وكل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بالعبادة دون ما سواه، يقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ويقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) فلا تسأل نبيا ولا وليا ولا شجرا ولا حجرا ولا صنما ولا غير ذلك، لا تسأله حاجة من نصر ولا شفاء مريض، ولا غير ذلك، بل اسأل الله سبحانه حاجتك كلها، هذا هو توحيد الله، وهذا هو الدين، وهذا هو الإسلام، بل توجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك، وأن تعبده وحده بدعائك وصلاتك وصومك، وسائر عباداتك، أما المخلوق وإن كان عظيما كالأنبياء لا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يذبح له، فعلى المسلمين أن يفهموا هذا جيدا، على كل إنسان أن يفهم هذا جيدا، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم، وأن أصل دين الإسلام وقاعدة دين الإسلام إخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فسبحان الله، هو سبحانه الذي يدعى، يسأل كما قال عز وجل: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3) {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (4) فالخطأ في هذا أمر عظيم جدا، لا يجوز التساهل به؛ لأنه شرك
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة طه الآية 98(13/300)
الجاهلية، شرك المشركين الأولين؛ لأنه ضد الإسلام، ضد لا إله إلا الله، فالواجب الحذر من هذه الشركيات، وعليك أيها السائل أن تنذر قومك وأن تبلغهم، وأن ترشدهم إلى أن يسمعوا هذا البرنامج حتى يستفيدوا لما فيه من الخير العظيم، هذا البرنامج: نور على الدرب، فيه خير عظيم وفوائد كثيرة، في التوحيد وفي أحكام الشريعة، فأنا أوصي وأنصح جميع المسلمين أن يستمعوا هذا البرنامج في كل مكان، في هذه المملكة وفي خارجها، أنصح جميع المسلمين وجميع المكلفين أن يسمعوا هذا البرنامج، وأن يعتنوا به حتى يستفيدوا منه، وحتى يبلغوا غيرهم من إخوانهم من الرجال والنساء، وحتى يستفيدوا، وهو بحمد الله برنامج: من قال الله، قال رسوله، ليس من الآراء، برنامج يبين فيه أهل العلم ما قاله الله ورسوله في توحيده وفي أحكام شريعته، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.(13/301)
205 - حكم قول: " يا لطيف " جماعيا بعد كل صلاة
س: دخلت أحد المساجد لأداء صلاة الجمعة، وبعد نهاية الصلاة والتسبيح بالباقيات الصالحات سمعت الإمام يقول: يا لطيف. وشرع المصلون في قولها، سألت جاري، فقال لي: قلها مائة مرة، واسمع من أركان المسجد نغمة آمين يرددها المصلون. فهل هناك دليل على قول يا لطيف بعد الباقيات الصالحات، وما الحكم؟(13/301)
جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا نعلم على هذا دليلا، بل هو من البدع التي أحدثها الناس، كونه يقول: يا لطيف مائة مرة، أو عشر مرات، أو أقل، أو أكثر على طريقة ثابتة بعد كل صلاة هذا لا أصل له، بل هو من البدع، أما إذا قالها عارضا عند قيامه: يا لطيف الطف بنا، يا لطيف اغفر لي، أو: يا رحمن اغفر لي. شيء عارض وشيء ليس بالمعتاد، وإنما هو عند قيامه أو في حال مشيه أو في حال ذكره لله، لا بأس بهذا، أما اتخاذ هذا عادة يقولها بعد كل صلاة، أو يقولها هو والجماعة بعد كل صلاة في السنة الراتبة عشر مرات، أو مائة مرة، أو أكثر أو أقل هذا لا أصل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » يعني: فهو مردود.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (171) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(13/302)
206 - كيفية التحلق المنهي عنه يوم الجمعة
س: ما المقصود بالنهي عن التحلق يوم الجمعة؟ (1)
ج: على ظاهره، كونهم يتحلقون للدرس والفائدة أو لقراءة القرآن،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (386) .(13/302)
يكون حلقة أمام المعلمين والقارئين، هذا المنهي عنه، أما كون الواحد في الصف يقرأ، أو مستندا على الجدار يقرأ لنفسه ما يسمى حلقة.(13/303)
207 - حكم تخصيص يوم الجمعة بأعمال معينة
س: ماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة؟ (1)
ج: لا أعلم أنه كان يخص يوم الجمعة بشيء عليه الصلاة والسلام لا بصيام، ولا تخص ليلته بقيام، لكنه يوم فاضل، يوم قراءة، يوم ذكر، يوم صلاة وتعبد، فلا أعلم شيئا كان يخصه النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، إلا أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فيضاء له من النور ما بين الجمعتين (2) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وجاء هذا عن أبي سعيد بإسناد صحيح (3) أنه كان يقرأ الكهف يوم الجمعة، وروي عن ابن عمر، فهذا مستحب قراءة الكهف يوم الجمعة، أما تخصيصها بصيام أو بصدقات خاصة أو بزيارة القبور أو ما أشبه ذلك فلا أعلم له أصلا.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (337) .
(2) رواه الحاكم في المستدرك برقم (3392) .
(3) أخرجه الدارمي في كتاب الوصايا، باب من قال المدبر من الثلث، برقم (3273) .(13/303)
س: هل يجوز تخصيص ليلة الجمعة بإقامة الليل علما بأننا طلبة وموظفون، ولكي ننتهز عطلة الجمعة للراحة؛ لأن أحد الإخوان قال: يوجد حديث يدل على عدم تخصيص يوم أو ليلة للعبادة؟ (1)
ج: نعم لا يجوز تخصيص ليلة الجمعة بالتهجد؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز تخصيص يومها أيضا بالصوم، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، إلا أن يكون فيه صوم يصومه أحدكم، ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام (2) » فلا تخص ليلتها بالقيام ولا يومها بصيام، وهكذا لا يجوز اتخاذ ليلة معينة يخصها الناس بالتهجد لعدم الدليل.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (226) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا، برقم (1144) .(13/304)
208 - بيان ما يفعله من دخل المسجد أثناء الأذان الثاني ليصلي تحية المسجد
س: الدكتور ب. أ. م يسأل ويقول: نرى يوم الجمعة بين يدي الخطيب وقبل الخطبة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني - أناسا يقفون منتظرين انتهاء الأذان، ثم يصلون ركعتي تحية المسجد، فهل هناك من دليل على هذا، أم أنهم يصلون الركعتين غير منتظرين انتهاء الأذان حتى(13/304)
يدركوا الخطبة والتي هي واجب والأذان سنة كما نعلم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا هو الأفضل؛ أن يسمع الأذان ويجيب المؤذن، ثم يصلي ركعتين، ولا يمنعه ذلك من سماع الخطبة؛ لأن صلاة ركعتين أمر خفيف، وقتها خفيف، في إمكانه أن يصليها والخطيب لم ينته من مقدمة الخطبة، المقصود أن الأفضل أنه يجيب المؤذن، ثم يصلي ركعتين، وإن صلى ركعتين وهو يؤذن فلا حرج في ذلك والحمد لله، لكن كونه يجمع بين السنتين سنة إجابة المؤذن وسنة تحية المسجد - فهذا هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول (2) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (3) » يجمع بين السنتين، هذا هو الأفضل، فيجمع بينهما ولا يفوته بذلك سماع الخطبة والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (290) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، برقم (384) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1163) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، برقم (714) .(13/305)
209 - ذكر الواجب على الناس أثناء الخطبة
س: الذي يناقش سماحة الشيخ ويناقش كثيرا من الناس معه، كيف أن الإنسان يهتم بالسنة ويترك الواجب، ألا وهو الإنصات للخطبة، ما هو توجيهكم؟ (1)
ج: الواجب الإنصات، إذا فرغ ينصت، يستمع ولا يعبث ولا يتكلم، هذا واجب عليه، الواجب على الجماعة أن ينصتوا للخطبة، الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بهذا، أمرهم بالإنصات، الواجب أن ينصتوا ويستفيدوا؛ لأن الخطبة من أجلهم لأجل وعظهم وتذكيرهم، الواجب أن ينصتوا لها، وأن يستفيدوا مما يقوله الإمام.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (290) .(13/306)
210 - حكم الانشغال عن الخطبة بتأدية تحية المسجد
س: الذين يرون أن الانشغال بتأدية تحية المسجد عن الاستماع للخطبة يرون أن هذا غير مستساغ، ما هو توجيهكم؟ (1)
ج: لا يضر هذا؛ لأنه يصلي ركعتين، ركعتان هما دقيقتان أو دقيقة، أو دقيقة ونصف، ما تعطله عن الخطبة، الخطيب يجيب المؤذن، ويأتي بذكر الدعاء بعد الأذان، والداخل كذلك يجيب المؤذن ويأتي بالدعاء
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (290) .(13/306)
الشرعي، ثم يصلي ركعتين والإمام في مقدمة الخطبة، وقد يسمع ما يقوله الخطيب وهو في الصلاة، ما يفوته، قد يسمع ما يقوله الخطيب وينتهي وهو في الصلاة.(13/307)
س: السائل ع. ح. ق. من اليمن: إذا دخلت المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الأخير، فهل أصلي تحية المسجد أم أستمع للأذان؟ والناس قد أنكروا علي إذا صليت والمؤذن يؤذن، وقالوا: يستحسن أن تتابع المؤذن ثم تصلي السنة (1)
ج: هذا هو الأفضل؛ لأنهم قد أصابوا في نصيحتك، فالأفضل أن تجمع بين الحسنيين وبين العبادتين، تجيب المؤذن، ثم تصلي ركعتين والحمد لله، ثم تجلس للاستماع.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (263) .(13/307)
س: إذا دخلت المسجد في يوم الجمعة والإمام يخطب، فهل أجلس أم أصلي ركعتين، وما الدليل على ذلك؟ (1)
ج: السنة يا أخي أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس ولو أن الإمام يخطب، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا جاء أحدكم المسجد والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما (2) »
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (181) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم (875) .(13/307)
يعني يخففهما، يعني تخفيفا لا يمنع الطمأنينة، هكذا أمر عليه الصلاة والسلام، أمر الداخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين، لكن لا يطول فيهما حتى يفعل السنة ويتمكن من سماع الخطبة.(13/308)
س: إذا دخلت المسجد والإمام يخطب في يوم الجمعة، هل الأفضل أن أصلي تحية المسجد أم أجلس للاستماع للخطبة؟ (1)
ج: صل التحية ثم أجلس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (2) » ولما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيصلي ركعتين، وهذا يدل على تأكد هاتين الركعتين، وأنه يصليهما قبل أن يجلس وإن كان الإمام يخطب، فهما متأكدتان.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (106) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1163) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، برقم (714) .(13/308)
س: هل أصلي تحية المسجد والإمام يخطب؟ (1)
ج: نعم، إذا دخلت المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فصل الركعتين وتجوز فيهما، ثم اجلس واستمع لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وليتجوز
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (125) .(13/308)
فيهما (1) » رواه مسلم في صحيحه، فهذا واضح من كلامه صلى الله عليه وسلم في الأمر بالصلاة ركعتين ثم الجلوس، وأنت بهذا قد أخذت بالسنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم (875) .(13/309)
س: أرى بعض أئمة المساجد إذا دخل المسجد يوم الجمعة يشرع في الصلاة، فيصلي تحية المسجد ثم يصعد إلى المنبر، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: لا نعلم لهذا أصلا، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل يقصد المنبر مباشرة، ولا يصلي تحية المسجد.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (171) .(13/309)
211 - حكم تحية المسجد لخطيب الجمعة
س: دخلت المسجد أريد أن أصلي صلاة الجماعة، وعند دخولي المسجد انتهت الصلاة، سؤالي: هل أصلي تحية المسجد أم أبدأ بالفرض؟ (1)
ج: أنت مخير، إن بدأت بالفرض كفى عن تحية المسجد؛ لأن المقصود ألا يجلس المؤمن في المسجد إلا بعد صلاة، وصلاة الفريضة أعظم من
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (125) .(13/309)
التحية، إذا دخل الإنسان فيها كفت عن تحية المسجد، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي من بيته إلى المسجد فيبدأ بالفريضة، وتكفيه عن تحية المسجد عليه الصلاة والسلام، وهكذا الأئمة في الغالب يأتون من بيوتهم ثم يقصدون محل الفريضة، تقام الصلاة ويبدؤون بالفريضة، ومن صلى ركعتين قبل ذلك في المسجد قبل إقامة الصلاة فلا بأس إلا الجمعة، فالأفضل للإمام أن يتأخر في بيته، فإذا جاء بدأ بالخطبة، وتكفيه الفريضة عن تحية المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي فيدخل المسجد ويقصد المنبر ويجلس عليه، ثم يؤذن المؤذن، ثم يخطب عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ عنه ولو مرة واحدة أنه صلى ركعتين حين يدخل يوم الجمعة؛ لأن جلوسه جلوس خفيف على المنبر، ثم يشرع في الصلاة، جلوسه لانتظار الأذان، وجلوسه بين الخطبتين، وكلاهما جلوس خفيف حتى يؤدي الخطبة عليه الصلاة والسلام، فالأئمة مثله يتأسون به عليه الصلاة والسلام.(13/310)
212 - حكم صلاة الخطيب ركعتين في بيته قبل الذهاب إلى المسجد
س: يسأل عن الإمام الذي يخطب يوم الجمعة هل يصلي ركعتين في بيته قبل أن ينصرف إلى المسجد (1) ؟
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (272) .(13/310)
ج: لا نعلم في هذا شيئا، إذا صلى في بيته صلاة الضحى طيبة ومشروعة، لكن ليس من أجل الجمعة، صلاة الضحى مشروعة في البيت كل يوم، فإذا صلى في بيته الضحى ركعتين أو أكثر من ذلك ثم جاء الجمعة فهذا حسن.(13/311)
213 - حكم حث المصلين على الإنصات قبل الخطبة
س: عندما يصعد الخطيب فوق المنبر يبدأ الأذان يوم الجمعة، بعد الأذان مباشرة يقوم الإمام الخامس ويقول: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له (1) » أنصتوا يرحمكم الله، أنصتوا يرحمكم الله، أنصتوا يرحمكم الله. بعد إتمام هذا الحديث يجلس ويقوم الإمام لبدء خطبة الجمعة، مع العلم أن هذا يتكرر كل جمعة، أفتونا في هذا، جزاكم الله خيرا (2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، وإذا قال لصاحبه: أنصت، فقد لغا، برقم (943) ، ومسلم في كتاب الجمعة، باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، برقم (851) دون زيادة '' ومن لغا فلا جمعة له '' عندهما.
(2) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (153) .(13/311)
ج: هذا العمل ليس له أصل في الشرع، بل هو بدعة، كونه يقوم إنسان، ليقول: أيها الناس - إلى بقية الحديث - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت (1) » «ومن مس الحصى فقد لغا (2) » هذا ليس له أصل، وما كان يفعله المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد خلفائه الراشدين، بل هو من البدع، بل إذا أذن المؤذن يوم الجمعة قام الخطيب وخطب الناس، وليس هناك من ينبه الناس ويقول لهم: أنصتوا، لا بتلاوة الحديث ولا بغير ذلك، فهذا من المحدثات التي ليس لها أصل، والواجب على من أحدثها أن يدعها، وأن يتوب إلى الله من ذلك؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا - يعني في ديننا - ما ليس منه فهو رد (4) » يعني: فهو مردود. وكان عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة يقول: «أما بعد. . فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، وإذا قال لصاحبه: أنصت، فقد لغا، برقم (943) ، ومسلم في كتاب الجمعة، باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، برقم (851) دون زيادة '' ومن لغا فلا جمعة له '' عندهما.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم (857) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(13/312)
بدعة ضلالة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. فالواجب على أهل الإسلام التمسك بالسنة في كل شيء، والسير عليها والتواصي بها، والحذر من البدع التي أحدثها الناس، ومن ذلك ما ذكرته أنه يفعل عندكم قبل الخطبة بأن يقوم إنسان يتلو الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة فقد لغوت (2) » ثم يكرر يقول: أنصتوا، أنصتوا، كل هذا لا أصل له كما سمعت، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق لما فيه اتباع السنة.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7686) .(13/313)
214 - حكم تشميت العاطس أثناء الخطبة
س: من يتكلم والإمام يخطب أو قال للذي بجانبه: اسكت فقد لغا، فإذا كنت بجوار واحد وعطس وحمد الله، وقلت له: يرحمك الله، فهل لغوت؟ وإذا كنت لغوت فماذا يجب علي علما بأنني قلت له والإمام يخطب؟ (1)
ج: لا يجوز الكلام - والإمام يخطب - مع الناس، لا مع العاطس ولا مع غيره، الواجب الإنصات واستماع الخطيب، إلا مع الخطيب لا بأس إذا
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (20) .(13/313)
كان الخطيب يسأل عن شيء، أو ينكر عليه شيئا أخطأ فيه يجب إنكاره، فالكلام مع الخطيب لا بأس به، والخطيب لا بأس أن يتكلم هو؛ لأن هذا من جنس خطبته، أما الناس فيما بينهم فلا، حتى ولو عطس وحمد الله، لا تقل له: يرحمك الله كما لا تقول في الصلاة إذا عطس وهو يصلي وحمد الله، ما يقال له: يرحمك الله. وهكذا في الخطبة، المستمع لها كالمصلي فلا يتكلم ولا يرد السلام، ولا يبدأ بالسلام ولا يشمت العاطس، هذا هو الواجب عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت (1) » مع أنه يأمر بالمعروف سمي لاغيا وهو يأمر بالمعروف، وفي الحديث الآخر: «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له: أنصت ليست له جمعة (2) » فهذا يدل على أن الجمعة تلغى، ويفوته ثوابها بسبب كلامه في أثناء الخطبة، ولو أن كلامه في عمل طيب يأمر بالمعروف أو ينهى عن منكر كتشميت العاطس، فالواجب ترك ذلك كما يجب ترك ذلك مع المصلي، وهكذا مع المستمع للخطبة، فلا بأس أن تبدأ المصلي بالسلام، وهو يرد بالإشارة، لكن في الخطبة لا، أنت مأمور بالإنصات، ولا يتكلم والإمام يخطب لا بتشميت
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7686) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عباس، برقم (2033) .(13/314)
عاطس ولا برد السلام. وهكذا أخوك الذي في الصف لا يتكلم، وإذا حمد الله في نفسه فأنت لا تقول له: يرحمك الله والإمام يخطب؛ امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من الإنصات، وحذرا من الوعيد الذي جاء في ذلك وإلغاء الجمعة وعدم حصول ثوابها.(13/315)
س: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال: اسكت والإمام يخطب فقد لغا (1) » فما حكم التأمين والصلاة على النبي جهرا والإمام يخطب؟ (2)
ج: السنة للمؤمن الإنصات أثناء الخطبة، ينصت لسماع الخطيب، ولا يتكلم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت (3) » فلا يجوز له أن يتكلم ولا يقول: أنصت يا فلان، ولا: اسكت يا فلان، بل ينصت، لكن يشير إشارة لا مانع من الإشارة للمتكلم حتى يسكت، أما أنه يتكلم فلا، ومعنى: لقد لغوت، يعني ألغيت الجمعة، يعني فضلها، يعني فاته فضلها، وإلا الصلاة صحيحة، لكن فاته الفضل.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (934) ، صحيح مسلم الجمعة (851) ، سنن الترمذي الجمعة (512) ، سنن النسائي الجمعة (1401) ، سنن أبي داود الصلاة (1112) .
(2) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (383) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7686) .(13/315)
215 - حكم الاستغفار أثناء خطبة الجمعة
س: من ي. ق. يقول: سماحة الشيخ هل يكون الاستغفار في يوم(13/315)
الجمعة في الخطبة بين الخطبتين باللسان أم بالقلب؟ وإذا كان باللسان فهل أكون قد لغوت؟ (1)
ج: بين الخطبتين لا بأس، يدعو أو يستغفر بين الخطبتين لا بأس، يعني ما هو محل سماع، الخطيب ساكت، وهكذا قبل الخطبة وبعد الخطبة، لكن حال الخطبة ينصت ولا يتكلم بشيء، ينصت ويستمع إلا إذا مر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (418) .(13/316)
216 - حكم رد السلام أثناء خطبة الجمعة
س: تعلمون - وفقكم الله - أن رد السلام واجب، وأن الإنصات لخطبة الجمعة واجب، فإذا سلم أحد الأشخاص والخطيب يخطب فهل أرد عليه خاصة إذا ألح علي واضطرني إلى الرد؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيرا (1)
ج: السلام في وقت الخطبة غير مشروع، بل يصلي التحية ويجلس ولا يسلم على أحد حتى ينتهي الخطيب، وإذا سلم عليك لا ترد إلا بالإشارة، كما لو سلم عليك في الصلاة ترد بالإشارة ويكفي، وليس له أن يلح في طلب السلام، وإذا مد يده تمد يدك، ولا تتكلم بشيء حتى
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (251) .(13/316)
ينتهي الخطيب، فإذا سكت الخطيب ترد عليه - والحمد لله - والمؤمن يتأدب بالآداب الإسلامية ويتعلم كما أنه في الصلاة يرد بالإشارة فهكذا إذا سلم عليه أخوه والإمام يخطب يرد بالإشارة بيده أو برأسه ويكفي، والحمد لله.(13/317)
217 - كيفية رد السلام أثناء خطبة الجمعة
س: إذا سلم علي شخص وقت الخطبة هل أرد عليه السلام؟ (1)
ج: بالإشارة، رد بالإشارة، كالمصلي يرد بالإشارة.
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (350) .(13/317)
218 - بيان معنى حديث: " من مس الحصى فقد لغا "
س: رسالة وصلت إلى البرنامج من الأردن، جرش تقول: أختكم في الله ف. م. تسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي معناه: «ومن مس الحصى فقد لغا (1) » ماذا يقصد بالحصى؟ وهل هي مقصودة بذاتها أو أنها تشير إلى معان فقط (2)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فهذا الحديث الصحيح أرشد به النبي صلى الله
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم (857) .
(2) السؤال الأول من الشريط رقم (305) .(13/317)
عليه وسلم إلى الإنصات إلى الخطيب يوم الجمعة وعدم العبث بما يشغل عن سماع الخطبة، ومس الحصى من ذلك، وليس مقصودا بذاته، بل المقصود العناية بالاستماع والبعد عن كل ما يشغل عن الاستماع والإنصات، فإذا مس الحصى أو مس أشياء أخرى في المسجد من أهداب الفرش أو من أوراق عنده، أو ما أشبه ذلك مما يشبه مس الحصى، والمقصود كله هو أن ينصت إلى الخطيب، وأن يفرغ قلبه لذلك، ويكف الجوارح عن العبث الذي قد يشغله عن الاستماع، ومعنى: فقد لغا. يعني ألغيت جمعته، أي نحسبه ألا يكون له ثواب الجمعة، يكون له ثواب الظهر، وليس ثواب الجمعة؛ لأنه هو الثواب العظيم الذي رتبه الله على الجمعة.(13/318)
219 - حكم الاستياك أثناء خطبة الجمعة
س: يقول السائل: بعض الناس من المسلمين يستعملون المسواك والخطيب يخطب يوم الجمعة، فما حكم عملهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة وقت الخطبة الإنصات وترك العبث، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «من مس الحصى فقد لغا (2) » السنة أن يترك السواك، ويترك
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (293) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم (857) .(13/318)
العبث بالحركة، ويقبل على الخطبة، مستمعا منصتا خاشعا، هذا هو الأولى بالمؤمن، ولو أن السواك مشروع لكن في غير هذا المحل، مشروع عند الدخول في الصلاة، عند الوضوء، لكن عند الخطبة الأولى ترك ذلك؛ لأنه قد يشغله عن الاستماع المطلوب مثلما أن مس الحصى قد يشغله عن ذلك.(13/319)
220 - حكم فرقعة الأصابع أثناء خطبة الجمعة
س: ما حكم استعمال السواك والإمام يخطب، سواء كان ذلك في صلاة الجمعة أو في صلاة العيدين والاستسقاء؟ وما حكم فرقعة الأصابع أثناء الصلاة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإن المشروع عند سماع الخطب الإنصات والإصغاء والتأثر بهذه الخطب؛ لأن المقصود منها وعظ الناس وتذكيرهم وحثهم على طاعة الله، وتنبيههم على ما قد يخفى عليهم، فالواجب العناية بالإنصات والاستماع والاستفادة، وترك السواك هو أولى؛ لأن وقت الاستماع ليس محل السواك، فالأولى ترك السواك لأنه قد يكون شيئا من العبث، فلا يتسوك في هذه الحالة، بل
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (369) .(13/319)
يعتني بالخطبة ويصغي لها، ويقبل عليها بقلبه وقالبه، وهكذا فرقعة الأصابع وقت الصلاة أو عند سماع الخطبة لأنه نوع من العبث.(13/320)
221 - حكم رمي الريحان على المستمعين أثناء خطبة الجمعة
س: يقول: يوجد في قريتنا أناس يحضرون يوم الجمعة ومعهم ريحان، فيقومون برميه على المصلين والإمام يخطب، فهل هذا مخل بالصلاة؟ (1)
ج: ليس هذا مخلا بالصلاة، إذا طرحه في المسجد، لا يضر إن شاء الله لأجل الرائحة الطيبة، وهو مسألة سهلة، لا تشغلهم عن سماع الخطبة، ولا عن تحية المسجد إذا دخلوا ورموه، وصلوا تحية المسجد وجلسوا يسمعون الخطبة ليس بهذا شيء، أما إذا كان له مؤنة بحيث يشوش على الناس أو يشغلهم عن تحية المسجد وقتا طويلا، فينبغي تأجيله إلى وقت آخر أو التبكير به يوم الجمعة قبل الخطبة حتى يطرح في المسجد، أما وقت الخطبة فينبغي له إذا جاء أن يشتغل بركعتي التحية تحية المسجد ركعتين، ثم يستمع للخطبة، أما إذا كان شجرة في يده يرميها وهو ماش ما تشوش على أحد فلا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (193) .(13/320)
222 - حكم الاحتباء أثناء خطبة الجمعة
س: من الأردن و. ع يقول: ما حكم الاحتباء؟ وهو ضم الفخذين إلى البطن - بالثوب أو اليدين - عند الاستماع إلى الخطبة (1)
ج: تركه أولى؛ لأنه قد يسبب النوم والكسل، يكون على جلسة أخرى؛ لأن ذلك أقرب إلى النشاط والبعد عن النوم.
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (387) .(13/321)
223 - حكم الكلام مع الخطيب أثناء الخطبة
س: ما حكم الكلام مع الخطيب في يوم الجمعة؟ (1)
ج: إذا دعت الحاجة فلا بأس، فعندما تدعو الحاجة أن يكلم الخطيب يقول: ادع الله أن يغيثنا، ادع الله لنا؛ لأننا في جدب وفي حاجة، أو يسأله عن شيء ينفع الناس فلا بأس؛ فقد تقدم بعض الناس للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة وقالوا: «يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فاستغاث عليه الصلاة والسلام لهم وقال - اللهم صل وسلم عليه -: " اللهم أغثنا (2) » ودعا ربه.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (320) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل، برقم (1014) ، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم (897) .(13/321)
224 - حكم اصطحاب الأطفال إلى المسجد يوم الجمعة
س: بماذا تنصحون الذين يصطحبون أطفالهم إلى المسجد يوم الجمعة فيشغلون المصلين بالكلام واللعب والخطيب على المنبر؟ (1)
ج: الطفل الذي دون السبع ينبغي أن يبقى عند أهله حتى لا يشغل الناس، ينبغي أن يبقى عند أهله حتى لا يحصل به إيذاء للناس، أما إذا كان الطفل قد أكمل السبع فأكثر فهذا يصلي مع الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الأولياء بأمرهم بالصلاة قال: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر (2) » فعلى آبائهم وعلى إخوانهم الكبار أن يخرجوا بهم إلى الصلاة، وأن يوجهوهم ويؤدبوهم إذا آذوا الناس، ويمنعوهم حتى يستقيموا على الطريق السوي، وحتى يصلوا مع الناس من دون أذى.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (362) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، برقم (6756) .(13/322)
225 - بيان كيفية الإنكار على من يتكلمون خارج المسجد أثناء الخطبة
س: إذا كان الخطيب يخطب والناس يتكلمون خارج هذا المسجد، فكيف تنصحونهم جزاكم الله خيرا؟ وهل للخطيب أن ينبههم إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه؟ (1)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (294) .(13/322)
ج: نعم، إذا وجد ما يشوش على الناس فإمام المسجد ينبههم، الخطيب ينبههم إذا كانوا يسمعون، أو يرسل لهم من يأمرهم بالسكوت والبعد عن المسجد إذا لم يكونوا من أهل الصلاة، أو الدخول في المسجد حتى يصلوا مع المسلمين.(13/323)
226 - بيان الوقت الذي يحرم فيه البيع يوم الجمعة
س: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده؟ وكيف الحال في يوم الجمعة؛ هل يحرم البيع بعد الأذان الأول أم الثاني؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: البيع يحرم بعد الأذان الأول الذي بين يدي الإمام في الجمعة؛ لأن الله سبحانه قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (2) فلا يجوز البيع ولا الشراء ولا الإجارة ولا المساقاة، بل يجب أن يتفرغ للعبادة ويبادر لصلاة الجمعة. ولا يتشاغل بشيء آخر، أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بصلاة الجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يبيع بعد الأذان أذان الظهر والعصر والمغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئا يسيرا لا يشغله، فلعله لا حرج في ذلك؛ لأن الله جل وعلا إنما جاء عنه النص في صلاة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (302) .
(2) سورة الجمعة الآية 9(13/323)
حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض أسبوع، فالمقصود أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا حذر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى، وبكل حال فإذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حرم البيع، لكن بعض الأحيان قد تكون الصلاة متأخرة لتأخر الإمام، فيمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة أو يبيعها فقد لا يضر حضوره الصلاة، وبكل حال على الإنسان أن يبتعد عن هذا الشيء ويستأنس بما جاء في الجمعة ويكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر.(13/324)
227 - حكم تأجير السيارة بعد الأذان الثاني
س: علمنا أنه يحرم البيع بعد النداء الثاني في يوم الجمعة، فهل هذا ينطبق على أصحاب سيارات الأجرة والباصات الذين يتقاضون على إركاب الركاب قيمة معينة؟ وهل من توجيه لهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، تأجير السيارات بيع؛ لأن الأجرة بيع، بيع المنافع يدخل في الآية الكريمة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (2) تقف السيارات ويقف أهل التكاسي، ويتوجهون إلى المسجد، يجب عليهم ولا يجوز
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (361) .
(2) سورة الجمعة الآية 9(13/324)
لهم أن يؤجروها في هذه الحال، بل يوقفونها ويتوجهون إلى المسجد إذا سمعوا النداء، هذا هو الواجب عليهم؛ لأن التأجير نوع من البيع، بيع المنافع تسمى أجرة، وهو بيع.(13/325)
228 - بيان النداء المعتمد عند تفاوت المساجد
س: سماحة الشيخ، إذا كان النداء الثاني يتفاوت من مسجد إلى آخر قد يكون بين بعض المساجد والبعض الآخر ما يقرب من نصف ساعة، ما هو توجيه سماحة الشيخ؟ (1)
ج: متى سمع المنادي في المحل الذي هو فيه كفى ولو تفاوتت المساجد.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (361) .(13/325)
س: كثيرا ما أرى في المنام أنني في شأن من شؤون الصلاة، إما الأذان، وإما الوضوء، وإما الإمامة، وما أشبه ذلك، هل من توجيه لسماحتكم حول ما أراه؟ (1)
ج: هذا يدل على خير إن شاء الله، يدل على عنايتك بالصلاة واهتمامك بالصلاة، فأنت على خير إن شاء الله، هذه علامات خير إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (361) .(13/325)
229 - حكم إلقاء الدرس قبل الأذان يوم الجمعة
س: ما رأي سماحتكم في مدرس يلقي كل يوم جمعة درسا، وبالتحديد(13/325)
درسا قبل الأذان، ويمتد إلى أن يرفع الأذان، هل هذا الدرس من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: لا أعلم فيه بأسا، ويروى عن أبي هريرة أنه كان يقوم بذلك، يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه يقوم بهذا الدرس قبل دخول الخطيب، فإذا أذن ترك ذلك، وإن ترك الناس يقرؤون القرآن ويذكرون الله ويدعون فهذا حسن - إن شاء الله - وإن فعله في بعض الأحيان فهذا أيضا أسهل، أما الاستمرار عليه كل جمعة فلعل تركه أولى؛ لأنه قد يشغل الناس عن قراءة القرآن، وعن الدعاء والضراعة إلى الله، والتسبيح والتهليل، ونحو ذلك، ويملون، قد يضعفون عن سماع الخطبة خطبة الجمعة، فلعل ذلك أولى، وإذا فعل ذلك في بعض الأحيان فأرجو ألا حرج فيه كما روي هذا عن أبي هريرة رضي الله عنه.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (337) .(13/326)
230 - حكم تشغيل شريط قرآن وبصوت مرتفع بين الأذانين
س: في صلاة الجمعة بعد الأذان يضعون شريط كاسيت في مسجل، يقرأ القرآن وبصوت عال بحيث يسمع جميع أهل الحي، وينصت الناس الذين في المسجد إلى هذا القرآن إلى أن يحين موعد الأذان الثاني، مع العلم أن لا أحد يقرأ القرآن بنفسه، هل هذا(13/326)
العمل جائز أم لا (1) ؟
ج: إذا كان أهل المسجد متفقين على ذلك فلا بأس، إذا اتفقوا على أن يقرأ واحد منهم ويستمعون له، أو شريط ويستمعون له؛ لأن أكثرهم عوام، ويرغبون أن يسمعوا هذا القارئ، هذا كله لا بأس به، كما لو جعلوا أحدهم يقرأ ويستمعون، أما أن يفعل ذلك من غير اختيار أهل المسجد فلا؛ لأن فيهم من يريد الصلاة حتى يخرج الإمام، وفيهم من يحب أن يقرأ بنفسه، فلا أرى أن هذا مناسب إلا باختيارهم ومشاورتهم، وإذا كانوا محصورين، وجماعة قليلة ووافقوا على هذا فلا بأس أن يقرأ واحد وهم يستمعون، أو من شريط بصوت حسن بالقراءة فلا بأس بذلك، إن كان الجماعة معدودين وهم راضون بهذا الشيء، وموافقون عليه، وإلا فالذي ينبغي ترك الناس وعدم إذاعة شريط يستمعون فيه بالقراءة، ولا أن يجهر أحد على أحد، بل كل واحد يقرأ بينه وبين نفسه بقراءة لا تشغل من حوله، ولا تؤذي من حوله، ولا تشوش على من حوله، كل يقرأ لنفسه ما تيسر، وكذلك من يصلي، لا يتشوش بقراءة من حوله، بل يخفضها، فإن بعض الناس قد يصلي إلى قرب دخول الإمام، فوجود من يقرأ برفع الصوت يشوش على القارئين وعلى المصلين، والله المستعان.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (128) .(13/327)
231 - حكم القراءة في المكبر يوم الجمعة وتهليل الحاضرين عند كل آية
س: يوجد في أغلب المساجد يوم الجمعة قارئ يقرأ القرآن بصوت عال في مكبر الصوت الميكروفون، ويستمع إليه المصلون حوالي نصف ساعة، وعندما ينتهي من قراءة آية من القرآن يهللون، وترتفع أصواتهم، علما بأن أغلب المصلين يجهلون القراءة والكتابة، فما صحة قراءة القرآن يوم الجمعة بهذه الصورة؟ أم أن هذه دخلت علينا من باب البدع، وهل هي مكروهة؟ وهل للجمعة أذانان أم أذان واحد (1) ؟
ج: إذا كان المأمومون محدودين ورضوا بذلك أن يقرأ قارئ حتى يستمعوا ويستفيدوا؛ لأنهم لا يقرؤون فلا حرج في ذلك، ولكن ليس لهم هذه الفوضى والكلام بعد ذلك، وإنما يستمعون وينصتون، وإذا مرت آية فيها تسبيح أو دعاء فلا بأس، أما هذا الضجيج ورفع الصوت فلا ينبغي لهم، أما إذا كان ليس عددهم مضبوطا، وليس كلهم موافقين فلا ينبغي لهم؛ لأن هذا يشغلهم ويمنع الآخرين من القراءة، فالأولى أن يكون كل واحد يقرأ بنفسه ليستفيد، يقرأ لنفسه ويستمع من حوله، ولا يزعجهم بالمكبر، أما إذا كانوا محدودين أميين، وأحبوا أن يسمعوا القارئ منهم حتى يحضر الخطيب فلا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (304) .(13/328)
وللجمعة أذانان: الأذان الأول هذا رآه عثمان رضي الله عنه وأرضاه في خلافته، عثمان بن عفان رأى إحداث أذان جديد حتى ينتبه الناس للجمعة، ويستعدوا لها، ويأتوا إليها، وكان هذا في عهد عثمان، وأما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وعمر فلم يكن هناك إلا أذان واحد عند دخول الخطيب بعد الزوال، لكن رأى عثمان رضي الله عنه وأرضاه هذا الأذان الثاني وهو الأذان الأول، ورأيه للمصلحة، وهو أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (1) » فلهذا عمل به المسلمون من ذلك الوقت إلى وقتنا هذا، وهو أفضل، أفضل أن يكون لها أذان أول، وهو يسمى الأذان الثاني وهو الأول لمصلحة المسلمين حتى ينتبهوا للجمعة، وحتى يحضروا، والأفضل ألا يكون بعيدا عن الثاني حتى ينتبه الناس ويتقدموا للصلاة قبل دخول الخطيب، ويكون ذلك قبل الثاني بنصف ساعة أو نحو ذلك.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث العرباض بن سارية، برقم (17144) ، وأبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) ، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم (2676) ، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم (42) ، والدارمي في المقدمة، باب اتباع السنة برقم (95) .(13/329)
232 - حكم تشغيل إذاعة القرآن بمكبر الصوت في المسجد يوم الجمعة
س: في بلدي تعودنا في القرية في يوم الجمعة وقبل الصلاة أن نشغل الإذاعة - أي إذاعة القرآن الكريم - من مكبرات الصوت، ويبدأ(13/329)
القارئ في قراءة القرآن حتى أذان الجمعة، فما حكم الإسلام في هذا العمل؟ (1)
ج: أما إذاعة القرآن من الإذاعة العامة للناس فهذا فيه خير كثير، أما إذاعة القرآن بين المصلين في المسجد فهذا لا أصل له؛ لأنه يشوش على القراء ويشوش على المصلين، فالواجب ترك ذلك حتى يقرأ من شاء ويصلي من شاء ... لا يشوش على الناس، كونه يشغل إذاعة المسجد حتى يقرأ القارئ والناس الذين يصلون، والناس الذين يقرؤون، هذا لا أصل له، والواجب تركه حتى يقرأ من يقرأ لنفسه، وحتى يسبح من يسبح، وحتى يصلي من يصلي ولا يشوش عليه.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (373) .(13/330)
س: ما حكم إعادة صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، هل هي واجبة أم مندوبة؟ لأنه عندنا الإمام يقوم بإعادة صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، ويقول: خوفا من عدم قبول صلاة الجمعة، وذلك لعدم توفر جميع أركان الجمعة، أفيدونا أفادكم الله (1)
ج: إعادة صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة أمر محدث، لم يكن في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد التابعين لهم بإحسان، والجمعة تكفي عن الظهر وهي فرض الوقت، فلا يجوز أن يجمع
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (62) .(13/330)
بينهما؛ الله فرض علينا خمس صلوات في يوم الجمعة، وفي غير يوم الجمعة، في يوم الجمعة خمس: الفجر والجمعة والعصر والمغرب والعشاء، هذه خمس فروض، فإذا صلى ظهرا بعد الجمعة زاد سادسة، فلا وجه لذلك، فهو بدعة، فنرجو ممن يتعاطى هذا من أهل العلم أن يعيد النظر، وأن يتبصر في الأدلة، ومتى أعاد النظر وفقه الله للبصيرة في هذا، أرجو من إخواني أهل العلم الذين يفعلونها أن يعيدوا النظر، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها. فالواجب على أهل العلم الذين يعيدونها أن يتقوا الله، وأن يتركوا هذه الإعادة فإنها بدعة لا وجه لها، ومتى صليت الجمعة أجزأت عن الظهر، وإذا كان عندهم شك في الجمعات، ولهم النظر في الموضوع ليس إلى غيرهم فلينظروا، فالجمعة التي لا حاجة إليها تلغى، والجمعة التي لها حاجة تبقى، أما مجرد الشكوك والظنون والأوهام فلا وجه لها، الأصل أن هذه الجمعة إنما أقيمت للحاجة إليها، إما للتباعد وإما لكون الجمعة الموجودة في المسجد يضيق بالناس، أو لأسباب أخرى قضاها الشرع،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(13/331)
الأصل أن هذه الجمعات مجزئة، هذا هو الأصل فلا يجوز ظن السوء، حمل الناس على أنهم صلوا الجمعة غير صحيحة هذا سوء ظن لا وجه له، بل يجب حمل الناس على أحسن حمل، وإنما هذه الجمعة أقيمت للحاجة إليها، فلا حاجة إلى صلاة الظهر بعدها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1) » الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أما بعد (2) » يقوله في خطبة الجمعة فيما روى مسلم في الصحيح: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » فليس للعالم ولا لغير العالم أن يحدث في دين الله ما ليس منه، ولكن خطأ العالم أكثر؛ لأنه يقتدى به، فالواجب أن ينظر ويتأمل حتى يحكم بما فعل على بصيرة، ولا شك أن هذه بدعة لا وجه لها، فالواجب تركها على العالم وغير العالم، وهذا الشك الوارد في هذه المسألة أن هناك خلافا بين العلماء في إقامة الجمعة الثانية والثالثة والرابعة، بعض أهل العلم يقول: لا بد في المدينة من جمعة واحدة، ولا حاجة إلى جمعات، وهذا قول خاطئ؛ لأن المدن تختلف، ليس كل مدينة يكفيها جمعة واحدة، بعض المدن بين أطرافها
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) .(13/332)
مسافات طويلة، والمسجد لا يسع من حوله من الناس، ولا يسع من بعد عنه، ولا يستطيعون المجيء إليه، فلهذا قرر العلماء رحمة الله عليهم إقامة جمعات في مدينة واحدة إذا اتسعت البلدة وتباعدت أطرافها وكثر سكانها، يكون في كل حي منها جمعة يكفي أهله، هذا هو الواجب، وهذا هو الذي تقرر عند أهل العلم، فإذا وجدت الأسباب بالتباعد أو ضيق المسجد، أو صارت البلدة فيها قبيلتان أو قبائل بينها تشاحن لا يستطيعون أن يجتمعوا في مكان واحد يخشى أن يقع بينهم فتنة، يجعل لكل قبيلة مسجد يخصهم دفعا للفتن، هذا كله من الأسباب.(13/333)
س: هل تجب إعادة صلاة الظهر، بعد صلاة الجمعة في بلد تعددت فيه المساجد؟ (1)
ج: لا يجوز ذلك، بل الواجب أن يتحرى ويصلي جمعة والحمد لله، وليس له أن يعيد ظهرا؛ لأن هذه بدعة ليس لها أصل، متى صلى جمعة فالحمد لله، والتعدد له مسوغات، فحسن الظن بالمسلمين، وأنها إنما تعددت لمسوغ شرعي أولى سوء الظن.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (142) .(13/333)
س: عندنا عادة وهي بعد صلاة كل جمعة نقوم بعد الصلاة بصلاة الظهر، وذلك بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، فهل يجوز هذا أم أنه بدعة؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (223) .(13/333)
ج: صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة لا أصل لها، لم يفعلها سلف الأمة من الصحابة ولا من بعدهم من سلف الأمة، بل هي بدعة، ونوع وسوسة، كأنهم يقولون: لا ندري هل صحت الجمعة أم لا؟ وهذا وسواس لا وجه له، وشك لا وجه له، فالواجب على المؤمن حسن الظن بالله، وحسن الظن بما درج عليه المسلمون قبله، وعدم الشك الذي لا وجه له ولا موجب له، فصلاة الجمعة كافية والحمد لله، والله ما فرض على العباد إلا خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا صليت الظهر بعد الجمعة جعلتها ستا فلا يجوز، فصلاة الظهر بعد الجمعة بدعة لا تجوز أبدا.(13/334)
س: هل تصلى الظهر بعد صلاة الجمعة؟ فبعض الناس بعد أن يصلي الجمعة يصلي بعدها أربع ركعات، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: لا، هذا بدعة، لا يجوز، صلاة الجمعة كافية - والحمد لله - عن الظهر، كونه يصلي الظهر بعدها هذا بدعة، يقول بعض الناس: إن البلد إذا كان فيها جمعات كثيرة أخشى أن هذه الجمعة ما صحت، هذا من وساوس الشيطان، فلا يجوز أن تصلي الظهر بعد الجمعة، بل يجب أن يكتفى بالجمعة، لكن من فاتته الجمعة، جاء وقد صلوا، أو مريض ما حضر الجمعة، أو مسافر يصلي ظهرا، أما من صلى الجمعة فليس عليه صلاة ظهر؛ لأن صلاة الظهر مع الجمعة جميعا بدعة، لا في المسجد ولا
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (371) .(13/334)
في غير المسجد، نسأل الله العافية.
س: لأخينا سؤال آخر يسأل فيه سماحتكم عن رأيكم فيمن يصلي الجمعة ثم يصلي الظهر أيضا في يوم الجمعة؟ (1)
ج: هذا بدعة، ما يفعله بعض الناس من صلاة الظهر بعد الجمعة هذا بدعة لا أصل له. والمشروع للمؤمن إذا صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربع ركعات نافلة كما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا بعدها أربعا (2) » عليه الصلاة والسلام. وكان يصلي في بيته ركعتين عليه الصلاة والسلام، فالسنة أن يصلي بعد الجمعة أربعا، وإن صلى ركعتين فلا بأس، أما أنه يصلي الظهر فهذا بدعة لا أصل له، ولا ينبغي أن يغتر بما يفعله بعض الناس في بعض البلدان، هذا شيء لا أصل له، وهو ناشئ عن الشك، بعضهم يقول: أخشى أن الجمعة غير صحيحة، هذا شيء لا محل له، ولا ينبغي هذا التشكك وهذه الوسوسة، نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (144) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، برقم (881) .(13/335)
س: السائل ع. من الرياض يقول: هل ورد أن صلاة الجمعة لا تجزئ عن صلاة الظهر، وأنه يجب أن يصلى صلاة الظهر بعدها؟ (1)
ج: الجمعة كافية، ولا يجوز هذا الظن، ولا يجب أن يصلي بعدها
__________
(1) السؤال الرابع الأربعون من الشريط رقم (386) .(13/335)
ظهرا، الله جعلها كافية عن الظهر، والذين أحدثوا صلاة الظهر بعد الجمعة هذه بدعة، من صلى الجمعة كفته عن الظهر، والحمد لله.(13/336)
س: هل بعد فرض صلاة الجمعة يعاد فرض صلاة الظهر؟ (1)
ج: هذا بدعة ليس لها أصل، من صلى الجمعة فليس عليه صلاة ظهر، وليس له أن يعيد الظهر، بل هذا من التكلف والتنطع والوسوسة، لا يجوز.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (418) .(13/336)
س: سماحة الشيخ، كنت في الماضي لا أصلي الجمعة، بل أصلي في البيت، وقبل ذلك كنت أصلي الظهر والجمعة، وذلك لجهلي، فماذا علي الآن، هل أصلي ركعتين إلى ركعتي الجمعة السابقتين بنية الظهر؟ وكيف الحال للتشهد؟ بارك الله فيكم (1)
ج: عليك التوبة إلى الله من المسألة، التوبة الصادقة والندم على الماضي، والعزم على ألا تعود، وعليك أن تحضر الجمعة وتصلي الجمعة مع المسلمين، والماضي عليك التوبة إلى الله منه، والحمد لله، التوبة تجب ما قبلها.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (298) .(13/336)
س: لدينا مدرس مصري الجنسية متعلم ومثقف - حسب ما نعرف - في الدين، ولا يفارق المسجد وقت الصلوات، ولكن إذا صلى صلاة الجمعة معنا قام وصلى أربع ركعات معا بدون تسليم بينها، وصلى(13/336)
بعدها ركعتين، فهل هذه الصلاة صحيحة أم لا؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، إن كان قصده أن يصلي الظهر احتياطا، وأن الجمعة يرى أنها لا تكفيه كما يفعله كثير من الناس في بلدان كثيرة، ويقولون: إن البلد إذا كان فيه جمعات يخشى ألا يصح بعضها فلهذا يصلون الظهر احتياطا مع الجمعة، هذه بدعة ولا تجوز، وعليه التوبة من ذلك، وهكذا جميع من يتعاطى هذا الأمر، الذي يصلي الظهر بعد الجمعة هذا كله غلط وبدعة، فالواجب عليهم التوبة إلى الله من ذلك، ومتى وجدت أسباب إقامة جمعة ثانية وثالثة ورابعة في البلدة الواسعة المتباعدة فلا حرج في ذلك ولا بأس، فيجوز أن تقام جمعتان أو أكثر في البلدة الواحدة إذا كانت واسعة متباعدة، أو كان المسجد قد ضاق بأهله واحتاجوا إلى مسجد ثان، أو كان مسجدان فضاقا واحتاج المسلمون إلى ثالث في المدينة، كل هذا لا بأس به، ومتى وجد المسوغ فلا وجه لصلاة الظهر، بل هذا من البدع ومن التنطع والغلو في الدين الذي لا وجه له، أما إن كان قصده أن هذه راتبة كما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا (2) » فهذا لا بأس به، لكن الأفضل أن يصليها ثنتين ثنتين، هذا هو الأفضل، لا يسرد أربعا، لقول
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (61) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، برقم (881) .(13/337)
النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » وفي لفظ آخر: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (2) » فالأفضل أنه يصلي ثنتين ثنتين، أربعا بعد الجمعة، وإن صلى في بيته ثنتين بعد الجمعة كفى ذلك، وإن صلى أربعا فهو أفضل، أما الثنتان الأخريان فلا أعلم لهما وجها إلا أنه جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في مكة يصلي بعد الجمعة أربعا ثم ثنتين، فلعل هذا سمع خبر ابن عمر فصلى ذلك؛ لأن ابن عمر ذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نعلم أسباب ذلك، وإذا فعله من أجل حديث ابن عمر الذي سمعه فلا بأس بذلك، أما المحفوظ الذي نعرفه من السنة فهو أنه يصلي أربعا بعد الجمعة في المسجد أو في بيته، وإذا اكتفى بثنتين في بيته كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل فلا بأس بذلك، وإن كان هذا الرجل صلاها من أجل أنه سمع حديث ابن عمر أن
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما برقم (4791) وأبو داود في كتاب الصلاة باب في صلاة النهار، برقم (1295) والترمذي في كتاب الجمعة، باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى برقم (597) ، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب كيف صلاة الليل، برقم (1666) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (1322) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم (4791) ، أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في صلاة النهار، برقم (1295) ، والترمذي في كتاب الجمعة، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (597) ، والنسائي في المجتبى في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة الليل؟ برقم (1666) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (1322) .(13/338)
فيه أربعا وثنتين فلا حرج في ذلك، لكن الأفضل أنه يصلي ثنتين ثنتين، كل ثنتين بسلام، لا يسرد الأربع.(13/339)
233 - حكم من لا يصلي سوى الجمعة
س: يقول السائل: هناك رجل يصلي صلاة الجمعة فقط دون أن يصلي بقية الفروض، هل تقبل صلاته؟ (1)
ج: لا تقبل صلاته؛ لأنه صار كافرا بذلك، فصلاته الجمعة وصومه وسائر أعماله كلها باطلة، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وقال سبحانه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) فمن كفر كفرا أكبر أو أشرك شركا أكبر حبط عمله - نسأل الله العافية - وترك الصلاة كفر أكبر.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (339) .
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة المائدة الآية 5(13/339)
س: بعض الناس ألاحظ أنهم لا يصلون إلا يوم الجمعة. ما هو توجيهكم؟ (1)
ج: الذي لا يصلي إلا الجمعة أو رمضان كافر؛ لأن الرسول عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (178) .(13/339)
والسلام قال: «إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1) » وهذا يعم الصلوات التي بين الجمعة والجمعة، والصلوات التي بين رمضان ورمضان، فلا بد من الحفاظ عليها، ولا بد من أدائها في جميع السنة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » أما إن جحد وجوبها، قال: لا تجب علي وهو مكلف عاقل ليس بمجنون، هذا كافر عند جميع العلماء، سواء كان رجلا أو امرأة، لكن من يعلم وجوبها ويؤمن بوجوبها ثم يدعها يكون كافرا في أصح قولي العلماء للحديث السابق، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3) » ولما ذكر لأصحابه عليه الصلاة والسلام بعض الأمراء الذين يأتون في آخر الزمان، فيعرف منهم وينكر، قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان (4) » وفي اللفظ
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون، برقم (7056) ، ومسلم في كتاب، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم (1709) .(13/340)
الآخر قال: «لا تقاتلوهم ما أقاموا فيكم الصلاة (1) » فدل على أن عدم إقامة الصلاة من الكفر البواح، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة من المكلفين الحفاظ على الصلاة ولزومها في أوقاتها، والحذر من التخلف عنها وتركها، هذا هو الواجب على جميع المسلمين، قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (2) وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وقال عليه الصلاة والسلام ذات يوم بين أصحابه في شأن الصلاة: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (4) » نسأل الله العافية. قال بعض أهل العلم: إنه يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إنما يضيعها شغلا بالرئاسة فشابه فرعون، فيحشر معه، يوم القيامة في النار، وإن ضيعها شغلا بالوزارة شابه هامان، ويحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ضيعها بسبب الأموال والشهوات شابه قارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، فيحشر معه يوم القيامة، وإن ضعيها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، برقم (1855) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما برقم (6576) .(13/341)
بسبب التجارة والبيع والشراء والمعاملات شابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة، فيحشر معه إلى النار - نسأل الله العافية - فالواجب الحذر من الإضاعة لهذا العمود العظيم، والواجب التواصي بفعلها في أوقاتها، وأدائها في الجماعة في حق الرجل، وعلى النساء المكلفات أن يحرصن على أدائها في بيوتهن في أوقاتها، فهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المرء والكفر والشرك، وقد قال الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (1) يعني خسارا ودمارا وعذابا، نسأل الله العافية، وقال بعض أهل العلم: إن غيا واد في جهنم خبيث طعمه، بعيد قعره، نسأل الله العافية، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (3) إذا كان الساهي ويل له، فكيف التارك؟ يكون أمره أشد وأعظم وأخطر، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة مريم الآية 59
(2) سورة الماعون الآية 4
(3) سورة الماعون الآية 5(13/342)
س: إذا كان الإنسان لا يصلي إلا يوم الجمعة فهل يعتبر كافرا؟ (1)
ج: نعم، الذي لا يصلي إلا في يوم الجمعة يعتبر كافرا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " (2) وهذا قد
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (326) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(13/342)
تركها، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك صلاة العصر حبط عمله (2) » حبوط العمل يكون بالكفر بالله، هذا هو الأغلب، حبوط العمل يكون بالكفر، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4) فالواجب عليه التوبة إلى الله، والندم على ما مضى منه، وإن يستقيم على الصلاة في جميع الأوقات حتى يموت، ومن تاب تاب الله عليه.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب مواقيت الصلاة باب التبكير بالصلاة في يوم غيم، برقم (594) .
(3) سورة الأنعام الآية 88
(4) سورة المائدة الآية 5(13/343)
س: ما حكم الذي لا يصلي إلا الجمعة فقط؟ (1)
ج: الصواب أنه يكفر بذلك، ومن ترك الصلوات كفر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، أما إن جحد وجوبها كفر عند الجميع، إذا قال: الصلاة ما هي واجبة، كفر عند الجميع، أما إذا كان يتساهل كأن يصلي وقتا ويدع وقتا، أو يصلي الجمعة فقط، أو في رمضان فقط، هذا
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (297) .(13/343)
كافر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1) » والكفر والشرك المعرف هو الشرك، والكفر الأكبر والشرك الأكبر، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » كل هذه أحاديث صحيحة؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما سأله المسلمون عن الأمراء الذين توجد لهم بعض المعاصي. هل يقاتلونهم؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة (3) » وفي لفظ آخر قال: «إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان (4) » فدل على أن ترك الصلاة يعتبر من الكفر البواح، نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم برقم (1855) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون، برقم (7056) ، ومسلم في كتاب، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم (1709) .(13/344)
س: تقول هذه السائلة: هل تارك الصلاة هو الذي يصلي الجمعة فقط، أو يصلي بعض المرات، ولكن لا يجحد وجوب الصلاة، ولكنه تركها تكاسلا؟ (1)
ج: الصواب أنه يكفر بذلك، أما إذا جحد وجوبها كفر عند جميع أهل العلم، أما إذا تركها تكاسلا الجمعة أو غير الجمعة من الفرائض - يكفر
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (406) .(13/344)
بذلك كفرا أكبر على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ولأنها عمود الإسلام، فهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين؛ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة (3) » نسأل الله السلامة والعافية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616) .(13/345)
234 - بيان الحكم عند موافقة العيد للجمعة
س: ما حكم صلاة الجمعة إذا صادفت يوم العيد، هل تجب إقامتها على جميع المسلمين أم على فئة معينة؟ ذلك أن بعض الناس يعتقد أنه إذا صادف العيد الجمعة فلا جمعة إذا (1)
ج: الواجب على إمام الجمعة وخطيبها أن يقيم الجمعة، وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر، كان النبي يقيمها صلى الله عليه وسلم في يوم العيد، يصلي العيد ويصلي الجمعة عليه الصلاة والسلام، وربما قرأ
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (67) .(13/345)
في العيد والجمعة بسبح والغاشية، بهما جميعا، كما قاله النعمان بن بشير رضي الله عنه لما ثبت عنه في الصحيح، لكن من حضرها من الناس ساغ له أن يترك الجمعة وأن يصليها ظهرا في بيته أو مع بعض إخوانه إذا كان حضر العيد، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل، وإن ترك صلاة الجمعة؛ لأنه حضر العيد فلا حرج عليه، ولكن عليه أن يصلي ظهرا فردا أو جماعة.(13/346)
س: إذا وافق العيد الجمعة فهل تصلى صلاة الجمعة؟ (1)
ج: نعم، يصلي الإمام بالناس الحاضرين صلاة الجمعة، ومن حضر العيد لا تلزمه الجمعة، لكن إذا صلاها تكون أفضل له، وخيرا له، ولكن لا تلزمه، يصلي ظهرا، من حضر العيد يصلي ظهرا إذا لم يحضر الجمعة، وإن حضر الجمعة كان أفضل، والإمام يقيم الجمعة ويصلي بمن حضر.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (248) .(13/346)
باب صلاة العيدين
235 - حكم إقامة صلاة العيدين في المسجد بسبب المطر
س: في صلاة العيدين نخرج للمصلى ذكورا وإناثا، ولكن في حالة المطر نصلي في المسجد؛ لأن مصلى العيد مكشوف، وهذا المسجد الذي نصلي فيه صغير الحجم حيث لا يتسع للمصلين، فنقوم بالصلاة عدة مرات جماعة بعد جماعة، وفي آخر الجماعة يقوم الإمام بإلقاء خطبة العيد، فهل هذه الصلاة صحيحة أم لا؟ (1)
ج: لا حرج في الصلاة في المسجد، لكن إذا تيسر في الصحراء فهو الأفضل إذا لم يكن هناك مانع من مطر، فإن الصلاة في الصحراء هي السنة، صلاة العيد والاستسقاء وإذا منع مانع من جهة المطر صلوا في المساجد، ولا حرج في ذلك، وحتى ولو لم يكن مانع لا بأس من الصلاة في المسجد، لكن الأفضل أن تكون صلاة العيد وصلاة الاستسقاء في الصحراء، وإذا كان هناك مانع فلا حرج في صلاتها في المساجد،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (205) .(13/347)
والسنة أن تكون صلاة واحدة، يصلي بالناس صلاة واحدة، ويخطب بالناس، ومن فاتته الصلاة صلى في بيته، أو في المسجد بعد الناس ركعتين، والحمد لله، ويكفي ذلك، ولا حاجة إلى إعادة الصلاة للناس، بل يصلي بالناس المجتمعين ويخطب بهم، ثم بعد ذلك إذا خرجوا كل من جاء صلى لوحده، والحمد لله، أو صلى في بيته إذا ما أدرك الناس، وفي إمكانهم أن يلتمسوا مسجدا أوسع حتى يصلوا جميعا، ولو كان غير مجاور لهم، ولو كان بعيدا حتى يصلوا جميعا، أما أن يصلوا جماعة بعد جماعة فهذا لا نعلم له أصلا لا في الجمعة ولا في العيد، بل يصلي الإمام في الجمعة والأعياد، ومن فاتته صلى وحده، الجمعة تصلى ظهرا، وفي العيد يصلي ركعتين والحمد لله كما يصلي مع الإمام، ويكفي، والحمد لله.(13/348)
236 - حكم صلاة العيد في المسجد بسبب رفض الإمام الخروج إلى المصلى
س: في صلاة العيدين لا يخرج أهل القرية خارج المسجد، وأخبرناهم أنا والشباب بأن السنة في صلاة العيدين أن تكون في مصلى لكن الإمام رفض، هل نصلي نحن والشباب في المصلى ونترك هذا الإمام ومن معه أو نصلي معهم في المسجد صلاة العيدين، وهذا الإمام دائما معاند ونحن دائما معه في نقاش، هل نجالسه أو نترك مجالسته؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (371) .(13/348)
ج: صلوا معهم في المسجد، ولا ينبغي الشقاق والخلاف، صلوا معهم في المسجد والحمد لله، وارفعوا الأمر إلى المحكمة، والمحكمة فيها بركة، تنصحهم وتوجههم إلى الخير، أما أنتم فصلوا معهم ولا تنازعوا، عليكم بالاتفاق والتعاون على البر والتقوى، واتركوا الجدال، وارفعوا الأمر للمحكمة، والمحكمة فيها البركة.(13/349)
237 - حكم صلاة النساء لصلاة العيد في غير مصلى الرجال
س: في السنوات الماضية اجتمع أهل القرى عندنا من النساء وأقمن صلاة العيدين على أكمل وجه، وكانت تؤم المصلين امرأة متفقهة بحمد لله، وسبب تجمعهن أن مصلى العيد للرجال بعيد يقدر بساعتين سيرا على الأقدام، ولأن الرجال لا يسمحون لهم في ذلك ... أخونا يستمر في سرد هذا الموضوع ليسأل في النهاية عن حكم ما فعل أولئك النساء، وهل هو من البدعة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا أعلم في ذلك حرجا؛ لأن صلاة العيد مشروعة للرجال والنساء، والسنة والخروج لها في الصحراء، فإذا لم يتيسر للنساء الخروج حتى يصلين مع الرجال وصلين في بيوتهن فرادى أو جماعات فلا حرج في ذلك، ولهن أجر كبير في ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (156) .(13/349)
238 - حكم صلاة العيد في مكان يقابل المقبرة
س: الأخ ع. هـ. من السودان يسأل ويقول: هل تجوز صلاة العيد إلى المقابر وتكون المقبرة أمامهم؟ وبماذا تنصحوننا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الصلاة إلى القبور لا تجوز؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها (2) » رواه مسلم في الصحيح، فالقبر لا يصلى إليه ولا يجلس عليه، يحرم الجلوس عليه أو التغوط عليه، أو وطؤه بالرجل، قبر المسلم لا يجوز ذلك، ولا يصلى إلى القبور اتجاه القبلة ولا بينها؛ لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك (3) » فشدد في النهي عن اتخاذ القبور مساجد - يعني المصلى - فإني أنهاكم عن ذلك، فلا يصلى بينها ولا إليها، بل يجب أن يكون بين المسجد وبينها فاصل كالجدار أو مسافة بعيدة كواد بينهم وبين القبور، أو جبل أو أرض واسعة بعيدة حتى لا يظن أنه يصلى إليها، وأنها تقصد، وإذا كان بين
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (280) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه برقم (972) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، برقم (532) .(13/350)
المسجد وبينها جدار آخر غير جدار المسجد كان ذلك أبعد عن الفتنة، وإذا كانت المقبرة عن يمين أو شمال يكون أحسن وأبعد عن الفتنة أيضا، والمساجد يجب أن تكون بعيدة عن مظان الشرك، وأسباب الشرك، فإذا كانت بين القبور أو أمهامها القبور، أو كانت في وسطها شيء من القبور كان هذا من وسائل الشرك؛ ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المساجد التي في القبور، وقال عليه الصلاة والسلام في اليهود والنصارى: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وقال في الحديث الآخر في حديث عائشة رضي الله عنها عن أم سلمة وأم حبيبة، أنهما رأتا كنيسة في أرض الحبشة وما فيها من الصور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك إذا مات فيهم رجل صالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (2) » فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب عملهم الخبيث، وهو بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور عليها - يعني صور أهل القبور - كما فعل قوم نوح حين صوروا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، ونصبوها على مجالسهم حتى عبدت من دون الله، والخلاصة أن الواجب أن تكون المساجد بعيدة عن القبور، وألا يقبر فيها أحد، لا يجوز أن يقبر في المسجد أحد، لا في قبلته ولا في شماله ولا جنوبه ولا مؤخره،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، برقم (532) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، برقم (528) .(13/351)
يجب أن تكون المساجد بعيدة عن القبور، بينها وبين القبور فاصل حتى لا يظن أن المصلين يصلون إلى القبور، إما فاصل من الجدران أو البيوت أو طريق فاصل بينها وبين المساجد، أو واد، أو نحو ذلك مما يبعد الشبهة.(13/352)
239 - حكم من أدركته صلاة العيد بعيدا عن القرى
س: إذا كان الإنسان في صحراء وحان وقت صلاة العيد، هل يصليها أم بماذا تنصحونه؟ (1)
ج: صلاة العيد لا تشرع للمسافرين، ولا للبادية، صلاة العيد للمقيمين بالقرى والأمصار كالجمعة، أما المسافرون والبادية فلا تشرع لهم صلاة العيد ولا صلاة الجمعة.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (201) .(13/352)
240 - حكم اشتراط العدد لصلاة العيدين
س: هل يشترط لصلاة العيد عدد معين كصلاة الجمعة مثلا؟ وما الحكم لو صادف العيد يوم الجمعة بالنسبة لصلاة الجمعة؟ فقد سمعت أنه لا جمعة للمأمومين بعكس الإمام، فكيف تجب على الإمام لوحده وكيف يقيمها بمفرده؟ (1)
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (55) .(13/352)
ج: صلاة العيد وصلاة الجمعة من الشعائر العظيمة للمسلمين، فالجمعة عيد أسبوعي، وصلاة العيد عيد الأضحى والفطر عيد سنوي، وكلتاهما واجبة، الجمعة فرض عين، وصلاة العيد فرض كفاية عند الأكثر، وفرض عين عند بعض أهل العلم كالجمعة، واختلف العلماء في العدد هل يشترط لهما؟ وأصح ما قيل في ذلك أن أقل العدد ثلاثة فأكثر، وأما اشتراط الأربعين فليس له دليل واضح يعتمد عليه، ومن شرطها الاستيطان، تكون في البلد، أما أهل البر أهل البادية والمسافرون فليس عليهم جمعة ولا عيد؛ ولهذا لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع صادف يوم الجمعة ولم يصل جمعة، ولم يصل عيدا يوم النحر، فدل ذلك على أن المسافرين ليس عليهم عيد ولا جمعة، وهكذا سكان البادية لا عيد ولا جمعة، وإذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد ألا يصلي الجمعة ويصليها ظهرا، لما ثبت عن النبي في هذا عليه الصلاة والسلام، فإنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد، واجتمع في يومهم هذا عيدان، فمن شهد العيد فلا جمعة عليه، أو ما هذا معناه، المقصود أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على الرخصة لمن شهد العيد ألا يصلي الجمعة، ولكن لا يدع الظهر بل عليه أن يصلي الظهر؛ لأن الله أوجب عليه خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا لم يصل جمعة صلى ظهرا، وليس لدينا يوم لا يجب فيه إلا أربع، بل علينا خمس صلوات سوى العيد، العيد صلاة سادسة، فإذا(13/353)
صادف العيد يوم الجمعة فإن عليه أن يصلي الظهر إذا لم يصل الجمعة، أما الإمام فيصلي بالناس لمن حضر.(13/354)
241 - مسألة في حكم اجتماع العيد مع الجمعة
س: أفيدونا عن صلاة العيد إذا وافقت يوم الجمعة، هل تجزئ عن صلاة الجمعة؟ (1)
ج: نعم، إذا وافقت صلاة العيد وصلى مع الناس صلاة العيد لا تلزمه الجمعة كما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يصلي ظهرا، عليه أن يصلي ظهرا إن تيسر جماعة صلاها جماعة وإلا صلاها وحده، وإن صلى الجمعة مع الناس فهو أفضل، فإذا وافق يوم الجمعة يوم العيد وصار ممن حضر صلاة العيد مع الناس سقطت عنه الجمعة وصلاها ظهرا، وإن صلى مع الناس الجمعة فإن الأئمة عليهم أن يقيموا الجمعة، على أهل المساجد أن يقيموا الجمعة لمن حضر، ومن لم يصل معهم صلى ظهرا.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (235) .(13/354)
242 - حكم التكبير الجماعي يوم العيد
س: يقول السائل من اليمن: ما هي صيغة التكبير في العيدين، وهل يجوز التكبير الجماعي بصوت واحد؟ (1)
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (424) .(13/354)
ج: التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أو يثلث: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، مثله: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. كل هذا مشروع في عيد الفطر بعد غروب الشمس إلى الفراغ من الخطبة، وفي الأضحى من دخول شهر ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق، ثلاثة عشر يوما من أول ذي الحجة إلى غروب الشمس، من اليوم الثالث عشر كله محل تكبير، ولكن في أيام التشريق، وفي يوم عرفة والعيدين يكون فيه التكبير المطلق والمقيد أدبار الصلوات، والمطلق في جميع الأوقات في يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، يجتمع فيها المطلق والمقيد، أما ما قبل عرفة فهو مطلق في الليل والنهار، هذا هو السنة، أما التكبير الجماعي فهو غير مشروع، بدعة، كونهم يتكلمون بصوت واحد هذا بدعة وغير مشروع.(13/355)
243 - كيفية التكبيرات في صلاة العيد
س: يسأل الأخ: ل. ص. من اليمن ويقول: متى يستمر التكبير في العيدين، وكم عدد التكبيرات في كل ركعة عدا تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وتكبيرة الانتقال من السجود إلى القيام في الركعة الثانية؟ (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (385) .(13/355)
ج: يستحب التكبير في العيدين للمسلمين رجالا ونساء من غروب الشمس ليلة عيد الفطر إلى أن تقضى الخطبة من صلاة العيد، يستحب التكبير في البيوت وفي الأسواق وفي أثناء الخطبة، لقوله جل وعلا: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (1) وفي عيد النحر يكبر من دخول الشهر، من أول شهر ذي الحجة يكبر في الليل والنهار، وفي يوم عرفة وأيام العيد يكبر أدبار الصلوات، وفي بقية الأوقات، تكبير مطلق ومقيد جميعا، إذا صلى صلاة الفجر يوم عرفة كبر بعده، وهكذا بقية الأوقات مع التكبير في بقية الأوقات إلى أن تغيب الشمس يوم الثالث عشر من أيام التشريق، تغيب الشمس يوم الثالث عشر ينقطع التكبير، يعني في شهر ذي الحجة ثلاثة عشر يوما من أول الشهر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر كله محل تكبير، لكن في يوم عرفة وما بعده يكون التكبير مطلقا ومقيدا، مطلق في جميع الأوقات، ومقيد أدبار الصلوات، هذا هو الراجح والمستحب في هذه الحال جمعا بين الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في الصلاة فكبر في الأولى ستا بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمسا بعد تكبيرة النقل، يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يتبعها بست تكبيرات متوالية، وإن قال بينها: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. هذا حسن أيضا،
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(13/356)
كما جاء في حديث ابن مسعود. وفي الثانية خمسا بعد تكبيرة النقل، إذا رفع من السجود وانتصب يكبر خمسا واحدة بعد واحدة، ويقول بينها: الله أكبر كبيرا. إلى آخره.(13/357)
244 - حكم رفع اليدين في جميع تكبيرات صلاة العيد
س: السائل من اليمن يقول: إمام مسجدنا لا يأخذ بالقياس - أي بقول العلماء - وإنما يأخذ بظاهر الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل رفع اليدين عند التكبيرات في صلاة العيد، وقال: لم يرد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم برفع يديه بالتكبيرات، إنما العلماء استنبطوا ذلك وأخذوه بالقياس مثل الرفع عند تكبيرة الإحرام في الصلوات الأخرى، ما رأيكم في صحة هذا القول؟ وهل يجوز أن نأخذ بقول العلماء أم بظاهر الحديث؟ مأجورين (1)
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر أربع تكبيرات على الجنازة: السنة أن يكبر أربع تكبيرات، في الأولى يقرأ الفاتحة، وفي الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي في الصلاة، وفي الثالثة يدعو للميت: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (389) .(13/357)
الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان (1) » «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، اللهم أدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار (2) » كل هذا كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم للموتى، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة، وكان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام - التكبيرة الأولى في الصلوات كلها - أما في الجنازة فقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يرفع في التكبيرات كلها، قال بعض أهل العلم: وهذا يدل على أنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا لا يقال من جهة الرأي، ففعل ابن عمر رضي الله عنه معتبر فعله من السلف، يدل على أن هذا كان متوارثا عندهم عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه المسائل لا تقال من جهة الرأي، فالأفضل في هذا هو الرفع في جميع التكبيرات، تكبيرات الجنازة،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (22619) وأبو داود في كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم (3201) والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت، برقم (1024) والنسائي في كتاب الجنائز، باب الدعاء، برقم (1986) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة، برقم (1498) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب الدعاء للميت في الصلاة برقم (963) .(13/358)
وهكذا تكبيرات العيد السبع الأولى، والخمس الأخيرة في صلاة العيد، وكلما فعل ذلك بعض الصحابة دل على أنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس من محلات الاجتهاد بل هذا مما يتعلق بالرفع، يعني لا يتوهم فيه أنه من الرأي؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، بل الظاهر حمله على أنه تلقاه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالأفضل في هذا هو أنه يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة، وفي جميع تكبيرات صلاة العيد، هذا هو الأفضل كما فعل ذلك بعض السلف من الصحابة كابن عمر وغيره، والخلاف في هذا بحمد الله يسير، لكن هذا الأفضل، والعالم عليه أن يتحرى الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب على أهل العلم أن يتحروا الحق من القرآن والسنة الصحيحة، ومما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح بعدهم، فإن الأدلة الشرعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع سلف الأمة، ثم القياس الصحيح الذي تتوافر فيه الشروط، فالجمهور على أن القياس الصحيح الذي تتوافر فيه الشروط يعتمد إذا لم يوجد دليل من الكتاب والسنة والإجماع، وهذه المسائل مسائل عبادة تتلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ليست محل القياس، القياس في مسائل الأحكام في الفروع، أما العبادات فهي محل توقيف ليست محل قياس، إنما هي توقيفية عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة إذا فعل الواحد منهم ما(13/359)
لا مجال للرأي فيه، ليس مما يتلقى عن الماضين، فإن هذا يكون له حكم الرفع؛ لأن الصحابة تلقوا دينهم وتلقوا عباداتهم عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يوجد نص من الكتاب أو السنة، ولكن وجد من فعل الصحابة في المسائل التي لا مجال للرأي فيها، وليس الراوي لها ممن يتلقى عن الماضين، فإن هذا العمل يعطى حكم الرفع.(13/360)
س: هل من السنة الصحيحة أن يرفع المصلي يديه في التكبيرات الزوائد في العيدين؟ (1)
ج: هذا هو الأفضل، الأفضل أن يرفع يديه في صلاة العيدين وفي الجنازة أيضا في التكبيرات الأربع، وكذلك في صلاة العيدين في الأولى والثانية.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (409) .(13/360)
245 - حكم نسيان الإمام للتكبيرات في الركعة الثانية من صلاة العيد
س: في صلاة عيد الأضحى المبارك في عام مضى نسي الإمام أن يكبر للركعة الثانية؛ حيث إنه لم يكبر وشرع في القراءة بعد قيامه من السجود، ولم يرد عليه أحد من المصلين، ما حكم ذلك وهل الصلاة ناقصة؟ (1)
ج: الصلاة صحيحة ولا حرج في ذلك، والتكبير سنة ما هي بواجبة، فإذا
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (414) .(13/360)
نسيها فلا حرج والحمد لله، وتكبيرات يوم العيد ست في الأولى بعد الإحرام، وخمس في الأخرى، كلها مستحبة لو تركها لا بأس، وهكذا في الاستسقاء.(13/361)
246 - حكم تقديم الفاتحة على التكبيرات في صلاة العيد
س: صلى بنا رجل صلاة عيد الأضحى، فلم يبدأ بالتكبيرات بل شرع في قراءة الفاتحة وسورة بعدها، وقبل الركوع أتى بالتكبيرات، ثم ركع، وفعل ذلك كذلك في الركعة الثانية، ما صحة هذه الصلاة؟ وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين؟ (1)
ج: لا بأس بهذا، صلاته صحيحة، هذا قول بعض أهل العلم، ولكن الصواب والأفضل أنه يبدأ بالتكبير قبل القراءة، هذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر قبل أن يقرأ، كبر للإحرام ثم كبر ست تكبيرات في الأولى، وخمسا في الأخرى قبل القراءة، هذا هو الأفضل والسنة.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (182) .(13/361)
247 - بيان ما يشرع البدء به في خطبة العيد
س: ما هو السنة في خطبة العيد، هل تبدأ بالتكبير أم تبدأ بخطبة الحاجة، وهل هي خطبة واحدة بدون جلسة خفيفة كخطبة الجمعة(13/361)
يسن الجلوس بين الخطبتين؟ (1)
ج: المشروع في العيد خطبتان كالجمعة، والمشروع أن تبدأ كل خطبة بالحمد، بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، والشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله في الجمعة وفي العيدين، كلها تبدأ بحمد الله والثناء عليه، والشهادة لله بالوحدانية، وللنبي بالرسالة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم وعظ الناس وتذكيرهم في الجمعة وفي العيد.
__________
(1) السؤال الخمسون من الشريط رقم (424) .(13/362)
248 - بيان كيفية الخطبة يوم العيد
س: هل يخطب الإمام خطبة أم خطبتين يوم العيد؟ وماذا يجب أن تشتمل عليه هذه الخطبة خطبة العيد؟ (1)
ج: العيد كالجمعة يخطب خطبتين، يفصل بينهما بالجلوس، يعظ الناس فيها ويذكرهم، ويذكر ما يتعلق بالعيد عيد النحر وعيد الفطر، يذكرهم، ويذكر ما في عيد الفطر من شكر الله على نعمه، نعمة صيام رمضان ويحثهم على الاستقامة على طاعة الله، وأن يستمروا على الخير، وألا يرجعوا إلى معاصيهم بعد رمضان، وأن يستقيموا على التوبة، ويحثهم
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (412) .(13/362)
على أنواع الذكر والخير والعبادة الطاعة، وأنواع العبادات والصدقات، والمسارعة إلى الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحثهم على كل خير في صلاة عيد الفطر، ويبين لهم حكم زكاة الفطر. أما في صلاة عيد النحر، فيحثهم على ما شرع الله من الضحايا، والتكبير، والذكر أيام التشريق، ويحذرهم من الصيام؛ لأنها أيام أكل وشرب، ليست أيام صيام، إلا من لم يجد الهدي من الحجاج من المتمتعين فله أن يصومها بدلا من الهدي إذا عجز، أيام التشريق خاصة، ويبين لهم ما شرع الله من التكبير فيها والذكر ونحر الهدايا والضحايا، ويوصيهم بتقوى الله وطاعة الله، والأعمال الصالحة، ويحذرهم من المعاصي مثل ما فعل في خطبة عيد الفطر.(13/363)
س: صلاة العيد هل لها خطبة واحدة أم خطبتان؟ (1)
ج: خطبتان عند أهل العلم كالجمعة.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (167) .(13/363)
249 - مسألة في خطبتي العيدين
س: يسأل سماحتكم عن خطبة العيدين، هل هي خطبة واحدة أم خطبتان؟ وما الدليل على ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (443) .(13/363)
ج: خطبة العيد خطبتان، يخطب خطبتين كالجمعة، هكذا قال أهل العلم، فقاسوا العيد على الجمعة، ووردت بعض الأحاديث التي تدل على أنه خطب في العيد خطبتين، لكن في أسانيدها ضعف، والعمدة في ذلك أن العيد كالجمعة، فالعيد عيد العام، والجمعة عيد الأسبوع، فالعلماء قاسوا صلاة العيد على صلاة الجمعة، فخطبوا خطبتين، هذا هو المشروع خطبتان كالجمعة؛ لأنها عيد السنة، فالعيدان هما عيد السنة، والجمعة عيد الأسبوع، وكذلك فيه العمل بالخبر الضعيف الذي يعضده قياس العيد على الجمعة.(13/364)
250 - حكم تقديم الخطبة على صلاة العيد
س: من المعلوم أن خطبتي صلاة الجمعة تكون قبل الصلاة، أما الخطب في صلاة العيدين والاستسقاء فإنها تكون بعد الصلاة، ومن المعلوم أن معظم الناس هداهم الله يبادرون بالخروج من صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء قبل شروع الخطيب بإلقاء الخطبة، فما حكم الإسلام في تقديم الخطب قبل صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء حتى يتمكن المسلمون من الاستفادة من الخطب لا سيما وأن صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (264) .(13/364)
ج: الواجب على أهل الإسلام أن يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وأن يعملوا كعمله، ولا يزيدوا بآرائهم ولا يغيروا، يقول صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » فالله أمر بالصلاة مجملة قال: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (2) يعني حافظوا على الصلوات، والرسول بينها وفصلها عليه الصلاة والسلام بقوله وفعله، فعلى المسلمين أن يتبعوا ولا يبتدعوا، ولا يجوز للمسلمين أن يقدموا خطبة العيد أو خطبة الاستسقاء، خطبة العيد خاصة، أما الاستسقاء فقد جاء تقديمها وتأخيرها، لكن خطبة العيد لا تقدم بل يصلي ثم يخطب، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعله خلفاؤه الراشدون والمسلمون، ولما فعل مروان ما يخالف السنة من تقديم الخطبة في العيد أنكر عليه أبو سعيد الخدري، فالحاصل أن الواجب على المسلمين أن يصلوا كما صلى عليه الصلاة والسلام، والسنة للمسلمين أن يحضروا خطبة العيد، وخطبة الاستسقاء ولا يعجلوا، هذه سنة لهم أن يحضروها ويستفيدوا، ولكن من خرج منهم فلا حرج، ولا يجوز تقديم الخطبة على الصلاة بل تبقى على حالها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم يخطب، أما الجمعة فخطبتها قبلها، وأما الاستسقاء فقد جاء هذا وهذا،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة، برقم (631) .
(2) سورة الأنعام الآية 72(13/365)
جاء خطبة قبلها، وبعدها جاء فيه خطبة كصلاة العيد، وجاء خطبة قبلها كصلاة الجمعة، والأمر فيها واسع، والحمد لله.(13/366)
251 - حكم من نسي الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة العيد
س: السائل من الكويت يقول: في صلاة العيد نسيت في الركعة الأولى أن أقرأ الفاتحة عندما سكت الإمام، هل علي إعادة هذه الصلاة أم تجزئ قراءة الإمام عني؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ما دمت ناسيا فقراءة الإمام تكفي، فليس على المأموم أن يدع الفاتحة لا لصلاة العيد ولا للفرائض، بل يقرأ الفاتحة، لكن إذا نسيها أو كان جاهلا تحملها الإمام، أو لم يأت إلا في الركوع تحملها عنه الإمام، والحمد لله، ولا إعادة عليه.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (306) .(13/366)
252 - بيان كيفية إتيان المسبوق بما فاته من صلاة العيد
س: إذا أراد شخص أن يكمل ما فاته مثلا من صلاة العيدين أو الكسوف أو الخسوف، فهل يكملها كما في حكم الصلوات المفروضة أو يختلف الأمر هنا؟ (1)
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (83) .(13/366)
ج: في صلاة العيد وصلاة الجمعة يكملها على هيئتها، فصلاة الجمعة كصلاة الجمعة، وصلاة العيد كصلاة العيد، يكبر فيها التكبيرات المشروعة أفضل، وهي خمس في الأخيرة، إذا فاتت الأولى من العيد صارت الثانية هي أول صلاته، فإذا قضى فيكبر خمسا أفضل في قضائه، وإن لم يكبر خمسا اكتفى بالواحدة التي قام بها من السجود، فلا بأس ولا حرج عليه، ولكن كونه يقضيها على حالها يكون هذا أفضل، يقضيها على أنها صلاة عيد، هذا هو الأفضل، وإن قضاها كسائر الصلوات ولم يأت بالتكبيرات التي في أولها، واكتفى بالتكبيرات التي في أولها واكتفى بالتكبيرة التي يقوم بها من جلوسه بعد سلام إمامه هذا لا بأس به، ولا حرج عليه، أما الكسوف فهو يصليها كما شرع الله بقراءتين وركوعين وسجودين، فإذا فاتته الركعة الأولى صلاها كما صلاها الإمام بقراءتين وركوعين وسجدتين؛ لأنه مشروع له أن يصليها كما أمره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أمر المسلمين أن يصلوا صلاة الكسوف بقراءتين وركوعين وسجودين، كما فعل عليه الصلاة والسلام فإنه قال: «فإذا رأيتم ذلك فصلوا (1) » وقد فسر ذلك بفعله عليه الصلاة والسلام فصلاها ركعتين بقراءتين وركوعين وسجدتين في كل ركعة، فالسنة لنا أن نصليها كما صلاها عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة، برقم (1212) .(13/367)
253 - بيان ما تدرك به صلاة العيد
س: إذا فاتتني من صلاة العيد ركعة، فهل أقضي الركعة؟ وهل أكون قد أدركت صلاة العيد أم لا؟ (1)
ج: نعم، كالجمعة، إذا أدركت ركعة من صلاة العيد تقضي الركعة الثانية، وهكذا الجمعة تقضي الركعة الثانية وتدرك الجمعة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (177) .(13/368)
254 - حكم التكبير بصوت مرتفع قبل عيد الأضحى
س: يقول السائل: قبل عيد الأضحى يكبر الناس ويهللون بصوت مرتفع في المساجد، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: السنة في ليلة العيد التكبير مع الصباح إلى انتهاء صلاة عيد الفطر؛ لقوله جل وعلا: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) فالسنة التكبير في ليلة عيد الفطر في الليل وفي الصباح، وعند اجتماعهم في المسجد حتى ينتهي الإمام من الخطبة، كله تكبير، وهكذا في عيد الأضحى، سن التكبير في أيام العشر من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى ليلة العيد، ويوم العيد، وأيام التشريق، ثلاثة عشر يوما، كلها تكبير من شهر ذي الحجة من أول الشهر إلى غروب الشمس من
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (443) .
(2) سورة البقرة الآية 185(13/368)
اليوم الثالث عشر، كله تكبير، لكن في يوم عرفة وما بعده يكون التكبير مقيدا ومطلقا، يكبر تكبيرا مقيدا بعد الصلوات الخمس، ويكبر في بقية الأوقات الرجل والمرأة بعد صلاة الفجر يوم عرفة، ويوم العيد وأيام التشريق أدبار الصلوات، وفي بقية الزمان، وفي بقية النهار والليل، في منى وفي غير منى، في المدن والقرى والصحارى والسفر، السنة التكبير رجالا ونساء، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان في أيام العشر إلى الأسواق يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير (1) » وبهذا يعلم أن التكبير في عيد الفطر حتى يفرغ الإمام من الخطبة، وفي شهر ذي الحجة حتى تغرب الشمس من اليوم الثالث عشر، كلها تكبير، لكن في الخمسة الأيام: التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة يكون فيها تكبيران المطلق والمقيد، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، برقم (5422) .(13/369)
س: من المستمع ف. ق. يسأل عن التكبير في يوم العيد هل هو سنة أم بدعة؟ لأني ألاحظ أنه اختفى في كثير من المناسبات (1)
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (331) .(13/369)
ج: التكبير في أيام العيد سنة يوم عيد الفطر، وليلة العيد من صباح العيد حتى تنتهي الخطبة، هذا في عيد الفطر، يستحب التكبير ليلة العيد وصباح العيد إلى انتهاء الخطبة من الإمام والمأموم وغيرهم، أما في عيد النحر فيستحب التكبير في أول الأيام العشر كلها من أول شهر ذي الحجة إلى نهاية اليوم الثالث عشر، ثلاثة عشر يوما كلها محل تكبير من أول يوم إلى نهاية الثالث عشر إلى غروب الشمس، وفي يوم عرفة وما بعده يجتمع فيه التكبير المطلق والتكبير المقيد، التكبير المطلق في جميع الأوقات في يوم عرفة وما بعده، والمقيد عقب الصلوات الخمس يكبر بعدها.(13/370)
255 - حكم التكبير الجماعي بعد الصلوات أيام العيد
س: ما حكم التكبير الجماعي في العيدين بعد الصلوات علما بأنه يذكر الناس بهذه الشعيرة المباركة؟ (1)
ج: يكبرون، كل يكبر في صفه، وفي الطريق، لكن ليس على صفة جماعية؛ لأن هذا بدعة لا أصل له، وإلا الكل يكبر، هذا يكبر وهذا يكبر، وبهذا يتذكر الناس، ويستجيب الناس، أما كونه بلسان واحد من جماعة هذا لا أصل له، وهو التكبير الجماعي أو التلبية الجماعية، لا يشرع هذا، لكن الكل يلبي، أما أن يكبر من تحرى أن يبدأ الصوت مع
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (267) .(13/370)
صوت أخيه وينتهي مع صوت أخيه هذا لا أصل له، ولا نعلمه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن فعل هذا يخشى عليه من الإثم؛ لأنه بدعة.(13/371)
256 - بيان كيفية التكبير في المساجد
س: بالنسبة للتكبير في المساجد هل يكبر أحد الناس ويكبر الناس بعده (1) ؟
ج: كل يكبر على حسب حاله، ليس هناك تكبير جماعي، هذا يكبر وهذا يكبر، ولا يشرع التكبير الجماعي، كل يكبر على حسب حاله، وإذا صادف صوته صوت أخيه ما يضر ذلك، أما تنظيم التكبير من أوله إلى آخره، يشرعون جميعا وينتهون جميعا هذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (252) .(13/371)
س: الأخ ص. من السودان يقول: نحن نصلي صلاة العيد خارج القرية، ومعنا مجموعة من القرى المجاورة، ولكن نصلي خلف المقابر التي تبعد بمسافة عشرة إلى خمسة عشر مترا، وسمعنا من عبر برنامجكم أن الصلاة على المقابر لا تجوز، وفي الحين انقسمنا إلى مجموعتين: مجموعة خلف المقابر، ومجموعة تركت المقابر على اليمين، ونطلب من سماحتكم الإجابة والتفصيل في(13/371)
هذا الموضوع الذي قسم شملنا بعد مجموعة طيبة وكبيرة. (1)
ج: الواجب عليكم وعلى غيركم من المسلمين عدم الصلاة إلى القبور، وأن تكون الصلاة بعيدة عن القبور، في محل بعيد عن القبور، ليس في قبلتكم القبور؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها (2) » رواه مسلم في الصحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3) » رواه مسلم، فلا يجوز أن يصلى إلى القبور، ولا أن تتخذ مساجد يصلى بينها، لكن لو كان بينكم وبين القبور حاجز جدار يمنعكم منها فالصلاة صحيحة، أو بينكم وبينها بيت، مسكن، أو شيء يمنع منها، مثل الوادي، بينكم وبينها وادي السيل، أو ما أشبه ذلك، لكن بعدكم عنها أسلم، تكون عن يمينكم أو شمالكم هذا هو الطريق السليم، لا تجعلوها أمامكم إلا إذا كان بينكم وبينها حاجز يبعدكم عنها، ولا يوهم أنكم تصلون إليها تعظيما لها، تكونون بعيدين عنها، بينكم وبينها الجدار، وإذا كان جدار آخر غير جدار المقبرة يكون أسلم وأحسن، أو
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (279) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه برقم (972) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، برقم (532) .(13/372)
واد بينكم، هذا يبعدكم عن شبهة استقبالها، لكن بكل حال إذا كنتم بعيدين عنها أو عن يمينها أو شمالها أو أمامها هي خلفكم ما يضر إذا كانت الأرض ليست من المقبرة ولا داخلة في المقبرة.(13/373)
257 - حكم استقبال مقبرة غير مستورة في صلاة العيد
س: سائل يقول: إذا كانت المقابر تبعد عنا خمسة عشر مترا في مصلى العيد، فهل يجوز ذلك؟ (1)
ج: قد لا يكفي هذا؛ لأن الاستقبال إذا كانت غير مستورة أمامهم قد يحصل بذلك الاستقبال، ويظن أنهم قصدوا الاستقبال، فالبعد عنها أسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بترك المشتبهات، قال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (3) » صلى الله عليه وسلم فالبعد عنها أسلم، تكون عن يمين أو شمال أو خلفهم، أو بينهم وبينها ستر جدار، فإذا كان جدارا آخر غير جدارها مثل جدار حوش، أو جدار منزل، أو بيت قائم يكون هذا أبعد عن الشبهة.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (279) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم (27819) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (52) ، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599) .(13/373)
258 - حكم الخروج لزيارة القبور بعد صلاة العيد
س: السائل من اليمن يقول: أهل مسجدنا يخرجون جميعا بعد كل صلاة عيد إلى زيارة القبور جماعة، ما الحكم في هذا (1) ؟
ج: ليس لهذا أصل، الخروج إلى القبور بعد صلاة العيد عادة لبعض الناس، فإذا زاروا القبور يوم العيد أو يوم الجمعة أو في أي يوم، ما فيه يوم مخصوص لا بأس، أما تخصيص يوم العيد، أو تخصيص يوم الجمعة، أو تخصيص يوم آخر فلا، ليس له أصل، ولكن السنة أن يزوروا القبور بين وقت وآخر على حسب التيسير إذا كان وقتهم يسمح، في يوم الجمعة، في يوم العيد، في أوقات أخرى يفعلون، أما أن يظنوا أن لهذا اليوم خصوصية فلا، لكن السنة أن يزوروا القبور عندما يتيسر ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان يزورها عليه الصلاة والسلام، ويدعو لأهلها. فلا فرق بين يوم العيد، أو يوم الجمعة أو الخميس أو غير ذلك، ليس لهذا وقت معروف فيما نعلم، ولكن المؤمن يتحرى الأوقات التي يحصل له فيها فرصة؛ لأن الإنسان قد تشغله المشاغل، فإذا تيسر له فرصة في الجمعة أو في يوم العيد، أو
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (389) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(13/374)
في غير ذلك فعل ذلك، زار القبور وسلم عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (1) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » هذا تعليمه لأصحابه عليه الصلاة والسلام، سواء زرتهم في الليل أو في وسط النهار حسب التيسير، أما النساء فلا، ليس لهن زيارة القبور، الرسول لعن زائرات القبور، لكن يصلين على الميت في المساجد، يصلين مع الرجال على الموتى لا بأس، أما زيارتهن للقبور فقد زجرهن عن ذلك عليه الصلاة والسلام، ولعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك - والله أعلم - لأنهن قليلات الصبر، ولأنهن فتنة كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (3) » فالواجب عليهن طاعة الله ورسوله، وعدم الزيارة للقبور، لكن الدعاء مطلوب من الجميع
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب: ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، برقم (1547) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز، باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين برقم (2037) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم (5096) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء، برقم (2740) .(13/375)
من الرجال والنساء، الدعاء لأموات المسلمين، الدعاء لأقاربهم وأمواتهم: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، اللهم أنجهم من النار، اللهم ارفع درجاتهم في الجنة، إلى غير هذا من الدعوات الطيبة، اللهم كفر سيئاتهم، اللهم تقبل حسناتهم، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، الدعاء مطلوب في البيت، في الطريق، عند القبر، كله طيب عند الزيارة.(13/376)
259 - حكم النداء بـ " الصلاة جامعة " يوم العيد
س: سماحة الشيخ، الذين ينادون في صلاة العيد، وفي صلاة الاستسقاء بقولهم: الصلاة جامعة، هل عليهم في ذلك من شيء (1) ؟
ج: لا نعلم لهذا أصلا، بل الذي ينبغي تركه؛ لأنه في الحكم الشرعي من البدع، فلا ينبغي أن يقال: الصلاة جامعة، ولا: صلاة العيد، ولا: صلاة التراويح. كل هذا لا ينبغي، إنما يقال هذا في صلاة الكسوف: الصلاة جامعة. جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن ينادى: «الصلاة جامعة (2) » هذا خاص بالكسوف، وكان إذا أراد اجتماع الناس لأمر مهم قال: الصلاة جامعة. عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (187) .
(2) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها في كتاب الصلاة، باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف، برقم (1045) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة برقم (910) .(13/376)
والسلام، كأن يجمعهم لأمر مهم، نادى فيهم: الصلاة جامعة؛ لأن يحدثهم بأمر مهم، عليه الصلاة والسلام، أما لصلاة العيد وصلاة الاستسقاء فلا يشرع شيء من ذلك، وينكر على من فعله، ويعلم أن هذا غير مشروع، قال جابر رضي الله عنه وأرضاه: «إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة (1) » وهكذا الاستسقاء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة العيدين، برقم (885) .(13/377)
260 - بيان صيغة التهاني في العيدين
س: يسأل ويقول: ما صيغة تهاني عيد الأضحى المبارك وقد عرفنا أنه في عيد الفطر يقول الناس لبعضهم: تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. فماذا نقول في عيد الأضحى؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس لهذا صيغة معروفة، فإذا دعا له، قال: تقبل الله منا ومنك، أو: عيدكم مبارك، أو: العيد مبارك، أو: جعل الله عيدكم مباركا. سواء كان عيد الأضحى أو عيد الفطر، كله واحد، وهكذا في الحج: حجك مقبول، تقبل الله منك، عمرة مقبولة، تقبل الله منك، كل هذا وأشباهه كاف، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (280) .(13/377)
261 - حكم الوليمة المسماة بـ " الفاتحة " يوم العيد
س: في ليلة العيد أو الجمعة يؤتى بطعام من كل بيت في المسجد، أو في وسط القرية يأكلونه، وبعد ذلك يقرأ الإمام من آيات القرآن الكريم، ويختم بالدعاء بطلب الرحمة والمغفرة للأموات اعتقادا منهم أن بركة الطعام تصل إلى الأموات. وهذه الوليمة تسمى: الفاتحة - أو: الفواتح - والأسئلة حول هذا الموضوع: هل هذه الفاتحة تنفع الميت؟ وهل تسمى صدقة عندما يأكلها الغني؟ ثم ما هو العمل الذي يجب على أهل الميت القيام به نحو فقيدهم والذي يصل إليه العمل الصالح؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا الاجتماع على الوجه المذكور لا أعلم له أصلا في الشرع، فهو من البدع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » أما الدعاء للأموات والصدقة عنهم فهذا ينفعهم، الصدقة تنفع الميت، والدعاء ينفع الميت، وصلاة الجنازة والحج عن الميت والعمرة عن الميت وقضاء دينه، كل هذا
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (305) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(13/378)
ينفع الميت، أما قراءة الفاتحة وغير الفاتحة ليس عليه دليل، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله وغيره عن بعض العلماء أنه لا بأس بالقراءة للميت، وأنه يقرأ له، يثوب له القرآن، ذكر هذا جماعة من أهل العلم، ذكر هذا ابن القيم في كتاب الروح، ولكن لا أعلم عليه دليلا، وتثويب القراءة، وأن يقرأ ويثوب للميت لا أعلم عليه دليلا، فتركه أحوط وأولى، ولكن الدعاء هذا ليس فيه خلاف، فالدعاء للميت والترحم عليه، وطلب المغفرة هذا أمر معلوم متفق عليه بين المسلمين أنه ينفع الميت، وهكذا الصدقة عنه تنفع الميت، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل قال: يا رسول الله، «إن أمي ماتت، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لي أن أتصدق عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (1) » الصدقة تنفع الميت والدعاء له، وصلاة الجنازة تنفعه، ودعاء المسلم له ينفعه، والحج عنه والعمرة، وقضاء الدين، كل هذا معروف، أما كونه يقرأ ويثوبه له فهذا هو محل النزاع، ولا أعلم له دليلا شرعيا على استحباب ذلك وشرعيته، والأصل في العبادة التوقيف، هذا هو الأصل، إلا ما شرعه الله، أو ورد عن رسوله عليه الصلاة والسلام، فالأحوط في هذا ترك القراءة للميت، ولكن يدعى له ويترحم عليه، ويتصدق عنه، والحج عنه والعمرة عنه، كل هذا طيب، وكله نافع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة، برقم (1388) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، برقم (1004) .(13/379)
باب صلاة الكسوف
262 - بيان عدد الركعات في صلاة الكسوف
س: نسأل عن صلاة الكسوف، كم عدد ركعاتها؟ (1)
ج: صلاة الكسوف سنة مؤكدة، إذا كسفت الشمس أو القمر شرع للمسلمين أن يصلوا صلاة الكسوف، وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله وبقوله عليه الصلاة والسلام، فالسنة فيها أن تصلى ركعتين بقراءتين وركوعين وسجدتين في كل ركعة، هذا هو السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكبر ويقرأ قراءة طويلة بعد الاستفتاح، ثم يركع ويطيل، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها ما تيسر ويطيل، لكن دون القراءة الأولى، ثم يركع ويطيل لكن دون الركوع الأول، ثم يرفع ويطيل لكن دون الرفع الأول، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيقرأ، فيطيل لكن دون القراءة السابقة، ثم يركع ويطيل لكن دون الركوع السابق، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ويطيل دون ما قبله، ثم
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (316) .(13/381)
يركع ويطيل لكن دون ما قبله، ثم يرفع بعد الركوع الثاني ويطيل بعض الإطالة دون ما قبله، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقرأ التشهد - التحيات - والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، ثم يسلم، ثم يذكر الناس ويخطب الناس، ثم يبين لهم شرعية صلاة الكسوف، ثم يذكرهم بالله، ثم يأمرهم بالإكثار من التكبير عند رؤية الكسوف، والصدقة، وإعتاق الرقاب، والصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا» ، «افزعوا إلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره (1) » . وأمر بالتكبير والعتق عند الكسوف عليه الصلاة والسلام، فالسنة للمسلمين عند الكسوف الإكثار من ذكر الله، وتكبيره، واستغفاره، والصدقة، والعتق، والصلاة التي فعلها صلى الله عليه وسلم وأمر بها: قراءتان، وركوعان، وسجدتان، كل قراءة دون التي قبلها، وكل ركوع دون الذي قبله، ويطيل في السجدتين إطالة لا تشق على المأمومين، لا تشق على الناس حسب الاستطاعة، حسب التيسير، لكنها صلاة متميزة عن غيرها بالطول خوفا من الله، وتعظيما له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرسل الكسوف تخويفا لعباده (2) » وقال: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يخسفهما يخوف
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (1048) بنحوه.(13/382)
بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشفا (1) » وفي لفظ آخر: «إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى دعائه واستغفاره (2) » وأمر بالتكبير عند الكسوف وبالعتق وبالصدقة، فالمؤمن وهكذا المؤمنة يشرع لهما الصلاة والصدقة، والاستغفار، والإكثار من الذكر عند رؤية الكسوف، وينادى لها: الصلاة جامعة، ينادى لها على المنارات أو في المكبرات: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، يكررها مرتين أو ثلاثا أو أكثر حتى يبلغ الناس، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (5784) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (911) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .(13/383)
263 - بيان كيفية صلاة الخسوف
س: حدثونا لو تكرمتم عن صلاة الخسوف وعن كيفيتها؟ (1)
ج: صلاة الخسوف، ويقال لها: صلاة الكسوف، بين النبي صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (261) .(13/383)
وسلم صفتها بفعله عليه الصلاة والسلام، وهي سنة مؤكدة إذا كسفت الشمس أو خسف القمر، سواء ذهب النور كله أو بعض منه، فإن السنة أن يصلي المسلمون ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، هذا هو أصح ما ورد في ذلك أن يصلي المسلمون في أي وقت، حتى ولو بعد العصر على الصحيح، متى وقع الكسوف، ولو وقت النهي، من السنة أن يصلي الناس، أن تصلى صلاة الكسوف، وهي ركعتان تشتملان على قراءتين وركوعين وسجدتين في كل ركعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم كسفت الشمس، وقال بعض الناس: إنها كسفت لموت إبراهيم. فخطب الناس النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته (1) » يعني لا لموت إبراهيم ولا لغيره، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله (2) » وإلى دعائه واستغفاره، وفي الحديث الآخر: «فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم (3) » وفي اللفظ الآخر: «فادعوا الله وكبروا وتصدقوا (4) » وأمر بالعتق عند الكسوف،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (5784) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (911) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم (1040) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصدقة في الكسوف، برقم (1044) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف برقم (901) .(13/384)
وصلى بالناس ركعتين، كبر عليه الصلاة والسلام، وقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة - قال ابن عباس: تقدر بنحو سورة البقرة - ثم ركع وأطال الركوع، ثم رفع وقرأ قراءة طويلة أقل من الأولى، ثم ركع ركوعا طويلا أقل من الركوع الأول، ثم رفع وأطال دون الإطالة الأولى، ثم سجد سجدتين طول فيهما عليه الصلاة والسلام، ثم قام وقرأ وأطال، لكن دون قراءته السابقة، ثم ركع فأطال، لكن دون الركوعين السابقين، ثم رفع وقرأ، ولكن دون القراءة السابقة، ثم ركع الركوع الرابع وأطال فيه، لكن دون الركوع الذي قبله، ثم رفع وأطال، لكن أقل مما قبله، ثم سجد سجدتين طويلتين عليه الصلاة والسلام، ثم تشهد، قرأ التحيات وتشهد كالمتبع، ثم سلم، وخطب الناس ووعظهم عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، وقال: «إذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم (1) » وأمرهم بالصدقة والعتق عليه الصلاة والسلام، وأمر بالاستغفار والذكر - هذه السنة - حتى تنكشف الشمس أو القمر، والسنة الخطبة بعد ذلك كما فعلها النبي عليه الصلاة والسلام، إذا صلى الإمام يخطب الناس ويذكرهم ويبين لهم أحكام صلاة الكسوف، ويحذرهم من المعاصي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم (1040) .(13/385)
والشرور، ويدعوهم إلى طاعة الله عز وجل، ويرغبهم في الصدقة والعتق، والإكثار من ذكر الله عز وجل، والاستغفار كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر في الخطبة صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار وهو في الصلاة، فتقدم لما رأى الجنة، لما عرضت عليه الجنة تقدم، وتقدمت الصفوف، حتى حاول أن يأخذ منها عنقودا من العنب، وقال: «لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت في الدنيا (1) » ثم عرضت عليه النار عليه الصلاة والسلام، فتأخر وتأخرت الصفوف، وقال: «رأيت فيها - في النار - عمرو بن لحي الخزاعي - رئيس أهل مكة في الجاهلية - يجر قصبه في النار (2) » يعني يجر أمعاءه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وغير دين إبراهيم. يعني سيب السوائب للأصنام، يعني الإبل والبقر والغنم للأصنام لا تؤكل ولا تحلب، وأول من غير دين إبراهيم لعبادة الأصنام ودعائها من دون الله؛ فلهذا صار عذابه شديدا،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط من المعاشرة، برقم (5197) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم (907) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب قصة خزاعة، برقم (3521) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2856) .(13/386)
ورآه الرسول صلى الله عليه وسلم يجر أمعاءه في النار، وقال: «ورأيت فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها حين حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (1) » وعذبت بها. هذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب الحيوان، لا الهر ولا الكلب ولا الدجاج ولا الحمام ولا الإبل ولا البقر، لا تعذب، بل إما أن يعلفها ويقوم بواجبها، وإلا يبيعها إذا أحب البيع، أو يطلق سراحها تأكل من أرض الله، أما حبسها وعدم إطعامها وإسقائها فهذا ظلم لا يجوز حتى ولو هرة، حتى ولو كلبا لا يجوز؛ لأنه ظلم، فإذا كان هذا في هرة أو في كلب ونحو ذلك فكيف بالذي يحبس المسلم بغير حق، ويظلمه أو يتعدى عليه بقتل أو بغيره، يكون ذنبه أعظم وجريمته أكبر، وعذابه أشد، نسأل الله العافية. قال: «ورأيت فيها سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن (2) » كان في الجاهلية بعض الناس يسرق الحجاج، معه عصا محنية الرأس مثل المشعاب، كان يمر حول الحجيج حول أمتعتهم يجر من أمتعتهم بمشعابه ما أمكنه، فإذا فطنوا له قال: تعلق بمحجني، ما قصدت، وإذا لم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (745) ، ومسلم في الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم (904) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الكسوف، باب القول في السجود في صلاة الكسوف، برقم (1496) .(13/387)
يفطنوا له هرب بذلك الشيء وأخذه، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم يعذب في النار بمحجنه الذي كان يسرق به الحاج، والعياذ بالله.
