرة، إذ أن متابعة الإمام لابد أن تكون بالسلام معه التسليم الأول الذي قبل السجود، وهذا متعذر بالنسبة لمن فاته شيء من الصلاة، وعلى هذا فيقومون بدون أن يتابعوه، ثم إذا قاموا وأكملوا صلاتهم فإن كان سهو الإمام في الجزء الذي أدركوه معه سجدوا للسهو بعد السلام، وإن كان في الجزء السابق فإنهم لم يدركوا الإمام فيه فلا يلزمهم السجود حينئذ، وهذا القول هو الراجح عندي، لأن متابعة الإمام والسجود بعد السلام أمر متعذر في هذه الحال.(14/82)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه. حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سجود السهو تارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعد السلام.
فإن كان قبل السلام سجد سجدتين إذا أكمل التشهد وسلم، وإن كان بعد السلام سجد سجدتين بعد أن يسلم ثم سلم مرة ثانية بعد السجدتين.
* يكون السجود قبل السلام في موضعين:
أحدهما: إذا كان عن نقص، مثل: أن ينسى التشهد الأول، أو ينسى أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، أو ينسى أن يقول: "سبحان ربي الأعلى في السجود، أو ينسى أن يكبر غير تكبيرة الإحرام، أو ينسى أن يقول: "سمع الله لمن حمده" عند الرفع من الركوع.
فإن نسي مثل هذه الواجبات؛ وجب عليه سجود السهو قبل السلام؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قام عن التشهد الأول في صلاته فسبحوا به فمضى في صلاته فلما قضى صلاته وانتظر الناس تلسيمه، كبر قبل التسليم فسجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم(14/83)
ثم سلم". رواه البخاري ومسلم وغيرهما (1) .
الثاني: إذا شك في عدد الركعات فلم يدر كم صلى ولم يترجح عنده شيء، فإنه يبني على الأقل ويسجد للسهو قبل السلام، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم اربعاً ولم يترجح أنها ثلاث أو أربع فليجعلها ثلاثاً ويصلي الرابعة، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم". رواه مسلم (2) .
* ويكون السجود بعد السلام في موضعين:
أحدهما: إذا كان عن زيادة، مثل أن ينسى فيركع مرتين، أو يسجد ثلاث مرات، أو ينسى فيزيد ركعة، أو ينسى فيسلم قبل تمام صلاته ثم يذكر فيتمها، فإذا فعل مثل هذه الأمور، وجب عليه سجود السهود بعد السلام؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صلى بأصحابه الظهر خمساً فأخبروه فانتفل، فثنى رجليه واستقبل القبلة، ثم سجد سجدتين ثم سلم". رواه البخاري ومسلم (3) ، وصلى بهم مرة أخرى: "فسلم من ركعتين فأخبروه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام". رواه البخاري ومسلم (4) .
الثاني: إذا شك في عدد الركعات، فلم يدر كم صلى وترجح
__________
(1) هذا حديث ابن بحينة المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص16.
(2) هذا حديث أبي سعيد الخدري رواه مسلم تقدم تخريجه في ص31.
(3) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه، تقدم تخريجه في ص15.
(4) هذا من حديث أبي هريرة المتفق عليه، تقدم تخريجه في ص15.(14/84)
عنده أحد الطرفين فإنه يبني على ما ترجح عنده فيتم صلاته عليه ويسلم ثم يسجد سجدتين ويسلم.
فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً وترجح عنده أنها ثلاث، فليصل الرابعة ويسلم ثم يسجد سجدتين، ويسلم، وإذا شك هل صلى ثلاثاً أم اثنتين وترجح عنده أنها ثلاث، جعلها ثلاثاً وصلى الرابعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (1) ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الذي يرى أنه الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين". رواه البخاري ومسلم (2) . والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/12/1402هـ.
__________
(1) هذا من حديث أبي سعيد الخدري رواه مسلم وتقدم في ص41.
(2) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص31.(14/85)
742 وسألت فضيلة الشيخ: امرأة فقالت: أنا امرأة أفعل ما فرضه الله عليَّ من العبادات، إلا أنني في الصلاة كثيرة السهو، بحيث أصلي وأنا أفكر في بعض ما حدث من الأحداث في ذلك اليوم، ولا أفكر فيه إلا عند البدء في الصلاة، ولا أستطيع التخلص منه عند الجهر بالقراءة، فبتم تنصحني؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الأمر الذي تشتكين منه، يشتكي منه كثير من المصلين، وهو أن الشيطان يفتح عليه باب الوساوس أثناء الصلاة، فربما يخرج الإنسان وهو لا يدري عما يقول في صلاته، ولكن دواء ذلك أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أن ينفث الإنسان عن يساره ثلاث مراة وليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (1) ، فإذا فعل ذلك زال عنه ما يجده بإذن الله.
وعلى المرء إذا دخل في الصلاة أن يعتقد أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي الله تبارك وتعالى، ويتقرب إليه بتكبيره وتعظيمه، وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى، وبالدعاء في مواطن الدعاء في الصلاة، فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور، فإنه يدخل في الصلاة بخشوع وتعظيم الله سبحانه وتعالى ومحبة لما عنده من الخير، وخوف من عقابه إذا فرط فيما أوجب الله عليه.
__________
(1) تقدم تخريجه في ج13/110.(14/86)
743 وسئل فضيلته: إذا غلب على المصلين الوسواس أكثر الصلاة فهل تصح صلاتهم؟
فأجاب الشيخ بقوله: اختلف العلماء – رحمهم الله – فيما إذا لم يحضر القلب في أكثر الصلاة.
فمن العلماء من قال: إذا غلب الوسواس يعني: الهواجس أكثر الصلاة بطلت الصلاة، لكن قول الجمهور: لا تبطل ولو غلب الوسواس على أكثرها.
واستدل الجمهور بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً، فإذا لم يدر ثلاثاً صلى أو أربعاً سجد سجدتي السهو". وفي رواية: "حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا – لما لم يكن يذكر – حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى" (1) .
وهذا يدل على أن الوسواس لا تبطل الصلاة به، وهذا القول أرفق بالناس، وأقرب إلى ما تقتضيه الشريعة الإسلامية في اليسر والتسهيل؛ لأننا لو قلنا ببطلان الصلاة في حال غفلة الإنسان، وعدم حضور قلبه لبطلت صلاة كثير من الناس.
وإن كان القول بالبطلان لا يستلزم هذا؛ لأنه ربما قلنا: إنه إذا
__________
(1) تقدم تخريجه في ج13/110.(14/87)
غلبت الوساوس على الصلاة بطلت، ربما يكون هذا سبباً لشد الناس إلى حضور قلوبهم في الصلاة، لكن على كل حال يظهر أن رأي الجمهور هو الصحيح، أن الإنسان إذا لم يحضر قلبه في الصلاة فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة بحسب ما غفل عن صلاته، وعلى الإنسان أن يجاهد نفسه، وأن يحاول بقدر ما يستطيع حضور قلبه في الصلاة.
744 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا غلبت الهواجس على المصلي فما حكم صلاته؟ وما طريق الخلاص منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذه الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الهواجس في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كمن كان طالب علم وصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم، إذا غلب هذا على أكثر الصلاة فإن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة صحيحة، وأنها لا تبطل بهذه الوساوس، لكنها ناقصة جداً فقد ينصرف الإنسان من صلاته، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها أو أقل (1) .
أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثر، لكن ينبغي للإنسان أن يكون
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: ما جاء في نقصان الصلاة (796) ، ولفظه: "إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها".(14/88)
حاضر القلب في صلاته؛ لأن ذلك هو الخشوع، والخشوع هو لب الصلاة وروحها.
ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم (1) ، فإذا فعل ذلك أذهبه الله وإذا كان مأموماً في الصف، فإن التفل لا يمكنه لأن الناس عن يساره، ولكن يقتصر على الأستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه. والله الموفق.
745 وسئل فضيلته: عن حضور القلب في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع في حق المصلي، إماماً كان أو مأموماً، أو منفرداً أن يحضر قلبه في صلاته، فيقبل عليها، ويعقل ما يقوله ويفعله ليكون مصلياً بقلبه وجوارحه، فأما صلاته بجوارحه مع غفلة قلبه فهي صلاة ناقصة، حتى قال بعض العلماء: إن الهواجس إذا غلبت على أكثر الصلاة بطلت الصلاة، وإذا أدت هذه الهواجس إلى ترك ما يلزم في الصلاة كان ذلك كتركه عمداً إن كان من الأركان، وكتركه سهواً إن كان من الواجبات، وعلى هذا فلا يتحمله الإمام عنه إن كان ركناً، أما إن كان واجباً فعليه سجود السهو لتركه، ويتحمل الإمام عنه سجود السهو إذا لم يفته شيء من الصلاة.
__________
(1) ورد ذلك في حديث عثمان بن أبي العاص رواه مسلم وتقدم في ج13/110.(14/89)
746 وسئل فضيلة الشيخ: عن شخص كثير الشكوك في الصلاة فما توجيهكم؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: الشكوك الكثيرة يجب طرحها وعدم الالتفات لها؛ لأنها تلحق الإنسان بالموسوس، ولا يقتصر الشيطان على تشكيكه في ذلك، بل يشككه في أمور أخرى حتى إنه قد تبلغ به الحال إلى أن تشككه الوساوس فيما يتعلق بالتوحيد، وصفات الله عز وجل، ويشككه في طلاق زوجته وبقائها معه، وهذا خطير على عقل الإنسان وعلى دينه.
ولهذا قال العلماء: إن الشكوك لا يلتفت إليها في ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون مجرد وهم لا حقيقة له، فهذه مطرحة ولا يلتفت إليها إطلاقاً.
الثانية: أن تكثر الشكوك، ويكون الإنسان كلما توضأ شك، وكلما صلى شك، وكلما فعل فعلاً شك، فهذا أيضاً يجب طرحه وعدم اعتباره.
الثالثة: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر.
مثال ذلك: لو شك بعد أن سلم من صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في رباعية، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، لأن العبادة قد فرغت، إلا إذا تيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً فليأت بالرابعة ما دام الوقت قصيراً وليسجد للسهو بعد السلام، فإن طال الفصل أعاد الصلاة كلها من جديد.(14/90)
747 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: عن الأسباب التي تعين على الخشوع في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخشوع في الصلاة هو: حضور القلب، ومما يعين عليه ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث شكي إليه أن الرجل يأتيه الشيطان ويوسوس له في صلاته، ويحول بينه وبين صلاته، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتفل الرجل عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم (1) وهذا من أنفع الأدوية، بل أنفعها.
ومنها أيضاً: أن يستحضر الإنسان عظمة من هو واقف بين يديه، وهو الله عز وجل ويقبل على صلاته يتدبر ما يقول من كلام الله، وما يقول من ذكر، وما يفعل من أفعال وحركات حتى يتبين له عظمة الصلاة. وحينئذ تزول عنه هذه الوساوس.
748 وسئل فضيلة الشيخ: كيف يمكننا الخشوع في الصلاة، وعند قراءة القرآن في الصلاة وخارجها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخشوع هو لب الصلاة ومخها، ومعناه: حضور القلب وأن لا يتجول قلب المصلي يميناً وشمالاً.
وإذا أحس الإنسان بشيء يصرفه عن الخشوع فليتفل عن يساره ثلاث مرات، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمر
__________
(1) هذا حديث عثمان بن أبي العاص، رواه مسلم وتقدم تخريجه في ج13/110.(14/91)
بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ولا شك أن الشيطان حريص على إفساد جميع العبادات؛ لاسيما الصلاة التي هي أفضل العبادات بعد الشهادتين، فيأتي المصلي ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا. ويجعله يسترسل في الهواجس التي ليس منها فائدة والتي تزول عن رأسه بمجرد انتهائه من الصلاة.
فعلى الإنسان أن يحرص غاية الحرص على الإقبال على الله – عز وجل – وإذا أحس بشيء من هذه الهواجس، والوساوس فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، سواء كان راكعاً أو في التشهد أو القعود أو في غير ذلك من صلاته.
ومن أفضل الأسباب التي تعينه على الخشوع في صلاته: أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله وأنه يناجي ربه.
749 وسئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيما يفعله كثير من المصلين حينما يسمعون الآيات تتلى لا يبكون وعندما يسمعون الدعاء يبكون؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يمكن الإجابة عليه من قبلي أنا، وإنما يمكن أن يوجه السؤال إلى نفس الذي يتصف بهذا الوصف، فإن كثيراً من الناس لا تلين قلوبهم للقرآن؛ لأن القرآن كثير التردد عليهم، وتلين قلوبهم للدعاء؛ لأنه يندر سماعهم إياه،
__________
(1) تقدم في ج13/110.(14/92)
ونحن نعرف أن الشيء إذا كان يكثر تردده لا يكون كالشيء الغريب.
ولكني مع هذا أقول: إننا لو قرأنا القرآن بتدبر حقيقي، لكان هو السبب الوحيد لتليين القلوب، وإقبالها إلى الله عز وجل.
وإنني بهذه المناسبة: أحث نفسي وإخواني على قراءة القرآن بتدبر وتأمل حتى ينتفعوا به، قال الله عز وجل في سورة (ق) بعد أن ذكر حال الإنسان عند موته وحال الإنسان عند الجزاء قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ: 37) .(14/93)
رسالة في سجود السهو
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كثيراً من الناس يجهلون كثيراً من أحكام سجود السهو في الصلاة.
فمنهم من يترك سجود السهو في محل وجوبه.
ومنهم من يسجد في غير محله.
ومنهم من يجعل سجود السهو قبل السلام وإن كان موضعه بعده.
ومنهم من يسجد بعد السلام وإن كان موضعه قبله.
ولذا كانت معرفة أحكامه مهمة جداً، لاسيما للأئمة الذين يقتدي الناس بهم وتقلدوا المسؤولية في اتباع المشروع في صلاتهم التي يؤمون المسلمين بها، فأحببت أن أقدم لإخواني بعضاً من أحكام هذا الباب راجياً من الله تعالى أن ينفع به عباده المؤمنين فأقول مستعيناً بالله تعالى مستلهماً منه التوفيق للصواب:
سجود السهو: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبر الخلل الحاصل في صلاته من أجل السهو، وأسبابه ثلاثه: الزيادة، والنقص، والشك.
أولاً: الزيادة:
إذا زاد المصلي في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو(14/94)
سجوداً متعمداً بطلت صلاته، وإن كان ناسياً ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إلا سجود السهو، وصلاته صحيحة، وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع عنها وسجود السهو، وصلاته صحيحة.
مثال ذلك: شخص صلى الظهر (مثلاً) خمس ركعات ولم يذكر الزيادة إلا وهو في التشهد، فيكمل التشهد، ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
فإن لم يذكر الزيادة إلا بعد السلام سجد للسهو وسلم، وإن ذكر الزيادة وهو في أثناء الركعة الخامسة جلس في الحال فيتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه (1) – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: "وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم. وفي رواية: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم. رواه الجماعة (2) .
السلام قبل تمام الصلاة:
السلام قبل تمام الصلاة من الزيادة في الصلاة، ووجه كونه
__________
(1) تقدم ص15.
(2) بقية الجماعة: رواه أبو داود في الصلاة باب: إذا صلى خمساً ح (2019) وح (1020) ، والترمذي في باب: ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام ح (392) ، والنسائي في السهو باب التحري 3/33 ح (1242) و (1243) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن شك في صلاته (1211) .(14/95)
من الزيادة أنه زاد تسليماً في أثناء الصلاة، فإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته متعمداً بطلت صلاته.
وإن كان ناسياً ولم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد.
وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين وثلاث فإنه يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم، دليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فخرج السرعان من أبواب المسجد يقولون: قصرت الصلاة، وقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خشبة المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، فقام رجل فقال يا رسول الله: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم أنس ولم تقصر" فقال الرجل: بلى قد نسيت، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصحابة: "أحق ما يقول؟ " قالوا: نعم، فتقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى ما بقي من صلاته ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم. متفق عليه (1) .
وإذا سلم الإمام قبل تمام صلاته وفي المأمومين من فاتهم بعض الصلاة فقاموا لقضاء ما فاتهم ثم ذكر الإمام أن عليه نقصاً في صلاته فقام ليتمها، فإن المأمومين الذين قاموا لقضاء ما فاتهم يخيرون بين أن يستمروا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسهو، وبين أن يرجعوا مع الإمام فيتابعوه، فإذا سلم قضوا ما فاتهم، وسجدوا للسهو بعد السلام. وهذا أولى وأحوط.
__________
(1) تقدم تخريجه في ص15.(14/96)
ثانياً: النقص:
أ- نقص الأركان:
إذا نقص المصلي ركناً من صلاته فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له سواء تركها عمداً أم سهواً؛ لأن صلاته لم تنعقد.
وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن تركه متعمداً بطلت صلاته.
وإن تركه سهواً فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: شخص نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى فذكر ذلك وهو جالس بين السجدتين في الركعة الثانية فتلغو الركعة الأولى وتقوم الثانية مقامها، فيعتبرها الركعة الأولى ويكمل عليها صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
ومثال آخر: شخص نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى فذكر ذلك بعد أن قام من الركوع في الركعة الثانية فإنه يعود ويجلس ويسجد، ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
ب- نقص الواجبات:
إذا ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
...(14/97)
وإن كان ناسياً وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه.
وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط فلا يرجع إليه فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
مثال ذلك: شخص رفع من السجود الثاني في الركعة الثانية ليقوم إلى الثالثة ناسياً التشهد الأول فذكر قبل أن ينهض فإنه يستقر جالساً فيتشهد، ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه.
وإن ذكر بعد أن نهض قبل أن يستتم قائماً رجع فجلس وتشهد، ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن ذكر بعد أن استتم قائماً سقط عنه التشهد فلا يرجع إليه فيكمل صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
دليل ذلك: ما رواه البخاري وغيره (1) عن عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس (يعني التشهد الأول) فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.
__________
(1) متفق عليه وتقدم في ص16.(14/98)
ثالثاً: الشك:
الشك: هو التردد بين أمرين أيهما الذي وقع.
والشك لا يلتفت إليه في العبادات في ثلاث حالات:
الأولى: إذا كان مجرد وهم لا حقيقة له كالوساوس.
الثانية: إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيه شك.
الثالثة: إذا كان بعد الفراغ من العبادة فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه.
مثال ذلك: شخص صلى الظهر فلما فرغ من صلاته شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فلا يلتفت لهذا الشك إلا أن يتيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً فإنه يكمل صلاته إن قرب الزمن ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم، فإن لم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد.
وأما الشك في غير هذه المواضع الثلاثة فإنه معتبر.
ولا يخلو الشك في الصلاة من حالين:
الحال الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا شك(14/99)
أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين" هذا لفظ البخاري (1) .
الحال الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول، ويأتي بعده بركعتين، ويسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما رواه مسلم (2) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً – أي أربع – كانتا ترغيماً للشيطان".
ومن أمثلة الشك: إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل، ثم يركع وحينئذ لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع منه فيكون مدركاً للركعة وتسقط عنه قراءة الفاتحة.
الثانية: أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه فيه فقد فاتته الركعة.
...
__________
(1) تقدم تخريجه في ص31.
(2) تقدم تخريجه في ص42.(14/100)
الثالثة: أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركاً للركعة، أو أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه ففاتته الركعة، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بما ترجح فأتم عليه صلاته وسلم، ثم سجد للسهو وسلم إلا أن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا سجود عليه حينئذ.
وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين (وهو أن الركعة فاتته) فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
فائدة:
إذا شك في صلاته فعمل باليقين أو بما ترجح عنده حسب التفصيل المذكور ثم تبين له أن ما فعله مطابق للواقع وأنه لا زيادة في صلاته ولا نقص سقط عنه سجود السهو على المشهور من المذهب لزوال موجب السجود وهو الشك.
وقيل: لا يسقط عنه ليراغم به الشيطان لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان" (1) . ولأنه أدى جزءاً من صلاته شاكاً فيه حين أدائه وهذا هو الراجح.
مثال ذلك: شخص يصلي فشك في الركعة أهي الثانية أم الثالثة؟ ولم يترجح عنده أحد الأمرين فجعلها الثانية وأتم عليها صلاته، ثم تبين له أنها هي الثانية في الواقع، فلا سجود عليه على المشهور من المذهب، وعليه السجود قبل السلام على القول الثاني الذي رجحناه.
__________
(1) من حديث أبي سعيد الخدري، تقدم تخريجه ص42.(14/101)
سجود السهو على المأموم:
إذا سها الإمام وجب على المأموم متابعته في سجود السهو لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" إلى أن قال: "وإذا سجد فاسجدوا" متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه (1) -.
وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده فيجب على المأموم متابعته إلا أن يكون مسبوقاً أي قد فاته بعض الصلاة فإنه لا يتابعه في السجود بعده لتعذر ذلك إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه، وعلى هذا فيقضي ما فاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
مثال ذلك: رجل دخل مع الإمام في الركعة الأخيرة، وكان على الإمام سجود سهو بعد السلام، فإذا سلم الإمام فليقم هذا المسبوق لقضاء ما فاته ولا يسجد مع الإمام فإذا أتم ما فاته وسلم سجد بعد السلام.
وإذا سها المأموم دون الإمام ولم يفته شيء من الصلاة فلا سجود عليه؛ لأن سجوده يؤدي إلى الاختلاف على الإمام واختلال متابعته؛ ولأن الصحابة – رضي الله عنهم – تركوا التشهد الأول حين نسيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاموا معه ولم يجلسوا للتشهد مراعاة للمتابعة وعدم الاختلاف عليه.
فإن فاته شيء من الصلاة فسها مع إمامه أو فيما قضاه بعده لم يسقط عنه السجود فيسجد للسهو إذا قضى ما فاته قبل السلام، أو
__________
(1) تقدم تخريجه في ج13/122.(14/102)
بعده حسب التفصيل السابق.
مثال ذلك: مأموم نسي أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، ولم يفته شيء في الصلاة، فلا سجود عليه. فإن فاتته ركعة أو أكثر قضاها ثم سجد للسهو قبل السلام.
مثال آخر: مأموم يصلي الظهر مع إمامه فلما قام الإمام إلى الرابعة جلس المأموم ظناً منه أن هذه الركعة الأخيرة، فلما علم أن الإمام قائم قام فإن كان لم يفته شيء من الصلاة فلا سجود عليه، وإن كان قد فاتته ركعة فأكثر قضاها وسلم، ثم سجد للسهو وسلم. وهذا السجود من أجل الجلوس الذي زاده أثناء قيام الإمام إلى الرابعة.
تنبيه:
تبين مما سبق أن سجود السهو تارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعده.
فيكون قبل السلام في موضعين:
الأول: إذا كان عن نقص، لحديث عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد للسهو قبل السلام حين ترك التشهد الأول. وسبق ذكر الحديث بلفظه.
الثاني: إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ حيث أمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وسبق ذكر الحديث بلفظه.
...(14/103)
ويكون سجود السهو بعد السلام في موضعين:
الأول: إذا كان عن زيادة لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حين صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر خمساً فذكروه بعد السلام فسجد سجدتين ثم سلم، ولم يبين أن سجوده بعد السلام من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعده، فدل على عموم الحكم وأن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام سواء علم بالزيادة قبل السلام أم بعده.
ومن ذلك: إذا سلم قبل إتمام صلاته ناسياً ثم ذكر فأتمها فإنه زاد سلاماً في أثناء صلاته فيسجد بعد السلام لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حين سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الظهر أو العصر من ركعتين فذكروه فأتم صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم وسبق ذكر الحديث بلفظه.
الثاني: إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر من شك في صلاته أن يتحرى الصواب فيتم عليه، ثم يسلم ويسجد. وسبق ذكر الحديث بلفظه.
وإذا اجتمع عليه سهوان موضع أحدهما قبل السلام، وموضع الثاني بعده فقد قال العلماء: يغلب ما قبل السلام فيسجد قبله.
مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فقام إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول وجلس في الثالثة يظنها الثانية ثم ذكر أنها الثالثة فإنه يقوم ويأتي بركعة ويسجد للسهو ثم يسلم.
...(14/104)
فهذا الشخص ترك التشهد الأول وسجوده قبل السلام، وزاد جلوساً في الركعة الثالثة وسجوده بعد السلام فغلب ما قبل السلام. والله أعلم.
والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لفهم كتابه، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعمل بهما ظاهراً وباطناً في العقيدة، والعبادة، والمعاملة، وأن يحسن العاقبة لنا جميعاً، إنه جواد كريم. ...
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
تم تحريره بقلم الفقير إلى الله تعالى محمد الصالح العثيمين في 4/3/1400هـ.(14/105)
فهذا الشخص ترك التشهد الأول وسجوده قبل السلام، وزاد جلوساً في الركعة الثالثة وسجوده بعد السلام فغلب ما قبل السلام. والله أعلم.
والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لفهم كتابه، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعمل بهما ظاهراً وباطناً في العقيدة، والعبادة، والمعاملة، وأن يحسن العاقبة لنا جميعاً، إنه جواد كريم. ...
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
تم تحريره بقلم الفقير إلى الله تعالى محمد الصالح العثيمين في 4/3/1400هـ.(14/106)
باب صلاة التطوع
*(14/107)
باب صلاة التراويح
* الوتر:
- موضع القنوت
- دعاء القنوت
- مسح الوجه باليدين
* التراويح
- عدد ركعات التراويح
* السنن الرواتب
- عدد السنن الرواتب
- قضاء السنن الرواتب
- صلاة الليل والنهار مثنى
* سنة الضحى
* سجود التلاوة
* سجود الشكر
* صلاة الاستخارة
*(14/109)
صلاة الحاجة
* صلاة التسبيح
* صلاة الفائدة
* إقامة النافلة جماعة
* أوقات النهي
- تحية المسجد
- الفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع(14/110)
750 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن صلاة التطوع من حيث الفضل والأنواع؟
فأجاب فضيلته بقوله: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج. وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، ليزدادوا ثواباً وقرباً إلى الله تعالى، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة.
فمن التطوع في الصلاة: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات، كلها راتبة للظهر، أما العصر فليس لها راتبة، أما المغرب فلها راتبة ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وتخص الركعتان قبل الفجر، بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وأن يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية، أو بقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .
(
البقرة: 136) الآية في سورة البقرة في الركعة الأولى. و (قُلْ يَا أَهْلَ(14/111)
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64) الآية في سورة آل عمران في الركعة الثانية. وبأنها – أي راتبة الفجر – تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" (1) .
ومن النوافل في الصلوات: الوتر، وهو من أوكد النوافل، حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
والوتر تختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام، ومن طمع أن يقوم آخر الليل، فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (2) . وأقله ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال: ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار، إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين، ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر
__________
(1) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر ح96 (725) .
(2) أخرجه البخاري في الوتر باب: ليجعل آخر صلاته وتراً ح (998) . ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب: صلاة اليل مثنى مثنى ح151 (751) .(14/112)
بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بتسع فإنه يسردها، ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم. فيكون فيها تشهدان وسلام واحد. وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة، فإنه يسلم من كل ركعتين ويأتي بالحادية عشرة وحدها.
وإذا نسي الوتر، أو نام عنه، فإنه يقضيه من النهار، لكن مشفوعاً، لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث، صلى أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس، صلى ستاً وهكذا. لأنه ثبت في الصحيح، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة" (1) .
751 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: أيهما أفضل قيام الليل أو طلب العلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: طلب العلم أفضل من قيام الليل؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد لا يعدله شيء لمن صحت نيته، بأن ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، فإذا كان الإنسان يسهر في أول الليل لطلب العلم ابتغاء وجه الله سواءً كان يدرسه أو كان يدرسه ويعلمه الناس فإنه خير من قيام الليل، وإن أمكنه أن يجمع بين الأمرين فهو أولى، لكن إذا تزاحم الأمران فطلب العلم الشرعي أفضل وأولى، ولهذا أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام (2) ، قال العلماء: وسبب ذلك أن أبا هريرة كان يتحفظ أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الليل وينام آخر الليل، فأرشده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن يوتر قبل أن ينام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح139 (746) .
(2) رواه البخاري/ كتاب التهجد: باب صلاة الضحى في الحضر، ومسلم/ كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة الضحى.(14/113)
752 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته -: ما حكم الوتر وهل هو خاص برمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر سنة مؤكدة في رمضان وغيره، حتى إن الإمام أحمد وغيره يقول: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل شهادته" فهو سنة مؤكدة لا ينبغي للمسلم تركه لا في رمضان ولا في غيره، والوتر هو أن يختم صلاة الليل ركعة، وليس الوتر كما يفهمه بعض العوام أنه القنوت، فالقنوت شيء، والوتر شيء، فالوتر أن يختم صلاة الليل بركعة أو بثلاث سرداً.
وعلى كل حال فالوتر سنة مؤكدة في رمضان وفي غيره ولا ينبغي للمسلم أن يدعه.
753 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا.
لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة (1) .
__________
(1) تقدم تخريجه ص113.(14/114)
754 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حكم من فاته الوتر ولم يتمكن من فعله قبل الفجر فهل يجوز له الوتر بعد طلوع الفجر؟ أفتونا وفقكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يوتر بعد طلوع الفجر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (1) . فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر؛ ولأنه صلاة تختم به الليل فلا تكون بعد انتهائه.
755 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر، فهل يتم صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه.
756 وسئل فضيلة الشيخ: هل تجوز صلاة الوتر قبل النوم؟ وهل يحتسب من قيام الليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان من عادة المصلي أن لا يقوم إلا عند أذان الفجر فمن الأفضل أن يقدم الصلاة التي يريد أن يؤديها قبل أن ينام؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر: رواه البخاري في أول الوتر ح (990) ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل مثنى مثنى ح145 (749) .(14/115)
أن ينام (1) .
فأنت صل ما كتب الله لك من الصلاة، وأوتر قبل النوم، ونم على وتر، وإذا قدر لك القيام قبل إذان الفجر وأردت أن تصلي نفلاً فلا حرج عليك على أن تصلي هذا النفل ركعتين، ولا تعيد الوتر.
757 وسئل فضيلته: هل يجوز للمصلي قضاء صلاة الوتر إذا قام صباحاً ولم يستيقظ قبل أذان الفجر، وكذلك صلاة الفجر، وراتبة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقضي الوتر إذا نام عنه في النهار لكن يكون شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث قضاه أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بواحدة قضاه ركعتين.
وأما الفريضة والراتبة فيقضيها على صفتها.
758 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز الإيتار بثلاث بتشهد واحد لا يجلس إلا في آخر الثلاث؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز لمن أوتر بثلاث أن يوتر على صفتين:
__________
(1) تقدم تخريجه ص113.(14/116)
إحداهما: أن يصلي ركعتين ثم يوتر بواحدة منفردة.
والثانية: أن يوتر بثلاث جميعاً لا يفصل بينهن بجلوس ولا بتسليم لأن ذلك كله قد ورد عن السلف، وأظن فيه حديثاً مرفوعاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثلاث (1) .
759 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: هل يجوز جمع الشفع والوتر في صلاة واحدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أوتر الإنسان بثلاث، فيجوز أن يصليها على وجهين:
إما أن يجمعها جميعاً في تشهد واحد فيصلي الثلاث ركعات جميعاً في تشهد واحد، وتسليم واحد.
وإما أن يصلي ركعتين ويتشهد ويسلم، ثم يصلي الثالثة.
وأما إذا أوتر بخمس فإن الأفضل أن يسردها جميعاً ويتشهد في الخامسة ويسلم. وإذا أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً ويتشهد في السابعة ويسلم. وإذا أوتر بتسع سردها جميعاً لكنه يتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم.
وإذا أوتر بإحدى عشرة فإنه يسلم من كل ركعتين هكذا جاءت السنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: كم الوتر ح (1422) وسيأتي ص119 بسياق الشيخ له.(14/117)
760 سئل فضيلة الشيخ: عن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى ... " الحديث (1) يدل على جواز الصلاة إلى عدد غير محدد؛ لأن هذا الحديث مطلق، وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة ركعة فهل يعد ذلك تقييداً للحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا حديث مطلق، وفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داخل في هذا المطلق، وفعل بعض الأفراد على وجه لا يخالف الإطلاق لا يعد تقييداً كما هو معروف عند الأصوليين، فأنت لو قلت: أكرم رجلاً. وقلت: أكرم محمداً: فلا يعني ذلك أن الحكم يتقيد بمحمد؛ لأنه داخل في أفراد المطلق، ولكن يصدق عليه أنك التزمت الأمر، وكذلك لو قلت: أكرم الرجال، فأكرمت واحداً بعينه، فلا يعتبر ذلك تخصيصاً، بل نقول: إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يتنافى مع حكم العام فليس هذا من باب التخصيص فكذلك في التقييد.
761 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الإيتار بركعة، وخمس، وتسع؟ وهل يجوز الوتر مثل صلاة المغرب بحيث يصلي الرجل ركعتين ثم يجلس للتشهد ويقوم للثالثة قبل أن يسلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر بركعة وبالثلاث وبالخمس والسبع والتسع كله جائز وردت به السنة، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
__________
(1) متفق عليه وتقدم ص115.(14/118)
صلاة الليل فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى" (1) . فهذا واضح بأن الوتر بركعة جائز. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" (2) ، وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها (3) ، ويوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرها، وأنه يوتر بتسع ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم للتاسعة بدون تسليم، ثم يختمها بالتشهد والتسليم (4) .
وأما الإيتار بثلاث كصلاة المغرب فإنه منهي عنه؛ لأن النافلة لا ينبغي أن تشبه بالفريضة، فإن لكل حكمه وشأنه، فالإيتار بالثلاث على وجهين:
إما أن يسلم عند الركعتين ويوتر بالثالثة كما صح ذلك من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – من فعله (5) .
وإما أن يوتر بثلاث بدون تشهد إلا في الأخيرة كما في حديث عائشة الثابت في الصحيحين أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب: كم الوتر ح (1422) .
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل ح123 (737) .
(4) رواه أيضاً الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في الوتر بخمس ح (459) ، ورواه النسائي في قيام الليل، باب 41: كيف الوتر بخمس وباب 42 و43 ح (1714 – 1726) ، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع ح (1190) و (1191) .
(5) تقدم حديثه ص115، أما فعله فرواه مالك في موطأه باب: الأمر بالوتر 1/121 (306) .(14/119)
عشر ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسال عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" (1) ، وظاهر هذا أن هذه الثلاث بتسليم واحد.
وأما الصفة الثالثة للإيتار بالثلاث وهي أن يجعلها كصلاة المغرب فإنها لم ترد، والذي يحضرني الآن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يشبه الوتر بالمغرب.
762 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يصلي الشفع والوتر بثلاث ركعات وتسليم واحد، أو يسلم للشفع ثم يأتي بالوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: كلاهما صواب، فإذا أوتر الإنسان بثلاث فإنه يجوز أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بالثالثة ويسلم، ويجوز أن يسرد الثلاث جميعاً بسلام واحد وبتشهد واحد لا بتشهدين كالمغرب، وعلى هذا فالذي يوتر بثلاث نقول لك الخيار؛ إن شئت فأوتر بثلاث مقرونة جميعاً لكن بتشهد واحد، وإن شئت أوتر بثلاث؛ ركعتين وحدهما، وركعة واحدة وحدها. والله الموفق.
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في التهجد باب: قيام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل ح (1147) ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل ح125 (738) .(14/120)
763 وسئل فضيلة الشيخ: عن قضاء صلاة الوتر في النهار هل يكون ثلاث ركعات أو ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، ولكن إذا غلبك النوم فاقض الوتر من النهار شفعاً، فإذا كان الإنسان يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإذا كان يوتر بخمس صلى ستاً، وإذا كان يوتر بسبع صلى ثمان، وإذا كان يوتر بتسع صلى عشراً، وإذا كان يوتر بإحدى عشرة صلى اثنتي عشرة ركعة، وينبغي للإنسان إذا كان يخشى أن لا يقوم آخر الليل أن يوتر قبل أن ينام، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام (1) ، أما إذا كان يطمع أن يقوم آخر الليل، فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل؛ لأن صلاة آخر الليل مشهودة.
764 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: أورد العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه زاد المعاد (2) في معرض كلامه عن صلاة القيام، أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس (3) ، هل هذه من السنة التي وردت عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم ص113.
(2) انظر: زاد المعاد 1/321 وما بعدها.
(3) ورد ذكر هاتين الركعتين فيما رواه مسلم ح126 (738) كتاب صلاة المسافرين عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ... " الحديث.(14/121)
فأجاب فضيلته بقوله: كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً، فاختلف العلماء في تخريج هذا، مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) .
فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما فعله فهو خاص به؛ لأننا إذا واجهنا الله عز وجل يوم القيامة وقلنا، إننا نصلي ركعتين بعد الوتر، لأن نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها سيقول الله عز وجل: ألم يقل لك نبيي: اجعل آخر صلاتك بالليل وتراً؟ ولم يقل صل ركعتين بعد الوتر وأنت جالس؟ فلماذا لم تتبع القول، فقد يكون الفعل خاصاً بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى هذا التقدير ليس هناك إشكال، فهاتان الركعتان ليستا تشريعاً للأمة، بل هما من خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال بعض العلماء: إن هاتي الركعتين لا تنافيان قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" لأن هاتين الركعتين للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبة، ولهذا كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليهما جالساً لا قائماً، وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم، فاعمل بذلك أحياناً.
765 سئل فضيلة الشيخ: هل الركعة بعد صلاة العشاء تعد وتراً؟ أي بعد الركعتين الأخيرتين، وهل تكون جهراً أو سراً؟
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.(14/122)
وهل تكون من قصار السور أو من طوال السور؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يريد السائل أن يقول: هل يجوز أن يوتر الإنسان بركعة واحدة، بعد راتبة العشاء؟
الجواب: يجوز أن يوتر بواحدة بعد صلاة العشاء وارتبتها. وأن يوتر بثلاث سرداً بتشهد بآخرها، وأن يوتر بثلاث يسلم من ركعتين ثم يأتي بالثالثة، وأن يوتر بخمس سرداً بتسليم واحد، وسبع ركعات سرداً كذلك بسلام واحد، وأن يوتر بتسع سرداً، وأن يتشهد عقب الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم، ويجوز أن يوتر بإحدى عشرة ركعبة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة. فالأمر في هذا واسع (1) .
وأما القراءة: فيقرأ ما تيسر له سواء أوتر بواحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، إلا إذا أوتر بثلاث، فالأفضل أن يقرأ في الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) . وفي اركعة الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) . وفي الركعة الثالثة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) .
766 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: نرجو من فضيلتكم التفصيل في مسألة نقض الوتر، وكيف تفسر أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل فيها: "لا وتران في
__________
(1) راجع ص118.(14/123)
ليلة" (1) وحديث: "اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً" (2) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقض الوتر عند من يقول به أن الإنسان إذا أوتر في أول الليل ثم قام من آخر الليل يتهجد، بدأ قيامه في آخر الليل بركعة لتشفع الركعة الأولى، حتى تكون الركعتان شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين وإذا انتهى صلى الوتر.
ولكن هذا القول ضعيف وليس بصحيح، ولكن إذا أوتر الإنسان في أول الليل بناء على أنه لا يقوم من آخر الليل فإنه يكون ممتثلاً لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" فإن قدر أن يقوم من آخر الليل فيصلي ركعتين ركعتين ولا يعارض هذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً". وهذا قد فعل ثم قدر له أن يقوم فيصلي ركعتين ركعتين لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى" (3) .
767 وسئل فضيلة الشيخ: ورد في الحديث: "لا وتران في ليلة"، فماذا يفعل من أراد أن يصلي التراويح ثم بعد ذلك القيام؟ وهل من صلى التراويح ثم انصرف يكتب له قيام ليلة كما ورد في الحديث؟
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: في نقض الوتر ح (1439) .
(2) متفق عليه وتقدم ص112.
(3) متفق عليه وتقدم ص115.(14/124)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان مع الإمام الأول وأوتر (1) فإذا كان من نيته أن يصلي مع الإمام الثاني فإنه يشفع الوتر، أي إذا سلم الإمام قام فأتى بركعة، فإذا أتى بركعة صارت صلاته شفعاً، وصار الوتر في آخر الليل.
ولكن قد يقول لنا قائل: ما دليلكم على أنه يجوز للإنسان أن يزيد على إمامه ركعة؟
فالجواب على ذلك: أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بأصحابه في غزوة الفتح يصلي ركعتين ويقول لأهل مكة: "أتموا فإنا قوم سفر" (2) أي مسافرون، فأهل مكة زادوا على صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين. فهذا الذي يريد أن يشفع وتره، ويكون زاد ركعة لغرض، وهو شفع صلاته.
ولكن نقول إذا صلى مع الإمام الأول حتى انصرف وأوتر معه، فهل يحسب له قيام ليلة؟ هذا محل نظر:
فقد يقول قائل: إن اتحاد المكان يقتضي اتحاد الإمام؛ لأن المصلى واحد فالإمام الثاني كأنه نائب عن الإمام الأول.
وقد يقول آخر: إن انفراد الأول بصلاة كاملة فيها وترها يقتضي أنها صلاة مستقلة عن الثاني، وتكون الصلاة الثانية قياماً جديداً.
فبناء على الاحتمال الأول يكون الإنسان الذي يريد أن يبقى مع الإمام حتى ينصرف، لا ينصرف إلا بعد القيام الثاني.
...
__________
(1) إشارة إلى ما كان في المسجد الحرام من الوتر في أول الليل والوتر في آخره.
(2) رواه أبو داود في الصلاة – باب متى يتم المسافر 2/23 (1229) .(14/125)
وعلى الاحتمال الثاني نقول: من انصرف مع الإمام الأول وأوتر معه، فقد حصل له قيام الليلة.
وحيث كان هذان الاحتمالان واقعين فإن الأفضل فيما أرى أن يصلي الإنسان مع الأول فإذا سلم الإمام من وتره، أتى بركعة يشفعه، ثم قام مع الإمام الثاني، وانصرف مع إذا أوتر.
768 وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله ورعاه -: كيف نصلي الوتر هذه الليالي، أنصليه مع التراويح أو في آخر الليل؟ وكيف يحصل لنا متابعة الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أن تصلي مع الإمام الأول حتى يسلم، فإذا سلم من الوتر أتيت بركعة ليلكون هذا شفعاً للوتر، ثم توتر مع الإمام الثاني في آخر الليل، بهذا تكون ممتثلاً لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) .
ولكن هنا مسألة، وهي أن بعض الناس يورد علينا إيراداً على هذا القول فيقول: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي إلا إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة؟
قلنا: أيضاً هذا من السنة، إذا كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الإمام "إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً" (2) ،
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.
(2) متفق عليه من حديث أنس وفي أوله: "وإنما جعل الإمام ليؤتم به". رواه البخاري في الصلاة باب: الصلاة في السطوح ح (378) ومسلم في الصلاة ائتمام المأموم بالإمام ح (77 - 81 (411) .(14/126)
وأنت إذا صليت خلف الإمام قاعداً وأنت قادر على القيام فقد تركت ركناً من أركان الصلاة، كل ذلك من أجل المتابعة، والصحابة رضي الله عنهم حين أنكروا على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إتمام الصلاة في منى في الحج، حتى ابن مسعود لما بلغه أن عثمان أتم استرجع (1)
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ومع ذلك كانوا يصلون معه أربعاً، كل ذلك من أجل المتابعة، وعدم المخالفة، وإذا أتينا إلى فعل الأئمة - أئمة المسلمين - الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - كان يرى أن القنوت في صلاة الفجر بدعة، ومع ذلك يقول: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابعه وليؤمن على دعائه، ولم يقل ينصرف عنه، إذن عندنا من السنة ومن عمل الصحابة، ومن أقوال الأئمة ما يثبت أن الأفضل للإنسان أن يتابع إمامه، ولو عد ذلك خلافاً للسنة؛ لأن خلاف المسلمين وتفرقهم شرك بلا شك، فالذين يجتهدون من الإخوة إذا صلى الإمام عشر ركعات يعني خمس تسليمات جلسوا وانتظروا حتى يأتي الوتر ثم أوتروا، لا شك أنه فيما نرى حرموا أنفسهم خيراً كثيراً، ولو صلوا مع الإمام لكان في ذلك موافقة الجماعة، وزيادة الصلاة، الزيادة في الصلاة على إحدى عشرة ركعة ليست ممنوعة أبداً، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أعني على نفسك بكثرة السجود" (2) .
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في تقصير الصلاة باب: الصلاة بمنى ح (1084) ومسلم في صلاة المسافرين باب: قصر الصلاة بمنى ح19 (695) ..
(2) وهو جواب لسؤال ربيعة الأسلمي لما قال للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك" قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على...." الحديث رواه مسلم في الصلاة باب: فضل السجود ح226 (489) .(14/127)
وقال حيث سئل عن صلاة الليل: "صلاة الليل مثنى مثنى" ولم يحددها بركعات، والسلف روي عنهم في قيام الليل في رمضان ألوان من الزيادة والنقص، فكانوا إذا خففوا في القراءة زادوا في الركعات، وإذا أطالوا القراءة قللوا.
769 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قمت قبيل الفجر لصلاة الليل، ولم يسع الوقت إلا أن أصلي ركعتين، أو أربعاً، فهل أصلي ما تبقى من الصلاة في النهار؟ أفيدونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قمت متأخر فصل ركعتين خفيفتين ثم أوتر، إما بركعة، أو بثلاث ركعات في تشهد واحد؛ لأنه يمكنك في هذه الحال أن توتر، وكونك توتر بركعة، أو بثلاث خير من تأخيرك إياها في النهار.
770 وسئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين -: من قام لصلاة الفجر وقد فاتته صلاة الوتر متى يقضيها وما صفتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من فاته الوتر في الليل فإنه يقضيه في النهار في الضحى ويجعله شفعاً بدل أن يكون وتراً؛ لأنه ثبت عن(14/128)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا كان غلبه النوم صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة.
771 وسئل فضيلة الشيخ - غفر الله له -: عن رجل دخل المسجد والإمام في القنوت فكبر وركع ورفع من الركوع ثم رفع يديه وقنت مع الإمام وسلم معه هل يصح ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الفعل لا يصح؛ لأنه ليس من التعبد لله أن تتعبد له بركعة مبتورة إذ لابد في الركعة من قيام، وركوع، وسجود وقعود. وهذا الرجل ما ركع ولا قام قبل الركوع مع الإمام، وإنما وقف بعد الركوع. فنقول لا يجوز مثل هذا الفعل؛ لأنه من الاستهزاء بآيات الله وعليه إذا سلم إمامه وقد أدركه في القنوت أن يأتي بالركعة التي فاتته.
772 وسئل فضيلة الشيخ: هل يشرع دعاء الوتر في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء الوتر المعروف الذي علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - "اللهم اهدني فيمن(14/129)
هديت"، إلى آخره لم يرد في غير الوتر، ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقنت به لا في الفجر ولا في غيرها، والقنوت به في الفجر لا أصل له من السنة، وأما القنوت في الفجر بغير هذا الدعاء فهو محل خلاف بين أهل العلم على قولين: أصوبهما أنه لا قنوت في الفجر إلا إذا كان هناك سبب يتعلق بالمسلمين عموماً، كما لو نزلت بهم نازلة غير الطاعون فإنهم يقنتون في الفرائض أن يرفع الله تعالى عنهم.
ومع ذلك لو أن إمامه يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه على قنوته، ويؤمن على دعائه كما نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله - لأن هذا من باب توحيد المسلمين وجمع كلمتهم.
وأما حدوث العدواة والبغضاء في مثل هذه الخلافات في أمر يسعه اجتهاد أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا ينبغي، بل الذي يجب وخصوصاً طالب العلم أن يكون صدره رحباً واسعاً، يسع الخلاف بينه وبين إخوانه، وخصوصاً إذا علم من إخوانه حسن القصد وسلامة الهدف وأنهم لا يريدون إلا الحق، وكانت المسألة مما تدخل في باب الاجتهاد؛ لأن اجتهادك المخالف له ليس أولى بالصواب من قوله المخالف لقولك؛ لأن القول بالاجتهاد وليس فيه نص، فكيف تنكر عليه الاجتهاد ولا تنكر على نفسك؟ فهل هذا إلا جور وعدوان في الحكم.(14/130)
773 وسئل فضيلته أيضاً: ما حكم دعاء القنوت في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع في صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته قائلاً: القنوت في صلاة الفجر لا ينبغي إلا إذا كان هناك سبب، مثل أن ينزل بالمسلمين نازلة من نوازل الدهر، فإنه لا بأس أن يقنت الإمام ويدعو الله برفع هذه النازلة في صلاة الفجر وغيرها، وأما بدون سبب فإنه لا يقنت، وهذا هو القول الصحيح، ولكن لو صلى الإنسان مع إمام يقنت فإنه يتابعه، ويؤمن على دعائه، كما نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله -.
774 وسئل فضيلته - جزاه الله خيراً -: بعض أئمة المساجد يقنتون في صلاة الفجر في الركعة الثانية ويدعون بدعاء: "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ويزيدون عليه أدعية أخرى مختلفة، ويجعلون هذا الدعاء مختصاً بصلاة الفجر دون الصلوات الأخرى وبشكل مستمر، وبعضهم إذا نسي هذا الدعاء سجد سجود السهو، فما حكم هذا القنوت؟ وماذا يفعل المؤتم إذا قنت الإمام؟ هل يرفع يديه ويقول: آمين، أو يبقي يديه إلى جنبه ويبقى صامتاً ولا يشترك معهم في هذا القنوت؟ أرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب قائلاً: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
...(14/131)
القنوت في صلاة الفجر بصفة مستمرة لغير سبب شرعي يقتضيه مخالف لسنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يقنت في صلاة الفجر على وجه مستمر لغير سبب شرعي، والذي ثبت عنه من القنوت في الفرائض أنه كان يقنت في الفرائض عند وجود سبب، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يقنت في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستدعي ذلك، ولا يختص هذا بصلاة الفجر، بل في جميع الصلوات.
ثم اختلفوا؛ هل الذي يقنت الإمام وحده. والمراد بالإمام: الذي له السلطة العليا في الدولة أو يقنت كل إمام بجماعة في مسجد. أو يقنت كل مصل ولو منفرداً؟
فمن أهل العلم من قال: إن القنوت في النوازل خاص بالإمام؛ أي بذي السلطة العليا في الدولة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي كان يقنت في مسجده، ولم ينقل أن غيره كان يقنت في الوقت الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت فيه.
ومنهم من قال: إنه يقنت كل إمام جماعة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت لأنه إمام المسجد. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (1) .
ومنهم من قال: يقنت كل مصل؛ لأن هذا أمر نازل بالمسلمين، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
...
__________
(1) جزء من حديث طويل رواه البخاري في الأذان باب: الأذان للمسافر ح (631) .(14/132)
والقول الراجح أنه يقنت الإمام العام، ويقنت غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلمين وحدهم لكن لا يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة لغير سبب شرعي، وأن ذلك خلاف هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما إذا كان هناك سبب فإنه يقنت في جميع الصلوات الخمس، على الخلاف الذي أشرت إليه آنفاً.
ولكن القنوت كما قال السائل: ليس هو قنوت الوتر؛ "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ولكن القنوت هو الدعاء بما يناسب الحال التي من أجلها شرع القنوت كما كان ذلك هدي رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم إذا كان الإنسان مأموماً هل يتابع هذا الإمام فيرفع يديه ويؤمن معه، أم يرسل يديه على جنبيه؟
والجواب على ذلك أن نقول: بل يؤمن على دعاء الإمام ويرفع يديه تبعاً للإمام خوفاً من المخالفة. وقد نص الإمام أحمد - رحمه الله - على أن الرجل إذا ائتم برجل يقنت في صلاة الفجر، فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، مع أن الإمام أحمد - رحمه الله - لا يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر في المشهور عنه، لكنه - رحمه الله - رخص في ذلك؛ أي في متابعة الإمام الذي يقنت في صلاة الفجر خوفاً من الخلاف الذي قد يحدث معه اختلاف القلوب.
وهذا هو الذي جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - فإن أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - في آخر خلافته كان يتم الصلاة في منى في الحج، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة، لكنهم كانوا(14/133)
يتابعونه ويتمون الصلاة. ويذكر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن كيف تصلي مع أمير المؤمنين عثمان أربعاً ولم يكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبو بكر، ولا عمر يفعلون ذلك؟ فقال - رضي الله عنه -: "الخلاف شر" (1) .
وبقي في قول السائل: أو يرسل يديه على فخذيه".
فإن ظاهر كلامه أنه يظن أن المشروع بعد الرفع من الركوع إرسال اليدين على الفخذين، وهذا - وإن قال به من قال من أهل العلم - قول مرجوح، والذي دلت عليه السنة أن الإنسان المصلي إذا رفع من الركوع فإنه يضع يديه كما صنع فيها قبل الركوع؛ أي يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر.
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" (2) . وهذا ثابت في صحيح البخاري.
وقوله: "في الصلاة" يعم جميع أحوال الصلاة، لكن يخرج منه حال السجود؛ لأن الإنسان في السجود تكون يديه على الأرض، وحال الجلوس؛ لأن اليدين على الفخذين، وحال الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين. فما عدا ذلك تكون اليد اليمنى على اليسرى، كما يقتضيه هذا العموم.
هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، وبعض العلماء قال:
__________
(1) رواه أبو داود في المناسك باب: الصلاة بمنى ح (1960) .
(2) رواه البخاري في الأذان باب: وضع اليمنى على اليسرى ح (740) .(14/134)
إن السنة أن يرسل يديه بعد الركوع. والإمام أحمد - رحمه الله - قال: يخير بين أن يضع أو يرسل.
775 وسئل فضيلته: نرجو من فضيلتكم توضيح السنة في دعاء القنوت، وهل له أدعية مخصوصة؟ وهل تشرع إطالته في صلاة الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء القنوت منه ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحسن بن علي بن أبي طالب: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت" (1) ، إلى آخر الدعاء المشهور. والإمام يقول: اللهم اهدنا بضمير الجمع؛ لأنه يدعو لنفسه ولمن خلفه، وإن أتى بشيء مناسب فلا حرج، ولكن لا ينبغي أن يطيل إطالة تشق على المأمومين، أو توجب مللهم لأن النبي صلى عليه الصلاة والسلام غضب على معاذ - رضي الله عنه - حين أطال الصلاة بقومه وقال: "أفتان أنت يا معاذ" (2) .
776 وسئل فضيلة الشيخ: بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء وبعضهم يقصر فما هو الصحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن لا يكون غلو ولا تقصير،
__________
(1) رواه أبو داود وغيره، وتقدم تخريجه ص130.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الجماعة والإمامة باب: إذا طول الإمام (668) ، ومسلم في الصلاة باب: القراءة في العشاء ح178 (465) .(14/135)
فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بلغه أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أطال الصلاة في قومه غضب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: "أفتان أنت يا معاذ" (1) .
فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولا سيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب.
777 وسئل فضيلة الشيخ: هل من السنة رفع اليدين عند دعاء القنوت مع ذكر الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل (2) ، وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رفع اليدين في قنوت الوتر (3) ، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم.
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص135.
(2) رواه أحمد 3/137 وانظر ص173.
(3) سنن البيهقي في الصلاة باب: رفع اليدين في القنوت 3/41.(14/136)
فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، فكلما قنت فارفع يديك.
778 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما -؟
فأجاب – حفظه الله – بقوله: الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد. بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج، ولهذا ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم يلعنون الكفرة في قنوتهم مع أن هذا لم يرد فيما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال، على أن لفظ الحديث: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر" (1) وهذا قد يقال إن ظاهره أن هناك دعاء آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول: "دعاء أدعو به في قنوت الوتر". وعلى كل فإن الجواب أن الزيادة على ذلك لا بأس بها وعلى الإنسان أن يدعو بدعاء مناسب من جوامع الدعاء مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم.
779 وسئل فضيلة الشيخ: ثبت في دعاء القنوت أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) رواه أبو داود وغيره. وتقدم تخريجه ص130.(14/137)
كان يدعو بقوله: "اللهم اهدنا فيمن هديت.. إلى قوله: تبارك ربنا وتعاليت". وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (1) . فهل تجوز الزيادة على هذا الدعاء؟
فأجاب بقوله: هذا القول لم يثبت من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما من تعليمه للحسن بن علي، وقد قال الحسن للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر" (2) . ولم يقل علمني دعاء قنوت الوتر. وهذا يدل على أن قنوت الوتر أوسع من هذا الدعاء؛ لأن (في) للظرفية، والظرف أوسع من المظروف، وهذا يدل أن الدعاء في قنوت الوتر أوسع من هذا. ...
فلا بأس أن يزيد الإنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر، وإن كان وحده فليدع بما شاء، ولكن الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك. وينبغي للإمام أن لا يطيل على الناس وألا يشق عليهم. ولهذا لما جاء الرجل يشكو معاذاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يطيل بهم في صلاة العشاء، فغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: "أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز" (3) . وهذا دليل
__________
(1) رواه البخاري وتقدم ص132.
(2) تقدم تخريجه ص130.
(3) متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري، رواه البخاري في العلم باب: الغضب في الموعظة ح (90) ، ومسلم في الصلاة باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة ح (182 (466) وهذا لفظ مسلم.(14/138)
على أن الإمام يجب عليه أن يراعي حال من وراءه، فلا يشق عليهم حتى بقراءة الصلاة.
780 وسئل فضيلته: ذكرتم أن الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكانها في الصلاة هو التشهد، ولا تفعل في القنوت، وإن فعلت لا يداوم عليها. ولكن روى القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي المالكي في كتابه: "فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذ كان يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت، وعبد الله بن الحارث: هو أبو الوليد البصري ثقة من رجال الشيخين، وأبو حليمة معاذ: هو ابن الحارث الأنصاري القارئ. قال ابن أبي حاتم: وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في شهر رمضان صلاة التراويح. والأثر رواه ابن نصر في قيام الليل بلفظ: "كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويستسقي الغيث". في هذا الأثر أنه كان يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت بمحضر أكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه أحد، فهو كالإجماع على جواز ذلك. ولفظ (كان) يشعر بالمداومة على ذلك، نرجو البيان؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: قبل الإجابة على هذا السؤال أنا أحمد الله سبحانه وتعالى أننا نجد من إخواننا من يعتنون بالحديث(14/139)
وبأسانيد الحديث ويحرصون عليه؛ لأن هذه طريقة طيبة جداً، ونحن نحبذها، ونود أن تكون علوم الشباب مبنية على ذلك؛ لأن السند هو الطريق إلى ثبوت الأحكام أو نفيها. ولكن في هذا السند شيء من الآفات: أولها: عنعنة قتادة، وقتادة – رحمه الله – وإن كان ثقة لكنه من المدلسين، والمدلس إذا عنعن فإنه لا يقبل حديثه إلا إذا علم أنه جاء من طريق آخر مصرحاً فيه بالسماع.
وكذلك أيضاً يقول معاذ بن هشام عن أبيه.
ثم إن قول السائل في آخر السؤال إن ذلك بمحضر أكابر الصحابة – رضي الله عنهم – (من المهاجرين والأنصار) .
هذا في الحقيقة غير مسلم؛ لأن المهاجرين والأنصار في عهد أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – تفرق منهم أناس في الأمصار، في البصرة وفي الكوفة وفي غيرهما، فليس ذلك بمحضر منهم، وإنما هو بمحضر من هؤلاء الذين يصلون في المسجد – إن صح الأثر – ثم إن هذه المقدمة التي توصل بها السائل إلى أن يجعل ذلك مثل الإجماع أو إجماعاً، فأنا ما علمت أحداً من أهل العلم سلك مثل هذه الطريقة بحيث يجعل ما عمل في مسجد من مساجد المدينة من الأمور التي تكون كالإجماع، وإنما يعدون ما كان كالإجماع إذا اشتهر بين الناس ولم ينكر. فلو كان هذا من الأمور المشتهرة التي لم تنكر قلنا إنه قد يكون كالإجماع، فعلى هذا نحن نشكر الأخ على هذا السؤال، ونسأل الله أن يزيدنا وإياه علماً، ونقول:
...(14/140)
إن الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي من الدعاء الذي ينبغي للإنسان أن يلازمه دائماً؛ لأنه في الحقيقة إذا صلى الإنسان على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الله عليه بها عشراً (1) . وبهذه المناسبة أقول: إن جاء طريقة غير هذه الطريق لهذا الأثر فإنه قد يكون حجة؛ لأنه عمل صحابي وإن لم يكن إجماعاً. فلا حاجة للإجماع إذا ثبت أنه عمل صحابي لم يخالفه أحد فإن قول الصحابي قد يحتج به. وأما إذا لم يثبت الأثر فإننا نقول: إن الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر محبوب وينبغي أن يقرن بها كل دعاء، لكن كوننا نجعلها من سنن القنوت، هذا محل نظر وقبل الانتهاء من هذا أود أن أسأل: ما معنى الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
الصلاة مني أنا مثلاً (إذا قلت اللهم صل على محمد) فأنا أسأل الله أن يصلي عليه. لكن ما معنى صلاة الله عليه؟
قال بعض العلماء: إن صلاة الله على رسوله رحمته.
ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (البقرة: 157) . ففرق الله بين الصلاة والرحمة، ومعلوم أن العطف يقتضي التغاير، كما هو معروف ومقرر في اللغة العربية، لكن صلاة الله على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي كما قال أبو العالية – رحمه الله -: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، أي أن الله يثني على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لدى الملائكة في الملأ الأعلى،
__________
(1) رواه مسلم/ كتاب الصلاة: باب في ثواب الصلاة على الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(14/141)
وعلى هذا فأنت إذا صليت على نبيك فمعنى ذلك أثنى الله عليك بها عند الملا الأعلى عشر مرات، وهذه نعمة كبيرة تدل على فضيلة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة.(14/142)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة شيخنا العلامة: محمد الصالح العثيمين حفظه الله ورعاه.. ما قولكم فيمن يقول في دعائه في القنوت في رمضان أو غيره: يا من لا تراه العيون أو يخصص [في الدنيا العيون] ولا تخالطه الظنون ولا يخشى الدوائر ولا تغيره الحوادث، ويقول: يا سامع الصوت ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت، ويقول: يا من يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار.
آفتونا مأجورين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: هذه أسجاع غير واردة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف.
والجملة الأولى: يا من لا تراه العيون إن أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من أن الله تعالى يرى في الآخرة. وإن أراد في الدنيا فإن(14/143)
الله تعالى يثنى عليه بالصفات على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل.
فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 12/8/1417هـ.(14/144)
فصل
في شرح دعاء القنوت
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، واصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فإننا نسمع دعاء القنوت المشهور الذي علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – وهذا بيان لمعاني هذا الدعاء والله الموفق:
"اللهم اهدنا" ما المراد بالهداية هنا؟
هل المعنى لدنا على الحق فيمن دللت؟ أو أن المعنى دلنا على الحق ووفقنا لسلوكه؟
الجواب الثاني: أن المعنى دلنا على الحق ووفقنا لسلوك الحق وذلك؛ لأن الهداية التامة النافعة هي التي يجمع الله فيها للعبد بين العلم والعمل؛ لأن الهداية بدون عمل لا تنفع بل هي ضرر؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بما علم صار علمه وبالاً عليه.
مثال الهداية العلمية بدون العمل: قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ(14/145)
فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (فصلت: 17) . ومعنى هديناهم:
أي بينا لهم الطريق وأبلغناهم العلم، ولكنهم – والعياذ بالله – استحبوا العمى على الهدى.
ومن الهداية التي هي العلم وبيان الحق قول الله تبارك وتعالى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52) . ومعنى تهدي:
أي تدل وتبين، وتعلم الناس الصراط المستقيم.
وأما الهداية التي بمعنى التوفيق، فمثل قول المصلي (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6) .
فعندما نقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) هل أنت تسأل الله علماً بلا عمل، أو عملاً بلا علم، أو علماً وعملاً؟
الجواب: ينبغي للإنسان إذا دعا الله بقول: "أهدنا الصراط المستقيم" أن يستحضر أنه يسأل ربه العلم والعمل.
فالعلم الذي هو الإرشاد، والعمل هو التوفيق، وهذا فيما أظن – والعلم عند الله – أنه يغيب عن بال كثير من الناس عندما يقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) .
وقوله تعالى للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
هذه هداية إرشاد وبيان. لكن قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص: 56) . فهذه الهداية هداية التوفيق للعمل، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستطيع أن يوفق أحداً للعمل الصالح أبداً ولو كان يستطيع ذلك لاستطاع أن يهدي عمه أبا طالب، وقد حاول معه حتى(14/146)
قال له عند وفاته: "يا عم قل: "لا إله إلا الله" كلمة أحاج لك بها عند الله" ولكن قد سبقت له من الله عز وجل الكلمة بأنه من أهل النار – والعياذ بالله -. فلم يقل لا إله إلا الله وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب (1) . ولكن الله عز وجل أذن لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يشفع له، لا لأنه عمه، لكن لأنه قام بسعي مشكور في الدفاع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن الإسلام. فشفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" (2) .
إذا قلنا في دعاء القنوت: اللهم اهدنا فيمن هديت، فإننا نسأل الله تعالى الهدايتين: هداية العلم، وهداية العمل.
وقوله: "فيمن هديت" ما الذي جاء بها هنا يعني لو اقتصر الإنسان وقال: "اللهم اهدنا" حصل المقصود؟
الجواب: ليكون ذلك من باب التوسل بنعم الله عز وجل على من هداه أن ينعم علينا نحن أيضاً بالهداية، يعني أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناس آخرين. وهذا فيه نوع من التوسل بفعل الله تعالى وهو هدايته من هدى.
"وعافنا فيمن عافيت".
...
__________
(1) متفق عليه من حديث المسيب بن حزن، رواه البخاري في الجنائز باب: ماذا قال للمشترك عند الموت ح (1360) . ورواه مسلم في الإيمان باب 9: الدليل على صحة إسلام ح39 (24) .
(2) متفق عليه من حديث العباس بن عبد المطلب، رواه البخاري في مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب ح (3883) ، ومسلم في الإيمان باب: شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمه ح357 (209) .(14/147)
هل المعافاة من أمراض البدن، أو من أمراض القلوب، أو من الأمراض البدنية والقلبية؟
فالجواب: من الاثنين أي عافنا من أمراض القلوب، وأمراض البدن.
وما الذي يتبادر إلى أذهانكم إذا دعوتم الله بهذا الدعاء: "وعافنا فيمن عافيت"؟ الظاهر: أن المتبادر أنه العافية من أمراض البدن، لكن ينبغي لك يا أخي أن تستحضر أن الله يعافيك من أمراض البدن وأمراض القلب؛ لأن أمراض القلوب هي المصائب، ولذلك نقول في دعاء القنوت: "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا".
وأمراض القلوب تعود إلى شيئين:
1- أمراض الشهوات ومنشؤها الهوى، فإن الإنسان يعرف الحق لكن لا يريده، فله هوى مخالف لما جاء به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- أمراض الشبهات ومنشؤها الجهل، فإن الإنسان الجاهل يفعل الباطل ويظنه حق، وهذا مرض خطير.
فأنت تسأل الله العافية من أمراض الأبدان وأمراض القلوب التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
وعندما نقول أمراض الشهوات فلا تظن أننا نزيد أمراض الشهوة الجنسية – وهي شهوة النكاح – ولكننا نريد كل ما يريده الإنسان مما يخالف الحق، فإنها شهوة – بمعنى: إرادة: اشتهى أن يبتدع في دين الله أو اشتهى أن يحرف نصوص الكتاب والسنة لهواه، أو اشتهى أن يسرق، أو أن يشرب الخمر، أو يزني، وما أشبه ذلك.
"وتولنا فيمن توليت":(14/148)
معناه: أي كن ولياً لنا بالولاية الخاصة للمؤمنين كما قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (البقرة: 257) . وقوله جل وعلا: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (المائدة: 55) . فتسأل الله تعالى الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عز وجل.
أما الولاية العامة: فهي تشمل كل أحد، فالله ولي كل أحد، كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام: 61) . وهذا عام لكل أحد ثم قال: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) (الأنعام: 62) . أي: الولاية العامة.
لكن عندما نقول: "اللهم اجعلنا من أوليائك"، أو "اللهم تولنا" فإننا نريد بها الولاية الخاصة، والولاية الخاصة تقتضي التوفيق، والنصرة، والصد عن كل ما يغضب الله عز وجل.
"وبارك لنا فيما أعطيت":
البركة يقول العلماء: إنها هي الخير الكثير الثابت، ويعيدون ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البركة وهي مجمع الماء مكان واسع ماؤه كثير ثابت.
فالبركة هي الخيرات الكثيرة الثابتة.
والمعنى أي انزل لي البركة فيما أعطيتني.
"فيما أعطيت":
أي من كل شيء أعطى الله عز وجل (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53) . فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك(14/149)
لك فيما أعطاك حرمت خيراً كثيراً.
ما أكثر الناس الذين عندهم المال الكثير وهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، تجد عندهم من الأموال ما لا يحصى، لكن يقصر على أهله في النفقة، وعلى نفسه ولا ينتفع بماله، والغالب أن من كان هذه حاله وبخل بما يجب عليه، أن يسلط على أمواله آفات تذهبها.
كثير من الناس عنده أولاد لكن أولاده لم ينفعوه، عندهم عقوق واستكبار على الأب، حتى إنه – أي الولد – يجلس إلى صديقه الساعات الطويلة يتحدث إليه ويأنس به ويفضي إليه بأسراره، لكنه إذا جلس عند أبيه، وإذا هو كالطير المحبوس في الققص – والعياذ بالله – لا يأنس بأبيه، ولا يتحدث إليه، ولا يفضي إليه بشيء من أسراره، ويستثقل حتى رؤية أبيه، فهؤلاء لم يبارك لهم في أولادهم.
تجد بعض الناس أعطاه الله علماً كثيراً لكنه بمنزلة الأمي لا يظهر أثر العلم عليه في عباداته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يكسبه العلم استكباراً على عباد الله وعلواً عليهم واحتقاراً لهم، وما علم هذا أن الذي من عليه بالعلم هو الله، وأن الله لو شاء لجعله مثل هؤلاء الجهال. تجده قد أعطاه الله علماً، ولكن لم يتنفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه لم يبارك الله له في العلم، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله للعبد؛ لأن العلم إذا علمته غيرك، ونشرته بين الناس أجرت على ذلك من عدة وجوه:
...(14/150)
أولاً: أن في نشرك للعلم نشراً لدين الله عز وجل، فتكون من المجاهدين في سبيل الله؛ فالمجاهد في سبيل الله يفتح البلاد بلداً بلداً حتى ينشر فيها الدين، وأنت تفتح القلوب بالعلم حتى تنشر فيها شريعة الله عز وجل.
ثانياً: من بركة نشر العلم وتعليمه، أن فيه حفظاً لشريعة الله وحماية لها، لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة، فالشريعة لا تحفظ إلا برجالها رجال العلم، ولا يمكن حماية الشريعة إلا برجال العلم، فإذا نشرت العلم، وانتفع الناس بعلمك، حصل في هذا حماية لشريعة الله، وحفظ لها.
ثالثاً: فيه أنك تحسن إلى هذا الذي علمته؛ لأنك تبصره بدين الله عز وجل، فإذا عبد الله على بصيرة؛ كان لك من الأجر مثل أجره؛ لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعل الخير. فالعلم في نشره خير وبركة لناشره ولمن نشر إليه.
رابعاً: أن في نشر العلم وتعليمه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه
وينقص إن به كفاً شددتا
أي إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
"وقنا شر ما قضيت":
الله عز وجل يقضي بالخير ويقضي بالشر.
أما قضاؤه بالخير فهو: خير محض في القضاء والمقضي.(14/151)
مثال: القضاء للناس بالرزق الواسع والأمن والطمأنينة والهداية والنصر إلخ.
فهذا الخير في القضاء والمقضي.
وأما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء، شر في المقضي.
مثال ذلك: القحط وامتناع المطر، فهذا شر لكن قضاء الله به خير.
قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41) .
فلهذا القضاء غاية حميدة، وهي: الرجوع إلى الله تعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شراً، وصار القضاء خيراً.
"وقنا شر ما قضيت":
"ما" هنا اسم موصول، والمعنى أي شر الذي قضيته، فإن الله تعالى يقضي بالشر لحمة بالغة حميدة.
"إنك تقضي ولا يقضى عليك":
فالله تعالى يقضي على كل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل.
"ولا يقضى عليك":
فلا يقضي عليه أحد. فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يسألون عما عملوا، وهو سبحانه (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الانبياء: 23) .
"إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت":
وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق: "وتولنا فيمن توليت" فإذا(14/152)
تولى الله سبحانه الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز – ومعنى ذلك – أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عز وجل فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية، وبماذا تكون هذه الولاية؟
الجواب: هذه الولاية تكون بوصفين بينهما الله عز وجل في كتابه فقال عز وجل:) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: 62- 63) وصفان أحدهما في القلب والثاني في الجوارح. (الذين آمنوا) هذه في القلب (وكانوا يتقون) هذه في الجوارح، فإذا صلح القلب والجوارح نال الإنسان الولاية بهذين الوصفين.
وليست الولاية فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في شرع الله ما ليس منه ويقولون نحن الأولياء.
فولاية الله عز وجل التي بها العز هي مجموعة في هذين الوصفين الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه أخذاً من هذه الآية: (الذين آمنوا وكانوا يتقون) :
"من كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً". وصدق – رحمه الله – لأن هذا ما دل عليه القرآن.
"ولا يعز من عاديت":
يعني أن من كان عدواً لله فإنه لا يعز، بل حاله الذل والخسران والفشل، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ(14/153)
وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 98) . فكل الكافرين في ذلك وهم أذلة. ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام، وعز الدين، وعز الولاية ما كان هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه الآن؛ حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي؛ ننظر إليهم من طريق الذل لنا والعز لهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا وزخارفها، ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الآن الكفار في نفوسهم أعز منهم. لكننا نؤمن بأن الكفار أعداء الله، وأن الله كتب الذل على كل عدو له.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (المجادلة: 20) وهذا خبر مؤكد ثم قال: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21) .
فمن عادى الله عز وجل فهو ذليل لا يمكن أن يكون عزيزاً أبداً لكن قد يكون عزيزاً في نظر من لا يرى العزة إلا في مصل ما كان عليه هذا الكافر، وأما من نظر إلى أن العزة لا تكون إلا بولاية الله عز وجل والاستقامة على دينه فإنه لا يرى هؤلاء إلا أذل خلق الله.
"تباركت ربنا وتعاليت":
هذا ثناء على الله عز وجل بأمرين:
أحدهما: التبارك والتاء هنا للمبالغة؛ لأن الله عز وجل هو أهل البركة.
تباركت: أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله: "ربنا":
...(14/154)
أي يا ربنا فهو منادى حذفت منه ياء النداء لكثرة الاستعمال، وللتبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
وقوله: "وتعاليت":
من العلو الذاتي والوصفي. فالله سبحانه عليٌّ بذاته وعليٌّ بصفاته، فعلو الذات معناه: أن الله تعالى فوق كل شيء، وعلو الصفات معناه: أن الله تعالى موصوف بكل صفات عليا، فليس في صفاته نقص بوجه من الوجوه (1) .
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" هذا من باب التوسل برضاء الله أن يعيذك من سخطه.
"وبمعافاتك من عقوبتك". أي أن يعافيك الله من كل بلية في الدين والدنيا.
"وبك منك" في هذا غاية اللجوء إلى الله، فلا يمكن أن تستعيذ من الله إلا بالله، إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فالإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى.
"لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" أي لا ندركه، ولا نبلغه. فلا يمكن أن تحصي الثناء على الله أبداً؛ لأن أفعال الله غير محصورة وكل فعل من أفعال الله فهو كمال، وأقواله كذلك غير محصورة، وكذلك ما يدفعه عن عبادة غير محصورة، فالثناء على الله لا يمكن أن يصل الإنسان فيه إلى غاية ما يجب لله من الثناء مهما بلغ من الثناء على الله تعالى، وغاية الإنسان أن يعترف
__________
(1) انظر المجلد الثامن من هذا المجموع، ص327.(14/155)
بالنقص والتقصير فيقول: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". وفي هذا من الإقرار بكمال صفات الله ما هو ظاهر معلوم.
"اللهم صل على محمد" أي: أثني عليه في الملأ الأعلى.
"وعلى آل محمد" إذا ذكر الآل وحده فالمراد جميع أتباعه على دينه، وإذا ذكر معه غيره صار المراد بالآل المؤمنين من أهل بيته وغيرهم بحسب السياق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(14/156)
781 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث (1) الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: إنها لا تقوم بها الحجة، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه.
782 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: ما رأي المذاهب الأربعة في القنوت؟
فأجاب فضيلته بقوله: رأي المذاهب الأربعة في القنوت كما يلي:
1- المالكية قالوا لا قنوت إلا في صلاة الفجر خاصة؛ فلا قنوت في الوتر ولا غيره من الصلوات.
__________
(1) جاء فيه حديث السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دعا رفع يديه، ومسح بهما وجهه. رواه أبو داود (1492) ، وحديث عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. رواه الترمذي (3386) .(14/157)
2- الشافعية قالوا: لا قنوت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان ولا قنوت في غيره من الصلوات، إلا في صلاة الفجر على كل حال، وفي غيرها من الفرائض إن نزلت بالمسلمين نازلة من نوائب الدهر.
3- الحنفية قالوا: يقنت في الوتر، ولا يقنت في غيره من الصلوات إلا في النوازل وشدائد الدهر في الفجر خاصة يقنت الإمام ويؤمن من خلفه ولا يقنت المنفرد.
4- الحنابلة قالوا: يقنت في الوتر ولا يقنت في غيره إلا في النوازل وشدائد الدهر غير الطاعون فيقنت الإمام أو نائبه في الصلوات الخمس غير الجمعة.
وقال الإمام أحمد نفسه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قنوت الوتر قبل الركوع أو بعده شيء.
هذه أقوال أهل المذاهب الأربعة.
والراجح أنه لا يقنت في الفرائض إلا لأمر نزل بالمسلمين، أما الوتر فلم يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قنت في الوتر لكن في السنن أنه علم الحسن بن علي كلمات يقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره، وقد صححه بعض أهل العلم (1) ، فإن قنت فحسن، وإن ترك القنوت فحسن أيضاً والله الموفق. كتبه محمد الصالح العثيمين في 7/3/1398هـ.
__________
(1) رواه أبو داود وغيره، وتقدم ص130.(14/158)
783 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشرع قراءة الفاتحة في آخر الدعاء أو في البداية؟ وهل هذا من البدع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن قراءة الفاتحة بين يدي الدعاء، أو في خاتمة الدعاء من البدع؛ لأنه لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفتتح بقراءة الفاتحة، أو يختم دعاءه بالفاتحة، وكل أمر تعبدي لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن إحداثه بدعة.
وبهذه المناسبة: فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الفاتحة رقية (1) ، اي يقرأ بها على المريض يستشفى بها، وهذا واقع مجرب. فإن قراءة الفاتحة على المريض من أقرب العلاج للشفاء.
784 سئل فضيلة الشيخ - وفقه الله وعفا عنه -: ما كيفية الجلسة للتشهد في صلاة الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان في صلاة الوتر يجلس مفترشاً؛ لأن الأصل في جلسات الصلاة الافتراش، إلا إذا قام دليل على خلاف ذلك، وعلى هذا فنقول يجلس للتشهد في الوتر مفترشاً، ولا تورك إلا في صلاة يكون لها تشهدان فيكون التورك في التشهد الأخير للفرق بينه وبين التشهد الأول هكذا جاءت السنة، والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في فضائل القرآن، باب: فضل الفاتحة (4721) .(14/159)
785 سئل فضيلة الشيخ: هل زيادة ركعة بعد تسليم الإمام من الوتر إذا كان المأموم يريد التهجد بعده له أصل من السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم له أصل من السنة، وذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يصلي بأهل مكة وهو مسافر كان يقول لهم: "يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر" (1) . فهؤلاء الذين يصلون خلف الإمام وهو يوتر نقول إنهم نووا التهجد بعد هذا، صلوا مع الإمام، فإذا سلم فأتموا بركعة ليكون آخر صلاتكم في الليل وتراً.
786 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة قيام الليل جماعة في غير رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الشفع والوتر والتهجد تجوز فيه الجماعة أحياناً لا دائماً، ودليل ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى جماعة ببعض أصحابه، فمرة صلى معه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما (2) -، ومرة صلى معه عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه (3) -، ومرة صلى معه حذيفة بن اليمان (4) – رضي الله عنه -.
لكن هذا ليس راتباً أي لا يفعله كل ليلة، ولكن أحياناً: فإذا
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص125.
(2) رواه البخاري في العلم، باب: السهر في العلم ح (117) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح181 (763) .
(3) رواه البخاري في التهجد باب: طول القيام في صلاة الليل ح (1135) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة، ح204 (773) .
(4) رواه مسلم في الموضع السابق ح203 (772) .(14/160)
قام الإنسان بتهجد وقد نزل به ضيف وصلى معه هذا الضيف جاء في تهجده ووتره فلا بأس به، أما دائماً، فلا.
وهذا في غير رمضان؛ أما في رمضان فإنه تسن فيه الجماعة من أوله إلى آخره من التراويح ومنها الوتر.
787 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الوتر؟ وهل يجب القنوت فيه؟ وهل يمسح وجهه بعد انتهاء الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الوتر سنة مؤكدة، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) .
ووقتها: من صلاة العشاء ولو كانت مجموعة إلى المغرب جمع تقديم إلى طلوع الفجر. ولكن يجعله الإنسان آخر صلاته من الليل، ثم إن كان ممن يقوم في آخر الليل، فليؤخر الوتر إلى آخر الليل حتى ينتهي من التهجد، وإن كان ممن لا يقوم، فإنه يوتر قبل أن ينام؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى أبا هريرة – رضي الله عنه – أن يوتر قبل أن ينام (2) . قال العلماء: وسبب ذلك أن أبا هريرة – رضي الله عنه – كان يسهر أول ليلة في حفظ أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما القنوت في الوتر فليس بواجب، والذي ينبغي للإنسان أن لا يداوم عليه؛ بل يقنت أحياناً، ويترك أحياناً.
وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فمن العلماء من قال: إنه
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.
(2) تقدم تخريجه ص113.(14/161)
بدعة؛ لأن الأحاديث الواردة فيه ضعيفة (1) ، كشيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله – فإنه يقول للداعي إذا انتهى من دائه ولو كان رافعاً يديه لا يمسح بيديه؛ لأن الأحاديث الواردة بهذا ضعيفة. والأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه أنه إذا رفع يديه فإنه لا يمسح بها وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن العلماء من قال: إن المسح سنة بناء على أن الأحاديث الضعيفة إذا تكاثرت قوى بعضها بعضاً.
والذي أراه أن مسح الوجه بعد الدعاء ليس بسنة؛ لكن من مسح فلا ينكر عليه، ومن ترك فلا ينكر عليه.
__________
(1) تقدم تخريج الأحاديث ص157.(14/162)
فصل
في صلاة الوتر (1)
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فإن الوتر سنة سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكده، حتى ذهب العلماء إلى أن الوتر واجب.
قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: "من ترك الوتر فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
والوتر ركعة يختم بها الإنسان صلاة الليل، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (2) .
وأدنى الوتر ركعة، ويوتر بثلاث، وإذا أوتر بثلاث فإن شاء جعلها بسلامين، وإن شاء جعلها بسلام واحد وبتشهد واحد.
فإن كان بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي الثالثة
__________
(1) من دروس المسجد الحرام.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص115.(14/163)
ويسلم، أو بثلاث معاً، فيصلي ثلاثاً فرداً بتشهد واحد وسلام واحد، وبهذا تخرج عن مشابهة المغرب؛ لأن المغرب ثلاث، لكن بتشهدين.
ويوتر بخمس، وإذا أوتر بخمس سردها ولم يجلس إلا مرة واحدة ويسلم. فتكون الخمس بسلام واحد وتشهد واحد.
ويوتر كذلك بسبع ويسردها وتكون بسلام واحد وتشهد واحد.
ويوتر بتسع ويسردها، لكن بتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم.
ويوتر بإحدى عشرة ركعة ويسلم من كل ركعتين.
فإذا أخر الوتر إلى آخر الليل بناء على أنه سيقوم ولكنه لم يقم فطلع الفجر عليه قبل أن يوتر فماذا يصنع؟ ...
يقضيه، ولكن شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث قضاه أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس قضاه ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث عائشة – رضي الله عنها – "أنه ذا غلبه نوم، أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" (1) .
ووجه ذلك أن الوتر إنما تختم به صلاة الليل. وصلاة الليل قد انتهت، فيقضي الإنسان ورده الذي كان يصليه في الليل ولا يوتر؛ لأن زمن الوتر انقضى.
وإذا كان يظن أن لا يقوم من آخر الليل فأوتر في أوله، ثم
__________
(1) رواه مسلم وتقدم تخريجه ص113.(14/164)
قدر له القيام من آخر الليل فقام فماذا يصنع؟
قال بعض العلماء: إنه ينقض وتره الأول فيصلي أول ما يصلي إذا استقيظ ركعة واحدة، لتكون مع الركعة التي في أول الليل شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة، ويسمى هذا عند أهل العلم نقض الوتر، ولكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأنه لا يمكن أن تبنى ركعة على الأخرى وبينهما هذه المدة الطويلة أو النوم أيضاً.
والقول الصحيح إنه إذا أوتر في أول الليل ثم قدر له أن يقوم في آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر.
فإن قلت: هذا ينافي قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) .
فالجواب: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، فلو قال "لا تصلوا بعد الوتر" ما صلينا، ولكن قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
وهذا الرجل حين أوتر من أول الليل يعتقد أن هذا آخر صلاة الليل فقد امتثل ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن قدر له أن يصلي فصلى، ولذلك لو أوترت ثم أتيت المسجد فإنك تصلي تحية المسجد ولا ينافي هذا قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" لأن هناك فرقاً بين العبارتين، وهناك فرق بين أن يقول لا تصلوا بعد الوتر وبين أن يقول: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
...
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص112.(14/165)
ولا يجب أن يقرأ الناس في الوتر بـ (سبح) و (قل يا أيها الكافرون) ولكن يقرأ ما تيسر، ولكن صحيح أن (سبح) و (قل يا أيها الكافرون) أفضل من غيرهما في هذه الصلاة، كما أن سبح والغاشية في صلاة الجمعة أفضل من غيرهما، والجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة أفضل من غيرهما، لكن يجوز أن تقرأ بما تيسر كل القرآن، يمكن أن يقرأ في أي صلاة (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) (المزمل: 20) ، لو قرأ في الوتر غير سورة (قل هو الله أحد) فلا بأس؛ لأن قراءة الإخلاص ما هي إلا من باب السنية لا للوجوب.
أيضاً يوجد بعض الأئمة يتركون القنوت في الوتر عمداً، وهذا أيضاً من فقههم ليبينوا للعامة أن القنوت في الوتر ليس بواجب؛ لأن التبيين بالفعل أبلغ من التبيين بالقول.
فإذا بين الإمام للناس مثل هذه الأمور بالفعل حصل في هذا خير كثير ومعرفة لشرع الله.
وعلى هذا نقول: يجوز للإنسان في صلاة الوتر أن يقرأ (بسبح) و (الكافرون) و (الإخلاص) وأن يقرأ بغيرهما ولا حرج عليهم في ذلك.
ويجوز أيضاً أن يترك القنوت في الوتر، بل ذلك أولى من أجل أن يبين للناس أن القنوت ليس بواجب.
كيف يكون الوتر إذا أوتر الإنسان بثلاث؟
يكون على وجهين:
الوجه الأول: أن يسلم من الركعتين الأوليين، ثم يأتي بالثالثة وحدها.