هذه تفيد الحذر من السرقة، والدعوة إلى الشرك، وتعذيب الحيوانات وغيرها من المعاصي؛ فإنها من أسباب العذاب في النار، نسأل الله العافية.
فالواجب على المسلم أن يحذر ظلم الناس، وظلم الحيوان، وأخذ الأموال بغير حق، سواء غصبا أو سرقة أو خيانة، يجب الحذر من ذلك.(13/388)
س: نرجو منكم أن تبينوا لنا كيفية صلاة الكسوف وصلاة الجنازة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: أما صلاة الكسوف فقد أوضحها النبي عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا يكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، ثم قال: «فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم (2) » ولما وقع ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم كسفت الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ركعتين، كبر وقرأ الفاتحة، وقرأ معها قراءة وطول عليه الصلاة والسلام، ثم ركع طويلا، ثم رفع وقرأ الفاتحة وقراءة
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (42) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم (1040) .(13/388)
أخرى وطول فيها، لكن دون الأولى، ثم ركع طويلا عليه الصلاة والسلام، ثم رفع، لكن ركوعه هذا دون الركوع الأول، ثم رفع وأطال بعض الطول، لكن دون الطول الأول، ثم سجد سجدتين مطولتين عليه الصلاة والسلام، ثم قام فقرأ الفاتحة وما تيسر معها، وطول، لكن دون ما قبله في الطول، ثم ركع فطول، لكن دون ما قبله، ثم رفع فقرأ الفاتحة ومعها زيادة وطول لكن دون ما قبله، ثم ركع وطول، لكن دون ما قبله، ثم رفع وطول، لكن دون ما قبله، ثم سجد سجدتين طويلتين، ثم تشهد، ثم سلم، ثم خطب الناس وذكرهم عليه الصلاة والسلام، فكانت صلاته أربع ركوعات في ركعتين وفي أربع سجدات، كل ركعة فيها ركوعان، وفيها سجدتان، وفيها قراءتان. وروي عنه أنه صلى ثلاث ركوعات، وأربع ركوعات، وخمس ركوعات في كل ركعة، لكن في صحتها نظر عند أهل العلم، وأصح ما ورد في ذلك وأثبت ما ورد في ذلك أنه صلى ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، هذا هو المحفوظ في الصحيحين وغيرهما، فالمشروع للمؤمنين إذا وقع فيهم كسوف سواء كانت الشمس أو القمر فإنه يصلي ركعتين طويلتين، في كل ركعة ركوعان وقراءتان وسجدتان؛ ولهذا في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: لما كسفت الشمس قام النبي فزعا عليه الصلاة والسلام فصلى بأطول قيام، وأطول ركوع وأطول سجود عليه الصلاة والسلام، ثم لما فرغ قال: «إذا(13/389)
رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى دعائه واستغفاره (1) » أمر الناس بالصدقة والتكبير والعتق والذكر عليه الصلاة والسلام، وقال: «لو تعملون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا (2) » والخطبة سنة بعد الفراغ من الصلاة، يذكر الناس، يبين لهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته كما يظن بعض أهل الجاهلية، ولكنهما آيتان يخوف الله بهما عباده، يعني هذا الكسوف يحصل للتذكير والتخويف والتنبيه أن هذا العالم بيد الله يصرفه كيف يشاء سبحانه.
أما صلاة الجنازة فقد بين صلى الله عليه وسلم حكمها وصفتها بفعله عليه الصلاة والسلام فإنه كان يكبر، ثم يقرأ الفاتحة عليه الصلاة والسلام، ويقرأ ما تيسر معها كما ثبت في حديث ابن عباس، سورة قصيرة نحو آية أو آيتين، وإن اكتفى بالفاتحة كفى، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاته في الصلاة - الصلاة الإبراهيمية - اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أو نوع آخر من
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب: الصدقة في الكسوف، برقم (1044) .(13/390)
أنواع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك كفى، مما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت، ويدعو بما ورد في النصوص، ومن ذلك: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له - إن كان رجلا - أو: اللهم اغفر لها - إن كانت امرأة - وإن كان لا يعلم قال: اللهم اغفر لهذا الميت، أو: اللهم اغفر لهذه الجنازة، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله. وإن زاد وقال: اللهم إن كان محسنا فزده في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت، وكرر ذلك هذا حسن، ثم يكبر الرابعة، يقول: الله أكبر، ويقف بعدها قليلا، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه. هذه صفة صلاة الجنازة، هذا هو المحفوظ.(13/391)
264 - حكم تكرار صلاة الكسوف إذا لم ينجل في الأولى
س: صلينا مرة صلاة الكسوف، فلما انتهينا منها ولم ينجل بعد أعاد الإمام الصلاة، فهل هذا الفعل مشروع أم لا (1) ؟
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (38) .(13/391)
ج: المشروع في هذا هو الصلاة عند كسوف الشمس وكسوف القمر مع الذكر والاستغفار والتكبير والصدقات وإعتاق الرقاب، كل هذا مشروع كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكر كسوف الشمس والقمر، فقال: «إنهما آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته (1) » ثم قال عليه الصلاة والسلام: «فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى ذكر الله وإلى دعائه واستغفاره (2) » وفي لفظ آخر: «فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم (3) » فالسنة أن يصلي الإمام ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، فإن انكشف الكسوف فالحمد لله وإلا اشتغل الناس بذكر الله والدعاء والاستغفار والتكبير والصدقات، ويكفي، ولا تشرع إعادة الصلاة إذا لم ينجل، هذا هو المعروف عند أهل العلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (5784) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (911) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم (1040) .(13/392)
265 - بيان ما تدرك به الركعة في صلاة الكسوف
س: إذا جاء رجل ليصلي صلاة الكسوف فوجدهم في الركعة الأولى في الركوع الثاني، هل يحسب له ركعة أم لا؟ (1)
ج: إذا جاء المأموم والإمام في الركوع الثاني في صلاة الكسوف، فإنه
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (176) .(13/392)
يكبر معهم ويصلي معهم، ولكن لا يحتسب الركعة؛ لأن العمدة على الركوع الأول، فعليه أن يقضيها يقضي ما فاته، يقضي الركعة الأولى بركوعها وسجدتيها فيكون الركوع الثاني الذي أدركه له نافلة وفائدة، لكنه عند القضاء يقضي الركعة الأولى بركوعيها وسجدتيها.(13/393)
266 - حكم الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف
س: هل يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف أم لا؟ (1)
ج: نعم، السنة الجهر في صلاة الكسوف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جهر فيها عند حصول الكسوف وصلى بالناس.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (335) .(13/393)
267 - بيان ما يقدم إذا وافق الخسوف وقت العشاء
س: إذا دخل وقت العشاء وخسوف القمر، أيهما نصلي؛ الخسوف أم العشاء؟ (1)
ج: السنة يبدأ بالعشاء الفريضة؛ لأن صلاة الخسوف تطول، قد يفوت الوقت، فالسنة أن يبدأ بالفريضة، ثم الصلاة صلاة الخسوف، وهكذا لو كسفت الشمس وقت العصر، يبدأ بالعصر، ثم يصلى الكسوف.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (265) .(13/393)
268 - حكم صلاة الخسوف في أوقات النهي
س: السائل إ. ع. أ. يسأل ويقول: سماحة الشيخ في حالة خسوف القمر بعد صلاة الفجر وشوهد، هل تصلى صلاة الخسوف في هذا الوقت أم لا؟ وكذلك بعد صلاة العصر؟ وجهونا يا سماحة الشيخ (1)
ج: نعم، إذا خسفت الشمس بعد العصر شرعت الصلاة والذكر والدعاء والصدقة والتكبير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم (2) » وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره (3) » وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى الكسوف أمر بالصدقة والتكبير والعتق، هذا هو السنة ولو بعد العصر على الصحيح. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يصلى لها بعد العصر؛ لأنه وقت نهي، والصواب أنه يصلى لها؛ لأن صلاة الكسوف من ذوات الأسباب، وذوات الأسباب تفعل ولو في وقت النهي مثل صلاة الطواف إذا طاف بعد العصر، ومثل تحية
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (396) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم (1040) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم (1059) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (912) .(13/394)
المسجد إذا دخل المسجد، ومثل أن يدخل قبل المغرب يصلي ركعتي التحية، ومثل الوضوء لو توضأ بعد العصر يصلي ركعتين، هذا هو الصواب. ذوات الأسباب لا بأس بها في وقت النهي، وصلاة الكسوف من ذوات الأسباب، هذا هو الصواب والراجح من قولي العلماء. وهكذا إذا كسف القمر في آخر الليل، أو في أول النهار يصلي لكسوفه أفضل، ومن ترك فلا حرج؛ لأن وقته قد ذهب، قد ذهب سلطانه بعد الفجر، ولم يبق إلا الشيء اليسير من سلطانه، فمن صلى فهو أفضل، ويخفف حتى يصلي الفجر بعد ذلك في وقتها، ومن لم يصل فلا حرج؛ لأن القمر إذا طلع الفجر ذهب سلطانه ولم يبق منه إلا اليسير، فمن صلى بعد طلوع الفجر له ذلك؛ لعموم الحديث فلا بأس، وهو أفضل، ومن ترك ذلك فلا حرج، وإن صلى فليخفف، يبدأ بصلاة الكسوف قبل الفجر، ثم يصلي صلاة الفجر في وقتها قبل الشمس.(13/395)
269 - بيان كيفية القراءة في صلاة الكسوف
س: سماحة الشيخ، يقول هذا السائل في صلاة الكسوف: هل القراءة سرا أم جهرا؟ (1)
ج: صلاة الكسوف جهرا، كان النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (430) .(13/395)
الشمس قرأ جهرا في الليل والنهار، كسوف الشمس وخسوف القمر يقرأ جهرا.(13/396)
270 - حكم تصديق الفلكيين في توقعاتهم للخسوف
س: سماحة الشيخ، توقعات الحسابيين وإخبارهم عن أوقات الكسوف والخسوف هل يعمل به، وما حكم ذلك؟ (1)
ج: أخبار الحسابيين والفلكيين عن خسوف القمر وكسوف الشمس، القمر يخسف في كذا، والشمس تكسف في كذا، قد يصدقون وقد يخطئون، مثل ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، فهم قد يخطئون وقد يصيبون، لكن لا يعمل بأقوالهم إلا إذا شاهدنا الكسوف بأعيننا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن الله يرسلها يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم (2) » فإذا رأيتم ذلك فافزعوا لله ودعائه. والسنة الفرار. فأنتم مأمورون أن تفزعوا للصلاة والذكر والدعاء عند المشاهدة، عندما تشاهدون الكسوف والخسوف، أما إخبار الفلكيين والحسابيين أنها تكسف الشمس يوم كذا أو صباح كذا، أو القمر في ليالي كذا، فهذا لا يعمل به إلا إذا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (374) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (5784) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (911) .(13/396)
رئي، إذا وجد فإن الناس يصلون ويعملون ما شرع الله جل وعلا، وهكذا لو كسف في أمريكا وإنجلترا وفي مصر ما نعمله، يعمله الذين كسفت عندهم، إذا شاهدوا في مصر شرع لهم أن يصلوا هناك، وإذا شاهدوا الكسوف في لندن شرع لهم الصلاة هناك، وإذا وجد الكسوف عندهم في أمريكا شرع لهم الصلاة، وهكذا، أما البلد التي ما فيها كسوف ولكن يبلغه الخبر أنه وقع في أمريكا أو في كذا لا يشرع لهم، وهكذا قول الحسابيين: إن القمر يكسف في ليلة أربع عشرة الساعة كذا، أو في ليلة خمس عشرة الساعة كذا، أو الشمس تكسف يوم ثمانية وعشرين، أو في تسعة وعشرين، أو في ثلاثين. كل هذا لا يقبل منه ولا ينبغي أن يعمل به ولا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالمشاهدة، قال: «إذا رأيتم ذلك (1) » وينبغي التنبيه لهذا، ونسأل الله لأولئك الحسابيين الهداية، ونسأل الله لنا ولهم الهداية، فاشتغلوا بأشياء لا تعنيهم ولا تهمهم ولا تترتب عليها مصالح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، برقم (5784) ، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، برقم (911) .(13/397)
صفحة فارغة(13/398)
باب صلاة الاستسقاء
271 - بيان كيفية صلاة الاستسقاء
س: ما كيفية صلاة الاستسقاء؟ (1)
ج: صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد، يصلي ركعتين، ويكبر في الأولى سبعا، وفي الأخرى خمسا، يكبر تكبيرة الإحرام، وستا بعدها، ثم يستفتح، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للثانية ويصليها مثل صلاة العيد، يكبر خمس تكبيرات إذا اعتدل، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يقرأ التحيات، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، ثم يسلم مثل صلاة العيد؛ لأنه صلاها كما كان يصلي في العيد عليه الصلاة والسلام، ثم يقوم ويخطب الناس خطبة يعظهم فيها ويذكرهم ويحذرهم من أسباب المعاصي، ومن أسباب القحط، ويحذرهم من المعاصي؛ لأنها أسباب القحط وأسباب حبس المطر، وأسباب العقوبات، ويحذر الناس من
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (261) .(13/399)
أسباب العقوبات من المعاصي والشرور، وأكل أموال الناس بالباطل، والظلم، وغير ذلك من المعاصي، ويحثهم على التوبة والاستغفار، ويقرأ عليهم الآيات الواردة في ذلك، والأحاديث، ثم يدعو ربه رافعا يديه، ويرفع الناس أيديهم يدعون، يسألون ربهم الغوث، ومنها: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا (1) » ثلاث مرات «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريئا، غدقا، مجللا، سحا، طبقا، عاما، نافعا، غير ضار، تنمي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله يا رب بلاغا للحاضر والباد (2) » هذا من الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركاتك. فلنلح في الدعاء، ونكرر في الدعاء: اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يستقبل القبلة في أثناء الدعاء، يستقبل القبلة وهو رافع يديه، ويكمل الدعاء بينه وبين ربه وهو رافع يديه، ثم ينزلها، والناس كذلك يرفعون أيديهم ويدعون مع إمائهم، وإذا استقبل القبلة كذلك يدعون معه في استقبال القبلة بينهم وبين أنفسهم، ويرفعون أيديهم، والسنة أن يحول رداءه في أثناء الخطبة عندما يستقبل القبلة،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، برقم (1014) ، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم (897) .
(2) انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (ج2/250) .(13/400)
يحول رداءه، يجعل ما على الأيمن على الأيسر إذا كان عليه رداء أو بشت، إن كان بشتا يقلبه، وإن كان ما عليه شيء الغترة يقلبها، قال العلماء: تفاؤلا بأن الله يحول القحط إلى الخصب، ويحول الشدة إلى الرخاء؛ لأنه جاء في الحديث المرسل عن محمد بن علي الباقر «أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط (1) » يعني تفاؤلا. وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد، «أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه لما خرج من صلاة الاستسقاء (2) » فالسنة للمسلمين كذلك، أما في خطبة الجمعة لم يحول رداءه عليه الصلاة والسلام، دعا واستغاث وهو في خطبة الجمعة في ضمن دعائه عليه الصلاة والسلام، والاستغاثة تكون في خطبة الجمعة، وتكون في خطبة العيد، وتكون في غير ذلك، ليست سواء للجالس في البيت أو في السوق لا بأس، دعاء الاستسقاء مطلوب من الفرد والجماعة، لكن إذا صلى بهم ركعتين خرج بهم إلى الصحراء وصلى بهم ركعتين كالعيد فإنه يخطب بعد ذلك، ويدعو ويحول رداءه كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند استقباله للقبلة،
__________
(1) أخرجه الدارقطني في الجزء الثاني، برقم (1798) مرسلا، وأخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (1216) عن محمد بن علي الباقر، عن جابر رضي الله عنه مرفوعا.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1005) ، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، برقم (894) .(13/401)
ويجوز أن يخطب قبل ذلك - قبل الصلاة -، ثم يصلي بعد ذلك، جاء هذا وجاء هذا عن النبي، جاء أنه خطب قبل الصلاة، وأنه خطب بعد الصلاة كالعيد، وقبل الصلاة كالجمعة، وكل هذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام، والمقصود هو الدعاء والضراعة إلى الله، ورفع الشكوى إليه جل وعلا في إزالة القحط والشدة، وفي إنزال المطر والغوث منه سبحانه وتعالى، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ركع ثلاث ركوعات، وبعضها أربع ركوعات، وبعضها خمس ركوعات، لكن الأصح والأرجح عند المحققين من أهل العلم أنه صلى ركعتين بركوعين فقط، بركوعين وقراءتين، هذا هو الأصح فيما جاء في هذا كما تقدم، صلى ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، ثم قرأ التحيات وصلى على النبي ودعا، ثم لما سلم خطب الناس وذكرهم، وبين لهم أحكام الاستسقاء، وبين لهم عقوبات الذنوب والحذر منها، وبين لهم أنه ينبغي لهم الصدقة والإحسان، والإكثار من ذكر الله واستغفاره، وهكذا ينبغي لأمته في الصلاة والخطب، فيذكروا الناس وينبهوهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.(13/402)
س: حدثوني وبالتفصيل - جزاكم الله خيرا - عن صلاة الاستسقاء، وكيف هي؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (269) .(13/402)
ج: صلاة الاستسقاء سنة، قد فعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم لما أجدبت المدينة، خرج بالناس بعد ارتفاع الشمس وصلى بهم ركعتين مثل صلاة العيد، هذا هو السنة، يصلي ركعتين، ثم يخطب الناس ويذكرهم، ويكثر في خطبته من الدعاء وسؤال الله الغيث، والنبي صلى الله عليه وسلم لما صلى خطب الناس وذكرهم ورفع يديه ودعا، قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريئا، غدقا، مجللا، طبقا عاما، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل (1) » تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، إلى آخر دعواته الكثيرة عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود أن صلاة الاستسقاء ركعتان مثل صلاة العيد، يجهر فيهما بالقراءة، ويكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، ويقرأ فيهما بسبح والغاشية بعد الفاتحة، أو بالجمعة والمنافقون بعد الفاتحة، أو يقرأ بغير ذلك بعد الفاتحة فلا بأس.
وإن خطب قبل الصلاة فهذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان، ولكن كونه يصليها كالعيد كما هو عليه العمل الآن فهو
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث كعب بن مرة السلمي رضي الله عنه، برقم (17599) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، برقم (1169) ، وابن ماجه بنحوه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء، برقم (1270) .(13/403)
الأولى؛ حتى تكون الصلاة جميعها على نمط واحد.
والسنة أن يقوم بها المسلمون عند الجدب في كل مكان بحسبه، فإذا أجدبت الأرض في جيزان مثلا، أو في الشمال في الجوف أو حائل استسقوا، ولو ما استسقى الجهات الأخرى، فإذا كان مثلا جهة الشمال خصبا وجهة الجنوب جدبا يستسقي أهل الجنوب جيزان، أبها، غامد، إلى غير ذلك. وإذا كان جهة الجنوب خصبا وجهة الشمال جدبا كحائل أو الجوف أو تبوك استسقوا، يستسقي الأئمة والخطباء في الجمعة في خطب الجمعة، أو يخرج أمير البلد وقوادها والمسلمون إلى الصحراء ويصلون ركعتين.
وليس من شرطها إذن ولي الأمر، ما يحتاج إلي استئذان، فإذا أجدبت الأرض خرج، نبه الحاكم رئيس المحكمة أو الأمير بالاتفاق مع المحكمة، يتفقون على يوم معين ويبلغون الناس أنهم سيستسقون في اليوم الفلاني حتى يخرج الناس إلى الصحراء، فيستسقي بهم خطيب الجامع، أو من يراه الحاكم الشرعي، يستسقي بهم ويكرر الاستسقاء مرتين، ثلاثا، ما دام الجدب موجودا، ولو صلاها عدة مرات في كل واحدة أو شهرين، كله سنة.
ويسن أيضا الاستسقاء في خطبة الجمعة، النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا استسقى في الجمعة، رفع يديه واستسقى، وهكذا خرج(13/404)
للصحراء وصلي ركعتين عليه الصلاة والسلام، كله سنة هذا وهذا، والمشروع لأئمة الجوامع أن يستسقوا في الخطب في البلاد التي فيها جدب، وليس هناك حاجة إلى أن يستأذن الأمير أو الحاكم أو ولي الأمر إذا كان الجدب موجودا معروفا.(13/405)
272 - بيان محل الاستفتاح في صلاة الاستسقاء
س: متى يستفتح لصلاة الاستسقاء وصلاة العيدين (1) ؟
ج: بعد التكبيرة الأولى يستفتح، ثم يكبر التكبيرات الست، في الأولى إذا قال: الله أكبر، استفتح، ثم يكبر معها التكبيرات، ثم بعد الأخيرة يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ وإذا أخر الاستفتاح بعد أداء التكبيرات فلا حرج، الأمر واسع.
__________
(1) السؤال الثالث والخمسون من الشريط رقم (350) .(13/405)
273 - حكم تقديم الخطبة على الصلاة في الاستسقاء
س: هل يسن تقديم الخطبة على الصلاة أحيانا في صلاة الاستسقاء؟ (1)
ج: جاء هذا وهذا، إن قدمها فلا بأس، وإن أخرها فلا بأس، الأمر في هذا واسع.
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (350) .(13/405)
274 - حكم رفع اليدين في دعاء الاستسقاء
س: هل الأفضل أثناء الدعاء في كل وقت غير الاستسقاء رفع الأيادي أم عدم رفعها؟ (1)
ج: الأفضل رفع الأيدي بالدعاء، هذا هو الأفضل؛ لأنه من أسباب الإجابة، إلا في حالات ما رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فإنا لا نرفع فيها، وما عداها نرفع في المواضع التي رفع فيها صلى الله عليه وسلم، كصلاة الاستسقاء، في خطبة الاستسقاء، وفي المواضع التي ندعو فيها نرفع أيدينا، لكن المواضع التي ما رفع فيها صلى الله عليه وسلم مثل صلاة الفريضة ما رفع فيها، ولا بين السجدتين، ولا قبل السلام ولا بعد السلام لو فعلها لنقلها الصحابة؛ لأنهم ما تركوا شيئا - رضي الله عنهم - إلا نقلوه، فلما لم ينقلوا أنه كان يرفع يديه بعد الفريضة دل على أنه لا يشرع، وكذلك في خطبة الجمعة، ما كان يرفع يديه في خطبة الجمعة، ولا في خطبة العيد عليه الصلاة والسلام، فنحن لا نرفع إلا إذا استسقينا، إذا استسقينا في خطبة الجمعة والعيد نرفع أيدينا في الاستسقاء.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (261) .(13/406)
275 - حكم التقرب إلى الله بالذبح بعد صلاة الاستسقاء
س: الأخ أ. ح. يقول: من عادة الناس في بعض المناطق بعد صلاة(13/406)
الاستسقاء الذبح والتقرب إلى الله بنزول المطر، هل ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أم يعتبر ذلك بدعة؟ (1)
ج: لا أصل لهذا إلا في عيد الأضحى، يضحي بالضحية، وفي أيام منى، النحر، أما كونه في عيد الفطر فما فيه ذبح، أما إذا كان عنده ضيوف أو دعا أقاربه وجعل لهم ضيافة لأجل أن دعاهم للغداء عنده يتغدون، أو جاءه ضيوف فلا بأس، أما اتخاذ هذا تعبدا، يذبح ذبائح في عيد الفطر أو بعد صلاة الاستسقاء يرى أنها قربه، فهذا ليس له أصل.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (385) .(13/407)
276 - بيان أسباب عدم نزول المطر
س: كثيرا ما أسمع أن عدم نزول القطر من السماء متعلق بالعبادة، فإذا كان كذلك فهل الذي في الهند وغيرهم الذين يأتيهم المطر باستمرار يعبدون الله أكثر مما نحن نعبده، أو أن المسألة دوران فلك؟ أرجو توضيح ذلك لو تكرمتم، والواقع يشغل هذا سماحة الشيخ أذهان كثير من الناس. (1)
ج: على المؤمن وعلى كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم، سواء كانوا كفارا أو مسلمين، قال عز وجل:
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (78) .(13/407)
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (1) وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (3) {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (4) وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} (5) فهو سبحانه خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين، وتكفل بأرزاقهم، فهو ينزل الأمطار ويجري الأنهار في البلاد الإسلامية وغيرها، ويرزق هؤلاء وهؤلاء، لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه، وعصوا أمره، قد يؤدبهم ويعاقبهم لينتبهوا، وليحذروا أسباب غضبه، فيمنع القطر كما منع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصلح الناس، عهد النبي أصلح الناس، وأصلح العهود؛ فالنبي أصلح الناس وصحابته أصلح العباد، ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب حتى طلب المسلمون من الرسول أن يستغيث، وقالوا: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا. فاستغاث فرفع يديه وقال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا (6) » فأنزل الله المطر وهو على المنبر عليه الصلاة والسلام، أنشأ الله السحاب سبحانه وهو على المنبر، ثم اتسعت وأمطرت، فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر، فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى،
__________
(1) سورة هود الآية 6
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة الذاريات الآية 57
(4) سورة الذاريات الآية 58
(5) سورة العنكبوت الآية 60
(6) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، برقم (1014) ، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم (897) .(13/408)
فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا، فضحك عليه الصلاة والسلام من ضعف بني آدم، في الجمعة الأولى يطلبون الغيث، وفي الجمعة الأخرى يطلبون الإمساك، فرفع يديه، وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر (1) » قال أنس: فتمزق السحاب في الحال، وصارت المدينة مثل الجوبة، يمطر هاهنا وهاهنا، المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم استغاث، وأصيب الناس بالجدب في زمانه، وأصاب أصحابه الجدب وهم خير الناس؛ تأكيدا وتنبيها حتى ينتبه الناس وحتى يضرعوا إلى ربهم، ويسألوه من فضله سبحانه وتعالى؛ لأن تأديبهم فيه خير لهم، يتنبهون ويعبدونه بالدعاء ويضرعون إليه، ويعلمون أنه الرازق، فهكذا البلاد الإسلامية، وإن كانت بلادهم أصلح من بلاد الكفار، وهم خير من الكفار، وهم أعبد الناس لربهم سبحانه وتعالى، لكن يبتليهم بالسراء والضراء، بالسراء حتى يشكروا، وبالضراء حتى ينتبهوا ويصبروا، وحتى يجازيهم بالأجر العظيم على صبرهم، وبالأجر العظيم على شكرهم، فإذا لم ينتبهوا أصيبوا بالجدب والقحط، أو بتسليط الأعداء أو بغير هذا حتى ينتبهوا وحتى يرجعوا إلى الله، وحتى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، برقم (1014) ، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم (897) .(13/409)
يتوبوا إليه، كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال في قصة أحد لما أصابهم ما أصابهم من الهزيمة، قال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} (2) يعني يوم بدر: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (3) فالمسلمون في بدر نصروا على الكفار، وهزم الله الكفار وأسروا منهم سبعين وقتلوا سبعين من الكفار، وصارت الدائرة على الكفار والنصر للمسلمين، وفي يوم أحد جرى على المسلمين مصائب بأسباب أنفسهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الرماة أن يلزموا الثغر الذي خلف المسلمين، وكانوا خمسين، أمر عليهم عبد الله بن جبير، وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتمونا تخطفنا الطير سواء نصرنا أو لم ننتصر، لا تبرحوا مكانكم. فلما نصر الله المسلمين وهزم الكفار ظن الرماة أنها الفيصلة، وأن الأمر انتهى، وأنه ما بقي إلا جمع الغنائم، فانصرفوا من مكانهم، فأمرهم أميرهم أن يبقوا، وذكرهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فامتنعوا عليه وقالوا: إن الأمر انتهى، والكفار انهزموا. فلما فعلوا ذلك جاءت خيل الكفار من خلف المسلمين ودخلوا مع هذا الثغر الذي أهملوه وصارت المصيبة على المسلمين بأسبابهم، فالمقصود أن المسلمين قد
__________
(1) سورة الشورى الآية 30
(2) سورة آل عمران الآية 165
(3) سورة آل عمران الآية 165(13/410)
يبتلون بأمور فيها تذكير لهم، وفيها مصالح لهم، وربك أحكم وأعلم - سبحانه وتعالى - لينتبهوا وليعلموا أن النصر بيد الله، وأن كونهم عبدوا الله وكونهم فيهم رسول الله لا يكفي، بل لا بد من العمل بطاعة الله، لا بد من القيام بأمر الله، لا بد من الصبر على جهاد أعداء الله؛ ولهذا نبههم بقوله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (1) فإذا كان الرسول وأصحابه تصيبهم عقوبات الذنوب، ويبتلون كما يبتلى غيرهم، فكيف بغيرهم؟ أما أولئك الكفرة فقد فرغ منهم، قد أطاعوا الشيطان، وتابعوا الشيطان في الهند وفي غير الهند، وفي أمريكا وفي إنجلترا وفي كل مكان، فإذا أجرى الله عليهم النعم، وأدر عليهم الأرزاق وجاءتهم الأمطار فهو استدراج لهم، والعاقبة وخيمة كما قال عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} (2) فقد تنزل بهم عقوبات كما نزلت بهم الحرب العظمى الأولى والثانية، نزلت فيهم عقوبات بأسباب الكفر والذنوب، فالله سبحانه وتعالى يملي ولكن لا يغفل سبحانه وتعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (3) ويقول سبحانه:
__________
(1) سورة آل عمران الآية 165
(2) سورة الأنعام الآية 44
(3) سورة البقرة الآية 74(13/411)
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (1) فقد يملي للكفرة، ويتابع عليهم النعم من الأمطار، وجري الأنهار، وأصول الثمار، ثم يأخذهم إذا شاء أخذ عزيز مقتدر سبحانه وتعالى، ثم هم بعد ذلك مستدرجون، فكلما زادت النعم واستمر الأمن وهم في معاصي الله صار عذاب يوم القيامة أكبر، وصار أشد عليهم يوم القيامة مما لو أخذوا في الدنيا ببعض الشيء، فينبغي للعاقل أن لا يغتر بهذه الأمور، وينبغي للمسلم أن ينتبه لهذه الأمور، وأن المسلمين قد يبتلون، ثم تكون لهم العاقبة الحميدة، ثم بلواهم تنفعهم إن بلوا بالسراء فشكروا نفعهم ذلك، وإن بلوا بالضراء واستكانوا لله وصبروا وسألوه واستغاثوا به وتابوا إليه نفعهم ذلك، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 183(13/412)
باب أحكام الجنازة
277 - حكم كتابة الوصية عند المرض
س: إذا مات الإنسان ولم يكتب وصيته لجهله، أو لغير ذلك، وعندما توفي هذا الشخص جاء أحد الناس وقال: لي في ذمة المتوفى مبلغ معين، وقمنا برد ذلك المبلغ ولكن بعد فترة لم نستطع تسديد بقية الديون؛ لضيق ذات اليد، فهل يعذب الميت، حتى يقضى دينه، وحالنا ما ذكرنا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوصية للميت مستحبة فيما ينفعه، إذا كان عنده مال كثير يستحب أن يوصي بالثلث أو بالربع، أو بالخمس في وجوه البر وأعمال الخير، ولا تجب عليه، ولكن إذا أراد ذلك ينبغي أن يبادر ويكتبها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (2) » خرجه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (334) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم (2738) ، ومسلم في كتاب الوصية، برقم (1627) .(13/413)
عنهما. فإذا كان يحب أن يوصي فالسنة أن يبادر، وأن يكتب الوصية التي يحب أن يوصي بها في ثلثه، في ربعه، في خمسه، في بيت معين، في نخل معين، في أرض معينة، هذا هو المشروع له وهو الأفضل أن يبادر، أما إذا كان عليه ديون، أو عنده أمانات للناس فالوصية واجبة، يجب أن يوصي بها ويبينها لمن خلفه: أن لفلان كذا، ولفلان كذا، وعنده أمانة لفلان؛ حتى لا يجحدها الورثة، وحتى توصل إلى أهلها، المقصود إذا كان عنده حقوق للناس يجب عليه أن يوصي من ديون وأمانات ونحوها؛ حتى يبرئ ذمته من حق الناس، أما تأخرهم في تسديد ذلك الدين لضيق ذات اليد؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، فإذا أخروه لعجز مثلا، ما عندهم مال، وما خلف تركة وهم أحبوا أن يوفوا عنه فلهم أجر، ولا شيء عليهم، أما إذا كان عنده تركة فالواجب البدار ببيعها وإيفاء الدين منها؛ حتى لا يتأخر الدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (2) » فعلى الورثة البدار ببيع العقار حتى يوفى الدين، أو ببيع المواشي الحيوانات، أو الأمتعة الأخرى، فكون الورثة يبادرون ببيع بعض التركة حتى يوفى عن
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، برقم (1078) ، وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب التشديد في الدين، برقم (2413) .(13/414)
الميت دينه هذا واجب، وللقاضي أن يلزمهم بذلك إذا ترافعوا للمحكمة.
أما كون الميت يعذب في قبره؛ نظرا لكونه مات وعليه ديون لم تسدد فما ورد في هذا شيء، وإنما يعذب بالمعاصي والسيئات، أما تأخر الدين فهذا فيه تفصيل، لكن إذا كانت له معاص، ومات على غير توبة فهذا يخشى عليه، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه مر على قبرين، فرآهما يعذبان، قال: وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزه من البول (1) » المقصود أنه إذا كان عنده حقوق يجب أن يؤديها للناس، ويخشى عليه من العذاب إذا فرط في حقوق الناس، أو مات على غير توبة من المعاصي.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم (216) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم (292) .(13/415)
278 - حكم وصية الميت لأحبابه بعدم النياحة عليه
س: سماحة الشيخ، كلنا إلى الموت قادمون، بمن نوصي من محبينا إذا متنا حتى لا ينوحوا علينا (1) ؟
ج: الرجل يوصي أهله، وكذلك المرأة توصي أهلها بأن لا ينوحوا، يوصيهم كما حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم. يقول: إياكم والنياحة
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (251) .(13/415)
علي. الرجل يوصي أهله، والمرأة توصي أهلها، توصي زوجها، والزوج يوصي زوجته، يوصي أهله، والله يقول في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ} (1) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) . التواصي لا بد منه؛ لأن المسلم أخو المسلم، والزوج يحب لزوجته الخير، والزوجة كذلك، والأب يحب لولده الخير، والولد كذلك، والولد يحب لأبيه وأمه الخير، فالتواصي لا بد منه؛ لأن النياحة تضر الميت وتضرهم، يأثمون، والميت يضره ذلك، فالتواصي بترك ذلك الذي يضر الجميع أمر مطلوب، فالله سبحانه يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (4) . نسأل الله للمسلمين التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
(4) سورة المائدة الآية 2(13/416)
279 - حكم التبرع بالأعضاء عند اليأس من الشفاء
س: بالنسبة لبعض الناس، حينما ييأس مثلا من شفائه من مرض ما، ويكون إلى الموت أقرب فقد يتبرع بشيء من أعضائه كالعينين مثلا، أو ربما يبيعهما بيعا، فما الحكم في هذا (1) ؟
ج: أنا حتى الآن لم يتضح لي الجواز، وبعض إخواننا قد أجاز ما يتبرع به الإنسان إذا كان لا يضره، أو بعد موته إذا لم يترتب عليه نزاع بين الورثة
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (52) .(13/416)
ولا فتنة، أما أنا فالذي يظهر لي عدم الجواز؛ لأن هذه أمور أعطاها الله العبد، وليس له التصرف فيها، بل يجب عليه أن يقف عند حده، ولا يتصرف في أعضائه، ويعلم أن المثلة محرمة في الحياة، وهذا نوع من المثلة، كونه يسمح أن يمثل به، فيؤخذ قلبه، أو أن تؤخذ كليته أو ما أشبه ذلك، أخشى أن يكون داخلا في النهي عن المثلة، وأخشى أن يكون عليه بهذا حرج، فأنا عندي التوقف في هذا، وأنا إلى المنع أميل، أما بعض العلماء فإنهم يجيزون بعض هذا.
والبيع عندي حكم التبرع أو أشد؛ ذلك أن البيع ما أعلم له مجيزا، ما أعلم أحد من إخواننا العلماء أجاز البيع، إنما الخلاف هذا من أجل التبرع.(13/417)
280 - حكم إنفاذ وصية الميت بالحج عنه من تركته
س: الأخ ر. ع. ج. ح. من اليمن، لواء حجة، يقول: أنا لي أم متوفاة إلى رحمة الله عز وجل من اثني عشر عاما، ولها أولاد ثلاثة توفي منهم اثنان، ولم يبق إلا الله عز وجل، وأنا العبد الفقير إلى الله، ووالدي ما زال على قيد الحياة، وله زوجة أخرى ولها أولاد لوالدي، والمرحومة الوالدة تركت شيئا بسيطا من المال، وأنا لم آخذ منه شيئا وهو مع والدي، وقبل وفاة المرحومة والدتي أوصتني بحجة لها، زيارة بيت الله الحرام مقابل هذا المال الذي تركته،(13/417)
وهذا المال موجود طرف والدي الحي، وقد طلبت هذا المال من والدي، فرفض إعطائي أي مبلغ، علما بأن والدتي قالت: إنك لا تحج إلا من مالها الحقيقي الذي تركت، والسؤال الآن هو: هل يجوز في الشرع أن يستولي والدي على أموال المرحومة والدتي بدون وجه؟ وهل يصح أن أحج لها من أموالي الخاصة بي؟ الرجاء التكرم بالإفادة جزاكم الله عني خيرا (1)
ج: أولا: يجب أن يقول: إلا الله، ثم أنا، وثانيا: قولك: المرحومة. هذا الجزم لا وجه له، ولكن تقول: والدتي رحمها الله. تدعو أو: غفر الله لها. ولا تقول: المرحومة والمغفور لها؛ لأن هذا لا يعلمه إلا الله، فالجزم بمثل: المرحومة والمغفور له. أمر لا يجوز؛ لأن أهل السنة والجماعة لا يشهدون لأحد برحمة، ولا مغفرة ولا جنة ولا نار، إلا من شهد الله له، أو شهد له رسوله عليه الصلاة والسلام بذلك، فمثل هذا الكلام يقع من كثير من الناس، يقول: فلان المرحوم، فلانة المرحومة، فلان المغفور له، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يقول: غفر الله له، رحمه الله. من دون الجزم.
وأما هذه الوصية فالواجب على أبيك وعليك، وعلى جميع الورثة أن ينفذوا وصيتها بالثلث فأقل، تكون الحجة فيما يبلغ الثلث فقط، أو
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (117) .(13/418)
أقل إذا كانت لم تحج، أو كانت قد حجت، فإذا كانت لم تحج الفريضة فينظر في حالها، فإن كانت مليئة في حياتها قادرة فالواجب إخراج الحجة، من مالها قبل كل شيء كالدين، يحجج عنها، أما إن كانت غير موسرة في حياتها، والمال الذي خلفت قليل، لا تكون به موسرة في حياتها فإن وصيتها تكون بالثلث فأقل، فالثلث يؤخذ من مالها، وتحج به أنت كما أوصتك به أمك، وإن تركت المال لأبيك وحججت عن والدتك من نفسك؛ لئلا يحصل بينك وبين أبيك نزاع وشنآن وبغضاء ووحشة فلا بأس، حج عنها من نفسك والحمد لله، وإذا تركت المال لأبيك فأنت على خير ومأجور؛ لما لأبيك من الحق العظيم، ولأن في ترك ذلك بعدا عن الشحناء بينك وبين أبيك، والمقصود حصول الحجة، فإذا حججت عنها من مالك، واستغنيت عن مالها مراعاة لخاطر أبيك فلا بأس بذلك ولا حرج، بل ذلك هو المطلوب وهو الأولى والأفضل؛ حسما لمادة النزاع بينك وبين والدك، والله المستعان.(13/419)
281 - حكم من أوصى بالذبح عند قبره أثناء الدفن
س: السائل ح. إ. من اليمن يقول: إذا مات الرجل، وأوصى قبل موته أن يذبحوا رأسا من الغنم أو أكثر أثناء الدفن، وتقسم على الحاضرين، فهل أكلها جائز؟ (1)
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (395) .(13/419)
ج: هذه بدعة، لا تنفذ، هذه وصية بدعة، ليس لهم تنفيذها.(13/420)
282 - حكم من أوصى بدفنه في المدينة النبوية
س: البعض من الناس يوصي بدفنه في المدينة المنورة، هل تنفذ مثل هذه الوصية؟ وهل لذلك فضل؟ (1)
ج: الأقرب عدم التنفيذ، ولا حاجة إلى التنفيذ، يدفن في بلده مع المسلمين، ولا يكلف ورثته، ولا يكلف الناس، يدفن في بلده، إذا كان فيها مقبرة للمسلمين، وإلا يقبر في محل متحد عن الكفار، ولا حاجة للنقل.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (382) .(13/420)
283 - حكم من أوصى بأن يدفن في قبر جدته
س: رجل أوصى أن يدفن بعد موته في نفس القبر الذي دفنت فيه جدته؛ لأنها كانت محبوبة لديه في حياتها ويحبها بحجة أن المدة التي مضت على وفاتها فترة طويلة، وأصبح لا وجود للجثة في التربة، فهل تنفذ مثل هذه الوصية؟ (1)
ج: السنة أن يحفر له قبر مستقل، ولا تنفذ، يبقى القبر لصاحبه، إلا عند الضرورة، لو كان هناك ضرورة ضيق في الأرض والبلد ضيقة، ما
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (377) .(13/420)
عندهم مكان، إذا بلي يدفن معه واحد، لكن ما دام ليس هناك ضيق فالسنة تبقى القبور على حالها، ويدفن في قبر مستقل، ولو كان يحبها كثيرا، بل يدفن في قبر مستقل، هكذا كانت السنة، وهكذا كان الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يدفن كل واحد في قبر على حدة، إنما جمع الاثنين والثلاثة في وقعة أحد لما أصيبوا وشق عليهم أن يدفن كل واحد على حدة، صار يجمع الاثنين والثلاثة في قبر واحد في وقعة أحد، لكن في وقت السعة لا، كل واحد في قبر واحد، والحمد لله.(13/421)
284 - حكم إنفاذ وصية من أوصى بدفنه في مكان مخصص
س: إذا أوصى الإنسان في حياته بأن يدفن في مكان مخصص، فهل تنفذ هذه الوصية، يعني عند الوفاة يدفن في المكان الذي اختاره قبرا له؟ (1)
ج: إن كانت البقعة مناسبة، كأن يقول: في مقابر المسلمين، أو مع الجماعة في مقابر الجماعة، فلا بأس، أما أن يوصي في محل خاص في بيته، أو في محل آخر فردا دون الناس فلا، لا تنفذ له الوصية؛ لأن في بيته خلاف المشروع، وهو وسيلة أن يمتهن أو يغالى فيه، وفي مكان آخر وحده قد يمتهن، أو يغالى فيه، ولكن يدفن مع المسلمين في بلاده، وإن
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (103) .(13/421)
أوصى بنقله إلى بلاد أخرى فلا يجب التنفيذ؛ لما فيه من الكلفة وعدم الحاجة وعدم المشروعية، بل يدفن في مقبرة بلاده إن كان فيه مقبرة للمسلمين، يدفن معهم، ولا حاجة إلى نقله إلى محل يكلف مئونة، أو يكون في نقله إليه محذور آخر، كأن يدفن مع أناس معروفين بالبدعة، أو معروفين بالكفر والشرك، لا يدفن معهم، ينقل إلى مقابر المسلمين المعروفة في بلده ويكفي، والحمد لله، ولا حاجة إلى أن يتكلف الورثة نقله إلى بلاد أخرى. فإن تيسر مقبرة يقبر في مقبرة المسلمين، أما إن كان في بر أو مزرعة بعيدة عن الناس فيدفن في محل خاص في الأطراف حول المزرعة هو ومن يموت، يكون لا يمتهن بعيدا عن الامتهان، يكون قبرا بارزا معروفا على هيئات القبور، هذا لا بأس به، أما أن يدفن في مكان يمتهن؛ بالمياه أو بالوطء عليه أو ما أشبه ذلك فلا، لكن متى وجد مقبرة قريبة منهم نقل إليها حتى لا يمتهن، فإذا أوصى الإنسان أن يقبر في مقبرة أخرى غير ممتهنة فهو محق، والواجب على أهل البلد أن يصونوا مقابرهم، يصونوها بجدار أو بشبك من الشوك، أو بشبك من الحديد، أو غيره حتى لا تمتهن، والحكومة وفقها الله قد عمدت البلديات هنا بصيانة المقابر، وهي تصان إذا كتب إليهم بهذا وذكروا، صانوها والحمد لله، وإذا تساعد أهل البلد، وتعاونوا ولم يحتاجوا الحكومة فهذا خير وأفضل.(13/422)
285 - حكم إنفاذ وصية من أوصى بأن يدفن بجوار رجل صالح
س: هل يصح أن يوصي الميت في حياته بدفنه في المكان الفلاني، أو إلى جانب الشخص الفلاني؟ وإن حصل شيء من ذلك فهل على أهله تنفيذ طلبه في دفنه حيث أوصى؟ (1)
ج: لا بأس أن يوصي بأن يدفن في المقبرة الفلانية، أو بجوار فلان؛ لأنه قد يكون له قصد في هذا؛ لأنه من الصلحاء والأخيار، فلا بأس أن يدفن مع الصلحاء والأخيار، وإذا أوصى بذلك فلا بأس، وعلى الوصي أن ينفذ هذه الوصية إذا تيسر تنفيذها، أما إذا لم يتيسر تنفيذها؛ لعجزه عن ذلك أو لبعد المسافة، أو ما أشبه ذلك فلا حاجة إلى التنفيذ ويدفنه بأي مقبرة من مقابر المسلمين والحمد لله، وإذا كانت المقبرة بعيدة من بلد إلى بلد فلا وجه لهذه الوصية، ولا حاجة إلى تنفيذها، بل يدفن في مقبرة بلده إذا كانت مسلمة، أو في مقبرة أخرى من مقابر المسلمين ويكفي، ولا حاجة أن يتكلفوا من التركة أموالا لنقله بالطائرات أو غيرها، هذا لا حاجة إليه، أما ما دام أن هذه المقبرة للمسلمين فالحمد لله، ولا حاجة إلى تنفيذ هذه الوصية؛ لأن الوصية لا وجه لها شرعا، أما إذا كان دفن في المقبرة التي أراد لنفسه في نواحي البلد في أطراف البلد؛ لأنه يوجد فيها مقابر، واختار واحدة منها فالأمر في هذا واسع، والتنفيذ أولى. ولا
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (50) .(13/423)
يدفن معه أحد في قبر واحد، بل بجواره إذا تيسر المكان.(13/424)
286 - حكم الإكثار من تذكر الموت
س: يقول هذا السائل: دائما يشرد ذهني فأتذكر الموت هل في ذلك حرج؟ (1)
ج: ذكر الموت مطلوب، جاء في الحديث الصحيح: «أكثروا من ذكر هادم اللذات (2) » وهو الموت، فذكر الموت فيه مصالح، ومن أسباب الاستعداد للآخرة والتأهل للقاء الله عز وجل، فيستحب للمسلم أن يكثر من ذكر الموت، وأن يكون على باله حتى يحين وقت العودة للآخرة، أعاننا الله على الموت، وغفر لنا جميعا ما بعد الموت.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (321) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت، برقم (2307) ، والنسائي في المجتبى كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، برقم (1824) وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم (4258) .(13/424)
287 - حكم الفزع الزائد عند تذكر الموت
س: سائلة تقول: في بعض الأحيان أفكر في الموت، وأرتعد خوفا منه؛ لأنني قرأت كثيرا عن أهوال الموت، وأهوال يوم القيامة(13/424)
لدرجة تجعلني أخاف من النوم، وإنني أعلم أن الموت حق، وأن البعث حق، ولكن هل أهوال الموت والقيامة تكون حسب صلاح الإنسان؛ بمعنى أنه إذا كان الإنسان صالحا تكون الأهوال سهلة عليه؟ وهل هذه الأهوال يتساوى فيها جميع الناس؟ وكيف الطريق للنجاة منها؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: المؤمن إذا قبضه الله يسر الله له كل خيرا، وصار قبره روضة من رياض الجنة، ولا يرى إلا الراحة والنعيم، وإذا اشتد عليه المرض، أو أسباب الموت قبل الوفاة فلا يضره ذلك، فقد اشتد هذا على النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، فالمقصود أنه قد يشتد على الإنسان المرض، ثم يهون الله عليه خروج الروح، وتخرج براحة وطمأنينة، ويبشر برحمة الله ورضاه عند خروج الروح، يقول له ملك: أبشر برحمة من الله وفضل، فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه عند خروج الروح المؤمن والمؤمنة، فهو على خير عظيم، ويفرج الله له الكربات، ويسهل أموره، ولا يرى بعد الموت إلا الخير والنعيم، والراحة والطمأنينة في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة، فيرى محله في الجنة، ويأتيه من ذلك المحل من ريحها وطيبها، وما فيها من النعيم، فهو على خير عظيم، الرجل والمرأة جميعا، فأبشري بخير كثير، ولا تخافي فالموت ليس بعده للمؤمن إلا الخير والنعيم العظيم،
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (305) .(13/425)
والفائدة الكبيرة، والراحة والطمأنينة، الدنيا هي سجن المؤمن، فإذا مات انتقل من السجن إلى الراحة والنعيم، وإذا كانت المرأة مؤمنة بالله، وتؤدي حقوق الله سبحانه وتعالى فلتستبشر بالموت، ولا تفزع منه؛ لأنه حق.(13/426)
288 - مسألة في الإكثار من ترقب الموت
س: السائلة ح. م. من الرياض تقول: أنا دائما أفكر في الموت وفي القبر، وإذا شعرت بأي ألم أحس بأنه الموت، وإذا تذكرت القبر لا أستطيع أن أنام إلا بعد فترة طويلة من التفكير والخوف الشديد، فهل هذا هو حال المؤمن الذي يخاف الله، ويرجو رحمته؟ (1)
ج: نعم، هذا هو حال المؤمن الذي يخاف الله ويراقبه، ويخشى الموت، ويخشى عذاب القبر حتى يعد العدة، وحتى يعمل الصالحات، فإذا اجتهد في الخير، وعمل الصالحات، وكف نفسه عن المعاصي فليرتح، ولا يشغل نفسه بالوساوس، لا في نومه، ولا في غير نومه، لكن ما دام أن هناك أشياء يخشى منها من المعاصي فليحذر، ويذكر الموت، وليذكر عذاب القبر؛ حتى يستعين بذلك على كف نفسه عن المعاصي والشرور، فإذا هداه الله والتزم فينبغي له ترك الوساوس.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (435) .(13/426)
289 - بيان كيفية معالجة الوسواس المتعلق بالموت
س: يسأل السائل ويقول: كيف يعالج الإنسان الخوف من الموت؟ لا سيما إذا كان يخاف ركوب - مثلا - الطائرة، ويقول: ربما تقلع الطائرة وقد أموت؟ (1)
ج: يعالج هذا بالتوكل على الله وسؤاله العافية، والتعوذ بالله من الشيطان، من هذه الوسوسة، كل الناس يركبون الطائرات والسيارات، والإبل والبغال والحمير، ولا يضر، والحمد لله، لا يقع عليه إلا ما قدر له، فعليه أن يكون واثقا بالله، وأن يكون حسن الظن بالله، ويسأل ربه العافية ويحذر هذه الوساوس وهذه المخاوف التي لا أساس لها.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (409) .(13/427)
290 - بيان أجر المريض الصابر وكيفية الصبر على المرض
س: الأخت ر. ع. ع. من الزلفي، تقول: هل للمريض أجر إذا صبر؟ وما هي كيفية الصبر على المرض؟ (1)
ج: له أجر عظيم إذا صبر واحتسب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له (2) » فالصبر كون الإنسان
__________
(1) السؤال الخامس والخمسون من الشريط رقم (428) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم (2999) .(13/427)
عند المرض لا يفعل ما يخالف الشرع، لا يشق ثوبا، ولا ينوح، ولا يفعل ما حرمه الله، بل يصبر ويحتسب ويتكلم بالكلام الطيب، هذا من الصبر. أما كونه يتشكى للناس: أنا كذا، أنا كذا. هذا خلاف الصبر، لكن مجرد الخبر عن مرضه لا بأس به، كونه يخبر أنه أصابه كذا، وأصابه كذا من غير شكوى للناس، أو يخبر الطبيب حتى يعالجه لا بأس، أما أن يفعل ما حرم الله من الصياح والنياحة، أو شق الثوب، أو لطم الخد، أو نتف الشعر، أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز.(13/428)
291 - حكم أنين المريض أثناء المرض
س: السائل ح. م. ح. من الرياض يقول: هل يجوز الأنين للمريض، أم هذا من الشكوى سماحة الشيخ؟ (1)
ج: الأنين لا بأس به، إذا تألم لا بأس، ليس من الشكوى، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وصار فيه راحة له فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (394) .(13/428)
292 - بيان أجر عيادة المريض
س: ما هو الأجر من الله عز وجل في زيارة المريض؟ وإذا كلمه في(13/428)
التليفون هل يكفي هذا؟ (1)
ج: السنة بعيادة المريض، الرسول أمر بعيادة المرضى عليه الصلاة والسلام قال: «عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني (2) » قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع. ذكر منها عيادة المريض (3) » فالسنة أن يعود المريض، وإذا كلمه بالتليفون هذا فيه فضل، لكن ليس مثل الذي يعوده ويزوره في بيته، الذي يعوده ويزوره في بيته أفضل.
__________
(1) السؤال الثامن والأربعون من الشريط رقم (429) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، برقم (3046) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم (1239) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال، برقم (2066) .(13/429)
293 - حكم تمني الموت بسبب الوجع
س: هل للشخص أن يتمنى الموت لوجع أصابه؟ (1)
ج: ليس له ذلك؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه في الصحيحين في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (100) .(13/429)
متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (1) » هذا لا بأس، يقول: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. أما أن يقول: اللهم أمتني، اللهم عجل موتي، اللهم عجل وفاتي. فليس له ذلك؛ لأن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرا، قد تكون حياته فيها خير له، قد تمر عليه ساعات يكسب بها عملا صالحا، يقرأ قرآنا، يسبح الله، يصلي، يتصدق، إلى غير هذا من وجوه الخير، فكل ساعة تمر بالمؤمن أو المؤمنة، وكل دقيقة تمر بالمؤمن والمؤمنة ينتفع بها ولو بقوله: سبحان الله، أو الحمد لله، أو الله أكبر، أو لا إله إلا الله، أو أستغفر الله، ولهذا في اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعو من قبل أن يأتيه، فإن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرا (2) » فعمر المؤمن لا يزيده إلا خيرا؛ لما يكتسبه من الخير، من صلوات وصدقات وتسبيح وتحميد وتهليل وقراءة قرآن، واستغفار، إلى غير هذا من وجوه الخير.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة، برقم (6351) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم (2680) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم (2682) .(13/430)
294 - مسألة في موت الفجأة
س: هل موت الفجأة من علامات القيامة؟ وهل هناك ما يعصم منه؟ وهل الاستعاذة منه كافية؟ (1)
ج: جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن موت الفجأة يكثر في آخر الزمان وهو أخذة غضب للفاجر، وراحة للمؤمن، وقد يصاب المؤمن بموت الفجأة بسكتة أو غيرها، ويكون راحة له ونعمة من الله عليه؛ لكونه قد استعد واستقام وتهيأ للموت، واجتهد في الخير، فيؤخذ فجأة وهو على حال طيبة، على خير وعمل صالح، فيستريح من كروب الموت، وتعب الموت ومشاق الموت، وقد يكون بالنسبة إلى الفاجر، قد يقع هذا بالنسبة إلى الفجار، وتكون تلك الأخذة أخذة غضب عليهم، فهم فوجئوا على أشر حال. نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (138) .(13/431)
295 - وصية في بر الوالدين بعد وفاتهما
س: الأخ م. ط. ف. السوداني يقول: مرض والدي ومكث فترة في المستشفى، ثم أخرج من المستشفى رغما عنه وعنا نحن أبناءه، ثم توفي بعد أيام ثلاثة في البيت، نشعر بشيء من الحرج تجاه التصرف تجاه والدنا، هل يلحقنا إثم في خروجه من المستشفى؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (200) .(13/431)
ج: ما دام خروجه بغير اختياركم ليس عليكم شيء: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) . الإنسان لا يكلف ما لا يطيق: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) . تدعون له بالمغفرة والرحمة، تتصدقون عنه، إذا كان والدكم يصلي، وصاحب خير فالحمد لله، اسألوا الله له المزيد من الحسنات ومضاعفة الخير، اسألوا له تكفير السيئات، وتصدقوا عنه وادعوا له بالمغفرة والرحمة، وأبشروا بالخير إن شاء الله، وهكذا الحج عنه والعمرة.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة البقرة الآية 286(13/432)
296 - مسألة في سواد وجه الميت عند الاحتضار
س: إذا كان الإنسان يعاني من سكرات الموت، واسود وجهه والعياذ بالله من ذلك هل يدل على شيء؟ أم أن ذلك من سكرات الموت فقط والمعاناة منه؟ (1)
ج: لا شك أن سواد الوجه عند الموت ليس علامة خير، بل هو علامة شر، ولكن ما دام ظاهره الإسلام يدعى له بالمغفرة والرحمة، ويرجى له الخير، ما دام مات على التوحيد والإسلام فالحمد لله. والمؤمن قد يبتلى بالسيئات والمعاصي ويموت عليها فيكون على خطر، قد يموت على
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (376) .(13/432)
الزنا ولم يتب، أو على عقوق والديه، أو قد يموت على شرب الخمر، أو أكل الربا، وقد يموت على معاص كثيرة، فهو بهذا على خطر، لكنه لا يخلد في النار، إن دخل النار؛ لأنه مسلم مات على التوحيد، فلو دخل النار ما يخلد فيها، ولكن يعذب على قدر معاصيه، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة، وقد يعفو الله عنه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة النساء الآية 48(13/433)
297 - حكم قراءة سورة " يس " عند المحتضر
س: ما حكم قراءة يس عند الميت؟ (1)
ج: جاء في حديث فيه ضعف أن النبي أمر بقراءة يس عند موتانا: «اقرءوا على موتاكم يس (2) » يعني عند المحتضرين، فسر العلماء هنا الموتى بالمحتضرين، المحتضر سمي بالميت؛ لأنه قرب الموت. ولكن الحديث ضعيف، فلا تسن على الصحيح؛ لعدم صحة الحديث، وبعض
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (28) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه، برقم (20314) ، وأبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت، برقم (3121) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، برقم (1448) .(13/433)
أهل العلم ظن صحته فاستحبها، وإذا قرئ من باب الوعظ إذا كان يعقل؛ ليستفيد بقراءة يس أو غيرها من القرآن هذا كله طيب، لكن الحكم بأنها سنة يحتاج إلى دليل، والحديث ضعيف عند أهل التحقيق؛ لأنه من رواية شخص يقال له: أبو عثمان. وهو مجهول.(13/434)
298 - حكم توجيه المحتضر إلى القبلة
س: كيف يكون وضع الإنسان حال موته؟ هل تكون أرجله نحو القبلة، أو تكون نحو الشرق ورأسه نحو الغرب، واتجاه وجهه نحو القبلة؟ وهل تغميض عيون الميت سنة؟ (1)
ج: الكعبة قبلة المسلمين أحياء وأمواتا، فإذا ظهرت علامات الموت في الرجل، أو المرأة يوجه إلى القبلة يجعل على جنبه الأيمن، ويوجه وجهه إلى القبلة في أي مكان كان، سواء كانت القبلة في الغرب أو في الشرق أو في الجنوب على حسب البلدان، فإذا كان في بلد قبلته المغرب يوجه وجهه إلى المغرب كنجد، أو إذا كان في بلد قبلته للجنوب كالمدينة والشمال يوجه إلى الجنوب، وهكذا، على جنبه الأيمن، وإذا مات غمضت عيناه قبل موته، لكن عند خروج روحه تغمض عيناه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ولا يقال عند موته إلا خيرا:
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (28) .(13/434)
اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ثبته على الحق، ونحو هذا من الكلام الطيب، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدعو إلا بخير؛ فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون (1) » فعند الميت لا يقال إلا خيرا؛ دعاء طيب من ذكر الله، من استغفار من الدعاء له بالمغفرة والرحمة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، برقم (920) .(13/435)
299 - مسألة في توجيه المحتضر والمقبور إلى القبلة
س: الذي يحتضر هل يوجه وقت احتضاره إلى القبلة؟ وكذلك الميت في قبره هل يوجه إلى القبلة؟ (1)
ج: هذا هو السنة، السنة أن يوجه إلى القبلة، القبلة قبلة المسلمين أحياء وأمواتا. المحتضر يوجه إلى القبلة، وفي القبر يوضع على جنبه الأيمن إلى جهة القبلة، هذا السنة.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (398) .(13/435)
س: توجيه الميت إلى القبلة هل هو مشروع؟ (1)
ج: نعم، سنة عند الموت، وفي القبر يوجه للقبلة على جنبه الأيمن.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (382) .(13/435)
س: ما حكم استقبال القبلة للمحتضر عند الموت؟ (1)
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (430) .(13/435)
ج: هذا هو الأفضل، وكذلك وضعه في القبر يوجه للقبلة، وعند الاحتضار كذلك.(13/436)
300 - حكم من ناول المريض شرابا وتوفي على إثره
س: تسأل المستمعة وتقول بأن لديها بنتا عمرها أربع سنوات، وكانت منذ ولادتها وهي مصابة بالشلل. وقد توفيت في المستشفى، وفي يوم وفاتها كانت في غيبوبة تامة منذ الصباح، ولم تأكل شيئا منذ الصباح، ولقد قمت بإعطائها بعض الحليب خوفا عليها من الجوع، وأول ما شربت هذا الحليب طلع من فمها وفارقت الحياة، وفي الحقيقة بأنني لم أعرف أنها ماتت إلا بعدما شاهدها الطبيب؛ لأنني لم أشاهد أحدا يموت أمامي سوى ابنتي هذه الصغيرة، وقد حدث هذا قبل ست عشرة سنة تقريبا، فهل علي كفارة علما بأنني لا أريد أن أعطيها هذا الحليب إلا لخوفي عليها من الجوع؟ أرجو إفادتي يا سماحة الشيخ (1)
ج: ليس عليك شيء، أنت محسنة، والله يقول سبحانه: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (2) وأنت بإعطائها الحليب محسنة، فلا حرج عليك ولا بأس، جاءها أجلها وتم، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (408) .
(2) سورة التوبة الآية 91(13/436)
301 - بيان وجوب تسديد ديون الميت بعد وفاته
س: الأخ ع. ع. ع. من منطقة الباحة، الدفاع المدني بالمندق، يسأل ويقول: وضع مبلغ؛ أربعون ريالا فضة، ومبلغ سبعمائة وسبعون ريالا ورقا أمانة عند والدي، وقد احتاج إليها نظرا لظروف الحياة في ذلك الوقت، وقد طلبها أصحابها إلا أنها لم تكن موجودة عند والدي حين طلبها، وحيث كان والدي عازما على إعادة المبلغ، إلا أن أصحابها قد توفوا منذ ما يقارب من خمس عشرة سنة. أرجو التوجيه جزاكم الله خيرا، علما بأن والدي قد توفي منذ سبعة أشهر، والمبلغ لا يزال في ذمته، وجهوني كيف أتصرف؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب عليك البدار بتسديد المبلغ لأهله، من تركة أبيك إذا كان له تركة، يوفى منها هذا المبلغ، فعليك أن توصل المبالغ إلى أهلها، وإذا كانوا قد ماتوا فإلي الورثة، يدفع المال إلى الورثة؛ الفضة والورق جميعا، الفضة فضة والورق ورق، فعليك أن تسلم الفضة لأهلها والورق لأهله، إلا أن يتسامحوا فيأخذوا عن الفضة ورقا، عن كل ريال ريال، هذا إليهم، وإلا فالواجب عليك أن تدفع لهم الفضة التي تركوها عند والدك أمانة، أو قيمتها بمتاع أو ذهب أو فضة أو نحو ذلك، تعطيهم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (144) .(13/437)
قيمتها أو ذاتها، عليك أن تسلم ذات الفضة أو ما يقابلها من القيمة، بالسعر الحاضر وقت التسليم لأهلها، أو للورثة أنفسهم، وعليك الدعاء لوالدك بالرحمة والعفو، وقد أساء في تصرفه فيها وتعطيل أهلها، أساء في هذا إساءة كبيرة، فنسأل الله أن يعفو عنه، وعليك أن تجتهد في إيصال هذا الحق إلى أهله، واستسماحهم حتى يدعوا لوالدك ويسامحوه، والله المستعان.(13/438)
302 - مسألة في تسديد ديون الميت
س: لي أخ توفي قبل اثنتي عشرة سنة، وقبل وفاته بعدة سنوات أخذ من أحد الأشخاص خمسين ريالا بدون علم هذا الشخص، واليوم مضى عليها أكثر من خمس عشرة سنة، هل أذهب إلى الشخص وأعطيه الفلوس، أم أتصدق بها على الفقراء؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب عليك رد النقود إلى صاحبها بأي طريقة، توصلها إليه وإذا كنت لا تحب أن يعلم ذلك توصلها إليه بطرق أخرى، لا يعلم أنها منك، ولكن مع التيقن أنها وصلت إليه، كأن يقول له الرسول: هذه أعطانيها لك إنسان يقول: إن عليه لك حقا. فيعطيها إياه وتبرأ ذمته، وليس لك
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (168) .(13/438)
ترك ذلك، بل عليك أن تسلمها له ما دمت تستطيع تسلمها له، فإن عجزت عن تسليمها له لكونه غائبا لا تعرف محله أو لكونه مات ولا تعرف ورثته فإنك تتصدق بها على الفقراء بالنية عنه مع التوبة والندم، والإقلاع والعزم ألا تعود لمثل ذلك، والله يعفو عن التائب سبحانه وتعالى، أما مع القدرة على إيصالها إليه، أو إلى ورثته إن كان ميتا فالواجب عليك إيصالها إليه بأي طريق.(13/439)
س: لي أخ توفي منذ اثنتي عشرة سنة، وقبل وفاته بسنوات قليلة أخذ من الأقارب مبلغ خمسين ريالا بدون علم منه، وكان عمر أخي آنذاك سبع عشرة سنة، ماذا أفعل أنا حتى يعفو عنه الشخص الذي ذكرت؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب تسليم الخمسين لصاحبها، حتى يعفو عنه ويسمح عنه، وإن سمح بدون تسليم الدراهم، وعفا عن الميت فلا بأس، جزاه الله خيرا، وهذا في التركة إذا كان له تركة، أما إذا كان ليس لأخيك تركة، وتبرعت أنت بها من مالك فجزاك الله خيرا.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (177) .(13/439)
303 - حكم من أخذ عارية وسرقت منه
س: الأخت أ. أ. من العراق تقول: إن ابنا لها استعار ساعة من(13/439)
زميله وسرقت منه، وتوفي وهي في ذمته، وهم لا يعرفون صاحب الساعة ويسألون كيف يتصرفون؟ (1)
ج: إذا كانت عنده أمانة من زميله، وسرقت بغير تفريط منه فلا حرج عليه ولا يلزمه الضمان؛ لأنها أمانة، فإذا سرقت من يده وهو نائم، أو سرقت من صندوقه بأن كسر الصندوق أو ما أشبه ذلك فليس عليه ضمان؛ لأن زميله قد أذن له في ذلك، أنه يلبسها وجعلها عنده ليلبسها. أما إن كان زميله أعطاه إياها ليحفظها لديه، ثم جعلها في يده ولم يبال فهذا يضمن، وإذا كان صاحبها لا يعرف تصدقوا بقيمتها، اعرفوا قيمتها وتصدقوا بقيمتها؛ لأنه مفرط حين لبسها، حتى سرقت من يده وهو نائم أو غافل، أما إذا كانت سرقت من محل مأمون، مأمون المحل مثل صندوق، أو بيت مأمون كسر فهذا لا يضمن؛ لأنه لم يفرط، أما إن كان قد فرط في ذلك، بأن لبسها ونام وزميله لم يأذن له في لبسها، ولم يعطه إياها ليلبسها، ولكن ليحفظها لديه فهو مفرط، فإن عرفتم الزميل فأعطوه قيمتها، وإن لم تعرفوه تصدقوا بقيمتها على بعض الفقراء بالنية عن صاحبها، والله لا يضيع أجر المحسنين، بل يثيبكم أنتم على براءة الذمة، ويثيب صاحبها بإيصال الأجر إليه، سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (169) .(13/440)
304 - بيان واجب الأبناء تجاه والدهم إذا مات وعليه دين
س: توفي والدي وعليه دين سبعة دنانير ونصف، حسب ما يقول لي الناس وأمي، هل يمكن أن أوفي ذلك الدين عنه؟ (1)
ج: هذا أحسن، يدفع عنه هذا الدين؛ لأن هذا تكشف عنه، فإذا كان هناك دين، وتيسر أن توفي عنه، أو خلف مالا فيقدم وفاء الدين؛ لما جاء في حديث الرجل الذي قدم للصلاة عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعليه دين "؟ قالوا: نعم، درهمان. فتنحى صلى الله عليه وسلم وقال: " صلوا على صاحبكم " فقال رجل: يا رسول الله، هي علي. فتقدم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم (2) »
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (7) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب في الحوالات، باب إن أحال دين الميت على رجل جاز، برقم (2289) .(13/441)
س: هذا السائل أبو عبد الله، يقول: ما جاء في حديث: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (1) » فإذا مات المسلم وعليه دين فهل يقضي عنه الأبناء؟ وإذا لم يكن له تركة فما العمل مأجورين (2) ؟
ج: الواجب أنه يقضي عنه الأبناء، أو غير الأبناء يعني من الورثة إذا
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس ... ، برقم (1078) .
(2) السؤال الثاني من الشريط رقم (426) .(13/441)
كان له تركة، ولا يجوز لهم التساهل في هذا، أما إذا كان ما خلف تركة فلا يلزمهم شيء؛ إن قضوا عنه من باب التبرع هم مأجورون، وإلا فلا يلزمهم إذا كان ما خلفه تركة.(13/442)
305 - حكم من مات وعليه قروض بنكية
س: الأخت أ. أ. ح. من الدمام، وتقول: هل قرض البنك العقاري والزراعي يعتبر دينا على الشخص إذا استقرضه وتوفي قبل أن يسدده؟ ثم ماذا يجب على الورثة تجاه ذلك؟ لأنهم يريدون في الواقع راحة الميت، إذا لم يستطيعوا أن يسددوا البنك بسرعة، فما الحكم؟ (1)
ج: فالقرض الذي للبنك العقاري ولغيره من البنوك الزراعية ونحوها مثل غيره من الدين، يجب أن يسدد في وقته في حق الحي والميت، وإذا مات الإنسان وعليه دين للبنك وجب أن يسدد من التركة في أوقاته، إذا التزم به الورثة، فإن لم يلتزموا سدد في الحال من التركة؛ حتى يستريح الميت من تبعة الدين، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (2) » لكن إذا كان الدين مؤجلا، والتزم الورثة أو بعضهم بأنه يؤدي في وقته فإنه يتأجل، ولا يحل ولا يضر
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (161) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، برقم (1078) ، وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب التشديد في الدين، برقم (2413) .(13/442)
الميت؛ لأنه مؤجل، فإن لم يلتزم أحد به في وقته وجب أن يسدد من التركة؛ حتى يسلم الميت من تبعة ذلك.
أما كون الدين على أقساط فيسدد كل قسط في وقته، يسدد في وقته، إلا إذا لم يوجد من الورثة من يلتزم بذلك فإنه يسدد الجميع من نفس التركة، كالدين الحال.(13/443)
306 - حكم من مات وعليه ديون أقساط شهرية
س: شخص مات وعليه دين لإحدى المؤسسات تسديد فواتير، وسوف يسدد هذا الدين على أقساط شهرية، تصل السنة أو أقل أو أكثر مثلا، حسب اتفاق تم بين الورثة وبين المؤسسة، هل ذمة الميت تكون معلقة حتى ينتهي من تسديد جميع الدين أو تبرأ من حين يبدأ في التسديد؟ ما هي وجهة نظركم في ذلك؟ وما هو الحل الذي ترونه مناسبا حتى تبرأ ذمة الميت؟ علما بأن هذه المبالغ تراكمت لدى المؤسسة؛ لأنه كان في تلك الفترة مريضا بالمستشفى، وجهونا جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إذا كان الدين حالا وفي التركة سعة للقضاء وجب القضاء، ووجبت المبادرة بقضاء الديون كلها من دون تأخير، أما إن كانت الديون مؤجلة
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (309) .(13/443)
فتبقى على آجالها، ولا حرج على الميت في ذلك، أو كانت التركة عاجزة ليس فيها ما يوفي الديون فلا بأس أن يؤجلوا وهم محسنون، لكن إذا كانت التركة فيها سعة فالواجب أن توفى الديون بسرعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بالدين حتى يقضى عنه (1) » فالواجب البدار بقضاء الديون في التركة وعدم التأجيل وعدم التأخير، إلا إذا كانت الديون مؤجلة فهي تبقى على آجالها، إلا أن يسمح الورثة بتعجيلها، وهكذا لو كان الدين للبنك العقاري يبقى مؤجلا على حاله على أقساط، لكن إذا كان الميت ليس خلفه شيء فإن الورثة محسنون، فإذا عجلوا القضاء أو أجلوه فلا حرج عليهم، محسنون بكل حال.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، برقم (1078) ، وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب التشديد في الدين، برقم (2413) .(13/444)
307 - حكم من توفي والده وعليه دين لا يعرف قدره ولا صاحبه
س: السائل/ م. ن. س. من الصومال. يسأل ويقول: توفي والدي وأنا صغير السن، وبعد أن كبرت سمعت أن عليه دينا، ولا أعلم مقدار هذا الدين، ولا من هو صاحب الدين، كما أن الذي أخبرني عن هذا الدين توفي إلى رحمة الله تعالى دون أن أعرف منه صاحب الدين، فكيف أعمل لأبرئ ذمة والدي من هذا الدين الذي لا أعرف مقداره ولا من هو صاحبه؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (197) .(13/444)
ج: لا يلزمك شيء يا أخي، ما دمت لا تعلم أهل الدين، ولم يطالبك أحد فلا يلزمك شيء والحمد لله، إلا إذا علمنا دينا بالبينة الشرعية، ولوالدك تركة توفي عنه من التركة، وإن كنت أوفيت من مالك فجزاك الله خيرا، أما ما دام الأمر هكذا، لا تعلم الدين ولا أهل الدين ولم يطالبك أحد، فلا شيء عليك، والحمد لله.(13/445)
308 - بيان كيفية تغسيل الميت
س: يسأل أخونا عن الطريقة الصحيحة لغسل الميت؟ كيف توجهون الناس؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الطريقة الصحيحة لغسل الميت المشروعة: أن الغاسل يبدأ فينجي الميت بخرقة، يضع على يده خرقة وينجيه، إن كان خرج منه شيء يرفعه بعض الشيء حتى يخرج ما تهيأ للخروج، يرفعه كالقاعد من غير جلوس كامل حتى يخرج، إن كان هناك شيء من بول أو غائط أو تهيأ فإن خرج شيء غسله ونظفه بالماء بخرقة بيده، ثم بعد ذلك يوضئه وضوء الصلاة. أما إن كان ما خرج منه شيء فليس هناك حاجة إلى الاستنجاء، بل يوضئه الوضوء الشرعي، يمسح فمه ومنخريه بالماء، ويغسل وجهه وذراعيه مع المرفقين ويمسح رأسه بالماء وأذنيه ويغسل رجليه، ثم بعد ذلك يغسل
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (151) .(13/445)
شعر رأسه بالماء والسدر، ثم بدنه؛ الشق الأيمن، ثم الأيسر ثلاث مرات، فإن احتاج إلى زيادة غسله خمس مرات أو سبع مرات كما أمر النبي بهذا عليه الصلاة والسلام، لما غسلوا ابنته زينب قال: «اغسلنها بثلاث أو خمس، أو أكثر من ذلك - إن رأيتن ذلك - بالماء والسدر - هذا السنة - واجعلن في الأخيرة كافورا (1) » هذا السنة، يكون في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور؛ لأنه يطيب الرائحة ويصلب الجسم، والسدر مع الماء ينظف، هذا هو المسنون لغسل الميت؛ أولا: ينجيه إن كان خرج منه شيء، ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه بالماء والسدر، ثم يفيض الماء على جسده بالماء والسدر، يبدأ بالشق الأيمن، ثم الأيسر، ثم يعممه بالماء ثلاث مرات وإن احتاج إلى أكثر كأن يكون فيه وسخ زاد إلى خمس أو إلى سبع؛ حتى يزيل ما هناك من وسخ، ويكون الماء فاترا ليس بحار كثير وليس ببارد، بل يكون من الماء الفاتر الذي يعين على إزالة الأوساخ، من دون أن يكون حارا حرارة شديدة، يكون حارا حرارة خفيفة إذا دعت الحاجة إليه، وإن غسل بماء ليس بحار فلا بأس إذا كان ما هناك حاجة إليه، أما إذا كان هناك حاجة؛ كأن يكون فيه أوساخ تحتاج إلى ماء حار، يكون هناك ماء حار لا يؤذي، لكن مع السدر، هذا السنة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، برقم (1253) ، ومسلم في كتاب الجنائز، باب غسل الميت، برقم (939) .(13/446)
ولو غسل غسلة واحدة كفى، أو غسل غسلة واحدة ولم يكرر؛ لأنه نظيف كفى ذلك، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في قصة الذي مات في عرفات لما سقط عن دابته، قال: «اغسلوه بالماء والسدر (1) » . ولم يأمر بالتكرار، قال: «اغسلوه بالماء والسدر، وكفنوه في ثوبيه (2) » ولم يقل: ثلاثا. ولا غيرها، فدل على أنه يجزئ الغسلة الواحدة، لكن إذا دعت الحاجة إلى الثلاث، أو كررها للاحتياط فحسن؛ لأن الرسول قال في زينب: «اغسلنها ثلاثا (3) » تكرار الثلاث حسن، وإن دعت الحاجة إلى أكثر كذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب سنة المحرم إذا مات، برقم (1851) ، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم (1206) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب سنة المحرم إذا مات، برقم (1851) ، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم (1206) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، برقم (1253) ، ومسلم في كتاب الجنائز، باب غسل الميت، برقم (939) .(13/447)
309 - بيان كيفية الصلاة على الميت
س: ما هي كيفية غسل الميت والصلاة عليه (1) ؟
ج: غسل الميت فرض كفاية، وهكذا الصلاة عليه، فإذا قام بغسله من يكفي سقط عن الباقين، وهكذا الصلاة، فغسله فرضه النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمر بغسل الميت، فالواجب تغسيله، ويتولى ذلك العارف بذلك، الثقة الأمين، فيغسل جميع بدنه ويبدأ بتنجيته بخرقة، أي
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (61) .(13/447)
يرفعه قليلا؛ لعله يخرج منه ما كان متهيئا للخروج؛ من بول أو غيره، ثم ينجيه بماء وخرقة، ثم بعد ذلك يوضئه الوضوء الشرعي، فيمسح فمه بالماء، وأنفه بالماء ليزيل ما في الأنف، ويغسل وجهه ثلاثا أو ثنتين أو واحدة، والأفضل ثلاثا، ثم يغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، أو واحدة واحدة، أو ثنتين ثنتين كالوضوء، ثم يمسح رأسه وأذنيه، ثم يغسل رجليه، ثم بعد ذلك يفيض الماء على جميع بدنه؛ يبدأ بالشق الأيمن، ثم الأيسر، وإذا تيسر غسله بالسدر كان أفضل، فإن لم يتيسر السدر فالصابون أو الإشنان لتنظيفه، ويعتني برأسه، يجعل في رأسه من السدر بعض الشيء؛ حتى يزيل ما فيه من أذى، ثم يفيض الماء على جسده كله بادئا بالشق الأيمن ثم الأيسر، والأفضل أن يكرره ثلاثا، فإن لم تكف الثلاث لوجود أوساخ كرره خمسا، فإن لم تكف كرره سبعا، كما جاء في حديث بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، أو شيئا من كافور (1) » فإذا تيسر السدر جعل في الماء شيئا من السدر، وإن لم يتيسر جعل ما ينوب منابه مما ينظف؛ من صابون أو إشنان مما يحصل به التنظيف، ويكرر الغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا، ولو احتيج إلى أكثر فعل، هذا هو الغسل الشرعي للرجل والمرأة جميعا،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، برقم (1253) ، ومسلم في كتاب الجنائز، باب غسل الميت، برقم (939) .(13/448)
والرجل يغسله الرجال، والمرأة تغسلها النساء، ويجوز للزوج أن يغسل زوجته، وللزوجة أن تغسل زوجها، كل هذا ثابت، وقد غسل علي رضي الله عنه زوجته فاطمة رضي الله عنها، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق، رضي الله عنهما جميعا، فلا حرج في ذلك، وهكذا السرية؛ الأمة التي يتسراها الرجل، المملوكة، إذا مات سيدها تغسله وهو يغسلها، يعني كالزوجة، وهكذا الصغير الذي دون السبع يغسله النساء والرجال؛ لأنه لا عورة له، فإذا بلغ سبعا غسله الرجال، وإذا بلغت الجارية سبعا غسلتها النساء، هذا هو المشروع.
أما الصلاة فيجب أن يصلى عليه، الصلاة فرض كفاية، فلو صلى عليه واحد مكلف كفى، ولكن كلما كثر الجمع - إن تيسر العدد الكثير - فهو أفضل، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما من رجل يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة إلا شفعهم فيه (1) » وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من رجل مسلم يقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه (2) » وهذا يدل على أن وجود جماعة كثيرة في الصلاة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه، برقم (947) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم (948) .(13/449)
أفضل حسب الإمكان وحسب التيسير، وإلا فالواجب شخص واحد مكلف إذا صلى عليه كفى، ولكن إذا تيسر عدد كثير فهو أفضل، والأفضل لأهل الميت أن يتحروا له المساجد التي فيها العدد الكثير حتى يكون هذا أنفع له.(13/450)
310 - بيان ما يجزئ من غسل الميت
س: كان لي ثلاثة أصدقاء غرقوا في البحر وتوفوا –رحمهم الله - فقمت بغسلهم في المستشفى لكني لا أعرف الطريقة الصحيحة للغسل الشرعي، هل علي إثم؟ (1)
ج: ما دمت عممتهم بالماء، غسلتهم بالماء غسلا كاملا فإنه يجزئ والحمد لله.
أما الغسل الشرعي فإنه يبدأ أولا بالاستنجاء، إذا كان خرج منه شيء من بول أو غائط، يجعل المغسل رأسه على يديه ويلف خرقة على يده لينقي دبره وفرجه عن الأذى، ويصب الماء ويغطي ما بين السرة والركبة عن الأنظار، ثم بعد ذلك يوضئه الوضوء الشرعي، يمسح فمه وأنفه بالماء ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه ثم يفيض الماء على رأسه بالماء والسدر على رأسه ثم على جنبه
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (181) .(13/450)
الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل غسله، هذا هو الأفضل، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا، وهو طيب معروف يقوي الجسد ويطيب الرائحة، هذا هو الأفضل، وكيفما غسل أجزأه، المهم أن يعمه الماء ويزيل الأذى، لكن الأفضل أنه يبدأ بالاستنجاء ثم الوضوء الشرعي، ثم يغسله بالماء والسدر ثلاث غسلات، يغسل رأسه أولا بالماء والسدر ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على جسده ثلاث مرات الأيمن ثم الأيسر ثلاث غسلات، فإن احتاج أزيد من ثلاث فخمس، فإن احتاج أكثر فسبع، يقطع على وتر هذا هو الأفضل وإن غسله واحدة أو ثنتين أجزأه ذلك، لكن الأفضل ثلاث فخمس فسبع إن احتيج إلى ذلك، والأفضل بكل حال ثلاث غسلات، لكن إن احتاج إلى أزيد، لأن عليه أوساخا كثيرة يكون خمسا، على وتر، فإن لم تكف زاد إلى سابعة، حتى يزيل الأوساخ وينظف الميت.(13/451)
311 - بيان فضل تغسيل الأموات
س: سماحة الشيخ، ونحن نتحدث عن تغسيل وتكفين الموتى، هل من كلمة تجاه من يقومون محتسبين بتغسيل الأموات، ويبتغون الأجر من الله عز وجل؟ (1)
ج: نعم يستحب للمؤمن أن يساعد إخوانه المسلمين بتغسيل الميت،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (401) .(13/451)
والمرأة كذلك، وهذا من باب التعاون على الخير، الرجل الذي يحسن الغسل، والمرأة التي تحسن الغسل يشرع لهما جميعا أن يساعدوا في هذا الأمر الرجل يغسل الميت ويغسل زوجته أيضا، والمرأة كذلك تغسل الميتة من النساء، وتغسل زوجها، وإذا تعلمت وتعلم الرجل ذلك للإحسان فهذا خير عظيم وفضل كبير، لأن الناس يحتاجون إلى هذا، يحتاجون لمن يغسل موتاهم من الرجال والنساء، فيشرع للرجل أن يفعل ذلك ويحتسب، ويشرع للمرأة أن تفعل ذلك وتحتسب، لمسيس الحاجة إلى هذا الأمر، والأمر واضح بحمد الله، مبين وموضح في كتب أهل العلم في كيفية تغسيل الميت، يراجع كتب أهل العلم، ويستفيد في كتاب الجنائز في تغسيل الميت، فيوجد فصل في التغسيل، وقد وضح العلماء فيه الكيفية، فالمرأة تراجع والراجل يراجع، ويستفيد ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه.(13/452)
312 - بيان كيفية تغسيل من توفي وهو جنب
س: إذا توفي الإنسان وعليه غسل هل غسل الجنازة يكفي عن ذلك الغسل؟ (1)
ج: الغاسل إذا كان يعلم ينويهما جميعا، وإذا كان لا يعلم سده
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (414) .(13/452)
غسل الميت.(13/453)
س: السائل \ ص. ص. ع. سوداني مقيم في ساجر: من فاجأه الموت لسبب أو لآخر وهو جنب هل يكون آثما؟ (1)
ج: لا يكون آثما، إذا كان ما فرط لا يكون آثما، إذا أخر غسل الجنابة أتى أهله بعد طلوع الشمس أو بعد الفجر، ثم إذا فاجأه الأجل الضحى ما عليه شيء، لكن يغسل عن نية الجنابة وعن نية الموت، يكفي غسل واحد.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (268) .(13/453)
313 - حكم غسل الزوج لزوجته إذا توفيت
س: يقول: سمعت من بعض أئمة المساجد أنه إذا توفيت المرأة لا يجوز لزوجها أن يغسلها، وذلك بأنها أجنبية عنه بوفاتها، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: ليس بصحيح، الصواب أن له غسلها إذا ماتت، ولها هي أن تغسله إذا مات، لأن السنة ثبتت بما يدل على ذلك، وقد غسلت أسماء بنت عميس زوجها الصديق رضي الله عنه لما مات، وغسل علي رضي الله عنه زوجته فاطمة رضي الله عنها، المقصود أن تغسيل الزوج لزوجته،
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (311) .(13/453)
والزوجة لزوجها أمر لا بأس به، لأنه أعلم بها وهي أعلم بحاله، وقد بقيت العشرة بينهما فترة، فلا بأس ولا حرج في تغسيله لها وتغسيلها له.(13/454)
314 - حكم غسل المرأة لزوجها إذا توفي
س: هل للمرأة أن تغسل زوجها عند وفاته؟ (1)
ج: نعم للمرأة أن تغسل زوجها، لأن النبي قال لعائشة: «لو مت قبلي لغسلتك (2) » وعلي رضي الله عنه غسل فاطمة، وأسماء بنت عميس غسلت الصديق أبا بكر زوجها، فلا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (327) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (25908) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها برقم (1465) .(13/454)
315 - حكم تغسيل الرجل لمحارمه من النساء
س: هل يحق للرجل أن يغسل من مات من محارمه، وذلك مثل والدته، أو ابنته أو عمته وخالته، أم يقتصر على غسل الزوجة فقط؟ (1)
ج: ليس للرجل أن يغسل المرأة، سواء كانت أمه أو أخته أو بنته إلا الزوجة فقط أو السرية التي يملكها ويباح له جماعها وهي مملوكة، وما
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (382) .(13/454)
عداهما من النساء ليس للرجل تغسيلها، ولكن يغسل النساء النساء، ويغسل الرجال الرجال إلا الزوجة فقط، فقد غسل علي فاطمة رضي الله عنها، وقد غسلت زوجة الصديق أسماء بنت عميس غسلت زوجها الصديق رضي الله عنه، وهكذا السرية مثل الزوجة، السرية المملوكة التي يحل له جماعها، لأنها مملوكة له ملكا شرعيا، فإنها تغسله ويغسلها كالزوجة، أما كونه يغسل أمه أو بنته فلا، ولكن إذا كان ما عندهم امرأة تيمم، يمسح وجهها ويديها بالتراب، ييممها ويكفي، إذا كان ما عندهم نساء، ولا زوج لها فإنها تيمم، يعني وليها يمسح وجهها بالتراب ييمم وجهها وكفيها ثم يصلي عليها.(13/455)
316 - حكم غسل الأبناء لأمهم إذا لم يوجد من يغسلها
س: السائل \ أ. ع. من اليمن يقول: امرأة ماتت، وليس في القرية مغسلة تغسلها، وزوجها قد مات أيضا من قبلها، والسؤال: هل يجوز لأبنائها أن يقوموا بتغسيلها؟ (1)
ج: إذا ماتت المرأة ولم يوجد من يغسلها من النساء فإنها تيمم، أولادها ييممونها بالتراب لوجهها وكفيها، ويكفي بنية غسل الميت، وليس لهم النظر إلى عورتها ولا تغسيلها، إن وجد امرأة تغسلها فالحمد لله، وإن لم
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (427) .(13/455)
يوجد أحد فإنها تيمم، ولكن في الغالب أنه ما دامت في القرية إذا التمسوا وجدوا، ولكن إن قدر أنهم لم يجدوا فإنها تيمم، ييممها أولادها بالتراب فهو طهور، في الوجه والكفين بنية غسل الميت ويكفي.(13/456)
س: توفيت امرأة في مكان ليس فيه مغسلة، ولا زوج لها، بل يوجد فيه ابنها، فهل يقوم ابنها بتغسيلها أم لا يقوم؟ (1)
ج: الأرجح أنه لا يقوم بتغسيلها، بل تيمم، ييممها وليها، يضرب التراب بيديه ويمسح بها وجهها وكفيها بنية غسل الموت ويكفي، لأن المرأة لا يغسلها إلا أحد شخصين، إما امرأة، وإما الزوج والسيد الذي تباح له، أما في هذه الحال الذي لا يحضرها سوى ابنها أو أخيها أو عمها أو أجنبي فإنها تيمم على الراجح، يعني يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهها وكفيها بنية تغسيلها عن الموت، وصفة التيمم كصفة تيمم الصلاة، فالتيمم عن الميت هو والصلاة سواء سواء، وجهها وكفيها مثل الصلاة، مثل الذي عليه جنابة ولا عنده ماء، كما بين الله ذلك في سورة المائدة.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (1) .(13/456)
317 - حكم تغسيل الرجل الأجنبي للمرأة المتوفاة
س: توفيت امرأة في القرية، وغسلها رجل أجنبي وابنها موجود،(13/456)
وزوجة ابنها موجودة، ونساء كثيرات أيضا، أما كان منه أن يعلم أحد هؤلاء النساء بدلا من هذا الرجل الأجنبي، لغسل هذه الميتة، فما الحكم في فعله هذا؟ (1)
ج: هذا العمل منكر، وليس للرجل أن يغسل المرأة التي ليست زوجة له، وليست أمة له، والواجب أن يغسلها النساء، هذا هو الواجب، وهذا خطأ، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى ابنها التوبة إلى الله حيث تساهل في هذا الأمر، والواجب أن يغسل النساء النساء، إلا الزوجة يغسلها زوجها لا بأس، والأمة المملوكة التي تحل لسيدها فإنه يغسلها أيضا، أما غيرهن فلا، الرجال لا يغسلون النساء ولو كان محرما لها، ولو كان أباها، ولو كان أخاها، ولو كان عمها، ليس لهم تغسيلها، يغسلها النساء.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (48) .(13/457)
318 - حكم تغسيل المرأة للأطفال الذكور
س: ما رأيكم في امرأة عمرها حوالي عشرين عاما تغسل الصبية والأولاد الصغار إذا توفوا؟ (1)
ج: إذا كانوا دون السبع فلا بأس أن تغسلهم، إذا كان الصبي دون السبع
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (128) .(13/457)
فإنه تغسله المرأة ويغسله الرجل، وهكذا البنت الصغيرة دون السبع يغسلها الرجل والمرأة جميعا، فإذا بلغ الذكر سبعا غسله الرجال، وإذا بلغت الجارية سبعا غسلها النساء، وما دون السبع أمره واسع من الرجال والنساء.(13/458)
319 - حكم ترك ضفر شعر المرأة المتوفاة بعد غسلها
س: من \ ش. أ. س. من القنفذة، تقول السائلة: عندما توفيت والدتي لم نضفر شعرها ثلاثة قرون كما هو معروف، وذلك لارتباكنا في ذلك الوقت، وإنما ترك كما هو بتمشيط يديها قبل الوفاة ضفيرتين، ولم يوضع طيب كاف، فهل علينا حرج في ذلك يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: ليس عليكم حرج في ذلك والحمد لله، لأن الضفر الثلاثة مستحب وليس بلازم، فتركهم إياها ضفيرتين لا حرج فيه، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (356) .(13/458)
320 - بيان الرد على من ادعى بعدم جواز تغسيل المرأة للمتوفيات ولم ينقطع عنها الحيض
س: هذه السائلة \ م. من المنطقة الشمالية، تقول في سؤالها: تذكر بأنها امرأة متزوجة تبلغ من العمر الثامنة والثلاثين تصلي وتصوم وقد قامت بالتعلم في كيفية تغسيل النساء المتوفيات،(13/458)
ولقد قامت امرأة كبيرة تقول لها بأنه لا يجوز لهذه المرأة أن تقوم بتغسيل الميت، لكونها ما زالت امرأة يأتيها العذر الشرعي، وحلفت يمينا بأن لا تغسل أحدا، ثم اضطرت لتغسيل ميتة، لأن أهلها لم يجدوا من يقوم بتغسيلها، وقامت بذلك، هل هذا صحيح بأن المرأة لا تغسل النساء لكونها تأتيها العادة الشهرية؟ (1)
ج: هذا كلام باطل، لها أن تغسل ولو تأتيها العادة، المقصود أن المرأة تغسل النساء أو تغسل زوجها ولا بأس، سواء كانت تأتيها العادة، أو ما تأتيها العادة، والأمر في هذا واسع والحمد لله، سواء شابة أو كبيرة، تأتيها العادة أو ما تأتيها العادة، أما هذه التي حلفت فعليها كفارة يمين عن يمينها، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، كيلو ونصف من قوت البلد من تمر أو غيره، أو كسوتهم كل واحد له قميص أو إزار ورداء عن يمينها، وأما التي قالت لها: لا تغسلي وأنت تأتيك العادة، هذا غلط، فالمرأة تغسل النساء وتغسل زوجها مطلقا، سواء كانت شابة تأتيها العادة أو عجوزا.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (401) .(13/459)
321 - حكم تقليم أظفار الميت وقص شاربه وحلق عانته
س: إذا مات الميت شرعوا في ختانه وتقليم أظفاره وحلق عانته، فهل(13/459)
هذا جائز أم لا؟ (1)
ج: أما تقليم أظفاره وقص شاربه فهذا حسن، وأما حلق العانة فلا حاجة إليه ولا وجه له.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (23) .(13/460)
322 - حكم الوضوء أو الغسل بعد تغسيل الميت
س: ما حكم من غسل ميتا؟ هل يجب عليه الغسل أم الوضوء، أم غير ذلك؟ (1)
ج: من غسل ميتا فينبغي له أن يتوضأ لأنه أفتى بهذا جماعة من الصحابة، فينبغي أن يتوضأ وضوء الصلاة، يتمسح يتمضمض ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه مع أذنيه، ويغسل قدميه هذا الوضوء الشرعي، ينبغي له أن يتوضأ خروجا من خلاف العلماء، وعملا بما أفتى به بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أما الغسل فلا يجب عليه، وإذ اغتسل فهو أفضل، الغسل (التروش) أفضل ولا يجب، وجاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يغتسل من غسل الميت، فإذا غسل ميتا شرع له أن يغتسل (يتروش) وأما الوضوء فيجب عند جمع من أهل العلم، وإذا غسل فرجه وجب الوضوء بكل حال، لكن
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (21) .(13/460)
مشروع للذي يغسل الميت أنه لا يمس الفرج، بل يغسله من وراء خرقة، يغسل فرجه بخرقة، لا يلمس الفرج، لكن لو قدر أنه لمسه جهلا أو خطأ فإنه ينتقض وضوؤه بكل حال، لكن لو غسله بخرقة ولم يمس الفرج لا الدبر أو القبل فإنه ينبغي أن يتوضأ وضوء الصلاة فقط، هذا يجب عند جمع من أهل العلم، وأما الغسل فلا يجب، قولا واحدا، بل يستحب استحبابا ويشرع ذلك، قال بعض أهل العلم، ولعل الحكمة في ذلك أن تقليب الميت مما يوهن القوى ويضعف القوى، لأن الإنسان يتذكر الموت، ويتذكر حال القبر، فيحصل له ضعف في قواه وانهيار، فشرع الله الغسل حتى يستفيد من ذلك، وحتى يقوى وينشط البدن للضعف الذي أصابه.(13/461)
323 - بيان كيفية غسل الميت وتكفينه
س: أرجو إيضاح صفة غسل الجنازة وتكفين الميت، والفرق بين تكفين الذكر والأنثى؟ (1)
ج: غسل الميت فرض كفاية، لأن الرسول أمر بغسل الموتى، فيغسل كما يغتسل المؤمن الحي، يغسل جميع جسده من رأسه إلى قدميه، يعمم بالغسل مرة واحدة هذا الواجب، والأفضل أن يبدأ بمواضع الوضوء،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (51) .(13/461)
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالبدء بمواضع الوضوء، فيمسح أسنانه وأنفه ويغسل وجهه ثلاثا أفضل، وذراعيه مع المرفقين ثلاثا، ويمسح رأسه مع أذنيه ويغسل قدميه ذكرا كان أم أنثى، ثم يصب الماء على رأسه ثلاث مرات، ويغسل بماء وسدر ثم يفرغ الماء على جسده، بادئا بالشق الأيمن قبل الأيسر، حتى يعم البدن مرة واحدة هذا الواجب، وإذا كرره ثلاثا يكون أفضل، أو خمسا أفضل، وترا هذا هو الأفضل وإذا كان به أوساخ أو لصوقات يزيد في الغسل، حتى تزول الأوساخ واللصوقات ولو إلى سبع لكن وترا أفضل، حتى تزول الأوساخ واللصوقات، وينقى البدن بالماء والسدر، ويستحب أن يكون فيه كافور في الغسلة الأخيرة، شيء من الكافور، لأن هذا يطيب الجسد، ويصلبه ويقويه ويطيب الرائحة، ثم يكفن في ثوب يستره جميعا من رأسه حتى قدميه قطعة من الثوب تستره، والأفضل في ثلاث لفائف كما كفن الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاث لفائف، يبسط واحدة فوق واحدة ثم تلف عليه، ثم يحزم ما فوق رأسه وما تحت رجليه بحزام، وهكذا وسطه تربط العقد على رأسه وعلى رجليه ووسطه حتى لا يخرج الكفن من أطرافه، فوق الرأس تربط وأطرافه بعد الرجلين تربط، وهكذا وسطه حتى يستقر، وحين وضع في اللحد شرع حل هذه العقد، وتبقى على حالها، تفك وتبقى على حالها، وإن كفن في قميص مقطع، يعني ولفافة ومئزر كفى ذلك، والمرأة تكون في قميص ومئزر وخمار على(13/462)
رأسها ولفافتين هذا أفضل، خمس قطع إزار وقميص مدرعة وخمار على رأسها، ثم تلف بلفافتين وتحزم ما فوق الرأس وما تحت الرجلين والوسط، حتى ينضبط الكفن، هذا هو الأفضل، واحد يتولى هذا الشيء، وآخر يصب عليه الماء والعورة مستورة ما بين السرة والركبة، تستر ويصب الماء عليه حتى ينقى مثل ما تقدم، وفي أول غسلة عندما ينجى من الخرقة يرفع قليلا برفع رأسه وظهره، حتى يتهيأ إن كان هناك شيء يخرج، ثم ينظف بالخرقة فرجه وينجى بالماء، حتى يزول إن كان خرج شيء ثم يوضأ الوضوء الشرعي جميع أطرافه كما تقدم مواضع الوضوء، يبدأ بمسح الفم والأنف وغسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس مع الأذنين ثم الرجلين كما تقدم، ثم يعمم الماء هذا هو المشروع في حقه، وهو غسل واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اغسلوه بماء وسدر " للذي مات في عرفات، وأمر النساء أن يغسلن ابنته بثلاث أو بخمس أو بسبع وترا عليه الصلاة والسلام، وأمر أن يبدأ بميامينها وبمواضع الوضوء منها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أن ذلك هو الأفضل وهو الأكمل، ويكون في الماء سدر، وأمرهم أن يكون في الأخيرة شيء من الكافور كما تقدم.
والذي يغسله يستحب له الغسل، كان النبي صلى الله عليه وسلم(13/463)
يغتسل من غسل الميت، إذا فرغ يغتسل بعد ذلك غسلا، هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب عليه الوضوء بعد تغسيل الميت، قاله جمع من أهل العلم، ورد عن بعض الصحابة، فإذا توضأ الوضوء الشرعي واغتسل يكون أفضل.(13/464)
324 - بيان الأفضل في أنواع الكفن
س: يسأل السائل ويقول: هل يجوز أن نلبس الميت قميصا وسروالا وعمامة، ثم نقوم بلفه بثلاثة أثواب بيضاء؟ أفيدونا بذلك (1)
ج: الأفضل ثلاث لفائف هذا هو الأفضل، وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس، وإن كفن في لفافة واحد فلا بأس، ولكن الأفضل ثلاث لفائف هذا هو الأفضل كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (419) .(13/464)
325 - حكم إلباس القميص للميت
س: يسأل المستمع ويقول: هل الميت يلبس ملابس غير الكفن عند الدفن ذكرا كان أم أنثى، أم يكتفى بالكفن؟ (1)
ج: السنة الاكتفاء بالكفن، الكفن يكفي، إذا كفن الرجل بثلاثة أثواب، هي لفائف يلف فيها، هذا هو الأفضل، أو لفافة واحدة يلف فيها يكفي،
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (278) .(13/464)
وإن لبس قميصا مع اللفافة فلا حرج، لكن الأفضل ثلاث لفائف تبسط بسطا، ثم تلف الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ثم تربط عليه عند رأسه وعند وسطه وعند رجليه، والمرأة كذلك تلبس إزارا وقميصا وخمارا ثم لفافتين، ويكفيها هذا، ولا حاجة إلى زيادة على هذا.(13/465)
326 - الرد على من زعم أن الميت يعرف من يغسله
س: استمعت في خطبة صلاة الجمعة عن كيفية تغسيل وتكفين الميت، وعرفت في تلك الخطبة كما قال الخطيب: أن الميت يعرف من يغسله ومن يكفنه، وحينئذ بدأ يتردد في ذهني سؤال: كيف يكون ذلك؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا لا أصل له، وليس هناك دليل يدل على أن الميت يعرف من غسله ومن كفنه، وهذا قول على الله بغير علم، فالسنة أن يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا حسب حاجة الميت، والأفضل ألا تنقص عن ثلاث غسلات، وإن غسله مرة كفى، لكن الأفضل أن يكرر ثلاثا أو خمسا حتى يكون أنظف، وإن دعت الحاجة إلى سبع فلا بأس، ثم يكفنه، والأفضل في ثلاثة أثواب بيض، هذا هو الأفضل، يلف عليه الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، وإن كفنه في ثوب واحد عمه كله فلا بأس وأجزأ، ويطيب الميت
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (323) .(13/465)
بأنواع الطيب في رأسه وفي لحيته وفي مغابنه، كل هذا جيد كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان مات وهو محرم فلا يطيب ولا يغطى رأسه ولا وجهه، يكفن في إزاره وردائه، يكون رأسه ووجهه مكشوفا إذا كان محرما، أما المرأة ولو كانت محرمة تكفن في كفن يعمها ويسترها كلها، بخلاف الرجل لأنها عورة، فتكفن - ولو كانت محرمة - كفنا يسترها كلها حتى وجهها، لأن الممنوع في وجهها النقاب، ولكن تستر بغير النقاب بالكفن والحمد لله.(13/466)
327 - حكم قيام الجنب بتجهيز الميت
س: من السودان الذي رمز لاسمه \ د. م. ع. يقول: سؤالي الأول: من جهز ميتا وعليه جنابة فما الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا حرج في ذلك، لا حرج والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (357) .(13/466)
328 - بيان فضل الشهداء
س: تقول السائلة: من هو الشهيد بالمعنى الشرعي؟ (1)
ج: بينه النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء كثير، وأعظمهم وأفضلهم: الشهيد في سبيل الله المقتول في سبيل الله، ومنهم: المبطون، الذي
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (408) .(13/466)
يموت بالبطن، ومنهم: من يموت بالطاعون، هذا أيضا شهيد، مع جماعة قد بينهم النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أفضلهم وأعظمهم الشهيد في المعركة، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والمرأة التي تموت بسبب الولد بسبب النفاس شهيدة.(13/467)
س: تقول هذه السائلة: النبي صلى الله عليه وسلم عد الشهداء في الصحيح، فذكر منهم المقتول في الجهاد، والمبطون والحريق والنفساء يقتلها ولدها، فهل لهؤلاء حق أجر الشهادة المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: للشهيد سبع خصال؟ وكيف إن كان أحد هؤلاء من العصاة؟ (1)
ج: الشهيد له ما وعده الله من الأجر، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى، والعاصي تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عاقبه على معصيته، فالشهداء لهم أجرهم، ويرجى لهم الخير العظيم، إذا كانوا مخلصين في جهادهم وفي أعمالهم فلهم أجرهم، وهكذا من ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، كالمطعون والمبطون، وصاحب ذات الجنب، هؤلاء الشهداء فأمرهم إلى الله جل وعلا، لكن لهم فضل الشهادة، وأمر المعاصي تحت مشيئة ربهم جل وعلا إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (406) .(13/467)
329 - بيان الفرق بين أرواح الشهداء وأرواح الصالحين في الحياة البرزخية
س: إن الله تبارك وتعالى لم يخبر عن الأموات أنهم أحياء إلا الشهداء، ففي أي حالة تكون أرواح الصالحين الذين لم يموتوا شهداء؟ وهل هناك فرق بينهم في حياة البرزخ؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الشهداء من شرفهم وفضل عملهم بين الله سبحانه أنهم أحياء عند ربهم يرزقون حياة خاصة، حياة برزخية وهم أموات، وقد حكم فيهم بأحكام الموتى، لكن أحياء، لأن أرواحهم في نعيم الجنة في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: بأنها معلقة تحت العرش، كما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فهو شرف لهم، وحث لهم على الجهاد في سبيل الله، وهكذا أرواح المؤمنين عند الله، أي في الجنة أحياء عند الله في الجنة، لكنهم دون الشهداء، جاء في الحديث الصحيح: «إن روح المؤمن طائر يعلق في شجرة الجنة (2) » روح المؤمن يجعلهم الله طائرا يعلق في شجر الجنة ويأكل من ثمارها، حتى يعيدها الله إلى جسده، وهذا فضل عظيم وهكذا أرواح الكفار حية تعذب في البرزخ، وفي النار في البرزخ مع
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (256) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، برقم (2073) ، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم (4271) .(13/468)
الجسد، الأجساد في الأرض وهي تعذب في النار، والجسد والروح يوم القيامة يعذبان في النار أيضا نسأل الله العافية، فالمؤمنون ينعمون في البرزخ وفي الجنة أرواحا وأجسادا، والكفار يعذبون في البرزخ وفي النار أرواحا وأجسادا، وللروح نصيبها وللجسد نصيبه، ولم لم يقع به إلا القليل فالواجب على كل مسلم أن يحذر، وأن يعد العدة إلى لقاء ربه، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عليه، والعاصي على خطر، وإذا مات على المعاصي هناك خطر من عذاب في القبر، ومن عذاب النار، وإن كان لا يخلد فيها لو دخلها لكنه على خطر، الواجب الحذر من المعاصي كلها لعل الله أن ينجيه من شرها، وقد «ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى شخصين يعذبان في قبريهما، أحدهما: يعذب بالنميمة، كان يمشي بالنميمة وهي معصية كبيرة من كبائر الذنوب، والثاني: يعذب لأنه ما كان يستنزه من البول (1) » ما كان يتحرص من البول، هذا يفيد أهمية الحذر من المعاصي، ويفيد الحذر من التساهل في البول.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم (216) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم (292) .(13/469)
330 - بيان أنواع الشهداء ومراتبهم في الفضل
س: أختنا تقول: أخبروني عن الشهداء جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (127) .(13/469)
ج: الشهداء أنواع: أفضلهم الشهيد في سبيل الله الذي يقتل في قتال الكفار، أو قتال البغاة، ويموت في المعركة بنية صالحة، يقصد ثواب الله، ويريد نصر دينه، فهذا هو أفضل الشهداء، والله وعدهم الجنة، ومن الشهداء من يموت بمرض الطاعون المعروف، ومرض البطن وهو الإسهال، أو بالغرق أو بالهدم، كل هؤلاء من الشهداء كما قال عليه الصلاة والسلام.(13/470)
331 - حكم إطلاق لفظ الشهيد على المتوفى بسبب حادث سيارة
س: الأخ \ ع. ح. ع. يقول: المتوفون في حوادث السيارات هل هم شهداء؟ (1)
ج: يرجى لهم الشهادة، لأنهم من جنس صاحب الهدم، صاحب الهدم شهيد، صاحب الغرق شهيد، وصاحب حادث بالسيارة الذي يصدم، أو تنقلب به السيارة حتى يموت هو من جنس صاحب الهدم، نرجو له الشهادة.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (169) .(13/470)
332 - حكم تارك الصلاة إذا توفي ببعض أسباب الشهادة
س: الأخ: ح. س. ن. من سوريا يقول: توفيت زوجتي وهي تلد، وكثير من الناس عندنا يقولون: إنها شهيدة، والشهيد إلى الجنة، مع أن(13/470)
زوجتي لا تصلي، هل تعتبر من الشهداء؟ (1)
ج: الموت بسبب الولادة شهادة، جاء بذلك بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتت المرأة بسبب الولادة، لكن التي لا تصلي ليست مسلمة، والشهادة إنما هي للمسلم، فالتي لا تصلي جاء في النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كافر، قال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » وهذا هو الأصح من قولي العلماء، أن الذي يتعمد ترك الصلاة ولا يصلي لا يعتبر مسلما، سواء كان رجلا أو امرأة، فلا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، ولا يغسل ولا يكفن، لأنه ترك عمود الإسلام، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (176) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .(13/471)
333 - حكم اعتقاد أن المتوفاة بسبب الولادة حورية
س: تسأل المستمعة \ أ. م. س. تقول: البعض من الناس يقولون بأن المرأة طول فترة النفاس، وهي أربعون يوما بعد الولادة إذا ماتت فهي حورية، أي في الجنة، فهل هذا صحيح؟ (1)
ج: هذا ما له أصل، لكن يرجى لها الخير، جاء في بعض الأحاديث ما
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (405) .(13/471)
يدل على أنها إذا ماتت بسبب الولادة أنها شهيدة، يرجى لها الخير، أما كونها حورية ما أعلم له أصلا، لكن يرجى لها الخير، إذا ماتت بسبب الولادة يرجى أن تكون من الشهداء كصاحب الهدم والغرق.(13/472)
334 - حكم وصف المتوفى بسبب السرطان بأنه شهيد
س: هل الذي يموت بالسرطان شهيد؟ (1)
ج: ما أعلم في هذا شيئا، ما أذكر شيئا في هذا، جاء في الحديث: ميت الهدم والغرق والحرق وذات الجنب والشهيد في سبيل الله، والمطعون أصابه الطاعون، هذا إن سمي طاعونا يدخل ولكن الطاعون معروف، الطاعون شيء يقع على الإنسان يخرج منه حبات قليلة حارة يموت بسرعة، إما في اليد، وإما في الجنب، فهذا محل احتمال هل يلحق بالطاعون أو ما يحلق بالطاعون، السرطان محل احتمال الله أعلم، ما أعلم شيئا واضحا في هذا الأمر، لكن الطاعون معروف، من مات به مات شهيدا.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (397) .(13/472)
335 - حكم وصف من مات بصعق الكهرباء أنه شهيد
س: لي خال يجيد بعض الأعمال غير العمل المتخصص فيه، وفي يوم من الأيام طلب منه أحد الجيران أن يعمل في منزله ليسلك له بعض(13/472)
الأعمال الكهربائية فتوفي في حادث التماس كهربائي، حدثني شخص عن الحادث، فقال: عندما التمس التيار الكهربائي طلب خالك من صاحب المنزل أن يطفئ التيار، فلم يستطع صاحب المنزل إطفاء التيار، لأنه ذهل بالمشهد، هل على صاحب المنزل كفارة؟ وهل تعتبر الحادثة قتلا متعمدا؟ وهل يعتبر المتوفى شهيدا؟ (1)
ج: إذا كان الواقع كما ذكره السائل فيرجى له الشهادة، وليس بقتل متعمد، وليس على كل منهما شيء، لأنهما لم يتعمدا.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (217) .(13/473)
336 - حكم القول باستشهاد من صدمته السيارة
س: كان أحد إخوتي يقود السيارة بسرعة شديدة، وأخي الثاني جالس إلى جوار حائط المنزل، فقدر الله أن تندفع السيارة تجاهه، وقد أحدث ذلك إصابات بليغة، توفي على أثرها في الحال دون أن ينطق بأي كلمة، وعندما قدم المعزون ذكر العديد منهم أنه يعتبر شهيدا، وأخبروا بأن العلماء قد أجمعوا على ذلك، لأن الوفاة في حادث سيارة يدخل في حكم الهدم، فهل صحيح أنه شهيد؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (310) .(13/473)
ج: نرجو ذلك، فالأقرب - والله أعلم - أنه في حكم الشهيد، لأن ضرب السيارة له أو انقلابها به أو المصادمة كل هذه في حكم الهدم، وهو – إن شاء الله - شهيد إذا دفعته السيارة، أو انقلبت به السيارة، أو صدمته السيارة من أمام أو من خلف، كله في حكم الشهداء إن شاء الله، أي من جهة الأجر، لكن يغسل ويصلى عليه، أما الشهداء الذي لا يغسلون ولا يصلى عليهم هؤلاء شهداء المعركة الشهداء في المعركة الذين يقتلون ويموتون في المعركة، معركة الجهاد في سبيل الله، هؤلاء لا يغسلون ولا يصلى عليهم، بل يدفنون في ثيابهم ودمائهم كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد، الذين ماتوا في وقعة أحد شهداء المعركة لم يغسلهم ولم يصل عليهم، عليه الصلاة والسلام، وأخبر أنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
أما الذي مات في هدم أو غرق، أو في مواضع في البطن، أو الطاعون هؤلاء يقال عنهم: شهداء. وهكذا في حكمهم من يصدم بالسيارة، أو تنقلب به السيارة، أو نحو ذلك، هؤلاء لهم حكم الشهداء من جهة الأجر، لكنهم يغسلون ويصلى عليهم.(13/474)
337 - حكم من قتل نفسه خطأ
س: توفي لي أخ شاب مطيع لله ومؤمن، قتل لكنه قتل غير عمد، إذ أراد أن يبعد السلاح عن صديقه، فأصابته وتوفي، فهل هو شهيد، علما(13/474)
أنه قتل خارج بلدته وبعيدا عن أهله؟ (1)
ج: ترجى له الشهادة، لأنه لم يتعمد قتل نفسه، فأشبه المقتول ظلما، والمقتول خطأ.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (286) .(13/475)
س: السائلة \ م. ع. ع. المنطقة الشرقية، تقول: يقولون بأن من مات وهو صغير، أي بمعنى مولود يكون من حور الجنة، هل هذا القول صحيح؟ (1)
ج: لا ليس بصحيح، حور الجنة نساء خلقن في الجنة وللجنة، أما هو فيكون من أهل الجنة، الطفل شفيع لوالديه إذا كان مسلمين، ويكون من أهل الجنة من جنس بني آدم، مثل ما يحصل لبني آدم غيره من أهل الجنة، يتنعم في الجنة، وله من الحور، هو من أبناء الدنيا.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (398) .(13/475)
338 – بيان حكم سؤال الشهيد والطفل في القبر بعد دفنهما
س: هل يسأل الشهيد والطفل؟ (1)
ج: ظاهر الأحاديث أنه يسال المكلفون، أما الطفل ما عليه شيء، ظاهر الأحاديث أن الميت المكلف يسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، أما
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (409) .(13/475)
الطفل فلا أعلم في هذا ما يدل على أنه يسأل، لأن الأطفال بإجماع أهل السنة من أهل الجنة، أطفال المسلمين من أهل الجنة.(13/476)
339 - بيان سن التكليف الذي يحاسب عليه العبد بعد فعله للمعاصي
س: هل الأطفال الذين يموتون في سن التاسعة والعاشرة، هل عليهم ذنب؟ وما هو السن الذي يحاسب به العبد؟
ج: السن الذي يحاسب عليه إذا حصل البلوغ الذي يتم به التكليف، وذلك بإكمال خمس عشرة سنة، أو بإنبات الشعر حول الفرج، هذا يسمى بالغا يسمى مكلفا، والمرأة كذلك تسمى مكلفة وبالغة، وتزيد أمرا رابعا وهو الحيض، إذا حاضت صارت مكلفة، عليها واجب الصلاة والصوم والحج، أما الزكاة فتجب ولو مع الصغير، تجب في مال اليتيم ومال الصغير، على وليه أن يخرجها.(13/476)
340 - بيان فضل من مات في رمضان أو في يوم الجمعة
س: السائل: أ. من سوريا يقول: هل من مات في رمضان، أو في يوم الجمعة، أو في ليلتها، هل له فضل على بقية الأيام، حيث سمعنا من ذلك من أحد الإخوة؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (392) .(13/476)
ج: لا أعلم في هذا شيئا، الأحاديث الواردة في موت الجمعة كلها غير صحيحة، وكذلك إذا مات في رمضان ما أعلم فيه شيئا يدل على فضل خاص، لكن يرجى له، إذا مات وهو صائم مستقيم يرجى له الخير العظيم، ولكن لا أعلم شيئا خاصا في موت رمضان، أما الموت في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة فيروى في ذلك أخبار غير صحيحة.(13/477)
341 - حكم الحج والاعتمار عمن مات دون البلوغ
س: السائل من الكويت يقول: كان لي أخوان أحدهما في سن التاسعة عشر، والآخر في سن الخامسة عشر، وقعا في حفرة وماتا مختنقين تحت التراب، سؤالي: هل عليهما تكليف فنستغفر الله لهما، ونحج عنهما ونعتمر عنهما؟ وهل يعتبران من الشهداء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: يرجى لهما الخير، وإذا كانا لم يبلغا الحلم فإنهما لا شيء عليهما في جهة التكليف من جهة الإثم، ولهما أجر أعمالهما الطيبة، من صلاة وذكر وقراءة ونحو ذلك، إذا كان أحدهما قد بلغ أو كان قد بلغ خمس عشرة سنة، يعني قد كملها فهو مكلف، وإذا كان لم يكملها ولم يعرف أنه أنبت الشعر، ولم يعرف أنه أنزل بشهوة فهو لم يكلف، ولا بأس بأن
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (306) .(13/477)
يحج عنه أو يعتمر عنه، أو يتصدق عنه، أو عن أخيه كله نفع وخير.(13/478)
342 - حكم سقوط الحمل قبل تخلقه وبيان مكان دفنه
س: لي جارة حملت وسقط حملها بعد شهرين، ولا يعرف هل هو ذكر أو أنثى، وقد دفن في جانب من الحارة ولم يدفن في مقبرة المسلمين، فما حكم هذا الدفن؟ (1)
ج: المرأة إذا أسقطت جنينا فيه تفصيل: إن كان الجنين دما محضا هذا ما يسمى جنينا، ولا يسمى نفاسا الدم الخارج بسببه، ولا يكون لها حكم النفساء، بل عليها أن تصلي وأن تصوم وتحل لزوجها، لأن هذا لا يسمى نفاسا، ما دام ابن شهرين، أو ابن ثلاثة أشهر، هذا في الغالب ما يتخلق، فهذا يكون دما فاسدا، وتصلي وتصوم والدم المجتمع الذي سقط يدفن في أي مكان في البيت، أو في الحوش، لا يذهب به إلى المقابر، ما فيه حاجة لذلك، لأن هذا ليس بإنسان، وعليها أن تصلي وأن تصوم، وتعتبر هذا الدم دما فاسدا مثل الدم الذي يخرج من الجراحات الأخرى دما فاسدا لا يمنعها من الصلاة والصوم، ولا يمنع زوجها من غشيانها لأنه دم فاسد، لا يسمى نفاسا ولا يسمى حيضا، أما إن كان الدم قد اجتمع فيه لحمة، وفيها خلق إنسان ولو خفي: مثل رأس، رجل، يد، إذا علمت
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (14) .(13/478)
ذلك المرأة، أو القابلة التي عندها الثقة بأن هذا اللحم فيه خلق الإنسان هذا يسمى ولدا، ويعتبر نفاسا، فليس لها حينئذ أن تصلي ولا أن تصوم، وليس لزوجها أن يقربها، أي يطأها لأنها نفساء، ما دامت اللحمة التي خرجت فيها خلق الإنسان، ولو ما مضى عليها أربعة أشهر في اعتقادها لأن الجنين قد يخلق قبل ذلك، والغالب أنه لا يخلق إلا في الطور الثالث بعد المضغة لكن جاء ما يدل في بعض الأحاديث أنه قد يقع قبل ذلك، فالحاصل أنه إذا كان فيه خلق الإنسان يعتبر نفاسا، وعليها أن تمتنع من الصلاة والصوم وعلى زوجها أن يمتنع من غشيانها حتى تطهر، فإذا طهرت ولو لعشرة أيام، أو ليوم تباح لزوجها، ليس من شرط الطهارة أن تكمل أربعين يوما، لا، لو طهرت وهي بنت عشرين أو بنت ثلاثين فالطهارة صحيحة، تصلي وتصوم وتحل لزوجها وليس للنفاس حد محدود قبل الأربعين، ليس له حد محدود، لأن النساء يختلفن فقد تطهر المرأة لشهر، وقد تطهر لخمسة وعشرين يوما، وقد تطهر لأقل من ذلك، أو لأكثر من ذلك، كل هذا واقع، والحكم يكون بالطهارة بانقطاع الدم وبيان الطهارة فإذا رأت الطهارة بانقطاع الدم، ورأت ما يدل على الطهارة بأن ترى الماء الأبيض، أو بأن تحتشي بقطنة في فرجها ونحوها من البياض فلا يتأثر هذه علامة الطهارة فتغتسل وتصلي وتصوم وتحل لزوجها ولو أنها ما مضى عليها من النفاس إلا عشرون يوما أو ثلاثون يوما، فإذا استمر الدم حتى كملت الأربعين والدم معها فإن هذا الدم(13/479)
الزائد يعتبر دما فاسدا بعد الأربعين، وتصلي وتصوم وتحل لزوجها، وتتحفظ في هذا الدم بالقطن ونحوه، وتتوضأ لوقت كل صلاة كما تفعل المستحاضات، والمستحاضات غير الحيض، المستحاضات اللاتي يستمر معهن الدم بعد الحيض، والحيض شيء والمستحاضات شيء آخر، الحيض هن اللاتي يجلسن وقت الحيض المعتاد يقال لها: حائض التي جاءها الدم في وقتها المعتاد يعتبر دمها حيضا، فهذه تسمى حائضا لا تصلي ولا تصوم ولا تحل لزوجها، والمستحاضة هي التي تصاب بدم زائد على الحيض يستمر معها هذا الدم الزائد ويسمى استحاضة، إذا جاء هذا الدم تغتسل وتصلي وتصوم وإذا جاء وقت الحيض المعتاد وقفت عن الصلاة والصوم وحرمت على زوجها حتى تنتهي أيام الحيض، وهذه النفساء كذلك مثل الحائض، وقت الدم في النفاس لا تصلي ولا تصوم ولا تحل لزوجها، فإذا ذهب هذا الدم لشهر أو عشرين يوما طهرت، اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها ولو ما كملت الأربعين.
وهذا الدم الذي ليس فيه خلق الإنسان ليس له حكم الولد، لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، أما إذا كان فيه خلق الإنسان فإنه يعتبر جنينا، ويكون لها حكم النفاس، لكن إذا كان ما نفخت فيه الروح، ولا تحرك في بطن أمه لا بأس أن يدفن في أعراض، يحفر له في الحوش ويدفن لا حرج لأنه ما صار له حكم الأموات حينئذ،(13/480)
لم ينفخ فيه الروح، ولم يتحرك في بطن أمه، وليس له حكم الأموات، لكن له حكم الإنسان في حكم النفاس فقط، أما إذا نفخت فيه الروح وتحرك ثم ولدته ميتا أو حيا، ثم مات هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، هذا الذي ينبغي، وهذا هو تفصيل هذه المسالة.(13/481)
343 - حكم تغسيل السقط
س: هذا سائل يقول: ما حكم تغسيل السقط يا سماحة الشيخ عند موته؟ (1)
ج: يجب تغسيل الميت إذا كمل أربعة أشهر، إذا ولد في الخامس أو في السادس يغسل ويكفن ويصلى عليه، إذا كان ولد بعدما نفخت فيه الروح يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه.
__________
(1) السؤال الحادي والخمسون من الشريط رقم (430) .(13/481)
344 - بيان في انتفاع الوالدين بالحمل الساقط قبل نفخ الروح فيه
س: إذا أسقطت المرأة حملها قبل أن تنفخ فيه الروح هل هذا السقط ينفع والديه يوم القيامة؟ (1)
ج: قبل أربعة أشهر لا يسمى ولدا، إنما يسمى ولدا بعد الأربعة أشهر، بعد نفخ الروح فيه يغسل ويصلى عليه ويعتبر طفلا، ترجى شفاعته
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (351) .(13/481)
لوالديه. أما قبل ذلك فليس بإنسان وليس بميت ولا يعتبر طفلا ولا يغسل ولا يصلى عليه ولو كان لحمة فيها تخطيط ولا يجوز لها إسقاطه، ليس للمرأة أن تسقطه إلا في الأربعين الأولى إذا دعت الحاجة لذلك، كالعزل في الأربعين الأولى لا بأس إذا دعت الحاجة إلى هذا للمصلحة الشرعية.(13/482)
345 - حكم الطفل الذي مات قبل الختان
س: يقول السائل: توفي لي ابن عندما اكتمل له عام، وأنا لم أقم بختانه بعد، فهل أكون آثما؟ وهل علي كفارة؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، لأن الختان لا يتعين في مدة الرضاع، لو ما ختنه إلا بعد خمس سنين أو ست سنين أو أكثر لا حرج لأنه يختن قبل أن يبلغ وإذا ختنه في سن الرضاع كان أسهل وأيسر، والأمر فيه واسع والحمد لله، وإذا مات ولم يختن لا حرج عليه لأن الختان لا يجب في سن الرضاع، بل يمكن تأخير ذلك إلى ما قبل البلوغ.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (236) .(13/482)
346 - مسألة في ختان الطفل الذي مات قبل أن يختن
س: مستمعة تسأل عن الطفل الذي مات ولم يختن، تجادل فيها أناس،(13/482)
فقيل: يختن، وقيل: لا داعي للختان، ما هو توجيهكم؟ (1)
ج: إذا مات الطفل ولم يختن فلا حاجة إلى ختانه، ولا يجب ختانه، ولا يشرع بعد الموت والحمد لله، الختان سنة فات محلها، محلها الحياة، وقد أوجبه جمع من أهل العلم، وبكل حال لما توفي ما في ذلك حاجة إلى تختينه.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (291) .(13/483)
347 - حكم من مات رضيعها وظنت أنها تسببت في وفاته
س: إنني امرأة ربة بيت، وقد رزقت بمولود بقي على قيد الحياة قرابة أربعين يوما، وفي ذات يوم نمت قبيل العصر والمولود بخير واستيقظت من المنام صلاة العصر وإذا بالمولود ميت على الفراش، لذا خشيت بأنني انقلبت عليه في أثناء النوم، فهل علي شيء في ذلك؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا، علما بأنني لا أعلم له سببا، إلا إذا كان لحقه مني شيء وأنا نائمة. (1)
ج: إذا كنت أيتها السائلة لا تعلمين أنه جرى منك شيء فليس عليك شيء، والموت قد يأتي بغتة لأسباب يجهلها الإنسان، فإذا كنت لا تعلمين أنك انقلبت عليه، أو فعلت شيئا يكون سببا لموته فليس عليك دية
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (6) .(13/483)
ولا كفارة ولا براءة للذمة من الدية والكفارات إلا بأمر واضح يوجب ذلك، والآجال بيد الله، ولها أسباب قد تخفى على الناس فلا يلزمك دية ولا كفارة إلا بعد العلم بأن موته بسببك، والله سبحانه وتعالى أعلم، نسأل الله أن يجعله شافعا مشفعا.(13/484)
348 - بيان فضل شفاعة الصغار لوالديهم
س: السائلة \ أ. ع، من المدينة المنورة، تقول: هل شفاعة الأطفال الصغار لوالديهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا أم أن الشفاعة تخص الأطفال الذكور فقط؟ (1)
ج: الشفاعة تعم الجميع، الذكور والإناث، والحمد لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات له ثلاثة أفراط لم يبلغوا الحنث كن له حجابا من النار " قالوا: يا رسول الله، أو اثنين. قال: " أو اثنين (2) » ولم يسألوه عن الواحد. ويقول صلى الله عليه وسلم: «من مات له صفيه من الدنيا فصبر واحتسب عوضه فيه الجنة (3) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (412) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟ برقم (101) ، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم (2633) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله برقم (6424) .(13/484)
المقصود أن الإنسان إذا أصاب قريبه الذي هو صفية من الدنيا، قريب أو صديق، واحتسب عوضه فيه الجنة، هذا معنى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي اللفظ الآخر: «من أخذت صفيه من الدنيا فاحتسبه عوضته فيه الجنة (1) » وهكذا الأفراط إذا احتسبهم والدهم وأمهم كانوا لهم شفعاء، سواء كانوا ثلاثة أو أكثر، أو اثنين، أما الواحد فلم يسألوه عنه عليه الصلاة والسلام لكنه داخل في الصفي، إذا صبر واحتسب عوضه فيه الجنة وإن كان واحدا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله برقم (6424) .(13/485)
349 - بيان كيفية غسل وتكفين ودفن النبي صلى الله عليه وسلم
س: السؤال عن كيفية غسل النبي عليه الصلاة والسلام وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وفقكم الله (1)
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم غسل في ثيابه، فإنهم سمعوا مناديا، الصحابة لما اختلفوا هل يجردونه أم لا، سمعوا مناديا من داخل البيت يقول: أن غسلوا الرسول في ثيابه، فغسلوه في ثيابه وصبوا الماء عليه، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض، سحولية من كرسف، يعني من قطن ليس
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (35) .(13/485)
فيها قميص ولا عمامة، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها (1) ثم صلى عليه الناس عليه الصلاة والسلام، صلى عليه الناس فرادى، ما أمهم إمام، كل يدخل ويصلي عليه في المسجد عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب في ستر الميت عند غسله، برقم (3141) .(13/486)
350 - بيان مشروعية صلاة الجنازة للنساء
س: عن صفة صلاة الجنازة وحكمها وهل تشرع أيضا للنساء كما هي للرجال؟ (1)
ج: صلاة الجنازة مشروعة للجميع، للرجال والنساء، وهي فرض كفاية إذا قام بها واحد كفى وأجزأت، لكن السنة أن يصلي عليها جم غفير، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما من مسلم يصلي عليه أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه (2) » وفي لفظ آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل مسلم يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة، كلهم يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه (3) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فكلما زاد الجمع صار خيرا
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (52) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم (948) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم (948) .(13/486)
له، يدعون له ويترحمون عليه، وصفتها أن الإمام يكبر أربع تكبيرات يقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة أما قول بعض الفقهاء: عند صدر الرجل، فهو قول ضعيف لا أساس له، وإنما السنة أن يقف عند رأس الرجل وعند وسط المرأة، هذا ما جاءت به السنة من حديث سمرة بن جندب في الوقوف وسط المرأة، ومن حديث أنس في الوقوف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، فالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه يقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة ثم يكبر، يقول: الله أكبر. ثم يقرأ الفاتحة ويتعوذ بالله من الشيطان. ويسمي ويقرأ سرا الفاتحة، ليس فيها استفتاح على الأرجح، لأنها مبنية على التخفيف، وإن جهر بعض الشيء حتى يعلم من وراءه أنه يقرأ، حتى يستفيدوا بعض الأحيان يكون حسنا، كما فعله ابن عباس للتعليم، ويقرأ سورة مع الفاتحة قصيرة، لما جاء في الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا (1) » يعني فأكثر إذا قرأ سورة زيادة، وجاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالفاتحة وسورة، هذا أفضل، وإن اقتصر على الفاتحة كفى، وإذا قرأ معها (العصر) أو (قل هو الله أحد) وأشباه ذلك
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم (394) .(13/487)
كان حسنا حتى يجمع بين الفاتحة وزيادة ثم يكبر الثانية: الله أكبر. ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما يصلي في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. والمقصود أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما يصلي في الصلاة، ثم يكبر الثالثة، ويدعو للميت ويأتي بالدعوات الشرعية: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، اللهم أدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، وإن زاد دعوات مثل: اللهم إن كان محسنا فزده في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، أو قال: اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت. أو ما أشبه ذلك من الدعوات الطيبة فكله حسن، ثم يكبر الرابعة ويسكت قليلا لأن هذا جاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم تسليمة واحدة، هذا هو المحفوظ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه، والشريعة عامة للنساء(13/488)
والرجال في الصلاة، لكن الخروج مع الجنازة للمقبرة هذا خاص بالرجال، وهكذا زيارة القبور خاص بالرجال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن له قيراطان " قيل: يا رسول الله ما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين (1) » هذا يدل على الفضل العظيم، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد (2) » هذا فضل عظيم، فإن الخروج مع الجنائز فيه جبر للمصابين، وتعزية لهم ومواساة لهم، فإنه إذا خرج معهم جبر قلوبهم وعزاهم بعمله وقوله جمعيا، ولهذا شرع الله الصلاة على الموتى، واتباع الجنائز لهذه الفوائد الكثيرة للإحسان للميت، والدعاء له ولجبر المصابين، ومواساتهم، ولتذكر الموت وما يكون بعد الموت، من العجائب والأهوال والأخطار، حتى يستعد المؤمن للموت وما بعده، نسأل الله للجميع العافية والسلامة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، برقم (1225) ، ومسلم في كتاب الجنائز باب فضل الصلاة على الجنائز واتباعها، برقم (945) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، برقم (47) .(13/489)
صفحة فارغة(13/490)
انتهى بحمد لله تعالى الجزء الثالث عشر
ويليه بمشيئة الله تعالى الجزء الرابع عشر
القسم التاسع من الصلاة
وأوله بقية باب أحكام الجنائز(13/491)
بسم الله الرحمن الرحيم(14/3)
صفحة فارغة(14/4)
بقية باب أحكام الجنائز(14/5)
صفحة فارغة(14/6)
بقية باب أحكام الجنائز
1- حكم الطهارة لصلاة الجنازة وكيفيتها
س: ما هي كيفية الصلاة على الميت بالتفصيل؟ وهل يشترط فيها الطهارة؟ (1)
ج: نعم، صلاة الميت صلاة لا بد لها من الطهارة؛ لأن الرسول سماها صلاة عليه الصلاة والسلام، هي صلاة فيها افتتاح وفيها تكبير وفيها تسليم، فهي صلاة تجب لها الطهارة، تجب فيها قراءة الفاتحة، والدعاء للميت أيضا، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهي صلاة، فمن صلى بغير طهارة لم تصح صلاته، والمشروع فيها أن يكبر أولا، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يكبر ثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، مثلما يصلي في الصلاة، الصلاة الإبراهيمية المعروفة: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (190) .(14/7)
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، ثم يقول: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر له وارحمه. أو: اللهم اغفر لها. إذا كانت امرأة، وإن سماهما باسمهما فحسن: اللهم اغفر لفلان ابن فلان، اللهم اغفر لفلانة بنت فلان، اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها، وأكرم نزلها ووسع مدخلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدلها دارا خيرا من دارها، وأهلا خيرا من أهلها، وأدخلها الجنة وأعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار، وافسح لها في قبرها، ونور لها فيه. وإن كان الرجل الميت له زوجة يقل: زوجة خيرا من زوجته. والمرأة كذلك: زوجا خيرا من زوجها. إذا كان لها زوج إذا مات زوجها: زوجة خيرا من زوجته. وإذا كانت الميتة امرأة ولها زوج قيل فيها كذلك، وهو يعرف أن لها زوجا، يقول: اللهم أبدله زوجة خيرا منها. وإن زاد وقال: اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته أنت أهل الجود والفضل، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده، كل هذا حسن، كله مشروع، وإن زاد بعض الدعوات كذلك، ثم يكبر الرابعة ويسكت قليلا، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه هذا هو المشروع في صلاة الجنازة: أربع تكبيرات يرفع يده مع كل(14/8)
تكبيرة هذا هو الأفضل، ويقرأ بعد الأولى الفاتحة، والأفضل عدم الاستفتاح، وإن استفتح فلا حرج، ويقرأ مع الفاتحة سورة قصيرة أو بعض الآيات، كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ثم يكبر الثانية، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثلما يصلي في الصلاة، كما تقدم، ثم يكبر الثالثة، فيقول ما تقدم: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، -هذا عام- اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له - إذا كان الميت ذكرا - اللهم اغفر لها. أو يريد الميت: اللهم اغفر له. أو يريد الجنازة يقول: اللهم اغفر لها. كله جائز، إلخ.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز باب الدعاء برقم (1987) .(14/9)
2- بيان كيفية صلاة الجنازة على الغائب وحكم الصلاة على السقط
س: يقول السائل من ليبيا: اشرحوا لنا صلاة الجنازة، وهل تختلف صلاة الجنازة الحاضرة عن صلاة الغائب؟ وهل يصلى على السقط؟ (1)
ج: صلاة الجنازة مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم: أربع تكبيرات، يكبر ثم يقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر الثالثة، ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا،
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (431) .(14/9)
وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ثم يدعو له، إن كان رجلا يقل: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وإن كان عنده زوجة: وزوجا خيرا من زوجه، اللهم أدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده، واغفر لنا وله، والمرأة كذلك لكن يقول: اللهم اغفر لها وارحمها، وإن كانوا جماعة قال: اللهم اغفر لهم وارحمهم، ثم يكبر الرابعة، ثم يسلم عن يمينه، والسقط يصلى عليه، مثل ما يصلى على الكبير ويدعى لوالديه بعد الثالثة، يقول: اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وشفيعا مجابا، اللهم أعظم به أجورهما، وثقل به موازينهما، وألحقه بصالح المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام، وقه برحمتك عذاب الجحيم.(14/10)
3- حكم تسوية الصفوف في صلاة العيد والجنازة
س: هل يجب تسوية الصفوف في صلاة العيد والجنازة؟ لأنه من الملاحظ على بعض الناس عدم الاهتمام بذلك مأجورين. (1)
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (424) .(14/10)
ج: الصف الأول فالأول في الصلوات كلها، يكمل الصف الأول فالأول في الجمعة والأعياد والجنازة إذا تيسر ذلك، يكمل الصف الأول فالأول، هذا الأصل، هذه القاعدة الشرعية.(14/11)
4- بيان محل نظر المصلي في الجنازة وحكم المسبوق فيها
س: عند صلاة الجنازة هل ينظر المصلي إلى موضع سجوده كما في بقية الصلوات، أم لا يجب ذلك؟ وماذا يفعل من فاته أكثر من تكبيرة واحدة في صلاة الجنازة؟ (1)
ج: السنة للمصلي في الجنازة وغير الجنازة أن ينظر محل سجوده، حتى لا يحصل عبث ولا تشاغل عن الصلاة، حتى يخشع هذا هو الأفضل، وإذا أدرك بعض الصلاة، فما أدركه هو أول صلاته، هذا هو الأفضل، وما يقضيه هو آخرها، فإذا أدرك التكبيرة الثالثة كبر وقرأ الفاتحة، وإذا كبر إمامه الرابعة كبر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا سلم إمامه كبر وقال: اللهم اغفر له وارحمه، ثم كبر وسلم.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (424) .(14/11)
5- بيان موقف المأمومين من الإمام في صلاة الجنازة
س: هل يجوز إذا وقف الإمام لكي يصلي على الميت، هل يجوز أن يصف الناس عن يمينه وعن شماله، أم لا بد أن يكون جميع(14/11)
المصلين عن يمينه؟ (1)
ج: السنة دلت على أن يكون المصلون خلف الإمام، إذا زادوا عن واحد فالسنة أن يكونوا خلف الإمام، هذا هو المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما صف عن يمينه وعن شماله جابر وجبار - رضي الله عنهما - أخرهما، وجعلهما خلفه عليه الصلاة والسلام، ولم يسمح أن يصلي عن يمينه إلا واحد، لما صف معه أنس وابن عباس رضي الله عنهم، أنس في بعض الروايات في بيت جدته، وفي حديث ابن عباس في صلاة الليل، أما اثنان فأكثر، فيكونون خلف الإمام، هذه السنة في صلاة الجنازة وغيرها.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (41) .(14/12)
6- بيان كيفية قضاء المسبوق ما فاته في صلاة الجنازة
س: يسأل المستمع ويقول: يفوتني أحيانا في صلاة الجنازة تكبيرة أو أكثر، حيث لا أدرك إلا الثالثة التي يدعى فيها للميت، ثم أسلم بعد ذلك مع الإمام، فهل يجوز ذلك، أم لا بد من أداء التكبيرات التي فاتتني (1) ؟
ج: المشروع لك أن تؤدي التكبيرات، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا (2) » يعم صلاة الجنازة وغيرها، فإذا
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (392) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة برقم (908) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا، برقم (602) .(14/12)
أدركت الثالثة هي أول صلاتك، إذا كبرت تقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم إذا كبر الرابعة صليت على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا سلم كبرت وقلت: اللهم اغفر للميت، تدعو له بالمغفرة كلمات قليلة، ثم تكبر وتسلم.
س: يقول السائل: عندما يحضر المسلم إلى صلاة الجنازة ويجد أن الإمام قد سبقه في بعض التكبيرات، فهل يعيد ما فاته منها، أم يبدأ مع الإمام، وينتهي معه ويسلم؟ وفقكم الله (1)
ج: تواترت النصوص الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يبدأ مع الإمام في صلاة الجنازة في التكبيرات التي يدركها، فإذا أدركه في التكبيرة الثالثة كبر معه في الثالثة، وقرأ الفاتحة، ثم إذا كبر الرابعة صلى هو على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا سلم كبر الثالثة، وقال: اللهم اغفر لهذا الميت، اللهم اغفر له وارحمه، ثم كبر وسلم، قبل أن ترفع الجنازة يبادر، وإن فاتته الأولى كبر ثانية، وقرأ الفاتحة، ثم إذا كبر الإمام الثالثة، كبر معه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا كبر الرابعة كبر معه الرابعة وهي ثالثة له، فيدعو للميت ويترحم عليه، ثم يكبر
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (25) .(14/13)
ويسلم يقضي ما فاته بسرعة، يدعو للميت بسرعة كلمتين ثلاثا قبل أن ترفع الجنازة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا (1) » يعني: فأتموا. وهذا يعم صلاة الجنازة وغيرها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة برقم (908) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا، برقم (602) .(14/14)
7- حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة والعيد
س: هل الصحيح رفع اليدين في كل تكبيرة في صلاة الجنازة أم يكبر بدون رفع اليدين، وكذلك في صلاة العيدين؟ (1)
ج: الأفضل الرفع وإن لم يرفع فلا بأس، والأفضل الرفع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع في تكبيرات الجنازة، ومثلها تكبيرات العيد، السنة الرفع، لأنها تكبير عن قيام، فأشبه تكبير الاستفتاح وتكبير الركوع، يرفع فيها في الصلوات كلها إذا كبر للإحرام بالرفع، وإذا كبر للركوع بالرفع، فالأفضل في تكبيرة الجنازة أن يرفع، وبعض أهل العلم قال: يرفع في الأولى فقط. والصواب والأفضل أن يرفع في الجميع في جميع تكبيرات الجنازة وتكبيرات العيد.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (374) .(14/14)
8- حكم الجهر في صلاة الجنازة
س: ما حكم صلاة الجنازة على الميت؟ هل تكون سرا أم جهرا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا السؤال مجمل، فإن كان مراد السائل القراءة، فالقراءة سر، يقرأ في صلاة الجنازة سرا، ويدعو سرا، وإن كان مراده غير ذلك، فما فهمناه صلاة الجنازة كلها سر، يقرأ سرا ويدعو سرا، ولو سمع صوته من حوله فلا بأس، لا شيء عليه والحمد لله، فالصحابة سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء على الجنازة، فالمقصود أنه لا حرج في أن يسمع صوته من حوله، لكن ليس بمشروع الجهر الذي يشوش على من حوله، إنما الجهر الخفيف لكي يسمع من حوله للاستفادة، ويتعلم بعض الناس من بعض، وإلا فالسنة في الجنازة ليلا أو نهارا السر في القراءة والدعاء، لكن الجهر اليسير الذي قد يسمعه من حوله لا يضر.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (302) .(14/15)
9- بيان الأدعية التي تقال في صلاة الجنازة
س: ما هو الدعاء الذي يقال في الصلاة عند صلاتنا على الميت؟ (1)
ج: أولا عند الدعاء يقول بعد التكبيرة الثالثة: اللهم اغفر لحينا وميتنا،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (419) .(14/15)
وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، هذا عام في كل جنازة، ثم بعد هذا يقول: اللهم اغفر له إن كان رجلا، أو: اللهم اغفر لها. إن كانت امرأة، أو: اللهم اغفر لهم، إن كانوا جماعة: اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدلهم دورا خيرا من دورهم، وأهلا خيرا من أهلهم، اللهم أدخلهم الجنة وأعذهم من عذاب القبر ومن عذاب النار، وافسح لهم في قبورهم، ونور لهم فيها. إذا كانوا جماعة، وإن كان واحدا: اللهم اغفر له ... إلى آخره: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده، واغفر لنا وله، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت، كله دعاء طيب.(14/16)
س: كيف نصلي على الميت؟ وما هي الأدعية المأثورة؟ (1)
ج: تصلي عليه أربع تكبيرات وأنت واقف تصلي عليه مع الإمام، وتقرأ بعد الأولى الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) وما تيسر معها من آيات أو سور قصيرة، ثم تكبر وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما تصلي في الصلاة، ثم تكبر الثالثة وتدعو للميت بما يسر الله،
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (230) .
(2) سورة الفاتحة الآية 2(14/16)
ومنه: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه. ومنها: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده إلى غير هذا مما ورد، يدعو الإنسان بهذا وبما أشبهه مما ورد من الدعوات الطيبة، ثم يكبر الرابعة ويسلم عن اليمين قبل الرابعة يسكت قليلا ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، هذه الصفات الشرعية لصلاة الجنازة، هذا إذا تيسر له ذلك، أما إذا فاتته فلا شيء عليه، ولا قضاء لأنها فرض كفاية، فإذا دفن الميت سقط عن الباقين، وإن أدرك بعضها صلى ما أدرك، وقضى ما فات كبقية الصلوات.(14/17)
س: أخونا يسأل - لو تكرمتم - عن الدعاء للميت في الصلاة. (1)
ج: لا بأس أن يدعو للميت في الصلاة وفي خارج الصلاة، يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، في التحيات بين السجدتين، في السجود: اللهم اغفر لأخي فلان، اللهم اغفر لشيخي فلان، اللهم اغفر لأصحاب
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (112) .(14/17)
الرسول صلى الله عليه وسلم وارض عنهم، اللهم صل على رسول الله واجزه عنا خيرا، وهكذا يدعو لمن شاء من المسلمين في سجوده، وفي آخر الصلاة بين السجدتين محل دعاء حيا أو ميتا.(14/18)
10- حكم صلاة الجنازة على الذكر والأنثى مرة واحدة
س: يقول السائل: إذا أحضرت جنازتان بالمسجد إحداهما ذكر، والأخرى أنثى، هل يجوز الجمع بينهما في صلاة واحدة، أو يصلى على الأنثى وحدها، وكذلك على الذكر وحده؟ (1)
ج: السنة أن يجمعا ويصلى عليهما جميعا، لأنه أسرع في إنجازهما، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «أسرعوا بالجنازة (2) » فصلى على جماعة عليه الصلاة والسلام، فالسنة أن يجمع الرجل والمرأة أو الرجلان والمرأتان أو أكثر، فيصلى عليهم جميعا، فإذا كانا رجلين يقول: اللهم اغفر لهما وارحمهما، وهكذا المرأتان، وإن كانوا جماعة قال: اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ... إلى آخره، ويدعو لهم.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (288) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم (1315) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم (944) .(14/18)
11- بيان عدد التسليمات في صلاة الجنازة
س: هل لصلاة الجنازة تسليمة واحدة فقط؟ (1)
ج: هذا هو السنة، تسليمة واحدة هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تسليمة واحدة على اليمين.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (416) .(14/19)
س: هناك بعض الأئمة عندنا بعد السلام من صلاة الجنازة يدعو وهو لا زال واقفا، والناس يدعون معه، فما هو الحكم فيما فعلوا؟ (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، هذه بدعة لا أصل لها، إذا سلم الناس انتهت الجنازة، وانتهى الدعاء، والوقوف بعد السلام بالدعاء بالناس هنا، لا أصل له فيما نعلم، بل هو بدعة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (262) .(14/19)
12- حكم من ترك الصلاة على الطفل بسبب الجهل
س: سمعت من برنامج: (نور على الدرب) أن الطفل الذي يتوفى يصلى عليه، وأنا توفي مني أربعة أطفال، لا يقل عمر كل واحد منهم عن سنة واحدة، ولم يصل عليهم، لأنني مفوض الأمر لوالدي، أفيدوني أفادكم الله. (1)
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (6) .(14/19)
ج: لا شك أن الطفل في الصحيح أنه يصلى عليه، الطفل الصغير، الصحيح أنه يصلى عليه، هذا هو الصواب، قال بعض أهل العلم: لا يصلى عليه، ولكن الصواب أنه يصلى عليه، فإذا جهل الإنسان ودفنه، ولم يصل عليه جهلا منه، فنرجو أن يعفو الله عنه، وليس عليه شيء، لكن ينبغي له التنبه للمستقبل، وألا يدفن حتى يصلى عليه، يغسل ويكفن ويصلى عليه كالكبير، يغسل ويكفن ويطيب، ويصلى عليه ثم يدفن كالكبار، هذا هو المشروع، هذا هو الواجب، وهذا هو الأرجح من قولي العلماء في الطفل الصغير.(14/20)
13- حكم الصلاة على الطفل الصغير
س: هذا سائل من اليمن يقول: هل تجوز الصلاة على الطفل الصغير؟
ج: نعم يصلى عليه ويدعى لوالديه.(14/20)
14- حكم صلاة الجنازة في أوقات النهي
س: هل تجوز صلاة الجنازة بين صلاتي العصر والمغرب، لأن بعض الناس يقولون: إنها لا تجوز، إذ الوقت بين صلاتي العصر والمغرب من أوقات النهي، نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (198) .(14/20)
ج: لا شك أنه يجوز أداء صلاة الجنازة بعد صلاة العصر، لأنها من ذوات الأسباب، ولا حرج في أداء ذوات الأسباب بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الصبح، لكن إذا اصفرت الشمس فينبغي ترك ذلك حتى تغيب الشمس، لقول عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تصفر الشمس للغروب (1) » هذه الأوقات الثلاثة ينبغي فيها تأجيل الصلاة، أولا: عند طلوع الشمس، يمسك عن صلاة الجنازة حتى ترتفع الشمس، وهكذا: عند قيام الشمس في وسط النهار، وعند وجودها في كبد السماء قبل أن تميل إلى الغرب، وهو وقت قصير. والثالث: عند اصفرارها للغروب، إذا اصفرت جدا ومالت للغروب، في هذه الحالة تؤجل إلى ما بعد غروب الشمس. أما بعد صلاة العصر، فلا حرج في صلاة الجنازة، وهكذا بعد صلاة الفجر قبل أن تطلع الشمس، لا حرج في ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، برقم (831) .(14/21)
15- حكم صلاة المرأة على الجنازة
س: الأخت ف. س. س. من جيزان، تسأل وتقول: هل للمرأة أن(14/21)
تصلي على الجنازة أم لا؟ (1)
ج: نعم، الصلاة على الجنازة مشروعة للجميع، للرجال والنساء، تصلي على الجنازة في البيت أو في المسجد، كل ذلك لا بأس به، وقد صلت عائشة رضي الله عنها والنساء على سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما توفي، المقصود أن الصلاة على الجنائز مشروعة للجميع، وإنما المنهي عنه ذهابها للقبور، اتباع الجنائز وزيارة القبور، أما صلاتها على الميت في مسجد أو في مصلى، أو في بيت أهله فلا بأس بذلك.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (156) .(14/22)
س: السائلة م. ع. من حائل: تقول: أسأل عن حكم صلاة المرأة على الميت؟ (1)
ج: مثل الرجل، يشرع لها الصلاة على الميت، تصلي مع الناس في المساجد، في المصلى على الموتى، أو في البيت، تصلي مع أهل البيت على الميت، لكن لا تتبعه للمقبرة، الرسول نهاها عن اتباع الجنائز للموتى، لأنه نهى المرأة أن تتبع الجنائز، وأن تزور القبور، أما الصلاة على الميت فهي مشروعة للجميع، للرجل والمرأة جميعا، سواء في المسجد أو في المصلى، أو في بيته، تصلي عليه مع أهله.
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (392) .(14/22)
16- حكم تشييع النساء للجنازة
س: لماذا سقطت عن المرأة صلاة الجنازة وتشييعها؟ ولمن يكون ثواب صلاة الجنازة، للمصلي أم للمصلى عليه، أم للاثنين معا؟ وبأي قدر؟ (1)
ج: المصلي له ثواب الصلاة، والمصلى عليه له الدعاء، يرجى من الله له أن يقبل الدعاء، والمقصود في الصلاة هذه الدعاء له، والترحم عليه، والشفاعة له، والمرأة غير ساقطة عنها الصلاة، تصلي على الجنازة، لكن لا تشيعها إلى المقابر، لا تخرج معها إلى المقابر، أما الصلاة فتصلي مع الناس على الجنازة، وإذا صلت على الجنازة فلها أجر المصلي كالرجال، لكن لا تتبعها إلى المقابر.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (23) .(14/23)
17- حكم وضع الجنازة أمام المصلين أثناء الصلاة عليها
س: لو أحضرت جنازة يوم الجمعة أثناء الصلاة، هل نضعها أمامنا أو وراءنا؟ وشكرا لكم (1)
ج: الأمر في هذا واسع، سواء وضع أمام أو خلف، أو عن يمين المصلين أو شمالهم، لا حرج في ذلك، الميت يوضع في المسجد أو قرب
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (35) .(14/23)
المسجد حتى يصلي الناس، ثم يقدم حتى يصلي الناس عليه، ولا حرج في أن يكون موضوعا أمام المصلين، أو عن يمينهم أو عن شمالهم أو خلفهم، لا أعلم بهذا بأسا، لكن المهم أن يبادر بالصلاة عليه قبل خروج الناس، حتى ينتفع بصلاة الأكثرين، ويكون قريبا من المسجد، أو في نفس المسجد حتى يقدم للصلاة قبل خروج الناس من حين ينصرفون من الصلاة، حتى يحصل له فضل كثرة المصلين، وإذا مات أثناء الصلاة يترك في مجلسه الذي مات فيه حتى يفرغوا من الصلاة، ثم ينقل إلى محل تغسيله وتكفينه، ثم بعد ذلك يقدم للصلاة عليه، ولا يشتغلون به وقت الصلاة، لأنه قد يعطل عليهم صلاتهم، ولكن يترك في محله حتى يسلموا، ويتحققوا من موته، أو ينقلوه إلى المستشفى، ليعلم موته، ثم بعد ذلك يسعى في تجهيزه.(14/24)
18- حكم تغطية الميت بغطاء فيه آيات قرآنية
س: ما حكم وضع الغطاء، وهذا الغطاء فيه آيات قرآنية، وذلك على الميت أثناء الصلاة؟ (1)
ج: لا يجوز هذا أيضا، لأن فيه امتهانا للآيات القرآنية، فلا تكتب الآيات في اللحاف، ولا في الجلال، ولا في الثياب، الألبسة، ولا في
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (367) .(14/24)
السراويل، الآيات تحترم، ولا تجعل في الغطاء على الجنائز، وفي اللحاف على الإنسان، أو في فراش الإنسان أو الوسادة، تجعل في قراطيس يقرؤها الإنسان، أما أن تجعل في اللحاف أو في الفراش أو في الحصير أو في الوسادة فهذا إهانة وامتهان وتلاعب لا يجوز.(14/25)
19- حكم من فاتته الفريضة، وقد أقيمت صلاة الجنازة
س: إذا دخلت وهم يصلون على جنازة هل أدخل معهم في صلاة الجنازة أم أبدأ بصلاة الفرض مع أني لم أصل معهم الفرض؟ (1)
ج: تبدأ بالجنازة، لأنها تفوت، والفرض في إمكانك أن تصلي بعد ذلك، تبدأ بالجنازة، ثم بعد ذلك تصلي الفرض، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (367) .(14/25)
20- حكم الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت في المصلى
س: نرجو أن تبينوا لنا الأسباب التي تمنع من الصلاة على القبر، جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة لمن لم يصل على الميت في المصلى، أو في المسجد، أن يصلي عليه في المقبرة على القبر إذا تيسر له ذلك، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر لما أخبر أن امرأة كانت تقم
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (163) .(14/25)
المسجد وماتت، وصلي عليها ليلا، قال: «دلوني على قبرها (1) » فدلوه، فخرج فصلى عليها عليه الصلاة والسلام بعد الدفن، فلا مانع من الصلاة على الميت بعد الدفن في المقبرة، فذهب جمع من أهل العلم على أن ذلك إلى شهر، إذا مضى شهر أو ما يقارب الشهر ترك ذلك، لأن أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على: «أنه صلى على أم سعد، وقد مضى عليها شهر (2) » وهذا هو الأحوط والأولى، لأن ذلك لو ترك دائما لكانت القبور محل الصلاة دائما، فالأحوط أنه ينتهي الأمر من الشهر، أو ما يقاربه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان برقم (458) ومسلم، في كتاب الجنائز باب الصلاة على القبر برقم (956) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما جاء في الصلاة على القبر، برقم (1038) .(14/26)
21- بيان كيفية الصلاة على الميت بعد دفنه
س: رسالة يقول صاحبها المقيم في المملكة: كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حينما صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد بعد دفنها، هل وضع القبر بين يديه كما توضع الجنازة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، صلى عليها مثل ما يصلي على الجنازة، صلى عليها جعلها
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (317) .(14/26)
أمامه، وصلى حيال وسطها، ودعا لها كما في صلاة الجنازة، فالميت نصلي عليه قبل الدفن وبعد الدفن، فإذا ما صلي عليه قبل الدفن صلي عليه بعد الدفن، فالرجل يقف المصلي عند رأسه، والمرأة عند وسطها كما لو كانت باقية على وجه الأرض، وهكذا عندما «صلى على الخادمة التي كانت تقم المسجد صلى على قبرها عليه الصلاة والسلام (1) »
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان برقم (458) ومسلم، في كتاب الجنائز باب الصلاة على القبر برقم (956) .(14/27)
22- حكم الصلاة على الميت بعد دفنه
س: المستمع ع. ع. ح. من القطيف بعث يسأل ويقول: هل تجوز الصلاة على الميت بعد دفنه؟ (1)
ج: نعم، إذا كنت لم تصل عليه فصل عليه ولو بعد الدفن، وهكذا لو دفن ولم يصل، يصلى عليه بعد الدفن إلى شهر تقريبا، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الميت بعد الدفن، وصلي على ابن أم مكتوم بعدما مضى شهر، فلا حرج في ذلك، بل هو سنة.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (348) .(14/27)
23- حكم الصلاة على الجنازة وسط المقابر
س: هل تجوز صلاة الجنازة في وسط المقابر؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (261) .(14/27)
ج: لا حرج في ذلك، صلاة الجنازة يصلى عليها وتفعل في المقبرة، وهكذا على الميت بعد الدفن، النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الميت بعد الدفن في المقبرة، والصلاة على المقبرة مثل الصلاة على القبر، سواء بسواء، وإذا وضعت هناك وصلى عليها الناس فلا حرج في ذلك، الممنوع الصلوات ذات الركوع والسجود، تمنع في المقابر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها (1) » وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم - يعني: من الأمم - كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (3) » فلا يجوز أن يصلى في القبور، ولا يبنى عليها مسجد ولا قبة، ولا غير ذلك: لا قبور أهل البيت، ولا قبور
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، برقم (972) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، برقم (436) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (531) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .(14/28)
العلماء، ولا غيرها، فلتجعل ضاحية مكشوفة ليس عليها بناء، لا قبة ولا مسجد، ولا غير ذلك، ترفع عن الأرض قدر شبر، كما فعل بقبره صلى الله عليه وسلم بالتراب الذي حفر منها، ترفع وتوضع عليها النصائب في طرفي القبر، ولا مانع أن يوضع عليها حصباء لحفظ التراب، وترش بالماء فلا مانع، أما أن تبنى عليها قبة، أو مسجد أو حجرة خاصة هذا لا يجوز، ما يبنى على القبر، أما السور الذي يعم المقبرة كلها أن يحفظها عن سير الناس وعن السيارة فلا بأس، من باب الصيانة لها، أما أن توضع للقبر تعظيما له قبة، أو بناية أو مسجد هذا لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على أي قبر مسجدا ولا قبة، سواء كان من قبور الصحابة أو من قبور أهل البيت أو من قبور العلماء أو الرؤساء والحكام كلهم لا يبنى على قبورهم، ولا يتخذ عليها مساجد، كل هذا منكر، ويجب الحذر منه.(14/29)
س: الأخ م. ع. ح. من الرياض يسأل ويقول: ما حكم الصلاة عند القبور؟ وهل ما يفعله البعض من القيام بصلاة الجنازة عند قبر الميت بعدما تفوته الصلاة عليها في المسجد هل هذا العمل مشروع أم لا؟ (1)
ج: الصلاة عند القبور، الصلاة ذات الركوع والسجود لا تجوز هذا لا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (202) .(14/29)
يجوز، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وكل قبر يصلى عنده فقد اتخذ مسجدا، وإن لم يبن حوله مسجد، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح، وما ذلك إلا لأن الصلاة عندها وسيلة إلى عبادتها ودعائها، ولهذا لعن النبي من فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، وحذر من ذلك سدا لذريعة الشرك، حتى لا تكون الصلاة لهم بعد حين، قد يصلي لله ثم يجره الشيطان إلى أن يصلي لهم، أو يدعوهم من دون الله، فلا تجوز الصلاة عند القبور لا فرضا ولا نفلا، ولا الجلوس عندها: للدعاء أو قراءة القرآن أو الصدقات، لا تتخذ محلا لهذا، إنما تزار للذكرى والموعظة، ذكر الموت والموعظة والدعاء للمقبورين، أما أن يزورها لقصد آخر، ليجلس عندها يدعو لأنه يرى أنها أحرى بالإجابة، أو يجلس عندها يقرأ أو يجلس عندها يصلي هذا لا أصل له، والصلاة أشد، إذا صلى عندها أشد، صارت باطلة، أما صلاة الجنازة إذا صلى على الجنازة عند القبور لا بأس، أو صلى على القبر ما حضر الصلاة في المسجد مثلا، وصلوا على القبر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، برقم (436) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (531) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .(14/30)
لا حرج في ذلك، فعله النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى على قبر بعدما دفن، عليه الصلاة والسلام، فلا حرج في ذلك، صلاة الجنازة لا حرج فيها إنما الكلام على الصلاة ذات الركوع وذات السجود فهي الممنوعة في المقابر.(14/31)
س: هل تجوز الصلاة على الجنازة في المقبرة؟ (1)
ج: نعم الجنائز يصلى عليها في المساجد والمصليات والمقابر، لا حرج في ذلك، ربما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة في المسجد، وربما صلى عليها في المصلى وكان يصلي على القبر، والصلاة على القبر مثل الصلاة على الجنازة، فإذا أحضروها في المقبرة، وصلوا عليها فلا بأس، وإن كانت قد دفنت صلي على القبر.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (41) .(14/31)
س: هل تجوز الصلاة على الجنازة في المقبرة، أم لا؟ (1)
ج: لا حرج تصلي عليها في المقبرة، ويصلى على القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على القبر، وفي المقبرة، لما فاتته الصلاة عليه في المسجد، صلى عليه في المقبرة عليه الصلاة والسلام، والصلاة على الجنازة في المقبرة مثل الصلاة على القبر سواء بسواء، فإذا فاتته الصلاة عليه في المصلى، وجاء إلى المقبرة وهو موجود ما دفن بعد فلا بأس أن
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (40) .(14/31)
يصلي عليه هو، ومن لم يصل عليه في المقبرة، وإن شاؤوا أخروا الصلاة عليه حتى يدفن، كل هذا بحمد الله موسع، ولا حرج في ذلك.(14/32)
24- حكم الصلاة على الميت الغائب قبل دفنه
س: ما حكم صلاة الغائب؟ وهل يجوز أن تصلي على من لم يدفن بعد؟ (1)
ج: الصلاة على الغائب فيها تفصيل: بعض أهل العلم يرى أنه لا يصلى على الغائب، وبعضهم يرى الصلاة عليه، لكن إذا كان الغائب له شأن في الإسلام، كالنجاشي رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي، لما مات في بلاده أخبر به الصحابة، وصلى عليه صلاة الغائب، ولم يثبت عنه في صلاة الغائب إلا هذا الحديث، فإذا كان الغائب إماما عدلا وإمام خير صلي عليه صلاة الغائب، ولي الأمر يأمر بالصلاة عليه صلاة الغائب وهكذا علماء الحق ودعاة الهدى، إذا صلي عليهم صلاة الغائب هذا حسن كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، عليه الصلاة والسلام، أما أفراد الناس فلا تشرع الصلاة عليهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى على كل غائب، إنما صلى على شخص واحد له قدم في الإسلام، فإنه آوى المهاجرين من الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، آواهم ونصرهم وحماهم، وأحسن إليهم فكانت له
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (149) .(14/32)
اليد العظيمة في الإسلام، فلهذا صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما مات، وصلى عليه الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كان بهذه المثابة له قدم في الإسلام، مثل ما صلى المسلمون في خارج البلاد على ضياء الحق رئيس جمهورية باكستان رحمه الله، لما كانت له مواقف طيبة إسلامية أمر ولي الأمر أن يصلى عليه في الحرمين، فصلي عليه، لأنه أهل لذلك، لمواقفه الكريمة، وعنايته بتحكيم الشريعة، فقد أمر بها وحرص على ذلك، نسأل الله لنا وله العفو والمغفرة، المقصود أن من كان بهذه المثابة من حكام المسلمين من علماء المسلمين، إذا مات في بلاد الغربة، أو في بلاده أيضا جاز أن يصلى عليه من المسلمين في البلاد الأخرى.(14/33)
25- مسألة في حكم الصلاة على الغائب لغير الرسول صلى الله عليه وسلم
س: يقول السائل: ما حكم الصلاة على الميت الغائب؟ هل يجوز أن يصلى على إنسان غائب؟ لأن البعض يحتج بأن الصلاة على الغائب خاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام، عندما صلى على النجاشي. (1)
ج: هذا محل خلاف بين أهل العلم، وليس هناك شيء واضح في الحكم، لكن إذا صلي على من له قدم في الإسلام، كأمير صالح وعالم له أثر في الإسلام صلاة الغائب فلا حرج إن شاء الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (393) .(14/33)
صلى على النجاشي لما حصل من الخير على يديه، في إيوائه الصحابة ونصره الحق، ثم دخل في الإسلام، فلهذا صلى عليه النبي لما بلغته وفاته، وقال: «صلوا على صاحبكم (1) » ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غيره من الناس، مع كثرة الموتى، في مكة وغيرها، فلهذا احتج جمع من أهل العلم أنه لا يصلى على الغائب؛ لأن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالنجاشي، وقال بعض أهل العلم: يصلى على الغائب وأن الأصل عدم الخصوصية، لكن من كان مثل النجاشي، عالم له أثر في الإسلام، أمير له أثر في الإسلام، ومنفعة للمسلمين، ليس على كل حال هذا له وجهه، والأحوط ترك ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله مع الموتى الكثيرين عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي سريحة الغفاري حذيفة بن أسيد رضي الله تعالى عنه، برقم (16146) وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على النجاشي، برقم (1537) .(14/34)
26- حكم الصلاة على ميت غائب وقد صلي عليه في بلده
س: م. ع. يقول: ما حكم الصلاة على الميت الغائب، علما بأنه قد صلي عليه في البلد الذي مات فيه؟ (1)
ج: الصلاة على الغائب فيها خلاف بين العلماء منهم من رآها خاصة
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (387) .(14/34)
بالنجاشي، وأنه لا يصلى على غائب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي على الغائبين، وإنما صلى على النجاشي خاصة، وذهب بعض أهل العلم أنه يصلى على الغائب إذا كان له قدم في الإسلام كالنجاشي، من علماء السنة وأمراء الحق، الذين يدعون إلى الله ويعلمون الناس دين الله، ولهم مواقف حميدة في نصر الدين، تشبيها لهم بالنجاشي، والأمر في هذا واسع إن شاء الله، والقول أنه خاص بالنجاشي قول قوي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه صلى على غير النجاشي، ولو كانت الصلاة على الغائب سنة لصلى على كثير من الناس، لأنه مات في زمانه جمع غفير في مكة وغيرها، ولم يحفظ أنه صلى على أحد، فالأحوط، تركها على الغالب، إلا إذا كان إنسانا له قدم في الإسلام، كما كان للنجاشي فلا مانع إن شاء الله من الصلاة عليه.(14/35)
27- حكم صلاة النساء على ميت غائب
س: هل يجوز للنساء الصلاة على الميت صلاة الغائب؟ علما بأن الميت قد مضى على وفاته شهر ونصف، أو ما يشبه ذلك، مع العلم أيضا أنهن لم يستطعن الحضور بالصلاة عليه أبدا؟ (1)
ج: صلاة الغائب فيها خلاف بين العلماء والأقرب والأظهر من حيث
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (310) .(14/35)
الدليل أنه لا يصلى على الغائب، إلا إذا كان من المعروفين بشيء ينفع المسلمين، كعالم كبير نفع المسلمين، وكأمير نفع المسلمين، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه نفع المسلمين، أسلم ونفع المسلمين المهاجرين إليه، هذا يصلى عليه صلاة الغائب، وليس كل ميت يصلى عليه صلاة الغائب، إنما من له شهرة بالإسلام، وقدم بالإسلام ونفع بالمسلمين، من عالم أو أمير أو كبير نفع المسلمين، فلا مانع من أن يصلى عليه صلاة الغائب، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في النجاشي لما بلغه خبره، أخبر المسلمين وصلوا عليه صلاة الغائب، ولم يقل: صلوا على عامة الناس، عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الذي مات مشهورا بالعلم والدعوة إلى الله، أو مشهورا بين المسلمين بماله وجاهه ونفعه للمسلمين، سلطانا أو أميرا، أو من له قدم في الإسلام، فإن صلوا عليه صلاة الغائب، فلا مانع من أن تصلي عليه النساء كذلك.(14/36)
28- حكم صلاة الغائب على المرأة المتوفاة
س: إذا علم الشخص بموت قريبة له وهو في بلد، وهذه المرأة في بلد، فهل يصلي عليها صلاة الجنازة؟ (1)
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (425) .(14/36)
ج: لا بل يدعو لها بالمغفرة؛ لأن النبي ما كان يصلي على الغائبين، إلا إذا كان له شأن، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه له شأن وله دعوة إلى الله، وكان قد أكرم المهاجرين إليه، فإذا كان الميت ممن له شأن، كالأمير الصالح، والعالم الصالح، ونحو ذلك، إذا صلي عليه صلاة الغائب فلا بأس، أما عامة الناس، فلا يصلى عليهم صلاة الغائب، لأنه مات الجم الغفير في مكة وغيرها، ولم يصل عليهم النبي عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب.(14/37)
س: تقول السائلة: ما حكم صلاة الغائب بالنسبة للمرأة؟ (1)
ج: إذا صلى المسلمون على الغائب تصلي معهم، أما أن تصلي وحدها على الغائب فلا، لكن إذا حضرت مع الناس، وصلى الإمام على الغائب تصلي معهم، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (194) .(14/37)
29- مسألة في حكم الصلاة على الميت لمن لم يصل عليه قبل وضعه في القبر
س: ما حكم الصلاة على الميت قبل الدفن؟ (1)
ج: يجوز أن يصلى عليه قبل الدفن وبعده، والغائب والحاضر سواء، يقدمون هذا المعروف يصلون عليه قبل أن يدفنوه، والغائبون إذا علموا
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (149) .(14/37)
أنه مات صلوا عليه، ولو قبل الدفن.(14/38)
30- حكم تكرار الصلاة على الجنازة
س: نرى كثيرين يصلون على الجنازة أكثر من مرة، فما حكم الصلاة على الجنازة أكثر من مرة؟ (1)
ج: لا نعلم فيها بأسا، إذا حضر الجنازة صلى عليها مع الجماعة، ثم حضر الجماعة، وصلى عليها في المقبرة، أو في مكان آخر لا حرج في ذلك إن شاء الله، ولا بأس في ذلك، الواجب أن يصلى عليها مرة واحدة، لكن إن قدر أنه صلى عليها في المسجد، ثم جاء آخرون وصلى معهم في المقبرة، أو في مسجد آخر، وحضر وصلى معهم فلا بأس كل هذا مزيد من الخير.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (5) .(14/38)
31- مسألة في حكم الصلاة على ميت غائب قد صلي عليه
س: عند وفاة شخص ما يصلى عليه صلاة الجنازة ثم يدفن، فإذا جاء يوم الجمعة طلب أهل الميت من أئمة المساجد أن يصلوا على ميتهم صلاة الغائب بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، هل صلاة الغائب بهذه الكيفية جائزة؟ مع العلم أن الميت قد مات في نفس البلد،(14/38)
وقد صلي عليه قبل دفنه؟ (1)
ج: هذه بدعة لا أساس لها، لا يصلى عليه صلاة الغائب ولا الحاضر، قد صلي عليه والحمد لله، لا يحوز هذا العمل، هذا غلط كبير بدعة لا أصل لها، صلاة الغائب على الذي مات بعيدا عن البلد، وله شأن كأمير داع إلى الله، وعالم كبير، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه نفع الله به المسلمين، أما أن يصلي على الميت في الأسبوع الآتي بعد موته صلاة الغائب، فهذا منكر لا أصل له.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (350) .(14/39)
س: يقول السائل: في بعض الأحيان يقف الإمام بعد صلاة الجمعة، ويقول: الصلاة على الميت الغائب: فلان ابن فلان، وعلى من جازت عليه الصلاة من المسلمين، هل تجوز هذه الصلاة؟ (1)
ج: الصلاة على الغائب فيها تفصيل: إذا كان الغائب عرف له قدمه في الإسلام مشهور، رفع الله به المسلمين، أو أمير مشهور رفع الله به المسلمين هذا يجوز عند بعض أهل العلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي ملك الحبشة، لما أسلم وآوى المهاجرين ونصرهم وحماهم، ثم مات، صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، ولم يحفظ عنه أنه صلى على غيره، فقال بعض أهل العلم: إن
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (288) .(14/39)
هذا خاص بالنجاشي فقط، لأنه مات كثيرون ولم يصل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: من كان مثل النجاشي له قدر في الإسلام، وله شأن شرعت الصلاة عليه صلاة الغائب، وإلا فلا، وهذا القول وجيه وقريب، من كان له شأن في الإسلام، وإن ترك ولم يصل عليه اكتفاء بمن صلى عليه، فالحمد لله.(14/40)
32- حكم الصلاة على قاتل نفسه ودفنه في مقابر المسلمين
س: هل يعد قاتل نفسه من المخلدين في النار؟ وإذا كان كذلك فهل يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويعزى أهله فيه ويستغفر له؟ (1)
ج: قتل النفس من أكبر الكبائر، من أعظم الجرائم، قد حرم الله على العبد أن يقتل نفسه قال الله جل وعلا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة (3) » هكذا يقول صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (362) .
(2) سورة النساء الآية 29
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم (110) .(14/40)
بشيء عذب به يوم القيامة، حديدة أو سيف أو بندق أو غير ذلك فالواجب الحذر، ولو أصابه شدة، ولو أصابه مرض شديد أو قلق أو غير ذلك يجب عليه أن يتقي الله، وأن يحذر قتل نفسه، لكن لا يخلد في النار خلود الكفار، من جنس بقية أهل المعاصي تحت مشيئة الله جل وعلا، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فقتل النفس من جملة المعاصي التي دون الشرك، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي فعلها، ثم بعد التطهير والتمحيص، يخرجه الله من النار إلى الجنة، بسبب توحيده وإيمانه وإسلامه الذي مات عليه.
__________
(1) سورة النساء الآية 48(14/41)
س: وجدنا شخصا ميتا معلقا في شجرة، وفي عنقه حبل، ولا ندري: هل قتل نفسه بالخنق، أو علقه أحد بعد أن قتله، فإذا كان هو الذي علق نفسه بالحبل في الشجرة لكي يموت فهل يصلي عليه المسلمون أم لا؟ (1)
ج: هذا إذا كان مسلما فإنه يصلى عليه، سواء كان قتل نفسه، أو قتله غيره، يصلى عليه وإن كان أتى جريمة عظيمة، ومن قتل نفسه بالخنق فقد أتى جريمة عظيمة؛ لأن المسلم ليس له أن يقتل نفسه، الله جل وعلا حرم
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (42) .(14/41)
على الناس أن يقتلوا أنفسهم قال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة (2) » لكن لو علم أنه قتل نفسه فإنه يكون قد أخطأ وأتى جريمة، وأما الصلاة فيصلى عليه، لأن المعصية لا تمنع من الصلاة عليه، يصلي عليه بعض المسلمين والمحسنين، يغسلونه أولا، ويكفنونه ثم يصلى عليه، ثم يدفن في مقابر المسلمين، وهكذا لو علم أنه مقتول، قتله غيره ظلما فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) سورة النساء الآية 29
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم (110) .(14/42)
33- حكم الصلاة على تارك الصلاة المنتهك للحرمات
س: رجل في قرية لا يصلي ولا يصوم ولا يقوم إلا بما يتنافى مع شريعتنا السمحاء، مثل: السرقة والمشاحنة بين المسلمين، فهل إذا مات يغسل ويكفن ويصلى عليه؟ نرجو توضيح موقف المسلمين من هذا الشخص، جزاكم الله خير الجزاء (1)
ج: قد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من ترك الصلاة
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (36) .(14/42)
فإنه كافر، ومعلوم أن الكافر لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يجب أن يوارى في الأرض في محل آخر غير مقابر المسلمين، لئلا يؤذي الناس بنتنه وجيفته، فالحاصل أن من كان لا يصلي ومعروف بهذا، فإنه لا يصلى عليه ولا يغسل، وإذا كان مع ذلك يؤذي المسلمين صار شره أكثر، ولكن العمدة في كفره على تركه الصلاة، نسأل الله العافية، ومما ورد في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » خرجه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (3) » هذه الأحاديث وما جاء في معناها، كلها تدل على كفر تارك الصلاة، نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، برقم (21563) .(14/43)
34- بيان حديث: «صلوا على كل ميت من أهل القبلة (1) »
س: السائل ح. من الأردن الكرك يقول: هل تجوز الصلاة على من مات ولم يصل؟ وما معنى الحديث: «صلوا على من مات من أهل القبلة» ؟ هل هم المصلون الذين يتوجهون للقبلة، أم هذا الحديث عام لكل المسلمين الموحدين؟ (2)
ج: من مات ولا يصلي لا يصلى عليه، لأن ترك الصلاة كفر والعياذ بالله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (3) » أخرجه مسلم في صحيحه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (4) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع، بإسناد صحيح، أما حديث: «صلوا على كل ميت من أهل القبلة (5) » و: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله (6) » فهي أحاديث ضعيفة، ولو صحت لكان المراد يعني: صلوا على من كان
__________
(1) سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1525) .
(2) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (392) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(4) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .
(5) أخرجه الدارقطني في السنن كتاب العيدين، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه (2\57) .
(6) أخرجه الدارقطني في السنن، كتاب العيدين باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه (2\56) .(14/44)
مسلما، يقول: لا إله إلا الله، ويلتزم بها ولا يأتي بمكفر، كسائر الأحاديث التي في فضل: لا إله إلا الله المراد إذا قالها مع أداء حقها والالتزام بما يحفظ عليه إسلامه، ولهذا في الأحاديث الصحيحة: «إلا بحقها (1) » إلا بحق إسلامه، فمن قالها ونقضها بكفره وضلاله فما تنفعه كالمنافقين يقولون: لا إله إلا الله وهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم نقضوها بكفرهم وضلالهم، فالذي يقول: لا إله إلا الله وهو يدعو البدوي، أو يدعو الحسين، أو يدعو عليا رضي الله عنه، أو يدعو الشيخ عبد القادر، أو يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره، هذا كفر ما تنفعه لا إله إلا الله، تنفع: لا إله إلا الله من قالها، وأدى حقها، واستقام على دين الله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه، برقم (392) ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، برقم (21) .(14/45)
35- حكم الصلاة على تارك الصلاة إذا نطق بالشهادتين عند وفاته
س: من كان يعرف عنه أنه كان لا يصلي في حياته، إلا أنه ختم حياته بالشهادتين، عند احتضاره هل يصلى عليه، أم أنه من الذين قال الله فيهم: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} (1) (2)
__________
(1) سورة النساء الآية 18
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (331) .(14/45)
ج: إذا لم يصرح بالتوبة فالشهادة يقولها وهو حي. والمنافقون يقولونها فلا تنفعهم إذا لم يكن معها توبة من الكفر بالله، فإذا كان لا يصلي أو يعرف أنه يسب الدين، وأنه لا خير فيه، فكلمة الشهادتين لا تنفعه، لا في حياته ولا عند موته، إلا إذا كان عن توبة، فأمره إلى الله يوم القيامة، وفي ظاهره الشر، فلا يصلى عليه، ولا يغسل، نسأل الله العافية، أما إذا قال: تبت إلى الله من عملي، وأنا كنت لا أصلي، وأنا أشهدكم أني تائب، أو صرح عندهم: أني تبت إلى ربي من ترك الصلاة وكفى، ثم مات هذا، يكون حكمه حكم التائبين.(14/46)
س: هل يصلح أن أصلي عن شخص متوفى ترك صلاته بعض الوقت ولم يصل؟ (1)
ج: الصلاة لا تقضى، إن كان تركها عمدا، فهذا كفر كفرا أكبر، أعوذ بالله، وإن تركها من غير شعوره اختل شعوره فلا شيء عليه، المقصود أن الصلاة لا تقضى، سواء تركها عن شعور، أو عن غير شعور، فإن كان تركها عن شعور متعمدا، فهذا قد كفر كفرا أكبر، أعوذ بالله من ذلك، لا يصلى عليه ولا يغسل، وليس بمسلم على الصحيح، أما إن كان تركها لأجل اختلال الشعور مع شدة المرض، اختل شعوره، فلا يعرف شيئا، فلا شيء عليه، ولا قضاء عليه.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (334) .(14/46)
36- حكم الصلاة على الخارج عن حدود الشريعة
س: إذا خرج المسلم من حدود الشريعة الإسلامية، هل ينبغي للمسلمين أن يصلوا عليه عند مماته أم لا؟ (1)
ج: هذا يختلف، إن كان الخارج عن الحدود مرتدا، فلا يصلى عليه، أما إن كان خروجه بالمعصية، مثل: زنى وهو لا يستحل الزنى، أو شرب الخمر وهو لا يستحل الخمر، أو معصية أخرى لا يستحلها، هذا يصلى عليه، ويدعى له بالمغفرة والرحمة، لأنها معاص، أما إن كانت معصية توجب الردة، تخرجه عن الإسلام، هذا لا يصلى عليه، مثل ترك الصلاة نعوذ بالله، والجحد لوجوبها، ومثل استحلال الزنى يراه حلالا، ومثل سب الدين، أو سب الرسول، أو الاستهزاء بالرسول، فالذي يموت على هذه الحال لا يصلى عليه، هذه ردة عن الإسلام، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (23) .(14/47)
37- حكم الصلاة على شارب الخمر
س: سائل من ليبيا يسأل سماحتكم: عمن مات وهو شارب للخمر، هل يصلى عليه؟ نرجو أن تنصحونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، العاصي يصلى عليه إذا كان مسلما، فإنه يصلى عليه، سواء كان
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (332) .(14/47)
شارب خمر، أو عاقا لوالديه، أو قاطعا للرحم، أو يتعاطى أموال الربا، أو ما أشبه ذلك من المعاصي، أما إن كان كافرا، أي: تاركا للصلاة، أو يسب الدين، أو معروفا بشيء من أسباب الردة من نواقض الإسلام، فإنه لا يصلى عليه، أما المعصية فلا تمنع الصلاة، بل يصلى عليه، وإن كان عاصيا، ويغسل ويكفن ويدعى له بالمغفرة والرحمة، سواء كان شارب خمر، أو عنده معصية أخرى، لكن ليس بكافر.(14/48)
38- حكم الصلاة على من قتل قصاصا
س: سؤال عن الذي يحكم عليه بالقصاص قتلا، هل يصلى عليه، أو لا؟ (1)
ج: نعم، يصلى عليه، إذا كان مسلما، يصلى عليه، ولو أنه فعل هذه الجريمة، والقصاص كفارة، وهكذا من زنى وهو محصن، أو زنت وهي محصنة، فقتل بسبب الرجم يصلى عليه، سواء كان ثبت عليه ذلك بالشهود، أو بالإقرار، «والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على ماعز الذي زنى وهو محصن، فأمر النبي برجمه، ثم صلى عليه (2) » «وصلى على الغامدية عليه الصلاة والسلام، التي زنت وهي محصنة، فأمر برجمها
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (105) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب الرجم بالمصلى، برقم (6820) .(14/48)
وصلى عليها، عليه الصلاة والسلام (1) » لأن إقرارهم وتوبتهم له شأن عظيم، التوبة يمحو الله بها الذنوب، ثم الحد زيادة من أسباب الكفارة أيضا، فالحاصل أن من قتل بحق وهو مسلم يصلى عليه، فالقصاص حق، وإقامة الحدود حق، فيصلى عليهم، وهكذا لو قتل إنسان ظلما من باب أولى أن يصلى عليه، فالقصاص كفارة، لكن يبقى حق القتيل، هذان لحق الله، ولحق الورثة، أما حق القتيل فيبقى، وإذا كان القاتل تاب توبة صادقة، فالله سبحانه يرضى عنه بما يشاء سبحانه وتعالى، أما بقية المعاصي الأخرى، فهي مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أدركه الله في الدنيا، كان كفارة له، ومن مات على ذلك مستورا فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» سبحانه وتعالى، ويقع هذا في كل المعاصي التي أدرك حدها في الدنيا، أنه من تاب منها في الدنيا تغفر له، أما من مات عليها لم يحد ولم يتب، فهذا أمره إلى الله لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) سبحانه وتعالى، وهذا فيه بشارة لأهل المعاصي، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس قال: «ألا يشركوا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا (3) » قال بعد هذا: «فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا، فعوقب
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم (1695) .
(2) سورة النساء الآية 48
(3) صحيح البخاري الإيمان (18) ، صحيح مسلم الحدود (1709) ، سنن الترمذي الحدود (1439) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5002) ، سنن الدارمي السير (2453) .(14/49)
به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه (1) »
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب الحدود كفارة، برقم (6784) ، ومسلم في كتاب الحدود، باب الحدود كفارة لأهلها برقم (1709) .(14/50)
39- حكم الصلاة على من مات وعليه دين
س: هل تجوز الصلاة على من مات وعليه دين؟ وهل تجوز الصلاة على من مات وكتب في وصيته أن يعطى بعض أولاده مالا أكثر من البعض الآخر، أي من التركة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، يصلى على من مات وعليه دين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من عليه دين حتى يضمنه أحد، ثم ترك ذلك عليه الصلاة والسلام، كان يصلي على المدينين مطلقا، وهكذا من مات، وقد جار في وصيته، أو فعل معصية، فإن هذا لا يمنع الصلاة عليه ما دام مسلما، يصلى عليه ولا تنفذ وصيته المخالفة للشرع، وهذا إلى القضاة لا ينفذونها إلا برضا بقية الأولاد، إذا رضوا أن يعطى واحد منهم أكثر منهم فلا بأس، هذا إليهم، ولكن هذا لا يمنع الصلاة، ولكن لا يجوز لمؤمن أن يوصي أو يعطي أحد أولاده أكثر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (128) .(14/50)
«اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » فلو فعل بأن أعطى بعضهم أكثر، أو أوصى لبعضهم بأكثر فهذا إليهم، إن سمحوا فلا بأس، وإلا رفعوا الأمر إلى الحاكم والحاكم ينظر في الوصية ويمنع العطية الزائدة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (2) » إذا أصحاب المعاصي المماثلة يصلى عليهم. وإنما تمنع الصلاة على الكافر، أما العاصي فيصلى عليه ولو عرف بأنه عاص، طالما أنه مسلم محكوم بإسلامه فإنه يصلى عليه حتى يحكم الحاكم المعروف أو يعرف أنه مرتد، بسبه الله، أو بسبه دين الله، أو تركه الصلاة أو غير هذا من موجبات الردة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة وفضلها باب الإشهاد في الهبة، برقم (2587) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الهبة وفضلها باب الإشهاد في الهبة، برقم (2587) .(14/51)
40- مسألة في حكم الصلاة على من مات وعليه دين
س: هل تجوز الصلاة على الميت وهو عليه دين؟
ج: نعم، يصلى عليه، وإن كان عليه دين، كان النبي صلى الله عليه وسلم أولا ترك ذلك، ثم صلى عليهم وقضى ديونهم، عليه الصلاة والسلام، فيصلى عليه وإن كان عليه دين ويجتهد الورثة، أو الوصي في قضاء دينه، يجب على الورثة أن يبادروا بقضاء الدين أو الوصي، إن كان له وصي يبادر بقضاء الدين.(14/51)
41- حكم تشغيل شريط القرآن أثناء حمل الجنازة إلى القبر
س: يقول السائل: شاعت ظاهرة حمل الميت في سيارة وعليها مكبر للصوت، ويوضع شريط قرآن حتى يصلوا بالميت إلى المقبرة، وأيضا في الأعياد نجد الناس يذهبون إلى المقبرة، ومعهم تسجيل، ويفتح على القبر معتقدين هذا العمل بأنه ينفع الميت، ما حكم هذه الأفعال؟ (1)
ج: هذا لا أصل له، كونه يضع مكبرا على السيارة التي فيها الجنازة ويقرأ القرآن أو يذهب بالمسجل ويقرأ القرآن عند القبور هذه بدعة لا أصل لها، ولا ينبغي فعل ذلك، ولم يشرع الله القراءة عند القبور ولا الدعاء عندها، يتحرى هذا، إنما يدعو عند الزيارة حين يسلم عليهم، يدعو لهم ولنفسه كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد الأمة إلى ذلك، كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (2) » وكان يعلم أصحابه رضي الله عنهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام على أهل الديار من المؤمنين
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (288) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/52)
والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (1) » هكذا يشرع عند زيارة القبور الدعاء لهم وللزائر، أما قراءة القرآن أو الصلاة عند القبر أو الجلوس عنده يتحرى الدعاء عنده، هذا لا أصل له.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/53)
42- حكم الإسراع بالجنازة
س: يقول هذا السائل: بعض الناس يقول: جرت العادة في بلدي بأنهم يمشون بالجنازة وهم يرددون لا إله إلا الله، ثم البعض من الناس يقولون بأن هذا بدعة، فيقومون بأخذ الجنازة من المسجد، ويذهبون بها حتى القبر ويدعون بالحديث: «أسرعوا بالجنازة (1) » علما أن مع الجنازة رجالا كبارا في السن يريدون أجر الجنازة، ولا يصلون عند القبر إلا والناس قد دفنوا الميت، فهل يجوز ذلك العمل؟ (2)
ج: السنة الإسراع بالميت، هذه السنة، النبي عليه السلام قال: «أسرعوا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب السرعة بالجنازة برقم (1315) ومسلم في كتاب الجنائز باب الإسراع بالجنازة برقم (944) .
(2) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (406) .(14/53)
بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم (1) » ولكن السرعة لا تؤذي الحاملين، ولا تؤذي التابعين، سرعة متوسطة، ليس فيها أذى لحاملها، وليس فيها أذى للمشيعين، ولو تأخروا ولم يأتوا إلا عند الدفن أو بعد الدفن دعا له وترحم عليه، والحمد لله، وله أجر المتابعة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب السرعة بالجنازة، برقم (1315) ، ومسلم في كتاب الجنائز باب الإسراع بالجنازة برقم (944) .(14/54)
43- حكم الإشارة بالسبابة والنطق بالشهادة عند رؤية الجنازة
س: يقول هذا السائل: في بعض البلاد وعندما تشيع الجنازة ينتشر عادة بين كثير من المسلمين، فعندما يرون النعش المحمول به الميت يقومون بالإشارة إليه بسبابتهم، وينطقون بالشهادة، فما رأيكم في ذلك سماحة الشيخ؟ (1)
ج: لا أعلم له أصلا، ولكن السنة إذا رأوها أن يقوموا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عند رؤية الجنازة: «قوموا فإن للموت فزعا (2) »
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (401) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه برقم (7800) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في القيام للجنائز، برقم (1543) .(14/54)
وقال: «إذا رأيت جنازة فقم حتى تجاوزك (1) » وليس بواجب، لأن الرسول قام وقعد، فدل على أنه ليس بواجب القيام، لكن سنة، أما الإشارة بالأصبع لا أعرف لها أصلا، والشهادة لا أعرف لها أصلا.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه، برقم (15247) .(14/55)
44- حكم الذكر بصوت عال عند تشييع الجنازة، ووضع الورود على النعش
س: بعضهم يضعون أيضا الورود على النعش وهم يحملون الميت إلى المقبرة، ويقولون بصوت عال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. (1)
ج: كل هذا لا أصل له، وضع الورود على النعش، وعلى الميت كل هذا لا أصل له، إنما السنة تطييبه، بعدما يغسل يطيب ويكفن، هذا السنة، أما طرح الورود أو الأطياب على النعش هذا لا أصل له كذلك رفع الصوت بالتسبيح أو بالتهليل أو التحميد أو التكبير لا أصل له، بل السنة في هذا المقام خفض الصوت والإقبال على محاسبة النفس والتفكير في الموت وما بعده حتى يعد العدة لهذا الأمر العظيم الذي وقع بهذا الميت، فالذي وقع به سوف يقع بغيره، فالسنة خفض الأصوات في هذه
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (290) .(14/55)
الحال مع الجنائز، وعدم رفع الأصوات مع الجنازة عند السير بها إلى الصلاة أو الدفن، أما ما يفعله بعض الناس: سبحوه أو: وحدوه، أو: اذكروا الله. فهذا ليس له أصل.(14/56)
45- حكم رفع الصوت أثناء حمل الجنازة
س: يقول السائل: هل يجوز رفع الصوت أثناء حمل الجنازة؟ (1)
ج: لا، السنة السر في هذا وخفض الصوت، ويتذكر الإنسان المصير وأنه سوف يصيبه ما أصاب هذه الجنازة، يتذكر الموت وما بعده أما ما يفعله بعض الناس: وحدوه، وحدوه، اذكروا الله، هذا ليس عليه دليل.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (288) .(14/56)
46- حكم تكرار لا إله إلا الله جماعيا عند حمل الجنازة
س: هذا سائل للبرنامج ع. أمن اليمن يقول: من المعتاد عندنا أن الناس إذا حملوا الجنازة إلى المقبرة يقومون بذكر لا إله إلا الله، مكررا بالصوت الجماعي، وعندما يصلون إلى المقبرة يقرؤون سورة (يس) بصوت جماعي، وجهونا حول هذا العمل من حيث الجواز، جزاكم الله خيرا (1)
ج: رفعهم الصوت عند حملهم الجنازة بصوت جماعي هذا بدعة ما لها
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (395) .(14/56)
أصل، المشروع عند حمل الجنازة يتذكرون هذا المصير، يتذكرون الآخرة والموت، يكون عندهم تذكر وخوف وحذر، أما وحدوه، أو لا إله إلا الله، برفع الصوت هنا بدعة ما له أصل، وهكذا قراءة (يس) عند القبر بدعة لا أصل لها، لأنها تقرأ (يس) عند المحتضر قبل أن يموت في بيته، أو في أي مكان أما أنها تقرأ في المقابر، أو عند الدفن هذا بدعة لا أصل له.(14/57)
س: يقول السائل: أثناء تشييع جنازة متوفى أجد بعض الناس يقولون: لا إله إلا الله بصوت مرتفع وأجد بعضهم يقول: اذكروا الله. ما حكم هذا العمل؟ (1)
ج: ليس عليه دليل، السنة في هذا كان السلف إذا اتبعوا الجنازة يسرون ويخشعون ويتذكرون الموت وما بعده، فالسنة في مثل هذا عدم الكلام والتفكر في المصير وما يكون بعد الموت، وكيف يسأل الميت في قبره، حتى يكون الإنسان متأثرا بهذا المحضر، أما أن يقول: اذكروا الله، أو وحدوا الله، أو قولوا: لا إله إلا الله هذا لا دليل عليه، فينبغي تركه.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (288) .(14/57)
47- مسألة في حكم رفع الصوت بالذكر الجماعي عند تشييع الجنازة
س: المستمع أ. س. يسأل ويقول: عند تشييع الجنازة إلى المقبرة(14/57)
يرددون الأذكار بصوت جماعي، مثل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله وغير ذلك، وعندما يدخل الميت في القبر يؤذنون ويقيمون وبعد الدفن يلقنونه ويقولون: يا فلان ابن فلان قل: لا إله إلا الله قل: ربي الله، وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ما رأيكم في مثل هذا العمل؟ (1)
ج: هذا العمل كله بدعة لا يجوز، رفع الأصوات مع الجنائز: وحدوه أو لا إله إلا الله. كلها بدعة، السنة مع الجنائز التدبر والتأمل والخشوع وتذكر الموت والدعاء للميت، أما رفع الأصوات بالأذكار، أو وحدوه كل هذا لا أصل له وهكذا الأذان في القبر أو الإقامة في القبر كله بدعة، وهكذا التلقين، يا فلان اذكر ما خرجت عليه من الدنيا كله بدعة، والأحاديث في التلقين كلها غير صحيحة، وغير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا كله بدعة لا يلقن ولا ينفعه التلقين، ما ينفعه إلا عمله السابق قبل الموت، أما بعد الموت فلا ينفعه، وهكذا الأذان في قبره، والإقامة في قبره، والقراءة، كله بدعة لا تجوز.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (425) .(14/58)
48- بيان ما ينبغي فعله لمن يشيع الجنازة
س: هل يوجد ذكر مشروع عند الذهاب بالجنازة إلى القبر، من تهليل أو(14/58)
تكبير؟ وماذا يلزم تابع الجنازة والحاملين لها؟ (1)
ج: لا أعلم في هذا شيئا مشروعا إلا التفكير والنظر في الموت، وعواقب الموت، وما بعد الموت، يكون التابع للجنائز يفكر في هذه الأمور وأنه صائر إلى ما صار إليه هذا الميت، حتى يعد العدة، أما ما يفعله بعض الناس من قوله: اذكروا الله، وحدوا الله، فهذا لا أصل له، كان من عادة السلف عند اتباع الجنائز الصمت والتفكير، والنظر في عواقب الأمور، وفي حياة الإنسان وأن منتهاه هو منتهى هذا الرجل الذي هو يتبعه، فهذا يوجب التفكير والنظر والعبرة، وأما الكلام فلا يشرع بهذا كلام فيما أعلم، والذي يفعله بعض الناس من قولهم وحدوه، اذكروا الله، هذا كله لا أصل له.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (23) .(14/59)
س: توفي رجل، ثم قام الناس بتشييعه وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وبصوت مسموع ومرتفع، ثم قام أهل الميت بالصدقة عليه، وعندما رجع الناس من دفنه بدؤوا في الأكل والشرب والضحك فيما بينهم، ما رأي سماحتكم في مثل هذه التصرفات؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: اتباع الجنازة بارتفاع الأصوات بالذكر أو الصلاة على النبي صلى الله
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (314) .(14/59)
عليه وسلم لا أعلم له أصلا في الشرع، بل السنة خفض الصوت في هذه الحالة، وأن الإنسان يحاسب نفسه، ويتذكر مصير هذا الميت ومصيره هو أيضا، لأن الموت له شأن عظيم، وذكره يحرك القلب إلى الاستعداد للقاء الله، والقيام بحقه، والحذر من معاصيه سبحانه وتعالى، فالمسلم عند اتباع الجنازة عليه أن يتأمل مصير هذا الميت ومصيره هو، وأن يعد العدة، والناس عليهم أن يخفضوا الأصوات تقديرا لهول الموقف، وشدة الحاجة إلى الاستعداد للآخرة، والتأهب للموت قبل نزوله.