...(14/166)
الوجه الثاني: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وهذا هو ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) (1) . فظاهر قولها يصلي ثلاثاً أنه يسردها.
ولا يصلي الثلاث بتشهدين؛ لأنه لو فعل ذلك لكانت شبيهة بصلاة المغرب، وقد نهى أن تشبه صلاة الوتر بصلاة المغرب.
فإذا أوتر بخمس ففي حديث عائشة تقول: (يصلي أربعاً) فهل يسردها؟ فهم بعض الناس أن المعنى أنه يسردها، فصار يسرد اربعاً بسلام واحد وتشهد واحد، ثم يصلي أربعاً بتشهد واحد وسلام واحد، ثم يصلي ثلاثاً بتشهد واحد وسلام واحد.
وهذا وإن كان اللفظ محتملاً له، لكن ينبغي لطالب العلم أن يكون أفقه واسعاً، وأن يجمع بين أطراف الأدلة حتى لا تتناقض ولا تتنافى، فهذا الظاهر الذي هو كما قلنا يعارضه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل عن صلاة الليل قال: "مثنى مثنى" (2) وعلى هذا فيحمل قولها يصلي اربعاً على أنه يصلي أربعاً بتسليمتين، لكنه يستريح بعد الأربع، ثم يستأنف الأربع الأخرى بدليل قولها: "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي" وثم في اللغة العربية تفيد التراخي، وعلى هذا فيكون المعنى أنه يسلم من ركعتين، ثم من ركعتين، ثم يستريح، ثم يأتي بركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح،
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص115.(14/167)
ثم يأتي بالثلاث.
بقي قولها "ثم يصلي ثلاثاً" لماذا لا نحمل قوله "ثلاثاً" على أنه يركع ركعتين ثم يأتي بواحدة، كما حملنا "يصلي أربعاً" على أنه يأتي بركعتين ثم ركعتين؟
نقول: لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاة الليل مثنى مثنى" (1) .
فكان لابد من أن نقول يصلي أربعاً أي على ركعتين ركعتين، مثنى مثنى، أما الوتر، فالوتر يكون بواحدة، ويكون بالثلاث، لأن الثلاث وتر، ويكون بخمس، وبسبع، وبتسع، وبإحدى عشرة، وحيث ذكرنا الصور للوتر فلابد من أن نذكر كيفية هذه الصورة (2) :
فالثلاث ذكرنا لها صورتين، والخمس لها صورة واحدة فقط، وهي أن يصلي الخمس جميعاً ولا يسلم إلا في آخرها، والسبع يسردها سرداً بتشهد واحد وسلام واحد.
والتسع يسردها سرداً بسلام واحد وبتشهدين بعد الثامنة يجلس ويتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم.
إذن الخمس، والسبع، والتسع، ليس لها إلا جلسة واحدة، وسلام واحد.
لكن تمتاز التسع بأن فيها تشهدين، والإحدى عشرة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة.
وهنا سؤال: هل من المستحسن إذا كان الإنسان إماماً في
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص114.
(2) راجع ما تقدم ص118.(14/168)
رمضان أن يصلي بالناس خمساً فرداً؟
قد يقول قائل: نعم من المستحسن أن يفعل ذلك ليعلم الناس السنة؛ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وقد يقول قائل لا؛ لأن الإيتار بالخمس لم يفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو يصلي وحده في بيته.
والإيتار بالخمس أو صلاة الناس بخمس قد يشق عليهم، فلو جاء إنسان ودخل المسجد ووجد الإمام يصلي التراويح خمساً ودخل معه وهو لا يعلم، فقد يكون له شغل، وقد يكون محصوراً احتبس بوله، أو يريد أن يتغوط، أو خروج ريح ففي هذا مشقة على الناس.
ولا يخفى علينا جميعاً ما صنع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنسبة لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – فمعاذ كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فشرع ذات ليلة بسورة البقرة وكان معه رجل من أهل المزارع ومن المعلوم أن صاحب الزرع يكون مستعجلاً متعباً يريد النوم، فلما شرع في البقرة انصرف الرجل وترك الصلاة معه وصلى وحده، فتكلم في حقه معاذ بن جبل، ولكن لما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "يا معاذ أتريد أن تكون فتاناً" (1) .
ومعنى "فتاناً" يعني صد الناس عن سبيل الله؛ لأن الإمام إذا طول هذا التطويل ترك الناس الصلاة معه، فتركوا صلاة الجماعة.
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص136.(14/169)
فهذا الذي يقوم الناس بخمس، أو سبع، أو تسع فرداً، قد ينفر الناس ويشق عليهم.
فالإنسان إذا صلى وحده فيصلي ما شاء، وإذا صلى بالناس فلابد أن يراعي أحوال الناس؛ لأنه ولي أمر.
وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" (1) .
فالإنسان الذي له ولاية على طائفة من الناس يجب أن يراعي الناس إذا كان إماماً فليخفف، ولكن ما ميزان التخفيف المطلوب؟
ميزانه هي صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا قال أنس: "ما صليت وراء إمام قط أخف ولا أتم صلاة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2) ، فالتخفيف ليس ينقرها الإنسان نقر الغراب، ولكن أن يصلي كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي.
فما تقولون في رجل صلى بالناس صلاة العيد وقرأ في الركعة الأولى سورة (ق) وفي الركعة الثانية سورة (القمر) .
هل هذا مطول أو مخفف؟
هذا مخفف؛ لأن هذا من السنة، فمن السنة أن تقرأ في صلاة العيد بسورة (ق) في الركعة الأولى، وسورة (القمر) في الركة الثانية وأحياناً بسبح والغاشية، وفي الجمعة أحياناً بسبح والغاشية
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل ح18 (1828) .
(2) رواه البخاري في الأذان، باب: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ح (708) . رواه مسلم في الصلاة، باب: أمر الآئمة بتخفيف الصلاة في تمام ح190 (469) .(14/170)
وأحياناً بالجمعة والمنافقون.
إذن ينبغي للإنسان إذا كان ولياً على شيء أن يلاحظ أحوال المولى عليهم.
"حتى كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمع بكاء الصبي خفف في صلاته مخافة أن تفتن أمه وينشغل قلبها" (1) .
وهذا من تمام الرعاية؛ لأن هذا التخفيف طارئ لعارض ولم يلاحظ للأم دائماً، ولكن لما طرأ هذا الشيء وصاح طفلها خفف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن ثم أخذ العلماء – رحمهم الله – أن ينبغي للإمام إذا أحس بداخل في الصلاة وهو راكع أخذ العلماء منه أنه ينبغي أن ينتظره لكن بشرط أن لا يشق على المأمومين الذين معه؛ لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل.
ولكن كما نقول للإمام انتظر قليلاً ليدرك الداخل الركوع، نقول للداخل أيضاً لا تسرع، فبعض الناس إذا دخل ووجد الإمام راكعاً تراه يتنحنح أو يقول: اصبر إن الله مع الصابرين، أو يخبط برجليه، وهذا كله لا ينبغي.
فامش بهدوء كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس رواه البخاري في الأذان باب 65: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ح (707) ، ورواه مسلم في الصلاة، باب: الأمر بتخفيف الصلاة ح192 (470) .(14/171)
فصلوا وما فاتكم فأتموا" (1) .
وهذه رخصة من الله، ودخل أبو بكرة – رضي الله عنه – والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع فأسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، ودخل في الصف من أجل إدراك الركوع؛ لأنه إذا أدرك الركوع، أدرك الركعة، فلما انصرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل من الذي فعل هذا؟ قال أبو بكرة – رضي الله عنه – أنا يا رسول الله، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زادك الله حرصاً ولا تعد" (2) .
وهذا من حسن التعليم منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا الرجل أسرع وخالف المشروع بإسراعه وركوعه قبل أن يصل إلى الصف ومع ذلك يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زادك الله حرصاً"؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم بأنه إنما أسرع من أجل الحرص على الخير فقال: "زادك الله حرصاً".
وبهذا نعرف أن أبا بكرة – رضي الله عنه – حينما أدرك الركوع يكون قد أدرك الركعة، وتكون هذه الحال مستثناة من قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (3) .
فنقول: إن فاتحة الكتاب تسقط عن الإنسان إذا أدرك الإمام راكعاً، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل لأبي بكرة اقض الركعة التي لم تدرك قراءة الفاتحة فيها.
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان باب: لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بالسكينة والوقار ح (636) ، ومسلم في المساجد باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار ح151 (602) .
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان، باب 114: إذا ركع دون الصف ح (783) .
(3) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، رواه البخاري في الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم، ح (756) ، ومسلم في الصلاة باب: وجوب قراءة الفاتحة ح34 (394) .(14/172)
وقد علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إنما أسرع من أجل إدراك الركوع الذي به أدراك الركعة، فتكون هذه الصورة مستثناة من عموم قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
هذا وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من عباده المخلصين، ومن حزبه المفلحين، ومن أوليائه المتقين، وأن يجعلنا ممن يغتنمون أوقاتهم في طاعة مولاهم، وأن يتقبل منا جميعاً، إنه هو السميع العليم.
788 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في الفرائض؟
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا في أحوال مخصوصة فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء السبعين الذين بعثهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم تركه (1) وقنت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإنجاء الله تعالى المستضعفين من المؤمنين في مكة حتى قدموا ثم تركه (2) ، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في مثل هذه الأحوال، ولكن ظاهر السنة أنه يقنت في المغرب وفي الفجر فقط. أما فقهاء الحنابلة – رحمهم الله – فقالوا: أنه يقنت إذا نزلت بالمسلمين نازلة في جميع الفرائض ما عدا صلاة الجمعة وعللوا ذلك – أعني ترك القنوت في صلاة الجمعة – بأنه يكفي الدعاء الذي يدعو به في الخطبة، إلا أن فقهاء الحنابلة يقولون في المشهور من مذهب الإمام
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس رواه البخاري في المغازي باب: غزوة الرجيع وح (4095) ، ومسلم في المساجد باب: استحباب القنوت ح297 (677) .
(2) رواه مسلم في الموضع السابق ح294 (675) .(14/173)
أحمد إن القنوت خاص بإمام المسلمين دون غيره إلا من وكل إليه الإمام ذلك فإنه يقنت؛ يعني أنهم لا يرون القنوت لكل إمام مسجد ولكل مصل وحده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما قنت ولم يأمر أمته بالقنوت، ولم يرد أن مساجد المدينة كانت تقنت في ذلك الوقت الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت فيه.
ولكن القول الراجح: أنه يقنت الإمام العام الذي هو رئيس الدولة، ويقنت أيضاً غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلين وحدهم، إلا أني أحب أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يعن لكل واحد من الناس أن يقوم فيقنت بمجرد أن يرى أن هذه نازلة وهي قد تكون نازلة في نظره دون حقيقة الواقع، فإذا ضبط الأمر وتبين أن هذه نازلة حقيقية تستحق أن يقنت المسلمون لها ليشعروا المسلم بأن المسلمين في كل مكان أمة واحدة، يتألم المسلم لأخيه ولو كان بعيداً عنه، ففي هذه الحال نقول: إنه يقنت كل إمام، وكل مصل ولو وحده.
وأما عدم أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فإن فعله عليه الصلاة والسلام سنة يقتدى بها، ونحن مأمورون بالاقتداء به، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21) . فإذا فعل فعلاً يتعبد به لله عز وجل فإننا مأمورون أن نفعل مثل فعله بمقتضى هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الدالة على أنه إمامنا وقدوتنا وأسوتنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن المهم عندي أن تكون الأمور منضبطة، وأن لا يذهب كل إنسان إلى رأيه بدون مشاورة أهل العلم ومن لهم النظر في هذه الأمور؛ لأن الشيء(14/174)
إذا كان فوضى تذبذب الناس واشتبه الأمر على العامة، لكن إذا ضبط وصار له جهة معينة تستشار في هذا الأمر كان هذا أحسن؛ هذا بالنسبة للأمر المعلن الذي يكون من أئمة المساجد مثلاً، أما الشيء الخاص الذي يفعله الإنسان في نفسه فهذا أمر يرجع إلى اجتهاده فمتى رأى أن في المسلمين نازلة تستحق أن يقنت لها فليقنت، ولا حرج عليه في ذلك والرسول عليه الصلاة والسلام مثل المسلمين بالجسد الواحد فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" (1) . والحاصل أن القنوت في الفرائض غير مشروع لا في الفجر ولا في غيرها إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستحق القنوت لها، فيشرع القنوت لكل مصل في المغرب وفي الفجر، وإن قنت في جميع الصلوات فإن هذا لا بأس به كما رآه بعض أهل العلم فإذا انجلت هذه النازلة توقف عن القنوت.
وأهم شيء أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يكون فوضى وأن يرجع في ذلك إلى أهل الرأي في هذه الأشياء وهم أهل العلم.
789 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ وما حكم القنوت في الوتر؟ وهل يصلي الإنسان الوتر كصلاة المغرب؟
...
__________
(1) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير، رواه البخاري في الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم ح (6011) ، ورواه مسلم في البر باب: تراحم المؤمنين ح66 (2586) وهذا لفظ مسلم.(14/175)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في صلاة الفجر، وهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم وهي مبنية على ما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قنت شهراً يدعو لقوم أو يدعو على قوم؛ فقنت يدعو للمستضعفين من المؤمنين في مكة، وقنت يدعو على من قتلوا أصحابه القراء عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو الله عليهم (1) . ومن تأمل سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد أن القول الصواب في هذه المسألة أنه لا قنوت في الفرائض إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة وحدثت حادثة تحتاج إلى الابتهال إلى الله عز وجل على اجتماع، فإنه يقنت، وظاهر الأدلة أن القنوت ليس خاصاً بصلاة الفجر عند نزول النوازل بل هو عام في كل الصلوات، وعلى هذا فإذا كان القنوت في صلاة جهرية جهر به، وإن كان في صلاة سرية يسر به.
والذي نراه أن الحوادث المهمة يقنت وقت حدوثها ثم إذا صارت مستمرة فلا يقنت.
المسألة الثانية: حكم القنوت في الوتر: القنوت في الوتر سنة، لكن الاستمرار عليه دائماً ليس من السنة بل إذا قنت أحياناً فهو خير، وإذا ترك فهو خير؛ لأن القنوت علمه عليه الصلاة والسلام ابن ابنته الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما (2) – ولكنه عليه الصلاة والسلام لا أعلم أنه كان يقنت في وتره.
...
__________
(1) تقدم تخريجه ص173.
(2) تقدم تخريجه ص130.(14/176)
المسألة الثالثة: قول السائل: هل يصلي الوتر كصلاة المغرب؟
فهذا لا ينبغي، فإذا أوتر الإنسان بثلاث ركعات فإنه مخير بين أن يصليها بتسليمتين يعني يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي الثالثة وحدها، أو أن يسردها جميعاً بتشهد واحد عند السلام، وأما أن يسردها بتشهدين فتشبه صلاة المغرب فهذا قد روي فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث في النهي عنه (1) . والله أعلم.
790 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نتابعه؟ وهل نؤمن على دعائه؟
فأجاب فضيلته بقوله: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
791 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في صلاة الفريضة؛ والصلاة خلف إمام يقنت في الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي نرى أن لا قنوت في الفرائض إلا
__________
(1) رواه الحاكم في مستدركه في الوتر باب: الوتر حق 1/446 (1137) و (1138) . وصححه ووافقه الذهبي وصححه ابن حجر، راجع التلخيص الحبير 2/-3 (512) ، ولفظه: "لا توتروا بثلاث ولا تشبهوا بصلاة المغرب أوتروا بخمس أو سبع".(14/177)
في النوازل، لكن من صلى خلف إمام يقنت فليتابعه درءاً للفتنة، وتأليفاً للقلوب.
792 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في الفرائض؟ وما الحكم إذا نزل بالمسلمين نازلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض ليس بمشروع ولا ينبغي فعله، لكن إن قنت الإمام فتابعه لأن الخلاف شر.
وإن نزل بالمسلمين نازلة فلا بأس بالقنوت حينئذ لسؤال الله تعالى رفعها. حرر في 24/7/1401هـ.
793 سئل فضيلة الشيخ – حظفه الله ورعاه -: بعض المساجد تواظب على دعاء القنوت في صلاة الفجر، والبعض الآخر لا يأتي به على الإطلاق في صلاة الفجر، ما تعليقكم يا فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح في هذه المسألة أنه لا قنوت في صلاة الفجر؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقنت في الفرائض إلا بسبب نوازل نزلت بالأمة الإسلامية، ثم ترك القنوت عليه الصلاة والسلام فلم يقنت حتى توفاه الله عز وجل.
لكن من ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فلا ينفرد عنه، بل(14/178)
يتابعه ويقف، ويؤمن على دعائه، هكذا نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله – وإنما نص – رحمه الله – على هذا؛ لأن الخلاف شر، والخروج عن الجماعة شر.
وانظر إلى كلام ابن مسعود – رضي لله عنه – لما كره إتمام عثمان بمنى كان يصلي خلفه أربعاً، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما هذا؟ يعني كيف يصلي أربعاً وأنت تنكر على عثمان؟ فقال – رضي الله عنه -: "الخلاف شر" (1) ، وهذه قاعدة مهمة.
وهي أنه ينبغي للإنسان أن لا يخالف إخوانه ولا يشذ عنهم، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل البعوث للدعوة إلى الله أو للجهاد في سبيل الله ويأمرهم أن يتطاوعوا؛ يعني يؤمر أميرين ويقول لهما: "تطاوعا ولا تختلفا" (2) ، يعني فليطع بعضكم بعضاً، ولا تختلفوا؛ لأن الخلاف لا شك أنه شر، وتفريق للأمة وتمزيق لشملها، وهذا الدين الإسلام له عناية كبيرة بالاجتماع وعدم التفرق وعدم التباغض.
ولهذا نهى عن كل معاملة تكون سبباً للتعادي والتباغض؛ فنهى عن البيع على بيع المسلم، ونهى عن الخطبة على خطبة
__________
(1) رواه أبو داود، وتقدم تخريجه ص134.
(2) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري، رواه البخاري في الجهاد باب: ما يكره من التنازع ح (3038) . ورواه مسلم في الجهاد، باب: الأمر بالتيسير ح7 (1733) .(14/179)
المسلم، ونهى عن السوم على سوم أخيه (1) ، ونهى عن أشياء كثيرة مما يدل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يريد من أمته أن تتفرق وتتمزق. قال الله سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103) .
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في البيوع باب: لا يبيع على بيع أخيه ح (2139) و (2140) ، ومسلم في البيوع باب: تحريم بيع الرجل ح7 و8 (1412) و9 (1515) من حديث أبي هريرة.(14/180)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم ...
...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
...
جـ1: أشكركم على التهنئة بعيد الفطر، وأسأل الله أن يجزيكم عنا خيراً، وأن يتقبل منا ومنكم ومن جميع المسلمين، وأن يعيده علينا جميعاً بخير.
جـ2: تابعوا إمامكم في القنوت في صلاة الفجر، وأمنوا على دعائه بالخير. وفق الله الجميع لما فيه الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 19/10/1412هـ.
"(14/181)
قنوت فضيلة الشيخ في النوازل"
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت إذا رفعت من الركوع قلت عند الرفع: سمع الله لمن حمده، وبعد الرفع: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ثم دعوت بما اخترته في صلاتي المغربي والفجر في الجماعة:
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنصر إخواننا المسلمين في الشيشان وفي البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم كن لأراملهم وذرياتهم، اللهم امنحهم رقاب أعدائهم، وأورثهم ديارهم، وأموالهم، وذرياتهم ونساءهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بعدوهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين،(14/182)
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، وألق بينهم العداوة والبغضاء، اللهم شتت شملهم، واهزم جندهم، واجعلهم نكالاً للعالمين، اللهم كما سلطتهم بحكمتك على إخواننا في الشيشان فسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكسر شوكتهم، ويستبيح بيضتهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بالصرب المعتدين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم، وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، واهزم جندهم، وسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم كل عدو للمسلمين في كل مكان، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وربما حذفت بعضه أو زدت عليه. كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/8/1415هـ.
*(14/183)
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، وألق بينهم العداوة والبغضاء، اللهم شتت شملهم، واهزم جندهم، واجعلهم نكالاً للعالمين، اللهم كما سلطتهم بحكمتك على إخواننا في الشيشان فسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكسر شوكتهم، ويستبيح بيضتهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بالصرب المعتدين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم، وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، واهزم جندهم، وسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم كل عدو للمسلمين في كل مكان، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وربما حذفت بعضه أو زدت عليه. كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/8/1415هـ.
*(14/184)
التروايح
* عدد ركعات التروايح
* دعاء ختم القرآن الكريم
* حمل المصحف لمتابعة الإمام
* ليلة القدر
* السنن الرواتب(14/185)
794 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة التراويح، وعدد ركعاتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان (1) .
وأما عددها: فإحدى عشرة ركعة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" (2) .
وإن صلاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس، لقول ابن عباس – رضي الله عنهما – "كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث عشرة ركعة" يعني من الليل. رواه البخاري (3) .
والإحدى عشرة هي الثابتة عن عمر بن الخطاب – رضي الله
__________
(1) رواه البخاري في التهجد باب: تحريض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صلاة الليل ح (1129) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان ح177 – (761) .
(2) تقدم تخريجه ص16.
(3) في كتاب التهجد باب: كيف صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح (1138) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح194 (764) .(14/187)
عنه – كما في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد (1) . ...
وإن زاد على ذلك فلا بأس، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل عن صلاة الليل قال: "مثنى، مثنى" (2) ولم يحدد.
وقد ورد عن السلف في ذلك أنواع، والأمر في ذلك واسع لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي الإحدى عشرة أو الثلاث عشرة.
ولم يصح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي هو أو أحد من الخلفاء ثلاثاً وعشرين بل الثابت عن عمر – رضي الله عنه – إحدى عشرة، حيث أمر أبي كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة (3) . وهذا هو اللائق بمثل عمر – رضي الله عنه – أن تكون سيرته في هذا سيرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم زادوا على ثلاث وعشرين ركعة، بل الظاهر خلاف ذلك، وقد سبق قول عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة".
وإما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلا ريب أنه حجة؛ لأن فيهم الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتباعهم، ولأنهم خير القرون من هذه الأمة.
...
__________
(1) في الصلاة باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 (280) .
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(3) رواه مالك في الموضع السابق ح (280) .(14/188)
واعلم أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك، وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها، وما أحسن ما قال أحد أهل العلم لشخص خالفه في الاجتهاد في أمر سائغ: إنك بمخالفتك إياي قد وافقتني فكلانا يرى وجوب اتباع ما يرى أنه الحق حيث يسوغ الاجتهاد.
نسأل الله تعالى للجميع التوفيق لما يحب ويرضى.
قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 18/5/1405هـ.
795 وسئل فضيلة الشيخ: هل التراويح من القيام؟ وما هي السنة في قيام رمضان؟ وما أفضل عدد تصلى به؟
فأجاب فضيلته بقوله: التراويح من القيام.
السنة في قيام رمضان أن يؤدى جماعة في المساجد لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام بأصحابه ثلاث ليال، ثم تخلف عنهم مخالفة أن تفرض عليهم.
والأفضل أن يقتصر على العدد الذي قام به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" (1) . وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قام بثلاث عشرة ركعة (2) ، فيكون العدد إما إحدى عشرة
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.(14/189)
ركعة وإما ثلاث عشرة ركعة.
وإن زاد على هذا العدد فلا حرج، لكن المهم الطمأنينة وعدم السرعة حتى يتمكن المصلون خلفه من إتمام صلاتهم، فإن الإمام مؤتمن عليهم، فعليه أن يراعيهم، وأن لا يحرمهم من الطمأنينة التي يتمكنون بها من فعل الأتم الأكمل.
796 سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس في المسجد الحرام يصلون القيام دون التراويح بحجة المحافظة على السنة وعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (1) .
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: قيام شهر رمضان ح (1375) ورواه الترمذي وصححه في الصوم باب: ما جاء في قيام رمضان ح (806) ، والنسائي في السهو باب: 103: ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف 3/93 (1363) ، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب 173: ما جاء في قيام شهر رمضان ح (1327) .(14/190)
فإن قيل: المحافظة على الإمامين تستلزم أن يوتر الإنسان مرتين.
فنقول: يزول هذا المحظور بأن تنوي مع الإمام الأول إذا قام إلى الوتر أنك تريد الصلاة ركعتين، فإذا سلم من وتره قمت فأتيت بالركعة الثانية، وتجعل الوتر مع الإمام الأخير، فيشفع الإنسان مع الإمام الأول ويوتر مع الثاني لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) .
أما قولهم: السنة إحدى عشرة ركعة.
فنقول: نعم، إذا صليت وحدك فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، أو كنت إماماً فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن إذا كنت مأموماً تابعاً لغيرك فصل كما يصلي هذا الإمام، ولو صلى ثلاثاً وعشرين، أو ثلاثاً وثلاثين، أو تسعاً وثلاثين هذا هو الأفضل وهو الموافق للشرع؛ لأن الشرع يحث على وحدة الأمة الإسلامية واتفاقها، وعدم تنافرها واختلافها، وعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" يشمل هذا. ولقد تابع الصحابة رضي الله عنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – في إتمام الصلاة في منى مع إنكارهم ذلك (2) ، كل هذا من أجل ائتلاف الكلمة وعدم التفرق.
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص112.
(2) تقدم تخريجه ص127.(14/191)
797 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة التراويح؟ وكم عدد ركعاتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة لا ينبغي تركها ودليل ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – المتفق عليه، واللفظ لمسلم: "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته أناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما اصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أنتفرض عليكم" (1) ، حيث علل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تأخره عنها بخوف فرضيتها على هذه الأمة.
أما عدد ركعاتها فأفضله ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحافظ عليه، وهي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة. وقد ثبت في صحيح البخاري أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" (2) . فهذا العدد هو أفضل ما تصلى به التراويح.
أو ثلاث عشرة ركعة كما يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة (3) .
ولكن لو صلاها الإنسان ثلاث وعشرين ركعة فإنه لا ينكر عليه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحدد صلاة الليل بعدد معين، بل سئل كما
__________
(1) متفق عليه تقدم تخريجه ص187.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(3) متفق عليه وتقدم ص187.(14/192)
في صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صلاة الليل ما ترى فيها؟ فقال: "صلاة الليل مثنى، مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى" (1) ، فبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها مثنى مثنى، ولم يحدد العدد، ولو كان العدد واجباً بشيء معين لبينه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى هذا فلا ينكر على من صلاها ثلاث وعشرين ركعة.
ولكن الذي ينكر ما يفعله بعض الأئمة – هدانا الله وإياهم – من السرعة العظيمة في الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، والتشهد، فإن بعض الأئمة يسرعون في هذه الأركان إسراعاً عظيماً يمنع كثيراً من المصلين خلفهم من القيام بواجب الطمأنينة، فضلاً عن القيام بالمستحب، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع بعض المأمومين، من فعل ما يسن، فكيف بمن أسرع سرعة تمنع بعض المأمومين أو أكثرهم من فعل ما يجب؟!! وهذه لا شك أنها محرمة، وأنها خلاف أداء الأمانة التي أؤتمن الإمام عليها، فإنه لو لم يكن إماماً لقلنا لا حرج أن تصلي صلاة تقتصر فيها على الواجب ولكن إذا كنت إماماً فإنه يجب عليك أن تراعي المأمومين، وأن تصلي فيهم أفضل صلاة، تمكنهم من مراعاة فعل الواجب والمستحب فيها.
وأرجو أن يفهم إخواني الأئمة أنه ليس المقصود سرد عدد الركعات، وإنما المقصود التطوع لله بفعل هذه العبادة، والخشوع فيها وأدائها على وجه الطمأنينة، وإن ركعتين يطمئن الإنسان فيها
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم ص115.(14/193)
خير من عشرين لا يطمئن فيها، بل قد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذي لم يطمئن في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل" (1) .
798 وسئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يوجد لدينا في القرية بعض الإخوة الملتزمين بشرع الله وهم حريصون على تطبيق السنة والأخذ بأعلى الكمال، وطرقت مسألة قيام رمضان وما هو الأفضل فيه، وهناك من يفتيهم بعدم جواز الزيادة على فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواء في العشرين الأول من شهر رمضان أو حتى في العشر الأواخر منه مستدلاً بحديث: "من أحدث في أمرنا ... " وقد ذكرت لبعضهم أن ما عليه مشايخنا الإطلاق في العدد بالذات في رمضان، فكان أو طلبوا مني ما هو الأفضل لمن يريد تطبيق السنة والأخذ بالكمال في هذا الموضوع، أفتونا مأجورين بشيء من التفصيل لنبلغ عنكم نفع الله بكم.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القوم الراجح في عدد الركعات في قيام رمضان أن يكون إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان، ومسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ح45 (398) .(14/194)
على إحدى عشرة ركعة" (1) ، لكن قد ثبت أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، ففي صحيح مسلم (2) من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: "فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح" 1/527، وفيه عن زيد بن خالد الجهني قال: "لأرمقن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة"، 1/532 (3) .
ولا بأس بالزيادة على ذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل مثنى، مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" (4) .
ولم يحدد له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدداً مع أن الحال تقتضي ذلك؛ لأن الرجل السائل لا يعلم عن صلاة الليل كمية ولا كيفية، فلما بين له
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(2) في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح182 (763) .
(3) في الموضع السابق ح195 (765) .
(4) تقدم تخريجه ص115.(14/195)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكيفية وسكت عن الكمية علم أن الأمر في العدد واسع ولهذا اختلف عمل السلف الصالح في ذلك.
والقول بأنه لا تجوز الزيادة عن العدد الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم به، وأن الزيادة عليه داخلة في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) قول ضعيف لما علمت من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وعمل السلف الصالح.
ولكن الأمر الذي ينبغي أن يهتم به التأني في صلاة التراويح، وأن لا يفعل ما يقوم به بعض الناس من الإسراع الذي قد يخل بواجب الطمانينة، أو يمنع بعض المأمومين منها. كتبه محمد الصالح العثيمين في 19/1/1412هـ.
799 وسئل فضيلة الشيخ – رعاه الله تعالى -: ما هي الركعات المسنونة في التراويح؟ وما حقيقة أمر عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس أحد عشرة ركعة مع الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: عدد الركعات في التراويح أمره واسع وليس فيه شيء واجب لا ثلاث وعشرون، ولا إحدى عشر ولا ثلاث عشرة ركعة، ولا تسع وثلاثون ركعة، الأمر فيه واسع فمن صلى التراويح ثلاثاً وعشرين لم ينكر عليه، ومن صلاها إحدى عشرة لم ينكر عليه، ومن صلاها ثلاث عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها
__________
(1) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الصلح باب 5: إذا اصطلحوا على صلح جور ح (2697) ، ومسلم في الأقضية باب: نقض الحكام. ح17 (1718) .(14/196)
سبعة عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها أكثر من ذلك فلا ينكر عليه؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل ما ترى في صلاة الليل؟ قال: " مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى" (1) لم يحددها بعدد، بل قال: "مثنى مثنى"، وما قال: لا تزيدوا عن العدد المعين ولكن لا شك أن ما واظب عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العدد أفضل من غيره، وقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" (2) .
وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة (3) .
وأما عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فالذي صح عنه أنه أمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يقوم للناس بإحدى عشرة ركعة، هكذا جاء بموطأ الإمام مالك (4) وهذا هو الجدير بعمر، واللائق به – رضي الله عنه – لأنه كان من أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما ما روي من حديث ابن عباس من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها ثلاثاً وعشرين فإنه حديث ضعيف (5) ، كما ذكر ذلك صاحب الفتح، وأما ما ذكر عن عمر أنها ثلاث وعشرون ركعة فإنه حديث رواه
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(2) متفق عليه وتقدم ص120.
(3) متفق عليه من حديث ابن عباس، وتقدم ص187.
(4) تقدم تخريجه ص188.
(5) رواه البيهقي في الصلاة باب: عدد ركعات القيام 2/496 وراجع التلخيص الحبير 2/45 (541) . وانظر ص246 من هذا الكتاب.(14/197)
يزيد بن رومان ولم ينسبه إلى عمر نفسه، وإنما نسبه إلى عهده فقال: "كان الناس يقومون في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة" (1) ، ومعلوم أن ما ثبت من قوله وفعله أقوى مما ثبت في عهده، على أن بعض أهل العلم أعلن حديث يزيد بن رومان بالانقطاع وقال: "يزيد بن رومان لم يدرك زمن عمر.
800 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة التراويح؟ وما هي السنة في عدد ركعاتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته، فقد قام بأصحابه ثلاث ليال، ولكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ذلك خوفاً من أن تفرض عليهم، ثم بقي المسلمون بعد ذلك في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – وصدراً من خلافة عمر – رضي الله عنه – ثم جمعهم أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – على تميم الداري وأبي بن كعب، فصاروا يصلون جماعة إلى يومنا هذا ولله الحمد، وهي سنة في رمضان.
وأما عدد ركعاتها فهي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، هذه هي السنة في ذلك.
ولكن لو زاد على هذا فلا حرج ولا بأس به لأنه روي في ذلك عن السلف أنواع متعددة في الزيادة والنقص، ولم ينكر بعضهم على بعض فمن زاد فإنه لا ينكر عليه، ومن اقتصر على العدد الوارد فهو
__________
(1) رواه مالك في الصلاة، باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 (281) وضعفه البيهقي في الصلاة 2/496.(14/198)
أفضل، وقد دلت السنة على أنه لا بأس بالزيادة حيث صح في البخاري وغيره من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – إن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل، فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (1) . ولم يحدد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدداً معيناً يقتصر عليه، ولكن المهم في صلاة التراويح الخشوع والطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما، وأن لا يفعل ما يفعله بعض الناس من العجلة السريعة التي تمنع المصلين من فعل ما يسن، بل ربما تمنعهم من فعل ما يجب، حرصاً منه على أن يكون أول من يخرج من المساجد من أجل أن ينتبه الناس بكثرة، فإن هذا خلاف المشروع.
والواجب على الإمام أن يتقي الله تعالى فيمن وراءه، ولا يطيل إطالة تشق عليهم، خارجة عن النفس، ولا يخفف تخفيفاً يخل بما يجب أو بما يسن على من وراءه، ولهذا قال العلماء: إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن. فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟! فإن هذه السرعة حرام في حق هذا الإمام.. فنسأل الله لنا ولإخواننا الاستقامة والسلامة.
801 سئل فضيلة الشيخ: هل لقيام رمضان عدد معين؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس له عدد معين على سبيل الوجوب، فلو أن الإنسان قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.(14/199)
ركعة، أو خمسين ركعة فلا حرج، ولكن العدد الأفضل ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله وهو إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، فإن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – سئلت: كيف كان النبي يصلي في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان أو غيره على إحدى عشرة ركعة" (1) ، ولكن يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وينبغي أن يطيل فيها القراءة والركوع، والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، خلاف ما يفعله الناس اليوم، يصليها بسرعة تمنع المأمومين أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه، وهذه الإمامة ولاية، والوالي يجب عليه أن يفعل ما هو أنفع. وكون الإمام لا يهتم إلا أن يخرج مبكراً هذا خطأ، بل الذي ينبغي أن يفعل ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله، من إطالة القيام، والركوع، والسجود، حتى ينصرف.
802 وسئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان خلف إمام يزيد على إحدى عشرة ركعة، فهل يوافق الإمام أو ينصرف أثناء القيام؟ وما توجيهكم لمن يكذب ويغتاب وهو صائم؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يوافق الإمام؛ لأنه إذا انصرف قبل تمام الإمام لم يحصل له أجر قيام الليل والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (2) . من أجل أن يحثنا على المحافظة على البقاء مع الإمام حتى ينصرف،
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(2) تقدم تخريجه ص190.(14/200)
وإذا كان الصحابة – رضي الله عنهم – تابعوا الإمام في الزيادة الواحدة، فما بالك فيما كان مشروعاً في صلوات منفرد بعضها من بعض؟ الصحابة – رضي الله عنهم – وافقوا إمامهم في أمر زائد عن المشروع في صلاة واحدة، وذلك حدث من أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أتم الصلاة في منى في الحج، أي صلاها أربع ركعات، مع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر، وعمر، وعثمان في أول خلافته، حتى مضى ثماني سنوات وهو يصلي ركعتين، ثم صلى أربعاً (1) ، وأنكر الصحابة عليه ذلك ومع هذا كانوا يتبعونه يصلون معه أربعاً، فإذا كان هذا هدي الصحابة وهو الحرص على متابعة الإمام، فما بالنا نحن إذا رأينا الإمام زائداً عن العدد الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحافظ عليه وهو إحدى عشرة ركعة، انصرفوا في أثناء الصلاة، كما نشاهد بعض الناس في المسجد الحرام ينصرفون قبل الإمام بحجة أن المشروع إحدى عشرة ركعة؟!
نقول إن متابعة الإمام أوجب في الشرع، والخلاف شر، والخلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها.
يجب على الإنسان تجنب الكذب، والغيبة والنميمة، والقول المحرم، والفعل المحرم إذا كان صائماً؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة
__________
(1) تقدم تخريجه ص127.(14/201)
في أن يدع طعام وشرابه" (1) . فعلى الصائم أن يحافظ على تجنب هذه المحرمات. وينبغي أن يشتغل بقراءة القرآن في رمضان، لأن قراءة القرآن في رمضان لها مزية حيث نزل في رمضان؛ ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتيه جبريل في رمضان فيدارسه القرآن، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يدارسه جبريل القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة، أي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرأ القرآن تأثر به، ثم يتبين جوده صلوات الله وسلامه عليه.
وفي هذا الشهر ينبغي أن نكثر من الصدقة، والصدقة نوعان: صدقة واجبة، وهي الزكاة، وصدقة نافلة، وهي صدقة التطوع. فأكثر من الصدقة في هذا الشهر على الفقراء والمساكين والمدينين وغيرهم من ذوي الحاجات، فإن للصدقة في هذا الشهر مزية على غيره، أما الزكاة فهي صدقة واجبة وهي أفضل من الصدقة النافلة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه عن ربه عز وجل: "ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه" (2) . ولهذا يظن بعض الناس أن النافلة أفضل من الفريضة، وليس كذلك بل الفريضة أفضل من النافلة لهذا الحديث، ولولا أنها أفضل وأحب إلى الله ما فرضها الله على العباد. والله الموفق.
803 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم جمع صلاة التراويح كلها أو بعضها مع الوتر في سلام واحد؟
__________
(1) رواه البخاري في الصوم باب: من لم يدع ح (1903) .
(2) رواه البخاري في الرقاق باب: التواضع ح (6502) من حديث أبي هريرة القدسي.(14/202)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا عمل مفسد للصلاة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاة الليل مثنى مثنى" (1) . فإذا جمعها بسلام واحد، لم تكن مثنى مثنى، وحينئذ تكون على خلاف ما أمر به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) . ونص الإمام أحمد – رحمه الله -: (على أن من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر) . أي أنه إن استمر بعد أن تذكر فإن صلاته تبطل كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، ولهذا يلزمه إذا قام إلى الثالثة في صلاة التراويح ناسياً يلزمه أن يرجع ويتشهد، ويسجد للسهو بعد السلام، فإن لم يفعل بطلت صلاته.
وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس فهم من حديث عائشة رضي الله عنها حين سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" (3) . حيث ظن أن الأربع الأولى بسلام واحد، والأربع الثانية بسلام واحد، والثلاث الباقية بسلام واحد.
ولكن هذا الحديث يحتمل ما ذكر، ويحتمل أن مرادها أنه يصلي أربعاً ثم يجلس للاستراحة واستعادة النشاط، ثم يصلي أربعاً وهذا الاحتمال أقرب أي أنه يصلي ركعتين ركعتين، لكن الأربع
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص195.
(3) متفق عليه وتقدم ص120.(14/203)
الأولى يجلس بعدها ليستريح ويستعيد نشاطه، وكذلك الأربع الثانية يصلي ركعتين ركعتين ثم يجلس ليستريح ويستعيد نشاطه. ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: "صلاة الليل مثنى مثنى" (1) . فيكون في هذا جمع بين فعله وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واحتمال أن تكون أربعاً بسلام واحد وارد لكنه مرجوح لما ذكرنا من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاة الليل مثنى مثنى".
وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث فلها صفتان:
- الصفة الأولى: أن يسلم بركعتين ثم يأتي بالثالثة.
- الصفة الثانية: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد.
804 سئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أرجو التكرم بالإجابة عن هذا السؤال: رجل يصلي التراويح فقام إلى ثالثة فذكر أو ذكر فماذا يفعل؟ وما صحة قول من قال: إنه إذا رجع بطلت صلاته قياساً على من قام من التشهد الأول في صلاة الفريضة؟ أرجو تحرير الإجابة، وفقك الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا قام من يصلي التراويح إلى ثالثة فذكر أو ذكر وجب عليه الرجوع وسجود السهود، ويكون سجود السهو بعد السلام؛ لأنه عن زيادة، فإن لم يرجع بطلت صلاته إن كان عالماً؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم ص115.(14/204)
صلاة الليل مثنى مثنى" (1) . فإذا زاد المصلي على ذلك فقد أتى بما ليس عليه أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونص الإمام أحمد – رحمه الله – على أنه إذا قام المصلي في الليل إلى الثالثة فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر، أي كما لو قام من يصلي الفجر إلى ثالثة، ومن المعلوم أن من قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه الرجوع لئلا يزيد على المفروض. وقد بين الفقهاء رحمهم الله هذا في باب صلاة التطوع.
وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً.
فلا وجه لقياسه؛ لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 17/9/1409هـ.
805 وسئل فضيلته: هناك من يصلي مع الإمام إحدى عشرة ركعة ثم يفارقه بحجة أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: هذا الفعل وهو مفارقة الإمام الذي يصلي التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة خلاف السنة، وحرمان لما يرجى من الأجر والثواب، وخلاف ما كان عليه السلف
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.(14/205)
الصالح وذلك أن الذين صلوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم ينصرفوا قبله، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يوافقون إمامهم حتى فيما زاد على ما يرونه مشروعاً، فإن عثمان – رضي الله عنه – لما أتم الصلاة في منى أنكروا عليه، ولكن كانوا يتابعونه في الإتمام، ويقولون: إن الخلاف شر (1) ، وهو أيضاً حرمان لما يحصل من الثواب؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (2) .
والزيادة على إحدى عشرة ركعة ليست حراماً بل هي من الأمور الجائزة، ودليل ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله رجل عن صلاة الليل فقال: "مثنى، مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (3) . ولم يحدد له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدداً، ولو كانت الزيادة على إحدى عشرة ركعة حراماً لبين ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن يتابعوا الإمام حتى ينصرف.
806 سئل فضيلة الشيخ: من صلى مع الإمام الأول صلاة التراويح ثم انصرف، وقال: لي قيام ليلة بنص الحديث: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، فإنني بدأت مع الإمام وانصرفت معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما قوله: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". فهذا صحيح ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين
__________
(1) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص134.
(2) رواه أصحاب السنن وتقدم ص190.
(3) متفق عليه وتقدم ص115.(14/206)
طلب منه الصحابة أن ينفلهم بقية الليل، وقد قطع الصلاة لنصف الليل فقالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (1) ، ولكن هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟
الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول.
وعلى هذا فالذي أنصح به إخواني أن يتابعوا الأئمة هنا في الحرم حتى ينصرفوا نهائياً، وإن كان بعض الإخوة ينصرف إذا صلى إحدى عشرة ركعة، ويقول: إن هذا هو العدد الذي كان عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن معه في أن العدد الذي فعله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقتصر عليه هو الأفضل، ولا أحد يشك في هذا، ولكني أرى أنه لا مانع من الزيادة، لا على أساس الرغبة عن العدد الذي اختاره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن على أساس أن هذا من الخير الذي وسع فيه الشرع، حيث سئل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيء أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (2) .
وإذا كان هذا الأمر مما يسوغ فيه الزيادة فإن الأولى بالإنسان أن لا يخرج عن الجماعة بل يتابع، فالصحابة – رضي الله عنهم – لما
__________
(1) تقدم تخريجه ص190.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.(14/207)
أتم عثمان – رضي الله عنه – الصلاة في منى، استرجع بعضهم لما بلغه ذلك (1) ، ومع هذا كانوا يصلون خلفه أربعاً فيزيدون ركعتين في صلاة لا تتجاوز الركعتين من أجل موافقة الجماعة، وائتلاف الكلمة، وعدم التفرق.
والموافقة شأنها عظيم جداً، لا يذهب أحدكم مذهباً ينفرد به عن الجماعة، ويحزب الأمة ويقول: أنت معي أو مع فلان، فهذا خطأ.
وعلى هذا فمادام الأمر سائغاً وليس فيه محظور شرعي، فإن موافقة الجماعة لا يظهر فيها ضغائن ولا أحقاد، فمادام الأمر واسعاً، والسلف الصالح روي عنهم في ذلك أولان متعددة كما قال الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهما الله – فليسعنا ما وسع السلف، وقد سبقنا من السلف من سبقنا فلا ينبغي أن نشذ، وأنا أكرر الدعاء إلى الائتلاف، وعدم الاختلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد، ولكن الإشكال الوارد وهو حقيقة إشكال إن كان هناك وتران في ليلة واحدة، فماذا يصنع المأموم؟
نقول: إذا كنت تريد أن تصلي مع الإمام الثاني التهجد، فإذا أوتر الإمام الأول، فأت بركعة لتكون مثنى مثنى، وإذا كنت لا تريد التهجد آخر الليل، فأوتر مع الإمام الأول، ثم إن قدر لك بعد ذلك أن تتهجد فاشفع الوتر مع الإمام الثاني.
__________
(1) تقدم تخريج حديثه ص127.(14/208)
807 وسئل فضيلة الشيخ: عن ثلاثة أشخاص في البادية هل تشرع في حقهم صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، يجوز لمن لم يكن حولهم مسجد يصلون فيه أن يقيموا صلاة التراويح ولو كانوا اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، بل لو كان واحداً فله أن يقوم بذلك؛ لأن التراويح هي قيام رمضان، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه" (1) .
808 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله -: هل يشرع للمرأة صلاة التراويح؟ وهل تقضيها إذا حاضت؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يشرع للمرأة أن تصلي صلاة التراويح إما في بيتها، وإما في المسجد.
وإذا أتاها الحيض فإنها لا تقضيها، وذلك لأن الصلاة لا تقتضى لا فرضها ولا نفلها بالنسبة للحائض فلا يشرع لها أن تقضيها إذا ظهرت. والله أعلم.
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الإيمان باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان ح (37) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان ح173 (759) .(14/209)
رسالة
قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:
بسم الله الرحمن الرحيم
التراويح: قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام رمضان حيث قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (1) . وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" (2) وذلك في رمضان.
والسنة أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين؛ لأن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"، متفق عليه (3) . وفي الموطأ عن محمد بن يوسف (وهو ثقة ثبت) عن السائب بن يزيد (وهو صحابي) أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أمر أبي بن كعب وتميماً الداري
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم ص109.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.
(3) تقدم تخريجه ص120.(14/210)
أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة (1) .
وإن زاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن قيام الليل فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". أخرجاه في الصحيحين (2) . لكن المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة.
وكثير من الأئمة لا يتأنى في صلاة التراويح، وهذا خطأ منهم فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح. وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟
وينبغي للناس أن يحرصوا على إقامة هذه التراويح، وأن لا يضيعوها بالذهاب من مسجد إلى مسجد فإن "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (3) وإن نام بعد على فراشه.
ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
__________
(1) تقدم تخريجه ص188.
(2) تقدم تخريجه ص115.
(3) تقدم تخريجه ص190.(14/211)
809 سئل فضيلة الشيخ: هل للختمة أصل من السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم أن للختمة عند انتهاء القرآن أصلاً من السنة، وغاية ما ورد في ذلك ما ذكر عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – "أنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله فدعا" (1) ، أما أن تكون في الصلاة فلا أعلم في ذلك سنة، ولكن من علم سنة في ذلك فإن الواجب عليه أن يعمل بمقتضى ذلك الدليل عنده إذا كان يدل على الوجوب أو يستحب له أن يعمل به إذا كان يدل على الاستحباب، ومن لم يعلم في ذلك سنة فلا يفعل؛ لأن العبادات مبناها على التوفيق.
810 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أصحابه أيضاً، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: "كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعى" وهذا في غير الصلاة.
ثم إن في هذه الختمة مع كونها لم يثبت لها أصل من السنة فيها أن الناس ولاسيما النساء يكثرون في هذا المسجد المعين ويحصل بذلك من الاختلاط بين الرجال والنساء عند الخروج ما هو معلوم لمن شاهده.
...
__________
(1) رواه الدارمي في فضائل القرآن باب: في ختم القرآن 2/468.(14/212)
ولكن بعض أهل العلم قال إنه يستحب أن يختم القرآن بهذا الدعاء.
ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل وجعلها مكان القنوت من الوتر وقنت لم يكن في هذا بأس؛ لأن القنوت مشروع.(14/213)
رسالة
حول دعاء ختم القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابكم المؤرخ في 2/10/1398هـ ورديفه المؤرخ في 6 منه قرأتهما كليهما، وفهمت ما فيهما، وإني لأشكر أخي على ما أبداه من النصح ومحبة الخير، وأسأل الله لي وله التوفيق لما فيه الخير والصلاح والإصلاح، ثم أقول له:
إنني حينما تكلمت على مسألة الدعاء عند ختم القرآن وبينت أنه لم يتبين لي فيها سنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق ليحكم عليها بما تستحق من تصويب أو تخطئة، إنما تكلمت به عرضاً لا قصداً، لأني لما ذكرت الإنكار على من يرفعونها فوق المنابر بمكبر الصوت كان من المعلوم أن الناس، أو الكثير سيفهمون أن أصل هذا الدعاء من السنن المطلوبة فيما أرى، فتحرجت من ذلك الفهم وذكرت أن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق.
ثم يا أخي تعلم أن المسالة ليست مما علم ثبوته بالضرورة من الدين حتى يكون التوقف فيها على النظر والتحقيق من الأمر الذي لا ينبغي، بل هي من المسائل التي لم يعلم لها أصل ثابت من سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(14/214)
ولهذا كرهها من كرهها من أهل العلم، كمالك – رحمه الله – إمام دار الهجرة، فالواجب النظر والتحقيق اتباعاً لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59) . فإذا تبين الصواب للمرء وجب عليه اتباعه عملاً ودعوة؛ لأنه من تمام النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
وأما ما ذكرت من أن الأدعية التي يدعى بها عند ختم القرآن أدعية نبوية.
فما كان منها كذلك فإنه لا يتوقف فيما ثبت منها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كان من الأدعية المباحة غير الواردة، وإنما التوقف في اتخاذ ذلك الدعاء سنة رابتة عند ختم كتاب الله بدون سنة مأثورة، حتى إن بعض العوام يكاد يظن أنها واجبة، وإذا كان كثير من أهل العلم كرهوا المداومة على ما تسن قراءته من بعض السور المعينة في الصلاة خوفاً من أن يظن وجوبها، فما بالك في هذا الدعاء المعتاد عند ختم كتاب الله عز وجل؟!
وأما ما ذكرت من أن مشائخنا المرضيين كانوا يفعلونها.
فلنعم المشائخ من ذكرت، وإذا كانوا على سنة ماثورة فنرجو الله تعالى الذي بيده الفضل أن يتفضل علينا بالهداية إليها، ويوفقنا للعمل بها، والدعوة إليها فإنها لها طالبون، ولما تقتضيه إن شاء الله متبعون.
وأما ما ذكرت من اعتراض بعض الناس عليّ.
فإني أسأل الله تعالى أن يرزقني الصبر على ما يقولون، وأن يرزقني وإياكم الثبات على الحق، ويجعلنا ممن لا تأخذه في الله(14/215)
لومة لائم، وأن يبعدنا عن طريق من إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله.
ويا أخي إن كلام الناس في مثل ذلك ليس بغريب، فأنت تعلم كلامهم في شيخنا عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – وفي شيخه الشيخ صالح وفي غيرهما من أهل العلم والأئمة، بل كلامهم في أشرف الخلق، واعظمهم قدراً، وأعلمهم بالله، وأنصحهم لعباد الله سول الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال الكافرون: (هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ، الآيتان: 4-5) . وقالوا: (أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات: 36) ، فكذبوه في أبين الأشياء، وأظهرها واستكبروا عن قوله، وأنكروا أن يتركوا آلهتهم التي اعتادوا عبادتها من أجله وكذلك قد فعل قوم هود حين قالوا له: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) (هود، الآيتان: 53- 54) .
وأما ما ذكرت من سماعك بعض الناس يقولون: هو يظن أنني نبي نتعطل لما يعلمنا برايه.
فهذا القول الذي يقولونه خطير جداً نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم، وكان عليهم أن يقولوا بما قاله المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم: (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51) فأنا إن دعوتهم للأخذ برأيي مجرداً، - وأبرأ إلى الله تعالى أن أدعو الناس لذلك، وأسأل الله أن يعصمني منه – إن دعوتهم لذلك فلهم الحق كل الحق في رفضه، وأما إذا دعى الناس للتحاكم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلاً لما فعل، وتركاً(14/216)
لما ترك فإن عليهم قبول ذلك وإن خالف ما اعتادوه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36) .
وأنت قد سمعت ما قلت في الخطبة من أن المسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق، هل لها أصل من السنة أو لا أصل لها؟ وهذا واجب المؤمن في الأمور كلها إذا لم تكن معلومة.
وأما ما ذكرت في كتابك المردف من الاستدلال بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
فالحديث لا يدل على مثل مسألتنا، وإنما المراد به – والله أعلم – واحد من أمرين:
أحدهما: أن يراد بالسنة الطريقة الموصلة إلى أمر مشروع ثبت شرعه بكتاب الله، أو سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبناء المدارس لجمع الطلبة، وتصنيف السنة لتقريبها على طالبيها، ووضع الدواوين لرزق الجند ونحو ذلك من الوسائل الموصلة إلى أمر مشروع وهي كثيرة جداً.
الثاني: أن يراد بمن سن سنة حسنة: من سبق إلى العمل بها فيكون المراد بالسنة سنة العمل لا سنة التشريع كما جاء ذلك مبيناً في سياق الحديث، فعن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه(14/217)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى بهم من الفاقة، وفيه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حث الناس على الصدقة ولو بشق تمرة، فتصدق الناس حتى اجتمع عنده كومان من طعام وثياب، فتهلل وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه مذهبة، فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء". الحديث رواه مسلم (1) . وفي رواية له أنه حث الناس على الصدقة فأبطأوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قام ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" الحديث (2) . وفي رواية ثالثة عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يسن عبد سنة صالحة يعمل بها بعده" ثم ذكر تمام الحديث (3) .
ومن المعلوم من سياق الحديث أن الصحابة – رضي الله عنهم – لم يأتوا بشرع جديد، أو عبادة جديدة سنوها من عند أنفسهم، وإنما أتوا بما أمرهم به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصدقة وحثهم عليه. والرواية الثانية تدل بوضوح على أن المراد بالسنة المذكورة سنة العمل والسبق إلى تنفيذ ما أمر به الشارع حيث أبطأ الناس حتى جاء الأنصاري بصدقته فتتابع الناس في ذلك فكان الأنصاري الذي سبق إلى الصدقة هو الذي سن هذه السنة الحسنة، وإنما كانت حسنة لأمر الشارع بها، ويدل على ذلك لفظ الرواية الثالثة: "لا يسن عبد سنة
__________
(1) في الزكاة باب: الحث على الصدقة ح69 (1017) .
(2) رواها أحمد 4/361 (1953) .
(3) رواها أحمد 4/361 (1957) .(14/218)
صالحة" فإن السنة الصالحة كما قال أهل العلم في العمل الصالح: هو ما جمع شرطين: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعلى هذا فإن السنة في الإسلام إذا لم يكن متبعاً فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليست صالحة، فلا تكون حسنة، وإن استحسنها من سنها، وقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) أي مردود على صاحبه غير مقبول، فلا يكون فيه أجر، وصح عنه أنه كان يقول في الخطبة: "خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" (2) ، رواه مسلم وللنسائي: "وكل ضلالة في النار" (3) .
ولا يمكن أن يراد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سن سنة حسنة": السنة التي أحدثها سانها واستحسنها ولم ترد بها سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك لوجهين:
أحدهما: أن هذا ينافي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (4) وتحذيره من البدع؛ بل هو مناف للرواية الثانية للحديث نفسه، وهي ثالث الروايات التي سقناها عن مسلم حيث قيد السنة بالصالحة، ولا يمكن أن تكون صالحة إلا حيث كانت فيها المتابعة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والسنة التي أحدثها سانها ليست من أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تكون صالحة، ولا مقبولة، ولا مأجوراً عليها سانها.
الثاني: انتشار معنى السنة الحسنة، وعدم انضباطه بضابط
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص196.
(2) رواه مسلم في الجمعة باب: تخفيف الصلاة والخطبة ح43 (867) .
(3) رواه النسائي في العيدين باب: كيف الخطبة ح1577.
(4) تقدم تخريجه ص196.(14/219)
يرجع إليه ويتميز به ما كان حسناً مما كان سيئاً، فإن كل صاحب بدعة يدعي أنه سن في الإسلام سنة حسنة.
فالمعتزلة الذين ابتدعوا تحريف نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته بتأويلها إلى معان مجازية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة، حيث قربوا بزعمهم نصوص الكتاب والسنة إلى المعقول فيما يجب لله تعالى، وأبعدوا بذلك التحريف ما يتوهمونه فيها من التمثيل والتخييل.
والصوفية الذين ابتدعوا عدداً معيناً لذكر الله تعالى، وصفة معينة حين القيام بذلك، يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة لحمل النفوس بزعمهم على القيام بهذا العدد المعين من ذكر الله تعالى وتنشيطها على العمل إذا كان على تلك الصفة من الهز والتمايل والرقص والتلحين ونحو ذلك.
والذين ابتدعوا المواسم والأعياد بذكرى ميلاد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض الانتصارات الإسلامية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة بالثناء على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثرة الصلاة عليه، وتذكير النفوس بنعمة الله على المسلمين بولادته وانتصار الإسلام ونحو ذلك.
بل المنافقون الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أنزل من قبله وأرادوا أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو كل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا يأتون إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً.
فبماذا نزن هذه المناهج والطرق إذا كان كل من سلكها يدعي(14/220)
أنه سن بها سنة حسنة، وأورد على ما يدعي في ذلك شبهة؟!
والجواب على ذلك: أن نزنها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا لم توجد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قيام المقتضي لها في عهده علم يقيناً أنها ليست من دين الله تعالى، ولا من شريعته، وأن دعوى أنها سنة حسنة دعوى باطلة؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت في كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله، أو سانها أنها سنة حسنة، ولم يفعلها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من اصحابه في عهده فيكون عليها إقرار الله تعالى، أو إقرار نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أنها ليست سنة حسنة في الإسلام، وإن استحسنها سانها، بل هي مما حذر منه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البدع ولذلك تجد أنه يترتب على هذه البدع من الشرور والمفاسد أكثر مما يحصل فيها من الخير والمصلحة، وهذا من آيات الله تعالى الدالة على كمال شريعته.
ولهذا تجد الصحابة – رضي الله عنهم – ينكرون مثل هذه الأمور وإن كان ظاهرها الخير والإحسان.
فقد أنكر ابن عباس – رضي الله عنهما – على معاوية – رضي الله عنه – استلام أركان الكعبة فقال له معاوية: "ليس شيء من البيت مهجوراً"، فقال ابن عباس – رضي الله عنه -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21) فقال معاوية: صدقت (1) ، فجعل ابن عباس – رضي الله عنهما – ترك استلام الركنين الشاميين من السنة مع أن معاوية رضي الله عنه قصد
__________
(1) رواه أحمد 3/369.(14/221)
باستلامهما تعظيم البيت الذي هو من تعظيم الله عز وجل؛ ووافقه معاوية على ذلك فجعلا ما تركه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تركه من السنة، كما أن ما فعله فالسنة فعله، فتمام الأسوة به والاتباع له فعل ما فعل، وترك ما ترك من كل ما يقصد به العبد عبادة ربه، والتقرب إليه، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع.
وفي السنن من حديث سعيد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – ههنا في الكوفة منذ خمس سنين أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: "أي بني محدث" (1) ذكره ابن القيم في زاد المعاد، وهذا إنكار منه للقنوت في الفجر مع أنه دعاء، والدعاء مشروع كل وقت، لكن تقييده بعبادة معينة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقيده بها يكون بدعة. وذلك أن تمام التأسي والاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتقيد العبد بما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصل العبادة، وسببها، وهيئتها، ووقتها ومكانها، فما ورد مطلقاً تعبد به مطلقاً، وما ورد مقيداً بسبب، أو بهيئة، أو وقت، أو مكان تعبد به على ما قيد به.
ولذلك لو أراد الإنسان أن يتعبد لله تعالى بصلاة كصلاة الكسوف بدون حدوث كسوف.
لقلنا له: هذا بدعة، وإن كان أصل صلاة الكسوف عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بسبب فلا تكون مشروعة مع عدمه.
ولو أراد أن يتعبد لله بالوقوف بعرفة في غير وقته.
...
__________
(1) رواه الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في ترك القنوت وصححه وتابعه محققاً زاد المعاد 1/263.(14/222)
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الوقوف بعرفة عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بوقت فلا تكون مشروعة في غيره.
ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بالاعتكاف في منزله، أو مدرسته.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الاعتكاف عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بمكان وهو المسجد فلا تكو مشروعة في غيره.
ولو أراد أن يتعبد لله تعلى بصلاة ركعتين كلما دخل بيته.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الصلاة عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بدخول المسجد فلا تكون مشروعة بدخول غيره. ...
ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بقوله عند إزالة النجاسة من بدنه أو ثوبه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الذكر والدعاء عبادة؛ لأنه ورد مقيداً بعد إسباغ الوضوء فلا يكون مشروعاً بعد التطهر من النجاسة.
والأمثلة على ذلك كثيرة وكلها يتضح بها أن ما ورد من العبادة مطلقاً فإن تقييده بمكان، أو وقت، أو سبب بدون دليل شرعي يجعله من البدع سواء كان ذكراً أم دعاء.
وعلى هذا فنقول: الدعاء الذي يدعو به من يختم القرآن عند ختمه وإن كان أصله مما ورد بعينه أو بجنسه، فإنما ورد عاماً غير مقيد بختم القرآن، فجعل ختم القرآن سبباً للدعاء به تقييد له بسبب لم يرد به الشرع فإنه من المعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ القرآن ويختمه(14/223)
ولم ينقل عنه أنه كان يدعو عند ختمه. فعلم أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علم أنه ليس من سنته، إذ لو كان من سنته لفعله، أو أقر عليه ثم نقل ذلك للأمة؛ لأن الله تعالى تكفل ببيان شريعته وحفظها، ولم يكن الله تعالى ليدع أمراً محبوباً إليه ثابتاً من دينه بدون بيان لعباده فلا يفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أحد من أصحابه في عهده فيقر عليه، أو يفعل ذلك ولا ينقل للأمة فإن هذا خلاف قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) وخلاف قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) .
وبعد، فهذا ما انتهى علمنا إليه في هذه المسألة الآن، ولا تزال تحت البحث والتحقيق، فنرجو إذا وجدتم زيادة علم أن تخبرونا به وأنا قد مر عليّ أن الدعاء مستجاب عند قراءة القرآن، ولكني نسيت موضعه، ولفظه، ومرتبته فنرجو أن تبحثوا عنه.
وأما قولك – حفظك الله – في الكتاب الثاني: أني إذا كنت ما أرى الختمة أن لا أختم وأترك الناس كل بهواه.
فيا محب تعلم أنه إذا تبين للإنسان الحق بدليله فقد أخذ الله تعالى عليه العهد والميثاق بما أعطاه من العلم أن يبينه للناس ولا يكتمه، لاسيما في الأمور التي يفعلها الناس، ويقدر أنها ليست على صواب، فإن بيان حكمها يكون أوكد ليتمشى الناس فيها على الصواب.(14/224)
هذا وأسأل الله لي ولك الزيادة من العلم والفقه في دين الله تعالى، وإخلاص العبادة له، والاتباع لهدي نبيه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، ومن دعاة الحق وأنصاره، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 9/10/1398هـ.
811 ...(14/225)
وسئل فضيلة الشيخ: إذا أنهيت قراءة القرآن فهل يشرع لي دعاء ختم القرآن؟ وما مدى صحة نسبة دعاء ختم القرآن لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: سبق أن قلنا إنه روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعى (1) فمن اغتدى به في هذا فلا حرج عليه.
وأما الدعاء المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – فلا أظنه يصح عنه؛ لأنه لم يذكر في مصنفاته.
812 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: أيهما أفضل لمن كان في مكة الطواف أو صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن الأفضل صلاة التراويح؛ لأن صلاة التراويح إذا تركها وطاف، فإنها تفوته مع الجماعة ومع الإمام ويفوته قيام الليل كله؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (2) . أما الطواف فإن وقته لا يفوت. فبإمكانه إذا انتهى من التراويح أن يذهب فيطوف، أو يطوف في النهار فليس له وقت محدد يفوت بفواته.
وعلى هذا فنقول الأفضل للإنسان أن يصلي مع الإمام حتى يكتب له قيام ليله.
__________
(1) رواه الدرامي وتقدم ص212.
(2) رواه أصحاب السنن وتقدم تخريجه ص190.(14/226)
813 سئل فضيلة الشيخ: لو قدر أن جاء الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء الآخرة ثم دخل مع الإمام في صلاة التراويح حتى إذا ما سلم الإمام من الركعتين قام هذا المأموم ليكمل صلاته. ما حكم ذلك إذا كان هذا الإنسان متعمداً دخوله في صلاة التراويح؟ وما حكم ذلك إذا كان جاهلاً أن هذه صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: المذهب لا تصح صلاته سواء كان جاهلاً أم لا، والصحيح صحتها سواء كان جاهلاً أم لا.
814 وسئل فضيلة الشيخ: هل ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؟ وهل تنتقل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم. ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والصحيح أنها تنتقل كما قال ذلك ابن حجر – رحمه الله – في (فتح الباري) وكما دلت عليه السنة أيضاً، فقد تكون في ليلة إحدى والعشرين، وفي ليلة ثلاث وعشرين، وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، كل هذا ممكن أن تكون فيه ليلة القدر، والإنسان مأمور بأن يحرص فيها على القيام سواء مع الجماعة إن كان في بلد تقام فيه الجماعة فهو مع الجماعة أفضل، وإلا إذا كان في البادية في البر فإنه يصلي ولو كان وحده.
واعلم أيضاً أنه من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً نال أجرها(14/227)
سواء علم بها أو لم يعلم، حتى لو فرض أن الإنسان ما عرف أماراتها، أو لم ينبه لها بنوم أو غيره، ولكنه قامها إيماناً واحتساباً فإن الله تعلى يعطيه ما رتب على ذلك، وهو أن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه ولو كان وحده.
815 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: هل ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من كل عام أو أنها تنتقل من ليلة إلى ليلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليلة القدر لا شك أنها في رمضان لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . وبين الله تعالى في آية أخرى أن الله أنزل القرآن في رمضان فقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) . وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأول من رمضان يطلب ليلة القدر، ثم اعتكف في العشر الأوسط، ثم رآها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العشر الأواخر من رمضان (1) ، ثم تواطأت رؤيا عدد من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها في السبع الأواخر من رمضان فقال: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" (2) . وهذا أقل ما قيل في حصرها في زمن معين.
وإذا تأملنا الأدلة الواردة في ليلة القدر تبين لنا أنها تنتقل من
__________
(1) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر (2016) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215) .
(2) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر (2015) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215) .(14/228)
ليلة إلى أخرى وأنها لا تكون في ليلة معينة كل عام، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أري ليلة القدر في المنام وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكانت تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين" (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (2) وهذا يدل على أنها لا تنحصر في ليلة معينة، وبهذا تجتمع الأدلة، ويكون الإنسان في كل ليلة من ليالي العشر يرجو أن يصادف ليلة القدر، وثبوت أجر ليلة القدر حاصل لمن قامها إيماناً واحتساباً سواء علم بها أو لم يعلم؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (3) . ولم يقل إذا علم أنه أصابها فلا يشترط في حصول ثواب ليلة القدر أن يكون العامل عالماً بها بعينها، ولكن من قام العشر الأواخر من رمضان كلها إيماناً واحتساباً فإننا نجزم بأنه أصاب ليلة القدر سواء في أول العشر أو في وسطها أو في آخرها. والله الموفق.
816 سئل فضيلة الشيخ: عن أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر؟ وما أفضل دعاء يقال فيها؟ وما علاماتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة
__________
(1) تقدم في الموضع السابق.
(2) رواه البخاري في صلاة التراويح، باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر (1913) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (1169) .
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه ص209.(14/229)
القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولكنها ليست هي ليلة القدر جزماً بل هي أرجاها ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم: أن ليلة القدر تنتقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاث وعشرين وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وفي الأشفاع قد تكون، وقد أخفاها الله عز وجل على عباده لحكمتين عظيمتين:
إحداهما: أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها، أو يصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط.
والحكمة الثانية: أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم وينتفعون به.
أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني" (1) . فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها.
وأما علاماتها:
فإن من علاماتها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا
__________
(1) رواه الترمذي في الدعوات 5/534 باب: 85 ح (3513) وقال: حسن صحيح.(14/230)
شعاع (1) فيها، وهذه علامة متأخرة، وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار فيها، وطمأنينة المؤمن، وراحته، وانشراح صدره، كل هذه من علامات ليلة القدر.
817 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح صلاة من يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى رجل صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح فلما سلم الإمام من التراويح أتم الرجل صلاة العشاء فهذا جائز ولا بأس به، وقد نص على جوازه الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وصح عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أنه كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون له نافلة، ولمن خلفه فريضة (2) .
لكن إن كان مع هذا الرجل جماعة فالأولى أن يصلوا وحدهم صلاة العشاء في جانب من المسجد ليدركوا الصلاة كلها من أولها إلى آخرها في الجماعة.
818 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم حمل المصاحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟
...
__________
(1) من حديث أبي بن كعب، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان ح179 (762) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الجماعة والإمامة/ باب إذا صلى ثم أم قوماً ح (465) ، ومسلم في الصلاة/ باب القراءة في العشاء ح (679) .(14/231)
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام.
الوجه الثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة إليها، وهي فتح المصحف، وإغلاقه، ووضعه في الإبط وفي الجيب ونحوهما.
الوجه الثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه.
الوجه الرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل.
الوجه الخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا كان لم يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى، مطأطأ رأسه نحو سجوده، فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف إمام.
819 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم متابعة الإمام من المصحف في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: متابعة الإمام في المصحف معناه أن المأموم يأخذ المصحف ليتابع الإمام في قراءته، وهذا إن احتيج إليه(14/232)
بحيث يكون الإمام ضعيف الحفظ فيقول لأحد المأمومين: أمسك المصحف حتى ترد عليّ إن أخطأت فهذا لا بأس به لأنه لحاجة.
وأما إذا لم يكن على هذا الوجه فإنني لا أرى أن الإنسان يتابع الإمام من المصحف؛ لأنه يفوت مطلوباً ويقع في غير مرغوب فيه، فيفوت النظر إلى موضع سجوده، وكذلك وضع اليدين على الصدر وهو من السنة، ويقع في غير مرغوب فيه وهو الحركة بحمل المصحف، وفتحه، وطيه، ووضعه، وهذه كلها حركات لا حاجة إليها، وقد قال أهل العلم: إن الحركة في الصلاة إذا لم يكن لها حاجة مكروهة؛ لأنها تنافي كمال الخشوع. بل قال بعض العلماء: إن حركة البصر تبطل الصلاة؛ لأن البصر سوف يتابع القراءة من أول السطر إلى آخره ومن أول الثاني إلى آخره وهكذا مع أن فيه حروفاً كثيرة وكلمات كثيرة فيكون حركة كثيرة للبصر، وهذا مبطل للصلاة.
فنصيحتي لإخواني أن يدعوا هذا الأمر ويعودوا أنفسهم الخشوع بدون أن ينظروا إلى المصحف.
820 وسئل فضيلة الشيخ: اعتاد كثير من أئمة المساجد في منطقتنا رفع أصواتهم في الميكرفون أثناء صلاة التراويح ومعروف لدى فضيلتكم ما يحصل من تشويش على بعض المساجد المجاورة لهذا المسجد، وإذا نصح بعضهم أجاب بأن عمله هذا فيه فائدة عظيمة وهي أن كثيراً من النساء داخل البيوت(14/233)
يسمعن القراءة ويستفدن منها وكذلك قد تؤثر على بعض الناس فيأتي إلى المسجد ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً فماذا ترون يا فضيلة الشيخ؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم معروف عندي وعند غيري ما يحصل برفع الصوت في الميكرفون من المنابر أثناء صلاة التراويح وغيرها من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك – رحمه الله – في الموطأ 1/167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وروى أبو داود 2/38 تحت عنوان: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". أو قال: "في الصلاة". قال ابن عبد البر: حديث البياضي، وأبي سعيد ثابتان صحيحان.
ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 23/61 من مجموع الفتاوى، ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره(14/234)
كالمصلين، وفي جواب له 1/305 من الفتاوى الكبرى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36) .
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه. ...
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النهي عن جهر المصلين بعضهم على بعض.
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يحفظه بالتشويش عليهم.
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها.
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في(14/235)
مسجد كبير كثير الجماعة، حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً.
5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المساجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوت أكثر الصلاة أو كلها.
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع.
7- أنه قد يكون في البيت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ، وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها، وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة.
وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً.
فهذا قد يكون حقاً ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة. ...
والقاعدة العامة المتفق عليها أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه، فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن(14/236)
يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عبادتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية، حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء، وذكر، وقرآن، ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر الشيء؛ لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه.
ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن" (1) . وقوله: "فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة" (2) .
ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان.
كتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين في 9/9/1407هـ.
__________
(1) رواه مالك، في الصلاة باب 7: العمل في القراءة 1/86 (225) .
(2) رواه أبو داود، في الصلاة باب: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل ح (1332) .(14/237)
821 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا ينبغي حمل المأموم للمصحف، بل لو قيل بكراهيته لكان له وجه؛ لأن ذلك يؤدي إلى حركة لا حاجة إليها، فالإنسان يتحرك لفتح المصحف، وإغلاقه، وحمله وتفوته سنة وضع اليدين على الصدر ويكون منه حركة بصرية كثيرة؛ لأن عينيه تجول في الصفحات ولهذا ذهب بعض العلماء إلى بطلان صلاة الإنسان إذا قرأ من المصحف، والصحيح أن الصلاة لا تبطل، لكن لا شك أن متابعة الإمام في المصحف إذا لم يكن هناك حاجة مكروه، أما لو كان الإمام محتاجاً إلى من يتابعه لكونه ضعيف الحفظ فطلب من أحد المصلين أن يتابعه ليقرأ عليه إن أخطأ فإن ذلك لا بأس به.
...
822 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم حمل المصحف في الصلاة للمتابعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف والإمام يقرأ ينافي الخشوع وفيه عدة محاذير:
المحذور الأول: أنه يحول بين المصلي وبين رؤية محل سجوده، والمشروع للمصلي أن ينظر إلى محل سجوده عند أكثر العلماء، وهذا الذي بيده المصحف لا ينظر إليه.
المحذور الثاني: أنه يحول بين المصلي وبين اتباع السنة في(14/238)
وضع اليدين؛ لأن المشروع للمصلي في حال القيام قبل الركوع وبعد الركوع أن تكون يده اليمنى على اليسرى، وهذا الذي أخذ المصحف لا يتمكن من ذلك كما هو معلوم.
المحذور الثالث: أن فيه حركة لا داعي لها، والحركة في الصلاة مكروهة؛ لأنها عبث، وهذا يحرك المصحف في تقليبه، وفي حمله، وفي وضعه حركة لا داعي لها.
المحذور الرابع: أنه يشغل بصره بحركات كثيرة فهو ينظر إلى الآيات، وإلى كل كلمة، وكل حرف، وكل حركة، وكل سطر، وكل صفحة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان المصلي إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته، وعللوا بذلك بكثرة الحركات، وهذا المتابع لا شك أن حركات عينيه تكثر كثرة عظيمة.
المحذور الخامس: أنني أشعر أن الذي يتابع الإمام سوف يذهب عن قلبه أنه في صلاة، يعني ينشغل بالمتابعة عن كونه يصلي يشعر كأن إمامه رجلاً يقرأ وهو يتابعه، ما كأنه في صلاة، لكن إذا كان الإنسان قد وضع يده اليمنى على اليسرى، وأخبت لله، ووضع بصره موضع سجوده، فإنه يجد من الإنابة إلى الله والخشوع ما لا يجده عند تقليب المصحف، ولهذا أنصح إخواني بترك هذه العادة، اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما لو كان الإمام غير حافظ فطلب من بعض المأمومين حمل المصحف ليرد عليه عند الخطأ فهذه حاجة ولا بأس بها.(14/239)
823 سئل فضيلة الشيخ: نحن جماعة في سفر فهل نصلى التراويح مع قصر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تصلون التراويح، وتقومون الليل، وتصلون صلاة الضحى وغيرها من النوافل، لكن لا تصلون راتبة الظهر، أو المغرب أو العشاء.
824 سئل فضيلة الشيخ: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس والتأثير فيهم بتغيير نبرة صوته أحياناً أثناء صلاة التراويح، وقد سمعت بعض الناس ينكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية بدون غلو فإنه لا باس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو كنت أعلم أنك تستمع إلى قراءتي لحبرته لك تحبيراً" (1) . أي حسنتها وزينتها، فإذا حسن بعض الناس صوته، أو أتى به على صفة ترقق القلوب فلا أرى في ذلك بأساً، لكن الغلو في هذا بكونه لا يتعدى كلمة في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال أرى أن هذا من باب الغلو ولا ينبغي فعله. والعلم عند الله.
__________
(1) رواه البيهقي في الشهادات باب: تحسين الصوت بالقرآن 10/231، وأبو يعلى 13/266 (7279) .(14/240)
825 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم ذهاب أهل جدة إلى مكة لصلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج في أن يذهب الإنسان إلى المسجد الحرام كي يصلي فيه التراويح، لأن المسجد الحرام مما يشد إليه الرحال، ولكن إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة، وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ لأن القيام بالواجب واجب، والقيام والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب.
826 سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس في شهر رمضان يترك المسجد القريب منه ويصلي في مسجد آخر لكونه أخشع لقلبه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد" (1) أفتونا مغفوراً لكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث فيما أعرفه مختلف في صحته وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة –
__________
(1) رواه الطبري في "الكبير" 12/370، والهيثمي في "المجمع" 2/23.(14/241)
رضي الله عنهم – كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل كان معاذ – رضي الله عنه – يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي (1) بهم مع تأخر الزمن.
وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها.
827 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: اعتاد بعض الناس وصف ليلة سبع وعشرين من رمضان بأنها ليلة القدر، فهل لهذا التحديد أصل؟ وهل عليه دليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه - (2) .
ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً أن ليلة القدر في العشر الأواخر، ولاسيما في السبع الأواخر منها، فقد تكون ليلة سبع وعشرين، وقد تكون ليلة خمس
__________
(1) تقدم تخريجه ص231.
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان (762) .(14/242)
وعشرين، وقد تكون ليلة السادس والعشرين، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين، ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها، فقد قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: 3) . وقال عز وجل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 1 - 5) .
828 وسئل فضيلة الشيخ: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان فهل تقام صلاة التراويح وصلاة القيام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، فإنها لا تقام صلاة التراويح، ولا صلاة القيام، ذلك لأن صلاة التراويح والقيام إنما هي في رمضان، فإذا ثبت خروج الشهر فإنها لا تقام.
829 سئل ضيلة الشيخ: من أدرك مع الإمام في صلاة التراويح تسليمة واحدة مع الشفع والوتر هل يكون له أجر قيام ليلة؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يكتب لهذا قيام ليلة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/243)
قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف" (1) وهذا لم يقم مع الإمام.
830 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم رفع الصوت بالبكاء في صلاة التراويح وغيرها علماً بأنه قد يسبب تشويشاً للآخرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن البكاء من خشية الله عز وجل من صفات أهل الخير والصلاح، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشع في صلاته ويكون لصدره أزيز كأزيز المرجل (2) ، وقال الله تبارك وتعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (الاسراء: 109) .
فالبكاء عند قراءة القرآن، وعند السجود، وعند الدعاء من صفات الصالحين، والإنسان يحمد عليه، والأصوات التي تسمع أحياناً من بعض الناس هي بغير اختيارهم فيما يظهر، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا بكى من خشية الله، فإن صلاته لا تبطل، ولو بان من ذلك حرفان فأكثر. لأن هذا أمر لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه، ولا يمكن أن نقول للناس لا تخشعوا في الصلاة ولا تبكوا.
بل نقول: إن البكاء الذي يأتي بتأثر القلب مما سمع، أو مما استحضره إذا سجد؛ لأن الإنسان إذا سجد استحضر أنه أقرب ما يكون إلى ربه عز وجل كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أقرب ما يكون العبد من
__________
(1) رواه أهل السنن وتقدم تخريجه ص190.
(2) رواه النسائي في السهو، باب: البكاء في الصلاة ح (1213) ورواه بنحوه أبو داود في الصلاة ح (904) .(14/244)
ربه وهو ساجد" (1) . والقلب إذا استحضر هذا وهو ساجد، لا شك أنه سيخشع ويحصل البكاء، ولا أستطيع أن أقول للناس امتنعوا عن البكاء، ولكني أقول إن البكاء من خشية الله والصوت الذي لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه لا بأس به، بل كما تقدم البكاء من خشية الله تعالى من صفات أهل الخير والصلاح.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود ح215 (482) .(14/245)
فصل
قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد أطلعت على رسالة موجهة إلى من يراها أو يسمعها من المسلمين في موضوع صلاة التراويح، وبلغني أنها قرئت في بعض المساجد، وهي رسالة قيمة حث فيها كاتبها على الخشوع في التراويح، والطمأنينة – فجزاه الله خيراً على خيره -.
ولكن هذه الرسالة عليها ملاحظات يجب بيانها منها:
أنه نقل فيها ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في رمضان عشرين ركعة (1) .
وجوابه: هذا الحديث ضعيف، قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ص (524) ج2: "وأما ما رواه ابن أبي شيبة" (2) من حديث ابن عباس كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر، فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين (3) مع كونها أعلم بحال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلاً من غيرها. أهـ.
وحديث عائشة الذي أشار إليه صاحب الفتح هو ما رواه
__________
(1) رواه البيهقي، وتقدم تخريجه ص197.
(2) راجع المصنف في صلاة التطوع باب: كم يصلي في رمضان 2/386 (13) .
(3) تقدم تخريجه ص120.(14/246)
البخاري ص (59) ج3 ومسلم ص (166) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سألها كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"، وفي لفظ لمسلم: "يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر".
وحديث عائشة يوحي بشدة لهجته بشيء من إنكار الزيادة على هذا العدد، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – في صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل قال: "فصلى (يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر"، أخرجه مسلم (1) ص (179) ج2.
وبهذا تبين أن صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل دائرة بين الإحدى عشرة والثلاث عشرة.
فإن قيل: إن صلاة الليل هذه ليست هي التراويح؛ لأن التراويح من سنن عمر – رضي الله عنه -؟
فالجواب: بل صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان هي التراويح ولكنهم سموها تراويح؛ لأنهم كانوا يطيلونها ثم يستريحون بعد كل تسليمتين، فسميت تراويح لذلك، ولقد كانت التراويح من سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي صحيح البخاري ص (10) ج3 من الفتح وفي صحيح مسلم (177) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة
__________
(1) تقدم تخريجه ص195.(14/247)
فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلأ أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان (1) .
فإن قيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقتصر على هذه الركعات ولم يمنع الزيادة عليها، وزيادة الركعات خير وثواب.
فالجواب: أنه إما أن يكون الخير في الاقتصار على هذه الركعات؛ لأنه هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كان الخير في الاقتصار عليها كان الاقتصار عليها أولى، وإما أن يكون الخير في الزيادة، وحينئذ يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متقاصراً عن فعل الخير وراضياً بالمفضول عن الفاضل مع عدم البيان لأمته وهذا شيء مستحيل.
فإن قيل: فما الجواب عما روى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان أنه قال: "كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة" موطأ شرح الزرقاني ص (239) ج1.
فالجواب: أن هذا الحديث معلول ومعارض.
أما علته: فهو منقطع؛ لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر، كما نص على ذلك أهل الحديث كالنووي وغيره.
وأما معارضته: فقد عارضه ما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن يوسف، وهو ثقة ثبت، عن السائب بن يزيد، وهو
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.(14/248)
صحابي قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة" (1) . الموطأ شرح الزرقاني ص (138) ج1.
فإن هذا الحديث أرجح من حديث يزيد بن رومان من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه أقوم عملاً وأحسن لموافقته للعدد الثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان عمر – رضي الله عنه – ليختار سوى الوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع علمه به، ويبعد أن يكون غير عالم به.
الثاني: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة منسوب إلى أمر عمر – رضي الله عنه – فيكون من قوله، وحديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين منسوب إلى زمان عمر – رضي الله عنه - فيكون من إقراره، والقول أقوى من الإقرار؛ لأنه صريح في اختياره إياه، أما الإقرار فقد يكون من باب الإقرار على الجائز لا على المختار، فأقرهم عمر على الثلاث والعشرين حيث لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك منع، وكانوا مجتهدين في ذلك فأقرهم على اجتهادهم، وإن كان هو يختار الإحدى عشرة لأمره بها. ...
الثالث: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة سالم من العلة، فسنده متصل، وحديث يزيد بن رومان معلول كما سبق وأيضاً فتوثيق الراوي عن السائب بن يزيد، وهو محمد بن يوسف أقوى من توثيق يزيد بن رومان، حيث قيل في الأول: إنه ثقة ثبت،
__________
(1) تقدم تخريجه ص188.(14/249)
وفي الثاني ثقة فقط، وهذا من المرجحات كما في علم مصطلح الحديث.
هذا ولو فرض أن حديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين ثابت عن عمر، وسالم عن العلة والمعارضة فإنه لا يمكن أن يرجح على العدد الذي واظب عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يزد عليه في رمضان ولا غيره. لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59) . فأوجب الله الرد عند النزاع إلى الله يعني كتابه، وإلى رسوله في حياته وسنته بعد وفاته، وأخبر سبحانه أن هذا خير وأحسن تأويلاً – أي عاقبة -.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65) . فجعل الله التحاكم إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما شجر بين الناس من النزاع من مقتضيات الإيمان، ونفي الإيمان نفياً مؤكداً بالقسم عمن لم يحكم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويطمئن إلى حكمه، وينقاد له انقياداً تاماً.
وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلن في خطبة الجمعة فيقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1) ، وهذا أمر مجمع عليه إجماعاً قطعياً بين المسلمين أن خير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن هديه خير من هدي كل أحد كائناً من كان، بل إن كان في هدي أحد خير فما هو إلا من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحذرون غاية التحذير من
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص219.(14/250)
معارضة قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول غيره، أو هديه بهدي غيره، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر، وعمر"، بل إن عمر – رضي الله عنه – لما ترافع إليه خصمان، قال للذي لم يرض ذكر هذا الأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، وفي شرحه تيسير العزيز الحميد ص (510) قال: هذه القصة مشهورة متداولة بين السلف والخلف تداولاً يغني عن الإسناد، ولها طرق كثيرة، ولا يضر ضعف إسنادها. أهـ (1) .