وأما صنع الطعام لأهل الميت، فهذا فيه تفصيل، أما صنع الطعام من أجل المصيبة، وجمع الناس فهذا ليس من المشروع، بل من عمل الجاهلية أما إذا صنعوه لأجل ضيف نزل بهم، أو لأنفسهم فلا بأس، أو جاءهم طعام من غيرهم، يعني: مثل جيرانهم وغيرهم بأن يصنعوا لهم طعاما، لأنه قد أتاهم ما يشغلهم فلا بأس بذلك، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أهله أن يصنعوا طعاما لأهل جعفر، لما قتل في مؤتة، لما جاء خبره إلى المدينة، رضي الله عنه، جعفر بن أبي طالب، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا لآل جعفر طعاما، وقال: «إنه أتاهم ما يشغلهم (1) » فإذا صنع أقارب الميت لأهل الميت طعاما،
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/60)
أو جيرانه فهذا مشروع، فإذا دعا أهل الميت من يأكل معهم هذا الطعام، أو قدموه لمن كان عندهم، كل هذا لا بأس به.
أما رجوعهم بعد الدفن إلى الضحك واللعب فهذا ليس بمناسب، بل الأفضل لهم أن يتدبروا الأمر، ويظهر عليهم أمارات الحزن والاستعداد، ولهذا لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون (1) » ولما حضر موت ابن بنته عليه الصلاة والسلام تأثر النبي صلى الله عليه وسلم لما حضر، فلما رأى نفس الصبي تقعقع عند الخروج بكى، فسأله بعض الحاضرين عن ذلك، فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (2) » فالأفضل لأهل الميت ألا يشتغلوا بالضحك واللعب بل يقدروا الموقف، ويظهر عليهم أثر الحزن مع الرضا عن الله والاسترجاع: إنا لله وإنا إليه راجعون، والصبر والاحتساب، أما مقابلة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، إذا كان النوح من سنته برقم (1284) ، ومسلم في كتاب الجنائز باب البكاء على الميت برقم (923) .(14/61)
ذلك بالضحك واللعب، فليس من المشروع وليس من المناسب بل المناسب إظهار الحزن وإظهار الدعاء للميت، والاستغفار له، وعدم إظهار اللعب والضحك، ونحو ذلك مما يدل على عدم المبالاة، وفي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم الخير والبركة، فما كان صلى الله عليه وسلم عند الموت يظهر الضحك، بل كان يظهر الحزن والبكاء، ويقول: إنها رحمة، وفق الله الجميع.(14/62)
49- حكم ترديد الشهادة بصفة جماعية عند حمل الجنازة
س: بعد الفراغ من الصلاة على الميت يقوم بعض الأشخاص بحمل الجنازة إلى المقبرة، ويرددون بصوت جماعي كلمة التوحيد، ويستمر هذا الوضع حتى تصل الجنازة إلى المقبرة، فهل هذا العمل صحيح؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل ليس مشروعا بل هو بدعة، كونهم يرفعون أصواتهم بالتوحيد حتى تنتهي الجنازة، كل هذا منكر، ولكن الإنسان في نفسه يفكر وينظر ويتذكر أن مصيره هو هذا المصير، الموت، وأن هناك حسابا وجزاء فيتأمل ويتذكر ويعد العدة لهذا الموقف. أما رفع الصوت بذكر الله أو وحدوه، أو غير ذلك من أذكار بصوت جماعي، حتى تنتهي الجنازة إلى المقبرة، هذا ليس له أصل، بل هو من البدع، وقد قال عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (365) .(14/62)
والسلام في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » يعني: هو مردود، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون هذا الفعل، فصار أمرا محدثا ومردودا.
س: من رأس المعرة في الجمهورية العربية السورية، بعثها السائل ر. ع، يقول: عندنا عادة يسير مع الجنازة الناس أثناء تشييعها إلى المقبرة، ثم يرددون كلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصوت عال ومرتفع، فهل ورد هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه بدعة محرمة؟ جزاكم الله خيرا (2)
ج: هذا بدعة ما له أصل، كان السلف حال الجنازة يخفضون أصواتهم يتأملون حال الموت وما بعد الموت من الأمور العظيمة أما رفع الصوت بالأذكار مع الجنازة فلا أصل له، يعتبر من البدع لكن إذا دفن الميت وفرغوا من دفنه يشرع الدعاء له، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفنه وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (3) » السنة الدعاء للميت: اللهم اغفر له، اللهم ثبته
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) السؤال السادس من الشريط رقم (317) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/63)
بالقول الثابت بعد الفراغ من دفنه، اللهم أدخله الجنة، وأنجه من النار، لا بأس بذلك كله طيب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت (1) » فإذا سأل له المغفرة والثبات فهذا طيب أما رفع الأصوات مع الجنازة عند الدفن على طريقة خاصة، وقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كل هذا ما له أصل.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/64)
50- حكم تلقين الميت بعد دفنه في قبره
س: توجد عندنا عادات قديمة، ولا يزال الكثيرون يتبعون هذه العادات، وهي: الاستغفار والتهليل بالرنة والترانيم عند حمل الميت بما يسمون ذلك التشهودة، كما يقومون بتلاوة القرآن أثناء دفن الميت والأذان عليه، وعند الفراغ من دفنه يقوم أحدهم عند رأسه، ويقول له مخاطبا للميت: إذا جاءك كذا قل: كذا. ما رأيكم في ذلك؟ أثابكم الله (1)
ج: كل هذه بدع لا أصل لها، فالسنة مع الجنازة التفكير وخفض الصوت، وتأمل مصير الميت ماذا يقال له؟ وماذا يجيب به؟ وتذكر هذا الأمر العظيم لأنك صائر إلى ما صار إليه، فينبغي للمؤمن أن يستشعر
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (75) .(14/64)
هذا الأمر العظيم، وكان السلف رضي الله عنهم يخفضون أصواتهم، ولا يتكلمون برفع الصوت في مثل هذه الحال مع الجنائز، بل يخفضون أصواتهم، ولا يتكلمون إلا بالتفكير والموعظة، وتذكير الناس بالخير، ودعوتهم إلى الخير، أما: وحدوه، لا إله إلا الله، وسبحان الله، بأصوات مرتفعة فهذا غير مشروع، بل هذا بين الإنسان وبين نفسه، كذلك الأذان عند القبر أو يقيم عند القبر أو في نفس القبر هذه بدعة أيضا، أو يقرأ فيه القرآن، هذا بدعة لا أصل لذلك؛ لا في نفس القبر ولا عند القبر، كل هذا من البدع، والمقابر ليست مثل المساجد، يقول صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا (1) » ؛ لأن القبور لا يصلى عندها، ولا يقرأ عندها، ليست مثل المساجد، كذلك التلقين، كونه يقف عند رأسه بعد الدفن يقول: قل كذا، قل كذا، وإذا سألك الملك عن كذا فقل كذا، يسمونه التلقين، ويقولون: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا؛ أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنك ترضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما ... إلى غير ذلك مما يقولون، هذا لا أصل له، فقد جاء في أخبار موضوعة عن النبي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .(14/65)
صلى الله عليه وسلم لا أصل لها، فعله بعض أهل الشام، كما ذكره جماعة، وليس فعلهم بحجة، ولا غيرهم من الناس، الحجة فيما قاله الله ورسوله، وفيما أجمع عليه الصحابة، أما قول بعض الناس من المتأخرين والتابعين وأتباع التابعين إذا اختار شيئا، أو رأى شيئا - لا يكون حجة على الناس، ولا يكون دينا، الدين ما شرعه الله ورسوله وما أمر الله به ورسوله.(14/66)
س: في ريفنا اليمني يقوم المشيعون للجنازة بترديد بعض الأذكار جماعات جماعات وبأصوات مرتفعة، وهذه الأذكار هي: الله يا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، الله يا الله، فهل هذا جائز شرعا؟ وما كلمتكم للمشعين في مثل هذا الموقف؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذه الألفاظ من البدع، فلا يجوز للمشعين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الكلام: لا إله إلا الله، أو الله، الله. أو يا الله، يا الله، بل المشروع للمشيع أن يستحضر أمر الموت، وما يسأل عنه الميت، وخطر القبر، تكون على باله هذه الأمور، حتى يستعد لهذا الأمر، وحتى يحذر من ركونه إلى الدنيا، واشتغاله بها عن الآخرة، قال قيس بن عبادة التابعي المشهور: كان السلف رضي الله عنهم إذا كانوا مع الجنائز صمتوا (2) مشتغلين بالتفكير فيما للميت، وما أمامه من الأهوال والعجائب؛ لأن القبر إما
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (142) .
(2) انظر: كتاب الزهد لابن المبارك، باب التفكر في اتباع الجنائز (ج1 ص 83) .(14/66)
روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فالواجب على المشيعين أن يتذكروا هذا المقام، وأن يكون على بالهم، أما رفع أصواتهم بشيء من الذكر، أو الدعاء جماعيا أو فرادى كل ذلك لا يجوز، وليس هذا من هدي السلف الصالح، بل من هديهم السكوت عند الجنائز، والإنصات وخفض الأصوات والتفكير في مآل الميت وما يكون له في القبر وما ينزل به، ويعد الإنسان لهذا عدته؛ لأنه صائر له ما صار لهذا الميت فيكون على باله، هذا هو المشروع في هذه المسألة، فينبغي توجيه هؤلاء إلى الخير، وأن يخفضوا أصواتهم، وأن يفكروا في مآل الميت وما ينزل به حين يوضع في قبره، وسؤاله وماذا يجيب به ... إلى غير هذا من الأمور العظيمة التي كل إنسان سيمر بها، والله المستعان.(14/67)
س: إذا مات الشخص عندنا لا يصلون عليه صلاة الجنازة إلا في المقبرة، فهل هذا جائز؟ وإذا أردنا دفنه صاح الجميع بصوت مرتفع: لا إله إلا الله طوال فترة الدفن، وإذا أراد أحد أن يساعد أخاه في عملية الدفن طلب من المجرفة بقوله: وحد الله، ثم بعد الفراغ من الدفن يقف الملقن على قبر الميت، فيقول كلاما بليغا يخاطب فيه الميت، قد يؤثر في السامعين لما فيه من عبارات التذكير بعذاب القبر ونعيمه، فما الحكم في كل هذا؟ أفيدونا أثابكم الله (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (143) .(14/67)
ج: أما الصلاة على الميت في المقبرة فلا بأس بها، قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب قبر بعدما دفن، لكن الأفضل أن يصلى عليه في المصلى المعد للجنازة، أو المساجد حتى يصلي عليه جمع غفير من الناس، وأفضل لأهله أن يقدموه للمسلمين يصلون عليه في المساجد، أو في المصلى المعد للجنائز إذا كان هناك مصلى معد، فإن لم يتيسر ذلك، وصلي عليه في المقبرة فلا حرج، أما رفع الصوت بـ: لا إله إلا الله عند الدفن وعند الحفر، أو عند السير بالجنازة هذا لا أصل له، بل المشروع أن الإنسان ينظر ويفكر في عاقبة الموت وما بعد الموت، ويحاسب نفسه، ولا يرفع صوته بذكر الله ولا بغير ذلك مع الجنازة، ولا عند الدفن، ولا عند الحفر، أما كون الإنسان يتكلم بشيء عادي حال سيره مع الجنازة بينه وبين نفسه؛ من دعاء أو ذكر لله، أو في المقبرة أو غير ذلك فلا بأس، أما شيء يتعمد بصوت عال: وحدوه، أو: لا إله إلا الله بصوت جماعي، أو عند الدفن هذا شيء لا أصل له، وكان من عادة السلف رحمة الله عليهم غض الصوت عند الجنائز، والتفكير في أحوال الميت، وما يقال له وما يقول هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، فيفكر عند اتباعه للجنازة، وعند حضوره إلى القبور، وعند حضوره للدفن، يفكر في هذه الأمور العظيمة وماذا يقال للميت؟ وماذا يقول؟ وهل يجيب، أو ما يجيب؟ يكون عنده تفكير طويل حتى ينتفع بذلك، ولا مانع من الدعاء(14/68)
والاستغفار بينه وبين نفسه والذكر بين العبد وبين نفسه لا بأس به، أما تعمد رفع الصوت بذلك، أو أن يكون صوتا جماعيا هذا لا أصل له، والسنة بعد الدفن أن يدعى للميت بالمغفرة والثبات، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت يقول: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل (1) » فالسنة أن يوقف عليه بعد الدفن ويدعى له بالمغفرة والثبات، أما التلقين فهو بدعة، هذا هو الصواب، أو أن يقال للميت بعد الدفن: يا فلان، اذكر ما خرجت به من الدنيا، أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلام دينك وأن محمدا نبيك، وأن القرآن إمامك ... إلى آخر هذا من الكلمات التي يقولونها، هذا لا أصل له، جاء فيه أخبار لكنها موضوعة غير صحيحة، الصواب في هذا والمعتمد في هذا عند أهل السنة أن التلقين لا أصل له في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو بدعة، وإنما يدعى للميت بالمغفرة والثبات بعد الدفن كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، هذا هو المعتمد، وهذا هو المشروع.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/69)
51 - حكم ترحيل جثة العامل الميت إلى بلده
س: سائل من عمان يقول: استقدمت أحد العمال من الخارج للعمل لدي، وبعد مدة توفي، وتحملت نفقة تجهيزه، وترحيل جثته إلى بلده(14/69)
بما يزيد على خمسة آلاف ريال، هل علي شيء بعد ذلك تجاهه لتبرأ ذمتي؟ (1)
ج: عليك أن تسلم لأهله الأجور التي عندك، إذا كان له أجور عندك، بقايا أجور عليك أن تسلمها، أو تركة عندك عليك أن تسلم جميع أمواله التي عندك من أجور، أو تركة له، من نقود أو متاع عليك أن تسلم ذلك، أما ما أنفقته في تجهيزه فأنت أعلم بنيتك، إن كنت أنفقت ذلك تبرعا منك فجزاك الله خيرا، وليس لك الرجوع في ذلك، وإن كنت أنفقت ما أنفقت بنية الرجوع فلك أن ترجع بما أنفقت في كفنه وحفر قبره ونحو ذلك، أما تجهيزه إلى أهله فليس لك الرجوع؛ لأنه ليس واجبا عليك أن تجهزه إلى أهله، ولو دفنته مع المسلمين في البلد كفى، إلا إذا كان أهله طلبوا منك ذلك، ووافقوا على أن تأخذ قيمة السفر من ماله فلا بأس، وإلا فليس عليك أن تجهزه إلى بلده، بل الواجب أن يدفن مع المسلمين في عمان، كما لو مات في مكة أو المدينة أو غير ذلك يدفن مع المسلمين ولا يرسل إلى بلاده، لكن لو طلب أهله إرساله إلى بلاده والتزموا بالنفقة، أو سمحوا بأخذ النفقة من التركة فلا بأس، مع أن ترك ذلك أفضل، كونه يدفن مع المسلمين ولا يسفر أولى من التكلف، هذا هو الأولى، إنما يتكلف في ذلك إذا كان في بلاد الكفار، في بلاد لا يدفن فيها المسلم،
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (173) .(14/70)
هذا لا بأس بنقله إلى بلد مسلم أو إلى أهله، أو سمح أهله بنقله إليهم لمصلحة رأوها، يكون على حسابهم على حساب من سمح بذلك، من طلب نقله والتزم بقيمة التذاكر، أما أنت فلا يلزمك ذلك، لكن إذا تبرعت بذلك فليس لك الرجوع.
أما إذا كان العامل غير مسلم فلا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يجهز إلى بلاد قومه، يدفن مع الكفار إذا كان في بلد فيها كفار، أو يحفر له في محل بعيد عن المسلمين في الصحراء، ويسوى قبره وانتهى الأمر، ولا يصلى عليه ولا يغسل ولا يكفن، بل يدفن فيما تيسر من الثياب الساترة.(14/71)
52 - حكم بناء ورفع القبور لضيق المساحة
س: سائل من مصر يقول: نحن في معظم قرى ومدن مصر نعاني من مشكلة ضيق المساحة في القبور؛ حيث إنها محددة في أماكن معلومة، ولا يجوز ترك مكانها، وخاصة في بلاد الدلتا، أي البلاد البعيدة عن الصحراء؛ مما اضطر الناس لبنائها وارتفاعها عن الأرض أكثر من المتر في بعض الأحيان؛ وذلك لدفن عدد من الموتى في كل قبر، فما حكم ذلك؟ وماذا نفعل إن أردنا أن نفعل الصواب في عدم بنائها، فلا نجد الظروف التي تعيننا على ذلك؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله، وجزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (283) .(14/71)
ج: أيها الأخ الكريم: نسأل الله لك المثوبة على دعواتك، ونسأل الله أن يتقبل منك دعواتك، وأن يثيبنا وإياك وأن يجعلنا وإياك من عباد الله الصالحين، إنه خير مسؤول.
أما القبور فالواجب ألا تبنى، هذا الواجب، وأن تحفر في الأرض وتعمق، هذا هو الواجب؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في صحيح مسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها، ولعن اليهود والنصارى على اتخاذهم المساجد على القبور، وأخبر أنهم شرار الخلق بهذا العمل، وهو البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، فالواجب على أهل الإسلام في مصر وغير مصر، الواجب عليهم أن يحفروا القبور في الأرض، وأن يعمقوها إلى نصف القامة تقريبا؛ حتى لا تظهر رائحتها، وحتى لا تحفرها الكلاب ونحوها، فإذا كانت البلدة ليس فيها محل للحفر؛ لأنها صلبة حجرية فلا حرج أن يدفن على ظهرها، ويحوط عليها لأجل حفظها عن الكلاب وغيرها، وصيانتها واجب؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) . فالبناء - حينئذ - لحفظها لا لتعظيمها والغلو فيها، ولكن لحفظها عن ظهور الروائح الكريهة وعن
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة البقرة الآية 286(14/72)
امتهانها، وعن تناول السباع لها فلا حرج بقدر الحاجة فقط والضرورة، أما مع القدرة على الحفر فلا يجوز البناء، لا متر ولا غيره، يجب أن تكون في الأرض وأن تبين للناس ترفع قدر شبر مثلا تقريبا، ترابها يكون على كل قبر ترابه، وعليه النصائب في أطرافه حتى يعرف أنه قبر، وإذا رش وجعل عليه بطحاء فذلك أفضل، هذا هو المشروع في القبور، لكن من لم يستطع ذلك؛ لأن الأرض لا يمكن حفرها فإنه معذور بقدر الحاجة فقط.
س: إذا كانت الأرض بعكس ذلك سماحة الشيخ، وكانت التربة تنهار ولا تتماسك فما هو الحل الذي يراه سماحتكم؟ (1)
ج: إذا كانت الأرض ضعيفة لا يستطاع الحفر فيها، لضعفها وانهيارها يجعل ما يحفظ الميت من ألواح، أو حجارة أو نحو ذلك مما يحفظ الميت؛ حتى لا ينهار به القبر، يفعل ما يستطيع المؤمن من ألواح أو أخشاب أو حديد، المقصود الذي يستطيع به حفظ الميت؛ حتى لا ينهار به القبر حسب الطاقة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) . فلا شك أن هذا مهم، نسأل الله للجميع التوفيق، ثم نعيد أيضا مرة أخرى التحذير من البناء على القبور، الذي فعله اليهود والنصارى، ولا يجوز أن يبنى عليها مساجد ولا
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (283) .
(2) سورة التغابن الآية 16(14/73)
قباب ولا غير ذلك؛ لأن هذا البناء من أسباب الشرك بالله والغلو، كما فعله اليهود والنصارى، وفعله أشباههم من عباد القبور، الذين ظنوا أن هذا مشروع، فاتخذوا مساجد على القبور، وغالوا فيها واستغاثوا بأهلها، ونذورا لهم وطافوا بقبورهم، وهذا هو البلاء العظيم، هذا هو الشرك الأكبر؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة بكنيسة في بلاد الحبشة، وما فيها من الصور قال عليه الصلاة والسلام: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة (2) » حكم عليهم بأنهم شرار الخلق، الواجب الحذر، وفي الصحيح - صحيح مسلم - عن جندب بن عبد الله البجلي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/74)
رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك (1) » هذا نهي عظيم؛ لوجوه ثلاثة:
أولا - ذم من فعل ذلك؛ اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا تحذير من التشبه بهم.
الثاني - قوله: «فلا تتخذوا القبور مساجد (2) » هذا نهي صريح: لا تتخذوا القبور مساجد.
الثالث - قوله: «إني أنهاكم عن ذلك (3) » هذا أيضا تأكيد للنهي في قوله: «إني أنهاكم عن ذلك (4) » .
فالواجب الحذر، والسر في هذا - والله أعلم، كما هو معروف عند أهل العلم - أنه ذريعة للشرك، أن هذا البناء وهذا التصوير عليها من أسباب الشرك بها، واتخاذ أهلها آلهة مع الله، كما قد وقع لليهود والنصارى وغيرهم، فيجب الحذر من ذلك وأن لا يبنى على القبر، لا مسجد ولا غيره، ولا قبة ولا غيرها، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث ولا يطاف به.... إلى غير ذلك، العبادة حق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى ويصلى له، ويسجد له وينذر له، ويذبح له، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (5) يعني: قل يا محمد للناس: إن صلاتي: {وَنُسُكِي} (6) : ذبحي وعبادتي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (7) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (8) .
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 162
(7) سورة الأنعام الآية 162
(8) سورة الأنعام الآية 163(14/75)
هكذا أمره الله أن يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) . وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (3) . الطواف بالبيت العتيق، ما يطاف بالقبور، الطواف بالقبور عبادة لها من دون الله وشرك بالله عز وجل، إذا طاف يتقرب للميت بالطواف، أو يصلي له أو يسجد له، أو يقول: يا سيدي أغثني. أو: انصرني. أو: اشف مريضي. أو: أنا في جوارك. كل هذا شرك بالله، كل هذا عبادة لغيره سبحانه وتعالى، فالواجب الحذر غاية الحذر، نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) سورة الحج الآية 29(14/76)
53 - حكم بناء القبور فوق سطح الأرض لضعف التربة
س: عندنا الأرض ترابية، فنقوم بحفرها لتسوية القبور، ونبنيها بطوب محروق، ما رأيكم في هذا؟ (1)
ج: الواجب أن تحفروا فقط، أما البناء لا تبنوا شيئا، الرسول نهى أن
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (382) .(14/76)
يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (1) ولكن تحفرون حفرا إلى نصف القامة مثلا، ثم يجعل فيها لحد ثم يدفن الميت ويجعل في اللحد، وينصب عليه اللبن، ثم يهال عليه التراب ويرفع عن الأرض قدر شبر بالطين حتى يعرف أنه قبر، وتجعل النصائب في أطرافه لحفظ ترابه، أما أن يبنى عليه شيء فلا يبنى عليه شيء، إنما يجعل التراب فوقه، إذا نصب عليه اللبن ينصب عليه اللبن نصبا، ويسد ما بين اللبن بالطين وكسر اللبن، ثم يهال عليه التراب ويرفع قدر شبر بتراب القبر، حتى يعرف أنه قبر، أما أنه يبنى عليه شيء من الداخل، أو من خارج فلا يجوز، الرسول نهى عن تجصيص القبور، ونهى عن القعود عليها، ونهى عن البناء عليها، عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .(14/77)
س: السائل ص. ج. يقول: هل يجوز بناء المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرض التي بها المقابر طينية، أو زراعية؟ علما بأنه لو تم حفر حوالي نصف أو ربع المتر سوف يظهر الماء، وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة (1)
ج: إذا كان هكذا يجعل خشب أو ألواح، ليحول بين الماء وبين الميت،
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (414) .(14/77)
ويدفن في الأرض، ولا بناء عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، لكن يحفر بالقدر الذي لا يظهر الماء، ثم يجعل لوحا تحته أو أخشابا أو شبه ذلك تمنع الماء، ثم يدفن الميت ويوضع عليه اللبن، ويدفن بالتراب ولا يبنى عليه بناية.(14/78)
س: يوجد عندنا مدافن على جبل من الرمل، وكان المعتاد شق أخدود ووضع الميت فيه في تابوت من الخشب، فجاء بعض الناس وأراد البناء، ليجمع العائلة كلها، فقال البعض: إن هذا محرم وغير شرعي، واستند لحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه عن البناء على القبور وتجصيصها وقام الخلاف في ذلك، لكنا في انتظار ما نسمع من سماحتكم جزاكم الله خيرا (1)
ج: البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب أمر لا يجوز؛ بنص النبي عليه الصلاة والسلام ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » وقالت له أم سلمة وأم حبيبة: إنهما رأتا في أرض الحبشة كنيسة، ورأتا فيها صورا كثيرة، قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (256) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .(14/78)
تلك الصور (1) » . ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أولئك شرار الخلق عند الله (2) » فسماهم شرار الخلق، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (3) » فالقبور لا تجصص ولا يبنى عليها، ولا يبنى عليها مساجد، ولا يتخذ لها قباب، بل هذا من وسائل الشرك، وهذا من عمل اليهود والنصارى فالواجب الحذر منه، لكن إذا كانت الأرض رديئة يحفر فيها، ويجعل فيها ما يمسك التراب من صندوق أو لوح وألواح، حتى لا تنهار على الميت، أو حجارة حتى لا ينهار، ويوضع الميت بينها، وإذا تيسر أرض صلبة جيدة تحفر فيها القبور، ويكون فيها اللحد من جهة القبلة، يوضع الميت في اللحد من جهة القبلة يكون هذا أفضل؛ لأن هذا هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «احفروا له والحدوا لحدا، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا (4) » وهذا هو الأفضل، فإن لم يتيسر؛ لأن الأرض رديئة يشق شقا في الأرض، ويجعل على جانبي الشق ما يحفظ التراب من ألواح أو حجارة من دون بدع، ثم يوضع الميت ثم يوضع فوقه ألواح أو حجارة ثم يردم عليه التراب،
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (6130) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2440) ، سنن أبو داود الأدب (4931) ، سنن ابن ماجه النكاح (1982) ، مسند أحمد بن حنبل (6/234) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .
(4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج2 \ 465، برقم \ 2279) .(14/79)
ويجعل عليه النصائب؛ حتى يعرف أنه قبر، وتلتمس الأرض الطيبة ما هي بالأرض الرملية، إذا تيسر أرض طيبة فلا يوضع فيها الميت حتى يحفر فيها، وإذا ما تيسر إلا أرض رديئة رملية يجتهدون بجعله في محل مناسب، ثم يجعل فيه حجارة أو ألواح تحفظه من التراب، ثم يوضع الميت، ثم يوضع فوقه الحجارة تقية من التراب، أو ألواح تقيه التراب، ثم يهال عليه التراب إذا لم يتيسر أرض طيبة جيدة يحفر فيها، ويكون فيها لحد ويوضع عليه اللبن، إذا تيسر هذا فهو السنة، أما إذا لم يتيسر يشق في الأرض ويوضع فيه الميت، وتوضع على جانبيه وأطرافه الحجارة؛ حتى تقيه التراب ثم يوضع فوقها حجارة كبيرة، توضع فوق الحجارة تستره وتمنعه من التراب، وهذا هو المشروع في هذه الحالة.(14/80)
54 - بيان آداب دفن الميت
س: ما هي آداب دفن الميت في الإسلام؟ (1)
ج: السنة في دفن الميت أن يكون له لحد، هذا الأفضل لحد إذا أنزل في القبر في قبره، ثم يدفن على جنبه الأيمن، ويوجه إلى القبلة، ثم ينصب عليه اللبن نصبا، ويسد الخلل بالطين، ثم يهال عليه التراب، ويرفع القبر عن الأرض مقدار شبر؛ حتى يعلم أنه قبر، هذا هو السنة في دفن أموات
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (299) .(14/80)
المسلمين: أن يحفر ويعمق القبر إلى النصف، إلى السرة، سرة الرجل القائم ونحو ذلك، وأن يكون له لحد هذا هو الأفضل في جهة القبلة بقدر الميت، ثم يوضع الميت على جنبه الأيمن، ويقول عند وضعه بسم الله، وعلى ملة رسول الله، ثم ينصب عليه اللبن ويسد الخلل، حتى لا يدخل عليه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويرفع القبر قدر شبر؛ حتى يعرف أنه قبر فلا يمتهن، هذا هو السنة، ثم يرش بالماء ويوضع عليه الحصباء، وتوضع عليه الأنصبة على أطراف القبر، لبنة لبنة عند أطرافه حتى يعرف أنه قبر.(14/81)
س: هل يلقى الميت في القبر على ظهره، أو على جنبه الأيمن متجها إلى القبلة؟ لأني أرى الناس عندنا يطرحون الميت على ظهره، وبعد الأربعين من موت الميت يقوم أقاربه بإلقاء عزيمة كبيرة، ويسمونها الفاتحة، ما هو رأيكم فيما يفعله الناس؟ (1)
ج: السنة أن يوضع على جنبه الأيمن موجها إلى القبلة، هذا هو السنة، فإن الكعبة هي قبلة المسلمين أحياء وأمواتا، وأما هذه العزيمة فلا أصل لها، بل هي بدعة.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (290) .(14/81)
55 - حكم الأذان والإقامة عند وضع الميت في اللحد
س: يسأل المستمع ويقول: رأيت البعض من الناس عندما يضعون الميت في اللحد يقومون بالأذان والإقامة فوقه، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: هذا بدعة، الأذان في القبر، والإقامة في القبر بدعة لا تجوز، كل هذا لا يجوز؛ لا بعد الدفن ولا قبل الدفن، كله لا يجوز.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (424) .(14/82)
56 - حكم إراقة المياه التي غسل بها الميت
س: بعض الناس إذا مات لهم ميت يحفرون له في الأرض، ويكسرون البلاط الذي في الغرفة التي مات فيها، ويغسلونه فيها لادعائهم أن الماء الذي يغسل به الميت لا يجوز رميه في الخارج، فما الحكم في هذا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا كلام باطل، وعملهم لا أصل له، كالنظافات العامة، ماء الميت الذي يغسل به يراق مثل المياه الأخرى في الحمام وغيره، ولا شيء فيه يغسل في الحمام أو في غير الحمام، ولا يحفر له، ولا ينقض البلاط، كل هذا غلط كل هذا من إضاعة المال بالباطل، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (291) .(14/82)
57 - حكم كشف وجه الميت عند وضعه في القبر
س: يقول السائل: هل يكشف عن وجه الميت عند وضعه في اللحد؟ (1)
ج: لا يكشف، يستر جميع البدن حتى الوجه، لا المرأة ولا الرجل، المشروع أنه يستر وجهه وغيره، ولا يكشف شيء.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (430) .(14/83)
س: ما حكم كشف وجه الميت إذا وضع في قبره؟ (1)
ج: المشروع أن يغطى وجهه وجميع بدنه، الميت إذا وضع في القبر لا يكشف منه شيء، بل يكون الكفن شاملا له كله، من رأسه إلى رجليه، هذا هو السنة، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه. وما يظنه بعض العامة أنه يكشف وجهه غلط، الواجب أنه يغطى كله إلا إذا كان محرما فإنه لا يغطى رأسه ولا وجهه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات رجل في إحرامه قال صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا (2) » إلا إذا كان امرأة يغطى وجهها ورأسها؛ لأنها
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (414) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب سنة المحرم إذا مات، برقم (1851) ، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم (1206) .(14/83)
محرمة لا بأس أن تغطي وجهها وإن كانت محرمة، أما الرجل فلا يغطى وجهه، إذا كان محرما ومات يغسل ويكفن، ولا يغطى وجهه ولا رأسه.(14/84)
58 - حكم كشف وجه الميت وإلقاء نظرة الوداع عليه قبل دفنه
س: الأخ ص. س. من الهند يسأل ويقول: عندنا إذا مات الميت وأثناء وجوده في البيت، وعندما يجيء أحد في العزاء يقوم أحد الحاضرين ويكشف وجه الميت، وبعدما يغسل ويصلى عليه في المسجد يقوم أحد أقاربه بفك الغطاء عن وجه الميت، بذكر الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم الحاضرون جميعا بما يسمونه نظرة الوداع، فما هو رأيكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل لا أصل له، السنة أن يدفن مغطى بالكفن كله، وجهه وغير وجهه، السنة أن يكون الكفن عاما، وألا يكشف وجهه ولا غيره، أما ما دام بينهم وكشفوه ليسلم عليه من هو من محارمه، إن كانت زوجته أو أخواته، أو يسلم عليه الرجل إذا كان رجلا فلا بأس، أو امرأة يسلم عليها محارمها أو زوجها لا حرج في ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي وجاء الصديق إلى منزله كشف وجهه وقبله، وقال: «طبت حيا
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (290) .(14/84)
وميتا (1) » عليه الصلاة والسلام، فإذا كشف لمصلحة تقبيله أو النظر إليه، والدعاء له فلا حرج في ذلك، لكن عند وضعه في القبر لا يكشف وجهه، بل يكون مغطى، والوجه وجميع البدن في القبر.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، برقم (3670) .(14/85)
59 - حكم تغطية قبر المرأة وإنزالها فيه من غير المحارم
س: هل يغطى قبر المرأة عند إنزالها في القبر؟ وهل يجوز أن ينزلها أحد من غير أقاربها؟ (1)
ج: أفضل أن تغطى بعباءة أو غيرها، ولا بأس أن ينزلها أحد من غير أقاربها، ولا يشترط المحرم، ولو أنزلها غير أقاربها.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (350) .(14/85)
60 - حكم الكتابة على القبور
س: ما هو القبر الشرعي في الإسلام؟ وهل يجوز أن يرتفع عن الأرض، أو يوضع عليه لوحات رخامية، أو يحلق به غرف للجلوس عند القبر؟ (1)
ج: تقدم إيضاح القبر الشرعي، تقدم إيضاحه في سؤال سابق، ولا يجوز وضع اللوحات عليه مكتوبا عليها شيء، ولا يكتب عليه؛ لأن الرسول
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (299) .(14/85)
صلى الله عليه وسلم «نهى عن الكتابة على القبور (1) » لا في لوحات ولا في غيرها، «ونهى عن البناء عليها أو تجصيصها (2) » لا تجصص ولا يبنى عليها، ولا يوضع عليه لوحات ولا كتابات.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر، برقم (3225) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/86)
61 - حكم رفع القبر أكثر من شبر
س: أرى بعض الناس عند دفن الميت يرفعونه أكثر من شبر، وإذا نهيتهم قالوا: إن ذلك وقاية له من السيل، كذلك أراهم يزيدون حصباء فوق القبر بعد الدفن زيادة على ترابه الأصلي، كذلك يرشون عليه ماء، فما حكم ما يفعلون؟ (1)
ج: كل هذا لا بأس به، الأفضل شبر وما حوله، وإذا زاد يسيرا بالحصباء أو نحوه فالأمر سهل في هذا؛ حتى تعلم القبور وتعرف، وحتى لا تمتهن فإذا دفنوه بترابه وجعلوا الحصباء؛ حتى تثبت التراب ويبقى، ويرش بالماء؛ حتى يبقى هذا لا بأس به، حفظا لترابه وبقاء له.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (146) .(14/86)
س: يسأل ويقول: البعض يذكر أن القبر يرفع عن الأرض بمقدار شبر، فهل هذا صحيح أم لا؟ وما دليله؟ وإن زيد على شبر فما حكمه؟ وكيف نوفق بين ذلك وبين ما ورد عن علي رضي الله عنه، كما ورد(14/86)
في مسلم: «هل أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته (1) » (2) ؟
ج: نعم، القبور لا بأس أن ترفع قدر شبر، كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص، وأنه رفع قبره قدر شبر، وأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك؛ والسر في ذلك لتعرف أنها قبور، حتى لا تمتهن وحتى لا توطأ وحتى لا يجلس عليها؛ فإنها إذا سويت بالأرض قد تخفى معالمها، فإذا رفعت قدر شبر، أو ما يقاربه فهذا يعفى عنه ومشروع، لتعرف أنها قبور، ولتصان ولا تداس، أما حديث علي وما جاء في معناه فالمراد به الإشراف الزائد على هذا، كأن يبنى عليها مساجد أو قباب أو بنية، هذه تزال، وإنما ترفع بترابها، نفس التراب الذي أخذ من اللحد، هذا الذي يجعل فوق القبر؛ لأنه إذا دفن بقي بعض التراب الذي للحد، وبعض التراب الآخر؛ لأنه لو كان مرصوصا أولا رصا عظيما، ثم بعدما أخرج يتراكم بعضه على بعض، ويبقى منه بقية إذا دفن الميت، فهذه البقية تجعل على القبر علامة على أنه قبر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يزاد على ترابه، فالتراب الذي بقي من الميت يكون هو المرفوع على محله، علامة على أنه قبر، ولا يؤتى بزيادة أخرى من تراب أو لبن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، برقم (969) .
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (202) .(14/87)
أو حصى أو غير ذلك، لا، بل يكفي التراب، وتوضع النصائب علامة على أنه قبر في طرفيه، علامة أنه قبر، ولا بأس أن يوضع عليه شيء من الحصباء؛ لحفظ التراب ويرش بالماء، كل هذا لا بأس به.(14/88)
62 - حكم البناء على القبور
س: هل يجوز البناء على الميت، كالبيت مثلا؟ (1)
ج: البناء على القبور لا يجوز مطلقا، بل ذلك من أسباب الشرك، ومن فظائع الشرك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » وثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (3) » فلا يجوز البناء عليه، لا قبة ولا حجرة ولا مسجد، ولا غير ذلك، ولا يقعد عليه ولا يجصص، ولا يجعل عليه الستور والأطياب، كل هذا منكر ومن وسائل الشرك، فالواجب الحذر من ذلك، والواجب على المسلمين في كل مكان أن يحذروا هذا العمل السيئ الذي انتشر في بلاد كثيرة وفي مدن كثيرة، فالواجب هدم المساجد التي على القبور إذا كانت
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (287) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .(14/88)
بنيت عليها، والقباب التي على القبور تهدم وتزال، هذا هو الواجب على الدول الإسلامية، أن يزيلوها وتكون القبور مكشوفة، ليس عليها شيء، أما إن كان القبر جديدا ودفن في المسجد، والمسجد قبله قديم فإنه ينبش القبر ويخرج ويدفن مع المقابر، ولا يكون في المسجد بل يجب أن ينبش وأن ينقل رفاته إلى المقابر العامة، ويبقى المسجد سليما يصلى فيه، أما إن كان القبر هو القديم، وبني المسجد عليه فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بقاؤه، يجب على رؤساء الدول الإسلامية المسؤولين أن يقوموا بهذا الواجب، وأن يمنعوا الناس من الشرك، من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، هذا شرك أكبر، وبناء المساجد على القبور بدعة، ومن أسباب الشرك؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن جندب بن عبد الله البجلي قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ولما قالت له أم سلمة وأم حبيبة: إنهما رأتا في أرض الحبشة صورا في بعض الكنائس، قال صلى الله عليه وسلم في حق
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .(14/89)
النصارى: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور (1) » ثم قال: «أولئك شرار الخلق عند الله (2) » فأخبر أنهم شرار الخلق، بسبب أعمالهم، وهي البناء على القبور، واتخاذ الصور عليها، فالواجب على الحكومات الإسلامية، وعلى جميع العلماء أن يسعوا في إزالة هذه الأبنية التي على القبور، من مساجد وقباب وغيرها، وأن تكون القبور بارزة مكشوفة ليس عليها بناء، ولا مانع من رفع القبر قدر شبر، حتى يعرف أنه قبر، ويكون له لحد، ويكون التراب الباقي يرمى على القبر حتى يكون فوقه، ليدل على أنه قبر، وعليه نصائب ويكون قدر شبر أو نحوه، حتى يعرف أنه قبر، أما البناء فلا يبنى عليه لا مسجد ولا غيره، ولا قبة ولا غيرها، ولا يجوز أن يدعى صاحب القبر، يقول: يا سيدي، أو يا فلان، أو يا أبا عبد الله، أو يا محمد. أو يا فلان اغفر لي، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك. ولا يقال: يا رسول الله، ولا يا أبا بكر. ولا يا سيدي البدوي، ولا يا سيدي الحسين، ولا يا سيدي عبد القادر، ولا غيرهم، لا يجوز هذا كله، بل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات من الشرك الأكبر، فلا يدعى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الصحابة ولا غيرهم من العلماء، بل هذا من الشرك الأكبر عند جميع
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/90)
أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
وقد كانوا في الجاهلية يعظمون القبور، ويدعونها من دون الله، ويستغيثون بأهلها، فنهى الله عن ذلك، وحرم ذلك على المسلمين، قال عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) . وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) . وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) . فسماه شركا سبحانه وتعالى، فدعاء الأموات وسؤالهم الشفاعة أو النصر على الأعداء، أو شفاء المرضى أو النذر لهم أو الذبح لهم كل هذا من الشرك الأكبر، ومن عبادة غير الله، والله سبحانه يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5) ، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (6) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (7) » فدعاء الميت عبادة
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة الإسراء الآية 23
(6) سورة البينة الآية 5
(7) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب الدعاء، برقم (1479) والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة البقرة، برقم (2969) .(14/91)
وشرك بالله سبحانه وتعالى، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يصلح ولاة أمرهم، حتى يزيلوا ما وقع من الشرك وذارئعه ووسائله.(14/92)
س: يسأل يقول: كثير من الناس يبنون على القبور بالطوب، والبناء لا يكون مرتفعا، بل يكون ارتفاعه شبرين أو ثلاثة أشبار هل هذا البناء محرم؟ (1)
ج: نعم، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور، ونهى عن اتخاذ المساجد عليها؛ لأنه وسيلة إلى الغلو فيها والشرك وتعظيمها، فلا يجوز للمسلم أن يبني على القبور، لا مسجدا ولا غيره؛ فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك (3) » رواه مسلم في الصحيح.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (130) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .(14/92)
فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وأخبر أنه من عمل الماضين الذين ذمهم الله وعابهم، وأخبر أنه ينهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، وقد وقع الناس في الشرك بسبب هذه الأبنية وهذه المساجد؛ ولهذا لعن صلى الله عليه وسلم من اتخذها؛ لأنها وسيلة للشرك، وعبادة المخلوقين من دون الله، وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، عن أبيه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (1) » فأخبر جابر رضي الله عنه أن الرسول نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، وهذا صريح في تحريم ذلك، فالبناء على القبر محرم، وهكذا القعود عليه، وهكذا تجصيصه؛ لأنه وسيلة إلى الغلو فيه، ثم إلى عبادته من دون الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما جرى لليهود والنصارى، وكما جرى للغلاة من هذه الأمة، الذين بنوا على القبور وعظموها حتى عبدت من دون الله، وحتى صارت آلهة تعبد مع الله، كما قد وقع مثل ذلك عند قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما في مصر، وعند قبر البدوي، وعند قبر الجيلاني في العراق، وعند قبور كثيرة حتى فعله بعض الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لجهلهم لما رأوا أنه مبني عليه، وعليه قبة ظنوا أن هذا مما يسبب لهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .(14/93)
الدعاء، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما دفن في حجرته في بيت عائشة لم يبن عليه، خوفا أن يغلوا فيه الناس إذا جعل في البقيع بارزا عند الناس، فدفن في بيتها رضي الله عنها وأرضاها، ثم وضع القبة على الحجرة بعض الأمراء المتأخرين في المدينة الذين قبل الدولة السعودية، فالحاصل أن البناء على القبور لا يجوز، وهو من وسائل الشرك سواء كان البناء مسجدا أو غير مسجد، أو قبة تبنى عليه، كل ذلك لا يجوز، والواجب أن تكون القبور ضاحية بارزة في المقابر، كما كان الحال على ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم في البقيع وفي غير البقيع.(14/94)
س: السائل إ. ع. مصري ومقيم بالمملكة يقول: عن تجصيص القبر، وهل يجوز بناء القبر بالطوب الأحمر، أو الأسمنت إذا كانت الأرض رخوة أو بها بلل؟ عندنا في بلادنا يكثر مثل هذا، أفتونا مأجورين. (1)
ج: تجصيص القبور لا يجوز، والبناء عليها لا يجوز؛ لأن الرسول نهى عن تجصيصها والبناء عليها، ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها؛ لأنه وسيلة الشرك، لكن إذا كانت الأرض رديئة غير متماسكة لا بأس بأن تضبط بشيء مما يمسكها؛ بألواح، أو خشب، أو حجر، شيء يضبط الأرض حتى يوضع فيها الميت.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (398) .(14/94)
س: هل يصح بناء القبور من الطوب والأسمنت والحديد؟ (1)
ج: لا يجوز بناء القبور، بل تحفر ولا تبنى؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بناء القبور، ونهى عن تجصيصها وعن البناء عليها، ولكن يحفر في الأرض ويجعل فيه لحد من جهة القبلة بقدر الميت، ويكون القبر عميقا بقدر نصف الرجل؛ حتى يكون بعيدا عن السباع والكلاب، ويكون أبعد عن الروائح الكريهة التي قد تخرج من القبر، وإذا دعت الضرورة إلى البناء، بأن كانت الأرض صلبة ولا يستطيعون الحفر فلا مانع من جعله بين أحجار، يبنى أحجار ويجمع بينها، ثم يوضع فوقها ألواح وغيرها حتى تستره عن السباع وعن الكلاب ونحو ذلك، ويوضع عليها أحجار تستره عن ذلك حسب الطاقة من دون حاجة إلى بناء إلا عند الضرورة.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (149) .(14/95)
س: هذا سائل يقول: ما هو الحكم الشرعي في نظركم سماحة الشيخ في البناء على القبور بالتفصيل؟ (1)
ج: البناء على القبور محرم، لا يجوز البناء على القبر، «النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (2) » ؛
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (401) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/95)
لأنه من أسباب الغلو فيه، يحط عليه قبة أو مسجد، هذا لا يجوز، أما كون المقبرة - عموم المقبرة - تحاط بشيء حتى لا تمتهن من الدواب والناس لا بأس، هذا من باب صيانتها، أما أن يبنى على القبر تعظيما له واحتراما له؛ لأن قبر فلان يضع عليه قبة أو مسجدا فهذا لا يجوز.(14/96)
63 - حكم بناء غرف تحت الأرض لدفن الموتى جماعيا
س: تبنى القبور عندنا من الحقان والرخام، وتبنى مدافن على شكل بيوت تحت الأرض يوضع فيها الأموات هل هذا العمل جائز؟ (1)
ج: أما البناء على القبور واتخاذ البنايات عليها وتجصيصها فهذا منكر لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر، وإن يجصص وأن يقعد عليه؛ لأن هذا من وسائل الشرك والغلو، ولا يبنى عليها مسجد ولا قبة أيضا، أما جعل حفرة في الأرض يجعل فيها الأموات فهذا خلاف السنة، السنة أن يكون كل ميت في قبر لوحده، يلحد له، ويوضع في قبره على حدة، هذا هو السنة، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وفعله المسلمون، لكن إذا دعت الضرورة لكثرة الأموات ومشقة الدفن لكل واحد لوحده، لا مانع أن يجمع الاثنان والثلاثة في قبر واحد، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (221) .(14/96)
يوم أحد لما كثر الأموات، فالحاصل أن السنة كل واحد يدفن وحده إذا تيسرت الأرض واستطاع الناس ذلك، ولا يدفن اثنان جميعا ولا ثلاثة جميعا ولا أكثر، لكن إذا كان عند الضيق والمشقة فإنه لا مانع أن يدفن الاثنان والثلاثة جميعا في قبر واحد، ويقدم أفضلهم إلى القبلة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.(14/97)
64 - حكم بناء القبور فوق سطح الأرض
س: في مصر يبنون قبورا فوق سطح الأرض، والأغنياء يبنون قبورا، أما الفقراء فإنهم يدفنون في القبور القديمة، وكثيرا ما نشاهد أجسامهم من خلال القبور القديمة المهدومة، وأصبحت هذه عادة، وقد فكرت في بناء عدة قبور للفقراء في قريتي، ولكن ترددت؛ لأن السنة النبوية تحتم بأن يدفن المسلم تحت التراب، وأقنعت الناس جميعهم بذلك، ولكنهم لم يستجيبوا، فهل لي أن أبني قبورا للفقراء فوق سطح الأرض تمشيا مع العادة، أم لا تجوز هذه الحسنة؟ ولو بنيتها فهل لي أجر وثواب؟ أرجو إفادتي (1)
ج: السنة الحفر في الأرض للقبور، أن يحفر فيها ويعمق فيها إذا كانت الأرض صالحة، إذا كانت الأرض صالحة فالسنة أن يحفر فيها ويعمق الحفر إلى نصف الرجل فوق السرة، فوق نصف الرجل، يعني فوق
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (9) .(14/97)
العورة، وأن يكون لحدا يجعل فيه من جهة القبلة يكون فيه الميت، هذه السنة لكن لو كانت الأرض رديئة، ما تتماسك، ضعيفة، فلا بأس أن تضبط بالبناء، أي يحفروا له حفرا ويضبطوه بالبناء، أو بالألواح حتى لا ينهدم، لا بأس بهذا عند الحاجة، أما البناء فلا يبنى بل يحفر له في الأرض، ويضبط التراب بألواح أو بحجارة حتى يستقر التراب فوق ذلك، هذا هو السنة، الدفن في الأرض لا البناء، أما البناء فلا ينبغي، لكن من أراد الإحسان فليحفر لهم حفرا مناسبة ويحيي السنة، لا يوافقهم على ما أحدثوا، بل المؤمن يحيي السنة ويدعو إليها، ويصبر على ما في ذلك من المشقة، هكذا ينبغي للمؤمن، ومن البلايا التي وقعت الآن في الناس - ولكن بجهل - تطويل البناء على القبور، القبر يكون في الأرض أو على سطح الأرض، ثم يبنى عليه قبة أو مسجد، هذا من البدع ومن المنكرات العظيمة، ومن وسائل الشرك، وهذا واقع في مصر والشام والعراق وغير ذلك، وقد كان واقعا في مكة المكرمة وفي البقيع، حتى أزال الله ذلك على يد الحكومة السعودية، وأحسنت في ذلك جزاها الله خيرا؛ لأنها أزالت البدع، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، نهى عن البناء على القبور وعن تجصيصها، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » هذا هو الواجب على حكام المسلمين:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .(14/98)
أن يمنعوا البناء على القبور، وأن يمنعوا اتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، وألا يطاف بها، وألا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بأهلها، كل هذا من المنكرات لأن البناء من وسائل الشرك، أما دعاء الميت أو الاستغاثة بالميت، وطلب المدد منه فهذا من الشرك الأكبر، ومن عبادة غير الله سبحانه وتعالى، كما هو واقع في بعض البلاد، هذا الذي ينبغي الحذر منه وتحذير الناس منه.(14/99)
س: هذا السائل يسأل ويقول: ما حكم الشرع في القبور التي ترتفع عن سطح الأرض؛ كالقبور التي تتكون من دورين، وهذا يكون بسبب ضيق المساحة المخصصة، للقبور، سماحة الشيخ؟ (1)
ج: الواجب أن تكون القبور في داخل الأرض، يحفر بقدر نصف القامة ويدفن، هذا إذا استطاع، إذا تيسر ذلك، أما إذا كانوا في أرض جبلية لا يستطيعون فإنه يكوم حصى من هنا وهنا ويدفن بينها، ويوضع على الشق الذي دفنوا فيه شيء من الحجارة، حتى يغطى، وهذا جهدهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) . أما إذا أمكن الحفر فالسنة أنه يحفر له في الأرض وأن يدفن في الأرض، وألا يرفع عن الأرض إلا قدر شبر وما حوله؛ حتى يعرف أنه قبر، أما وضع أحجار أو بناء على القبر بدون موجب فهذا
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (374) .
(2) سورة التغابن الآية 16(14/99)
لا يجوز، أن يجصص القبر أو يقعد عليه، أو يبنى عليه، لكن إذا دعت الضرورة يجمع الحصى ويكون مثل القبر، ويجعل الميت في وسطه، ويجعل فوقه الحجارة تغطيه، هذه إذا ما وجد مكان؛ صار في بلد كلها حجرية ما يمكن الحفر، هذا جائز لهم؛ لأن الله جل وعلا يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) . فإذا فرضنا أن ناسا نزلوا في أرض حجرية ما فيها محل للدفن، ما فيه محل للحفر فلهم أن يدفنوا بين الأحجار.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(14/100)
65 - حكم الدفن في التابوت
س: ح. إ. ع. من اليمن يسأل ويقول: هل التوابيت والقبور والأضرحة للأموات حرام؟ وإذا كانت في مسجد فماذا نعمل؟ أنفصلها أم نتركها ملتحمة بالمسجد؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة الدفن في الأرض لا في تابوت، ولا في غيره من الصناديق ولا يجصص القبر، ولا يسفلت ولا يوضع فيه شيء آخر، من الحديد أو الألواح أو غير ذلك، السنة أن يدفن الميت في الأرض كما دفن صلى الله عليه وسلم في الأرض، ودفن الصحابة في الأرض، وهكذا غيرهم، يحفر له في الأرض ويلحد له ويجعل في الأرض: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} (2) .
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (137) .
(2) سورة طه الآية 55(14/100)
لكن إذا كانت الأرض رخوة مائية ضعيفة فلا مانع من جعله في تابوت، أو جعل ألواح تحته تمسكه، حتى لا تنهار الأرض به، أو حجارة أو نحو ذلك، لا بأس بذلك عند الحاجة، أما إن كانت الأرض قوية فلا حاجة إلى شيء من ذلك.
أما دفنه في المسجد فلا يجوز، يجب أن تكون القبور خارج المسجد؛ لأن دفن القبور في المساجد وسيلة إلى عبادة الأموات من دون الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن كان من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، هذا يدل على أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد يصلى فيها، وإذا كان الأمر هكذا لم يجز أيضا الدفن فيها؛ لأن الدفن فيها يجعل القبور مساجد أيضا، وإذا وجد في المسجد قبر وجب أن ينبش وينقل رفاته إلى المقبرة، أما إن كان القبر هو القديم وبني عليه المسجد وجب هدم المسجد، وألا يصلى فيه وألا يبقى، بل يهدم؛ لأنه بني على معصية الله، فلا يبقى بل تجب إزالته.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .(14/101)
ولا ينبغي أن يغتر بما وقع في بعض البلدان الإسلامية من البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، فإن هذا منكر، وإن فعله كثير من الناس فهو منكر، تجب إزالته على ولاة الأمور، يجب على ولاة أمر المسلمين أن يزيلوا هذا المنكر، وألا يبنوا على القبور، وألا يتخذوا عليها المساجد؛ لأن الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام، وكذلك لا تجصص ولا يبنى عليها قبة، ولا أي بناء؛ لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر رضي الله عنهما أنه «نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها (1) » رواه مسلم في الصحيح، فالقبر لا يبنى عليه لا قبة ولا غيرها، ولا يجصص، ولا يتخذ عليه قبة ولا مسجد، كل هذا منكر، وإن فعله بعض الناس كما قد يوجد في مصر والشام والعراق وغير ذلك كله غلط، نسأل الله أن يوفق ولاة الأمور في كل مكان لإزالة هذه المساجد، وإبقاء القبور على الطريقة المحمدية التي درج عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام في مقابر بارزة، لا يبنى عليها، لا مساجد ولا غيرها، ولا تجصص بأي شيء بل الواجب أن يدفن الموتى في الأرض، كما كان الرسول يفعل عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكما فعله المسلمون بعده، والبناء عليها واتخاذ القباب وسيلة إلى عبادتها من دون الله، وسؤالها والاستغاثة بها والنذر لها،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/102)
والذبح لها، وهذا هو الشرك الأكبر كما قد وقع، وقد يطاف بالقبور إذا وضعت في المساجد كما قد يفعل ذلك كثير من الناس في قبور معروفة، وبسبب هذا الغلو وقع الشرك في الناس، لما بني على القبور وعظمت ظن العامة أنها تدعا من دون الله، وأنه يستغاث بها وأنه يطاف بها، ففعلوا، فوقع الشرك الأكبر والعياذ بالله. نسأل الله للجميع العافية والهداية.(14/103)
66 - حكم الدفن في القبور المشيدة
س: أجيبوني لو تكرمتم عن حكم الذي يدفنه أهله في القبور المشيدة وهو غير راض مع العلم أنه لا يوجد في بلدته سوى القبور المشيدة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: إن الله جل وعلا شرع لعباده في الدفن، أن يدفن المؤمن في القبر في الأرض كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} (2) وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (3) . فيحفر له نحو نصف القامة أو ما يقارب ذلك، ويجعل له اللحد في جهة القبلة، ويوضع في اللحد، ويصف عليه اللبن، ويطين حتى لا يصل إليه التراب، ثم يدفن ويرفع القبر قدر شبر تقريبا من تراب
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (324) .
(2) سورة طه الآية 55
(3) سورة عبس الآية 21(14/103)
القبر، ولا يجوز البناء عليه، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، ولا يجوز تجصيصه ولا الكتابة عليه ولا الزيادة عليه من غير ترابه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح، وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (3) » هذا كله لا يجوز: تجصيص القبر، ولا البناء عليه، ولا القعود عليه.
لكن إذا دفن الإنسان في قبر عليه بناء فالإثم على من فعل، لا عليه هو، إذا كان لم يأذن ولم يرض، إذا دفنه أهله في قبر مشيد، قد بني عليه أو جصص عليه يكون الإثم على من فعله، أما هو فلا شيء عليه إذا كان لم يرض ولم يأذن، وعليه أن يوصي بأن يدفن في المقابر السليمة، يعني يوصي ويجتهد أن يكون دفنه في القبور السليمة البعيدة عن البناء عليها،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .(14/104)
هذا هو الواجب عليه أن يوصي أهله وقرابته، يوصيهم أو يحذرهم.(14/105)
67 - حكم وضع العلامة على القبر
س: ما حكم وضع علامة على القبر؟ (1)
ج: لا حرج في وضع علامة حجر أو عظم أو حديدة، أما الكتابة فلا يكتب شيء لكن بحجر يضعه، عظم أو خشبة أو شبه ذلك لا بأس، «والنبي صلى الله عليه وسلم علم على قبر عثمان بن مظعون لما توفي رضي الله عنه (2) »
__________
(1) السؤال السابع والأربعون من الشريط رقم (350) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم، برقم (3206) .(14/105)
س: يقول هذا السائل: يشاهد بعض الناس الدفن بأنه يوضع على القبر علامتان من الأحجار، وقبر المرأة ثلاث علامات وتسمى شاهدا، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: لا بأس بتعريف القبر بما يعرفه صاحبه زوجة أو أما، أو خالة أو أبا، أو عما، لا بأس بحجر أو حجرين لا بأس.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (430) .(14/105)
68 - حكم وضع علامات مميزة على القبر
س: هل تجوز الكتابة على القبور، أو وضع علامات مميزة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: أما الكتابة على القبور فلا تجوز؛ لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، فلا تجوز الكتابة عليها، ولا يبنى عليها لا مسجد ولا قبة، ولا غير ذلك، بل يعاد لها ترابها، ويرفع القبر قدر شبر تقريبا، حتى يتضح أنه قبر، ولا يزاد عليه شيء ولا يبنى عليه، ولا يكتب عليه ولا يجصص، هذا الذي صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نهى عن تجصص القبور وعن القعود عليها، والبناء عليها والكتابة عليها، وألا يزاد عليها إلا بترابها؛ لأن هذا من أسباب الغلو، فالواجب ترك ذلك، أما التعليم فلا بأس، إذا علم بحجر خاص أو بقطعة حديد أو بعظم أو بلوح ليس فيه كتابة، لا حرج، «وقد علم النبي على قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه (2) » فالحاصل أن التعليم بحجر أو بلبنة أو بلوح أو بغير ذلك لا بأس بهذا.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (303) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم، برقم (3206) .(14/106)
س: السائل م. م. ص. من اليمن يقول في سؤال: لقد طلب مني رجل أن أكتب على سطح قبر زوجته الذي هو مبني يقول: طلب مني أن(14/106)
أكتب آية الكرسي بالطلاء، وكتبت الآية على سطح القبر، فهل علي إثم في ذلك؟ (1)
ج: أولا: القبر لا يجوز البناء عليه، الرسول نهى أن يبنى على القبر، وأن يجصص وأن يقعد عليه، أخرجه مسلم في الصحيح، فلا يجوز البناء على القبور لأن البناء عليه قبة أو غيره يسبب الغلو فيه، الواجب أن يدفن وأن يرفع التراب عن الأرض قدر شبر، علامة أنه قبر، ولا يبنى عليه شيء، لا قبة ولا حجرة ولا غير ذلك، ولا يجوز الكتابة عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يكتب على القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه، وأن يجصص كل هذا نهى عنه صلى الله عليه وسلم، والكتابة عليه قد تجر إلى الشر، قد يكتب عليه أنه كذا وأنه كذا، فيفتن الناس به، فلا تجوز الكتابة عليه، لا قليلا ولا كثيرا.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (403) .(14/107)
س: الأخ ح. ع. من اليمن يسأل ويقول: توفي والدي رحمه الله، فعند زيارتي لقبر والدي أشاهد بعض القبور عليها أحجار كبيرة، وعليها اسم المتوفى، وليس على قبر والدي سوى التراب المركوم وحجارة صغيرة ليس عليها الاسم، فهل يجب علي أن أفعل مثل ما في هذه القبور من كتابة الاسم ووضع التراب عليها؟ (1)
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (388) .(14/107)
ج: السنة في القبور ألا ترفع قدرا أكبر من الشبر، الشبر وما يكون قربه، تمييزا لها عن غيرها، حتى يعرف أنها قبور، أما رفعها أكثر من ذلك فلا يجوز. وهكذا لا يجوز الكتابة عليها، لا اسم صاحبها ولا غيره، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور وعن البناء عليها وعن الكتابة عليها فالبناء عليها لا يجوز، وهكذا تجصيصها لأن هذا من وسائل الشرك ومن وسائل الغلو فيها، وهكذا بناء المساجد عليها والقباب كله لا يجوز؛ لأنه من وسائل الشرك، وهكذا الكتابة لأن الرسول نهى عنها عليه الصلاة والسلام فلا يكتب عليها اسم الميت ولا غيره، وإذا وضع حجر للعلامة لا بأس. إنما توضع النصائب التي تحفظ التراب على أطراف القبر، أو يوضع عليه حصباء ويرش بالماء لحفظ التراب لا بأس، أما الحصى الكبار فلا حاجة إليها، إنما توضع حصاة للعلامة لا بأس.(14/108)
س: هل وضع لوحة على قبر المتوفى تحوي اسمه وتاريخ وفاته جائز أم لا؟ (1)
ج: لا يجوز هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يكتب على القبور، وأن يزاد عليها من غير ترابها، وأن يبنى عليها فلا يجوز البناء عليها، لا قبة ولا مسجد ولا تجصص ولا يكتب عليها لا لوحة ولا
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (334) .(14/108)
غيره، لا اسمه ولا اسم غيره.(14/109)
69 - حكم وضع جريد النخل أو غيره من الأغصان على القبر
س: يقول السائل: ما حكم وضع جرائد النخيل، أو الأراك على القبر في وقتنا الحاضر؟ لأن البعض يحتج بأن وضع الجريد، أي جريد النخل على القبر هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علم بالعذاب الذي كان يعذب به صاحبا القبرين، وجهونا في ضوء ذلك (1)
ج: هذا هو الصواب، ليس لأحد أن يضع الجريد ولا غيره على القبور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يضع على القبور شيئا، قبور البقيع وغيرها ما كان يضع عليها شيئا، إنما وضع الجريدة على قبرين أطلعه الله على عذابهما، فوضع الجريدتين وقال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا (2) » ولم يضع الجريد على القبور الأخرى، فدل ذلك على أنه لا يوضع الجريد ولا غير الجريد على القبور؛ لأنا لا نعلم عذابهم، والله سبحانه أطلع نبيه على عذاب القبرين، فوضع الجريد لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا، فليس لنا أن نشرع شيئا جديدا.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (393) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .(14/109)
س: يقول السائل: هل وضع الشجرة أو غصن الشجرة على القبر يخفف من العذاب، كما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم أم أنه خاص به صلى الله عليه وسلم فقط؟ وضحوا لنا ذلك يا سماحة الشيخ (1)
ج: وضع الجريد على القبور غير مشروع، بل هو بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا في قبرين خاصين، اطلع على عذابهما، فوضع عليهما الجريدتين، ولم يضع جرائد على قبور أهل البقيع ولا على غيرها، فدل على أن هذا الوضع خاص بالقبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما خاصة، ولو كانت سنة لفعلها صلى الله عليه وسلم في سائر القبور.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (387) .(14/110)
70 - حكم وضع الأحجار أو الأشجار على القبر
س: يسألن السائلات عن وضع الأحجار فوق القبر وتسمى النصائب، وهي وضع حجر واحد فوق قبر الرجل، ووضع حجرين فوق قبر المرأة؟ (1)
ج: يوضع أحجار تحفظ التراب، حجر أو حجران، الرجل والمرأة واحد سواء، ليس فيه تخصيص، ليس فيه فرق بين المرأة والرجل، بل
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (423) .(14/110)
يوضع في طرف القبر من فوق، ومن أعلى ومن أسفل لبنة أو حجر يحفظ التراب أو علامة يعرف بها القبر لا بأس، أما تخصيص المرأة بحجرين والرجل بحجر هذا لا أصل له، ولكن القبور واحدة، إذا جعل عليها حجر في أعلاها أو في أسفلها لحفظ التراب، أو كب عليها حصباء تحفظ التراب كل هذا طيب.(14/111)
س: ما حكم وضع الأشجار على القبر، وذلك بقصد تماسك التربة وعدم انجراف القبر من شدة الريح، وكذلك رشه بالماء للحفاظ عليه من الانجراف؟ (1)
ج: لا بأس برش بعض الحصباء عليه، يوضع عليه حصباء تمسكه، أما الشجر فلا، لا حاجة لذلك، قد يعتقد فيه شيء، أما نصب الجريدة التي فعلها الرسول عليه الصلاة والسلام فكان في قبرين اطلع على عذابهما عليه الصلاة والسلام، أما نحن فلا نعرف المعذب من غير المعذب، فلا يشرع لنا أن نجعل عليه جريدا ولا شجرا، ولكن إذا جعل عليه حصباء ورش بالماء فهذا حسن، لأجل ضبط التراب.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (356) .(14/111)
س: يقول السائل: هو وضع الشجرة أو غصن الشجرة على القبر يخفف من العذاب كما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم أم أنه خاص به صلى الله عليه وسلم فقط؟ وضحوا لنا ذلك يا سماحة الشيخ.(14/111)
ج: وضع الجريد على القبور غير مشروع، بل هو بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا في قبرين خاصين اطلع على عذابهما، فوضع عليهما الجريدتين، ولم يضع جرائد على قبور أهل البقيع، ولا على غيرها، فدل على أن هذا الوضع خاص بالقبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما خاصة، ولو كانت سنة لفعلها صلى الله عليه وسلم في سائر القبور.(14/112)
71 - حكم زراعة الأشجار على القبور
س: هل يجوز زرع الأشجار على القبور؟ (1)
ج: لا ينبغي، لا أصل له، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع جريدة على قبرين معذبين، أما نحن فلا نعرف عذابهما، فلا يوضع جريدة ولا غيرها، ليس مشروعا، بل بدعة.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (372) .(14/112)
72 - حكم وضع نبات البرسيم على القبر عند الدفن
س: هذا السائل يقول: هناك أناس عند الدفن لموتاهم يضعون نبات البرسيم بعد وضع الجنازة، ما حكم ذلك؟ (1)
ج: هذا ليس له أصل، ليس هو بمشروع، الذي وضع الجريدة على
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (367) .(14/112)
القبرين عرف أنهما يعذبان، ولم يوضع على بقية القبور عليه الصلاة والسلام، وضع جريدتين على قبرين يعذبان عرفهما، فلا يجوز وضع ذلك على قبور أخرى؛ لأنه لا يعرف أنهم يعذبون، فلا يوضع عليها شيء، لا برسيم ولا غيره.(14/113)
73 - حكم تأخير دفن الميت لحضور أقاربه
س: ما حكم تأخير الدفن يوما أو يومين، لحضور أقارب الميت؟ (1)
ج: السنة الإسراع والمبادرة بالدفن، ولا يؤخر إلا الشيء اليسير، ساعة، ساعتين، حتى يحضروا إذا كانوا قريبين، أما يوما أو يومين فلا، النبي عليه السلام قال: «أسرعوا بالجنازة (2) » فالسنة الإسراع بها والبدار بها، ولا تؤخر إلى أن يأتي الأقارب من بعيد يوما أو يومين، بل يصلي على قبرها إذا جاء القريب والحمد لله، يصلى على القبر ولا يلزم تأخر الجنازة.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم (350) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم (1315) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم (944) .(14/113)
74 - حكم وضع الميت في الصندوق
س: هل الصندوق لوضع الموتى حرام للنساء أو خاص للرجال فقط؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (21) .(14/113)
ج: المشروع للموتى أن يدفنوا في التراب، ولا يجعلوا في الصناديق، الصندوق ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا خلاف السنة، ولا ينبغي فعله؛ لأنه خلاف سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما فعله أصحابه وأهل العلم من بعدهم، فالسنة أنه يكفن في ثلاثة أثواب بيض للرجل، هذا هو الأفضل، وإن كفن في غيرها، في سوداء أو خضراء أو زرقاء جاز، وإن كفن في ثوب واحد حتى ستره جميعه فلا بأس، لكن لا يوضع في صندوق، بل يوضع داخل التراب، يوضع في اللحد على التراب، ويوضع عليه اللبن الذي يسد اللحد، ثم يهال عليه التراب، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله المسلمون، أما وضع الموتى في التوابيت، في الصناديق هذا لا أصل له، ولا ينبغي فعله.(14/114)
75 - حكم وضع أكثر من ميت في قبر واحد
س: هل يجوز وضع ميتين في قبر واحد لأي مناسبة؟ (1)
ج: إذا أمكن دفنهما في قبرين منفصلين هذا هو السنة، ولا يشرع دفنهما جميعا إلا عند الضرورة، إذا عجز عن وجود قبرين، لخوف أو لكثرة الموتى فلا بأس أن يدفنهما جميعا، كما دفن النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (348) .(14/114)
الاثنين والثلاثة يوم أحد، لكثرة القتلى والجراحات في الصحابة، أما إذا تيسر دفن كل واحد في قبر فإن هذا هو المشروع ولا يجمعون جميعا إلا في حالة الضرورة وكثرة الموتى ومشقة الذين يحفرون القبور، أو الخوف من أن يحفروا قبرين لأسباب تقتضي الخوف.(14/115)
س: هل يجوز دفن أكثر من جثة في قبر واحد؟ (1)
ج: إذا دعت الحاجة إلى ذلك لكثرة الموتى، فلا بأس أن يدفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد؛ لكثرة القتلى والمشقة في جعل كل واحد في قبر، فإذا حصل مصيبة وكثر الموتى فلا مانع أن يدفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، ويقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة، الأفضل فالأفضل إلى القبلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، كان يقدم أفضلهم للقبلة، أيهم أكثر قرآنا يقدمه في اللحد.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (382) .(14/115)
76 - حكم نبش قبر قديم لإدخال ميت جديد عليه من أقاربه
س: تقول السائلة: إذا توفي شخص، وأرادوا دفنه مع إنسان قريب له قد توفي قبله، فعندما يفتح ذلك القبر يقومون بتوزيع صدقة لذلك(14/115)
المتوفى من قبل، ويسمونه: صدقة أو قربة، فهل هذا حرام؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل، بل هو بدعة، وهو لا يجوز فعله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور (2) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » والسنة أن يقبر وحده، لا يفتح القبر الأول، بل يحفر له حفرة وحده، ويدفن الميت الجديد وحده، هذا هو السنة، كل ميت يكون وحده في قبر مستقل إلا عند الضرورة، إذا كثر الموتى وشق على الناس كل واحد في قبر، فلا بأس أن يجمع بين الاثنين والثلاثة عند الضرورة وشدة الحاجة، وإلا فالسنة أن يكون كل ميت في قبره على حدة، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقبرون كل واحد وحده، لكن لما كانت وقعة أحد، وكثر الموتى، والناس فيهم جراحات ومشقة دفن الرسول صلى الله عليه وسلم الاثنين والثلاثة جميعا في قبر، لأجل الحاجة، وإلا فالسنة أن يكون واحد في قبر مستقل، هذا هو السنة.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (329) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم (2676) ، وابن ماجه كتاب المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل، برقم (46) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/116)
77 - مسألة في التوأمين المتلاصقين إذا توفي أحدهما
س: الأخ ط. ش. من العراق، محافظة السليمانية يسأل ويقول: إذا أنجبت امرأة طفلين توأمين متلاصقين من ناحية الظهر، أي أنهما مختلفان في الوجوه، فإذا مات أحدهما أو ماتا جميعا كيف يتم دفنهما؟ هل يجب فصلهما؟ أو كيف يتصرف أهلهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا وقع مثل هذا يعرض على الأطباء المختصين، إن وجدوا حيلة في ذلك فعلوا، حتى يخلص هذا من هذا، وإن لم يجدوا حيلة إذا ماتا دفنا جميعا، وإن مات أحدهما فصل الميت من الحي بالطرق التي يراها الأطباء، ثم يغسل ويصلى عليه إذا كان مسلما ويدفن وحده، ويبقى الحي على حاله، ولا يضر الحي بسبب الميت، بل يستعمل الأطباء الطريقة التي يفصلون بها هذا الذي مات حتى يدفن وحده.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (147) .(14/117)
78 - حكم دفن الأم مع ولدها
س: هل بالإمكان دفن الأم مع ولدها في قبر واحد؟ (1)
ج: إذا دعت الحاجة إلى هذا، وإلا فالسنة أن يدفن كل واحد في قبر،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (334) .(14/117)
لكن إذا كان الموتى كثيرين والمشقة كبيرة، يوضع الاثنان والثلاثة في قبر واحد، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، أما إذا كانت الحاجة غير ماسة والأرض موجودة، والدافنون موجودين بدون مشقة كل واحد في قبر، فالسنة: كل ميت يدفن في قبر لوحده، هذه هي السنة، إلا إذا دعت الحاجة الشديدة أو الضرورة إلى دفن الاثنين والثلاثة فلا بأس.(14/118)
79 - مسألة في دفن المرأة الحبلى وفي شهرها الأخير
س: ما حكم المرأة إذا توفيت وهي حامل في الشهر الأخير؟ هل تدفن وهي حامل، أم يعمل لها عملية جراحية ويخرج الجنين إذا كان حيا؟ وما الحكم إذا كان موقع الوفاة بعيدا عن المستشفيات؟ هل هناك من حرج إذا دفنت؟ نرجو التوضيح حول هذا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: تدفن إذا ماتت وهي حبلى، تدفن بحملها، وليس هناك حاجة إلى عملية إخراج الجنين؛ ولأنه في الغالب إذا ماتت مات معها أيضا، ولو قدر أنه بقي شيئا يسيرا فإن هذا لا يوجب أن يعمل لها عملية، فإن الغالب أنه متى ماتت مات معها جنينها، فهي تغسل وتكفن ويصلى عليها وتدفن بحملها.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (198) .(14/118)
80 - حكم جمع من يصلي ومن لا يصلي في مقبرة واحدة
س: يقول السائل: في بلادنا ندفن الموتى مع بعضهم؛ من كان يصلي ومن لم يكن يصلي، فما هو توجيهكم؟ (1)
ج: الواجب أن تكون المقبرة خاصة بالمسلمين، وإذا عرف أن الرجل لا يصلي يدفن في محل آخر غير مقبرة المسلمين، هذا هو الأرجح، في محل بعيد، ووري في أرض ميتة، حتى لا يعرف فلا بأس، مثل الكافر المعروف؛ النصراني واليهودي والشيوعي، يدفن في محل بعيد عن مقبرة المسلمين، في أرض ميتة بعيدة، وتسوى عليه الأرض، حتى لا تعرف قبورهم، ويستراح منهم، حتى لا يتأذى الناس بجيفهم، وقال بعض أهل العلم أنه إذا كان لا يصلي، لكنه يقر بأنها واجبة وفريضة أنه لا يكفر بذلك، ويدفن مع المسلمين، هذا قاله جماعة من أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم أنه قول الأكثرين، فإذا دفنوه مع المسلمين بفتوى أحد العلماء فلا بأس، وإلا فالأصل والأصح أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، هذا هو الأصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3) » ولما سئل عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (293) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .(14/119)
والسلام عن الأئمة الذين يخرج عليهم؛ لأنهم أتوا كفرا بواحا قال في حقهم: «لا تخرجوا عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة (1) » ولما سألوه: هل نقاتلهم؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة (2) » . فدل على أن ترك الصلاة من الكفر البواح، نسأل الله العافية. فنسأل الله لجميع المسلمين، ولجميع الضالين والكافرين التوفيق للتوبة، نسأل اله أن يمن عليهم بالتوبة النصوح.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، برقم (1855) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، برقم (1855) .(14/120)
81 - حكم دفن من لا يصلي في مقابر المسلمين
س: م. ق. من الأردن، يسأل ويقول: ما حكم من مات وهو لا يصلي ولكنه موحد؟ فهل يصلى عليه؟ وهل يدفن في مقابر المسلمين؟ (1)
ج: إذا علم أنه لا يصلي فهو كافر في أرجح القولين، ولا يدفن مع المسلمين إذا علم أنه لا يصلي، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا كان لم يجحد وجوبها أنه يصلى عليه ويدفن مع المسلمين، ولكن الأرجح أنه إذا علم بالبينة الشرعية أنه يترك الصلاة فإنه يكفر بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » أخرجه
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (424) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(14/120)
مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1) » نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .(14/121)
82 - حكم دفن المسلم في مقابر الكفار
س: من مات في بلد الكفار هل يدفن عندهم؟ (1)
ج: يدفن في محل مستقل ليس مع قبورهم، إما في محل المسلمين، وإلا في محل بعيد عن قبور الكفار خارج عن قبورهم.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (382) .(14/121)
83 - حكم دفن زوجة المسلم النصرانية إذا كانت حاملا في مقابر المسلمين
س: امرأة نصرانية بعلها مسلم، توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، هل تدفن مع المسلمين أو مع النصارى؟ (1)
ج: المعروف عند أهل العلم أنها تدفن في محل لا مع الكفار ولا مع المسلمين، تكون في محل خاص؛ لأن فيها مسلما محترما، فلا يكون مع الكفار، ولأنها كافرة فلا تكون مع المسلمين، ولكن تدفن في محل خاص، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، ويسوى القبر - حتى لا يمتهن - في أرض ميتة، ليس فيها قبور للكفار ولا قبور للمسلمين، وتجعل على
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (196) .(14/121)
يسارها؛ حتى يكون وجه الولد إلى القبلة؛ لأن وجه الولد إلى ظهرها، فيكون وجهه إلى القبلة، حتى لا تكون على جنبها الأيمن؛ لأنه إذا كان جنبها الأيمن صار وجهه إلى غير القبلة، فيراعى الولد حتى يكون وجهه إلى القبلة في محل وضعها في قبرها.(14/122)
84 - مسألة في بيان جواز جمع أكثر من ميت في قبر واحد
س: يوجد لدينا محل الأموات على شكل غرفة تحت الأرض؛ حيث يوضع الميت، وبعد سنة يفتح هذا القبر ويوضع ميت آخر، فهل يعذب المذنب ويجازى المحسن في قبر واحد؟ (1)
ج: السنة أن يقبر كل إنسان على حدة مع القدرة إذا اتسعت الأرض، وأمكن قبر كل واحد على حدة، فهذا هو السنة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع، يقبرون الموتى هكذا كل واحد على حدة، أما إذا حصل ضرورة، ولم يوجد مكان إلا هكذا فلا حرج، وكل يؤخذ بذنبه؛ المحسن يجازى بإحسانه، والمسيء يجازى بإساءته: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) . لكن مهما أمكن فالمشروع أن يدفن كل واحد على حدة، كل قبر على حدة، ولا يجمعون في محل واحد.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (271) .
(2) سورة الأنعام الآية 164(14/122)
85 - حكم دفن الميت في قبر دفن فيه ميت آخر
س: يوجد في بلدتنا عادة؛ وهي أنه عندما يتوفى الإنسان يوضع في قبر لقريب له إذا مر عليه سنة أو أكثر، فهل هذا يصح؟ (1)
ج: السؤال فيه إجمال، فإذا كان مراد السائل أن الميت الجديد يدفن مع الميت القديم مدة، ثم ينقل فهذا لا يجوز، بل يدفن في قبر مستقل، ولا يجوز أن يدفن مع الموتى السابقين إلا للضرورة، إذا كانت ضرورة قصوى: ما عندهم أراض، أو في خوف، أو أموات كثيرون، كثروا عليهم الأموات فلا مانع من دفن الاثنين والثلاثة جميعا، كما فعل النبي يوم أحد عليه الصلاة والسلام، وإلا فالواجب أن يكون كل واحد على حدة، كما هو السنة المتبعة في موتى المسلمين من عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أما إن كان قصد السائل أنه يحفر لقريب له قبرا، ثم إذا مات بعض الأقرباء دفن في هذا القبر الذي ما مات فيه قريبه، بل معد لقريبه، ولكنه لم يمت القريب، ودفن هذا في قبره إذا سمحوا بذلك فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (149) .(14/123)
86 - حكم المقبرة إذا جرفتها السيول
س: تسأل المستمعة من اليمن وتقول: جرت عندنا سيول عظيمة، مما أدى إلى جرف الأراضي، وأضرت ببعض عظام الموتى. وقامت(14/123)
بعض من النساء بجمع العظام ودفنها في الأرض، فهل على هؤلاء النسوة شيء؟ (1)
ج: إذا جرفت السيول المقبرة فعلى ولي الأمر والجهات المختصة أن ينظروا في ذلك، وأن يعيدوا العظام إلى مدافنها ويسووها ويسوروا المقبرة؛ حتى لا تصاب مرة أخرى، على ولي الأمر - أو على المحسنين الذين يطلبون الأجر - أن يعيدوا العظام في محلها، كل عظام قبر في محلها، وإذا لم يعرفوا ذلك دفنوها في أي محل من المقبرة، وسووا ظاهر القبور على حالها؛ حتى تعرف أنها قبور، وتسور المقبرة بشبك أو ببناء؛ حتى لا تمتهن، وحتى لا تدخلها السيول.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (396) .(14/124)
87 - حكم وضع الزهور على القبور
س: يوضع أزهار على القبور وخاصة يوم الأعياد، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: ليس بجائز ولا مشروع، لا يوضع على القبور لا أزهار ولا غيرها، إنما وضع النبي صلى الله عليه وسلم جريدتين على قبرين معذبين، أطلع الله عليهما نبيه على أنهما يعذبان، فوضع عليهما جريدتين، قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا (2) » ولم يأمر بوضع الجريدة على القبور
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (220) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .(14/124)
الأخرى، إنما وضعها على قبرين اطلع على عذاب أصحابهما قال: «أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (1) » يبين لنا هذا عظم الخطر في عدم التنزه من البول وعظم الخطر في النميمة، نسأل الله العافية، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة العناية بالطهارة، والحرص على السلامة من البول في البدن وفي الثوب وفي المصلى، كذلك الحذر من النميمة والغيبة، يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر من الغيبة ومن النميمة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره: فلان بخيل، فلان كذا، فلان كذا، فلانة كذا. بما تكره، والنميمة: نقل الكلام السيئ من فلان إلى فلان. فلان يقول فيك كذا، فلانة تقول فيك كذا. هذه النميمة، وهي من الكبائر ومن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، فالواجب الحذر منها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام (2) » والنمام من أهل الغيبة، قال: «ذكرك أخاك بما يكره " قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته (3) » فالواجب الحذر، والله يقول سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلط تحريم النميمة برقم (105) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، برقم (2589) .
(4) سورة الحجرات الآية 12(14/125)
ويقول سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (1) {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (2) نسأل الله للمسلمين العافية.
__________
(1) سورة القلم الآية 10
(2) سورة القلم الآية 11(14/126)
88 - حكم تزيين القبور
س: يسأل المستمع ويقول: ما حكم تزيين القبور؟ (1)
ج: التزيين يختلف: إن كان المقصود كونه يجمع التراب عليها، أو يجعل عليها النصائب فهذا لا بأس، ما يسمى تزيينا، هذا هو المشروع، إذا دفن الميت يرفع قبره قدر شبر ببقية التراب، يسوى على قبره حتى يعرف أنه قبر، ويجعل النصائب على طرفيه من اللبن؛ حتى يعرف أنه قبر، حتى لا يوطأ ولا يمتهن، أما تزيينه بالجص، أو بالطيب يكب عليه، أو بالبناء عليه فهذا منكر لا يجوز، «الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور، ونهى عن القعود عليها، ونهى عن البناء عليها (2) » رواه مسلم في الصحيح، ونهى أن يكتب عليها أيضا، فلا يكتب عليها ولا تجصص، ولا يبنى عليها لا مسجد ولا غيره، ولا قبة، كل هذا بدعة، والذي يفعل في بعض الدول من البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها والمساجد من البدع، ومن وسائل الشرك، لا يجوز هذا، والواجب على
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (384) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .(14/126)
المسلمين ترك ذلك، والواجب على أمراء المسلمين أن يمنعوا هذا، وأن يزيلوا هذه الأشياء، يجب على جميع الدول الإسلامية أن تمنع هذا، تمنع البناء على القبور، وتزيل المساجد التي على القبور، أو الأبنية التي عليها والقباب، يجب أن تزال، وإذا كانت مساجد قديمة ولكن دفن فيها ميت ينبش، إذا كانت المساجد هي القديمة ولكن دفن فيها - ينبش، ويخرج منها إلى المقابر، يوضع في حفرة في المقابر، ويسوى عليه التراب كسائر القبور، ولا يجوز إبقاء قبور في المساجد، أما إن كانت قبورا قديمة، ولكن بني عليها فالواجب هدم البناء قبة أو مسجدا، يهدم ويزال ولا يجوز؛ لأن هذا وسائل الشرك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وقالت له بعض أزواجه: يا رسول الله، إنا رأينا كنيسة في أرض الحبشة وفيها صور، قال عليه الصلاة والسلام: «أولئك إذا مات فيهم رجل صالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (2) » أخبر أنهم شرار الخلق، لبنائهم على القبور واتخاذ المساجد عليها والصور. قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها (3) » وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، برقم (427) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، برقم (972) .(14/127)
عنهما قال: «نهى رسول الله أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (1) » فالواجب على علماء المسلمين في كل مكان، وعلى أمراء المسلمين في كل مكان إزالة هذا الشيء، ووعظ الناس وتذكيرهم وتحذيرهم، وعلى ولاة الأمور أن يزيلوه بالقوة، يهدموا المسجد الذي على القبر ويهدموا القبة التي على القبر، تكون القبور بارزة ليس عليها قباب ولا مساجد، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع، وهكذا الآن في الدولة السعودية في البقيع وفي غير البقيع مكشوفة، ليس عليها بناء ولا مساجد، وهكذا كان الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانت القبور في البقيع وفي غير البقيع في مكة والمدينة وغيرها مكشوفة، وهكذا في عهد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم حتى جاءت الرافضة وغلت في القبور، وهكذا من شابههم من غير الرافضة والفاطميين، فالواجب الحذر، الواجب هدم المساجد التي على القبور، وهدم الأبنية والقباب التي على القبور، وأن تكون القبور مكشوفة ليس عليها شيء، يزورها الناس للسلام عليهم، يزورها المسلمون للسلام فقط، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم (970) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/128)
زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (1) » هذه السنة، المسلمون يزورون القبور، ويسلمون عليهم فقط، لا يسألونهم ولا يدعونهم، ولا يتمسحون بالقبور، كل هذا من المنكر من الشرك، دعاء الميت والاستغاثة بالميت هذا من الشرك الأكبر، يقول: يا فلان اشفع لي. أو: انصرني. أو: اشف مريضي. سواء كان هذا عند النبي صلى الله عليه وسلم أو عند البدوي، أو عند الحسين، أو عند فلان، كل هذا شرك أكبر، لا يجوز هذا أبدا عند جميع المسلمين، لا يجوز أن تأتي القبر، تقول: انصرني. أو: اشف مريضي. أو: أنا في جوارك. أو: أنا في حسبك. لا قبور الأنبياء ولا غيرها. ولا يجوز أن تدعوه، تقول: يا سيدي فلان. أو: يا رسول الله، انصرني. أو: اشف مريضي. هذا من الشرك الأكبر، سواء كان ذلك مع الأنبياء أو مع أهل البيت، أو مع غيرهم ولا يجوز التمسح بالقبور والتبرك بها، وإنما تزار فقط، يزورهم ويسلم عليهم فقط، يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (2) » هكذا علم النبي أصحابه عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/129)
والسلام، هكذا رواه مسلم في الصحيح، هكذا ذكر العلماء في (بلوغ المرام) وفي (منتقى الأخبار) وكان هكذا ذكره أهل العلم في كتب الحديث وكتب الفقه، بينوا هذا، الواجب على علماء المسلمين نشر ذلك وبيان ذلك للناس، يجب على العلماء أن يبينوا في المساجد، وفي خطب الجمعة وفي غيرها، وفي المحاضرات وفي المدارس يعلمون الناس يعلمونهم هذه الأمور، حتى يكونوا على بصيرة، حتى يدعوا الغلو في القبور حتى لا يبنوا عليها، وحتى لا يتخذوا عليها المساجد، وحتى لا يدعوها من دون الله، ولا يستغيثوا بها وبأهلها. المصيبة عظيمة الآن، هذه المسألة في كثير من البلدان الإسلامية، يبنى على القبور مساجد وقباب، ويدعى أهلها من دون الله، ويستغاث بهم وينذر لهم، هذا هو الشرك، دعاؤهم من دون الله والاستغاثة بهم والنذر لهم هذا هو الشرك الأكبر، واتخاذ المساجد وسيلة لذلك، واتخاذ القباب وسيلة لذلك، فالواجب على أمراء المسلمين في كل مكان، عليهم أن يزيلوا هذه القباب وهذه المساجد التي على القبور، ويجب على العلماء أن ينبهوهم وينصحوهم ويذكروهم إذا كانوا مسلمين، فعليهم أن يزيلوا ما حرم الله، إذا كان الوالي مسلما فليتق الله، وليزل ما حرم الله من القباب والمساجد التي على القبور، وليمنع الناس من دعاء الموتى والاستغاثة بهم والنذر لهم، هذا لله وحده، هو الذي يدعى، هو الذي ينذر له، هو الذي يستغاث(14/130)
به يقول: يا رب اغفر لي، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا رب ارحم ضعفي، يا رب ارزقني يدعو ربه، أما الميت فلا يدعى الميت ولا الصنم ولا الكوكب ولا الجن، لا يدعون من دون الله، الله سبحانه وتعالى هو الذي يدعى، فلا يجوز دعاء الأنبياء ولا دعاء المؤمنين ولا دعاء غيرهم، ولا دعاء الكواكب والنجوم، ولا دعاء الأصنام ولا دعاء الجن، كل هذا لا يجوز، بل يجب إخلاص العبادة لله وحده، فيقول في دعائه: يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني، يا رب انصرني، يا الله يا ذا الجلال والإكرام اغفر لي وارحمني، اشف مريضي، ارزقني من فضلك، أما أنه يأتي الميت ويقوله له: ارزقني، أو اشف مريضي، حتى ولو كان النبي محمدا عليه الصلاة والسلام، من جاء إلى قبره أو بعيدا عنه يقول: ارزقني يا محمد، أو: انصرني. هذا الشرك الأكبر، أو يقول: يا سيدي عبد القادر، يا سيدي الحسين، أو: يا سيدي البدوي. أو: يا سيدي فلان انصرني، أو: اشف مريضي، أو: أنا في جوارك، أو: أنا في حسبك، هذا هو الشرك الأكبر يجب الحذر من هذه الأمور، ويجب على العلماء أن يبينوا للناس، وأن ينصحوهم، ويجب على أمراء المسلمين أن يمنعوا هذا، وأن يزيلوا الأبنية التي على القبور، وأن تكون مكشوفة، ليس عليها مساجد ولا قباب، هذا هو الواجب على المسلمين، حماية لجناب التوحيد، وحرصا على صلابة عقيدة(14/131)
المسلمين ودعوة لهم إلى الحق، وأداء لواجب الدعوة، نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما يرضيه، ونسأل الله أن يعين العلماء على البلاغ والبيان، ونسأل الله أن ينصر الجميع للحق، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(14/132)
89 - حكم وضع الجريد الأخضر على القبور في الأعياد
س: في أيام العيد نضع على قبور الموتى جريدا أخضر، هل لهذا أصل؟ (1)
ج: ليس له أصل، النبي صلى الله عليه وسلم وضع جريدا على قبرين معذبين، أطلعه الله على عذابهما، قال: " أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة - والعياذ بالله - وأما الآخر فكان لا يستتر من البول " (2) ولم يضع على قبور الصحابة في البقيع، ولا في أحد، فدل ذلك على أن ذلك خاص بالقبرين، فليس للإنسان أن يضع على القبور جريدا، لا في أيام عيد ولا في غيرها، بل هذا منكر وبدعة.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (216) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .(14/132)
90 - حكم قراءة شيء من القرآن على الميت عند دفنه
س: قرأت كتاب رياض الصالحين في باب الدعاء للميت بعد الدفن، والقعود عند دفنه ساعة: قال الشافعي رحمه الله في هذا الباب:(14/132)
يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كله كان حسنا، أرجو من سماحتكم التوجيه النافع لمثل هذا القول (1)
ج: هذا ليس عليه دليل إن صح عن الشافعي، والصواب أنه لا يستحب، والشافعي رحمه الله من العلماء المعروفين بالسنة، ولكن كل يخطئ ويصيب، كل عالم له أخطاء مثل ما قال مالك رحمه الله: كل منا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه السلام يقول: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون (2) » فليس للقراءة عند القبر دليل، والسنة أن لا يقرأ عند القبور، ولكن يدعى للميت بعد الدفن، كما كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، قال: «استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل (3) » ولما زار قبر أمه استأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، فجلس عندها وبكى وأبكى عليه الصلاة والسلام، لما حصل من المصيبة بعدم إذنه سبحانه في الاستغفار لها، وكانت ماتت في الجاهلية، ولما حضرت الوفاة عمرو بن العاص رضي الله عنه أوصى بنيه، ومن يحضر قبره أن يجلسوا عنده قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، كي يستأنس
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (227) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم (4251) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/133)
بهم حتى ينظر بماذا يراجع رسل ربه، وهذا قاله من اجتهاده، وليس في هذا قراءة إنما قصده الدعاء له والترحم عليه، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بينة في هذا، وهي أنه يدعى له بالمغفرة والثبات، أما كونهم يجلسون قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها فهذا من اجتهاد عمرو وليس عليه دليل، إنما المشروع أن يدعى له، ويستغفر للميت المسلم بعد الدفن، أما قراءة القرآن عنده، سورة أو سور أو ختم القرآن فهذا ليس عليه دليل وينبغي تركه.(14/134)
91 - حكم قراءة سورة يس على الميت
س: عندما يتوفى مسلم يقرؤون عليه سورة يس على المقبرة وفي المنزل لمدة أسبوع، ويوم ذكرى مرور أربعين يوما على وفاته، هل هذا جائز؟ وجهوا الناس حيال هذا الموضوع فهو منتشر بكثرة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل الذي سأل عنه السائل بدعة لا أصل له، فلا يشرع أن يقرأ على الميت بعد موته، لا في البيت ولا في المقبرة، ولا على رأس الأربعين من وفاته، ولا في غير ذلك بهذا القصد من هذه البدع التي أحدثها الناس، وإنما المشروع أن يقرأ عنده حين الاحتضار قبل أن
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (220) .(14/134)
يموت، إذا كان محتضرا شرع أن يقرأ عنده، وإذا قرئ عنده سورة يس فذلك حسن، لأنه ورد بها بعض الأحاديث: «اقرؤوا على موتاكم يس (1) » وإن كان في سنده كلام، لكن لا بأس، قد يتعظ من هذا، وقد يستفيد من هذا قبل أن يموت، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله (2) » يلقن، يقال له: قل: لا إله إلا الله. حتى يختم له بها، في الحديث: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة (3) » فذلك من أسباب دخول الجنة إذا مات على التوحيد والإيمان صادقا مخلصا، أما التلقين عند القبر فهذا بدعة، الصحيح لا يقلن عند القبر، لا يقال له عند الدفن: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإنك آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما، هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصواب أنه غير مشروع، هذا التلقين بعد الدفن عند القبر
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه، برقم (19790) ، وأبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت، برقم (3121) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، برقم (1448) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، برقم (917) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في التلقين، برقم (3116) .(14/135)
يعني: يلقن أنه يجيب الملكين بالشهادتين، وما ذكر معهما، هذا لا أصل له، أما التلقين قبل أن يموت بـ: لا إله إلا الله. فتقدم، سنة قبل أن يموت، يقال: لا إله إلا الله. فإذا قالها سكت عنه، حتى يختم له بها.(14/136)
92 - حكم قراءة أحد أقرباء الميت شيئا من القرآن على قبره بعد الدفن
س: بعد الفراغ من دفن الميت يقوم أحد أقربائه بقراءة شيء من القرآن على قبره، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: هذا لا أصل له، الدعاء فقط، القرآن ليس بمشروع، ولا يقرأ عند القبور، لكن إذا فرغ يقف عليه ويقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته بالقول الثابت ... ونحو ذلك، هو والحاضرون، كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (2) » هكذا يقول صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بهذا بعد الدفن، أما قراءة القرآن فلا يقرأ عليه القرآن لعدم الدليل.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (353) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/136)
س: بالنسبة لقراءة القرآن عند الدفن ما حكمه؟ (1)
ج: بدعة ليس لها أصل، لا يقرأ عند الدفن القرآن، القرآن محله
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (372) .(14/136)
المساجد والبيوت، ليس محله القبور، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (2) » دل على أن القبور ليست محل صلاة ولا قراءة القرآن، والصلاة محلها البيوت والمساجد.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (780) .(14/137)
93 - حكم دفن ورقة فيها الاستغفار مع الميت
س: أحد الإخوة المستمعين بعث برسالة وضمنها جمعا من الأسئلة، وهو من الأردن، يقول: هل يجوز دفن ورقة مكتوبا عليها استغفار في قبر الميت؟ وهل ينفع ذلك الميت؟ (1)
ج: هذا لا أصل له ولا يجوز، ولا يدفن معه شيء إلا كفنه، فلا يدفن معه مصحف، ولا أوراق فيها كتابة، ولا سيف ولا خنجر ولا غير ذلك.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (348) .(14/137)
94 - حكم الدعاء للميت بعد دفنه من شخص وتأمين الباقين
س: عندما يدفن الميت يقوم أحد الأشخاص بالوقوف أمام القبر،(14/137)
ويدعو بصوت مرتفع، وباقي المشيعين يؤمنون على دعائه، هل هذا جائز، أم هو من المبتدعات؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا حرج في ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل (2) » فالسنة أن يسألوا كلهم، كل واحد يقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته عند السؤال، اللهم ثبته على الحق. وإذا قاله واحد وأمن الباقون فالحمد لله، لا حرج في ذلك، ولكن الأفضل أن كل واحد يدعو مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «استغفروا لأخيكم (3) » كل واحد يقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته على الحق، فهذا من حق المسلم على أخيه، ويكفي والحمد لله، فإن قام واحد وقال: اللهم اغفر له، اللهم ثبته على الحق. فقالوا: آمين، حصل المطلوب إن شاء الله، لكن كل واحد يدعو بنفسه يمتثل للأمر، هذا هو الأفضل.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (344) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/138)
95 - حكم الدعاء الجماعي عند القبر
س: ما حكم الدعاء الجماعي عند القبر؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (372) .(14/138)
ج: الدعاء الجماعي عند القبر ليس له أصل، يتعمد يقول: أنا أدعو وأنتم تؤمنون، هذا ليس له أصل، لا نعلم له أصلا عند السلف الصالح، ولا عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لو دعا إنسان وأمنوا على دعائه من غير قصد، سمعوه يدعو فقالوا: آمين. ليس فيه شيء، لو دعا إنسان بعدما دفنوا الميت: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ثبته بالقول الثابت، فقال بعض الحاضرين: آمين. ما يضر، أما كونهم يتفقون أن هذا يدعو وهم يؤمنون هذا لا أصل له، لا ينبغي ذلك، لأن الدعاء الجماعي إذا كان مقصودا فلا أصل له، لم ينقل لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فقد تركوه، وهذا الذي ينبغي، أما إذا دعا إنسان، سمعوه يدعو وأمنوا من غير قصد، من غير تجمع، من غير قصد لهذا الشيء، إنما كانوا يدعون للميت بعدما دفنوه فأمنوا على الدعاء، سمعوا واحدا يدعوا فقالوا: آمين آمين، أو دعاء هذا وقال الآخر: آمين، من غير قصد أو تواطؤ.(14/139)
س: وماذا عن الدعاء بعد دفن الميت جماعة؟ (1)
ج: كل واحد يدعو بنفسه، كل واحد يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ثبته بالقول الثابت. هكذا لا يحتاج يجتمعون على قول واحد، لكن لو دعا واحد وأمنوا من غير قصد، سمعوه يدعو فقالوا:
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (372)(14/139)
آمين من غير قصد فلا حرج.(14/140)
96 - حكم رفع الأيدي أثناء الدعاء للميت عند القبور
س: يسأل عن رفع اليدين وقراءة الفاتحة للمتوفى مع أهل المتوفى، هل ذلكم جائز؟ وهل يجوز الجهر بالدعاء؟ جزاكم الله خيرا.
ج: عند القبر إذا دفنوه لا بأس، إذا رفعوا الأيدي بالدعاء عند الدفن بعد الدفن، يسألون له الثبات والمغفرة لا بأس. تقول عائشة رضي الله عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور القبور ويدعو ويرفع يديه.(14/140)
97 - حكم الوعظ في المقبرة
س: هل من السنة الوعظ في المقبرة لجمع المشيعين؟ (1)
ج: إذا تيسر ذلك فهو حسن، إذا تيسر وعظهم، وتيسر من يصغي له ويستفيد فهو مستحب، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وعظ الناس في المقبرة، لما أتوا إلى قبر ولما يلحد، وجلس مع أصحابه ذكرهم عليه الصلاة والسلام، وبين لهم حال العبد إذا وضع في قبره، وسألوه عن القدر، قالوا: هل نعمل في أمر مضى، أو في أمر مستأنف؟ فقال: في أمر مضى. فقالوا: يا رسول الله كيف العمل ونحن قد فرغ من
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (100) .(14/140)
أمرنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة - ثم تلا قوله سبحانه: (7) » المقصود أنه صلى الله عليه وسلم ذكرهم، وتلا عليهم بعض الأحاديث عليه الصلاة والسلام، فإذا تيسر تذكير الحاضرين ووعظهم فلا بأس بذلك، وهو حسن إن شاء الله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب (فسنيسره للعسرى) ، برقم (4949) ، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم (2647) ، واللفظ لمسلم، والآيات في سورة الليل (5 - 10) .
(2) سورة الليل الآية 5 (1) {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
(3) سورة الليل الآية 6 (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
(4) سورة الليل الآية 7 (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
(5) سورة الليل الآية 8 (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}
(6) سورة الليل الآية 9 (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
(7) سورة الليل الآية 10 (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}(14/141)
98 - مسألة في حكم تلقين الميت بعد دفنه
س: من سلطنة عمان بعث السائل رسالة ضمنها ثماني قضايا، في إحداها يقول: نعيش ظاهرة غريبة بعد دفن الميت، وهي ظاهرة تلقين الميت بعد أن يدفن، حيث يقوم الخطيب أو الإمام بقراءة بعض من آيات الذكر الحكيم، ثم يتلوها بوصية للميت، ومن بين الكلام الذي يخطب به للميت يقول: يا عبد الله، لا تنس العهد الذي بيننا وبينك الذي كنت عليه: إن دينك الإسلام، ونبيك محمد(14/141)
صلى الله عليه وسلم، ولا تجزع من الملكين، فهما عباد الله ... ، إلى آخر مثل ذلك القول. والسؤال: هل ذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته؟ أرجو من سماحتكم توضيح ذلك، مع ذكر الدليل من السنة إن ورد شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. جزاكم الله خيرا (1)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالتلقين للميت بعد الدفن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، وإنما ورد فيه حديث موضوع رواه الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي، وهو ليس بثابت وليس بصحيح، بل هو موضوع، ويروى عن جماعة من أهل الشام غير ذلك، والصواب أنه بدعة لا يشرع، والميت على ما مات عليه، وإنما التلقين قبل خروج الروح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله (2) » وللمحتضر أن يقلن قبل أن يموت هذه الكلمة العظيمة، وهي: لا إله إلا الله، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة (3) » فإذا قالها عن صدق وعن
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (305) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، برقم (917) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في التلقين، برقم (3116) .(14/142)
إخلاص وإيمان بما دلت عليه من توحيد الله، والإخلاص له والبراءة من الشرك وأهله، فإن الله جل وعلا يجعل أولئك من أسباب نجاته وسعادته إذا لم يكن مصرا على شيء من الكبائر، وإلا فهو تحت مشيئة الله، فمن مات على المعاصي فهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد تطهير النار يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات على التوحيد، عند أهل السنة والجماعة، هذا هو الحق، خلافا للمعتزلة ومن سار على نهجهم، وخلافا للخوارج فإنهم يقولون: إن العاصي مخلد في النار، والخوارج تكفره بذلك، والذي عليه أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان. يرون: أن من مات على التوحيد وعنده معاص لا يدخل النار، ولا يخلد في النار إن دخل النار، بل هو تحت مشيئة الله، إن شاء الله جل وعلا غفر له وعفا عنه بتوحيده وإيمانه وأعماله الصالحة، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها من الكبائر، كالزنى أو السرقة أو عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم أو أكل الربا، أو نحو ذلك من الكبائر، لقول الله عز وجل في كتابه العظيم في آيتين من سورة النساء، يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، فأخبر سبحانه أنه لا يغفر لمن مات على الشرك، وأنه يغفر
__________
(1) سورة النساء الآية 48(14/143)
ما دون ذلك من غير الشرك لمن يشاء، فدل ذلك على أنه ليس بكافر، فالعاصي الذي مات على شيء من الكبائر ليس بكافر إذا مات موحدا مؤمنا فإذا مات على ما كان من الزنى، أو عقوق الوالدين أو أحدهما، أو أكل الربا، ولم يكف ولم يستحل ذلك فهو تحت مشيئة الله، وهكذا صاحب الغيبة والنميمة، وما أشبه ذلك من المعاصي فهو تحت مشيئة الله عند أهل الحق، عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم في الآية الكريمة، ولأنه ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشفع يوم القيامة فيمن دخل النار من أهل التوحيد، فيحد الله له حدا يخرجه من النار، ثم يشفع ثم يشفع ثم يشفع، كلما شفع حد الله له حدا فأخرجه من النار، وهكذا يشفع النبيون والملائكة والمؤمنون والأفراط، ويبقى بقية من أهل التوحيد في النار، يخرجهم الله سبحانه من النار بفضله ورحمته جل وعلا بعدما يرى تعذيبهم فيها المدة التي يراها الله سبحانه وتعالى، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
أما التلقين بعد الدفن فهو بدعة، كأن يقف عند القبر ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا، فهذا لا أصل له في الشرع، وإنما هو قول لبعض العلماء، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.(14/144)
س: أود لو تعطوني فكرة عن التلقينة، هل هي صحيحة، أم بدعة، تلقينة الميت عند نزوله في القبر؟ ج: التلقين اختلف فيه العلماء، وهو أن يقال له: يا فلان، اذكر ما خرجت به من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ... ، إلى آخره، وجاء في بعض الأحاديث لكنها غير صحيحة، جاء في بعض الآثار عن بعض أهل الشام، والصواب أن التلقين بدعة، لا يقال له: يا فلان، اذكر ما خرجت به من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما، هذا ليس له أصل يعتمد عليه، فالذي ينبغي تركه هذا هو المعتمد لعدم الدليل، ولكن يستحب إذا فرغ الناس من دفن الميت، يستحب الوقوف عليه والدعاء له بالمغفرة والثبات، هذا المشروع إذا فرغ الناس من دفن الميت يوقف عليه ويدعى له بالمغفرة والثبات، هكذا جاءت السنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الدفن وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (1) » هذا هو السنة، وهذا هو الواجب العمل به.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/145)
س: يعتقد البعض أن الميت يلقن الحجة، وهي أن يقال له بعد ذهاب الناس بعد الدفن، ينادى باسمه منسوبا إلى أمه عند سؤال الملكين:(14/145)
قل كذا وكذا، هل هذا وارد في السنة؟ (1)
ج: هذا ورد فيه أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، وورد عن بعض السلف لكنه قول ضعيف غير صحيح بل بدعة، ولا يشرع أن يلقن، يروى عن جماعة من أهل الشام من العلماء، لكنه قول ضعيف، وهذه المسائل لا تقال بالرأي ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقن أو أمر بالتلقين، بل الأحاديث فيه موضوعة غير صحيحة، والمشروع ألا يلقن بل إذا فرغ الناس من دفنه دعوا له بالثبات والمغفرة فقط، كما كان النبي يفعل صلى الله عليه وسلم، كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (2) » وما كان يلقنه بالقول: اذكر ما خرجت به من الدنيا أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينان وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما. ما كان يفعل هذا عليه الصلاة والسلام، المقصود أنه ما كان يلقن الميت، وما كان أصحابه يلقنونه، وإنما كان يدعو له إذا فرغ من دفنه قال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (3) » هكذا السنة، يقول: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (223) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/146)
له، اللهم ثبته بالقول الثابت، اللهم ثبته على الحق، هذا هو المشروع.(14/147)
99 - حكم اعتقاد أن قراءة القرآن للميت يصل ثوابها له
س: السائلة: أم. أ. ع. مقيمة في الدمام، تقول: هل الأموات يشعرون بما يقدم لهم من قراءة الفاتحة، أو قراءة القرآن؟ (1)
ج: لا يشرع أن يقرأ للأموات قراءة القرآن ولا الفاتحة ولا غيرها، ولكن يدعى لهم، الأموات يدعى لهم، يتصدق عنهم، يحج عنهم، يعتمر عنهم لا بأس، أما قراءة القرآن لهم فليس له أصل، القارئ يقرأ القرآن يطلب الأجر من الله لنفسه، ويدعو لأمواته، أبويه أو غيرهم بالمغفرة والرحمة، الدعاء مطلوب، أما القراءة للأموات فلا أصل لها وليس بمشروع، والدعاء ينفع الأموات، والصدقة تنفعهم، الصدقة عنهم.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (393) .(14/147)
100 - حكم اعتقاد أن الميت يعلم من يجهزه إلى قبره
س: السائل: ع. أ. من مكة المكرمة، يقول: هل الميت إذا مات يعلم من يغسله ويكفنه ويدخله إلى القبر؟ (1)
ج: لا أعلم دليلا على ذلك، الميت انقطع علمه من الدنيا كلها، قال الله
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (393) .(14/147)
جل وعلا فيهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (1) ، وقال: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} (2) ، الميت قد انقطع عمله، ولا يسمع دعاء الناس، ولكن ينفعه الدعاء إذا دعوا له وترحموا عليه، ولهذا شرع بعد الدفن أن يقال: اللهم اغفر له، اللهم ثبته عند السؤال، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت، ينفعه الدعاء، ويستثنى من هذا أهل بدر، فإنهم لما ماتوا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قذفوا في قليب بدر: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " فقال له عمر: تكلم قوما قد جيفوا؟ قال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا (3) » هذا يستثنى يدل على أن أهل بدر قد سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله أسمعهم تقريعه لهم، وتوبيخه لهم، وهذا شيء خاص، أما بقية الأموات فليس هناك دليل أنهم يسمعون، ولكن ينتفعون بالدعاء، وينتفعون بالصدقة عنهم.
__________
(1) سورة فاطر الآية 22
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، برقم (3976) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم (2874) ، واللفظ لمسلم.(14/148)
101 - مسألة في علم الميت بأحوال أهله
س: هل الميت بعد دخوله القبر، وصعود روحه إلى خالقها يحس بأهله في الدنيا وما فعلوه من بعده؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل، إذا مات انقطع علمه بأهل الدنيا، يقول جل وعلا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (2) ، قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (3) ، فالمقصود أن الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. ولا يعلم أحوال الناس، ولا أحوال أهله ولا غيرهم.
س: السائل: ب. ع. من جمهورية مصر العربية، يقول: هل الميت بعد دخوله القبر، وصعود روحه إلى خالقها، هل يشعر بأهله في الدنيا، وما فعلوا من بعده؟ (4)
ج: ما يشعر، الميت انقطع عمله، الله جل وعلا يقول: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (5) ، {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (6) ، ويقول النبي صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (418) .
(2) سورة النمل الآية 80
(3) سورة فاطر الآية 22
(4) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (419) .
(5) سورة فاطر الآية 22
(6) سورة النمل الآية 80(14/149)
وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » فالميت ما يشعر بأحوال أهله، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/150)
102 - بيان في اجتماع الميت بمن سبقه من الموتى وسؤالهم عن أهليهم
س: إذا مات المسلم وأدخل في القبر فهل ترد عليه روحه؟ وهل يأتيه إخوانه الموتى، ويسألونه عن أحوال أهليهم وذويهم؟ أفيدونا بالتفصيل نفع الله بعلمكم. (1)
ج: إذا وضع الميت في قبره ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه ترد عليه روحه، ويأتيه ملكان يسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه، هذا ثابت، أما اجتماعه بأهله فلا أصل له في الأحاديث الصحيحة، إنما الثابت أنه ترد عليه روحه حتى يسأل، وهي حياة برزخية ليست من جنس حياة أهل الدنيا، بل هي حياة خاصة، يعقل ويفهم ما يسأل عنه، فيثبت الله أهل الإيمان، ويضل الله الظالمين.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (357) .(14/150)
103 - بيان أن الروح تغادر جسد الإنسان عند الموت وتعاد إذا وضع في قبره للسؤال
س: هل صحيح أن روح الميت تظلله حتى يدخل إلى قبره، فتدخل معه؟ وهل صحيح أن الميت يحس بالذين يغسلونه، والذين يمشون في جنازته؟ (1)
ج: لا أعلم لهذا أصلا، روح المؤمن إذا قبر ترفع إلى السماء إلى الله، ثم يؤمر بإرجاعها إلى جسدها، حتى يسأل في القبر، من ربه؟ ما دينه؟ من نبيه؟ والكافر إذا ارتفعت روحه غلقت عنها أبواب السماء، فهذا يدل على أن الروح تغادر جسد الإنسان عند الموت، لا تظلل عليه، بل تغادر، لكن روح المؤمن ترفع إلى السماء فوق السماء السابعة، ويقول الله جل وعلا: ارجعي من حيث جئت، يردها إلى جسدها حتى يسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، والكافر تغلق عنه أبواب السماء، وتطرح طرحا نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (412) .(14/151)
104 - مسألة في علم الأموات بزيارة الأحياء
س: هل يعلم الأموات بزيارة الأحياء؟ وأين مقر الأرواح؟ (1)
ج: ليس في هذا ما يدل على علمهم من الأدلة الشرعية، لكن سنة أن
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (409) .(14/151)
يزوروهم، يزوروا القبور ويدعوا لهم، ويسلموا عليهم، لكن ورد في بعض الأحاديث: «ما من رجل يسلم على رجل كان يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام (1) » رواه ابن عبد البر وقواه، ولكن في سنده نظر، والمهم أن يسلم عليهم ويدعو لهم سواء عرفوه، أو ما عرفوه والحمد لله، ليس هناك أحاديث فيما نعلم صحيحة ثابتة تدل على أنهم يعلمون الزائر، ولكن السنة أن تزور القبور وتسلم على أهلها إذا كانوا مسلمين وتدعو لهم، وسواء عرفوك أو لم يعرفوك المهم الزيارة والدعاء لهم، والفضل والأجر الذي يحصل لك، أما الكافر لا يزار قبره للدعاء، لكن يزار للعظة، إذا زار قبر قريب له كافر لا يسلم، يزورهم ويمر عليهم من باب العظة، كما زار النبي قبر أمه، واستأذن ربه أن يدعو لها فلم يأذن له، فإذا زار قبر من مات في الجاهلية أو على كفر لا يدعو له، لا بأس أن يزور للتذكر، ولكن لا يدعو له ولا يسلم.
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار ج: 1 ص 185 بلفظ: ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام.(14/152)
105 - حكم اعتقاد أن الميت يسمع ما يقول مشيعوه
س: سمعت من بعض العلماء بأن الميت إذا أتي به إلى القبر ليدفن فإنه(14/152)
يسمع كل ما يقول الناس الذين أتوا لدفنه، فهل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: أمور البرزخ وأمور الموت هي الأمور العظيمة الغيبية، التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وما يقوله الناس في هذا الباب لا يعتمد عليه، وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنه ليسمع قرع نعالهم (2) » يعني بعد انصرافهم وبعد الدفن، هذا هو المحفوظ، أما سماع ما يقول الناس وما يتحدثون به فلم يرد فيه شيء فيما نعلم، ولا يجوز الجزم بذلك إلا بدليل، فهو عليه الصلاة والسلام ذكر أنه يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه، فلا يجوز لمؤمن ولا لغيره أن يجزم بشيء عن الأموات إلا بدليل.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (27) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، برقم (1338) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم (2870) .(14/153)
106 - حكم التقاء الأرواح بعد الموت وتعارفهم
س: هل تلتقي الأرواح بعد الموت حتى وإن بعثت، أو بعدت المسافات بين الأجساد، بوجود أحدهما في مدينة، والآخر في مدينة أخرى؟ فقد علمنا كما يقول صاحب السؤال أن أصحاب المقبرة يستقبلون الميت الطيب، فهل يقتصر الاستقبال على المقبرة التي سوف يدفن(14/153)
فيها أم لا؟ وقد علم ذلك أيضا، قد علم ذلك الاستقبال من الرؤى لعدة أشخاص؟ (1)
ج: أما من حيث الأدلة الشرعية فلا أعلم في باب ذلك شيئا من الآيات والأحاديث مما يدل على تلاقي الأرواح، وأنها تتعارف وتتلاقى وتتساءل.
أما المرائي فكثيرة، المرائي رؤيا المؤمنين، فإن المرائي كثيرة في تلاقي الأرواح واستبشارهم بروح المؤمن، إذا كان المؤمنون يستبشرون بروح المؤمن، والكفار كذلك، يسوؤهم ما يحصل لهم من أرواح أخرى يذهب بهم إلى النار، هذه المرائي كثيرة في تلاقي الأرواح، كذلك مراء تدل على أن الميت قد يبين لأهله شيئا لم يذكره لهم، وقد يقولون: عليه دين لفلان. ثم يسأل ويصدق، قد يقول: تجدون في المحل الفلاني كذا، ويجدونه، وقد يأتي بأشياء في المرائي يصدقها الواقع، هذا واقع في المرائي، وقد حدث بهذا كثير من الناس الثقات بأنه رأى أباه، أو رأى أخاه، أو رأى فلانا، فقال: أعطوا فلانا عني كذا وكذا، أعطوا فلانا عنى كذا وكذا، لأنه يطلبني كذا وكذا، فيسألون الشخص، فيقول: نعم، إني أطلبه كذا وكذا، هذا وقع في مراء كثيرة، وليس هذا ببعيد، فهذا ممكن.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (310) .(14/154)
س: السائل من اليمن ومقيم في جدة، يقول: أفتوني هل الموتى الذين أرواحهم في البرزخ، هل يلتقي بعضهم ببعض؟ وهل يتعارفون؟ (1)
ج: هذا لم يرد فيه شيء واضح يجزم به، لكن هناك وقائع قد تتلاقى الأرواح، ولكن ليس هناك شيء نعلمه من الأحاديث الصحيحة يدل على هذا، قد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «وأرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل (3) » هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما تلاقيها في الدنيا، تلاقيها روح الميت مع النائم لا أعلم فيه شيئا صحيحا، ولكن ذكر ابن القيم وغيره أن هذا واقع، وأنه قد تتلاقى الأرواح، والناس يقولون أشياء كثيرة من هذا من التلاقي الدال على أنه موجود، والله جل وعلا على كل شيء قدير، سبحانه وتعالى، فإن أمر الروح أمر غريب أمر خاص، فبالإمكان أنها في الجنة، وأنها تتلاقى مع
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (372) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، برقم (2073) ، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم (4271) ، واللفظ لابن ماجه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، برقم (1887) .(14/155)
أرواح أخرى، قد تحدث لنا كثير من الناس عن وقائع وحوادث تدل على التلاقي، من ذلك أن إنسانا حدثني أن أباه كان عليه دين لفلان، فرأى في النوم شخصا آخر يقول له: إن لي على أبيك كذا وكذا، ولفلان كذا وكذا، ولفلان كذا وكذا، فسألهم الولد، قالوا: نعم، كله صحيح، المقصود أن يقع أشياء لا يتهمون فيها تدل على شيء من التلاقي، والله أعلم سبحانه وتعالى.(14/156)
107 - مسألة في رؤية الميت أهله في الدنيا
س: تسأل الأخت وتقول: هل الميت يرى أهله في الدنيا؟ ومتى يراهم؟ ومتى يحجب عنهم؟ (1)
ج: لم يثبت في هذا شيء يدل على أنه يراهم، إنما ذكر بعض أهل العلم أن الأرواح في النوم قد تلتقي بأرواح الأموات، وهذا قد يقع في بعض الأحيان ما يدل عليه، فإن الروح عند الله عز وجل، روح المؤمن في الجنة، وروح الكافر تعذب، لكن قد ترسل هذه الروح إلى البدن للسلام على من يسلم على القبور والرد عليه، هذه الروح قد تلتقي مع روح النائم في النوم، وتتحدث معها في شيء كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم، وقد يموت الإنسان وعنده دين لأحد، فتتفق روحه مع روح بعض النوام، ويخبرهم بأن عليه لفلان كذا، ولفلان
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (280) .(14/156)
كذا، فيسأل من ذكر له ذلك، فيصدق ذلك، وقد يخبره بأشياء له أنها في المحل الفلاني والمحل الفلاني، برؤيا المنام التي التقت فيها روح الميت وروح النائم، هذه الأشياء تدل على أنها قد تلتقي الأرواح، روح الميت بأرواح النوام من أقاربه أو غيرهم، لكن ليس في الأحاديث الصحيحة فيما نعلم ما يدل على أن هذه الأرواح تتلاقى، وإنما هو من الواقع والتجارب الواقعة بين الناس، ولا أذكر شيئا في وقتي هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، لا يحضرني فيه شيء في هذا الوقت، ولكن ابن القيم رحمه الله في كتاب (الروح) ذكر أشياء كثيرة في هذا المعنى، وسرد أشياء كثيرة، فمن أحب أن يراجعه فليراجعه ففيه فائدة كبيرة.(14/157)
108 - مسألة في سماع الميت كلام من يزوره
س: هل يعرف الميت أخبارنا؟ وكيف ذلك إذا كان يعرفها؟ وهل يسمعنا إذا ذهبنا إلى مكان القبر وكلمناه؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، أما كونه يسمع أخبارهم على الإطلاق فلا، يقول الله جل وعلا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (3) .
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (369) .
(2) سورة النمل الآية 80
(3) سورة فاطر الآية 22(14/157)
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » ومن ذلك السمع منقطع إلا ما جاء به النص، يعني هو استثني، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم (2) » هذا جاء به النص، كونه يسمع في قبره الملك إذا سأله: من ربك؟ ما دينك؟ هذا جاء به النص، أما كونه يسمع أخبارهم في بيوتهم لا، لا دليل على ذلك، لا يسمع ولا يعلم أخبارهم، ولا يسمعها، أما من جاء يسلم عليه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، وفيه أخبار جاءت فيها ضعف، أنه إذا سلم عليه من يعرفه رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. هذا قول له قوة، منه هذا الحديث الصحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام (3) » هذا قول قوي، إذا سلم عليه من يعرفه في الدنيا، كونه ترد عليه روحه حتى يرد السلام قول قوي، ولكن الأحاديث في صحتها نظر، فيها ضعف: فيقال: يمكن هذا، والله أعلم. يمكن إن صحت الأخبار، لأن الأخبار فيها ضعف.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، برقم (1338) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم (2870) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم (2041) .(14/158)
109 - بيان الأسباب المنجية من عذاب القبر
س: ما الأسباب المنجية من عذاب القبر، والتي تجادل عن صاحبها؟ هل المريض بالسرطان في بطنه يعتبر شهيدا، لأن المبطون شهيد، ويموت بذلك؟ أفيدونا مأجورين (1)
ج: أسباب السلامة في القبر طاعة الله ورسوله، بالاستقامة على دين الله، والحذر من المعاصي، هذه أسباب السلامة في القبر.
والمريض بالسرطان أو غيره على خير يرجى له خير عظيم، المرض كفارة للسيئات، فإذا أصاب الإنسان مرض فهو كفارة، ما أصاب العبد مرض أو هم أو غم حتى الشوكة يكفر الله بها من خطاياه، وأسباب الشهادة كثيرة، المطعون الذي يصاب بالطاعون، المبطون الذي يصاب بمرض البطن، والمجذوم، وكذلك صاحب الهدم والغرق والشهيد في سبيل الله، كل هذه أنواع من الشهادة، وكل إنسان يصيبه مرض هو كفارة لخطاياه حتى الشوكة.
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (372) .(14/159)
110 - حكم قول دفن في مثواه الأخير
س: السائلة: أم. س. ع. تسأل وتقول: نسمع في كثير من الأحيان هذه الألفاظ، هل يجوز أن يقولها المسلم؟ وهي: بحق السماء، ترعاك(14/159)
عين السماء، فال الله ولا فالك، ودفن في مثواه الأخير (1)
ج: هذه كلمات ما تصلح، في حق السماء، وترعاك عين السماء، ما يصلح: يرعاك الله، يصرح يقول: يرعاك الله، رعاك الله، وفقك الله، أو يقول: بالله، أو بصفات الله، ليس بحق السماء، اسألوا الله بصفاته العليا، اسألوا الله بعلمه وما أشبه ذلك، أسألك بالله أن تفعل هكذا.
أما قول: فال الله ولا فالك. فهذه كلمة عامية، تركها أحسن، يعني: قل الخير، تكلم بالخير، لا تتكلم بالشيء الذي ليس بزين.
ومثواه الأخير بالنسبة إلى الدنيا، آخر ما له في الدنيا القبر، ولكن ما هو بالأخير كلية، سوف يبعث ويجازى، يسمونه الأخير، لأنه آخر ما له من الدنيا، من مجالس الدنيا ومساكن الدنيا، هو مسكنه الأخير ثم يبعث.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (398) .(14/160)
111 - بيان إمكانية سماع الأنين والصياح في القبور
س: يوجد رجل منزله قريب من المقبرة، وهذا الرجل يقول: إنه في آخر الليل يسمع أنينا يأتي من المقابر، هل ثبت مثل هذا في التاريخ؟ (1)
ج: نعم، نقل جمع من العلماء أنه يقع هذا، يسمع عذاب بعض المعذبين، نسأل الله العافية، والنبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (227) .(14/160)
فسمع عذابهما، وأخبر الناس بذلك عليه الصلاة والسلام، وقال: «أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول (1) » نسأل الله العافية، وحدثني بعض الناس من نحو أربعين سنة أنه زار عمة له في المقبرة، فسمع صياحا في قبرها، وقد مضى عليها مدة طويلة من الموت، وقد أخبره الناس بذلك فذهب ليتحقق الحقيقة، فسمع ما سمع الناس، نسأل الله العافية، وقد ذكر ابن رجب في أهوال القبور جملة من هذه الأشياء ووقائع، لا حول ولا قوة إلا بالله، يري الله عباده العبر حين يطلع بعض الناس على هذه الأشياء من باب التذكير، ومن باب التحذير ليعتبروا ويتذكروا، نسأل الله السلامة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .(14/161)
112 - مسألة في رؤية عذاب أهل القبور
س: نسمع من بعض الناس أن هناك أمورا حصلت بعد دفن الموتى، مثل خروج نار من القبر، أو ثعبان ونحو ذلك، فهل ما يقال سبق له ذكر، وورد في بعض الكتب أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه مر على قبرين، وقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير "، ثم قال: " بلى، أما أحدهما
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (308) .(14/161)
فكان لا يستتر من البول (1) » وفي اللفظ الآخر: «لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (2) » فعذاب القبر حق، والإنسان يعذب في قبره، وبعض العصاة يعذب في قبره إلا من عفا الله عنه، ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبي القبرين، وأنهما يعذبان: أحدهما بعدم تنزهه من البول، وأنه لا يبالي بالنجاسة، والثاني لمشيه بالنميمة، نعوذ بالله، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في كتابه (أهوال القبور) أشياء من هذا النوع من التعذيب الذي يقع لأهل القبور، بسبب معاصيهم، فإن بعض الناس قد تدعوه الحاجة إلى نبشه، إما لكونهم نسوا مسحاة عنده أو عتلة أو غيره، هذا مما تحفر به القبور، فقد ينبشونه ثم يجدونه يعذب، نسأل الله العافية، وقد يجدونه يشتعل قبره عليه نارا، وبعضهم يجدون في رقبته نارا، وبعضهم يجدون نفس المسحاة قد جعلت في رقبته تشتعل نارا ... إلى غير هذا كما ذكر ابن رجب رحمه الله، المقصود أن الله قد يطلع بني آدم على بعض العذاب للذي يكون في القبور، وقد أخبرني إنسان لا أذكره الآن من نحو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة: أنه بلغه أن عمته تعذب في قبرها، وأنه أخبره أناس عندهم وقفوا على قبرها وسمعوا العذاب، قال لي: إني ذهبت إليها في يوم من الأيام
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول برقم (218) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، برقم (1981) .(14/162)
لأعرف الحقيقة، فجئت إلى القبر، فسمعت فيه صياحا مما يدل على العذاب، وهذا ليس ببعيد، فإن الله يطلع بعض عباده على ما يشاء للعظة والذكرى والترهيب، كما يطلعهم سبحانه على بعض النعيم لبعض أهل القبور، فقد يدفن الإنسان، ثم يظهر من قبره ريح المسك، كما ذكر ذلك بعض السلف، وأخبرني ثقة من إخواننا من نحو ثلاثين سنة أو حولها أنهم كانوا في بيداء من الأرض مسافرين، فمات معهم شخص، فنزلوا ليدفنوه فحفروا في أرض ليس فيها أثر في أثناء سفرهم، فوجدوا قبرا فيه إنسان يفوح قبره مسكا طيبا عظيما، ووجدوه على حاله لم يتغير في قبره، فدفنوه وساووا قبره عليه، وحفروا لميتهم في مكان آخر ودفنوه، فهذه من آيات الله سبحانه، قد يطلع بعض عباده على نعيم قوم وعلى عذاب آخرين، للذكرى والعظة.(14/163)
113 - حكم ما يقال في فضل الموت يوم الجمعة
س: هل من يموت يوم الجمعة يجار من عذاب القبر؟ وهل الجزاء ينطبق على يوم الوفاة، أم على يوم الدفن؟ أفتونا مأجورين (1)
ج: الأحاديث في هذا ضعيفة، الأحاديث في موت يوم الجمعة، وأن من مات يوم الجمعة دخل الجنة ووقي النار كلها ضعيفة غير صحيحة، من
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (367) .(14/163)
مات على الخير والاستقامة دخل الجنة في يوم الجمعة وغير يوم الجمعة، من مات على دين الله على توحيد الله والإخلاص له فهو من أهل الجنة في أي مكان مات، وفي أي زمان، وفي أي يوم، إذا استقام على دين الله فهو من أهل الجنة والسعادة، وإن مات على الشرك بالله فهو من أهل النار في أي يوم، وفي أي مكان، نسأل الله العافية، وإن مات على المعاصي فهو على خطر تحت مشيئة الله، لكنه في الجنة إذا كان موحدا مسلما منتهاه الجنة، لكن قد يعذب بعض العذاب عن المعاصي التي مات عليها غير تائب، لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، فبين سبحانه أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه، وأما ما دونه من المعاصي فهو تحت المشيئة، إذا مات وهو زان لم يتب، مات بشرب الخمر لم يتب، مات عاقا لوالديه، مات يأكل الربا فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له لأعماله الطيبة وتقواه، وإن شاء عذبه على قدر هذه المعاصي، ثم بعد هذا يخرج من النار بعد التطهير، يخرج من النار إلى الجنة.
__________
(1) سورة النساء الآية 48(14/164)
س: هل صحيح أن الذي يموت في يوم الجمعة، أو في يوم الإثنين، أو في شهر رمضان، أو في اليوم التاسع من ذي الحجة، أن الله يدخله الجنة، ويمحو الله جميع خطاياه؟ جزاكم الله خيرا، وأرجو أن(14/164)
تصححوا مفاهيم الناس حول هذا، أفادكم الله (1)
ج: ليس بصحيح، ولا أصل لهذا، ورد في الجمعة أحاديث لكنها ضعيفة غير صحيحة، من مات فيها غفر له، لكنها غير صحيحة لكن يرجى لمن مات على أثر عبادة في أثر الصيام، أثر صيام عرفة، أثر الحج، يرجى له الخير في هذا، إذا ختم له بوقت العبادة، وفي أثناء العبادة يرجى له الخير، والسلف يرجون الخير لمن مات في العبادة، أو على أثر العبادة، عند انصرافه من الحج، عند إفطاره من رمضان، عند صومه عرفة، وما أشبه ذلك إن شاء الله يرجى له الخير لهذا العمل الذي مات على إثره، يرجى له به الخير، يتفاءل به عليه.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (279) .(14/165)
س: إذا توفي مسلم في يوم الجمعة، أو في شهر رمضان هل ينجو من عذاب القبر؟ (1)
ج: ليس هناك دليل، أحاديث في الجمعة كلها غير صحيحة، لكن يرجى إذا مات على أثر صوم وأثر عبادة يرجى له الخير، وأما إذا مات في رمضان، أو مات في الجمعة فهل ينجو من العذاب؟ لا يوجد دليل على ذلك، لأن هذا إلى الله سبحانه وتعالى، إن مات على استقامة فله الجنة والكرامة، وإن مات على معاص فهو على خطر، ويدعى له بالمغفرة.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (334) .(14/165)
114 - مسألة في سؤال الميت وعذابه إذا لم يقبر
س: يتبادر إلى أذهان كثير من الناس أن الميت إذا مات، ولم يدفن في القبر فإنه ينجو من عذاب القبر، فبماذا تنصحون من يفكر هذا التفكير؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الميت يسأل سواء كان في قبره، أو في أي مكان، في الصحراء أو في البحار، أو في بطون السباع، هو مسؤول، والمسؤولية للروح، والروح سالمة، فهو يسأل ويعذب إن كان شقيا، أو ينعم إن كان تقيا، تنعم روحه في الجنة، أو تعذب في النار، وللجسد نصيبه الذي بقي منه عظام أو جلد، ما بقي من الجسد له نصيبه من النعيم أو العذاب على الكيفية التي يعلمها الله سبحانه وتعالى، ولكن المعظم على الروح في البرزخ، ويوم القيامة يجتمع العذاب على البدن والروح، وهكذا النعيم، إما في الجنة لأهل الإيمان والتقوى، وإما في النار كأهل الكفر بالله، فالحاصل أن النعيم والعذاب للروح والجسد جميعا، لكن في البرزخ معظمه على الروح، والجسد يناله نصيبه وإن كان في البحار، وإن كان في بطن السباع، وإن كان في أي مكان، فالروح لها نصيبها من النعيم أو العذاب مطلقا، لكن في البرزخ الروح لها الحظ الأوفر من النعيم أو العذاب، ويوم القيامة يتوفر النعيم لأهل الإيمان للروح والجسد جميعا، ولأهل
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (221) .(14/166)
الشقاء يتوفر العذاب للروح والجسد جميعا، نسأل الله العافية، وهكذا العاصي له نصيبه إن دخل النار، فالعذاب للروح والجسد، وإن أنجاه الله فالنعيم للروح والجسد، وهكذا بعد الخروج من النار، فإن العصاة كثير منهم يدخلون النار بمعاصيهم ويطهرون، فإذا طهروا من سيئاتهم بالعذاب أخرجهم الله إلى الجنة، فهم يعذبون روحا وجسدا، وينعمون روحا وجسدا، ولا يخلد في النار إلا الكفرة، لا يخلد في النار الخلود النهائي الذي لا نهاية له إلا الكفرة، قد يخلد العاصي، كالزاني والقاتل قد يخلد خلودا له نهاية خلودا طويلا، يعني مدة طويلة، لكن له نهاية، كما قال الله سبحانه في القاتل والزاني: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (1) ، وقال في القاتل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} (2) الآية، هذا خلود له نهاية، ليس مثل خلود الكفار، أما خلود الكفار - نعوذ بالله - فإنه لا ينتهي، كما قال الله تعالى في حقهم: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (3) ، وقال في حقهم سبحانه: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (4) ، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة الفرقان الآية 69
(2) سورة النساء الآية 93
(3) سورة البقرة الآية 167
(4) سورة فاطر الآية 36(14/167)
115 - بيان مصير الأولاد الذين ماتوا قبل سن التكليف
س: هل الأولاد والبنات الذين يموتون قبل سن التكليف، هل يتزوجون في الآخرة؟ وما مصيرهم؟ (1)
ج: نعم، إذا ماتوا قبل التكليف هم من أولاد المسلمين من أهل الجنة بإجماع المسلمين، الخلاف في أولاد المشركين، أما أولاد المسلمين فهم في الجنة، والجنة ليس فيها عزب، كل أهل الجنة يتزوجون، لهم فيها ما يشتهون، ولهم فيها ما يطلبون، ولهم أزواج من الحور العين ومن نساء الدنيا، كل رجال الجنة لهم أزواج.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (372) .(14/168)
116 - حكم إزالة القبور القديمة لبناء مساكن عليها
س: نزلت بموقع وبنيت لي مسكنا فيه، وكان بالقرب من المنزل قبور قديمة منذ مائة وخمسين سنة كما يقال، وبمرور الأيام وتزايد عدد الأسرة، وكان حتما علينا توسيع المسكن، وحيث إن التوسعة يحال دونها مثل تلك القبور، أرجو إفادتي، هل يجيز لي الشرع إزالة هذه المقابر ودفنها في جهة أخرى، أم ماذا؟ أرجو إفادتي لأني حائر بين أمرين، ضيق المنزل، وعظم حرمة الموتى لدي،(14/168)
جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس لك التعرض للقبور، بل يجب عليك أن تجتنبها وتحترمها، وتحذر التعدي عليها، لأنها سابقة لك، فهي أحق بمكانها، وأهلها أولى بمكانهم، إلا إذا كانت القبور قليلة، قبرين أو ثلاثة فبالإمكان أن تكتب لنا، حتى نكتب للمحكمة هناك، تعطينا الخبر الحقيقي عن ذلك، أما إن كان هناك قبور كثيرة فاجتنبها ولا تعارضها بشيء، لأنها سابقة، وهي أولى بمكانها، أما قبران أو ثلاثة شاذة عن القبور فاكتب لنا عنها، وننظر في الأمر إن شاء الله بواسطة المحكمة لديكم.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (217) .(14/169)
117 - بيان وجوب احترام المقابر
س: لقد شقت طرق إلى بلادنا في أعالي الجبال، ومن عادة أجدادنا أنهم جعلوا المقابر إلى جوار القرى، واليوم جعل بعض الناس هذه المقابر مواقف للسيارات، ودكت القبور بالجرارات، حتى لم يبق شيء يدل على أن هذه مقبرة، وجهونا ووجهوا الناس، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب احترام قبور المسلمين، ولا يجوز دهسها بالسيارات ولا
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (150) .(14/169)
امتهانها بالمرور عليها، أو وضع القمامات عليها، أو نحو ذلك، فالواجب أن يمنع هؤلاء، وعلى الدولة وعلى المسؤولين أن يلاحظوا ذلك، وأن يمنعوا الناس من الاستهانة بالموتى، والإيذاء للموتى، وفي الإمكان أن تسور المقبرة بسور يمنع من هذا. فالواجب على من يقع عنده شيء من ذلك أن يرفع الأمر إلى المسؤولين في البلد، كالأمير والحاكم والقاضي، حتى يقوموا بما يلزم إن شاء الله، فعليك أيها السائل، وعلى إخوانك أيضا أن يرفعوا الأمر، إذا وجدوا شيئا في بعض المقابر أن يرفعوا الأمر إلى من في البلد من المسؤولين، حتى يمنعوا من هذا الشيء الذي يضر الموتى ويمتهنهم ويؤذيهم، نسأل الله للجميع الهداية.(14/170)
س: أرفع إليكم مشكلتي، وهو أنني قمت بالتوسيع في بناء بيتي، وفي أثناء حفر الأساس في الجهة الرابعة للمنزل، وبعد تأسيس الجهات الأخرى وجدت قبورا، وعند ذلك ذهبت إلى من عندنا من كبار السن، وسألتهم عن ذلك المكان، هل كانوا يعرفون أن يوجد فيها قبور؟ فقالوا: لا نعرف ذلك المكان، إلا أن فيه سكنا قديما وزريبة للمواشي، وعندما علمت بذلك الخبر قمت بأخذ ما فيه من تراب وعظام، وقمت بقبرها في مقبرة، علما بأن هذا المكان الذي وجدت فيه القبور كان موضعا لوقوف السيارات، ولا يوجد فيه علامة للقبور، ويبعد عن بيتي ما يقارب اثنين كيلو(14/170)
متر، فهل علي إثم في نقل القبور؟ وإذا كان علي إثم ماذا أفعل حيث إنني قد تكلفت في نقل طلبات البناء، وخسرت ما يقارب عشرين ألفا؟ أفتوني مأجورين. (1)
ج: عليك أن تكتب إلينا، وتوضح محل القبور والمحكمة التي يتبعها محلك، حتى نكتب للمحكمة، وننظر في الأمر إن شاء الله، أو تتصل على المحكمة، والمحكمة تكتب إلينا في ذلك، حتى ينظر في الأمر على بصيرة.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (369) .(14/171)
118 - حكم بناء المسجد في مكان المقبرة القديمة
س: أنا مواطن من تونس، أسكن في قرية من القرى، توجد بها مقبرة مهجورة استعملها أجدادنا سابقا، وهي الآن غير مستعملة لوجود مقبرة أخرى بنفس القرية، وقد اجتمع أهل البر والإحسان وتبرعوا بمشروع بناء مسجد لكنهم لم يجدوا له مكانا إلا تلك المقبرة، لكن هناك من اعترض، وقال: لا يجوز بناء المسجد في المقبرة، أرجو أن توجهونا كيف نتصرف؟ جزاكم الله خيرا، وهل لنا أن نبني المسجد مكان تلك المقبرة القديمة؟ (1)
ج: ليس لكم ذلك، المقبرة تبقى على حالها محترمة، لا يدفن فيها أحد،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (219) .(14/171)
ولا تمتهن بالوطء والمشي عليها، ولا بإلقاء القمامة عليها، وإذا تيسر تسويرها بشبك أو بناء يحميها عن الامتهان كان هذا أولى، أما المسجد فلا يبنى فيها، يبنى في غيرها ولو بشراء أرض، يشتريها أهل الحي ويبنون عليها المسجد، أما البناء في المقبرة فلا يجوز.(14/172)
119 - حكم اتخاذ شارع عبر مقبرة يدفن فيها
س: يوجد عندنا مقبرة عمرها حوالي مائتي سنة، وحتى الآن يدفن في هذه المقبرة من الجهة الثانية البعيدة، ولكن فيها شارعا يمر من طرفها، من وسط المقبرة أيضا فهل يجوز ذلك؟ وإذا كان لا يجوز فهل يمكن نقل العظام وبقايا القبور إلى مكان خارج المنطقة؟ (1)
ج: الواجب منع الشارع وعدم مروره على القبور، القبور محترمة، وقبور المسلمين محترمة، فلا يحوز أن تمتهن لا بالسيارات ولا بالمشاة، بل يجب احترامها، وأن يمنع الطريق بوضع سور يمنع الطريق حتى يصرف إلى جهة أخرى غير المقبرة، أما لو دعت الضرورة إلى ذلك، ولا يمكن صرفه، وصارت الضرورة واضحة أنه يستفتى العلماء في ذلك، علماء الشرع في البلد، فإذا أفتوا بنقل الرفاة إلى مكان آخر فلا بأس، ولا يجوز للدولة ولا الإمارة أن تقدم على غير بصيرة، بل لا بد أن تستفتي
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (223) .(14/172)
وتنظر، لعله يوجد مساغ للطريق غير المقبرة، فإذا ضاقت الدنيا، ولم يوجد مساغ، وتحققت الضرورة واستفتي العلماء في ذلك، العالم المعروف الشرعي، المعروف بعلمه وفضله ودينه فلا بأس أن يفتح الطريق للضرورة، وتنقل الرفات من محل الطريق إلى مواضع أخرى من المقبرة، ويجعل كل رفات قبر في حفرة على حدته، ويسوى ظاهر الحفرة كظاهر القبور حتى لا تمتهن للضرورة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك عند الضرورة.
س: في قريتنا مقبرة تقع على طريق الناس، فما هي نصيحتكم؟ (1)
ج: الواجب تسويرها، حتى لا يطأها الناس، وحتى لا يمتهنوها، تسور ويجعل لها باب للحاجة، حتى لا يطأها الناس ولا يمتهنوها، وفي الإمكان الاتصال بالمحكمة حتى تقوم باللازم.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (215) .(14/173)
120 - حكم رعي المواشي في المقبرة
س: هل يجوز لرعاة الأغنام أن يتركوا مواشيهم ترعى بين المقابر وتدوسها؟ وهل عليهم إثم في ذلك، علما بأنها ترعى على المقابر عمدا منهم، وهم يرونها بأعينهم؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (272) .(14/173)
ج: ليس لهم ذلك، بل يجب كف الغنم وغيرها من المواشي عن المقابر، وإذا كان هناك علف حشيش في المقابر يحشونه ويعطونه غنمهم، هم يحشونه من دون إيذاء الأموات، يحشونه بالطريقة السليمة التي ليس فيها إهانة للموتى، ولا يطؤون على قبورهم، أما ترك المواشي في المقابر فهذا لا يجوز، لأن هذا فيه امتهان للقبور وعدم المبالاة بها.(14/174)
س: توجد لدينا مقابر، ولا يوجد عليها أحواش، وتوجد بداخلها أشجار منوعة، وتدخل الدواب في المقبرة، وبعض الناس يقضون حاجتهم من خلف القبور، فما الحكم في ذلك؟ (1)
ج: المقابر التي يساء إليها بمشي الناس فوقها أو الدواب، أو يلقى عليها بعض الزبل، أو يتخلى بينها ينبغي أن تحوش، ينبغي أن تسور، يتعاون أهل البلد في تسويرها بجدار يمنع الدواب، ويمنع الضرر من الناس من المرور عليها، وإذا عجز أهل البلد يكتبون لوزارة الشؤون البلدية والقروية، وهي إن شاء الله لا تقصر في هذا، بأن تساعد في تسوير المقابر، حتى لا تمتهن.
ولا يجوز للمسلم أن يبول بين القبور، أو يتخلى بين القبور، هذا لا يجوز له، ولا يجوز أيضا المشي فوقها وإهانتها كل هذا لا يجوز، وإذا كانت هناك أشجار قد تسبب في دخول البهائم في المقبرة وإيذاء
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (22) .(14/174)
المقبورين فينبغي أن تقطع وتزال هذه الأشجار المؤذية التي تسبب امتهان القبور وإيذاء الموتى، فتقطع هذه الأشجار حتى لا يبقى سبب لدخول هذه البهائم التي قد تحفر القبور وتسبب امتهانها.(14/175)
121 - حكم قضاء الحاجة في المقبرة
س: في أحد الأيام ذهبت إلى قرية الحناكية أنا وأحد أصدقائي، لقضاء بعض اللازم، ولما وصلنا الحناكية دخل صديقي على منزل أحد أقربائه، وبقيت أنا خارج المنزل لأنتظره، وأثناء ذلك ذهبت إلى أرض فضاء قريبة من المنزل المذكور لقضاء الحاجة، ولما جلست لقضاء الحاجة صاح بي أحد الأطفال بأن هذا المكان موضع مقابر، ولا يجوز قضاء الحاجة في المقابر، علما بأنه لا توجد آثار واضحة المعالم تدل على أنها مقابر، ولم أعلم عنها قبل ذلك، أفيدوني هل علي إثم في ذلك، أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: القبور لا يقضى فيها الحاجة، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها (2) » فلا يجلس عليها للحاجة ولا لغير الحاجة بل تحترم، المسلم يحترم حيا وميتا، فلا يجوز لأحد أن يقضي الحاجة على القبور، لا في البول ولا في الغائط، وليس له أن يطأ
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (9) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، برقم (972) .(14/175)
القبر أو يجلس عليه، بل يجب التحرز من ذلك، لكن الذي قضى حاجته في أرض، ما علم أنها مقبرة ليس عليه إثم، ما دام ما علم ولا دري أنها مقبرة لا إثم عليه حتى يعلم أنها مقبرة.(14/176)
122 - حكم التنعل أثناء المشي بين المقابر
س: ما قولكم في الأحاديث الواردة والناهية عن لبس النعلين حين دخول القبور أو المقبرة؟ (1)
ج: جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: أنه رأى رجلا يمشي في نعليه بين القبور، فأمره بخلعها قال: «يا صاحب السبتيتين، ألقهما (2) » احتج العلماء بأنه يكره المجيء إلى المقبرة بالنعال إلا عند الحاجة، إذا كان في المقبرة شوك، أو الشمس حارة في وقت الشمس فلا بأس، أما من غير حاجة فيكره ذلك المشي عليها، كما يكره الجلوس على القبر، أو الوطء عليه أو توسده، كل هذا ما يجوز: لا يطأ القبر، ولا يجلس عليه، ولا يتوسده، لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، ولا يجصص القبر، ولا يبنى عليه قبة ولا مسجد، كله منكر، لأن الرسول
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (354) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث بشير بن الخصاصية السدوسي رضي الله عنه، برقم (21446) ، والسبتية: منسوب إلى السبت، وهو كل جلد مدبوغ، ويصنع منه النعال. لسان العرب: س. ب. ت.(14/176)
نهى عن امتهان القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، عليه الصلاة والسلام، وعن اتخاذها مساجد، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وما ذاك إلا لأنها من أسباب الشرك، البناء عليها واتخاذ المساجد والقباب من أسباب الشرك كما وقع في بني إسرائيل وغيرهم، وهكذا وقع الآن في المسلمين في بلاد المسلمين لما بني على القبور المساجد دعيت من دون الله، كما جرى عند قبر الحسين، والبدوي وغيرهما، فالواجب الحذر من هذا، وألا يبنى على القبور لا مساجد ولا غيرها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .(14/177)
123 - حكم إزالة ما في القبور ونبشها للاستفادة من الأرض
س: هل يجوز إزالة ما في القبور وقد طال عليها الزمن، حتى يستفاد من أرضها؟ (1)
ج: الواجب بقاء المقبرة على حالها، ولا يتعرض لها فتبقى الأموات فيها على حالهم، ولا يتعرض لها بزرع ولا غيره، لكن إن دعت الحاجة إلى أن يقبر فيها مع الأموات السابقين عند الحاجة والضرورة، وإلا فالواجب إيجاد أراض أخرى، كلما امتلأت أرض توجد أرض أخرى
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (351) .(14/177)
للدفن تكون مقبرة.(14/178)
س: هل يجوز نبش القبور بعد مضي عام، ودفنها في مكان آخر، للاستفادة من تلك القبور، طالما أنها داخل البلد مثلا؟ (1)
ج: إذا كان هناك حاجة ضيق ما هناك أرض فلا بأس، وإلا تبق القبور على حالها، ويقبر الجديدون في أرض أخرى، كل ميت يبقى على حاله وأن يحدث مقابر أخرى جديدة للباقين، وهكذا، إلا عند الضرورة القصوى، فلا بأس أن يجمع الاثنان والثلاثة في قبر واحد، أو ينبشون ويجعلون في محل خاص في حفرة خاصة، لكن بقاءهم على حالهم هو الواجب إلا عند الضرورة.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (354) .(14/178)
س: ما حكم الشرع في نظركم يا سماحة الشيخ في نقل عظام الميت من مكان إلى مكان آخر، بغرض بناء القبر من الطوب اللبن إلى الطوب الأحمر؟ (1)
ج: لا يشرع هذا، إذا دفن الميت على الوجهة الشرعية فالحمد لله، لا حاجة إلى نبشه، ولا حاجة إلى تغيير اللبن من نوع إلى نوع، أما إذا كان دفن في محل غير مناسب على الطريق، أو محل تأتي فيه السيول، أو ما أشبه ينقل من المحل إلى المقبرة العامة، إلى محل بعيد عن الخطر،
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (373) .(14/178)
على العادة التي يدفن عليها الناس، يوضع في لحده ويوضع عليه اللبن، ثم يهال عليه التراب كغيره من الموتى، أما أنه ينبش من أجل تغيير اللبن أو تغيير كذا فهذا لا أصل له، بل يترك على حال دفنه ما دام قد دفن على الطريقة الشرعية.(14/179)
124 - حكم نقل الميت من قبره إلى قبر آخر
س: توفي والدي وأنا لا أزال صغيرا، فدفن في مقبرة لعمي، وبعد مضي عدة سنوات حصل بيني وبين عمي نزاع، فقال لي: أخرج والدك من مقبرتي، وهددني بسوء إن لم أفعل، فلم أجد حلا إلا أن أجبت طلبه، ونقلت جثمان والدي إلى مقبرة تخصني، فهل علي إثم في ذلك؟ وهل المقابر ملك للأحياء يتصرفون فيها كيف شاؤوا، أم أنها ملك لساكنيها؟ أفيدونا بارك الله فيكم. (1)
ج: نقله لهذه الحاجة لا بأس، نقل أبيك من مقبرة إلى مقبرة دفعا للشر والفتنة لا بأس عليك، ولا حرج في ذلك والحمد لله، أما المقابر فتختلف: إذا كان الذي سبلها أرادها لقوم معينين فليس لغيرهم أن يدفنوا فيها إلا بإذنه إذا كان عينها لقرابته، أو لجيرانه، أو لقبيلة معينة فليس لغيرهم الدفن فيها إلا بإذنه، أما إذا كان أرادها للمسلمين عموما: له
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (50) .(14/179)
ولجاره وللمسلمين، إذا كان ما أراد جماعة معينة فلا مانع أن يدفن فيها غير من أراد من قرابته، إذا كان ما أرادها لأحد معين، إنما سبلها للمسلمين فلا مانع من القبر فيها، والدفن فيها لكل أحد، وما دام هددك وشدد عليك حتى تخرج أباك فلا بأس عليك، واتقاء الفتنة مطلوب ودفع الشر، ومطلوب نقله في مثل هذه الحال، ولا حرج فيه إن شاء الله، لما في هذا من دفع الحرج، ودفع الفتنة والشر.
أما الذي أمره فلا يجوز له هذا العمل، ما دام أذن في دفنه في أرضه ومقبرته ليس له بعد هذا أن يتراجع، بل هو آثم في هذا الأمر ومخطئ.(14/180)
س: كنت أعمل عند رجل في مزرعة، وقيل له: إن في هذه المزرعة قبرين، فأمرني بنبشهما وإزاحة العظام إلى مكان أخر هل أكون آثما والحال ما ذكر؟ (1)
ج: إذا كان القبران ليس حولهما مقبرة فلا بأس أن ينبشا، وينقل رفاتهما إلى المقبرة العامة في حفرتين، كل قبر في حفرة، وتسوى حتى تكون مثل القبور الأخرى، حتى لا تمتهن، لأن وجودهما في المزرعة قد يفضي إلى امتهانهما والوطء عليهما، فينبغي نقلهما في هذه الحالة، أما إذا كانا ضمن المقبرة الموجودة فالواجب على صاحب المزرعة أن يبتعد عن المزرعة كلها، ولا يحفر شيئا منها، ولا يمتهنها لأنها سابقة له، فهي
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (216) .(14/180)
أولى بمكانها، وعليه أن يلتمس مكانا آخر ليس فيه قبور.(14/181)
125 - حكم تحديد أربعين عاما لإزالة المقابر
س: سمعنا أن المقابر تزال بعد مرور أربعين عاما على آخر دفين فيها، فهل هذا صحيح؟ لأننا نرى أن العظام قد درست، لا فرق بين جثة وجثة، أفيدونا أفادكم الله. (1)
ج: ليس لهذا أصل، ولكن ذكر جمع من العلماء أن المقبرة إذا كانت طالت بها المدة، وفنيت العظام، وصار الميت ترابا جاز أن يدفن فيه غيره، وأما ما دام له بقايا من عظام ورفات فإن الذي ينبغي، بل الواجب ألا يدفن معه غيره إلا عند الضرورة لضيق الأرض وكثرة الموتى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، لما كثر الموتى ودفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، أما عند السعة فالواجب أن يكون كل واحد في قبر، وألا يدفن عليه أحد حتى يبلى بالكلية، ولا يبقى له أثر، لا عظم ولا غيره. أما هذا الحديث الذي ذكرته (أربعين) فلا أصل له.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (193) .(14/181)
126 - حكم نقل الميت من القبر إذا أوصى بذلك
س: الأخ: ش. م. ع. يقول: أنا مواطن عربي، ولي سؤال يحيرني دائما: أنا مسافر منذ سنتين إلى بلد عربي، وقبل سفري قالت لي أمي: إذا(14/181)
مت وأنت موجود في بلدنا أرجو منك أن تدفنني بعيدا عن أهلك، وشاءت الأقدار أنها توفيت وأنا في السفر، فهل يصح عند عودتي من السفر أن أنقلها إلى مكان آخر؟ (1)
ج: لا، بل ما دامت دفنت في محل بين المسلمين فلا تنقلها، ولو كنت حاضرا لم تلزمك هذه الوصية، بل تدفنها في المحل المناسب ولو كان بخلاف وصيتها؛ لأن الوصية التي تخالف شرع الله لا يلزم تنفيذها، فلو كنت حاضرا شرع لك دفنها في المحل المناسب بين المسلمين، وإذا كنت غائبا وقد دفنت في محل بين المسلمين فلا تنقلها، أما إذا كانت دفنت في محل بين الكفار، أو في محل غير لائق في طريق الناس قد يطؤها الناس، أو في محل عليه خطر من السيل يجرفه فلا بأس أن تنقلها إلى المحل المناسب بين المسلمين من باب الإحسان، وأما قولك: شاءت الأقدار، فإن الأقدار لا تشاء، وإنما المشيئة لله رب العالمين. وفق الله الجميع.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (176) .(14/182)
127 - حكم فتح القبر بعد الدفن للتأكد من الميت
س: إنني لا أعرف والدي ولا والدتي، حيث توفيا في سن مبكرة، ولم يربني إلا خالتي أخت أمي إلى أن أصبحنا في سن الاعتماد على(14/182)
الله، ثم على النفس، وحيث كنا ثلاثة إخوة توفي أخي الأكبر، وعندما توفي كان ذلك في الماضي حيث الجهل والخرافات، قال الناس لخالتي: إن موت أخي كان غير طبيعي، وإنه قد خطفه الجن، ودارت الشكوك على خالتي، وبعد ثلاثة أيام من العزاء ذهبنا، ففتحنا القبر وتأكدنا، وإذا بالمتوفى داخل القبر، ثم أعدناه كما كان، هل في تصرفنا هذا شيء؟ وجهونا، وإذا كان علينا من كفارة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب على المؤمن الحذر من وسواس الشيطان، ومن طاعة دعاة الشيطان، فالمسلم متى دفن لم يفدهم أن ينظر ماذا أصابه؟ أو ماذا حل به؟ بل يدعى له بالمغفرة والرحمة، إذا كان مسلما، ولا حاجة إلى أن يفتش القبر لدعوى أنه خطفته الجن، أو لدعوى أن كذا، أو لدعوى أنه كذا، كل هذا لا ينبغي؛ لأنه قد يفتش القبر فترى أشياء تحزن من كشف القبر، قد يرى أنه يعذب، فلا ينبغي أن يراجع القبر إلا لحاجة لا بد منها، مثل لو نسي الدافنون حاجة مهمة، مثل آلة الحفر، أو ما أشبه هذا لا بأس أن ينبشوا حتى يأخذوا حاجتهم، أما لأجل وساوس الشيطان أو دعاوى الجهلة فلا، بل يدعى له بالمغفرة والرحمة، ولا يعاد نبشه لأجل ادعاء، من أجل قول فلان أنه أخذته الجن، أو بنشوف أنه معذب أو
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (364) .(14/183)
منعم، فكل هذا لا يصح، لا يجوز.
ليس عليهم كفارة، عليهم الاستغفار والتوبة، والحمد لله، وليس عليهم من كفارة.(14/184)
128 - حكم دفن الميت مع تركيبة أسنان الذهب
س: ما هو حكم الإسلام إذا كان للإنسان أسنان من الذهب عند الموت؟ هل يجب أن يدفن هذا الميت دون أن تنزع الأسنان منه، أم أن الإسلام يحكم بنزعها؟ وفقكم الله (1)
ج: المشروع نزعها؛ لأنها مال، فلا ينبغي أن يضاع، الرسول كره إضاعة المال، وسبب إضاعة المال، فينبغي أن تنزع إن تيسر ذلك، أما إذا لم يتيسر فلا حرج، وإذا أرادوا أن ينزعوها بعد الموت بأيام فلا بأس.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (39) .(14/184)
129 - حكم إزالة الأشجار المؤذية في المقبرة
س: هل يجوز قطع الأشجار المؤذية من المقابر؟ (1)
ج: ينبغي هذا، لعلها تؤذي الزوار، فينبغي قطعها، إذا وجد شجر على المقابر، ولا سيما ذات الشوك ينبغي إزالتها، وهكذا إذا كانت قد ظن منها صاحبها ولي عند بعض العامة، أو صاحبها يدعى من دون الله،
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (83) .(14/184)
ينبغي أن تزال حتى لا يظن في صاحب القبر خلاف الحق، فإذا كان وجود أشجار قد تسبب شرا فإنها تزال ولو كانت نابتة من جهة المطر، وكذا إذا كان فيها شوك يؤذي زوار المقابر تزال، وهكذا من غرسها بعض الناس، قد يغرس جريدة عليها، تزال، لأن الصواب أنه لا يغرس عليها جريد ولا غيره، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما غرس الجريدتين على قبرين عرفهما، وأنهما معذبان، ولم يغرس على قبور المدينة والبقيع، ولا أصحابه شيئا.(14/185)
130 - مسألة في اعتقاد فضل الميت إذا نبتت على قبره الأشجار
س: بعض العامة إذا رأى شجرة نبتت على قبر ما يصف صاحب القبر بأنه له من الصفات ما هو كذا وكذا، هل لنبات الأشجار على القبور شيء من العلاقة؟ (1)
ج: لا أصل لهذا، وليس للنبات شيء معين، لأن النبات عند نزول الأمطار قد يكون التراب الذي على القبر ترابا مناسبا تراب حرث، فتنبت فيه الأشجار والعشب، ولا يدل على صلاح ولا فساد، بل هذا من أسباب طبيعة الأرض التي جعل الله فيها ما جعل، من أصول النبات، وجذور النبات، فإذا كانت الأرض فيها بذور نبتت بإذن الله، وإن كانت
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (83) .(14/185)
خالية لم ينبت عليها شيء، الحاصل أنه ينبت على قبر الطيب وعلى قبر الخبيث، ليس دليلا على أنه طيب، بل هذا من ظنون العامة، أو أهل العقائد والطرق الأخرى المنحرفة.(14/186)
131 - حكم استخدام حصى المقبرة في مصلحة الأحياء
س: إنني حفرت بئرا، ونشرب منها نحن والجيران، وبنيته من حصى المقبرة، وعمري كان خمس عشرة سنة، هل علي في هذه الحال ذنب؟ أم كيف أعمل؟ جزاكم الله خيرا، والبئر لا زال موجودا في سوريا (1)
ج: إذا كان الحجر معدا للمقبرة لأنهم يردمون بها اللحد فلا بأس، إذا كان معدا للمقبرة يشتري بدلا منه بدل الذي جعله للبئر، ويحطه للمقبرة إذا كان الحجر هذا مملوكا للمقبرة مسبلا للمقبرة، وأخذ منه للبئر، والبئر ما هي لمصلحة المقبرة، أما إن كان لمصلحة المقبرة، بأن يغسلوا منها الموتى، ويستفيدوا منها في تغسيل الموتى هذا من عمل مصلحة المقابر لا بأس، أما إذا كانت البئر لا تعلق لها بالموتى ولا بالمقبرة، وإنما لأبناء السبيل مثلا فهذا الحجر الذي أخذه من أحجار المقبرة يلزمه أن يبدله، يعني يشتري بدله الذي حطه في البئر، يشتري بدلا منه، ويحطه مع أحجار المقبرة لحاجة المقبرة.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (10) .(14/186)
132 - حكم عودة الناس إلى بيت الميت بعد دفنه وقراءة القرآن فيه
س: الأخ \ ح. ع. من أوجلة في ليبيا يسأل ويقول: بعد دفن أي ميت في بلدتنا ورجوع أهل الميت إلى المنزل يصحبهم الكثير من أهالي البلدة فيجتمع القراء في بيت المتوفى، ويقرؤون القرآن بطريقة تقسيم القرآن إلى أجزاء ويتلونه معا في ساعة واحدة، كل يقرأ جزءا أو اثنين، ثم يتناولون طعام الصدقة الذي تم إعداده، وهو عبارة عن عدة رؤوس من الأغنام تم ذبحها قبل دفن الميت، يتم هذا في اليوم الأول والثاني والثالث، فهل يصل ثواب القراءة والصدقة على هذا النحو للميت؟ مع العلم أن الذين حضروا وأكلوا من طعام الصدقة ليسوا من المحتاجين، أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء (1)
ج: هذا العمل لا أعلم له أصلا في الشرع، وهو من البدع التي أحدثها الناس، فليس من عادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عادة أصحابه الرجوع إلى بيت المتوفى، أو غيره بعد الدفن ليجتمعوا على الطعام، وعلى قراءة القرآن، ليس هذا من سنة المسلمين فيما نعلم، أما لو كان ذلك من غير قاعدة ومن غير اتباع معين، بل صدفة بأن دعاهم بعدما رجعوا من الدفن، دعاهم بعض إخوانهم، وقدم لهم طعاما، أو قرأ أحدهم بعض
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (135) .(14/187)
القراءة من غير أن تكون عادة مستمرة، ولا سنة قائمة، بل عارض لعارض هذا لا يضر، رجعوا دعوا إخوانهم، تفضلوا عندي، وأطعمهم ما تيسر، أو قرأ أحدهم بعض القراءة لأنفسهم هذا لا بأس به، أما أن يتخذوا هذا عادة بعدما يرجعون إلى محل الميت أو إلى محل فلان أو فلان قاعدة؟ ليقرؤوا القرآن ويثوبوه، ويأكلوا مما أعد قبل الموت هذا لا أصل له، بل هو من البدع، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة (3) » وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (4) » رواه مسلم في الصحيح. زاد النسائي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم (2676) ، وابن ماجه كتاب المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل، برقم (46) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(14/188)
بإسناد جيد: «وكل ضلالة في النار (1) » فنصيحتي لإخواني هؤلاء ألا يفعلوا هذا، وإذا فرغوا من دفن الميت كل يذهب إلى أهله وإلى رحله، ويدعو لميتهم، أما قراءة القرآن للميت فليس لها أصل، وإن قال في ذلك جمع من أهل العلم، وقالوا: لا بأس، لكن ليس له أصل معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، وقد قال الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (3) وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعلم ما يدل على ذلك، لأن الرد إليهما واجب، فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من هدي أصحابه، ثم فيه تكليف لمن يبذل هذه الأموال سواء كان أهل الميت أو غيرهم. وشرع لم يأذن به الله، والله يقول سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (4) فالواجب ترك هذه العادة والاشتغال بما ينفع من الدعاء للميت في الطريق وفي البيت، الدعاء له والترحم عليه، وإذا أحب أحد بأن يتصدق عنه من غير إلزام
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب صلاة العيدين، باب كيف الخطبة، برقم (1578) .
(2) سورة النساء الآية 59
(3) سورة الشورى الآية 10
(4) سورة الشورى الآية 21(14/189)
لأحد فلا بأس، الصدقة تنفع الميت، أو يتصدق عنه أهله، الصدقة تنفع الميت بأن يعطوا الفقراء صدقة أو ملابس، أو نقودا أو طعاما كل هذا طيب، من فعله عن الميت فهو مأجور إذا كان الميت مسلما، كذلك بعث الطعام إلى أهل الميت، إذا صنع لهم جيرانهم أو أقاربهم طعاما وبعثوه إلى أهل الميت، لأنهم مشغولون بالمصيبة، فهذا مشروع لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما أتى خبر موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الشام في مؤتة أمر أهله أن يصنعوا لهم طعاما، يصنعوا لأهله طعاما، قال: «اصنعوا لأهل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » فأمر ببعث الطعام إلى آل جعفر رضي الله عنه، لأن المصيبة قد شغلتهم عن صنع الطعام لأنفسهم، هذا لا بأس به، بل هو مشروع، أما أهل الميت فلا، أهل الميت لا يقدمون الطعام للناس، ولا يصنعونه للناس، ولا يكلفون بذلك، لا من مال الميت ولا من غير مال الميت، لكن لو نزل عليهم ضيف فأطعموه من طعامهم، أو أطعموا مما يناسبه، لأنه ضيف لا من أجل الميت، لا من أجل اتخاذ العادة بل من أجل الضيف فلا بأس.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/190)
133 - حكم الاحتفال والتصدق عن الميت عدة أيام بعد دفنه
س: من العادات الموجودة عندنا في أرتيريا إذا مات إنسان بالغ سواء(14/190)
كان رجلا أو امرأة يذبح عليه، ويحتفلون ثلاثة أيام، وكذلك يقرؤون القرآن الكريم، ويقولون: يلحق هذا صدقة، ويعتبر صدقة للميت، ويقولون: لا نعمل غير مذهبنا سواء كان صدقا أو غير صدق. فما هو توجيهكم للناس؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا لا يجوز، هذا من البدع ومن عمل الجاهلية، لا يصح كونه يذبح بعد الموت فيدعو الناس يومين أو ثلاثة أو عشرة، كل هذا لا أصل له، إنما المشروع الدعاء له، والترحم عليه، والاستغفار له، وإذا صنع جيرانه أو أقاربه طعاما وأرسلوه إلى أهل الميت لا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، لما قتل في مؤتة وجاء خبره، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته أن يصنعوا طعاما لآل جعفر، قال: «إنه أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا صنع الجيران طعاما لهم، أو الأقارب لا بأس، أما هم فلا يصنعون الطعام ولا يقيمون الوليمة، ولا يدعون الناس، ولا يحزنون ثلاثة أيام أو سبعة، فكل هذا لا أصل له، هذا من البدع، نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (317) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/191)
134 - حكم ذبح الذبيحة للميت قبل دفنه
س: الأخ: ع. ع. ر. ع. يسأل عن قراءة القرآن على الميت، هل هي(14/191)
حلال؟ وهل الذبيحة التي يذبحها أهل الميت قبل طلوعه إلى الدفن يلحقه منها شيء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا أصل للقراءة على الموتى، ولا تشرع القراءة على الموتى، ولكن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة بعد الموت، وفي جميع الأحوال الموتى يدعى لهم بالمغفرة، إذا كانوا مسلمين يدعى لهم بالمغفرة والرحمة عند الموت وقبل الموت وبعد الموت، دائما يدعى لهم بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، ومضاعفة الحسنات وتكفير السيئات والعفو عن الزلات، يدعى لهم، أما قراءة القرآن على الموتى أو على القبور فهذا لا أصل له في أصح قولي العلماء، بل هو من البدع التي لا أصل لها، كذلك الذبيحة عن الميت يوم الموت، أو اليوم الرابع أو يوم الأربعين، أو يوم السابع، واعتقاد أن هذا مشروع لا أصل لهذا، أما إذا ذبح في أي وقت وتصدق على الفقراء أو تصدق بالدراهم أو بالطعام في أي وقت من غير قصد، ولا تعيين يوم معين، ولا في يوم الموت ولا في غيره، بل حسب التيسير هذا لا بأس به، الصدقة عن الموتى مطلوبة، فيها خير كثير، أما أن يكون عن قصد وأن الذبيحة يوم الموت أو في يوم الرابع، أو السابع، أو العاشر، أو على رأس السنة بأن هذا مشروع فلا، ليس لهذا أصل ولكن يتصدق متى شاء بالمال من الطعام، بالنقود بالملابس، بالذبيحة
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (176) .(14/192)
يذبحها ويقسمها على الفقراء، أو نحو ذلك كل هذا لا بأس به.(14/193)
135 - ذكر أقوال العلماء في قراءة القرآن على الأموات
س: هل تصل قراءة القرآن إلى روح الأموات؟ إذا كان الجواب بنعم، فالمعروف بأن الشافعي رحمه الله ينكر هذا، وقال مالك رحمه الله: ما علمنا أحدا فعل ذلك، ومذهب أحمد أيضا، لا قراءة على القبر هذا ما قرأته في كتاب رياض الصالحين، أرجو إعطائي الجواب الشافي، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمة الله عليهم، فمنهم من رأى أن القراءة للأموات تنفعهم وتلحقهم، وقاسوا ذلك على الصدقة عنهم، والدعاء لهم، وآخرون من أهل العلم كالشافعي - رحمه الله - وجماعة من أهل العلم قالوا: لا، لا تلحقهم، لأنها ليس عليها دليل، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك، والعبادات ليست محل قياس، العبادات توقيفية فلا يحلق الأموات إلا ما جاء به الشرع كالصدقة عنهم، والدعاء لهم، الحج عنهم، وقضاء الدين عنهم، والعمرة عنهم، هذا هو الذي جاءت به النصوص، أما القراءة عنهم أو الصلاة عنهم فهذا لم يرد، وهذا هو الصواب، الصواب
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (163) .(14/193)
والأرجح من قولي العلماء أنه لا يلحق الأموات إلا ما دل عليه الشرع، فالقراءة لهم والصلاة عنهم ليس عليهما دليل، والصوم عنهم تطوعا كذلك لا يلحقهم هذا، وهو الصواب، وهذا هو المعتمد، أما الصوم عنهم إذا كان أداء واجب قضاء عنهم، دينا واجبا، صوم رمضان، مات ولم يصم بغير عذر، يعني أفطر عن مرض مثلا أو سفر ثم لم يقض تساهل ولم يقض هذا يصام عنه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » كذلك الديون تقضى عنهم، هكذا الحج عنهم والعمرة وهكذا الدعاء لهم والاستغفار لهم كله يلحقهم وكله ينفعهم، أما القراءة لهم وصوم التطوع لهم فليس عليه دليل، والقول بأن ذلك لا يلحقهم هو الأرجح، وهو الأقرب والأظهر بالدليل، والله ولي التوفيق.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/194)
136 - نصيحة وتوجيه حول قراءة القرآن على الأموات
س: أرجو من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن ينبه المسلمين إلى حكم قراءة القرآن على الأموات، هل هو جائز أم لا، وما حكم الأحاديث الواردة في ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (83) .(14/194)
ج: القراءة على الأموات ليس لها أصل يعتمد عليه، ولا تشرع، وإنما المشروع القراءة بين الأحياء ليستفيدوا ويتدبروا كتاب الله ويتعقلوه، أما القراءة على الميت عند قبره، أو بعد وفاته قبل أن يقبر، أو القراءة في مكان بعيد حتى تهدى له فهذا لا نعلم له أصلا، قد صنف العلماء في ذلك وكتبوا في هذا كتابات كثيرة، منهم من أجاز أن يثوب له القرآن، وأن يتلى له ختمات، ومن أهل العلم من قال: هذا أمور توقيفية هذه عبادات فلا تجوز أن يفعل منها إلا ما أقره الشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » وليس هناك شيء يلزم به في هذا الباب لعدم الدليل، فينبغي أن تبقى على الأصل، وهو أنها عبادة توقيفية فلا تفعل للأموات بخلاف الصدقة عنهم، الحج، العمرة، قضاء الدين، هذه أمور تنفعهم، قد جاءت بها النصوص، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2) » وقال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (3) بعد الصحابة: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ} (4) وقد دعا هؤلاء المتأخرون لمن سبقهم، هذا ينفعهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(3) سورة الحشر الآية 10
(4) سورة الحشر الآية 10(14/195)
الدعاء وهكذا الصدقة تنفعهم، وفي الإمكان أنه بدل ما يقرأ أو يستأجر يتصدق بالمال الذي يريد أن يستأجر به على الفقراء والمحاويج بالنية عن هذا الميت، لينتفع بهذا المال، ينتفع بالصدقة، قد ثبت في الصحيح «أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي: " نعم (1) » فبين صلى الله عليه وسلم أن الصدقة عن الميت تنفعه، وهكذا الحج عنه، والعمرة قد جاءت الأحاديث بذلك، وهكذا قضاء دينه ونفعه، أما كونه يتلو له القرآن يثوبه له، أو يصلي له، أو يصوم تطوعا فهذا لا أصل له، الصواب أنه غير مشروع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/196)
137 - حكم إهداء ثواب قراءة القرآن للميت
س: هل قراءة القرآن وجعل ثوابه للميت بدعة ولم تقره المذاهب الأربعة؟ فما هو الشيء إذا الذي ينفع الميت؟ (1)
ج: قراءة القرآن وتثويبها للموتى فيها خلاف بين العلماء، منهم من أجازها واستحبها، وقال: إنها تصل إلى الأموات وتنفعهم وهذا هو
__________
(1) ورد هذا السؤال في الشريط رقم (204) .(14/196)
المعروف في مذهب أحمد والجماعة، بل حكاه بعض أهل العلم، بل هو قول جمهور العلماء، وقرره ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح، وأطال في ذلك، وقال آخرون من أهل العلم: إن تثويب القراءة للموتى لا تلحق ولا تشرع، إن تثويب القراءة للميت لا يشرع ولا يلحق الميت، وهو المروي عن الشافعي رحمه الله والجماعة من السلف، وهذا أصح لعدم الدليل، لأن العبادات توقيفية، والتثويب للموتى نوع من العبادة، فلا ينبغي أن يفعل إلا بدليل، ولا نعلم دليلا واضحا في شرعية أن يصلي الإنسان عن غيره أو يقرأ عن غيره، فالأرجح والأولى عدم التثويب للموتى وغيرهم، ولكن يدعو لهم ويستغفر لهم، ويترحم عليهم، ويتصدق عنهم لا بأس، ولكن لا نقول: بدعة ولا نقول: محرم نقول: هذا هو الأولى والأحوط، لأن القول الثاني له حظه من القوة، والذين قالوا بجوازه قاسوه على الدعاء وقاسوه على الصدقة، قالوا: كما يجوز أن ندعو له ونتصدق عنه فلا مانع من أن نقرأ ونثوب له القراءة، أو نصلي ونثوب له الصلاة، أو نطوف ونثوب له الطواف، فالقول له حظ من القوة في قياس العبادات بعضها على بعض، ولكن القاعدة الشرعية أن العبادات لا قياس فيها، وأنها توقيفية فلهذا قلنا: إن القول بعدم التثويب أولى وأرجح وأحوط للمؤمن، ولكن لا نقول: إنه بدعة، ولا نقول: إنه محرم بل مسألة خلاف بين أهل العلم مشهورة.(14/197)
س: هل قراءة القرآن سرا وإهداء الثواب إلى الميت يصل أم لا؟ وما الدليل على الجواز أو عدم الجواز؟
ج: إهداء القرآن سرا أو جهرا لا دليل عليه، والعبادات توقيفية فالدليل على من أجاز وإلا فالأصل المنع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » يعني: مردود. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يهدون القرآن لأحد بأن يقرؤوا ويهدوا القراءة، الذي سيقرأ ليستفيد من قراءته كلام الله عز وجل لا لثوابه للناس، لكن يدعو لمن أحب، يدعو لأبيه، لأبويه، لأقاربه، يدعو لهم بالمغفرة وبالرحمة لا بأس، الدعاء طيب، الصدقة بالمال لا بأس الحج عن الميت منهم أو العاجز الذي لا يرجى برؤه، المريض أو الهرم يحج عنه أو يعتمر، كل هذا لا بأس به، أما أنه يهدي القرآن، يقرأ القرآن يهديه للميت أو لي هذا لا دليل عليه، فالأصل المنع.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/198)
138 - حكم الاجتماع لقراءة القرآن وإهداء ثوابه للأموات مرة في كل عام
س: من العادات التي عندهم يجتمع حوالي خمسة أشخاص ويتلون(14/198)
المصحف الشريف، ويهبون للمتوفى الثواب مرة كل عام، هل هذا العمل صحيح؟ (1)
ج: ليس بمشروع بل هو بدعة، وقد اختلف العلماء رحمة الله عليهم هل يصل ثواب القراءة إلى الميت على قولين: أرجحهما أن ذلك لا يصل لعدم الدليل، والعبادات توقيفية ليست بالرأي والاستحسان ولا بالقياس، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » فالأرجح أنه لا تشرع الصلاة عن الميت، ولا الطواف عن الميت، ولا القراءة عنه، بل تدعو له في صلاتك، في طوافك، في قراءتك تدعو لأبيك وأمك، لأمواتك، هذا طيب إذا كانوا مسلمين، أما الصدقة عن والديك فهذا أمر مشروع ينفعهما، وينفع غيرهما أيضا من أقاربك والمسلمين جمعيا، هكذا الدعاء لوالديك ولغيرهم نافع ومفيد، كما قال الله سبحانه عن الصالحين إنهم يقولون في دعواتهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ} (3) هذا من دعوات الأخيار لسلفهم الصالح ومن ذلك أيضا الحج عن الميت والعاجز، والعمرة كذلك فإنها تنفع الميت،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (134) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) سورة الحشر الآية 10(14/199)
وهكذا العاجز وكبير السن، العاجز عن العمرة، والحج إذا حج عنه ولده أو غيره نفعه ذلك، لما جاء في الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، ومما يلتحق بهذا الإشارة إلى ما يفعله بعض الناس من العمرة عن أمواتهم وهم في مكة، أو عن نفسه وهو مقيم في مكة كالذي جاء للحج، أو من أهل مكة ويأخذ عمرة من الحل، قد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم شرعية ذلك، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك حينما كان بمكة بعد الفتح، وذهب الجمهور إلى أنه لا بأس بذلك، وأنه مشروع واحتجوا على هذا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة رضي الله عنها وكانت في مكة يوم حجة الوداع أعمرها من التنعيم، وأمر عبد الرحمن أخاها أن يخرج معها، فأدت عمرة من التنعيم، وهي في ذلك الوقت في مكة، فدل ذلك أنه لا حرج في الخروج من مكة إلى الحل لأداء العمرة فكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك لا يدل على عدم شرعية ذلك، لأنه قد يدع الشيء لأسباب كثيرة عليه الصلاة والسلام ومنها أنه يدعه لئلا يشق على أمته عليه الصلاة والسلام، كما كان عليه الصلاة والسلام لا يواظب على صلاة الضحى مع أنه أوصى بذلك أبا هريرة وأبا الدرداء وأوصاهما بصلاة الضحى دائما، فصلاة الضحى دائما سنة مؤكدة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى بها، وإن كان لا يداوم عليها، كما أخبرت بذلك عائشة - رضي الله عنها - عنه(14/200)
عليه الصلاة والسلام فالمقصود أنه قد يدع الشيء وهو مستحب لئلا يشق على أمته، أو لأسباب أخرى عليه الصلاة والسلام وقد أخبر عليه الصلاة والسلام: «إن أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما (1) » ومع هذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، فالقول غير الفعل، والتشريع القولي مقدم على التشريع الفعلي، وقد أمر عائشة بالقول عليه الصلاة والسلام أن تخرج للحل فتعتمر، فدل ذلك على أنه لا حرج ولا بأس في حق من خرج من مكة لأخذ عمرة عن نفسه أو عن أمواته، أو عن العاجزين من قراباته أو غيرهم، كل ذلك لا بأس به، وحديث عائشة حجة قائمة، وهو متفق على صحته نسأل الله التوفيق.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله برقم (3420) ومسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، برقم (1159) واللفظ للبخاري.(14/201)
139 - حكم جمع القراء في بيت الميت لقراءة القرآن بعد دفنه
س: الأخ غ. م. من الجزائر يسأل ويقول: ما حكم أولئك الذين يجمعون المقرئين في بيت الميت بعد دفنه ويقرؤون ما يتيسر من القرآن ثم يأكلون ويشربون، وقد يأخذون مبلغا ماليا على تلك القراءة؟ وجهونا سماحة الشيخ؟ (1)
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (384) .(14/201)
ج: هذا الاجتماع لا أصل له في الشرع بل هو بدعة، إنما السنة أن يزار أهل الميت للتعزية والدعاء لميتهم جبرا لمصابهم، وأما أن يجمعوهم ليقرؤوا ويطعمونهم فهذا بدعة، يقول جرير رضي الله عنه - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد الدفن من النياحة (1) » أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن، المقصود أن كونهم يجمعونهم ليقرؤوا ويأكلوا هذا لا أصل له، بل هي من البدع، أما لو زارهم إنسان يسلم عليهم، ويدعو لهم ويعزيهم، وقرأ في المجلس قراءة عارضة ليست مقصودة، لأنهم مجتمعون فقرأ آية أو آيات لفائدة الجميع ونصيحة الجميع فلا بأس، أما أن أهل الميت يجمعون الناس أو يجمعون جماعة معنية ليقرؤوا أو يطعموهم أو يعطوهم فلوسا فهذا بدعة لا أصل له.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/202)
140 - حكم قراءة القرآن على المحتضر
س: يقول هذا السائل: ما هو حكم قراءة القرآن على الميت؟ مأجورين
ج: القرآن لا يقرأ على الموتى، يقرأ على المحتضر قبل أن يموت، إذا قرئ عنده يس، أو قرئ عنده شيء من القرآن حتى يؤنسه وحتى يذكره بالله كله طيب أما الموتى فلا يقرأ عليهم: إذا مات انقطع عمله إلا من(14/202)
ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.(14/203)
141 - حكم من يهدي ثواب ختمة القرآن لأقاربه المتوفين
س: السائل م. ي. من اليمن يقول: سماحة الشيخ بأنه يختم القرآن ختمات متعددة ويريد أن يتصدق بها على أقاربه المتوفين، هل يجوز له ذلك؟ وهل يكتب له الأجر؟ وماذا يقول عند الإهداء؟
ج: ليس لهذا أصل، يقرأ لنفسه، يدعو لهم، أما إهداء ختمات وبعض السور ما له أصل في أصح قولي العلماء فلا يجوز إهداء القراءة ولا إهداء الصلاة، ولكن يقرأ لنفسه ويصلي لنفسه، ويدعو لوالديه ولأقاربه ولأحبابه الدعاء كاف أما هدية القرآن أو الصلاة فهو غير مشروع.(14/203)
142 - حكم قراءة القرآن والصلاة عند القبور
س: استمعت في برنامج نور على الدرب عن القراءة والصلاة والدعاء عند القبور، حيث أفتى سماحة الشيخ ابن باز بأن قراءة القرآن عند القبور لا تجوز، وطالب الشيخ بالدليل لمن يقول بجواز قراءة القرآن عندا لقبور، وقد اطلعت على كتاب الروح لابن قيم الجوزية حيث وجدت الحديث التالي: قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق، حدثني علي بن موسي الحداد - وكان صدوقا - قال: كنت مع أحمد بن حنبل، ومحمد بن قدامة الجوهري في(14/203)
جنازة فلما دفن الميت جلس رجل ضريرا يقرأ عند القبر فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم. فأخبرني مبشر عند عبد الرحمن بن العلاء بن الجلاح عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك. فقال له أحمد: ارجع وقل للرجل، يقرأ. انتهى. وقال الحسن الزعفراني: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال: لا بأس بها، انتهى، وقد نقلت هذين النصين حرفيا من كتاب الروح لابن القيم، وهناك أقوال كثيرة في هذا الكتاب تجيز القراءة والصلاة عند القبر، أرجو من سماحة الشيخ توضيح هذه المسألة مأجورين بإذن الله تعالى، وفقكم الله وجزاكم الله خيرا (1)
ج: لقد اطلعت على ما ذكره السائل، وما نقله عن كتاب الروح، قد اطلعت عليه في كتاب الروح، ولكن ينبغي أن يعلم السائل أن الأدلة الشرعية منحصرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي إجماع أهل العلم، أما ما يتعلق بأقوال أفراد الصحابة فهي تعرض على
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (118) .(14/204)
الكتاب والسنة والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن خلفائه الراشدين أنهم كانوا يقرؤون عند القبور، ولا يصلون عند القبور، أما ما فعله ابن عمر فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، وهكذا من فعله بعده من بعض السلف من باب الاجتهاد والاجتهاد يخطئ ويصيب، والواجب هو عرض ما تنازع فيه الناس على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى ما أجمع عليه أهل العلم، ومعلوم أن القراءة محلها البيوت والمساجد، وليس محلها المقابر، المقابر إنما تزار ويدعى لأهلها، وهكذا الصلاة ليس محلها المقابر، وإنما محلها المساجد والبيوت، فكما أنه لا يصلى عند القبور كذلك لا تتخذ محلا للقراءة، لا عند الدفن، ولا بعد الدفن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا (2) » فدل ذلك على أن القبور ليست محلا للصلاة، فقال: «لا تتخذوها قبورا (3) » يعني بترك الصلاة فيها، بل صلوا في بيوتكم، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها (4) » وكلها أحاديث
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم (1330) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (529) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .
(3) صحيح البخاري الجمعة (1187) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (777) ، سنن الترمذي الصلاة (451) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1598) ، سنن أبي داود الصلاة (1043، 1448) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1377) ، مسند أحمد (2/6) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، برقم (972) .(14/205)
صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (1) » المقصود أن المساجد والبيوت هي محل الصلاة، وهي محل القراءة، وليست المقابر محل صلاة ولا محل قراءة، وإنما تزار للدعاء لأهلها، ولتذكر الآخرة والزهد في الدنيا، وتذكر الموت، وكان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » ولم يعلمهم أن يقرؤوا عندها القرآن وقالت عائشة رضي الله عنها: كان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » فلم يكن عليه الصلاة والسلام يقرأ عند القبور، ولم يكن يصلي عند القبور عليه الصلاة والسلام، والخير كله في اتباعه والسير على مناهجه عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته برقم (780) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/206)
ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) ولم يكن خلفاؤه الراشدون يفعلون ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ (2) » وابن عمر له اجتهادات خالف فيها السنة فمن ذلك أنه كان يغسل داخل عينيه، وهذا خلاف السنة، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه، ومن ذلك أنه كان إذا حج واعتمر يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة، وهذا خلاف السنة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى (3) » خرجه البخاري في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين (4) » متفق على صحته، وكان يأخذ ماء لأذنيه، والسنة أن تمسح الأذنان بماء الرأس، فالحاصل أنه له اجتهادات رضي الله عنه لا يوافق عليها من جهة السنة، فهكذا ما يروى عنه من
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب لزوم السنة، برقم (4607) والترمذي في كتاب العلم عن رسول الله، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع برقم (2676) وابن ماجه في كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين برقم (42) واللفظ لأبي داود.
(3) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظافر برقم (5892) ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم (259) واللفظ لمسلم.
(4) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظافر برقم (5892) ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم (259) واللفظ لمسلم.(14/207)
القراءة عند القبر عند وقت الدفن، هذا شيء اجتهد فيه رضي الله عنه، والسنة بخلافه، والإمام أحمد لما بلغه ذلك كان باجتهاده رضي الله عنه ورحمه، رأى أن يوافق ابن عمر، وأن يقر الكفيف على قراءته بعد ما قال له: إنها بدعة. فقوله الأول هو الصواب وهو الذي يوافق الأدلة الصحيحة الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولأن القراءة عندها والصلاة عندها وسيلة لعبادتها من دون الله، فالناس قد يظنون أن القراءة عندها لها مزية، ولها ثواب زائد، وهكذا الصلاة عندها، فيجرهم هذا إلى اتخاذها مساجد وإلى دعاء أهلها، وإلى الاستغاثة بأهلها والتوسل بأهلها، فيقع الشرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(14/208)
س: سماحة الشيخ - وفقكم الله - تضعون مدرسة ينبغي أن ينهل منها طلاب العلم، ذلكم أنكم كثيرا ما تقدرون لابن تيمية ولابن القيم وبالذات اجتهاداتهم، وأنتم هنا تدعون إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله عند ما يكون الخلاف بين العلماء، أطمع في كلمة في هذه المناسبة لو تكرمتم (1)
ج: نعم، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم والإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد رحمة الله على الجميع، والإمام الثوري والإمام إسحاق بن راهوية، والإمام الأوزاعي وغيرهم
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (118) .(14/208)
من الأئمة كلهم لهم المنزلة العظيمة عندنا، وعند غيرنا من أهل العلم، يعرفون لهم فضلهم وجهادهم وعلمهم، لا شك في هذا، ولكن لا يلزم من قولنا - نعظمهم ونعرف لهم أقدارهم - أن نوافق على ما قد يقع من خطأ من بعضهم، لأن كل إمام يقع له بعض الأخطاء وبعض الأغلاط، وكل إمام يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن قوله هو الحق كما قال مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لأحد من الناس، حكاه إجماعا لأهل العلم، وهذا صحيح، فإن الواجب على الأمة كلها تقديم ما قاله الله ورسوله في مسائل النزاع وفي مسائل الإجماع، فكما أن مسائل الإجماع يجب أن تحترم وأن يؤخذ بها، وألا يلتفت إلى من خالفها فهكذا من باب أولى الكتاب والسنة يجب تعظيمهما والأخذ بهما، وترك ما خالفهما من أقوال الناس.(14/209)
143 - رد بعض الشبه حول جواز إهداء القرآن للميت
س: في رد لسماحتكم مجيبين عن السؤال الآتي: هل تجوز تلاوة القرآن على المتوفى أو إهداء ثوابه له؟ علمت من ردكم أن هناك خلافا بين العلماء في هذا الأمر، وكما قلتم: إنه ليس هناك دليل من الشارع(14/209)
على هذه المسألة أرجو من فضيلة مولانا المزيد من الإيضاح في تعليقه على هذه الملاحظات، إذا جاز لنا أن نحج عن المتوفى وأن نتصدق له ألا يعني هذا أن من يحج عن المتوفى عليه أن يؤدي مناسك الحج جميعها المفروض منها والمسنون؟ فإذا قام مثلا بصلاة ركعتين عند المقام والسنة ألا يهدي ثواب هذه الصلاة للمتوفى، وبالتالي ألا يكون ما قرأه من القرآن في صلاته كان مهداة للمتوفى كسائر أعمال الحج، فضيلة مولانا الشيخ، الدعاء للمتوفى جائز، أليس الدعاء مخ العبادة، وإذا كان القرآن رحمة وشفاء للمؤمنين، ألا يكون المتوفى أحوج لهذه الرحمة، وأن القرآن يحتوي على الكثير من آيات الدعاء، والخلاصة إذا كانت تلاوة القرآن لا تجوز على المتوفى هذا يعني ألا نتلو الآيات الشاملة على الترحم له؟ أرجو إلقاء المزيد من الضوء على هذا الدرب، وجزاكم الله عن الأحياء والأموات خيرا (1)
ج: إني أشكر للسائل عنايته واهتمامه بهذه الأمور الشرعية العظيمة، وأسأل الله له ولنا المزيد من كل خير، أيها الأخ السائل: إن أمور العبادات ليست محل قياس، والعبادات توقيفية كما قال أهل العلم، لا يقال فيها بالرأي المجرد، والقياس من عبادة على عبادة ولكن يتلقى أمر
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (113) .(14/210)
العبادة عن الشارع عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا نقيس شيئا على شيء بدون حجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحج عن الميت، وأذن فيه، وعن العاجز أيضا كالشيخ الكبير العاجز يحج عنه، والصلاة التي يصليها الطائف تبعا للطواف يكون ثوابها وثواب الطواف للميت من غير حاجة إلى أن يهدي الصلاة أو يهدي القراءة، لأنه صلى تبعا للطواف، وهذه الصلاة جازت تبعا لا استقلالا، ولا يشرع لأحد أن يصلي عن ميت أو يصوم عنه تنفلا، لأن هذا لم يرد في الشرع والعبادات مثل ما تقدم توقيفية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ويقول الله عز وجل في ذلك ما هو أعم من هذا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا -يعني في ديننا وشرعنا - ما ليس منه فهو رد (3) » يعني: فهو مردود. فالواجب على أهل الإسلام الاتباع لما جاء به نبيهم عليه الصلاة والسلام، وليس لهم أن يبتدعوا فالحج بأعماله الواجبة والمشروعة جاءت من الشارع، فإذا حج عن الميت أو عن العاجز، وصار الآجر للمحجوج عنه عن النفل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/211)
والفرض جميعا حسب ما جاء عن الشارع، ولا نقيس على هذا فنقول: كما جازت الصلاة تبع الطواف للميت المحجوج عنه لنا أن نصلي عن الموتى ونصوم عنهم، لا، هذا قياس غير مناسب، فالحج عبادة مستقلة، فلا يقاس عليها أن نصوم عنه نافلة أو نصلي عنه نافلة، بل علينا أن نتبع ونقف عند الشرع، وهكذا التلاوة التي يقرؤها الإنسان في الصلاة عن الميت، والتلاوة في ركعتي الطواف، والتلاوة في الطواف، كل هذه تبع فلا يقاس عليها، التلاوة المستقلة، كونه يقرأ على الميت ويجعل الثواب للميت، أو يقرأ على القبر أو يقرأ خارج ذلك في أي مكان وينوي للميت هذا يحتاج إلى دليل، وإن كان جملة من أهل العلم ذهبوا إلى جواز ذلك وأنه لا بأس به، وقاسوه على الحج، والدعاء والصدقة، لكن مثل ما تقدم القاعدة الشرعية عدم القياس، وأن علينا أن نتبع ولا نخترع، ولا نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله، وإذا فتح هذا الباب دخل الناس في البدع، ولم يقفوا عند حد، فلهذا قلت سابقا وأقول الآن: إن الأرجح عدم تثويب التلاوة للميت، وعدم الصلاة عنه، وعدم الصوم عنه إلا إذا كان عليه دين صوم واجب كرمضان أو من كفارة أو نذر فلا مانع من الصوم عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » وسئل غير مرة عمن مات وهو عليه صيام، فأفتى المستفتي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/212)
أن يصوم عن ميته، هكذا نقول مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو عليه صيام يصام عنه (1) » ، هذا مشروع بأمر النبي عليه الصلاة والسلام حتى رمضان على الصحيح، إذا مات وهو عليه صيام ولم يقضه من دون عذر شرع لأوليائه أن يصوموا عنه كما يصومون عنه الكفارات والنذور، وبعض أهل العلم خص ذلك بالنذر، والصواب أنه لا يخص النذر بل يعم، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام: من مات - هذا عموم - وعليه صيام صام عنه وليه، فيعم من مات وعليه صوم رمضان أو صوم كفارة أو صوم نذر، ومن زعم تخصيص ذلك بالنذر فلا دليل عليه، وليس معه حجة يحسن الاعتماد عليها، ولم يقل عليه الصلاة والسلام من مات وعليه صلاة صلى عنه وليه، ولم يقل: من مات فليقرأ عنه وليه. لكن الدعاء نعم شرع لنا أن ندعو للأموات ونصلي وندعو لهم، والله يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم مثنيا على عباده الصالحين بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (3) فالدعاء أمر مطلوب للميت والحي جميعا، ولهذا شرع الله صلاة الجنازة لما فيها من
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(3) سورة الحشر الآية 10(14/213)
الدعاء للميت، فأرجو يا أخي ألا يشتبه عليك الأمر، وأن تطمئن إلى أن السنة أن تلزم ما جاءت به الشريعة، وألا تحيد عنه، وألا تزيد عليه في العبادات لأنها توقيفية، والله ولي التوفيق.
كذلك ينبغي ألا يستعمل كلمة مولانا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ولا يقل العبد لسيده مولاي فإن مولاكم الله (1) » هكذا روى مسلم في الصحيح، فينبغي للمؤمن تركها، وقد أجازها بعض أهل العلم واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حق العبد: «وليقل سيدي ومولاي (2) » قالوا: هذا يدل على جوازها كما جازت في حق العبد يعني يقولها لسيده، فالأولى في هذا ألا نقيس على العبد، بل هذا خاص بالعبد يقوله لسيده، أما غيره فينبغي له أن يتأدب بالأدب الشرعي، فيقول: يا فلان، يا أخي، يا أبا فلان، يا شيخ فلان، ويكفي هذا، ليحتاط لدينه ويبتعد عن الشيء الذي فيه شبهة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الألفاظ في الأدب وغيرها، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم (2249) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، برقم (2552) ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم (2249) .(14/214)
144 - مسألة في وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت
س: الذين يقرؤون القرآن للميت يعتبرونه صدقة له، هل ثواب قراءة القرآن يصل للميت أم لا؟ (1)
ج: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم، من يقول: إن قراءة القرآن تصل إلى الميت إذا قرأ وثوب للميت تصل إليه كما تصل إليه الصدقة والدعاء، والحج عنه والعمرة، وأداء الدين، ينتفع بهذا كله، فقالوا: إن هذا مثل هذا، إن قراءة القرآن أو كونه يصلي له يلحقه كما تلحقه الصدقة وتنفعه الصدقة والحج عنه والعمرة والدعاء، وقال آخرون: لا لعدم الدليل، لأن العبادات توقيفية، لا يفعل منها شيء إلا بالدليل لا مجال للرأي فيها فالعبادات توقيفية، المعنى أنها تتلقى عن الله وعن رسوله لا بالرأي والهوى والقياسات، لا، العبادات توقيفية، قال الله، قال رسوله، ما شرعه الله في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم بالسنة فهذا هو الذي يؤخذ به ويعمل به، وما لا فلا، وهذا هو الصواب أن القراءة لا تهدى، لا يشرع أن تهدى، وهكذا الصلاة لا يصلي أحد عن أحد لعدم الدليل، ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا عن أقاربه، وما فعله الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن أقاربهم، فالمشروع لنا أن نتبع طريقهم وسبيلهم، فلا نقرأ عن الميت،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (198) .(14/215)
ولا لغير الميت، يعني لا نثوب القراءة له ولا نصلي له، ولا نصوم له، لأنه لم يرد إلا إذا كان عليه دين صوم رمضان ولم يقضه يصام عنه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » لكن لا يقاس عليه الصلاة، ولا تقاس عليه القراءة والعبادات ليست محل قياس، القياس في أمور أخرى غير العبادات، فالمؤمن حق عليه أن يلتزم بما شرعه الله، يؤدي العبادة كما شرعها الله، ولا يحدث شيئا لم يشرعه الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » رواه مسلم في الصحيح. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (4) » رواه مسلم أيضا، فالمؤمن يتبع ولا يبتدع فيقرأ لنفسه، ويصلي لنفسه، يرجو ثواب الله، أما أنه يهدي صلاته وقراءته إلى حي أو ميت فهذا ليس بمشروع على الصواب فينبغي تركه، وإن قال آخرون من أهل العلم: إنه يفعل فالاعتبار بالأدلة الشرعية لا بأقوال الناس، يقول
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(14/216)
الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) فهذه المسألة إذا أردناها إلى الله ورسوله لم نجد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة ما يدل على أننا نصلي عن فلان، أو نقرأ عن فلان ونهدي له ثواب قراءتنا وصلاتنا ولا صومنا، لكن جاء في السنة الصدقة عن الميت نافعة، والدعاء له بالمغفرة والرحمة نافع بإجماع المسلمين، هكذا الحج عنه والعمرة عنه إذا كان ميتا، أو عاجزا لا يستطيع الحج لهرمه، أو لمرض لا يرجى برؤه، لا بأس أن يحج عنه ويعتمر هكذا إذا كان عليه دين قضاه أخوه المسلم ينفعه، أما أن يصام عنه تطوعا أو يصلى عنه أو يقرأ عنه فهذا ليس عليه دليل، فلا ينبغي أن يفعل، ولا يشرع عملا بالأدلة الشرعية، ووقوفا عندها، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(14/217)
س: هل تجوز قراءة القرآن عند قبر الميت، وما هو الوارد شرعا؟ (1)
ج: قراءة القرآن عند القبور لا أصل لها بل هي من البدع، لم يشرع الله لنا القراءة عند القبور، ولا الصلاة عند القبور قال عليه الصلاة والسلام:
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (195) .(14/217)
: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (1) » فدل على أن القبور ما هي محل صلاة، ولا محل قراءة، القبور تزار للذكرى والعظة والدعاء للأموات بالمغفرة والرحمة، فالرسول قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » وفي حديث عائشة: «يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (4) » فالزيادة للعظة والذكرى، والإحسان للموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم، والاستغفار لهم، أما القراءة عند قبورهم فما تفيدهم، انقطعت أعمالهم، يفيد الدعاء لهم والصدقة عنهم، والحج عنه والعمرة عنهم، وقضاء ديونهم هذا الذي ينفعهم، أما القراءة عند قبورهم فلا تشرع بل هي بدعة، حتى القراءة لهم وتثويبها لهم ليس عليه دليل، الصواب أنه لا يشرع، بعض الناس قد يقرأ ويجعل ثواب القراءة لأبيه أو أمه الميت، هذا لا دليل عليه، تركه أولى، وهكذا الصلاة عنهم، لا يصلى عنهم، ما ورد هذا في الشرع،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.... برقم (780) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/218)
إنما يدعى لهم ويترحم عليهم، ويتصدق عنهم، ويحج عنهم ويعتمر لا بأس فقد أجمع المسلمون على أن الصدقة تنفع الميت والدعاء كذلك، أما كونه يقرأ في المقبرة أو يصلي في المقبرة فهذه من البدع.(14/219)
س: يقول السائل: عند زيارتي للقبور أجد بعض الأشخاص يقرؤون القرآن عند قبور موتاهم، فهل تجوز قراءة القرآن عند القبر أم لا؟ (1)
ج: لا تجوز القراءة عند القبر ولا دليل عليها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (2) » فدل على أن القبور لا تتخذ مصلى ولا مسجدا ولا محل قراءة، وإنما يسلم عليهم المؤمن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين اللهم اغفر لهم وارحمهم هكذا يسلم عليه، أو يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو المشروع أما أن يأتي بالقراءة عند القبور أو يجلس عندها للصلاة أو يتخذها للدعاء ويرى أن الدعاء عندها أفضل من غيرها
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (209) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.... برقم (780) .(14/219)
وأقرب للإجابة فهذا غلط، إنما يدعو لهم فقط وينصرف.(14/220)
س: هل تجوز قراءة القرآن على الميت في المقبرة؟ (1)
ج: تقدم أنه لا يقرأ على الميت، لا يقرأ في القبور ولا على الموتى، ما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولكن إذا زارهم يسلم عليهم، يقول: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) » وإن شاء قال: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » هكذا كان النبي يفعله ويعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام أما أنه يقرأ على القبور أو يقرأ عند القبور أو يصلي عند القبور فكل هذا بدعة، أو يطوف عند القبور كل هذا بدعة، وأعظم من ذلك الذي يدعوهم، أو يستغيث بهم، كونه يدعو الميت، أو يستغيث به، أو ينذر له أو يذبح له كل هذا بدعة من من الشرك الأكبر، فإذا قال: يا فلان، يا سيدي فلان، أو: يا ولي الله فلان، انصرني أو: اشف مريضي، أو: المدد المدد، أو ما أشبه ذلك مما
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (220) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/220)
يفعله عباد القبور، هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية، فيجب الحذر من هذه الأمور.(14/221)
س: سمعت بأن الإنسان لا يصله ثواب قراءة القرآن إلا إذا كان من ابنه أو ابنته وهل هذا يعني بأننا قرأنا القرآن أو آية منه ووهبت ثواب ذلك إلى إنسان ميت أو حي لا يصل هذا الثواب؟ وهل يؤجر على ذلك؟ (1)
ج: الصواب أن القراءة لا تصل إلى الأموات. ذكر أبو العباس، ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا لا يجوز بلا نزاع أخذ الأجرة على مجرد القراءة، وأنها لا تصل إلى الموتى لأنه ما قرأها لله، إنما قرأ للأجرة، وهكذا لو قرأ بدون أجرة لا تصل لعدم الدليل، فلا يصل إلى الموتى إلا ما جاء به الدليل. لأن هذه العبادات توقيفية ليس للرأي فيها مجال، وقد جاءت النصوص دالة على أن الصدقة تنفع الميت، وهكذا الدعاء، وهكذا الحج عنه والعمرة وقضاء دينه، أما كونه يقرأ إنسان له أو يصلي له فهذا ما عليه دليل، والأصل أنه لا ينتفع بذلك إلا بدليل وهذا هو الأرجح أنه لا يشرع لأحد أن يقرأ لأحد من الموتى، أو يصلي له أو يصوم له إلا إذا مات وعليه دين الصوم، فإنه ينفعه قضاء الدين، لقوله
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (369) .(14/221)
صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » إذا مات وعليه صوم من رمضان ما قضاه أو كفارة، وقضاه عنه غيره ينفعه، أما أن يصلي تطوعا أو يصوم له تطوعا فهذا لا دليل عليه، أو يقرأ هذا لا دليل عليه، إنما ينتفع الميت بما جاءت به النصوص، بالدعاء بالصدقة عنه، بالحج عنه، بالعمرة عنه، بقضاء دينه، هذا كله جاءت به السنة بأن يلحق الميت، أما إنسان يقرأ له ولده أو غيره يثوب له فهذا ما عليه دليل والذي ينبغي تركه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/222)
س: ما حكم قراءة القرآن على الميت سواء من ولده أو من رجل آخر قريب أو غير قريب بمقابل أو بدون مقابل؟ (1)
ج: قراءة القرآن على الموتى لا أصل لها، بل هي من البدع، هذا هو الصواب فلا يجوز أن يغتر المسلم بمن أجاز بغير حجة ولا دليل، فلا يقرأ على الموتى لا في المقابر ولا بعد الموت قبل الدفن، ولا يثوب لهم القرآن لعدم الدليل على ذلك، فالقراءة على القبور كالصلاة عند القبور لا تجوز، لأنها من وسائل الشرك، فلا يصلي عند القبر، ولا يقرأ عنده ولا يجلس عنده للدعاء، ولكن إذا زار القبور يسلم عليهم، ويدعو لهم ثم ينصرف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (171) .(14/222)
تذكركم الآخرة (1) » وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » وكان إذا زار القبور عليه الصلاة والسلام يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (4) » ومر ذات يوم على قبور من أهل المدينة فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (5) » هذه سنته عليه الصلاة والسلام أما أن يدعو الميت أو يستغيث به أو يطلبه المدد فهذا من الشرك الأكبر لا يجوز، وهكذا كونه يقرأ عند القبر أو يقرأ على الميت في البيت قبل أن ينقل إلى القبر، أو يقرأ له القرآن يثوبه للأموات هذا ليس عليه دليل، ولكن المشروع أن يدعو لهم ويستغفر لهم، يترحم عليهم، يتصدق عنهم، يحج عنهم، يعتمر، يقضي ديونهم، كل هذا مطلوب ينفع الميت، أما كونه يقرأ له أو يصلي له فهذا لا دليل عليه، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/223)
145 - حكم إقامة عزاء بقراءة القرآن وختامه بقراءة الفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم
س: يسأل الأخ ويقول: في بعض قرى ومدن محافظة حضرموت إذا مات شخص يقوم أقرب الناس له أو أسرته بعقد عزاء على روحه، وهو قراءة القرآن لمدة يوم أو ثلاثة أيام في المسجد للرجال، وفي البيت للنساء ويتم الختام بقراءة الفاتحة إلى روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أجمعين، وإلى روح الأموات الذين لهم صلة قرابة بالمتوفى، كما يتم خلال ذلك توزيع القهوة والدخون على كل الحاضرين لهذا العزاء، ما حكم عملهم هذا؟ أفيدونا أفادكم الله. (1)
ج: هذا العمل بدعة، ليس بمشروع تجمعهم يوما أو ثلاثة أيام على هذه القراءة، ثم يختمون بالفاتحة على النبي صلى الله عليه وسلم كل هذا لا أصل له، ولكن يأتي المؤمن ويعزيهم، يدعو لميتهم بالمغفرة ولهم بالصبر والاحتساب والأجر، ويكفي هذا، ولو صبوا له قهوة أو طيبوه لا بأس، أما تجمع خاص في يوم أو يومين أو ثلاثة أو أكثر فيه قراءة خاصة، ثم ختم بالفاتحة كل هذا لا أصل له، ما كان يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه بل نص أهل العلم على أن
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (197) .(14/224)
مثل هذا بدعة، فالمشروع للمؤمن في مثل هذا أنه يأتي أخاه في البيت، أو في الطريق، أو في المسجد، ويقول: أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك وغفر الله لميتك، والآخر يقول: جزاك الله خيرا، تقبل الله منك، ونحو ذلك، يكفي هذا والحمد لله.(14/225)
146 - حكم ذهاب أقارب الميت بالصدقات عنه إلى قبره
س: بعد دفن الجنازة يذهب أهل الميت لإحضار مقرئ يتلو القرآن الكريم لمدة ثلاثة أيام، وبعد خمسة عشر يوما من الوفاة يذهب ذوو المتوفى إلى المقبرة وهم يحملون الخبز، ويتصدقون به، فهل هذا العمل صحيح ومشروع؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذا ليس مشروعا، لا القراءة على الميت أسبوعا ولا يوما ولا أكثر، كل هذا من البدع ولكن يدعى له، يدعى للميت بالمغفرة والرحمة، ويتصدق عنه بما يتيسر في كل وقت، ولو بعد موته بسنوات، الصدقة تنفع الميت والدعاء ينفع الميت، والحج عنه، والعمرة كذلك، قضاء دينه كل هذا ينفعه، أما إحضار المقرئ يقرأ أسبوعا أو أقل أو أكثر، أو عند قبره أو في بيته فكل هذا لا أصل له، والواجب تركه، لأن الله جل وعلا لم يشرعه ولو شرعه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وبينه أصحاب
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (365) .(14/225)
النبي عليه الصلاة والسلام، والواجب على أهل الإسلام الاتباع وعدم الابتداع، كذلك الذهاب إلى القبور من أجل الصدقة بالطعام أو بالخبز يوزع عند القبور لا أصل له، كل هذا من البدع، تزار القبور للدعاء لهم والتراحم عليهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وكان إذا زارها يقول صلى الله عليه وسلم كذلك: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » هكذا السنة أما زيارتها لتوزيع الخبز أو اللحوم فهذا لا أصل له.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/226)
147 - مسألة في حكم الذبح عن الميت قبل دفنه وقراءة القرآن عليه
س: ع. من مصر يسأل ويقول: هل قراءة القرآن على الميت حلال، وهل الذبيحة التي يذبحها أهل الميت قبل خروجه إلى الدفن لها أجر يلحق الميت في قبره؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: أولا التسمي بعبد النبي لا يجوز، فكون اسم أبيك عبد النبي هذا
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (219) .(14/226)
خطأ، الأسماء تكون معبدة لله، أجمع العلماء على أنه لا يجوز التعبيد لغير الله، فلا يقال: عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا عبد عمر، ولكن يقال: عبد الله، عبد الرحمن، عبد اللطيف، وأشباه ذلك من أسماء الله سبحانه وتعالى، فالواجب على أبيك إن كان حيا أن يغير اسمه، فيقول: عبد رب النبي، أو عبد الله، أو عبد الرحمن.