ولو قيل لشخص مسلم: هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا آخر غيره يصلي بهم بثلاث وعشرين ركعة، أو بتسع وثلاثين، فإنه لا يسعه إلا أن يتبع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأخذ بهديه؛ لأن العمل الموافق للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأحسن والأقوم، والعمل بالأحسن هو الذي خلق الناس، وخلقت السموات والأرض من أجله، قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2) . وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7) . لم يقل سبحانه (ليبلوكم أكثر عملاً) ، ومعلوم أنه كلما كان العمل أخلص لله،
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في "الفتح" (5/37) : "رواه الكلبي في تفسيره عن ابن عباس ... ، وإسناده وإن كان ضعيفاً، لكن تقوى بطريق مجاهد". وانظر المجلد العاشر من هذا المجموع ص741.(14/251)
وأتبع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحسن، فالإحدى عشرة، أو الثلاث عشرة أحسن مما زاد عليها لموافقتها لما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتكون أولى وأفضل، لاسيما إذا اقترن بها تمهل، وخشوع، وحضور قلب، وطمأنينة يتمكن بها الإمام والمأمومون من الذكر والدعاء.
فإن قيل: إن الثلاث والعشرين هي سنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم حيث قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (1) .
فالجواب: لعمر الله، إن عمر لمن الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، بل هو أحد الرجلين اللذين أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتداء بهما حيث قال: "إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (2) . رواه الترمذي. بل هو الرجل الذي قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" (3) . رواه الترمذي، وهو الرجل الذي قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن بك في أمتي أحد فإنه عمر". متفق عليه (4) . ولكن ما هي سنة عمر – رضي الله عنه – في عدد ركعات التراويح؟
...
__________
(1) رواه أبو داود في السنة باب: لزوم السنة ح (4607) ، والترمذي في العلم باب: ما جاء في الأخذ بالسنة ح (2676) وقال: حسن صحيح.
(2) رواه الترمذي في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ح (3662) .
(3) رواه الترمذي في مناقب عمر ح3672 وحسنه.
(4) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب: مناقب عمر ح (3689) من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم في فضائل الصحاب في فضائل عمر من حديث عائشة ح23 (2398) .(14/252)
إن إثبات تعينها في ثلاث وعشرين دونه خرط القتاد، فقد سبق أن سند إثباتها – فضلاً عن تعينها – معلوم ومعارض بما هو أرجح سنداً، وأقوى دلالة وأقوم عملاً، وأن الثابت عن عمر أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا للناس بإحدى عشرة ركعة (1) .
ثم إن فرض ثبوت تعيينها بثلاث وعشرين ركعة عن عمر – رضي الله عنه – لم يكن ذلك حجة على فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا معارضاً له لدلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والإجماع على أنه لا يعدل بسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة غيره كائناً من كان، ولا تعارض بها أبداً، قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحل له أن يدعها لقول أحد". أهـ.
ومن الملاحظات قوله: إن المسلمين لم يزالوا على الثلاث والعشرين من عهد الصحابة إلى زماننا هذا، فيكون إجماعاً.
فالجواب: ليس الأمر كذلك، فالخلاف موجود بين المسلمين منذ عصر الصحابة إلى اليوم، وقد ذكر في فتح الباري الخلاف ص (253) ج4 المطبعة السلفية وملخصه: 11 – 13 – 19 – 21 – 23 – 25 – 27 – 35 – 37 – 39 قال: وكان ذلك يعني التسع والثلاثين في المدينة في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز، قال مالك: وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة 41 – 47 – 49.
__________
(1) رواه مالك وتقدم تخريجه ص188.(14/253)
فإذا تبين ثبوت الخلاف بين المسلمين فالحكم في ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59) .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. تم ذلك في 8/9/395هـ.(14/254)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اطلعت اطلاعة سريعة على هذه الرسالة التي كتبتموها (.....) ولا ريب أن التحقيق في مثل هذه المسائل التي تخفى فيها السنة على كثير من الناس أمر مهم ونافع لما فيه من إحياء السنة، ومعلوم أن السنة إذا خفيت كان إظهارها واجباً، وإن كانت في الأصل سنة لما في ذلك من حفظ الشريعة وإبلاغ ما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والرسالة المذكورة أرجو أن لا يكون في نشرها بأس لكن عليها بعض التنبيهات.
فمنها: ما في آخر ص 14 من أن الاقتصار على إحدى عشرة ركعة ظناً أن هذا العدد أفضل من الزيادة عليه حيث يقع هذا من الأئمة الذين لا يعرفون رغبة من خلفهم على إحدى عشرة ركعة. قلتم: إن هذا ليس له دليل من الكتاب والسنة، بل فيه مخالفة صريحة لكتاب الله، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم إن أطالوا فقد عصوا أبا القاسم، وإن خففوا فقد حرموا أنفسهم ومن يصلي خلفهم من التزود من العمل الذي أمر الله به ومدح المكثرين منه الذي يقضون معظم ليلهم بالقيام، والركوع، والسجود، وقراءة القرآن.
...(14/255)
ثم قلتم في ص 15 إن هذا ليس من النصيحة في الدين، ولا بعد نصيحة لله، ولا لكتابه، ولا لعامة المسلمين. أهـ.
ولا يخفى عليكم أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" ثم فصلتها كما رواه البخاري وغيره. انظر الفتح 3/33 وصحيح مسلم 1/509 (1) .
ولا يخفى أن هذا العدد هو غاية الزيادة إلا ما صح من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة (2) . انظر صحيح مسلم 1/531 وفصل هذه الركعات ص 527 منه (3) ، وفصلها في البخاري أيضاً، انظر الفتح 2/477، ولعل الركعتين كما في الأوليين هما الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاة الليل كما في حديث زيد بن خالد الجهني (4) في صحيح مسلم 1/531 – 532.
ولا يخفى أنه ربما اقتصر على السبع والتسع كما في حديث عائشة في البخاري (5) انظر الفتح 3/20.
ولا يخفى أن العدد أحد عشرة هو المرجح عند كثير من أهل
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص187.
(3) متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في الوضوء باب: قراءة القرآن بعد الحدث ح (183) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح182 (763) .
(4) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح195 (765) .
(5) رواه البخاري في التهجد باب: كيف صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح1139.(14/256)
العلم، ومنهم شيخنا عبد العزيز ابن باز كما نقلتموه عنه ص 22 من الرسالة، وأن الزيادة على ذلك لا حرج فيها ولا كراهية. ...
ولا يخفى أن النقص عنه جائز أيضاً لورود السنة به، لكن زيادة العدد إلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة مع حسن العمل أولى لتميزه بالكثرة، اللهم إلا أن يكون على المكلف نوع من المشقة فيقتصر على ما دونه تيسيراً على نفسه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكلفوا من العمل ما تطيقون" (1) .
ولا يخفى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطيل صلاة الليل وهو إمام كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين صلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأطال الصلاة حتى هم أن يقعد ويترك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ، انظر الفتح 3/19، وصحيح مسلم 1/537 وكما في حديث حذيفة (3) حين صلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فقرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البقرة، والنساء، وآل عمران، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، انظر صحيح مسلم 1/536 – 537.
ولا يخفى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في رمضان بأصحابه ثلاث ليال وتأخر في الرابعة كما في صحيح البخاري (4) ، انظر الفتح 4/253 وصحيح مسلم 1/524.
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الصوم باب 49: التنكيل لمن أكثر الوصال ح (1966) . ورواه مسلم في الصيام باب: النهي عن الوصال في الصوم ح58 (1103) .
(2) رواه البخاري في التهجد باب: طول القيام في صلاة الليل ح (1135) ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح204 (773) .
(3) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160.
(4) متفق عليه من حديث عائشة وتقدم تخريجه ص187.(14/257)
ولا يخفى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام بأصحابه حين بقي سبع من شهر رمضان حتى ذهب ثلث الليل، وفي ليلة ثانية حتى ذهب شطر الليل، وفي ليلة ثالثة حتى تخوفوا الفلاح – أي السحور – أخرجه أحمد وأهل السنن، ورجاله عند أهل السنن رجال الصحيح، كما في نيل الأوطار (صلاة التراويح) (1) .
ولا يخفى التطويل بالجماعة في ذلك، وهكذا كان عمل السلف من الصحابة والتابعين كما في موطأ الإمام مالك (2) ، انظر شرح الزرقاني 1/238 – 240.
والفرق بين هذا وبين حديث معاذ – رضي الله عنه – في نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له عن التطويل (والمراد التطويل الزائد عما جاءت به السنة) أن هذا في النفل الذي يجوز للناس التخلف عنه والخروج منه، وحديث معاذ في الفرض الذي لا يجوز لهم التخلف عنه ولا الخروج منه إلا بعذر شرعي فهم ملزمون به قصداً وإتماماً.
وأظنكم بعد هذا ستعيدون النظر فيما كتبتم حول هذا الموضوع.
ومن الأمور التي ينبه عليها قولكم ص (16) إن شفع المأموم صلاته خلف إمام يصلي الوتر مخالفة منهي عنها، والمتابعة مأمور بها في السنة المطهرة إلخ.
ولا ريب أن المخالفة للإمام منهي عنها، والمتابعة مأمور بها ولكن المخالفة والمتابعة بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "فإذا كبر
__________
(1) رواه أحمد 5/159 (21411) ، ونيل الأوطار 3/50.
(2) راجع الموطأ باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 ح280 و282 و283.(14/258)
فكبروا" (1) إلخ، وفي تحذيره من مسابقة الإمام.
فأما إتمام المأموم صلاته فليس بمخالفة سواه كان مسبوقاً أم لا؛ لأن الإمام أتم صلاته بالسلام فانفصل المأموم منه، ولهذا كان أهل مكة عام الفتح يصلون خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيتمون الصلاة بعد سلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ونص على جواز ذلك أهل العلم، ونص الإمام أحمد على جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، ومعلوم أن المأموم في هذه الحال سيقوم بعد سلام الإمام لإتمام صلاة العشاء.
وعلى هذا فإذا نوى المأموم المصلي خلف إمام يوتر صلاة نفل غير الوتر، كانت صلاته ركعتين، فيتمها بعد سلام إمامه من وتره كالمقيم خلف المسافر، ومصلي العشاء خلف مصلى التراويح.
وفي المغني 2/164 في الكلام على الوتر: فإن صلى مع الإمام وأحب متابعته في الوتر، وأحب أن يوتر آخر الليل فإنه إذا سلم الإمام لم يسلم معه وقام فصلى ركعة أخرى يشفع بها صلاته مع الإمام، نص عليه، ثم قال عن الإمام أحمد: يشفع مع الإمام بركعة أحب إليّ أهـ. وبهذا يحصل للمأموم القيام مع الإمام حتى ينصرف مع جعل آخر صلاته بالليل وتراً.
ومنها أنكم في ص (45) وهمتم من قال: إن الإحدى عشرة ركعة هو العدد الذي جاءت به السنة واتبعه على ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهو خير الهدي، وأكمله، وأتمه،
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص126.
(2) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص125.(14/259)
وأحسنه، وقلتم: لا دليل هنا لمن فضل الإحدى عشرة على غيرها.
ومعلوم أن المقصود بتفضيل الإحدى عشرة يعني على غيرها من الأعداد الأخرى التي عليها الناس اليوم.
أما كونها أفضل من الأعداد الأخرى التي جاءت بها السنة فقد يقال به أيضاً لأنه أكثر عملاً، وقد وردت به السنة، ويحمل ما ورد دونه على حال تقتضيه إما ضعف أو نحوه كما في صحيح مسلم 1/513 – 514 أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي تسع ركعات، فلما أسن وأخذه الحم أوتر بسبع (1) .
وقد يقال إن هذا من تنوع العبادات، والأفضل على القول الراجح في العبادات المتنوعة أن يأتي بكل نوع منها، هذا ارة، وهذا تارة ليأتي بجميع أنواع السنة.
ولكن قد ترجح الإحدى عشرة في التراويح حتى لا يحصل الاضطراب والبلبلة عند العامة، ويرجحها أيضاً أمر عمر – رضي الله عنه – أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بها في الناس (2) .
وقد سبق ما نقلتم عن الشيخ عبد العزيز ابن باز ص (22) أن الأفضل في ذلك كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غالب أحواله. وهذا مرجح رابع.
ومنها قولكم ص (46) : ومن فضل الإحدى عشرة على غيرها فقد أخذ بسنة ورد سنن (كذا) أخرى بلا دليل.
...
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح139 (746) .
(2) رواه مالك وتقدم ص188.(14/260)
ومن المعلوم أن هذا ليس بلازم بل إن التفضيل بين شيئين يدل على جوازهما مع رجحان أحدهما على الآخر، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، كما هو معروف عند أهل العلم.
ومنها قولكم ص (47) : وليس من أوصاف حسنة (كذا) كونه قليلاً.
ومن المعلوم أن القليل إذا كان أتبع للسنة كان أحسن من الكثير، سواء كان ذلك في الكم، أو في الكيف. ألم تر أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم وفطر يوم كما في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص الثابتة في صحيح البخاري وغيره (1) .
ثم ألم تر أن تخفيف ركعتي الفجر أفضل من إطالتهما، مع أن صوم يومين وفطر يوم، وتطويل الركعتين أكثر عملاً.
وبهذا علم أن القلة من حسن العمل إذا كانت أوفق للسنة.
ومن المعلوم أن الإحدى عشرة ركعة في التراويح أوفق للسنة مما زاد عليها كما يشعر بذلك جواب عائشة – رضي الله عنها – لمن سألها كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان (2) ؟ وعلى ذلك تكون أحسن لاسيما أن كثيراً من الذين يصلون التراويح ثلاثاً وعشرين ركعة يأتون بها بسرعة تكاد تكون مخلة بالطمأنينة التي لا تصح الصلاة بدونها.
...
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الصوم باب: حق الجسم في الصوم ح (1975) ، ومسلم في الصيام باب: النهي عن صوم الدهر ح181 (1159) .
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.(14/261)
أما إذا اجتمعت الكثرة والموافقة للسنة فالكثير أولى وهذا لا ريب فيه.
ومنها أنكم قلتم في ص (48) : إنه يشرع في الإيتار بخمس، أو سبع، أو تسع أن تصلي مثنى مثنى، بل إن صلاتها مثنى مثنى أفضل من سردها، ثم استدللتم بحديث ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاة الليل مثنى مثنى" (1) .
ومن المعلوم أن الأحاديث الواردة في الإيتار بهذا العدد ليس فيها حديث واحد يدل على تفريق عددها مثنى مثنى، بل تدل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقصد سردها، والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً سال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" (2) . رواه البخاري، انظر الفتح 3/20.
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوترأيقظني فأوتر. رواه البخاري، انظر الفتح 2/487، ورواه مسلم 1/51 بلفظ: كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها
__________
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، وتقدم تخريجه ص115.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.(14/262)
فأوترت (1) . وروى 1/508 عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها (2) . وروى 1/513 عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعناً (3) .
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه وهو رواية عن أحمد ذكرها في الإنصاف والفروع قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي فتح الباري 3/27: "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه". أهـ.
__________
(1) رواه البخاري في الوتر، باب: إيقاظ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهله بالوتر ح (997) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل ح135 (744) .
(2) في الموضع السابق ح139 (737) .
(3) في الموضع السابق ح139 (746) .(14/263)
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صابح زاد المستقنع.
ومنها أي مما ينبه عليه في رسالتكم أن ظاهر كلامكم ص (49) في العبادات الواردة على وجوه متعددة تفضيل أحد الوجوه مطلقاً على الآخر.
وهذا مسلك سلكه بعض العلماء، والصواب أن الأفضل فعل هذا تارة، وهذا تارة ليحصل له العمل بالسنتين جميعاً، إلا أن يكون ورودها على أحد الوجوه لسبب يقتضيه فيقتصر عليه حينئذ.
هذا ما أردت التنبيه عليه في رسالتكم، وأسأل الله تعالى أن يجعل عمل الجميع خالصاً لوجهه، نافعاً لعباده، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 22/2/1408هـ.
831 سئل فضيلة الشيخ: عن الرواتب التي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليها؟ وعن ركعتي الضحى، وعن تهجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن إعادة الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرواتب التي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/264)
يصليها عشر كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما (1) -: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، هذه عشر.
وقالت عائشة – رضي الله عنها (2) -: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدع أربعاً قبل الظهر" وعلى هذا فتكون الرواتب ثنتي عشرة ركعة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح، إلا أنه ينبغي في الركعتين قبل الصبح، أمران:
أحدهما: التخفيف (3) .
والثاني: قراءة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى مع الفاتحة، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية مع الفاتحة، أو في الركعة الأولى مع الفاتحة قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .
(البقرة:136) .
وفي الركعة الثانية مع الفاتحة قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في التهجد باب: الركعتين بعد الظهر ح (1180) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: فضل السنن الراتبة ح104 (729) .
(2) رواه البخاري في الموضع السابق ح (1182) .
(3) راجع حديث حفصة في تخفيف ركعتي الفجر وهو متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: الأذان بعد الفجر ح (618) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر ح87 (723) وراجع بقية أحاديث الباب من 87 إلى 95.(14/265)
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (1) (آل عمران: 64) .
وأما ركعتا الضحى ففي صحيح مسلم (2) عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله". وأقل سنة الضحى ركعتان.
وأما تهجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد سئلت عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" (3) .
فهذا ما كان يصليه النبي عليه الصلاة والسلام في الليل إحدى عشرة ركعة، ولا يزيد على ذلك، ومع هذا فلو أن الإنسان تهجد بأكثر وزاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج عليه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى" (4) . فعلى هذا نقول عدد صلاة الليل ليس محصوراً بإحدى عشرة بل يصلي الإنسان نشاطه.
وأما إذا أوتر في أول الليل وكان من نيته أن لا يقوم في آخره، فإنه إذا قدر له أن يقوم بعد فإنه يصلي ركعتين حتى يطلع الفجر، ولا
__________
(1) رواه مسلم في الموضع السابق ح98 (726) و99 (727) .
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب صلاة الضحى ح78 (719) .
(3) متفق عليه وتقدم ص120.
(4) متفق عليه وتقدم ص115.(14/266)
بعيد الوتر؛ لأن الوتر ختم به صلاة الليل في ظنه قبل أن ينام، ولكن ينبغي للإنسان الذي من عادته أن يقوم من آخر الليل أن يجعل وتره في آخر الليل كما ثبت فيه الحديث: أن "من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل" (1) .
832 سئل فضيلة الشيخ: عن كيفية صلاة النافلة، وكم عدد ركعاتها؟ وهل لها إقامة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: جميع النوافل ليس لها أذان ولا إقامة، وإنما الأذان والإقامة للصلوات الخمس والجمعة، أما السنن الرواتب فهي ركعتان قبل الفجر خفيفتان، يقرأ في الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) . وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . أو يقرأ في الأولى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) (البقرة، الآية: 136) . إلى آخر الآية، وفي الركعة الثانية يقرأ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64) . وذلك بعد الفاتحة (2) .
وفي الظهر أربع ركعات قبلها بتسليمتين، وبعدها ركعتين، وأما العصر فلا راتبة لها لا قبلها ولا بعدها، وفي المغرب يصلي
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل ح162 (755) .
(2) راجع ص266.(14/267)
ركعتين بعدها، وفي العشاء يصلي ركعتين بعدها، فهذا اثنتا عشرة ركعة.
وأما صلاة الليل فهي على ركعتين ركعتين بدون حصر. ...
وأما الوتر فأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، فإن أوتر بثلاث فله الخيار: إن شاء سلم من اثنتين وأتى بركعة ثالثة وحدها، وإن شاء سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وإن شاء أوتر بخمس سردهن جميعاً بتشهد واحد، وإن أوتر بسبع سردهن بتشهد واحد، وإن أوتر بتسع سردهن جميعاً، إلا أنه يتشهد في الثامنة، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويسلم، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة صلى ركعتين ركعتين ويجعل الأخيرة وحدها. والله الموفق.
833 وسئل فضيلة الشيخ: عن الفرق بين المسجد والمصلى، وهل أحكامهما واحدة من حيث تحية المسجد وإنشاد الضالة، والبيع، والشراء وغير ذلك؟ وما حكم تحية المسجد فيما ظهر لكم، وإن قيل بأنها سنة مؤكدة فكيف نوجه أدلة القائلين بالوجوب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الفرق بين المصلى والمسجد أن المصلى مكان صلاة فقط، والمسجد معد للصلاة عموماً كل من جاء فيه فإنه يصلي فيه، ويعرف أن هذا وقف لا يمكن بيعه ولا التصرف فيه، وأما المصلى فإنه يمكن أن يترك ولا يصلى فيه، وأن يباع تبعاً للبيت الذي هو فيه وبناء على ذلك يختلف الحكم.
فالمساجد لابد لها من تحية، ولا تمكث فيها الحائض مطلقاً(14/268)
ولا الجنب إلا بوضوء، ولا يجوز فيه البيع والشراء بخلاف المصلى.
أما حكم تحية المسجد فالقول بوجوبها قوي جداً لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع الخطبة ليأمر من جلس أن يقوم فيصلي ركعتين (1) . ومن المعلوم أن التشاغل بصلاة الركعتين يوجب التشاغل عن الخطبة وسماع الخطبة واجب، ولا يتشاغل بشيء عن واجب إلا وهو واجب. ...
ولكن جمهور أهل العلم على أنها سنة مؤكدة. لأنه وردت أحاديث تدل على أنها كذلك:
فالخطيب إذا دخل يوم الجمعة لا يصلي ركعتين.
وكذلك قصة الثلاثة الذين دخلوا المسجد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحابه، فانقسموا، منهم من جلس في الحلقة، ومنهم من جلس وراءها، ومنهم من انصرف (2) . ولم ينكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من جلس في الحلقة، أو وراءها، وكذلك ظاهر حديث كعب بن مالك حين دخل المسجد بعد أن تاب الله عليه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في أصحابه فقام إليه طلحة، فظاهر القصة أن كعباً لم يصل (3) .
والذي يظهر لي أنها ليست بواجبة، ولكنها سنة مؤكدة أقل
__________
(1) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله، رواه البخاري في الجمعة باب: إذا رأى الإمام رجلاً ح (930) ، ومسلم في الجمعة باب: التحية والإمام يخطب ح54 (875) .
(2) رواه البخاري في العلم، باب: من قعد حيث ينتهي به المجلس ح (66) ، ورواه مسلم في السلام، باب من أتى مجلساً ح26 (2176) .
(3) متفق عليه، رواه البخاري في مواضع منها المغازي باب: حديث كعب بن مالك (4418) ، ومسلم في التوبة باب: توبة كعب ح53 (2769) .(14/269)
أحوال تاركها أن يكون قد ارتكب مكروهاً.
834 وسئل فضيلة الشيخ: عن قول بعض العلماء بأن وقت السنن الرواتب القبلية والبعدية هو بدخول وقت الفريضة وينتهي بخروج وقت الفريضة، وقول بعضهم، القبلية تنتهي بقضاء الفريضة فما الراجح في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الراجح أن السنة القبلية وقتها ما بين دخول وقت الصلاة وفعل الصلاة فراتبة الظهر القبلية يدخل وقتها من أذان الظهر أي من زوال الشمس وينتهي بفعل الصلاة أي بصلاة الظهر.
والسنة البعدية يبتدئ وقتها بانتهاء الصلاة وينتهي بخروج الوقت.
ولكن إذا فات وقت السنة القبلية من إثر تفريط من الإنسان فإنه يقضيها بعد الصلاة، أما إذا أخر الراتبة القبلية عن وقتها بلا عذر فلا تنفعه ولو قضاها، لأن القول الصحيح أن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا خرج وقتها بلا عذر لا تصح ولا تقبل.
835 وسئل فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس يقدمون من مناطق مختلفة ليعتكفوا العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام ولكنهم يتركون السنن الرواتب، أرجو الإجابة بالتفصيل، والله يحفظكم.(14/270)
فأجاب فضيلته بقوله: الحقيقة أن الإنسان إذا من الله عليه أن يصل إلى هذا المسجد فإنه ينبغي له أن يكثر من الصلاة، سواء كانت من الصلاة المشروعة، أو من الصلوات الأخرى الجائزة، وأمام الإنسان الذي يكون في هذا المكان النوافل المطلقة، يعني إذا قلنا إن المسافر لا يصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء فليس معنى ذلك أن نقول: لا تصل أبداً، نقول: صل وأكثر من الصلاة، والصلاة خير موضوع، والصلاة كما قال الله عز وجل: (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر) (العنكبوت: 45) ولهذا نحن نحث إخواننا على أن يكثروا من نوافل الصلوات في هذا المسجد وإن كانوا مسافرين؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يمنعه السفر من أن يتطوع بالصلاة، بل كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدع سنة الظهر، وسنة المغرب، وسنة العشاء فقط، وبقية النوافل باقية على استحبابها وحينئذ لا يكون في المسألة إشكال.
836 سئل فضيلة الشيخ: هل من السنة أن يصلي الإنسان قبل المغرب ركعتين بعد الأذان؟ أفتونا جزاكم الله خير الجزاء.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم من السنة أن يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة فقد أمر بها النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، فقال: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب" لكنه قال في الثالثة "لمن شاء" (1) كراهية أن يتخذها الناس سنة، أي سنة راتبة، فصلاة ركعتين قبل
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة، باب: الصلاة قبل المغرب ح (1281) .(14/271)
صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة لكنها ليست راتبة، فلا ينبغي المحافظة عليها دائماً؛ لأنه لو حافظ عليها لكانت راتبة بخلاف الركعتين بعد المغرب فإنها راتبة تسن المحافظة عليها إلا في السفر فإن المسافر لا يسن له أن يأتي براتبة الظهر، أو المغرب، أو العشاء بل إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بين كل أذانين صلاة" (1) أي بين كل أذان وإقامة صلاة أي صلاة نافلة لكنها في الفجر، والظهر راتبة، وفي العصر والمغرب، والعشاء غير راتبة.
__________
(1) متفق عليه من حديث عبد الله بن مغفل المزني، رواه البخاري في الأذان باب: بين كل أذانين صلاة ح (627) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: بين كل أذانين صلاة ح304 (838) .(14/272)
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعض الناس يدخلون في المسجد قبل آذان صلاة المغرب فيصلون ركعتين ثم إذا جاء المؤذن وأذن قاموا وصلوا ركعتين، وكذلك الحال في صلاة العشاء فما حكم صلاة الركعتين التي بعد الأذان؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصلاة عند دخول المسجد سنة مؤكدة في أي وقت دخل. وصلاة الركعتين بين الأذان والإقامة مشروعة أيضاً لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بين كل أذانين صلاة" (1) .
حرر في 23/11/1417هـ.
__________
(1) تقدم تخريجه ص272.(14/273)
837 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: يصلي بعض الناس ست ركعات بعد المغرب، ويقولون إنها صلاة الأوابين فهل لها أصل؟ وما حكم التنفل المطلق بين المغرب والعشاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: المغرب لها سنة راتبة، وهي ركعتان كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بعدها ركعتين.
وأما ست ركعات (1) التي تسمى صلاة الأوابين فلا أعلم لها أصلاً.
وأما التنفل المطلق بين المغرب والعشاء فإنه مشروع؛ لأن جميع الأوقات التي ليست بوقت نهي كلها يشرع فيها الصلاة نفلاً مطلقاً، فإن الصلاة خير موضوع، والإكثار منها مما يقرب إلى الله تعالى، وقد مدح الله الذين هم على صلاتهم دائمون.
838 سئل فضيلة الشيخ: هل يؤدي الإنسان راتبة الفجر بعد صلاة الفجر أو يؤخرها حتى يزول وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذه المسألة ينبني على خلاف العلماء في جواز فعل النوافل ذات السبب في وقت النهي، فمن قال إن النوافل لا يجوز فعلها في وقت النهي ولو كانت ذات سبب، قال إن الرجل إذا فاتته سنة الفجر فلا يجوز له أن يقضيها بعد صلاة الفجر، بل يجب أن يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد رمح
__________
(1) رواه الترمذي وضعفه ولفظه: "من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهم بسوء عدلن بعبادة ثنتي عشرة سنة" في الصلاة باب: ما جاء في التطوع بعد المغرب ح (435) .(14/274)
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رضي الله عنهم.
والقول الثاني: أن النوافل ذوات الأسباب يجوز أن تفعل في أوقات النهي. وهذا القول هو مذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – ورواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – وبناء على هذا القول يجوز للإنسان أن يصلي سنة الفجر بعد صلاة الفجر بعد الذكر المشروع للصلاة.
وهذا القول هو الراجح لأن القاعدة: "أن كل صلاة ذات سبب فلا نهي عنها" وذلك مثل تحية المسجد، وسنة الوضوء، وكذلك صلاة الكسوف تفعل في أوقات النهي.
839 سئل فضيلة الشيخ: هل يصلي الإنسان صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الاستخارة إن كانت لأمر مستعجل لا يتأخر حتى يزول النهي فإنها تفعل، وإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر فإنه يجب أن تؤخر.
840 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان صلاة الإشراف وقد فاتته سنة الفجر فهل تجزي عن سنة الفجر؟ وإذا صلى سنة الفجر فهل تجزي عن صلاة الإشراق؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان صلاة الإشراق وقد فاتته سنة الفجر، فإنها لا تجزئ عن سنة الفجر وإذا صلى سنة(14/275)
الفجر فقد نقول إنها تجزئ عن صلاة الإشراق؛ لأنه حصل المقصود فصلى الإنسان ركعتين.
وقد نقول: إنها لا تجزئ؛ لأن المقصود أن يصلي الإنسان ركعتين خاصتين بالإشراق، وهذا أحوط، وعلى هذا فيصلي سنة الفجر، ثم ركعتي الإشراق. والله أعلم.
841 وسئل فضيلة الشيخ: هل ركعتا الفجر مثل صلاة الفجر في اشتراط دخول الوقت؟
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الفجر مثل صلاة الفجر فلا تصلى سنة الفجر إلا بعد طلوع الفجر، وكذلك سنة الظهر الأولى لا تصلى إلا بعد دخول وقته.
842 سئل فضيلة الشيخ: كيف تؤدى ركعتا الفجر؟ وما هي السور التي تقرأ فيها؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الفجر إذا كان المراد بهما سنة الفجر فإنها هي راتبة الفجر، وهي قبل الصلاة، ويؤديها الإنسان خفيفة، قالت عائشة رضي الله عنها في وصف فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهاتين الركعتين: "كان يخففهما، حتى أقول: أقرأ بأم القرآن" (1) ، ويقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، وفي
__________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في التهجد باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر ح (1171) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر ح92 (724) ، وراجع أيضاً حديث حفصة تقدم تخريجه ص262.(14/276)
الركعة الثانية بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (1) . أو في الأولى يقرأ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) . (البقرة: 136) . وفي الثانية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64) . فإن عرف كلتا الآيتين قرأ بهما أحياناً، وإن لم يعرفهما فيقرأ بالكافرون والإخلاص، ولا حرج عليه.
وإن كان المراد بهما الفريضة فإن الأفضل التطويل؛ لأن الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطيل فيهما؛ لأنهما ركعتان، وقد قال الله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء: 78) . ويستحب أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بـ (الم* تَنْزِيل) السجدة من الركعتين، أو: (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (الانسان: 1) .
وليحذر من فعل بعض الناس الذين يخالفون السنة في هذا، فنجدهم يقتصرون على سورة من هاتين السورتين في الركعتين، فيقرأون: (الم* تَنْزِيل) السجدة من الركعتين: أو: (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ) فيهما، وهذا خلاف السنة، فإما أن يقرأ بهما، كل سورة في ركعة أو يقرا مما سواهما.
__________
(1) تقدم تخريجه ص266.(14/277)
843 وسئل فضيلة الشيخ: هل تجزئ تحية المسجد عن سنة صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحية المسجد لا تجزئ عن سنة الفجر إذا نواها عن التحية وحدها، ولكن إذا نوى سنة الفجر سقطت تحية المسجد. وعلى هذا إذا دخلت المسجد ولم تصل راتبة الفجر فصل ركعتين بنية سنة الفجر، ويكفيك ذلك عن تحية المسجد؛ كما لو دخلت المسجد والإمام يصلي الفجر ودخلت معه فإن تحية المسجد تسقط عنك حينئذ، وكذلك يفعل في الأربع التي قبل الظهر.
واعلم أن الإنسان إذا دخل المسدد في أي وقت فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، حتى ولو كان الخطيب يخطب يوم الجمعة؛ فقد دخل رجل ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم الجمعة فجلس، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أصليت؟ " قال: لا. قال: "قم فصل ركعتين" (1) .
إلا إذا دخل المسجد الحرام ونيته الطواف فإنه يبدأ بالطواف كما فعل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل المسجد الحرام؛ طاف قبل. ولم يصل ركعتي تحية المسجد.
أما إذا دخله وهو لا يريد الطواف فإنه يصلي ركعتين، فتكون تحيته الركعتين كغيره من المساجد؛ فلا يجلس حتى يصليهما، فينبغي أن نعرف الفرق بين من دخله للطواف ومن دخله لغيره،
__________
(1) متفق عليه من حديث جابر، وتقدم ص269.(14/278)
ومعروف أنه إذا فرغ من الطواف سوف يصلي ركعتين خلف المقام، والله أعلم.
844 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عن وقت الأربع ركعات التي ذكرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: "رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً" (1) ؟.
فأجاب فضيلته بقوله: وقت هذه الأربع ركعات بعد الأذان وقبل الصلاة.
845 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز تأخير السنن القبلية التي قبل صلاة الظهر بحيث نبدأ صلاة الظهر وبعد ساعة تقريباً نصلي السنن القبلية والبعدية، لأن الوقت الذي يسمح لنا بالصلاة فيه في مكان الدراسة خارج المملكة لا يكفي إلا للوضوء والصلاة فقط؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أخر إنسان السنة القبلية إلى بعد الصلاة، فإن كان لعذر فلا حرج عليه أن يقضيها بعدها وتجزئه، وإذا كان لغير عذر فإنها لا تجزئه، وما ذكرت السائلة من أن الوقت لا يتسع إلا للوضوء ولصلاة الفرض فإنه عذر، وعلى هذا فيجوز
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: الصلاة قبل العصر ح (1271) ، والترمذي في الصلاة باب: ما جاء في الأربع قبل العصر ح (430) وحسنه.(14/279)
قضاء الرواتب القبلية بعد الصلاة، ولكنه في هذه الحال يبدأ أولاً بالسنة البعدية ثم يقضي السنن القبلية.
846 وسئل فضيلة الشيخ: عن قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لمن لم يتمكن من أدائها قبل الصلاة؟ وهل يعارض ذلك النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح.
ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها.
ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى.
847 وسئل فضيلة الشيخ: إذا دخل الإنسان المسجد قبل الأذان وصلى تحية المسجد، ثم أذن المؤذن فهل يشرع له أن يأتي بنافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأذان لصلاة الفجر، أو الظهر فإنه إذا أتم المؤذن الأذان يصلي الراتبة ركعتين للفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وإذا كان الأذان لغيرهما فإنه يسن له أن يتطوع أيضاً لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بين كل أذانين صلاة" (1) .
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص272.(14/280)
848 سئل فضيلة الشيخ: هل تقضى الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تقضى الرواتب تبعاً للفرائض كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة نومهم عن صلاة الصبح في السفر حيث صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراتبة ثم الفريضة (1) .
849 وسئل فضيلة الشيخ: هل تقضى السنن الرواتب، ولو نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة في الفريضة أو النافلة فما الحكم؟ وهل يشرع له سجود السهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تقضى الرواتب تبعاً للفرائض كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة نومهم عن صلاة الصبح في السفر حيث صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراتبة ثم الفريضة.
وإذا نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة فلا شيء عليه، لأن السورة التي بعد الفاتحة لا تجب قراءتها، فغاية أمره أن يكون قد ترك سنة وترك السنة لا شيء فيه، ولا سجود عليه للسهو.
850 سئل فضيلة الشيخ: إذا لم يتمكن الإنسان من أداء راتبة الفجر قبل صلاة الفجر فمتى يقضيها؟ وما حكم أداءها في البيت؟
__________
(1) متفق عليه من حديث عمران بن حصين، رواه البخاري في المناقب باب: علامات النبوة في الإسلام ح (3571) ، ومسلم في المساجد باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب ح312 (682) .(14/281)
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان إذا فاتته سنة الفجر قبل صلاة الفجر أن يقضيها بعد الصلاة إذا انتهى من التسبيح الوارد خلف الصلاة، وله أن يؤخر القضاء إلى الضحى، لكن إذا كان يخشى أن ينسى، أو ينشغل عنها فإنه يصليها بعد صلاة الفجر.
وأما صلاته إياها في بيته فهذا هو الأفضل لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصليها في بيته بل قد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (1) .
ولكن إذا علم الإنسان أن الصلاة قد أقيمت في المسجد الذي يريد أن يصلي فيه الفريضة فإنه لا يصليها في البيت لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" (2) . وعليه أن يخرج إلى المسجد لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" (3) .
851 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل تقضى صلاة الليل في النهار على صفتها في الليل؟
...
__________
(1) متفق عليه من حديث زيد بن ثابت، رواه البخاري في الأذان باب: صلاة الليل ح (731) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب صلاة النافلة في بيته ... ح213 (781) .
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: كراهة الشروع في نافلة ح63 (710) .
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وتقدم تخريجه ص171.(14/282)
فأجاب فضيلته بقوله: صفة قضاءها بالنهار أن تكون شفعاً فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى ستاً "وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا غلبه النوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" (1) . هذا إن كان السائل يقصد صلاة الليل النافلة.
أما إن كان قصده الفريضة مثل أن تفوته صلاة الليل فيقضيها في النهار فإنه يقضيها على صفتها كما جاءت بذلك السنة.
852 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل فاتته ركعة من صلاة الفجر هل يقضيها سراً أو جهراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هو مخير لكن الأفضل أن يتمها سراً لأنه قد يكون هناك أحد يقضي فيشوش عليه لو جهر.
853 سئل فضيلة الشيخ: هل تقضى الرواتب إذا فات وقتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنوم فإنها تقضى، لدخولها في عموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فيصليها إذا ذكرها" (2) .
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص113.
(2) متفق عليه من حديث أنس، وأخرجه البخاري ح (597) في مواقيت الصلاة باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ح (597) ، ورواه مسلم في المساجد باب: قضاء الصلاة ح316 (684) .(14/283)
ولحديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شغل عن الركعتين بعد صلاة الظهر وقضاهما بعد صلاة العصر (1) .
أما إذا تركها عمداً حتى فات وقتها فإنه لا يقضيها، لأن الرواتب عبادات مؤقتة والعبادات إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل منه.
854 سئل فضيلة الشيخ: هل تحية المسجد الحرام الطواف، أو تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: اشتهر عند كثير من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحية الطواف لمن أراد أن يطوف، فإذا دخلت المسجد الحرام تريد الطواف فإن طوافك يغني عن تحية المسجد، لكن إذا دخلت المسجد الحرام بنية انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبه ذلك فإن تحيته أن تصلي ركعتين كغيره من المساجد لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" (2) . وهذا يشمل المسجد الحرام، وأما إذا دخلت للطواف فإن الطواف يغني عن التحية؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل المسجد الحرام للطواف فلم يصل التحية.
__________
(1) رواه البخاري في السهو، باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع (1176) ، ومسلم في المسافرين/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما (834) .
(2) متفق عليه من حديث أبي قتادة، رواه البخاري في الصلاة باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين ح (444) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تحية المسجد ح69 و70 (714) .(14/284)
855 سئل فضيلة الشيخ: هل تتداخل ركعتا الطواف مع الراتبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم هذه المسألة مبني على القول في ركعتي الطواف، فإن قلنا: إن الشارع له غرض في ركعتين خلف المقام مستقلتين، فإنها لا تجزئ عن الراتبة؛ لأنها أيضاً مقصودة بذاتها، فلابد حينئذ من صلاة ركعتين خلف المقام، وصلاة راتبة.
وإذا قلنا: إن الشارع قصد صلاة ركعتين بقطع النظر عن كونهما للطواف أو لأي شيء آخر فيجزئ حينئذ أن تتداخل.
والذي يترجح عندي أنه لابد من صلاة ركعتين لكل واحد منهما للطواف، وللراتبة.
856 سئل فضيلة الشيخ: هل قيام الليل كله مخالف للسنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان يديم ذلك ويقوم الليل كله فهو مخالف للسنة، لما ثبت في الصحيحين من حديث النفر الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عمل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أخبروا بذلك، فكأنهم تقالوا العمل، فقال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام، فأنكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وقال: "أقوم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني" (1) . وهذا يدل
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس، رواه البخاري/ كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح ح (5063) ، ومسلم/ كتاب النكاح: باب استحباب النكاح ح5 (1401) .(14/285)
أن قيام الليل كله دائماً خلاف السنة.
وكذلك عندما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أنا أصوم أبداً وأقوم أبداً، فمنعه من ذلك (1) .
وأما قيام بعض الليالي فقد جاءت به السنة، كما ورد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل" (2) .
857 سئل فضيلة الشيخ: هل صلاة نصف الليل تكفي عن صلاة الضحى؟ فإن رغبتي أن أصلي نصف الليل والضحى معاً فهل يجوز؟ وأحياناً إذا صليت العشاء صليت بعدها الوتر خوفاً من أن يغلبني النوم فلا أصلي وأحياناً أقوم نصف الليل وأصلي الوتر مرة أخرى زيادة على صلاتي له بعد صلاة العشاء فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجمع بين صلاة الليل وصلاة الضحى لا بأس به فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر أنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، وعدد ما عدده عليه الصلاة والسلام من أنواع الصدقات قال: "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" (3) وهذا
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص261.
(2) متفق عليه من حديث عائشة رواه البخاري في فضل ليلة القدر باب: العمل في العشر الأواخر ح (2024) ، ومسلم في الاعتكاف باب: الاجتهاد في العشر ح7 (1174) .
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب الضحى ح84 (720) .(14/286)
دليل على أن ركعتين في الضحى سنة؛ لأنها تجزئ عن كل الصدقات التي تلزم الإنسان على كل عضو من أعضاءه، وكل مفصل، فالجمع بين صلاة الليل وصلاة الضحى لا بأس به.
وأما كونها توتر من أول الليل وآخره فإن هذا خطأ فإن الوتر ركعة في آخر الليل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (1) وقوله: "لا وتران في ليلة" (2) بل وتر واحد، وعلى هذا فنقول إذا أوترت في أول الليل وهي تخشى أن لا تقوم من آخره، ثم يسر لها القيام في آخر الليل فإنها تصلي مثنى، مثنى ولا تعيد الوتر مرة أخرى، ولكن إذا كانت تطمع أن تقوم من آخر الليل فإن الأفضل أن تؤخر الوتر إلى آخر الليل عند قيامها، فإن لم تقم ولم توتر فإنها تقضي الوتر في النهار، ولكنها تقضيه شفعاً فإذا كان من عادتها أن توتر بثلاث فتصلي أربعاً، وإذا كان من عادتها أن تصلي أربعاً وتوتر بركعة فتصلي ست ركعات، وهكذا تشفع الوتر؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا غلبه النوم، أو الوجع صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة" (3) .
...
858 سئل فضيلة الشيخ: عن السنن الرواتب مثل سنة الظهر الأربع القبلية هل يجوز للإنسان أن يصليها أربعاً سرداً؟
...
__________
(1) تقدم تخريجه ص112.
(2) تقدم تخريجه ص123.
(3) وتقدم تخريجه ص113.(14/287)
فأجاب فضيلته بقوله: السنن الرواتب فيها تسليم، أي يصلي الإنسان من الرواتب أربعاً بتسليمتين، لا بتسليمة واحدة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وسلم قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (1) .
859 وسئل فضيلة الشيخ: عفا الله عنه بمنه وكرمه -: إذا أدى الإنسان تحية المسجد ثم أذن المؤذن فهل يصلي ركعتين بعد الأذان؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأذان لصلاة الفجر، أو الظهر فإنه يصلي الراتبة ركعتين للفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وإذا كان الأذان لغيرهما فإنه يسن أن يتطوع أيضاً لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بين كل أذانين صلاة" (2) .
860 سئل فضيلة الشيخ: هل يصلي الإنسان النافلة في المسجد الحرام لمضاعفة الثواب أو يصلي في المنزل لموافقة السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المحافظة على السنة أولى من فعل غير
__________
(1) متفق عليه وتقدم ص115.
(2) متفق عليه وتقدم ص272.(14/288)
السنة، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (1) . ولم يحفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي النوافل في المسجد، إلا النوافل الخاصة بالمسجد فإنه كان يصليها في المسجد مثل صلاة القدوم، فالإنسان إذا قدم إلى بلده سن له أن يدخل المسجد فيصلي ركعتين قبل أن يدخل البيت، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك وأمر به أيضاً، كما في قصة جابر في بيع الجمل المشهورة لما قدم المدينة قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل دخلت المسجد وصليت فيه؟ " قال: لا، قال: "ادخل فصل فيه" (2) . فالمشروع للإنسان إذا قدم بلده أول ما يقدم أن يذهب للمسجد ويصلي ركعتين.
فالأفضل المحافظة على السنة، وأن يصلي الإنسان الرواتب في بيته، لأن الذي قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (3) هو الذي قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام" (4) . فأثبت الخيرية في مسجده، وبين أن الأفضل أن تصلي غير المكتوبة في البيت.
...
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في مواضع منها في الصلاة مختصراً باب: الصلاة إذا قدم من سفر ح (443) ، القصة كاملة في البيوع ح (2097) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر ح71 – 73 (715) .
(3) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.
(4) رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1133) ، ومسلم في الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1394) .(14/289)
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن مضاعفة ثواب الصلاة في المسجد الحرام إلى أفضل من مائة ألف تختص بالمسجد الذي فيه الكعبة، ولا تشمل بقية مكة والحرم لما رواه مسلم عن ميمونة – رضي الله عنها – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة" (1) . ولأن مسجد الكعبة هو المسجد الذي تشد إليه الرحال دون بقية مساجد مكة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (2) . فأما قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) . فقد ثبت في صحيح البخاري (3) أنه أسري به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحجر حجر الكعبة فيكون المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة لا عموم مكة.
وأما ما ثبت من كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أقام في الحديبية يدخل داخل حدود الحرم فيصلي وهو نازل في الحل فهو دليل على أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل، ولا يستلزم ذلك حصول خصوصية التفضيل المذكور.
__________
(1) رواه مسلم في الموضع السابق (1396) .
(2) رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1332) ، ومسلم في الحج، باب: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (1397) .
(3) رواه البخاري في الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء (342) ، ومسلم في الإيمان باب: الإسراء (163) .(14/290)
861 سئل فضيلة الشيخ: هل ورد دليل على تغيير المكان لأداء السنة بعد صلاة الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، ورد في حديث معاوية – رضي الله عنه – أنه قال: "إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج" (1) . فأخذ من هذا أهل العلم أنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته، إما بكلام، أو بانتقال عن مكانه.
862 سئل فضيلة الشيخ: هل يشرع للمصلي أن يتحول من الموضع الذي صلى فيه الفريضة ليصلي النافلة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: قال العلماء: إذا صلى الإنسان الفريضة في مكان فإنه ينبغي أن ينتقل إلى مكان آخر استدلالاً بحديث معاوية – رضي الله عنه – أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر ان لا توصل صلاة بصلاة حتى يخرج أو يتكلم. ولأن مما يراعى في الشريعة الفصل بين الفريضة والنافلة.
ولكن إذا كانت الصفوف مزدوجة فإنه لا ينبغي أن تؤذي الناس بانتقالك من مكان الفريضة إلى مكان آخر لتتنفل فيه، على أنه ينبغي للإنسان أن يصلي جميع النوافل في البيت لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
__________
(1) رواه مسلم في الجمعة باب: الصلاة بعد الجمعة ح73 (883) .(14/291)
أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (1) . ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي النوافل إلا في بيته إلا ما تشرع له الجماعة أو ما يختص بالمسجد.
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.(14/292)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من بأس في رفع اليدين عند الدعاء:
1- بعد أداء السنن والرواتب قبل الصلاة وبعدها.
2- وعند دعاء الإمام آخر الخطبة يوم الجمعة.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعى، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء" (1) .
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول: إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان، باب: ما يتخير من الدعاء بعد التشهد ح (385) ، ومسلم في الصلاة، باب التشهد في الصلاة ح55 (402) .(14/293)
الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه - والله أعلم - رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع.
فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
وأما رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة فإن ذلك ليس بمشروع أيضاً، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة (1) .
ولكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء، فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه رفع يديه يدعو الله تعالى بالغيث وهو في خطبة الجمعة (2) ، ورفع الناس أيديهم معه، وما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة يوم الجمعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. حرر في 3/6/1407هـ.
__________
(1) رواه مسلم في الجمعة باب: تخفيف الصلاة والخطبة ح53 (874) ولفظه: "قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة" والقائل هو: عمارة بن روبية.
(2) متفق عليه من حديث أنس، رواه البخاري في الجمعة باب: رفع اليدين ح (932) و (933) ، ومسلم في الاستسقاء باب: الدعاء في الاستسقاء ح8 (897) .(14/294)
863 سئل فضيلة الشيخ: هل تسقط السنن الرواتب عن المسافر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تسقط عن المسافر من السنن الرواتب إلا سنة الظهر، وسنة المغرب، وراتبة العشاء، وما عدا ذلك من النوافل فهو باق على مشروعيته، فهو سنة للمسافر والمقيم، وصلاة الليل سنة للمسافر والمقيم، وركعتا الضحى سنة للمسافر والمقيم، وسنة الفجر للمسافر والمقيم.
ثم المسافر بالنسبة إلى راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء لو صلى نفلاً، لا على أنه راتبة فالمشروعية باقية لا يقال له: لا تفعل.
864 سئل فضيلة الشيخ: إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا فيه تفصيل: إذا دخلت والمؤذن يؤذن صلاة الجمعة، الأذان الذي بين يدي الخطيب؛ لأنه قد دخل الخطيب وشرع المؤذن في الأذان، فهاهنا نقول: بادر بتحية المسجد، ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن؛ حيث إن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن غير واجبة.
وأما إذا كان الأذان لغير ذلك. فالأفضل أن تبغى قائماً حتى تجيب المؤذن، وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان: "اللهم صل(14/295)
على محمد (1) ، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته" (2) ، "إنك لا تخلف الميعاد" (3) . ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد.
865 وسئل فضلته – حفظه الله تعالى -: بعض المصلين يغيرون أماكنهم ويتبادلونها لأداء صلاة السنة. فهل لهذا أصل من سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: نعم، لهذا أصل، حيث ثبت من حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال: "أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج" (4) . فهذا يدل على أن الأفضل أن نميز صلاة الفريضة عن صلاة النافلة، وذلك بالانتقال من المكان أو بالتحدث مع الجار، حتى يكون هناك فاصل بين الفرض وسنته، وقد قال بذلك أهل العلم بأنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته بالكلام، أو الانتقال من موضعه.
__________
(1) رواه مسلم بلفظ: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ... " في الصلاة باب: استحباب القول مثل قول المؤذن (384) .
(2) رواه البخاري في الأذان، باب: الدعاء عند النداء (614) .
(3) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 1/410، وتقدم في المجلد الثاني عشر ص199 من هذا المجموع فتوى برقم 125 عن زيادة: "إنك لا تخلف الميعاد".
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص291.(14/296)
866 سئل فضيلة الشيخ: سمعت أن الإنسان إذا صلى سنة، لا يجوز له تركها أبداً، ما مدى صحة ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان لا يلزم بغير ما أوجب الله عليه، فإذا قام بالفرائض من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فإن التطوع هو فيه مخير، إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، ولا يلزم التطوع إذا فعله مرة أو مرتين ثم تركه فلا حرج عليه في ذلك.
لكن "كان من عادة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عمل عملاً أثبته" (1) . يعني داوم عليه، وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (2) ، وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" (3) ، ويدل على أن قيام الليل للإنسان أن يفعله مرة، ويدعه مرة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل" (4) ، فبين الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الإنسان يخاف أن لا يقوم ويطمع أن يقوم.
...
__________
(1) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح141 (746) .
(2) رواه البخاري ح (6464) في الرقاق باب: القصد والمداومة على العمل، ومسلم في صلاة المسافرين باب: فضيلة العمل الدائم ح216 (782) .
(3) رواه البخاري رقم (1152) كتاب التهجد، باب: ما يكره من ترك قيام الليل ومسلم في الصيام باب: النهي عن صوم الدهر ح185 (1159) .
(4) الحديث رواه مسلم وتقدم تخريجه ص267.(14/297)
وعلى كل حال فالأصل أن الإنسان لا يجب عليه إلا ما أوجبه الله عليه من الواجبات الأصلية الثابتة بأصل الشرع، أو من الواجبات العارضة التي يلزم الإنسان بها نفسه كالنذر.
867 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عن حكم ركعتي الفجر بالفاتحة دون قراءة سورة معها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج أن يقتصر على الفاتحة في ركعتي الفجر، لكن الأفضل أن يقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى: الكافرون، وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) .
868 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل فاتته صلاة الفجر مع الجماعة فهل يصلي الراتبة أو الفريضة، مع العلم بأن الجماعة قد خرجوا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: يقدم الراتبة على الفريضة؛ لأن سنة الفجر قبل الفريضة، ولو خرج المصلون من المسجد.
869 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل جلس حتى الإشراق ولم يصل راتبة الفجر فهل تجزئ سنة الإشراق عن راتبة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: هل نقول إلى الإشراق، أو إلى الشروق؟(14/298)
الشروق: طلوع الشمس دون أن ترتفع قيد رمح، والإشراق: انتشار ضوئها، المهم إذا صليت صلاة الإشراق فإنها لا تجزئ عن سنة الفجر، وإذا صليت سنة الفجر فإنها لا تجزئ عن صلاة الإشراق، لأن الظاهر أن يصلي ركعتين خاصتين بالإشراق وهذا أحوط، فصل سنة الفجر، ثم صل صلاة الإشراق.
870 سئل فضيلة الشيخ: سمعت حديثاً وهو: "من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" (1) ، السؤال: هل هذا الحديث صحيح أو ضعيف؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث له شاهد في صحيح مسلم (2) ، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً، لكن الذي في الصحيح ليس فيه ذكر أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بعد ذلك، والحديث الذي ذكره السائل لا بأس به، إسناده حسن.
771 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز أن ننوي أكثر من عبادة في عبادة واحدة، مثل إذا دخل المسجد عند أذان الظهر صلى ركعتين فنوى بها تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة
__________
(1) رواه الترمذي في الصلاة باب: ما يستحب من الجلوس في المسجد ح (586) وقال: حسن غريب.
(2) رواه مسلم في المساجد باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح ح287 (670) .(14/299)
للظهر، فهل يصح ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه القاعدة مهمة وهي: "هل تتداخل العبادات؟ " فنقول: إذا كانت العبادة تبعاً لعبادة أخرى فإنه لا تداخل بينهما، هذه قاعدة، مثال ذلك: صلاة الفجر ركعتان، وسنتها ركعتان، وهذه السنة مستقلة، لكنها تابعة، يعني هي راتبة للفجر مكملة لها، فلا تقوم السنة مقام صلاة الفجر، ولا صلاة الفجر مقام السنة؛ لأن الراتبة تبعاً للفريضة، فإذا كانت العبادة تبعاً لغيرها، فإنها لا تقوم مقامها، لا التابع ولا الأصل.
مثال آخر: الجمعة لها راتبة بعدها، فهل يقتصر الإنسان على صلاة الجمعة ليستغني بها عن الراتبة التي بعدها؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأن سنة الجمعة تابعة لها.
ثانياً: إذا كانت العبادتان مستقلتين، كل عبادة مستقلة عن الأخرى، وهي مقصودة لذاتها، فإن العبادتين لا تتداخلان، مثال ذلك: لو قال قائل: أنا سأصلي ركعتين قبل الظهر أنوي بهما الأربع ركعات؛ لأن راتبة الظهر التي قبلها أربع ركعات بتسليمتين، فلو قال: سأصلي ركعتين وأنوي بهما الأربع ركعات فهذا لا يجوز؛ لأن العبادتين هنا مستقلتان كل واحدة منفصلة عن الأخرى، وكل واحدة مقصودة لذاتها، فلا تغني إحداهما عن الأخرى.
مثال آخر: بعد العشاء سنة راتبة، وبعد السنة وتر، والوتر يجوز أن نصلي الثلاث بتسليمتين، فيصلي ركعتين ثم يصلي الوتر، فلو قال: أنا أريد أن أجعل راتبة العشاء عن الشفع والوتر وعن راتبة(14/300)
العشاء؟ فهذا لا يجوز؛ لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى، ومقصودة بذاتها فلا يصح.
ثالثاً: إذا كانت إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها، وإنما المقصود فعل هذا النوع من العبادة فهنا يكتفى بإحداهما عن الأخرى، لكن يكتفي بالأصل عن الفرع، مثال ذلك: رجل دخل المسجد قبل أن يصلي الفجر وبعد الأذان، فهنا مطالب بأمرين: تحية المسجد، لأن تحية المسجد غير مقصودة بذاتها، فالمقصود أن لا تجلس حتى تصلي ركعتين، فإذا صليت راتبة الفجر، صدق عليك أن لم تجلس حتى صليت ركعتين، وحصل المقصود فإن نويت الفرع، يعني نويت التحية دون الراتبة لم تجزئ عن الراتبة؛ لأن الراتبة مقصودة لذاتها والتحية ليست مقصودة ركعتين.
أما سؤال السائل: وهو إذا دخل المسجد عند أذان الظهر صلى ركعتين فنوى بهما تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة للظهر؟
إذا نوى بها تحية المسجد والراتبة، فهذا يجزئ.
وأما سنة الوضوء ننظر هل قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" (1) . فهل مراده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يوجد ركعتان بعد الوضوء، أو أنه يريد إذا توضأت فصل
__________
(1) متفق عليه من حديث عثمان رضي الله عنه، رواه البخاري في الوضوء باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ح (159) ، ومسلم في الطهارة باب: صفة الوضوء وكماله ح3 (226) .(14/301)
ركعتين، ننظر إذا كان المقصود إذا توضأت فصل ركعتين، صارت الركعتان مقصودتين، وإذا كان المقصود أن من صلى ركعتين بعد الوضوء على أي صفة كانت الركعتان، فحينئذ تجزئ هاتان الركعتان عن سنة الوضوء، وتحية المسجد، وراتبة الظهر، والذي يظهر لي والعلم عند الله أن قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ثم صلى ركعتين" لايقصد بهما ركعتين لذاتيهما، إنما المقصود أن يصلي ركعتين ولو فريضة، وبناء على ذلك نقول: في المثال الذي ذكره السائل: إن هاتين الركعتين تجزئان عن تحية المسجد، والراتبة، وسنة الوضوء.
مثال آخر: رجل اغتسل يوم الجمعة من الجنابة فهل يجزئه عن غسل الجمعة؟
إذا نوى بغسله الجنابة غسل الجمعة يحصل له لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وإنما لكل امرئ ما نوى" (1) . لكن إذا نوى غسل الجنابة فهل يجزئ عن غسل الجمعة، ننظر هل غسل الجمعة مقصود لذاته، أو المقصود أن يتطهر الإنسان لهذا اليوم؛ المقصود الطهارة لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" (2) إذن المقصود من هذا الغسل أن يكون الإنسان نظيفاً يوم الجمعة، وهذا يحصل بغسل الجنابة، وبناء على ذلك لو اغتسل الإنسان من الجنابة يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة، وإن كان لم ينو، فإن نوى فالأمر واضح، فصار عندنا الآن ثلاث قواعد.
???
__________
(1) متفق عليه من حديث عمر – رضي الله عنه – رواه البخاري في أول بدء الوحي ح (1) ، ومسلم في الإمارة باب: إنما الأعمال بالنية ح155 (1907) .
(2) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه البخاري في الجمعة باب: من أين يؤتى الجمعة ح (902) ، ومسلم في الجمعة باب: وجوب غسل الجمعة ح6 (847) .(14/302)
سنة الضحى.
??? سنة التلاوة.
??? سجودالشكر.
??? صلاة الاستخارة.
??? صلاة الحاجة.
??? صلاة التسبيح.
??? صلاة الفائدة.
??? إقامة النافلة جماعة.(14/303)
872 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الإشراق هل هي الضحى؟ وهل تصلى في البيت أو في المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الإشراق وهي التي تصلى بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح ومقدار ذلك بالساعة أن يمضي على طلوع الشمس ربع ساعة أو نحو ذلك. هذه هي صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى أيضاً؛ لأن صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، وهي في آخر الوقت أفضل منها في أوله.
وخلاصة الجواب أن ركعتي الضحى هما ركعتا الإشراق، لكن إن قدمت الركعتين في أول الوقت وهو ما بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح فتكون صلاة إشراق وضحى، وإن أخرتهما إلى آخر الوقت فهما ضحى وليل بإشراق.
873 وسئل فضيلة الشيخ: ما أقل صلاة الضحى وما أكثرها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقلها ركعتان، وأما أكثرها فلا حد لها، يصلي الإنسان نشاطه.
874 سئل فضيلة الشيخ: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات(14/305)
صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" (1) فالوتر يقضى أيضاً.
875 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: متى يبدأ وقت صلاة الضحى؟ ومتى ينتهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح يعني حوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، وهذا هو أقصر أوقات النهي على القول الراجح.
__________
(1) رواه مسلم وتقدم ص113.(14/306)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سجود التلاوة عبادة لله تعالى بلا شك، والعبادة مبناها على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولا حجة بقول أحد من الناس حتى يكون مبنياً على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كان له دليل من الكتاب والسنة وجب قبوله لقيام الدليل عليه، وإن لم يكن له دليل لم يقبل، وعلى هذا فإن سجود التلاوة لم يرد فيه تكبير حين الرفع منه ولا تسليم، وإذا لم يرد ذلك لم يكن مشروعاً.
وأما التكبير عند السجود ففيه حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد، وسجدنا. رواه أبو داود، وفي سنده مقال، وكأنه لم يصح عند شيخ الإسلام ابن تيمية، أو لم يبلغه، ولهذا قال في الاختيارات: لا يشرع فيه تحريم ولا تحليل. هذا هو السنة المعروفة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليها عامة السلف. أهـ. وفي مجموع الفتاوى لابن قاسم 166/ 23 والمروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها تكبيرة واحدة فإنه لا ينتقل من عبادة إلى عبادة. أهـ. هذا يدل على ضعف الحديث عنده إن كانت الصيغة في كلامه للتضعيف.
وأما ما ذكره فضيلتكم عن كلام الشيخ في القواعد النورانية(14/307)
فإما حكى مذهب الإمام أحمد في ذلك. وأما ما ذكرتموه عن المبدع والمغني والشرح الكبير والإنصاف من التكبير والتسليم فهذا معارض بقول من لا يرى ذلك، وإذا حصل الاختلاف والتنازع بين العلماء وجب الرجوع إلى حكم الله في كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . وقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) . وإذا رددنا هذا النزاع إلى الله والرسول لم نجد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على التكبير الثاني، والتسليم في سجود التلاوة، فيكون الصواب نفي ذلك، وهذا كما أنه الصواب فهو الاحتياط أيضاً؛ لأن احتياط المرء في دينه أن يتبع ما يقتضيه الدليل نفياً أو إثباتاً.(14/308)
876 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم سجود التلاوة؟ وهل هو واجب؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، فإذا مر الإنسان بآيت سجدة فليسجد سواء كان يقرأ في المصحف، أو عن ظهر قلب، أو في الصلاة، أو خارج الصلاة.
وأما الواجب فلا يجب ولا يأثم الإنسان بتركه؛ لأنه ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قرأ السجدة التي في سورة النحل على المنبر، فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد، ثم قال: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء" (1) ، وذلك بحضور الصحابة – رضي الله عنهم -.
ولأنه ثبت أن زيد بن ثابت قرأ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجدة التي في سورة النجم فلم يسجد (2) ، ولو كان واجباً لأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد.
فهو سنة مؤكدة والأفضل عدم تركه حتى لو كان في وقت النهي بعد الفجر مثلاً، أو بعد العصر؛ لأن هذا السجود له سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تفعل ولو في وقت النهي، كسجود التلاوة، وتحية المسجد، وما أشبه ذلك.
__________
(1) رواه البخاري في سجود القرآن باب 10: من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود ح (1077) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الموضع السابق باب 6 ح (1072) ، ومسلم في المساجد باب: سجود التلاوة ح106 (577) .(14/309)
877 وسئل فضيلته: هل يجب على المرأة إذا أرادت أن تسجد للتلاوة أن تكون متحجبة حجاب الصلاة؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: هذا ينبني على اختلاف العلماء في سجدة التلاوة: هل حكمها حكم الصلاة؟
فإن قلنا: حكمها حكم الصلاة فلابد فيها من ستر العورة، واستقبال القبلة، والطهارة.
وإن قلنا: إنها سجدة مجردة لا يشترط فيها ما يشترط في الصلاة، فإنه لا يشترط فيها في هذه الحال أن تكون المرأة متحجبة حجاب الصلاة، بل ولا أن يكون الإنسان على وضوء.
ولكن لا شك أن الأحوط الأخذ بالقول الأول وأن لا يسجد الإنسان إلا على وضوء، وأن تكون المرأة والرجل أيضاً ساتراً ما يجب ستره في الصلاة.
878 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشترط الطهارة في سجدة التلاوة؟ وما وهو اللفظ الصحيح لهذه السجدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجدة التلاوة هي السجدة المشروعة عند تلاوة الإنسان آية السجدة والسجدات في القرآن معروفة، فإذا أراد أن يسجد كبر وسجد وقال: "سبحان ربي الأعلى" (1) ، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" (2) ، "اللهم لك
__________
(1) ورد في نهاية حديث حذيفة الذي رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص159.
(2) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الأذان باب: التسبيح والدعاء في السجود ح (817) ، ومسلم في الصلاة باب: ما يقال في الركوع والسجود ح217 (484) .(14/310)
سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه بحوله وقوته" (1) ، "اللهم اكتب لي بها أجراءً وحط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود" (2) . ثم يرفع بدون تكبير ولا سلام، إلا إذا كانت السجدة في أثناء الصلاة مثل أن يقرأ القارئ آية فيها سجدة وهو يصلي فيجب عليه أن يكبر إذا سجد ويجب عليه أن يكبر إذا قام؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكروا أنه يكبر كلما خفض ورفع (3) وهذا يشمل سجود صلب الصلاة، وسجود التلاوة.
وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يكبر إذا سجد، ولا يكبر إذا قام من السجود في نفس الصلاة فلا أعلم له وجهاً من السنة، ولا من أقوال أهل العلم أيضاً.
وأما قول السائل: هل تشترط الطهارة في سجود التلاوة؟
فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إنه لابد أن يكون على طهارة.
__________
(1) جزء من حديث علي الطويل، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح201 (771) . ورواه أبو داود في الصلاة باب: ما يقول إذا سجد (580) وصححه.
(2) رواه الترمذي في الموضع السابق ح (579) وحسنه.
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري في الأذان باب: إتمام التكبير في الركوع ح (785) ومسلم في الصلاة باب: إثبات التكبير في كل ح27 (392) .(14/311)
ومنهم من قال: إنه لا يشترط وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يسجد على غير طهارة.
ولكن الذي أراه أن الأحوط أن لا يسجد إلا وهو على وضوء.
879 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد الإمام سجدة التلاوة، ولكن المصلين خلفه لم ينتبهوا لذلك فركع بعضهم ولم يسجد مع إمامه ولم يتنبه إلا بعد أن رفع الإمام من سجدته، ويكون بذلك قد أضاف شيئاً جديداً وهو الركوع فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لقد ورد عليّ سؤال بعكس هذه المسألة فركع الإمام وسجد المأموم.
والسؤال: سجد الإمام وركع المأموم، فهذا الذي ركع وإمامه ساجد كيف يتبين له أن الإمام ساجد ولم يركع؟ إذا قام الإمام من السجود سيقول: الله أكبر، فلما قام الإمام من السجود وقال: الله أكبر، عرف المأموم أن الإمام ساجد فماذا يصنع؟
يقوم تبعاً للإمام.
ولكن هل يجب عليه السجود؛ لأن الإمام سجد، أو لا يجب؟
لا يجب عليه السجود؛ لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة، إنما هو سجود تلاوة، يجب فيه متابعة الإمام، ومتابعة الإمام الآن زالت، فعلى هذا يستمر مع إمامه وينحل الإشكال.
...(14/312)
الصورة الثانية: يقول السائل: إن الإمام قرأ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ثم قال: الله أكبر. ظن المأموم أنه سجد فسجد لماذا؟ لقوله: (وكن من الساجدين) ولكن الإمام ركع فلما قال: "سمع الله لمن حمده" انتبه المأموم، فماذا يصنع هذا المأموم؟
والجواب: يركع المأموم ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته.
880 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد المصلي سجود التلاوة فهل يكبر إذا سجد وإذا قام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سجد المصلي سجود التلاوة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام، وذلك أنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر كلما خفض وكلما رفع، ففي صحيح البخاري (1) عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – أنه صلى مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال: ذكرنا هذا صلاة كنا نصليها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع، وكلما وضع، وفي صحيح مسلم (2) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك، وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: رأيت
__________
(1) في الأذان باب: إتمام التكبير في الركوع ح (784) .
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص311.(14/313)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر في كل رفع وخفض وقيام، وقعود، رواه الإمام أحمد (1) والنسائي (2) والترمذي وصححه (3) وهذا عام فيشمل سجود التلاوة إذا كان في الصلاة لأنه لم يستثن، ومن المعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد سجدة التلاوة في الصلاة.
881 سئل فضيلة الشيخ: نرجو إرشادنا إلى الكيفية الصحيحة لسجود التلاوة؟ وما يقال فيه؟ وهل يكبر الإنسان إذا رفع منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: كيفية سجود التلاوة أن يكبر الإنسان ويسجد كسجود الصلاة على الأعضاء السبعة ويقول: "سبحان ربي الأعلى" (4) ، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، ويدعو بالدعاء المشهور "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته"، "اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود" (5) .
ثم يقوم بلا تكبير ولا تسليم.
__________
(1) رواه أحمد 1/418 (3972) .
(2) في التطبيق: باب التكبير للسجود ح (1082) و (1141) .
(3) في الصلاة باب: التكبير في الركوع والسجود ح (253) .
(4) رواه الترمذي وتقدم ص309.
(5) متفق عليه وتقدم ص311.(14/314)
أما إذا سجد في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ويكبر إذا رفع؛ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرون أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض (1) ويدخل في هذا سجود التلاوة، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد للتلاوة في الصلاة كما صح ذلك من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قرأ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة العشاء: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها (2) ، والذين يصفون صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستثنون من هذا سجود التلاوة فدل هذا على أن سجود التلاوة في الصلاة كسجود صلب الصلاة، أي انه يكبر إذا سجد، وإذا رفع، ولا فرق بين أن تكون السجدة في آخر آية قرأها، أو في أثناء قراءته فإنه يكبر إذا سجد، ويكبر إذا رفع، ثم يكبر للركوع عند ركوعه، ولا يضر توالي التكبيرتين؛ لأن سببيهما مختلف، وما يفعله بعض الناس إذا قرأ السجدة في الصلاة فسجد كبر للسجود دون الرفع منه فإنني لا أعلم له أصلاً، والخلاف الوارد في التكبير عند الرفع من سجود التلاوة إنما هو في السجود المجرد الذي يكون خارج الصلاة أما إذا كان السجود في أثناء الصلاة فإنه يعطى حكم سجود صلب الصلاة فيكبر إذا سجد، ويكبر إذا قام من السجود.
882 سئل فضيلة الشيخ: هل لسجود التلاوة تكبير وتسليم؟
...
__________
(1) متفق عليه وتقدم ص311.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في سجود القرآن باب: سجدة (إذا السماء انشقت) ح (1074) وسلم في المساجد باب: سجود التلاوة ح107 (578) .(14/315)
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة إذا كان في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام.
أما إذا كان خارج الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام، ولا يسلم فيه، هذا أقرب الأقوال إلى الصواب.
ويرى بعض العلماء أن سجود التلاوة حكمه حكم الصلاة، وأنه يكبر للسجود وللرفع، ويسلم منه تسليمة واحدة.
ويرى آخرون أنه لا تكبير فيه ولا سلام.
883 سئل فضيلة الشيخ: هل لسجود التلاوة دعاء معين؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة كغيره من السجود، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال "اجعلوها في سجودكم" (1) على ما في هذا الحديث من مقال بين أهل العلم.
وعليه فنقول: إذا سجد الإنسان للتلاوة فيقول: "سبحان ربي الأعلى" (2) ، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" (3) ، "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته" (4) ، "
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ح (869) . وقول: سبحان ربي الأعلى ورد في أحاديث أخرى منها ما تقدم ص175.
(2) متفق عليه، وتقدم ص159.
(3) رواه مسلم، وتقدم ص310.
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص311.(14/316)
اللهم اكتب لي بها أجراً وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود" (1) . وإن دعا الإنسان بغير ذلك إذا لم يكن حافظاً له فلا حرج.
884 سئل فضيلة الشيخ: ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تسجد لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته.
885 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم استقبال القبلة والوضوء لسجود التلاوة مع الأدلة حفظكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس في هذا أدلة واضحة صريحة، ومن ثم اختلف العلماء هل حكمها حكم صلاة النافلة أو هي سجود مجرد، إن سجد على طهارة فهو أكمل وإلا فلا.
والذي يظهر لي أنه لا يسجد إلا متطهراً مستقبلاً القبلة؛ لأن ذلك أحوط وأبلغ في تعظيم الله عز وجل، ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء بين في أنه سجد إلىغير القبلة أوسجد على غير وضوء، بل الظاهر من حال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا يقرأ القرآن إلا متوضئاً؛ لأنه لما
__________
(1) رواه الترمذي، وتقدم ص311.(14/317)
سلم عليه الرجل لم يرد عليه السلام حتى تطهر بالتيمم (1) ، وقال:"اجببت ألا أذكر الله إلا على طهر" (2) .
886 سئل فضيلة الشيخ: هل يجب على قارئ القرآن عندما يمر بآية فيها سجدة أن يسجد؟ وإذا كان الإنسان يكرر الآية للحفظ فهل يسجد في كل مرة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجب عليه أن يسجد، سواء قرأ الآية التي فيها السجود مرة واحدة أم تكررت عليه الآيات التي فيها سجود، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قرأ في إحدى خطب الجمع آية فيها سجدة، وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء" (3) . فسجود التلاوة سنة وليس بواجب.
وإذا تكررت الآيات فإن كان الإنسان يكرر ليحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ مثلاً في سورة الحج، فسجد في السجدة الأولى، وأتى
__________
(1) الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في التيمم، باب: التيمم في الحضر ح (337) ، ورواه مسلم في الحيض، بالب التيمم ح114 (369) .
(2) رواه أبو داود في الطهارة، باب: التيمم في الحضر ح (330) ولفظه: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهارة".
(3) تقدم تخريجه ص309.(14/318)
على السجدة الثانية فليسجد فيها أيضاً، وإن كان الفصل ليس طويلاً.
887 سئل فضيلة الشيخ: إذا قرأ الطلبة في المدرسة آية فيها سجدة ولم يسجدوا فهل في ذلك حرج؟ وما هو الأولى في حقهم السجود أو عدمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس في ذلك حرج؛ لأن سجود التلاوة ليس أمراً واجباً، بل هو سنة إن فعله الإنسان فهو أفضل، وإن لم يفعله فلا حرج عليه.
وأما فعله مع الطلبة فقد يكون في ذلك تشويشاً أو انقطاعاً للدرس، وكذلك قد يكون فيه لعب وضحك، فالأولى أن لا يفعل ذلك، نعم لو كان الطلبة في مسجد وكانوا مؤدبين وقرأ القارئ سجدة فسجد وسجدوا معه كان هذا طيباً، والله أعلم.
888 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد الإمام سجدة التلاوة ولم ينتبه بعض المصلين فركعوا ولم يعلموا بأن الإمام ساجد حتى رفع من سجدته فهل يلزمهم سجود أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليهم أن يرفعوا من الركوع ليركعوا بعد الإمام، ولا يجب عليهم السجود الذي فاتهم مع الإمام لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة إنما هو سجود تلاوة يجب فيه متابعة الإمام ومتابعة الإمام زالت فعلى هذا يستمر مع إمامه.(14/319)
889 سئل فضيلة الشيخ: عن إمام قرأ قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ثم ركع فظن بعض المأمومين أنه سجد ولم ينتبهوا أنه راكع حتى قال سمع الله لمن حمده، السؤال كيف يصنع المأموم في مثل هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليه أن يقوم من السجود ويركع ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته ولا يلزمه سجود السهو.
890 سئل فضيلة الشيخ: متى يسجد لله سجود شكر؟ وما صفته؟ وهل يشترط له وضوء؟
فأجاب فضيلته بقوله: يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت، أو لنعمة تهيأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط ثم يخر ساجداً ويدعو بعد قوله: "سبحان ربي الأعلى".
891 سئل فضيلة الشيخ: يوجد في بلدتنا بعض المصلين يسجدون سجدتين عقب كل صلاة مباشرة بعد أن يسلموا تسليمة الصلاة وعند سؤالهم عن ذلك أجابوا بأنهم يسجدون السجدة(14/320)
الأولى شكراً لله على توفيقه لهم أن أدوا الصلاة المكتوبة في جماعة، أما السجدة الثانية فشكراً على الشكر، ويزعمون أن لهذا العمل أصل في السنة فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: على قياس قولهم: أنهم إذا سجدوا السجدة الثانية يجب أن يسجدوا سجدة ثالثة شكراً لله على شكرهم، ثم يسجدون سجدة رابعة وهكذا ويبقون دائماً في سجود، ولكني أقول: إن هاتين السجدتين بدعتان، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بما لم يشرعه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) . وهاتان السجدتان لا شك أنهما غير مشروعتين، والواجب عليهم الانتهاء عن ذلك، والكف عنه، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما وقع سابقاً والله تعالى يتوب على من تاب.
892 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الاستخارة؟ وهل يقال دعاء الاستخارة إذا صلى الإنسان تحية المسجد أو الراتبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاستخارة سنة إذا هم بشيء ولم يتبين له رجحان فعله، أو تركه.
أما ما تبين له رجحان فعله، أو تركه فلا تشرع فيه الاستخارة، ولذلك كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل الأمور الكثيرة، ولا يفعلها إلا بعد الهم بها قطعاً، ولم ينقل عنه أنه كان يصلي صلاة الاستخارة، فلو هم
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص196.(14/321)
الرجل بالصلاة، أو أداء الزكاة، أو ترك المحرمات، أو نحو ذلك، أو هم أن يأكل، أو يشرب، أو ينام لم يشرع له صلاة الاستخارة.
ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد، أو الراتبة ولم ينوه من قبل؛ لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال.
وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية، والراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه لقوله: "فليركع ركعتين من غير الفريضة" (1) فإنه لم يستثن سوى الفريضة، ويحتمل أن لا يجزئه؛ لأن قوله: "إذا هم فليركع" يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين؛ لأن هذا الاحتمال قائم وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين فكأنه قال فليتطوع بركعتين والله أعلم.
893 سئل فضيلة الشيخ: هل انشراح الصدر عقب صلاة الاستخارة دليل على أن الله اختار هذا الأمر؟ وما العمل إذا استخار الإنسان وبقي متردداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا استخار الإنسان ربه بشيء وانشرح صدره له فهذا دليل على أن هذا هو الذي اختاره الله تعالى.
وأما إذا بقي متردداً فإنه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة، فإن
__________
(1) رواه البخاري في التهجد باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى ح (1166) .(14/322)
تبين له، وإلا استشار غيره، بما هو عليه. ويكون ما قدره الله هو الخير إن شاء الله.
894 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الحاجة وصلاة حفظ القرآن هل ثبتت مشروعيتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: كلتاهما غير صحيحة، لا صلاة الحاجة (1) ، ولا صلاة حفظ القرآن (2) ؛ لأن مثل هذه العبادات لا يمكن إثباتها إلا بدليل شرعي يكون حجة، وليس فيهما ديل شرعي يكون حجة، وعليه تكونان غير مشروعتين.
895 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة التسبيح:
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التسبيح (3) وردت فيها أحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسنها بعض أهل العلم، واعتبروها، وعملوا بها، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنها أحاديث ضعيفة لا تقوم به حجة كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وقال: إن حديثها باطل، أو كذب وأنه لم يستحبها أحد من الأئمة وما قاله – رحمه الله – هو الحق، وأنها صلاة غير مستحبة لعدم ثبوتها عن
__________
(1) حديث صلاة الحاجة رواه الإمام أحمد عن أبي الدرداء 1/443 (27486) . ورواه الترمذي وضعفه من حديث عبد الله بن أبي أوفى في الصلاة باب: ما جاء في صلاة الحاجة ح (479) .
(2) رواه الترمذي في الدعوات باب: دعاء الحفظ ح (3570) وقال: حسن غريب.
(3) انظر صفتها في الفتاوى التالية.(14/323)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأصل في العبادة الحظر إلا ما قام الدليل الصحيح على مشروعيته، وفيما صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النوافل ما يكفي عن مثل هذه الصلاة المختلف فيها، وإذا تأمل الإنسان متنها، وما رتب عليها من الثواب تبين له أنه شاذ لمخالفته لصفات الصلاة المعهودة في الشرع؛ ولأن الثواب مرتب على فعلها في الأسبوع، أو في الشهر، أو في السنة، أو في العمر وهو غريب في جزاء الأعمال أن يتفق الثواب مع تباين الأعمال هذا التباين، فالصواب في هذه المسألة أن صلاة التسبيح غير مشروعة، والله أعلم.
896 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح كيف تؤدى؟ ومتى تصلى؟
فأجاب فضيلته بقوله: قبل أن نجيب على حكم صلاة التسبيح نبين صفتها على حسب ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، يا عماة: ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وأخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته؟ عشر خصال: إن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع(14/324)
فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً وتقولها وأنت ساجد عشراً ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة"، هذا أمثل ما روي فيها.
والحديث رواه أبو داود (1) ، وابن ماجة (2) ، وابن خزيمه (3) في صحيحه وقال: إن صح الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً.
وقد اختلف الناس في صلاة التسبيح في صحة حديثها والعمل به:
فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه ومنهم من جعله في الموضوعات.
وقد ذكر ابن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها وضعفها كلها، وبين ضعفها وذكره في كتابه الموضوعات.
قال الترمذي: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة التسبيح غير حديث، قال: ولا يصح منه كبير شيء.
__________
(1) في الصلاة، باب: صلاة التسبيح ح (1297) ، ورواه الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في صلاة التسبيح ح (482) وقال: حديث غريب.
(2) في إقامة الصلاة باب: ما جاء في صلاة التسبيح ح (1386) و (1387) .
(3) في أبواب التطوع باب: صلاة التسبيح 2/223 ح (1216) .(14/325)
ونقل النووي عن العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت، وكذا ذكره ابن العربي وآخرونليس فيه حديث صحيح ولا حسن، وقال النووي: في استحبابها نظراً؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة فينبغي أن لا تفعل بغير حديث، وليس حدينها ثابت. ذكره في شرح المهذب.
ونقل السيوطي في اللآلئ عن الحافظ ابن حجر قوله: والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وأن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا نه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع، والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات.
وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقاً صالحاً فلا يحتمل منه هذا التفرد، وقد ضعفها ابن تيميه، والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه أهـ كلامه.
مع أنه في جوابه عما قيل في بعض أحاديث المشكاة قال: "الحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه" فاختلف كلامه فيه – رحمه الله – والله أعلم.
وقال صاحب الفروع في حديث صلاة التسبيح: رواه أحمد، وقال: لا يصح، قال: وادعى شيخنا أنه كذب، كذا قال، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام. واستحبها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له، قال: وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية.
هذا كلام صاحب الفروع أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهم الله تعالى -.(14/326)
والذي يترجح عندي أن صلاة التسبيح ليست بسنة، وأن خيرها ضعيف وذلك من وجوه:
الأول: أن الاصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل تثبت به مشروعيتها.
الثاني: أن حديثها مضطرب، فقد اختلف فيه على عدة أوجه.
الثالث: أنها لم يستحبها أحد من الأئمة، قل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: "قد نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام". قال: "وأما ابو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية".
الرابع: أنه لو كانت هذه الصلاة مشروعة لنقلت للأمة نقلاً لا ريب فيه، واشتهرت بينهم لعظم فائدتها، ولخروجها عن جنس العبادات. فإننا لا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخير، بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة، فلما كانت عظيمة الفائدة، ارجة عن جنس الصلوات، ولم تشتهر، ولم تنقل علم أنه لا أصل لها، وذلك لأن ما خرج عن نظائره، وعظمت فائدته فإن الناس يهتمون به وينقلونه ويشيع بينهم شيوعاً ظاهراً، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولذلك لم يستحبها أحد من الأئمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى -.
وإن فيما ثبتت مشروعيته من النوافل لخير وبركة لمن أراد المزيد، وهو في غنى بما ثبت عما فيه الخلاف والشبهة، والله المستعان.(14/327)
897 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التسبيح لا تصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في حديثها لا يصح، وقال شيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله -: "إنه كذب، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية"، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وما ذكره – رحمه الله تعالى – فهو حق، فإن هذه الصلاة لو كانت صحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنقلت إلى الأئمة نقلاً لا ريب فيه لعظم فائدتها ولخروجها عن جنس الصلوات، بل وعن جنس العبادات فلا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخيير بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة فإن ما خرج عن نظائره اهتم الناس بنقله، وشاع فيهم لغرابته، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولهذا لم يستحبها أحد من الأئمة.
898 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح؟ وعن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، يا عماه إلخ" (1) في فضل صلاة التسابيح؟
...
__________
(1) راجع تخريجه ص325.(14/328)
فأجاب فضيلته بقوله: وأما صلاة التسبيح فالصواب أنها ليست بسنة بل هي بدعة، والحديث الذي ذكرت عنها في سؤالك غير صحيح، قال الإمام أحمد – رحمه الله -: لا تعجبني صلاة التسبيح، قيل لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونفض يده كلمنكر، وقال النووي: حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة، وقال العقيلي: ليس فيها حديث يثبت، وقال أبو بكر ابن العربي: ليس فيها حديث صحيح ولا حسن، ونقل في الفروع عن شيخه أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيميه أنه ادعى أن الحديث فيها كذب، قال كذا، قال: ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام أهـ.
وعلى هذا فصلاة التسبيح غير مشروعة ولا يتعبد لله تعالى بها لعدم صحة الحديث الوارد فيها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
899 وسئل فضيلته أيضاً: عن صلاة التسبيح؟
فاجاب بقوله: صلاة التسبيح ورد فيها حديث (1) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولكن هذا الحديث ل يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال شيخ الإسلام: هو حديث باطل، ويدل لبطلانه أمران:
الأمر الأول: أن هذه الصلاة لو كانت من الصلوات المشروعة، لكانت من الصلوات المشهورة؛ لأن فائدتها عظيمة،
__________
(1) تقدم تخريجه ص325.(14/329)
ولأنها من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بين الأمة من لدن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومنا هذا. ولما لم تكن هذه الصلاة مشهورة، وإنما ورد فيه هذا الحديث الضعيف، ولم يستحبها أحد من الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، كل الأئمة لم يستحبوها دل ذلك على أنها صلاة ليست من شريعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الأمر الثاني: مما يدل على أنها ليست مشروعة: أنها صلاة ذكر فيها أن الإنسان يصليها كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر، أو كل سنة، أو في العمر مرة. ومثل هذا لا يستقيم في عبادة تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مستمرة دائماً، ولا تكون على هذا التخيير البعيد المدى من يوم إلى سنة، إلى العمر كله. ولا يرد علينا الحج، حيث لم يجب على المرء في العمر إلا مرة واحدة، لأن الحج إنما فرضه الله على عباده مرة واحدة؛ لأنه شاق عليهم وصعب عليهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه حين سئل الحج في كل عام؟ قال: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع" (1) . فالحج لا تقاس عليه صلاة التسبيح، لأن الحج لو وجب كل عام لشق على كل فرد من أفراد الناس ممن يستطيع الحج أن يحج كل عام، ثم لشق أيضاً اجتماع الناس في هذا المكان، ما ظنكم لو أن المسلمين جميعاً القادرين في أقطار الدنيا يجتمعون كل عام في هذه المشاعر؟ ألا يكون عليهم مشقة عظيمة؟ لا يمكن أن تطاق
__________
(1) رواه مسلم في الحج باب: فرض الحج مرة في العمر ح412 (1337) .(14/330)
هذا هو الواقع. ولهذا خفف الله على عباده فجعل الحج واجباً في العمر مرة. أما صلاة التسبيح فليس فيها مشقة لو ثبتت، ولو أنها شرعت كل يوم لم يكن في ذلك مشقة، بل شرع للناس كل يوم ما هو أكثر منها عدداً وكيفية، فدل هذا على أن هذه الصلاة ليست من الأمور المشروعة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يتعبد لله بها، وإنما يتعبد لله بما ثبت من شريعته في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
900 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الفائدة وهي مائة ركعة، وقيل أربع ركعات تصلى في آخر جمعة من رمضان، فهل هذا القول صحيح؟ وما حكم هذه الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا القول ليس بصحيح، وليس هناك صلاة تسمى صلاة الفائدة، وجميع الصلوات فوائد، وصلاة الفريضة أكبر الفوائد؛ لأن جنس العبادة إذا كان فريضة فهو أفضل من نافلتها، لما ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى يقول: "ما تقرب إليّ عبدي بشي أحب إلي مما فرضت عليه" (1) . ولأن الله أوجبها وهو دليل على محبته لها، وعلى أنها أنفع للعبد من النافلة، ولهذا ألزم بها لمصلحته بما يكون فيها من الأجر، فكل الصلوات فوائد.