أما قراءة القرآن على الميت فلا أصل لها، لا يقرأ على الميت ولا عند القبر كلها بدعة، أما قبل الموت حال كونه محتضرا فهذا لا بأس أن يقرأ عنده بسورة يس، أو غيرها من القرآن لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرؤوا على موتاكم يس (1) » موتاكم يعني محتضريكم، المحتضر يقال له: ميت، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله (2) » يعني من حضره الموت يقال له: قل: لا إله إلا الله حتى يكون آخر كلامه، لا إله إلا الله، أما كونه بعد الموت يقرأ عليه فهذا غير مشروع، كذلك عند القبور غير مشروع، فينبغي للمؤمن أن يتأدب بالآداب الشرعية، ويحرص على التمسك بما شرع الله لعباده، ويتواصى مع إخوانه في ذلك، لأن الله جل وعلا قال: {وَالْعَصْرِ} (3) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5)
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه، برقم (19790) ، وأبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت، برقم (3121) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، برقم (1448) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، برقم (917) .
(3) سورة العصر الآية 1
(4) سورة العصر الآية 2
(5) سورة العصر الآية 3(14/227)
وهكذا الذبح بعد الموت غير مشروع، وكونه يذبح يقيم مأتما، أو يتصدق بها عند الموت هذا لا دليل عليه، لكن إذا تصدق عليه بعد ذلك لا عند الموت، يتصدق عنه بدراهم، يتصدق عنه بطعام أو ذبيحة وزعها على الفقراء لا عند الموت بل في أوقات أخرى فلا بأس بذلك، لأن الصدقة تنفع الميت، أما اعتقاده أنه يذبح عند الموت ذبيحة فهذا لا أصل له.(14/228)
148 - حكم تثويب القرآن للميت
س: كانت لي والدة قد توفيت قبل عامين، وأنا فقير لا أملك شيئا من المال لكي أتصدق به عليها، ولا أحفظ دعاء كثيرا أدعو به لها، ولكن أريد أن أقرأ وأرتل القرآن، وأهب هذا الأجر والثواب العظيم الذي وعد به الله الذين يرتلون القرآن، فهل يجوز لي هذا الترتيل والقراءة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: تدعو لها الدعوات الطيبة، تسأل الله لها الجنة، وتسأل لها النجاة من النار، وتسأل الله لها المغفرة والرحمة هذه دعوات طيبة، وتتصدق عنها مما تيسر ولو درهما واحدا، ولو طعاما قليلا، ولو شيئا من الملابس، كل هذا ينفعها، أما تثويب القرآن لها وإهداء القرآن لها فهذا محل
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (24) .(14/228)
خلاف أكثر أهل العلم يرونه لا بأس به وأنه ينفعها وبعض أهل العلم يرى أن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا وجه لإهدائه، لأنه لم يرد كالصلاة كما أنه لا يصلي لها ولا يهدي لها القرآن، هذا قول جماعة من أهل العلم، وهو أظهر في الدليل فالأولى أن تعتني في الدعاء لها والترحم عليها، والصدقة عنها مما تيسر ولو بالقليل، والدعاء بحمد الله ميسور، الدعاء واضح وميسور، تقول: اللهم اغفر لأمي، اللهم أدخلها الجنة، اللهم أنجها من النار، اللهم اعف عنها، اللهم ارفع منزلتها في الجنة، اللهم اجزها عني خيرا وأكثر من الدعوات الطيبة.(14/229)
149 - حكم استئجار من يقرأ القرآن على الميت بعد دفنه
س: من عادات بلدي حينما يموت شخص يقرأ عليه الناس ما تيسر من القرآن لمدة ثلاثة أيام، ويؤجر قريب الشخص المتوفى أحد الناس المعروف بإجادة قراءة القرآن، ويؤجره على قراءة كتاب الله بمبلغ معين، ثم توهب وتهدى هذه القراءات إلى روح المتوفى، ما حكم هذه القراءة، وهل تصل إلى روح الميت؟ أثابكم الله أفيدونا. (1)
ج: هذه القراءة بدعة لا أساس لها في الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على استحبابها، ولا جوازها فالواجب تركها، وعدم فعلها لأن
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (15) .(14/229)
المستأجر لا يرجو ثواب الله، لأنه ما يقرأ إلا بالأجرة، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستئجار على قراءة القرآن فالذي يستأجر ويتلو للميت أو للحي يرجو ثواب الناس لا الله، ولم يقرأ لله، بل قرأ للأجرة، فأي شيء يهدي فالمقصود أن هذا منكر، ولا يجوز، والمستأجر ليتلو قد أتى منكرا عظيما ومحرما بالإجماع، وليس له ثواب حتى يهدي، فلا يجوز فعل هذا، بل المشروع الدعاء له وتعزية أهله، أما كونهم يرتبون أناسا يقرؤون أو يستأجرون أناسا يقرؤون للميت، ويهدى له ثواب ذلك فليس له أصل، والاستئجار على هذا منكر وباطل.(14/230)
س: يقوم بعض الناس في مناطقنا وخاصة في شهر رمضان المبارك بتأجير قارئ يقرأ القرآن عن الأموات مقابل عشرة ريالات عمانية للختمة الواحدة، هل تجوز المتاجرة بكلام الله سبحانه وتعالى؟ وهل هذا المبلغ حلال؟ وما نصيحتكم لمن يقومون بذلك إن كان هذا الأمر مخالفا للدين الحنيف؟ نرجو توضيح ذلك، فالآن قد وقعنا في الشبهات، ثم هل ذلك ينفع الميت حيث إن البعض يستند إلى الحادثة التي صادفها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مر بقبرين وهما يعذبان. ثالثا هل قراءة القرآن على الأموات من قبل ذويهم تنفعهم حيث إن ذلك شائع عندنا خاصة بعد ثلاثة أيام من دفن الميت، إضافة إلى ذبح الذبائح بعد موته، ويتحول ذلك البيت(14/230)
إلى مناسبة عرس تنعدم فيه الخشية والعبرة، أنقذونا من البدع أثابكم الله فإن مجتمعنا تنص عليه الآية: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1) ؟ (2)
ج: سبق الكلام في القراءة للميت، وأنه لا دليل على القراءة للأموات، أو أن يستأجر إنسان يتلو آيات من القرآن، هذا لا أصل له، ولا يجوز ولا تحل هذه الأجرة، وقد حكى العلماء وبعض أهل العلم الإجماع على تحريم ذلك، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر الإجماع على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن، وأنه محرم بلا نزاع، فكونه يقرأ بثمن معين عن آيات أو جزء أو أكثر أو أقل بمال يقرأ به للأموات ولأي كان لا يجوز هذا، وإنما تؤخذ الأجرة للتعليم، يعلم الأولاد، ويعلم الناس القرآن، فإنه يعطى أجرة على التعليم، أما كونه يقرأ آيات ويأخذ أجرة على هذه الآيات التي يسمعها الناس منه أو يثوبها للميت فهذا لا أصل له، بل فيه ما تقدم من قول شيخ الإسلام، الأصل فيه الإجماع وأنه محرم بلا نزاع، يأخذ أجرة على مجرد التلاوة، أما كونه معلما فيعطى حتى يعلم الأولاد، وحتى يعلم الناس القرآن فلا بأس بهذا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا
__________
(1) سورة الزخرف الآية 23
(2) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (305) .(14/231)
كتاب الله (1) » يعني للتعليم والتوجيه تعليم الناس القرآن لا بأس أن يؤخذ عليه أجرة، أما كون أهل الميت يقومون بالذبائح والولائم بعد الموت، يوم الموت أو يوم ثالث أو يوم عاشر، أو على رأس الشهر، أو على رأس الأربعين، أو على رأس السنة، فهذا بدعة لا يجوز، ولكن يتصدقون عن الميت بطعام يوزعونه على الفقراء نيئا أو مطبوخا، يوزع على الفقراء أو أرز أو غيره، هذا لا بأس به، أما كونهم يصنعون طعاما للناس، وجعل مأتم للميت، أو يدعون الناس إليه، ويقيمون الولائم فهذا بدعة، أما إذا أحبوا أن يتصدقوا بدراهم أو بغيرها في أي وقت على الفقراء عن الميت فإن الصدقة تنفع الميت، ولها أجر عظيم، وفرق بين الصدقة على الفقراء والمساكين وبين إقامة المآتم وجمع الناس يأكلون في بيت الميت، تذبح لهم الذبائح هذا لا أصل له، والسنة أن يدفع لهم الطعام لأهل الميت، من جيرانهم وأقاربهم، يصنعون لهم طعاما، لما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب يوم مؤته يوم قتل فمات، لما جاء خبره رضي الله عنه، إلى المدينة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا طعاما لأهل جعفر قال: «إنه أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا صنع الجيران أو الأقارب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم برقم (5737) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/232)
طعاما لأهل الميت، لأنهم مشغولون بالمصيبة هذا أمر مستحب، أما كون أهل الميت هم الذين يصنعون للناس ويدعون الناس فهذا غير مشروع، أما إذا جاءهم الطعام من جيرانهم ودعوا عليه من يأكلون فلا بأس إذا جاءهم طعام كثير يزيد عن حاجتهم، ودعوا جيرانهم دعوا من يأكل معهم هذا لا بأس به.(14/233)
150 - مسألة في إهداء ثواب قراءة القرآن للميت
س: هل قراءة القرآن الكريم وإهداء ثوابها للميت جائز أم لا؟ (1)
ج: ليس عليه دليل، ولا أعلم في هذا ما يدل على إهداء القرآن للموتى ولا لغير الموتى، ولكن يقرأ لنفسه، ويدعو الله للموتى بالمغفرة والرحمة، أما الإهداء في المال بالصدقة بالمال، بالحج والعمرة، هذا هو محل الإهداء بالصدقة بالمال، ويصوم عنه إذا كان مات وعليه صوم، صام عنه هذا لا بأس به، أما أن يقرأ القرآن ويهدي له القرآن فليس عليه دليل فيما أعلم، فالذي ينبغي ترك ذلك.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (328) .(14/233)
151 - حكم تخصيص يوم من الأيام لقراءة القرآن عن الميت
س: يسأل عن حكم قراءة القرآن عن الميت في أي يوم من الأيام كيوم(14/233)
الجمعة مثلا أقرأ سورة البقرة وأقول: هذه إلى روح فلان فهل يصح ذلك؟ (1)
ج: ليس عليه دليل القراءة على الموتى ليس عليه دليل، قد قاله بعض أهل العلم لكن ليس عليه دليل، فتركه أولى، تدعو للميت دعوات طيبة، تصدق عنه بالمال، تحج عنه تعتمر عنه، كل هذا طيب أما القراءة عنه فليس عليها دليل، وتركه أولى تدعو للميت وتقرأ في نفسك، تدعو للميت: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ضاعف حسناته، اللهم أنجه من النار، إلى غير ذلك تدعو له، تتصدق عنه بالمال، تحج عنه، تعتمر لا بأس كله طيب.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (330) .(14/234)
152 - مسألة في وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت
س: السائل: م. ح. أ. من السودان يقول: هل يصل ثواب قراءة القرآن إلى الميت؟ (1)
ج: ليس له أصل هذا، لكن الدعاء، أما القراءة لثواب الموتى ليس له أصل، ولا يشرع يقرأ الإنسان يريد الثواب لنفسه، أما الموتى يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، يتصدق عنهم، يحج عنهم، يعتمر، هذا يلحقهم
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (419) .(14/234)
ينفعهم أما قراءة القرآن أو الصلاة هذا ليس له أصل، ليس يصلى عن الأموات، ولا يقرأ لهم القرآن لعدم الدليل، والعبادات توقيفية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يقرؤون للموتى.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/235)
153 - بيان ما يصل نفعه إلى الميت
س: وما أفضل شيء يصل إلى الميت يا شيخ؟ (1)
ج: الدعاء والصدقة، الدعاء له والصدقة عنه، هذا ينفعه الله به كثيرا.
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (419) .(14/235)
154 - مسائل في حكم قراءة القرآن على الميت
س: السائل ن. ق. يقول: هل قراءة القرآن تصل إلى الميت؟ أي بمعنى عندما يختم المسلم القرآن ويقول: وهبت ذلك إلى أبي المتوفى، هل يصله هذا الأجر، وهل يصله هذا الثواب؟ وكذلك قراءة الفاتحة؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل، تثويب القرآن ليس له أصل، إنما يدعو له فقط، يقرأ والثواب له للقارئ، ما يثوبه للموتى ولا لغير الموتى، لكن يدعو
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (392) .(14/235)
للميت بـ: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، اللهم ضاعف حسناته هذا مشروع، الصدقة عليه بالمال مشروعة، أما كونه يثوبه القرآن هذا لا دليل عليه، وليس بمشروع بل يقرأ يرجوا الثواب من الله له هو، للقارئ، وإذا دعا لوالده أو لغير والده من المسلمين هذا مشروع، كونه يدعو لوالده، يتصدق عن والده، كل هذا طيب، يحج عنه إذا كان ميتا ويعتمر.(14/236)
س: الأخ ف. سوداني ومقيم في ليبيا يقول: هل يجوز للميت أن نقرأ عليه القرآن الكريم، هل هذا مكروه أم يجوز؟ (1)
ج: الميت لا يقرأ عليه، انتهى إلى الله حسن الخاتمة، ما يستتفيد من القراءة عليه، إنما يقرأ عند المحتضر سورة يس، لا بأس بذلك عند جمع من أهل العلم قبل أن يموت أما الميت ما يقرأ عليه شيء، انتهى إلى الله، ما ينتفع بهذا، يدعى له بالمغفرة والرحمة إذا كان مسلما.
__________
(1) السؤال الحادي والخمسون من الشريط رقم (421) .(14/236)
155 - بيان الحكمة من قراءة سورة يس على المحتضر
س: ما هي الحكمة من قراءة سورة يس على المحتضر؟ (1)
ج: لعله يستفيد منها، يسأل ربه المغفرة، أو يسأل ربه حسن الختام، يستفيد مما فيها من العظات، والحديث في سنده بعض المقال، لكن إذا
__________
(1) السؤال الثاني والخمسون من الشريط رقم (421) .(14/236)
قرأها الإنسان قرأها عند المحتضر لا بأس.(14/237)
156 - حكم قراءة يس وقل هو الله أحد على قبر الميت
س: يقول السائل: إنه حين يدفن الميت في المقبرة يأتي أناس ويقرؤون على قبر الميت سورة يس و: قل هو الله أحد هل هذا جائز؟ (1)
ج: ليس بجائز إنما تقرأ يس عند المحتضر قبل أن يموت، أما على قبره لا تقرأ يس ولا غيرها، ولكن يدعى له بعد الدفن، وعند الزيارة يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، أما أن يقرأ على الميت على قبره سورة يس أو غيرها فهذا غير مشروع.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (293) .(14/237)
157 - حكم قراءة الفاتحة على الميت عند قبره
س: ما حكم قراءة الفاتحة على الميت عند قبره؟ (1)
ج: بدعة، لا يقرأ على القبور، إذا زار الميت يسلم عليه، يقول: السلام عليك يا فلان غفر الله لك، رحمنا الله وإياك، السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، أما القراءة فلا، لا يشرع لا الفاتحة ولا غيرها، لا يقرأ عند القبور الفاتحة ولا غيرها، بل ذلك من البدع، ولا يصلي عند القبور أيضا، ولكن يسلم عليهم، يقول: «السلام عليكم أهل
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (382) .(14/237)
الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » يغفر الله لنا ولكم كما علم النبي أصحابه هذا الدعاء هكذا يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام، أما الصلاة عند القبور أو الطواف بها أو القراءة عندها كل هذا لا يجوز، الصلاة عندها بدعة، القراءة عندها بدعة، والطواف بها إذا أراد بذلك التقرب إلى الميت شرك أكبر، أما إذ ظن أن الطواف بها قربة وطاعة لله، يعني فهذا بدعة مثل الصلاة عندها -نسأل الله العافية - أما إذا صلى لصاحب القبر أو طاف لصاحب القبر يتقرب إليه بذلك فهذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .(14/238)
158 - حكم ختمة القرآن عن الميت
س: يسأل السائل من ليبيا ويقول: أسأل عن ختمة القرآن والتي تعمل للشخص المتوفى من قبل أهله، ويعتبرونها صدقة، وهي عبارة عن مجموعة من القراء يختمون القرآن، وبعدها يتناولون الطعام طعام الغداء، وهي لا شك بأنها صدقة ويمكن أن يحضرها أي شخص ما حكم ذلك؟ مأجورين. (1)
ج: لا أعلم لهذا أصلا، ختمة القرآن لفلان أو فلان لا أعلم له أصلا، بعض أهل العلم يجيز ذلك، لكن لا أعلم له أصلا، الرسول يقول صلى
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (410) .(14/238)
الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » كونهم يجتمعون للقراءة لفلان أو لفلان هذا لا أعلم له أصلا، الإنسان يقرأ لنفسه يطلب الثواب من الله لنفسه، يقرأ القرآن، أو اثنان يتدارسان، أو ثلاثة يتدارسون لا بأس، يطلب الثواب من الله جل وعلا، ما هو لأجل فلان أو فلان، أو القراءة لفلان، النبي كان يدارس جبرائيل عليه الصلاة والسلام في رمضان كل ليلة، فالحاصل أن المدارسة لا بأس بها، أما اجتماعهم الناس ليقرؤوا ختمة لفلان أو فلان هذا ما أعلم له أصلا في الشرع، الواجب تركه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/239)
159 - حكم بعض العادات التي تفعل عن الميت
س: هذا السائل م. ج. يقول: سماحة الشيخ إذا مات الشخص عندنا يقيمون له فاتحة ثلاثة أيام، ويذبحون له بعضا من الخراف، والنساء يبكين بصوت عال جدا، ويحملون الميت إلى المقبرة، ويطلقون النار، فما الحكم في ذلك؟ (1)
ج: كل هذا منكر، الصياح منكر، وجعل الولائم منكر، وإطلاق النار
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (422) .(14/239)
منكر، كل هذا لا أصل له، الواجب الصبر والاحتساب والحمد لله، والبكاء بدمع العين من دون صوت لا بأس به، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون (1) » لما مات ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم (2) » والرسول لعن النائحات ونهى عن النوح كما قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " برئ من الصالقة والحالقة، والشاقة (3) » يعني عند المصيبة الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (4) » أي عند
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .(14/240)
المصائب وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، «كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت ووضع الطعام عند الدفن من النياحة (1) » فلا يصنعوا للناس طعاما ولا يجمعوهم لكن إذا بعث إليهم أقاربهم طعاما سنة. لما جاء نعي جعفر عندما قتل في الشام قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد آتاهم ما يشغلهم (2) »
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/241)
س: السائل ع. ع. من الأردن يقول: والدي ووالدتي ماتا منذ زمن طويل، وأنا كل يوم أقرأ القرآن الكريم ما يتيسر وفي النهاية أقرأ الفاتحة وأقول: اللهم ابعث ثواب ما قرأت إلى ورح والدي ووالدتي، فهل يجوز لي ذلك؟ (1)
ج: هذا غير مشروع، ولم يرد في السنة، تثويب القراءة غير مشروع، لكن تصدق عنهم، ادع لهما، حج عنهما، اعتمر عنهما، أما تثويب القراءة أو تثويب صيام أو تثويب صلاة ليس له أصل في الشرع، قالوا: يجب ترك ذلك، لكن يشرع لك يا أخي أن تجتهد في الدعاء لهما والترحم عليهما، والاستغفار لهما، والصدقة عنهما، والحج عنهما أو العمرة، كل هذا طيب، نسأل الله لك التوفيق.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (419) .(14/241)
160 - بيان بعض الأعمال التي تنفع الميت
س: ثواب الأعمال يصل إلى الميت سماحة الشيخ؟ (1)
ج: أعمال الحي التي جاء بها النص كالصدقة عنه، ينفع الميت الدعاء والاستغفار وينفعه كذلك الحج عنه، والعمرة كذلك تنفعه.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (419) .(14/242)
161 - مسألة في جمع القراء والإطعام عن الميت
س: السائل إ. م. يقول: عندما يموت قريب لنا يأتي إلى منزله عدد من القراء، أو من طلبة تحفيظ القرآن الكريم، ويقرؤون القرآن بنية وصول الثواب للميت، ثم بعد ذلك يدعون للميت، فبعد ما ينتهون يطعم الطعام المقرئين أو يدفع لهم مالا أو يجمع بينهما أو يفعل مثل هذا للمريض بالشفاء لمرضه، أو للذي بنى له منزلا ليبارك الله عز وجل في منزله، فما الحكم؟ (1)
ج: هذا لا أصل له، ولا يقرأ للميت، أو يجمعهم على الأكل ويقرؤون للميت، كل هذا لا أصل له، وغير مشروع أما كونه يزورهم ليعزيهم يزور أهل الميت للتعزية هذا مستحب، أما جمعهم للقراءة فالقراءة ليس عليها دليل، ولا جمعهم للقراءة أو للأكل أو للتحدث،
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (420) .(14/242)
وصناعة الطعام للناس لا، النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل هذا مع الموتى، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه وهو من الصحابة المعروفين: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة (1) » أما إذا زاروهم يعزونهم ويقهوونهم فنجان قهوة، أو فنجان شاي لا بأس، أما تجمع قصد التجمع ونصب الخيام وأشباه ذلك، أو دعوة القراء، كل هذا من البدع لا أصل له.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/243)
س: أيضا بعد موت الميت يقومون بالقراءة لمدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك تؤخذ باقة من الورد وتلقى على قبره؟ (1)
ج: كذلك هذه بدعة، القراءة على القبر لا يوم ولا أيام كله بدعة، لا يقرأ على القبور ولا يجتمع للقراءة للميت، كل هذا من البدع أما إذا كان في المجلس وقرأ واحد يسمعهم للفائدة فلا حرج في ذلك، أما أن يجتمعوا ليقرؤوا للميت ويثوبوا للميت هذا لا أصل له، وهكذا لو اجتمعوا على قبره أو قام أحد يقرأ على قبره كل هذه خلاف الشرع.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (290) .(14/243)
س: الأخ س. م. من بقيق يسأل ويقول: هل تجوز قراءة القرآن للميت، وهل يجوز للإنسان أن يصلي للميت أم الصدقة والدعاء والحج(14/243)
يكفي ذلك؟ أرشدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس في الأدلة الشرعية ما يدل على شرعية القراءة عن الميت أو الصلاة عن الميت، وإنما المشروع عن الميت الصدقة عنه والدعاء له والحج عنه والعمرة، هذا هو الوارد في الأحاديث أما كونه يقرأ عنه، يثوب أو يصلي عنه، هذا لا أعلم له دليلا شرعيا، ولو قاله بعض أهل العلم لكن ليس عليه دليل فيما أعلم.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (290) .(14/244)
س: هل قراءة القرآن للمتوفى تفيده في قبره؟ (1)
ج: لا دليل على هذا، قراءة القرآن لا تقرأ عن الأموات ولكن يدعى له بالمغفرة والرحمة ويتصدق عنه، هذا هو المشروع، وأما قراءة القرآن وتثويبها للأموات فهذا لا دليل عليه وإن كان قاله بعض العلماء، ولكن قول لا دليل عليه.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (334) .(14/244)
س: هل من يقرأ القرآن في البيت ويثوبه لميت هل يصل ثوابه إليه أم لا؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: ليس على هذا دليل، قراءة القرآن للأموات الراجح أنه لا يستحب، ولا يشرع، إنما يقرأ يطلب الثواب لنفسه، ويدعو لمن أحب من أقاربه
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (348) .(14/244)
وغيرهم، أما أن يقرأ بالنية عن فلان فهذا لا دليل عليه والأظهر في الأدلة الشرعية أنه لا يجوز، وإن أجازه بعض أهل العلم، فالذي نرى في هذا عدم القراءة للناس يهدي ثوابها للناس بل يقرأ يرجو ثوابا من الله لنفسه، ويدعو لمن أحب من إخوانه المسلمين.(14/245)
162 - حكم قراءة الأبناء القرآن عن والدهم الميت
س: هل يصل أجر قراءة القرآن للميت حينما يقرأ الأبناء على نيتهم بالنسبة لوالدهم، وهل الدعاء له أفضل أم قراءة القرآن الكريم أفضل؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: القرآن لا يقرأ على الناس، لا عن الميت ولا عن غيره، كل يقرأ لنفسه، وثوابه لنفسه لم يثبت في الأدلة الشرعية أن أحدا يقرأ عن أحد أو لأحد وذكر أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه ليس هناك نزاع بين أهل العلم في أنه لا يقرأ على الميت، لا يقرأ أحد لأحد، قال: إنه لا نزاع فيه بين أهل العلم أن هذا ممنوع، لكن الصدقة والدعاء أمر مطلوب، إذا دعا للميت: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أنجه من النار، اللهم تقبل أعماله، أو تصدق عنه، هذا طيب، وهذا ينفع الميت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (373) .(14/245)
ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وقد أخبر الله عن السلف الصالح أنهم كانوا يدعون لسابقيهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2) فالدعاء مشروع للحي والميت بإجماع المسلمين ليس فيها نزاع وصلاة الجنازة دعاء للميت، فالمسلمون يدعون للميت بعد التكبيرة الثالثة، ما بعد التكبيرة الثالثة كله دعاء للميت، فالدعاء للميت فيه خير كثير ومصالح جمة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) سورة الحشر الآية 10(14/246)
س: يقول السائل: إن والدي متوفى، هل يجوز لي عند قراءتي في المصحف أن أقول: يا رب ببركة وفضل السورة أن تهبها لوالدي، ثم أتصدق وتكون نيتي له، هل يجوز مثل هذا العمل؟ (1)
ج: لم يرد ما يدل على الصدقة بالقرآن، ولكن تدعو له عند قراءتك، وفي غيرها تدعو له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، أما الصدقة عنه بالآيات وقراءة القرآن فليس عليها دليل، وإنما تدعو لأبيك تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أجره من النار، اللهم ضاعف حسناته، اللهم اجزه
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (362) .(14/246)
عنا خيرا، تصدق عنه بالمال، تحج عنه، تعتمر عنه، تقضي دينه كل هذا طيب كله ينفع، أما أن تقرأ عنه القرآن أو تصلي عنه هذا لم يرد.(14/247)
س: هل تجوز قراءة القرآن عن الميت؟ (1)
ج: لم يشرع هذا، الميت منقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فقراءة القرآن عليه لا تنفعه ولا يستفيد منها، لأنه لا يسمعها، ولا يستفيد منها بعد الموت.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (265) .(14/247)
163 - حكم قراءة سورة معينة من القرآن عند القبور
س: هل قراءة القرآن عند القبور بدعة، وخاصة سورة الفاتحة وسورة البقرة، علما بأني قرأت في كتاب الروح لابن القيم عن قراءة القرآن عند دفن الميت، وقراءة القرآن أيضا عقيب الدفن، ومثال ذكر على ذلك أن جماعة من السلف أوصوا بأن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن، قال عبد الحق: يروى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة، وممن رأى ذلك المعلى بن عبد الرحمن، وكان الإمام أحمد ينكر ذلك أولا حيث لم يبلغه فيه أثر، ثم رجع عن ذلك، أفيدونا عن هذا الأمر جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (274) .(14/247)
ج: القراءة عند القبور بدعة، ولا يجوز فعلها، ولا الصلاة عندها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولا أرشد إليه ولا خلفاؤه الراشدون؛ ولأن هذا مما يفعل في المساجد والبيوت، يقول صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا (1) » فدل إلى أن القبور ما يصلى عندها ولا يقرأ عندها، لأن هذا من خصائص المساجد والبيوت، إنما يسلم على أهلها يزارون ويسلم عليهم ويدعى لها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (2) » ولم يقرأ عنده ولم يقم بالقراءة عنده، وما يروى عن عبد الله بن عمر إن صح عنه لا يعول عليه، لأن العبادات تتلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من القرآن، ولا يحتج فيها بقول صاحب ولا غيره ما عدا الخلفاء الراشدين، حيث قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (3) » فما جاء عن الخلفاء الراشدين يعتمد إذا كان لا يخالف سنته عليه الصلاة والسلام، وأما ما يروى عن ابن عمر أو غيره من الصحابة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب لزوم السنة، برقم (4607) والترمذي في كتاب العلم عن رسول الله، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع برقم (2676) وابن ماجه في كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين برقم (42) واللفظ لأبي داود.(14/248)
وغيرهم في العبادات فلا يعول عليه، لأن العبادات توقيفية لا تؤخذ إلا عن القرآن أو السنة الصحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وما ذكره ابن القيم عن بعض العلماء لا يعتمد عليه، فالواجب في مثل هذا الباب هو الاعتماد على القرآن والسنة، وما خالفهما من جهة العبادة يكون بدعة، فلا يصلى عند القبور، ولا يقرأ عندها، ولا يطاف بها، ولا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بأهلها، فدعاء الميت والاستغاثة بالميت والنذر له هذا من الشرك الأكبر والدعاء عند القبر مثل أن يدعو الله عند القبر بدعة، وهكذا القراءة عند القبر بدعة.(14/249)
164 - مسألة حول رجوع الإمام أحمد عن منع قراءة القرآن عند القبور
س: هل رجع الإمام أحمد فعلا عن القول بهذا؟ (1)
ج: يروى هذا ولا يدرى عن صحته، ولو رجع عنه ولو قاله أحمد، أحمد يخطئ ويصيب مثل غيره من العلماء، ابن عمر أفضل من أحمد فنقول: العمدة على الكتاب والسنة يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) ويقول جل وعلا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (3)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (274) .
(2) سورة النساء الآية 59
(3) سورة الشورى الآية 10(14/249)
ويقول جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) هذه العبادات وهذه المسائل عظيمة يتلقاها المسلمون عن القرآن العظيم والسنة المطهرة.
__________
(1) سورة الحشر الآية 7(14/250)
165 - مسألة في قراءة الفاتحة عند زيارة القبور
س: هل يجوز قراءة الفاتحة عند وصولي إلى المقبرة أم قراءة الفاتحة بعد الزيارة؟ (1)
ج: لا تشرع قراءة الفاتحة ولا غيرها من السور، إذا زار المؤمن القبور يسلم عليها فقط، هذا المشروع، أما كونه يقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن فليس لهذا أصل، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا (2) » فالقبور ليست محل صلاة ولا محل قراءة، وقال: «فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (3) » فالقرآن محله المساجد والبيوت، وليس محله القبور، فلا يقرأ في المقبرة لا الفاتحة ولا غيرها، والأحاديث التي يرويها بعض الناس
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (205) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.... برقم (780) .(14/250)
في القراءة في المقابر، وأنها تنفع الموتى كل ذلك لا أصل له، كلها غير صحيحة، وإنما السنة لمن زار القبور أن يسلم عليهم السلام المشروع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » ولم يعلمهم أن يقرؤوا الفاتحة أو غيرها من القرآن هكذا كان يعلمهم يقول، قولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وكان عليه الصلاة والسلام إذا زارها يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (3) » وفي رواية: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » هذه الدعوات التي تقال عند الزيارة: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، غفر الله لنا ولكم، وما أشبه هذا الكلام، هذا هو السنة، أما القراءة فلا أصل لها، ولا تشرع لا قبل الزيارة ولا بعدها ولا عندها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/251)
166 - مسألة في حكم استئجار القراء للقراءة على أرواح الموتى
س: ما حكم قراءة القرآن ولا سيما الفاتحة ويس على أرواح الموتى؟ وما حكم ما يفعله بعض الناس من إحضار القراء ليقرؤوا القرآن على أرواح الموتى بمبالغ باهظة؟ وما صحة الحديث: " اقرؤوا يس على موتاكم "؟
ج: هذا العمل لا يجوز، كونه يستأجر من يقرأ القرآن على الموتى هذا لا يجوز، والذي يقرأ بالأجرة ما له ثواب حتى يهديه للموتى، ما قرأ إلا للأجرة فليس له ثواب حتى يهدي، ثم السنة عدم إهداء القراءة للموتى لا منك ولا من غيرك لعدم الدليل على ذلك؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، لكن بعض أهل العلم رأى جواز ذلك من غير أن يستأجر بأجرة بل من باب التبرع، إذا تبرع وقرأ وثوب لميته أو لإنسان حي ذكر بعض أهل العلم أنه جائز، ولا حرج في ذلك، وقاسوه على الصدقة والدعاء، ولكن ظاهر الأدلة الشرعية أن ذلك لا ينبغي وأنه يخشى أن يكون بدعة لعدم الدليل عليه، فالأولى بالمؤمن والأحوط له ألا يفعل ذلك، بل يحسن إلى موتاه بالدعاء، بالصدقة عنهم، بالحج عنهم، بالعمرة، هذا لا بأس كله مشروع، أما كونه يقرأ ويثوب لهم أو يسبح ويثوب لهم هذا لا دليل عليه،(14/252)
فالأولى بالمؤمن ترك ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » أما كونه يستأجر من يقرأ هذا لا يجوز، لأن كونه يقرأ للأجرة فهذا ليس له ثواب، فكيف يهدي، ما هناك شيء يهدي، وقد أجمع العلماء على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن، ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وقال: إنه لا نزاع بين أهل العلم في تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن. فالواجب الحذر من هذا العمل، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/253)
167 - حكم التهليل سبعين ألف مرة للميت
س: ما حكم قراءة سورة يس على المقابر بعد الفراغ من الدفن وقبله، والتهليل سبعين ألف مرة للميت، وفي ثالث أيامه يحتفلون ويذبحون خير بقرة له، ثم في الخامس عشر، وفي تمام الشهر من وفاة الميت يحتفلون ويذبحون، ويأكلون ولا يبالون بما بقي لليتامى والورثة، ما حكم الشرع في مثل هذا في نظركم؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (184) .(14/253)
ج: كل هذا بدعة لا أصل له في الشرع، فـ: يس لا تقرأ على الأموات، ولا على القبور، وإنما تقرأ على المحتضر قبل أن يموت، كما جاء به الحديث الشريف، وإن كان في سنده مقال، لكن صححه بعض أهل العلم فلا بأس بقراءتها على المحتضر قبل أن يموت، أما قراءتها على الميت بعد الموت أو على القبر فهذا لا أصل له ولا يشرع، بل هو بدعة، وهكذا الاستغفار له والدعاء له سبعين ألف مرة هذا لا أصل له، وهكذا الاحتفال والذبح لله في ثالث الموت أو خمسة عشر بعد الموت، أو على رأس الشهر أو بعد ذلك، على رأس الأربعين أو على رأس السنة كل هذا من البدع لا يجوز لهم أن يفعلوه لا من أموالهم ولا من أموال الورثة؛ لأن الرسول ما فعل هذا، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فالخير في اتباعهم وقد قال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » فلا يخص بدعاء ولا باستغفار سبعين ألف، وبعشرة آلاف، ولا ألف ولا ألفين، ولا شي مقدر، بل يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولأموات المسلمين، ويتصدق عنه لا بأس، يضحى عنه لا بأس، أما الاحتفال بشيء معين من ذبائح في يوم معين، يوم الموت، أو ثالث
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/254)
الموت أو عاشر الموت، أو خامس عشر، أو بعد شهر، أو بعد سنة، كل هذا من البدع يجب التناهي عن هذا، يجب التناصح بين المسلمين في ذلك، ويجب على من يعلم إرشاد من لا يعلم، هكذا يجب على المسلمين التناصح والتواصي بالحق حتى تزول البدع ويقل الشر، قال الله عز وجل في وصف الرابحين: {وَالْعَصْرِ} (1) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) وقال جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4) وأخذ الذبائح من أموال اليتامى، أو من أموال الورثة ظلم، وإذا رضوا بذلك فهذا جهل وبدعة من عمل الجاهلية، فالواجب الحذر والتناصح.
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
(4) سورة المائدة الآية 2(14/255)
س: هذا السائل من اليمن ع. ع. أ. يقول سماحة الشيخ في بلدنا إذا مات الشخص يقام له في بيته ثلاث أو سبع ليال تسمى بالتهاليل، لأنه يهلل فيها ثلاث دفعات في كل دفعة مائة تهليلة، وذلك في كل ليلة من تلك الليالي، وقبل التهليل في الدفعة الأولى فقط تقرأ سورة يس جماعيا من قبل الحاضرين، وفي نهاية وتمام المائة يقال دعاء طويل يختم به الفاتحة إلى روح الميت والأولياء والنبي(14/255)
صلى الله عليه وسلم أفيدونا سماحة الشيخ عن هذا العمل؟ (1)
ج: هذا يا أخي بدعة ما يجوز، هذا منكر وبدعة لا أصل له في الشرع، بل يجب تركه، إذا مات الميت يعزون ويدعى لهم بالصبر والاحتساب، وبالدعاء للميت بالمغفرة إذا كان مسلما، أما هذه الأعمال منكرة، كلها بدعة لا أصل لها في الشرع، ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، فهي بدعة منكرة.
__________
(1) السؤال الثالث والخمسون من الشريط رقم (418) .(14/256)
س: هذا السائل يقول: إذا مات عندنا إنسان نقوم بعمل ما يسمى بالتهليل والتكبير وهو قراءة يس وسورة الملك، وإهداء ثواب ذلك إلى هذا الميت، والقراءة تكون بصوت جماعي بعد أن تنقسم هذا الجماعة إلى فرقتين، كل فريق يقرا آية، ما صحة هذا العمل؟ (1)
ج: هذا من البدع، قراءة يس وسورة الملك بعد الموت، أو القيام بهذا من جماعة أو جماعات كل هذا بدعة لا يجوز هذا، إنما يدعى له، يستغفر له، ويترحم عليه، ويتصدق عنه، أما القيام بهذا الأمر في بيته أو في أي مكان أو في المقبرة فكل هذا بدعة لا أصل له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) »
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (406) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/256)
168 - مسألة في حكم الذبح وقراءة القرآن على الميت
س: هل يجوز الذبح وقراءة القرآن على الموتى؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: الذبح إن كان قصده التضحية عن الميت يضحي عنه فالضحية مشروعة، للحي والميت، كونه يضحي عنه، أو يذبح ذبيحة يتصدق بها يعطيها الفقراء عنه لا بأس، أما الذبح له، يتقرب هو للميت، فهذا شرك، يذبح له، يتقرب إليه، كما يذبح عباد الأصنام لأصنامهم، هذا شرك أكبر، أما أن يذبح يتقرب إلى الله ضحية عن الميت أو صدقة يعطيها الفقراء عن الميت، أو يتصدق بدراهم أو بطعام عن الميت، فهذا لا بأس به، بل فيه نفع للميت، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2) » «قال رجل: يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي: " نعم (3) » هذا فيه خير عظيم، أما القراءة عند القبور بدعة، لا تشرع القراءة عند القبور، ولا الصلاة عند القبور، بل هذا من البدع، بل من وسائل الشرك، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا (4) » فدل
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (383) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (777) .(14/257)
على أن القبور ما يصلى فيها، ولا يقرأ عندها، اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، هذا يدل على أن البيوت هي محل القراءة، أما القبور فليست محلا للصلاة والقراءة، فالبيت يصلى فيه النافلة، يصلي فيه المريض العاجز عن المسجد، يقرأ في البيت كل هذا طيب، أما القبور فإنما تزار للدعاء لهم، والترحم عليهم، والإحسان إليهم بالدعاء، أما أن يتخذها للصلاة عندها أو للذبح عندها أو للقراءة عندها فهذا بدعة.(14/258)
169 - حكم الوعظ عند القبور
س: بالنسبة للوعظ عند القبور ما رأيكم فيه؟ (1)
ج: الوعظ لا بأس به، النبي وعظ عند القبر جاء عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي، ومن حديث البراء بن عازب، أنه وعظ الناس عند القبر وهم ينتظرون، وعظهم وذكرهم عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (383) .(14/258)
170 - حكم قراءة سورة يس على الميت الذي كان لا يصلي قبل وفاته
س: كان لي أخ قد وافاه الأجل، وكان مستقيما في سلوكه - أي لا يؤذي أحدا ولا يكذب ولا يرتكب المحرمات - وكل الناس يثنون على أدبه وخلقه، وكان محبوبا من قبل الجميع، ولكنه لم يكن يصلي(14/258)
ولا يصوم، علما بأنه كان مطربا - أي يغني - ولديه أغان ... ويستمر في سرد مثل هذا الوصف، ويقول في نهاية رسالته: إنه يقرأ عليه سورة يس عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يس قلب القرآن، لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له، واقرؤوها على موتاكم (1) » ولكني سمعت من برنامجكم الكريم بأن الشخص الميت لا يصل إليه ثواب قراءة القرآن، أرجو التوجيه، جزاكم الله خيرا (2)
ج: الذي لا يصلي حالته سيئة جدا، وقد اختلف العلماء في كفره، إذا كان يقر بأن الصلاة واجبة، ويعرف أنها واجبة وفرض، ولكنه يتساهل، فلا يصلي، فذهب جمع من أهل العلم إلى أنه عاص، ومعصيته كبيرة أعظم من الزنى، وأعظم من السرقة، ولكنه لا يكون كافرا، بل تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، إذا كان موحدا مسلما يعبد الله وحده ويعلم أن الصلاة فريضة، ولكنه يتساهل، والقول الثاني: أنه يكفر كفرا أكبر ولو أقر بوجوبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم في
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج15، برقم 16905) .
(2) السؤال السابع من الشريط رقم (100) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .(14/259)
الحديث الآخر: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنهما، ولأحاديث أخرى جاءت في الباب، قال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: «لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة (2) » يعني أن الصحابة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون أن الصلاة من الأعمال التي يكفر تاركها، ولو لم يجحد وجوبها، وهذا القول أصح وأظهر دليلا، فنوصيك أيها السائل ألا تدعو لأخيك هذا، ولا تتصدق عنه، لأنه في ظاهر حاله ليس بمسلم، ولا تدعو عليه أيضا ولا تسبه، وأمره إلى الله، وأما قراءة القرآن: هل يحلق بالميت وينفعه، فهذا أيضا فيه خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: إن القراءة تنفع الميت إذا قرأ عليه - يعني: إذا قرأ له؛ ثوب له - قرأ بعض القرآن وجعل ثوابها له، وقال آخرون من أهل العلم: ليس عليه دليل ولا يلحق؛ لأن القرب والعبادات توقيفية، فلا يصار إلى شيء منها إلا بدليل، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة ما يدل على القراءة للأموات، وحديث معقل بن يسار في سورة يس
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2622) .(14/260)
ضعيف، ولو صح لكان المراد به المحتضر: «اقرؤوا على موتاكم يس (1) » يعني: المحتضر الذي قد دنا أجله حتى يستفيد وحتى يتذكر، لعل الله يحسن له الخاتمة، فالمعنى: اقرؤوا على المحتضر - على من دنا أجله، من دنا موته - سورة يس، لكنه حديث ضعيف، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله (2) » رواه مسلم في الصحيح، معناه: لقنوهم عند حضور الأجل حتى يختم لهم بها، وحتى تكون هذه الكلمة آخر كلامهم، وهي: لا إله إلا الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة (3) » وهذا يدل على أن معنى الموتى المحتضرون، لقنوا موتاكم، يعني: محتضريكم، وبذلك يعلم أن القراءة للموتى ليس عليها دليل، والأظهر عدم وصولها إليهم، ولكنهم ينتفعون بالصدقة عنهم، بالدعاء لهم، بالحج عنهم، بالعمرة عنهم، بقضاء الدين الذي عليهم، كل هذا ينتفعون به بإجماع المسلمين، أما الصلاة عنهم والقراءة لهم فهذا لا يصل إليهم على الصحيح، فإذا كانوا مسلمين فإنهم ينتفعون بذلك، ومن كان غير مسلم لا ينتفع، ومن ترك الصلاة حكمه حكم الكفار على الصحيح.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه، برقم (19790) ، وأبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت، برقم (3121) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، برقم (1448) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، برقم (917) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في التلقين، برقم (3116) .(14/261)
171 - حكم قراءة سورة الملك ويس أثناء دفن الميت
س: ما حكم قراءة سورة يس وسورة الملك في أثناء دفن الميت وبصوت مرتفع؟ (1)
ج: لا يقرأ عند دفنه لا يس ولا الملك ولا غيرهما، ليس هذا بمشروع، لا يقرأ القرآن عند دفنه ولا بعد دفنه، كله غير مشروع، وإنما تقرأ يس عند المحتضر، يستحب أن تقرأ عند المحتضر قبل أن يموت ليسمعها ويستفيد، وإذا قرئ عنده غيرها أيضا فلا بأس من القرآن أو الأحاديث، كل هذا لا بأس به ليستفيد، ويكون ذلك أقرب إلى استحضار عظمة الله، وإخلاصه لله ودعائه له سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (151) .(14/262)
س: ما حكم قراءة القرآن للميت بعد الدفن بعدة أيام؟ هل يستفيد منها خاصة قراءة سورة يس، وتبارك، وقل هو الله أحد، أم أن الدعاء له أن يرحمه ويغفر له ربه أنفع؟ وما الذي ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ (1)
ج: الذي ورد هو الدعاء للموتى والترحم عليهم، أما أن يقرأ لهم القرآن عند القبور أو في مكان آخر، فهذا لا نعلم له أصلا، وإن كان قاله بعض أهل العلم واستحبه بعض أهل العلم، وقالوا: إنه يلحق الميت وينفعه، لكن
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (133) .(14/262)
ليس عليه دليل، فالذي ينبغي أن يكون الإحسان للميت بالدعاء والصدقة له والحج عنه والعمرة عنه وقضاء دينه، هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الذي جاء في الأحاديث الصحيحة، الصدقة عن الميت، الدعاء بالمغفرة والرحمة، قضاء دينه، الحج عنه، العمرة عنه، هذا هو المحفوظ، أما أن يقرأ عنه أو يقرأ له سورة يس أو تبارك في أي مكان، أو عند القبور، فهذا لا أصل له ولا ينبغي وليس بمشروع، وإنما تشرع قراءة " يس " عند المحتضر قبل أن يموت لينتفع بذلك وليوعظ ويذكر، ويقرأ عنده القرآن هذا ينفعه قبل أن يموت، أما بعد الموت فقد انتهى الأمر، ومما قد يقع من بعض الناس أن بعض الناس يقرأ في القبر، إذا انحفر القبر جعل يقرأ فيه، وبعضهم يؤذن فيه ويقيم، هذا كله بدعة لا أصل له، لا أذان في القبر ولا إقامة في القبر ولا قراءة في القبر، كل هذا مما أحدثه الناس، والله المستعان.(14/263)
172 - حكم قراءة سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة دبر كل صلاة، وإهداء ثوابها للميت
س: توفي والدي - عليه رحمة الله - منذ شهرين، وبالعادات عندنا بالسودان بدون سند أن يقرأ الابن لوالده المتوفى دبر كل صلاة سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، ويهب ما تلاه لروح المرحوم والده، هل لهذا العمل من دليل؟ أفيدونا عنه جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (134) .(14/263)
ج: هذا العمل ليس له دليل بل هو بدعة، ولو اعتاده جماعتكم فإن البدع لا تبررها العادات، فالواجب ترك هذه البدعة والحذر منها، ويكفي أن تدعو لأبيك وأن تتصدق عنه، هذا هو المشروع، فالدعاء والصدقة والحج عنه والعمرة كل هذا ينفعه بإذن الله فنوصيك بالاستكثار من الدعاء لوالدك بالمغفرة والرحمة، وهكذا الصدقة عنه إذا تيسر ولو بالقليل، والله جل وعلا يثيبك ويخلف عليك ما أنفقت في هذا السبيل بالخلف العظيم، ويأجرك على دعواتك لأبيك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » الذي يلحق بالميت بعد وفاته دعاء الولد، والولد يشمل الذكر والأنثى البنت والابن، كلاهما يقال له ولد، كما قال الله سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) فالأولاد تطلق على الذكور والإناث، والولد يقال للذكر والأنثى، ويقال للذكر: ابن، وللأنثى: بنت، فقوله صلى الله عليه وسلم: «أو ولد صالح يدعو له (3) » يعني: الذكر أو الأنثى، فمن البر للوالد بعد وفاته الدعاء له، وقد سئل عليه الصلاة والسلام، سأله بعض الصحابة، قال له: «يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) سورة النساء الآية 11
(3) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/264)
عليه الصلاة والسلام: " نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما (1) » فذكر خمسة أشياء: الصلاة عليهما يعني الدعاء لهم، ومن الصلاة عليهما صلاة الجنازة أيضا، والاستغفار لهما طلب المغفرة لهما، والثالث: إنفاذ عهدهما من بعدهما، إذا أوصيا بشيء ينفذه، إذا كانت وصية لا تخالف الشرع ينفذها، والرابع: صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، كإكرام أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك، والإحسان إليهم، وصلتهم، كل هذا من بر والديك، والخامس: إكرام صديقهما، إذا كان لهما صديق تكرمه بما تستطيع بالكلام الطيب، والزيارة، والدعوة إلى البيت، وإكرام الضيافة، ومواساته، إن كان فقيرا، كل هذا من إكرام الصديق، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في بر الوالدين برقم (5142) وابن ماجه في كتاب الأدب، باب صل من كان أبوك يصل، برقم (3664) .(14/265)
173 - حكم قراءة الفاتحة عقب كل صلاة على روح النبي صلى الله عليه وسلم
س: السائل ع. ح. ع. من الجمهورية اليمنية يقول: هل يجوز قراءة الفاتحة عقب كل صلاة على روح النبي صلى الله عليه وسلم، أم أن(14/265)
هذا بدعة، وكيف نعرف البدعة يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا بدعة ليس له أصل في الشرع، والبدعة هي: فعل شيء ما شرعه الله، هذا بدعة، تعبد بشيء لم يشرعه الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » أي هو مردود. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » وقال عليه الصلاة والسلام: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (4) » فالتعبد بشيء ما شرعه الله يسمى ضلالة، فهذه القراءة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة مخصوصة أو مطلقة، هذا ما شرعه الله، فأنت تصلي عليه، تقول: اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم اجزه عنا خيرا كما أحسن إلينا، هكذا تكثر من الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، وتدعو له وتثني عليه، وتتبع سنته، تحرص على اتباع السنة، والاستقامة على دينه، والعمل بشرعه، أما القراءة له فما شرع الله القراءة له، ولكن تصلي عليه، وتسلم عليه وتدعو له، إلى
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (394) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(14/266)
غير هذا من الدعوات الطيبة.(14/267)
174 - مسألة في حكم قراءة سورة الإخلاص على روح الميت
س: أرجو إفادتي عن قراءة سورة الإخلاص على روح الميت في أي وقت من الأوقات، أو في أي مكان من الأمكنة؟ (1)
ج: لا نعلم لقراءة سورة الإخلاص للموتى شيئا واضحا، ولا عن السلف الصالح لكن يجوز أن تقرأ القرآن، وأن تجعل ثوابه لوالديك أو غيرهم، هذا يراه الأكثر من أهل العلم أنه لا حرج في ذلك، أما تخصيص سورة معينة لبعض الناس فلا أعلم له أصلا، ولا نعلم أصلا أيضا لتجويز ثواب القرآن للموتى، لكن بعض أهل العلم الذين أجازوه قاسوا ذلك على الصوم، وقاسوا على الدعاء والصدقة، هذا وجه ما قاله الأكثرون من تجويز القرآن لوالديك أو غيرهم، وأما تخصيص سورة الإخلاص أو الكافرون، أو سورة من السور، أو آية يهدى ثوابها لأناس معينين فما نعلم له أصلا، إلا أن ذلك داخل في العموم عند من أجاز تثويب القرآن، والأولى عندي والأفضل عندي عدم الإجازة لعدم النقل عن السلف الصالح بخلاف الدعاء لهم والصدقة عنهم.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (23) .(14/267)
175 - حكم رفع الأيدي وقول الفاتحة للمرحوم عند العزاء
س: السائل ع. م. أ. سوداني ومقيم بالرياض يقول: عندنا عادة، وهي عند وفاة شخص يحضر الناس للمأتم، وعند حضور أي شخص يرفع يديه ويقول: الفاتحة للمرحوم فلان، ويرفع بقية الجالسين أيديهم أيضا ويقرؤون عند رفعها سورة الفاتحة والإخلاص فما حكم الشرع في نظركم يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذه القراءة وهذا الرفع بدعة لا أصل لها، ولا يجوز فعل ذلك لعدم الدليل، والرسول عليه السلام يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » ويقول: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (4) » ولم يكن يفعل هذا هو ولا أصحابه رضي الله عنهم، أما المأتم ففيه تفصيل إن كان مجيئهم للتعزية فقط فلا بأس، أما كونه للطعام يصنعون لهم طعاما ويجتمعون عندهم فهذا لا يجوز، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (412) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(14/268)
النياحة (1) » أما إذ زاروهم للتعزية فقط، سلموا عليهم وعزوهم ولو شربوا قهوة أو شايا ما يخالف، أما أن يحط مأتم، أهل الميت يصنعون طعاما للناس، فهذا لا يجوز.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/269)
س: يقول هذا السائل: أسأل عن قراءة الفاتحة مثلا على أرواح الموتى، هل هذا جائز؟ (1)
ج: ليس له أصل، لا الفاتحة ولا غيرها، لا يقرأ على الموتى لا الفاتحة ولا غيرها، القراءة على الأموات ليس لها أصل، ولكن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، يتصدق عنهم، هذا هو المشروع، يحج عن الميت يعتمر عنه، أما أن يقرأ له القرآن، فهذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (374) .(14/269)
س: ما حكم قراءة الفاتحة على أرواح الموتى؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل مما ذكر، استحبه بعض العلماء، ولكن الصحيح لا يستحب قراءة الفاتحة ولا غيرها للأموات ولا غيرهم، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بها شيء، ولا شرعية لقراءة القرآن الذي يثوب للموتى أو غيرهم، ولكن تقرؤه لتستفيد، لتعمل به، لتعرف معناه وتعمل به، لا تثوبها لغيرك، ولكن تقرؤه للعمل وللعلم وللفائدة، أما قراءته حتى
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (265) .(14/269)
تثوب لغيرك من الأموات وغيرهم فهذا لا دليل عليه، والمشروع تركه، ولكن تقرؤه لتعمل به وتعرف معناه، وليحصل الثواب من الله على القراءة والعمل.(14/270)
س: ما حكم قراءة الفاتحة على الأموات في المقابر؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، ولا تشرع القراءة على القبور لا الفاتحة ولا غيرها، القراءة على القبور بدعة، والقراءة عندها كذلك، السنة زيارتها للسلام عليهم والدعاء لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان يعلم أصحابه صلى الله عليه وسلم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » هكذا السنة، يدعو لهم ويستغفر لهم يسلم عليهم، أما أن يقرأ فهذا لا أصل له، فلا تشرع القراءة للموتى، ولا القراءة عند القبور، ولم يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (316) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/270)
س: امرأة تسأل عن الفاتحة على روح الميت كما يفعله كثير من الناس، ما الحكم فيها؟ (1)
ج: ليس في هذا أصل، القراءة للميت الفاتحة وغيرها ليس في هذا أصل، هذا هو الصواب، إنما يدعى للميت بالمغفرة والرحمة، ودخول الجنة والنجاة من النار، ويتصدق عنه بالمال، يحج عنه، يعتمر عنه، هذا هو الوارد، أما أن يقرأ عنه القرآن ويثوب فهذا ليس له أصل فيما نعلم، هذا هو الصواب.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (333) .(14/271)
س: أختنا تسأل عن حكم قراءة الفاتحة على الميت، في أي وقت؟ (1)
ج: ليس للقراءة على الميت أصل، فلا يشرع أن يقرأ على الميت لا الفاتحة ولا غيرها، الميت انقطع عمله بالموت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2) » والولد يشمل الذكر والأنثى، من علم خلفه للناس على تلاميذه، ونشره في الناس أو في كتب ألفها أو اشتراها ووزعها بين الناس، فاستفادوا منها، أو صدقة جارية وأوقاف سبلها حتى يتصدق منها في وجوه الخير، وفي المشاريع الخيرية،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (138) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/271)
كعمارة تؤجر على وقف تصرف أجورها في نفع المسلمين، وكتعمير المساجد، ومواساة الفقراء، وإقامة المشاريع الخيرية ونحو ذلك، أو ولد صالح يدعو له سواء كان ذكرا أو أنثى، الولد يشمل هذا وهذا كما قال عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (1) من الذكور والإناث، الولد يشمل الذكر والأنثى، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أو ولد صالح (2) » يعني: ابن أو بنت يدعو للميت، هذا ينفع الميت إذا دعا له ولده - يعني ابنه أو بنته - إذا دعوا له في ظهر الغيب كان هذا مما ينفعه، فينبغي للولد ذكرا كان أو أنثى أن يكثر من الدعاء لوالده ووالدته بالمغفرة والرحمة وتكفير السيئات وبالمنازل العالية، هكذا ينبغي للذكر والأنثى أن يدعوا لوالديهما، أما قراءة الفاتحة للميت فلا أصل لها، لا يقرأ الفاتحة على الميت ولا غير الفاتحة، ليس هذا مشروعا، ولا يقرأ للأموات الفاتحة ولا غيرها، هذا هو الصواب بعض أهل العلم يقول: يلحق ثواب التلاوة للميت، ولكن ليس عليه دليل، فالأفضل ترك ذلك، والأحوط ترك ذلك، وأن يستعمل الدعاء والصدقة والحج عن الميت، والعمرة كذلك، كل هذا ينفعه.
__________
(1) سورة النساء الآية 11
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/272)
س: السائلة ف. من مصر تقول: اعتاد بعض الناس عند ذهابهم للمقابر أن يقرؤوا الفاتحة والإخلاص والمعوذتين، فهل يصل الثواب(14/272)
للأموات؟ وما رأيكم سماحة الشيخ في توزيع الخبز والفواكه والخضروات عند القبور؟ وهل يجوز أهل العلم هذه الأشياء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: القراءة عند القبور غير مشروعة بل بدعة، لا يجوز قصد القبور للقراءة عندها لا الفاتحة ولا غيرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (2) » فدل على أن القبور ما هي بمحل صلاة ولا محل قراءة، البيوت والمساجد هي محل القراءة، ومحل الصلاة، فالمساجد محل صلاة الفريضة، ومحل القراءة، والبيوت محل صلاة النافلة والقراءة، أما المقابر فليست محلا للصلاة، ولا محلا للقراءة، ولكن من زارها يدعو للميتين، يستغفر لهم ويترحم عليهم ويتذكر الآخرة وأنه صائر إلى ما صاروا إليه حتى يعد العدة للقاء الله.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (388) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.... برقم (780) .(14/273)
س: السائل ح. ع. من مصر يقول: هل يجوز لي أن أقرأ القرآن على قبر والدي، وأن أقرأ الفاتحة عليه؟ وهل يصل أجر قراءتي لهذا القرآن أم أنني أكتفي بالدعاء؟ (1)
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (388) .(14/273)
ج: ليس لك القراءة، ولا تجوز القراءة على القبور، ولكن الدعاء يكفي، النبي صلى الله عليه وسلم دعا للموتى، وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه، وعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » وفي اللفظ الآخر: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » هذا هو السنة أما القراءة فغير مشروعة بل بدعة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/274)
176 - بيان بعض ما ينفع الميت من الأعمال
س: من الأخوين ع. ع. و - م. ع. رسالة يقولان فيها: ما هو العمل الذي ينفع الميت؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأعمال التي تنفع الميت كثيرة، منها الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة، والنجاة من النار، ومضاعفة الحسنات، فالدعاء للأموات من المسلمين من أهم القربات والطاعات، بل شرع الله - جل وعلا - صلاة الجنازة لما فيها من الدعاء للميت والترحم عليه، ومنها الصدقة للميت، كونه قريبه أو أخاه في الله يتصدق عنه هذا مما ينفع الميت، بالنقود أو
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (318) .(14/274)
بالطعام، أو بالملابس أو بغير ذلك من أنواع المال، فالصدقة تنفع الميت بإجماع المسلمين، وبالنص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهكذا الحج عنه والعمرة عنه، وقضاء دينه، كل هذا ينفعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » فالوصية لجميع إخواننا المسلمين الدعاء لإخوانهم المسلمين، الدعاء لأقاربهم، ووالديهم المسلمين، الدعاء لهم والترحم عليهم، والصدقة عنهم كل هذا ينفعهم كثيرا.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/275)
س: سماحة الشيخ يستفسر كثير من الناس عن إهداء ثواب الأعمال، فما حكمها، وما هو أفضل شيء يعمله الإنسان لوالديه المتوفين؟ (1)
ج: الوارد في الأحاديث إنما هو الصدقة عن الميت وعن الحي، والحج عن الميت والعمرة عنه، وعن العاجز لكبر سن، أو مرض لا يرجى برؤه، والدعاء كذلك، أما كونه يصلي عنه أو يصوم عنه فلا، هذا غير مشروع، المشروع أن يدعو له ويتصدق عنه، هذا المشروع، أما الحج عن الميت أو العاجز أو العمرة عنه فلا بأس، وهكذا الصدقة عن الحي والميت، الصدقة طيبة ونافعة للحي والميت، وهكذا الدعاء للحي والميت.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (404) .(14/275)
س: ما أفضل شيء يصل إلى الميت بعد وفاته يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: السنة الدعاء له، والصدقة عنه، كل هذا ينفع الميت، والسنة لأقاربه وغيرهم الدعاء بالمغفرة والرحمة والصدقة عنه، والحج عنه، والعمرة له، كله طيب. قيل: «يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به؟ قال: " نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (2) » «وقال رجل: يا رسول الله، إن أمي ماتت، فهل لي أجر إن تصدقت عليها؟ قال النبي: " نعم (3) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (4) » وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (5) الآية. وشرعت الصلاة على الميت لهذا بالدعاء له بعد موته، والترحم عليه في صلاة الجنازة.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (425) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في بر الوالدين برقم (5142) وابن ماجه في كتاب الأدب، باب صل من كان أبوك يصل، برقم (3664) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(5) سورة الحشر الآية 10(14/276)
177 - حكم إخراج الصدقة عن الصديق الميت
س: تقول هذه السائلة: لها صديقة توفيت، فهل إذا تصدقت لها من مالها الخاص هل يصلها الثواب لا سيما أن لها ولدا؟ (1)
ج: نعم، إذا تصدقت المرأة لبعض أقربائها وصديقاتها فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ... (2) » فإذا تصدق، أو أوقف شيئا نفعه، وإذا تصدق عنه غيره نفعه ذلك كما ينفعه الدعاء، فإذا تصدقت عن زميلتها وصديقتها أو قريبتها تصدقت عنها أو دعت لها بعد الموت أو حجت عنها أو اعتمرت كله طيب، ينفع الله به الموتى.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (435) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/277)
178 - بيان معنى الصدقة الجارية
س: ماذا تعني كلمة الصدقة الجارية بالنسبة للميت، وكذلك العلم الذي ينتفع به؟ (1)
ج: الصدقة الجارية، يعني: مستمرة، التي تبقى بعد موت الشخص، وتستمر حسب التيسير، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (311) .(14/277)
انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » فإذا سبل بيتا مثلا تصرف أجرته في أعمال الخير، صدقة للفقراء، في مساعدة طلبة العلم، في الحج، في العمرة، في الأضاحي، كل هذا صدقة جارية، أو سبل أرضا تزرع بالإيجار، تصرف الأجرة في أعمال الخير، أو دكانا - يعني: حانوتا - يؤجر، وتصرف أجرته في أعمال الخير، كل هذه صدقة جارية، وهكذا لو جعل في بيته شيئا معلوما، قال: في بيته كل سنة مائة ريال أو ألف ريال يتصدق به على الفقراء، يبقى في البيت، وهكذا من صار إليه البيت، ولو بالشراء يخرج هذه الصدقة الجارية، وأما العلم النافع فمعناه تعليم الطلبة، تعليم الناس العلم، الطلبة الذين يخلفم ينتفع الناس بتحصيلهم العلم، يكون له أجر في تعليم الناس وانتفاعهم هم أيضا، انتفاعهم بتعليم الناس العلم، بالإصلاح والتعليم، والتذكير ونحو ذلك، يكون له أجر في ذلك، لهم أجر، وله أجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير، فله مثل أجر فاعله (2) » فهو له أجر التعليم والدلالة عليه، ولهم أجرهم أيضا للتعليم والدلالة على الخير، وفضل الله واسع، وهكذا لو ألف مؤلفات نافعة هو
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب أو غيره، برقم (1893) .(14/278)
من تعليم العلم أيضا، فالأئمة رحمهم الله الذين خلفوا كتبا نافعة أجرهم باق مثل: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم. لهم أجر هذه الكتب النافعة التي خلفوها رحمة الله عليهم، وهكذا كل مسلم يخلف كتابا نافعا مفيدا ينتفع به الناس له أجره.(14/279)
179 - بيان نفع الصدقة الجارية من الكتب والأموال للميت
س: من ورث مكتبة يا سماحة الشيخ، أو أهداها إلى إحدى دور العلم مثلا، هل يعتبر عمله من العلم النافع؟ (1)
ج: كذلك إذا كان عنده مكتبة فيها كتب نافعة مفيدة، وجعلها في المكتبات العامة النافعة، أو وقف شيئا من ماله، أو وكل عليها من يلاحظها ويعتني بها، ويفتحها للناس يكون له أجر ذلك.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (311) .(14/279)
س: السائل ح. من المدينة يقول: الصدقة الجارية هل تصل إلى الميت، وهل المال أيضا يصل أجره إلى الميت؟ (1)
ج: نعم، الصدقة تصل إلى الميت إذا تصدق عنه غيره وأحسن بالنية عنه بماء أو مال أو غيرهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد
__________
(1) السؤال الثامن والستون من الشريط رقم (430) .(14/279)
صالح يدعو له (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/280)
س: ما هي الأشياء التي من الممكن أن يقدمها الإنسان الحي للإنسان الميت لفائدته، وهل ختم القرآن يجوز كهدية للميت، وهل الصدقة تجوز عنه أيضا؟ (1)
ج: الميت ينتفع بالصدقة عنه، والدعاء له، والحج عنه والعمرة، كل هذه تنفعه، وقضاء الدين إن كان عليه دين، كل هذا ينفع الميت، أما إهداؤه القرآن فلا دليل عليه، وليس بمشروع إهداء القرآن، يعني: كونه يقرأ من أجله ويهدي ثوابه له هذا ليس بمشروع على الصحيح، أما الصدقة عنه، فهذا ينفعه بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء له بالمغفرة والرحمة ورفع الدرجات والعفو عن السيئات ينفعه بإجماع المسلمين، وهكذا إذا حج عنه أو أعتمر عنه ينفعه، وهكذا إذا أدى دينه إن كان عليه دين، كل هذا ينفع الميت.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (271) .(14/280)
س: السائل م. ف. س. إذا كان والدي متوفى، وأريد أن أتصدق له بصدقة جارية، هل ثوابها يكون له أم لي؟ (1)
ج: إذا تصدقت عنه بصدقة جارية يكون لك أنت وإياه، له أجر ولك
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (275) .(14/280)
أجر، إذا تصدقت عنه بمال دفعته عنه، أو بيت وقفته له، أو دكان، أو نخل، أو أرض تصرف غلتها في مصالح المسلمين، أو في الفقراء، أو في عمارة المساجد، أو في تعليم القرآن، كل هذا طيب، له أجر ذلك، وأنت لك أجر في هذا الوقف، والله سبحانه فضله واسع، فضله واسع يعطيك أجرا عظيما، ويعطي والدك، الصدقة تصل الوالد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وسئل عليه الصلاة والسلام، سأله رجل قال: «يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، فلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي: " نعم (2) » فأنت يا أخي تصدق عن والديك، وعن أقاربك المسلمين، وأبشر بالخير، ولك أجر في الوقف وغيره.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) .(14/281)
180 - مسألة في بيان بعض ما ينفع الميت وما لا ينبغي فعله
س: الدعاء أفضل شيء للميت، فهل يصل إليه ثواب التسبيح والأذكار وقراءة القرآن الكريم والصلاة، وصيام التطوع، وتقديم الصدقة من ثياب وطعام ونحوها؟ مع العلم بأن ثواب هذه الأعمال يكون(14/281)
للميت، وليس لفاعلها نصيب في ثوابها، حيث إن ذلك قد ورد في إحدى حلقات نور على الدرب، ولكن فاعلها يكررها له أيضا مثل قراءة سورة الإخلاص عشر مرات، وينوي ثوابها للميت، ثم يقرؤها عشر مرات أخرى لنفسه، علما بأن الميت لم يبلغ سن التكليف؟ (1)
ج: الصدقة للميت تنفع الميت؛ من ملابس ونقود وطعام، بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة، ورفع المنازل والنجاة من النار تنفع الميت، سواء كان الميت بالغا أو قبل أن يبلغ، فالدعاء والصدقات كلها تنفع الميت، الميت ينتفع بالصدقات والدعاء وإن كان صغيرا لم يبلغ، وهكذا الحج والعمرة، أما القراءة - قراءة القرآن - للميت أو التسبيح أو التهليل، فهذا لا نعرف فيه حجة، وليس عليه دليل أنه يلحق الميت، فالأفضل والأحوط ترك ذلك، بل زعم بعض أهل العلم أنه يلحق الميت، ولكن ليس له دليل فيما نعلم، كونه يقرأ للميت أو يسبح أو يهلل له أو يصوم له متطوعا، ليس عليه دليل فيما أعلم، وإنما المعروف بالأدلة الشرعية الدعاء له والصدقة عنه، والحج عنه، والعمرة عنه، وقضاء لدينه، هذا ينفعه، الصوم عنه، إن كان عليه صوم رمضان، أو صوم نذر، أو كفارة يصام عنه، هذا ينفعه لقول النبي عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (310) .(14/282)
والسلام: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » أما من مات وعليه صوم نذر أو صوم رمضان أو صوم كفارة فيصام عنه، أما أن يصوم تطوعا أو يصلي تطوعا فليس عليه دليل فيما نعلم، إنما الدليل فيما إذا كان عليه صوم واجب، فهذا مستحب الصيام عنه، فإن لم يتيسر الصيام عنه أطعم عنه كل يوم مسكينا، الطعام نصف صاع، فإذا لم يتيسر الصوم عنه إذا أفطر في رمضان من سفر، أو المرأة في الحيض أو النفاس، ثم تساهلت وماتت قبل أن تقضي، أو مات الرجل بعد السفر قبل أن يقضي، فإنه يشرع الصيام عنه في أقاربه أو غيرهم، فإن لم يتيسر أطعم من التركة نصف صاع عن كل يوم مسكينا.
والميت إذا دعا عنه قريبه أو أي شخص أو حج عنه أو اعتمر، فإنه ينفعه ذلك، الفاعل له أجر، والميت له أجر، والله الموفق.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/283)
181 - حكم تثويب الاستغفار للميت
س: ما حكم تثويب الاستغفار للميت؟ وأيهما أفضل يا سماحة الشيخ وضع برادة ماء وقف عن شخص ميت أم توضع في مساعدة حج من أسلم حديثا عن طريق مكاتب الجاليات؟ وفقكم الله.(14/283)
ج: التبرع بالاستغفار وتثويبه له ليس بمشروع، لكن الدعاء، تقول: اللهم اغفر له. أما أن تستغفر لنفسه، وتقول: اللهم اجعل ثوابه له فهذا لا أصل له، لكن تقول: اللهم اغفر لفلان، اللهم ارحمه، اللهم أنجه من النار، هذا دعاء تدعو له، والصدقة بالماء في المساجد للصوام وغيرهم قربة، ومساعدة المحتاج في الحج قربة، كلها قرب طيبة وعظيمة النفع وفيها ثواب جزيل، أما التفضيل بينها، فالله أعلم، لكن إيجاد الماء في المساجد ينفع الله به جما غفيرا. أما المساعدة في الحج في مساعدة فردية.(14/284)
182 - مسألة في حكم الدعاء والاستغفار للميت
س: يسأل المستمع ع. م. ويقول: أرجو أن تدلونا على الأدعية التي تقال للميت، وعن أفضل هذا الدعاء، جزاكم الله خيرا (1)
ج: النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالاستغفار للميت، كان إذا فرغ من دفن الميت وقف على القبر وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (2) » والله يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (3) يعني: من بعد الصحابة: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (4)
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (392) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(3) سورة الحشر الآية 10
(4) سورة الحشر الآية 10(14/284)
فالدعاء للميت يدعى له بالمغفرة وبالرحمة، ودخول الجنة والنجاة من النار، هذه الدعوات التي شرعها الله للموتى، أن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ودخول الجنة والنجاة من النار، وأن يضاعف الله حسناتهم ويرفع درجاتهم هذه الدعوات الطيبة للموتى من المسلمين.(14/285)
س: الأخ ع. ح. يسأل ويقول: ما هو الشيء الذي إذا فعله الإنسان الحي يصل ثوابه إلى الميت؟ وجهونا جزاكم الله خيرا. (1)
ج: الدعاء للميت، والصدقة عن الميت، والصلاة عليه بصلاة الجنازة، والحج عنه، والعمرة عنه، وقضاء دينه إذا كان عليه دين، كل هذا ينفعه حيا وميتا.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (290) .(14/285)
183 - حكم طلب العفو للميت من الأحياء الحاضرين
س: يسأل المستمع ويقول: بعض الناس عندما يقال: فلان مات، يقول للحاضرين: حللوه أو أبيحوه، هل الأفضل أن يقول مثل ذلك، أو أن يقول: ادعوا له بالمغفرة؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (424) .(14/285)
ج: السنة أن يقال: استغفروا له، أو ادعوا له بالمغفرة، ترحموا عليه، أما إذا كان ما بينهم وبينه شيء فلا حاجة للتحليل، أما إذا كان يعرف أن بينهم حسابات ومنازعات إذا طلب منهم تحليله ومسامحته، جزاه الله خيرا.(14/286)
184 - بيان فضل بر الوالدين
س: السائل ع. ي من اليمن يقول: توفي والدي - يرحمه الله - وكنت أراه والحمد لله مداوما على الصلاة محافظا على الخير، وأريد أن أقدم له عملا يزيد من حسناته، ويخفف من سيئاته، فبماذا يتمثل هذا العمل - جزاكم الله خيرا - هل هو بتلاوة القرآن وإهدائها له، أم التصدق أم الدعاء له؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إن بر الوالدين، من أهم الواجبات ومن أعظم الفرائض كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (2) قال سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (3) برهما من أهم القربات وأفضلها، قد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل: «يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد مماتهما؟ قال: " الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (368) .
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة لقمان الآية 14(14/286)
الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما (1) » كل هذا من حقهما، نوصيك أيها السائل بكثرة الدعاء لوالديك لأبيك ولأمك، والصدقة عنهما كذلك بالقليل والكثير على الفقراء والمحاويج، ولا سيما فقراء الأقارب بالنية عن والدك أو عن والديك جميعا، وعن نفسك معهم كذلك، وإذا كان له وصية شرعية تنفذها، كالإيصاء بالثلث أو الربع في أعمال البر، في وجوه الخير، في ضحايا، في حج، في صدقات، عليك التنفيذ كذلك صلة الأقارب من أعمامك وبني عمك وأجدادك، تصلهم وتحسن إليهم بالهدية، بالصدقة بالدعاء، بالزيارة، كذلك الأصدقاء، إذا كان لأبيك أصدقاء تكرمهم وتحسن إليهم، كل هذا من حق والدك، ومن حق أمك أيضا، أما القراءة لهما فغير مشروعة، لم يذكر الشرع القراءة للأموات، فاقرأ لنفسك، وتقرأ وتسأل ربك أن يتقبل منك، وأن يثيبك، أما إهداء القرآن إلى غيرك فلا، لأنه لم يرد في الشرع لكن الدعاء للوالدين والصدقة عنهما، الحج عنهما، العمرة عنهما بعد وفاتهما، كل هذا طيب، إكرام أصدقائهما بالصدقة، بالزيارة، إكرام أقاربك من أبيك وأمك من أعمام، عمات، أخوال وخالات وغيرها، كل هذا من بر والديك، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في بر الوالدين برقم (5142) وابن ماجه في كتاب الأدب، باب صل من كان أبوك يصل، برقم (3664) .(14/287)
185 - مسألة تأثر الميت بمعصية ولده
س: إذا كان بعض من إخواني سواء كانوا ذكورا أو إناثا يقصرون في بعض الصلوات، هل هذا يؤثر على والدي المتوفى، علما بأن بعض الإناث متزوجات؟ (1)
ج: إن كان قصر في حياته، لم يأمر أبناءه وبناته ولم يعلمهم فهو على خطر من ذلك، ادع له أن الله يسامحه ويعفو عنه، أما إن كان لم يقصر بل اجتهد في تربيتهم وتعليمهم وأمرهم بالخير، ولكن قصروا بعد وفاته هم، فالإثم عليهم، وليس عليه من ذلك شيء، إذا قصروا بعد وفاته في الصلاة أو في غيرها فالإثم عليهم، لكن في حياته إذا كان قد تساهل في حقهم فهو على خطر، تدعون له بالرحمة والمغفرة والرحمة، إذا كان تساهل معهم ولم يعلمهم ولم يؤدبهم، فقد ترك الواجب عليه، وهو مسؤول عن هذا، وعلى خطر من هذا الشيء، لكن تدعو له بالمغفرة والرحمة والعفو، وعليكم أيضا أن تتواصوا بالخير فيما بينكم، وأن تتناصحوا وأن تجتهدوا في أداء حق الله، وأن تحافظوا على الصلاة في الجماعة، وأن تجتهد مع أخواتك أيضا بنصيحة أخواتك وتوجيههن إلى الخير، وأمرهن بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها وغير هذا من وجوه الخير كأداء الزكاة، وصوم رمضان والمحافظة عليه، صلة ذات
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (368) .(14/288)
الرحم، إكرام الجار، حفظ اللسان عما لا ينبغي، توصي جميع إخوتك من ذكور وإناث بتقوى الله، توصيهم بطاعة الله ورسوله، وتوصيهم بفعل الخير وترك الشر، وتوجيههم بكثرة التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والذكر وقراءة القرآن، توصيهم بإكرام جيرانهم، وإكرام أقاربهم، وصلة أرحامهم، وأنت على خير، يقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} (1) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) من أفضل الخصال بالإيمان التواصي بالحق والتناصح، يقول جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4) ويقول سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (5) فأنت أيها السائل عليك أن تتعاون مع إخوانك ومع أقربائك ومع جيرانك على البر والتقوى، وعلى طاعة الله ورسوله، وعلى الصلاة مع الجماعة، وعلى بر الوالدين، وعلى صلة الرحم، وعلى حفظ اللسان عما لا ينبغي، كل هذا من التناصح والتواصي بالحق.
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
(4) سورة النحل الآية 125
(5) سورة المائدة الآية 2(14/289)
186 - بيان أفضل ما يفعل للميت بعد وفاته
س: والدي توفي، وأريد أن أعرف ما هي الأعمال التي يصل ثوابها إليه، وهل قراءة القرآن إذا كانت نيته للميت يذهب الأجر إليه، وكذلك العمرة؟ أفيدونا أفادكم الله. (1)
ج: الميت في حاجة إلى الدعاء والصدقة، وأحسن ما يفعل مع الميت الدعاء له بظهر الغيب الدعاء له والترحم عليه، وسؤال الله سبحانه أن يغفر له، ويتغمده بالرحمة، وأن يعفو عنه، ويرفع درجاته في الجنة، ونحو هذا من الدعاء الطيب والصدقة، كذلك بالنقود وبالطعام وبالملابس وبغير هذا من أنواع المال، كل هذا ينفع الميت، وهكذا الحج عنه، وهكذا العمرة عنه، كل هذا ينفع الميت، وإن كان عليه دين وجب البدار بقضائه من ماله إن كان له مال، وإن كان ما له مال شرع لأوليائه وذريته وقراباته أن يوفوا عنه، الوفاء عنه من أعظم الصدقات عليه، كل هذا مطلوب، أما القراءة فلا، لم يأت ما يدل على شرعية ذلك، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القراءة تنفع الميت، ولكن ليس عليه دليل، فالأولى ترك ذلك، لأنه ليس هناك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في أن القراءة تصل الميت، وأنه يقرأ له ويثوب له، هذا ليس عليه دليل واضح، فالأولى والأفضل والأحوط ترك ذلك، ولكن
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (46) .(14/290)
يدعى للميت ويستغفر له، ويترحم عليه، ويتصدق عنه بأنواع المال، ويحج عنه ويعتمر عنه، ويقضى عنه الدين، كل هذا ينفع الميت، ويأجر الله هذا وهذا، الميت ينتفع والفاعل من الأحياء يؤجر على ذلك أيضا، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أن رجلا سأله قال: إن أمي ماتت، فهل لي أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (2) » فالصدقة عن الميت تنفعه بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء له بإجماع المسلمين ينفعه، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/291)
187 - مسألة في بيان نفع الدعاء للميت
س: المستمع يقول في هذا السؤال: إذا مات الميت ودعا له أحد من أهله، مثل والدته أو أبيه أو إخوانه، هل يصله ذلك الدعاء؟ وهل يعلم بالشخص الذي دعا له؟ (1)
ج: الدعاء ينفع الميت كما ذكر الله عن المؤمنين من السلف الصالح، يقول الله عنهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (2)
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (388) .
(2) سورة الحشر الآية 10(14/291)
فالدعاء ينفع الميت، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وشرع الله صلاة الجنازة؛ لأن المسلمين يدعون للميت في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثالثة، يستغفرون له ويترحمون عليه، فالدعاء ينفع الميت بإجماع المسلمين، وهكذا الصدقة عنه، فإذا دعا له أقاربه أو غير أقاربه نفعه ذلك، وهكذا الصدقة عنه، والحج عنه والعمرة، كل هذا ينفعه ويزاد في حسناته، وفي ثقل ميزانه، أما كونه يعلم ذلك، فهذا إلى الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/292)
188 - توجيه من يرى أحبابه المتوفين في المنام
س: يسأل ويقول: كان لي أخت توفيت قبل أربع سنوات، لكنني كثيرا ما أراها في المنام وكنت أحبها في حياتها حبا كبيرا، هل هناك توجيه؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نعم نوصيك بالدعاء لها بالرحمة والمغفرة والدرجات العالية، والصدقة عنها -جزاك الله خيرا - كل هذا طيب، وكونك تراها كثيرا هذا ينشأ من حبك لها من أجل حبك لها، وكونها على بالك تراها في المنام
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (240) .(14/292)
هذا لا حرج فيه، إن شاء الله خير لك وخير لها، تدعو لها وتستغفر لها، تتصدق عنها، كل هذا طيب، بارك الله فيك.(14/293)
189 - حكم الصدقة عن العاصي بعد موته
س: تقول السائلة: لدي خال أحبه كثيرا، توفي - رحمه الله - وكان يكثر من شرب الخمر وغيرها، ولكنه كان طيب القلب، ولا يحب الأذى لأحد أبدا، وإذا وجد مالا أعطى المحتاج، ودائما يسعى لعمل الخير، ما رأيكم في هذا يا سماحة الشيخ؟ هل من عمل أقدمه له في حياتي حتى يخفف عنه - جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم - وإذا كان ذلك كقراءة القرآن أو العمرة أو ما أشبه ذلك؟ وجهوني جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إذا كان يصلي في حياته فالصدقة عنه تنفع، الصدقة عنه تنفع، والدعاء له بالمغفرة والرحمة في سجودك وفي آخر الصلاة وفي كل وقت، والصدقة عنه والحج عنه والعمرة عنه، كل هذا ينفعه إذا كان يصلي، أما إذا كان لا يصلي فالذي لا يصلي كافر مع شرب الخمر - نعوذ بالله - لكن إذا كان يصلي فشرب الخمر معصية ليست بكفر، ليس ردة عن الإسلام، لكنه معصية كبيرة من كبائر الذنوب، وخطرها عظيم، في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن على الله عهدا
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (364) .(14/293)
لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قيل: يا رسول الله، ما طينة الخبال؟ قال: " عصارة أهل النار (1) » نسأل الله العافية، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صاحب الخمر: «لعن عشرة في الخمر: لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، وشاريها، وآكل ثمنها (2) » نعوذ بالله، وقال: «لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (3) » وهذا وعد عظيم، فالمقصود أن عمله قبيح شديد الخطورة، وهو شرب الخمر، لكن لا يكفر بذلك. لكنه قال: أتى هذا كبيرة عظيمة، وصار فاسقا بها، فإذا كان يصلي وليس هناك ما يوجب ردته، فادعي له واستغفري له، وتصدقي عنه، لعل الله أن يخفف عنه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، برقم (2002) .
(2) سنن أبو داود الأشربة (3674) ، سنن ابن ماجه الأشربة (3380) ، مسند أحمد بن حنبل (2/71) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: '' إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون '' برقم (5578) ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، ونفيه عن المتلبس برقم (57) .(14/294)
190 - مسألة بيان أن الصدقة من الأبناء للأموات من البر
س: هل الصدقة للميت إذا كان لأحد الوالدين يكون نوعا من البر، وهل تكفي النية أو التلفظ وهل لي بها أجر؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (369) .(14/294)
ج: نعم، الصدقة من البر، الصدقة عن الوالد الميت أو عن الوالدة أو عن الأقارب من البر والصلة، ولك أجر، والنية كافية ما تحتاج تكلما بالنية، عندما تعطيها الفقير ناويا أنها عن أبيك أو أمك، تكفي النية، والحمد لله، ولك أجر.(14/295)
191 - مسألة في استجابة دعاء الأبناء للأموات
س: سمعت بأنه يستجاب دعاء الزوجة إذا كانت تدعو لزوجها المتوفى، فهل يستجاب من الأبناء على حسب الحديث: «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث (1) » ومنها الولد الصالح الذي يدعو له؟ (2)
ج: نعم يستجاب لكل مسلم دعا دعوة ليس فيها إثم ولا قطعية رحم، يستجاب من الزوجة ومن الوالدين ومن الولد ومن غيرهم الدعاء، الله جل وعلا وعد فيه بالإجابة يقول سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) .
وإذا دعا الولد الصالح أو الزوجة الصالحة أو الأب الصالح أو الأم الصالحة وجدت الإجابة للحديث الذي ذكره السائل، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) السؤال الثامن من الشريط رقم (373) .
(3) سورة غافر الآية 60(14/295)
أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وهكذا إذا دعا له غيره ليس الولد للتخصيص، حتى دعاء الأب ودعاء الأم ودعاء الإخوان ودعاء غيرهم ترجى إجابته، إذا كان ابن صالح فهو ترجى إجابته سواء كان قريبا أو غير قريب، لأن الله يقول سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) جل وعلا ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (3) سبحانه وتعالى.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة البقرة الآية 186(14/296)
192 - بيان فضل الدعاء في أوقات الإجابة
س: ما هو الدعاء الأحسن للمتوفى، وفي أي وقت يكون أفضل؟ (1)
ج: الدعاء مطلوب للمتوفى وينفعه، وإذا كان في أوقات الإجابة كان أنفع وأنفع، إذا كان آخر الليل، ومثل آخر نهار الجمعة بعد الصلاة، صلاة العصر، ومثل عند جلوس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة يوم الجمعة، وفي جوف الليل، وفي السجود، كل هذا أقرب ما يكون للإجابة.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (334) .(14/296)
193 - حكم التصدق عن عموم الأموات من المسلمين
س: من المنطقة الشرقية إحدى الأخوات المستمعات رمزت لاسمها بالحروف س. ع. تقول: أريد أن أقدم تمرا على من نعرفهم ومن لا نعرفهم، فهي صدقة عن ميت، وهذا الميت ليس لنا به صلة قرابة، هل هذا جائز أم لا؟ (1)
ج: المسلم أخو المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (2) » والمسلم أخو المسلم ينفعه بالصدقة، وينفعه بالدعاء، فإذا تصدق عن أخيه بنقود أو بطعام أو بملابس، فله أجره عند الله عز وجل.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (317) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة، برقم (2199) .(14/297)
194 - حكم لبس ملابس الوالد بعد موته
س: يقول السائل ح. من مصر: بالنسبة للملابس، ملابس والدي المتوفى، هل يجوز لي أن ألبس ملابس والدي التي كان يلبسها وهو في حياته؟ علما بأن بعضها لم تزل جديدة. (1)
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (388) .(14/297)
ج: لك أن تلبسها إذا كنت وحدك الوريث، أما إن كان معك شركاء فاستأذنهم إن سمحوا لك، وإلا تباع مع التركة كلها، أما إذا كنت وحدك ما ورثه إلا أنت فلك أن تلبسها ولك أن تتصدق بها، ولك أن تبيعها، أما إذا كان معك ورثة فلا بد من استئذانهم، فإذا سمحوا لك فلا بأس، وإلا تباع مع التركة.(14/298)
195 - حكم غسل ملابس الميت والتصدق بها
س: يسأل عن قضية دارت على ألسنة العامة، وهي أنه يجب أن تغسل ملابس الميت جميعها والتصدق بها، ما هو توجيه سماحتكم؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: ليس على هذا دليل، يتصدق بها ولو لم تغسل إلا إذا كان فيها نجاسة تغسل، إما إذا كان ما فيها نجاسة إن غسلوها لأجل مصلحة الفقير، فجزاهم الله خيرا، ولو تصدقوا بها ولم تغسل فلا بأس.
__________
(1) السؤال الخمسون من الشريط رقم (301) .(14/298)
196 - بيان عدم حصر أوجه التصدق عن الميت في عدد معين
س: ما هي السبع التي تجري أو يجري على الميت أجرهن في قبره؟ (1)
ج: هذا يحتاج إلى تأمل، الصدقة الجارية هذه تنفعه في قبره، ومثل وقف
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (334) .(14/298)
له أوقفه، ومثل صدقة أجراها له بعض أقربائه أو غيرهم، ومثل علم علمه الناس، فيبقى أجره فيما علم الناس من قرآن أو علم نافع، ومثل أشياء أوقفها من مصاحف أو كتب اشتراها، ووقفها ووزعها للناس يجري عليه أجرها، وهكذا كل شيء له فيه أسباب فعله لله وبقي يكون له أجره، وليس منحصرا في سبع ولا أذكر أنها منحصرة في سبع، كما قال السائل.(14/299)
197 - حكم تسبيل الزرع للميت
س: إذا زرع شخص زرعا ونوى ثوابه للميت، فإذا أكل منه شخص أو بهيمة أو طير فهل يصل ثوابه ذلك إليه؟ (1)
ج: هذا من الصدقة، نعم ينتفع به الميت، فهذا من الصدقة، فالزرع والنخل والثمار إذا تصدق بها للميت، ونوى ثوابها للميت، فإنه ينتفع بها.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (310) .(14/299)
198 - حكم تسبيل الكتب عن الزوج المتوفى
س: اشتريت بمبلغ من المال كتبا صغيرة، وهي الأذكار طرفي النهار، ونويت عند شراء هذه الكتب أن أتصدق بها، وأجعل ثواب ذلك لزوجي المتوفى، فما الحكم أيضا في هذا السؤال؟ (1)
ج: كل هذا طيب، تصدق بكتب أو طعام عن زوجها، كتب طيبة معروفة
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (372) .(14/299)
عند أهل العلم أنها طيبة، أو بطعام أو ملابس، كله طيب عن زوجها وعن أبيها وعن نفسها.(14/300)
199 - بيان ما يفعله من عليه دين للميت
س: لي خال توفي وفي ذمتي له ألف وخمسمائة جنيه، كيف أتصرف في هذا المبلغ هل أتصدق به، أم أحج عنه، أم أسلمه للورثة، أم كيف توجهونني؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: عليك أن تسلمه إلى الورثة إذا مات إنسان وله دين عند الناس، فعلى من عنده الدين أن يسلم الدين الذي عنده للورثة، هذا يجب عليه وجوبا من كان عنده دين لأحد، فإنه يسلمه لورثته إذا مات ولا يكتم ذلك، ولا يتصدق به، بل يعطيه الورثة.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (365) .(14/300)
200 - حكم الصدقة والدعاء من الزوجة لزوجها المتوفى
س: من البحرين السائلة ح. ع. تقول: هل صحيح يا سماحة الشيخ أن الزوجة لا يصلح لها أن تتصدق عن زوجها بعد وفاته ولا تترحم عليه، ولا تدعو له؟ وإذا صح ذلك ما هي الأسباب؟ نرجو منكم الإفادة الشرعية؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (360) .(14/300)
ج: هذا ليس بصحيح، هذا غلط، الذي يقول هذا قد غلط، وهو جهل ومنكر، بل يشرع لها أن تتصدق عنه، والدعاء له والاستغفار والحج عنه، وكله طيب، الله جعل بينهم عشرة واجتماعا، الله سبحانه يقول: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (1) لا تنسى الزوجة زوجها، ولا ينساها هو إن ماتت قبله، كل منهم يشرع له الإحسان إلى الميت قبله بالصدقة والدعاء والاستغفار والحج عنه وقضاء دينه، وغير هذا من وجوه الخير، والذي يقول: لا يفعل هذا، قول باطل منكر لا يقوله عاقل.
__________
(1) سورة البقرة الآية 237(14/301)
201 - مسألة في حكم التصدق عن الوالدين أو عن أحدهما بعد الوفاة
س: ما حكم من تصدق بشيء، وقال: اللهم اجعل أجر ذلك لوالدي ووالدتي، أو لزوجتي المتوفاة، أو غير ذلك، فهل يكون له أجر الصدقة كاملا؟ (1)
ج: نعم، لا بأس بذلك، يتصدق عن الميت أبيه أو أمه أو زوجته، كل هذا طيب ينفعها ينفع الميت، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا فقال: " نعم " قال رجل: «يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي: " نعم (2) » عليه الصلاة والسلام. وقال عليه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (359) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/301)
الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وهكذا سئل عن الحج عن الميت، فأجاب بأنه لا بأس به، سألته امرأة: «هل تحج عن أبيها شيخ كبير عاجز؟ قال: " نعم، حجي عن أبيك (2) » وسأله أبو رزين العقيلي ليحج عن أبيه؛ لأنه عاجز، قال: «حج عن أبيك واعتمر (3) » وهكذا الحج عن الميت.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفه كلها موقف، برقم (885) ، والنسائي في المجتبى في كتاب مناسك الحج، باب الحج عن الميت الذي لم يحج، برقم (2634) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب منه، برقم (930) ، والنسائي في المجتبى في كتاب آداب القضاة، باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه برقم (5395) وابن ماجه في كتاب المناسك باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم (2908) .(14/302)
202 - حكم إشراك الوالدين في الصدقة بعد وفاتهما
س: السائل يقول: أريد أن أتصدق على والدي بعد وفاتهما بأي صدقة كانت كبناء مسجد أو معهد ديني لتعليم القرآن الكريم، أو ما شابه ذلك من الصدقات، فهل يجوز إشراكهما في مشروع واحد، أو لا بد لكل منهما من مشروع منفرد؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (252) .(14/302)
ج: لا مانع من إشراكهما في مشروع واحد، وأنت معهم أيضا، أنت أيها المتصدق معهم تجعل نفسك معهم، أو من شئت من أقاربك، الحمد لله، الأمر واسع، فضل الله واسع، فلا مانع أن يكون المشروع لأبيك أو أمك أو لهما جميعا، أو لك معهما أيضا، كله طيب.(14/303)
203 - مسألة في حكم التصدق عن غير الوالدين بعد الموت
س: تسأل المستمعة ن. ع. م. من الأردن، وتقول: توفي خالي، وأردت أن أتصدق عنه، فقال لي البعض من الناس بأنه لا يجوز أن تتصدقي إلا عن والدك بعد موته، أما غيره، مثل العم والخال فلا تصل الصدقة لهم، فما رأيكم في ذلك سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا الذي قال هذا الكلام جاهل غالط، بل الصدقة تقبل وتنفع عن الأب والأم وعن غيرهما، من فضل الله جل وعلا الصدقة عن الميت تنفعه، والدعاء له ينفعه، فإذا تصدقت عن عمك أو عن أخيك أو عن غيرهما فلا بأس، كله طيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية - هذا عام -، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2) » وسأله رجل قال: «يا رسول الله، إن أمي
__________
(1) السؤال ... من الشريط رقم (390) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/303)
توفيت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (1) » فالصدقة فيها خير كثير عن الحي والميت، وهكذا الدعاء والاستغفار للحي والميت، والحج عن الميت، والعمرة عن الميت، وهكذا عن الكبير العاجز، والعجوز الكبيرة، والحج عنهما، والعمرة عنهما، المقصود أن الصدقة عن الميت فيها خير كثير، وعن الحي أيضا سواء كان عما أو أخا أو أبا أو غيرهم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/304)
204 - حكم الذبح عن الميت وإقامة الوليمة له
س: ما حكم الذبح عن الميت حين وفاته بقصد عمل وليمة للصدقة على هذا الميت كما هي العادة عندنا في البادية في صحراء مصر العربية؟ (1)
ج: لا يشرع للمسلم صنع وليمة لميته لا بالذبح ولا بغيره، إذا مات الميت شرع لأقاربه أن يصنعوا لأهل الميت طعاما، وجيرانهم ونحو ذلك، أما أهل الميت فلا يصنعون طعاما، ولا يذبحون من أجل الميت، ولا يجمعون الناس عليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم، لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في الشام في الأردن، أمر أهل بيته أن يصنعوا لهم طعاما، قال: «اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (45) .(14/304)
يشغلهم (1) » فالسنة أن يصنع لأهل الميت طعام من جيرانهم وأقاربهم الأباعد للأقارب الأدنين، أما كون أهل الميت يصنعون الطعام ويجمعون الجيران، فهذا لا يصلح بل هو من البدع، ومن المآتم المنكرة، قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الموت من النياحة (2) » فأخبر جرير رضي الله عنه، أنهم كانوا يعدون اجتماع الناس لأهل الميت وصنعة الطعام من أهل الميت للناس، كانوا يعدون هذا من النياحة - يعني: يعده الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم - فدل ذلك على أن أهل الميت لا يصنعون طعاما للناس، ولا يجمعونهم، ولكن يستحب لجيرانهم وأقاربهم الأباعد أن يبعثوا لهم طعاما لكونهم مشغولين بمصيبة، وأما من ذبح ذبيحة لأجل الصدقة بها عن الميت على الفقراء والمساكين، فلا حرج في ذلك، لكن لا تكون في وقت مخصوص، ولا يجمع لها أحد، بل تذبح ويوزع لحمها على الفقراء والمساكين صدقة في أي وقت كان، ليس لها وقت مخصوص، وليس لها خصوصية بيوم الموت، بل متى فعلها في أي وقت لقصد مواساة الفقراء أو أعطاهم نقودا أو ملابس أو طعاما غير اللحم، كل هذا نافع للميت، ويؤجر عليه فاعله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/305)
وسلم أنه سئل عن هذا، قال له رجل: «يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، وأظنها ولو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إذا تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (1) » فالصدقة عن الميت نافعة بإجماع المسلمين، لكن ينبغي أن تكون في غير وقت الموت، حتى لا يتخذ ذلك سنة وعادة بل يوزعها في أوقات أخرى للفقراء بدون تخصيص وقت معين، لا يوم الموت، ولا يوم سابع الموت، ولا يوم أربعين للموت، ما يكون لها خصوصية، أما ما يفعله بعض الناس من إيجاد مآتم في اليوم الأول أو في السابع أو في الأربعين، مآتم يجمع فيها الناس، ويذبح فيها الغنم أو غيرها كل هذا شيء لا أصل له، بل هو من البدع فلا تجوز.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/306)
205 - حكم الذبح عن الميت من أجل التصدق عنه
س: تقول السائلة: هل الذبح يندرج تحت باب الصدقة، وإذا أردت أن أذبح من أجل التصدق عن الميت هل هذا جائز؟ وجهوني جزاكم الله خيرا. (1)
ج: لا شك أن الذبح لله والتقرب إليه بذلك من أفضل الصدقات، ومن أفضل القربات كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (178) .