وأما صلاة خاصة تسمى صلاة الفائدة فهي بدعة لا أصل لها،
__________
(1) تقدم تخريجه ص202.(14/331)
وليحذرالمرء من أذكار وصلوات شاعت بين الناس وليس لها أصل من السنة، وليعلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله في كتابه، أو في سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومتى شك الإنسان في شيء أمن أعمال العبادة أو لا؟ فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة. والله أعلم.
901 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم إقامة صلاة النافلة جماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان يريد أن يجعل النوافل دائماً في جماعة كلما تطوع، فهذا غير مشروع، وأما صلاتها أحياناً في جماعة فإنه لا بأس به لورود ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صلاة ابن عباس معه في صلاة الليل (1) ، وكما صلى معه أنس بن مالك رضي الله عنه واليتيم في بيت أم سليم وما أشبه ذلك (2) .
902 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز أن أصلي نافلة بنية مطلقة؟ فمثلاً صلى رجل نافلة ولم يحدد عدد ركعاتها وهو يريد أن يصلي ما شاء الله من الركعات بتسليمة واحدة. فهل هذا يجوز مع الدليل؟
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب: الصلاة على الحصير ح (380) ، ومسلم في المساجد باب: جواز الجماعة في النافلة ح266 (658) .(14/332)
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذا أن الإنسان ليس مخيراً فيما شاء من الركعات؛ لأنه مقيد بما جاء به الشرع، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلاة الليل والنهار مثنى، مثنى" (1) . فالمشروع أن يصلي الإنسان ركعتين ركعتين في النهار والليل، ولا يقرن بين الأربع، أوبين الست أو بين الثمان وما أشبه ذلك، إلا أنه جاء في الوتر ما يدل على جواز سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وكذلك السنة في الخمس أن تكون سرداً بسلام واحد وتشهد واحد، وفي السبع كذلك، وفي التسع بسلام واحد وتشهدين: تشهد عقب الثامنة، وتشهد عقب التاسعة ويسلم. فالإنسان ليس مخيراً في أن يصي ما شاء من العدد.
أما أنه يصلي ما شاء من الصلوات فلا حرج عليه، يصلي ما شاء من الصلوات، وإن كان الأفضل في الليل أن لا يتجاوز إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل.
903 سئل فضيلة الشيخ: عما يفعله بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المدة قصيرة بحيث لا يفوت فالأفضل أن يصلوا تحية المسجد، ثم إن جاء الإمام وأقيمت الصلاة
__________
(1) تقدم تخيجه ص115.(14/333)
وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة.
904 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أما حذيفة فأخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بالبقرة، والنساء، وآل عمران لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل (1) ، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فأطال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القيام، قال عبد الله بن مسعود حتى هممت بأمر سوء قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه (2) وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – فإنه قام يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأسه فجعله عن يمينه (3) .
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام ح (726) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح181 (763) .
(3) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160.(14/334)
والحاصل أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع.
905 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة الركعتين ليلة الزواج عند الدخول على الزوجة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الركعتان عند الدخول على الزوجة في أول ليلة فعلها بعض الصحابة (1) ، ولا أعرف في هذا سنة صحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن المشروع أن يأخذ بناصية المرأة ويسأل الله خيرها، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ بالله من شرها، وشر ما جبلت عليه (2) ، وإذا كان يخشى في هذه الحال أن تنفر منه المرأة فليمسك بناصيتها كأنه يريد أن يدنوا منها ويدعو بهذا الدعاء سراً بحيث لا تسمعه؛ لأن بعض النساء قد يخيل لها إذا قال أعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، فتقول: هل في شر؟
906 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الحاجة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الحاجة غير مشروعة (3) .
__________
(1) انظر "المصنف" لعبد الرزاق 6/191، والهيثمي في "المجمع" 4/291.
(2) رواه أبو داود في النكاح باب: في جامع النكاح ح (2160) .
(3) راجع تخريج حديث صلاة الحاجة ص323.(14/335)
907 سئل فضيلة الشيخ: كيف نجمع بين قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عندما جاءه رجل – يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وصيام رمضان. قل: هل علي غيره؟ قالك لا، إلا أن تطوع. وذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزكاة قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفلح إن صدق" (1) . وبين ما ورد من الأمر ببعض النوافل مثل تحية المسجد وغير ذلك والأمر يقتضي الوجوب؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبداً. ولهذا قال الرجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر له الصلوات الخمس: هل علي غيرها. قال: "لا، إلا أن تطوع"، فلا شيء من النوافل يكون واجباً أبداً؛ لا تحية المسجد ولا غيرها.
وإن كان بعض العلماء يقول بوجوب تحية المسجد. وكذلك بوجوب صلاة الكسوف. ومن العلماء من قال: إن صلاة الكسوف فرض كفاية، وهو أقرب الأقوال إلى الصواب. لكن ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجباً. اللهم إلا بسبب؛
__________
(1) متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله، رواه البخاري في الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام ح (46) ، ومسلم في الإيمان باب: بيان الصلوات ح8 (11) .(14/336)
كالنذر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" (1) .
لكن هذه المسألة سبب عارض يكون من فعل المكلف، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث.
لكن قد يقول قائل: إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكرت في الحديث؟
فالجواب: إما أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تتحق فيه، وإما أن يقال: إن هذا كان قبل وجوب ما لم يذكر؛ لأن واجبات الدين لم يقع وجوبها دفعة واحدة. وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها.
???
__________
(1) رواه البخاري في الإيمان والنذور باب: النذر في الطاعة ح (6696) .(14/337)
كالنذر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" (1) .
لكن هذه المسألة سبب عارض يكون من فعل المكلف، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث.
لكن قد يقول قائل: إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكرت في الحديث؟
فالجواب: إما أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تتحق فيه، وإما أن يقال: إن هذا كان قبل وجوب ما لم يذكر؛ لأن واجبات الدين لم يقع وجوبها دفعة واحدة. وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها.
???
__________
(1) رواه البخاري في الإيمان والنذور باب: النذر في الطاعة ح (6696) .(14/338)
أوقات النهي.
??? تحية المسجد.
??? الفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع.(14/339)
908 سئل فضيلة الشيخ: عن أوقات النهي، وعن تحية المسجد قبل صلاة المغرب، هل تكون قبل الأذان أو بعده، أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أوقات النهي:
الوقت الأول: من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح؛ أي إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة إلى ثلث ساعة.
الوقت الثاني: قبل الزوال بنحو عشر دقائق؛ وهو قبل دخول وقت الظهر بنحو عشر دقائق.
والوقت الثالث: من صلاة العصر إلى أن يستكمل غروب الشمس. هذه هي أوقات النهي.
أما بالنسبة لتحية المسجد فمشروعة في كل وقت، فمتى دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين. حتى في أوقات النهي.
وينبغي أن يعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع النوافل من ذوات الأسباب، ليس فيها نهي، بل تفعل حتى في وقت النهي: فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصل ركعتين، وإذا دخلت بعد صلاة العصر فصل ركعتين، وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصل ركعتين، وإذا دخلت في أي ساعة من ليل أو نهار فلا تجلس حتى تصلي ركعتين.(14/341)
909 سئل فضيلة الشيخ: عن الأوقات التي تكره فيها الصلاة، وما سبب كراهة الصلاة فيها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أوقات النهي:
أولاً: من بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمح، يعني مقدار متر تقريباً وذلك بعد طلوعها بنحو ربع ساعة، والمعتبر بصلاة الفجر صلاة كل إنسان بنفسه.
الوقت الثاني: حين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق أو قريباً منها.
الوقت الثالث: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمعتبر صلاة كل إنسان بنفسه، فإذا صلى الإنسان العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس، لكن يستثنى من ذلك صلاة الفرائض مثل أن يكون على الإنسان فائتة يتذكرها في هذه الأوقات فإنه يصليها، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" (1) . ويستثنى من ذلك على القول الراجح كل صلاة نفل لها سبب، لأن هذه الصلاة التي لها سبب مقرونة بسببها وتحال الصلاة على هذا السبب بحيث ينتفي فيها الحكمة التي من أجلها وجد النهي، فمثلاً لو دخلت المسجد بعد صلاة العصر فإنك تصلي ركعتين لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أحدكم
__________
(1) تقدم تخريجه ص283.(14/342)
المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" (1) . وكذلك لو دخلته بعد صلاة الفجر، أو عند زوال الشمس، وكذلك لو كسفت الشمس بعد صلاة العصر فإنه يصلي للكسوف؛ لأنها ذات سبب، وكذلك لو قرأ الإنسان القرآن ومر بآية سجدة فإنه يسجد ولو في هذه الأوقات لأن ذلك سبب.
أما الحكمة من النهي في هذه الأوقات: فلأن الإنسان إذا أذن له بالتطوع في هذه الأوقات فقد يستمر يتطوع حتى عند طلوع الشمس وعند غروبها، وحينئذ يكون مشابهاً للكفار الذين يسجدون للشمس إذا طلعت تحريباً بها وفرحاً، ويسجدون لها إذا غربت وداعاً لها، والنبي عليه الصلاة والسلام حرص على سد كل باب يوصل إلى الشرك أو يكون فيه مشابهة للمشركين. وأما النهي عند قيامها حتى تزول فلأنه وقت تسجر فيه جنهم كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام (2) فينبغي الإمساك عن الصلاة في هذا الوقت.
910 سئل فضيلة الشيخ: إذا أتيت المسجد وصلاة العصر قائمة فهل يجوز لي أن أصلي سنة العصر بعد أداء الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة العصر ليس لها راتبة لا قبلها ولا بعدها، وإنما يسن للإنسان أن يصلي قبلها على سبيل الإطلاق، وإذا لم تدركها قبل الصلاة فإنك لا تصلها بعد العصر، فإن الإنسان
__________
(1) تقدم تخريجه ص284.
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال ح (1083) .(14/343)
يحرم عليه أن يؤدي تطوعاً في أوقات النهي إلا صلاة ذات سبب، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" (1) .
وأما صلاة ذات السبب مثل تحية المسجد فإنه يؤديها ولو كانت في وقت النهي.
ومثل أن تكسف الشمس بعد العصر فإنه يصلي لكسوفها، ومثل أن يصلي العصر في مسجده فيحضر إلى مسجد آخر فيجدهم يصلون فإنه يصلي معهم.
911 وسئل فضيلة الشيخ: عن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العموم ليس بمراد، بل يخرج منه بعض أفراده. وهنا نأخذ قاعدة وهي: أن اللفظ العام في أصل وضعه يتناول جميع الأفراد، ودليل ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين علم أصحابه التشهد ومنه (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) قال: "إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض" (2) . وذلك يؤخذ من أن قوله (عباد الله الصالحين) عام،
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، رواه البخاري في المواقيت باب: لا تتحرى الصلاة. ح (586) ، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ح288 (827) .
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان، باب: ما يتخير من الدعاء ح (835) ، ومسلم في باب: التشهد في الصلاة ح55 (402) .(14/344)
وهذا نص في أن العام يشمل جميع الأفراد.
إذن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة" يشمل جميع الصلوات، ولكن قد خص منه بعض الصلوات بالنص، وبعضها بالإجماع.
ومن ذلك:
أولاً: إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: "إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم" (1) ، وهذا بعد صلاة الصبح.
ثانياً: إذا طاف الإنسان بالبيت، فإن من السنة أن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم، فإذا طاف بعد صلاة الصبح فيصلي ركعتين للطواف. ومن أدلة ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار" (2) .
فإن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أنه يجوز إذا طاف أن يصلي ركعتين ولو في وقت النهي.
ثالثاً: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب وكان ذلك عند
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة، باب: الجمع في المسجد مرتين ح (575) و (576) .
(2) رواه أبو داود في المناسك، باب: الطواف بعد العصر ح (1894) ، ورواه الترمذي في الحج، باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر ح (868) وقال: حسن صحيح.(14/345)
زوال الشمس فإنه يجوز أن يصلي تحية المسجد؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب الناس فدخل رجل فجلس فقال له: "أصليت"؟ قال: لا، قال: "قم فصل ركعتين وتجوز فيهما" (1) .
رابعاً: دخول المسجد: فلو أن شخصاً دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد الفجر؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
خامساً: كسوف الشمس: فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا إن صلاة الكسوف سنة فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقاً.
سادساً: إذا توضأ الإنسان: فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
سابعاً: صلاة الاستخارة: فلو أن إنساناً أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الاستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز.
والخلاصة أن هذا الحديث "لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر" مخصوص بما إذا صلى صلاة لها سبب فإنه لا نهي عنها.
وهذا الذي ذكرته هو مذهب الشافعي – رحمه الله – وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه
__________
(1) حديث المسيء صلاته وتقدم ج13/119.(14/346)
الله – وهو الصحيح أن ذوات الأسباب ليس عنها نهي.
912 سئل فضيلة الشيخ: هل المعتبر في دخول وقت النهي بعد صلاة الفجر، أو العصر صلاة الناس، أو صلاة الشخص نفسه؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعتبر صلاة الشخص نفسه فلو فرض أن الناس صلوا صلاة العصر وأنت لم تصل فإن وقت النهي في حقك لم يدخل ولو فرض أنك صليت قبل الناس فإن وقت النهي في حقك دخل، وإن لم يصل الناس.
913 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم قضاء صلاة الفرض لمن فاتته الصلاة مثل الفجر والعصر وغيرها في أوقات النهي المغلظة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السائل فتح علينا باباً نحب أن نبينه: وذلك أن أوقات النهي خمسة، ثلاثة منها مغلظة (كما يقول) ، واثنان منها أخف.
فالخمسة: من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.
ومنها طلوعها إلى أن ترتفع قد رمح.
وعند قيامها عند منتصف النهار حتى تزول.
ومن صلاة العصر حتى يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح، ومن هذا إلى الغروب. هذه خمسة أوقات.
المغلظة منها ثلاثة: وهي الأوقات القصيرة: من طلوع(14/347)
الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح.
ومن قبيل الزوال إلى الزوال.
ومن حيث يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح إلى أن تغرب. هذه الأوقات الثلاثة المغلظة تختلف عن الوقتين الآخرين؛ لأن هذه الأوقات الثلاثة المغلظة لا يجوز فيها دفن الميت، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" (1) . فإذا وصلنا بالميت إلى المقبرة وقد طلعت الشمس، فإنه لا يجوز دفنه حتى ترتفع الشمس قيد رمح، وغذا وصلنا به إلى المقبرة وقد قام قائم الظهيرة يعني قبيل الزوال بنحو خمس دقائق فإنه لا يجوز دفنه حتى تزول الشمس، وإذا وصلنا به إلى المقبرة قبل الغروب بمقدار رمح فإنه لا يجوز دفنه حتى تغرب الشمس.
أما الصلاة فإنها محرمة في هذه الأوقات الخمسة جميعاً، لكن يستثنى من ذلك.
أولاً: الصلاة الفائتة: يعني إذا فات الإنسان فريضة فإنه يصليها ولو في أوقات النهي االمغلطة القصيرة لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" (2) . فقوله: "فليصلها إذا ذكرها" عام لا يستثنى منه شيء،
__________
(1) رواه مسلم في المساجد، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ح293 (831) .
(2) تقدم تخريجه ص283.(14/348)
ولأنها فريضة مؤكدة فلا ينبغي تأخيرها عن وقت ذكرها أو استيقاظ النائم.
ثانياً: كل صلاة ذات سبب على القول الراجح، وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله -. فكل صلاة لها سبب فإنها تصلى في أوقات النهي. مثال ذلك: طاف الإنسان بعد العصر فإنه يصلي ركعتي الطواف؛ لأن ركعتي الطواف لهما سبب وهو الطواف، وإذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن تحية المسجد لها سبب وهو دخول المسجد، وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر أو حين طلعت قبل أن ترتفع، فإنها تصلى صلاة الكسوف؛ لأنها صلاة ذات سبب.
وعلى هذا فكل صلاة لها سبب فإنها تشرع عند سببها سواء وجد هذا السبب في أوقات النهي، أو في غير أوقات النهي.
وعلى هذا فالذي عليه قضاء يقضي الصلاة متى ذكرها أو استيقظ.
914 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قلنا إن النهي عام عن الصلاة بعد الفجر، وجاءت أحاديث تخصص بعض الصلوات بعينها مثل قضاء راتبة الصبح، أو ركعتي الطواف، أما غير ذلك فيكون النهي عاماً. ويرد على من استدل بحديث الرجل الذي دخل المسجد وأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يقوم ويصلي تحية المسجد، بأنه(14/349)
أمره في وقت لم يكن فيه نهي، ويقول إن النهي قوي في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بعد الصبح" وأيضاً يقول ورد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ينهى عن الصلاة بعد الصبح ويطرد من يفعل ذلك، فما جوابكم حفظكم الله وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن ألفاظ النهي في بعضها "لا تتحروا الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها" (1) فدل هذا على أن المنهي عنه أن يتحرى الإنسان هذا الوقت فيقوم يصلي، وأما إذا كان له سبب فإن الصلاة تحال على سببها، ويدل لهذا أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علل النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر بأن المشركين كانوا يسجدون للشمس عند طلوعها، وعند غروبها، فإذا وجد سبب تحال الصلاة عليه زالت هذه العلة، ويدل لذلك أيضاً القاعدة المعروفة عن العلماء وهي (أن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص) .
وأحاديث النوافل ذات الأسباب المعينة عامة محفوظة وأحاديث النهي عامة مخصوصة بعدة مخصصات، والعام المحفوظ الذي لم يخصص أقوى من العام الذي يخصص، حتى إن بعض أهل العلم من الأصوليين قال: إن النص العام إذا خصص بطلت دلالته على العموم، معللاً قوله هذا بأن العام إذا خصص فهو قرينة على أن عمومه غير مراد، فيحمل على أقل ما يطلق عليه
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: لا تتحروا بصلاتكم ح295 (833) .(14/350)
الاسم، ويكون حكمه في هذه الحال حكم المطلق لا حكم العام.
ولكن الصحيح أن العام إذا خصص يبقى على عمومه فيما عدا المخصص.
915 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عن حكم قضاء سنة الفجر بعد أداء صلاة الفجر في وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح، ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها، ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى، ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى.
916 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية:
1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد.
2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد.
3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه؟ والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
في الحال الأولى وهي: ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف(14/351)
فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة.
وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه.
وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مسجده، مع أن لها أبواباً على المسجد؛ لأنها منفصلة عنه. حرر في 22/12/1410هـ.
917 سئل فضيلة الشيخ: ما صحة حديث: "بين كل أذانين صلاة" (1) ؟ وهل إذا خرج الرجل من المسجد ثم عاد عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد؟ وما الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث صحيح، وننظر في الصلوات، ففي الفجر سنة الفجر، وفي الظهر أربع ركعات بين الأذان والإقامة بتسليمتين، وصلاة العصر ليس لها راتبة قبلها ولا بعدها، ولكن يسن أن يصلي بين الأذان والإقامة أربع ركعات أو ما
__________
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص272.(14/352)
شاء الله. والمغرب كذلك ليس لها سنة راتبة قبلها، لكن ينبغي للإنسان أن يصلي ولا يجعل ذلك راتباً؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب". وقال في الثالثة: "لمن شاء" (1) . كراهية أن يتخذها الناس سنة راتبة يحافظون عليها. والعشاء لها راتبة بعدها وليس لها راتبة قبلها، ولكن يسن أن يصلى ولا يجعل ذلك راتباً.
أما الذي يخرج من المسجد ويعود عن قرب فلا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين، وأيضاً فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد لقطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر ولو بعد نصف دقيقة فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع.
918 سئل فضيلة الشيخ: هل تجب على من دخل مكتبة المسجد تحية المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المكتبة من المسجد بمعنى أنها محاطة بحائطه فإنها تكون منه، أما إذا كانت مستقلة عنه بأن بني
__________
(1) رواه البخاري في التهجد، باب: الصلاة قبل المغرب.(14/353)
المسجد، ثم بنيت بجواره وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، ولهذا كانت بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام أبوابها في المسجد، ومع ذلك فإن البيوت ليست منه؛ لأنها مستقلة عنه.
فينظر في وضع هذه المكتبة هل هي متقطعة من المسجد فإنها تكون منه، أو أنها مستقلة بجوار المسجد، وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، وفي هذه الحال الأخيرة إذا مر الإنسان عابراً من المسجد إليها فإنه لا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لا يجلس في المسجد، وإنما يريد الجلوس في هذه المكتبة، أما إذا كانت منه فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين كما أمر بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقول السائل: هل تجب تحية المسجد؟
نقول فيه إن القول بوجوب تحية المسجد قول قوي، ولكن الأقرب القول بأنها سنة مؤكدة، والعلم عند الله تعالى.
919 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم تغيير المكان بعد قضاء الفريضة وذلك لأداء السنة؟ وهل يعتبر من البدع؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الفقهاء – رحمهم الله – أنه يسن للإنسان أن يفصل النافلة عن الفريضة، إما بكلام، أو بانتقال من موضعه، لحديث معاوية قال: "أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نصل صلاة بصلاة، حتى نخرج أو نتكلم" (1) .
وعلى هذا فالأفضل أن تفصل بين الفرض والسنة، لكن هناك شيء أفضل منه، وهو أن تجعل السنة في البيت؛ لأن أداء السنة في
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم ص291.(14/354)
البيت أفضل من أدائها في المسجد، حتى المسجد الحرام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (1) . يقول ذلك عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة، وهو في مسجد الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت.
وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد الحرام، أو النبوي أفضل، وليس كذلك، نعم لو فرض أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة، فهنا نقول: صل في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته فيه صبيان كثيرون فيخشى من التشويش، فتكون الصلاة في المسجد أفضل.
والصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة؛ لأن الصلاة في البيت أبعد عن الرياء، إذ أنك في بيتك لا يطلع عليك إلا أهلك، وقد لا يرونك وأنت تصلي، أما في المسجد فالكل مطلع عليك، ولأن فيها تعويداً لأهل البيت على الصلاة، ولذلك إذا كنت تصلي وكان عندك صبي له سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، مع أنك لم تأمره بالصلاة، ففي صلاة النافلة في البيت فوائد عظيمة.
وفيها أيضاً أنك لا ترتكب ما نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" (2) . يعني لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها، فهذه ثلاث فوائد:
الأولى: أنها أبعد عن الرياء.
__________
(1) تقدم تخريجه ص282.
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته ح208 (777) .(14/355)
الثانية: تعويد أهل البيت على الصلاة.
الثالثة: عدم الوقوع فيما نهى عنه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
920 سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل الذكر أم قراءة القرآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: المفاضلة بين الذكر والقرآن، فالقرآن من حيث الإطلاق أفضل من الذكر لكن الذكر عند وجود أسبابه أفضل من القراءة، مثال ذلك الذكر الوارد أدبار الصلوات أفضل في محله من قراءة القرآن، وكذلك إجابة المؤذن في محلها أفضل من قراءة القرآن وهكذا.
وأما إذا لم يكن للذكر سبب يقتضيه فإن قراءة القرآن أفضل.
921 وسئل فضيلة الشيخ: ما الأفضل للمسافر هل يأتي بالسنن الرواتب وما يتطوع به من النوافل خاصة إذا كان في المسجد الحرام، أم يقتصر على الوتر وركعتي سنة الفجر؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: المسافر يسن له أن يأتي بالنوافل كلها: صلاة الليل، وركعتي الضحى، والاستخارة، وجميع النوافل، ما عدا راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فإن السنة أن لا يصلي هذه الرواتب فقط، وأما بقية النوافل فإنه يشرع في حقه أن يقوم بها؛ لأن السنة لم ترد إلا بترك هذه النوافل الثلاث، وما عدا ذلك فإنه باق على مشروعيته، فإذا كان الإنسان في المسجد الحرام وتطوع وزاد من النوافل فلا حرج عليه ولا يقال إنه مخالف للسنة، وبهذا يزول ما في نفس المرء من التأثر، حيث إن بعض الناس يتأثر يقول أنا لا أحب أن أدع النوافل، فنقول: لا تدعها لكن الراتبة(14/356)
المخصوصة التي تتبع الظهر، والمغرب، والعشاء الأولى تركها للمسافر، ولا يعني ذلك أن نقول لا تتنفل، بل تتنفل بما شئت.
922 سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له وأعلى منزلته -: عن صلاة التطوع والفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثواباً وقرباً من الله تعالى، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، فمن التطوع في الصلوات: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، وأما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين وأن يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية (1) ، أو بقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا
__________
(1) تقدم تخريجه ص2.(14/357)
أُنْزِلَ إِلَيْنَا) في الركعة الأولى وبقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) في الركعة الثانية؛ وبأنها – أي راتبة الفجر تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" (1) .
ومن النوافل في الصلوات: الوتر وهو من أوكد النوافل حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد – رحمه الله -: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة". وتختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ومع طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" (2) . وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بتسع فكذلك يسردها ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة، ويتشهد ويسلم، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالحادية عشرة وحدها، وإذا نسي الوتر أو نام عنه فإنه يقضيه من النهار، لكنه مشفوعاً لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص112.
(2) تقدم تخريجه ص112.(14/358)
ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت في الصحيح "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا نام عن وتره أو غلبه وجع صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة" (1) .
وأما الفرق بين صلاة الفرض وصلاة النافلة:
فمن أوضحها: أن النافلة تصح في السفر على الراحلة ولو بدون ضرورة، فإذا كان الإنسان في سفر وأحب أن يتنفل وهو على راحلته سواء كانت الراحلة سيارة، أم طيارة، أم بعيراً، أم غير ذلك فإنه يصلي النافلة على راحلته متجهاً حيث يكون وجهه، يومئ بالركوع والسجود؛ لأنه ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك.
ومن الفروق: أن الإنسان إذا شرع في فريضة حرم أن يخرج منها إلا لضرورة قصوى، وأما النافلة فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح، وإن كان لغير غرض فإنه لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلوات معينة كالاستسقاء وصلاة الكسوف على القول بأنها سنة؛ ولا بأس بأن يصلي الإنسان النافلة أحياناً جماعة كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بأصحابه جماعة في بعض الليالي، فقد صلى معه مرة ابن عباس، ومرة حذيفة، ومرة ابن مسعود (2) .
وأما في رمضان فقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام بهم ثلاث ليال ثم
__________
(1) تقدم تخريجه ص213.
(2) تقدم تخريجها ص160.(14/359)
تأخر خوفاً أن تفرض على الناس (1) ، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سنة لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلها، ولكن تركها خوفاً من أن تفرض وهذا مأمون بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهناك فروق أخرى ذكرها بعض العلماء تبلغ فوق العشرين فرقاً.
923 سئل فضيلة الشيخ: هل أجر النافلة كأجر الفريضة؟ وهل تجزئ النافلة عن الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس أجر النافلة كأجر الفريضة، فإن أجر الفريضة أكثر وأعظم؛ لأن الفريضة أهم وأعظم، ولهذا أوجبها الله تعالى على عباده لأهميتها وعظمها، وفي الحديث الصحيح القدسي أن الله سبحانه وتعالى يقول: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه" (2) .
ولا تجزئ النافلة عن الفريضة، فإذا قدر أن على إنسان صلاة الفجر مثلاً، ثم تطوع بركعتين في الضحى فإن هاتين الركعتين لا تجزئان عن صلاة الفجر؛ لأن النافلة لا تجزئ عن صلاة الفريضة؛ ولأنه لابد من تعيين الصلاة بالنية عندما تريد أن تصلي الفجر تنوي أنها الفجر، وعندما تريد أن تصلي الظهر تنوي أنها الظهر وهكذا، والله الموفق.
__________
(1) تقدم تخريجه ص287.
(2) رواه البخاري وتقدم ص202.(14/360)
باب صلاة الجماعة
باب صلاة أهل الأعذار(15/7)
* باب صلاة الجماعة
- وجوب صلاة الجماعة
- تكرار الجماعة في مسجد واحد
- الجماعة في قضاء الفوائت
- إدراك الجماعة
- إدراك الإمام في التشهد الأخير
- فرغ المأموم من القراءة عند إطالة الإمام
- مسابقة الإمام(15/9)
- انظار المأموم حتى ركوع الإمام
- إطالة الإمام للصلاة
- صلاة المرأة في المسجد
* أحكام الإمامة
- الصلاة خلف الفساق وأصحاب المعاصي واهل البدع
- إمامة المرأة
- إمامة الصبي
- إمامة العاجز عن القيام
- إمامة من لا يتقن القراءة والتجويد
- اختلاف النية بين الإمام والمأموم
- تخلف الإمام أو المؤذن عن القيام بالمسجد
- موقف الإمام والمأمومين
- صلاة المنفرد خلف الصف
- اقتداء المأموم بالإمام
- متابعة الإمام عبر مكبرات الصوت
- الصلاة خلف التلفاز والمذياع(15/11)
* باب صلاة أهل الأعذار
- صلاة المريض
- صلاة المسافر
- قصر الصلاة
- جمع الصلاة
- رسائل حول رخص السفر
- صلاة الخوف(15/12)
باب صلاة الجماعة(15/13)
* وجوب صلاة الجماعة
* تكرار الجماعة في المسجد الواحد
* الجماعة في قضاء الفوائت(15/15)
924/ سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجل الطاعات , وأوكدها , وأفضلها , وقد ذكرها الله تعالى في كتابه , وأمر بها حتى في صلاة الخوف فقال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء:102)
وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم من الأحاديث العدد الكثير الدال على وجوب صلاة الجماعة , مثل قوله صلي الله عليه وسلم: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس , ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
وكقوله صلي الله عليه وسلم ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (2) .
وكقوله صلي الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له
__________
(1) متفق عليه, رواه البخاري/كتاب الأذان , بابا: وجوب صلاة الجماعة ح (644) , ومسلم في المسجد ,باب: فضل صلاة الجماعة ... ح251 (651) ,وسيأتي شرحه ص297.
(2) متفق عليه, رواه البخاري/كتاب الأذان , بابا: وجوب صلاة الجماعة ح (644) ,ومسلم في المسجد , باب: فضل صلاة الجماعة ... ح251 (651) ,وسيأتي شرحه ص297.- رواه ابن ماجه في المساجد, باب التغليظ في التخلف عن الجماعة ح (793) .(15/17)
((أتسمع النداء؟)) قال: نعم, قال ((فأجب)) (1) . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - ((لقد رأيتنا - يعني الصحابة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم -وما يختلف عنها - أي عن صلاة الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق, أو مريض, ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) (2) .
والنظر الصحيح يقتضي وجوبها, فإن الأمة الإسلامية أمة واحدة, ولا يتحقق كمال إلا بكونها تجتمع على عبادتها وأجل العبادات وأفضلها وأو كدها الصلاة, فكان من الواجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على هذه الصلاة.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم على أنها من أو كد العبادات وأجل الطاعات اختلفوا هل هي شرط لصحة الصلاة؟ أو أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم؟ مع خلافات أخرى.
والصحيح: أنها واجب للصلاة, وليست شرط في صحتها, لكن من تركها فهو آثم إلا أن يكون له عذر شرعي, ودليل كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة أن الرسول عليه الصلاة والسلام فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (3)
وتفضيل صلاة الجماعة على
__________
(1) رواه مسلم في المساجد, باب 43,يجب إتيان المسجد على من سمع النداء ح255 (653) .
(2) رواه مسلم في الموضع السابق باب 44ح256 (654) .
(3) ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة منها:حديث ابن عمر المتفق عليه رواه البخاري في الأذان باب: فضل صلاة الجماعة ح (654) ,ومسلم في المساجد باب:فضل الجماعة ... ح249 (650) .(15/18)
صلاة الفذ يدل على أن في صلاة الفذ فضلاً, وذلك لا يكون إلا إذا كانت صحيحة.
وعلى كل حال فيجب على المسلم العاقل الذكر البالغ أن يشهد صلاة الجماعة سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر.
* * *
925/ سئل فضيلة الشيخ: عن قوم يصلون الجماعة في البيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد وأنه لا يجوز للرجل أن يتخلف عن صلاة الجماعة في المساجد إلا إذا كان لعذر, لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) . هؤلاء القوم قد يكونون يصلون, لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع, والجماعة الذين نصبهم الشرع, هم الجماعة الذين يصلون في المساجد, المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة, ولهذا قال عبد الله بن مسعود ((من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء
__________
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص 18.(15/19)
الصلوات حيث ينادى بهن)) (1) .
فقال ((حيث ينادى بهن)) ,و (حيث) ظرف مكان, أي فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه. هذا في الصلوات الخمس.
أما الجمعة فواجبة في المساجد قطعاً.
وأما النافلة فيقول النبي صلي الله عليه وسلم (أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة) (2) . وعلى هذا فالأفضل للإنسان أن يصلي صلاة التطوع في بيته ماعدا التطوع الذي شرع في المساجد كصلاة الكسوف مثلاً على القول بأنها غير واجبة, والله الموفق.
* * *
926/ سئل فضيلة الشيخ: مجموعة من الأشخاص يسكنون في مكان واحد, فهل يجوز لهم أن يصلوا جماعة في ذلك المسكن أو يلزمهم الخروج إلى المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على هؤلاء الجماعة الذين هم في مسكن أن يصلوا في المساجد, ولا يجوز لأحد, أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم, أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت ,وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على لبعض العلماء
__________
(1) رواه البخاري / صفة الصلاة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1133) .
(2) رواه مسلم، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1394) .(15/20)
-رحمهم الله- من أن المقصود في الصلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد, فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب.
ولكن الصحيح أنه لابد أن تكون الجماعة في المساجد لقول النبي صلي الله عليه وسلم ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .مع أن هؤلاء القوم قد يكونوا صلوا في أماكنهم.
فيجب على تلك المجموعة أن يصلوا مع الجماعة في المسجد إلا إذا كانوا بعيدين يشق عليهم.
* * *
927/ سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس لا يصلي مع الجماعة فهل يجوز هجرهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هؤلاء الذين لا يصلون مع الجماعة لاشك أنهم تركوا واجباً من الواجبات التي دل عليها كتاب الله, وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم, فإن الله أوجب الجماعة في حال الخوف ,فقال تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء:102) وإذا وجبت الجماعة في حال الخوف ففي حال الأمن من باب أولى.
__________
(1) تقدم تخريجه ص 20.(15/21)
وأما الأحاديث فوجوب الجماعة فيها ظاهر فمن ترك الصلاة مع الجماعة فهو آثم، بل قال بعض العلماء: إن من ترك الصلاة مع الجماعة بلا عذر فصلاته باطلة، وهو إحدى الروايات عن الإمام احمد ـ رحمه الله ـ أختارها شيخ الإسلام ابن تيميه، رحمه الله ـ فهؤلاء الذين يتركون الجماعة يجب على جميع إخوانهم المسلمين ولا سيما أقاربهم أن يبادلوهم النصيحة، ويخوفوهم من الله عز وجل، ولا يحل هجرهم بهذه المعصية إلا أن يكون هجرهم سبباً لاستقامتهم وقيامهم بالواجب فيجوز هجرهم بعد نصيحتهم وإصرارهم على المعصية.
***
928 سئل فضيلة الشيخ: نحن جماعة نجتمع في حوش قريب من المسجد ونسمع النداء ونصلي جماعة في الحوش، فهل عملنا هذا جائز؟ وهل لي الحق في أن أقيمهم من الحوش ليصلوا في المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: عملكم هذا غير جائز، والواجب عليكم أن تصلوا مع جماعة المسلمين في المسجد، لأن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في بيته فقال: (هل تسمع النداء) ؟ قال: نعم، قال: (فأجب) (1) .
ولك الحق في أن تقيمهم من الحوش لتصلوا مع الجماعة بل هذا واجب عليك , في 23/ 7 /1410هـ.
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه.(15/22)
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نحن مجموعة من المشاركين في مؤتمر. . . . . . . والمنعقد في منطقة. . . . . . وقد قدمنا من خارج المنطقة. . . . . . . وحددت مهمة بعضنا بخمسة أيام وبعضنا الآخر بثلاثة أيام, ولا نعلم أحكام الصلاة في سفرنا هذا, هل نصلي جمع وقصر ,أو قصر بدون جمع أو يلزمنا أداء الصلاة في المساجد؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة وبركاته.
الأصل أن الجماعة تلزمكم في المساجد مع الناس إذا كنتم في مكان تسمعون فيه النداء بدون مكبر لقربكم من المسجد, فإن كنتم في مكان بعيد لا تسمعون فيه النداء لولا مكبر الصوت فصلوا جماعة في أماكنكم, وكذلك إذا كان في ذهابكم إلى المسجد إخلال بمهمتكم التي قدمتم من أجلها فصلوا جماعة في أماكنكم.
ولكم قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين؛ لأنكم في سفر وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أقام عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر(15/23)
الصلاة (1) ,وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (2) ,وإقامتكم أنتم دون ذلك. أما الجمع فالأفضل أن لا تجتمعوا إلا أن يشق عليكم ترك الجمع فاجمعوا, وإن جمعتم بدون مشقة فلا حرج لأنكم على سفر.وفقكم الله وبارك فيكم.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 18/4/1413هـ.(15/24)
رسالة
فضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . وبعد:
أرجو من فضيلتكم الإجابة عن هذين السؤالين: السؤال الأول ويتكون من شقين:
الأول: أننا نلحظ على بعض الشباب أو بعض العوائل يكونون متواجدين إما في حديقة أو استراحة ويدخل وقت الصلاة ويكون المسجد غير بعيد عنهم بحيث يسمعون الأذان, فهل لهم أن يصلوا جماعة في أماكنهم؟
الثاني: توجد في بعض الاستراحات ملاعب للكرة يلعبون بها بعد المغرب ويؤذن لصلاة العشاء فيكملون اللعب ولا يصلون إلا بعد خروج المصلين من مساجدهم بساعة تقريبا كونهم جماعة, ولكي لا يؤذوا المصلين برائحة العرق المنبعثة من أجسادهم بعد لعبهم الكرة, وعذرهم أيضاً بجواز تأخير صلاة العشاء عن وقتها, ما حكم عملهم هذا؟
الثالث: عادة عندما تقام مباراة في الملعب الرياضي يكون توقيت بدايتها بعد أذان العصر بعشرين دقيقة تقريبا, فنرى الكثير من الشباب يصلونها جماعات متفرقة بالأماكن المزروعة داخل المدينة الرياضية, ما حكم صلاتهم تلك؟ وعن الأرض(15/25)
المزروعة وحكم الصلاة فيها حيث إن بعض المزروعات تسقى بماء التصريف الصحي؟ أفتونا بذلك مأجورين, علماً بأن الكثير منا يجهل حكم ذلك, وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جواب السؤال الأول: إذا كانوا يسمعون الأذان وإن لم يكن بالمكبر مكبر الصوت فعليهم الحضور إلى المسجد على القول الراجح ليحضروا جماعة, أما إذا كانوا لولا المكبر ما سمعوا الأذان فلهم الصلاة جماعة في أماكنهم.
جواب السؤال الثاني: إذا الأمر كما ذكر أعني أنه تحصل لهم رائحة تؤذي أهل المسجد فإنهم يصلون في استراحتهم لئلا يتأذى الناس بهم.
جواب السؤال الثالث: الجواب على ما كانوا داخل المدينة الرياضية أن يصلوا جميعاً خلف إمام واحد وأن يعطي المجتمعون مهلة يمكنهم فيها الوضوء والاجتماع في الغالب.
أما الصلاة في الأماكن المزروعة فلا بأس بها بشرط أن يكبس على الأرض بجبهته حتى يمكنها من الأرض. والمياه الصحية إذا زال عنها أثر النجاسة بطعمها ولونها وريحها فهي طاهرة.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 16/3/1419هـ.(15/26)
929/ سئل فضيلة الشيخ: إذا خرج جماعة إلى ضواحي المدينة للنزهة ويسمعون الأذان من أطراف المدينة فهل تلزمهم الصلاة في المسجد أو يصلون في مكانهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما على المشهور من المذهب من أن الواجب صلاة الجماعة في مكانهم, وأما على رأي من يرى أنه يجب على الإنسان أن يصلي في المسجد, وأن الجماعة لابد أن تكون في المسجد كما هو القول الراجح؛ فالظاهر أن هؤلاء لا يلزمهم صلاة الجماعة في المسجد إذا كانوا إنما يسمعون صوت المؤذن بواسطة مكبر الصوت؛ وأنه لولا المكبر ما سمعوا, فالظاهر أنه لا يجب عليهم حضور الجماعة في الحال, لأن هذا السماع غير معتاد ولا ضابط له, ولا يقول قائل إن عموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (1) يتناول ما سمع بواسطة المكبر وما سمع بدون المكبر؛ لأن خطاب الشارع يحمل على المعهود المعروف, والحقيقة أن سماع المكبر لا ضابط له, فبعض المكبرات يكون صوته عالياً يسمع من بعيد, وبعضها دون ذلك, والمرجع في هذا إلى ما كان معروفاً في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وهو السماع بدون مكبر, والله أعلم.
* * *(15/27)
930/ سئل فضيلة الشيخ: توجيه نصيحة لمن يتخلف عن صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: النصيحة هي أن الله عز وجل قال لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء:102) فأمر الله تعالى بإقامة صلاة الجماعة حتى في حال القتال ومجابهة الأعداء, وهذا يدل على أن الصلاة مع الجماعة واجبة في حال الأمن من باب أولى, وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) (1) . فهمه بهذه العقوبة العظيمة يدل على ترك الجماعة إثم عظيم وهو كذلك, حتى قال بعض العلماء, ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه: إن الإنسان إذا تخلف عن الجماعة بلا عذر لم تصح صلاته ولو صلى ألف مرة. فجعلوا حضور الجماعة شرطاً لصحة الصلاة.
* * *
931/ سئل فضيلة الشيخ: عن شباب يجلسون في استراحة, وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو أو كيلو إلا ربع ويصلون في الاستراحة, فهل تجب عليهم صلاة الجماعة؟ وبماذا تنصحهم(15/28)
على ضياع أوقاتهم بغير ثمرة ولا فائدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أنشأ الناس ما يسمى بالاستراحات وفيها شئ من الأشجار والنبات, وصاروا يجلسون فيها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل, أو قريبا من منتصف الليل, والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت, وأنس بعضهم ببعض وما أشبه ذلك, وقد تشتمل هذه الجلسات على شئ محرم, فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات توضع الدشوش التي لا يشك أحد اليوم في أنها تفسد الأخلاق وتدمر الأديان؛ لأنها تلتقط ما يبث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها.
فيكون عندهم هذا الدش, ثم يبقون يشاهدون ما يجلبه من المفاسد والمناكر؛ لأنهم يمارسونها ويشاهدونها, ومن المعلوم أن من اعتاد على شئ هان عليه, ويقال في المثل السائر:
مع كثرة الإمساس يقل الإحساس.
فهذه الاستراحات والأحواش يحصل فيها مثل هذه المفسدة, ويحصل فيها مفسدة أخرى, حيث يترك مرتادوها الصلاة مع الجماعة, فتجد هذا المكان قريباً من مسجد, يمكن أن يذهبوا إليه بكل راحة, فليسوا كالذين يكونوا في دائرة عمل, لو خرجوا إلى المسجد تفرقوا وتوزعوا وتعطل العمل, أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى(15/29)
المسجد لانتشروا في المسجد, وأساءوا إلى المسجد, أو تفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا, يعني: نحن لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس, إذا صلوا في مدارسهم ومكاتبهم, لم نعذر هؤلاء, لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً, فلا عذر لهم فيما نرى, بترك الصلاة في المساجد حتى لو صلوا جماعة, فإن ذلك لا يكفي في حضور المسجد, لقول النبي صلي الله عليه وسلم:
((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجل فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) . هؤلاء القوم الذين لا يشهدون الصلاة هم النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرق عليهم بيوتهم علناً مع احتمال أن يقيموا الجماعة فيها. لكن الرسول صلي الله عليه وسلم أراد أن يحضروا إلى المسجد. وقال صلي الله عليه وسلم للرجل حين استأذنه في ترك الحضور, قال ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم. قال ((فأجب)) (2) .فهؤلاء وأمثالهم يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم.
وكذلك أوجه النصيحة إلى من يضع الدش في هذه الاستراحات, وأقول له أتق الله في نفسك, ولاتكن سبباً لفساد الأخلاق, ودمار الأديان, بما يشاهد في هذه الدشوش, كما أنني بالمناسبة أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش؛ لأنه سوف يخلفه بعد موته, فيكون وبالاً عليه في حياته وبعد مماته.(15/30)
وإني أسأل واضع الدش في بيته وهو يرى هذه المناكر التي تبث منه, هل هو بهذا ناصح لأهل بيته أو غاش لهم؟ والجواب ولابد أنه غاش, إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس, لكن سيقول: أنه غاش, فأقول له: اذكر قول الرسول صلي الله عليه وسلم: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة)) (1) .
فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يشك أحد أنه غش في البيت, لأن البيت فيه نساء, وفيه سفهاء صغار, لا يتحاشون الشيء المحرم, فأنت بهذا من يموت وهو غاش لرعيته, فتكون أهلاً للوعيد الشديد الذي جاء في الحديث, من الأسد, وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يدمر أخلاقه وأخلاق أهله.
نسأل الله العافية.
أما ضياع الوقت من صلاة العصر إلى قريب منتصف الليل دون فائدة, فلا شك أن ذلك قد يفضي إلى المنكرات العظيمة من الغيبة والنميمة, وضياع الصلوات والاجتماع على الغناء والموسيقى وغيرها من المحرمات, فلو أنهم استغلوا هذه الأوقات في بعض الألعاب النافعة, أن يكون عندهم مسبح مثلاً يتعلمون فيه السباحة أو يتعلمون الرماية بالبنادق الصغيرة, أو يتسابقون أو يستغلوا هذا الوقت في قراءة ما تيسر من كتب العلم النافعة, أو القصص الهادفة(15/31)
للخير, أو أهم من ذلك كله أن يقرءوا القرآن وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
* * *
932/ سئل فضيلة الشيخ: هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان, أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعدها بغير الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول ((حي على الصلاة)) ,والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها.
أما التنفل بعد الصلاة بغير الراتبة فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجازة أو الوظيفة, وأما الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين. والله الموفق.
* * *
933/ سئل فضيلة الشيخ: عن الأعذار التي تبيح للرجل ترك الجماعة؟ وماذا تفيد كلمة ((لا)) في قوله صلي الله عليه وسلم ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) (1) ؟ وما المراد بسماع النداء؟
فأجاب فضيلته بقوله:
أولاً: هذا الحديث ضعيف فلا حجة فيه, ولكن هناك حديث آخر ثابت وحجة وهو ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من(15/32)
عذر)) (2) .
والنفي في قوله ((لا صلاة)) ليس المراد به نفي الصحة, وإنما المراد به نفي الكمال, فلا تكمل صلاة من سمع النداء إلا في المسجد, لكن هذا الكمال كمال واجب ,وليس كمالاً مستحباً, فإن الحضور إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة واجب الرجال, ولا يجوز لهم التخلف عنها, قال ابن مسعود - رضي الله عنه- ((لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, أو مريض)) (1) .فيجب على كل من سمع النداء من الرجال أن يحضر إلى المسجد, ويصلي مع جماعة المسلمين إلا أن يكون هناك عذر شرعي, ومن الأعذار الشرعية ما ذكره النبي صلي الله عليه وسلم في قوله ((لا صلاة بحضرة طعام, ولا وهو يدافعه الأخبثان)) (2) ,فإذا كان الإنسان قد حضر إليه الطعام وهو في حاجة إليه ونفسه متعلقة به, فإن له أن يجلس ويأكل, ويعذر بترك الجماعة وإلا فهو معذور, وكذلك من كان الأخبثان البول أو الغائط يدافعانه ويلحان على الخروج فإنه في هذه الحال يقضي حاجته, ثم يتوضأ ولو خرج الناس من المسجد؛ لأنه معذور, ومن العذر أيضاً أن يكون هناك مطر ووحل فإن في ذلك مشقة في حضور المساجد فللإنسان أن يصلي في بيته, وإلا فالأصل وجوب حضور صلاة الجماعة على كل الرجال في المسجد.
والمراد بسماع الأذان هو بالنسبة للأذان المعتاد الذي ليس(15/33)
فيه مكبر صوت وحتى بالنسبة للأذان المعتاد الذي لا يكون المؤذن فيه خفي الصوت لأنه قد يكون المؤذن ضعيف الصوت وبيتك قريب من المسجد لو أذن غيره لسمعته فالعبرة بذلك القرب المعتاد الذي يسمع فيه النداء في العادة.
* * *
934/ سئل فضيلة الشيخ: ما حكم تخلف الحارس للأسواق عن صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: من كانت هذه حاله وكان مسؤولا عن حراسة الأسواق والأحياء فإنه معذور بترك الجماعة, وقد نص على ذلك أهل العلم - رحمهم الله - فذكروا في أعذار الجماعة من كان موكلاً بحراسه مال, أو بستان, أو نحو ذلك, وحراسة الأحياء عن الشر والفساد حاجة الناس إليها أعظم من حاجة صاحب البستان إلى حراسة بستانه, وعلى هذا فيكون هذا الرجل الموكل بحراسة الأحياء معذور بترك الجماعة, ولكن يجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها, ولا يحل له تأخيرها عن الوقت, وعليه فتجب مراعاة التناوب بين الحراس ليتمكن كل منهم من أداء الصلاة في الوقت.
* * *(15/34)
رسالة
صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإن بعض أعضاء الهيئة يتحرجون من بقائهم إلى ما بعد خروج بعض المساجد من الصلاة, وتعلم يا فضيلة الشيخ أننا نضطر في بعض الأحيان على التأخر, ونرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائنا في هذا الموضوع؟ علماً أنه لا يخرج وقت الصلاة, وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. . . . وبعد:
ليس عليكم حرج إذا بقيتم في توجيه الناس إلى الصلاة, ولو تأخرتم عن الصلاة في المساجد؛لأن هذه المصلحة عامة وتوجيه للخير, فإن أدركتم آخر المساجد فصليتم فيه فذاك, وإلا فأنتم تصلون جماعة, وفق الله الجميع لما فيه رضاه. كتبه محمد الصالح العثيمين في 9/7/1410هـ.
* * *(15/35)
935/ سئل فضيلة الشيخ: نحن بعيدون عن المسجد, فهل يجوز لنا الصلاة في العمارة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على هؤلاء أن يصلوا في المساجد, بل كل إنسان حوله مسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد, ولا يجوز لأحد أو جماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم, لقول النبي صلي الله عليه وسلم: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
فقال: ((إلى قوم)) مع أن هؤلاء القوم يكونون قد صلوا في أماكنهم, فيجب على هؤلاء أن يصلوا مع الجماعة, إلا إذا كانوا لا يسمعون النداء.
* * *
936 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل أراد الذهاب إلى الصلاة في مسجد له فيه موعد مع أناس فانطلق من بيته متأخراً قليلاً وفي طريقه إلى المسجد سمع إقامة مسجد آخر, فهل يلزمه الصلاة في هذا المسجد أو يواصل السير إلى المسجد الأول مع علمه بأنه سوف يفوته شيء من الصلاة فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان سيره إلى المسجد الذي أراده لا تفوت به الجماعة أي أنه يدرك ما تدرك به الجماعة وهو ركعة, وكان صلاته في المسجد الذي سمع إقامته يفوت مقصوده فلا حرج عليه أن يستمر إلى المسجد الأول الذي أراده, أما إذا كان يخشى أن لا يدرك جماعة في المسجد الذي أراده, أو كان ذهابه إلى المسجد الثاني لا يفوت مقصودة فإن الواجب عليه أن يذهب إلى المسجد الثاني الذي سمع إقامته.(15/36)
937 سئل فضيلة الشيخ: نحن مجموعة من الشباب عددنا تسعة في استراحة لنا طلعة شبه ليلية ولا نشاهد الدش, وكلامنا فيها طيب – إن شاء الله - فهل يلزم الذهاب للمسجد, علماً أن أقرب مسجد مزرعة يبعد عنا حوالي (800) إلى (1000م) ,ولو أذن دون المكبر لما سمعناه, ويحصل منا في بعض الليالي أن يكون هناك مباريات ونضطر إلى تأخير صلاة العشاء نصف ساعة ونصليها جماعة فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المسافة بينكم وبين المسجد إلى هذا البعد, ولو قدر أنه أذن بغير مكبر الصوت لم تسمعوه؛ فإنه لا يلزمكم الذهاب إلى المسجد, ولكم أن تصلوا في المكان الذي أنتم فيه؛ لكن لا شك أن الأفضل أن تذهبوا إلى المسجد مع إخوانكم في بيوت الله عز وجل.
أما تأخيركم الصلاة من أجل مشاهدة المباراة: فإني والله أنصحكم نصيحة أخ مشفق, ألا تذهبوا أوقاتكم الثمينة في مشاهدة المباراة لأني لا أعلم لكم خيراً في ذلك, لا في الدنيا, ولا في الآخرة, وإنما هي إضاعة أوقات, ثم إن كثيراً من المباريات, حسب ما نسمع عنها يكون فيها إبداء عورة, فتجد السراويل إلى نصف الفخذ, أو ما أشبه ذلك وهم شباب, والشباب لاشك أنهم فتنة إذا كشف عن فخذيه ثم إن هذه المباريات قد ينجح فيها من يعظمه الناس المشاهدون تعظيماً ليس أهلاً له؛ من جهات أخرى, فأرجو أن يكون اجتماعكم في هذه الحال على دراسة شيء نافع؛ مثل رياض الصالحين, أو غيره من الكتب التي فيها مصلحة تصلح القلوب والأعمال, وكما تعلمون أن ساعات العمر محدودة, وإن الإنسان لا يدري متى تنتهي هذه الساعات فاغتنموا الفرصة بارك الله فيكم.(15/37)
رسالة
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين أمد الله في عمره على طاعته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لا يخفى على فضيلتكم أهمية عمل أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يحتاج ذلك من الوقت والمتابعة بحيث يتطلب الأمر في بعض الأحيان تأخيرهم للصلاة إلى حين خروج المساجد وتفويتهم للصلاة مع الجماعة ولكثرة كلام الناس في ذلك, نأمل من فضيلتكم تبيان ذلك بفتوى خطية, فلكم من الله الأجر والمثوبة إن شاء الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لاحرج على الأعضاء إذا بقوا يوجهون الناس للصلاة ويأمرونهم بها ولو تأخروا عن الجماعة في المساجد؛ لأن عملهم هذا مصلحة عامة ودعوة للخير, فإن أدركوا آخر المساجد فصلوا معهم فذاك, وإلا صلوا وحدهم جماعة في أي مسجد.
ولا عبرة باتهام من اتهمهم بعدم المحافظة على الجماعة؛(15/38)
لأن الأعضاء محل ثقة وعملهم هذا في مصلحة المسلمين, ولقد هم النبي صلي الله عليه وسلم أن يأمر بالصلاة فتقام, ثم ينطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة, ومعه رجال معهم حزم من حطب فيحرق على المتخلفين بيوتهم بالنار (1) , ومعلوم أن هؤلاء الرجال لن يحضروا الصلاة التي أقيمت لأنهم مشتغلون بمصلحة تأديب المتخلفين, فمن اتهم الأعضاء بما ذكر فليبين له الحكم في ذلك, الله الموفق
كتبه محمد الصالح العثيمين في 2/11/1410 هـ(15/39)
938 سئل فضيلة الشيخ: من الملاحظ في أكثر المساجد تخلف كثير من المصلين عن صلاة الفجر, وحيث إن هؤلاء قد عرضوا أنسفهم لعذاب الله وغضبه, ويخشى عليهم من الزيغ وانتكاس القلوب بعد الهدى أعاذنا الله من ذلك, ونظراً لعظم هذه البلية واستفحالها بين المسلمين نرجو منكم توجيه نصيحة إلى هؤلاء المتخلفين وبيان الأحاديث التي تبين خطر هذا الذنب, مع توجيه نصيحة إلى الجيران وأئمة المساجد الذين لا ينصحون هؤلاء المتخلفين عن صلاة الفجر متغافلين عن قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25) وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن صلاة الجماعة فريضة, وأنه لا يجوز للقادر أن يتخلف عنها, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ((لقد هممت أن آمر الناس بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) (1) وهذا لاشك أنه تهديد.
وثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء, وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) (2) .(15/40)
فعلى المسلمين أن يتقوا الله عز وجل, وأن يحرصوا على أداء الصلوات جماعة في المساجد, صلاة الفجر, وصلاة العصر, وغيرها من الصلوات.
وعلى أهل الحي والجيران أن ينصح بعضهم بعضاً؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة, لدين النصيحة, الدين النصيحة)) ,قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله, ولكتابه, ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (1) .
ولأن المؤمن أخو المؤمن, ومرآة أخيه, فالواجب عليه أن يناصحه, وأن يناصره على نفسه الأمارة بالسوء, وعلى الإمام إذا تمكن أن ينصح الجماعة أحياناً كما ((كان النبي صلي الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة)) (2) فمن استقام وأدى الصلاة مع الجماعة بمناصحة إخوانه له وبموعظة الإمام فهذا هو المطلوب, ومن لم يفعل فهناك جهة مسؤولة يمكن رفع الأمر إليها.
* * *
939 سئل فضيلة الشيخ: عن اختلاف الروايات في فضل صلاة الجماعة جاءت بسبع وعشرين درجة وبخمس وعشرين درجة كيف يكون الجمع بينهما؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجمع بينهما سهل جداً إذا قلت لك:(15/41)
إذا أحضرت الشيء الفلاني أعطيتك خمساً وعشرين درهماً, ثم قلت إذا أحضرت الشيء الفلاني نفسه أعطيتك سبعاً وعشرين درهماً هل في هذا تناقض؟ فليس في ذلك تناقض. بأي شيء نأخذ بالناقص أم بالزائد؟
الجواب بالزائد
إذن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بين أن التفاضل بخمس وعشرين درجة ثم بين ثانياً أن التفاضل بسبع وعشرين يعني زاد الناس خيراً وليس هناك تناقض. فنأخذ بالزائد الذي هو بسبع وعشرين درجة.
* * *(15/42)
فصل
في شرح أحاديث من كتاب (عمدة الأحكام)
باب صلاة الجماعة ووجوبها (1)
بسم الله الرحمن الرحيم, إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه, وعلى آله, وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عن ابن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (2) .
قال المؤلف - رحمه الله -: ((باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها)) ,قد يقول قائل: هذه الترجمة متناقضة, كيف يقول باب فضل, ثم يقول ووجوب؟ والمعروف أن الفضل للاستحباب مناف للوجوب.
فيقال: إن المؤلف أراد بفضل أي بثواب الجماعة والثواب لا(15/43)
ينافي الوجوب, وأما قوله: ((ووجوبها)) فيريد به أنها واجبة. واجبة على الرجال لا على النساء.
والواجب هو إذا تركه الإنسان أستحق العقوبة, وإذا فعله استحق المثوبة.
وهنا سؤال أيهما أفضل الواجب أو التطوع؟
والجواب: والواجب أفضل, بالدليل والتعليل:
أما الدليل: فما جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: ((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى ممن افترضته عليه)) (3) إذن الواجب أحب إلى الله من التطوع.
وأما التعليل: فإنه لولا أهمية ما أوجبه الله, وإيجاب الله له دليل على أهميته؛ لأن الإيجاب تكليف وإلزام فلولا أنه مهم ما كلف العباد به ولا ألزموا به.
ثم ذكر في فضل صلاة الجماعة حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (1) .
((أفضل)) يعني أكثر ثواباً من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة فتكون الواحدة عن سبع وعشرين, وإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها يكون ثواب صلاة الجماعة مائتين وسبعين حسنة, ولو صليت وحدك لكانت عشر حسنات فقط, فالربح عظيم جداً, ونحن نشاهد أن الناس في الدنيا لو قيل لهم: إنك إذا حملت بضاعتك لمسيرة(15/44)
شهر ربحت العشرة عشرين فسوف يسافر ولو بعد السفر, بينما هنا تربح الواحدة سبعاً وعشرين ومع هذا نجد التكاسل العظيم عن صلاة الجماعة.
والربح الذي في الآخرة غير الربح الذي في الدنيا, قال النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في المسند عن المستورد بن شداد قال: ((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها)) (1) . سبحان الله موضع السوط حوالي متر خير من الدنيا وما فيها, وليس المراد الدنيا التي أنت فيها الآن ولكن الدنيا من أولها إلى آخرها,
ولهذا قال الله تعالى في القران الكريم: (بلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى, الآيتان:16, 17) .
فأرباح الدنيا عرضه للزوال وعرضه للفناء, أما أرباح الآخرة باقية, فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
فإذا قال قائل: لماذا خص بسبع وعشرين درجة؟
فالجواب: العلم عند الله, تخصيص الشيء بعدد أمر توقيفي في غالب المسائل.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: تفاضل الأعمال.
ثانياً: تفاضل العمال يعني أن الناس بعضهم أفضل من بعض, ووجه ذلك أنه إذا كانت الأعمال تتفاضل, فإن القائمين بالأعمال يتفاضلون بحسب تفاضل الأعمال.(15/45)
وهذا موجود في القرآن:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد: من الآية10)
لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم) (النساء: من الآية95) .
ثالثاً: يؤخذ من هذا الحديث تفاضل الإيمان, وأنه يزيد وينقص, وجه ذلك أن الأعمال من الإيمان فإذا تفاضلت الأعمال لزم أن يتفاضل الإيمان.
إذن نأخذ من هذا دليلاً على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص.
هل الإيمان الذي يزيد وينقص هو أعمال الجوارح أو حتى يقين القلب؟
الجواب: حتى يقين القلب يتفاضل, والدليل قول الله تبارك وتعالى: (َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: من الآية260)
ولما بشر الله ذكريا بالود آمن بذلك ولكن قال: (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ليطمئن قلبه.
وقال النبي صلي الله عليه وسلم ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين – ويخاطب النساء – أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) (1) .(15/46)
فقال: ((ناقصات عقل ودين)) إذن الدين وهذا نص صريح. وفي القرآن ما يدل على نقص الإيمان؛ لأنه إذا كان يزداد فالزيادة في مقابل النقصان.
نأخذ من هذا القاعدة (كل نص يدل على زيادة الإيمان فإنه يدل على نقص الإيمان, وكل نص يدل على نقص الإيمان, فإنه يدل على زيادة الإيمان) وإذ إن النقصان والزيادة متقابلان, إذا فقد أحداهما ثبت الآخر.
فالإيمان يزيد وينقص وهذا أهل السنة والجماعة.
أما الخوارج والمعتزلة والمرجئة فإنهم لا يقرون بزيادة الإيمان ونقصه ولكنهما طرفا نقيض.
ولنضرب لهذا مثلاً: رجل زنى, والزنا فاحشة فهو عند الخوارج كافر, وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر فهو في منزلة بين المنزلتين, وعند المرجئة مؤمن كامل الإيمان, عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان, أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته, فباعتبار العمل يكون فاسقاً وباعتبار ما في القلب من الإيمان يكون مؤمناً.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة- رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً, وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة, لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة, فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه, اللهم صل عليه, اللهم(15/47)
اغفر له, اللهم ارحمه, ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) (1) .
هذا الحديث ساقه المؤلف من أجل قوله ((تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) .
وقد سبق لنا الجمع بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمر الدال على أنها أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين والجمع أن السبع والعشرين زيادة فيأخذها.
أما حديث أبي هريرة فقد أخبر النبي أن صلاة الرجل في الجماعة تضعف أي تزاد على صلاته في بيته وفي سوقه.
((في بيته)) إن صلى في السوق ((خمساً وعشرين ضعفاً)) ضعف الشيء مثله مكرراً, فإذا قلت الاثنان ضعف الواحد, فضعف الاثنين أربعة, وهكذا أي أنها تكرر خمساً وعشرين مرة. ولكن نأخذ بالزيادة كما سبق, ثم شرح السبب فقال: ((وذلك)) المشار إليه التضعيفه أي سببه: ((أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء)) .
وإحسان الوضوء يكون بالإتيان به على مقتضى الشريعة.
((ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)) .خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ هذه نية يعني أنه خرج مخلصاً لله, لم يخرج للدنيا ولكن لم يخرج إلا للصلاة والعبادة لله عز وجل.
((لم يخط خطوة إلا رفع الله بها درجة, وحط عنه بها(15/48)
خطيئة)) .- اللهم لك الحمد – لم يخط خطوة واحدة إلا حصل له بها فائدتان هما:
*رفع الله له بها درجة.
*حط عنه بها خطيئة.
((فإذا صلى)) يعني إذا دخل المسجد وصلى, لأن هذه الخطى لا تزال تكتب له حتى يدخل المسجد, فإذا دخل المسجد, وصلى, وبقي ينتظر الصلاة فإن الملائكة تصلي عليه مادم في مصلاه.
والملائكة عالم غيبي, لا نراهم إلا إذا أراد الله عز وجل فإنهم يرون, لكن الأصل فيهم الغيب, فهم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور, لم يخلقوا من تراب, ولا من نار, بل من نور, وأقدرهم الله عز وجل على أعمالهم, لا يسأمون, ولا يملون, ولا يعجزون أبداً قال الله تعالى: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: من الآية6) ,قال هذا في الملائكة النار وكذلك بقية الملائكة (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (فصلت:38) هؤلاء الملائكة خلقهم الله عز وجل من نور للقيام بطاعته ولهم وظائف وأعمال مخصوصة, وأعمال عامة.
الأعمال العامة أن كلهم قائمون بأمر الله, وعبادة الله.
ولهذا نحن نحب الملائكة لله؛ لأنهم مسلمون لله, مطيعون له. ومن وظائف الخاصة: ما جاء في هذا الحديث أن الله وكل(15/49)
ملائكته إذا دخل الرجل المسجد وأحسن الوضوء وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ماذا تقول؟
تقول: ((اللهم صلى عليه, اللهم اغفر له, اللهم ارحمه)) .
((اللهم صل عليه)) :أي أثن عليه في الملأ الأعلى, والثناء في الملأ الأعلى في الملائكة هذا معنى اللهم صل عليه, ونحن نقول في صلاتنا: اللهم صل على محمد, يعني أثن عليه في الملأ الأعلى.
((اللهم اغفر له)) اغفر له الذنوب يعني ستر الذنب والتجاوز عنه.
((اللهم ارحمه)) الرحمة بها حصول المطلوب, وتمام الإنعام. فهؤلاء الملائكة يدعون للإنسان بهذه الدعوات الثلاث:
((اللهم صل عليه, اللهم اغفر له, اللهم ارحمه)) فالذي لا يحضر الجماعة يحرم هذا الأجر العظيم, ولا يزداد إلا كسلاً عن الخيرات - نسأل الله العافية -.
((لا يزال في صلاة)) أي في حكم الصلاة ثواباً؛ لأننا لو قلنا أنه في حكم الصلاة عملاً لقلنا لا تتكلم, ولا تنصرف عن القبلة, ولا بد فيها من ترك الكلام, والمبطلات؛ لكن المراد لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة أي في حكم الصلاة ثواباً
يعني كأنه يصلي حتى يحضر الإمام.
يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: استحباب إحسان الوضوء.
ثانياً: بيان موقع الإخلاص, وأن لإخلاص تأثيراً في الجزاء وذلك يؤخذ من قوله ((لا يخرجه إلا الصلاة)) .(15/50)
ثالثاً: لا يستحب تقصير الخطى لأن قوله ((يخطو خطوة)) يحمل على الخطوة المعهودة المعروفة, ولم يقل الرسول فقصروا خطواتكم. فلو قال هكذا انفصل الأمر وصار فصلاً بينا لكن قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا)) (1) امشوا المشي العادي.
رابعاً: يستفاد من هذا الحديث أن الملائكة تتكلم ويستدل ذلك من قوله: ((اللهم صل عليه, اللهم اغفر له, اللهم ارحمه)) .
وكأني بواحد من المتنطعين يقول أي لغة تتكلم الملائكة؟
بالعربية؟ بالعبرية؟ بالسريانية؟
وهذا كقول بعض الناس لما سمع حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن الله تعالى يجعل الأرضين على إصبع والشجر على إصبع (2) وما أشبه ذلك. وتقدم بسؤال وقال: كم أصابع الله؟ أعوذ بالله ما هذا السؤال؟(15/51)
هل أنت أحرص من الصحابة على معرفة صفات الله؟
الجواب: لا. هل الصحابة لما حدثهم الرسول بهذا الحديث أو أقر اليهودي عليه هل قالوا كم أصابع الرحمن؟ أبداً.
ولهذا أنا أحذر طلبة العلم من التنطع فيما يتعلق بأمور الغيب, أمور الشهادة لا بأس أن للإنسان يبحث, أما أمور الغيب فليأخذ بظاهر ما ورد, وليدع ما سوى ذلك؛ لأنه إذا أخذ بالتنطع في أمور الغيب سواء فيما يتعلق بصفات الله, أو بصفات, الملائكة, أو بأحوال اليوم الآخر إذا أخذ بالتنطع فيها فإنه ربما يهلك فيقع في الشك, أو في الردة والعياذ بالله.
إذن علينا في مثل هذه الأمور أن نترك التنطع وأن نأخذ بظواهر الأدلة. كان الإمام مالك – رحمه الله – عند أصحابه في المسجد فقال رجل: يا أبا عبد الله) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) من شدة وقع هذا السؤال في قلبه, ثم رفع رأسه وقال له: ((الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة)) . ثم قال: ((وما أراك إلا مبتدعاً)) . ثم أمر به فأخرج.
أنكر مالك سؤال الرجل عن الكيفية. وقول مالك: ((ما أراك إلا مبتدعاً)) يحتمل معنيين:
أحدهما: أن السؤال ديدن أهل البدع فهم الذين يسألون(15/52)
عن كيفية الصفات, من أجل أن يحرجوا المثبتين للصفات.
الثاني: أنك بسؤالك صرت من أهل البدع؛ لأن الصحابة لم يسألوا عن كيفية الاستواء, وشيء لم يسأل عنه الصحابة يعتبر بدعة في الدين.
الحديث الثالث:
عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء, وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
في هذا الحديث يخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن اتصاف المنافقين بأنهم يستثقلون الصلاة. يقول ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) وبقية الصلوات ثقيلة عليهم لكن هذه أثقل الصلوات, وإنما كانت أثقل لسببين:
السبب الأول: مشقة الذهاب إليهما.
السبب الثاني: خفاء الرياء فيهما.
لأن العشاء والفجر يؤديهما في ظلمة، ولا سيما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يرى المنافق إذا جاء يصلي، والمنافق إذا جاء يصلي إنما يرائي الناس، لأنه ليس عنده إرادة للآخرة، وإنما(15/53)
يريد الدنيا وأن يمدحه الناس على شيء لم يقم به.
((ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) .
((لو يعلمون)) الضمير يعود على المنافقين.
((ما فيهما)) أي في صلاتين العشاء والفجر.
((لأتوهما ولو حبواً)) يعني ولو حبواً على الركب.
ولكن ما مبهم في ((ما فيهما)) ؟ المبهم: الثواب والعقاب.
الثواب إن أتوا إليها. والعقاب إن تخلفوا عنهما.
((لأتوهما ولو حبواً)) رغبة لما فيهما من الثواب وخوفاً مما فيهما من عقاب.
ثم قال: ((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) . (هممت) : يعني أردت أن أفعل.
(أن آمر بالصلاة) : واحدة من الصلوات الخمس.
(فتقام) : يعني فتقام جماعة.
فهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة يدل على أهمية الجماعة وأنها واجبة، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يهم بأمر محرم، ولكن منعه منه مانع إما أن يكون ما فيها من النساء والذرية أو غير ذلك.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن المنافقين يصلون وذلك يؤخذ من قوله صلي الله عليه وسلم: (أثقل(15/54)
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر) . فهذا يدل على أنهم يصلون.
ثانيا: ان الصلاة على المنافقين ثقيلة.
ثالثا:يستفاد من هذا أن من ثقلت عليه الصلاة فإن فيه شعبة من النفاق؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم وصف المنافقين بأن الصلاة ثقيلة عليهم.
رابعاً: إن ثواب الصلاة أمر عظيم حتى لو أن الإنسان مشي على ركبه من أجل الهروب من العقاب، ومن أجل الحصول على الثواب لكان جديرا بذلك.
خامسا ً: وجوب صلاة الجماعة لقوله صلي الله عليه وسلم: (ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) .
فلقد هم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت من لا يشهدون الجماعة, ولا يهم بالعقوبة إلا ترك شيء واجب, لكن قال بعض العلماء: هذا لا يدل على الوجوب؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم هم ولم يفعل, وإنما يدل على الوجوب لو أن النبي صلي الله عليه وسلم حرق.
ويرد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بأمر محرم وهو الإحراق إلا في ترك شيء واجب، ولهذا كان القول الراجح أن صلاة الجماعة فرض عين على الرجال، وأن من أدلة وجوبها هذا الحديث.(15/55)
الحديث الرابع:
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) ,قال فقال بلابل بن عبد الله والله لنمنعهن, وفي لفظ مسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) (1) .
هذا الحديث يقول النبي صلي الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) .
((استأذنت أحدكم امرأته)) أي طلبت الإذن, وأحدكم يعني الواحد منكم وامرأته: يحتمل أن تكون الزوجة, ويحتمل أن تكون المرأة التي له عليها ولاية, مثل ابنته, أخته, أمه وما أشبه ذلك.
((إلى المسجد)) :يعني المسجد الذي يصلي فيه الجماعة.
((فلا يمنعها)) :أي لا يردها عنه بل يأذن لها.
((فقال بلال بن عبد الله)) :هو أحد أبناء عبد الله بن عمر.
((قال والله لنمنعهن)) أقسم على ضد ما النبي صلي الله عليه وسلم. الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: ((لا تمنعوا)) وبلابل يقول (والله لنمنعهن) وهذا الكلام ظاهر المضادة والمخالفة لكلام رسول الله عليه وآله وسلم.
ولكن قصد بلابل غير المتبادر من لفظه, فقصده أن يمنعهن لفساد الناس وكثرة الفتن.(15/56)
((فأقبل عليه عبد الله)) يعني عبد الله بن عمر.
((فسبه سباً شديداً ما سمعته سبه مثله قط)) لماذا؟ لأن ظاهر لفظ بلابل مخالفة أمر النبي صلي الله عليه وسلم ومعارضته.
الجواب: جاء بلفظين لأن الرواة يجوزون الرواية بالمعنى فيكون بعضهم نقله بهذا الوجه, وبعضهم نقله على هذا الوجه والمعنى واحد.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا باستئذان زوجها لقوله: ((إذا استأذنت)) ووجه الدلالة أن هذه الصيغة تدل على أن من عادتهم أن تستأذن المرأة من وليها أن تذهب إلى المسجد.
ثانياً: ليس للإنسان أن يمنع امرأة غيره فليس لي حق أن أمنع امرأة جارى أو امرأة قريبي إلا إذا كانت لي سلطة وولاية عليها.
ثالثاً: أن الرجل له أن يمنع زوجته من الخروج إلى المسجد لقوله: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) دل أن في المسجد ربما تسمع ذكراً أو موعظة فتستفيد, وأما غير المسجد فالغالب أنه لا فائدة منه. فيجوز للرجل(15/57)
أن يمنع زوجته من الخروج لغير المسجد. سؤال: هل للإنسان أن يمنع زوجته من الدراسة أو لا؟
الجواب: أن نقول إن كانت قد اشترطت عليه عند العقد أن تكمل الدراسة فإنه لا يجوز أن يمنعها لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وأما إذا لم تشترط عليه ذلك فله أن يمنع؛ لأن الظاهر أن المدارس حكمها حكم بقية الأمكنة بخلاف المساجد.
رابعاً: بيان حكم علة الحكم في تعبير النبي صلي الله عليه وسلم ((لا تمنعوا إماء الله, مساجد الله)) ووجه ذلك أنه إذا كانت النساء إماء لله والمساجد بيوتاً لله, فليس لأحد أن يتدخل بينهن وبين المساجد التي لله.
خامساً: قوله: ((مساجد الله)) ((إماء الله)) هذه إضافة فهل لله إماء, وهل لله مساجد؟
الجواب: الإضافة هنا من باب التكريم والعناية وإلا فمن المعلوم أن لله ملك السموات والأرض ولكن هذه الإضافة من باب التكريم والتشريف للمساجد.
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث لكن في الصحيحين قال: ((وبيوتهن خير لهن)) فيستفاد من هذا أن المرأة كلما كانت في بيتها فهو أفضل, حتى لو قالت أنا أريد أن أخرج إلى المسجد لأصلي مع الجماعة, قلنا لها إن صلاتك في بيتك أفضل وأحسن؛ لأنه كلما بعدت المرأة عن الاختلاط بالرجال كان ذلك أبعد عن الفتنة.(15/58)
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
* * *
940 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الخروج للنزهة قبل المغرب مع أنه يستلزم أن لا يصلي الإنسان مع الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس بالخروج قبل المغرب للنزهة إذا لم يقصد الهرب من صلاة الجماعة, ولكن يجب عليه إذا سمع الأذان أن يحضر إلى المسجد.
* * *
941 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الرجل بأهله في السفر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يصلي الرجل بأهله ومحارمه في السفر فقد كان النساء يحضرن الصلاة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم بأنس ,أمه , واليتيم (1) .(15/59)
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة وبركاته وبعد:
فلا يخفى على فضيلتكم وضع بعض الدوائر الحكومية, أو الشركات, أو المؤسسات الأهلية خاصة التي يوجد بها أكثر من مسجد أو مصلى بمبنى واحد ونحن في الحقيقة نعيش نفس هذه المشكلة حيث يوجد لدينا مصلى بمبنى الإدارة بالمركز يصلي فيه أفراد الإدارة وبعض المراجعين والزوار صلاة الظهر أثناء الدوام الرسمي في الظروف العادية, وبقية الأوقات الأخرى في الظروف الطارئة, وأثناء المرابطة والتي تستدعي التواجد بالمركز خلال الأربع وعشرين ساعة, علماً أنه يوجد مسجد خاص بالفرقة المستلمة على مدار الأربع وعشرين ساعة تقام فيه جميع الصلوات الخمس في اليوم والليلة وهو يستوعب العدد كامل نظراً لاتساع مساحته ونحن في حيرة من أمرنا هل تجوز صلاتنا بالمصلى الذي بمبنى الإرادة مع وجود المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس, كما أنني أنتهز هذه الفرصة للاستفسار عن موضوع آخر ألا وهو: الأذان في المساجد التي في الدوائر الحكومية سواء التي تقام فيها جميع الصلوات أو التي تقام فيها صلاة الظهر أثناء الدوام الرسمي للموظفين هل يجب الأذان في هذه المساجد مع سماع المؤذن من المساجد القريبة والمجاورة أو لا؟(15/60)
أفيدونا أفادكم الله, وجزاكم الله عنا وعن المسلمين عامة خير الجزاء, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الواجب عليكم أن تصلوا في المسجد المعد للصلاة فيه؛ لأنه تقام فيه الصلوات الخمس.
وأما الأذان فلا يجب عليكم إذا كنتم تسمعون أذان المساجد التي حولكم, لكن الأفضل أن تؤذنوا؛ لأن المسجد قائم فلا ينبغي أن يهمل الأذان فيه, ولأن آذانكم في مسجدكم أقرب إلى الانتباه للأفراد الذين عندكم. وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والسلام عليكم ورحمة وبركاته.28/12/1411هـ.(15/61)
942 سئل فضيلة الشيخ: من المعلوم أن صلاة الجماعة في حق النساء غير واجبة, ولكن عندما تصلي المرأة مع الجماعة في المسجد, أو في الحرمين سواء كان في رمضان أو في غيره, أوفي المصليات الخاصة بمدارس البنات فهل يكون لها فضل الجماعة كما هو الحال في حق الرجل؟ أرجو توضيح ذلك أحسن الله إليكم.
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة ليست من ذوات الجماعة, أي ليست مأمورة بحضور الجماعة, وإنما ذلك على سبيل الإباحة فقط, إلا في صلاة العيد فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر أن تخرج النساء إلى صلاة العيد, ولكن غير متبرجات بزينة.
وإذا كان الأمر كذلك فإن التضعيف الحاصل في صلاة الجماعة يختص بالرجال؛ لأنهم هم المدعون إليها على سبيل الوجوب, ولهذا كان لفظ الحديث: ((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه, خمساً وعشرين ضعفاً) (1) .
وعلى هذا فإن المرأة لا تنال هذا الأجر, بل إن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الجماعة للنساء منفرادت عن الرجال في المصليات التي في البيوت, أو التي في المدارس.
فمنهم من قال: إنه تسن لهن الجماعة.
ومنهم من قال: إنه تباح لهن الجماعة.
ومنهم من قال: إنه تكره لهن الجماعة.
* * *(15/62)
943 سئل فضيلة الشيخ: أناس لا يعرفون الصلاة مع الجماعة في المساجد إلا في شهر رمضان, وبقية الأشهر يصلون في المكتب, وقد أبلغناهم أنه لا يجوز هذا العمل. فلم يردوا علينا إلا بقولهم: إنكم أناس متشددون, ولا يعرفون الدين, وإن الدين يسر وليس عسراً, والأعمال بالنيات فهل من كلمة توجيهية حفظكم الله ورعاكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لابد أن ننظر لهؤلاء الذين يصلون في مكتبهم, هل عذر في ذلك أو لا, فإذا كان المسجد بعيداً عنهم والخروج إلى المسجد يشل حركة العمل, فإنهم في هذا معذرون ولهم أن يصلوا جماعة في مكاتبهم, ولكن يحسن أن يجتمع جميع من في المكتب على إمام واحد, وأما إذا لم يكن لهم عذر كأن كان العمل قليلاً, والمسجد قربياً منهم فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة لابد أن تكون في المساجد.
أما قولهم (إن الدين يسر)) ,فقد صدقوا بل قاله من قبلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولكن يسر الدين ليس تبعاً للهوى, بل هو تبع لما جاءت به الشريعة, والشريعة كلها يسر سهولة, فإذا كان المسجد قريباً والشغل خفيفاً قليلاً, فأي عسر في أن يخرج الإنسان من مكتبه على المسجد ويصلي فيه, أما إذا كان بعيداً والشغل كثيراً بحيث إذا خرج الإنسان صار الشغل مشلولاً بخروجه فهنا التيسير أن يصلوا في مكاتبهم جماعة كما ذكرنا آنفاً.
* * *(15/63)
944 سئل فضيلة الشيخ: شباب لديهم استراحة يجلسون بها وهم في الغالب يتعدون عشرة أشخاص والمسجد يبعد عنهم حوالي ثلاثمائة متر, هل تلزمهم صلاة الجماعة في الاستراحة مع الاعتراف بأفضيلة صلاة المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرى بعض العلماء أن الواجب إقامة الجماعة سواء في المسجد أو في غيره, ولكن الراجح أنه يجب أن تقام صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين ولو كانوا لا يسمعون الأذان لولا مكبر الصوت ففي هذه الحال لا يلزمهم الحضور فإنهم يصلون جماعة في مكانهم سواء صلوا قبل صلاة الإمام بعده.
* * *
945 سئل فضيلة الشيخ: ابني في الحادية عشرة من عمره, فهل أنا ملزمة بإيقاظه لأداء صلاة الصبح مع الجماعة أو أتركه حتى يصل إلى سن البلوغ, الخامسة عشرة. خصوصاً وأنني أجد صعوبة في إيقاظه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الظاهر أنه يجب أن توقظيه للصلاة مع الجماعة لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع(15/64)
واضربوهم عليها لعشر)) (1) فهي وإن وجدت صعوبة فإنها مأجورة على هذه التي تجدها.
* * *
946 سئل فضيلة الشيخ: يحضر بعض المصلين إلى المسجد ومعهم صبيانهم الذين لم يبلغوا سن التمييز وهم لا يحسنون الصلاة ويصفون مع المصلين في الصف وبعضهم يعبث ويزعج من حوله, فما حكم ذلك؟ وما توجيهكم لأولياء أمور أولئك الصبيان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أن إحضار الصبيان الذين يشوشون على المصلين لا يجوز؛ لأن في ذلك أذية للمسلمين الذين يؤدون فريضة من فرائض الله, وقد سمع النبي صلي الله عليه وسلم بعض أصحابه يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلي الله عليه وسلم ((لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن)) (2) .
وفي الحديث آخر قال صلي الله عليه وسلم (فلا يؤذين بعضكم بعضاً) (1) فكل ما فيه أذية للمصلين فإنه لا يحل للإنسان أن يفعله.
فنصيحتي لأولياء أمور هؤلاء الصبيان أن لا يحضروهم إلى المسجد وأن يسترشدوا بما أرشد إليه النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)) .(15/65)
كما أنني أيضاً أوجه النصيحة لأهل المسجد بأن تتسع صدورهم للصبيان الذين يشرع مجيئهم إلى المسجد, وأن لا يشقوا عليهم, أو يقيموهم من أماكنهم التي سبقوا إليها, فإن من سبق إلى شيء فهو أحق به, سواء كان صبياً, أو بالغاً, فأقامه الصبيان من أماكنهم في الصف فيه:
أولاً: إهدار لحقهم؛ لأن من سبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد من المسلمين فهو أحق به.
وثانياً: فيه تنفير لهم عن الحضور إلى المساجد.
وثالثاً: فيه أن الصبي يحمل حقداً أو كراهية على الذي أقامه من المكان الذي سبق إليه.
ورابعاً: أنه يؤدي إلى اجتماع الصبيان بعضهم إلى بعض فيحصل منهم من اللعب والتشويش على أهل المسجد ما لم يكن ليحصل إذا كان الصبيان بين الرجال البالغين.
وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الصبي يقام من مكانه حتى يكون الصبيان في آخر الصف, أو في آخر صف المسجد استدلالاً بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) (2) فإنه قول مرجوح معارض بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبقه إليه فهو أحق به)) (3) .
والاستدلال بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) لايتم؛ لأن معنى الحديث: حث أولي الأحلام والنهى(15/66)
على التقدم حتى يلوا النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم أقرب إلى الفقه من الصغار, وأتقن لوعي ما رأوه من النبي صلي الله عليه وسلم أو سمعوه, ولم يقل النبي صلي الله عليه وسلم لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى. ولو قال (لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى)) لكان القول بإقامة الصبيان من أماكنهم في الصفوف المتقدمة وجيهاً. لكن الصيغة التي جاء بها الحديث هي أمره لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يلوا رسول الله صلي الله عليه وسلم.
* * *
947 سئل فضيلة الشيخ: في هذا الزمان كثرت مكبرات الأصوات فنحن نسمع النداء للصلاة, ولكن من مساجد بعيدة جداً عن حينا. ويشق علينا الذهاب إليها, فهل ينطبق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي (هل تسمع النداء)) ؟ قال: نعم, قال ((فأجب)) (1)
وما حكم إذا كان المسجد في منطقة جبلية وعرة والصعود إلى هذه المنطقة صعب جداً, وإذا حاولنا الصعود لا نصل إلا إذا أقيمت الصلاة وفاتنا بعض الركعات هل يكفينا أن نصلي في المنزل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأصل أن المرأة لا تحضر الصلاة. ولكن الرجل يلزمه أن يحضر الجماعة إذا سمع النداء, ولكن النداء ليس الذي عبر مكبر الصوت؛ لأن مكبر الصوت لو أخذنا به لكان يسمع من بعيد كما قلت, إنما المراد أنه لو كان الأذان بغير مكبر(15/67)
الصوت لسمعه هؤلاء وحينئذ وجب عليهم الحضور, وكذلك إذا كان الطريق المسجد وعراً لا يتمكنون الوصول إلى المسجد إلا بمشقة شديدة, ولا يتمكنون من الوصول إلى المسجد إلا بعد أن تمت الجماعة الصلاة. فإنه لا يلزمهم بهذا الحال, ويصلون جماعة في مكانهم, لقول الله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) .
* * *
948 سئل فضيلة الشيخ: يبعد المسجد عن مقر العمل قرابة أربعمائة متر, فبعض الأخوان في العمل قالوا: نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛ لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه, فهل هذا العمل صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأصل الصلاة في المساجد, ولا بأس أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل, أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون, وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم, فالمهم إذا كان هناك مصلحة, أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج.
* * *
949 وسئل فضيلة الشيخ: قال الخطيب في خطبة الجمعة: إن الصلاة في جماعة المسجد تعادل سبعاً وعشرين صلاة, وهذا معروف, لكنه قال: إن الله لا يقبل صلاة الفرد خارج المسجد(15/68)
ويكون من المشركين والعياذ بالله. فهل هذا صحيح؟ مع ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة؟ وما حكم الصلاة في المنزل أو في أي مكان خارج المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الشق الأول من سؤالك تقول: إن الخطيب ذكر أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين صلاة, وهو كما قال.
الشق الثاني قوله: (إن من صلى فإنه لا صلاة له, ويكون مشركاً)) .
وقوله: (يكون مشركاً)) لا يصح هذا الكلام, اللهم إلا بالمعنى الأعم, أن كل من اتبع هواه بمخالفة أمر الله عز وجل فإنه يكون فيه نوع من الإشراك, لكنه ليس هو الشرك الذي يطلق عليه أنه شرك في القرآن, والسنة, وكلام أهل العلم.
وأما قوله: (بأنها لا تقبل صلاته)) فإن هذا قول لبعض أهل العلم, أن من صلى في بيته بدون عذر فإنه لا صلاة له؛ وهذا القول ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله – وهو رواية عن الإمام أحمد, اختارها ابن عقيل أحد أتباع الإمام أحمد – رحمه الله- وحجة هؤلاء من الأثر والنظر.
أما الأثر فهو ما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (1) .
وأما من النظر فقالوا: إن صلاة الجماعة واجبة, وإن من ترك(15/69)
واجباً في العبادة بدون عذر بطلت تلك العبادة بهذا الترك.
ولكن هذا القول مرجوح, والراجح أن المصلي في بيته تاركاً للواجب من غير عذر آثم وعاص, وإذا أستمر على ذلك صار فاسقاً تسقط ولايته وشهادته, كما ذهب إليه كثير من أهل العلم, ولكن صلاته تصح, ويدل لذلك حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة (2) ,في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ, فإن التفضيل لصلاة الجماعة يدل على أن في صلاة الفذ أجراً, ومادام فيها أجر فإنه يدل على صحتها, لأن ثبوت الأجر فرع عن الصحة, إذ لو تصح لم
يكن فيها أجر, لكنه بلا شك آثم عاص يعاقب على ذلك إلا أن يتوب إلى الله عز وجل, أو يعفو الله عنه.
وعلى كل حال فإن البيت بدون عذر أمر محرم, لا يحل للمسلم فعله, ولهذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه - (ما يتخلف عنها إلا منافق أو معذور)) (1) ,والمؤمن لا ينبغي له أن يتصف بعمل المنافقين, الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
وأما إذا أقامها جماعة في البيت فهذا محل خلاف بين أهل العلم أيضاً.
فمهنم من رخص له في ذلك, وقال: إن الجماعة قد حصلت, وهذا هو المقصود, ولكن هذا القول الضعيف.
والصواب أنه لابد أن يصلي الإنسان في المسجد, ولا يجوز له التخلف حتى ولو صلى جماعة في البيت, وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم(15/70)
قال (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) (2) . فقوله ((إلى قوم)) يشمل ما إذا صلوا في بيوتهم جماعة, أو كل واحد منهم منفرداً.
ثم إنه ثبت في صحيح مسلم أن ابن أم مكتوم قال: يا رسول الله: إنني رجل أعمى, وليس قائد يقودني إلى المسجد, فرخص له النبي صلي الله عليه وسلم, فلما ولى دعاه وقال له صلي الله عليه وسلم (أتسمع النداء)) ؟ قال: نعم, قال صلي الله عليه وسلم (فأجب)) (3) , فلو كان يجوز أن يقيم الجماعة قي بيته لأرشده النبي صلي الله عليه وسلم إلى ذلك, ولم يأمره بالحضور إلى المسجد, ثم إن الجماعة إذا أقيمت في البيت, فات بعض المقصود من مشروعيتها وإيجابها على المسلمين.
فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يحضر إلى بيوت الله عز وجل ويؤدي الصلاة مع جماعة المسلمين, وأن يخرج من بيته متطهراً, قاصداً المسجد فإنه إذا فعل ذلك لم يخرجه إلا للصلاة, لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة, وحط عنه بها خطيئة, فإذا دخل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه, تقول: اللهم صل عليه, اللهم اغفر له, اللهم ارحمه, ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة, كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة (1) , فلا(15/71)
ينبغي للمسلم أن يفرط في هذه المثوبة العظيمة, فإنه سوف يحتاج إليها في يوم لا يستطيع أن يحصل عليها, نسأل الله تعالى أن يعيننا وإخواننا المسلمين على ذكره, وشكره, وحسن, عبادته. والله الموفق.
* * *
50 سئل فضيلة الشيخ: عن الفرق بين المسجد والمصلى؟ وما هو ضابط المسجد؟ وماذا لو أذن جماعة من الناس للصلوات الخمس وأقاموا الصلاة وصلوا أيصبح هذا المكان مسجداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالمعنى العام فكل الأرض مسجد, لقوله صلي الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) (1) .
وأما بالمعنى الخاص فالمسجد ما أعد للصلاة فيه دائماً, وجعل خاصاً بها سواء بني بالحجارة والطين والأسمنت أم لم يبن, وأما المصلى فهو ما اتخذه الإنسان ليصلي فيه, ولكن لم يجعله موضعاً للصلاة دائماً, إنما يصلي فيه إذا صادف الصلاة ولا يكون هذا مسجداً, ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته النوافل, ولم يكن بيته مسجداً, وكذلك دعاه عتبان بن مالك إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى ولم يكن ذلك مسجداً (2) ,فالمصلى ما أعد للصلاة فيه دون أن يعين مسجداً عاماً يصلي فيه الناس ويعرف أنه قد خصص لهذا الشيء.
* * *(15/72)
951 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان في بيته مع الأذان والإقامة جميع الفروض هل يعد ذلك مسجداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يعد مسجداً.
* * *
952 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم من يتخلف عن صلاة الجماعة؟ وما حكم من يقول: إذا نصح (الصلاة بكيفي إن شئت صليت وإن لم شئت لم أصل) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: المتخلفون عن الجماعة عاصون لله ورسوله لقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء: من الآية102) .
ولقوله صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء, وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) ,وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى في الصف)) (2) , وهذا دليل(15/73)
على أن صلاة الجماعة من أجل الطاعات وأعظم القربات.
لكن العلماء اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:
1. فمنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة, أن من صلى في بيته بدون عذر شرعي فإن صلاته باطلة, وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن عقيل – رحمهما الله -.
2. ومنهم من قال: إنها فرض عين, وإن تركها يأثم.
3. ومنهم من قال: إنها فرض كفاية, فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين.
4. ومنهم من قال: إنها مؤكدة وفسروها بأن تاركها يأثم.
والصواب أن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز التخلف عنها, وأن المتخلف عنها آثم وعاص لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) (1) ولو كانت صلاة الفذ لا تصح ما كان فيها فضل, ولا يصح مع الجماعة يكتب له الأجر كاملاً إذا تخلف عن الجماعة لعذر.
وقول هذا الرجل الذي يدعوه صاحبه إلى الصلاة مع الجماعة يقول:بكيفي إن شئت صليت وإن شئت لم أصل) .(15/74)
إن أراد بهذا ترك الصلاة بالكلية فهو على خطر عظيم يخشى أن تكون كلمته هذا كفراً, لأنه كالمنكر لوجوب الصلاة, ومنكر وجوب الصلاة كافر.
وإن عني بذلك صلاة الجماعة فيجب أن يعلم أن صلاة الجماعة ليست بكيف الإنسان, بل هي واجبة يجب أداؤها على المسلم مع المسلمين, إلا أن يكون من أهل الأعذار.
* * *(15/75)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. .وبعد:
كتابكم الكريم وصلني, سررت بصحتكم, وحسن أحوالكم, نحن ولله الحمد بخير, نسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم من فضله, وأن يرزقنا شكر نعمته, وحسن عبادته.
سؤالكم عن حكم إقامة الجماعة في مبنى الكلية.
جوابه: وبالله التوفيق ومنه العصمة. هذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن الواجب إقامة الجماعة في أي مكان سواء في المساجد, أو البيوت, أو المدارس, أو مكان العمل, أو غير ذلك.
والثاني: أن الواجب إقامتها في المساجد خاصة.
والثالث: أن الواجب إقامتها في المساجد إن كانت قريبة وإلا فلا.
وهذه الأقوال عند القائلين بوجوب الجماعة.
وظاهر الأدلة يشهد للقول الثاني وهو أن الواجب إقامتها في المسجد إلا لعذر, كبعد يشق معه حضور الجماعة, وكإخلال في العمل كما يتعلل به من يقيمون الجماعة في محل أعمالهم بحجة أنهم لو خرجوا إلى المساجد لفات من العمل, أو تخلف بعض الموظفين فلم يرجعوا أو نحو ذلك مما يقال.(15/76)
ويدل على ذلك:
1. ما أخرجه البخاري ص131 جـ 2 فتح ط السلفية عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمساً وعشرين ضعفاً, وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)) وذكر تمام الحديث (1) ,فتأمل قولهصلي الله عليه وسلم (خرج إلى المسجد)) فدل على أن الجماعة هي جماعة المسجد, وأخرج ص141 من الجزء المذكور من حديثه أيضاًصلي الله عليه وسلم (ثم آخذ شعلاً من نار , فأحرق على من لا يخرُجُ إلى الصلاة بعدُ)) . فتأمل قوله (على من لا يخرج إلى الصلاة) .
2. ما أخرجه ص 156 من الجزء المذكور عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال: ألا صلوا في الحال , ثم قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: ألا صلوا في الرحال)) (2) .فخص الإذن الصلاة في الرحال, وعمومه ولو جماعة بما إذا كانت الليلة ذات برد ومطر فدل على وجوب حضور الجماعة في المسجد إذا لم يكن عذر. وحديث (إذا صليتما في رجالكما, ثم أتيتما مسجد جماعة(15/77)
فصليا معهم)) (3) لا يدل على جواز إقامة الجماعة في الرحل مطلقاً لجواز أن يقيمها في الرحل خوفاً من فوات جماعة المسجد أو غير ذلك, وعلى كل حال فهو في محل احتمال واشتباه فلا يعارض به المحكم.
3. ما رواه مسلم ص 490 – 491 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: (جمع النبي صلي الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)) (1) . وجه الدلالة منه أن الصلاة في غير وقتها لا تجوز والجمع بينها وبين الأخرى إخراج لها عن وقتها, ومن الممكن تلافيه إذا صلى الناس في بيوتهم جماعة أو فرادى, فلولا وجوب الحضور للمسجد لفعل الجماعة فيه ما جاز الجمع الذي يتضمن إخراج الصلاة عن وقتها.
4. ما رواه البخاري ص 519 جـ 1 فتح ط السلفية عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك قال: (يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي, فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم)) (2) وذكر الحديث. وجه الدلالة منه أنه لو لم يكن حضور المسجد واجباً لأمكنه أن يقيم الجماعة في بيته, لاسيما على قول من يقول بانعقاد الجماعة بالأنثى فيمكنه أن يقيمها بأهله في بيته.(15/78)
5. ما رواه البخاري ص 74 جـ 5 فتح ط السلفية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم أخالف إلى المنازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم)) , ولم يفرق النبي صلي الله عليه وسلم بين ما إذا صلوها قي منازلهم جماعة أو فرادى ... ورواه أبو داود ص 130 ج 1ط الحلبي وفيه (ثم آتي قوم يصلون في بيوتهم, ليست بهم علة فأحرقها عليهم)) . وظاهر كانوا يصلون جماعة.
6. ما رواه مسلم ص 452 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: أتى النبي صلي الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله, إني ليس لي قائد يقودني إلى المسجد, فسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له, فلما ولى دعاه فقال صلي الله عليه وسلم (هل تسمع النداء)) ؟ قال: نعم قال صلي الله عليه وسلم (فأجب)) (1) .ولو كانت الجماعة في البيت مجزئه لأرشده إليها لأنها أهون عليه وأسهل.
7. ما رواه مسلم ص 453 الكتاب المذكور عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى, وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه)) وفي رواية (ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم, وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور, ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله(15/79)
له بكل خطوة يخطوها حسنة, ويرفعه بها درجة, ويحط عنه بها سيئة, ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) (1)
وفي رواية أبي داود ص 130 جـ 1 ط الحلبي (وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم, وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلي الله عليه وسلم)) (2) .
فهذه الأدلة الأثرية تؤيدها الأدلة النظرية: فإن صلاة الجماعة لو لم تجب في المساجد لفاتت بها مصلحة هامة: من إظهار الشعائر واجتماع المسلمين, والتعارف بينهم, وهداية ضالهم, وتقويم معوجهم, وحصل بذلك مفاسد كبيرة: من تعطيل المساجد, وتفريق المسلمين, وفتورهم عن الصلاة, وغير ذلك لمن يتأمل.
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - في رسالة الصلاة ص 373 مجموعة الحديث ط السلفية: وأمروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها, وعاتبوهم إذا تخلفوا عنها, وأنكروا عليهم بأيديكم, فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم, واعلموا أنه لا يسعكم السكوت عنهم؛ لأن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية, ثم ذكر الحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: فلولا أن تخلفوا عن الصلاة في المسجد معصية كبيرة عظيمة ما تهددهم النبي صلي الله عليه وسلم بحرق منازلهم, ثم ذكر أثر عمر في المتخلفين وقوله: ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجافي رقابهم.ا. هـ.(15/80)
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في الأم ص 154 ج 1 ط دار المعرفة: فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر.ا. هـ.
وقال ابن قيم – رحمه الله – في كتاب الصلاة له ص 461 مجموعة الحديث ط السلفية: ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر, وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار, ثم ذكر خطبة عتاب بن أسيد في أهل مكة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه, ثم قال ابن قيم: فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر ا. هـ.كلامه.
وقال المجد في المحرر ص 91 _ 92 ج 1 ط السنة المحمدية: وفعلها في المسجد فرض كفاية, وعنه فرض عين, قال في النكت عليه: وزاد غير واحد على أنها فرض عين على القريب منه, وقطع به في الرعاية ودليل هذا واضح.ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 225 مج 23 مجموع ابن قاسم: والمقصود هنا أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات وأجل القربات.ا. هـ.
أما ابن حزم فإنه يرى أنها لا تجزئ صلاة فرض من رجل(15/81)
يسمع الأذان إلا في المسجد مع الإمام, فإن كان لا يسمع الأذان صلى جماعة في مكانه إن وجد أحداً, وإلا أجزأته الصلاة وحده, صرح بذلك في المحلى ص 188 ج 4 ط المنيرية.
هذا ما تيسرت كتابته على سؤالكم نرجو الله تعالى أن يكون فيه البيان والشفاء إنه جواد كريم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 21/1/1401هـ.
* * *
953 سئل فضيلة الشيخ: إذا فاتت الركعة الأولى أو الثانية مع الجماعة فهل يقرأ القاضي لصلاته سور مع الفاتحة باعتبارها قضاء لما فاته أو يقتصر على قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن ما يقضيه المأموم من الصلاة بعد سلام إمامه هو آخر صلاته, وعلى هذا فلا يقرأ فيه إلا الفاتحة إذا كان الفائت ركعتين, أو ركعة في الرباعية, أو ركعة في المغرب, أما الفجر فيقرأ الفاتحة وسورة؛ لأن كلتا الركعتين تقرأ فيهما الفاتحة وسورة.
* * *
954 سئل فضيلة الشيخ: ماحكم من يقيم جماعة ثانية في المسجد, علماً بأن الجماعة الأولى لم تنته من الصلاة؟ وهل تعتبر صلاتهم باطلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى إذا جئت والأمام في التشهد الأخير وأنت معك جماعة, أن لا تبدءوا بالصلاة حتى تتم الجماعة(15/82)
الأولى, لئلا يجتمع جماعتان في آن واحد, ولكن إذا فعلوا ذلك وكانوا بعيدين من الجماعة الأولى, لا يشوشون عليهم فلا بأس بهذا.
وننتقل من هذه المسألة إلى المسألة أخرى وهي: ما إذا جئنا إلى المسجد ونحن لم نصل صلاة العشاء الآخرة, ووجدنا هم يصلون صلاة التراويح, فإننا ندخل معهم في صلاة التراويح بنية العشاء, ثم إن كنا مسافرين, فإننا نسلم مع الإمام إذا كنا قد صلينا الركعتين, وإن كنا مقيمين أتينا بما بقي من صلاة العشاء, ولا نقيم جماعة أخرى لصلاة العشاء, لأنه لا ينبغي أن يكون جماعتان في مسجد واحد, فأن هذا عنوان التفرق, حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سلم ذات يوم ووجد رجلين معتزلين لم يصليا في رحالنا. قال (ما منعكما أن تصليا)) ؟ قالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا. قال (لا تفعلا, إذا صليتما في رحالكم, ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم)) فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يصليا مع الناس وإن كانا قد صليا في رحالهما, لئلا يحصل التفرق, وقال (إنها لكما نافلة) (1) .
* * *
955 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تكرر الجماعة في المسجد واحد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إقامة جماعة ثانية في مسجد واحد على ثلاثة أقسام:(15/83)
الأول: أن يكون المسجد مسجد طريق كالذي يكون على خطوط المسافرين فلا إشكال في إقامة جماعة ثانية إذا فاتت الأولى, لأنه ليس له إمام راتب بل من جاء صلى.
القسم الثاني: أن تكون إقامة الجماعتين راتبة بحيث يجعل للمسجد إمامان أحدهما يصلي أول الوقت, والثاني آخره, فهذا بدعة لا إشكال فيه, لأنه لم يرد عن السلف, وفيه تفريق الناس, وإدخال الكسل عليهم.
القسم الثالث: أن تكون إقامة الجماعتين عارضة بحيث يأتي جماعة بعد انتهاء الجماعة الأولى فإقامة الجماعة الثانية هنا أفضل من الصلاة فرادى لقول النبي صلي الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ,وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)) (1) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (من يتصدق على هذا فيصلي معه)) (2) ؟ يريد رجلاً دخل وقد فاتته الصلاة, فقام أحد القوم فصلى معه, فهنا أقيمت الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى, ولو كانت غير مشروعة ما ندب النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
ولا يصح القول بأن المبرر لها أن صلاة الثاني نفل؛ لأن المقصود الذي هو محل الاستدلال إقامة الجماعة الثانية وقد حصل, ولأنه إذا ندب إلى إقامة أولى, ثم إنه هل يمكن لو كان مع الرجل(15/84)
الداخل الرجل آخر فأقاما الجماعة أن يمنعهما النبي صلى الله عليه وسلم من إقامتها مع أنه صلى الله عليه وسلم ندب من كان قد صلى أن يقوم مع الداخل ليقيما الجماعة؟!
وبهذا يتبين أنه لا وجه لإنكار إقامة الجماعة الثانية في هذا القسم وهو – أعني إقامتها – هو الذي درج عليه علماؤنا لوضوح الدليل فيه, والله أعلم. حرر 8/10/1417هـ.
* * *
956 سئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يقول في إقامة الجماعة الثانية وفي الحديث ((ألا رجل يتصدق على هذا)) (1) إن هذا الحديث فيه متصدق عليه, واللذان تأخر عن الصلاة فأقاما جماعة ثانية؛ لأن الأصل في العبادة المنع؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: من قال إن الأصل في إقامة الجماعة الثانية المنع نطالبه بالدليل. فهل جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول: لا تعيدوا الجماعة؟ ثم إذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر واحداً يقوم ليصلي مع هذا المتخلف مع أنه أدى الواجب الذي عليه, فكيف إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة, فالاثنان مطالبان بالجماعة, فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا, فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة لاتصل جماعة؟! هذا قياس منقلب. وأما تسميتها صدقة فنعم, لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب(15/85)
الذي عليه, فصلاته الثانية تكون صدقة, ولو كانت إقامة الجماعة الثانية ممنوعة ما أجاز النبي صلي الله عليه وسلم الصدقة فيها, لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم لا تجوز, فلا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم.
فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل بل أقول: إنه تعليل ميت لا روح إطلاقاً, لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة, فانصرف وصلى في بيته, لكن ليس في فعل ابن مسعود – رضي الله عنه – حجة مع وجود السنة, هذه واحدة.
ثانياً: روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. ذكره صاحب الفتح الرباني. وقال: إسناده صحيح.
ثالثاً: هل ابن مسعود – رضي الله عنه – رجع إلى بيته وصلى لأن الصلاة الثانية لا تقام في المسجد؟ أو لسبب آخر؟ لا ندري.
ربما ابن مسعود – رضي الله عنه – خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيغتدي به الناس, ويتهاونون بشأن الجماعة ويقولون هذا ابن مسعود – رضي الله عنه – تفوته الجماعة فنحن من باب أولى. وربما كان ابن مسعود – هـ – انصرف إلى بيته خشية أن يقع في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛ لأنه يكره إمامتي مثلاً, فيقع في قلبه شي.
فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود(15/86)
رضي الله عنه – إقامة الجماعة الثانية, وإذا كنا لاندري ما السبب دخل مسألة الاحتمال, والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.
ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر فيه بإقامة الجماعة الثانية لفوات الأولى, وقال أيضاً (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده)) (1) .وهذا عام, ولهذا أود من طلبة العلم أن لا يأخذوا العلم من رجل واحد, فيعتقدوا أنه معصوم من الخطأ, لو كان أحد معصوماً لكان أول من يعصم الصحابة – رضي الله عنهم – وهم يقع منهم الخطأ.
وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية من السنة إذا لم يكن ذلك عادة, وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة, كما كان في السابق يصلي في المسجد الحرام أربعة أئمة؛ إمام للحنابلة, إمام للشافعية, إمام للمالكية, إمام للحنفية, لكن لما استولى الملك عبد العزيز – رحمه الله – على مكة ألغى هذا وقال: لايمكن أن يكون في المسجد واحد أربعة أئمة, لأربع جماعات, فثبت إماماً واحداً وهذا هو عين الصواب فرحمه الله.
957 سئل فضيلة الشيخ: هل تشرع الجماعة الفوائت؟ وهل يجهر الإمام في الفائتة؟(15/87)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الجماعة مشروعة في الفوائت يعني لو أن قوماً فاتتهم الصلاة فإنهم يصلونها جماعة, وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث, ومن ذلك حديث شغل عن صلاة العصر يوم الخندق, فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش, وقال: يارسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب, فقال النبي صلي الله عليه وسلم (والله ما صليتها)) قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأنا لها, فصلى العصر بعدما غربت الشمس, ثم صلى بعدها المغرب (2) .
وتقضي حسب الصلاة فإن كان يقضي صلاة جهرية جهر في القضاء ,وإن كان يقضي صلاة سرية سر بالقضاء, وهكذا جاءت السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره حين ناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا في حر الشمس فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلوا الصلاة فأمر بلابل فأذن, ثم صلوا سنة الفجر, ثم صلوا الفجر يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم , فدل ذلك على أن القضاء مثل الأداء.
ولهذا من العبارات المقررة عند الفقهاء (القضاء يحكي الأداء) أي يشابهه ويماثله.
* * *(15/88)
958 سئل فضيلة الشيخ: عن مصل دخل والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الجماعة أو ينتظر جماعة أخرى؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل الإنسان والإمام في التشهد الأخير فإن كان يرجو وجود جماعة لم يدخل معه, وإن كان لا يرجو ذلك دخل معه؛ لأن القول الراجح أن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (1) . وكما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة فكذلك الجماعة, فإذا أدرك الإمام في التشهد الأخير لم يكن مدركاً للجماعة, فينتظر حتى يصليها مع الجماعة التي يرجوها, أما إذا كان لا يرجو جماعة فإن دخوله مع الإمام ليدرك ما تبقى من التشهد خير من الانصراف عنه.
* * *
959 وسئل فضيلته – حفظه الله تعالى -:هل تدرك صلاة الجماعة بإدراك التشهد الأخير أم بإدراك ركعة كاملة؟ وهل الأفضل لمن لم يدرك إلا التشهد الأخير مع الإمام أن يدخل معه أم ينتظر, ولو أنه دخل قدر مع الإمام في التشهد الأخير ثم حضرت جماعة أخرى فهل يجوز له قطع صلاته أو قلبها نفلاً والدخول مع الجماعة الأخيرة؟ وهل يختلف الحكم إذا كان ناوياً(15/89)
لذلك من الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب أن جميع إدراكات الصلاة لا تكون إلا بركعة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) . فصلاة الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة, ولكن إدراك ما دون ركعة خير بعدم الإدراك بالكلية, وعلى هذا فإذا أتى والإمام في التشهد الأخير فالأولى الدخول معه ما لم يعرف أنه يدرك جماعة أخرى, فإن عرف ذلك لم يدخل مع الإمام وصلى مع الجماعة الأخرى سواء كانت جماعة لفي مسجد آخر أو في المسجد الذي أدرك فيه إمامه في التشهد الأخير.
وإذا قدر أن دخل مع الإمام في التشهد الأخير ثم حضرت جماعة فله قطع الصلاة ليدرك صلاة الجماعة من أولها في الجماعة الأخرى, وله أن يكمل صلاته وحده.
وقول السائل: هل يختلف الحكم فيما إذا كان ناوياً ذلك من الأول أم لا؟ لم يتبن لي معناه.
* * *
960 سئل فضيلة الشيخ: من صلى الفريضة منفرداً ثم وجد جماعة فهل يعيد الصلاة معهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان فريضته منفرداً ثم حضر جماعة بعد تمام صلاته فقد أدى الفريضة بصلاته الأولى, ولكنه يستحب أن يعيد الصلاة مع هؤلاء الجماعة الذين حضروا لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا صليتما في رحالكما, ثم أتيتما مسجداً جماعة(15/90)
فصليا معهم فإنها لكما نافلة)) (1) .
فعلى هذا نقول تعيد الصلاة مع هؤلاء الحاضرين وتكون الصلاة الثانية نفلاً, وأما الصلاة الأولى فإنها فرض.
* * *
961 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد وقد فاتته الجماعة فهل يجوز أن يصلي به إمام المسجد؟ أفتونا وفقكم الله وجزاكم خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل رجل وقد فاتته صلاة الجماعة فلا بأس أن يصلي به إمام المسجد إماماً, فتكون لإمام المسجد نافلة وللداخل فريضة, وصلاة المتنفل بالمفترض جائزة على القول الصحيح ,لأن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قوم فيصليها بهم, له نافلة, ولهم فريضة ثبت ذلك في الصحيحين (2) وغيرهما, ولم ينهه الله ولا رسوله عن ذلك.
* * *
962 سئل فضيلة الشيخ: - أعلى الله درجته في المهديين -:
عن إعادة الجماعة في المسجد لمن فاتتهم صلاة الجماعة مع الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إعادة الجماعة لمن فاتتهم صلاة(15/91)
الجماعة الأم سنة؛ لأن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى عليه وعلى أله وسلم جالس في أصحابه وقد صلوا فقال صلي الله عليه وسلم (من يتصدق على هذا)) فقام رجل فصلى معه (3) .
* * *(15/92)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . وبعد:
سؤالكم إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى.
جوابه: إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى تقع على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك معتاداً بحيث يكون في المسجد إمامان إذا صلى أحدهما صلى الثاني بعده فهذا منكر؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الجماعة فيشبه مسجد ضرار, فإن في مسجد الضرار تفريقاً بين المؤمنين في المكان, وهذا تفريق بينهم في الزمان؛ ولأن ذلك من البدع التي لم تكن معروفة في عهد سلف الأمة.
الوجه الثاني: أن يكون ذلك لعارض مثل أن يدخل جماعة, وقد انتهت الجماعة الأولى, فالأفضل أن يصلوا جماعة ولا يتفرقوا لقول النبي صلي الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل, أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)) (1) . وهذا عام في الجماعة الأولى والثانية التي أقيمت(15/93)
لعارض, ويؤيد العموم ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وجماعة من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال النبي صلي الله عليه وسلم (من يتصدق على هذا فيصلي معه)) فقام رجل من القوم فصلى معه (2) ,فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقوم معه من يصلي لتحصل الجماعة لهذا الداخل, مع أن القائم معه قد أدى الفريضة, فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حث من أدى الفريضة أن يقوم مع هذا الداخل, فهل يقول قائل: إنه لو دخل رجلان فلا يشرع لهما أن يصليا جمعياً؟!
هذا من أبعد ما يقال, والشريعة الإسلامية لكمالها والتئامها لا يمكن أن تأتي بمشروعية شيء, وتدع ما كان مثله أو أولى منه.
فالجماعة أقيمت مرتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقراره بل بأمره, لكن كانت الثانية عارضة, فلو كان فيها مفسدة لم يكن فرق بين أن يكون الواحد من الجماعة متطوعاً أم مفترضاً, بل المفترض أولى أن يقيم الجماعة؛ لأنه لا يحصل منه شيء من المنة على الثاني؛ لأن كل واحد منهما انتفع بالآخر بحصول الجماعة لهما في فرضيتهما.
وقد جاءت الآثار عن الصحابة – رضي الله عنهم – مؤيدة لذلك فروى ابن شبية في مصنفه عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود (3) ذكره صاحب الفتح الرباني , وقال: إسناده صحيح.(15/94)
وروى ابن شيبة أيضاً عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه دخل المسجد وقد صلوا فصلى بمن معه من جماعة (1) ,قال في المغني ((وهو قول ابن مسعود, وعطاء, والحسن, والنخعي, وقتادة, وإسحاق)) .ا. هـ. وهو مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - وعليه تدل الأدلة كما سبق, وبها يعرف ضعف القول بعدم مشروعية إقامة الجماعة لمن فاتتهم مع الإمام الراتب, وقد علل الشيرازي صاحب المهذب كراهة الجماعة الثانية بأنه ربما اعتقد أنه قصد الكياد والإفساد, وهذا التعليل إنما ينطبق على من جعل ذلك أمراً معتاداً وهو الوجه الأول الذي ذكرناه, وأما إذا كان ذلك عارضاً فإنه لا ينطبق عليه ذلك, والله أعلم. في 16/3/1406هـ.(15/95)
* قطع النافلة
* إدراك الجماعة
* إدراك الإمام في التشهد الأخير
* فرغ المأموم من القراءة عند إطالة الإمام
* مسابقة الإمام
* انتظار المصلي حتى ركوع الإمام
* إطالة الإمام للصلاة
* صلاة المرأة في المسجد(15/97)
963 سئل فضيلة الشيخ: إذا أقيمت الصلاة وقد شرع الإنسان في نافلة فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أقيمت الصلاة المكتوبة وقد شرع الإنسان في النافلة فمن أهل العلم من يقول: يجب عليه قطعها فوراً وإن كان في التشهد الأخير.
ومن العلماء من يقول: لا يقطعها إلا أن يخاف أن يسلم والإمام قبل أن يدرك معه تكبيرة الإحرام, فعلى القول الأخير يستمر في الصلاة حتى لو فاتت جميع الركعات مادام يدرك تكبيرة الإحرام, قبل أن يسلم الإمام فيستمر في هذا النفل.
وعندي أن القول الوسط في ذلك: أنه إذا أقيمت الصلاة والمصلي في الركعة الثانية فيتمها خفيفة, فإن أقيمت وهو في الركعة الأولى فيقطعها مستنداً في ذلك إلى قول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (1) . فإذا كان الإنسان قد صلى ركعة قبل إقامة الصلاة فقد أدرك ركعة قبل الحظر والمنع, وإذا أدرك ركعة قبل الحظر والمنع فقد أدرك الصلاة وصارت الصلاة كلها غير ممنوعة فيتمها لكن خفيفة, لأن إدراك جزء من الفرض خير من إدراك جزء من النفل, أما إذا كان في الركعة الأولى فإنه لم يدرك من الوقت الذي تباح فيه النافلة ما يدرك به الصلاة؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول (من أدرك ركعة من الصلاة)) . وبناء على هذا(15/99)
فإنه يقطعها لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) (2) .
* * *
964 سئل فضيلة الشيخ: ما العمل إذا أقيمت الصلاة المكتوبة, وقد شرع المصلي في النافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أقيمت الصلاة المكتوبة, وقد شرعت في النافلة, فمن أهل العلم من يقول: يجب عليك قطعها فوراً, وإن كنت في التشهد الأخير.
ومن العلماء من يقول: لا تقطعها إلا أن تخاف أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام.
هذان قولان متقابلان:
فالقول الأول: إذا أقيمت الصلاة فاقطع النافلة ولو كنت في التشهد الأخير.
والقول الثاني: لا تقطعها إلا إذا بقي من صلاة الإمام بقدر تكبيرة الإحرام فاقطعها؛ يعني تستمر في الصلاة, ولا تقطعها إلا إن خفت أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام.
هذان القولان: متقابلان, يعني على هذا القول الأخير, استمر في الصلاة حتى لو فاتتك جميع الركعات, مادمت تدرك جميع تكبيرة الإحرام, قبل أن يسلم الإمام, فاستمر في هذا النفل,(15/100)
وعندي أن القول الوسط في ذلك, أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة, وإن أقيمت وأنت في الركعة الأولى فاقطعها, لقول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (1) .فإذا كنت قد صليت ركعة قبل إقامة الصلاة فقد أدركت ركعة قبل الحظر والمنع.
وإذا أدركت ركعة قبل الحظر والمنع فقد أدركت الصلاة, وصارت الصلاة كلها غير ممنوعة فتتمها لكن خفيفة؛ لأن إدراك جزء من الفرض خير من إدراك جزء من النفل, أما إذا كنت في الركعة الأولى فإنك لم تدرك من الوقت ما تدرك به الصلاة؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) .
وبناء على هذا فإنك تقطعها لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (2) .
* * *
965 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أداء تحية المسجد والصلاة قد أقيمت؟ وما إذا أقيمت الصلاة وقد شرع الإنسان في نافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (3) ولا يحل لأحد أن يبدأ نافلة بعد إقامة الصلاة, فإن فعل فقد عصى رسول الله صلي الله عليه وسلم ,وإذا فعل فصلاته باطلة(15/101)
لقوله عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (4) . فكيف إذا عمل عملاً عليه نهي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أشد رداً, ولهذا نشاهد في بعض الأحيان جماعة إذا جاءوا لصلاة الفجر, والصلاة قد أقيمت, يصلون سنة الفجر, لأنهم يقولون: إن صلاة الفجر تطول فيها القراءة, ويمكننا اللحاق بالركعة مع الإمام وهذا حرام عليهم ولا يجوز, ونافلتهم التي صلوها باطلة لا تجزئهم عن راتبة الفجر.
وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في أثناء الصلاة فمن أهل العلم من يقول: إنك تكمل النافلة إلا إذا خشيت أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام, ففي هذه الحال تقطع نافلتك وتلحق بالإمام وهذا هو المشهور من مذهب الإمام عند المتأخرين.
وقال بعض العلماء: إذا أقيمت الصلاة وأنت في أثناء النافلة فأقطعها حتى ولو كنت في التشهد الأخير.
والراجح في هذا: أنك إذا صليت ركعة من النافلة وقمت إلى الثانية ثم أقيمت الصلاة فكملها خفيفة, وإن أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها, ودليل هذا القول الراجح مركب من دليلين قال تعالى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (1) . فإذا كنت أدركت الركعة وقمت إلى الثانية فقد أدركت الركعة قبل وجود شرط النهي؛ لأن النهي عن النافلة يكون إذا أقيمت الصلاة, فأنت(15/102)
الآن صليت ركعة قبل أن يقيم فقد صليت ركعة مأذوناً فيها؛ لأنها قبل إقامة فتكون أدركت ركعة من الصلاة فأدركت الصلاة فأتمها خفيفة, إما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فإنك تقطعها؛ لأنك لم تدرك ركعة قبل وجود شرط النهي. وهذا القول وسط بين القولين.
* * *
966 سئل فضيلة الشيخ: إذا كنت أصلي تطوعاً ونادى الأمير في الجهاد بالجمع بأن نجمع عنده خلال دقائق فهل أكمل صلاتي أو أقطعها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كنت في صلاة مفروضة الصلاة ولكن لا بأس أن تتمها خفيفة.
أما إذا كنت في نافلة وكان هذا الأمير معروفاً بالرزانة وأنه لا يدعو الجماعة إلا لحاجة فلا حرج أن تقطع النفل إلا إذا كنت تعلم أن هذا الأمير يعذرك مادمت على هذه الحال فلا حرج أن تكمل النافلة.
أما كان الأمير من قوم يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على الناس فقط بحيث يدعوهم كلما شاء لأغراض لا تستوجب الجمع فإنك تكمل النافلة على كل حال.
* * *
967 سئل فضيلة الشيخ: عن مصل دخل والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل معه في الصلاة أو ينتظر حتى يصلي مع(15/103)
جماعة أخرى؟ أفتونا جزاكم الله عنا خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل الإنسان والإمام في التشهد الأخير فإن كان يرجو وجود جماعة لم يدخل معه وإن كان لا يرجو ذلك دخل معه؛ لأن القول الراجح أن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (2) وكما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة فكذلك الجماعة فإذا أدرك الإمام في التشهد الأخير لم يكن مدركاً للجماعة فينتظر حتى يصليها مع الجماعة التي يرجوها, أما إذا كان لا يرجو جماعة فإن دخوله مع الإمام ليدرك ما تبقى من التشهد خير من الانصراف عنه.
* * *
968 سئل فضيلة الشيخ: عن شخص أتى إلى المسجد متأخراً وأدرك الجماعة وهم في التشهد الأخير هل يلحق بهم أو ينتظر للجماعة القادمة وإذا التحق بالجماعة في التشهد الأخير ثم سمع جماعة جديدة هل يقطع صلاته أو يتمها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الذي جاء والإمام في التشهد الأخير يعلم أنه سيجد جماعة فإنه ينتظر ويصلي مع الجماعة؛ لأن القول الراجح أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة كاملة أما إذا كان لا يرجو وجود أحد يصلي معه فإن الأفضل أن يدخل معهم ولو في التشهد الأخير؛ لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدم(15/104)
الإدراك كلية, وإذا قدر أنه دخل مع الإمام لعلمه أنه لا يجد جماعة, ثم حضر جماعة وسمعهم يصلون فلا حرج عليه أنه يقطع صلاته ويذهب معهم ويصلي, أو يحولها نفلاً ركعتين ثم يذهب مع هؤلاء القوم ويصلي معهم وإن استمر على ما هو عليه فلا حرج عليه.
* * *
969 سئل فضيلة الشيخ: إذا حضر الإنسان ومعه جماعة والإمام في التشهد الأخير فهل يدخلون معه أو يقيمون جماعة ثانية؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى إذا جاء الإنسان ومعه جماعة والإمام في التشهد الأخير أن لا يبدأوا بالصلاة حتى تتم الجماعة الأولى لئلا تجتمع جماعتان في مكان واحد, ولكن إذا فعلوا ذلك وكانوا بعيدين الجماعة الأولى لا يشوشون عليهم فلا بأس بهذا.
وننتقل من هذه المسألة إلى مسألة أخرى وهي إذا جاء جماعة إلى المسجد وهم لم يصلوا صلاة العشاء الآخرة ووجدوهم يصلون صلاة التراويح فإنهم يدخلون معهم في صلاة التراويح بنية العشاء ثم إن كانوا مسافرين فإنهم يسلمون مع الإمام في صلاة التراويح إذا كانوا قد صلوا ركعتين وإن كانوا مقيمين جماعة أخرى لصلاة العشاء لأنه لا ينبغي أن يكون جماعتان في مسجد واحد فإن هذا عنوان التفرق حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما ذات يوم ووجد رجلين معتزلين(15/105)
لم يصليا في القوم قال: (ما منعكما أن تصليا)) ؟ قالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا, قال صلي الله عليه وسلم (لا تفعلا, إذا صليتما في رحالكما, ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معه)) (1) . فأمرهما النبي صلي الله عليه وسلم أن يصليا مع الناس وإن كان قد صليا في رحالهما لئلا يحصل التفرق, وقال صلي الله عليه وسلم (إنها لكما نافلة)) ,فهكذا إذا دخلنا المساجد والناس يصلون صلاة التراويح فإننا ندخل معهم وننويها صلاة العشاء وهذا قد نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله -.
* * *
970 سئل فضيلة الشيخ: عن مأموم دخل الصلاة بعد انتهاء تكبير الإمام للإحرام وقراءته للفاتحة, ثم شرع في القراءة ولكن ركع الإمام فهل يركع المأموم أو يكمل قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع, ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة, إن كان لم يبق عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فهذا حسن, وإن كان بقي عليه كثير بحيث إذا قرأ لم يدرك الإمام في الركوع فإنه يركع مع الإمام وإن لم يكمل الفاتحة.
* * *
971 سئل فضيلة الشيخ: إذا أراد الإنسان أن يدخل في الصف مع الجماعة وقد أقيمت الصلاة وهو يعلم أن الفاتحة(15/106)
تفوته أو يفوته بعض منها إذا دخل في الصلاة وقرأ دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام فأيهما يقدم دعاء الاستفتاح أم الفاتحة؟ وإذا كبر الإمام للركوع والإنسان لم يكمل الفاتحة فهل يكملها ولو أدى ذلك إلى عدم المتابعة في الركوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا جاء الإنسان ودخل مع الإمام فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويستفتح ويشرع بقراءة الفاتحة, ثم إن تمكن من إتمامها قبل أن يفوته الركوع فعل, فإن لم يتمكن فإنها تسقط عنه؛ لأنه مسبوق في القيام, وحينئذ يكون قد أتى بالصلاة على ترتيبها المشروع. وإذا كبر الإمام للركوع وأنت لم تكمل الفاتحة فإن كان من عادته الإسراع ولا يمكن متابعته فإن الواجب أن تنفرد عنه, وتتم صلاتك على وجه الطمأنينة, وإن كان ليس عادته ذلك لكنك أنت نسيت أو غفلت فإنك تتمها وتلحقه ولو بعد أن قام من الركوع, ولا يفوتك الركوع في هذه الحال, لأنك داخل الصلاة من أولها لست مسبوقاً.
* * *
972 سئل فضيلة الشيخ: إذا دخل المصلي والإمام راكع فهل يجوز له الإسراع لإدراك الركعة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخلت والإمام راكع فلا تسرع, ولا تدخل في الصلاة قبل أن تصل إلى الصف؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال(15/107)
لأبي بكرة رضي الله عنه حين فعل ذلك (زادك الله حرصاً ولا تعد)) (1) .
* * *
973 سئل فضلة الشيخ: إذا أدرك المأموم الإمام ساجداً فهل ينتظر حتى يرفع أو يدخل معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل الدخول مع الإمام على أي حال وجده ولا ينتظر, لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا)) (2) .
* * *
974 سئل فضيلة الشيخ: إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسكت المأموم إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة قبل أن يركع الإمام, بل يقرأ حتى يركع الإمام حتى لو كان في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول وانتهى من الفاتحة ولم يركع الإمام فإنه يقرأ سورة أخرى حتى يركع الإمام؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت إلا في حال استماع المأموم لقراءة إمامه.
* * *
975 سئل فضيلة الشيخ: إذا دخل الإنسان في صلاة سرية وركع الإمام ولم يتمكن هذا الشخص من إكمال الفاتحة فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان مسبوقاً بمعنى أنه جاء والإمام(15/108)
قد شرع في الصلاة ثم كبر واستفتح وقرأ الفاتحة وركع الإمام قبل انتائه منها فإنه يركع مع الإمام ولو فاته بعض الفاتحة؛ لأنه كان مسبوقاً فسقط عنه ما لم يتمكن من إدراكه قبل ركوع الإمام وأما إذا كان دخل والإمام في أول الصلاة وعرف من الإمام أنه لا يتأنى في صلاته, وأنه لا يمكنه متابعة الإمام إلا بالإخلال بأركان الصلاة ففي هذه الحال يجب أن يفرق الإمام, وأن يكمل الصلاة وحده؛ لأن المتابعة هنا متعذرة إلا بترك الأركان, وترك الأركان مبطل للصلاة.
* * *
976 سئل فضيلة الشيخ: إذا فرغ المأموم من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ولم يشرع الإمام في القراءة بعد الفاتحة فماذا يصنع المأموم في مثل هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على ذلك أننا نقول للإمام
أولاً: لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها, والمشروع للإمام أن يسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة, والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ, وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة, ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد(15/109)
الفاتحة وحينئذ يسكت؛ لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط
* * *
977 سل فضيلة الشيخ: ما حكم السكتة التي يفعلها بعض الأئمة بعد قراءة الفاتحة؟ وهل يجب على المأموم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية؟
فأجاب فضيلته بقوله: السكتة التي يسكتها الإمام بعد الفاتحة سكتة يسيرة للتميز بين قراء الفاتحة التي هي ركن, وبين القراءة التي بعدها وهي نفل, ويشرع فيها المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) (1) . ولأن النبي صلي الله عليه وسلم انصرف ذات يوم من صلاة الصبح فقال (لعلكم تقرءون خلف إمامكم)) ؟ قالوا: نعم. قال (فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) (2) . وهذا نص في أن قراءة الفاتحة واجبة حتى في الصلاة الجهرية. والنفي هنا نفي للصحة, ويدل على ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة صلي الله عليه وسلم (من صلى صلاةً لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي(15/110)
خداج)) (3) .يعني فاسدة, فالنفي هنا نفي للصحة. و (من) في حديث صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ. .)) اسم موصول, والاسم الموصول لعموم, فـ (لمن) لم يقرأ عام, يشمل الإمام, والمأموم, والمنفرد, فإذا كانت الصلاة سرية فواضح أن المأموم سيقرأ, أما إذا كانت جهرية فهل يقرأ المأموم الفاتحة أو الإمام يقرأ؟
الجواب: نعم, ولكن لا تقرأ غيرها.
* * *
978 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسابقة الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: مسابقة الإمام محرمة لقول النبي صلي الله عليه وسلم (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار, أو يجعل صورته صورة حمار)) (1) . وهذا تهديد لمن سابق الإمام, ولا تهديد إلا على فعل محرم ,أو ترك واجب.
وثبت عنه أنه قال صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا, ولا تكبروا حتى يكبر, وإذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع)) (2) .الحديث
وأقول بهذه المناسبة: إن المأموم مع إمامه له أربع حالات:
1- مسابقة.
2- موافقة.(15/111)
3- متابعة.
4- تخلف.
فالمسابقة: أن يبدأ بالشيء قبل إمامه, وهذا حرام, وإذا كان في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته إطلاقاً, ويجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
والموافقة: أن يكون موافقاً للإمام يركع مع ركوعه, ويسجد مع سجود, وينهض مع نهوضه, وظاهر الأدلة أنها محرمة أيضاً لقوله صلي الله عليه وسلم (لا تركعوا حتى يركع)) .
وبعض العلماء يرى أنها مكروهة وليست محرمة إلا في تكبيرة الإحرام فإنه إذا وافق إمامه فيها لم تنعقد صلاته وعليه الإعادة.
والمتابعة: أن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه بدون تأخر, وهذا هو المشروع.
والتخلف: أن يتخلف عن إمامه تخلفاً يخرجه عن المتابعة وهذا خلاف المشروع
* * *(15/112)
فصل
قال فضيلة الشيخ - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة الكلام في سبق المأموم إمامه: أن جميع أقسامه حرام أما من حيث بطلان الصلاة به فهو أقسام:
الأول: أن يكون السبق إلى تكبيرة الإحرام, بأن يكبر للإحرام قبل إمامه أو معه, فلا تنعقد صلاة المأموم حينئذ, فيلزمه أن يكبر بعد تكبيرة غمامه, فإن لم يفعل فعليه إعادة الصلاة.
الثاني: أن يكون السبق إلى ركن, مثل أن يركع قبل الإمامه, أو يسجد قبله, فليزمه أن يرجع ليأتي بعد ذلك إمامه.
الرابع: أن يكون السبق بركن غير الركوع مثل أن يسجد ويرفع قبل أن يسجد إمامه, فإن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته, وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة.
الخامس: أن يكون السبق بركنين مثل أن يسجد ويرفع قبل سجود إمامه, ثم يسجد الثانية قبل إمامه من السجدة الأولى, أو(15/113)
يسجد ويرفع ويسجد الثانية قبل سجود إمامه, فإن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته, وإن كان جاهلاً أو ناسياً بطلت ركعته فقط, إلا أن يأتي بذلك بعد إمامه.
هذه خلاصة أحكام السبق على المشهور على المذهب.
والصحيح: أنه متى سبق إمامه عالماً ذاكراً فصلاته باطلة بكل أقسام السبق, وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة إلا أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام, فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه, فإن لم يفعل عالماً ذاكراً بطلت صلاته, وإلا فلا.
وأما التخلف عن الإمام فعلى قسمين:
الأول: أن يدرك الإمام في الركن الذي سبقه به, فصلاته صحيحة, مثل أن يتأخر عن الإمام في السجود, ولكنه يسجد قبل أن يرفع الإمام فصلاته صحيحة, ولكنه خلاف السنة؛ لأن السنة المبادرة في متابعة الإمام.
الثاني: أن لا يدرك الإمام في الركن بحيث ينفصل منه الإمام قبل أن يصل إليه, فإن كان لعذر أتى بما تخلف فيه إلا أن يصل الإمام إلى مكان تخلفه فيبقى مع إمامه وتكون له ركعة ملفقة.
مثال ذلك: مأموم لم يسمع تكبير إمامه للركوع ,فلما قال: سمع الله لمن حمده, سمعه فحينئذ يركع ويتابع إمامه, لأن إمامه لم يصل إلى مكان تخلفه.
ومثال آخر: مأموم لم يسمع تكبير إمامه للركوع في الركعة الأولى فبقي قائماً حتى قام إمامه للركعة الثانية فحينئذ يبقى مع إمامه وتكون ثانية إمامه أولاه, وتكون ركعته ملفقه من ركعتي إمامه(15/114)
الأولى والثانية؛ لأن إمامه وصل إلى مكان تخلفه.
وإن كان تخلفه عن إمامه لغير عذر فكالسبق على ما تقدم من التفصيل, ولا يخفى أن الصحيح أن الصلاة تبطل إذا تخلف بركن, أو أكثر لغير عذر سواء كان الركن ركوعاً أم غيره, والله أعلم.(15/115)
979 سئل فضيلة الشيخ: عن علافة المأموم بإمامه؟
فأجاب فضيلته بقوله: علاقة المأموم بإمامه, علاقة متابعة, ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به, فلا تختلفوا عليه, فإذا كبر فكبروا, وإذا ركع فركعوا, وإذا سجد فاسجدوا, وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقالوا: ربنا ولك الحمد, وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً, وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) (1) . ومقام المأموم مع إمامه في هذه الناحية يتنوع إلى أربع مقامات: متابعة, وموافقه, ومسابقة, وتأخر.
فأما المتابعة: فأن يأتي الإنسان بأفعال الصلاة بعد إمامه مباشرة, إذا ركع ركع بدون تأخر, وإذا سجد, سجد بدون تأخر, وهكذا في بقية أفعال الصلاة.
وأما الموافقة: فأن يفعل هذه الأفعال مع إمامه, يركع مع ركوعه, ويسجد مع سجود ,ويقوم مع قيامه, ويقعد مع قعوده.
وأما المسابقة: فأن يتقدم إمامه في هذه الأفعال, فيركع قبله, ويسجد قبله, ويقعد قبله.
وأما التأخر: فأن يتوانى في متابعة الإمام, فإذا ركع الإمام, بقي واقفاً يقرأ, وإذا سجد بقي قائماً يحمد وهكذا. وكل هذه المقامات مذمومة إلا مقام المتابعة.
فالموافق لإمامه مخالف لقول الرسول عليه الصلاة(15/116)
والسلام (لا تكبروا حتى يكبر الغمام ولا تركعوا حتى يركع)) (2) .
والسابق له, واقع
في التحذير الشديد الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (إذا كبر الإمام فكبروا, وإذا ركع فاركعوا)) (3) .
جملة شرطية تقتضي أن يقع المشروط فور وجود الشرط, وأن لا يتأخر عنه, فهو منهي عنه.
فالمسابقة: حرام, والموافقة: قيل: إنها مكروهة, وقيل: إنها حرام, والتأخر: أقل أحواله الكراهة, أما المتابعة فهي الأمر الذي أمر به النبي صلي الله عليه وسلم.
وهنا مسألة: أي الحالات أشد: المسابقة, أم الموافقة ,أم التخلف عنه؟
الجواب: المسابقة أشدها؛ لأنه ورد فيه الوعيد المتقدم؛ ولأن القول الراجح؛ أن الإنسان إذا سبق إمامه عالماً ذاكراً, بطلت صلاته, سواء سبقه إلى ركن أو بالركن, لأنه إذا سبق إمامه فقد فعل فعلاً محرماً في الصلاة.
* * *(15/117)
980 سئل فضيلة الشيخ: هل الأفضل الدخول مع الإمام في صلاة فوراً أو انتظاره حتى ينتصب قائماً أو يطمئن جالساً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل الدخول مع الإمام على أي حال وجده ولا ينتظر حتى يقوم من سجوده, أو قعود لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا)) (1) . ولأنه إذا دخل معه حصل له أجر ما صلاه.
* * *
981 سئل فضيلة الشيخ: ما رأي فضيلتكم في رجل يجلس حتى يركع الإمام فيقوم ويدخل معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: تأخير المأموم الدخول مع الإمام حتى يكبر للركوع تصرف ليس بسليم, بل إنني أتوقف هل تصح ركعته هذه أو لا تصح؟ لأنه تعمد التأخير الذي لا يتمكن معه من قراءة الفاتحة ركن لا تسقط عن الإمام, ولا عن المأموم, لولا عن المنفرد, فكونه يبقى حتى يركع الإمام, ثم يقوم فيركع معه هذا خطأ بلا شك, وخطر على صلاته, وعلى الأقل ركعته أن لا يكون أدركها.
* * *
982 سئل فضيلة الشيخ: ما رأي فضيلتكم في رجل يكبر مع الإمام وهو جالس لمرض كان فيه, فإذا قارب الإمام الركوع(15/118)
قام فركع معه وإذا قام الإمام للركعة الثانية جلس أيضاً فإذا قارب الإمام الركوع قام فركع معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا بأس به وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم حين كبر وثقل يفعل هذا في صلاة الليل (1) ,يبدأ وهو جالس, ويقرأ, فإذا قارب الركوع قام, وقرأ ما تيسر من القرآن ثم ركع.
وكذلك إذا سجد مع الإمام, ثم قام الإمام إلى الثانية, وجلس هو فإذا قارب الإمام الركوع قان فركع معه كل هذا لا بأس به عند العذر لقوله:) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) (التغابن: من الآية16) .
وقوله:) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) وقوله:) وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: من الآية78)
* * *
983 سئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يجلس حتى يقارب الإمام الركوع فيقوم ويدخل معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان ذلك في صلاة النافلة كقيام رمضان فبقي الإنسان بعد أن كبر الإمام حتى قارب الركوع فقام ودخل مع الإمام فلا حرج عليه في ذلك؛ لأن صلاة القيام غير واجبة, بل لو انصرف من المسجد بعد التكبير الإمام وخرج فلا حرج عليه.
أما إذا كانت الفريضة فإن خلاف ما أمر النبي صلي الله عليه وسلم؛لأن(15/119)
النبي صلي الله عليه وسلم يقول (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة, وعليكم السكينة والوقار, ولاتسرعوا, فما أدركتم فصلوا)) (2) .وهذا الذي جلس أدرك الصلاة من أولها فلماذا يبقى قاعداً لا يدخل مع الإمام؟!
فالذي يجب عليه ويدخل مع الإمام, لا سيما وأنه إذا أخر الدخول حتى ركع الإمام, ثم قام وركع معه فإني أشك في كونه مدركاً للركعة؛ لأنه ترك قراءة الفاتحة من غير عذر.
* * *
984 سئل فضيلة الشيخ: عن بعض الناس يتخلفون عن الإمام في صلاة القيام حتى يركع فيركعون معه, فهل تصح هذه الركعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا ينبغي للمسلم أن يتأخر عن تكبيرة الإحرام, وليذكر نفسه أن المسألة ليال محدودة معدودة, ليست طويلة, وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه (1) مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وما أخف التعب إذا وفق الإنسان لليلة القدر, والمرء يؤجر على قدر عزيمته وإخلاصه, ومتابعته لرسول الله صلي الله عليه وسلم, أما التكاسل, وإعطاء النفس حظها من الراحة, فيبقى الإنسان يتحدث حتى إذا قارب الإمام على الركوع ,فذها لا شك خطأ, وفيه حرمان من الأجر, وإن لم يكن فيه إثم لأنها تطوع.
* * *(15/120)
985 سئل فضيلة الشيخ: هل مايقضيه المسبوق هو آخر صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: ما يقضيه المسبوق اختلف العلماء فيه, والصواب أنه آخر صلاته لقوله صلي الله عليه وسلم (وما فاتكم فأتموا)) (2) .
وأما قوله: فاقضوا فالقضاء بمعنى الإتمام كما في قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات) (فصلت: من الآية12) ولهذا إذا أدرك مع الإمام ركعة من الثلاثية أو الرباعية تشهد الأول في أول ركعة يقضيها ولو كان أول صلاته ما تشهد إلا بعد ركعتين.
* * *
986 سئل فضيلته أيضاً: هل ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن المسبوق يتم صلاته على ما أدرك مع إمامه ,فيكون ما أدركه مع الإمام أول صلاته, وما يأتي به بعد سلام الإمام آخر صلاته, لقول النبي صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا)) . وعلى هذا فيقتصر فيما يقضيه على الفاتحة إذا كان قد أدرك مع الإمام ركعتين.
وقال أكثر العلماء: بل يقرأ السورتين إن لم يكن قرأهما فيما أدرك مع الإمام, والأمر في ذلك واسع
* * *(15/121)
987 سئل فضيلة الشيخ: شكا لي بعض المأمومين من أنني أطيل الوقوف بعد الرفع من الركوع لأنني أقرأ الذكر الوارد كله بعد الرف من الركوع صلي الله عليه وسلم (ربنا ولك الحمد, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. . الخ)) فهل هناك دعاء مختصر يقرأ بعد الرفع من الركوع حتى لا نشق على الناس؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على الإمام وكل من أقيم على عمل من الأعمال أن يراعي جانب السنة فيه وأن لا يخضع لأحد لمخالفة السنة ول بأس إذا دعت الضرورة والحاجة أحياناً أن يخفف كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعل ذلك, أما في الأحوال الدائمة المستمرة فلزوم السنة هو مقتضى الإمامة, فكن ملازماً لفعل السنة وأخبر التاس أنهم إذا صبروا على هذا نالوا ثواب الصابرين على طاعة الله, ولو ترك التخفيف وعدمه إلى أهواء الناس لتفرقت الأمة شيعاً, ولكان الوسط عند قوم تطويلاً عند الآخرين, فعليك بما جاء بالسنة وهي معروفة ولله الحمد.
ولهذا أنصح كل إمام يتولى إمامة المسلمين في المساجد أن يحرص على قراءة ما كتبه العلماء في صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم مثل كتاب الصلاة لابن القيم وهو كتاب معروف, وكذلك ما ذكره رحمه الله في كتاب ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) .
* * *.
988 سئل فضيلة الشيخ: عن بعض الناس إذا أطال الإمام في الصلاة الإطالة المشروعة ينكر عليه ويستدل بقوله صلي الله عليه وسلم (إذا(15/122)
أم أحدكم الناس فليخفف, فإن فيهم الصغير, والكبير, والضعيف, والمريض, فإذا صلى وحده فليصل كيف يشاء)) رواه مسلم (1) ,فهل استدلاله صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: استدلاله بهذا الحديث غير صحيح؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم إنما قاله في حق من يطيل إطالة زائدة على المشروع, فأما الإطالة الموافقة للمشروع فإنها إطالة مشروعة مستحبة.
ولهذا يأتي بعض الأئمة يقول: إن الناس يقول لي: لا تقرأ في الفجر يوم الجمعة سورة ((آلم تنزيل)) السجدة في الركعة الأولى و) هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ) (الانسان: من الآية1) في الركعة الثانية هذا يطول علينا, يأتي بعض الأئمة يشكو من بعض أهل المسجد لا الإمام, فالإمام إذا قرأ هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة لا يعد مطيلا بل يعد ذا طول – بفتح الطاء – أي ذا فضل على الجماعة لكونه أتى بالسنة التي شرعها النبي صلي الله عليه وسلم.
كذلك بعض الناس في صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام سورة الجمعة والمنافقين صار يشكو من الغمام ويقول: أطال بنا مع أن هذا مما ثبتت به السنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ,ولا يعد إطالة, بل هو طول وفضل من الإمام يتفضل به على نفسه, وعلى من وراءه حيث أتى بالقراءة المشروعة عن النبي صلي الله عليه وسلم ,ربما نقول ينبغي للإمام أن يراعي حال الناس في أيام الصيف, وأيام الشتاء الباردة فإذا رأى أنه لو قرأ(15/123)
بهاتين السورتين في الجمعه في أيام الصيف لحق الناس من الغم والحر ما يزعجهم، ويشغلهم عن صلاتهم ففي هذه الحال يعدل إلى سور أخري أقصر، وكذلك في أيام الشتاء الباردة إذا رأي أن بعض الناس قد يكون محتاجا إلى قضاء الحاجة بسبب البرد، وطول المكث في المسجد فإنه يعدل إلى قراءة سور أخري أقصر مراعاة لهذه الحال العارضة.
989 سئل فضيلة الشيخ: عن امرأة تود حضور الصلاة في المسجد الحرام ما دامت في مكة، ولكنها سمعت أن صلاة المرأة في بيتها أفضل حتى في المسجد الحرام، فهل يحصل لها عندما تصلي في بيتها من المضاعفة ما يحصل عندما تصلي في المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد الحرام، وصلاة الرجل النوافل في بيته أفضل من صلاتها في المسجد الحرام، ودليل ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام) (1) . ولفظ مسلم أو في بعض ألفاظه: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) (2) . ومع ذلك يقول في المراة: (بيوتهن خير لهن) ويقول في الرجل في النوافل: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (3) . وكان هو صلوات الله(15/124)
وسلامه عليه يصلي النافلة في بيته، ويصلي الرواتب في البيت، يصلي صلاة الليل في البيت يوتر في البيت، والمسجد عنده ليس بينه وبين مسجده إلا أن يفتح الباب، ويدخل في المسجد ومع ذلك يقول: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه) ويصلي النوافل في البيت.
وليعلم أن الفضل يكون بالكمية، ويكون بالكيفية، فصلاة المرأة في بيتها من حيث الكيفية أفضل من صلاتها في المسجد من حيث الكمية، وصلاة الرجل النوافل في بيته أفضل من حيث الكيفية من صلاته في المسجد من حيث الكمية، ولذلك نقول أن المرأة إذا صلت في البيت فهو أفضل من الصلاة في المسجد الحرام وثوابه أكثر من ثواب المسجد الحرام، لكن بالكيفية لا بالكمية.
فصلاتي النافلة في البيت أفضل من صلاتي في المسجد الحرام من حيث الكيفية.
ولكن بالنسبة لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام) (4) . ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بها صلاة الفريضة، وذهب آخرون إلى أن المراد بها الصلاة التي تشرع لها الجماعة، وهي صلاة الفريضة، وصلاة الاستسقاء، وما أشبهها إذا استسقوا في المسجد الحرام مثلاً.
ولكن الصحيح أن الحديث عام شامل للفرض والنفل، لكن(15/125)
لا يعني ذلك أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في البيت, لكن يعني ذلك أن الرجل لو دخل المسجد الحرام وصلى ركعتين فتسمى هذه تحية المسجد, ثم صلى في مسجد آخر في غير مكة ركعتي تحية المسجد, فتحية المسجد في المسجد الحرام أفضل بمائة ألف تحية في المساجد التي خارج الحرم.
فلو تقدم رجل إلى المسجد, والإمام لم يأت بعد, وجعل يتنفل ما بين المسجد إلى إقامة الصلاة صلى ما شاء الله أن يصلي في المسجد الحرام, ودخل رجل آخر في مساجد الأخرى, هذا هو معنى الحديث أن الصلاة متى كانت في المسجد الحرام فهي بمائة ألف صلاة فيما عداه, لكن لا يعني ذلك أن ندع بيوتنا ونأتي من صلي في المسجد الحرام فيما لا تشرع فيه الجماعة قال النبي صلي الله عليه وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) (1) .
وأود أن أنهبه إلى مشهور بين الحجاج وبين العمار: اشتهر عندهم أن تحية المسجد الحرام الطواف, وهذا غير صحيح, فتحية المسجد الحرام, الطواف يعني إذا دخلت المسجد الحرام تريد الطواف أغناك الطواف عن تحية المسجد الحرام, أما إذا دخلت المسجد الحرام للصلاة, أو لسماع الذكر أو أشبه ذلك فتحيته كغيره, تكون بركعتين, وإذا دخل المعتمر المسجد الحرام فيبدأ(15/126)
بالطواف؛ لأنه دخل للطواف, وإذا دخل من ينتظر الصلاة يصلي ركعتين؛ لأنه لم يدخل للطواف لكن مع ذلك لو ذهب وطاف قلنا: إن ذلك مجزئ عن الركعتين.
* * *(15/127)
* أحكام الإمامة
- الصلاة خلف الفساق وأصحاب المعاصي واهل البدع
- إمامة المرأة
- إمامة الصبي
- إمامة العاجز عن القيام
- إمامة من لا يتقن القراءة والتجويد
- اختلاف النية بين الإمام والمأموم(15/129)
990 سئل فضيلة الشيخ: إذا أقيمت الصلاة ولم يحضر إمام المسجد ووجد حالق للحيته, وشارب للدخان فمن يقدم للإمامة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا اجتمع حالق لحية وشارب دخان, واتفقا في الصفات المقتضية لتقديم أحدهما في الإمامة, فشارب الدخان أولى بالإمامة؛ لأن معصيته أهون من عدة أوجه:
أحدهما: أن تحريم حلق اللحية دلت عليه السنة بخصوصه بخلاف تحريم شرب الدخان فليس فيه نص بخصوصه, بل هو داخل في العمومات.
الثاني: أن حالق اللحية مجاهر بمعصيته, وأثارها بادية عليه باستمرار في حالة نومه, ويقظته, وعبادته, وفراغه, أما شارب الدخان فإنما يشربه في فترات فليست السجارة دائماً في فمه, وقد يخفيه عن بعض الناس.
الوجه الثالث: أن حلق اللحية تغيير للمظهر الإسلامي في الفرد والجماعة, وعدول به عن مظهر الأنبياء والمرسلين, والذين اتبعوهم بإحسان, وهذا أمر زائد على كونه مجرد معصية.
الوجه الرابع: أن حلق اللحية تشبه بأعداء الله تعالى من المجوس, والمشركين, وتحويل للمظهر الإسلامي إلى مظهر شرك ومجوسية, فهو معصية لرسول الله صلي الله عليه وسلم, وتشبه بأعداء الله عز وجل, وهاتان مفسدتان: المعصية, والتشبه.(15/131)
الوجه الخامس: أن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله تعالى وهو من أوامر الشيطان كما قال تعالى عنه) وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مبينا يعدهم وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غرورا أولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً) (النساء, الآيات:119_121) .
فهذه الوجوه الخمسة كلها تدل على أن شارب الدخان أهون معصية من حالق اللحية فيكون أولى بالإمامة من حالق اللحية إذا تساوياً في الصفات المرجحة. في 24/11/1399هـ.
991 سئل فضيلة الشيخ: هل تجوز الصلاة خلف إمام يتعامل بالسحر؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: السحر محرم, ومن ما هو كفر كما قال الله تبارك وتعالى:) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر) (البقرة: من الآية102) الآية.
فالسحر حرام, وإذا كان لا يتوصل إليه إلا بالأحوال الشيطانية أو بالأرواح الشيطانية فإنه يكون كفراً فقتله ردة, وإن كان لا يبلغ الكفر فقتله لدفع أذاه عن المسلمين, فمن ابتلي بشيء من ذلك(15/132)
فعليه أن يتوب إلى الله, وعيه أن يدع هذا العمل, ومن تاب, وعمل صالحاً مؤمنا بالله عزوجل فإن الله يبدل سيئاته حسنات.
وليعلم أنه لا يمس أحداً بسوء إلا كان عليه وزره, وربما يملى لهذا الساحر فلا يعاجل بالعقوبة فتؤخر عقوبته إلى الآخرة نعوذ بالله.
أما سؤال السائل حيث يقول: ما حكم الصلاة خلف إمام يتعامل بالسحر؟
فإن كان هذا السحر يبلغ به الكفر فلا تجوز الصلاة خلفه؛ لأنه كافر, لا صلاة له, لا تقبل صلاته, ولا يصلح لأن يكون إماماً.
وأما إذا كان سحره لا يبلغ الكفر فهذا ينبني على خلاف العلماء في فاعل الكبيرة إذا لم يتب منها هل يصلي خلفه أم لا؟ ولكن يجب أن نصلح هذا الساحر قبل أن نسأل هل نصلي خلفه أم لا.
992 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الصلاة وراء حالق اللحية والمسبل؟ وهل يأثم من يقيم جماعة أخرى ((في مسجد واحد)) بسبب أن الإمام كان حالقاً لحيته ومسبلاً ثوبه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس بالصلاة خلفه, وإن وجد إمام أتقى منه في مسجد آخر فاذهب إليه
ولا تجوز إقامة جماعة أخرى في مسجد ذلك الإمام. حرر في 27/10/1409 هـ.
* * *(15/133)
993 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -:هل تصح الصلاة خلف العاصي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة خلف المسلم وإن فعل بعض المعاصي جائزة وصحيحة على القول الراجح, ولكن الصلاة خلف من كان مستقيماً أفضل بلا شك, أما إذا كان الإنسان يستعمل أشياء مكفرة تخرج من الملة الإسلامية فإنه لا تجوز الصلاة خلفه, وذلك لأنه صلاته غير صحيحة, فإن من لم يكن مسلماً فصلاته غير صحيحة, وإذا كانت صلاة الإمام غير صحيحة, فإنه لا يمكن الاقتداء به؛ لأنك تقتدي بغير إمام وتنوي الإمامة بغير إمام.
* * *
994 سئل فضيلة الشيخ: يفتي البعض بأنه لا يجوز الصلاة وراء الإمام المبتدع والذي ينكر من السنن, غير أن الحديث يقول (صلوا وراء بر وفاجر)) فهل تجوز الصلاة وراء هذا الإمام أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث الذي أشار إليه السائل ((صلوا وراء كل بر وفاجر)) (1) لا أصل له بهذا اللفظ.
ولكن لا شك أن الصلاة خلف من هو أتقى لله, وأقوى في دين الله أفضل من الصلاة خلف المتهاون بدين الله.(15/134)
وأهل البدع ينقسمون إلى قسمين: أهل بدع مكفرة, وأخرى غير مكفرة.
فأما أهل البدع المكفرة: فإن الصلاة خلفهم لا تصح, لأنهم كفار لا تقبل صلاتهم عند الله فلا يصح أن يكونوا أئمة المسلمين.
وأما أهل البدع غير المكفرة فالصلاة خلفهم تنبني على خلاف العلماء في الصلاة خلف أهل الفسق.
والراجح أن الصلاة خلف أهل الفسق جائزة, إلا إذا كان في ترك الصلاة خلفهم مصلحة, مثل أن يكون ذلك سبباً في ردعهم عن فسقهم, فإن الأولى هنا أن لا يصلي خلفهم.
* * *
995 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الصلاة خلف الإمام الذي يتداوى بالشعوذة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأصل في هذه المسألة أن نقول: إن كل من صحته صلاته من المسلمين صحت إمامته, لا سيما إذا كان الإنسان يجهل حال الإمام, وأما من لا تصح صلاته من أهل البدع الذين تصل بدعتهم إلى الكفر, فهؤلاء لاتصح الصلاة خلفهم لعدم صحة صلاتهم.
وهذا الرجل الذي يتداوى بالشعوذة والتمائم, نقول: هو يتداوى بأمرين: التمائم والشعوذة, أما الشعوذة فمحرمة بلا شك لما فيها من الخداع, وربما يكون فيها شيء يوصل إلى الكفر, كما لو استخدم الشياطين, وتقرب إليهم بالذبح والدعاء وما أشبه ذلك.(15/135)
وأما التمائم: فإن كانت من القرآن, أو من الأدعية المشروعة فقد اختلف العلماء فيها: فمنهم من أباحها, ومنهم من منعها, والصحيح المنع, ولكن لا تصل إلى أن ينفر من الصلاة خلف الإمام الذي يستعملها.
أما إذا كانت التمائم من الرقى الشركية البدعية, فإنه لا يجوز استعمالها قولاً واحداً, وعلى الإنسان أن يتوب إلى الله تعالى من فعلها ويبتعد عنها.
* * *
996 سئل فضيلة الشيخ: هل تجوز الصلاة خلف من يجيز التوسل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة خلف من يجيز التوسل إن كان يجيز التوسل الشركي كمن يدعو الأنبياء والأولياء ويزعم أن ذلك توسل فلا شك أنه لا تجوز الصلاة خلفه؛ لأن من أجاز الشرك فقد كفر.
وإن كان يجيز التوسل الجائز فلا إشكال في صحة الصلاة خلفه.
وإن كان يجيز التوسل المختلف فيه فهذا ينظر في حاله, ولا يمكن ضبط هذه المسألة إلا في كل قضية بعينها.
* * *
997 سل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة خلف إمام يحتفل بالمولد النبوي؟(15/136)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الإمام لا يفعل أو يقول في المولد ما تقضي الكفر فإن الصلاة خلفه؛ لأن بدعته غير مكفرة.
وإن كان يقول ويفعل ما يقتضي الكفر, مثل أن يسجد للرسول صلي الله عليه وسلم أو يدعوه, أو يصفه بما لا يكون إلا لله تعالى, كأن يصفه بأنه يعلم الغيب أو ينقذ من الشدة, أو نحو ذلك, فإن الصلاة خلفه لا تصح, لأنه لا تصح صلاته, ومن لا تصح صلاته لا يصح أن يكون إماماً. حرر في 24/7/1407 هـ.
* * *
998 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح إمامة شارب الدخان؟ وما الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: جواب هذا السؤال يتوقف على شيئين:
الأول: هل شرب الدخان محرم؟
والثاني: هل الإصرار عليه يخرج من العدالة إلى الفسق؟
ويتفرع على هذا هل تصح إمامة الفاسق؟
فأما الشيء الأول: فإن الناس مختلفون في شربه هل يحرم, أم يكره, أم يختلف الحكم فيه؟ والذي يقتضيه ظاهر الأدلة التحريم لما فيه من التعرض للأضرار البدنية ,وإضاعة المال بلا فائدة, وملازمة الرائحة الخبيثة, وثقل كثير من العبادات على صاحبه وخصوصاً الصيام والتعرض لبذل ماء الوجه, وهذا الدخان إلى(15/137)
الخبيث أقرب منه إلى الطيب, كما معترف به عند الجميع, وقد حرم الله علينا الخبائث.
وأما الشيء الثاني: وهو هل الإصرار عليه يعد فسقاً؟
فإنه متى تقرر تحريمه, فإنه ليس من الكبائر, ولكن من الصغائر, وقد نص العلماء على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة, لما في ذلك من الدلالة على أن صاحبها لم يقم في قلبه من تعظيم الله ما يوجب انكفافه عنها, وحينئذ فالمصر على الصغيرة يحكم بفسقه, وإمامة الفاسق فيها خلاف بين العلماء:
فالمشهور من المذهب أنها لا تصح إلا في الجمعة والعيد, إذا تعذر فعلهما خلف غيره.
والصواب جواز ذلك, لأنه لا دليل صحيح على المنع من الصلاة خلف الفاسق, والأصل عدم اشتراط العدالة؛ ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قال (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم)) (1) .
والصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يصلون خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان ابن عمر وأنس يصليان خلف الحجاج (2) بن يوسف, وكذلك عبد الله بن مسعود كان يصلي خلف الوليد بن عتبة بن أبي معيط وهو يشرب الخمر (3) .(15/138)
وعلى هذا فالصلاة خلف شارب الدخان صحيحة على القول الذي رجحناه.
ولكن لا ريب أن غيره أولى منه إذا كان يقيم واجبات الصلاة القولية والفعلية.
* * *
999:سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الصلاة خلف إمام جامع لا يثبت كل الصفات؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الإمام الذي يصلي في الجامع إن كان يدعو إلى بدعته المخلفة لعقيدة السلف فلا تصل خلفه إلا أن تخشى الفتنة, وإن كان لا يدعو إلى بدعته فإن أصر عليها بعد بيان الحق له فلا تصل خلفه أيضاً, وإن لم يبين له الحق فصل خلفه؛ لأنه يظن أنه على صواب ول تقم عليه الحجة.
* * *
1000 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:إمام مسجدنا يحضر الزيارات السنوية للقبور المشهورة في بلدنا وسمع فيها دعاؤه الأموات, وعندما سألناه عن ذلك قال: إنه لا يقصد دعاء الميت, وإنما الدعاء ببركته, فما حكم الصلاة خلفه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب عليكم نصيحة إمامكم وتخويفه من الله – عز وجل- وأن تبينوا له أن دعاء الأموات شرك أكبر مخرج من الملة مخالف للسمع والعقل, قال الله تعالى:(15/139)
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الأحقاف, الآتيان:5-6) .وقال تعالى:) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر, الآيتان:13-14) .إلى غير ذلك من الآيات.
فهذه وأمثالها أدلة سمعية تدل على بطلان دعاء غير الله وعلى ضلال فاعل ذلك. وأما الدليل العقلي فهذا المدعو بشر مثلك كان بالأمس وهو حي لا يستجيب لك فيما لا يقدر عليه فكيف وهو ميت.
وإني لأسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم.
وأما الصلاة خلفه فتنبني على الحكم عليه.
* * *
1001 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة خلف الإمام حالق اللحية ومسبل الثوب؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن حصل إمام أتقى لله منه فالصلاة خلفه أولى بلا شك, وإن لم يحصل, أو دخلت مسجد جماعة وكان الذي يصلي بهم هو هذا الرجل الحليق أو المسبل فلا حرج أن تصلي خلفه؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الفاسق تصح إمامته, وأن كان الأتقى أولى منه.
* * *(15/140)
1002 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة خلف مسبل الثوب, وحالق اللحية؟ وما حكم إمامتهما؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إسبال الثياب محرم, ولا فرق أن يسبل الإنسان خيلاء تيهاً وتبختراً, أو أن يسبله عادة سار عليها مقلداً فيها غيره, لكن إن كان خيلاء فإن الله لا يكلمه ولا يزكيه ولا ينظر إليه يوم القيامة, وله عذاب أليم كما ورد في الحديث (1) ,وإن كان لغير الخيلاء فيعذب بالنار فيما وقعت فيه المخالفة, ((فما أسفل من الكعبين ففي النار)) (2) .
فعلى هذا يجب على الرجل أن يرفع لباسه أعلى من كعبيه, وقد رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – شاباً قد نزل إزاره على الأرض, فقال (ردوا على الغلام, فقال: يابن أخي أرف ثوبك, فإنه أبقى لثوبك, وأتقى لربك)) (3) .
فإن رفع الثوب فائدتين:
الأولى: تقوى الله عز وجل.
الثانية: أنه أوفر للثوب له من التقطع والتمزق.
وإذا كان الإسبال حراماً فإن أهل العلم اختلفوا في صلاة المسبل.
فبعض أهل العلم يرى أن صلاته تبطل؛ لأن من شرط الساتر أن يكون مباحاً, ساتراً طاهراً, فالمحرم لا يحصل الستر به؛ لأنه(15/141)
ممنوع من لبسه, والنجس لا يحصل الستر به؛ لأنه يجب اجتناب النجاسة, والشفاف لا يحصل الستر به كما هو ظاهر.
وقال بعض العلماء: إن صلاة المسبل تصح, ولكن مع إصراره على ذلك يكون فاسقاً, وإمامته لا تصح عند بعض العلماء, ولكن إذا وجدته يصلي فادخل معهم, والإثم عليه, وأنت صلاتك صحيحة؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته.
وأما حالق اللحية لا يجوز لأنه معصية للرسول صلي الله عليه وسلم فيما صح عنه بقوله صلي الله عليه وسلم (خالفوا المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب)) (1) .وإذا كان حلق اللحية معصية فإن المصر عليها يكون من الفاسقين, والفاسق لا تصح لصلاته عند كثير من أهل العلم, ولكن الصواب صحة إمامته إلا لا ينبغي أن يكون إماماً راتباً, فإذا وجدت إماماًحالقاً لحيته يصلي بالناس فصل معهم والإثم عليه.
* * *
1003 سئل فضيلة الشيخ: إنني بعض الأحيان أحضر إلى الصلاة في المسجد فأجد الجماعة قد صلوا, إلا إنني ربما أجد جماعة بعدهم وهؤلاء قد يؤمهم من يكون مدخناً, ومن ثم أصلي معهم وأنا على مضض فهل هذه الصلاة سليمة؟ وما هي شروط الإمامه؟ نرجو إفادتنا مشكورين.(15/142)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل سليم ولا بأس به؛ لأن الصلاة تصح خلف المدخن, وصلاة المدخن صحيحة, ومن صحت صلاته صحة إمامته؛ لأن المقصود أن يكون إماما لك وهذا يكون بصحة الصلاة, ولهذا لو وجدت شخصاً يشرب الدخان, أو حالق اللحية, أو يتعامل بالربا, أو ما أشابه ذلك فلا حرج عليك أن تصلي معه وصلاتك صحيحة.
وأما الصلاة خلف المسبل الذي ينزل ثوبه ففي صحة صلاته نظر عند بعض العلماء؛لأن الإسبال يعود إلى معنى يتعلق بالصلاة, فإن الثوب من شروط الصلاة – أي ستر العورة – لقوله تعالىصلي الله عليه وسلم يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (لأعراف: من الآية31) . وست العورة واجب, ولا بد أن يكون بالثوب مباح, فلو ستر بثوب محرم فإن وجوده كالعدم على المشهور من مذهب الإمام أحمد, ولهذا قالوا إذا صلى في ثوب محرم عليه فإن صلاته لا تصح, وإذا لم تصح صلاته فإن إمامته لا تصح.
وبهذه المناسبة أود أن أوجه النصيحة لكافة إخواني المسلمين أن يتوبوا إلى الله من إسبال ثيابهم ومشالحهم وسراويلهم, فإن هذا فيه وعيد ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم, فما سواء لبسه على سبيل الخيلاء, أو على غير سبيل الخيلاء, فما أسفل الكعبين ففي النار (1) ,أما إذا جر ثوبه خيلاء فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم.(15/143)
وعلى ذلك فأنني أنصح مثل هؤلاء الأئمة الذين امتن الله عليهم بهذا اللباس – ومن شكر الله سبحانه وتعالى – أن لا يجعلوه وسيلة لما يخالف أوامر رسوله صلي الله عليه وسلم.
وأما شروط الإمامة فنقول من صحت صلاته صحت إمامته, اللهم إلا المرأة لا تكون إماماً للرجال, وبناء عليه فتصح إمامة الصبي ولو كان دون البلوغ.
* * *
1004 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل يعمل عملاً حراماً ويتمادى فيه ويصر عليه, وإذا أتاه في بيته من يعمل الحرام يستقبله ولا يرفض ذلك, مع العلم أنه يظهر التدين والانقياد لله ويقرأ القرآن ويصلي في المسجد كل الصلوات. ما حكم الصلاة خلف هذا الرجل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن أهل العلم اختلفوا في صلاة خلف الفاسق الذي يتمادى بالمعصية الصغيرة ويصر عليها, أو يقع في كبيرة ولم يتب منها, اختلفوا في الصلاة خلفه على قولين:
أحدهما: أن الصلاة خلفه لا تصح لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه نهى أن يؤم الرجل المؤمن رجل فاجر (1) .ولأن هذا لا تقبل شهادته, ولاتصح ولايته, فلم يكن أهلاً لأن يتولى الإمامة على المسلمين.(15/144)
الثاني: وذهب بعض أهل العلم إلى صحة صلاة خلف الفاسق مادام فسقه لم يخرجه إلى الكفر, وذلك لأن الأصل في المؤمن الذي تصح صلاته, أن تصح إمامته إلا إن قام الدليل على المنع منه, والدليل هنا غير قائم.
والحديث الذي احتج به المانعون ضعيف ليس بحجة.
وأما التعليل الذي عللوا به, فإنه في الجواب عنه إن الولاية على نوعين:
النوع الأول: ولاية يكون فيها الإنسان مطلق التصرف فهذه قد لا تصح للفاسق.
النوع الثاني: ولاية لا يكون
فيها مطلق التصرف, بحيث ينكر عليه كل أحد رآه مخالفاً لما يجب أن يكون عليه في هذه الولاية, فإن ولايته فيها تصح, فقد ثبت أن الصحابة – رضي الله عنهم -والصواب عندنا أن الصلاة خلف الفاسق, لكن الصلاة خلف غير أولى وأكمل.
عنهم – صلوا خلف أهل الفسوق, وهذا يدل على أن القول هو الصحيح الذي لا يسع الناس اليوم العمل إلا به.
ولأننا لو طبقنا هذا الشرط على الأئمة لما وجدنا إلا النادر النادر ممن تصح إمامته؛ لأن أكثر الناس لا يخلو من بعض المعاصي إصراراً عليها, أو من بعض الكبائر, فمن الذي يسلم من الغيبة مثلاً؟! ومن الذي يسلم من تقصير في وظيفته والمحافظة عليها؟! ومن الذي يسلم من بغض أهل الحق لمجرد هوى يهواه؟! إلى غير ذلك من أسباب الفسق, فإن الخلو منها والسلامة منها أمر نادر.(15/145)
والصواب عندنا أن الصلاة تصح خلف الفاسق، لكن الصلاة خلف غيره أولي وأكمل.
أما بالنسبة لهذا الرجل الذي وصفت حاله, فإنه إذا كان مصراً على أمر ثبت تحريمه بالكتاب, والسنة يكون بذلك فاسقاً, فإن كان من كبائر الذنوب صار بمجرد فعله, إذا لم يتب منه, وإن كان من الصغائر لم يكن فاسقاً إلا إذا أصر عليه, هذا ما قرره أهل العلم, ونسأل الله لنا وله الهداية.