(2) سورة الأنعام الآية 162(14/306)
ذبحي: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) فالتقرب إلى الله بالذبائح فيه خير عظيم، ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى الضحية في أيام عيد النحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين كل سنة، عليه الصلاة والسلام، أحدهما عنه وأهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، فإذا ذبح الإنسان ذبيحة يقصد بها التقرب إلى الله ونفع الفقراء والإحسان إليهم، فلا بأس بذلك، وكان عليه الصلاة والسلام يذبح في بعض الأحيان ذبيحة، ويوزعها بين صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها، وهكذا التصدق بالنقود وبالطعام من التمر، أو الأرز أو غير ذلك أو الملابس، كل ذلك قربة وطاعة إذا كان لله وحده سبحانه وتعالى على الوجه الذي شرعه الله جل وعلا، أما الذبح من أجل التقرب إلى الموتى، كالذبح للبدوي والحسين أو للشيخ عبد القادر الجيلاني بقصد التقرب إليهم، ليشفعوا له أو ليشفوا مريضه، أو يقضوا حاجته، أو يطلبوا المدد، ويذبحوا له من أجل ذلك هذا شرك بالله ولا يجوز، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله من ذبح لغير الله (5) » والتقرب بالذبائح للموتى ليشفعوا للذابح
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله، برقم (1978) .(14/307)
أو يقضوا حاجته، أو ليشفوا مريضه، أو يمدوه بمدد ينفعه، أو يحفظوا مزرعته، أو بهائمه، كل هذا شرك بالله عز وجل، وقد يفعل هذا بعض الجهلة، وهذا من الشرك الأكبر، وهكذا الذبح للأصنام وللصور المنحوتة على صور بعض العظماء أو للجن أو للكواكب أو للملائكة يتقرب إليهم، كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا دعاؤهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم، كل هذا من الشرك الأكبر - نعوذ بالله من ذلك - وإذا ذبح الإنسان الذبيحة من أجل الصدقة لا بأس، يتصدق بها عن أبيه، أو عن أمه، أو عن أخواته، يتقرب بها إلى الله، ويرجو ثوابها لهذا الميت، لا بأس بذلك، أو للحي كذلك.(14/308)
س: إذا توفي أحد من أقاربي، نقوم بذبح ذبيحة، ونقوم بتوزيعها في المسجد، ونأكل بعضا منها، فهل ما نفعله والحال ما ذكر صحيح أم توجهوننا إلى شيء آخر؟ (1)
ج: هذا لا أصل له، ليس لهذا أصل، ولكن إذا تصدقتم بها إلى الفقراء والمحاويج، أو بالدراهم أو بالطعام عن الميت فهذا ينفعه، أما فعل هذا حسب ما ذكرتم في المسجد على صيغة خاصة فما له أصل، لكن تستحب الصدقة عن الميت بالدراهم أو باللحم أو بالملابس أو بالطعام
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (311) .(14/308)
يتحرون به الفقراء، تدفع لهم ما تيسر.(14/309)
206 - حكم الأضحية عن الميت وعن غيره
س: الأخت أم عادل تسأل وتقول: ماذا يعمل من ينفق على روح الميت بأضحية وما أشبه ذلك مثل العشاء بذبح شاة أو بقرة، وما حكم ذلك لغير الميت؟ وما يقتضي عمله لغير الميت؟ وهل يصح تكرار الأضحية للعيد الكبير كل سنة، وكم مرة تكرر في العمر؟ (1)
ج: ليس لهذا حد، فله أن يضحي عن الميت، وله أن يضحي عن الحي من أهل بيته، كأن يذبح ضحية عنه وعن والديه الأحياء وعن أهل بيته من زوجة وأولاد، وله أن يضحي عن الميت من أبيه أو أمه أو خالته أو خاله أو نحو ذلك، وليس لذلك حد، إن ضحى كل سنة فهذا حسن، والضحية سنة كل سنة، النبي كان يضحي كل سنة عليه الصلاة والسلام بضحيتين، إحداهما عنه وعن آل محمد، والثانية عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، وإذا تصدق بغير الأضحية ذبح في رمضان أو في غيره ناقة أو بقرة أو شاة أو عددا أكبر، نوى بذلك الصدقة عن نفسه أو عن والديه الحيين أو الميتين، أو عن غيرهم صدقة يطلب بها ثواب الله، وتصدق بها على الفقراء والمساكين، كل ذلك نافع وكل ذلك فيه أجر
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (169) .(14/309)
كثير يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار (1) » والله يقول سبحانه: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) ويقول جل وعلا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (3) والصدقة بالمال كالنقود والذبائح والملابس والأطعمة، كلها طيبة إذا قصد بها وجه الله، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى عن الأحياء والأموات في رمضان وفي غيره، وهكذا الضحية في أيام الضحية في يوم عيد النحر وأيام التشريق، هذه الضحايا مشروعة للمسلمين، يضحي عن نفسه وعن أهل بيته، وعمن شاء من إخوانه وأحبابه.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله باب ما جاء في حرمة الصلاة برقم (2616) وابن ماجه في كتاب الزهد باب الحسد، برقم (4210) .
(2) سورة البقرة الآية 280
(3) سورة البقرة الآية 274(14/310)
207 - حكم لزوم أهل الميت أن يضحوا عنه إذا أوصى
س: يقول السائل: هل يلزم أهل الميت العيب له؟ أي ذبح الأضحية في عيد الأضحى له؟ (1)
ج: لا يلزمهم، لكن إذا ضحوا فهم مأجورون، من باب التطوع كالصدقة
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (424) .(14/310)
عنه وإلا فلا يلزمهم إلا إذا أوصى بذلك، أوصى في بيت أو مزرعة عليهم أن ينفذوا الوصية في الثلث فأقل، أما إذا كان ما أوصى فلا يلزمهم، لكن إذا تطوعوا وضحوا عنه أو تصدقوا عنه فلهم أجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » وسأله رجل قال: «يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (2) » هذا يدل على أنه إذا تصدق عن أمه أو أبيه، أو فلان أو فلان فله أجر.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/311)
208 - مسألة في انتفاع الكافر بالصدقة عنه بعد موته
س: هل الرجل الكافر الذي يموت بدون صلاة وصوم، هل تصل إليه الصدقة إذا أراد أولاده أو أقاربه التصدق عليه بعد الموت؟ (1)
ج: من مات كافرا لا ينفعه شيء من أعمال الأحياء، لا تنفعه صدقاتهم ولا دعاؤهم إذا مات كافرا، فلا يتصدق عنه ولا يدعى له، ولا تلحقه تلك الصدقات، ولا تنفعه لأنه مات على كفر يحبط الأعمال، ويمنع
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (339) .(14/311)
وصول الخير إليه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وفي الحديث الصحيح: «إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا (2) »
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، برقم (2808) .(14/312)
209 - حكم تصدق المرأة عن والديها من مال زوجها
س: هل يجوز للمرأة أن تتصدق عن أبويها عند موتهما من مال زوجها؟ (1)
ج: إذا سمح بذلك، وإلا ليس لها ذلك، لكن تتصدق من مالها، تتصدق على الفقراء والمساكين في أي وقت، أما من مال الزوج فلا بد من إذنه.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (103) .(14/312)
210 - حكم إشراك المتصدق عن الميت في أجر الصدقة
س: إن أنا تصدقت عن والدي، فهل يصيبني نفس الأجر؟ حيث إن والدي متوفى، وأرجو بيان الأوجه التي يمكن الإنفاق فيها عن الميت، وهل الدعاء أفضل من هذا كله؟ (1)
ج: الصدقة عن الميت مشروعة ومفيدة ونافعة للميت، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك، قال له
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (135) .(14/312)
رجل: «يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: " نعم (1) » فالصدقة تنفع الميت، ويرجى للمتصدق مثل الأجر الذي يحصل للميت، لأنه محسن متبرع، فيرجى له مثل ما بذل كما قال عليه الصلاة والسلام: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » المؤمن إذا دعا إلى خير، أو فعل خيرا في غيره يرجى له مثل أجره، فإذا تصدق عن أبيه أو عن أمه أو ما أشبه ذلك فللمتصدق عنه أجر، وللباذل أجر، وهكذا إذا حج عن أبيه أو عن أمه فله أجر، ولأبيه وأمه أجر، ويرجى أن يكون مثلهم أو أكثر لفعله الطيب، وصلته للرحم، وبره لوالديه، وهكذا أمثال ذلك، وفضل الله واسع، وقاعدة الشرع في مثل هذا أن المحسن إلى غيره له أجر عظيم، وأنه إذا فعل معروفا عن غيره يرجى له مثل الأجر الذي يحصل لمن فعل عنه ذلك المعروف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (3) » فأنت يا عبد الله في صدقتك عن والديك، وفي إحسانك إلى عباد الله بما تفعله من المعروف لك فيه الأجر العظيم، ولمن أحسنت إليهم بأن علمتهم وقبلوا منك، وأرشدتهم وقبلوا منك، ودللتهم على الخير وقبلوا منك، لهم أجر أيضا، ولك مثلهم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب أو غيره، برقم (1893) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/313)
211 - بيان أن الدعاء للميت لا يقوم مقام الصدقة
س: هل الدعاء يقوم مقام الصدقة يا شيخ عبد العزيز؟ (1)
ج: الدعاء مستقل، الدعاء فيه خير عظيم، ولكن لا يقوم مقام الصدقة، الصدقة مشروعة والدعاء مشروع والدعاء عام للوالدين ولغير الوالدين، وهكذا الصدقة، والصدقة نوع من البر والخير والعبادة، والدعاء كذلك، فلا يغني هذا عن هذا، فينبغي للولد ونحوه أن يفعل هذا وهذا، يدعو لوالديه ويتصدق، وهكذا عن أقاربه، وهكذا عن أحبابه وأصدقائه الطيبين، يدعو لهم ويتصدق عنهم، كله طيب، وقد يكون الدعاء في حال أفضل، وتكون الصدقة في حال أفضل، والدعاء ميسور بحمد الله ما يكلف شيئا، الدعاء ميسور والصدقة قد تكلف، وقد يكون أجرها أكبر ولا سيما إذا أوقعت في محلها، في الفقراء والمحاويج وعند الحاجة، فأجرها عظيم مع الدعاء.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (135) .(14/314)
212 - حكم امتناع الوارث من الصدقة عن الميت من التقاعد الذي خلفه
س: لدي أخت توفي ابنها في حادث سيارة، ولم يترك وراءه مالا إلا ما يأتيه من التقاعد، ويستلمه والده، ولم يعط والدته شيئا لكي تتصدق به عنه، وعندما تقول: تصدق عنه، يقول: قد فعلت ذلك.(14/314)
إنها لا تملك شيئا من المال لكي تتصدق به، هل عليها ذنب في ذلك، وماذا تفعل؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: ليس عليها شيء ولا بأس في ذلك، وليس على أبيه شيء ما دام تصدق عنه، هم أحوج إلى الصدقة إذا كانوا فقراء، فهم أحوج إلى التقاعد حتى يأكلوا هم وأولادهم، وإذا تيسر لهم الصدقة عنه من مالهم ولو قليلا فالصدقة تنفع الميت، لكن لا تلزم الصدقة، إذا كان لم يوص بشيء فلا تلزم الصدقة، أما إن كان أوصى بشيء من ماله، إذا كان له مال وأوصى بشيء بالثلث فأقل تنفذ وصيته، وأما إذا كان ما أوصى بشيء فإنه لا شيء يلزم الأم ولا يلزم الأب، والتقاعد الذي للميت يكون للورثة، لأبيه والورثة مع أبيه، لأبيه وأمه، وإن كان له أولاد فلأولاده حصتهم، ولزوجته حصتها من التقاعد، وإن كانت الدولة جعلته لأبيه وحده أو جعلته لأمه أو لأبيه وأمه فالدولة تنظر في ذلك.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (169) .(14/315)
213 - مسألة في حكم تصدق الزوجة عن والديها من مال الزوج
س: هل يحق للبنت المتزوجة أن تقوم بتوزيع الثواب لوالدتها المتوفاة علما بأن الزوج موافق على القيام بالثواب على نفقته؟ (1)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (13) .(14/315)
ج: لا مانع من الصدقة عن والديها المسلمين من مالها، أو من مال الزوج إذا سمح أن تتصدق من مالها أو من مال الزوج ما يسر الله من المال لوالديها المسلمين، أو لأخواتها المسلمات، أو لخالاتها أو لعماتها أو لأولادها، لا بأس بذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، ومن ذلك أن امرأة قالت: «إن أمي ماتت ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ " قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (1) » وقد أجمع علماء الإسلام على أن الصدقة تلحق الميت، وتنفع الميت، وهكذا الدعاء فإذا تصدق الإنسان عن والديه المعروفين بالإسلام أو دعا لهما فإنه ينفعهما ذلك، سواء كان المال من ماله الخاص أو من مال غيره إذا سمح له بذلك، من الزوج إذا أعطى زوجته، قال: لا بأس، تصدقي من مالي، أو من أخيها إذا أعطاها، قال تصدقي منه، أو قال لها أبوها كذلك، أو عمهما، إذا أعطاها مالا تتصدق به فلا بأس، ينفع الميت إذا كان الميت مسلما، أما إذا كان الميت كافرا فلا، ما يتصدق عن الكافر إنما هذا في حق الميت المسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.(14/316)
214 - حكم الحج والعمرة عن الميت وانتفاعه بالأعمال الصالحة
س: هل صحيح أن ثواب العمرة أو الحج تصل إلى الميت، وترفع(14/316)
درجاته في الجنة؟ (1)
ج: إن الحج عن الميت والعمرة عن الميت من أفضل القربات، وينتفع به الميت المسلم كثيرا، ولقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرات كثيرة، فقال للسائل: «حج عن أبيك (2) » أو السائلة: «حجي عن أبيك (3) » والآخر: «عن أمك (4) » «وسمع عليه الصلاة والسلام رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: " من شبرمة " قال: أخ لي. أو: قريب لي - قال: " هل حججت عن نفسك " قال: لا. قال: " حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة (5) » فالناس أقسام، منهم من قد حج الفريضة وأدى العمرة، الفريضة هذا يحج عنه نافلة، فمن حج عنه أخوه أو أبوه أو أخ من إخوانه في الله كل ذلك طيب، وهكذا العمرة، أما إذا كان ما أدى الحج ولا العمرة فإن الذي يحج عنه يكون قد أدى عنه فريضة، وكذلك العمرة يكون قد أدى عنه عمرة الفريضة، وهو على كل حال يكون مأجورا، والميت
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (310) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب منه، برقم (930) ، والنسائي في المجتبى في كتاب آداب القضاة، باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه برقم (5395) وابن ماجه في كتاب المناسك باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم (2908) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحج باب وجوب الحج وفضله برقم (1513) .
(4) أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب حج الرجل عن المرأة، برقم (2643) .
(5) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك باب الرجل يحج عن غيره برقم (1811) وابن ماجه في كتاب المناسك باب الحج عن الميت برقم (2903) .(14/317)
مأجورا، كلاهما مأجور عن العمل الطيب، وعن إحسانه لأخيه، مأجور عليه، والميت مأجور بذلك، وهكذا الصدقة وهكذا الدعاء يتصدق عن أخيه يؤجر هو والميت، جميعا على خير، وهكذا إذا دعا لأخيه الميت، يؤجر هو، وينتفع الميت بالدعاء.(14/318)
س: هل الأعمال الصالحة تنفع الميت وترفع درجاته في الجنة كما يظهر؟ (1)
ج: الأعمال الصالحة التي شرع الله فعلها على الميت من حج أو عمرة أو قضاء دين أو دعاء أو صدقة عنه، كلها تنفع الحي والميت.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (310) .(14/318)
215 - مسألة في بيان بعض العبادات التي لا تفعل عن الميت
س: هل هناك أعمال لا يصح أن يعملها الإنسان عن الميت؟ (1)
ج: نعم، مثل الصلاة عنه لا تنفعه أو قراءة القرآن عنه لم يأت في الشرع ما يدل على شرعيتها أو صوم تطوع عنه.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (310) .(14/318)
س: الواقع يا سماحة الشيخ أن الناس يخلطون بين هذا وذاك، لعلها مناسبة أن تتفضل في توجيه المسلمين في هذه الحلقة؟ (1)
ج: الواقع أنه ثبت في الشرع أن الميت ينتفع بالحج عنه، وبالعمرة عنه،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (310) .(14/318)
وبالصدقة عنه، وبالدعاء عنه، وبالاستغفار له، وبأداء قضاء دينه، وهكذا إذا كان عليه صوم فريضة في رمضان، أو كفارة أو نذر فإنه يصام عنه، أما كونه يصام عنه، أو يصلى عنه، أو يطاف عنه تطوعا فهذا ليس عليه دليل فيما نعلم، وهكذا كونه يقرأ عنه القرآن فليس عليه دليل، وإن كان بعض العلماء يرى ذلك، وأنه ينتفع بقراءة القرآن عنه ولكن ليس عليه دليل. والقربات بابها التوقيف، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ولا نعلم في الشريعة ما يدل على أنه يشرع للمؤمن أن يصلي عن فلان، أو يصوم عن فلان تطوعا، أو يقرأ عنه، أو يطوف عنه، أو يتوضأ عنه، إنما الثابت هو الحج التام أو العمرة التامة، أو يتصدق عنه بالمال أو يدعو له، أو يستغفر له، أو يدعو له بالجنة، كل هذا ثابت.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/319)
س: يا سماحة الشيخ لعله من المهم أن تتفضل ببيان ما هو توقيفي أو غير توقيفي حتى لا يخلط الناس بين هذين الأمرين؟ (1)
ج: التوقيفي: العبادات وما يتعلق بالقربات والطاعات، لا يسوغ منها إلا ما جاء بالشرع.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (310) .(14/319)
وأما غير التوقيفي: هو ما يتعلق بأمور الدنيا والمعاملات، وهذه لا بأس بها، يتعامل الناس بما ينفعهم بشرط ألا يخالف الشرع.(14/320)
216 - بيان ما يفعله من يعتمر عن الميت
س: هل يجوز أداء العمرة بدلا عن المتوفى أم أهدي ثوابها له؟ وإن كان جائزا أرجو ذكر النية أو صيغة ما أقول في ذلك؟ وفقكم الله (1)
ج: لا شك أن العمرة عن الغير من الموتى أو العاجزين عن الوصول إلى مكة لكبر السن جائزة كالحج، فلك أيها السائل أن تعتمر عمن شئت من إخوانك المسلمين الموتى، وإذا أحرمت تحرم عن الميت أو العاجز، وعن نفسك، وتنوي العمرة عن الشخص الذي أردت أداءها عنه، والأفضل أن تقول: اللهم لبيك عمرة عن فلان، هذا هو الأفضل، وإن لم تقل: عن فلان ونويتها عنه كفى ذلك ولا حاجة إلى اللفظ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصرح بتلبيته بالنسك، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه في حجة الوداع قال: «اللهم لبيك عمرة وحجا (2) » فالإخبار عن النسك الذي يريده الإنسان في تلبيته أمر مشروع، وإذا كان يريد ذلك
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (35) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الحج باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة، برقم (1232) .(14/320)
عن غيره فإنه يسميه، هذا هو الأفضل؛ ولهذا جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: «لبيك عن شبرمة. فقال: " من شبرمة؟ " قال: أخ لي - أو: قريب لي - قال: " هل حججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: " حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة (1) » فدل ذلك على أنه الأفضل أن يسمي من يحج عنه في تلبيته.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك باب الرجل يحج عن غيره برقم (1811) وابن ماجه في كتاب المناسك باب الحج عن الميت برقم (2903) .(14/321)
س: من حائل م. ح. س. ما حكم العمرة عن الوالدة المتوفاة، هل تجوز أو لا؟ وهل لذلك من شروط؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: العمرة عن الوالدة وعن الوالد قربة إذا كانا متوفيين، قربة وطاعة، وهكذا الحج عنهما، وإذا كانا ما حجا ولا اعتمرا وجب أن يحج عنهما من مالهما إذا كان لهما مال، فإن كان ما لهما مال شرع لأولادهم الحج عنهما، والعمرة عنهما، وهذا من البر والصلة، كونه يعتمر عن والده أو والدته، أما الحي فلا، إلا إذا كان عاجزا كشيخ كبير أو عجوز كبيرة فلا مانع من الحج عنهما.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (325) .(14/321)
س: هل يجوز لي أن أعتمر وأتصدق عن قريبي المتوفى؟ أرجو توضيح المسألة وإجابتي. جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (314) .(14/321)
ج: نعم، تكون مشكورا ومأجورا، إذا اعتمرت عنه أو تصدقت عنه أنت مشكور ومأجور؛ لأن هذا من باب الإحسان إلى أخيك، تنفعه العمرة، وتنفعه الصدقة، وينفعه الدعاء، فأحسن إليه جزاك الله خيرا، وأبشر بالخير، وإذا كنت لم تعتمر في عمرك فابدأ بنفسك ثم اعتمر عنه، وإذا كنت اعتمرت فيما مضى عن نفسك فالحمد لله، فاعتمر عن أخيك الميت، وإذا تصدقت عنه بما يسر الله من النقود والطعام وغير ذلك فكله طيب، وهكذا إذا دعوت له بالمغفرة والرحمة.(14/322)
217 - حكم الصلاة عن الوالدين المتوفيين
س: هل يجوز لي أن أصلي لوالدي في صلاتي ركعة زيادة في كل فرض، وأحج له وهو متوفى؟ (1)
ج: قد شرع الله جل وعلا للعباد البر بوالديهم، والإحسان إليهم بالصدقة والدعاء وسائر أنواع الخير التي تنفع الوالدين أحياء وأمواتا، لكن الصلاة للوالدين غير مشروعة، ولم يأت به نص، فلا يصلي الولد لوالده، ولكن يدعو له، يتصدق عنه، يحج عنه، إذا كان ميتا أو عاجزا لا يستطيع الحج لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه ونحو ذلك، أما كونه يصلي عنه فهذا غير مشروع، ولكن يدعو له ويتصدق عنه ويحج عنه إذا
__________
(1) السؤل الأول من الشريط رقم (48) .(14/322)
كان ميتا أو عاجزا، وهكذا سائر أنواع الخير التي تنفعه، مثل الضحية عنه، والاعتمار عنه، والإحسان إلى أصدقائه وأقاربه، ونحو ذلك من وجوه الخير، ولا يصلي عنه ركعة زيادة في كل فرض، فهذا غير مشروع، إذا زاد ركعة في الصلاة أبطلها، فإذا صلى الظهر مثلا خمسا، الخامسة لأبيه أو لأمه هذا باطل، هذا غلط وبدعة ومنكر حتى لو صلاها مستقلة، لا يجوز ذلك؛ لأن الله سبحانه لم يشرع لنا أن نصلي عن آبائنا ولا عن أمهاتنا، فهذا منكر، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، قد سأله رجل فقال: «يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (1) » هكذا بين النبي صلى الله عليه وسلم، فالصلاة عليهما يدعو فيها بالدعاء في صلاة الجنازة، والدعاء يسمى صلاة، قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (2) يعني: ادع لهم، والصلاة على الوالدين الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، والدعاء لهما في حياتهم بمضاعفة الأجر، وقبول الحسنات والعافية والصحة ونحو ذلك، والاستغفار لهما طلب المغفرة لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، إنفاذ
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في بر الوالدين برقم (5142) وابن ماجه في كتاب الأدب، باب صل من كان أبوك يصل، برقم (3664) .
(2) سورة التوبة الآية 103(14/323)
وصاياهما إذا أوصوا بشيء ما يخالف الشرع، فالولد ينفذ الوصية، وصية والده؛ لأن الله جل وعلا شرع له ذلك، وهذا من إعانته على الخير، فإذا أوصى والده بشيء مما يحبه الله كالصدقة وبناء المساجد والضحية عنه وأشباه ذلك فإن الولد ينفذ ذلك، أما لو أوصى بشيء لا يشرع فالولد لا ينفذ، لو أوصى أبوه أنه يبني على قبره مسجدا، أو يبني عليه قبة، هذه بدعة ومنكر، لا يقبل هذه الوصية ولا ينفذها؛ لأنها مخالفة للشرع، كذلك لو أوصاه والده أن يقطع أرحامه، وألا يكلم عمه، وألا يصل إخوانه، هذه وصية باطلة وقطيعة للرحم لا ينفذها، ولكن ينفذ الوصايا الشرعية، مثل إذا أوصى بأنه يتصدق عنه أو يعمر عنه مسجدا على وجه التبرع، أو يضحي عنه ويحج عنه لا بأس، فالمقصود أنه ينفذ عهد أبيه وأمه إذا كان ذلك شيئا شرعيا، أما إذا كان ذلك يخالف الشرع فلا، وهكذا إكرام صديق والديه، يكرمهم ويحسن إليهم، قد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه (1) » هذا من أبر البر، كونه يصل أحباب أبيه وأولياء أبيه وأقاربه، وكذلك صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما مثل الإحسان إلى أعمامه وإلى جده أبي أبيه، وإلى أخواله إخوة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما، برقم (2552) .(14/324)
أمه، وأخوال جداته، ونحو ذلك، هذا كله من الصلة للوالدين، صلته أقارب والديه صلة لهما.(14/325)
218 - مسألة في حكم الصلاة والصيام عن الميت
س: هل الصلاة والصيام ينفعان الميت إذا عملا له؟ (1)
ج: الصلاة ما هي مشروعة، لا يصلى عن الميت، وهكذا القراءة، أما الصيام إذا كان عليه صوم يصام عنه صوم الواجب، إذا كان عليه صيام فرط فيه، عليه صيام ولم يصم - يصوم عنه أولياؤه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » فيصوم عنه ولده الذكر والأنثى أو زوجته أو غيرهما من أقربائه، هذا طيب وينفع الميت، وقد سأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من الصوم، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء (3) » شبهه بالدين، سواء كان صوم رمضان أو كفارة أو نذرا، كله يصام عنه على الصحيح ولو كان صوم رمضان، ولو كان صوم الكفارة، قال بعض أهل العلم:
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (46) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة، برقم (1852) بنحوه.(14/325)
إنما يصام عنه النذر خاصة، ولكن هذا قول ضعيف الأحاديث الصحيحة تدل على خلافه، الأحاديث الصحيحة دالة على أنه يصام عنه حتى رمضان؛ ولهذا قالت عائشة -رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » أخرجه الشيخان في الصحيحين، وفي الصحيح عن عدة من الصحابة «أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وعليه صوم شهر، وبعضهم قال: صوم شهرين، أنصوم عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا عنه (2) » وشبهه بالدين، ولم يستفسر هل هو رمضان، وهل هو كفارة وهل هو نذر؟ فدل ذلك على أن الأمر عام، يعم الكفارة ويعم النذر، ويعم رمضان، وفي مسند أحمد بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان، أفأصوم عنها؟ قال: " صومي عن أمك، أرأيت لو كان عليها دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء (3) » وهذا صريح في رمضان، وإسناده قوي جيد أما إذا كان الميت ما فرط بل مات في مرضه هذا فلا صوم عليه عند عامة أهل العلم وجمهور أهل العلم، لا يقضى عنه صوم، ولا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (ج7، برقم 36121) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة، برقم (1852) بنحوه.(14/326)
يطعم عنه؛ لأنه غير مفرط معذور؛ لأن الله قال: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) فالذي توفي في مرضه فأدرك الأيام الأخر معذور ليس عليه صيام، وليس عليه إطعام، أي ليس على ورثته إطعام ولا صيام.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(14/327)
س: هل يجوز الصلاة والصيام عن الميت؟ (1)
ج: يصام عنه إذا كان عليه دين، إذا كان عليه رمضان أو نذور يصام عنه، أو كفارات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » يعني قريبه، يعني صوم الواجب من رمضان، مرض ولا صام ثم عافاه الله، وتساهل ولا صام ومات، يصام عنه، أو الحائض كذلك أفطرت في رمضان، أو النفساء ثم ظهر رمضان وتساهلت، ثم ماتت قبل أن تقضي يقضى عنها، وهكذا كفارة الظهار، كفارة الجماع في رمضان، كفارة القتل، إذا مات وعليه صيام صام عنه وليه، هذا هو المشروع، أما رمضان نفسه إذا كان معذورا فلا، مثل: أفطر في رمضان للمرض، ولكن مات في مرضه ما يقضى عنه شيء؛ لأنه معذور مات في مرضه والتطوع لا يتطوع عن أحد لا يصوم أحد عن أحد تطوعا،
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (378) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/327)
إنما يصوم عنه إذا كان عليه قضاء من رمضان فلم يقضه، تساهل، فيستحب لأوليائه من الورثة أن يقضوا عنه، ولو جماعة يتقاطعونه إذا صار من رمضان، كل واحد يصوم بعض الأيام، أما الكفارة فلا، لا بد أن يصومها واحد لأنها متتابعة، يصوم كفارة القتل شهرين متتابعين، أو كفارة الجماع في رمضان شهرين متتابعين لمن عجز عن الرقبة، أو كفارة القتل لمن عجز عن الرقبة شهران، هذه يصومها واحد لأنها متتابعة، يستحب لأقربائه أن يصومها منهم واحد، هذه الكفارة المتتابعة.(14/328)
س: هل يجوز قراءة القرآن وكذلك صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وتثويبها للميت؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا يصام عن الميت صيام تطوع، ولا يقرأ عنه، ما ورد في السنة ما يدل على هذا، ليس في السنة ما يدل على تثويب القرآن أو الصيام، أو الصلوات فيما نعلم، أما إذا كان عليه دين صيام فرض فإنه يقضى عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » الصلاة عنه أو القراءة عنه هذا غير مشروع فيما نعلم، وإنما يشرع الصدقة عنه، الدعاء له، الحج له، العمرة، هذا هو المشروع قضاء دينه إذا كان عليه أسلاف ودين يقضى عنه أيضا.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (309) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/328)
س: هل تجوز قراءة القرآن وصوم النوافل والصدقة على الفقراء عن الميت، وهل إذا دعا للميت أثناء الصلاة جائز؟ (1)
ج: أما الصدقة فنعم، سنة ثابتة في الأحاديث الصحيحة، وإنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال للسائل: نعم، فبين أن الصدقة تنفع الميت، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وأن الصدقة عن الميت تنفعه إذا كان مسلما، تنفعه الصدقة من ولده أو من غير ولده، وهكذا الدعاء والاستغفار له ينفع الميت، أما قراءة القرآن للميت ففيها خلاف، بعض أهل العلم يرى أنها تصل، وبعض أهل العلم يرى أنها لا تصل؛ لأنها لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، فالأولى أنه لا يقرأ القرآن للميت، هذا هو الأولى والأفضل والأحوط، بل يقرأ لنفسه ويدعو لأمواته إذا ختم القرآن، أو في أثناء القراءة، يدعو لأمواته بالمغفرة والرحمة، أما أنه يقرأ ليثوب الختمة لهم فالأفضل ترك ذلك لعدم الدليل؛ لأن هذا لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم فعلوه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بأس به، مثل الصدقة لا بأس أن يقرأ القرآن ثم يثوبه لأبيه أو لأمه أو نحو ذلك، ولكن الأفضل والأولى ترك ذلك، أما الصلوات فلا يصلي عنهم نافلة، ولا يصوم عنهم نافلة لعدم الدليل؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل
__________
(1) ورد هذا السؤال في الشريط رقم (42) .(14/329)
على أنه يصام عن فلان نافلة، أو يصلى عنه نافلة، فالذي ينبغي ترك ذلك.(14/330)
س: هل تجوز الصلاة أو الصيام عن الأموات، وهل يصل الأجر للمتوفى كأجر الحي أم يثاب فقط؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: أما الصلاة فلم يصل عن الأموات، ولم يفعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم مطلقا، أما الصيام فلا بأس أن يصام عنهم إذا كان عليهم دين، إذا مات الميت وعليه صوم نذر أو صوم كفارة أو صوم من رمضان لم يصمه، وقد عافاه الله وصح من مرضه، ولكن تساهل هذا يقضى عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » متفق على صحته، وفي المسند بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان، أفأصوم عنها؟ قال: " صومي عن أمك (3) » واستفتاه جم غفير من الناس عن أمهاتهم وآبائهم، فأفتاهم بأن يصوموا، أما صوم التطوع فلا يصام عنهم التطوع، إنما يصام عنهم إذا كان عليهم صوم دين، فرض واجب، فإذا صام عنه ولده أو أخته أو عمته أو أخوه كله طيب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (4) » يعني قريبه، يشمل
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (221) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم (1148) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(14/330)
الأب والابن والأخ والعم ونحو ذلك، أما الصلاة فلا، لا يصلى عن أحد.(14/331)
س: اعتدت بعد أن أصلي النوافل أن أصلي ركعتين وأقول بأن ثوابهما لوالدي المتوفيين، فهل يصح هذا أم لا؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل، لا تفعل هذا، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يفعلون ذلك، لكن تدعو لوالديك ولقراباتك، تستغفر لهم، وتتصدق عنهم لا بأس.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (213) .(14/331)
س: قبل عامين توفي ابن لي وهو في الخامسة والعشرين، ومنذ وفاته أقوم بعد أداء الصلوات المكتوبة والسنة البعدية والقبلية بأداء ركعتين إضافيتين زيادة، وأهب ثوابهما لابني المتوفى، هل يجوز ذلك، وهل تصح؟ وهل يصل ثوابهما للمتوفى؟ (1)
ج: هذا بدعة لا تجوز، الصلاة عن الغير بدعة، ولكن عليك الدعاء له بالمغفرة والرحمة، والصدقة عنه، هذا أمر طيب، جزاك الله خيرا، أما أن تصلي عنه أو تصومي عنه فلا، هذا غير مشروع، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أي هو مردود، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة يصلون عن أحد، ولا
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (177) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/331)
يصومون عن أحد، إلا إذا كان عليه دين، صوم الفريضة، نذر، أو صيام رمضان، أو كفارة، مات قبل أن يصوم، فهذا يصام عنه عن تلك الفريضة، التي مات عنها ولم يقضها إذا كان قد فرط وتساهل، أما إذا مات في مرضه ما فرط فلا صوم عليه، المقصود أن الصلاة عن الميت أو الصوم عنه من دون واجب هذا بدعة، لا يصلى عنه تنفلا ولا يصام عنه.(14/332)
س: أسألكم عن صديق كان عاقا لوالده قبل وفاته، وبعد وفاته بدأ يصلي له كل يوم ركعتين ويدعو له حتى يكفر عن أخطائه تلك، وجهوه هل ما يعمله صحيح؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الصلاة للميت ليس لها أصل ثابت فيما نعلم، ولكن يشرع الدعاء له، يدعو لوالده في سجوده، وفي الليل وفي كل وقت، يدعو له بالمغفرة والرحمة والعفو ومضاعفة الحسنات، ويتصدق عنه ما يسر الله من المال ويحج عنه ويعتمر، هذه هي الطرق الصحيحة التي تنفع والده، أما كونه يصلي عنه ويصوم عنه فليس في هذا أصل فيما نعلم، وإنما ينبغي الإكثار من الدعاء، والإكثار من الصدقات والأعمال الخيرية لأبيه.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (303) .(14/332)
س: هل يصل الميت عندما يصلى له وتوهب له هذه الصلاة، وكذلك الطعام والشراب وقراءة القرآن؟ وماذا يقول الواهب عند ذلك؟(14/332)
جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا يصلي له، الصلاة لا، لكن يتصدق عنه، أما الصلاة لم ترد النصوص بها، لكن يتصدق عنه، يدعى له، يحج عنه، كل هذه تنفعه، لكن كونه يصلي عنه أو يقرأ له فليس عليه دليل، لكن الصدقة عنه والدعاء والحج عنه كل هذا طيب ينفعه.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (356) .(14/333)
219 - حكم جمع الأقارب على الشاي والقهوة بنية الصدقة عن الأموات
س: هذا السائل من الطائف يقول: بعض الناس يفعلون قهوة، ويدعون بعض الأقارب، ويفرقون عليهم شيئا من الكعك مع القهوة، ويقولون بأن هذه هبة لموتانا، فهل يجوز ذلك؟ وتكون صدقة تصل إلى الميت أم لا؟ وهل يجوز حضور مثل ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا فعلوا هذا لأقاربهم أو لجيرانهم لا بأس، إذا كانوا فقراء صارت صدقة، أما إذا كانوا أغنياء ما هي بصدقة، الصدقة تكون على الفقراء، أما هذه إذا كان مع أغنياء ليست صدقة، لكن من باب الهدية، ومن باب الإكرام مع الأقارب أو مع الجيران لا بأس، الصدقة تكون على الفقراء.
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (406) .(14/333)
220 - حكم تخصيص مكان للعزاء
س: هل العزاء بعد الدفن لأهل الميت في مكان خاص لمدة ثلاثة أيام مشروع مع إحضار الطعام؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل، أما العزاء فليس له محل معين، يعزيهم في الطريق، يعزيهم في المسجد، يعزيهم في المقبرة قبل الدفن أو بعد الدفن، كل هذا لا بأس به، أما أنهم يصنعون الطعام للناس للمعزين وغيرهم، فهذا لا يجوز، من عمل الجاهلية، ولكن لو جلسوا في بيتهم وجاءهم المعزون من غير أن يصنعوا طعاما للناس فلا بأس به، إذا جاءهم المعزي في البيت فعزاهم وخرج في ليل أو نهار فلا بأس بهذا، أما أنهم يصنعون طعاما للناس ليكرموهم إذا جاؤوا يعزون فهذا ليس له أصل، وهو من عمل الجاهلية، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة (2) » أما كون جيرانهم أو أقاربهم يصنعون لهم طعاما ويرسلونه إليهم فهذا لا بأس به، هذا مشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مؤتة قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (3) » فإذا صنع الأقارب أو
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (100) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/334)
الجيران لأهل الميت طعاما وبعثوه إليهم أيام المصيبة لأنهم مشغولون، فهذا مستحب ولا حرج فيه، إنما الحرج في كون أهل الميت هم الذين يصنعون، لكن إن صنعوا طعاما لهم ولأنفسهم أو لضيوفهم، جاءهم ضيوف فصنعوا لهم لا يضر، لكن لا يتعمدون شيئا من أجل الميت، أو عادة من أجل الميت، لكن لو أنهم صنعوا طعامهم، ما جاءهم من أحد شيء، ما أعطاهم أحد شيئا، صنعوا طعامهم فلا بأس، أو نزل بهم ضيوف زادوا في طعامهم لأجل الضيوف لا بأس.(14/335)
221 - بيان وقت بداية العزاء
س: المستمع م. م. من الرياض يقول: متى يبدأ العزاء لأهل الميت، هل هو بعد الوفاة مباشرة أم بعد الدفن؟ (1)
ج: يبدأ من حين الموت، قبل الصلاة وقبل الدفن، يعزون من حين يموت الميت ولو قبل أن يغسل، أو بعد التغسيل، بعد الصلاة، لا حد له، أما بدؤها من حين الموت والنهاية لا حد لها.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (429) .(14/335)
222 - حكم السفر للعزاء
س: ما حكم السفر للعزاء؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (429) .(14/335)
ج: لا بأس أن يسافر إلى بلد يعزي أقاربه، لا بأس به، أو يصلي على الميت لما بلغه أنه يصلى عليه الوقت الفلاني، لا بأس.(14/336)
223 - حكم التعزية بعد ثلاثة أيام من الوفاة
س: السائل أبو أحمد يقول: سماحة الشيخ، هل العزاء يحدد بمكان معين، وما حكم التعزية إذا تأخرت أكثر من يومين أو ثلاثة؟ (1)
ج: ليس للعزاء مكان ولا عدد من الأيام، لم يحدد أيام العزاء ولا مكان العزاء، يعزيه في أي مكان، في الطريق، في المسجد، في المقبرة، في بيته عن طريق الهاتف، ما فيه بأس، وليس للأيام حد، يعزيه في اليوم الأول أو في اليوم الثاني أو في اليوم الثالث أو الرابع، والمستحب أن يبادر بالتعزية؛ لأن المصيبة في أولها أشد؛ لأن المبادرة في التعزية أفضل في أولها، في أول المصيبة.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (400) .(14/336)
224 - حكم الذهاب إلى بيت الميت بعد دفنه
س: هل يجوز لنا أن نذهب لمنزل الإنسان الميت بعد دفنه؟ وما هو تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعاما (1) » ؟
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/336)
جزاكم الله خيرا (1)
ج: الذهاب للمنزل للتعزية مشروع، وإذا صادفت المعزى بغير المنزل في الطريق أو في المسجد وعزيته كفى، أما الذهاب للمنزل فليس مقصودا لذاته، وإنما المقصود الذهاب للتعزية فإذا ذهبت إلى منزل لتعزية أهل البيت فهذا مشروع من باب جبر المصاب، والتأثر بموت أخيك، والحرص على جبر أهل المصيبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (2) » ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (3) » وشبك بين أصابعه، لكن إذا صادفت المعزى في الطريق أو في المسجد أو في بيت آخر كفى ذلك، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (282) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، برقم (2586) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم برقم (2446) .(14/337)
225 - مسألة في حكم السفر للتعزية
س: سماحة الشيخ، ما حكم السفر للتعزية؟ (1)
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (374) .(14/337)
ج: لا بأس به، يسافر يعزي أخاه أو أباه لا بأس والحمد لله، والتليفون يكفي في التعزية، لكن إذا سافر إليهم أو زارهم في البيت كان أكمل وأبلغ في التعزية؛ ولأنها مواساة وتطمين ودعاء للميت ولهم بالثبات.(14/338)
226 - حكم سفر المرأة للتعزية
س: هل من السنة أن تذهب زوجتي للعزاء داخل القرية وخارجها في القرى المجاورة لنا بالسيارة مع النساء؟ (1)
ج: لا مانع من ذهاب زوجتك أيها السائل لتعزية إخوانها وأقاربها في القرية، لا بأس بذلك مع النساء إلا إذا كان المحل بعيدا يسمى سفرا فلا بد من محرم، أما إذا كانت في القرية أو ما يعد تابعا للقرية فهذا لا بأس به، ولو كانت ليس معها محرم، يكفي النساء معها، والتعزية مستحبة من الرجال والنساء لأقاربهم ولجيرانهم ولأحبائهم؛ لأن المصيبة لها أثر في النفوس، فالتعزية مشروعة، أما مواساة أهل العزاء بالمال فإنه يشرع إذا كانوا فقراء محاويج، يشرع أن يواسوا إذا كان عميدهم الذي ينفق عليهم توفي، وليس وراءهم ما يقوم بحالهم، وهم محتاجون فيما يعلمه المحسن إليهم فلا بأس، يشرع لجيرانهم ولأقاربهم أن يواسوهم سواء وقت الموت أو بعد الموت بمدة على حسب الحال، أما أن يساعدوهم
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (100) .(14/338)
على إقامة مأتم فلا، لكن يساعدونهم لفقرهم بمال، بطعام، بملابس لا بأس، لكن على وجه لا يكون فيه إعانة على منكر.(14/339)
227 - حكم أكل طعام أهل الميت
س: ما حكم التردد لمكان العزاء عدة مرات، أو المبيت عندهم، أو أكل طعامهم إذا صادفتهم يتناولون وجبة ما؟ (1)
ج: لا مانع أن تأكل معهم إذا كان نفس الطعام بعث إليهم، أما تشجيعهم أن يضيفوا طعاما للناس فلا، لكن إذا كان الطعام بعث إليهم وجئت وأكلت معهم أو دعوك فلا بأس، لكن المجيء بغير دعوة كأن جئت للتعزية أو جئت لحاجة أخرى أو صادفت الطعام، أما أن تأتي لأجل الطعام فالأولى عدم المجيء إلا إذا كان أمرا بينك وبينهم معتادا لا يستنكر ولا يستغرب؛ لأنهم كأهلك فلا بأس، أو دعوك لذلك أو الطعام يصنع أو تأتي لطعام يصنع.
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (371) .(14/339)
228 - حكم جلوس أهل الميت للعزاء عدة أيام
س: تقول السائلة: في بلادنا عندما يموت إنسان يبقى أقارب الميت في العزاء مدة سبعة أيام، لا يبرحون مكان العزاء ويتردد المعارف على مكان العزاء مدة ثلاثة أيام، تذبح الذبائح طيلة تلك المدة،(14/339)
ماذا عن ذلك؟ جزاكم الله خيرا. ونرجو النصح والتوجيه (1)
ج: ليس للعزاء مدة معلومة، بل السنة للمؤمن والمؤمنة التعزية على أي حال كان، في الطريق أو في البيت بعد الموت، قبل الصلاة وبعدها، وقبل الدفن وبعده، وليس لذلك مدة معلومة، ولا مكان معلوم، بل المؤمن يعزي إخوانه في الله، والمؤمنة تعزي أخواتها في الله، وأقاربها وجيرانها تعزيهم، وأما كونهم يلزمون البيت سبعة أيام أو ثلاثة أيام فهذا لا أصل له، بل يخرجون لحاجاتهم وفي أعمالهم، ومن صادفه في الطريق أو في محل العمل أو في البيت عزاهم، وإذا جلسوا في البيت وقت الجلوس المعتاد وجاءهم إخوانهم وعزوهم فلا بأس، أما أن يصنعوا للناس وليمة يذبحون الذبائح من أجل الميت فهذه بدعة من عمل الجاهلية لا أصل لها، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن كنا نعده من النياحة (2) » فليس لأهل الميت أن يصنعوا الطعام للناس بسبب الميت، لكن إذا أهدى إليهم جيرانهم وأقاربهم طعاما فهذا لا بأس به، بل هو مستحب أن يهدي الجيران أو الأقارب لأهل الميت طعاما؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر أهل بيته
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (205) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/340)
عليه الصلاة والسلام لما جاء خبر موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من الشام، قال صلى الله عليه وسلم لأهله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » إذا صنع الجيران أو الأقارب لأهل الميت طعاما فهذا مشروع، وإذا دعا إليه أهل الميت جيرانهم ومن نزل بهم من الضيوف وأكلوا فلا بأس؛ لأنه قد يكون طعاما كثيرا فيحتاج إلى من يأكله، فإذا دعوا جيرانهم وبعض أقاربهم للأكل معهم فلا بأس بذلك، وهكذا لو نزل بهم ضيف، وصنعوا له طعاما فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا ليس من أجل الميت بل من أجل الضيف، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/341)
س: العادة عندنا بأنه تمتد أيام التعزية إلى أكثر من ثلاثة أيام نظرا لما ذكرنا من المسافة، وكون بعض الناس لا يعلم إلا متأخرا بعد وفاة الميت بثلاثة أيام أو أكثر، وقد يستمر سبعة أيام، فما الحكم أيضا في ذلك؟ (1)
ج: ليس للعزاء حد محدود، لا ثلاثة ولا أكثر، قد لا يعلم العزاء إلا بعد أربعة أيام أو خمسة أيام، المقصود ليس له حد محدود، المعزي لو عزاهم بعد ثلاثة أو بعد أربعة أو بعد خمسة - يعني حين بلغه الخبر - فلا بأس، إنما الثلاث حد للإحداد، وإحداد المرأة القريبة إلى الميت؛ لأن
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (19) .(14/341)
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج (1) » فالإحداد لقريبات الميت لا يجوز فوق ثلاث، وأما الزيارة للتعزية فليس لها حد بالثلاث، ولا صنع الطعام لهم من جيرانهم وأقاربهم ليس له حد، فلو صنع لهم الطعام أحد الجيران بعد ثلاث لأنهم لا يزالون مشغولين بالمصيبة فلا بأس، ليس له حد فيما نعلم في الشرع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب الكحل للحادة، برقم (5339) ، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك، برقم (938) .(14/342)
229 - حكم وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم
س: ما هي صحة العبارات التي تطلق على الأموات، فنحن نسمع أن فلانا المغفور له أو المرحوم، هل هذه العبارات صحيحة، وكيف توجهون الناس (1) ؟
ج: الواجب في هذا أن يقال: غفر الله له، رحمه الله، ولا يجزم بالمغفور له والمرحوم، هذا هو الذي ذكره أهل العلم، وكان أهل السنة والجماعة يقولون: لا يجوز الشهادة لمعين بجنة أو نار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم أو شهد الله له في كتابه وإلا فلا، فمن شهد الله له في الكتاب العزيز بالنار، أبو لهب شهد الله له بالنار، وهكذا من
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (72) .(14/342)
شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي، وبقية العشرة، وغيرهم ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، أو بالنار، هذا يشهد له، أما من لم يشهد له الله ولا رسوله لا بجنة ولا بنار فإنا لا نشهد له بذلك لا هذا ولا هذا، ولكن أهل السنة يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، والذي يظهر أن قول القائل: المرحوم فلان والمغفور له فلان، في معنى الشهادة بالجنة والنار؛ لأن المرحوم والمغفور له معناه أنه في الجنة، يعني أن كل إنسان مرحوم ومغفور له فهو من أهل الجنة، هذا فيه جرأة وعدم تورع، والذي ينبغي في مثل هذا أن يقول: رحمه الله، غفر الله له، هذا هو الذي ينبغي في هذا المقام.(14/343)
230 - حكم دفن الميت ليلا
س: هل يجوز دفن الميت ليلا، وهل هناك أوقات نهي للدفن؟ (1)
ج: إذا تمكن أهله من الصلاة عليه وتكفينه وتغسيله والصلاة عليه فلا بأس، وقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأموات ليلا، ودفن هو ليلا عليه الصلاة والسلام، وهكذا الصديق، وهكذا عمر دفن ليلا، وهكذا عثمان، فالمقصود أن الدفن في الليل لا بأس به إذا توافرت الأمور
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (72) .(14/343)
المشروعة وتمكن أهله من الدفن، أما ما جاء من النهي عن الدفن ليلا فهذا محمول عند أهل العلم على ما إذا كان الدفن في الليل يفضي إلى عدم أداء الواجب في حق الميت.
أما عن الأوقات التي ينهى فيها عن الدفن فإن هناك ثلاث ساعات. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله: «ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب (1) » هذه الثلاث عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها قبيل الظهر حتى تزول قبل الظهر بقليل، وعند انحدارها للغروب واصفرارها، في هذه الحال لا يصلى على الميت ولا يدفن، بل يتوقف.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، برقم (831) .(14/344)
231 - مسألة في قول المغفور له، للميت
س: سائلة تسأل عن بعض العبارات مثل عبارة: المغفور له فلان، هل تجوز أم لا؟ (1)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (302) .(14/344)
ج: ظاهر الأدلة الشرعية أنها لا تجوز، بل لا يجزم؛ لأن الله هو الذي يعلم الحقائق سبحانه وتعالى، فأهل السنة والجماعة يقولون: لا نشهد لمعين بجنة ولا نار إلا من شهد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام له بذلك، ولكن نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين، يقال: المؤمنون مغفور لهم، المؤمنون في الجنة، الكفار في النار، أما من يقول: فلان ابن فلان مغفور له، أو في الجنة، فلا يجوز، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم كالعشرة؛ الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، هؤلاء شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله عنهم فالمقصود من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له، وهكذا من شهد له الله أو رسوله بالنار نشهد له بالنار كأبي لهب، أما نحن فلا نشهد لأحد معين - ونقول: فلان ابن فلان - بالجنة أو بالنار، بل نقول: إن كان مؤمنا ومات على هذا فهو من أهل الجنة، وإن كان كافرا ومات على الكفر فهو من أهل النار.(14/345)
232 - بيان حكم بعض العادات في العزاء
س: ما رأيكم في العادات المتبعة لدى البعض في العزاء من الولائم، وقراءة القرآن والأربعينيات والسنويات أيضا، وما شاكل ذلك؟(14/345)
فنرجو التوجيه من سماحة الشيخ (1)
ج: هذه العادات لا أصل لها، ولا أساس لها، بل هي من البدع ومن أمر الجاهلية، كونه يقيم وليمة إذا مات الميت يدعو لها الجيران والأقارب، ونحو ذلك، ويقيمونها بالبكاء وبالقراءة أو نحو ذلك، هذه بدعة لا تجوز، وهكذا إقامتها على رأس الأربعين، وعلى رأس الأسبوع، وعلى رأس الشهر، وعلى رأس السنة، كلها من بدع الجاهلية ومما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب والعزاء مما أصابهم، أي يتعزون بالله ويرضون عما قدر الله عليهم سبحانه وتعالى، ويحتسبون الأجر عنده عز وجل، ولا مانع أن يصنعوا لأنفسهم الطعام العادي لأكلهم وحاجاتهم، وهكذا لو نزل بهم ضيف وصنعوا له الطعام العادي لا بأس، أما أن يصنعوه من أجل الموت ومن أجل المأتم لإقامة مأتم يجمعون الناس ليقرؤوا القرآن أو ليقرؤوا الأحاديث والأشعار، أو ليبكوا معهم وينوحوا معهم فكل ذلك من البدع المحدثة، وليس لها أصل في الشرع المطهر، ويشرع لأقاربهم وجيرانهم ونحو ذلك أن يصنعوا لهم طعاما يرسلونه إليهم؛ لأنهم مشغولون بمصيبة، فإذا صنع لهم جيرانهم أو بعض أقاربهم طعاما يوم الموت واليوم الثاني أو نحوه وأرسلوه إليهم جبرا لهم لمصابهم،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (71) .(14/346)
وإعانة لهم على المصيبة؛ لأنهم مشغولون، قد لا يتفرغون للطبخ، وقد يكسلون عن ذلك لشدة المصيبة، هذا أمر مشروع، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما أتى نبأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة بالشام، وجاء خبره إلى المدينة رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا طعاما لآل جعفر، قال: «اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » يعني: ابعثوا لهم طعاما، من أهله صلى الله عليه وسلم لأهل جعفر؛ لأنه قد أتاهم ما يشغلهم عن صنع الطعام، فهذا أمر مشروع وليس فيه بأس.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/347)
س: عندما يتوفى المرء في بلدنا يجلس الأقارب في بيت المتوفى مدة خمسة أيام أو أكثر من ذلك لاستقبال المعزين، فيقرؤون الفاتحة ويرفعون أيديهم إلى الوجه، ثم يقولون بصوت جماعي: جبر الله كسرك، ولأهل الميت: عظم الله أجرك. فما حكم الشرع في هذه العادة، وهل هي صحيحة أم أنها بدعة؟ نرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذه العادة بدعة، لا أصل لها في الشرع، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يفعلون ذلك، فالواجب على المؤمن الحذر من
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (203) .(14/347)
البدع، فهي شر وبلاء؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » فهو مردود. وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم - يعني السيرة - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » خرجه مسلم في صحيحه. فالمصابون يعزون في ميتهم، ويدعى لهم أن الله يجبر كسرهم، ويحسن عزاءهم، ويغفر لميتهم إذا كان مسلما، أما كونهم يجلسون للعزاء، ويتجمعون على القراءة وعلى الأكل والشرب فهذا لا أصل له، لكن إذا جلس في بيته في الوقت المعتاد الذي يجلسه الناس في بيوتهم، وجاءه الناس يعزونه من دون إحداث شيء، بل الجلوس العادي، وإن صب لهم الشاي لا بأس، هذه جلسات عادية لا بأس بها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه خبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، لما قتل في مؤتة قال الصحابي: جلس واجما يرى عليه أثر الحزن. عليه الصلاة والسلام. فالمقصود أن
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607) والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم (2676) ، وابن ماجه كتاب المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل، برقم (46) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(14/348)
الجلوس عند المصيبة وعند روعة المصيبة ليس فيه حرج، لكن كونه يتعمد أن يكون لهذا نظام خاص بإيجاد الطعام، أو مأتم الحزن، أو جمع قراء، أو قراءة خاصة يفعلونها بينهم، أو دعوات يجتمعون عليها، ويرفعون أيديهم، أو ما أشبه ذلك هذا لا أصل له، أما كونه جلس في بيته الجلوس المعتاد ضحوة أو ظهرا أو عصرا أو مغربا، ومر عليه جيرانه وأقاربه وعزوه، أو عزوه في الطريق أو المسجد أو في المقبرة، كله جائز والحمد لله، من دون أن يتخذ لهذا نظاما خاصا، كذلك لا أصل لقراءة الفاتحة ولا غيرها، أما إذا قرؤوا على العادة، اجتمعوا وقرؤوا من القرآن لا لأجل الميت، بل لأنهم مجتمعون، وقرأ واحد يسمعهم كلام الله لا بأس بهذا، أما أن يكون للمصيبة بقصد المصيبة فهذا لا أصل له.(14/349)
233 - حكم ذهاب الدعاة إلى الاجتماعات المخالفة في العزاء لأجل الدعوة
س: عندنا في السودان إذا مات شخص يجتمع الناس بعد الدفن، والسؤال: هل يجوز للداعية أن يذهب إليهم ويدعوهم إلى الإسلام وينكر عليهم، ويعلمهم، وهذا الداعي يذهب إليهم بنية الدعوة إلى الله، ويبين الحق من الباطل، وهو لا يجالسهم ولا يأكل عندهم، بل إن قصده أن يبلغ دعوة الله لكونهم مجتمعين ثم ينصرف ولا يجالسهم؟ أسال عن هذا لأن بعض الإخوة لا يرون الذهاب بقصد الدعوة لأنهم في منكر، أرجو التوضيح بالتفصيل،(14/349)
جزاكم الله خيرا (1)
ج: ذهاب الدعاة للمجتمعات المخالفة للشرع للدعوة والتوجيه - أمر مطلوب؛ لأنها فرصة ينبغي أن تستغل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على مجامع الكفرة في منى فيدعوهم إلى الله، ويطلب منهم أن يؤووه حتى يبلغ رسالات الله، وذهب مرة إلى سعد بن عبادة يعوده في المدينة وهو مريض، فمر على مجتمع فيه اليهود، وفيه بعض الكفرة الوثنيين، وفيه بعض المسلمين، فوقف عندهم ودعاهم إلى الله عز وجل، ورغبهم في الخير، فالدعاة إذا زاروا بعض المجتمعات المنحرفة كالذين يجتمعون بعد موت الميت ويقيمون مأتما عند أهل الميت يعلمهم، يقول: هذا ما يجوز، أهل الميت لا يقيمون للناس مأتما ولا طعاما، ولا يجمعون الناس، ولكن إذا بعث إليهم جيرانهم طعاما، أو أقاربهم طعاما فلا بأس بهذا، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مؤتة؛ أمر أهله أن يبعثوا لأهل جعفر طعاما، وقال: «إنه أتاهم ما يشغلهم (2) » هذا لا بأس به، بل هو مشروع، أما كون أهل الميت يقيمون مأتما، يقيمون طعاما للناس يجمعونهم فهذا لا يجوز، هذا من عمل الجاهلية، كذلك الاجتماعات على المولد، مثل
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (87) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/350)
الاحتفال بالمولد في أي مكان، فيأتيهم الدعاة فيقولون: هذا الاحتفال لا يجوز، وليس في الشريعة موالد يحتفل بها، ولم يشرع هذا النبي صلى الله عليه وسلم، لا في مولده ولا في مولد غيره، ولم يفعله الخلفاء الراشدون مع نبيهم عليه الصلاة والسلام، ولا بقية الصحابة، ولا التابعون ولا أتباعهم بإحسان، حتى ينتبه الناس لهذه البدع، ويحذروها، هذا كله لا بأس به، إنما المنكر أن يحضر معهم للمشاركة فقط، أما إذا حضر لا للمشاركة بل للدعوة والتوجيه والإرشاد ثم ينصرف، فهذا مأجور غير مأزور، والله المستعان.(14/351)
234 - حكم الوعظ عند القبور
س: بالنسبة للوعظ عند القبور، ما رأيكم فيه؟ (1)
ج: الوعظ لا بأس به، النبي وعظ عند القبر، جاء عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي ومن حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه وعظ الناس عند القبر وهم ينتظرون، وعظهم وذكرهم عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (383) .(14/351)
س: يقول هذا السائل: ما رأي سماحتكم في الوعظ عند القبور؟ (1)
ج: الوعظ عند القبور مستحب إذا تيسر ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (401) .(14/351)
وسلم وعظ عند القبور؛ لحديث علي رضي الله عنه، ومن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي وعظهم عند القبور عليه الصلاة والسلام، فإذا حضر بعض أهل العلم، ووعظ الناس عند القبر عند انتظارهم الدفن، أو عند وقوفهم للدفن، وذكرهم بالله فحسن، كله طيب.(14/352)
235 - حكم اجتماع الناس في بيت الميت في اليوم الثالث من موته
س: هذا السائل ح. إ. من اليمن يقول: سماحة الشيخ، في اليوم الثالث من موت الميت عندنا تقام محاضرة في بيت الميت، ويحضرها جمع من الناس، هل هذا العمل جائز أم هو من البدع؟ (1)
ج: اعتياد إقامة محاضرة في بيت الميت في اليوم الثالث أو طعام أو شبه ذلك - ليس من الشرع في شيء، بل هو بدعة، أما إذا كان عارضا اجتمعوا يسلمون على أهل الميت يعزونهم، فذكرهم بعض الناس فلا بأس، شيء عارض، أما اتخاذ هذا عادة وسنة جارية في اليوم الثالث أو الثاني أو الرابع أو الخامس، إقامة حفل وموعظة أو خطبة أو أكل، هذا بدعة، نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (395) .(14/352)
236 - حكم رفع الأيدي والدعاء للميت عند مصافحة أهله
س: من أسئلة السائلة المستمعة من السودان تقول: يا سماحة الشيخ،(14/352)
إذا ذهبنا للعزاء قبل أن نصافح أهل الميت نرفع الأيدي وندعو للميت، ثم نقوم بمصافحتهم، هل هذه العادة صحيحة؟ (1)
ج: لا أعرف لها أصلا، لكن الدعاء للميت لا بأس قبل أو بعد، أما رفع الأيدي واعتيادها فلا أصل له، لكن إذا الإنسان سلم عليهم ودعا لميتهم قبل أو بعد لا حرج، كله طيب، أما رفع الأيدي قبل ذلك والدعاء قبل ذلك فما أعرف له أصلا.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (422) .(14/353)
س: عندنا بعض العادات في العزاء، ومنها أن يرفع الناس أيديهم لأهل الميت، ويقولون: الفاتحة، ويقرؤون سورة الفاتحة، فهل هذا جائز أم لا؟ (1)
ج: المشروع في العزاء هو الدعاء لأهل الميت بالتوفيق وبالصبر والاحتساب، وعظيم الأجر وغفران الذنوب للميت، أما رفع الأيدي إليهم وقراءة الفاتحة فليس له أصل، ورفع الأيدي ما ندري ما مراده، فإن كان المراد به المصافحة عند اللقاء فهذا لا بأس به، هذا مشروع، كونه يصافح المعزى إذا كان رجلا أو كانت امرأة ذات محرم له كخالته وعمته وأمه ونحو ذلك، فلا بأس أن يصافح المعزى ويقول له: أعظم الله أجرك. وأحسن عزاك، وغفر لميتك وجبر مصيبتك، هذا كله طيب.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (43) .(14/353)
ويقول هذا الرجل والمرأة جميعا، فيصافح الرجل ويصافح المرأة إذا كانت محرما له كأخته وعمته وخالته، أما النساء غير المحارم فلا يصافحهن، وما يفعله بعض الناس من مصافحة النساء فهو غلط لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء (1) » وتقول عائشة رضي الله عنها: «ما مست يد رسول الله يد امرأة قط عند البيعة، قالت: ما كان يبايعهن إلا بالكلام (2) » فهذا يدلنا على أن المرأة الأجنبية ليس للرجل أن يصافحها، لكن لا بأس بمصافحته المرأة ذات المحرم، كأمه وجدته وخالته وعمته ونحو ذلك عند العزاء وعند اللقاء، لا بأس عند المقابلة إذا قابل خالته أو عمته، إذا زارها عند العزاء صافحها ودعا لها، وهكذا إذا قابل الرجل عند اللقاء في الطريق، أو زاره في البيت وصافحه، كل هذا طيب، وهكذا عند العزاء يصافحه، ويدعو له، أما إن كان رفع الأيدي على غير هذه الطريقة، رفع الأيدي إلى السماء بغير مصافحة فهذا لا أصل له، وهكذا قراءة الفاتحة عند لقاء المعزى ليس له أصل، بل هو من البدع، وهكذا اجتماعهم على القراءة
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب البيعة، باب بيعة النساء، برقم (4181) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي، برقم (5288) ، ومسلم في كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء، برقم (1866) .(14/354)
وقت العزاء، هذا كله لا أصل له، إنما يعزي ويدعو لهم وينصرف، أما اجتماعهم عند أهل الميت على قراءة القرآن، أو على قراءة أشياء أخرى، أو للأكل والشرب فهذا ليس له أصل، وإنما السنة أن جيران أهل الميت أو أقاربهم يبعثون لهم طعاما، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه نبأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » هذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، أما كون أهل الميت يصنعون طعاما ويجمعون الناس على قراءة أو على دعاء، أو على غير ذلك، فهذا ليس من السنة، قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام عندهم كنا نعده من النياحة (2) » هذا يدل على أن هذا لا يجوز ولا ينبغي، وليس من المشروع، بل هو خلاف المشروع، كذلك عند المقابر، هذا لا يجوز أيضا، وليس له أصل، فلا ترفع الأيدي عند المقابر، ولا يقرأ القرآن بين القبور ولا عند زيارة المقابر كل هذا ليس له أصل، ولكن السنة أن يدعوا للموتى ويستغفروا لهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور دعا للأموات بالمغفرة والرحمة، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/355)
القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » وفي رواية أخرى: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » يدعو لهم هكذا عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على أن السنة في زيارة القبور الدعاء للأموات والترحم عليهم، أما أنه يقرأ لهم القرآن أو يرفع الأيدي إلى السماء أو بالإشارة فهذا شيء لا أصل له.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/356)
س: جرت العادة عندنا أنه إذا دخل أحدنا العمل يقرأ الفاتحة بصوت عال، وإذا قمنا بصلح بين جماعة قرأنا الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم وإذا حضرنا عزاء متوفى نقول: الفاتحة للمتوفى، هل هذا جائز أم أنه بدعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا لا دليل عليه، بل هو بدعة، فالواجب تركه، أصلح الله حال الجميع.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (193) .(14/356)
237 - حكم الذهاب للعزاء مع العلم بما فيه من البدع
س: سوداني مقيم بالرياض يقول: هل يجوز الذهاب إلى أهل الميت(14/356)
وتعزيتهم إذا كانت لديهم بدعة مثل قراءة الفاتحة مع رفع الكفين قبل إلقاء السلام عليهم؟ نرجوكم الإفادة (1)
ج: نعم، تعزيهم وتنصحهم عما عندهم من البدع - والحمد لله - تجمع بين الخيرين؛ التعزية، وإنكار المنكر.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (371) .(14/357)
238 - حكم ترديد النساء: " لا إله إلا الله " في العزاء بصوت عال
س: السائل يقول: اعتاد البعض من النسوة أثناء التعزية في الأموات وخاصة قبل دفن الجثمان أن يرددن قول: لا إله إلا الله، بصوت عال، أي امرأة تقول والباقي يرددن وراءها، وصوت المرأة مسموع عند الرجال، ويرين أن هذا أفضل من اللطم أو العويل، ويهدئ من حالة أهل الميت، فما صحة ذلك؟ (1)
ج: الظاهر أن هذه بدعة، حتى لو ما سمعه الرجال، كونهن يرددن: لا إله إلا الله - لأنهن نسوة - عند التعزية هذا لا أصل له، التعزية: أحسن الله عزاءك وجبر مصيبتكم، وغفر لميتكم. ونحو هذا من الكلام، أما أن يرددن: لا إله إلا الله، أو: سبحان الله، بصوت جماعي فهذا بدعة، سواء سمعها رجال أو ما سمعها رجال، لا ينبغي هذا العمل، والسنة أن
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (374) .(14/357)
يقال: اتقوا الله، لا تجزعوا، الحمد لله، هذه سنة الله في عباده، كل يموت، يتحدثن معهن بالوصية والنصيحة، هذه التهدئة، الوعد بالخير، التحذير من الشر، أما أن يأتين بلا إله إلا الله، بصوت جماعي، وما أشبه ذلك فهذا من البدع؛ لأن البدعة هي ما أحدثه الناس خلاف الشرع، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » فهذا ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من عمل الصحابة بل هذا من البدع.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/358)
239 - حكم نصب الخيام وإشعال الأنوار للعزاء
س: ما حكم الذين ينصبون الخيام ويشعلون الأنوار سماحة الشيخ لأجل العزاء؟ (1)
ج: ليس له أصل، بل يبقون على حالهم، إذا زارهم في بيوتهم أو في الطريق أو في المسجد، وعزاهم كفى، فلا حاجة إلى نصب الخيام وجعل الأنوار الخاصة، بل هذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (175) .(14/358)
240 - حكم الفرش للميت وبقائه ثلاثة أيام
س: الأخ ع. م. سوداني، يسأل ويقول: عندنا عندما يموت الشخص يفرشون له ثلاثة أيام، ويقرؤون له القرآن وبعض الأدعية، فهل هذا من السنة؟ (1)
ج: ليس هذا من السنة، كونهم يفرشون له فرشا ليبقى عليها حتى يتأخر دفنه هذا مكروه، بل السنة التعجيل، وهكذا القراءة له، كل ذلك ليس من السنة، بل هو مكروه، ولا دليل عليه، أما إن كان السائل أراد بالفراش شيئا آخر وأن يفرشوا له في القبر، فكذلك مكروه، لا يشرع أن يفرش له، بل يوضع على التراب، أما إن كان أراد شيئا آخر فعليه أن يسأل سؤالا آخر.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (241) .(14/359)
241 - بيان ما يفعله المعزي لمن عندهم مخالفات شرعية
س: مستمع يسأل ويقول: إذا كان لي جيران يقيمون المأتم عندما أريد تعزيتهم في فقيد لهم، ماذا أفعل؛ علما بأن هناك مخلفات لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في العزاء (1) ؟
ج: تعزيهم وتنصحهم، تقول: أحسن الله عزاءكم، يا إخواني، ترى هذا ما يجوز، إذا كان عندهم نياحة تنصحهم، وإن كانوا يقيمون أطعمة أو
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (347) .(14/359)
يشترون طعاما للناس تعلمهم أن هذا لا يجوز، وأن هذا من عمل الجاهلية؛ لما فيه مصلحتهم تعزيهم وتنصحهم، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر جمعا بين المصالح.(14/360)
242 - حكم إقامة العزاء والعزائم من تركة الميت
س: يسأل الأخ عن بدع العزاء كاستحداث الصواوين والعزائم والقراءة، ويقول: إن هذه النفقات تنفق كلها من تركة الميت، وربما يكون الورثة في أمس الحاجة إليها، فما الحكم؟ (1)
ج: لا يجوز لأهل الميت إقامة عزائم - يعني إقامة مأتم - بإيجاد الطعام ودعوة الناس للأكل ونحو ذلك على حساب الميت، أو على حساب أيتام الميت، أو على حسابهم هم، كل ذلك لا يجوز لأنها من أمر الجاهلية، ولكن يصبرون ويحتسبون، ويقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون. ويستقبلون المعزين، لا بأس، يستقبلونهم، يصبون لهم قهوة، يصبون لهم شايا لا بأس، أما أن يقيموا مأتما بالبكاء والنياحة أو بصنع الطعام للناس فهذا لا يجوز، بل هو من أمر الجاهلية وإذا كان بيتهم صغيرا وجعلوا مكانا أوسع لاستقبال المعزين من دون إحداث مأتم ولا شيء، بل مجرد إحداث خيمة أو صالون يسع المعزين فلا حرج في ذلك إذا كان
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (187) .(14/360)
ليس فيه بدعة، لا مأتم ولا إحداث نياحة، ولا أشياء مما حرم الله، إنما مجرد استقبال وسلام عليهم وصب القهوة والشاي، هذا لا يضر ولا حرج في ذلك إن شاء الله عند ضيق المكان، أما إذا أتوا بالقراء وما أشبه ذلك فإن هذا لا يجوز، هذا بدعة، بالقراء أو بصنع الطعام هذا بدعة، لكن لو جاءهم ضيوف واستحوا أن يتركوهم وصنعوا لهم طعاما لأنهم ضيوف جاؤوا من مكان بعيد فلا بأس، أو دعوهم إلى ما عندهم من الطعام المهدى إليهم فإن السنة أن يهدى إلى أهل الميت طعام من جيرانهم وأقاربهم، فإذا وافقه الضيوف وأكلوا معهم فلا بأس.(14/361)
243 - حكم إقامة العزائم بعد أربعين يوما من الوفاة
س: بعض العامة بعد وفاة قريب لهم بأربعين يوما يقومون بما تعارفوا على تسميته بالأربعين، وفي هذه الأربعين يقومون بدعوة الناس، فيقوم المدعوون بقراءة بعض الأذكار، وبعد تناول الطعام يقومون بتلاوة القرآن الكريم، ويدعون بثواب القراءة للميت، فما حكم الشرع في هذا الفعل، هل هو جائز أم هو محرم؟ (1)
ج: هذا لا يجوز، هذا من المأتم، من أعمال الجاهلية، لا يجوز، لا في الأربعين ولا في اليوم الأول، ولا في الأسبوع الثاني، ولا على رأس
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (213) .(14/361)
السنة، كله من البدع والخرافات، ومن أعمال الجاهلية، لا تجوز إقامة هذا العمل، ولكن يدعا للميت ويتصدق عنه، هذا طيب، أما إقامة مأتم على رأس الأربعين أو رأس الأسبوع أو رأس الشهر أو رأس السنة، فكل هذا لا أصل له، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة (1) » فلما توفي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شهيدا في سبيل الله، وجاء نعيه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يتخذ مأتما لا على رأس الأسبوع ولا في أول يوم ولا على رأس الأربعين، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا هذا لنبيهم صلى الله عليه وسلم ولا للصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم، فالواجب ترك ذلك؛ لأنه من عمل الجاهلية.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/362)
244 - حكم تقديم الدخان للمعزين
س: ما حكم تقديم الدخان مع ما يقدم بعد حضور الناس للتعزية للميت، وفقكم الله وشكركم وقدر مسعاكم؟ (1)
ج: لا يجوز لأهل الميت ولا غيرهم أن يقدموا الدخان للناس ولا الخمر، هذا حرام منكر؛ لأن الدخان حرام والخمر حرام، فليس لأهل
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (19) .(14/362)
الميت أن يقدموا ما حرم الله لزوارهم والمعزين، هذا لا يجوز، هذا من التعاون على الإثم والعدوان، لكن لا بأس أن يقدموا قهوة أو شايا، أو شرابا طيبا لا بأس، أما أن يقدموا الدخان أو الخمر أو الحشيش أو الحبوب المسكرة والمخدرة فهذا كله لا يجوز، بل هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه نهى عن ذلك، نسأل الله للجميع الهداية.(14/363)
245 - نصيحة حول المخالفات في العزاء وغيره
س: سماحة الشيخ، حتى ينتهي الناس عن هذه المخالفات في العزاء وفي غيره، ما هي كلمتكم يحفظكم الله؟ (1)
ج: الواجب على المسلمين جميعا أن يتقيدوا بالشرع في كل شيء في الجنائز وغير الجنائز في صلاة الجنازة وغير ذلك، في جميع العبادات؛ لأن الله جل وعلا يقول ذاما لقوم أحدثوا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) ويقول جل وعلا: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (3) ويقول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (365) .
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الجاثية الآية 18
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(14/363)
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » فليس للناس أن يحدثوا عبادات في شرع الله ما أنزل الله بها من سلطان لا في أمر الجنائز ولا في غير الجنائز، جميع البدع ينهى عنها، والإنسان يتقيد بالشرع، يسأل عما شرع الله، يتفقه في الدين، ويسأل عما شرعه الله، ويعمل بذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (2) » فالتفقه في الدين مطلوب، ويعلم الإنسان علما من شرع الله عز وجل، أما التعزية فمشروعة، كونه يزور أخاه يعزيه في البيت، أو في الطريق أو في المسجد أو في الدكان أو في المزرعة لا بأس، يزوره إخوانه يعزونه في أبيه، في أخيه، في أمه لا بأس، أما أن يتخذ لذلك طعاما، يصنعن طعاما لهم، أو يتخذ قراء يقرؤون للميت أو أشياء أخرى تفعل من أجل الميت عند الموت، أو على رأس الأسبوع، أو بعد الأربعين يوما، أو على رأس السنة فكل هذا لا أصل له.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، برقم (7312) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم (1037) .(14/364)
246 - حكم قول: إنا لله وإنا إليه راجعون إذا كان الميت كافرا
س: إذا مات رجل أو امرأة وهو كافر، هل يمكن أن نقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 156(14/364)
أم لا يجوز؟ ونقول أيضا: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1) {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (2) إلى آخره؟ (3)
ج: الكافر إذا مات لا بأس أن نقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (4) الحمد لله، إذا كان من أقربائك لا بأس، كل الناس إلى الله راجعون، كل الناس ملك لله سبحانه وتعالى، لا بأس بهذا، ولكن لا يدعى له ما دام كافرا لا يدعى له، ولا يقال: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (5) {ارْجِعِي} (6) لأن نفسه ما هي مطمئنة، نفسه فاجرة، ما يقال له هذا، وإنما يقال هذا في المؤمن، فالحاصل أن الكافر إذا مات لا بأس أن تقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (7) ولا بأس أن يقول لك غيرك: عظم الله أجرك فيه، وأحسن عزاءك فيه، ما فيه بأس، قد يكون لك مصلحة في حياته، قد يكون في حياته يحسن إليك، ينفعك فلا بأس، لكن لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولا يتصدق عنه إذا مات كافرا.
__________
(1) سورة الفجر الآية 27
(2) سورة الفجر الآية 28
(3) السؤال الرابع من الشريط رقم (10) .
(4) سورة البقرة الآية 156
(5) سورة الفجر الآية 27
(6) سورة الفجر الآية 28
(7) سورة البقرة الآية 156(14/365)
247 - حكم قول: اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها - للمسلم والكافر
س: السائلة ف. ع. من مكة المكرمة تقول: هل هذا الدعاء يخص(14/365)
المسلم فقط؟ أم أنه يخص الكافر أيضا، لو دعا به فيستجاب له: اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها؟ (1)
ج: يدعو بها المسلم والكافر، الدعاء مطلوب من المسلم والكافر، والمسلم حري بأن يجاب، والكافر قد يجاب وقد لا يجاب؛ لأن كفره قد يكون من أسباب حرمانه للإجابة، وقد يجاب فيرزقه الله ولدا صالحا، أو قريبا صالحا يدعوه إلى الله ويحسن إليه ويعلمه الدين ويهديه الله على يديه، الدعوة دعوة طيبة، يدعو بها المسلم والكافر.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (394) .(14/366)
248 - حكم التعزية في وفاة من لا يصلي
س: هل يجوز أن يعزى المؤمن في شخص لا يصلي؟ (1)
ج: هذا محل نظر، التعزية في الكافر ذكر أهل العلم أنه لا بأس أن يقول: أحسن الله عزاءكم، أو: جبر الله مصيبتكم أو نحو ذلك ولا يدعى له، للميت، لا يدعى له، لا يقال: غفر الله لميتكم، ولكن إذا يدعى لهم بحسن العزاء وحثهم على الصبر، وأن الرجل هذا قد أتى معصية عظيمة فلا ينبغي الحزن عليه، ولا ينبغي التكدر من موته؛ لأنه ليس أهلا لذلك بسبب كفره، أو بسبب تركه الصلاة التي تركها كفر على الصحيح
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (175) .(14/366)
من قولي العلماء ولو كان ما جحد الوجوب، فإن العلماء اختلفوا فيمن تركها تكاسلا هل يكفر أم لا، والأرجح أنه يكفر والعياذ بالله إذا تركها تكاسلا، أما إذا تركها جاحدا للوجوب كفر إجماعا، نسأل الله العافية، مثل هذا لا يدعى له، ولكن إذا دعا لهم هم، قال: أحسن الله عزاءكم، أو: جبر مصيبتكم، أو: عوضكم الله خيرا منه، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بذلك، ولكن ينبغي له أن يطمئنهم أن مثل هذا ليس كفؤا للحزن عليه، وليس أهلا للحزن عليه، لما هو عليه من الباطل والكفر، نسأل الله العافية، فينصحهم ويدعو لهم بالدعوة المناسبة.(14/367)
249 - حكم التعزية فيمن مات بالانتحار أو ارتكاب المحرمات
س: أحيانا تحدث وفاة شخص إما متعمدا للانتحار، أو شخص سكير شرب مسكرا يحتوي على كمية كبيرة من المسكر، أو المسكرات المؤدية للوفاة، أو شخص اعتدى عليه بالقتل للخلاص من شره، فهل يجوز مواساة والدة المتوفى لسبب من هذه الأسباب، أو لمن يمت إليه بصلة؟ حيث إنني أتردد كثيرا، هل أذهب أم لا، فتوجهت إليكم لترشدوني إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (89) .(14/367)
ج: نعم، لا بأس بالتعزية، بل تستحب التعزية، ولو كان بهذه المثابة، وإن كان عاصيا، إذا انتحر أو قتله من اعتدى عليه، أو قتل قصاصا، أو قتل حدا كالزاني المحصن لنفسه، وهكذا من شرب الخمر حتى مات بسبب ذلك إذا كان لم يستحل ذلك، ولم يبد منه ما يوجب ردة في الأقوال أو الأعمال فهذا عاص، ولا مانع من تعزية أهله في ذلك، ولا مانع من الدعاء له بالمغفرة والرحمة، ويغسل ويصلى عليه، لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان والقاضي ونحو ذلك، يصلي عليه بعض الناس من باب الزجر عن عمله السيئ إذا كان قتل نفسه، أو مات بسبب تعاطيه المسكرات، أما إذا مات بالعدوان عليه بظلم فهذا مظلوم يصلى عليه، ويدعى له، أو كالذي مات بالقصاص بأن قتل قصاصا؛ لأنه قتل فقتل قصصا، هذا يصلى عليه أيضا، ويدعى له ويعزى أهله في ذلك إذا كان مسلما، إذا كان ليس عنده ما يوجب ردته.(14/368)
س: هل يجوز لنا تعزية أهل الميت إذا كان الميت توفي عن طريق الانتحار؟ (1)
ج: نعم يعزون ويدعى له بالمغفرة إذا مات مسلما، إذا كان مسلما فانتحاره لا يخرجه من دائرة الإسلام، كبيرة من الكبائر. ويدعى له بالعفو والمغفرة، ويصلى عليه، لكن لا يصلي عليه يعني السلطان أو الأمير أو
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (344) .(14/368)
العالم - من باب التعزيز له ولأمثاله، يصلي عليه بعض الناس لأنه مسلم ليس بكافر، من ينتحر مسلما - أتى كبيرة عظيمة، فيصلى عليه ويدعى له بالعفو والمغفرة، ويتصدق عنه، نسأل الله العافية والسلامة.(14/369)
250 - حكم مساعدة أهل الميت في صنع الطعام لهم
س: هل يحق مساعدة أهل الميت في حالة التعزية في الطعام - ونحن نسميها التعاون - مثل الجيران أو الأعمام أو الأقرباء؟ (1)
ج: السنة أن يبعث لهم طعاما مصنوعا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء خبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام، لما جاء خبره أمر أهله عليه الصلاة والسلام أن يبعثوا لدار جعفر طعاما، وقال: «إنه أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا دفع الجيران أو الأقارب لأهل الميت طعاما مصنوعا أيام العزاء؛ لأنهم مشغولون عن صنع الطعام بالمصيبة هذا سنة، أما المساعدة بالنقود أو بغير النقود فهذا لا بأس به إذا كانوا فقراء وساعدهم إخوانهم من أجل موت القائم عليهم، والكاسب لهم، هذا حسن، مساعدة لهم لأجل فقرهم، وأما أن يقوموا هم بصنع طعام للناس من أجل الميت فهذا من عمل الجاهلية لا يجوز،
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (178) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/369)
لا يقوم أهل الميت بصنع الطعام للناس إلا إذا نزل بهم ضيف ليكرموه فلا بأس؛ لأنهم صنعوه من أجل الضيف لا من أجل الميت، فلا بأس بهذا.(14/370)
س: السائل ع. من الجزائر يقول في سؤاله: ما حكم الشرع فيما يسمى بعشاء الميت يا فضيلة الشيخ؟ (1)
ج: إذا عشوا أهل الميت سنة، إذا مات إنسان شرع لجيرانه وأقاربه أن يعشوهم، أن يبعثوا لهم عشاء؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما جاء خبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، لما قتل في غزوة مؤتة قال لأهله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا مات قريب الإنسان أو جاره استحب لأهله أن يصنعوا لهم طعاما؛ لأنهم شغلوا بالموت، أما أهل الميت فلا يصنعون شيئا، هذا بدعة، كونهم يصنعون للناس ويجعلونه للناس هذا يسمى مأتما، ما يصلح، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصناعة الطعام بعد الموت من النياحة (3) » يجتمعون لينوحوا عليه، أو ليصنعوا الطعام للناس ما يصلح، أما أن يأتوا للتعزية، يأتي الجيران أو غيرهم يعزونهم أو يبعثون
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (405) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/370)
لهم طعاما لأنهم مشغولون فلا بأس.(14/371)
251 - حكم تقديم الأغنام والذبائح لأهل الميت أثناء العزاء
س: الأخ أ. ح. بعث برسالة يقول: أفتونا فيما هو واقع عندنا في التعزية، والطريقة التي هي عندنا هي أن أهل الميت يتوافد عليهم الناس في الحال، فمن هؤلاء الناس من يأتي معه بالذبائح الجاهزة للأكل، ويقوم أهل الميت بدورهم لتقديمها للمعزين الذين جاؤوا لتقديم العزاء كغداء أو عشاء، والبعض الآخر من الناس يأتي معه بالغنم حية، ويقوم أهل الميت بعمل اللازم لتقديمها أيضا كغداء أو عشاء، والبعض - وهم القلة - يجعلون ما أتوا به من أموال - غنم أو نقود - لأهل الميت، ولا يأكلون ولا يجلسون إلا الوقت القليل ومن ثم يذهبون، هل هذا العمل صحيح أم من الواجب أن يجلسوا في البيت ليتلقوا التعازي مع أهل الميت؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا حرج في هذا إذا تصدقوا عليهم وجاؤوا لهم بشيء من الغنم أو شيء من اللحم لا حرج في ذلك إذا صنعه أهل الميت لهم لأنهم ضيوف وأكرموهم بما جاؤوا به من اللحم أو من الذبائح لا حرج عليهم في
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (169) .(14/371)
ذلك، وإن أعطوهم مالا أو غنما أو غير ذلك، وذهبوا ولم يجلسوا مساعدة لأهل الميت فلا بأس بذلك، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن عمه لما قتل في مؤتة في الشام قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهله: «ابعثوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » فأمر أهله أن يبعثوا إليهم طعاما مصنوعا؛ لأنه أتاهم ما يشغلهم، فالأفضل لهؤلاء أن يبعثوا طعاما مصنوعا دون ذبائح يكلفون بها أهل الميت، لكن ما داموا جاؤوا بها وأعطوها أهل الميت، فأهل الميت عليهم أن يضيفوا ضيوفهم، ويحسنوا إليهم، ويكونوا كرماء لا لؤماء، فإذا صنعوا منها طعاما لهم، وأطعموهم غداء أو عشاء فلا حرج في ذلك، إنما المكروه الذي لا ينبغي والمنكر الذي يكون من عمل الجاهلية كون أهل الميت يصنعون الطعام من مالهم للناس، يجعلون هذا مأتما للميت، يصنعون الطعام للناس، هذا هو الذي لا ينبغي، وهو من عمل الجاهلية، وقال جرير رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الموت من النياحة (2) » يعني إذا فعله أهل الميت من مالهم، أما إذا فعله الضيوف الذين نزلوا بهم، أو فعلوه هم من الذبائح التي جاء بها الضيوف فهذا ليس
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/372)
فيه بأس؛ لأنهم ملزمون بهذا؛ لأن إكرام الضيف أمر لازم، ولا حرج في إكرام الضيف بل هو واجب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (1) » فإذا جاءهم الضيوف سواء معهم طعام أو ما معهم طعام، إذا جاءهم الضيوف ونزلوا عندهم وجلسوا إلى وقت الغداء أو العشاء وضيفوهم فلا بأس، وإذا كان معهم غنم أو لحوم كان الأمر أشد وآكد، لكن لا يبدؤونهم، أهل الميت لا يصنعون الطعام ويجعلون مأتما للناس وعادة، هذا هو الذي ينكر عليهم وينهون عنه، والأفضل للذين يزورونهم أن يصنعوا الطعام في بيوتهم، ويبعثوه إليهم مصنوعا كاملا حتى لا يكلفهم صنعة الطعام؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، فالذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وسنه للأمة أن جيرانهم أو أقاربهم يبعثون بالطعام مصنوعا إليهم حتى يكفوهم المؤنة، هذا هو الأفضل، وإذا جاءهم الطعام وقدموه للضيوف ليأكلوا منه، أو دعوا إليه الجيران أو أقاربهم ليأكلوا فلا حرج في ذلك؛ لأن الطعام لو ترك ضاع بغير فائدة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، برقم (6138) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، برقم (48) .(14/373)
س: من العادات السائدة أنه إذا توفي عندنا إنسان يجتمع الناس للتعزية في بيت أهل المتوفى وحاملين معهم ما يسمى بالتعازي، كالنقود(14/373)
والذبائح وما أشبه ذلك، وعلى إثر ذلك يقوم أهل الميت بالذبح من هذه التعازي، ويشترون ببعض النقود من الشاي والقهوة علما بأن الذين يقومون على الذبح هم أقارب وجيران الميت بقصد المساعدة لكون أهل الميت مشغولين، ولا يخفى أيضا مساعدة أهل الميت، نرجو منكم التوضيح إن كان ذلك جائزا أم لا؟ وفقكم الله وبارك فيكم (1)
ج: السنة للمسلمين أن يساعدوا أهل الميت ببعث العشاء لهم، يعزون بميتهم، ويبعث لهم أقاربهم وجيرانهم أيام العزاء طعام العشاء؛ لأنهم مشغولون عن صنعة طعام العشاء بسبب المصيبة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهله لما جاء نبأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مؤتة: «ابعثوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم (2) » هذا من السنة، أما كون أهل الميت يقومون بصناعة الطعام للناس فهذا لا ينبغي، هذا منكر، وهو من جملة النياحة، قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام لهم من النياحة (3) » فلا ينبغي هذا، ولا يجوز لهم أن يصنعوا الطعام للناس ويجمعوا الناس عنده
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (19) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/374)
للأكل؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، لكن زوارهم ينبغي أن يخففوا، يزورونهم للتعزية ثم ينصرفون، ولا يثقلون عليهم، ولا يحوجونهم إلى صنع الطعام، وينبغي للمعزين أن يعزوا ثم ينصرفوا من دون إبطاء وتأخر عندهم حتى لا يشق عليهم، وإذا كان المعزون جاؤوا من بلاد بعيدة ضيوفا على المعزين فلا بأس حينئذ - من أجل الضيافة - أن يصنع لهم أهل الميت طعاما أو يصنع لهم الجيران ويقدمونه لهم لا بأس بهذا، أما أن يتخذ عادة بأن أهل الميت يصنعون طعاما للمعزين فهذا لا ينبغي، بل هذا من المنكر، من عمل الجاهلية ومن النياحة، لكن إذا اضطروا إلى هذا بسبب الضيوف الذين جاؤوهم من بعيد، ويستحون من تركهم فلا بأس أن يصنعوا لهم الطعام من باب الضيافة لا من باب المأتم، ولا من باب صنع الطعام من أجل الميت، لا، بل هذه حاجة عارضة، وأما جيرانهم وأقاربهم فالأفضل أن يصنعوا لهم طعاما يهدونه إليهم من أجل أنهم مشغولون، فيكفيهم المؤنة جيرانهم وأقاربهم، ويهدونه إليهم، وإذا أكل معهم بعض المعزين أو بعض الجيران فلا بأس؛ لأنه طعام حاصل إن لم يأكلوه طرح في العراء، فلا بأس حينئذ أن يأكل معهم جيرانهم وضيوفهم، كل هذا لا بأس به.(14/375)
252 - بيان كيفية التصرف في الأموال والأطعمة التي تبقى بعد العزاء
س: ما حكم المتبقي من هذا الطعام وغيره كذبائح، والمال، هل يجوز(14/375)
أن يكون من مال الورثة المتبقي عنهم أم يرجع على أصحابه؟ (1)
ج: ما يتبقى من الطعام يكون لأهل الميت، يكون للورثة، ما يتبقى من هذه الأموال التي أهدوها ينتفعون بها جميعا.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (19) .(14/376)
253 - حكم الإتيان بالطعام إلى بيت الميت والأكل منه
س: يقول السائل: أسأل عن الاجتماع في بيت الميت لعدة أيام علما بأنهم يأتون بطعام من بيوتهم، ويأكلون في بيت الميت بحجة الحديث: «اصنعوا لآل جعفر طعاما (1) » (2) ؟
ج: لا بأس إذا صنعوا لهم طعاما وأكلوا معهم، لا بأس؛ لأنهم فعلوا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لأهله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم (3) » لما قتل جعفر في الشام، وجاء خبره في المدينة أمر أهله صلى الله عليه وسلم أن يصنعوا لآل جعفر طعاما، فيستحب لأقارب الميت - غير أهله، أو جيرانه - أن يصنعوا لهم طعاما، فإذا شاركهم بعض الجيران وأكل معهم فلا بأس.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (393) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/376)
254 - حكم الأكل والشرب في طعام المأتم
س: ما هو حكم الشرع في نظركم - سماحة الشيخ - في الأكل والشرب من طعام المأتم؟ (1)
ج: لا يستجيب لهم، ولا يحضرهم، الذي يضعها من أجل الميت لا يحضر، أما إذا دعوه إلى طعام سيق إليهم فلا بأس، إذا بعث إليهم جيرانهم أو أقاربهم طعاما فلا بأس، سنة أن يبعث إليهم طعام، فإذا دعوا جيرانهم ليأكلوا معهم لا بأس، أما أن أهل الميت يصنعون للناس ليقيموا مأتما فلا، هذا بدعة.
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (442) .(14/377)
255 - حكم إرسال الطعام لأهل الميت أكثر من ثلاثة أيام
س: السائلة أم عبد الله تسأل وتقول: نرى البعض من الناس إذا توفي لهم قريب يجتمعون في بيت واحد - أي يجتمع أفراد العائلة من إخوة وأخوات وأعمام وخالات - ونجد أن أقاربهم ومعارفهم يرسلون لهم الطعام لمدة ثلاثة أيام، وأحيانا يكون ذلك أكثر من ثلاثة أيام، فهل في ذلك شيء؟ (1)
ج: ليس في ذلك شيء، السنة أن أقارب الميت أو جيرانه يبعثون لهم
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (403) .(14/377)
طعاما؛ لأنهم قد أتاهم ما يشغلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤتة في الشام قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته: «ابعثوا لآل جعفر طعاما؛ فإنهم قد أتاهم ما يشغلهم (1) » فالسنة لأقاربهم أو جيرانهم أن يبعثوا لهم الطعام أيام الحزن ثلاثة أيام أو أكثر، وإذا زارهم غيرهم وعزوهم هذا أفضل، سنة التعزية، أما أهل الميت فلا، ليس لهم أن يصنعوا شيئا، لكن التعزية كونهم يزارون ويعزون هذا سنة، ولا بأس بالتليفون أن يعزي به أو بالمكاتبة، كله طيب.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/378)
256 - حكم إقامة الوليمة للميت بعد أسبوع من وفاته
س: يسأل المستمع ويقول: بعد وفاة الميت بأسبوع يقوم أهل الميت بعمل وليمة ويسمونها صدقة، فهل هذا العمل جائز ويصل إلى الميت؟ (1)
ج: هذا بدعة ما يجوز، هذا مأتم لا يجوز، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الصحابي الجليل: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة (2) » هذا ما يصلح.