1005 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم إمامة المرأة للصبيان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أنه لا يجوز أن تكون المرأة إماماً للرجل سواء كلن صغيراً أم كبيراً, وبناء على ذلك فإنه في هذه الحال إذا أرادت المرأة إذا أرادت أن تصلي جماعة فإنها تجعل هذا الصبي هو الإمام, وتصلي خلفه؛ لأن إمامة الصبي جائزة حتى في الفريضة, فقد ثبت من حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه قال: قال أبي: جئت من عند النبي صلي الله عليه وسلم حقاً- لأن أباه كان وافداً مع الوفود إلى النبي صلي الله عليه وسلم في سنة تسع من الهجرة – فقال: جئتكم من عند النبي صلي الله عليه وسلم حقاً ,وقال (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم, وليؤمكم أكثركم قرأنا)) ,قال: فنظروا فلم يجدوا أكثر مني قرأنا فقدموني, وأنا ابن ست, أو سبع سنين, وهذا الحديث ثابت في صحيح البخاري (1) وهو دليل على أن إمامة الصبي في الفريضة جائزة.(15/146)
1006 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز المرأة أن تؤم غيرها من النساء في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للنساء أن يصلين جماعة.
ولكن هل هذا سنة في حقهن, أو مباح؟ بعض العلماء يقول: إنه سنة, وبعض العلماء يقول: إنه مباح.
والأقرب أنه مباح؛ لأن السنة ليست صريحة في ذلك, فإن أقمن الصلاة جماعة فلا بأس, وإذا لم يقمن الصلاة جماعة فهن لسن من أهل الجماعة.
* * *
1007 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم إمامة المرأة للرجال؟
فأجاب فضيلته بقوله: المرأة لا تؤم الرجال مطلقاً ((فلن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) (1) .
* * *
1008 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح إمامة الصبي بمن هو أكبر منه سناً؟
فأجاب فضيلته بقوله بقوله: نعم تصح إمامة الصبي بمن هو أكبر منه سناً, لكن إن كان الذي هو أكبر سناً منه قد بلغ فإن المشهور في المذهب أنها لا تصح إمامة الصبي به في الفرض خاصة, والصحيح(15/147)
جواز ذلك, وصحته في الفرض والنفل, ويدل لذلك حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه كان يؤم قومه وهو ابن ست, أو سبع سنين, لأنه كان أكثرهم قرآناً, رواه البخاري وأبو داود والنسائي (2) ,وكان ذلك في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولا يمكن أن يقرر في زمن الوحي شيء لا يجوز.
* * *
1009 سئل فضيلة الشيخ: أنا شاب عمري سبعة عشرة عاماً وبقريتنا مسجد ولم يتقدم لخطبة الجمعة إلا أنا, وعند نهاية الخطبة يتقدم للإمامة شيخ كبير لا يعرف القراءة, فهل يصح لي الصلاة بالجماعة إماماً؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز لك أن تتقدم بهم إماماً؛ لأنك خطيبهم, والذي يطهر من حالك أنك أقرؤهم, ولذلك قال صلي الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب لله)) (1) .
ولكن إن كان الإمام هو الإمام هو الإمام الراتب فإنك لا تؤمهم إلا بعد موافقته, لقوله صلي الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه, ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) (2) .فاستأذن منه إذا بدا لك أن تصلي بالناس باعتبار أنه يخطئ في بعض الآيات فإن سمح فذاك.(15/148)
وإلا فإنه ينظر: فإن كان لديه لحن يحيل المعنى فإنه يعلم إن كان بالإمكان تعليمه, وإلا فإن الأمر يرفع للمسؤولين عن المساجد. والله الموفق.
* * *
1010 سئل فضيلة الشيخ: سافر أناس أميون لا يغرفون الفاتحة ومعهم إنسان مقعد يحسن القراءة ولكنه لا يستطيع القيام فهل يصلي بهم إماماً؟ وماذا نقول لمن قال: ولا يصلي خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب في مثل هذا أن يصلي بهم القارئ المقعد لقوله صلي الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرئهم لكتاب الله)) . ونقول لمن قال (ولا يصلي خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي)) ونقول له: لا دليل على قولك من كتاب ولا سنة, بل عموم الأدلة تدل على صحة إمامة مثل هذا, وهناك ذليل خاص في هذه المسألة وهو ((أن النبي صلي الله عليه وسلم صلى بأصحابه جالساً لا يقدر على القيام)) (1) .
فإن قيل: إن النبي صلي الله عليه وسلم هو إمام الحي ونحن نقول بصحة ذلك منه.
فالجواب: أن لا دليل على التفريق بين إمام الحي وغيره, ثم إن عموم قوله - صلي الله عليه وسلم - (إنما جعل الإمام ليؤتم به)) إلى قوله - صلي الله عليه وسلم - (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)) (2)
يدل على لا فرق بين إمام الحي وغيره,(15/149)
فمن ادعى خروج غير الإمام الحي فعليه بالدليل.
وبهذا التقرير الذي ذكرنا يتبين أنه لا دليل على أنه لا يصح أن يأتم القادر على القيام بالعاجز عنه.
* * *
1011 سئل فضيلة الشيخ: عن إمامة من يعجز فعل بعض أركان الصلاة أو شروطها؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشهور من المذهب أن العاجز عن الشرط, أو الركن لا يكون إماماً للقادر.
ولكن ليس في هذا دليل يطمئن إليه القلب, والراجح عندي: أنه يجوز, وأن من صحت صلاته صحت إمامته. إلا أن يقوم نص, أو إجماع خلاف ذلك, فيؤخذ بما يقتضيه النص, أو الإجماع, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال الإمام (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) ,والمصلي قاعداً عاجز عن القيام وهو ركن في الفريضة.
* * *
1012 وسئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين -:هل تجوز الصلاة خلف إمام يسرع في الصلاة كثيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تصل خلف إمام يسرع كثيراً بحيث لا يمكنك أن تأتي بالطمأنينة الواجبة.
حرر 5/9/1418هـ.
* * *(15/150)
1013 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الغمام لا يستطيع الوقوف, فهل يجوز للمأمومين أن يصلوا جلوساً؟
فأجاب فضيلته بقوله: كنعم إذا كان الإمام لا يستطيع القيام وصلى قاعداً من أول الصلاة فإن من خلفه يصلون قعوداً, لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به)) حتى قال (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) (1) .
والنبي صلي الله عليه وسلم صلى ذات يوم يوم بأصحابه قاعداً وهم قيام, فأشار إليهم أن جلسوا, وهذا يدل على أن المأموم مأمور بمتابعة إمامه حتى في هذه الحال.
وإنما أسقطنا عنه القيام وهو ركن من أجل متابعة الإمام, كما يسقط عنه الواجب فيما لو أن قام الإمام عن التشهد الأول ناسياً, فإن المأموم يتابعه ويسقط عنه التشهد الأول في هذه الحال.
وبهذا عرف أن الإمام إذا كان لا يجلس للاستراحة نوع تخلف عن الإمام.
والمشروع للمأموم أن يتابع إمامه فور انتهائه من الركن الذي انتقل منه, ووصوله إلى الركن الذي انتقل إليه, ولا يتخلف, وبهذا تتم المتابعة فيسقط الركن عن المأموم في القيام إذا صلى الإمام جالساً, ويسقط الواجب إذا ترك الإمام التشهد الأول ناسياً, ويسقط المستحب إذا تركه الإمام وكان لا يرى الجلوس للاستراحة, فإن(15/151)
المشروع في حق المأموم أن يتابعه لا يجلس, وأن كان يرى استحباب الجلوس.
فإن قلت: وهل مثل ذلك إذا كان الإمام يرى عدم رفع اليدين عند الركوع, وعند الرفع منه, وعند القيام من التشهد الأول, والمأموم يرى استحباب ذلك هل نقول للمأموم: لا ترفع يديك كالإمام؟
فالجواب: لا, ارفع يديك؛ لأن رفع يديك لا يقتضي مخالفة الإمام, فإنك سترفع معه, وتسجد معه وتقوم معه بخلاف الذي يقتضي المخالفة.
ولهذا لو كان الإمام لا يتورك في التشهد الأخير, أو كان يتورك في كل التشهد يعقبه تسليم, والمأموم يرى أنه يتورك في التشهد الأخير إذا كانت الصلاة ثلاثية, أو رباعية, فإنا نقول للمأموم: افعل ما ترى أنه سنة, وإن خالفت إمامك في صفة الجلوس؛ لأن هذا لا يعد اختلافاً على الإمام.
وخلاصة القول: أن الإمام إذا صلى جالساً, فإن المأمومين يصلون جلوساً لأمر النبي صلي الله عليه وسلم بذلك, ولأنه طبق هذا فعلاً حين صلى الصحابة خلفه قياماص فأشار إليهم أن جلسوا, هذا إذا ابتدأ الصلاة قاعداً, أما لو ابتدأ الإمام الصلاة قائما ثم حصلت له علة فجلس فهنا يتم المأمومين صلاتهم قياماً.
وهذا ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام حين جاء في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس قائماً, فجلس النبي عليه الصلاة(15/152)
والسلام إلى يسار أبي بكر, وأتم الصلاة بهم, وقد بقوا على قيامهم, ووجه ذلك انهم ابتدؤوا الصلاة قياما مع إمامهم, وحصلت العلة في أثناء فيجلس هو, أما هم فيصلون بقية صلاتهم قياماً على أول الصلاة.
* * *
1014 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد للصلاة فوجد الإمام قد انتهى من الصلاة ووجد مقعداً يصلي وهو جالس, فأراد الدخول معه فهل يقف بجانبه أو يصلي جالساً؟
فأجاب فضيلته بقوله: صل مع هذا المقعد الذي يصلي جالساً؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه, فإذا كبر فكبروا, ولا تكبروا حتى يكبر, وإذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع, وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد, وإذا سجد فاسجدوا, ولا تسجدوا حتى يسجد, وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً, وإذا صلى قاعدا فصلوا قعوداً أجمعون)) (1) .
ولاحرج عليك أن تدخل معه ولو كان قد بدأ الصلاة منفرداً على القول الراجح من أقوال أهل العلم, ودليل ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه بات خالته ميمونة - رضي الله عنها- في الليلة التي كان عندها رسول الله صلي الله عليه وسلم ,فلما قام رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل قام ابن عباس - رضي الله عنهما- عن يساره,(15/153)
فأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه (2) ,وقد نوى النبي صلي الله عليه وسلم الصلاة منفرداً, ثم نوى الإمامة, وما ثبت في النفل يثبت في الفرض إلا بدليل.
* * *
1016 سئل فضيلة الشيخ: ما العمل إذا انتقض وضوء الإمام أو تذكر أنه على غير طهارة وهو ساجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمل فيهذه الحال أن ينصرف من الصلاة, ويأمر أحد المأمومين الذين خلفه بتكميل الصلاة بالجماعة, فإذا قدرنا أنه تذكر وهو في الركعة الثالثة من الظهر أن ليس على طهارة, فإن الواجب عليه أن ينصرف, ولا يجوز أن يكمل(15/154)
الصلاة على غير طهارة ,ويأخذ أحد المأمومين الذين خلفه ليتم الصلاة فيكمل بهم الثالثة, ويأتي بالرابعة ويسلم. فإذا قدر أنه لم يتذكر إلا بعد السلام, بطلت صلاته, أما صلاة المأمومين فصحيحة وليست باطلة.
* * *
1017 سئل فضيلة الشيخ: عن إمام مسجد يكسر في القراءة القرآن وزيادة على ذلك فهو حالق للحيته, ما حكم الصلاة خلفه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب من أقوال أهل العلم: أن الصلاة خلف العاصي صلاة صحيحة, إذا كانت الصلاة التي يصليها لم يفعل فيها ما يبطلها, فإن كان قد فعل فيها ما يبطلها فإن الصلاة خلفه لا تصح, مثل أن يكون هذا الإمام يصلي صلاة يسرع فيها, لا يطمئن فيها, ولا يدع من خلفه أن يطمئن, فهاهنا لا تجوز الصلاة خلفه, ويجب على من خلفه أن يفارقه ويتم الصلاة وحده؛ لأنه إذا كان تطويل الإمام إطالة مخالفة للسنة تبيح للمأموم أن يدع إمامه ويتم الصلاة وحده, إن ترك الإمام الطمأنينة يبيح الإنفراد, فإذا كان الإمام يسرع إسراعاً لا يتمكن المأموم فيه من القيام بواجب الطمأنينة فإنه يجب على المأموم في هذه الحال أن يفارق الإمام وأن يصلي وحده؛ لأن المحافظة على الطمأنينة ركن من أركان الصلاة, والمحافظة على الإمامة واجب للصلاة ولا تعارض بين الركن والواجب.(15/155)
وأما إذا كان الإمام قد عصى معصية تتعلق بذاته ولا تؤثر على صلاته فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاته خلفه صحيحة, وقد صلى الصحابة - رضي الله عنهم - خلف الحجاج بن يوسف الثقفي (1) وقد علم أنه كان ظالماً مهدراً لدماء المسلمين, ولكننا نقول: إذا كنت تتمكن من الصلاة خلف إنسان مستقيم فإنه لا ينبغي لك أن تصلي خلف إمام غير مستقيم, فالمسألة من باب الأولوية, وليست من باب المحرم هذا القول الذي نراه أرجح الأقوال, والعلم عند الله.
وأما مسألة تكسير القرآن: فإنه لا يجوز لإنسان أن يقرأ القرآن على غير الصواب, والقرآن - ولله الحمد - موجود بين أيدينا معرباً مصححاً واضحاً, فعلى الإنسان أن يقرأ القرآن سليماً حتى لو وقف عند الكلمة خمس دقائق, أو ربع ساعة وهو يتهجاها حتى يخريجها على الوجه الصحيح فإن هذا أولى من أن يقرأها على الوجه الخطأ هذا هو الواجب؛ لأن القرآن ليس كلام بشر, بل هو كلام الله عز وجل فأنت إذا نطقت به على غير ما صح, وعلى غير ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فمعنى ذلك أنك حرفت كلام الله, وتحريف كلام الله محرم هذا ليس كلام بشر ينقله ومعناه, ويجب على الإنسان أن يتأتى ويتأمل حتى لو ردد الكلمة عدة مرات ليأتي بها مستقيمة كان هذا هو الواجب عليه.(15/156)
ومثل هذا الإمام الذي أشار إليه السائل إن كان إماماً راتباً في المسجد فإن عليه أن يبلغ المسؤولين عن حال هذا الرجل ليبدلوه بغيره, وإن كان غير إمام راتب فإنه لا يجوز لأهل المسجد أن يمكنوه من الصلاة فيهم, وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سوء فأعلمهم بالسنة.....)) الحديث (2) .
* * *
1018 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة خلف إمام لا يرى قراءة الفاتحة في الركعة الأخيرة ويرى أن التسبيح يجزئ عن قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الصلاة خلف إمام لا يعرف هل هو يقرأ الفاتحة أم لا مع العلم أن ممن يرى أن آخر ركعة من الصلاة لا تجب فيها قراءة الفاتحة نقول: إن الصلاة صحيحة؛ ولو كان يرتكب ما تراه خطئاً, فإنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد التي نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل.
أما إذا وجد شخص يعرف أنه يقرأ الفاتحة في كل ركعة فإن الأولى أن يصلي مع هذا الإمام الذي لا يقرأ الفاتحة في آخر ركعة.
وأما ذهب إليه الإمام من أن آخر ركعة يجزى فيها(15/157)
التسبيح فإنني لا أعلم له أصلاً في السنة, والسنة على أنه لابد من قراءة الفاتحة في كل ركعة؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما علم المسيء في صلاته كيف يصلي قال له صلي الله عليه وسلم (وافعل ذلك في صلاتك كلها)) ,ومن بينها قراءة الفاتحة, فإن قراءة الفاتحة كما في الركعة الأولى تجب فيما بعدها من الركعات التي في آخر الصلاة لقوله صلي الله عليه وسلم (وافعل ذلك في صلاتك كلها)) (1) .
وخلاصة الجواب أن الصلاة خلف من يخالف في أمر من فروع الدين في صلاته لا بأس بها.
* * *
1019 سئل فضيلة الشيخ: هل تجوز إمامة الذي يتتعتع في قراءة القرآن الكريم؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: إمامة الذي يتتعتع في القرآن جائزة مادام يقيم الحروف والكلمات والحركات, فإن من الناس من يكون النطق ثقيلاً عليه ويتتعتع فيه. إلا أن من أهل العلم من قال إنه يكره إمامة الفأفاء الذي يكرر الفاء, والتماتم الذي يكرر التاء, وكذا من يكرر غيرها من الحروف, قالوا إنه تكره إمامته, ولا ريب أنه كلما كان الإنسان أقرأ أي وجود قراءة, وأكثر حفظاً للقرآن فهو أولى بالإمامة مع تقواه وصلاحه لقول النبي عليه الصلاة والسلام صلي الله عليه وسلم (يؤم(15/158)
القوم أقرئهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما أو قال سناً) (2) .
* * *
1020 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإمام لا يحسن القراءة فهل يصلي خلفه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإمام لا يلحن لحناً يحيل المعنى فإن الصلاة خلفه تصح, ولكن يعلم حتى يتقن القراءة, أما إذا كان يلحن لحناً يحيل المعنى فإنه لا يصلي خلفه, ولا يجوز أن يبقى إماماً في هذه الحال.
* * *
1021 وسئل فضيلته – وفقه الله تعالى:عن حكم تقليد الإمام أحد القراء في قراءته؟
فأجاب بقوله: يجوز أن يقلد أحد القراء في قراءته, ما دام أداء القارئ الذي قلده جيداً.
أما الصوت فلا يقلده فيه. حرر في 14/4/1419هـ.
* * *(15/159)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد انتشر في مساجد المسلمين في السنوات الأخيرة تركيب جهاز يسبب التشويش والإزعاج لكثير من المسلمين يسمى جهاز ترديد الصدى يضاف إلى مكبر الصوت لتضخيمه وترديد صداه في جنبات المسجد, مع العلم بأن ذلك يؤدي إلى أن يسمع المأموم قراءة الإمام وكأنه يردد كلمتين والحرف حرفين وخصوصاُ حروف الصفير, ويحصل من ذلك إزعاج وتشويش على بعض المصلين, نرجو من فضيلتكم بيان رأيكم في هذا وتوجيه نصيحة لمن يتسبب في جلب ما يشوش على المصلين إلى المسجد.
جزاكم الله خيراً, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان لا يحصل من جهاز ترديد الصدى إلا تحسين الصوت داخل المسجد فلا بأس به؛ أما إذا كان يحصل منه ترديد الحروف فحرام؛ لأنه يلزم منه زيادة حرف أو حرفين في التلاوة, فيغير كلام الله تعالى عما أنزل عليه, قال في كتاب ((الإقناع)) وكره أحمد قراءة الألحان وقال: وهي بدعة. فإن حصل معها تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفاً حرم.ا. هـ كلامه(15/160)
وأما كان الصوت يخرج عن المسجد من فوق المنارة فإن كان ليس حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فأرجو أن لا يكون بذلك حرج, وأما إذا كان حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فلا يرفعه من فوق المنارة لما في ذلك من أذية الآخرين والتشويش عليهم, وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: فكشف الستر وقال (ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً, ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)) .أو قال في الصلاة.أخرجه أبو داود ونحوه عن البياضي فروة بن عمرو رواه مالك في الموطأ, قال ابن عبد البر حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين. ا.هـ.ولنا جواب طويل على هذه المسألة كتبناه سابقاً (1) . أرجو تعالى أن ينفع به. كتبه محمد الصالح العثيمين في 23/8/1419هـ.
* * *(15/161)
1022 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى بالناس من لا يجيد قراءة القرآن مع وجود من هو أجود منه فهل صلاتهم باطلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بد تعرف ما معنى قولهصلي الله عليه وسلم (لا يجيد قراءة القرآن)) ,إن كان المعنى أنه لا يجيدها على الوجه جيد فالصلاة صحيحة.
أما إذا كان لا يجيد القراءة يلحن لحناً يغير المعنى, ولا يقيم الكلمات, فنعم لا تصح الصلاة خلفه مع وجود قارئ مجيد للقرآن.
* * *
1023 سئل فضيلة الشيخ: طلب مني بعض الزملاء في العمل أن أكون إماماً أصلي في مسجد العمل, فهل يجوز هذا مع أني لا أقرأ ولا أكبت وفيهم من هو أقرأ مني؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً,-أو قال-سناً)) (1) .
فلا ينبغي أن تؤم قومك وأنت لا تقرأ ولا تكتب وفيهم من هو أقرأ منك؛ لأن هذا خلاف أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم, وأمره صلي الله عليه وسلم كله خير.
فمن كان أهلاً وأقرأ من غيره في هذا المكان يكون إماماً.
إما إذا تعذر, وأبى كل منهم أن يكون إماماً, ولم يبق إلا أن(15/162)
تكون أنت الإمام, وأنت تعرف الفاتحة وما تيسر من القرآن ولو قليلاً, فإنه يصح أن تكون إماماً؛ لأن أهم شيء أن يكون الإمام يقرأ الفاتحة, ولا أظن أحداً من الناس يعجز عن قراءة الفاتحة.
والخلاصة: أنه ينبغي أن يؤمكم أكثركم قرآناً, ولا ينبغي أن يتقدم أحد وهناك من هو أقرأ منه إلا إذا تعذر. والله الموفق.
* * *
1024 سئل فضيلة الشيخ: دخلت المسجد لأصلي ففوجئت بإمام لا أحب أن أصلي وراءه, فماذا على أن أفعل لكي أكسب أجر صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخلت المسجد لصلاة الجماعة ووجدتهم يصلون فصل معهم, حتى وإن كان الإمام ممن تكره؛ لأن صلاة الجماعة واجبة, وقد حصلت فلا يحل لك أن تفرط فيها.
ويبقى النظر في سبب كراهيتك لهذا الواجب على أن يزيل ما بينه وبين أخيه من أحقاد, وأن يبدل هذه الأحقاد ألفة ومحبة لأن الله تعالى قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) (الحجرات: من الآية10)
وأما تناصحه, وتبين له الخلل حتى يقوم بإصلاحه, وليستقيم على أمر الله.(15/163)
أما ترك الناس بعضهم بعضاً إذا رأوا خللاً في دينهم, والإكتفاء بإضمار الحقد والعداوة لهم فإن هذا خلاف حال المؤمنين الذين قال الله فيهم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: من الآية110) .
* * *
1025 سئل فضيلة الشيخ: لدينا مسجد يأخذ مرتباً من الدولة ولا يحضر بعض الفرائض في المسجد, ويؤم الناس بدلاً منه من لا يحسن القراءة, وفي نفس الوقت يوجد من لا يحسن القراءة؟ وهل تصح إمامة غير المتزوج؟ وإذا كانت لا تصح فهل لي أن أصلي في البيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن مسألتين:
المسألة الأولى: هذا الإمام الذي يتخلف عن المسجد ويخلف من لا يصلح أن يكون إماماً.
وجواب هذا: أن مثل هذا الفعل محرم ولا يجوز؛ لأنه يأخذ على مرتباً شهرياً, وأيضاً الواجب في حقه إذا لم يستطع الإمامة أن يقدم استقالته حتى يدع المجال لمن يكون أهلاً, ويقوم بإمامة هذا المسجد.
أما المسألة الثانية: فسؤالك عن إمامة من لم يكن قد تزوج الشباب.(15/164)
وجواب ذلك: أن إمامة غير المتزوج جائزة ولا حرج فيها, لقوله صلي الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) (1) .وقد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن سلة الجرمي – رضي الله عنه – أنه كان يؤم قومه ابن ست أو سبع سنين حيث كان أقرأ قومه ,وكان عهد النبي صلي الله عليه وسلم (2) .
* * *(15/165)
رسالة
نصيحة للأئمة والخطباء
قال فضيلة الشيخ - غفر له ولوالديه, ولجميع المسلمين -:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
الأئمة والخطباء هم الذين يقودون المجتمع؛ لأنهم يباشرون الناس مباشرة تامة في اليوم والليلة والأسبوع في خطبة كل جمعة, ولا شك أن لهذا تأثيراً كبيراً لا سيما مع وجود الصحوة التي لا تنكر بين الشباب المسلم..فقد كان الناس قبل نحو عشرين سنة لا تكاد تجد في المسجد من الشباب إلا اليسير, أما الآن ولله الحمد فأكثر من في المساجد هم الشباب وهذا يؤذن بمستقبل زاهر لهذه الأمة, وليس هذا في البلاد السعودية فقط بل في عامة البلاد الإسلامية, فكل من يأتي إلينا من جهات متعددة ونسأله عنها يثنون على الصحوة الموجودة في بلادهم, وهذا لا شك من نعم الله - عز وجل - ونشير إلى أن المستقبل لهذه الأمة, ولكن هذه الصحوة تحتاج إلى قيادة تجمع بين العلم الشرعي والعقل الواعي؛ لأن الكلام بلا علم جهل, والجاهل يفسد أكثر مما يصلح؛ ولأن الكلام(15/166)
بلا عقل يؤدي إلى الاندفاع الجارف الذي تستولي عليه العاطفة, وإذا لم توزن العاطفة بميزان الشرع والعقل فإنها ستصير عاصفة تضر وهي وإن نجحت في إثارة الهمم والنشاط والإقبال في وقت ما, فإنها قد تكون العاقبة وخيمة, لكن إذا كانت الصحوة مميزة بالعلم الشرعي والعقل الواعي أمكن أن تسير على ما ينبغي بدون إزعاج وبدون نتائج عكسية, لهذا نحث إخواننا الخطباء والأئمة الذين يتكلمون أحياناً أدبار الصلاة أن يركزوا على هذا الأمر, على أن يكون الإنسان ناظراً للنتائج والمستقبل البعيد دون أن ينظر إلى الشيء الحاضر, فنار السعف لا شك أنها تشتغل بقوة وتضيء ما حولها لكن سرعان ما تخمد, أما نار الجمر فإنها تبقى ويحصل بها المقصود كثيراً؛ لأنها تنضج وتدفئ على وجه متأن ليس فيه ضرر.
أريد من أخواني الخطباء والأئمة التركيز على هذا الأمر ,أريد منهم أن يحرصوا دائماً على توحيد الكلمة, وتأليف القلوب والتحذير من التفرق لأشياء بسيطة هي من الأمور الخفيفة بالنسبة لغيرها من أصول الدين, لأن الإسلام جاء ليجمع الأمة لا ليفرقها, كما قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) فتأليف القلوب مهم, ولا يمكن أن يصلح مع تنافر القلوب أبداً, ونحن نقول هذا لا نريد أن نسكت على خطإ لكن نريد أن نجاور الخطأ الذي يقع من بعضنا وذلك بالتثبت أولاً: هل وقع الخطأ؟ أم لم يقع؛ لأنا نسمع ولا سيما عند الضجة وعند الفوضى نسمع أشياء من أقوال أو أفعال تنسب إلى بعض الناس وعند التحقيق لا نجد شيئاً, عندما نحقق عن هذه الأشياء من أقوال أو أفعال لا نجد(15/167)
شيئاً إذاً يجب علينا أن نتأدب بما أدبنا الله به (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36)
ثانياً: إذا ثبت لدينا ما نعتقده خطأ فلنتأمل قبل أن نتكلم مع صاحب هذا الخطأ الذي نعتقده خطأ, نتأمل هل هذا الخطأ؟ أو هل لهذا وجه؟ قد يكون له وجه, وهذا الوجه إما أن يكون قوياً أو ضعيفاً, وفي المرحلة الثالثة نتصل بهدوء واحترام مع صاحب الخطأ الذي اعتقدناه خطأ لنبحث معه لا على وجه الانتقاد ولا على وجه الانتقام ولكن على وجه الإصلاح, وإرادة الحق والله – سبحانه وتعالى – يقول في كتابه العظيم (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء: من الآية35) . ونحن إذا تكلمنا مع غيرنا بقصد الإصلاح واتباع الحق لا انتقاد وانتقاماً منه فإنه مع هذه النية الصالحة وسلوك الحكمة يحصل المقصود بإذن الله وعد الله لا يخلف الله وعده.
ولكن مع الأسف إن بعض الناس إذا سمع خطأ من أحد مجرد سماع دون أن يثبت طار به بعض الناس إذا سمع خطأ من أحد مجرد سماع دون أن يتبث طار به في الآفاق ثم ينسى ما لهذا الرجل من الحسنات الكثيرة التي تطفو بل التي تغمر هذه السيئة أو السيئات, وهل هذا من العدل؟ هل من العدل أن يأخذ الإنسان بالسيئات دون أن يقارنها بالحسنات؟ هذا هو الجور.والله تعالى يقول في كتابه: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ) (الأنبياء: من الآية47) .ويقول: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) (الرحمن: من الآية9) يجب على الإنسان أن يوازن وأن نعلم أن الإنسان بشر وأنه لا يخلو من خطأ ولكن الدواء النافع هو أن نحسن النية وأن نحسن الطريقة التي يحصل بها تفادي ذلك الخطأ.(15/168)
ثم هناك أشياء من الأمور التي تعتبر خفيفة بالنسبة للأصول العظيمة في الدين الإسلامي ومن الأصل العظيم بل هو أصل الأصول بعد التوحيد الاجتماع على كلمة الحق.
تجد رجلين مثلاً يختلفان في مسألة من مسائل الفقه ثم يحصل بينهما من العداوة واختلاف القلوب ما يحصل لأجل هذا, ثم كل واحد منهم يحاول أن يجمع حوله ما يجمع من الشباب أو غير الشباب فتتفرق الأمة وهذا والله ليس بالطريق السليم.
السليم أن نجتمع على الحق وأن يذهب أحدنا إلى أخيه الذي ظن أنه أخطأ ليتكلم معه بهدوء واحترام إن كان أكبر منه علماً أو سناً فليتأدب معه بلطف لا يتكلم معه مكالمة النظير؛ لأنه أكبر منه سناً أو أكبر منه علماً, حتى لا يحصل من الآخر الذي يرى نفسه أكبر منه شيء من الأمور.
فيجب على الإمام أن يكون أسوة حسنة في توجيهات الخلق فيما يرضي الله – عز وجل -.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم, ظاهراً وباطناً, وأن يتوفنا على ذلك, وأن يتولانا في الدنيا والآخرة وأن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/169)
1026 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الرجل بأهله في السفر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يصلي الرجل بأهله ومحارمه في السفر, فقد كان النساء يحضرون الصلاة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم, وصلى النبي صلي الله عليه وسلم بأنس وأمه واليتيم (1) .
* * *
1027 سئل فضيلة الشيخ: دخلنا المسجد ثلاثة فوجدنا الإمام انتهى من صلاة العشاء, فهل الأفضل أن يصلي نحن العشاء جماعة, أو ننتظر التراويح ونصلي خلف الإمام بنية العشاء ثم نتم صلاة العشاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل لمن دخل جماعة والإمام في صلاة التراويح, وهم لم يصلوا العشاء, لكن يكونون في محل بعيد عن التشويش على المصلين, ثم إذا فرغوا من صلاة العشاء دخلوا مع الإمام.
أما إذا دخل رجل واحد فقط والإمام يصلي التراويح وهذا الرجل لم يصل العشاء فإنه يدخل مع الإمام فيصلي خلفه بنية العشاء. فمثلاً إذا كان قد أدرك الإمام في الركعة الأولى من التراويح فإنه إذا سلم الإمام يأتي هذا بركعتين, وإن دخل في الركعة الثانية فإذا سلم الإمام أتى بثلاث ركعات, وقد نص الإمام أحمد – رحمه الله – على جواز هذه المسألة.(15/170)
1028 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإنسان يصلي نافلة ودخل معه شخص فهل يجوز ذلك؟ وما حكم إذا امتنع من يصلي النافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز ذلك, فإذا دخل معه القادم نوى الجماعة, ولا ينبغي له أن يأبى فيحرم نفسه ويحرم الداخل ثواب الجماعة, وقد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم قام يصلي من الليل وحده فجاء ابن عباس – رضي الله عنهما – فصلى معه (1) ,وما جاز في النفل جاز في الفرض؛ لأن الأصل تساوي أحكامهما إلا بدليل يدل على الخصوصية.
* * *
1029 سئل فضيلة الشيخ: هل تجوز صلاة المفترض خلف المتنفل, والمتنفل خلف المفترض؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز ذلك, كما يجوز صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر, وصلاة العصر خلف إمام يصلي الظهر؛ لأن لكل امرئ ما نوى, ولهذا قال الإمام أحمد: إذا دخلت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصل العشاء فصل خلفه, فهي فريضة وله نافلة.
* * *(15/171)
1030 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فلا حرج في ذلك, وصلاته صحيحة على القول الراجح النبي صلي الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (1) .ولم يثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يدل على وجوب اتحاد نيتي الإمام والمأموم فيكون لكل واحد منهما نيته كما يدل عليه الحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى)) .
* * *
1031 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى رجل صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى رجل صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح فلما سلم من الإمام التراويح أتم الرجل صلاة العشاء فهذا جائز ولا بأس به, وقد نص على جوازه الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وصح عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- أنه كان يصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم العشاء الآخرة, ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فتكون له نافلة ولمن خلفه فريضة (2) .
لكن إن كان مع هذا الرجل جماعة فالأولى أن يصلوا وحدهم(15/172)
صلاة العشاء في جانب من المسجد ليدركوا الصلاة كلها من أولها إلى آخرها في الجماعة.
* * *
1032 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان منفرداً فجاء شخص آخر يريد الائتمام به فهل يجوز ذلك؟ وهل يصلي مع المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شرع الإنسان في الصلاة منفرداً ثم جاء آخر فصلى معه فلا بأس سواء في الفريضة أو في النافلة, أما في النافلة فقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه فعله, وذلك حين بات عنده عبد الله بن عباس – رضي اله عنهما – فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل وحده, فقام ابن عباس وصلى معه فأقره (1) ,وما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة إلا بدليل. وأما مسالة الثانية وهي إذا دخل الإنسان مع الإمام وقد فاته بغض الصلاة, ثم قام ليأتي بما بقي فدخل معه آخر فهو أيضاً لا بأس به, لكن الأفضل تركه؛ لأن هذا ليس من هدي الصحابة أن أحدهم إذا قام يقضي ما فاته معه آخر جماعة.
* * *
1033 سئل فضيلة الشيخ: إمام دخل في صلاة المغرب وذكر في أثناء الصلاة لم يصل العصر فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الإمام الذي نسي صلاة العصر(15/173)
ودخل في صلاة العصر المغرب, وتذكر في أثناء الصلاة أنه لم يصل العصر, يستمر في صلاة المغرب, فإذا أتمها أتى بصلاة العصر, وتصح منه صلاة العصر حينئذ, وهذا الحكم عام حتى ولو كان المصلي منفرداً؛ لأن الفريضة إذا شرع فيها الإنسان لزمه إتمامها إلا لعذر شرعي.
* * *
1034 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح إمامة المتيم بالمتوضئ؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تصح, لكن المتوضئ أولى إذا تساووا في الصفات الأخرى المعتبرة في الإمامة وهي القراءة والعلم بالسنة, وقدم الهجرة والإسلام وكبر السن ونحو ذلك مما هو معروف في ترتيب الأئمة الأولوية.
* * *(15/174)
- تخلف الإمام أو المؤذن عن القيام بالمسجد
- موقف الإمام والمأمومين
- صلاة المنفرد خلف الصف
- اقتداء المأموم بالإمام
- متابعة الإمام عبر مكبرات الصوت
- الصلاة خلف التلفاز والمذياع(15/175)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح عثيمين حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
هناك بعض أئمة المساجد والمؤذنين لهم وظائف وفي بعض الأحيان يتخلفون عن الإمامة والأذان ويبقون في الوظيفة وأحياناً يحضرون, وبعض المرات يوكلون من يصلي أو يؤذن بدلاً عنهم وبعض المرات لا يحضرون ولا يوكلون أحد, فما حكم ذلك؟
أفيدونا أثابكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة اله وبركاته.
الواجب على الموظف أن يقوم بواجب وظيفته سواء كانت إمامة أو أذاناً أو غيرهما لقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: من الآية1) وقوله:) وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: من الآية34) ولا يحل للإمام أو المؤذن أن يخل بواجب وظيفتهما.
وإذا كان الإمام أو المؤذن لا يستطيع أن يقوم بالوظيفتين فليترك إحداهما لغيره, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
كتبه محمد الصالح العثيمين في28/4/1417هـ.(15/177)
1035 سئل فضيلة الشيخ: بعض الأوقات يصلي عني المؤذن فأعطيه مبلغاً معيناً فيرضى به, هل ذلك جائز؟ أو أعطيه مبلغاً عن كل صلاة صلاها عني؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: نسأل هذا الإمام لماذا يتخلف وقد التزم أما ولي الأمر, أو نائب ولي الأمر, وهو مدير الأوقاف, أن يكون في هذا المسجد؟ فلا يحل للإمام أن يتخلف فرضاً واحداً إلا بما جرت به العادة, كفرض أو فرضين في الأسبوع, أو إذا كان موظفاً ولا بد أن يغيب في صلاة الظهر فيخبر مدير الأوقاف ويرضى بذلك الجماعة, فلا بأس.
يعني لا بد من ثلاثة أمور, إذا كان يتخلف تخلفاً معتاداً كصلاة الظهر للموظف: لا بد أن يستأذن من دير الأوقاف, ولا بد أن يستأذن من أهل الحي – الجماعة – ولا بد أن يقيم من تكون به الكفاية سواء المؤذن, أو غير المؤذن, أما أن يهملهم ولا يحضر, ولا يوكل ويبقى الناس صل يا فلان, صل يافلان, وربما يتقدم من ليس أهلاً للإمامة فهذا إضاعة للأمانة.
فنخاطب من؟ نخاطب أول من نخاطب الإمام (لماذا تخلف؟) فإذا كان يتخلف عذر شرعي, أو بشيء معتاد كاليومين أو اليوم أو الثلاثة أيام في الأسبوع في فرض واحد, فلا بأس أما أن يبقى يتخلف أكثر الأوقات, ويقول أنا وكل المؤذن, أو فلاناً فهذا غلط, فليترك المسجد ويبري ذمته ويدعه لمن يتشوف له.
أملاه محمد الصالح العثيمين في 1417هـ.(15/178)
1036 سئل فضيلة الشيخ: ما الأمور التي يتابع فيها الإمام؟ وما الأمور التي لا يتابع فيها؟ وما رأيكم فيمن جعل العلة في المتابعة هي العذر النبي صلي الله عليه وسلم حين أمرهم بمتابعته في الصلاة جالساً كان معذوراً, وعلى فكل من كان معذوراً في ترك أمر من أمور الصلاة فإنه يتابع فيه, فمثلاً إذا كان مجتهداً أو مقلداً فهو معذور فيتابع من أجل ذلك حتى وإن خالفك في رأيك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الشيء الذي يؤدي تركه إلى مخالفة الإمام فإن الإمام يتابع عليه, وأما الذي لا يخالف الإمام لا يرى ذلك, ولامأموم يرى ذلك فإنه يرفع يديه ولا حرج؛ لأنه لا يحصل بذلك مخالفة للإمام ولا تخلف عنه, وكذلك في الجلوس إذا كان الإمام لا يرى التورك والمأموم يرى التورك أو بالعكس, فإنه لا يتابعه, لأنه لم يختلف عليه ولم يخالفه, وأما إذا كان يقتضي التخلف مثل أن يكون المأموم يرى جلسة الاستراحة والإمام لا يراها فإن المأموم لا يجلس؛ لأنه لو جلس لتخلف عن الإمام والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالمبادرة في متابعة الإمام فقال (إذا كبر فكبروا, وإذا ركع فاركعوا)) (1) .وكذلك الأمر بالعكس لو كان إمام يرى الجلسة والمأموم لا يراها فإذا جلس الإمام فليجلس وإن كان لا يراها, متابعة للإمام.(15/179)
فهذا هو الضابط في المتابعة, أي أن المأموم لا يفعل ما تحصل به مخالفة الإمام أو التخلف عنه.
* * *
1037 سئل فضيلة الشيخ: متى يفتح على الإمام؟ وهل يرد عليه إن غير في الحركات كأن رفع المنصوب أو نصب المرفوع؟ وماذا يفعل المأموم إذا علم أن الإمام سوف يرتبك إذا رد عليه؟ وهل يرد عليه إذا زاد أو نقص شيئاً قليلاً كزيادة الواو أو ما شابهه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أخطأ الإمام في القراءة على وجه يخل بالمعنى فالواجب أن يرد عليه سواء في الفاتحة أو غيرها, وإذا كان لا يخل بالمعنى فإن الأفضل أن يرد عليه, ولا يجب.
* * *
1038 سئل فضيلة الشيخ: هل الأفضل للإمام التأخر عن الحضور إلى المسجد إلى وقت الإقامة أو التبكير في الحضور؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر فعل النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان يتأخر في بيته إلى وقت الإقامة, وهذا هو الأفضل في حق الإمام إلا أن يكون في تقدمه مصلحة كتعليم علم ونحوه.
* * *
1039 سئل فضيلة الشيخ: عن إمام يكرهه معظم جماعة المسجد حتى إن بعضهم يهجر الجماعة بسبب هذا الإمام. فهل له الاستمرار في إمامة هذا المسجد؟(15/180)
فأجاب فضيلته بقوله: لا بد أن ينظر سبب الكراهة لهذا الرجل أهي بحق كونه ليس على المستوى الديني الذي يخوله للإمامة, أو لكون سئ المعاملة للجماعة يتقدم أحياناً, أو يتأخر أحياناً, أو ما أشبه ذلك من الأسباب التي توجب كراهته على وجه شرعي, فإذا كان الأمر كذلك فإنه يكره أن يبقى إماماً لهم كما نص على ذلك بعض أهل العلم, وبعضهم يرى أنه يحرم عليه أن يكون إماماً لهم في هذه الحال.
أما إذا كانت كراهتهم بغير حق إنما يكرونه من أجل الحق الذي هو عليه لكونه يحرص على أدائهم للجماعة, ويغضب إذا تخلفوا عنها, فإننا ننصح من يتصف بهذه الصفة أن يبقى في إمامته, لكن إذا كانوا يكرهونه كراهة طبيعية فإن الأولى أن يحاول إزالة أسباب الكراهة, فإن لم تزل فالأولى أن لا يكون إماماً لهم.
وخلاصة الجواب أن نقول: إذا كانوا يكرهونه لكونه مخلاً بما تقتضيه الإمامة من دين, أو معاملة فإنه يكره أن يبقى إماماً لهم أو يحرم, وإذا كانوا يكرهونه لكونه آمراً بالمعروف, ناهياً عن المنكر, متفقداً لجماعته, وناصحاً لمن يحتاج فليبق على إمامته والعاقبة للمتقين.
وإن كانوا يكرهونه لا لهذا, ولا لهذا ولكن شخصية فالأولى أن يحاول جمع القلوب لإزالة فإن لم يفد فليدع الإمامة.
* * *(15/181)
1040 سل فضيلة الشيخ: عن رجل يقوم بإمامة المسجد وإقامة الدروس والمواعظ وأهل الحي في حاجة إليه, وهو يريد أن يترك المسجد نظراً لظروف المعيشة فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: كأنك تقول إن هذا الرجل في حيه لا يقوم أحد مقامه, والناس محتاجون إليه, فهذا يكون تعليمه لهذه الطائفة فرض عين عليه, فإذا نظرنا إن كان في طرف البلد, وإن انتقل إلى بلد آخر, فإذا كان للضرورة فلا شيء عليه, كما لو سافر لطلب الرزق, وليس عنده ما يقتيه فمثل هذا لا حرج عليه, وعلى الجماعة أن يبحثوا لهم عن شخص آخر يقوم مقامه, أو يقوموا بكفاية هذا الرجل حتى يتفرع لهم.
1041 سئل فضيلة الشيخ: إمام مسجد يتأخر عن الجماعة في صلاتي الفجر والظهر ويؤخر أحياناً الصلاة حوالي ساعة بم تنصحونه؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على الإمام أن لا يتأخر عن الصلاة لا في صلاة الظهر ولا الفجر, ولا في غيرهما من الأوقات, لأنه ملزم بذلك, وأما تأخره في الإقامة فإنه لا ينبغي إلا في الصلاة العشاء, فإن النبي صلي الله عليه وسلم ((كان إذا رآهم اجتمعوا عجل, وإذا رآهم أبطئوا تأخر)) (1) , وأما بقية الصلوات فالتقديم أفضل, لكن(15/182)
يراعى في الصلوات التي يكون لها راتبه قبلها, فيهمل الناس حتى يتمكنوا من أداء الراتبة والوضوء والله الموفق.
* * *
1042 سئل فضيلة الشيخ: يوجد مسجد وجماعته قليلة وليس فيهم من يجيد القراءة حفظاً. فهل لمن أراد أن يؤمهم أن يقرأ بالمصحف نظراً في الصلاة كقيام رمضان مثلاً؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم إذا كان الإمام لم يحفظ شيئاً من القرآن فإنه هذا العمل يجوز له أن يقرأ بالمصحف, ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن هذا عمل من أجل إتمام الصلاة, والعمل لإتمام الصلاة لا يضر. والله الموفق.
* * *
1043 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -:ما حكم الصلاة عن يسار الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة عن يسار الإمام خلاف المشروع, ((فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قام يصلي من الليل فجاء ابن عباس – رضي الله عنهما – فوقف عن يساره, فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من وراءه فجعله عن يمينه) (1) .
فنقول لمن صلى عن يساره الإمام: إن فعلك هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم, وقد اختلف أهل العلم هل وقوفه هذا محرم, فتكون(15/183)
صلاته باطلة يجب عليه إعادتها؟ أو هو خلاف الأولى, فتكون صلاته صحيحة لكنه ترك الأولى؟
وعلى كل حال فالأحوط للإنسان أن لا يصلي عن يسار الإمام, وأن يكون عن يمينه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بابن عباس – رضي الله عنهما -.
* * *
1044 سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل الصلاة عن يمين الإمام أم يساره؟ وأيهما أفضل يمين الصف أو يساره؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان لا يصلي مع الإمام إلا رجل واحد فإن المأموم يقف عن يمينه, ولا يقف عن يساره, لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه بات عند خالته ميمونة – رضي الله عنها – فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل, فقام ابن عباس عن يساره فأخذه من وراءه, وأقامة عن يمينه (2) ,فهذا دليل أن المأموم إذا كان واحداً فإنه يكون اليمين, ولا يكون عن اليسار, أما إذا كان المأموم أكثر من واحد فإنه يكون خلفه.
ويمين الصف أفضل من يساره, وهذا كانا متقاربين, فإذا بعد اليمين بعداً بيناً فإن اليسار والقرب من الإمام أفضل, وعلى هذا فلا ينبغي للمأمومين أن يكونوا عن يمين الإمام حتى لا يبقى في اليسار إلا رجل أو رجلان؛ وذلك لأنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون إمامهم بينهم, كان أحدهما عن يمينه, والآخر عن(15/184)
يساره ولم يكونوا عن اليمين, فدل هذا على أن الإمام يكون متوسطاً في الصف أو مقارباً.
والخلاصة: أن اليمين أفضل إذا كانا متساويين أو متقاربين, وأما مع بعد اليمين فاليسار أفضل لأنه أقرب إلى الإمام. والله الموفق.
* * *
1045 وسئل فضيلة الشيخ: أحياناً نكون في الخندق ويكون ضيقاً فلا يستطيع أن تقدم الإمام في الصلاة, بل نجعله في وسط الصف الأول فهل هذا صحيح؟ وإن كان غير صحيح فما هو الموضع الصحيح له؟ مع العلم أننا لو صلينا في الخارج ربما تأتينا قذيفة فنهلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: تقدم الإمام على المأمومين سنة, فإذا كان لا يمكن لضيق المكان فلا بأس أن يكون بينهم في الوسط.
* * *
1046 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-:هل هناك مسافة مقدرة بين الإمام والمأموم؟ وما حكم ارتفاع الإمام عن المأمومين؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسافة التي بين الإمام والمأموم ينبغي أن تكون قريبة كالمسافة التي بين الصفوف؛ لأن من خلف الإمام صف فينبغي أن لا يكون بين الإمام والمأموم إلا مقدار ما يكون بين الصفوف بعضها مع بعض, وينبغي دنو الصفوف بعضها(15/185)
من بعض, ودنو الإمام من المأمومين أيضاً؛ لأن الجماعة كلما قربت صارت أدل على الاجتماع إذا تباعدت, وأما ارتفاع المأموم عن الإمام فإن هذا لا بأس به, وأما ارتفاع الإمام على المأموم فإن هذا لا ينبغي إلا بمثل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع أو نحوه فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فصار يصلي فوق المنبر قائماً وراكعاً, فإذا أراد السجود نزل وسجد في أصل المنبر وقال: إنما فعلت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي.
وقد قيده بعض العلماء بما إذا لم يكن مع الإمام في موضعه أحد من المأمومين فإن كان معه أحد كما لو كان الإمام وبعض المأمومين في السطح في الأسفل فلا بأس.
* * *
1047سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد فوجد أن الإمام دخل في صلاته ووجد الصف قد اكتمل وامتلأ, فهل للرجل أن يقف خلف الصف لوحده, أو يجذب رجلاً من الصف الأمامي, أو يقف عن يمين الإمام, أو يترك تلك الجماعة في هذا المسجد؟ أفيدونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: الكلام على هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: هل تصح صلاة المنفرد خلف الصف أو لا.
والمقام الثاني: إذا قلنا لا تصح فوجد الصف تاما فماذا يصنع؟(15/186)
فأما المقام الأول: فقد اختلف العلماء – رحمهم الله – فيه فقال بعضهم: تصح صلاة المنفرد خلف الصف لعذر ولغير عذر, لكن صرح بعضهم بكراهة ذلك لغير عذر ,وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك, والشافعي, وأبي حنيفة, واستدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف حيث قالوا: إن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة (1) .وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة (2) .فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة جاز أن يكون في جميعا, إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق كالوقوف قدام الإمام.
وأجابوا عن الأحاديث النافية لصلاة المنفرد خلف الصف بأن المراد بها نفي الكمال فهي كقوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) (3) ونحوه.
وقال بعض العلماء: إن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه وهو من مفرداته.
وعنه رواية ثانية تصح وفاقاً للأئمة الثلاثة.
أما الأثر: فما رواه الإمام أحمد عن علي بن شيبان – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فلما انصرف ,(15/187)
قال له النبي صلي الله عليه وسلم (استقبل صلاتك, فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف) (1) , وهو حديث حسن له شواهد تقتضي صحته.
وأما النظر: فإن الجماعة هي الاجتماع, ويكون بالمكان والأفعال, فالأفعال اجتماع المأمومين على متابعة إمامهم, والمكان اجتماعهم في صفوفهم, وإذا قلنا بجواز انفراد بعضهم عن بعض فمتى تكون الهيئة الاجتماعية كل واحد في صف منفرداً عن بقية الجماعة. وأجاب من الرجال قد دلت السنة على أنه من خصائصها كما في حديث أنس قال (فقمت أنا اليتيم وراءه – يعني وراء النبي صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا) (2) , ولأنها ليست أهلاً لأن تكون إلى جانب الرجال.
وأما الحديث أبي بكرة فإنه لم ينفرد إلا جزءاً يسيراً وقد قال له النبي صلي الله عليه وسلم (لا تعد) (3) .
وأما حديث ابن عباس فإنه لم يقف خلف الصف بل كان ماراً غير مستقر.
وأما قولهم: إن المراد بنفي الصلاة نفي الكمال, فدعوى مردودة؛ لأن الأصل في النفي نفي الوجود, فإن لم يمكن فنفي الصحة, فإن لم يمكن فنفي الكمال. وحديث (لا صلاة لمنفرد)(15/188)
يمكن أن يعود النفي فيه إلى صحة, فيجب أن يحمل عليه.
وأما تنظيرهم بحديث (لا صلاة بحضرة طعام) (1) فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن العلة في هذا هو انشغال القلب بحضور الطعام, وانشغال القلب لا يوجب بطلان الصلاة كما في حديث الوسوسة أن الشيطان يأتي إلى المصلي اذكر كذا؛ اذكر كذا؛ لما لم يكن يذكر؛ فيظل لا يدري كم صلى (2) .
الوجه الثاني: أن حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) قد صرح أن المراد به نفي الصحة حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل صلاته وعلل ذلك بأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف, وفي حديث وابصة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته (3) .
وبهذا تبين أن القول الراجح وجوب المصافة, وأن من صلى وحده خلف الصف فصلاته باطلة, وعليه أن يعيدها؛ لتركه واجب المصافة, ولكن هذا الواجب كغيره من الواجبات يسقط بفوات محله, أو بالعجز عنه عجزاً شرعياً, أو عجزا حسياً لقوله تعالى:(15/189)
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) (التغابن: من الآية16)
وقول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (1) .فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه, فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب, وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب.
مثال الأول: إذا وجد الصف تاماً فله أن يصلي وحده لأنه لا واجب مع العجز.
ومثال الثاني: إذا كانت امرأة مع رجال فإنها تصلي وحدها خلف الصف كما ثبتت به السنة, وهذا الذي جاءت به السنة يمكن أن يكون أصلاً يقاس عليه صلاة الرجل وحده خلف الصف إذا لم يجد مكاناً فيه؛ لأن التعذر الحسي كالتعذر الشرعي.
ويوضح ذلك: أن الرجل إذا جاء ووجد الصف تاماً فأما أن يتقدم ويقف بجنب الإمام, أو يجذب واحداً من الصف ليقف معه, أو يصلي وحده منفرداً عن الجماعة أو يصلي مع الجماعة, خلف الصف.
فأما تقدمه إلى جنب الإمام ففيه:
1- مخالفة السنة بإفراد الإمام وحده ليتميز عن المأمومين بتقدمه عليهم مكاناً وأفعالاً, ولا يرد على هذا وقوف النبي صلي الله عليه وسلم إلى جانب أبي بكر (2) ,لأن الذي جاء ووقف هو الإمام وقف إلى جانب(15/190)
نائبه, وأيضاً فإن أبا بكر لا يمكنه الرجوع إلى الصف, وأيضاً فإن من مصلحة الجماعة أن يكون إلى جنب النبي ليبلغهم تكبيره..
2- وفي المأموم الذي وجد الصف تاماً إلى جنب الإمام إيذاء للجماعة الذين سيتخطاهم ليصل إلى الإمام.
3- وفيه تفويت للمصافة لمن جاء بعده, فإنه لو قام وحده وجاء آخر صار صفاً.
وأما جذبه واحداً من المأمومين ليقف معه ففيه ثلاثة محاذير:
أحدهما: فتح فرجة في الصف, والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالمراصة ونهى أن ندع فرجات للشيطان.
الثاني: أنه ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
الثالث: أنه يشوش عليه صلاته, وربما ينازعه ويشاتمه إذا فرغ منها, ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف (ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً) فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة (1) .
وأما تركه الجماعة وصلاته منفرداً فهو ترك لواجب الجماعة مع القدرة عليه فيكون وقوعاً في المعصية.
وأما صلاته مع الجماعة خلف الصف قيام بالواجب عليه بقدر المستطاع, فإن المصلي مع الجماعة يلزمه أمران:
أحدهما: الصلاة في الجماعة.(15/191)
والثاني: القيام في الصف معهم, فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر.
فإن قيل: إن قوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) (2) عام ليس فيه تفصيل بين تمام, وعدم تمامه.
فالجواب: أن هذا دال على بطلان الصلاة للمنفرد لتركه واجب المصافة, فإذا لم يقدر عليه سقط عنه, والنبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يبطل صلاته لتركه ما لا قدرة له عليه ,ونظير هذا الحديث قوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) (3) ,وقوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لا وضوء له) (4) إن صح هذا, فإن لم يقدر على الفاتحة, أو على الوضوء صلى بدونهما, وأجزأته صلاته لكنه يقرأ من القرآن, ويتيمم إن عجز عن الوضوء.
وخلاصة الجواب: أن المصافة واجبة, وأن من جاء وقد كمل الصف فإنه يصلي مع الجماعة خلف الصف, ولا يتقدم إلى الإمام ليصلي إلى جنبه, ولا بجذب أحداً من الصف ليقف معه, ولا يترك صلاة الجماعة.
وجواز صلاته الجماعة منفرداً عن الصف للعذر هو اختيار(15/192)
شيخ الإسلام ابن تيميه ,وشيخنا عبد الرحمن سعدي وبعض قول من يرى الجواز منطلقاً. والحمد لله رب العالمين.
* * *
1048 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة خلف الصف منفرداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة خلف الصف المنفرد لا تجوز ولا تصح على القول الراجح وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – وإن كان عنه رواية أخرى أنها تصح وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك, وأبي حنيفة, والشافعي.
ولكن الراجح أنها لا تصح خلف الصف المنفرد إلا إذا تعذر الوقوف في الصف بحيث يكون الصف تاماً, فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام؛ لأنه معذور, ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله – وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المرأة تقف خلف الصف منفردة عن الرجال للعذر الشرعي, وهو عدم إمكان وقوفها مع الرجال, فإن العذر الحسي أيضاً يكون مسقطاً لوجوب المصافة, وذلك لأنه في هذه الحال إذا لم يجد الرجل إلا موقفاً خلف الصف منفرداً فإما أن يصلي منفرداً وحده عن الجماعة, أو يجذب واحداً من الصف ليكون معه, أو يتقدم ليصلي إلى جانب الإمام هذه الأحوال الأربع التي يمكن أن تكون لهذا الرجل الذي لم يجد موقفاً في الصف.(15/193)
فنقول له: أما التقدم إلى الإمام حتى يكون إلى جانبه فإن فيه محذورين أحدهما: الوقوف مع الإمام في صلاة الجماعة هذا خلاف السنة لأن الأفضل أن ينفرد الإمام في مكانه, ليكون إماماً متميزاً عن الجماعة منفرداً عنهم في المكان ليعرف إنه إمام, وأنه لا ثاني معه ولا يرد على هذه قصة أبي بكر (1) – رضي الله عنه – حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي بالناس فكان على يسار أبي بكر وأبو بكر عن يمينه؛ لأن أبو بكر رضي الله عنه هو الإمام أولاً ويتعذر أن يرجع إلى صف وراءه لأنه متصل فوقوف أبو بكر هنا على سبيل الضرورة.
المحذور الثاني: أنه إذا تقدم مع الإمام فإنه سوف يتخطى الصف. أو الصفين, أو الثلاثة حسب ما يجد أمامه من الصفوف.
وفي هذه الحال – أي تقدمه إلى الإمام – يكون هناك فوات أمر مطلوب وهو أنه إذا تقدم وصلى مع الإمام, ثم دخل آخر ولم يجد مكاناً في الصف فمعناه أن سيتقدم إلى الإمام, ويكون مع الإمام رجلان, لكن لو أن هذا لم يتقدم إلى الإمام وبقي خلف الصف ثم جاء الثاني صار صفاً معه.
أما لجذبه لواحد من الصف الذي أمامه فهذا أيضاً يترتب عليه عدة محاذير:
المحذور الأول: فتح فرجة في الصف وهذا من قطع الصف وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من قطع صفاً قطعه الله) (2) .(15/194)
المحذور الثاني: أن هذه الفرجة التي حدثت في الصف فإن الغالب أن الناس يتقاربون, وحينئذ يؤدي إلى حركة جميع الصف, ولولا جذب هذا الرجل ما تحرك الصف ولبقي الناس على أمكنتهم.
المحذور الثالث: أنه ينقل صاحبه الذي جذبه من المكان الفاضل إلى المكان المفضول وفي هذا نوع اعتداء عليه.
أما الحالة الثالثة وهي: أن نقول انصرف ولا تصلي مع الجماعة لأن الصف تام, وحينئذ نحرمه من صلاة الجماعة, ويكون منفرداً في موقفه وفي صلاته أيضاً.
وتبقى عندنا الحالة الرابعة وهي: أن نقول له كن خلف الصف منفرداً في المكان, موافقاً في الأفعال, هذه الأخيرة هي خير الأقسام بلا شك فإذا كانت هي خير الأقسام فإنها تكون هي المطلوبة ونقول له قف خلف الصف وصل مع الإمام منفرداً؛ لأنك معذور.
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) (1) فهذا حمله من يرون أن المصافة ليست بواجبة حملوه على أنه بقي للكمال وليس نفياً للصحة, ولكن هذا الطريق ليس بصحيح؛ لأن الأصل في ما نفاه الشرع انتفاء الصحة. وهذا هو الأصل إلا إذا وجد دليل على أن المراد انتفاء الكمال, فيحمل على(15/195)
انتفاء الكمال وإلا فالأصل أن النفي للصحة.
وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن ما ورد نفيه للنصوص فله ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يكون نفياً لوجوده وهذا هو الأصل مثل: لا خالق إلا الله, هذا نفي لوجود خالق للخلق سوى الله – عز وجل – وهذا أعني نفي الوجود الذي يجب عليه حمل النفي أولاً؛ لأنه الأصل.
الحال الثانية: إن لم يمكن حمل النفي على نفي الوجود, وكان الشيء موجوداً, فإنه يحمل على نفي الصحة شرعاً مثل (لا صلاة بغير وضوء) (1) فالإنسان قد يصلي غير متوضئ وتوجد الصلاة, لكنها شرعاً منفية وهذا نفي للصحة.
الحال الثالثة: إن لم يمكن حمل على نفي الصحة لوجود دليل يمنع من ذلك فإنه يحمل على نفي الكمال مثل (لا صلاة بحضرة طعام, ولا وهو يدافع الأخبثان) (2) فإنها هنا محمولة نفي الكمال على أن بعضاً من أهل العلم يقول: إن الحديث محمول على نفي الصحة إذا كان ينشغل كاملاً لا يدري ما يقول في صلاته فإنه لا تصح صلاته حينئذ.
وعلى كل حال فهذه المراتب الثلاثة ينبغي لطالب العلم أن يلاحظها: أن الأصل في النفي نفي الوجود, فإن لم يمكن وكان الشيء موجوداً فهو محمول على نفي الصحة, فإن لم يمكن وكان(15/196)
قد قام الدليل على الصحة فإنه يكون محمولاً على نفي الكمال.
وعلى هذا فقوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) (3) أو لفرد خلف الصف هو من القسم الثاني أي مما نفيت صحته فلا تصح صلاة منفرد خلف الصف, ولكن هذا يدل على وجوب المصافة ووجوب المصافة, عند التعذر يسقط بتعذره, لأن القاعدة المعروفة عند أهل العلم والتي دل عليه قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) تدل على أنه لا واجب مع العجز, وبهذا تبين أنه إذا تعذر الوقوف في الصف لكماله فإن الداخل يصف وحده في هذه الحال صحيحة.
* * *(15/197)
رسالة
إلى جناب الوالد المكرم الفاضل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله بطاعته آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام, ونحن والحمد لله على ما تحبون وبعد:
وجدت في إعلام الموقعين الجزء الثاني ص 276 ما نصه (رد السنة الصحيحة في من أجاز صلاة الفذ خلف الصف) .
ونحن في حالة كما ترى أن أمرنا الفذ في إعادة الصلاة ونظرنا قول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - فهو قوي عن شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - وإن نظرت إلى قول ابن القيم فإذا هو كذلك, وحديث وابصة (1) حديث علي بن شيبان (2) وتحيرت لقلة ما معي من البضاعة, فأرجو منكم إفادتي والله يحفظكم ويرعاكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كلام ابن القيم وجدته في النسخة التي عندي المطبوعة مع حادي الأرواح في ص 416 ج2 ومراده به الرد على من قال بجواز الصلاة فذاً خلف الصف بدون عذر, واستدلوا بوقوف المرأة إلى(15/198)
آخر ما نقل عنهم, ورد عليهم, وهو لا يناقض كلام شيخه شيخ الإسلام ابن تيميه حيث قال إن ابن القيم – رحمه الله – صرح في ص29 ج2 من نسختي بأن الرجل إذا لم يجد خلف الصف من يقوم معه وتعذر عليه الدخول في الصف ووقف معه فذاً صحت صلاته نظير ما قاله شيخه – رحمهم الله – حكماً وتعليلاً فلا معارضة, ولا خلاف بينهما, وقولهما هو الحق إن شاء الله وهو صحة صلاة الفذ مع العذر.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 28/3/1394 هـ والحمد لله رب العالمين.
* * *(15/199)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ. . . المكرم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد::والحمد لله على ذلك ورزقنا الله تعالى وأياكم شكر نعمته, وحسن عبادته.
سؤالك عن رجل يصلي وحده فيدخل معه آخر ويكون إماماً له فهل تصح صلاتهما.
فالجواب: نعم تصح صلاتهما, ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس (أنه بات عند خالته ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل, ثم جاء ابن عباس فدخل معه ومضى في صلاته) (1) ,وهذا في صلاة الليل, وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل, ولا دليل على التفريق بين الفرض والنفل في هذه المسألة, بل روى الإمام أحمد عن جابر - رضي الله عنه - قال (قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه) (2) - الحديث - وهذا في الفرض, وذهب بعض العلماء إلى(15/200)
أن ذلك لا يصح لا في الفرض ولا في النفل وهو المشهور من المذهب ,وقيل: يصح في النفل دون الفرض.
كذلك سؤالك عمن لم يجد من يصافه, ولا تيسر أحد يجذبه فهل تصح صلاته؟
فالجواب: نعم, تصح صلاته؛ لأنه معذور, والواجب يسقط بالعذر وهذا هو القول المتوسط الذي تؤيده الأدلة.
والقول الثاني: تصح صلاة المنفرد خلف الصف لعذر أو لغير عذر.
والقول الثالث: لا تصح لا لعذر ولا لغير عذر إذا صلى ركعة فأكثر.
هذا ما لزم , شرفونا بما يلزم, والسلام عليكم ورحمة وبركاته. 24/2/1387هـ.
* * *(15/201)
1049 سئل فضيلة الشيخ: ظهر حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) يدل على جواز صلاة الفذ؛ لأنه جاء فيه لفظ ((تفضل) ,وتدل على اشتراك الفاضل والمفضول فما قولكم في ذلك؟ وهل في هذه المسألة حجة لمن يتهاون في الصلاة بغير جماعة؟ وكيف نرد عليه؟ وجزاك الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث لاشك أنه يدل على صحة صلاة الفذ يعني الذي يتخلف عن صلاة الجماعة وذلك لقوله صلي الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ) (1) .ومن المعلوم بمقتضى اللغة العربية أن المفضل والمفضل عليه يشتركان في أصل الوصف, فإذا قلت صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ, دل ذلك على أن لصلاة الفذ فضلاً وهو كذلك, ولا يمكن أن يكون فيها فضل إلا إذا كانت صحيحة, ففي الحديث دليل على أن من صلى منفرداً فصلاته صحيحة فلا نأمره بالإعادة فيكون فيه رد لقول حبر من أحبار الأمة شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمة الله عليه – فإنه يرى أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة, وأن من صلى فذاً لغير عذر فصلاته باطلة غير مقبولة وغير مجزئه وهذه رواية عن إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – ولكن الحق أحق أن يتبع, فإن هذا الحديث دل على أن من صلى فذاً فصلاته صحيحة, وأن(15/202)
الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة بل هي واجبة كما في حديث أبي هريرة (2) .والثاني: الجواب عن الدليل المعارض) .
فإن قال قائل: ذكرنا قاعدة أم من رجح قولاً على قول لزمه شيئان:
الأول دليل الترجيح. فما جواب شيخ الإسلام ابن تيميه عن هذا الحديث؟
أجاب عنه – رحمه الله – بأن هذا في حق المعذور, أي أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ المعذور بسبع وعشرين درجة, فحمله – رحمه الله – على المصلي فذاً بعذر, ولكن قد نقول لشيخ الإسلام ابن تيميه إن المعذور إذا تخلف عن الجماعة وكان من عادته أن يصليها فإنه يكتب له الأجر كاملاً كما ثبت ذلك في الصحيح: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) (3) . وحينئذ لا يظهر لي جواب عن هذا الجواب.
أما قول القائل: وهل دليل على تهاون من يتهاون في صلاة الجماعة؟
فنقول: ليس فيه دليل على ذلك؛ لأن هناك أحاديث بل وهناك من القرآن ما يدل على وجوب صلاة الجماعة.؟
فنقول: ليس فيه دليل على ذلك،لأن هناك أحاديث بل وهناك من القرآن ما يدل على وجوب صلاة الجماعة.
* * *(15/203)
1050 سئل فضيلة الشيخ: حصل نقاش بين جماعة من المصلين بأنه إذا دخل متأخراً إلى المسجد فوجد أن الصلاة قد أقيمت والصف مكتمل وليس له محل في الصف, فهل يجوز له أن يسحب رجلاً من ذلك الصف المكتمل كي يتمكن من صلاته؟ أو يصلي خلف الصف وحده؟ أو ماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة لها ثلاثة أوجه: إذا جاء الإنسان ووجد أن الصف قد تم.
فإما أن يصلي وحده خلف الصف.
وإما أن يجذب أحداً من الصف فيصلي معه.
وإما أن يتقدم فيصلي إلى جانب الإمام الأيمن.
وهذه الصفات الثلاث إذا دخل في الصلاة. وإما إن يدع الصلاة مع هذه الجماعة, فما المختار من هذه الأمور الأربعة؟
نقول: المختار من هذه الأمور الأربعة: أن يصف وحده خلف الصف ويصلي مع الإمام؛ وذلك لأن الواجب الصلاة مع الجماعة, وفي الصف, فهذان واجبان, فإذا تعذر أحدهما وهو المقام في الصف ,بقي الآخر واجباً, وهو صلاة الجماعة, فحينئذ نقول: صل مع الجماعة خلف الصف لتدرك فضيلة الجماعة, والوقوف في الصف في هذه الحال لا يجب عليك للعجز عنه, وقد قال الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) .ويشهد لهذا أن المرأة تقف خلف الصف وحدها إذا لم يكن معها نساء, وذلك لأنه ليس لها مكان شرعاً في صف الرجال. فلما تعذر(15/204)
مكانها الشرعي في صف الرجال صلت وحدها.
فهذا الرجل الذي أتى المسجد والصف قد تم ولم يكن له مكان حسي في الصف سقطت عنه حينئذ المصافة, ووجبت عليه الجماعة. فليصل خلف الصف, وأما أن يجذب أحداً ليصلي معه, فهذا لا ينبغي؛ لأنه يترتب عليه ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: فتح فرجة في الصف ,وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الرص وسد الخلل بين الصفوف.
الثاني: نقل هذا المجذوب من المكان الفاضل إلى المكان المفضول. وهو نوع من الجناية عليه.
والثالث: تشويش صلاته عليه, فإن هذا المصلي إذا جذب لا بد أن يكون في قلبه حركة, وهذا أيضاً من الجناية عليه.
والوجه الثالث أن يقف مع الإمام: فلا ينبغي له؛ لأن الإمام لابد أن يكون متميزاً عن المأمومين بالمكان, كما أنه متميز عنهم بالسبق بالأقوال والأفعال, فيكبر قبلهم, ويركع قبلهم, ويسجد قبلهم, فينبغي أن يكون متميزاً عنهم في المكان.
وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن الإمام يتقدم المأمومين, وهذه مناسبة ظاهرة لكونه متميزاً عنهم منفرداً بمكانه, فإذا وقف معه بعض المأمومين زالت هذه الخاصية التي لا ينبغي أن ينفرد بها إلا الإمام في الصلاة.
أما الوجه الرابع وهو أن يدع الجماعة, فهذا لا وجه له أيضاً؛ لأن الجماعة واجبة, والمصافة واجبة, فإذا عجز عم إحداهما لم تسقط الأخرى عن الأولى.(15/205)
1051 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز أن يصف الرجل وحده خلف الصف في حالة اكتمال الصف ولم يجد له مكاناً؟ وإذا كان هناك فراش قد استكمله المصلون فهل يصلي في الصف الثاني مع وجود فراغ متصل بالصف ولكنه بدون فراش؟ وما الذي يترتب على سحب شخص من الصف الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا وجد الرجل الصفوف تامة فإنه يجوز له أن يصلي وحده خلف الصف, ويتابع الإمام لكونه معذوراً في مثل هذه الحالة ,لأنه لم يتمكن من دخول الصف مع المصلين, والواجبات تسقط بالعذر والعجز عنها.
ولا يسحب أحد من الصف؛ لأن الأحاديث الواردة في سحب أحد حديث ضعيف (1) لا تقوم به الحجة؛ ولأن السحب من الصف يؤدي إلى مفاسد منها:
نقل المسحوب من مكانه الفاضل إلى المكان المفضول.
ومنها التشويش عليه.
ومنها أن ذلك قد يوغر صدره الذي سحبه.
ومنها أنه يفتح في الصف فرجة فيقطع الصف.
ومنها أنه ربما يتحرك الصف كله فيكون ذلك سبباً لحركات المصلين كلهم أو أكثرهم.
وأما إذا وجد الصف لم يتم ولكنه لم يفرش فإنه يجب عليه أن حتى في المكان غير المفروش, ولا يجوز أن يصلي خلف(15/206)
الصف؛ لأن هذا ليس بعذر, فإنه بإمكانه أن يصلي في هذا المكان الذي لم يفرش, وإذا كان يشق عليه مباشرة الأرض بجبهته وأنفه فإنه بإمكانه أن يضع منديلاً أو نحوه يتقي به الأرض, وكذلك إذا كان معه أحد فيكونا في الصف ولو بدون فراش ويتقيا الأرض كما أسلفنا بمنديل أو نحوه فيسجدا عليه. والله الموفق.
* * *
1052 سئل فضيلة الشيخ: ما الحكم إذا جاء شخصان والإمام راكع وصفا خلف الصف وفي الصف الأول فراغ يسع شخصاً واحداً هل صلاتهما صحيحة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل اثنان فوجدا الصف الأول أو الثاني ليس فيه إلا مكان رجل واحد فإنهما يصفان جميعاً, فإنه لو دخل أحدهما لبقي الآخر منفرداً, ففي هذه الحالة الأفضل أن يصلياً معاً خلف الصف, أما إذا وجدا في الصف مكان رجلين فإنهما يتقدمان إليه, ولا يبقيان خلف الصف وحدهما, لأن هذا خلاف السنة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تكميل الصف الأول فالأول, ولكن لو قدر أنهما فعلا ذلك فإن صلاتهما صحيحة لأن واحداً لم ينفرد عن الآخر.
* * *
1053 سئل فضيلة الشيخ: إذا أراد الرجل أن يصلي صلاة مفروضة هو وزوجته فقط لسبب من الأسباب المشروعة, فأين تقف الزوجة منه؟(15/207)
فأجاب فضيلته بقوله: وقوف المرأة دائماً يكون خلف الرجل سواء كانت من محارم الرجل الذي يصلي بها أو من غيره محارمه, ومن المعلوم أن الصلاة بغير المحارم لا تجوز إذا كانت المرأة وحدها, اللهم إلا إذا لم يكن هناك خلوة كأن يحضر إمام المسجد إلى المسجد وليس فيه إلا امرأة كما يوجد في بعض المساجد في أيام العشر الأواخر من رمضان فإنه قد يحضر الإمام وليس في المسجد إلا امرأة ويشرع في صلاة القيام حتى يتجمع الناس.
المهم أن موقف المرأة مع الرجال خلفهم سواء من محارمها أو من غير محارمها.
وعلى هذا إذا صلى الرجل إماماً بزوجته فإنها تقف خلفه.
* * *
1054 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة الرجل خلف صفوف النساء؟ وما حكم مصافة الرجال للنساء؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول وهو: كون النساء يقمن صفاً أمام الرجال فإن هذا بلا شك خلاف السنة؛ لأن السنة أن يكون النساء متأخرات عن الرجال ,لكن الضرورة أحياناً تحكم على الإنسان بما لا يريد, فإذا كان أمام المصلي صف من النساء, أو طائفة من النساء فإن الصلاة خلفهن إذا أمن الإنسان على نفسه الفتنة جائزة, ولهذا من عبارات الفقهاء قولهم (صف تام من النساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من الرجال) .
وأما مصافة الرجال للنساء فهذه فتنة عظيمة ولا يجوز للرجل(15/208)
أن يصف إلى جنب المرأة فإذا وجد الإنسان امرأة ليس له مكان إلا بجانبها فينصرف ولا يقف جنبها؛ لأن هذا فيه فتنة عظيمة والشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يجري من ابن آدم مجرى الدم) (1) .وربما يدخل في الصلاة آمناً على نفسه فلا يزال الشيطان حتى يغويه ويفسد عليه صلاته واستقامته, ونسأل الله العافية.
* * *
1055 سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -:يلاحظ من بعض الرجال في المسجد الحرام أنهم يصفون خلف النساء في الصلاة المفروضة فهل تقبل صلاتهم؟ وهل من توجيه لهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الرجال خلف النساء فإن أهل العلم يقولون لا بأس ,لكن هذا خلاف السنة؛ لأن السنة أن تكون النساء خلف الرجال, إلا أنكم كما تشاهدون في المسجد الحرام يكون هناك زحام وضيق, فتأتي النساء وتصف, ويأتي رجال بعدهن فيصفون وراءهن, ولكن ينبغي للإنسان أن يتحرز عن هذا بقدر ما يستطيع؛ لأنه ربما يحصل من ذلك فتنة للرجال, فليتجنب الإنسان الصلاة خلف النساء, وإن كان هذا جائزاً حسب ما قرره الفقهاء, لكننا نقول: ينبغي للإنسان أن يتجنب هذا بقدر المستطاع. وينبغي للنساء أن لا يصلين في موطن يكون قريباً من الرجال.
* * *(15/209)
1056 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد ووجد رجلين يصليان. فهل يقدم الإمام, أو يسحب المأموم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقدم الإمام ثم يصلي مع المأموم, وإن شاء سحب المأموم ثم يصل.
وهذا على حسب المكان, قد يكون المكان واسعاً. وقد يكون ضيقاً؛ قد يكون واسعاً من جهة الإمام فهنا يدفع الإمام, وقد يكون واسعاً من جهة المأموم فهنا يجذب المأموم.
* * *
1057 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الطلبة في السكن الجامعي مع أن من في الأدوار العليا يتابعون الإمام بواسطة مكبرات الصوت؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من كان حوله مسجد أن يذهب إلى المسجد ويصلي فيه, ولا يحل له أن يصلي في بيته ولو جماعة على القول الراجح, ولكن إذا لم يكن حولهم مسجد وكانوا في مكان واحد في عمل, أو دراسة, وان المكان الذي يكون فيه الإمام ضيقاً ولكن هناك مكبرات صوت تؤدي الصوت إلى من كانوا في محل آخر فإنه لا حرج عليهم أن يتابعوه إذا كان متصلاً بعضهم ببعض, أما لو كانوا متفرقين بحيث لا يتصل بعضهم ببعض فإن هذا موضع نزاع بين أهل العلم.
فمنهم من قال: إن الإتمام لا يصح إلا إذا رأوا الإمام, أو رأوا المأمومين.(15/210)
ومنهم من قال: إنه يصح؛ لأن المقصود المتابعة وهي حاصلة بهذا الصوت.
وعلى القول بأن لا يصح فإن كل طائفة تعقد الجماعة في محلها.
* * *
1058 سئل فضيلة الشيخ: يوجد مسجد من دورين والذين يصلون في الدور الأعلى لا يرون من تحتهم فهل صلاتهم صحيحة أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
فأجاب فضيلته بقوله: ما دام المسجد واحداً فلا يشترط أن يرى بعضهم بعضاً إذا كانوا يسمعون تكبير الإمام.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 25/8/1410 هـ.
* * *
1059 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للمرأة وللرجل أيضاَ أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء, فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد, والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت, أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه, أو بصوت المبلغ عنه, ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين, وإنما(15/211)
اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد, فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد أن رأى الإمام أو المأمومين, على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام المأموم إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه, وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال, أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وإتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة.
وزيادة في بيان المسألة أقول:
أولاً: إذا كان المأموم في المسجد فإتمامه بالإمام صحيح بكل حال, سواء رأى الإمام أم لم يره, رأى المأمومين أم لم يرهم؛ لأن المكان واحد.
ومثاله: أن يكون المأموم في الطابق الأعلى, أو في الطابق الأسفل, والإمام فوق, أو يكون بينهم حاجز من جدار أو سترة.
ثانياً: إذا كان المأموم خارج المسجد فإن كان في المسجد سعة فإتمامه بالإمام لا يصح سواء رأى الإمام, أو المأموم, أو لم يرهما؛ لأن الواجب أن يكون مكان الجماعة واحداً.
ثالثاً: إذا لم يجد مكانا ً في المسجد وكان خارج المسجد فإن كانت الصفوف المتصلة كأنهم في المسجد.
* * *(15/212)
1060 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة خلف التلفزيون؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كان السائل يريد أن يصلي الإنسان مؤتماً بمن يصلون, كما لو كان الجهاز مفتوحاً على صلاة الحرم, وقال إنه سيصلي مؤتما بإمام الحرم فإن هذا لا يجوز. أما إذا كان القصد أن يصلي والتلفزيون أما على الماصة فإن هذا لا بأس به ولا حرج إذا كان لا يشتغل, فإن كان يشتغل فإنه لا ينبغي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله عن الصلاة.
* * *
1061 سئل فضيلة الشيخ: هل للمسلم أن يصلي مع الصلاة التي تنقل في التلفزيون أو الإذاعة من دون أن يرى الإمام خصوصاً للنساء؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للإنسان أن يقتدي بالإمام بواسطة الراديو أو بواسطة التلفزيون؛ لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع, فلا بد أن تكون في موضع واحد, أو تتصل الصفوف بعضها ببعض, ولا تجوز الصلاة بواسطتهما, وذلك لعدم حصول المقصود بهذا, ولو أننا أجزنا ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس, بل الجمعة أيضاً, وهذا مناف لمشروعية الجمعة والجماعة, وعلى هذا فلا يحل للنساء ولا لغيرهن أن يصلي أحد منهم خلف المذياع أو خلف التلفاز. والله الموفق.
* * *(15/213)
1062 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح صلاة المقتدي بالصوت فقط أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان في المسجد فإنه يجوز أن يقتدي بالإمام إذا سمع صوته وإن لم يره, أما إذا كان خارج المسجد لعدم وجود مكان في المسجد فلا بد أن تتصل الصفوف حيث أمكن, وذلك لأن المقصود بالجماعة اجتماع الناس, وأن يكونوا جماعة واحدة, فإذا تفرقوا فإنه ليس ذلك بجماعة, وعلى هذا فإذا اتصلت الصفوف في المسجد إلى السوق فإنه يجوز أن يصلي الإنسان ولو كان خارج المسجد, وذلك لإمكان المتابعة, وأما إذا لم تتصل الصفوف لا يصلي خلف الإمام, فإن كان معذوراً عذراً شرعياً فلا إثم عليه, وإن كان غير معذور فإنه يجب أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع الجماعة. والله الموفق.
* * *
1063 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم قطع بأعمدة المسجد إذا كان مزدحماً بالمصلين؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا ريب أن الأفضل في الصفوف أن تكون متراصة غير متباعدة, هذا هو السنة (1) .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص, وسد الخلل. وكان الصحابة(15/214)
رضي الله عنهم – يتقون الصفوف بين السواري – أي بين الأعمدة – (2) لما في ذلك من فصل الصف عن بعض.ولكن إذا دعت الحاجة إليه كما في السؤال بأن يكون المسجد مزدحماً المصلين, فإنه لاحرج في هذه الحال أن يصطفوا بين الأعمدة؛ لأن الأمور العارضة لها أحكام خاصة, وللضرورات والحاجات أحكام تليق بها.
* * *
1064 سئل فضيلة الشيخ: عن شخص يشكو من كثرة الغازات التي تخرج منه, وقد عالجها في كثير من المستشفيات ولكن مع ذلك مازالت هذه الغازات مستمرة فهل يجوز له أن يدافع هذه الغازات في الصلاة؟ وإن لم يستطيع مدافعة الغازات فماذا يفعل؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج عليه أن يصلي وهو يدافعها؛ لأن هذا بغير اختياره ,ثم لو حصل أن تنفس ثم توضأ لعادت إليه فلا فائدة. نعم إن كانت تهون عليه إذا تنفس فتنفس ثم توضأ ثم صل. على كل حال مدافعته إياها في الصلاة لا تضر ما دامت هذه منتهى قدرته.
* * *
1065 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -:هل عمل الطعام للأخوة المجاهدين عذر لترك الجماعة لخوف فساد الطعام؟(15/215)
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر أهل العلم أنه من خاف فوات ماله, أو تلف ماله فإنه معذور بترك الجماعة, ولا سيما إذا كان هذا المال مشتركاً بين أناس كثيرين كطعام المجاهدين أو غيرهم وهذا له وجهة نظر.
ولكن ينبغي أن يحتاط الإنسان بحيث يجعل وقت طبخ هذا الطعام في غير وقت الصلاة حتى يحصل له المصلحتان جميعاً.
* * *(15/216)
رسالة
المكرم صاحب الفضيلة الشيخ محمد الصالح عثيمين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن بعض أعضاء الهيئة يتحرجون من بقائهم إلى بعد خروج بعض المساجد من الصلاة, وتعلم يا فضيلة الشيخ أننا نضطر في بعض الأحيان إلى التأخر, نرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائنا في هذا الموضوع علما لا يخرج وقت الصلاة , وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, وبعد:
ليس عليكم حرج إذا بقيتم في توجيه الناس إلى الصلاة ولو تأخرتم عن الصلاة في المساجد؛ لأن هذا للمصلحة العامة وتوجيه للخير فإن أدركتم آخر المسجد فصليتم فيه فذاك, وإلا فأنتم تصلون جماعة,
وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
كتبه محمد الصالح العثيمين
***(15/217)
1066 سئل فضيلة الشيخ: إذا ذكر الإمام أنه محدث فخرج من الصلاة واستخلف فهل تصح صلاة المأمومين أو يستأنفون الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم, فمنهم من يرى أن يجب على المأمومين في هذه الحال أن يستأنفوا الصلاة من جديد, لأن إمامهم لا تصح صلاته, وإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة المأمومين, إلا إذا بقي الإمام ناسياً حدثه حتى انتهت الصلاة المأمومين حينئذ تصح صلاتهم هذا هو القول الأول.
والقول الثاني: أن صلاة المأمومين صحيحة في هذه الحال وذلك لأن المأمومين معذورون, لم يطلعوا على حدث الإمام, وهم غير مكلفين بما لا يعلمون؛ لأن سبحانه وتعالى يقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) فهم مأمورون بأن يجعلوا لهم إماماً وأن يقتدوا بإمامهم وفعلاً جعلوا لهم إماماً, واقتدوا بإمامهم, وكون الصلاة تذكر حدثه هذا أمر يتعلق به نفسه, فيجب عليه أن يستأنف الصلاة من جديد, أما المأمومون فإنهم لا يستأنفون الصلاة من جديد, وإنما يستمرون في صلاتهم يتمونها, ويبنون على ما مضى من صلاتهم سواءً أتموها فرادى, أم قدموا واحداً منهم, أم قدمه الإمام الذاهب كما في هذه المسألة ففعله صحيح إن شاء الله, ولا حرج فيه, وهذا القول هو الراجح؛ لأنه أقوى تعليلاً.
* * *(15/218)
1067 سل فضيلة الشيخ: إذا انتقض وضوء الإمام أو تذكر أنه على غير طهارة وهو ساجد فما الهمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمل في هذه الحال أن ينصرف من الصلاة, ويأمر أحد المأمومين الذين خلفه بتكميل الصلاة بالجماعة, فإذا قدرنا أنه تذكر وهو في الركعة الثالثة من الظهر أنه ليس على طهارة, فإن الواجب عليه أن ينصرف ولا يجوز أن يكمل الصلاة على غير طهارة, وليأخذ أحد المأمومين الذين خلفه ليتم الصلاة فيكمل بهم الثالثة, ويأتي بالرابعة ويسلم.
فإذا قدر أنه لم يتذكر إلا بعد السلام, بطلت صلاته, وأما صلاة المأمومين فصحيحة وليست باطلة.
* * *
1068 سئل فضيلة الشيخ: إذا حصل للمأموم عذر قاهر فهل يجوز له قطع الصلاة, أو ينفرد عن الإمام ويتمها خفيفة؟
فأجاب فضيلته بقوله: له الخيار بين الأمرين, بدليل ما جاء في قصة الرجل الذي انفرد وصلى وحده حين أطال معاذ بن جبل – رضي الله عنه – بهم القراءة, فلما سلم معاذ بن جبل قال إن هذا الرجل قد نافق وشكاه الرسول الله صلي الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ: (يا معاذ أفتان أنت, فلولا صليت بسبح اسم ربك, والشمس وضحاها, والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو(15/219)
الحاجة) (1) .وهذا دليل على أن المأموم إذا كان له عذر أن ينفرد عن الإمام. وقال بعض العلماء: له أن يتمها خفيفة, وله أن يقطعها, والأولى أن يتمها خفيفة إن تمكن ,وإلا قطعها ولا حرج عليه.
* * *
1069 سئل فضيلة الشيخ: إذا قطع الإمام صلاته ولم يستخلف أحداً فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قطع المصلي صلاته الفريضة فإما أن يكون لسبب شرعي, أو لغير سبب شرعي, فإن كان لسبب شرعي فلا إثم عليه, وإن كان لغير سبب شرعي فعليه الإثم, فإذا كان إماماً ولم يستخلف فإن للمأمومين واحداً من أمرين:
إما أن يكملوا فرادى, وإما أن يقدموا أحدهم, أو يتقدم أحد منهم ليكمل بهم الصلاة, ولا حرج عليهم في هذا مع أن الأولى إذا حصل للإمام ما يسوغ الخروج من الصلاة أن يستخلف هو حتى لا يحصل ارتباك بينهم. والله الموفق.
* * *(15/220)
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
لدنيا في المسجد رجل سقيم فيه رائحة كريهة تنفر المصلين, وقد جرى نصحه بإزالة هذه الروائح فلم يفعل, فهل يجوز إخراجه من المسجد؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان في هذا الرجل السقيم الذي ذكر السائل رائحة كريهة فلا بأس من إخراجه من المسجد إذا لم يزل هذه الرائحة عنه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى من أكل ثوماً أو نحوه مما له رائحة كريهة أن يقرب المساجد, وعلى هذا فإذا قرب المسجد من كان فيه رائحة كريهة فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم, ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم منكر, وقد قال صلي الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (1) .وإخراج صاحب الرائحة الكريهة من المسجد من إزالة المنكر فيكون مأموراً به.
بل في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما - يعني البصل(15/221)
والثوم – من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليتمها طبخاً (2) .
ولهذا قال في شرح المنتهى وفي شرح الإقناع: يستحب إخراجه من المسجد – يعني إخراج من فيه رائحة كريهة – من إصنان أو بصل أو نحوهما, والله الموفق.
قاله وكتبه محمد الصالح العثيمين في 22/3/1399 هـ.(15/222)
1070 سئل فضيلة الشيخ: أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم, وأتحرج من الاختلاط بالناس وأثناء تأدية الصلاة في المسجد؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم (1) .فهل لي الصلاة في المنزل؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة فإنني أصليه في المسجد؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير.
فأجاب فضيلته بقوله: نسأل الله أن يمن عليك الشفاء, وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة, لأنك معذور, وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة فإنه يكتب لك أجر, لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك (إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وداياً إلا وهو معنا فيه, حبسهم العذر) (2) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك.
ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة؟ إن كان الأمر كذلك(15/223)
فاحرص على هذا وتطيب به, أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور, وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة, فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة. والله الموفق.
* * *(15/224)
باب صلاة أهل الأعذار(15/225)
* باب صلاة أهل الأعذار
- صلاة المريض
- صلاة المسافر
- قصر الصلاة
- جمع الصلاة
- رسائل حول رخص السفر
- صلاة الخوف(15/227)
قال فضيلة الشيخ - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يصلي المريض؟
أولاً: يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائماً ولو منحنياً, أو معتمداً على جدار, أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه.
ثانياً: فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالساً, والأفضل أن يكون متربعاً في موضع والركوع.
ثالثاً: فإن كان لا يستطيع الصلاة جالساً صلى جنبه متوجهاً إلى القبلة, والجنب الأيمن, فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه, وصلاته صحيحة, ولا إعادة عليه.
رابعاً: فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقياً رجلاه إلى القبلة, والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة, فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت, ولا إعادة عليه.
خامساً: يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته, فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه, ويجعل السجود أخفض من الركوع, فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع, وأومأ بالسجود, وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود, وأومأ بالركوع.(15/229)
سادساً: فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار في السجود بعينه, فيغمض قليلاً للركوع, ويغمض تغميضاً للسجود. وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح ولا أعلم له أصلاً من الكتاب, والسنة, ولا من أقوال أهل العلم.
سابعاً: فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس, ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه, فيكبر ويقرأ, وينوي الركوع, والسجود, والقيام, والقعود بقلبه ((ولكل امرئ ما نوى) (1) .
ثامناً: يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها, فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر, والعشاء إلى المغرب, وأما الجمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر, والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.
تاسعاً: إذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر, والعصر, والعشاء على ركعتين, ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت.
والله الموفق.
كتبه إلى الفقير إلى الله: محمد الصالح العثيمين.(15/230)
1071 سئل فضيلة الشيخ: عن امرأة تعاني من ألم في المفاصل, وتصلي وهي جالسة, فهل يجب عليها أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل الوسادة ونحوها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الألم الذي في مفاصل هذه المرأة ولا تستطيع معه القيام في الصلاة وتصلي جالسة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى عمران بن حصين فقال صلي الله عليه وسلم (صل قائماً ,فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب) (1) .
فإن كانت لا تستطيع القيام, قلنا لها: صلي جالسة وتكون في حال القيام متربعة, كما صح ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم (2) ,ثم تومئ بالركوع وهي متربعة. ثم إن استطاعت السجود سجدت, وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع.
وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه, بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله. وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم ¸أنه قال (هلك المتنطعون هلك المتنطعون, هلك المتنطعون) (3) .
* * *(15/231)
1072 سئل فضيلة الشيخ: أعرض على فضيلتكم حالتي, فقد سقطت من الدور الثاني فانشل جسدي من الصدر وأسفل, وفقدت الإحساس في هذه المنطقة, ولم أعد أتحكم في البول, ووضع لي جهاز على القضيب في أسفله كيس بلاستيك يتجمع فيه البول, أما البراز فينزل في الحمام بواسطة لبوس أضعه فتعودت على تنظيمه, أما الريح فليس في استطاعتي التحكم فيها, كما أنني لم أستطيع الجلوس على الأرض, ولا غسل الفرج, ولا الرجلين, وأذهب إلى المسجد في الجمعة بواسطة عربة فأجد صعوبة في الدخول من عتب المسجد لكثرة الدرج, ولا يوجد مسجد قربي به مدخل للعربات, كما أنني أقوم بإفراغ الكيس من البول عند الذهاب إلى المسجد, ولكن بعد الصلاة ألمس الكيس فأجد أنه قد نزل فيه شيء من البول, فكيف أتوضأ؟ وكيف؟ أصلي؟ وهل يلزم أن أذهب إلى المسجد؟ وكان من أثر هذا الحادث أن الكلى والمسالك البولية ضعفت ولا تعمل كما في الأصحاء, ويأمرني الأطباء بشرب الماء بكميات كبيرة, وعدم تأخير شرب الماء أكثر من ست ساعات, فهل يلزمني الصيام؟ وماذا علي علماً بأنني حاولت الصيام فحصل لي النزيف؟
فأجاب فضيلته بقوله: نسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر والاحتساب على ما أصابك حتى تنال أجر الصابرين.
وأما ذكرت من جهة الوضوء والصلاة فإن الله - عز وجل - يقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) ,ويقول جل ذكره(15/232)
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (1) .
وعلى هذا فإن وضوءك يكون كالتالي:
إذا دخل وقت صلاة الفريضة فاغسل ما يمكنك غسله من المكان الذي تنجس بالبول, أو الغائط, ثم ضع هذا الكيس الذي تضعه على القضيب, وكذلك تحفظ بالنسبة للغائط, ثم بأن تتمضمض, ثم استنشق, واستنثر, ثم اغسل وجهك ويديك إلى المرفقين, ثم امسح رأسك, واغسل رجليك إن استطعت بنفسك, أو أحد أولادك, أو أهلك يغسلونها, لأن الظاهر أن غسلها لا يؤثر, ثم تصلي ما شئت من فروض ونوافل, وكذلك إذا أردت صلاة النافلة فإنك تعمل كما ذكرت لك وتصلي بحسب استطاعتك.
وأما الذهاب إلى المساجد فإنه لا يلزمك أن تذهب إلى غير الجمعة, فالجمعة هي الواجبة عليك أن تصليها في المسجد, وأنت قد ذكرت أنك تذهب إلى مسجد في وسط البلد وتصلي فيه الجمعة, أما غيرها فلمشقة الذهاب لا يلزمك الذهاب إلى المسجد, لا سيما وأن المساجد التي حولك فيها درج كما أفاد سؤالك, ولأنه يتعذر عليك الدخول إلى المسجد بالعربة التي أنت عليها. والله الموفق.
وبالنسبة للصيام فالذي تبين من حالك أنه لا يمكنك الصوم لأنك لا بد أن تشرب الماء بكثرة, وحاولت الصيام فحصل لك(15/233)
نزنفاً, وعليه فلا يجب عليك الصوم, وإنما الواجب عليك إطعام مسكين لكل يوم, ولا يجزئ دفع الدراهم عن إطعام المسكين, فالآن يجب عليك أن تطعم كل شهر تفطره, ولك في الإطعام طريقان:
الأول: أن تصنع طعاماً وتدعو إليه فقراء بعدد أيام شهر رمضان, وبهذا تبرئ ذمتك.
الثاني: أن تعطيهم ستة أصواع من الرز, تقسمها على الثلاثين ومعها اللحم الذي يكفيها من لحم أو دجاج أو غيره, وذلك عن كل شهر تفطرها.
* * *
1073 وسئل فضيلة الشيخ: لنا والد يبلغ من العمر مائة سنة ويقول لنا كل يوم جمعة أوصلوني للمسجد, ولا يستطيع المشي ومريض, فهل إذا قلنا له لن نوصلك علينا إثم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان لا يستطيع الذهاب إلى المسجد فإنه ينبغي أن يخبر أنه لا يلزمه أن يكلف نفسه ويتعبها بأمر يشق عليه ولا يتحمله, وأما إذا كان يتحمله ولكن بمشقة فإن من بره أن توافقه على طلبه, وتكونا مأجورين من وجهين: البر لأبيكم, ومن جهة أن هذا عون على طاعة الله, والمعين على الطاعة يرجى له الخير والثواب, وقد ذكر ابن مسعود - رضي الله عنه - أن الصحابة(15/234)
- رضي الله عنهم - ((كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف) (1) .
* * *
1074 سئل فضيلة الشيخ: عن امرأة كبيرة في السن, وقدماها لا تساعداها على القيام, تصلي المغرب مع العشاء جمعاً, وتصلي الركعتين الأولى والثانية واقفة, أما الثالثة والرابعة فتجلس متربعة, أو مادة لرجلها اليمنى لعدم القدرة على ثنيها, فهل فعلها صحيح, وما حكم عملها هذا؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن أمرين:
الأول: أن هذه المرأة تجمع بين فرضين, المغرب والعشاء, وهذا لا يجوز إلا إذا دعت الحاجة إليه, وحصل بتركه مشقة, فإن الجمع حينئذ يجوز فلتنتبه هذه المسألة إلى أن تصلي المغرب في وقتها, والعشاء في وقتها إلا أن يكون هناك مشقة.
الأمر الثاني: فهو مسألة القيام, فالفريضة القيام فيها ركن من أركان الصلاة, قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فلا يجوز الجلوس في حال القيام في أول الصلاة أو آخرها إلا إذا كان الإنسان عاجزاً, أما إذا كان عاجزاً في بعض الصلاة دون بعضها, فإن يقوم الحال التي يستطيع القيام فيها, ويجلس في الحال التي يعجز عن القيام فيها,(15/235)
فأنت أيتها السائلة صلي على حسب الاستطاعة, لأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها, والله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فآتوا منه ما استطعتم) (2) .والله الموفق.
* * *
1075 سئل فضيلة الشيخ: أنا أشكو من مرض في يدي اليسرى, فلا أستطيع أن أحركها ولا أستطيع استخدام إلا يدي اليمنى في الوضوء, ولذلك لا أغسل وجهي ورأسي كاملين, وإذا أردت الصلاة فأسجد بيدي اليمنى فقط, وإني أصلي كل الصلوات لكن أشك في هذه الصلاة وكذلك في الوضوء, فما حكم ذلك؟ وإذا لا يجوز فهل علي قضاء لهذه الصلوات؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب عليك أن تتوضأ وضوءاً كاملاً, فتغسل وجهك غسلاً كاملاً, وتمسح رأسك مسحاً كاملاً, وهو أمر ليس بممتنع, فيمكن أن تغسل بيدك اليمنى السليمة بعض وجهك, ثم تغسل بعضه الآخر وهكذا بالتناوب فتغسل الأيمن بغرفة والأيسر بغرفة والوسط بغرفة, ثم تعيد ذلك ثلاث مرات حتى تعم وجهك على الوجه الأكمل, وإن اقتصرت على غسلة واحدة لكل جانب غرفة أجزأ ذلك, وكذلك الرأس يمكن أن تدير عليه بيدك من جميع جوانبه وتمسح أذنيك. وأما السجود فبإمكانك أن تضع يدك المصابة على(15/236)
الأرض, والمهم أن يكون الكف على الأرض في حالة السجود سواء على باطنها, أو ظهرها, أو أطراف أصابعها, وهذا أمر ممكن لا أظنه يتعذر عليك, قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .أما ما مضى من الصلوات فإن كنت قد سألت صاحب علم تثق به فلا شيء عليك, وإلا فعليك أن تعيدها من أولها تباعاً. والله الموفق.
1076 سئل فضيلة الشيخ: عن امرأة تقيم في المملكة مع زوجها منذ سنوات ولم تذهب إلى بلادها, وقبل الحج حضر والدها ووالدتها وأختها, ثم مرضت أختها فلم تصل لشدة المرض لأنها لا تستطيع أن تقف على قدميها, وكانت أمها عن الحج حتى توفيت, وتقول: أنها جاءت تائبة لله- عز وعلا - وقد لبست الحجاب وتحشمت, ولكن عندما مرضت ونقلت إلى المستشفى اطلع عليها بعض الأطباء والممرضات الأجنبيات وماتت وهي بينهم فهذا مما يقلقني. وقبل موتها تلت آيات من القرآن ثم جاءتها غيبوبة ففاضت روحها معها. فهل تعتبر على نية الحج الذي أتت من بلادها لأجله؟ وماذا عليها؟ وهل في موتها شيء على هذه الهيئة في المستشفى وبين الأجانب؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا السؤال من وجهين:(15/237)
الوجه الأول: أن هذه المرأة تركت الصلاة حسب السؤال لأنها لا تقوى على الوقوف وهذا جهل عظيم, فإن الواجب على المؤمن إذا عجز عن الصلاة قائماً أن يصلي قاعداً, فإن عجز عن القعود صلى على جنبه لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولقوله تعالى في هذه الأمة (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صل قائماً, فإن لم تسطع فقاعداً, فإن لم تسطع فعلى جنبك) (1) .
فالواجب على المريض أن يصلي قائماً, فإن لم يستطع فقاعداً, يومئ بالركوع, ويومئ بالسجود إن عجز عن السجود, ويجعل السجود أخفض من الركوع, فإن لم يستطع الجلوس صلى على جنبه ووجهه إلى القبلة, يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض, فإن لم يستطع الإيماء صلى بعينه يغمض للركوع ويغمض للسجود أكثر, فإن لم يستطع ذلك أيضاً يصلي بقلبه فينوي الركوع والرفع منه بقلبه, والسجود بقلبه, والجلوس بقلبه, حتى يتم الصلاة.
ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتاً لقول تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقوله صلي الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (2) .
الوجه الثاني: فمن جهة هذه المرأة التي جاءت إلى هذه البلاد نادمة على ما وقع منها تائبة من الذنوب, فإنها يرجى لها خير كثير,(15/238)
لا سيما وأنها بادرت بالإقلاع عما كانت تعهده من كشف الوجه, حتى صارت تغطي وجهها, والتزمت بالواجب؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن ستر الوجه واجب, ولابد منه؛ لأن الوجه مظهر المرأة, ومحل الفتنة, وحل الرغبة من الناس, والناس لا تتعلق نفوسهم بشيء بأكثر مما تتعلق من الوجه, وهذا الأمر يشهد به الحس والطبع, ولا يمكن لأحد إنكاره, وإذا كان الوجه محل الرغبة والفتنة كان ستره واجباً, وإذا كان الله سبحانه يقول: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ) فأفاد بقوله: (لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ) إلى الرجل مستورة, وأن ما فيها من الخلاخيل قد ستر وأخفي, لكن خوفاً من أن يظهر لها صوت نهاها الله أن تضرب برجلها, وهذا أقل بكثير فتنة من الوجه, فكيف لا يكون ستر الوجه واجباً؟!!
وإذا كان الله قد نهى المرأة أن تضرب برجلها لئلا يعلم ما تخفي من الزينة, فإنه لا يمكن أن يقال: إن إبداء الوجه الذي هو أشد تعلقاً وفتنة من صوت الخلخال , إنه أمر جائز.
والصواب الذي لا شك فيه أن كشف الوجه المرأة محرم, وأنه لا يجوز أن تكشفه ,والإنسان إذا نظر إلى الأدلة الشرع وجد أن هذا هو الصواب المتعين.
وإذا نظر إلى الواقع أيضاً, وما جرى عليه القول, أو ما جرى عليه افتتان بعض الناس بأنه يجوز كشف الوجه من الويلات والبلاء وتعدي النساء إلى كشف الرقاب, والنحور, والرؤوس, والأذرع, بل والعضدين أحياناً, علم أنه لابد أن تمنع النساء من كشف(15/239)
الوجوه, لأنه من المعلوم المتفق عليه عند أهل العلم سد الذرائع الموصلة إلى شيء محرم, ولهذا قال الله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) فنهى الله عن سب آلهة المشركين مع أن سبها قربة وطاعة وواجب؛ لأنها تفضي إلى مفسدة أعظم وهي سب الله عز وجل.
والمهم أن هذه المرأة التي حضرت إلى هذه البلاد التي مازال علماؤها المحققون - ولله الحمد - يفتون بما هو حق في هذه المسألة من وجوب ستر الوجه, ثم إن هذه المرأة قد قدمت إلى الحج فهي بنية عبادة من أفضل العبادات, فيرجى لها أجر عظيم.
وأما ما جرى لها حين علاجها في المستشفى فإنه أمر تعذر به؛ لأنها بحاجة إليه, ولا يلحقها بذلك حرج إن شاء الله تعالى. والله ولي التوفيق.
* * *
1077 سئل فضيلة الشيخ: والدتي نومت في المستشفى لمدة خمسة أشهر ولم تستطع أداء الصلاة لأجل المرض الذي أصابها وأثر عليها في طهارة جسمها وملابسها وإني خائفة عليها من الإثم لأجل إني ما ذكرتها الصلاة لعلمي بحالتها, أرجو من الله ثم منكم أن تفتيني في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن سؤالين:
الأول: أنك لم تذكري أمك بما يجب عليها من الصلاة, وهذا تهاون منك خطأ, والواجب عليك أنك ذكرتيها وساعدتيها(15/240)
على الوجه الأكمل, وعليك التوبة.
وأما السؤال الثاني: فهو أن هذه المرأة مريضة وعليها ثياب نجاسة ولا تستطيع أن تغيرها, فالواجب على المريض أن يصلي بحسب حاله, يصلي بوضوء, فإن عجز عن الوضوء تيمم, فإن عجز عن الوضوء والتيمم صلى ولو بدون وضوء ولا تيمم, ويصليها بثياب طاهرة, فإن عجز صلاها ولو بثياب نجسة, ولا حرج عليه, ويصلي على فراش طاهر إن تمكن, فإن لم يتمكن فإنه يفرش عليه شيئاً طاهراً, فإن لم يتمكن صلى ولو كان نجساً للضرورة.
والمهم أن على المريض أن لا يؤخر الصلاة بل يصليها على أي حال كان, لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) ولقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وما اعتاده بعض العوام أنه إذا كان على بدنه أو ثيابه نجاسة قال: لا أصلي حتى أشفى, فإن هذا خطر عظيم, وخطأ جسيم, فإن مات على هذه الحال فإن عليه إثماً كبيراً.
فالواجب أن يؤدي الصلاة بحسب الصلاة حاله, قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - رضي الله عنه - (صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى على جنب) (1) .فعلى المريض أن يقوم, فإن لم يقدر صلى جالساً إن أمكن أن يسجد سجد وإلا أومأ, ويجعل ,والسجود أخفض من الركوع, فإن لم يستطع صلى مضطجعاً ووجهه إلى(15/241)
القبلة, فإن لم يتمكن صلى ورجلاه إلى القبلة ويومئ برأسه, فإن عجز أومأ بعينيه, فإن عجز نوى بقلبه فيكبر للقيام والركوع ويقول: سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد وهكذا يتم الصلاة, وأما تركها فلا يجوز, والله الموفق.
* * *
1078 سئل فضيلة الشيخ: كيف يصلي المريض؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مرض الإنسان قلنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين صلي الله عليه وسلم (صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب) (1) فإن لم يستطع أومأ برأسه, أما الإيماء بالإصبع فلا أعلم قائلاً به من العلماء, ولا فيه سنة أيضاً, فهو عبث يعني من الحركة مكروهة, لأنها ليست بسنة ولا مشروعة, وأما الحركة بالعين أو الإشارة بالعين فقد قال بها بعض العلماء, قال: إذا لم يستطع برأسه أومأ بعينه فيغمض قليلاً للركوع ثم أكثر للسجود, وأما الإصبع فبناء على أنه اشتهر عند العامة فيكون فاعله جاهلاً ولا شيء عليه, لا يعيد صلاته, لكن يجب على طلبة العلم إذا اشتهر عند العامة ما ليس بمشروع أن يكرسوا جهودهم في التنبيه عليه؛ لأن العامة يريدون حقاً لكنهم جهال, فإذا سكت عن هذه الأشياء بقيت على ما هي عليه, لكن إذا نشرت في المجالس, في الخطب, في المواعظ, في المحاضرات, نفع الله بها.
* * *(15/242)
1079 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تأخير الصلاة بسبب ركوب الطائرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة في الطائرة إذا كان لا يمكن الهبوط قبل خروج الوقت, أو خروج الوقت للصلاة الثانية تجمع إليها ما قبلها أقول: الصلاة في هذه الحال واجبة, ولا يجوز تأخيرها عن الوقت, ويصلي الراكب متجهاً إلى القبلة قائماً إن أمكنه ويركع, وعند السجود يجلس ويومئ به, لأن السجود غير ممكن فيما أعرف؛ لأن المقاعد قريب بعضها من بعض, وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ,وقال النبي صلي الله عليه وسلم (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) (1) .وقال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) .
أما إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج الوقت للصلاة الحاضرة, أو التي تليها إن كانت تجمع إليها فإنه لا يصلي في الطائرة لأنه لا يمكنه الإتيان بما يجب, فعليه أن يؤخر الصلاة حتى يهبط ويصليها على الأرض ليتمكن من فعل الواجب.
* * *(15/243)
فصل
قال فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى -:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأصلى على نبينا محمد وعلى آله, وصحبه أجمعين, أما بعد:
كيف يصلي الإنسان في الطائرة؟
أولاً: يصلي في الطائرة وهو جالس على مقعدة حيث كان اتجاه الطائرة ويومئ بالركوع والسجود, ويجعل السجود أخفض.
ثانياً: لا يصلي الفريضة في الطائرة إلا إذا كان يتمكن من الاتجاه إلى القبلة في جميع الصلاة, ويتمكن أيضاً من الركوع, والسجود, والقيام, والقعود.
ثالثاً: إذا كان لا يتمكن من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يهبط في المطار فيصلي على الأرض, فإن خاف خروج الوقت قبل الهبوط أخرها إلى وقت الثانية إن كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر, والمغرب مع العشاء, فإن خاف خروج وقت الثانية صلاهما قبل أن يخرج الوقت. (مثلاً) لو أقلعت الطائرة قبيل الغروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط في المطار وينزل فيصلي على الأرض, فإن خاف خروج وقت المغرب أخرها إلى وقت العشاء فصلاهما جمع تأخير بعد(15/244)
نزوله, فإن خاف خروج وقت العشاء, ذلك عند منتصف الليل صلاهما قبل أن يخرج الوقت.
رابعاً: كيفية صلاة الفريضة في الطائرة: أن يقف ويستقبل القبلة فيكبر ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح أو بعدها من القرآن, ثم يركع, ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائماً, ويسجد ثم يرفع من السجود ويطمئن جالساً, ثم يسجد الثانية, ثم يفعل كذلك في بقية صلاته فإن لم يتمكن من السجود جلس, وأومأ بالسجود جالساً.
كيف يحرم بالحج والعمرة من سافر في الطائرة (1) ؟
أولاً: يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة, وإن شاء لبس ثياب الإحرام.
ثانياً: فإذا قربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن نواه من حج أو عمرة.
رابعاً: فإن أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً خوفاً من الغفلة أو النسيان فلا بأس.
كتب ذلك محمد الصالح العثيمين في 2/5/1409هـ.(15/245)
1080 وسئل فضيلة الشيخ:أعمل سائق بالطائرة بصفة مستمرة, أيجوز لي أن أصلي جالساً على الكرسي في مكان العمل؟ وهل يجوز أن أصلي قصراً بصفة مستمرة كلما كنت في أثناء العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا القائد للطائرة سأل عن مسألتين:
المسألة الأولى: هل يجوز له القصر مع أنه دائماً في سفر؟
والمسألة الثانية: هل يجوز أن يصلي جالساً في مكان القيادة؟
المسألة الأولى: فإنه يقصر لأنه مسافر, والآيات والأحاديث الواردة في القصر لم تخص سفراً دون سفر, وعلى هذا يجوز له أن يقصر لأن هذا الرجل مسافر وله بلد يأوي إليه وأهلاً يقيم فيهم, فإذا فارقهم فهو مسافر, فيجوز له القصر. ويجوز له الفطر في رمضان أيضاً, لكونه على سفر.
وأما المسألة الثانية: عن جواز الصلاة في مكان القيادة: فإن كانت الصلاة نافلة فلا حرج عليه في ذلك ويتجه حيث كان اتجاه الطائرة؛ لأنه ثبت عن النبي أنه كان يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به (1) ,وهكذا من كان في الطائرة أو في السيارة.
أما إذا كانت الصلاة فرضاً فإنه لا يجوز له أن يصلي في هذا المكان, إذا كانت الطائرة يمكن أن تهبط في المطار قبل خروج(15/246)
وقت الصلاة, أو قبل خروج وقت الثانية إذا كانت الصلاة التي أدركته مما تجمع إليها, مثلاً لو أدركه وقت صلاة الظهر وهو يعرف أنه سوف يهبط في المطار في وقت صلاة العصر, قلنا له: اجمع صلاة الظهر مع العصر, لتصليهما جميعاً على الأرض, أما إذا كانت الرحلة طويلة فلا يمكن أن ينزل في الأرض قبل خروج وقت الصلاة فإنه لا يجوز له أن يصلي في مكان القيادة لأنه يحتاج إلى ملاحظة الطائرة وطيرانها فحينئذ نقول له للضرورة صل ولو كنت في مكانك وأت بما يقدر عليه من واجبات الصلاة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, أما إذا كان الجو لطيفاً ولا خطر فإنه يجب أن يصلي في مكان يتمكن فيه من القيام والركوع, والسجود, والقعود, استقبال القبلة.
* * *
1081 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -:ما حكم الصلاة على الراحلة في الحضر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة في الراحلة إن كانت فريضة فإنها لا تصح لا في الحضر ولا في السفر إلا للضرورة, مثل أن تكون السماء تمطر, والأرض مبتلة, لا يمكنهم النزول عليها والسجود عليها, وأما النافلة فإنها تجوز في السفر خاصة على الراحلة, لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي النافلة على(15/247)
راحلته حيثما توجهت به (1) .وأما في الحضر فلا يجوز.
* * *
1082 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل ركب الطائرة وحان وقت الصلاة فكيف يصلي؟ أفتونا وفقكم الله.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا حان وقت الفريضة وأنت في الطائرة فلا تصلها في الطائرة بل انتظر حتى تهبط في المطار إن اتسع الوقت, إلا أن يكون في الطائرة محل خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة تامة تستقبل فيها القبلة, وتركع, وتسجد, وتقوم وتقعد فصلها في الطائرة حين يدخل الوقت فإن لم يكن في الطائرة مكان خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة تامة وخشيت أن يخرج الوقت قبل هبوط الطائرة, فإن كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها كصلاة الظهر مع العصر, وصلاة المغرب مع العشاء, ويمكن أن تهبط الطائرة قبل خروج وقت الثانية فأخر الصلاة الأولى واجمعها إلى الثانية جمع تأخير, ليتسنى لك الصلاة بعد هبوط الطائرة فإن كانت الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الثانية فصل الصلاتين حينئذ في الطائرة على حسب استطاعتك فتستقبل القبلة, وتصلي قائماً, وتركع إن استطعت, وإلا فأومئ بالركوع وأنت قائم, ثم اسجد إن استطعت, وإلا فأومئ بالسجود جالساً
وخلاصة الجواب كما يلي:(15/248)
أ – إن استطعت أن تصلي في الطائرة صلاة تامة فصلها حين يدخل الوقت كما لو كنت على الأرض.
ب - إن لم تستطع فأخر الصلاة حتى تهبط الطائرة.
جـ - إن خشيت خروج الوقت قبل هبوط الطائرة فصل الصلاة وائت بما تستطيع من واجباتها وأركانها وشروطها, إلا إذا كانت مما يجمع إلى ما بعدها, وصارت الطائرة تهبط قبل خروج وقت الثانية فأخر الأولى إلى الثانية ودليل هذا كله قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) وقول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (2) .
حرر في 24رجب 1407هـ.
* * *
1083 سئل فضيلة الشيخ: متى تجب الصلاة في الطائرة؟ وعن كيفية الصلاة الفريضة في الطائرة؟ وعن كيفية صلاة النافلة في الطائرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: تجب الصلاة إذا دخل وقتها, لكن إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة في الطائرة إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج وقت الصلاة, أو خروج وقت التي بعدها مما يجمع إليها. فمثلاً لو أقلعت الطائرة من جدة قبيل غروب الشمس, وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط(15/249)
الطائرة في المطار, وينزل منها, فإن خاف خروج وقتها نوى جمعها إلى العشاء جمع تأخير وصلاهما إذا نزل, فإن استمرت الطائرة حتى خاف أن يخرج وقت العشاء, وذلك عند منتصف الليل فإنه يصليهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة.
وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة أن يقوم مستقبل القبلة فيكبر, ثم يركع, ثم يرفع من الركوع, ثم يسجد فإن لم يتمكن من السجود جالساً, وهكذا يفعل حتى تنتهي الصلاة وهو في ذلك كله مستقبل القبلة.
أما كيفية صلاة النافلة على الطائرة فإنه يصليها قاعداً على مقعده في الطائرة ويومئ بالركوع والسجود, ويجعل السجود أخفض. والله الموفق.حرر في 22/4/1409 هـ.
* * *
1084 سئل فضيلة الشيخ: في بعض الأحيان أكون مسافراً بالطائرة أو بالسيارة, ثم يدخل وقت الصلاة أثناء الرحلة, وهناك لا أعرف اتجاه القبلة ولا أتمكن من الركوع أو السجود, ولست على وضوء ولا أجد ما أتيمم به, فيؤخر الصلاة عن وقتها واقضيها متى وجدت الماء وتمكنت من الصلاة فهل فعلى هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: فعلك هذا ليس بصحيح, فإن الصلاة يجب أن تؤدي وتفعل في وقتها لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى(15/250)
الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) .وإذا وجب أن تفعل في وقتها فإنه يجب على المرء أن يقوم بما يجب فيها بحسب المستطاع, لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) .ولقول النبي صلي الله عليه وسلم (صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب) (1) .
ولأن الله – عز وجل – أمرنا بإقامة الصلاة حتى في حال الحرب والقتال, ولو كان تأخير الصلاة عن وقتها جائزاً لمن عجز عن القيام بما يجب فيها من شروط, وأركان, وواجبات, ما أوجب الله تعالى الصلاة في حال الحرب.
وعلى هذا يتبين أن ما فعله الأخ السائل من كونه يؤخر الصلاة إلى ما بعد الوقت ثم يصليها قضاء بناء على أنه لا يعرف القبلة, وأنه ليس عنده ماء وأنه لا يتمكن من الركوع والسجود يتبين أن فعله هذا خطأ.
ولكن ماذا يصنع المرء في مثل هذه الحال؟ نقول: يتقي الله ما استطاع, فبالنسبة إلى القبلة يمكنه أن يسأل المضيفين في الطائرة عن اتجاه القبلة, فيتجه حيث وجهوه إليه, وهذا في الصلاة الفريضة. أما النافلة فيصلي حيث كان وجهه كما هو ما معروف.
وبالنسبة للقيام, وللركوع, والسجود نقول له: قم؛ لأن القيام ممكن والطائرة في الجو, ونقول له: اركع؛ لأن الركوع ممكن لا سيما في بعض الطائرات التي يكون ما بين المقاعد فيها واسعاً,(15/251)
فإن لم يتمكن من الركوع نقول له: تومئ بالركوع وأنت قائم, وفي حال السجود نقول: اسجد, والغالب أن لا يتمكن إن لم يكن في الطائرة مكان معد للصلاة, فإذا لم يتمكن من السجود قلنا له: اجلس بعد أن تقوم من الركوع وتأتي بالواجب اجلس وأومئ بالسجود وأنت جالس, وأما الجلوس بين السجدتين والتشهد فأمرهما واضح ,وبهذا تنتهي الصلاة ويكون قد اتقى الله فيها ما استطاع.
وأما ما يتعلق بالوضوء فنقول: إذا لم يكن ماء لديك وليس هناك ماء يمكن أن تتوضأ به أو شيء يتيمم به فإنك تصلي ولو بلا وضوء ولا تيمم؛ لأن ذلك هو منتهى استطاعتك وقدرتك, ولكن لا تؤخر الصلاة عن وقتها إلا إذا كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعده, كما لو كانت الرحلة في وقت الظهر وبإمكانك أن تؤخر الظهر إلى العصر فتجمعهما جمع تأخير في صلاة العصر. فهذا جائز, بل يكون واجباً في هذه الحال.
* * *
1085 سئل فضيلة الشيخ: متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه, لقول عائشة – رضي الله عنها - (الصلاة أول ما فرضت ركعتين, فأقرت صلاة السفر, وأتمت صلاة(15/252)
الحضر) .وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) (1) وقال أنس ين مالك – رضي الله عنه - (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة) (2) .
لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة, وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) (3) .فعموم قوله (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم. وسئل ابن عباس – رضي الله عنهما – ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد, وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة (4) .
ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (النساء: من الآية102) .الآية. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون(15/253)
بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة.
وأما التطوع بالنوافل: فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبه الظهر, والمغرب, وراتبه الفجر وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة.
أما الجمع: فإن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء, إما الجمع تقديم, وإما جمع تأخير حسب الأيسر له, وكلما كان فهو أفضل.
وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع, وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وأما صوم المسافر في رمضان فالأفضل الصوم أفطر فلا بأس ويقضي عدد الأيام التي أفطرها, إلا أن يكون الفطر أسهل له, فالفطر أفضل؛ لأن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه, والحمد لله رب العالمين.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 5/12/1409هـ.
* * *
1086 سئل فضيلة الشيخ: من خرج للنزهة هل يجوز له القصر في الصلاة والجمع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان خروجهم يعد سفراً فلهم القصر, لكن بدون جمع, إلا أن يحتاجوا إلى الجمع بحيث يشق(15/254)
عليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها, إما لشدة البرد, أو قلة الماء ونحو ذلك, وأما مع عدم الحاجة فلا يجمعون بل يصلون كل صلاة في وقتها.
فإذا كانت المسافة بين البلد وبين محل النزهة ثلاثة فراسخ – أي تسعة أميال – وصاروا يقيمون إقامة يحملون من أجلها الزاد والمزاد كاليومين والثلاثة فهم مسافرون, يترخصون برخص السفر, لما رواه مسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال, أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) (1) .وقد ذكر فقهاؤنا رحمهم الله: كأنه لا فرق بين أن يكون السفر لعبادة كسفر الحج والعمرة, أو لتجارة, أو لزيارة صديق أو لنزهة؛ لأن النصوص جاءت مطلقة غير مقيدة.
وأما من يخرج يوماً ويرجع في يومه, أو في أول الليل ويرجع في آخره فلا يترخص. حرر في 17/7/1412هـ.
* * *
1087 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز القصر في السفر بعد الوصول إلى المدينة المراد السفر لها لقضاء حاجة منها ثم الرجوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان يجوز له أن يقصر الصلاة من حين أن يفارق بلده إلى أن يرجع إليها, هكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل, ((وقد(15/255)
أقام صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة) (2) ,و ((أقام عليه الصلاة والسلام في تبوك عشرين يوماً يقصر) (3) ,وأقام عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – ((بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة, حيث حبسه الثلج) (4) .
ولكن إذا كنت في بلد تسمع النداء فيه, فعليك أن تجب النداء, وإذ صليت مع الإمام عليك الإتمام, لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) (5) . ولقوله صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) (6) . ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل: عن الرجل إذا كان مسافراً وصلى مع الإمام يصلي أربعاً وإذا كان وحده يقصر؟ قال: تلك هي السنة (7) ,فإذا سمعت النداء فأجب وأتم مع الإمام, فلو صليت معه ركعتين وسلم فإن عليك أن تتم الركعتين الباقتين. ولكن لو أنك لم تسمع النداء, أو كنت في مكان ناء عن المساجد, أو فاتتك الجماعة, فإنك تصلي ركعتين مادمت في البلد الذي سافرت إليه بنية الرجوع إلى بلدك, الله الموفق.
* * *(15/256)
1088 سئل فضيلة الشيخ: نحن من سكان مكة المكرمة ولنا جماعة يبعدون عن مكة مسافة ستين وثلاثمائة كيلو متر, نذهب لزيارتهم فنقصر في الطريق, وإذا وصلنا إليهم فإننا نصلي معهم بدون قصر أو جمع, فهل علينا حرج ف ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليكم في هذا حرج؛ لأن المسافة مسافة بعيدة, وأنتم تقيمون عندهم أياماً, فما دمتم على هذه الحال فإنكم مسافرون, ولكن إذا صليتم معهم فلا بد أن تتموا أربعاً.
* * *
1089 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -:عن رجل قدم إلى مكة ليقضي بها العشر الأواخر من رمضان فهل يجوز له الفطر وقصر الصلاة وترك الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي قدم إلى مكة ليقضي فيها العشر الأواخر هو في حكم المسافر. فإن النبي صلى الله عليه وسلم ((قدم عام الفتح في اليوم التاسع عشر, أو اليوم العشرين وبقي فيها تسعة عشر يوماً) (1) ,وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بقية الشهر) (2) ,فكان الرسول صلى الله عليه وسلم مفطراً في العشر الأواخر من رمضان وهو في مكة.(15/257)
وأما القصر, فإن كان رجلاً فإن الواجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد, وإذا حضر لزمه الإتمام, لكن لو فاتته الصلاة فإنه يصلي ركعتين, والمرأة إذا صلت في بيتها فإنها تصلي ركعتين, وإن صلت في المسجد وجب عليها أن تصلي أربعاً.
وأما الرواتب, فإنني قد تأملت ما جاءت به السنة في النوافل وتبين لي أن راتبه الظهر, والمغرب ,والعشاء لا تصلي, وما عدا ذلك النوافل فإنه يصلي مثل سنة الفجر, وسنة الوتر, وصلاة الليل, وصلاة الضحى, وتحية المسجد حتى النفل المطلق أيضاً.
* * *
1090 سئل فضيلة الشيخ: كيف الجمع والقصر للمسافر بالطائرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: القصر للمسافر في الطائرة وغيرهما وكذلك الجمع لكن الأفضل أن لا يجمع إلا إذا كان سائراً غير نازل حرر في 22/4/1409هـ.
* * *
1091 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دعي لعزيمة خارج بلده فهل يعتبر هذا سفراً يأخذ أحكام السفر من قصر الصلاة وجمعها وغير ذلك من أحكام أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دعي الشخص لعزيمة خارج البلد وبلغ مسافة تعتبر سفراً فإنه لوجود حقيقة السفر في حقه, ولكنه لا يقصر حتى يبلغ المسافة التي تعتبر سفراً, أما لو خرج من(15/258)
بلده وهو يعلم أنه إلى مسافة تعتبر سفراً فإنه يقصر من حيث خروجه من بلده؛ لأنه قد تحقق السفر من حيث خرج.
* * *
1092 سئل فضيلة الشيخ: سافرت مع أصدقائي للبر من أجل النزهة, وكانت المسافة أكثر من مائة كيلو, فهل يجوز أن نقصر الصلاة ونجمعها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة آكد الأركان الإسلام بعد الشهادتين, ولا يحل لمسلم أن يتركها حضراً ولا سفراً مادام معه فكره.
وأما بالنسبة لسفرك مع أصدقائك فإنه يجوز لكم القصر والجمع وخاصة إذا كنتم مستمرين بالمسير. أما إذا نزلتم في مكان قررتم البقاء فيه حتى دخول وقت الصلاة الأخرى, فالأولى في حقكم عدم الجمع بل القصر فقط. والله أعلم.
* * *
1093 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -:ما السفر المبيح للفطر والقصر؟
فأجاب فضيلته بقوله: السفر المبيح للفطر وقصر الصلاة عند بعض العلماء هو واحد وثمانون كيلو متراً ونصف تقريباً, ومن العلماء من لم يحدد مسافة للسفر بل كان كل ما كان في عرف الناس سفراً فهو سفر, ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان ((إذا سافر ثلاثة فراسخ قصر(15/259)
الصلاة) (1) . والسفر المحرم ليس مبيحاً للقصر ولا للفطر؛ لأن سفر المعصية لا تناسبه الرخصة, وبعض أهل العلم يرى أنه مبيح لذلك ولا يفرق بين سفر المعصية وسفر الطاعة لعموم الأدلة والعلم عند الله.(15/260)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين يحفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
خرجت أنا ومجموعة معي إلى البر في نزهة وذلك يوم الخميس الموافق 29/6/1418 هـ ,وعندما حان وقت صلاة الظهر أذن أحدنا فصلينا, إلا أن الإمام قصر الصلاة, وعند ذلك قمت فأتممت ركعتين لوحدي - أي تممت أربعاً - فحصل جدال بيننا وكلام غير لائق ,فطلبت من الإمام أن يكون الكلام بيني وبينه فقط ,فسألته: كهل نحن مسافرون؟ وهل خرجنا من أهلنا بنية السفر؟ أجاب بقوله:لا, نحن في نزهة ولكننا مشينا أكثر من ثمانين كيلو متر بالسيارة, قلت له: هذا ليس بحجة شرعية, فنحن أفطرنا في مكان وسوف نتغدى هنا والعشاء في مكان آخر, ولربما تمشي السيارة أكثر من مائتي كيلو متر فلم يقنع الجميع, وحضرت صلاة العصر فكان الوضع مثل صلاة الظهر تماماً, قصراً وأتممت أنا, فقال أحدهم: أنت متزمت, والعلماء أفتوا بذلك, ومنهم الشيخ ابن عثيمين, فطلبت الفتوى فقال: ما عندي فتوى, ولكن كل يقوله, فقلت له: اتق الله لا تتكلم بغير علم, ولا تنقل عن العلماء إلا وأنت متأكد, وغادرنا المكان إلى مكان آخر, وغربت الشمس ونحن(15/261)
بالقرب من جبل ابانات, مع العلم أنه يبعد عن الرس 70 كم تقريباً, فصلينا المغرب, فقام الجميع بنية صلاة العشاء جمعاً وقصراً إلا أنا واثنان صلينا العشاء عندما وصلنا إلى الرس.
آمل من فضيلتكم الإجابة المفصلة الكافية في مثل هذا الأمر, وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من العلماء من يرى أن مسافة القصر بالمساحة, فمتى بلغ خروجه بضعاً وثمانين كيلو فهو مسافر يحل له القصر والجمع, ومن العلماء من يرى أن المعتبر العرف, فما عده الناس سفراً يستعدون له استعداد السفر ويودع عند خروجه ويستقبل عند قدومه فهو سفر, وما لا فلا.
ومنهم من قال: من أواه الليل إلى أهله فليس بمسافر.
وإذا كانت المسألة خلافية فلا ينبغي أن تكون المخالفة فيها مثاراً للنزاع واللجاج, فإتمامك الصلاة لكونك لا ترى أنكم في سفر لا ينكر عليك, وقصر الإمام صلاته لا ينكر, لكن من أشكل عليه الأمر وجب عليه الإتمام؛ لأنه الأصل.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 2/8/1481هـ.
***(15/262)
1094 سئل فضيلة الشيخ: نحن مجموعة ندعى إلى بعض الولائم في مزرعة تبعد عن موقعنا من خمسين كيلو إلى ستين كيلو متراً ويقرب من المزرعة قرى تبعد 10إلى 15 كم فهل يجوز لنا قصر الصلاة بحجة أنه سفر, أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسافة لا تعد سفراً, ولا عند الذين يحددون السفر بالمسافة, ولا على ما يظهر لنا من القول بأن مرجع السفر إلى العادة؛ وذلك لأن من يخرج ويرجع في يوم لا يعد مسافراً غرفاً, اللهم إلا أن تبعد المسافة كما لو سافر من الرياض إلى مكة ورجع في يومه, فإن هذا يسمى مسافراً لبعد المسافة.
أما ما ذكره السائل فإنه لا يعد سفراً لا عند المحددين بمسافة ولا عند القائلين إنه يرجع في ذلك إلى العرف.
* * *
1095 سئل فضيلة الشيخ: تكثر الاستراحات القريبة من مدينة الرياض, فهل يجوز لمن يذهب إلى هذه الاستراحات قصر وجمع الصلاة وخصوصاً إن المسافة تتفاوت؟ وما السافة المحددة لجواز قصر الصلاة؟ وهل تحتسب المسافة من منزل من أراد الذهاب إلى تلك الأماكن أو من آخر بنيان في المدينة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من السفر؛ لأن الذين يخرجون لهذه المنتزهات لا يعدون أنفسهم من المسافرين, ثم على القول بأن مسافة القصر مقدرة بالكيلوات فإن المعتبر أطراف البلد,(15/263)
فمتى بعدوا عن أطراف البلد مسافة الكيلومترات المعتبرة فإنهم يقصرون. ولو قصرت مدة إقامتهم في هذا المكان.
* * *
1096 سئل فضيلة الشيخ: عل يجوز للمسافر قصر صلاة الظهر وإتمام صلاة العصر كاملة؟ وما هي المدة التي يجوز قصر الصلاة فيها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان مسافراً فإن العلة موجودة في الصلاتين فلماذا يفرق بينهما؟ وعلى كل حال فإنه جائز أن يقصر إحدى الصلاتين ويتم الأخرى, ولكنه بخلاف السنة, فالسنة أن يقصر الصلاتين جميعاً مادام مسافراً.
أما المدة التي ينقطع بها حكم بها حكم السفر فإنها محل خلاف بين أهل العلم, وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – في الفتاوى هذه المسألة بسطاً فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه.
* * *
1097 سئل فضيلة الشيخ: أعمل سائق شاحنة ويتطلب ذلك مني سفراً دائماً فهل يجوز لي قصر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قصر الصلاة متعلق بالسفر فما دام الإنسان مسافراً فإنه يشرع له قصر الصلاة, سواء كان سفره نادراً أم دائماً, إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه, وعلى هذا فيجوز لسائق الشاحنة أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة,(15/264)
والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها والفطر في رمضان وغيرها من رخص السفر.
* * *
1098 سئل فضيلة الشيخ: ما مقدار المسافة التي يقصر المسافر فيها الصلاة؟ وهل يجوز الجمع دون قصر؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً, وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف, أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو متراً, وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر, فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر.
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة. وقال أنس بن مالك – رضي الله عنه - (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين) (1) . وقول شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – أقرب إلى الصواب.
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين, فليس عليهم به بأس إن شاء الله تعالى, أما مادام الأمر منضبطاً فالرجوع إلى العرف هو الصواب. وأما هل يجوز الجمع إذا جاز القصر فنقول: الجمع ليس(15/265)
مرتبطاً بالقصر, الجمع مرتبط بالحاجة؛ فمتى احتاج الإنسان للجمع في حضر في أو سفر فليجمع؛ ولهذا يجمع الناس إذا حصل مطر يشق على الناس من أجله الرجوع إلى المساجد, ويجمع الناس إذا كان هناك ريح باردة شديدة أيام الشتاء يشق على الناس الخروج إلى المساجد من أجلها, ويجمع إذا كان يخشى فوات ماله أو ضرراً فيه, أو ما أشبه ذلك يجمع الإنسان. وفي الصحيح مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) (1) .
فقالوا: ما أراد؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته؛ أي: لا يلحقها حرج في ترك الجمع. وهذا هو الضابط كلما حصل للإنسان حرج في ترك الجمع جاز له الجمع, وإذا لم يكن عليه حرج فلا يجمع, لكن السفر مظنة الحرج بترك الجمع, وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع أن جاداً في السفر أو مقيماً؛ إلا أنه إن كان جاداً افي السفر فالجمع أفضل, وإن كان مقيماً فترك الجمع أفضل. ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان مقيماً في بلد تقام فيه الجماعة فإن الواجب عليه حضور الجماعة, وحينئذ لا يجمع ولا يقصر, لكن لو فاتته الجماعة فإنه يقصر بدون جمع؛ إلا إذا احتاج إلى الجمع.
* * *(15/266)
1099 سئل فضيلة الشيخ: عن طلاب يذهبون للدراسة في بلد تبعد عن بلدهم المقيمين فيه ما يقرب من تسعين كيلو متراً, مع العلم بأنهم يذهبون ويرجعون في نفس اليوم, فهل لهم قصر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن لا يقصروا الصلاة؛ لأن هذا لا يعد سفراً, إذ أنهم يفطرون في بيوتهم, ويتغدون في بيوتهم, ويرى بعض العلماء الذين يقدرون السفر بالمسافة فيقولون: مسافة القصر حوالي واحد ثمانين كيلو, أو ثلاث وثمانين كيلو, أن يقصروا؛ لأنهم مسافرين على قولهم, لكني لا أرى أن يفعلوا, وأن عليهم أن يتموا الصلاة, والمسألة سهلة وهي زيارة ركعتين, فلا تضر ولا يحصل بها تعب.
* * *
1100 سئل فضيلة الشيخ: إذا كنت على سفر فأدركت الإمام في الركعة الثالثة وصليت معه ركعتين فهل إذا سلم الإمام أسلم لأنني قاصرٌ للصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان مسافراً وأدرك الإمام من أول الصلاة وجب عليه أن تتم مع الإمام, وكذلك إذا أدرك الإمام في أثناء الصلاة وجب عليه أن يقضي ما فاته مع الإمام, فإذا جاء ودخل مع الإمام في الركعة الثالثة من الرباعية وجب عليه أن يصلي مع الإمام ركعتين, وإذا سلم الإمام أتم صلاته بركعتين أيضاً, وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم(15/267)
به) (2) .ولقوله صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) (3) فقوله صلي الله عليه وسلم (ما فاتكم فأتموا) عام للمسافرين وغير مسافرين وكذلك جاء ابن عباس – رضي الله عنهما – أن هذا هو السنة (4) .
* * *
1101 سئل فضيلة الشيخ: إذا كنت مسافرا إلى مكة ثم وقفت بمدينة من المدن وقد أذن العصر ثم دخلت إلى المسجد فوجدت الإمام الراتب قد صلي ركعتين أثنين فدخلت معه وصليت الركعتين الباقيتين معه فهل أسلم معه على اعتبار أنني مسافر وللمسافر قصر الرباعية أو آتي بركعتين أخريين لأتم أربعاً على اعتبار قولهم (وإن ائتم بمن يلزمه الإتمام به أتم) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال أصحابنا (وإن ائتم بمن يتم أتم) وعلى هذا فمتى ائتم المسافر بإمام مقيم لزمه إتمام الصلاة, سواء أكان مسبوقاً أم غير مسبوق, ولا فرق في ذلك بين الظهر, والعصر والعشاء, ونحن نرى هذا القول حقاً بدليل عموم النبي صلي الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) (4) .ولأن المأموم صلاته مرتبطة بصلاة إمامه ومأمور بالاقتداء به وهذا منه. والله أعلم.
* *(15/268)
1102 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمقيم أن يصلي خلف المسافر وهو يقصر ثم يتم بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين, وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده, ولكن ينبغي للمسافر الذي أم المقيمين أن يخبرهم قبل أن يصلي فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم؛ لأن النبي صلى بمكة عام الفتح وقال (أتموا يأهل مكة فإنا قوم سفر) (1) . فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده.
* * *
1103 سئل فضيلة الشيخ: كنت مسافراً ودخلت مسجداً على الطريق وكان الوقت عصراً فصليت وحدي خلف الصفوف وقصرت الصلاة, فهل تصح صلاتي أم أن الواجب علي الدخول مع الإمام حتى إذا قام من التشهد الأول جلست وسلمت من الصلاة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل المسجد ووجد الناس يصلون فإن الواجب عليه أن يصلي معهم إذا كان لم يؤد تلك الفريضة, وإذا كان مسافراً والإمام متم فإن الواجب عليه أن يتم الصلاة سواء أدركها من أولها في أثنائها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) (2) .(15/269)
ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل: عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين, وإذا صلى مع الإمام صلى أربعاً؟ فقال – رضي الله عنه - صلي الله عليه وسلم (تلك هي السنة) (3) .نعم لو دخل ووجد الناس في التشهد الأخير فإنه في هذه الحال لا يلزمه الدخول معهم؛ لأن الصلاة قد فاتته لقول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) (4) .وهذا لم يدرك ركعة فتكون الصلاة فاتته.
* * *
1104 سئل فضيلة الشيخ: عن المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم هل يلزمه الإتمام أو يجوز أن يقصروا الصلاة على ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على المسافر إذا صلى مع الإمام المقيم أن يتم صلاته سواء أدرك الإمام في أول الصلاة, أو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط؛ وذلك لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) (1) .وقوله صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) (2) .ولأن ابن عباس سئل ((عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين, وإذا صلى مع الإمام, يصلي أربعاً؟ فقال:تلك هي السنة) (3) .
وقول الصحابي عن أمر من الأمور: إنه من السنة, أو هذا هو(15/270)
السنة له حكم الرفع. فيجب على المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يتم أربعاً سواء دخل مع الإمام في أول الصلاة, أم في الركعة الثالثة, أم في الرابعة, وأما بالعكس لو صلى المقيم خلف مسافر فإنه يجب عليه أن يتم أربعاً بعد سلام الإمام المسافر, فإذا صلى الإمام ركعتين وأنت مقيم فإذا سلم فأتم ما عليك؛ لقول النبي صلي الله عليه وسلم لأهل مكة عام الفتح (أتموا فإنا قوم سفر) (4) .أي مسافرون.
1105 سئل فضيلة الشيخ: مسافر أخر صلاة المغرب ليجمعها مع صلاة العشاء وأدرك الناس في المدينة يصلون العشاء فكيف يصنع؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: ينضم معهم صلاة المغرب, وفي هذه الحال إن كان قد دخل مع الإمام في الركعة الثانية فالأمر ظاهر ويسلم مع الإمام؛ لأنه يكون صلى ثلاثاً, وإن دخل في الثالثة أتى بعده بركعة, أما إن دخل في الركعة الأولى من صلاة العشاء وهو يصلي بنية المغرب فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة يجلس هو يتشهد ويسلم, ثم يدخل مع الإمام في بقية صلاة العشاء حتى يدرك الجماعتين في الصلاتين, وهذا الانفصال جائز لأنه لعذر, والانفصال لعذر جائز كما ذكر ذلك أهل العلم, ومن الانفصال لعذر ما لو طرأ على الإنسان في أثناء الصلاة طارئ يستلزم السرعة في الصلاة فإن له أن ينفرد عن الإمام ويكمل صلاته خفيفة ثم يذهب(15/271)
لهذا الطارئ مثل لو حصل له آلام في بطنه, أو اضطرار إلى التبول, أو تغوط, أو حصل في معدته روجان يخشى أن يقئ في صلاته وما أشبه ذلك.
والمهم أن الانفراد لعذر عن الإمام جائز وهذا انفراد لعذر, ولا حرج عليه أن يدخل معهم بنية صلاة العشاء ثم بعد ذلك يأتي بالمغرب؛ لأن من أهل العلم من يقول إن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة, ولكن الوجه الأول عندي أولى.
* * *
1106 سئل فضيلة الشيخ: عن جماعة يعملون في إحدى الإدارات الحكومية وقد نقلوا قريباً من الحدود لمدة شهر أو شهرين أو أكثر أو أقل ويحملون في هذا السفر ما يحمله المسافر من الزاد والمتاع على السيارات بمسافة تبعد 470 كيلو أو أكثر, ومع ذلك فنحن نقصر الصلاة ونجمع أحياناً إذا اشتد بنا السير عملاً بسنة الرسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن بعض الأفراد يتمون الصلاة في هذه المسافة النائية والغربة الطارئة فنرجو منكم بيان سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في أسفاره الثابتة عنه؟ وهل يصح أن المسافر يتم الصلاة؟ وهل صح أن المسافر يصلي الرواتب المقرونة بالصلاة في سفره؟ وهل يصح أن المدة المقصودة للمسافر يتم فيها صلاته؟ وهل صح أن البعيد عن أهله وأولاده ووطنه في مثل هذه المسافة يقصر صلاته ويأخذ في رخص السفر؟ نرجو من سماحتكم بيان الحكم، والله يحفظكم ويرعاكم.(15/272)
فأجاب فضيلته بقوله: القول الصواب أن من كان في مثل حالكم فله القصر والجمع؛ لأنكم في سفر, لكن ترك الجمع أفضل إلا عند الحاجة, وهذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية, فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (النساء: من الآية101) ولم يقيد ذلك بمدة, وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا سافر يقصر الصلاة حتى يرجع إلى المدينة مع إقامته في أسفاره تختلف, فأقام عام الفتح بمكة تسعة عشر يوماً (1) ,وأقام بتبوك عشرين يوماً (2) ,وقدم مكة عام حجة الوداع في الرابع ذي الحجة, وخرج منها صباح الرابع عشر, فتلك عشرة أيام كما قال أنس بن مالك حين سئل كم أقام؟ قال أنس – رضي الله عنه – خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم من المدينة, قلنا: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً) (3) ولم يحدد لأمته حداً ينقطع به السفر مع علمه بأن الناس يقدمون مكة للحج قبل اليوم الرابع. وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه وجماعة من أهل العلم, وبناء عليه يكون لكم أحكام السفر من القصر والجمع ومسح الخفين, ثلاثة أيام.
وأما التطوع بالصلاة فتطوعوا بما شئتم كالمقيمين إلا سنة الظهر, والمغرب, والعشاء فالأفضل أن لا تصلوها بنية الراتبة ولكم أن تصلوا تطوعاً لو حضرتم إلى المصلى قبل الإقامة.(15/273)
وإذا رأى إمامكم أن لا يجمع ولا يقصر فلا تختلفوا عليه؛ لأن الأمر واسع ولله الحمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 9/5/1411هـ.
* * *
1107 سئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن من العاملين بالخليج العربي مؤقتاً نرجو أن تجيبوا على أسلتنا في موضوع الصلاة مع تبيان ما ترجحون من أقوال العلماء:
1-هل الأفضل في حقنا القصر أو الإتمام؟
2-كيفية القصر والحال أن الصلاة جماعة؟
3-هل يجوز لمثلنا إذا فاتته جماعة الظهر مثلاً أن تؤدي الصلاة مع العصر قصراً أو جمعاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مسألتكم هذه ليس فيها سنة صريحة تبين حكمها, وإنما فيها نصوص عامة وقضايا اختلف العلماء في القول بها.
فذهب أصحاب المذاهب المتبوعة إلى أن من عزم على الإقامة مدة معينة انقطع حكم سفره, ولزمه إتمام الصلاة, والصوم في رمضان وجميع أحكام الإقامة التي لا يشترط لها الاستيطان, ثم اختلف هؤلاء في المدة التي تقطع أحكام السفر:
فذهب بعضهم إلى أنها أربعة أيام, وذهب آخرون منهم إلى أنها فوق أربعة أيام, وذهب آخرون منهم إلى أنها ما بلغ خمسة(15/274)
عشر يوماً فأكثر, وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها ما بلغ تسعة عشر يوماً فأكثر, وفيها أقوال أحرى تبلغ أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي في شرح المهذب, وإنما كثرت فيها الأقوال لعدم وجود دليل فاصل صريح كما أسلفنا, ولهذا كان القول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه أن أحكام السفر لا تنقطع إلا بإنهاء السفر, والسفر هو مفارقة محل الإقامة, فما دام الرجل مفارقاً لمحل إقامته فهو مسافر حتى يرجع, ولا يقطع سفره أن يقيم في المحل الذي سافر إليه مدة معينة لعمل أو حاجة, ويدل على ذلك أن اسم السفر في حقه باق, وأن النبي صلي الله عليه وسلم أقام في عدة أسفار له إقامات مختلفة يقصر الصلاة فيها, فأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (1) ,وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (2) ,وأقام في حجة الوداع عشرة أيام مكة في صحيح البخاري (3) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سئل عن إقامتهم مع النبي صلي الله عليه وسلم في حجته؟ فقال (أقمنا بها عشراً) يعني أربعة أيام قبل الخروج إلى منى, وستة بعد ذلك, فإنه قدم يوم الأحد صبيحة رابعة من ذي الحجة إلى مكة, وخرج منها راجعاً إلى المدينة يوم الأربعاء صبيحة الرابعة عشرة, وكان صلي الله عليه وسلم في هذه المدة يقصر الصلاة بلا ريب كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر (4)(15/275)
وأنس (5) وغيرهما, ومن المعلوم أن وصوله صبيحة الرابعة وقصر الصلاة كان اتفاقاً لا قصداً, وأنه لو كان قدومه صبيحة الثالثة لم يتغير الحكم, إذ لو كان الحكم يتغير بذلك لبينه النبي صلي الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى بيانه, إذ المعلوم أن من المعلوم أن من الحجاج من يقدم مكة قبل ذلك, ولا يمكن أن يسكت النبي صلي الله عليه وسلم عن بيان الحكم فيهم لو كان الحكم فيهم مخالفاً لحكم من قدم في اليوم الرابع فما بعده, ثم إن كون النبي يقيم بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة, وفي تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة, وأقام بمكة في حجه عشرة أيام يقصر يدل على أنه لا فرق بين طول مدة الإقامة وقصرها. وأما قول من قال: إن إقامته عام الفتح, وفي تبوك لا يدري متى تنتهي إقامته لم ينو مدة معينة تقطع حكم السفر.
فيقال: من أين لك أن لم ينو ذلك؟ والمدة التي تقطع حكم السفر عندك هي أربعة أيام مثلاً؟ ثم لو كان الحكم يختلف فيما إذا نوى الإقامة التي تقطع حكم السفر على قول من يرى ذلك, وفيما إذا نوى إقامة لا يدري متى تنتهي لبينه النبي صلي الله عليه وسلم, لأنه يعلم أن أمته ستغتدي به وتأخذ بمطلق فعله. وقد وردت آثار عن الصحابة والتابعين تدل على أن حكم السفر لا ينقطع بنية إقامة مقيدة وإن طالت, فروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي حمزة نصر بن عمران قال: قلت لابن عباس (إنا نطيل المقام بالغزو بخرا سان فكيف ترى؟ فقال: صل(15/276)
ركعتين وإن أقمت عشرين سنين) (1) .وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً. قلت: أرأيت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وما ذو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة, أو خمس عشرة ليلة, قال: يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر, أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين) (2) .وروى عبد الرزاق عن محمد بن الحارث قال: قدمنا المدينة فأرسلت إلى ابن المسيب أنا مقيمون أياما في المدينة أفنقصر؟ قال: نعم، ولم يستفصل (3) ، وعن علقمة أنه اقام بخوارزم سنتين فصلى ركعتين (4) . وروي نحو هذا عن أنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما (5) ، وعن مسروق والشعبي رحمهما الله. (6)
واختار هذا القول أيضا من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وشيخنا عبد الرحمن السعدي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 138 مج 24 من
__________
(1) رواه في باب: في المسافر يطيل المقام في المصر 2/210 (8208)
(2) المسند 2/83 (5553)
(3) المصنف، أبواب: صلاة المسافر، باب الرجل يخرج في وقت الصلاة 2/535 (4349)
(4) رواه ابن أبي شيبة، باب: في المسافر يطيل المقام في المصر 2/210 (8208)
(5) المرجع السابق ن رقم (8204) و (8303) وراجع مصنف عبد الرزاق الموضع السابق (4355) و (4354)
(6) المرجع السابق 2/210 (8206)(15/277)
مجموع ابن قاسم: " والتمميز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمرأ معلوماً، لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف " وفي ص 184 من المجلد المذكور " وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة نبية صلى الله عليه وسلم إلا مقيم ومسافر والمقيم هو المستوطن ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة " اهـ. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في مجموع فتاويه ص 1180 " المسافر الذي يممكث في بلد أربعة أيام أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك لا يعد مقيما منتفياً عنه وصف السفر لا لغة ولا عرفاً وإنما يعد مقيماً من نوى قطع السفر، واتخاذ مسكن له في ذلك البلد " إلى أن قال: " فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة غلا بقيد التوقيت ". اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابة المختارات الجلية ص 30 " والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام في موضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام، أو أقل، أو أكثر حكمهما واحد فلم يرد المنع من الترخيص في شيء منها بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ما يدل على الجواز " اهـ.
وعلى هذا فإن إقامتكم للتدريس في الخليج لا تنقطع بها أحكام السفر من القصر، والجمع، ومسح الخفين ثلاثة أيام ونحوهما لكن لا يسقط عنكم حضور الجماعة في المساجد لعموم الأدلة الموجبة لحضور الجماعة حضراً وسفراً، في حال الأمن والخوف وإذا صليتم وراء إمام يتم وجب عليكم الإتمام تبعا له لقول(15/278)
النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " (1) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار , ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) (2) .
متفق عليه وهذا عام في جميع المؤتمنين بالإمام، وفي مسند الإمام أحمد (3) عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: " إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " قال في التلخيص وأصله في مسلم والنسائي (4) بلفظ: " " فقلت لابن عباس كيف أصلى إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ".
فقوله: " إذا لم أصل مع الإمام " دليل على أنه كان من المعروف عندهم أنه إذا صلى مع الإمام أتم.
فإذا فاتتكم الصلاة مع الجماعة فلكم القصر، وإما الجمع فلا ينبغي الجمع لكم إلا عند الحاجة إليه لأن الجمع يكون عند الحاجة في حق المسافر وغيره، وإما إذا لم يكن حاجة فإنه وأن جاز للمسافر فلا ينبغي له إلا عند الحاجة مثل أن يكون قد جد به السير، أو يكون محتاجا للنوم، أو حط رحل ونحوه، والله الموفق، قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 16/ 10/ 1399 هـ.
__________
(1) متفق عليه، وتقدم ص 111.
(2) متفق عليه، وتقدم ص 51.
(3) المسند 1/ 290 (2632) .
(4) تقدم تخريجه ص 253، ورواه النسائي في التقصير (الصلاة) باب: الصلاة بمكة ح (1442) .(15/279)
وبعد ان كتبت هذا الجواب رأيت في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393 هـ ص 125 في ركن الفتاوى للشيخ عبد العزيز بن باز قال: أما إذا نوى إقامة معينه تزيد على أربعة أيام وجب عليه الأتمام عند الأكثر، وقال بعض أهل العلم: له القصر مادام لم ينو الاستيطان في ذلك الموضع وإنما أقام لعارض متى زال سافر وهو قوي تدل عليه أحاديث كثيرة. اهـ. المراد منه.(15/280)
فصل
قال فضيلة الشيخ ـ أعلى الله درجته في المهديين ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان السفر الذي تقصر فيه الصلاة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: السفر الذي تقصر فيه.
الفصل الثاني: مدته.
الفصل الثالث: متى ينقطع؟
أما الفصل الأول:
فقال في فتح الباري ص 561 ج 2 " قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه سفر طاعة، وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية " أ.هـ
قلت: واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، ونقله عن ابن حزم ورجحه بأدلة قوية مع الإجابة عن حجج الاخرين ص 60 من رسالته في أحكام السفر والإقامة.
واما الفصل الثاني:
فقال في شرح المهذب ص 191 ج 4 ـ ما ملخصه ـ: مذهبنا أنه مرحلتان وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: ثلاثة أيام، وقال الأوزاعي وآخرون يوم تام، وقال داود في طويل السفر وقصيره.(15/281)
قلت: واختاره الشيخ تقي الدين وجعل مناط الحكم ما يسمى سفراً وعرفاً، وقال في رسالة أحكام السفر والإقامة ص 80: فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع، ولا لغة، ولا عرف ولا عقل، ولا يعرف عموم الناس مساحة الأرض فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقاً بشيء لا يعرفونه، ولم يمسح أحد الأرض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الأرض لا بالأميال، ولا فراسخ، والرجل قد يخرج من القرية إلى الصحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً وأن كانت المسافة أقل من ميل بخلاف من يذهب ويرجع من يومه فإنه لا يكون في ذلك مسافراً، فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد، بخلاف الثاني، فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً. أهـ ,
وفي المغني ص 255 ـ ج 2 ـ حين ذكر اختلاف العلماء في ذلك ـ قال: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف ـ ثم قال ـ: وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:
أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها ولظاهر القرآن.
الثاني: أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير غليه برأي مجرد لا سيما وليس له اصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة(15/282)
مع من اباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه. أ.هـ
أما الفصل الثالث: فقال في شرح المهذب ص 219ـ 220 ج 4: مذهبنا أن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج القطع، وأن نوى دون ذلك لم ينقطع، وهو مذهب مالك، وقال ابو حنيفة: أن نوى خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول وقال الأوزاعي: إن نوى اثنى عشر يوماً، وقال ابن عباس: تسعة عشر يوماً، وقال الحسن بن صالح: أن نوى عشرة أيام، وقال أنس: أن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً، وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام، وعنه تزيد على أحدى وعشرين صلاة، وعن ابن المسيب: أن أقام ثلاثاً، وقال الحسن: إن دخل مصراً، وقال ربيعة: أن نوى يوماً وليلة، وعن إسحاق بن راهويه: يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال. أ. هـ
فهذه اثنا عشر قولاً، قال شيخ افسلام ابن تيمية في رسالته الآنفة الذكر ص82: فمن جعل للمقام حداً من الأيام فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: مسافر، مقيم مستوطن، ومقيم غير مستوطن، وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع، قال: والتمييز بين المقيم والمسافر بنية ايام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوما لا بشرع ولا لغة فقد خرج عن حد السفر ممنوع بل مخالف للنص والإجماع والعرف.(15/283)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد نشر لي في (المسلمون) يوم السبت 28شعبان 1405هـ جواب حول ترخص المبتعث برخص السفر من القصر والفطر، ومسح الخفين ثلاثة أيام، وكان الجواب مختصراً، وقد طلب مني بعض الأخوان أن أبسط القول في ذلك بعض البسط، فأقول وبالله التوفيق ومنه الهداية والصواب ك
المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينووا الإقامة المطلقه بالبلاد التي اغتربوا إليها كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، ونحوهم ممن يقيمون إقامة مطلقه فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم في رمضان، وإتمام الصلاة، والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين، لن إقامتهم مطلقه غير مقيدة بزمن ولا يخرجون منها إلا أن يخرجوا.
الحالة الثانية: أن ينوو الإقامة المقيدة بغرض معين لا يدرون متى تنتهي، ومتى انتهى رجعوا إلى بلادهم كالتجار الذين يقدمون لبيع السلع ن أو شرائها ثم يرجعون، وكالقادمين لمراجعة دوائر(15/284)
حكومية او غيرها لا يدرون متى تنتهي غرضهم حتى يرجعوا غلى بلادهم، فهؤلاء في حكم المسافرين فلهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية ومسح الخفين ثلاثة أيام، ولو بقوا سنوات، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً ,
لكن لو ظن هؤلاء ان الغرض لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر فهل لهم الفطر والقصر على قولين.
الحالة الثالثة: أن ينوو الإقامة المقيدة بغرض معين يدرون متى تنتهي، ومتى انتهى رجعوا غلى بلادهم بمجرد انتهائة فقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في حكم هؤلاء، فالمشهور عن مذهب الإمام أحمد انهم أن نووا إقامة أكثر من أربعة ايام أتموا ن وأن نووا دونها قصروا، وقيل: أن نووا إقامة أربعة ايام أتموا، وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني (صفحة 288 المجلد الثاني) وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال: وروي هذا القول عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن اقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، انتهى.
وهناك اقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب صفحة 220 المجلد الرابع تبلغ عشرة أقوال، وهي أقوال اجتهادية متقابلة ليس فيها نص يفصل بينهما، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن هؤلاء في حكم المسافرين لهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية، والمسح على الخفين ثلاثة ايام، انظر 24 مجموع الفتاوى جمع ابن قاسم صفحة 137، 138، 184،مجلد 24 والاختيارات صفحة 73 وانظر زاد المعاد لابن القيم صفحة 29(15/285)
مجلد 3 اثناء كلامه على فقه غزوة تبوك.
وقال في الفروع لابن مفلح احد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية صفحة 64 مجلد 2 بعد أن ذكر الخلاف فيما غذا نوى مدة فوق أربعة أيام قال: " واختار شيخنا وغيره القصر والفطر وأنه مسافر ما لم يجمع على غقامة ويستوطن كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة " انتهى.
واختار هذا القول الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، انظر صفحة 372، 375 مجلد 4 من الددر السنية، واختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا صفحة 1180 المجلد الثالث من فتاوى المنار، وكذلك اختاره شيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي صفحة 47 من المختارات الجلية، وهذا القول هو الصواب لمن تأمل نصوص الكتاب والسنة، فعلى هذا يفطرون ويقضون كاهل الحال الثانية، لكن الصوم أفضل إن لم يشق، ولا ينبغي أن يؤخرورا القضاء إلى رمضان ثان، لأن ذلك يوجب تراكم الشهور عليهم فيثقل عليهم القضاء أو يعجزوا عنه.
والفرق بين هؤلاء وأهل الحال الأولى أن هؤلاء أقاموا لغرض معين ينتظرون انتهاءه ولم ينووا الإقامة المطلقه، بل لو طلب منهم أن يقيموا بعد انتهاء غرضهم لأبوا ذلك، ولو انتهى غرضهم قبل المدة التي نووها ما بقوا في تلك البلاد، أما أهل الحال الأولى فعلى العكس من هؤلاء فهم عازمون على الإقامة المطلقة مستقرون في محل الإقامة لا ينتظرون شيئا معيناً ينهون لإقامتهم بانتهائه، فلا يكادون يخرجون من مغتربهم هذا إلا بقهر النظام، فالفرق ظاهر للمتأمل، والعلم عند الله تعالى فمن تبين له رجحان(15/286)
هذا القول فعمل به فقد اصاب، ومن لم يتبين له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران ومن اجتهد فيها فاخطأ فله أجر واحد والخطأ مغفور، قال الله تعالى ( {لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَها} [البقرة، الآية: 286] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران , وإذا
حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ".أخرجه البخاري (1) .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب عقيدة وقولاً وفعلا إنه جواد كريم والحمد الله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 10/ 9 / 1405 هـ.
__________
(1) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص، رواه البخاري في الاعتصام، باب: أجر الحاكم غذا اجتهد ح (7352) ومسلم في الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم..... ح 15 (1716) .(15/287)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وحجة الله تعالى على خلقه المبعوث إليهم إلى يوم الدين.
وبعد: فقد سألني بعض المسافرين للدراسة في الخارج هل تنقطع أحكام السفر في حقهم أو تبقى حتى يرجعوا إلى بلادهم، فأجبت: بأن قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة أنهم في حكم المقيم لا يترخصون برخص السفر، وأن بعض العلماء يقول أنهم في حكم المسافرين فيترخصون برخص السفر، وإن هذا أختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وقال عنه شيخنا عبد العزيز ابن باز في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 في ركن الفتاوى: " إنه قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة ". ا. هـ.
المراد منه، وأن ذلك ظاهر النصوص وهو ما نراه، وقد يستغرب كثير من الناس هذا القول، ويظنونه قولاً بعيداً عن الصواب، وهذا من طبيعة الإنسان أن يستغرب شيئاً لم يتبين له وجهه، ولكن إذا(15/288)
كشف له عن نقابه، لاح له وجه صوابه، لأن له قلبه وانشرح به صدره، واطمأنت إليه نفسه، وصار هذا القول الغريب عنده من آلف الأقوال، لذلك رأيت أن أكتب ما تيسر لي في هذا الموضوع سائلاً الله تعالى أن ينفع به فأقول:
المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينووا الإقامة المطلقه في بلاد الغربة كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، وسفراء الدول ونحوهم ممن عزموا على الإقامة إلا لسبب يقتضي نزوحههم إلى أوطانهم فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم، وإتمام الصلاة الرباعية، والاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين،
الحالة الثانية: أن ينوو الإقامة لغرض معين غير مقيد بزمن فمتى انتهي غرضهم عادوا إلى أوطانهم، كالتجار القادمين لبيع السلع ن أو شرائها أو القادمين لمهمات تتعلق بأعمالهم الرسمية أو لمراجعة دوائر حكومية ونحوهم ممن عزموا على العودة إلى أوطانهم بمجرد انتهاء غرضهم، فهؤلاء في حكم المسافرين وأن طالت مدة اتظارهم فلهم الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية ومسح الخفين ثلاثة أيام وغير ذلك، ولو بقوا سنوات عديدة، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً ,
لكن لو ظن هؤلاء ان غرضهم لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر كما لو ظنوا أنه لا ينتهي إلا بعد أربعة أيام مثلاً(15/289)
فهل لهم الترخيصر على قولين ذكرهما في الإصناف 330/ 2 وقال عن القول بالجواز جزم به في الكافي، ومختصر ابن تيمية، قال في الحواشي: وهو الذي ذكره ابن تيمية وغيره. اهـ.
الحالة الثالثة: أن ينوو الإقامة لغرض معين مقيدة بزمن ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم فقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في حكم هؤلاء، فالمشهور عن مذهب الحنابلة انهم أن نووا إقامة أكثر من أربعة ايام أتموا ن وأن نووا دونها قصروا قال في المغني 288/ 2: وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال: وروي هذا القول عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن اقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر،اهـ.
وهناك اقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب 219/ 220 تبلغ عشرة أقوال (1) ، وكلها اقوال متقابلة اجتهادية ليس فيها نص يفصل بينهما،قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 137/ 24: " فمن جعل للمقام حدامن الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثنى عشر وإما خمسة عشر فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة، فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة
__________
(1) انظر آخر الرسالة.(15/290)
أقسام: إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن وهو الذي ينوي المقام في المكان، وهذا هو الذي تنعقد به الجمعه وتجب عليه، وهذا يجب عليه اتمام الصلاة بلا نزاع فإنه المقيم المقابل للمسافر، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه أتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة بمستوطن، وهذا التقسيم هو تقسيم المقيم إلى مستوطن وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع. اهـ كلامه.
وحيث أن هذه الأقوال ليس لها دليل يفصل بينهما فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الوهاب والشيخ محمد رشيد رضا، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، ذهب هؤلاء إلى أن حكم السفر لا ينقطع في هذه الحال فيجوز لأصحابها أن يترخصوا برخص السفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 184/ 24: " وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة ".
وفي الاختيارات 72ـ 73: " وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفراً سواء قل أو كثر، ولا يتقدر بمدة " إلى أن قال: " وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة ايام أو لا، وروي هذا عن جماعة من الصحابة ".
وفي الفروع لابن مفلح 46/ 2 قال بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى المسافر الإقامة مدة معينة قال: " واختار شيخنا وغيره القصر والفطر، وأنه مسافر مالم يجمع على إقامة ويستوطن كإقامته(15/291)
لقضاء حاجة بلا نية إقامة " أهـ. وابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من أعلم الناس بأقواله وفتاويه، حتى قيل إن ابن القيم يرجع إليه في ذلك أحياناً، وفي الأنصاف عن الشيخ كما في الفروع.
وقال ابن القيم في زاد المعاد 29/ 3 أثناء كلامه على فوائد غزوة تبوك: " ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم اقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (1) ، ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة، وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر، سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم الإقامة بذلك الموضع، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك أختلافاً كثيراً " وذكر تمام كلامه.
وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جواب له في الدرر السنية 372/ 4: " وأنت رحمك الله إذا تأملت هديه صلى الله عليه وسلم في أسفاره، وأنه يقيم في بعضها المدة الطويلة والقصيرة بحسب الحاجة والمصلحة، ولم ينقل أحدا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا إقام أحدكم أربعة أيام في مكان أو بلد أو أكثر أو أقل من ذلك فليتم صلاته، وليصم، ولا يترخص برخص السفر التي جاءت بها الشريعة السمحة، مع أن الله تعالى فرض عليه البلاغ المبين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانه، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، تبين لك أن الصواب في هذه المسألة ما اختاره غير
__________
(1) رواه أبو داود، وتقدم ص24(15/292)
واحد من الصحابه والتابعين لهم بأحسان أن المسافر يجوز له القصر والفطر مالم يجمع على إقامة استوطن (كذا في الطبعة القديمة وفي الجديدة: " أو يستوطن " وكأن فيها تعديلاً) فحينئذ يزول عنه حكم السفر، ويكون حكمه حكم المقيم، وهذا هو الذي دل عليه هديه صلى الله عليه وسلم كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في فؤائد غزوة تبوك " ثم نقل كلام ابن القيم إلى أن قال 375 " فإذا تقرر أن إقامة المسافر مدة غير معلومة، أو معلومة لكنه لم ينو الاستقرار والاستيطان أن ذلك لا يقطع حكم السفر بقي الكلام في استحباب الصيام في السفر، أو جوازه " وذكر تمام الكلام، وبهذا الكلام يظهر أن صواب العبارة الأولى: " ما لم يجمع على إقامة ويستوطن " كعبارة صاحب الفروع فيما نقله من اختيار شيخه.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في فتاويه جمع صلاح الدين المنجد 1180/ 3 " وإنما يسألنا عن الراجح المختار عندنا فيها فنحن نصرح له به تصريحاً مع بيان أننا لا نجيز لأحد أن يقلدنا فيه تقليداً وهو أن المسافر الذي يمكث في بلد اربعة أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك منها لا يعد مقيماً منتفياً عنه وصف السفر لا لغة، ولا عرفاً، وإنما يعد مقيماً من نوى قطع السفر واتخاذ سكن له في ذلك البلد، وأن لم يتم له فيه إلا يوم أو بعض يوم " إلى أن قال: " فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة إلا بقيد التوقيت " أهـ.
وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في المختارات الجلية 47: " والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام بموضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر، وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة(15/293)
أيام " أهـ.
وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في جواب له صدر في العدد الرابع من مجلة الجامعة الإسلامية من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ عن القول بإنه يقصر مالم ينو الاستيطان وإنما أقام لعارض متى زال سافر " هو قول تدل عليه أحاديث كثيرة " وقال عن الإتمام: " إنه قول الأكثر وأخذ بالأحوط ".
وهذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء العلماء الأجلاء هو القول الراجح عندي، لأنه مقتضى دلالة الكتاب، والسنة، والآثار، والنظر والقياس:
أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ [النساء: الآية: 101] فأطلق الله تعالى الضرب في الأرض وعمم في وقته والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون للجهاد والتجارة وغيرها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء: الآية: 94) وقال تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل: الآية: 20] فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين في الأرض ومنهم المجاهدون والتجار وهو سبحانه يعلم أن منهم من يبقى أياماً وشهوراً للقتال والحصار، وبيع السلع وشرائها كما هو الواقع، ولم يستثن الله ـ عز وجل ـ ضارباً من ضارب ولا حلاً من حال.
إذا كان الأمر كذلك علم أن الحكم لا يختلف من ضارب إلى ضارب، ولا في حال دون حال، ولو كان ثمت ضارب أو حال(15/294)
تخرج من هذا الحكم لبينه الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله، لأن الله تعالى أوجب بفضله على نفسه البيان فقال تعالى: (إن علينا للهدى) لأ الليل، الآية: 12] وقال (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) [القيامة، الآيتان: 18، 19] وبيانه شامل لبيان لفظه وبيان معناه وحكمه.
ولو كانت ثمت ضارب، أو حال تخلفت عن هذا الحكم لكان حكمها المخالف من شرع الله تعالى، وإذا كان من شرعه فلابد أن يحفظ وينقل إلينا كما قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر، الآية: 9] وهو شامل لحفظ لفظه وما يتضمنه من الأحكام فلما لم يحفظ في ذلك حكم مخالف ولم ينقل علم أنه لا وجود له.
وهذه القاعدة تنفعك في هذه المسألة وغيرها وهي: أن كل نص جاء مطلقاً، أو عاماً فإنه يجب إبقاءه على إطلاقه وعمومه حتى يقوم دليل على تقييده وتخصيصه لقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل، الآية: 89] فلو كان مقيد أو مخصص لما ورد مطلقاً أو عاماً لبينه الله تعالى.
وأما السنة ففيها أدلة:
الأول: ما ثبت في صحيح البخاري عن جابر، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ قالا: " صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة مضت من ذي الحجة مهلين (1) بالحج "، الحديث. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في
__________
(1) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب: ماجاء في التقصير ح (1085) حديث ابن عباس، ورواه مسلم من حديث جابر في الحج، باب: بيان وجوه الإحرام ح 141(15/295)
حجته يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينه، قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة ". متفق عليه. وفي رواية لمسلم " خرجنا من المدينة إلى الحج " (1) .
ووجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام إقامة لغرض الحج مقيدة بزمن معين، وقد نواها بلا ريب، ومع ذلك بقي يصلي ركعتين حتى وصل المدينة، فدل ذلك على ان الإقامة لغرض معين متى انتهى رجع إلى وطنه، لا ينقطع بها حكم السفر وإن كانت المدة محددة.
فإن قلت: إنما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخروج إلى منى أربعة أيام وهذه المدة لا ينقطع بها حكم السفر.
فالجواب أن يقال: من أين لك العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدم في اليوم الثالث من ذي الحجة فأقام خمسة أيام لم يقصر؟! بل الظاهر الغالب على الظن أنه لو قدم حينئذ لقصر، لأن قدومه لليوم الرابع وقع اتفاقاً لا قصداً بلا ريب، وما وقع اتفاقاً لم يكن مقصوداً فلا يتعلق به حكم منع أو إيجاب.
ويقال ثانياً: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن من الحجاج من يقدم في اليوم الثالث، والثاني، والأول من ذي الحجة، بل وقبل ذلك، فالحج أشهر معلومات تبتدئ من دخول شوال، ولم يقل للأمة (من قدم للحج قبل اليوم الرابع من ذي الحجة
__________
= (1216)
(1) متفق عليه، تقدم تخريجه ص 253.(15/296)
فليتم صلاته) فلو كان هذا حكم الله في خلقه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب البلاغ عليه، ودعاء الحاجة إلى بيانه، والقول بإن هذا حكم الله تعالى مع سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيانه، الموجود مقتضيه قول فيه نظر لا يخفى.
فإن قلت فما وجه احتجاج المحددين بأربعة أيام بهذا الحديث؟
فالجواب: أن وجه احتجاجهم به قولهم: أن مجرد الإقامة ينقطع بها السفر خولف في الأيام الأربعة لورود النص به فبقي ما زاد على ذلك على الأصل وهو انقطاع السفر.
وهذه الدعوة ممنوعة شرعاً وعرفاً، قال شيخ الإسلام في الفتاوى جمع ابن القاسم 140/ 24: " وهذا الدليل مبني على أنه من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر وهو ممنوع، بل هو مخالف للنص، والإجماع، والعرف " أهـ.
أما وجه منعها شرعاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في حجة الوداع عشرة أيام كما ذكره أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أربعة قبل الخروج إلى منى وستة بعد ذلك، وأقام بها في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً (1) وأقام في تبوك عشرين يوماً (2) وكان يقصر الصلاة مع هذه الإقامات المختلفة.
وأما وجه منعها عرفاً: فإن الناس يقولون في الحاج أنه مسافر للحج، وإن كان قد سافر في أول أشهر الحج، ويقولون للمسافر
__________
(1) رواه البخاري، وتقدم ص24.
(2) رواه أبو داود، تقدم ص24.(15/297)
للدراسة إنه مسافر إلى الدراسة في الخارج ونحو ذلك فيسمونه مسافراً وإن كان مقيماً لغرضه الذي يريده مدة معينه، وعلى هذا فالأصل أن المسافر باق على سفره حقيقة وحكماً حتى يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة.
الدليل الثاني من السنة: ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين " (1) وفيه عن ابن عباس أيضاً قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد ـ الماء الذي بين قديد وعفسان ـ أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر " (2) .
وفي هذين الحديثين القصر والفطر مع إقامة تزيد على أربعة أيام.
الدليل الثالث: ما رواه جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم: " أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة " (3) . أخرجه أبو داود والبيهقي وأعله بتفرد معمر بوصله، لكن قال النووي: هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقه حافظ. أهـ. (4)
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر مع أنه أقام عشرين يوماً. فلما ثبت قصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث مع اختلاف المدد التي
__________
(1) تقدم تخريجه ص24.
(2) رواه البخاري، وتقدم ص24,
(3) تقدم تخريجه ص24.
(4) المجموع شرح المهذب 4م 360ـ 361.(15/298)
أقامها علم علم أن تحديد المدة التي ينقطع بها بها حكم السفر بأيام معلومة قول ضعيف، ولو كان الحكم مختلفاً بين مدة وأخرى لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته لئلا يتأسوا به فيما لا يحل لهم.
فإن قلت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في غزوة الفتح، وفي غزوة تبوك فيما زاد على أربعة أيام، لأنه لم يعزم على إقامة هذه المدة، فهو يقول أخرج اليوم، أخرج غداً، حتى تمادى به الأمر إلى هذه المدة.
فالجواب أن يقال: من أين لك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزم على ذلك؟ وهل يمكنك أن تشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا؟ مع أن العوم قصد القلب، لا يطلع عليه إلا بوحي من الله تعالى، أو أخبار من العازم، ولم يحصل واحد منهما في هذه المسألة فتكون دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزم الإقامة هذه المدة قولاً بلا علم.
ويقال ثانياً: بل الظاهر الذي يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 136/ 24: " وإقام (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، ومعلوم بالعبادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة حتى يقال إنه كان يقول: اليوم أسافر، غداً أسافر، بل فتح مكة، وأهلها وما حولها كفار محاربون له، وهي اعظم مدينة فتحها، وبفتحها ذلت الأعداء، وأسلمت العرب وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم، ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة وكذلك في تبوك ".(15/299)
وذكر نحو ذلك تلميذه ابن القيم في زاد المعاد 30/ 3 وأن في حمله على أنه لم يجمع الإقامة نظراً لا يخفى.
فإذا تبين ضعف القول بتحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأربعة أيام أو نحوها فإن أي مدة تزيد على ذلك في تحديد مدة الإقامة التي تمنع الترخص برخص السفر تحتاج إلى دليل، فإذا قال قائل: إذا نوى إقامة شهر أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل: ما دليلك على ما قلت؟ وإذا قال آخر: إذا نوى إقامة سنة أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل له اين الدليل لما قلت؟ وهكذا.
وحينئذ يكون مناط الحكم هو المعنى والوصف فما دام الإنسان مسافراً مفارقاً لوطنه فأحكام السفر في حقه باقيه ما لم يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقه، وأنت لو سألت المغتربين من أصحاب هذه الحال هل نويتم الاستيطان، أو الإقامة المطلقه لقالوا: لا، وإنما ننتظر انتهاء مهمتنا، فمتى انتهت رجعنا إلى أوطاننا سواء انتهت في الوقت المقرر، أم قبله، فليس لنا غرض في الإقامة في هذا المكان أو البلد وإنما غرضنا الأول والأخير الحصول على مهمتنا، فهم متشابهون في القصد لأصحاب الحال الثانية، وإن كانوا يختلفون عنهم بتحديد مدة الإقامة التي قد علن بمقتضى الأدلة السابقة أنها ليست مناط الحكم، ولهذا جعل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ الحكم فيهما واحداً كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتاب الفروع.
وبهذا يتبين لك الفرق بين أصحاب هذه الحال والحال الأولى، لأن أصحاب هذه الحال لم ينووا الإقامة إلا لهذا الغرض،(15/300)
أما أصحاب الجال الأولى فقد نووا الإقامة المطلقه إلا أن يحصل لهم ما يقتضي الخروج، والفرق بين من يريد الإقامة إلا أن يحصل له ما يقتضي الخروج، وبين من يريد الخروج لولا ما يقتضي الإقامة فرق ظاهر لمن تأمله.
فإن قلت: إن بعض المغتربين من أصحاب هذه الحال يصطحبون زوجاتهم وربما يتزوجون في أماكن غربتهم، أو يشترون بيوتاً للسكنى.
فالجواب: أن أصطحاب الأهل والزوجات غير مؤثر في الحكم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد اصطحب زوجاته في حجة الوداع، وكان من هديه: إذا أراد السفر أن يقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها (1) . ومع هذا قصر في حجته وكان يقصر في كل أسفاره.
وأما التزوج في مكان الغربة فإن كان المتزوج يقصد طلاقها عند مغادرته ـ وقلنا بصحة هذا العقد ـ فإنه لم يتأهل التأهل المطلق بل هو تأهيل مقيد، وهو لا يؤثر على حال المتزوج.
وإن كان المتزوج يقصد بقاء النكاح وحمل وزوجته معه، فإنه أيضاً لم يقصد اتخاذ هذا المكان مقراً ووطناً له، بل يريد مغادرته بأهله بمجرد انتهاء غرضه.
وانتبه لقولي: " يقصد طلاقها " وقولي " وقلنا بصحة هذا العقد " لأن محترز القيد الأول أن يكون شرط طلاقها في العقد عند
__________
(1) متفق عليه من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ رواه البخاري في الهبه، باب: هبة المرأة لغير زوجها....ح (2593) ، ومسلم، التوبه، باب: حديث الأفك....ح56 (2770) .(15/301)
انتهاء المدة، أو تزوجها إلى أجل ينتهي بالمدة فإنه في هذه الحال يكون نكاح متعة محرماً فاسداً لا تستحل به الفروج.
أما محترز القيد الثاني فهو أن بعض أهل العلم يرى أن نية الطلاق كشرطه قياساً على نية التحليل، وعلى هذا فلا يصح العقد.
وعلى القول بصحة العقد فإن هذه النية في العقد حرام على المتزوج لما فيها من خديعة الزوجة وأهلها فإنهم لو علموا بنيته هذه لم يتزوجوه في الغالب، وأما شراء البيوت فإنما يشترونها لسكانها إلى أنتهاء غرضهم لا للإقامة المطلقة فهم بمنزلة المستأجرين الظاعنين لا المستوطنين.
وأما الآثار: فروى مسلم في صحيحه عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم اصل مع الإمام؟ قال: " ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " (1) .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي جمرة نصر بن عمران قال: قلت لابن عباس: إنا نطيل المقام بخرسان فكيف ترى؟ قال " صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين " (2) .
وروى الإمام أحمد في مسنده (3) عن ثمامة بن شراحبيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً: قلت: أرايت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وماو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث
__________
(1) تقدم تخريجه ص 253.
(2) تقدم تخريجه ص 277.
(3) تقدم تخريجه ص 277.(15/302)
عشرين ليلة، أو خمس عشرة ليلة، قال: يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبي الله صلي الله عليه وسلم نصب عيني يصليها ركعتين ركعتين, ثم نزع هذه الآية: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
وروى البيهقي (1) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال (ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة, وكنا نصلي ركعتين) ,قال النووي وهذا سند على شرط الصحيحين (2) .ورواه عبد الرزاق بلفظ (أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة) (3) .
وروى عبد الرزاق عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا نزيد على ركعتين (4) .
وروى أيضاً من أنس بن مالك - رضي الله عنه -:- ((أنه أقم بالشام شهرين مع عبد الملك مروان يصلي ركعتين، ركعتين) (5) ,وذكر في المغني, والفتاوى, وزاد المعاد أن أنس بن مالك - رضي(15/303)
الله عنه - ((أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر) (6) .
وروى البيهقي (7) عن أنس بن مال - رضي الله عنه - (أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة) ,قال النووي: إسناده صحيح (8) , وقال ابن حجر: صحيح.
فهذا آثار عن أربعة من الصحابة عبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمر, وعبد الرحمن بن سمرة, وأنس بن مالك كلها تدل على جواز القصر مع المدة الطويلة. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال (أقام النبي صلي الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا) (9) . وهذا يخالف ما أفتى به نصر بن عمران فيكون لابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك قولان.
وأما الآثار عن التابعين: فمنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علقمة وهو من أصحاب ابن مسعود أنه أقام بخوار زم سنتين فصلى ركعتين (10) .وروى عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسة فقصر وأقام سنتين يقصر, قلت:يا أبا عائشة ما يحملك على هذا؟ قال:(15/304)
التماس السنة وقصر حتى رجع (11) .وروي عن معمر عن أبي إسحاق قال: أقمنا مع وال قال: أحسبه بسجستان سنتين, ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود, فصلى بنا ركعتين، ركعتين حتى انصرف, ثم قال: كذلك كان ابن مسعود يفعل (12) .وروي عن الشعيب أنه قال (كنت أقيم سنة أو سنتين أصلي ركعتين, أو قال: ما أزيد على ركعتين) (13) .
فهذه آثار عن جماعة من التابعين وكلها تدل على جواز القصر مع المكث الطويل.
وأما النظر فيقال: لو نوى نية إقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو خمسة عشر يوماً, أو غير ذلك مما ذكر في تحديد المدة قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة بالفعل قاطعة له أيضاً, بل أولى لأن وجود الإقامة القاطعة بالفعل أبلغ في التأثير من نيتها لو قدر أن للنية تأثيراً؛ لأن الإقامة إذا حصلت لم يمكن رفعها, بخلاف نيتها فإنه يمكن فسخها وتجديد نية للسفر, ولهذا كان أحد أقوال الشافعية أن المسافر إذا أقام المدة التي تقطع نيتها حكم السفر لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة, وهذا عين الفقه والنظر الصحيح ,فإنه إذا كانت إقامته هذه المدة غير مؤثرة كان مقتضى النظر الصحيح أن لا تؤثر نيتها, وإن كانت نيتها كان وقوعها بالفعل أولى بالتأثير.(15/305)
وأيضاً فإن القائلين بتأثير نية الإقامة يقولون: إنها تمنع القصر والفطر, ورخص السفر, ولا تعطي المقيم حقاً في انعقاد الجمعة به وتوليه إمامتها وخطابتها, ولهذا قالوا: لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة في مكان إقامته, ولا خطيباً فيها, ولا يحسب من العدد المعتبر لها.
ومقتضى النظر الصحيح أن تطرد القاعدة في حقه لئلا يحصل التناقض.
وأما القياس فمن وجهين:
أحدهما: أن يقال فرق بين رجلين كلا هما قدم البلد متى ينتهي والثاني لا يعرف؟! فنقول: للأول لا تترخص برخص السفر إذا علمت أنه لا ينتهي إلا بعد كذا وكذا من الأيام, ونقول للثاني: لك أن تترخص وإن أقمت سنين حتى وإن ظننت أنه لا ينتهي إلا بعد تمام المدة على القول الذي حكاه في الإنصاف عن الكافي ومختصر أبي تميم.
فإن قلت: الفرق أن الأول حدد مدة إقامته بخلاف الثاني.
فالجواب: أن تحديد المدة لا أثر له في نية قطع السفر؛ لأن السبب فيهما واحد وهو الإقامة لانتظار انتهاء الغرض, لكن الأول حدد مدة إقامته باعتبار طبيعة الغرض, ربما تحدث له موانع يتأخر بها عن الوقت المحدد, وربما تجدد له أسباب يتقدم بها, وقد سبق لك أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام إقامة محددة في حجة الوداع فقصر, وأقام أطول منها في غزوة الفتح, وتبوك فقصر؛ لأن العلة في الإقامتين(15/306)
واحدة وهي انتظار انتهاء ما أقام من أجله. وعلى هذا فيكون الفرق غير مفرق.
الوجه الثاني من القياس: أن يقال أي فرق بين رجلين قدما بلداً لغرض يغادران البلد بمجرد انتهائه, لكن أحدهما نوى أن يقيم ستاً وتسعين ساعة فقط, والثاني نوى يقيم سبعاً وتسعين ساعة, ثم نقول للأول حكم السفر في حقك فليس لك أن تترخص برخص السفر, ومع أن كل واحد منهما لا يريد إقامة مطلقة وإنما يريد إقامة مرتبطة بغرض متى انتهى عاد إلى وطنه, وكل منهما يعتبر نفسه غريباً في محل إقامته وظاعناً عنه, ولو قيل له بعد انتهاء غرضه أقم ما أقام, فكيف يمكن أن نفرق بينهما سفراً وإقامة بفرق ساعة؟!
فإن قلت: إن التفريق بين الشيئين في مثل هذا لازمن ممكن فهذه المرأة المستحاضة إذا كان لها عادة فإنها تجلس مدة عادتها فقط فتكون مدة العادة حيضاً وما بعدها استحاضة, فإذا كانت عادتها تنقضي في الساعة الثانية عشرة كان ما قبل الثانية عشرة حيضاً وما بعدها استحاضه ومن المعلوم ما بين الحيض الاستحاضه من الفروق في الأحكام. وهذا الشخص إذا حصل بلوغه بالسن وكان تمامه الخامسة عشرة سنة في الساعة الثانية عشرة كان بعد الساعة عشرة بالغاص وقبلها غير بالغ, والفرق بين أحكام البالغين وغيرهم معلومة.
فالجواب: أن هاتين المسألتين قد فرق الشارع بين الحالين فيهما بخلاف الإقامة في السفر.(15/307)
ففي المستحاضة قال النبي صلي الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش - رضي الله عنها -
(إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) رواه البخاري (1) .
وفي البلوغ قال ابن عمر - رضي الله عنهما - (عرضت على النبي صلي الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني, وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني) .متفق عليه (2) .
زاد البيهقي (3) وابن حبان (4) (ولم يرني بلغت) - بعد قوله - ((فلم يجزني) . ((ورآني بلغت) بعد قوله ((فأجازني) وصححه ابن خزيمة.
وبهذا التفريق والبيان في هاتين المسألتين من النبي صلي الله عليه وسلم يظهر جلياً كمال تبليغ النبي صلي الله عليه وسلم شريعته لأمته وتمام تبيانه, وأنه لو كان فرق في إقامة المسافر 96 ساعة وإقامته 97 ساعة لبينه صلي الله عليه وسلم لأمته لأهميته وكثرة وقوعه, فالحمد لله رب العلمين, صلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين.
فإن قلت: إننا إذا أبحنا رخص السفر لمن أقام مدة طويلة لغرض متى انتهى عاد إلى وطنه احتمل أن يترك صيام رمضان بعض(15/308)
من أقام في الغربة للدراسة عدة سنوات فيسقطوا ركناً من أركان الإسلام.
فالجواب من وجهين:
الأول أن يقال: الأحكام الشرعية العامة لا يسوغ إلغاؤها في عامة الناس باحتمال أن يتوصل أحد من الناس بها إلى إسقاط الواجب, ولو ساغ ذلك لقلنا: إن الفطر لا يباح للمسافر إذا وجد من الناس من يسافر لأجل ترك الصوم كما هو موجود الآن, ومن سفر بعض المترفين إذا أقبل رمضان ثم لا يصومون أداء ولا قضاء, لهذا قال بعض أهل العلم - إما على سبيل الواقع, أو سبيل الفرض - قالوا: لو الفطر لغيره من المسافرين بشرطه.
الثاني أن يقال: إن هذا الاحتمال وارد أيضاً فيمن أقام عدة وطنه - وهم أصحاب الحال الثانية - وقد سبق لك أن جمهور العلماء على جواز ترخيصهم برخص السفر ومنها ترك الصيام, بل حكاه ابن المنذر إجماعاً, وإن كان نقل الإجماع فيه نظراً كما يعلم من رشح المهذب 115/4 وتفصيل مذهب الشافعية في ذلك.
ولهذا نقول في مسألة الصيام إن المغترب الذي يباح له الترخص برخص السفر ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن لا يشق عليه فالأفضل له أن يصوم لما فيه من المبادرة إلى إبراء الذمة, ولأنه أيسر على الصائم غالباً لمشاركته الناس في زمن صومهم؛ ولأنه ثبت من حديث أبي(15/309)
الدرداء رضي الله عنه قال (خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في شهر رمضان, في حر شديد, حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر, وما فينا صائم إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) .رواه مسلم (5) ,ورواه البخاري - أيضاً - بدون ذكر الشهر (6) .
الحال الثاني: أن يشق عليه الصيام فله أن يفطر ويقضيه في وقت لا يشق عليه, ولا ينبغي أن يؤخره إلى ما بعد رمضان التالي لئلا تتراكم عليه الشهور فيثقل عليه الصوم أو يعجز عنه.
وهاتان الحالان فيما إذا أمن نفسه من التفريط وترك الصيام أما إذا خاف على نفسه التفريط وترك الصيام وهي:
الحال الثالثة: فإنه يجب عليه الصوم ولهذا أمر الله تعالى بالاقتصار على الزوجة إذا خاف عدم العدل, مع أن تعدد الزوجات إلى أربع مباح في الأصل قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء:3) .قال النبي صلي الله عليه وسلم في الوتر (من خشي منكم أن لا يقوم من آخر الليل, فليوتر من أول الليل, ثم ليرقد, ومن طمع منكم في أن يقوم من آخر الليل, فيوتر من آخر الليل, فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل) .رواه مسلم (1) , فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بتقديم الوتر في(15/310)
الوقت المفضول لمن خاف أن لا يقوم به آخر الليل.
وقال الفقهاء - رحمهم الله تعالى - فيمن وجد لقطة له أخذها إن أمن نفسه عليها, وإلا حرم عليه أخذها وصار بمنزلة الغاصب.
فمن خاف من فعل المباح أن يترك به واجباً, أو يفعل به محرماً كان ذلك المباح حراماً عليه سداً للذريعة, لكن ذلك يحكم الناس يتوصل بالمباح إلى شيء محرم كان ذلك المباح في حقه وحده حراماً دون سائر الناس.
فإن قلت: هل لديك علم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 17/24 حيث قال (إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة, وإن كان أكثر ففيه نزاع, والأحوط أن يتم الصلاة) وبما ذكر عنه صاحب الاختيارات 107 (وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام فله الفطر؟ وهل يقاوم هذا ما نقلت عنه أو يبطله؟
فالجواب: ليس لدي علم بذلك, وهو لا يقاوم ما نقلته عنه, ولا يبطله.
أما الفتوى فقد ذكر النزاع ثم قال (والأحوط أن يتم الصلاة) والحكم الاحتياطي لا يقتضي الوجوب.
وانظر ما نقله الشيخ نفسه في هذا المجلد 141 عن الأثرم قلت (يعني الإمام أحمد) فلما لم يقصر على ما زاد من ذلك قال: لأنهم اختلفوا فيأخذ بالأحوط فيتم, قال الشيخ (فأحمد لم يذكر(15/311)
دليلاً على وجوب الإتمام إنما أخذ بالاحتياط, وهذا لا يقتضي الوجوب) .أهـ.
وأما ما في الاختيارات فإن دلالته على أن من نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فليس له أن يفطر من باب دلالة المفهوم, وهي لا تقاوم دلالة المنطوق فكيف تبطلها؟
فإن أبى إلا أن يكون ذلك مقاوماً لما نقلت عنه فإن أعلى مراتبه أن يكون دالاً على أن شيخ الإسلام في ذلك قولين, ولكن من تأمل قوة تأييد للقول بالترخص؛ وتزييف للقول بعدمه, ظهر له أن القول المتأخر له هو القول بالترخص؛ لأنه يبعد أن يؤيد القول بالترخص هذا التأييد ويزيف مقابله ذلك التزييف, ثم يرجع عن ذلك ولهذا اقتصر عليه صاحبا الفروع والإنصاف.
وقد قال الفتاوى 18 من المجلد المذكور جواباً من سؤال شخص يعلم أنه يقيد مدة شهر فهل يجوز له القصر؟ إن فيه نزاعاً, فمن العلماء من يوجب الإتمام, ومنهم من يوجب القصر, والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر لا ينكر عليه, ومن أتم لا ينكر عليه, وكذلك تنازعوا في الأفضل فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل, وأما من تبينت له السنة وعلم أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين, ولم يحد السفر بزمان أو مكان, ولا حد الإقامة أيضاً بزمن محدود فإنه يقصر - إلى أن قال-: (وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافراً يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهوراً) .
وهذا أيضاً يدل على أن الذي تبين لشيخ الإسلام من السنة(15/312)
جواز القصر لمن حدد إقامته ولو طالت المدة وتقييده بالشهور في جوابه؛ لأنه جواب عن سؤال من علم أن يقيم مدة شهرين.
وإلى هذا انتهى ما أردنا كتابته في هذه المسألة التي قد استغرب كثير من الناس القول فيها بالترخص مع أنه عند التأمل في أيضاً كما عرفت, فمن تبين له رجحانه فعمل به فقد أصاب, ومن لم يتبن له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب, لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران, ومن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد, والخطأ مغفور له, قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) .وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد, ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) .متفق عليه (1) .
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب فيما نأتي ونذر عقيدة وقولاً, وعملاً, وأن يجعلنا مهتدين, وصالحين مصلحين, وأن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, وأن يهب لنا منه رحمة, إنه هو الوهاب, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله, وصحبه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تم بقلم كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد الصلح العثيمين في ليلة الأحد الموافق 13/10/1405هـ.(15/313)
الأقوال التي ساقها النووي - رحمه الله -:
إليك الأقوال التي ساقها النووي رحمه الله في شرح المهذب فرع في مذاهب العلناء في إقامة المسافر في بلد. قال رحمه الله تعالى: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص, وإن نوى دون ذلك لم ينقطع, ومذهب عثمان بن عفان, وابن المسيب, ومالك, وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة, والثوري, والمزني: إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً مع الدخول أتم, وإن نوى أقل من ذلك قصر.
قال ابن المنذر: وروي مثله عن ابن عمر. قال: وقال الأوزاعي وابن عمر في رواية عنه, وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: إن نوى إقامة اثني عشر يوماً أتم وإلا فلا.
وقال ابن عباس, وإسحاق بن راهويه: إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً أتم, وإن نوى دونها قصر.
وقال الحسن بن صالح: إن نوى إقامة عشر أيام أتم, قال ابن المنذر:وبه قال محمد بن علي.
وقال أنس, وابن عمر في رواية عنه وسعيد بن جبير, والليث: إن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً أتم.
وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم, وإن نوى أربعة قصر في أصح الروايتين, وبه قال داود.
وعن أحمد رواية: أنه نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة(15/314)
أتم, وإن نوى إحدى وعشرين قصر وحسب عنده يوما الدخول والخروج.
قال ابن المنذر وروي عن ابن المسيب قال: إن أقام ثلاثاً أتم قال: وقال الحسن البصري: يقصر إلا أن يدخل مصراً من الأمصار, وعن عائشة نحوه. قال: وقال ربيعه:إن نوى إقامة يوم وليلة أتم.
قال: وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه يقصر أبداً حتى يدخل وطنه, أو بلداً له فيه أهل أو مال. قال القاضي أبو الطيب: وروي هذا عن بن عمر وأنس.
أما إذا أقام في بلد لانتظار حاجة يتوقعها حاجة قبل أربعة أيام فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً.
وقال أبو حنيفة, ومالك ,وأحمد: يقصر أبداً. وقال أبو يوسف ومحمد هو مقيم. اهـ من المجموع شرح المهذب (1) .(15/315)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم..... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتابكم غير المؤرخ وصلني يوم الاثنين 14 الجاري, وقرأته بمشقة لخفاء حروفه بضعف مداده, وما تضمنه من الأسئلة فإليكم جوابها سائلين الله أن يلهمنا فيها الصواب:
جواب السؤال الأول: تعريف السفر عندنا ما سماه الناس سفراً, ولا يتحدد ذلك بمسافة معينة, ولا مدة معينة وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك تحديد, فما دام الإنسان مفارقاً لمحل إقامته, وهو عند الناس مسافر فهو في سفر, وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو فراسخ صلى ركعتين (1) .وفي صحيح البخاري عنه ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة, قيل له: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً, وكان ذلك في حجة الوداع (2) .
وفيه أيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أقام النبي صلي الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين, وكان ذلك عام(15/316)
الفتح (3) .قال في الفتح ص 567جـ2 ط السلفية عن حديث أنس الأول: وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه.
قلت: ولا يصح حمله على أن المراد به المسافة التي يبتدئ منها القصر لا غاية السفر؛ لأن أنس بن مالك أجاب به من سأله عن خروجه من البصرة إلى الكوفة أيقصر الصلاة؟ وأيضاً فقد نقل في الفتح عن ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن لمريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته يعني وإن لم يتجاوز ثلاثة أميال أو فراسخ.
وقد أقام النبي صلي الله عليه وسلم ((بتبوك عشرين يوماً الصلاة) (4) ولم يكن ذلك تحديداً منه, فلما لم يحدد ذلك لأمته أنه ليس فيه تحديد وأن المسافر ما دام لم يعزم على الإقامة المطلقة فإن حكم السفر في حقه باق.
وقد كتبنا في ذلك أجوبة مبسوطة ومختصرة لأسئلة متعددة اخترنا أن نبعث لكم صورة من التوسط منها نسأل الله أن ينفع بها.
وأما من انتقلت وظيفته إلى بلد فانتقل إليها مطمئناً بذلك فإن البلد الثاني هو محل إقامته؛ لأن الأصل بقاء وظيفته وعدم نقله مرة أخرى, وأما إذا لم يطمئن وإنما حدد عمله وإقامته في البلد المنقول إليه, أو كان ذلك لم يحدد ولكن هو يطالب برده إلى وطنه الأول وهو عازم على الرجوع إليه ولو أدى ذلك إلى استقالته فإنه حينئذ مسافر على ما نراه.(15/317)
وأما ظنكم أن المقيم الذي له الحكم المسافر لا يشهد الجمعة ولا الجماعة فاعلموا أن من سمع النداء وجبت عليه الإجابة لعموم الأدلة الدالة على ذلك.
وأما من له أهلان أحدهم في الرياض والآخرون في جدة فإن كلا البلدين وطنه فمتى جاء إلى جدة فقد انقطع سفره, ومتى جاء إلى الرياض فقد انقطع سفره, والفرق بين هذا وبين المبتعثين للدراسة ظاهر فإن هؤلاء المبعوثين لم يتأهلوا في البلاد التي بعثوا إليها وإنما هم فيها لحاجة متى انتهت رجعوا.
وأما ترك إقامة الجمعة من غير المستوطنين ولو كانوا مقيمين فهذا ما ذكره فقهاء الحنابلة, وهو موضع خلاف بين أهل العلم, ففقهاء الحنابلة يرون أنه لا تصح الجمعة من هؤلاء, وهو المشهور عند الشافعية, وفيه وجه للشافعية بالجواز, فإن رأيتم أن في إقامتها مصلحة للإسلام والمسلمين فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس إن شاء الله تعالى مع أني - والله - أرجح عدم إقامتها, إلا إذا كان معهم مستوطنون.
ومصلحة الاجتماع تحصل بدون إقامة الجمعة مثل أن تنظم ندوات شهرية, أو أسبوعية تلقى فيها الخطب, وتحصل المناقشات التي فيها الفائدة الحاصلة بخطبة الجمعة والاجتماع لها.
وأسال الله لي ولكم العافية, والتوفيق للصواب, وليست هذه الأمور الشرعية تؤخذ بما يبدو من المصالح التي قد تحصل بغيرها بدون تعد لقانون الشريعة والله تعالى أحكم الحاكمين.
حرر في 17/2/1403 هـ.(15/318)
رسالة
جواب السؤال الرابع (1) :
قصر الصلاة للمقيمين في غير بلدهم للدراسة, أو لمدة تدريبية تبلغ ستة أشهر ونحوها مختلف فيه عند أهل العلم, وإتماماً للفائدة نقول:
إن إقامة الإنسان في بلد غير بلده الأصلي تنقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يقيم فيه إقامة استيطان بحيث ينتقل عن بلده الأصلي انتقالاً كاملاً, فحكم هذا حكم المستوطنين الأصليين في كل شيء, لا يترخص رخص السفر في هذا البلد الذي انتقل إليه, بل يترخص إذا سافر منه, ولو إلى بلده الأصلي, كما لو كان بلده الأصلي مكة فانتقل للسكنى في المدينة, فإنه يعتبر في المدينة كأهلها الأصليين, فلو سافر إلى مكة للعمرة, أو الحج, أو طلب العلم, أو زيادة قريب, أو تجارة أو غيرها فحكمه في مكة حكم المسافرين, وإن كان قد تزوج فيها من قبل وتأهل كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم في مكة في غزوة الفتح وحجة الوداع, مع أنه قد تزوج في مكة وتأهل فيها من قبل.
القسم الثاني: أن يقيم في البلد إقامة انتظار لحاجة يريدها ولم يعين مدة إقامة لا قليلة ولا كثيرة فحكم هذا حكم المسافرين لا ينقطع سفره ولو بقي سنين طويلة في انتظار حاجته, هذا هو مذهب(15/319)
الإمام أحمد, مالك, وأبي حنيفة, والشافعي في أحد أقوال.
والقول الثاني للشافعية أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً فقط وهو المشهور عندهم. والقول الثالث إلى تمام أربعة أيام فقط.
القسم الثالث: أن يقيم في البلد إقامة انتظار لحاجة مقيدة بمدة معينة, فهذا موضع خلاف بين أهل العلم بلغ الخلاف بينهم إلى أكثرة من عشرة أقوال حكاها النووي في شرح المهذب, ونذكر منها ثلاثة:
أحدها: إذا كانت المدة أربعة أيام أو أكثر أتم الصلاة, وإن كانت أقل قصر, وهذا مذهب أحمد, ومالك, والشافعي إلا أن الشافعي لا يحتسب منها يومي الدخول والخروج.
الثاني: إذا كانت المدة خمسة عشر يوماً فأكثر أتم, وإن كانت أقل من خمسة عشر يوماً قصر وهذا مذهب أبي حنيفة.
الثالث: أنه يقصر ولو زادت المدة على ذلك وبلغت سنوات ما دام الذي حبسه هو الحاجة لا نية إنهاء السفر, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه ,وتلميذه ابن القيم ,وشيخنا عبد الرحمن السعدي, والشيخ محمد رضا صاحب المنار, وهو الراجح لدلالة ظاهر الكتاب, والسنة عليه, وآثار الصحابة, والتابعين, والنظر, والقياس الصحيح.
وأما الكتاب: فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) (النساء:101) والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون للتجارة وغيرها. قال الله تعالى:(15/320)
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّه) . فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين في الأرض, ومنهم التجار الذين يبتغون من فضل الله, وهو يعلم سبحانه أن من الضاربين التجار من يمكث في البلاد عدة أيام لطلب التجارة, أو عرضها
والواقع شاهد بذلك, ولم يخصص في جواز القصر ضارباً من ضارب علم أن الحكم عام, ولو كان ثمة حال تخرج من هذا العموم لبينها الله ورسوله, لأن الله تعالى بفضله ورحمته أوجب على نفسه البيان في قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) (الليل:12) وقوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة, الآيتان:18,19) وهذا البيان شامل لبيان لفظه وبيان معناه, ولو كان الله ورسوله قد بين ذلك لنقل إلينا؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
وهو شامل لحفظ لفظه, وما يتضمنه من أخبار وأحكام؛ ولأن الحاجة داعية إلى نقل ذلك لكثرة ذلك من الضاربين في الأرض.
وأما السنة: فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلي الله عليه وسلم (أقام بمكة تسعة عشر يوماً) - يعني عشرين يوماً إلا يوماً - (1) يقصر الصلاة) .
وفيه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال (خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة, فكان يصلي ركعتين ركعتين, حتى رجعنا إلى المدينة, فسئل: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال أقمنا بها(15/321)
عشراً) (2) ,يعني بإدخال أيام الحج فيها, وبذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم قدم في حجة الوداع مكة صبيحة يوم الأحد الموافق للرابع من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة, وخرج منها بعد أداء الحج صبيحة اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور.
وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلي الله عليه وسلم ((أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) (3) ,أخرجه أبو داود, والبيهقي وأعلاه بتفرد معمر بوصله لكن قال النووي: وهو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم, وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقة حافظ (4) .قلت: وقد رواه أيضاً أحمد في مسنده (5) .
قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد ص 29جـ3في الكلام على فقه غزوة تبوك وفوائدها (لم يقل صلي الله عليه وسلم للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك لكن اتفقت إقامته هذه المدة. وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير المستوطن, ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع) .اهـ ويدل على عدم التحديد من هذه السنن أن إقامة النبي صلي الله عليه وسلم اختلفت: ففي حجة الوداع أقام عشرة أيام, أربعة أيام قبل الحج في مكة وستة أيام في المشاعر, وفي عام الفتح أقام تسعة عشر يوماً,(15/322)
وفي تبوك عشرين يوماً, ولو كان الحكم يختلف فيها, أو فيما سواها لبينه النبي صلي الله عليه وسلم للأمة حتى لا يتأسوا فيه بما لا يجوز لهم.
ومن حدد بالأربعة, وقال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قصر فيما زاد عليها؛ لأنه لم يعزم على إقامة.
فإننا نقول لهم: ومن أين لكم أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعزم على الإقامة هذه المدة, أو كان عازماً على أقل منها, أو أكثر ولم يتفق له سوى هذه المدة؟!
ونقول ثانياً: من أين لكم أن الأربعة الأيام هي التي ينقطع بها حكم السفر دون ما عداها؟!
فسيقولون: إن الأصل أن المسافر إذا أقام في بلد أي إقامة كانت انقطع حكم سفره خولف في الأيام الأربعة لأن النبي صلي الله عليه وسلم قصر وهو مقيمها فعلم أن هذه المدة لا ينقطع بها السفر.
فنقول: بل الأصل أن المسافر باق على سفره حقيقة عرفية وشرعية حتى ينتهي برجوعه إلى محل إقامته:
أما الحقيقة العرفية: فإن الناس يقول للمسافر إنه مسافر للحج أو للدراسة ونحو ذلك, وإن كان سفره محدداً فيه الإقامة أكثر من أربعة أيام فالحاج يسافر من أول أشهر الحج ويبقى حتى يحج ويرجع وهو عند الناس مسافر ولو بقي في مكة شهر أو شهرين.
وأما الحقيقة الشرعية: ففعل النبي صلي الله عليه وسلم دليل ظاهر على بقاء حكم السفر شرعاً وإن أقام أكثر من أربعة أيام حيث قصر في مكة عام الفتح, وفي تبوك مع إقامة أكثر من أربعة أيام والقول بأنه لم يعزم على الإقامة لا دليل عليه فلا يعول عليه.(15/323)
قال شيخ الإسلام ص 140جـ24 من مجموع الفتاوى لابن قاسم (وهذا مبني على أن من قدم المصر فقد خرج من حد السفر وهو ممنوع بل مخالف للنص والإجماع والعرف) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد ص 30جـ3 عن هذا القول (إن فيه نظر لا يخفى النبي صلي الله عليه وسلم فتح مكة وهي ما هي وأقام فيها مؤسس قواعد الإسلام, ويهدم قواعد الشرك, ويمهد أمر ما حولها من العرب, ومعلوم قطعاً أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتى في يوم واحد, ولا يومين, وكذلك إقامته في تبوك فإنه أقام ينتظر العدو ومن المعلوم قطعاً أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل يحتاج قطعها إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يوافون في أربعة - ثم عذر قول الأصحاب إنه إذا أقام لجهاد عدو ونحوه قصر, وقال - لكنهم شرطوا شرطاً لا دليل عليه من كتاب, ولا سنة, ولا إجماع, ولا عمل الصحابة فقالوا: شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الأيام, فيقال: من أين لكم هذا الشرط, والنبي صلي الله عليه وسلم لما أقام زيادة على أربعة أيام في مكة, وتبوك لم يقل لهم شيئاً, ولم يبين أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام.اهـ.
ونقول ثالثاً: إن إقامة النبي صلي الله عليه وسلم وقعت اتفاقاً فماذا تكون الحال لو كان قدومه مكة يوم السبت لثلاث من ذي الحجة, أفيقال إنه لا يقصر؟ إنه لو قيل ذلك لكان قولا بلا علم لأنه لم يبين ذل بقوله ولا فعله, فلم يقل للناس إنما قصرت لأن مدة إقامتي أربعة أيام فيتم بعدها حتى يتبين الحكم(15/324)
بفعله, بل الظاهر أو المتعين أنه لو كان قدومه يوم السبت أو قبله لقصر كما فعل عام الفتح؛ لأنه لو كان الحكم يختلف لبينه لدعاء الحاجة إلى بيان, فإن قدوم الحاج يختلف, ومنهم من يقدم لليوم الرابع, ومنهم من يقدم قبله, ومنهم من يقدم بعده. وأما آثار الصحابة: فروى الإمام أحمد في مسنده (1)
عن ثمامة بن شراحيل قال (خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً. قلت: أرأيت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وما ذو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة, قال يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين, ورأيت نبي الله صلي الله عليه وسلم نصب عيني يصليها ركعتين، ركعتين ثم نزع هذه الآية: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
وروى البيهقي عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال (ارتج علينا ثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة وكنا نصلي ورواه عبد الرزاق بلفظ (أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة) (2) .(15/325)
وعن أبي المنهال قال: قلت لابن عباس إني أقيم بالمدينة حولاً لا أشد على سير قال: صل ركعتين (1)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي حمزة نصر عمران قال: قلت لابن عباس: إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان فكيف ترى؟ قال صلى ركعتين وإن أقمت عشر سنين (2)
وروى عبد الرزاق عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع، ولا يزيد على ركعتين (3) .
وروي أيضا عن انس بن مالك - رضي الله عنه - أنه أقام بالشام شهرين مع عبد الملك بن مروان يصلي ركعتين، ركعتين (4) .
وذكر في المغني، والفتاوى، وزاد المعاد أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر (5) .
وروى البيهقي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة. قال ابن حجر: صحيح، وقال النووي: إسناده صحيح (6) .
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة باب: في المسافر يطيل المقام في المصر 2/209 (8201) .
(2) تقدم تخريجه ص277.
(3) تقدم تخريجه ص277.
(4) تقدم تخريجه ص 303.
(5) تقدم تخريجه ص 304.
(6) تقدم تخريجه ص 304.(15/326)
وأما الآثار عن التابعين: فروى عبد الرزاق عن محمد بن الحارث قال: قدمنا المدينة فأرسلت إلى ابن المسيب أنا مقيمون أياما في الدينة أفنقصر؟ قال: نعم (1) .
وروي عن علقمة أنه، أنه أقام بخوارزم سنتين فصلى ركعتين (2) .
وروي عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسلة فقصر وأقام سنين يقصر، قلت: يا أبا ما يحملك على هذا؟ قال: التماس السنة، وقصر حتى رجع (3) .
وروي عن الشعبي أنه قال: كنت أقيم سنة، أو سنتين أصلي ركعتين، أو قال ما أزيد على ركعتين، ركعتين (4) .
فهؤلاء الأربعة من الصحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك -رضي الله عنه-.
وأربعة من التابعين: سعيد بن المسيب، وعلقمة، ومسروق، والشعبي -رحمهم الله تعالى-.
وأما النظر فيقال: لو كانت نية الإقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو على خمسة عشر يوما قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة قاطعة له أيضا، بل أولى؛ لأن فعل الإقامة أبلغ من نيتها في التأثير -لو فرض أن ذلك تأثيرا- إذ الإقامة إذا حصلت بالفعل لم يمكن
__________
(1) تقدم تخريجه ص 277.
(2) تقدم تخريجه ص 277.
(3) تقدم تخريجه ص 277.
(4) تقدم تخريجه ص 277.(15/327)
رفعها بخلاف نيتها فيمكن رفعها بفسخها ونية السفر، ولهذا أن أحد الأقوال للشافعية إنه إذا أقام هذه المدة لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة، وهذا عين الفقه، والنظر الصحيح، ومع ذلك فإن المحددين يقولون: إذا نوى الإقامة مدة أكثر مما حددوا انقطع حكم السفر، وإذا أقام هذه المدة ولم ينو الإقامة إلا لانتظار حاجته لم ينقطع. وهذا ضعيف جدًّا لمن تأمله.
وأما القياس فيقال: أي فرق بين من أراد أن يقيم ستاًّ وتسعين ساعة ومن أراد أن يقيم سبعا وتسعين ساعة؟! حيث ينقطع حكم السفر في حق الثاني دون الأول، مع أن كل واحد منهما لا يريد إقامة مطلقة وإنما أراد إقامة مربوطة بحاجة أو عمل متى حصل واصل سفره، وكل منهما يعتبر نفسه غريبا في محل إقامته، وظاعناً عنه فأي فرق بينهما؟! ولا يرد على هذا التنظير بالفرق بين شخص له خمس عشرة سنة إلا ساعة، وشخص له خمس عشرة سنة كاملة حيث يقضي للثاني بالبلوغ دون الأول؛ لأن مسألة البلوغ فرق الشارع فيها بين حال البلوغ وعدمها، وجعل لكل حال حكماً، فلابد من التمييز بين الحالين بضابط يفصل بينهما، وهو تمام خمس عشرة سنة عند من اعتبر البلوغ بهذا السن، وإلا لما أمكن معرفة ذلك، بخلاف إقامة المسافر فإن الشارع لم يفرق فيها بين الحالين، ولم يجعل لكل حال حكماً، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى ص 138 ج 24: ((والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها 184 من المجلد المذكور: ((وقد بين في غير هذا الموضع أنه(15/328)
ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلي الله عليه وسلم إلا مقيم ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة) ، وقد قال قبل ذلك ص 137 من المجلد المذكور: ((فمن جعل للمقام حدًّا من الأيام: إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر، وهي تقديرات متقابلة، وقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن -إلى أن قال- والثالث مقيم غير مستوطن، وأوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة وقالوا: (لا تنعقد به وإنما تنعقد بمستوطن، وغير مستوطن، وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع) .أهـ.
ومن العجب أن بعض المحددين بأربعة أيام قال: إذا لم نوجب الإتمام على من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام لزم أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة ولا قائل به.
والجواب على هذا نقول إذا أن هذا مقتضى النص فلا حاجة إلى أن نعلم قائلاً به؛ لأن النص وحده كاف عن كل قول، وقد سبق لك أن هذا هو مقتضى النصوص في ظاهر عموماتها وإطلاقاتها.
وأيضا فقد قال به من نقلنا قوله من الصحابة، والتابعين في ظاهر ما روي عنهم. وأيضا هو مذهب الأئمة الثلاثة مالك، وأبي حنيفة، وأحمد فيما إذا أقام لحاجة لا يدري متى تنقضي ولو أقام سنين، وأحد(15/329)
الأقوال في مذهب الشافعي، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون نقله عنه ابن القيم في زاد المعاد ص 30 ج 3.
وبهذا تبين أن مقتضى النصوص، وأقوال السلف، والنظر، والقياس الصحيح: أن المسافر إذا كانت إقامته مقيدة بحاجة، أو زمن ومتى زال ذلك القيد رجع إلى وطنه، فإن إقامته هذه لا تقطع حكم السفر، وله أن يترخص فيها ترخص المسافر ولو طالت مدة الإقامة ولو نواها من قبل، فمن طابت نفسه بذلك فليعمل به فإنه حق -إن شاء الله- ومن لم تطب نفسه به وأراد أن يعمل بقول من يفرق بين تقييد الإقامة بزمن وتقييدها بحاجة أو عمل على ما سبق تقريره فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا بالنسبة لقصر الصلاة وتقدير مدة المسح على الخفين بثلاثة أيام واضح لدينا لا نتوقف في الإفتاء فيه وأما في صيام رمضان فلا ريب أن من جاز له القصر جاز له الفطر، وأن الإنسان مادام على سفر فله الفطر بالنص والإجماع، لكن تأكد الفطر ليس كتأكد القصر ولذلك لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أتم الصلاة في سفره أربعاً، ولا صح عن أحد من أصحابه معه، وأما الصوم فصح أن الصحابة معه منهم الصائم، ومنهم المفطر، ولم يعب بعضهم بعضا، بل صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه كان مع أصحابه في سفر في يوم شديد الحر وليس فيهم صائم سوى رسول الله صلي الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة (1) .
__________
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص 310.(15/330)
وكان ابن حزم -رحمه الله- يرى أن المسافر إذا أقام في خلال السفر يوماً وليلة وجب عليه الصوم، وإن جاز له القصر إلى تمام واحد وعشرين يوماً تم الصلاة على رأيه.
وعلى هذا فنقول: ينبغي للمقيم من المسافرين أن يصوم رمضان في قوته، ولا يؤخره إلا أن يصادف ذلك أيام حر ويكون عليه فيه شيء من المشقة فله الفطر ويقضيه في الأيام الباردة من السنة ولا يؤخره إلى رمضان الثاني خشية أن تتراكم عليه الشهور فيثقل عليه قضاؤها أو يعتذر. والله أعلم.
جواب السؤال الخامس:
هؤلاء الطيارون الذين يبقون لمدة ثلاث سنوات ونحوها لتعلم الطيران والتدرب عليه في حكم المسافرين على القول الراجح، الذي قررناه بأدلته في جواب السؤال الرابع، لكن الأولى أن يحصلوا على فرصة يصومون بها رمضان في سنته ولو متقطعاً، ولا يؤخرونه للسنة الثانية لئلا تتراكم عليهم الشهور فيثقل عليهم قضاؤها أو يتعذر.
جواب السؤال السادس:
إذا حانت صلاة المغرب وأنت تجوب طرق المدينة الكبيرة، ولم يتيسر لك الوقوف في مكان تؤدي به صلاة المغرب، فلا حرج عليك أن تؤخرها بنية الجمع بينها وبين صلاة العشاء؛ لأنك معذور بعذرين:
أحدهما: السفر على القول الراجح الذي قررناه.(15/331)
والثاني: الحرج والمشقة عليك بصلاة المغرب في وقتها، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: أنه خطب يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدرت النجوم، فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني يقول: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة. رأيت النبي صلي الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفي رواية عنه قال: جمع النبي صلي الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(15/332)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم.... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله..... وبعد.
المسافرون للدارسة مسافرون تثبت في حقهم أحكام السفر على القول الصحيح إذ لا دليل على انقطاع حكم السفر في حقهم، وعلى هذا فتجري عليهم أحكام السفر وهي:
الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض، وهما الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، ولا يجوز تأخير المجموعتين عن وقت الأخيرة منهما، فلا يجوز تأخير الظهر والعصر المجموعتين إلى غروب الشمس، ولا تأخير المغرب والعشاء المجموعتين إلى ما بعد نصف الليل.
قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين.
المسح على الجوربين ثلاثة أيام.
واعلم أن المسافر لا تسقط عنه الجمعة إذا كان في مكان تقام فيه الجمعة، ولم يكن عليه مشقة في حضورها لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (الجمعة: من الآية9) فيجب عليه حضور الجمعة ليصلي مع المسلمين.
ولا تسقط عنه صلاة الجماعة لعموم الأدلة أيضا، ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ(15/333)
مَعَكَ) (النساء: من الآية102) الآية، وهذا في صلاة الخوف وكانت في السفر، فأوجب الله تعالى فيها الجماعة ولم يسقطها مع اجتماع الخوف والسفر، فكيف إذا انفرد أحدهما أفلا يكون وجوبها أولى؟
وإذا صلى المسافر خلف من يتم الصلاة وجب عليه إتمام الصلاة سواء أدرك الصلاة من أولها أم في أثنائها لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) (1) .
ويصلكم إن شاء الله صورة جواب حول الموضوع، أرجو الله تعالى فيه النفع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 21/7/1407هـ.
__________
(1) متفق عليه، وتقدم ص 51.(15/334)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ ... حفظه الله
السلام عليم ورحمة الله وبركاته.
فقد بعث إلي أحد الإخوان من الرياض رسالتكم التي سميتموها (....) وحقيقتها التعليق على فتوى صدرت مني لبعض الإخوان حول تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر حيث رجحت فيها ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ محمد رشيد رضا -رحمهم الله تعالى جميعاً- من أن الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر لا تتحدد بأيام، بل متى كان الإنسان في سفره فحكم السفر باق في حقه ولو أقام مدة طويلة إذا كانت إقامته مربوطة بعمل، أو حاجة، أو زمن محدد ولم ينو إقامة مطلقة.
وذلك لأنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن نية الإقامة لغرض لا ينقطع بها حكم السفر، سواء علم متى تنقضي تلك المدة أم لم يعلم، فقد ثبت أنه أقام في حجة الوداع أربعة أيام بمكة قبل أن يخرج إلى منى وان يقصر الصلاة، وهذه الإقامة كانت اتفاقاً لا قصداً، ولو كانت قصداً يختلف الحكم فيما زاد عليها لبين ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كان صلي الله عليه وسلم أعلم الناس بما تقتضيه أقواله، وأفعاله، وأحواله من دلالات، وأنصحهم للخلق، وأبلغهم في بيان الحق.
وليس لدينا لفظ عام يقتضي أن مطلق إقامة المسافر في غير(15/335)
بلده ينقطع به حكم السفر حتى نقول إن هذه المدة التي أقامها النبي صلي الله عليه وسلم في مكة عام الحج مستثناة من العموم فيبقى ما زاد على حكم العام، ثم إن هذه المادة (س ف ر) أصل كما في مقاييس اللغة لابن فارس على الانكشاف والجلاء. قال ((من ذلك السفر سمي بذلك لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم) . وإذا كان كذلك فليس في الشرع، ولا في اللغة ما يدل على تحديد المدة التي لا ينقطع بها السفر.
وقد قرأت رسالتكم المذكورة، ولا ريب أن من قصد الحق وبذل جهده في الحصول عليه فهو مأجور، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور لحسن قصده وبذل سعيه.
وقد نقلتم في الرسالة عن شيخ الإسلام في كتاب الصيام من الاختيارات أن المسافر متى عزم على إقامة أقل من أربعة أيام جاز له الفطر. أهـ.
وهو كما نقلتم، لكن لا يخفى فضيلتكم أن ما يدل عليه هذا الكلام بخصوصه لا يعارض ما صرح به في غير موضع من الفتاوى، ومنها ما أشرنا إليه في الفتوى في المجلد الرابع والعشرين من مجموعة ابن قاسم ص 137، 138، 184 حيث ذكر أنه قد بين أنه ليس في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر، وأن من جعل حد للمقام من الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر، وهي تقديرات متقابلة، وأن تقسيم المقيم إلى مستوطن،(15/336)
وغير مستوطن لا دليل عليه من جهة الشرع، وأن التمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس هو أمراً معلوماً لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف.
ولا يخفى على فضيلتكم أيضاً ما قاله في الاختيارات نفسها في باب صلاة أهل الأعذار من أن الصلاة تقصر في كل ما يسمى سفراً سواء قل أو كثر، وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو لا، وروى هذا عن جماعة من الصحابة.
ولا يخفى على فضيلتكم أيضا ما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتابه الفروع حيث قال ص63-64 ج 2 ط آل ثاني: ((وإن نوى مسافر إقامة مطلقة، وقيل بموضع يقام فيه ذكر أبو المعالي (وه) أتم، وكذا عن نوى مدة فوق أربعة أيام...... واختار، واختار شيخنا القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن إقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة (و) لا يعلم فراغ الحاجة قبل المدة.ا.هـ. المقصود منه.
فهذه التصريحات من كلام شيخ الإسلام، ونقل صاحب الفروع عنه وهو من أعلم تلاميذه باختياراته في الفقه لا يمكن أن تعارض بمفهوم كلامه في الصيام في الاختيارات؛ لأن المفهوم لا يعارض المنطوق.
وأما ما ذكر في الفتوى من كلام ابن القيم حيث قال ص 29ج 3: وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة في ذلك الموضع أهـ.(15/337)
فلا يخفى على فضيلتكم أن هذا الكلام من ابن القيم - كما تفضلتم في تعليقكم في الرسالة- يدل على قرن المقيم في البلد بالمستوطن بها، وككلامها لا يسوغ له استباحة رخص السفر. ولكن ماذا يعني ابن القيم - رحمه الله- بالإقامة؟ أيعني بها مطلق الإقامة الصادق بإقامة اليوم واليومين والساعة والساعتين؟ أم يعني بها الإقامة المحددة بمدة تبلغ أربعة أيام أو أقل أو أكثر حسب أقوال المحددين؟ أم يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهى المسافر بها سفره ويلقي عصا التسيار ولا يقيدها بعمل ولا زمن؟ هذه هي الاحتمالات التي يحتمل أن يعني بها الإقامة:
أما الاحتمال الأول: فلا يمكن لمخالفته النص.
وأما الاحتمال الثاني: فلا يمكن أيضاً إذ لو كان معيناً لحدد الإقامة به، ولأنه صرح في صرح في كلامه هذا أن طول هذه المدة وقصرها سواء، ولأنه قال في نفس الصفحة، فهذا هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ترى، وهو الصواب، ثم ذكر في الصفحة التالية والتي بعدها مذاهب الناس في التحديد، ومنها ما قاله عن عائشة -رضي الله عنها- يقصر ما لم يضع الزاد والمزاد.
وإذا لم يمكن أن يعني ابن القيم بالإقامة الاحتمالين الأولين تعين الاحتمال الثالث وهو أن يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهي بها المسافر سفره، ويلقى عصا التسيار ولا يقيدها بزمن ولا عمل، وذلك لأنه أنهى سفره وصار كالمستوطن، إلا أن الفرق بينهما أن المستوطن يتخذ البلد وطناً يأتي بأهله إليها إن كان ذا أهل ويقطع بنيته صلته ببلده، أما المقيم بدون استطيان فهو الذي يقيم في البلد(15/338)
ولا يعتبرها وطناً له, ولا ينقل أهله إليها غالباً يقيم في البلد الذي أنهى بها سفره إقامة مطلقة إما للعمل, أو للتجارة, أو للزراعة أو نحو ذلك, كما يوجد في كثير من البلاد الأوربية التي يعمل فيها كثير من المسلمين ولم يقيدوا مدة بقائهم فيها بعمل ينتظرون إنجازه, ولا بمدة ينتظرون انتهاءها, فهؤلاء وأمثالهم مقيمون في البلاد التي يعملون فيها لا يترخصون برخص السفر وإن كانوا غير مستوطنين.
هذا يدل عليه كلام ابن القيم - رحمه الله - والفرق بين هؤلاء ومن حددوا إقامتهم بزمن أو عمل ينتظرون انتهاءه ظاهر.أسأل الله تعالى رب جبرائيل وميكائيل, وإسرافيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون أن يهدينا جميعاً لما اختلف فيه من الحق بإذنه, إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, أسأله تعالى أن يهب لنا منه رحمة وفرقاناً, ورسوخاً في العلم, وثباتاً على الحق, وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, ونعوذ به تعالى أن نضل, أو نضل, أو نزل, أو نزل, أو نجهل, أو يجهل علينا. ثم أرجو أن يكون هذا فاتحة اتصال بيننا للتعاون فيما يهم المسلمين من أمور دينهم وديناهم, فإن العلماء اليوم في حاجة ماسة بل ضرورة ملحة إلى تفهم دينهم, واتفاق كلمتهم, واجتماع قوتهم في الرد على أعداء الله تعالى ليعظم شأنهم, وتملأ القلوب هيبتهم وتنفذ كلمتهم. والله الموفق, والحمد رب العلمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين, وآله وصحبه أجمعين.
والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/339)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم. . . حفظك الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم المؤرخ. . . وصل, سرنا صحتك, وصحة الوالد, والأخوان, والأهل, الحمد لله على ذلك, ونسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم من نعمه, ويرزقنا شكرها.هذا قد قرأت الشيخ. . . . التي أرفقتموها بكتابكم, وهي بعنوان رسالة أحكام قصر الصلاة في السفر) وهي في الحقيقة تعليق على الفتوى الصادرة مني في 23/5/1398هـ ,ولكن هذا التعليق لم يتضمن التعليق على كل ما فيها من التدليل والتعليل ,كما هو واضح لمن قارن بينها وبين الفتوى, وعلى كل فما منا إلا راد ومردود عليه ,والإنسان لا يكلف فوق طاقته التي فهم بها نصوص الشريعة, والشيخ لا يلام لا أحب من أهل العلم أن يجهد كل واحد نفسه في الرد على الآخر في المسائل الاجتهادية التي تتجاذبها الأدلة؛ لأن قول كل واحد ليس حجة على الآخر, وفهمه للنصوص ودلالاتها, وعلمه بمصادرها ومواردها لا يلزم أن يكون مساوياً للثاني, ثم إن الإنسان قد ينفر من قول سمعه لغرابته عنده,(15/340)
ثم يأخذ يفكر فيه ويردده حتى يتبين له وجهه, فتطمئن نفسه إليه ويقلبه, وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - راجع أبا بكر - رضي الله عنه - في قتال مانعي الزكاة, احتج بقول النبي صلي الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله) . فقال أبو بكر (والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال, والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله (وفي رواية عقالاً) رواه قتيبة بن سعيد عن الليث قال البخاري, قال ابن بكير, وعبد الله عن الليث: عناقاً وهو أصح لقاتلتهم على منعها) . قال عمر (فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه للحق) (1) وأفيدكم بأنني لن أرد على رسالة الشيخ. . . حول الفتوى وذلك للأسباب التالية:
1- أنني لا أحب أن يجهد الإنسان نفسه في الأخذ والرد بين إخوانه من أهل العلم في المسائل الاجتهادية التي تتجاذبها الأدلة لما في ذلك من ضياع الوقت, وفتح باب الجدل والانتصار للرأي, وإنما على المرء أن ينظر في كلام من رد عليه فإن تبين أن الصواب معه وجب عليه أن يحمد الله تعالى حيث هيأ له من يبين له الصواب ويفتح له باب الحق, ووجب عليه أن يرجع إلى الصواب, فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.(15/341)
2- أن الشيخ. . . . لم يعلق على جميع ما فيها من دليل وتعليل حتى يتبين لي صواب رده أو خطؤه.
3- أن الإنسان يدين الله تعالى فيما يقول ويفتي به منطوقاً أو مكتوباً, فإذا قال أو أفتى بما يرى أنه الحق فليس عليه أن يقبل أو يرد, وربما يرى أن من نعمة الله تعالى عليه - إذا كان مخطئاً - أن ييسر له من يرد عليه حتى لا يرتكب الناس خطأه.
وأنا كلما تأملت هذه المسألة أعني مسألة انقطاع حكم السفر بتعيين مدة الإقامة لم يتبين لي فيها تفريق بين مدة ومدة, ولم أجد في النصوص ما تطمئن إليه نفسي من التفريق, فإن المقيم في بلد ما للدراسة مدة معينة كالمقيم فيها للعلاج هذه المدة إذ كل منهما ينتظر متى تنتهي مهمته, وكل منهما لو حصل أن يحجز على أول رحلة بعد انتهاء مهمته لفعل, وكل منهما لم يلق عصا التسيار بل عصاه على عاتقه ينتظر متى ينتهي فيغادر, فلا والله أجد فرقاً, وأسأل الله تعالى فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, والحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون أن يهديني لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
هذا ملزم, والله يحفظكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 7/7/1399هـ.(15/342)
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم. . . . حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم إلينا من الولايات المتحدة غير المؤرخ وصل إلينا قبل أيام وفيه تطلبون الإجابة على الأسئلة الواردة فيه, فهذه هي الإجابة مرتبة حسب الأسئلة (1) نرجو الله تعالى التوفيق فيها للصواب.
جـ1:الطلبة المسافرون إلى أمريكا أو غيرها ليسوا ينوون الإقامة حتى ينتهي دراستهم فمتى انتهت رجعوا إلى بلادهم سواء طالت مدة دراستهم أم قصرت.
وقد اختلف فلا يترخصون برخص السفر من القصر, والجمع, والفطر في رمضان, والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها بدلاً من يوم وليلة, أو أن حكم السفر باق في حقهم؛ لأن حد السفر ينطبق عليهم فهم غرباء في غير بلادهم, ويعتبرون أنفسهم مسافرين ما أقاموا في تلك البلاد إلا للحاجة, وعلى هذا فيترخصون برخص السفر من القصر والجمع, والفطر في رمضان, ومسح الخفين ثلاثة أيام؟
والقول الراجح عندي: أن السفر لا ينقطع حكمه في حقهم وأنهم يترخصون برخصة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه ,(15/343)
وتلميذه ابن القيم, والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر ص 375/4,وشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي, والشيخ محمد رشيد رضا وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (2) ,وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (3) وأقام في مكة عام حجة الوداع عشرة أيام أربعة قبل الخروج إلى منى, وستة بعد ذلك كما في صحيح البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال (خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة, فسئل أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً) (4)
ولما كانت هذه الإقامات مختلفة المدد, ولم يختلف حكمها ولم ينقطع حكم السفر بها دل على أنه لا ينقطع حكم السفر بمدة وإن طالت ما دامت إقامة المسافر لحاجة, ولو كان لانقطاع حكم السفر مدة معينة لبينها الله ورسوله؛ لأن الله تعالى يعلم أن المسافرين تتفاوت مدد إقامتهم في البلاد التي سافروا إليها, والنبي صلي الله عليه وسلم يعلم ذلك وأيضاً وقد قدم عام حجة الوداع في اليوم الرابع من ذي الحجة فبقي يقصر الصلاة (5) وقد كان يعلم أن من الحجاج من يقدم قبل ذلك إما السنة, أو قبلها, أو بعدها, ولم يقل ((من قدم قبل اليوم الرابع فقد انقطع حكم سفره فليتم الصلاة) ولو كانت(15/344)
شريعة الله تعالى أن المسافر إذا أقام أكثر من أربعة أيام انقطع حكم سفره ولزمه إتمام الصلاة وغيره من أحكام الإقامة لوجب على النبي صلي الله عليه وسلم أن يبلغه لأمته فلما لم يقع ذلك علم أنه ليس من الشريعة.
وأن من قدم بلداً لحاجه دينية, أو دنيوية ومن نيته أن يرجع إلى بلده بعد انقضائها فهو مسافر بدون تحديد مدة قال شيخ الإسلام ابن تيميه في رسالته (أحكام السفر والإقامة) ص 82صلي الله عليه وسلم (فمن جعل للمقام حداً من الأيام فقد قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع, وهي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام مسافر, ومقيم, ومستوطن, ومقيم غير مستوطن ,وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع) .قال (والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوماً بشرع, ولا لغة, ولا عرف) قال (والقول بأن من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر ممنوع, بل مخالف للنص والإجماع والعرف) . ا. هـ.
إذا تبين ذلك فإن المقيمين للدراسة أو للعلاج ونحوه في أمريكا وغيرها من المسافرين يجوز لهم قصر الصلاة الرباعية إلى الظهر والعصر, أو بين المغرب والعشاء, لكن الأفضل عدم الجمع إلا من حاجة, ويجوز لهم الفطر في رمضان لكن الصوم أفضل , ومع المشقة يؤخرونه إلى أيام الشتاء, ولا أرى أن يؤخروا صوم سنة إلى أخرى لئلا تتراكم عليهم الشهور فتثقل عليهم فيعجزوا عنها.
حرر في 10/1/1403 هـ
***(15/345)
1108 سئل فضيلة الشيخ: نحن نعمل في مدينة ينبع وخلال فترة الإجازة نقوم بزيارة الأهل في بلدنا فهل تنطبق علينا أحكام المسافرين؟ وهل للقصر مدة معينة؟ ومتى تبدأ أحكام السفر؟ وهل يجوز الجمع قبل السفر؟ وهل نصلي السنن الرواتب في السفر؟ أفتونا جزاكم الله خيراً وحفظكم من كل مكروه.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت ينبع هي محل سكناكم فإن زيارتكم لأهلكم سفر يحل لكم أن تترخصوا برخص السفر من قصر الصلاة والفطر في رمضان, والمسح على الخفين ثلاثة أيام ونحو ذلك, ولكن إذا كنتم في مكان تقام الصلاة جماعة فصلوا مع الجماعة, فإن فاتتكم الصلاة, أو كنتم بعيدين فصلوا قصراً. وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم, أما إن نويتم الإقامة المطلقة فقد انقطع حكم السفر في حقكم.
وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته. ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم.
وأما السنن الرواتب فإنه يسقط منها عن المسافر راتبه الظهر, والمغرب, والعشاء, وما عدا ذلك من النوافل فإنه باق على حكمه.14/2/1414هـ.(15/346)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم. . . . . حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم المؤرخ الشهر الماضي سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك.
سؤالكم عن المبعوثين للدراسة هل ينقطع حكم السفر في حقهم حيث إنهم مقيمون لمدة تزيد على الحد المحدود عند كثير من أهل العلم أو أكثرهم, أو يبقى حكم السفر في حقهم فيجوز لهم الجمع والقصر.
وجوابه: أن العلماء اختلفوا في حكم هذه المسألة على أقوال تزيد على العشرة, وذلك لأنه ليس فيها سنة صحيحة صريحة تفضل بين المختلفين في حكمها, وغالب هذه الأقوال تقديرات ليس عليها دليل بل الدليل على خلافها.
والصواب: أن المقيمين لحاجة ينتظرون متى تنقضي حاجتهم ثم يرجعون إلى بلادهم أن سفرهم لا ينقطع, وأنهم يترخصون برخص السفر من القصر, والجمع, وغيرهما سواء أقاموا للدراسة, أو علاج, أو زيارة قريب أو غير ذلك, وسواء علموا متى تنتهي حاجتهم, أم لم يعلموا, لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يحدد لأمته حداً ينتهي به(15/347)
حكم السفر, وقد أقام في سفره إقامات مختلفة يقصر فيها الصلاة, ولو كان الحكم يختلف بين إقامة وإقامة لبينه, لدعاء الحاجة إلى بيانه, فقد أقام صلي الله عليه وسلم في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (1) ,وأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة (2) ,وأقام عام حجة الوداع في مكة عشرة أيام كما في الصحيح البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - منها أربعة قبل خروجه لمنى, وستة في مشاعر الحج (3) . وهذا القول الذي اخترناه هو الذي يدل عليه ظاهر السنة, وقال به من الصحابة: عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عباس في أحد القولين عنه, وعبد الرحمن بن سمرة, وأنس بم مالك, ومن التابعين: سعيد بن المسيب, وعلقمة, ومسروق, والشعبي (4) . واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - وقال صلي الله عليه وسلم (إن التمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس معلوماً لا بشرع, ولا لغة, ولا عرف, وليس في كتاب الله, ولا سنة رسوله صلي الله عليه وسلم إلا مقيم ومسافر والمقيم هو المستوطن, ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة) . ذكر هذا في موضعين في الفتاوى. اختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا وشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي - رحمهم الله تعالى جميعاً -. هذا ملزم والله يحفظكم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/348)
رسالة
قال فضيلة الشيخ - حفظه الله ورعاه -:
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة قصر المسافر الصلاة إذا طالت مدته: من تأمل عمومات الكتاب, والسنة, وراجع لام شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم تبين له قوة هذا القول, وأن رخص السفر ثابتة للمسافر وإن طالت مدة إقامته ما دام لم ينو استيطاناً, ولا إقامة مطلقة وقد ذكر شيخنا عبد العزيز بن باز من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 ما نصه (أما إذا نوى إقامة معينة تزيد على أربعة أيام وجب عليه الإتمام عند الأكثر, وقال أهل العلم: له القصر ما دام لم ينو استيطان في ذلك الموضع وإنما أقام لعارض متى زال سافر وهو قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة وبكل حال فقد أحسنت فيما فعلت (وكان السائل قد أكد أنه حين عزم على الجلوس مدة معينة أتم الصلاة) لأنك بالإتمام لما نويت الإقامة المعينة الزائدة على أربعة أيام خرجت من الخلاف وأخذت بالأحوط. أهـ.
فقد ذكر الشيخ - حفظه الله - أن القول بجواز القصر قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة, وقد بلغني أخيراً أنه كان يفتي بقول أكثر أهل العلم وهو المنع من القصر في هذا.
والفقهاء - رحمهم الله - لا يعطون مثل هذا حكم المقيم من(15/349)
كل وجه, فتراهم يقولون: إن الحكم السفر ينقطع في حقه, ويعطي حكم المقيم في وجوب الإتمام, والصوم, والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين, ولكن لا يعطونه حكم المقيم في وجوب صلاة الجمعة والقيام بخطبتها, فيقولون: إن الجمعة لا تلزمه بنفسه, وأنه لو اجتمع في بلد ما عدد كثير ليس معهم من المستوطنين من تلزمه الجمعة فلا جمعة عليهم, بل ولا تصح منهم الجمعة, ولا أن يقوم أحد منهم بخطبتها, ولا يحسبون من العدد الذي تنعقد بهم الجمعة فقد قسموا الناس في هذه المسألة ثلاثة أقسام: مسافر, ومقيم, ومستوطن, فالمسافر غير المقيم لا تلزمه الجمعة بنفسه ولا بغيره, والمسافر المقيم إقامة تمنع القصر تلزمه بغيره لا بنفسه ولا تنعقد به ولا يكون إماماً ولا خطيباً فيها, والمستوطن تلزمه بنفسه وتنعقد به ويكون إماما وخطيباً فيها, قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - 21/137 من مجموع الفتاوى لابن قاسم: فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام إلى: مسافر, وإلى مقيم مستوطن......, والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه إتمام الصلاة, والصيام, وأوجبوا عليه بمستوطن, وهذا التقسيم وهو تقسيم المقيم إلى: مستوطن ,وغير مستوطن, ولا دليل عليه من جهة الشرع, وقال أيضاً 24/184: وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله, ولا سنة رسوله إلا مقيم ومسافر, والمقيم هو المستوطن, ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة.أهـ.(15/350)
وهذا يقتضي أن الناس ينقسمون إلى قسمين فقط: مسافر ,ومستوطن ,فالمسافر له أحكام السفر, والمستوطن له أحكام الاستيطان, أما يكون هناك قسم ثالث يكون بين، بين ويأخذ من أحكام هؤلاء وهؤلاء فهذا يحتاج إلى دليل.(15/351)
1109 سئل فضيلة الشيخ: في أحد أشرطتكم المسجلة ذكرتم أن القول الراجح عندكم (أن حكم السفر لا ينقطع بأربعة أيام أو أكثر ما دام نيته الرجوع إلى بلده) فهل هذا هو القول الصحيح عندكم ومازلتم تفتون به؟ أفتونا جزاكم الله خيراً وحفظكم.
فأجاب فضيلته بقوله: ما سمعتم في الشريط من أن القول الصحيح عندي أن حكم السفر لا ينقطع بأربعة أيام يقيمها, أو أكثر ما دام نيته الرجوع إلى بلده للأدلة التي سمعتم, وما زال ذلك هو القول الصحيح عندي.
ولكني أرى أن من سمع النداء وجبت عليه الإجابة سواء كان مسافراً أم مقيماً لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة, ولا دليل على استثناء المسافر من ذلك, ومتى ائتم المسافر بالقيم وجب عليه الإتمام, لقول النبي صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) (1) .
* * *(15/352)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ,أما بعد:
فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: المرابطون في سبيل الله في الثغور يسألون عن كيفية الصلاة هل يصلون جماعات أو فرداً؟ وهل يقصرون ويجمعون أم يقصرون فقط أم يجمعون فقط؟ نرجو الإجابة مشكورين إذ أنهم مختلفون, فمنهم من يصلي جماعة, ومنهم من يقصر, ومنهم من يجمع, فنرجو منكم حفظكم الله ورعاكم أن تجيبونا بالدليل, ولكم منا جزيل الشكر والعرفان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب على هؤلاء أن يصلوا جماعة ولا يحل لهم أن يصلوا فرادى؛ لأن الله تعالى أمر المجاهدين بالصلاة جماعة أمام العدو, فقال تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُم(15/353)
وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء: من الآية102) . فأوجب عليهم صلاة الجماعة مع أنهم في مواجهة العدو, فما بالك فيمن هم مرابطون غير مواجهين. وأما القصر فإنهم يصلون قصراً؛ لأنهم مسافرون لم يقيموا بمكانهم بنية الإقامة الدائمة, وإنما أقاموا لحاجة متى انتهت رجعوا قد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين. وأقام ابن عمر – رضي الله عنهما – بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة, قد حبسه الثلج. ورواه البيهقي بسند قال فيه النووي إنه شرط الصحيحين, وروى البيهقي أيضاً عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة, قال النووي: إسناده صحيح, وكذلك صححه الحافظ ابن حجر – رحمه الله -. وهذا القول هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم والشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب, والشيخ محمد رشيد رضا, وشيخنا عبد الرحمن الناصر سعدي.
والمسألة فيها خلاف بين العلماء فيما إذا عزموا على إقامة أكثر من أربعة, فلا يكن بينهم – أي بين المرابطين – اختلاف من أجل القصر أو الإتمام؛ لأنه لا حرج في هذا ولا هذا فإن قصروا فعلى خير, وهذا أقرب إلى السنة, وإن أتوا فلا حرج, وقد بسطنا هذه المسألة في رسالة مستقلة (1) .(15/354)
وأما الجمع فالأفضل أن لا يجمعوا إلا لحاجة وإن جمعوا فلا حرج على القول الصحيح.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 30/4/1411هـ.(15/355)
1110 سئل فضيلة الشيخ: عن طالبات يسكن في بلد للدراسة فقط ومتى انتهت الدراسة رجعن إلى بلدهن ووطنهن فهل لهن قصر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قصر الصلاة للطالبات اللاتي بقين للدراسة فقط لاتخاذ بلد الدراسة وطناً فيه خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله تعالى – ومن الحسن أن يراجع في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 24/137_ 184 وككلام ابن القيم في الهدى 3/29 وتفسير القرطبي 5/357 والمجموع شرح المهذب 4/219,220 لتتبين آراء العلماء في ذلك, وأن القول الصحيح ما رجحه شيخ الإسلام وابن القيم – رحمهما الله – من أن المسافر يقصر ولو زادت مدة إقامته على أربعة أيام.
وقد كتبت في ذلك رسالة بينت فيها أدلة الكتاب, والسنة والآثار على ذلك, ومع هذا فلا إنكار على من يتم ولا يقصر, ولا على من يقصر ولا يتم؛ لأن المسألة مسألة اجتهاد, ولهذا حصل فيها الخلاف بين العلماء حتى بلغ أكثر من عشرة أقوال. ولا ينبغي أن تكون هذه المسألة ونحوها من مسائل الخلاف مثاراً للجدل الطويل أو سبباً للعداوة والبغضاء, فمن اطمأنت نفسه إلى قول من هذه الأقوال وانشرح به صدره ورآه أقرب إلى الحق(15/356)
لا طلاعه على سبب رجحانه بأدلته, أو لترجح ثقته فليأخذ به ولا يكون بذل متتبعاً للرخص بل هو بذلك متحر للحق طالب للصواب. والله والموفق والسلام.
* * *
1111 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل مسافر دخل المسجد, ووجد جماعة يصلون المغرب, وهو قد صلى المغرب, فصلى معهم بنية العشاء, ولما قام الإمام للركعة الثالثة, وجلس وتشهد وسلم. فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل رجل مسافر قد صلى المغرب, فوجدهم يصلون المغرب, فدخل معهم بنية صلاة العشاء. فمن العلماء من قال: لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية وعملاً. ومنهم من قال: يصح ذلك, فإذا قام الإمام للثالثة أكمل الداخل التشهد وسلم من ركعتين, وهذا هو الصحيح. وله أن يقوم معه في الثالثة ويتم العشاء أربعاً.
وإذا دخل المسجد وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب. فعلى القول الأول لا يدخل معهم. وعلى القول الثاني يدخل معهم, فإذا قام الإمام للرابعة, وقد دخل معه من أول الصلاة, فإنه ينوي المفارقة, ويتشهد ويسلم, ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء, وإن دخل معه في الثانية فما بعده, فالأمر ظاهر. كتبه محمد الصالح العثيمين في 16/8/1418هـ.(15/357)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن طلبة مبتعثون للدراسة في الخارج, هل تنطبق علينا أحكام السفر القصر وعدم وجوب صلاة الجمعة والجماعة ونحو ذلك؟
نرجو التكرم بالإيضاح والتفصيل. جزاكم الله خيراً ووفقكم لما يحبه ويرضاه.
بسم الرحمن الرحيم
إذا أقام المسافر في مكان لحاجة ينتظرها ومتى انتهت رجع إلى بلده فله حالان: الحال الأولى: أن لا يحدد مدة إقامته بزمن معين فله الترخص برخص السفر من القصر, والجمع, والفطر برمضان, والمسح على الخفين ثلاثة أيام, وإن طالت مدة إقامته, قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في زاد المعاد في كلام على فقه غزوة تبوك:والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول: اليوم أخرج, وغداً أخرج, فإنه يقصر أبداً إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها. وقال قبل ذلك: وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض, قصر سواء غلب على ظنه انقضاء(15/358)
الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة, وهذا هو الصواب, ولكنهم شرطوا فيه شرطاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة, فقالوا: شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر, وهي ما دون الأربعة أيام, فيقال: من أين لكم بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئاً, ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام, وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته, فلم يقل لهم حرفاً واحداً لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال, وبيان هذا من أهم المهمات, وكذلك اقتدى الصحابة به بعده, ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك. انتهى كلامه – رحمه الله -. الحال الثانية: أن يحدد مدة معينة في إقامته للحاجة التي ينتظرها حال القادمين إلى مكة للحج أو العمرة أو لبلد يشترون منه تجارة أو يبيعونها ثم يرجعون إلى أوطانهم, أو للدراسة متى انتهت عادوا إلى أوطانهم, ونحو ذلك فقد اختلف أهل العلم – رحمهم الله تعالى – في حكم هذا هل يترخص برخص السفر سواء طالت مدة إقامته أم قصرت, أو لا يترخص إلا في مدة محدودة, وذكر النووي في ذلك أكثر من عشرة أقوال, وهي ما شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – تقديرات متقابلة. والراجح عندي أنه يترخص برخص السفر؛ لأنه مسافر حقيقة ما لم ينو استيطاناً أو إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن ولا حاجة(15/359)
للأدلة التي ستراها – إن شاء الله تعالى – بصحبة هذا الجواب, لكنه لا يسقط عنه وجوب الجماعة لا وجوب الجمعة إذا أقيمت بل يجب عليه حضور الجماعة والجمعة, ولا يحل له التخلف عنهما إلا بعذر شرعي يبيح التخلف للمستوطن. فإن أدلة وجوب الجماعة عامة في السفر وغيره وأدلة وجوب الجمعة على من كان في مكان تقام فيه الجمعة عامة لم يستثن منها المسافر.
أما أدلة وجوب الجماعة فمنها قوله تعالى في سورة النساء: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا) - أي أتموا صلاتهم – (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء: من الآية102) . فأوجب الله الصلاة جماعة في حال مواجهة العدو, ومن المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقاتل أعداءه وهو مسافر خارج المدينة فتبين بذلك أن السفر لا يسقط وجوب الجماعة حتى في حال القتال, ومواجهة الأعداء, ففي حال الأمن والاستقرار من باب أولى.
وفي صحيح مسلم (1) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرس – أي نزل للنوم والراحة – فذكر القصة, وفيها أنهم لم يستيقظوا حتى طلعت الشمس, لا أمرهم أن يقتادوا رواحلهم إلى(15/360)
مكان آخر, ثم توضأ النبي صلي الله عليه وسلم وصلى بهم الصبح, فأنت ترى أنه لم يترك الجماعة بهم حتى في هذه الحال.
وأما أدلة وجوب الجمعة فمنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة:9) .
فوجه الله تعالى الأمر بالسعي إلى الجمعة إلى المؤمنين عموماً, ولم يستثن أحداً. وفي صحيح مسلم (1) عن أبي هريرة وابن عمر – رضي الله عنهم – أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات – أي عن تركهم إياها – أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) . وإذا كانت الجماعة واجبة على المسافر مع كونها أقل جمعاً من الجمعة عليه من باب أولى؛ لأنها لا تكون في الأسبوع إلا مرة؛ ولأنها أكثر جمعاً ولما يحصل من الفائدة في خطبتيها.
وقد نص فقهاؤنا – رحمهم الله تعالى – على وجوب صلاة الجماعة على المسافرين, فقال في الروض المربع – وهو من أخصر كتب الفقه – قال: قول الماتن: تلزم الرجال صلي الله عليه وسلم ولو سفراً في شدة خوف) . وهكذا في الإقناع والمنتهى والفروع وغيرها.(15/361)
ونصوا أيضاً على وجوب صلاة على المبتعثين ونحوهم ممن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
وعلى هذا فلا يحل لأحد من المبتعثين للدراسة أن يدع الجمعة والجماعة بحجة أنه مسافر؛ لأن عمومات الأدلة على وجوب الجماعة والجمعة إذا أقيمت تشلهم ولا دليل على التخصيص.
ومن ظن أن قولنا بجواز الترخص برخص السفر لهؤلاء المبتعثين يقتضي سقوط الجماعة والجمعة عنهم ويبيح لهم الصلاة في بيوتهم فقد أخطأ في ظنه, فنحن نقول بوجوب الجماعة عليهم, ووجوب الجمعة إذا أقيمت في البلد الذي هم فيه, ولا يحل لهم التخلف عنهما إلا بعذر يبيح التخلف للمستوطنين. والله الموفق, والحمد لله رب العلمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 5/1/1407هـ.(15/362)
1112 سئل فضيلة الشيخ: هل ينطبق حكم المسافر على سائقي السيارات والحافلات لعملهم المتواصل في نهار رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم ينطبق حكم السفر عليهم فلهم القصر, والجمع, والفطر. فإذا قال قائل: متى يصومون وعملهم متواصل؟
قلنا: يصومون في أيام الشتاء, لأنها قصيرة وباردة, أما السائقون داخل المدن فليس لهم حكم المسافر ويجب عليهم الصوم.
* * *
1113 سئل فضيلة الشيخ: أختي تدرس بجامعة بعيدة عنا بحوالي مائة كيلو متر تقريباً, وبعد مضي عدة أيام تأتي إلينا وتمكث حوالي يومين أو ثلاث, فهل يجوز لها قصر الصلاة في هذه المدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: في هذه المدة التي ترجع فيها إليكم لا يجوز لها أن تقصر الصلاة؛ وذلك لأنها رجعت إلى وطنها, والمسافر إذا رجع إلى وطنه يجب عليه إتمام الصلاة حتى وإن كان لا يمكث إلا أياماً يسيرة؛ لأنه عاد إلى الأصل. وأما إذا كان الإنسان مسافراً فإنه يجوز له قصر الصلاة.
فعلى هذا يلزم أختك إذا رجعت إليكم يلزمها أن تصلي صلاة تامة غير مقصورة.
* * *(15/363)
1114 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل يسافر للدراسة في الرياض يذهب مساء الجمعة ويرجع عصر الاثنين, فهل يأخذ أحكام المسافر في الصلوات وغيرها؟
فأجب فضيلته بقوله: هو مسافر لا شك, لأنه يتخذ الدراسة وطناً, ولم ينو الإقامة مطلقاً, بل إقامته لغرض, ولكنه إذا كانت إقامته في بلد تقام فيه الجماعة, فيجب عليه أن يحضر الجماعة, وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة، ولا جمعة، فهذا لا أصل له، فالجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال كما في قوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ) (النساء: من الآية102) . والجمعة واجبة على كل من سمع النداء لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الجمعة: من الآية9) . لكن إذا فاتتك الصلاة هناك أو كنت في مكان بعيد عن المساجد، فإنك تصلي الرباعية ركعتين.
* * *
1115 فضيلة الشيخ: نحن طلاب ندرس في إحدى الجامعات، فإذا سافرنا من مدينتنا إلى الجامعة نجلس أحياناً أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، فهل يجوز لنا تركك صلاة الجماعة والفطر في رمضان وترك السنن الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذين يدرسون في خارج بلدهم مسافرين؛ لأنهم لا ينوون الإقامة المطلقة إطلاقاً، فلو أن أحدهم(15/364)
أعطي شهادته اليوم لرجع إلى بلده، لأنه مربوط بهذا العمل المؤقت المحدد، فهؤلاء وإن كانوا مسافرين إلا أننا نقول لا يجوز لهم ترك صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين إلا لعذر، وإذا صلوا خلف إمام يتم الصلاة صلوا أربعاً، سواء أدركوا مع الإمام ركعة، أو أكثر، أو أقل، لعموم قوله صلي الله عليه وسلم: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) (1) .
ولا ينبغي لهم تأخير صيام رمضان إلى رمضان الثاني، لأنه إذا أخر صيام رمضان في هذا العام مثلاً، وجاء العام الثاني وأخره للعام الثالث، تراكمت عليه الشهور، وربما يعجز، وربما يترك، فلذلك نرى أن الصيام وإن جاز له أن يفطر لأنه مسافر، لكن لا يؤخره إلى السنة الثانية، لئلا تتراكم عليه فيعجز.
أما بالنسبة للرواتب: فالمشهور عند العوام أن المسافر لا يتنفل، وهذا غلط، فالمسافر يتنفل كما يتنفل المقيم بذلك شيء صلاة الليل، وصلاة الضحى، والوتر، إلا ثلاث نوافل، وهي راتبه الظهر، وراتبه المغرب، وراتبه العشاء، فالسنة أن لا يصليها، وأما بقية النوافل فهي على ما كانت عليه، وهناك عبارة غير صحيحة يقول بعض الناس: ((السنة في السفر تركك السنة) ، فالسنة تركك راتبه الظهر، والمغرب، والعشاء فقط، أما الباقي فعلى ما هو عليه، يفعله المسافر كما يفعله المقيم تماماً.
* * *
__________
(1) متفق عليه، وتقدم ص51.(15/365)
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
إلى سماحة الشيخ: محمد الصالح العثيمين حفظه الله
السلام عليم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الفاضل، لدي بعض الأسئلة الرجاء منك الإجابة عليها.
س1: خرجت من بلادي مهاجراً في سبيل الله، ومررت بعدة دول إسلامية، ولم أتمكن من الحصول على الإقامة بها، والآن تحصلت على الإقامة في إحدى الدول الكافرة، وإلى الآن أقصر الصلاة ولم أتمها، ونيتي عدم الإقامة فما حكم قصر صلاتي، هل أستمر في القصر إلى حد مغادرتي البلاد أو أتم صلاتي نظراً لوجود إقامة لدي مع عدم وجود النية للإقامة في هذه البلاد؟
س2:ما حكم صلاة ركعتي سنة الفجر بالفاتحة فقط في الركعتين بدون قراءة أي آيات معها؟
س3:توجد هنا في ديار الكفر المواد الغذائية المستخرجة من الحيوانات, فهل يجب علينا السؤال عن كيفية ذبح هذه الحيوانات؟ وإذا كان المكتوب فقط أنها مأخوذة من الحيوانات فهل يجب علينا السؤال عن نوع الحيوان؟ هل هو خنزير أو حيوان(15/366)