__________
(1) السؤال الثاني والخمسون من الشريط رقم (431) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/378)
257 - حكم إعطاء المعزي مبلغا من المال لأهل الميت
س: يقول: لدينا عادة حيث يدفع المعزي مبلغا من المال حسب قدرته لأهل الميت، هل يجوز هذا؟ (1)
ج: إذا كانوا فقراء واعتاد الناس إعطاءهم فلا بأس إذا كانوا فقراء، يعطونهم لفقرهم، ولكن الأفضل من هذا تصنعون لهم طعاما غداء أو عشاء أيام المصيبة، ثلاثة أيام أو أكثر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاما لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، أمر أهله أن يصنع طعام لأهله؛ لأنه أتاهم ما يشغلهم، فإذا صنعتم لأهل الميت فلا بأس، سنة، أما أن يصنعوا الطعام هم لا يصنعون للناس، لكن يصنع لهم ويرسل لهم، وإذا كانوا فقراء وساعدهم إخوانهم بالمال فلا بأس.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (371) .(14/379)
س: عندنا العادة عند وفاة أحد الأشخاص حيث يجلس بعض الأيام في أكل وشرب، وبعض الأيام يعطون فلوسا وهدايا، فما حكم هذا؟ (1)
ج: ليس لأهل الميت أن يصنعوا الطعام للناس عند المصيبة بالموت في المأتم، لا، هذا كله من عمل الجاهلية، لكن إذا صنع لهم أقاربهم وجيرانهم فهو أفضل، يصنع لهم طعام يبعث إليهم؛ لأنهم شغلوا
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (332) .(14/379)
بالموت والمصيبة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما جاء خبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أنه توفي يوم مؤتة، أمر أهله أن يصنعوا لآل جعفر طعاما، فقال: «اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم (1) » فالسنة أن الجيران والأقارب يبعثون لأهل الميت طعاما، أما كون أهل الميت يقومون بذلك، ويصنعون الطعام ويجمعون الناس فلا، هذا غير مشروع، بل هو من عمل الجاهلية، قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الصحابي الجليل: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام عند الدفن من النياحة (2) » لكن إذا جاءهم طعام ودعوا إليه جيرانهم أو ضيوفهم وأكلوا فلا بأس، الطعام الذي يأتيهم من جيرانهم، ومن أقاربهم إذا أكل معهم جيرانهم أو ضيوفهم فلا بأس بذلك.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/380)
258 - مسألة في حكم الاجتماع في بيت أهل الميت والإتيان بالأطعمة ثلاثة أيام
س: عندما يموت إنسان يجتمع الناس في بيت أهل الميت، وكل واحد يأتي بأكل معين لمدة ثلاثة أيام، ما رأيكم في هذا؟ وما هو توجيهكم؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (350) .(14/380)
ج: الاجتماع الذي يحصل به تعطيل الأعمال لا دليل عليه، الأفضل ترك ذلك، ولا ينبغي مثل هذا، أما أهل الميت إذا جلسوا في محلهم المعتاد حتى يسلم عليهم الناس، ويعزونهم فلا بأس، لكن ليس لهم أن يصنعوا للناس طعاما، أما إذا صنع بعض الناس لهم طعاما أرسله إليهم فلا بأس، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أمر أهل بيته أن يصنعوا لآل جعفر طعاما لما جاء خبر موته رضي الله عنه (1) » جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، لما جاء خبر قتله رضي الله عنه يوم مؤتة، وقال: «إنهم أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا صنع الجيران أو الأقارب لأهل الميت طعاما أيام الحزن فلا بأس، وإذا نادوا عليه من يأكل معهم فلا بأس، أما أن يقوموا هم بصنع الطعام للناس ودعوة الناس فهذا لا أصل له، بل يجب تركه؛ لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة (3) » النياحة محرمة، لكن إذا زارهم الناس وعزوهم وشربوا القهوة أو الشاي، أو أكلوا طعاما قد أهدي إليهم، وأكلوا معهم منه لا حرج عليهم في هذا.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/381)
س: المستمع ع. ع. ح. سوداني، يقول: في المآتم عندنا يستمر المأتم ما يقارب شهرا، وخلاله ينفق الكثير من المال، فهل يعتبر هذا صدقة(14/381)
للمتوفى أم أنه تبذير؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إقامة المأتم لا تجوز، فالواجب على أهل الميت الصبر والاحتساب، وألا يقيموا أي مأتم، هذا هو الواجب عليهم، لكن إذا بعث إليهم جيرانهم أو أقاربهم طعاما فلا بأس، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر أهل بيته أن يبعثوا إلى آل جعفر طعاما لما قتل رضي الله عنه، وجاء خبره قال: «فإنهم أتاهم ما يشغلهم (2) » فلا بأس في ذلك إن جاءهم الطعام، فيدعون إليه جيرانهم ومن حولهم ليأكلوا معهم؛ لأنه كثير، فلا بأس أن يدعوا من يأكل معهم، أما أنهم يصنعونه للناس فلا يجوز هذا، هذا من المأتم المنهي عنه، يقول جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - الصحابي الجليل: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة (3) » النياحة المنهي عنها، فالواجب على المسلمين التقيد بالأمر الشرعي، وعدم إيجاد المآتم التي يفعلها أهل الجاهلية، وتعتبر من النياحة، ولكن يستحب لجيرانهم أو أقاربهم أن يبعثوا إليهم طعاما، فإنهم قد أتاهم ما يشغلهم، وإذا كان الطعام كثيرا ودعوا إليه من يأكل معهم فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (326) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/382)
259 - حكم نصيحة من يعمل المأتم ويسرف فيه
س: أخونا من ليبيا يقول: هناك عادة في بلدنا، فحين يتوفى شخص يكثر الإسراف، ثم هناك الأربعون يوما، فهل على المؤمن أن ينصحهم ببطلان ما يفعلون؟ أم لا يأتي لتعزيتهم؟ (1)
ج: ينصحهم، يعزيهم وينصحهم؛ لأن قيام أهل الميت بالإسراف وطعام الناس من أجل الميت في يوم الموت، أو في العاشر، أو في الأربعين أو على رأس السنة أو غير ذلك - لا أصل له، بل هو من عمل الجاهلية، وإنما يصنعون طعاما لحاجتهم، والسنة لأصحابهم وأقاربهم أن يبعثوا لهم طعاما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهله لما جاءه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قتل في مؤتة في الشام وجاء خبره، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاما، وقال: «إنه قد أتاهم ما يشغلهم (2) » فالسنة لأقرباء الميت أو جيرانه أن يصنعوا لهم طعاما إذا جاءهم نعي الميت؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، أما أن أهل الميت يقومون يصنعون الطعام للناس يدعونهم في اليوم الأول أو في اليوم الثالث أو السابع أو العاشر أو الأربعين أو على رأس السنة فكل هذا لا أصل له، لكن إذا صنعوا لأنفسهم طعاما وجاءهم
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (175) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/383)
غيرهم وشاركهم، أو صنعوا للضيف طعاما بغير قصد إقامته للميت، لكن لما نزل بهم الضيف فإن الضيف يجب إكرامه إذا صنعوا له طعاما لا بأس، لا من أجل الميت، بل من أجل الضيافة.(14/384)
260 - حكم الاستدانة لإقامة الاحتفالات للميت
س: ما حكم العادات التي عليها الناس بعد وفاة متوفى لديهم، فهم يضطرون لأن يستدينوا من أجل الاحتفالات التي تقام للأكل والشرب وما أشبه ذلك حتى وإن كان المتوفى فقيرا ولم يخلف شيئا؟ (1)
ج: قد كتبنا في هذا أحوبة كثيرة، وقد نبهنا في هذا البرنامج مرات عديدة على أنه لا يجوز الاحتفال عند الموت لأحد من الناس، فليس لأهل الميت أن يقيموا احتفالا بذلك، ولا يذبحوا ذبائح، ولا يضعوا طعاما للناس، كل هذا من البدع والجهالات التي كان يفعلها بعض الناس، وهي من الجاهلية؛ فقد ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة (2) » فهذا من عمل الجاهلية، ومن النياحة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية،
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (70) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/384)
فالواجب على المسلمين إذا مات الميت أن يسألوا الله له المغفرة والرحمة، وأن يتركوا هذه الاحتفالات، وهذه الأطعمة التي تقام من أهل الميت، وقد يكون الميت فقيرا، وقد يكون عنده أيتام فيضرونهم، المقصود أنها لا أصل لها حتى ولو كان غنيا، ولا ينبغي فعلها، ولا يجوز فعلها، لكن يشرع لجيرانهم وأقاربهم أن يصنعوا لهم طعاما؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، ولهذا ثبت من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه نعي جعفر لما قتل في مؤتة، وجاء نعيه إلى المدينة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا لآل جعفر طعاما، قال: «لأنهم أتاهم ما يشغلهم (1) » فإذا صنع لهم طعام من جيرانهم أو أقاربهم وأرسل إليهم لأنهم مشغولون بالمصيبة فهذا مستحب، هذا سنة، أما أهل الميت فليس لهم صنع الطعام، ولا ينبغي لهم أن يصنعوا للناس الطعام، أما إذا صنعوه لأنفسهم ولأكلهم أو لضيوف نزلوا بهم فلا بأس، أما أن يصنعوه من أجل الميت، مأتما للميت لينوحوا عليه أو يقيموا عليه الأشعار والمراثي، أو يدعوا الناس إلى ذلك، كل هذا من البدع، كل هذا من الجهالات، ومن أمر الجاهلية، لا يجوز، المقصود من هذا كله أن المنكر هو أن يصنعوا للناس، أهل الميت يصنعون طعاما ليجمعوا الجيران أو الأقارب وينوحوا أو ليقرؤوا أو غير هذا، هذا هو المنكر، هذا هو
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/385)
الجاهلية، لا ينبغي لأهل الإيمان وأهل الإسلام أن يعتادوا أمر الجاهلية، ويفعلوا أمر الجاهلية، بل ينبغي التواصي بتركهم أمر الجاهلية، هكذا ينبغي للمسلمين، وأما جيرانهم وأقاربهم فيستحب لهم أن يصنعوا لهم طعاما يوصلونه إليهم؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، هذا إذا تيسر فهو أفضل، وهذا سنة.(14/386)
261- بيان ما ينبغي فعله للميت بعد دفنه
س: هل يجوز أن ينصب للميت بعد دفنه؟ لأن هناك بعض العادات القديمة ينصبون ويجلسون ثلاثة أيام، والبعض سبعة أيام، وعند ذلك يدفع نقود عند العزاء، ويسجلون الأسماء، ويحضرون الذبائح، وبعد ذلك يحضر المشايخ والدراويش ويهللون ويزغردون ويسمونها بالتهليلة على الميت، ويقولون: إن الذي لا يأكل من العزاء لا يحب المرحوم، ما هو المفروض بعد دفن الجثة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. (1)
ج: أما النصب فلم يوضحه السائل، ما هو النصب؟ لم يوضحه، والسنة في حق الميت إذا فرغ من دفنه أن يدعى له بالمغفرة والثبات، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (161) .(14/386)
لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (1) » ولا يجوز البناء على قبره، ولا اتخاذ مسجد على قبره، بل يجب أن يترك هكذا في الصحراء ضاحيا للشمس، ليس عليه بناء والرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم المساجد على القبور، فالواجب أن تبقى القبور هكذا ليس عليها بناء، ونهى أن تجصص وأن يقعد عليها، وأن يبنى عليها، وأما العزاء واتخاذ الذبائح من أهل الميت، يدعون له الناس ويجتمعون عليها ثلاثة أيام أو أكثر فهذه بدعة من أمر الجاهلية لا تجوز، أما المستحب فهو أن يبعث لهم طعام، يبعث لأهل الميت الطعام من جيرانهم أو من أقاربهم أيام الموت؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة، فلا بأس بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، لما قتل في مؤتة في الشام وجاء نعيه إلى المدينة أمر أهل بيته أن يصنعوا طعاما لآل جعفر قال: «اصنعوا لهم طعاما؛ فإنه قد أتاهم ما يشغلهم (2) » فإذا صنع جيرانهم أو أقاربهم لهم طعاما وبعثوه إليهم في بيوتهم فهذا مشروع لا بأس به، وإذا دعوا إليهم من يأكل معهم من جيرانهم لأنه طعام كثير، ودعوا إليهم من يأكله معهم فلا بأس، أما أن يقوم أهل الميت بصناعة الطعام، وذبح الذبائح ودعوة الناس فهذا بدعة
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت برقم (998) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم (1610) .(14/387)
ومنكر، ومن أمر الجاهلية، وهكذا الزغردة والصياح، والكلام الفارغ الذي يفعلونه بمناسبة الميت لا أصل له، وقد قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة (1) » يرى أنه يعد من النياح عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. فالمشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب وأن يستعملوا ما شرع الله من الصبر والاحتساب، وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. والسنة لأقاربهم وجيرانهم أن يبعثوا لهم طعاما وقت المصيبة، اليوم الأول أو الثاني أو الثالث، ليس له حد، ولا مانع أن يدعوا بعض جيرانهم أو أقاربهم ليأكلوا معهم مما بعث إليهم من الطعام، أما أن يصنعوا طعاما هم ويذبحوا ذبائح أو يحبسوا أنفسهم في البيت من أجل المصيبة فلا، هذا ليس من أمر الإسلام، بل هو من أمر الجاهلية فالمصاب له أن يخرج وله أن يذهب إلى حاجاته، وإلى مزرعته، وإلى حاجاته الأخرى، وإذا جلس بعض الوقت الجلوس المعتاد ليسلم عليه من يزوره للعزاء فلا بأس بذلك، وإن سلموا عليه في الطريق أو في المقبرة قبل الدفن أو بعد الدفن كل ذلك لا بأس به، يكفي في الطريق، في المسجد، في المقبرة، قبل الدفن، بعد الدفن في بيته، كل ذلك واسع، ولا يلزمه أن يبقى في البيت، أو يشرع له أن يبقى في البيت يحبس نفسه لأجل ذلك، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو برقم (6866) .(14/388)
262- حكم البكاء والنياحة على الميت
س: أنا أختكم في الله، توفيت والدتي في رمضان، وبكينا عليها بكاء كثيرا مدة طويلة، قيل لنا: لا بد من صيام الأيام التي بكينا فيها، وأنه يعذب الميت في قبره ببكاء أهله عليه، وقيل: إنه يأتي ملكان فيرشان على الميت الماء الساخن، ويقولان: هذا هدية أهلك لك. فهل الحديث هذا صحيح، وهل نحن آثمون على بكائنا؟ وما حكم تذكر الميت بعد وفاته بوقت طويل، وما حكم البكاء عليه وهل للميت أضحية؟ (1)
ج: البكاء على الميت فيه تفصيل، فإن كان البكاء بدمع العين بدون نياحة فلا حرج في ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (2) » وقال صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه: «اسمعوا إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم (3) » وأشار إلى لسانه، وقال صلى الله عليه وسلم: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (4) » فالميت إذا نيح عليه بالصوت المرتفع
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (251) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/389)
الصياح هذا جاء في الحديث أنه يعذب، في الحديث الصحيح عذاب، الله أعلم بحقيقته، عذاب، الله يعلمه سبحانه وتعالى، وذلك يفيد أنه لا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه، أي يرفعوا الصوت بالنياحة عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (2) » الصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها، والشاقة: هي التي تشق ثوبها، هذا كله لا يجوز، أما الحديث الذي ذكره السائل أنه يأتي ملكان يرشان ماء ساخنا فلا نعلم له أصلا، هذا الحديث ليس له أصل فيما نعلم، وإنما المحفوظ والمعروف: «أن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (3) » هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام لكنه عذاب، الله أعلم بكيفيته، وفيه تحذير للأقارب والأصدقاء من النياحة على الميت؛ لأنه يضره، وأما الصيام فلا أصل له، الصيام عن الميت بعدد الأيام التي نيح عليه فيها فهذا لا أصل له، ليس على أهله الصيام، إنما عليهم التوبة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/390)
إذا كانوا ناحوا ورفعوا الصوت، عليهم التوبة إلى الله والندم وعدم العود إلى مثل هذا، هذا هو الواجب، هذا من ناح - أي من رفع صوته - يتوب إلى الله ويندم، ويعزم ألا يعود، ويترك ذلك الشيء، هذا هو الواجب التوبة فقط، أما الصيام فلا، والضحية لا بأس بها، إذا ضحى عن الميت أو تصدق عنه كله طيب، إذا ضحى عن الميت أو عنه، وعن الميت ذبيحة واحدة، عن الرجل وأهل بيته، ويدخل فيهم الميت من أبيه، وأمه، أو المرأة عن زوجها، أو عنها وعن زوجها، كله طيب، هكذا الصدقة، الصدقة عن الميت بالمال بالنقود، أو بالطعام أو الملابس، كله طيب، كله ينفع الميت، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل فقال: «يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم (1) » يعني لها أجر، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2) » فالدعاء للميت والصدقة عنه ينفعه الله بذلك، وهكذا العلم النافع الذي خلفه بين الناس، خلف طلبة يعلمون الناس، خلف كتبا نافعة يتعلم منها الناس، هذا ينفعه بعد الموت، كما أن الدعاء له والاستغفار والترحم عليه ينفعه، وهكذا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/391)
تعمير المساجد بالنية عنه وقفا له، مسجدا ومدرسة يعلم فيها القرآن والأحاديث والشريعة المحمدية، هذا ينفع الميت، وهكذا الأوقاف الطيبة وقف على الفقراء بيوت تؤجر ويتصدق بأجرتها على الفقراء، ونخيل، بساتين توقف ويتصدق بثمرتها على الفقراء والمساكين، وفي وجوه الخير، كل هذا ينفع الميت.(14/392)
س: ما الفرق بين النياحة والبكاء الذي برفع الصوت إذا غلب الإنسان على ذلك، أو النياحة بالأجرة كما كان يفعل في المجتمع الجاهلي؟ بم توجهون الناس حول هذا؟ (1)
ج: النياحة مثل ما تقدم رفع الصوت سواء كان بأجرة أو بغير أجرة، هو الذي يرفع صوته من شدة الألم، من شدة الحزن أو مجاراة الغير، أو رياء أو إرضاء لأهل الميت، كل هذا لا يجوز، أما البكاء العادي بدمع العين، أو مع صوت يسير خفيف هذا ما يسمى نياحة؛ لأن هذا قد يقع من الإنسان عند شدة المصيبة، أو كلمات قليلة تسمع من ولد الميت، أو أخيه، مثل ما وقع لفاطمة رضي الله عنها أو غيرها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، الشيء القليل يعفى عنه، أما النياحة التي هي رفع الصوت والاستمرار في ذلك فهذا هو الممنوع، أما الشيء اليسير بدون صوت - يعني دمع العين ولكن بدون صوت يسمع - فهذا لا حرج، يسمى بكاء.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (251) .(14/392)
س: إذا غلب الإنسان أثناء البكاء وارتفع صوته، غلب ولا قدرة له على ذلك؟ (1)
ج: نرجو ألا يضره إذا كان قليلا ومن غير اختياره وغلبه الأمر، من غير اختيار، من شدة المصيبة، ومن شدة وقعة المصيبة، وقع منه شيء، ثم تراجع وحزن لا حرج في ذلك، نرجو ألا يضره ذلك: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) .
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (251) .
(2) سورة التغابن الآية 16(14/393)
س: لا بد يا سماحة الشيخ من وصية للناس. (1)
ج: الوصية تقوى الله، والحذر من المعاصي، النياحة معصية، وإذا كان معها لطم خد أو شق ثوب أو نتف شعر يكون أشد في الجريمة، لا يجوز ذلك، فالمسلم يتصبر، والمسلمة كذلك، فالمصيبة لا بد منها، كل إنسان سيموت فلا بد أن يكون الإنسان عند تحمل، يحمد الله، فالله يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (2) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (3) وقال سبحانه: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (4) فلا بد من صبر.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (251) .
(2) سورة البقرة الآية 155
(3) سورة البقرة الآية 156
(4) سورة البقرة الآية 157(14/393)
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان (1) » فالمؤمن يتحمل ويصبر، ولا يجزع ولا ينوح ولا يرفع صوته بالصياح، ولا بشق ثوبه، ولا بلطم خد، ولا بنتف شعر، بل يحذر ذلك كله، ويتحمل، ويتوب إلى الله، ويصبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها، هكذا المؤمن مأمور، في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها (2) » لا بد من التحمل والصبر.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، برقم (2664) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .(14/394)
263 - بيان ما يقال عند المصيبة
س: في الحديث الشريف: «اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها (1) » فهل الأفضل هنا أن يسمي الإنسان المصيبة ويقوم بذكرها كما في تسمية الحاجة في دعاء الاستخارة، أم يكتفي بالنية كما ورد دون ذكر لها، وهل على الإنسان أن يجمعها في حال وجود أكثر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .(14/394)
من واحدة، كأن يقول: اللهم أجرني في مصائبي، واخلف لي خيرا منها؟ جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: لا شك أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها (2) » فإذا أصيب الإنسان بموت أخيه أو ابنه أو أبيه أو في ماله أو غير هذا يقول هذا الدعاء، ويكفي: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. وإن كررها فلا بأس، وإن قال: في مصائبي، فلا بأس، لكن لفظ الحديث كاف؛ لأن المصيبة كلمة مفردة، تعم، لفظ المصيبة إذا أضيف يعم الواحدة والثنتين والثلاثة والأكثر، فإذا قال: اللهم أجرني في مصيبتي. قصده مصيبة الولد ومصيبة الزرع ومصيبة كذا، عمها الحديث - والحمد لله - حسب نيته ولا حاجة إلى التعداد، وإن عدد فلا بأس، وأفضل الأدعية عندما يصاب بمصيبة مثل ما بين الله جل وعلا، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (3) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (4) {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (5) وفي
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (401) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .
(3) سورة البقرة الآية 155
(4) سورة البقرة الآية 156
(5) سورة البقرة الآية 157(14/395)
الحديث يقول: «ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها (1) » فيزيد مع قوله: «إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها (2) » وإذا دعا زيادة على ذلك لا بأس، لكن هذا الدعاء الذي قاله النبي كاف عليه الصلاة والسلام، كلام جامع، وإذا أخلف الله له خيرا منها حصل له المطلوب، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .(14/396)
264 - حكم ضرب الصدور والصياح على الميت
س: هل يجوز البكاء بصوت عال أو ضرب الصدور إذا مات لأي إنسان ولد له، أو قريب عزيز عليه؟ عندنا في قريتنا هذه العادة، وأنا أقول لهم: إن ما تفعلونه حرام، فلا يصدقونني، فنرجو منكم التوجيه (1)
ج: هذا لا يجوز، ضرب الصدور والصياح هذا منكر عند المصيبة، إذا مات الولد أو الأب أو الأخ أو الزوج أو الزوجة، هذا منكر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » يعني عند المصيبة، ويقول
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (376) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة، برقم (1298) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم (103) .(14/396)
صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (1) » والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه، والشاقة: تشق ثوبها عند المصيبة. كل هذا منكر لا يجوز، وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (2) » فالنياحة من عمل الجاهلية، وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة - يعني من قبرها - وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (3) » (4) ولما بايع النساء صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن ألا ينحن، وقال عليه الصلاة والسلام: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (5) » فالنياحة ورفع الصوت والصياح، لا تجوز.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(2) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .
(3) رواه مسلم في (الجنائز) باب التشديد في النياحة برقم (934) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/397)
265 - بيان الفرق بين البكاء المشروع والممنوع
س: ما حكم البكاء على الميت بعد موته دون شق الجيوب أو التلفظ بالمحرمات، ولكن بكاء الحزن والخشوع، هل يعذب هذا الميت(14/397)
بهذا البكاء في قبره (1) ؟
ج: البكاء الممنوع هو النياحة ورفع الصوت، وشق الثوب، ولطم الخد، هذا هو الممنوع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه. هذا هو الممنوع، أما دمع العين والبكاء بدمع العين فهذا ليس فيه بأس، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون (4) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم (5) » وأشار إلى لسانه عليه الصلاة والسلام. فالمحرم هو رفع الصوت باللسان وهو النياحة، أما البكاء العادي من دون رفع الصوت فلا بأس به.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (378) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .(14/398)
س: هذا السائل يقول: سماحة الشيخ، أنا لدي بنت عمرها ست سنوات وكنت أحبها وأغليها، وقد توفاها الله في العام الماضي، وما زلت أبكي عليها وأندب، وخيالها معي ليلا ونهارا، فما حكم بكائي عليها حيث إنني متعلق بها يا سماحة الشيخ (1) ؟
ج: الواجب عليك الصبر، وسؤال الله أن يعوضك خيرا منها، الله جل وعلا قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2) ، قال جل وعلا: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (3) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (4) {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (5) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها (6) » ولما مات أبو سلمة رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها بالصبر والاحتساب، وقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره ونور له فيه (7) » وأمرهم بالصبر والاحتساب، فالمؤمن يصبر ويحتسب،
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (429) .
(2) سورة الزمر الآية 10
(3) سورة البقرة الآية 155
(4) سورة البقرة الآية 156
(5) سورة البقرة الآية 157
(6) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة برقم (918) .
(7) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، برقم (920) .(14/399)
أما البكاء بدمع العين فقط لا يضر، أما بصوت فلا يجوز، والنياحة لا تجوز.(14/400)
س: الأخت أ. هـ. من العراق تسأل وتقول: إنني أصوم وأصلي وأقرأ القرآن، وعندي إيمان قوي بالله، ولكني عندما أتذكر زوجي وابنتي التي تسأل عن أبيها أبكي بكاء بشدة، وقد أخبرتكم أن زوجي قتل في الحرب، أذهب إلى قبره، هل هذا حرام على المرأة أن تزور القبور؟ علما بأنني عندما أذهب إلى قبره أرتاح وأكف عن البكاء، هل الموتى يرون الأحياء كما يقال؟ وجهوني حول هذه القضايا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: أسأل الله لك الثبات على الحق، قد سرني كثيرا ما ذكرت من استقامتك على طاعة الله، وأبشري بالخير، وعليك بالثبات على الحق، والاستقامة على توحيد الله والإخلاص له، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وصوم رمضان، وأداء الزكاة، وغير هذا مما أوجب الله عليك مع الحفاظ على الحجاب والبعد عن أسباب الفتنة، أما زيارة قبر زوجك وزيارة القبور فالصواب أنها لا تشرع للنساء، بل تنهى عنها النساء، وإنما تشرع للرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ولعن
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (200) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/400)
زائرات القبور عليه الصلاة والسلام من النساء، فالواجب عدم الذهاب إلى القبور، وادعي له كثيرا في بيتك، وأحسني إليه بالدعاء والصدقة عنه، وأما زيارة قبره فلا حاجة إلى ذلك، والنياحة على الميت من الكبائر، وتضره أيضا، أما دمع العين فلا يضر، دمع العين بدون صوت لا بأس عند التذكر، تدمع العين فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم دمعت عينه، وقال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (1) » فنوصيك بالصبر الجميل، والدعاء له بالمغفرة والرحمة إذا كان مات على خير وعلى صلاة وعلى صلاح، فالحمد لله، احمدي الله أنه مات على الإسلام، وعلى المحافظة على الصلاة، ولا تجزعي، بل سلي الله له العفو والمغفرة والرحمة، وأحسني التربية لابنته وأبشري بالخير العظيم، والثواب الجزيل، والصدقة كذلك تنفعه من مالك، أما إذا كان لا يصلي فلا، أما إذا كان لا يصلي فإنها لا تدعو له، ولا تتصدق عنه؛ لأن الذي يترك الصلاة فإنه كافر في أصح قولي العلماء ولو أقر بالوجوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .(14/401)
الصلاة (1) » فالأمر خطير وعظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعليك أنت أيتها السائلة الحرص على أداء الصلاة، والمحافظة عليها، وسؤال الله الثبات، والتوبة عما سلف من التساهل مع زوجك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(14/402)
س: تقول هذه السائلة: يا سماحة الشيخ، أنا من القصيم، وأم، هل الحزن على الطفل الذي يموت وظهور الدموع عليه فيه إثم؟
ج: لا بأس، الحزن ودمع العين لا بأس به، لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون (1) » فدمع العين وحزن القلب لا يضر على الصغير، وعلى الكبير، إنما الممنوع رفع الصوت، والصياح، وشق الثوب، ولطم الخد، هذا الممنوع، يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة أو
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .(14/402)
تنتفه، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة. كل هذا منكر، أما دمع العين وحزن القلب فلا حرج فيه.(14/403)
س: سائلة تقول: إنها تبكي بكاء شديدا على أولادها الستة الذين توفوا، وترجو التوجيه (1)
ج: ننصحك بأن تصبري وتحتسبي، وأن تسألي الله أن يجعلهم شفعاء لك، وأن يعوضك عنهم خير الدنيا والآخرة، وأن يبارك في الباقين، ويصلحهم، ولا تجزعي ولا تكثري البكاء، بل عليك الصبر، يقول الله جل وعلا: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (2) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (3) ثم قال سبحانه: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (4) الصبر هو الواجب، وقد يكون لك في ذلك خير كثير، وعاقبة حميدة، والله أحكم وأعلم سبحانه وتعالى، فاحتسبي واصبري واسألي الله الأجر العظيم وحسن العاقبة وصلاح الموجودين.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (176) .
(2) سورة البقرة الآية 155
(3) سورة البقرة الآية 156
(4) سورة البقرة الآية 157(14/403)
س: مستمعة تسأل: هل بكاء الأم على موت ابنها يعتبر حراما؟ وماذا تفعل لتعد من المؤمنات الصابرات وتحتسب عند الله (1) ؟
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (277) .(14/403)
ج: إذا وقعت المصيبة تحتسب عند الله، والبكاء لا يضر، كونها تبكي بدمع العين، لكن الذي يمنع النياحة، رفع الصوت، فإذا دمعت العين لا يضر؛ لأن الموت له فجأة وله آثار في النفوس، فإذا بكى الإنسان بدمع العين فلا حرج في ذلك، وإنما المؤاخذة باللسان النياحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم (2) » وأشار إلى لسانه، يعني النياحة. ويقول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقاء بالنجوم، والنياحة (3) » يعني رفع الصوت بالبكاء على الميت. وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب (4) » وقال صلى الله عليه وسلم: «الميت يعذب في قبره بما يناح عليه (5) » فالنياحة خطرها عظيم لا تجوز.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(3) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/404)
س: إذا غلب الإنسان سماحة الشيخ، وارتفع صوته بالبكاء دون أن يقصده للنياحة، فما هو الحكم (1) ؟
ج: يجب أن يعالج نفسه، وأن يحذر، فإذا غلبه شيء نرجو ألا شيء عليه، لكن يجب أن يعالج نفسه، وأن يحذر رفع الصوت.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (284) .(14/405)
266 - حكم البكاء المطلق
س: السائلة أ. ر. تقول: في المدرسة التي تدرس فيها قالت لنا معلمة بأننا نحاسب على الدموع، وأن كل دمعة سوف نسأل عنها، فهل هذا يحرم علينا البكاء أحيانا؟ المرأة ضعيفة يبكيها الضرب أو الآلام أو جرح المشاعر أو أي شيء ظلما، فهل معنى ذلك بأن الدموع في هذه الحالة حرام؟ ولكن نحن نساء ضعيفات مثل ما يقولون: سلاح المرأة الدموع، بل الدموع متنفس ومخرج من بعض الهموم، فهل من المعقول ألا نبكي أبدا إلا في جنب الله فقط (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك، وقول المعلمة هذا لا أصل له، ولا أساس له، لا حرج في البكاء عند الحاجة، والدمع عند الحاجة لا حرج في ذلك، إذا أصاب المرأة أو غيرها ما يؤذيها ودمعت عيناها لا بأس، المحرم الصياح والنياحة وضرب الوجه وشق الثوب ونتف الشعر، أما كونها
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (360) .(14/405)
تبكي وتدمع عيناها فلا يضر هذا عند الحاجة، عندما يحزبها شيء، كونها تضرب إلى غير ذلك لا حرج في هذا.(14/406)
267 - بيان تضرر الميت بالنياحة عليه
س: هل يتضرر الميت بالبكاء عليه (1) ؟
ج: لا يتضرر إلا بالنياح، أما البكاء العادي فلا يضر، أما بالنياح برفع الصوت فهذا يتضرر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (2) » والنياحة رفع الصوت، فلا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه؛ ولأن هذا حرام عليهم، ويضره أيضا، فالواجب الحذر والابتعاد من ذلك، أما البكاء بدمع العين وحزن القلب فلا يضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون (3) » وقال لأصحابه: «ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم (4) » وأشار إلى لسانه؛ أي بالصوت.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (310) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .(14/406)
268 - حكم لطم الخدود والصدور وشق الثياب عند موت القريب
س: أمي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وأنا أكتب إليكم باسمها هذا السؤال، وهي عندما تذهب عند أهل المتوفى من أقربائنا عندما تصل إليهم تصيح بأعلى صوتها وتلطم على خديها، وعلى صدرها، وفي بعض الأحيان عندما يكون الشخص قريبا لها تتوارى بالتراب وتشق ثوبها، ونحن ننصحها كثيرا، ولكن لا ينفع معها النصح، وتقول: لست أنا وحدي، كل النساء هكذا، ومنذ زمن بعيد، أتريدين أن تغيري الزمن؟ هذا شيء مفروض علينا نحن النساء. هي تقول كذلك، فعندما ننصحها تقول: ما يدريني بأن ما تقولين هو الحق، ربما يكون كذبا، أرسلي بسؤال إلى برنامج نور على الدرب لكي يتبين الحق من الباطل، وعندما أسمع الجواب فسوف أتوب إلى الله جل وعلا، وأعرف أني كنت مذنبة ذنبا عظيما، وأستغفر الله العلي العظيم، إنه غفور لمن تاب وأناب، وأعترف بخطيئتي، أرجو أن تتفضلوا بإيضاح هذا الموضوع، وأن تولوه جل اهتمامكم، جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا ريب أن لطم الخدود وشق الثياب ورفع الصوت بالصياح والتمرغ بالتراب أو حثي التراب على الرأس كل هذا من المنكرات، كله من
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (118) .(14/407)
المحرمات عند المصائب، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا كله، وأبان فيه ما يشفي ويكفي، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (2) » الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها. وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم هذه الأعمال لكونها تدل على الجزع وقلة الصبر، فالواجب على المؤمن عند المصائب الاحتساب والصبر، وعدم إظهار ما يدل على الجزع، والله يقول: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3) ويقول سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (4) ولما احتضر ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه وطلبت منه الحضور، فقال لرسولها: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب (5) » فبعثت إليه تؤكد عليه أن يحضر، وكان رؤوفا رحيما عليه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(3) سورة الأنفال الآية 46
(4) سورة الزمر الآية 10
(5) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تبارك وتعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) ، برقم (7377) ، ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (923) .(14/408)
الصلاة والسلام يراعي القريب والمسكين، ويراعي أصحابه رضي الله عنهم، ويتلطف بهم ويرحمهم، فقام عليه الصلاة والسلام وذهب إلى ابنته فقدموا إليه الطفل ونفسه تقعقع للخروج، فلما رأى علامات الموت ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام بكاء، وسئل عن ذلك فقال: «إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (1) » فالبكاء الذي ليس معه صوت لا بأس به، رحمة يجعلها الله فيمن يشاء من عباده، فيتعذر عدم وجود التأثر عند الميت، وعندما يرى الإنسان الميت في النزع، لكن ليس له أن يفعل ما حرم الله من النياحة ورفع الصوت، أو شق الثوب، أو لطم الخد، أو حلق الشعر أو قصه، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الجزع وقلة الصبر، وهكذا الكلام السيئ والدعاء بالويل والثبور، هذا كله ممنوع، وإنما الرخصة في دمع العين فقط من دون صوت، أو من دون شق ثوب أو لطم خد، أو حلق شعر أو ما أشبه ذلك، وأنت ومن لديك عليكم أن تعظوا الوالدة، وأن تنصحيها، ولعلها تسمع هذا الكلام فتستفيد منه إن شاء الله، ويحصل لها المقصود من البعد عما حرم الله، والصبر على ما قضاه الله، والصابرون لهم شأن عظيم، وفضل كبير، فقد قال الله سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2) والله يقول:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، إذا كان النوح من سنته برقم (1284) ، ومسلم في كتاب الجنائز باب البكاء على الميت برقم (923) .
(2) سورة الزمر الآية 10(14/409)
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (1) وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر في أحاديث كثيرة، ورغب فيه، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر (2) » والصبر يتضمن أمورا ثلاثة: صبرا على طاعة الله، وصبرا عن معاصي الله، وصبرا على المصائب من موت قريب، وحصول مرض ونحو ذلك، فالمؤمن هكذا صبور، صبور على الطاعات حتى يؤديها، صبور عن المعاصي حتى يحذرها، صبور عند المصائب حتى لا يفعل ما حرم الله من شق ثوب، أو لطم خد، أو نحو ذلك، نسأل الله الهداية.
س: الواقع سماحة الشيخ أن الصورة التي تذكرها أختنا صورة مؤثرة فيما يبدو لي، والأكثر تأثيرا أنهم اعتبروا هذا البرنامج مرجعا أساسيا لسلك طريق الحق، وهي منزلة تجعلنا نتفانى في سبيل خدمة هذا البرنامج (3)
ج: لا شك والحمد لله أن هذا من نعم الله، نسأل الله أن يوفق القائمين عليه لكل خير، وأن ينفع بهم العباد والبلاد، وأن يسدد الخطا، وأن يمنحهم إصابة الحق، ولا شك أنه نافع ومفيد، والذين يستمعونه يشهدون له
__________
(1) سورة النحل الآية 127
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم (1469) .
(3) السؤال الثالث من الشريط رقم (118) .(14/410)
بذلك، فنسأل الله أن يوفق القائمين عليه بالصبر والمصابرة وإصابة الحق.(14/411)
س: الأخت إ. م. من العراق تقول: أفتوني عن المرأة التي تمزق ثوبها، وتقص شعرها، وتخبط خدها حتى تسيل منه الدماء على من يتوفى، هل هذا حرام؟ وما الذي يمكن عمله للتكفير عن هذا (1) ؟
ج: هذا العمل منكر وحرام، لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين. هذا من المنكرات، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه أو تقصه، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة. كل هذا منكر، فالواجب عليها التوبة إلى الله، الواجب على المرأة التي فعلت هذا التوبة إلى الله، والتوبة تجب ما قبلها، عليها التوبة الصادقة بالندم على ما مضى، والعزم الصادق ألا تعود إليه، والله يقول سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (4) ويقول سبحانه:
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (197) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) سورة طه الآية 82(14/411)
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ويقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2) فعليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وتندم على ما مضى، وتعزم ألا تعود في ذلك، والله سبحانه يتوب على التائبين الصادقين.
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة التحريم الآية 8(14/412)
269 - بيان حرمة رفع الأصوات عند المصيبة
س: سائلة تقول عن وفاة أحد الأشخاص: نحن النساء يحتضن بعضنا البعض ونبكي بأعلى صوت لمدة عشر دقائق، ويخرج الناس السرر، وتفرش الأرض لمدة ثلاثة أيام، ما حكم هذا العمل (1) ؟
ج: لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (2) » الصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة. وكون كل واحدة منكن ترفع صوتها بالنياحة هذا منكر لا يجوز، فالواجب عليكن التوبة من ذلك، والحذر، وأن تنصحن غيركن في ذلك، أما مجرد البكاء من دون صوت فلا بأس، قد بكى النبي
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (264) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .(14/412)
صلى الله عليه وسلم على بعض بناته وبعض أولاد بناته، لا حرج في ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم (1) » وأشار إلى لسانه عليه الصلاة والسلام. ولما مات ابنه إبراهيم عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (2) » فلا مانع من الحزن والبكاء بدمع العين، أما الأصوات فلا تجوز، رفع الصوت لا يجوز، هذه النياحة التي حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (3) » فنياحتهن على ميتهن من أسباب التعذيب، إذا ناح أقارب الميت على ميتهم، إذا ناحوا عليه صار هذا من أسباب تعذيبه، فالواجب عليكن وعلى غيركن الحذر من ذلك، وأن يكون الحزن بدون رفع الصوت بالبكاء لا بأس.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/413)
270 - بيان بطلان القول بأن النياحة تجوز في الأيام الثلاثة الأولى من العزاء
س: سائلة تقول: بعض النساء يقلن: إن الله يسمح بالنواح والندب لمدة ثلاثة أيام، وهي الأيام الأولى من العزاء، وأنا أعرف أن هذا(14/413)
جهل، فبماذا ننصح هؤلاء النساء الجاهلات؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، مثلما ذكرت النوح محرم مطلقا، وهذا القول الذي قاله بعض الناس أنه يجوز ثلاثة أيام هذا باطل ليس له أصل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » الصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة. ويقول عليه الصلاة والسلام: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت (4) » وقال صلى الله عليه وسلم: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب (5) » خرجه مسلم في الصحيح. وهذا يدل على أن النوح محرم مطلقا، وأن فيه وعيدا شديدا، وأن النائحة تقوم من قبرها يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب، قال صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (284) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .(14/414)
وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت (1) » هذا وعيد شديد، رواه مسلم وغيره، اثنتان في الناس، ثم سماهما كفرا، هما بهم كفر، الطعن في النسب؛ يعني عيب أنساب الناس، وتنقص أنساب الناس. والنياحة على الميت، وقال عليه الصلاة والسلام: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (2) » فالواجب الحذر من النياحة، وشق الثياب ولطم الخدود، والدعاء بدعوى الجاهلية، هذا هو الواجب على أهل الميت وأصدقائه، أن يتقوا الله وأن يحذروا هذه الأعمال المنكرة، أما البكاء بدمع العين فلا بأس، كونها تدمع العين ويحزن القلب لا حرج، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (3) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم (4) » وأشار إلى لسانه؛ يعني النياحة. وتركها طاعة لله فيها الثواب، والنياحة فيها الإثم.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب إطلاق الكفر على الطعن في النسب والنياحة، برقم (67) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .(14/415)
271 - حكم الحزن الشديد على الميت
س: تقول السائلة: توفيت أمي - رحمها الله - منذ أربع سنوات، وأنا منذ ذلك الحين أبكيها دائما، وأحن إليها، ولم أستطع نسيانها، وحاولت كثيرا أن أخفف من هذا الحزن دون جدوى، قرأت القرآن، ودعوت الله لها ولوالدي بالرحمة والمغفرة، وأتصدق على أن يكون ثواب الصدقة لها، وكنت في البداية من شدة الحزن عليها أدعو الله أن يلحقني بها وأتمنى لألحق بها، ولكن عمي نهاني عن ذلك، وقال لي: هذا حرام ولا يجوز. فكففت عن ذلك، وندمت وتبت إلى الله، ولم أعد إلى ذلك أبدا، ومع ذلك لا زلت حزينة ولم أستطع النسيان، فما توجيهكم لي جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: الحمد لله الذي من عليك بالتوبة، فإن النياحة على الميت منكر من المنكرات لا تجوز، ومعصية، أما الحزن بدمع العين لا يضر، من دون صوت هذا لا يضر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (2) » وقد بكى صلى الله عليه وسلم على بناته لما متن، عليه الصلاة والسلام، ولما عرضت عليه إحدى بناته طفلا
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (203) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .(14/416)
لها في النزع، ورأى نفسه تقعقع للخروج دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، فسئل عن هذا فقال: «إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (1) » فحزنك عليها وبكاؤك عليها الذي ليس معه صوت لا يضر، أما النياحة ورفع الصوت هذا لا يجوز، أو شق الثوب، أو لطم الخد، أو نتف الشعر، كل هذا لا يجوز، يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة. كل هذا لا يجوز، أما الدعاء لها والصدقة عنها فهذا شيء مطلوب، ومشروع، ولك فيه أجر، أنت مأجورة على ذلك الدعاء للوالدة، والترحم عليها، هذا أمر مشروع إذا كانت ماتت على إسلام، يدعى لها بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، ورفع الدرجات وتكفير السيئات، ويتصدق عنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (4) » وفي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، إذا كان النوح من سنته برقم (1284) ، ومسلم في كتاب الجنائز باب البكاء على الميت برقم (923) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631) .(14/417)
الحديث الصحيح أن رجلا قال: «يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: " نعم (1) » يعني لها أجر الصدقة من ولدها، أو من غير ولدها، كله طيب، تتصدق عن الوالد، عن الوالدة، عن الأخ، عن الأقرباء، عن غيرهم من المسلمين ينفعهم، ينفع الأموات، وهكذا الدعاء لهم، والحج عنهم والعمرة، كل هذا ينفع الميت، وقضاء دينه ينفع، أما تمني الموت واللحاق بالموتى أو الدعاء به فهذا لا يجوز سواء كان الميت أبا أو أما أو أخا أو غيرهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا (2) » هكذا رواه مسلم في الصحيح. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا محالة فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (3) » هذا الدعاء طيب، وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغته برقم (1388) ومسلم في كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه برقم (1004) واللفظ لمسلم.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، برقم (2682) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة، برقم (6351) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم (2680) .(14/418)
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (1) » هذا الدعاء طيب، لكن قول: اللهم أمتني، أو: اللهم ألحقني بفلان - يعني أمتني - هذا لا يجوز، لا مع الوالدة ولا مع غيرها، فعليك التوبة من ذلك، والحمد لله قد تبت، نسأل الله أن يتقبل منك، أما إذا قال الإنسان: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فهذا لا بأس به، أو قال: كما في حديث عمار: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (2) » كل هذا طيب، فعله النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أوكل الأمر إلى الله، ولم يتمن الموت، ولم يدع به، إنما أوكل الأمر إلى الله، وهو أعلم بأحوال عباده وما يصلحهم سبحانه وتعالى.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب نوع آخر، برقم (1305) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب نوع آخر، برقم (1305) .(14/419)
272 - حكم وصية الأهل بعدم النياحة للشخص قبل وفاته
س: ما هي وصيتكم لنا يا سماحة الشيخ حتى لا يناح علينا (1) ؟
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (310) .(14/419)
ج: الوصية لكل مسلم ألا يناح عليه بالوصية لأهل كل مسلم ألا ينوح عليه أحد، أما دمع العين أو النشيج فلا يضر، لكن رفع الصوت، الصياح أو الصراخ، أو نتف الشعر، أو خمش الوجه، أو شق الثوب فهذا منكر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية (1) » كأن يقول: واعضداه، واناصراه، وانكسار ظهراه، إلى غير ذلك من أنواع الصياح. فيقول الرسول: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (2) » والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها أو تنتفه، والشاقة: هي التي تشق ثوبها أو خمارها أو قميصها. كل هذا محرم لا يجوز، كله من الجزع المحرم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .(14/420)
س: هل هناك فرق يا سماحة الشيخ بين من يوصي بالنياحة عليه ومن لم يوص في الحكم الذي تفضلتم به (1) ؟
ج: الذي يوصي أشد إثما، والذي لم يوص أقل إثما، أقل خطرا، أو أقل أذى، لكن الذي يوصي صار راضيا بالمعصية.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (310) .(14/420)
س: إذا مات الإنسان وقبل موته كان ينهى أهله عن النياحة عليه بعد(14/420)
الموت، فإذا فعلوا ذلك فهل يعذب كما جاء في الحديث (1) ؟
ج: نرجو له أن يسلم إذا كان نهاهم وحذرهم، والأحاديث عامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الميت يعذب بما نيح عليه (2) » هذا فيه زجر للأهل أن ينوحوا، وتحذير لهم أن ينوحوا، أما هو فقد أدى ما عليه، ويرجى له السلامة، لكن هم لا يجوز لهم أن ينوحوا، ويخشى عليه من تلك النياحة لإطلاق الأحاديث، لكن ما دام نهاهم وحذرهم فيرجى له أن يسلم؛ لأنه أدى ما عليه من البلاغ والإنذار والتحذير.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (233) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/421)
س: إذا قال الإنسان قبل وفاته: إذا أقمتم علي النياحة فأنا بريء منكم (1)
ج: فنرجو له ذلك، والإثم عليهم، ولكن لا يجوز لهم أبدا أن يفعلوا ذلك، ولا يقولوا: ما دام تبرأ منا فالإثم علينا، لا يجوز؛ لأنه يخشى أن يناله شر منهم لعموم الأحاديث التي فيها تعذيب الإنسان بنياحة أهله عليه، ولكن من نهاهم وحذرهم وقال: أنا بريء منكم، أو: من عملكم، يرجى له ذلك، لكن هم لا يجوز لهم مطلقا، يحرم عليهم النياحة مطلقا.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (233) .(14/421)
273 - حكم الندبة على الميت
س: الأخ م. م. س. مصري ويعمل في العراق، أخونا يسأل عن حكم الدين في الندابة التي تندب على الميت (1)
ج: ندب الميت والنياح عليه أمر محرم ومنكر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في الصحيحين. وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أنا بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة (3) » وأما الصالقة فالتي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الميت يعذب بما نيح عليه (4) » وفي الحديث الآخر «أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة (5) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (161) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في النوح، برقم (3128) .(14/422)
في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (1) » يعني النياحة على الميت. وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب (2) » خرجه مسلم في صحيحه. فالنياحة على الموتى والندب وتعداد المحاسن، واظهراه: انقطع ظهراه، واكاسياه، واعضداه، ووالداه، واأبواه، إلخ. هذا ما يصلح، الواجب الصبر والاحتساب، والدعاء للميت والاستغفار له، أما البكاء فلا بأس، دمع العين لا بأس، حزن القلب لا بأس، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (3) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام. وقال عليه الصلاة والسلام يوما بين أصحابه: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم (4) » وأشار إلى لسانه، اللهم صل عليه وسلم. فالواجب على المسلمين الصبر، وعدم الجزع، وعدم تعاطي ما حرم الله من الندب والنياحة وشق الثياب ولطم الخدود، والدعاء بدعوى الجاهلية، هذا هو المنكر، والله يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (5) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (6) {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (7) .
__________
(1) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(5) سورة البقرة الآية 155
(6) سورة البقرة الآية 156
(7) سورة البقرة الآية 157(14/423)
وفي صحيح مسلم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت (1) » فدل ذلك على أن النياحة من الكبائر، فينبغي الحذر منها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب إطلاق الكفر على الطعن في النسب والنياحة، برقم (67) .(14/424)
274 - مسألة في حكم توجيه الإنسان لأهله ألا ينوحوا عليه بعد وفاته
س: تقول السائلة: إني قلت للأهل: إذا توفيت فلا تبكوا علي، ولا تذيعوا بالميكروفون، وأنا أخاف أن يفعلوا ذلك، ما هو توجيهكم لهم جزاكم الله خيرا؟
ج: الواجب على المسلمين في هذه الأمور الصبر والاحتساب وعدم النياحة، وعدم شق الثوب، ولطم الخد، ونحو ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية (1) » ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (2) » يعني النياحة على الميت.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ليس منا من شق الجيوب برقم (1293) .
(2) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .(14/424)
وقال صلى الله عليه وسلم: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب (1) » نسأل الله السلامة. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة (2) » الحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة. كل هذا لا يجوز، كل هذا من الجزع، فلا يجوز للمرأة ولا غيرها فعل ذلك، والواجب على أهلك أن يقبلوا هذه الوصية، وأن يحذروا النياحة عليك؛ لأن النياحة تضر الميت كما في الحديث الصحيح: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه (3) » فلا ينبغي لهم، بل لا يجوز لهم النياحة على موتاهم، والنياحة رفع الصوت، أما البكاء بدمع العين فلا يضر، وحزن القلب هذا لا حرج فيه، وإنما الممنوع رفع الصوت بالصياح.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، برقم (1292) ومسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (927) .(14/425)
275 - حكم الشهقة وقول: (لا) عند سماع موت القريب
س: تقول السائلة: عندما يأتيني خبر وفاة أحد الأشخاص المقربين لدي لا أنوح، ولكن عندما يأتيني الخبر أشهق وأقول: لا، وكلمة لا، ليس اعتراضا مني، ولكن استغرابا، ثم أقول: لا إله إلا الله،(14/425)
هل يعتبر هذا الشهيق ضياع أجر الصبر عند الصدمة الأولى (1) ؟
ج: ليس هذا بنوح، النوح رفع الصوت بالصياح، أما دمع العين أو سبق اللسان بكلمة: لا، أو شهقة الروعة فلا يضر، إنما هذا قد يقع من شدة الروعة والمصيبة، أو يقول: الخبر ليس صحيحا؛ لأنها استنكرت، هذا ليس من النياحة، النياحة رفع الصوت، ولا يجوز رفع الصوت عند المصيبة، أما كون العين تدمع ويبكي الإنسان، فدمع العين لا يعذب بهذا ربنا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون (2) » وقال عليه الصلاة والسلام للصحابة ذات يوم: «اعلموا أن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم (3) » وأشار إلى لسانه؛ أي بالنوح. وهذا ليس من عدم الصبر الذي يضر، كونها تنوح أو تخمش الوجه أو تشق الثوب هذا هو الممنوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة (4) » الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة أو تنقضه، والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة. فالواجب الحذر من هذا.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (342) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزنون، برقم (1303) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم (2315) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم (1304) ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم (924) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم (1296) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب برقم (104) .(14/426)
276 - حكم لبس الثوب الأسود للحداد
س: المعروف بالنسبة للنساء في العراق إذا شخص مات ألبسوها ثوبا أسود لمدة سنة كاملة، وإذا لم تلبس يقولون عليها بأنها فرحت بموت ذلك الشخص، وكلام الناس لا ينتهي، ولا يدعون الناس في حالهم، وأنا علمت أن هذا لا يجوز، فماذا تقولون لو تكرمتم في هذا عسى أن يستفيد الناس ويعملوا (1) ؟
ج: هذا الذي ذكرت هو مثل ما ذكرت لا يجوز، كونها تحد سنة كاملة في ثوب أسود هذا لا أصل له، هذا من عمل الجاهلية، كانت الجاهلية تحد المرأة فيهم إذا مات زوجها سنة كاملة، فأبطل ذلك الإسلام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من سنة الجاهلية، وأوجب الله على المرأة بدلا من ذلك أربعة أشهر وعشرا إذا كانت غير حامل، أما إن كانت حبلى فإنها تنتهي من العدة بوضع الحمل ولو بعد موت زوجها بساعات أو أيام، أما أن تعتد سنة أو في لباس خاص أسود فقط فهذا لا أصل له، بل هو من عمل الجاهلية، فلها أن تلبس الأسود والأصفر والأخضر والأزرق، لكن تكون بملابس غير جميلة، ملابس عادية لا تلفت النظر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى الحاد أن تلبس شيئا من الثياب الجميلة
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (64) .(14/427)
المصبوغة، قال: «إلا ثوب عصب (1) » فقال أهل العلم: ثوب العصب ليس فيه جمال. فالمشروع لها أن تلبس ثيابا ليس فيها جمال؛ لأنها تعرضها للفتنة، تكون ملابسها ملابس عادية لا تلفت النظر، هذا هو المشروع للحاد، كما أنه يجب عليها أن تتجنب الطيب مدة العدة، وكذلك الحلية من الذهب والفضة ونحوهما كاللؤلؤ والماس وأشباه ذلك مدة العدة، وهكذا تجتنب الكحل في عينيها، والحناء، كل هذا مما تمنع منها الحاد، والحاصل أن الحاد تؤمر بخمسة أمور:
الأول: أنها تبقى في بيت زوجها الذي مات وهي ساكنة فيه حتى تنتهي العدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحاد: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله (2) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام، لكن لا بأس أن تخرج لحاجة في السوق تشتريها من طعام وغيره، أو إلى الطبيب لحاجتها إلى الطبيب، لا بأس
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب القسط للحادة عند الطهر، برقم (5341) ، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك، برقم (938) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها تنتقل، برقم (2300) ، والترمذي في كتاب الطلاق واللعان عن رسول الله، باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها، برقم (1204) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها من يوم يأتيها الخبر، برقم (3532) ، وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها، برقم (2031) .(14/428)
بهذا، أما خروجها لغير ذلك كالزيارات ونحو ذلك فلا، بل تبقى في بيتها، ولا تسافر أيضا لا لحج ولا غيره حتى تنتهي من عدتها.
الأمر الثاني: أنها لا تلبس الملابس الجميلة، بل تلبس ملابس عادية ليس فيها جمال يلفت النظر، سواء كانت سوداء أو خضراء أو زرقاء، وغير ذلك.
والأمر الثالث: عدم الحلي من الذهب والفضة ونحوهما، كاللؤلؤ والماس وأشباه ذلك، لا تلبس هذا؛ لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام.
الأمر الرابع: عدم الطيب؛ لأن الرسول قال: «لا تمس طيبا (1) » فهي حاد، سواء كان من البخور أو غير ذلك من دهن العود والورد وأشباه ذلك، إلا إذا كانت تحيض كالشابة، فإنه لها أن تتبخر لطهرها من حيضها كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم.
والخامس: الكحل، ليس لها أن تكتحل ولا أن تتعاطى الحناء؛ لأنه جمال فتجتنب ذلك.
وما أشبه هذه الأمور الخمسة هي التي يلزم الحاد أن تراعيها وتعتني بها، أما ما سوى ذلك فهي من جنس بقية النساء، لها أن تغتسل متى شاءت، تتروش متى شاءت، تغير ثيابها متى شاءت، تستعمل الدواء في عينيها أو غيره من الأدوية على ما عندها من مرض، تطبخ حاجتها في البيت، تخدم بيتها، تصعد في السطح في الليل تنظر إلى القمر، تخرج إلى الحوش وإلى
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في الوفاة وتحريمه في غير ذلك، برقم (938) .(14/429)
الحديقة في بيتها، كل هذا لا بأس به، تكلم من شاءت، من يكلمها من جيرانها، أو من غير جيرانها من طريق الهاتف أو غيره، كل هذا لا بأس به إذا كان كلاما ليس فيه ريبة ولا منكر، فهي من جنس بقية النساء.(14/430)
277 - بيان حكم الرثاء على الميت
س: إنني أرتاح عندما يرثي، أو يغني جماعة ما لأحد الموتى، وحيث إن الدين نهى عن ذلك ونهى عن البكاء على الميت، ولكني أتأثر وأرتاح عندما يبكونه جماعة، أو يرثون أحد الموتى، فهل علي ذنب أو كفارة في ذلك؟ أدامكم الله على طريق الحق (1)
ج: هذا فيه تفصيل، إذا كان الرثاء من باب ذكر محاسن الميت بما يشوق إلى التأسي به والاقتداء به في الأعمال الطيبة، من الجود والكرم والجهاد في سبيل الله، وإنكار المنكر، والدعوة إلى الخير، فذكر هذا في المراثي ينفع المسلمين ولا يضرهم، ويرتاح له كل مؤمن، أما إذا كان الرثاء تهيج المصائب، وتدعو إلى النياحة، وتحرك أحوال أهل الميت، حتى يشتغلوا بالنياحة والصياح فلا ينبغي ذكرها، ولا ينبغي قراءتها عندهم؛ لأن هذا يسبب مشكلات، ويفضي إلى محرمات، فلا يفعل، أما الأغاني التي تتضمن الدعوة إلى الفسوق والعصيان، أو تتضمن دعوة إلى شرب
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (17) .(14/430)
الخمور أو إلى غير هذا من الفساد، أو إلى التشويق إلى النساء بغير حق، أو إلى الحب بغير حق، أو ما أشبه ذلك فهذه يجب إنكارها، ويجب الحذر منها؛ لأنها تفسد الأخلاق، وتفسد القلوب كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل (1) » والله يقول سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (2) أما الغناء الذي فيه الدعوة إلى الخير والأمر بالخير فينبغي أن يكون بألحان العرب، يكون بالأشعار العربية المعروفة والقصائد العربية، فلا محذور فيه، لكن بغير ألحان النساء، وأشباه النساء، يكون بالألحان العربية، بالشعر العربي كما كان حسان ينشد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على المشركين.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب كراهية الغناء والزمر، برقم (4927) ، والبيهقي في السنن الكبرى، باب الرجل يغني فيتخذ الغناء صنعة، برقم (21537) ، واللفظ له.
(2) سورة لقمان الآية 6(14/431)
278 - حكم تعليق صورة الميت على الحائط
س: الأخت ن. ع. م. من العراق، تسأل وتقول: هل صورة المتوفى عند وضعها في إطار وتعليقها على الحائط تضر المتوفى؟ وهل هذا(14/431)
حرام ممن يفعله أم لا (1) ؟
ج: تعليق الصور لا يجوز لا في المكاتب ولا في المجالس، ولا في غير ذلك، أعني صور ذوات الأرواح، كصورة الرجل أو الأسد أو الذئب أو القط أو غير ذلك، كلها لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «لا تدع صورة إلا طمستها (2) » وقال عليه الصلاة والسلام لما رأى سترا عند عائشة فيه تصاوير هتكه، وقال: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم (3) » فلا يجوز للمسلم أن يعلق صورة، ولا للمسلمة أن تعلق صورة في بيت زوجها أو في بيتها، أو في مكتب، أو في مجلس، أو نحو ذلك، أما الميت فلا يضره ذلك إذا كان لم يأمر بهذا، ولم يرض بهذا، إنما يضر من علقه، الإثم على من علقه، أما الميت الذي لم يرض بهذا أو لم يأمر به فليس عليه من ذلك شيء؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (4) ولكن المعلق هو الذي يأثم بذلك.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (197) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، برقم (969) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) ، برقم (7557) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، برقم (2107) .
(4) سورة الأنعام الآية 164(14/432)
279 - بيان حكم زيارة القبور وأدلة ذلك
س: يسأل عن الآداب التي يجب الإحاطة بها عند زيارة المقابر، وهل حث الإسلام على زيارة القبور، وزارها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأجاز للنساء زيارة القبور؟ وهل جاء في القرآن الكريم شيء عن زيارة قبور الصالحين كما قال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (1) وجهونا (2)
ج: زيارة القبور سنة مؤكدة من فعل النبي وقوله عليه الصلاة والسلام؛ لما فيها من التذكير بالموت والتذكير بالآخرة، والسنة أن يزورها المؤمن بخشوع ورغبة في الآخرة، وقصد للاعتبار والذكر، ورحمة الأموات والدعاء لهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكر الموت (3) » خرجه مسلم في صحيحه. وكان النبي يزورها بين وقت وآخر في الليل والنهار، يزورها ويسلم عليهم عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (4) »
__________
(1) سورة التوبة الآية 84
(2) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (354) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، برقم (976) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) .(14/433)
«يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » «أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » يغفر الله لنا ولكم، كان هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن يسن له أن يزورها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » والمقصود من الزيارة الدعاء لهم، الدعاء للميتين بالمغفرة والرحمة، وذكر الآخرة وذكر الموت، والتأهب لذلك، هذا المقصود، ومن آدابها أنه لا يصلي عند القبور ولا يجلس عندها للدعاء والقراءة، وإنما يسلم بخشوع ورغبة في الآخرة، وخوف من عذاب الله، وقصد علاج قلبه حتى لا يموت، إذا تذكر الموت والقبور صار هذا أدعى لاستعداده للآخرة، وألين للقلب، يذكر الموت ويذكر الآخرة، ويذكر جمع الناس يوم القيامة، فيلين قلبه، فزيارة القبور تلين القلوب، وتذكرها بالآخرة وبالموت، فيكون ذلك من أسباب الاستعداد والحذر من الركون إلى الدنيا، لكن لا يصلي عندها ولا يطوف بها، ولا يسأل أهلها شيئا، الصلاة عندها بدعة من وسائل الشرك، والقراءة عندها بدعة، والجلوس عندها للدعاء بدعة، أما الطواف بها فشرك بالله، إذا طاف يتقرب إلى أصحاب القبور فهذا شرك أكبر، كالدعاء، كدعائها والاستغاثة بأهلها، والنذر لهم، والذبح لهم،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/434)
هذا شرك أكبر، كما يفعل عند بعض القبور، يقول: يا سيدي انصرني، أو: اشف مريضي، أو: أنا بحسبك، أو: اشفع لي. أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند قبور الصحابة ولا عند غيرهم، إنما يسلم عليهم ويدعو لهم، يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » هكذا، وليس للمؤمن أن يسألهم أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، كل هذا من الشرك الأكبر، ولا يطوف تقربا إليهم، هذا شرك أكبر، أما لو طاف يحسب أنه مشروع يقصد التقرب إلى الله بالطواف فهذا بدعة، منكر؛ لأنه من وسائل الشرك، الطواف خاص بالكعبة، أما إذا طاف يتقرب إليهم ويريد شفاعتهم، أو أن ينفعوه فهذا شرك أكبر، كدعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم والنذر لهم، كله شرك أكبر، كما يفعل عند البدوي أو عند الشيخ عبد القادر في العراق، أو عند قبر أبي حنيفة، أو عند قبر الحسن والحسين في مصر، كل هذا شرك أكبر، دعاؤهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم، وهكذا ما يفعله بعض الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دعاء الاستغاثة به وطلبه النصر، طلبه شفاء المرضى، كل ذلك من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية، أما النساء فلا، أما النساء فليس لهن زيارة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .(14/435)
للقبور، النساء لا يزرن القبور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهن عن هذا، ولعن زائرات القبور؛ ولأنهن فتنة وصبرهن قليل، وأما قوله: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (1) هذا نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف على قبور المنافقين والصلاة عليهم، أما المسلم يوقف على قبره ويدعى له بعد الموت بعد الدفن، إذا دفن يوقف عليه ويسأل له التثبيت والمغفرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان إذا فرغ من دفن الميت عليه الصلاة والسلام قال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت (2) » فإذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (3) » فالمؤمن يوقف عند قبره ويسأل له المغفرة والثبات، أما المنافق فلا يصلى عليه، ولا يوقف عند قبره، نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) سورة التوبة الآية 84
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف برقم (3221) .(14/436)
280 - حكم البكاء عند زيارة القبور
س: عندما أذهب أنا وبعض إخواني إلى المقبرة للزيارة وللاعتبار أستمع أحيانا إلى بعض الناس يبكون بصوت عال، فهل هذا يجوز (1) ؟
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (219) .(14/436)
ج: إذا غلبه البكاء لا حرج، الرسول صلى الله عليه وسلم بكى عند قبر أمه وأبكى، فلا بأس إذا غلبه البكاء، ولا حرج في ذلك، وليس في هذا حد محدود، لكن يكتم صوته إذا أمكنه ذلك حتى لا يشوش على أحد، وحتى لا يظن فيه الرياء، وأنه قصد شيئا آخر، فالمقصود أنه إذا غلبه البكاء فلا حرج في ذلك؛ لأنه إذا حضر عند القبور وتذكر أقاربه وأحبابه قد تغلب عليه العبرة والبكاء.(14/437)
281 - بيان الحكمة في زيارة القبور
س: يسأل السائل ويقول: ما حكم زيارة المقابر؟ وما هو المطلوب عند زيارتها (1) ؟
ج: زيارة المقابر سنة، قربة، طاعة لله جل وعلا؛ لما فيها من التفكير في الموت، والتفكير بالآخرة، والدعاء للأموات، والترحم عليهم فهي عبادة عظيمة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (2) » وكان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (3) » «أسأل
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (292) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/437)
الله لنا ولكم العافية (1) » وكان يزور القبور صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم، ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (2) » ويقول: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » يدعو لهم، السنة الدعاء لهم بما تقدم، وهذه الزيارة فيها خير عظيم، وفضل كبير، وتذكير بالآخرة وبالموت، لكن هذا خاص بالرجال، أما النساء فلا يزرن القبور، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، هذا هو الصواب الذي عليه أهل الحق أن المرأة لا تزور القبر، ولا تتبع الجنائز إلى القبور، ولكن تصلي على الميت لا بأس، تصلي على الميت في المصلى أو في المسجد لا بأس، وقد صلت عائشة رضي الله عنها على سعد بن أبي وقاص لما توفي في آخر حياتها رضي الله عنها، المقصود أن الصلاة على الموتى مشروعة للرجال والنساء جميعا، لكن زيارة القبور خاصة بالرجال لا للنساء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/438)
282 - كيفية الوقوف أمام القبر للسلام عليه
س: يقول هذا السائل: في المقبرة وعند زيارة القبر للسلام على الميت هل من المشروع أن يقف الإنسان متجها للقبلة والقبر أمامه أم(14/438)
يكون ذلك متجها لجهة الشرق حتى يكون مواجها لوجه الميت (1) ؟
ج: ليس في هذا تحديد، السنة أن يقف على القبر ويسلم على الميت، سواء من خلفه أو أمامه، المهم أن يسلم عليه، وإذا أتاه من أمامه حتى يكون أمام وجه الميت هذا لا بأس، الأمر واسع في هذا، فالنبي عليه السلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ولم يعين جهة معينة، فالأمر واسع والحمد لله، المهم أنه يزور القبور، ويسلم عليهم ويدعو لهم، وإذا خص بعض الناس كأبيه أو أخيه زاره وخص وسلم عليه، فالأمر واسع، الحمد لله.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (401) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/439)
283 - مسألة في سماع الميت لمن يزوره للسلام عليه
س: السائل ع. م. يقول في سؤاله: إن والدي قد توفي منذ عشر سنوات، وأنا دائما أذهب إلى قبره وأسلم عليه وأدعو له أثناء زيارتي، ولكن قال لي شخص: إن الأموات لا يسمعون الأحياء. والسؤال: هل عندما أذهب لزيارة أبي منذ توفي لأسلم عليه هل يسمع كلامي ويرد علي السلام؟ أفيدوني مأجورين (1)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (406) .(14/439)
ج: الزيارة مشروعة لك، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » فالسنة زيارة القبور، والسلام عليهم والدعاء لهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، ويعلم أصحابه أن يزوروها، فالسنة أن تزور القبور، وتسلم على أبيك، وتدعو له، أما كونه يسمع كلامك أو يعلم هذا فالله أعلم، هذا إلى الله جل وعلا، ليس في هذا حديث صحيح يدل على أنه يسمع كلامك، أو أنه يعلم زيارتك، لكن ينتفع بهذه الزيارة، وينتفع بالدعاء إذا دعوت له في البيت أو في المسجد أو عند الزيارة، أو في أي مكان، الدعاء فيه فائدة كبيرة، والصدقة عنه كذلك، والحج عنه والعمرة عنه، والضحية عنه، كل هذا شيء نافع يفيده، أما كونه يعلمك ويسمع كلامك فهذا إلى الله، والله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، جاء في بعض الأحاديث التي في سندها ضعف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يزور شخصا كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام (2) » لكن في صحته نظر.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (1 \ 185) .(14/440)
284 - حكم قراءة القرآن على الأموات عند زيارة القبور
س: ما حكم قراءة القرآن على الأموات أثناء التعزية وعند زيارة القبور أو(14/440)
عند المرور بجانبها (1) ؟
ج: لا يجوز قراءة القرآن عند القبور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (2) » «أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » هكذا يسلم عليه: اللهم اغفر لهم وارحمهم، السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لكم العافية. فيعلمهم إذا زار القبور، فليقل: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. أما عند التعزية فيعظهم ويذكرهم بالآية الكريمة: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (4) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (5) هذا لا بأس عند المصائب، يذكر الآيات التي فيها الصبر، يذكر من باب النصيحة، لا بأس، هذا مشكور، يعزيهم ويدعو لهم، ويذكرهم بالآيات والأحاديث التي بها الحث على الصبر.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (363) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) سورة البقرة الآية 155
(5) سورة البقرة الآية 156(14/441)
285 - حكم قراءة سورة الإخلاص وآية الكرسي عند المرور على القبور
س: السائلة تقول: يا سماحة الشيخ، سمعت من إحدى صديقاتي عند المرور على القبور بأنه مستحب أن نقرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وآية الكرسي في هذا اليوم، فيرفع عنهم العذاب، وعلى قدر عددهم أن يغفر الله لهم الذنوب (1)
ج: كل هذا باطل لا أصل له، وبدعة ظاهرة، ولكن إذا مر عليهم يسلم عليهم، يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. هذا للرجل، أما المرأة لا تزور القبور، لكن الرجل إذا مر عليهم يسلم، أما قراءة: قل هو الله أحد، أو آية الكرسي فكل هذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (414) .(14/442)
286 - حكم الوقوف والدعاء للأموات عند المرور بالمقبرة
س: نحن إذا خرجنا من المسجد بعد صلاة العشاء أو صلاة الفجر يوجد على طريقنا مقبرة، فيقف عندها إمام المسجد، ونقف حوله، ويقرأ الدعاء على أرواح أهل المقبرة، ونحن نؤمن على دعائه، ما رأيكم في هذا العمل (1) ؟
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (227) .(14/442)
ج: لا حرج في هذا الدعاء لهم، هذه زيارة، إذا مررتم بهم ودعوت لهم جزاكم الله خيرا.(14/443)
287 - حكم السلام على الأموات أثناء المرور بجوار المقبرة على السيارة
س: سماحة الشيخ، بالنسبة للسلام على الموتى هل يشرع السلام داخل المقبرة أو المرور بالسيارة مثلا (1) ؟
ج: إذا دخل فهو أفضل، يقف عليهم ويسلم عليهم؛ لأنه أقرب إلى الخشوع والتأثر، وإن مر عليهم بالسيارة وسلم أو على دابته وسلم، أو وقف على الجدار وسلم كفى، لكن كونه يقصد القبور ويدخل عليهم ويدعو لهم هذا أكمل وأشد في التأثر.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (414) .(14/443)
س: هذا السائل يقول: إذا مررت بالمقابر هل أسلم عليهم وأنا مثلا في سيارتي وبيني وبينهم سور المقبرة أم لا بد من السلام عند الوقوف عليهم داخل المقابر (1) ؟
ج: إذا تيسر الوقوف عليهم يكون أولى وأكمل، تنزل وتقف على المقابر وتسلم، وإن سلمت من بعيد فلا بأس إن شاء الله، إذا كنت قريبا منهم يسمعون، بحيث يسمعون، وإن نزلت ووقفت على الجدار وتكلمت
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (370) .(14/443)
يكون هذا أكمل وأبلغ، تقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (1) » «أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، كل هذا طيب عند الجدار، تقف على الجدار، تكلم أو تدخل وتسلم عليهم من داخل، كله طيب، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (3) » وإذا مر الإنسان بها وسلم له أجر كبير.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/444)
288 - حكم اجتماع الرجال والنساء عند المقابر في الأعياد
س: نشاهد عند بعض الناس وخاصة في المناطق الريفية في بلادنا أيام الأعياد أنهم يذهبون إلى المقابر، وهناك يجتمعون نساء ورجالا، وهناك يعملون الدبكات والأغاني، وقسم يحمل المسجلات والكمرات ليلتقطوا أصوات وصور النساء، فما الحكم لذلك أثابكم الله (1)
ج: أما قصد القبور أيام الأعياد فلا أعلم له أصلا، زيارة القبور سنة،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (24) .(14/444)
وليس لها حد محدود، ولا وقت معين، بل يزورها ليلا ونهارا، في العيد وفي غيره، ما لها وقت محدود، أما تخصيص زيارة لأيام العيد أو بيوم معين فليس له أصل، ولكن متى تيسرت الزيارة فقد شرعت الزيارة في ليل أو نهار، وفي أي يوم؛ لأنها تذكر الآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا ": «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وفي لفظ: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » فالسنة أن يزوروا القبور، وأن يدعوا لأهلها بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة؛ ولأن زيارتها ذكرى للمؤمن، يذكر الموت، يذكر الآخرة، يستعد للقاء الله عز وجل، وهذا للرجال خاصة، أما النساء فلا يشرع لهن زيارة القبور، بل ينهين عن ذلك، وأما اجتماع النساء والرجال عند القبور وتعاطي الأغاني وأشباه ذلك فهذا لا يجوز، واختلاط الرجال بالنساء أمر منكر مطلقا لا يجوز، لا في القبور ولا في غير القبور؛ لأن هذا يسبب الفتنة والشر كذلك، كونهن يحضرن عند القبور أو غير القبور
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/445)
بالأغاني والآلات والملاهي فهذا منكر سواء كان عند القبور أو في محلات أخر، لا يجوز هذا، كذلك تصوير النساء، تصويرهن في هذه الحال أو في أي حال كان كاشفات أو شبه عاريات كل هذا فتنة، أو تصوير وجوههن، كل هذا لا يجوز، يل يجب الحذر من ذلك؛ لأن هذا التصوير يجر إلى شر كثير، وربما صور فلانة وفلانة وحصل بها فتنة، فالحاصل أن هذا لا يجوز مطلقا، لا في القبور ولا في غيرها، ولا يجوز للنساء الخروج إلى المقابر بالأغاني وآلات الملاهي، ولا الرجال أيضا، كل هذا منكر يجب الحذر منه والتناصح في ذلك.(14/446)
س: هل زيارة القبور في أيام العيد من الحلال أم من الحرام (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك في أي وقت، لكن تخصيصها بوقت العيد لا يصلح إذا كان بقصد أن يوم العيد أفضل أو كذا، أما إذا كان التخصيص من أجل الفراغ في تلك الأيام فلا حرج، وإلا فالزيارة ليس لها وقت معلوم، يزورها في الليل أو في النهار، في أيام العيد أو في غيره، ليس لها حد محدود، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ولم يحدد وقتا، فالمؤمن يزورها في كل وقت، في الليل والنهار، في أيام العيد وغيرها، ولا يخصص يوما معينا لذلك لقصد أنه أفضل من غيره.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (216) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/446)
289 - حكم ذهاب النساء للمقابر لأخذ الحشائش لعلف الدواب
س: الحشائش في المقابر من ناحيتين، الناحية الأولى الطرق، والناحية الثانية وصول النساء إلى هناك من أجل الاستفادة من الحشائش والأعلاف التي تنبت على هذه المقبرة - جزاكم الله خيرا - ما حكم ذلك (1) ؟
ج: لا حرج في ذهاب النساء إلى أخذ الحشائش التي في المقابر لعلف دوابهم، ولا بأس في ذلك، إنما المنهي عنه أن يزرن القبور، أما إذا أتين القبور لأخذ الحشائش التي فيها والاستفادة منها مع الطرق المعينة في ذلك فلا بأس، والطرق التي وضعت في المقبرة للمرور بها للزائرين فلا بأس إذا كانت ليس فيها قبور فلا حرج، أما إن كان فيها قبور فالواجب على الزائر أن يتخلل القبور، ولا يطأ على القبر، بل يمشي بين القبور، وهكذا المرأة إذا جاءت لأخذ الأعشاب تمشي بين القبور، ولا تطأ قبرا، لا هي ولا الرجل؛ لأنه لا يجوز للجميع امتهان القبور بالوطء عليها، ولكن يمشي بين القبور، وفي خلال الفرج التي بين القبور حتى يأخذ حاجته.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (290) .(14/447)
290 - مسألة في التقاء الأموات وتعارفهم
س: السائلة من الباحة تقول: أرجو من سماحة الشيخ إجابتي على هذا(14/447)
السؤال، تقول: هل الميت بعد موته يلتقي بأهله وإخوانه الذين ماتوا من قبل ويعرفهم؟ وهل يلتقي أهل الخير ويتعارفون بعد موتهم (1) ؟
ج: الله أعلم، لا أعلم في هذا نصا ثابتا، وإنما ذكر بعض أهل العلم هذا المعنى كابن القيم في كتاب الروح وغيره، ولكن هذه المسائل تحتاج إلى دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات اللقاء، أما أرواح المؤمنين فهي في الجنة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أن أرواح المؤمنين طائر يعلق في شجر الجنة حتى يردها الله إلى أجسادها (2) » «وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش (3) » هذه أرواح الشهداء المقتولة في سبيل الله، وأما أرواح المؤمنين فإنها تسرح في الجنة حتى يردها الله إلى أجسادها في صور طير في الجنة، أما كونهم يتلاقون ويتعارفون فهذا يحتاج إلى دليل ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، كون أرواحهم تتلاقى ويتعارفون فهذا يوجد بعض المرائي التي يراها أهل الصلاح والخير، تدل على شيء من التلاقي، لكن الجزم بذلك وأن هذا شيء ثابت لجميع الأرواح يحتاج إلى دليل ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن بعض المرائي تدل على وقوع شيء من هذا.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (388) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، برقم (15349) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، برقم (1887) .(14/448)
291 - مسألة في رؤية الميت من يزوره
س: هل الشخص الميت يراك في قبره أم لا؟ وهل الزيارة يوم الاثنين أو الخميس خاصة، وهل تجوز في باقي الأيام (1) ؟
ج: الزيارة في كل وقت، جميع الأوقات، ليس لها وقت معين، في جميع أيام الأسبوع، في الليل والنهار، متى تيسر له الزيارة زار، أم كون الميت يراه فلا أصل لهذا، الميت انتهى أمره، وحيل بينه وبين ذلك، وهو روحه إما في الجنة إن كان مؤمنا، وإما في النار إن كان كافرا، والعاصي على خطر من ذلك، وليس هناك دليل على أن الميت يرى زائره.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (205) .(14/449)
292 - حكم ذهاب النساء إلى المقبرة لدفن الميت
س: الأخت ب. أ. أ. مصرية مقيمة في المملكة، أختنا تتحدث عن القبور والبدع التي تثار حول الجنائز، والتي يرتكبها كثير من الناس، ولخصت في أسئلة منها هذا السؤال: ما حكم الدين في ذهاب النساء للمقابر لدفن الميت؟ وهل من تذهب لن تشم نسيم الجنة كما روي عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى فاطمة آتية وعليها غبار الطريق، فظن أنها كانت تشيع الجنازة (1) ؟
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (133) .(14/449)
ج: قد ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه لعن زائرات القبور، ونهى عن اتباع النساء للجنائز، فلا يجوز أن يتبع النساء الجنائز للمقابر، ولا أن يزرن المقابر، هذا هو المحفوظ عن النبي - عليه الصلاة والسلام -، وأما الوعيد بعدم شمها نسيم الجنة، فهذا في سنده نظر، ولكن الثابت أنها منهية عن ذلك، فلا تذهب مع الجنائز إلى المقابر، ولا تزور المقابر، هذا هو الثابت عن النبي - عليه الصلاة والسلام -، والحكمة في ذلك - والله أعلم - لأنهن فتنة، وصبرهن قليل، فكان من حكمة الله أن نهاهن عن ذلك سدا لباب الفتنة بهن ومنهن.(14/450)
293 - حكم ذهاب أهل الميت من الرجال والنساء إلى قبره لتوزيع الصدقات
س: هناك عادات تقضي بأن يذهب أهل الميت من رجال ونساء إلى قبره كل يوم خميس خلال الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الوفاة، وذلك للتصدق بالفطائر والخبز، ما حكم الإسلام في ذلك؟ أليس الأولى أن يتم التصدق على الفقراء والمحتاجين في أي مكان آخر دون الذهاب إلى المقابر خاصة بعد أن ثبت أن معظم من يتواجدون بها من الأحياء يبيعون ما يجمعونه من أهل الموتى ويتاجرون فيه (1)
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (133) .(14/450)
ج: ليس لهذا أصل، ليس لتحديد الزيارة كل أسبوع، أو الصدقة عند القبور أصل، بل الواجب أن تكون الزيارة غير محددة، متى تيسرت الزيارة شرع أن تزار القبور من الرجال، يزورها الرجال لذكر الآخرة، وذكر الموت، والدعاء للموتى، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (1) » «أسأل الله لنا ولكم العافية، يغفر الله لنا ولكم» هكذا كان النبي يعلم أصحابه - عليه الصلاة والسلام -، كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا زار القبور يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غدا مؤجلون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » هكذا كان يفعل - عليه الصلاة والسلام -، ويقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (4) » «زوروا القبور فإنها تذكركم الموت (5) » هذا كله في حق الرجال، أما النساء فلا يزرن القبور كما تقدم، وأما تخصيص يوم معين، الخميس أو الجمعة للزيارة فلا أصل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(5) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/451)
له، وهكذا تخصيص توزيع الصدقات من خبز أو لحوم أو غير ذلك عند القبور، لا أصل له، بل المشروع أن صاحب الصدقة يتبع الفقراء في بيوتهم وفي محلاتهم ويعطيهم الصدقة، ولا يكلف عليهم، ولا يدعوهم إلى المقابر، فالحاصل أن المشروع على المؤمن أن يتبع الفقراء، ويعرف محلاتهم حتى يذهب إليهم بالصدقة، وإذا جاؤوا إليه في بيته وطلبوا أن يتصدق عليهم، أما أن يتخذ المقبرة محلا للصدقة، فهذا لا أصل له.(14/452)
294 - بيان معنى حديث «لعن الله المرأة النائحة والمستمعة»
س: هل يحرم على النساء زيارة القبور إذا كان المتوفى أعز شخص، قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله المرأة النائحة والمستمعة» صدق رسول الله، لكني في الحقيقة لم أفهم معنى المستمعة في هذا الحديث، هل يقصد المرأة الفضولية التي تتنصت على كلام الناس أم المرأة التي تستمع الأغاني أم التي تستمع التلفاز والراديو؟ نرجو التوضيح عن هذا، وجزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: زيارة القبور للنساء لا تجوز، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » يعني به الرجال، ويعلم أصحابه
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (64) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/452)
إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » وفي حديث عائشة: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » أما النساء فنهاهن عن هذا، جاء في الأحاديث: «لعن زائرات القبور (3) » فلا يجوز لهن زيارة القبور، ولكن يشرع لهن الدعاء لموتاهن بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة والنجاة من النار، من غير زيارة القبور، وهن في بيوتهن، ولا مانع أن يصلين على الموتى في المساجد، أو في المصلى كما صلى النساء على الجنائز في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وفي عهد أصحابه.
أما النائحة والمستمعة فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النوح، وقال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت (4) » وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .
(4) صحيح مسلم الجنائز (934) ، مسند أحمد بن حنبل (5/343) .(14/453)
سربال من قطران، ودرع من جرب (1) » خرجه مسلم في صحيحه. فبين - صلى الله عليه وسلم - أن النياحة على الموتى من أمر الجاهلية المذموم، فالواجب تركه، وقالت أم عطية في البيعة: «ألا ننوح (2) » وروى أبو داود رحمه الله في سننه عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه لعن النائحة والمستمعة (3) » وفي سنده ضعف، ولكن معناه له شواهد؛ لأن النوح محرم ومنكر فلا يجوز للمرأة أن تتعاطى النوح، ولا الرجل أيضا، ليس للرجال ولا النساء النياحة، والنياحة هي رفع الصوت بالبكاء، هذه النياحة، وهكذا قوله: واعضداه، واكاسيها واحر قلباه. برفع الصوت، كل هذا من النياحة، وأما المستمعة فهي التي تستمع للنوح، وتشجع على النوح، تجلس معهن تستمع نياحتهن، وتشجعهن على النياحة، هذه داخلة في ذلك؛ لأن جلوسها نوع من التشجيع، فلا يجوز لها أن تستمع، بل إذا لم تسكت النائحة وجب أن تفارق، وألا تجلس معها من باب هجرها، من باب الإنكار عليها، فإذا جلست تستمع صار في ذلك نوع من المساعدة، ونوع من التشجيع، فلا يجوز أن تستمع للنائحة، بل تنكر عليها وتنهاها، فإن أقلعت وإلا تركتها ولم تجلس معها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم (934) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك، برقم (1306) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في النوح، برقم (3128) .(14/454)
تستمع لها، أما سماع الأغاني فهذا شيء آخر غير النياحة، وهو أيضا منكر على النساء والرجال، الأغاني من المنكرات، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها، والضلال عن الحق كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1) هذا دليل على أن اشتراء لهو الحديث، يعني: سواء بغير ثمن أو بالثمن يكون من المنكر المذموم، والله ذكر هذا على سبيل الذم لهم والعيب لهم. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي} (2) يعني: يعتاض لهو الحديث؛ {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (3) قرئ بالضم: ليضل، وقرئ: ليضل بالفتح، هذا يدل على أن اشتراء لهو الحديث من أسباب الضلال والإضلال بغير علم، ومن أسباب اتخاذ الآيات هزوا؛ ولهذا قال بعده: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (4) يعني سبيل الله، يعني دين الله، وهذا خطر عظيم، ولهو الحديث هو: الغناء، كما قال جمهور أهل العلم، قال أكثر أهل العلم من المفسرين وغيرهم: إنه الغناء، فإذا كان معه آلة عزف، كالعود أو الكمان أو الدف أو الطبل، كان التحريم أشد، وكان الإثم أكبر، فلا يجوز ذلك لا للمرأة ولا للرجل، تعاطي ذلك سواء كان ذلك في التلفاز أو في الإذاعة أو في المسجلات وغير ذلك، وفي الفيديو كل هذا ممنوع، وإذا كان مع ذلك في الفيديو مرائي منكرة، كاجتماع الرجال والنساء، والتقاء الرجال بالنساء، أو هيئة
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6
(3) سورة لقمان الآية 6
(4) سورة لقمان الآية 6(14/455)
الرجل مع زوجته، وما أشبه ذلك كان التحريم أكثر، وكان الإثم أعظم، فلا يجوز مثل هذا أبدا لا للرجال ولا للنساء، ولكن مسألة النياحة شيء آخر، النياحة لها تعلق بالميت سواء كانت النياحة في البيت أو عند القبر، أو في أي مكان، فلا يجوز الاستماع للنائحة، ولا تشجيعها على عملها السيئ، بل يجب الإنكار عليها، وتحذيرها ومنعها من ذلك، والله المستعان.(14/456)
295 - بيان رجحان عدم زيارة النساء للقبور
س: تقول السائلة: إنها زارت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلاحظت أن هناك أناسا أنكروا عليها، ترجو توجيه سماحة الشيخ (1)
ج: زيارة القبور بالنسبة للنساء فيها خلاف بين العلماء، من أهل العلم، منهم من قال: إن النساء يزرن القبور مثل الرجال، والقول الثاني: إنهن لا يزرن القبور، لا قبر النبي ولا غيره - عليه الصلاة والسلام -، وهذا القول أرجح القولين وأصح؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «لعن زائرات القبور (2) » وفي اللفظ الآخر: «زوارات القبور (3) » فدل ذلك
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (174) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز عن رسول الله، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء، برقم (1056) ، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، برقم (1575) .(14/456)
على أنهن لا يزرن القبور، وكن أول الأمر مع الرجال يزرن القبور عموما، ثم نهى الله النساء، وبقيت الرخصة للرجال، والسر في ذلك - والله أعلم - لأنهن فتنة، وصبرهن قليل، فشرع الله لهن ترك ذلك لئلا يفتن أو يفتن بزيارة القبور، فيدعون لأمواتهن بالمغفرة والرحمة في البيوت وفي الطرقات وفي المساجد، ولا حاجة لزيارة القبور.(14/457)
س: سماحة الشيخ، تفضلتم وقلتم: إن القبور تزار، هل ذلك مطلقا أم أنه للرجال فقط، أم أنه للرجال والنساء (1) ؟
ج: الزيارة للرجال، أما النساء فلا يشرع لهن الزيارة، بل لعن الرسول زائرات القبور، فالواجب على النساء ترك ذلك؛ لأنهن فتنة، فالواجب عليهن ترك ما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الزيارة للرجال خاصة، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان يزورها - صلى الله عليه وسلم -، ويعلم أصحابه أن يزوروها، وكان يعلمهم، يقول - عليه الصلاة والسلام -: إذا زاروا القبور يقول لهم: «قولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » وفي حديث
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (190) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .(14/457)
عائشة: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (2) » كان إذا زارهم دعا لهم، والبقيع مقبرة المدينة، جاء في الحديث الصحيح: «لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور (3) » وفي الرواية الأخرى: «لعن زائرات القبور (4) » فالحاصل أن القبور يزورها الرجال للذكرى والترحم على أهلها والدعاء لهم، وذكر الموت وذكر الآخرة، ولا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، ولا يذبح لهم، ولا يطلب منهم المدد والعون، كل هذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر، أما النساء فلا يزرن القبور، لكن الدعاء، تدعو لأمواتها في بيتها في كل مكان، لكن لا تزور القبور، تدعو لهم بالمغفرة والرحمة في بيتها وفي مسجدها وفي كل مكان، أما القبور فلا تزار للنساء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .(14/458)
س: الأخت تسأل وتقول: هل زيارة المقبرة جائزة للنساء أم لا؟ لأنني سمعت من خلال هذا البرنامج أنه لا يجوز، هل ما سمعته صحيح (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (187) .(14/458)
ج: نعم صحيح، ليس للنساء زيارة القبور، الرسول لعن زائرات القبور - عليه الصلاة والسلام -، وإنما الزيارة للرجال، قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (1) » أما النساء فلا، فنهاهن عن الزيارة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور (2) » فلا يجوز لهن زيارة القبور، لكن يصلين على الجنائز مع الناس لا بأس، الصلاة مشروعة للرجال والنساء على الجنائز، فإذا حضرن مع الناس وصلين على الجنائز في المسجد، أو في المصلى فهذا مطلوب، أما الذهاب إلى المقابر وزيارة القبور فهذا للرجال خاصة.
أما الحكمة - والله أعلم - أنهن فتنة، فإذا اعتدن زيارة القبور قد يحصل بهذا فتنة للزوار من الرجال بسبب الاختلاط؛ ولأنهن في الغالب قليلات الصبر إذا تذكرن أولادهن أو آباءهن أو أمهاتهن أو إخوانهن، فربما جزعن وقل صبرهن، وحدث منهن ما لا ينبغي من النياحة أو شق الثياب، أو ضرب الخدود أو التعري، فكان من حكمة الله أن منعهن من الزيارة؛ سدا لباب الفتنة، وحذرا من أن يقع منهن ما لا يحمد عقباه، لعل هذا هو الحكمة، والله أعلم سبحانه وتعالى.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .(14/459)
س: يسأل السائل عن حكم زيارة القبور بالنسبة للنساء (1)
ج: زيارة القبور سنة للرجال، ممنوعة للنساء؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان يزورها - صلى الله عليه وسلم - والصحابة يزورونها، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » وربما قال: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » وربما قال: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (5) » وربما قال: «يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (6) » أما النساء فلا، الرسول لعن زائرات القبور - عليه الصلاة والسلام -، فلا يجوز لهن زيارة القبور، هذا الأمر الذي استقرت عليه السنة، كان - صلى الله عليه وسلم - نهى الجميع عن الزيارة للقبور في أول الإسلام، ثم أذن للجميع بعد ذلك، ثم نهى النساء وأقر الرجال، فاستقرت الشريعة على أن الزيارة للقبور سنة للرجال، ممنوعة في حق النساء.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (409) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(6) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/460)
س: تقول السائلة: أم. أ: هل زيارة القبور حرام أم حلال؟ وماذا عن لبس الأسود على المتوفى بالنسبة للنساء (1) ؟
ج: زيارة القبور للنساء ممنوعة، الرسول - عليه الصلاة والسلام - نهاهن عن الزيارة، ولعن زائرات القبور من النساء، أما للرجال فهي سنة، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «زوروا القبور - يعني الرجال - فإنها تذكركم الآخرة (2) » وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الجميع، ثم رخص للجميع، ثم جاء الوحي بتخصيص الرجال خاصة، ومنع النساء من زيارة القبور لحكمة بالغة، ولعل من الحكمة أنهن فتنة، وصبرهن قليل، فمن رحمة الله وإحسانه إليهن وإلى الناس أن منعهن من الزيارة للقبور، أما الصلاة على الميت، فإنها مشروعة للجميع، الرجال يصلون على الميت، والنساء كذلك يصلين على الميت، سواء في البيت أو في المصلى، أما زيارة القبور فهذه خاصة بالرجال.
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (393) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/461)
296 - بيان الحكمة في منع النساء من زيارة القبور
س: السائلة تقول: نعلم بأن زيارة القبور محرمة على النساء، ولكن السؤال: إذا مرت المرأة في طريقها بالقبور، فهل تقول دعاء(14/461)
المرور بالقبر، وما الحكمة من منع النساء من زيارة القبور (1) ؟
ج: قد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة (2) » وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (3) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » والحكمة في الزيارة أنها تذكر الإنسان بالموت، تذكره بالآخرة مع ما فيها من الإحسان للموتى، والدعاء لهم والترحم عليهم، أما النساء فقد منعهن الرسول من ذلك، وكان الرسول منع الجميع من الزيارة سابقا في أول الإسلام لما كان الناس حديثي عهد بالشرك منعوا، ثم أذن للجميع بالزيارة، ثم خص الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجال بالزيارة دون النساء، بل جاء في الحديث: «لعن الله زائرات القبور من النساء (5) » والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم - والله أعلم - أنهن قليلات الصبر، وفتنة للرجال، فسد الله هذا الباب؛ لأنهن إذا زرن القبور قد لا يملكن أنفسهن من البكاء والعويل والصراخ، وقد تفتن الرجال
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (386) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .(14/462)
الزائرين للقبور في الطريق أو في المقبرة أو في الرجوع، فالحكمة في ذلك - والله أعلم - كما قال أهل العلم أنهن فتنة، وأنهن قليلات الصبر، فلا يؤمن عليهن إذا شاهدن القبور قبور آبائهن وأمهاتهن وإخوانهن وأزواجهن أن يقع منهن ما لا ينبغي من الصراخ والنحيب والنياحة، وشق الثياب ونحو ذلك، ولا يؤمن أيضا أن يفتن الرجال أو يفتتن بالرجال الزائرين، والله جل وعلا هو الحكيم العليم، لا يمنع شيئا إلا لحكمة.(14/463)
297 - بيان صحة حديث تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها دعاء زيارة القبور
س: يستفسر السائل عن درجة الحديث الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سألته عائشة رضي الله عنها أن يعلمها الدعاء الذي تقول حينما تزور القبور، فعلمها. هل هذا حديث صحيح، وهل يدل هذا على جواز زيارة القبور للنساء (1) ؟
ج: الحديث صحيح، ولكن كان في وقت الإذن، كان نهى الجميع، ثم أذن للجميع، ثم جاءت السنة الأخيرة بمنع النساء، وأمر الرجال بالزيارة، كان أول ما أسلم الناس نهاهم عن زيارة القبور؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فصار هذا حماية لهم من الشرك، وإبعادا لهم منه، ثم أذن
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (409) .(14/463)
للجميع - عليه الصلاة والسلام -، ثم استقرت السنة بالنهي للنساء عن الزيارة، والسماح للرجال بالزيارة، وكان كلامه - عليه السلام - لعائشة في الوقت الذي كانت الزيارة للجميع للرجال والنساء.(14/464)
298 - حكم زيارة النساء للقبور وتقديم البخور عندها
س: تسأل المستمعة وتقول: هل يجوز لي أن أزور القبور - أي أن أزور أخي رحمه الله - فأنا منذ أن توفي أخي أذهب دائما لزيارته وأقدم البخور، وأبقى عنده فترة، وأترحم عليه، وأدعو له دائما بدخول الجنة، هل هذا جائز (1) ؟
ج: هذا لا يجوز، الرسول لعن زائرات القبور، والنساء لا يزرن القبور، وهكذا الذهاب بالطيب إلى القبور، كل هذا منكر، ولكن ادعي له في البيت، ادعي له في بيتك وسجودك، وترحمي عليه، وتصدقي عنه، أما زيارة القبور فلا، النساء لا يزرن القبور، وعليك التوبة مما سلف، وعليك التوبة مما فعلت سابقا، والدعاء له في البيت، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (431) .(14/464)
299 - حكم زيارة قبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم
س: إ. أ. ح يقول: البعض من الناس يزورون قبر أم الرسول(14/464)
- صلى الله عليه وسلم - في الأبواء، فهل هذا من السنة (1)
ج: ليس زيارتها من السنة، إنما زيارة القبور على العموم سنة، النبي عليه السلام قال: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » وأم النبي ماتت في الجاهلية، زارها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأل ربه أن يستغفر لها، فلم يأذن له، بكى وأبكى - عليه الصلاة والسلام -، فدل ذلك على أن قبور أهل الجاهلية إذا زيرت فلا بأس، كما زار النبي أمه، لكن لا يدعى لهم، إنما تزار للاعتبار فقط، وأما قبور المسلمين، فالسنة أن تزار ويدعى لهم ويسلم عليهم ويستغفر لهم، أما قبور أهل الجاهلية كأم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبور الكفار فلا بأس بزيارتها، لكن ليست سنة، إنما تزار للاعتبار، ذكر الآخرة، ذكر الموت، أما قبور المسلمين فتزار للدعاء لهم والترحم عليهم، وذكر الآخرة، قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » كذا يقول - صلى الله عليه وسلم -، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (4) » «ويرحم الله
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (416) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .(14/465)
المستقدمين منا والمستأخرين (1) » وربما قال: «يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) » وإذا زار قبور الكفار للعبرة والاتعاظ، فلا بأس كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يقال: إنه سنة للاعتبار؛ لأن النبي زار قبر أمه، وهي ماتت في الجاهلية، قد يقال: إنه سنة أيضا، يدخل في العموم من جهة الاعتبار فقط، من جهة الاعتبار والذكرى، وليس للدعاء لهم؛ لأنه لا يدعا لهم، لكن إذا زارها للاعتبار فالقول بأنه سنة أيضا قول له قوة، تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارته لقبر أمه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/466)
300 - حكم زيارة المرأة للمقبرة مع المحرم
س: تقول السائلة: ما حكم زيارة القبور للنساء، هل هو حلال أم حرام؟ وتقول: إنها سألت إمام الجامع لديهم عن الزيارة فقال: إنها حلال، ولكن بشرط أن يكون مع الزائرة محرم كالأخ والأب (1) ؟
ج: الصواب أنها لا تجوز الزيارة للنساء، وهذا الذي قاله من أفتى لك قول ضعيف مرجوح، والصواب أنها لا تجوز؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فلا يجوز للمرأة أن تزور القبور، والرسول قد لعن من فعل ذلك من النساء، وإنما الزيارة من اختصاص
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (194) .(14/466)
الرجال، هذا هو الواجب، أما الصلاة على الميت فلا بأس أن تصلي على الأموات، فقد كان النساء يصلين على الأموات مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا حرج في هذا، وهكذا إذا صلى المسلمون على الغائب تصلي على الغائب، إذا كان غائبا يصلي عليه المسلمون؛ لأنه معروف بالعلم والفضل، أو أنه أمير مصلح نافع للمسلمين، يصلي عليه المسلمون من أجل أنه قد حصل منه ما ينفع المسلمين، واشتهر بالخير، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي ملك الحبشة لما كان مسلما، قد ساعد المسلمين وحماهم، لما هاجروا إليه ونصرهم وآواهم، فإذا مات عالم مشهور نافع للمسلمين، أو أمير صالح، أو ملك صالح نافع للمسلمين، فلا مانع من الصلاة عليه صلاة الغائب، وتصلي المرأة عليه مع الناس، أو في بيتها إذا صلى عليه المسلمون صلاة الغائب، لا مانع أن تصلي عليه مثلهم، لكن لا تصلي على أحد لم يصل عليه المسلمون، ولم يتقرر في الشرع أنه يصلى عليه؛ لأنه ليس كل غائب يصلى عليه، إنما يصلى على الرجل الذي اشتهر بالنفع للمسلمين من أمير وحاكم وعالم، ونحو ذلك.(14/467)
301 - حكم إحضار الأطعمة عند المقابر لتوزيعها
س: السائل يقول: أمي تذهب إلى المقابر مع جمع من النساء، وهذا في كل عام، وتذهب بالأكل والأطعمة وما أشبه ذلك، وقد غضبت(14/467)
من هذا العمل ونصحتها، ولكنها لم تنته، بماذا توجهونني؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نوصيك بالاستمرار والنصيحة، وطلب النصيحة، من أهل العلم عندكم حتى ينصحوهن وينصحوا أمك ومن معها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فلا يجوز للنساء زيارة القبور لا في السنة، ولا في أقل من السنة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فأنت تنصحينهن وتقولين: ليس لهن الزيارة. ولكن يشرع لهن الدعاء للأموات في بيوتهن وفي كل مكان، الدعاء طيب، أما زيارة القبور للنساء فهذه منهي عنها، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فأنت تستمرين في النصيحة، وتطلبين من إخوتك أو الرجال الطيبين أو أهل العلم الذين عندكم أن ينصحوهن، وأن يبينوا لهن أن ذلك لا يجوز، ولا مانع أن تقرئي عليهن بعض الكتب التي فيها النهي عن ذلك، وبيان منع الزيارة للنساء، وعندكم كتابي التحقيق والإيضاح، لو قرأت عليهن ما ذكرته فيه لعلهن يستمعن لذلك، وكذلك ما يذاع في إذاعة القرآن في هذا البرنامج إذا أسمعتهن إياه، فالله يهديهن لذلك.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (346) .(14/468)
302 - مسألة في حكم زيارة النساء للقبور
س: هل من الجائز قيام النساء بزيارة للقبور (1) ؟
ج: لا، ليس لهن ذلك، بل منكر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فزيارتهن لا تسمى بدعة، لكن إذا كن قاصدات التقرب بذلك يكون بدعة من هذه الحيثية، وإلا هي معصية؛ لأنها الوقوع فيما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالنساء منهيات عن زيارة القبور، بل ملعونات، فلا يجوز لهن زيارة القبور، ولو تقربن بهذا لكانت القربة بدعة؛ لأنه تقرب بشيء نهى الله عنه.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (358) .(14/469)
303 - حكم زيارة النساء القبور لغرض تذكر الآخرة
س: هل يجوز للنساء زيارة القبور علما بأن الزيارة تذكر الإنسان الآخرة (1) ؟
ج: النساء ليس عليهن زيارة، الزيارة للرجال، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2) » فيستحب للرجل أن يزور القبور من دون شد رحل، يزورها في البلد، يدعو الله لهم بالمغفرة
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (230) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/469)
والرحمة، ويتذكر بهذا أنه صائر لما صاروا إليه، وأن الموت لا بد منه حتى يستعد، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (1) » وكان يعلم أصحابه رضي الله عنهم، يقول لهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وفي رواية: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » ولا يشد الرحال، بل هذا في البلد؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: «المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (4) » هذه التي تشد لها الرحال، فالقبور لا يشد لها الرحال، لكن إذا زار القبور في بلده، أو زار بلدا للتجارة أو لغيرها، وزار قبورها هذا مستحب، وفيه خير عظيم، أما النساء، فقد جاء في الأحاديث: «لعن الله زائرات القبور (5) » فلا يزرن القبور؛ لأنه جاء في
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1189) ، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397) .
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، برقم (320) ، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، برقم (2043) .(14/470)
الحديث لعنهن على ذلك؛ لأنهن فتنة، وصبرهن قليل، فلا يزرن القبور.(14/471)
س: هل يجوز للنساء أن يزرن القبور من أجل الزيارة فقط والتسليم على أهلهن الذين سبقوهن مع عدم البكاء عليهم؟ أفيدونا أفادكم الله (1)
ج: الزيارة للنساء لا تجوز، يصلين على الميت مع الناس، لا بأس بها، الصلاة على الميت لا بأس بها، قد صلى النساء على الميت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن زيارة القبور منهي عنها، ليس للنساء أن يزرن القبور؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فلا يجوز لهن الزيارة، ولكن يدعين لأمواتهن في البيت، الدعاء مطلوب، أما زيارة القبور فلا.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (356) .(14/471)
304 - حكم من زارت القبور جهلا منها
س: تسأل أختنا وتقول: إن خالتها توفي والدها، وزارت قبره مرة، وتريد أن تزوره مرة أخرى، وقد سمعت حديثا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - معناه يحرم زيارة المرأة للقبور، فهل هذا الحديث صحيح؟ وإذا كان صحيحا، فهل على خالتها إثم يستوجب الكفارة (1) ؟
ج: الصحيح أن الزيارة للنساء للقبور لا تجوز للحديث المذكور، وقد
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (167) .(14/471)
ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن زائرات القبور، فالواجب على النساء ترك زيارة القبور، والتي زارت القبر جهلا منها لا حرج عليها، وعليها ألا تعود، فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار، والتوبة تجب ما قبلها، الزيارة للرجال خاصة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » هذا للرجال، كانت الزيارة ممنوعة في أول الإسلام للرجال والنساء زيارة القبور؛ لأن الكفار حدثاء عهد بعبادة الأموات والتعلق بالأموات، فمنعوا من زيارة القبور سدا لذريعة الشر، وحسما لمادة الشرك، فلما استقر الإسلام وعرفوا الإسلام شرع الله لهم زيارة القبور لما فيها من العظة والذكرى، ذكر الموت، وذكر الآخرة، والدعاء للموتى والترحم عليهم، ثم منع الله النساء من ذلك في أصح قولي العلماء؛ لأنهن يفتن الرجال، وربما فتن في أنفسهن، ولقلة صبرهن، وكثرة جزعهن، ومن رحمة الله وإحسانه إليهن أن حرم عليهن زيارة القبور، وفي ذلك أيضا إحسان للرجال؛ لأن اجتماع الجميع في القبور قد يسبب فتنة، فمن رحمة الله أن منعن من زيارة القبور، أما الصلاة فلا بأس، تصلي على الميت في المسجد أو في المصلى لا بأس، وإنما النهي عن زيارة القبور، فليس للمرأة أن تزور القبور في أصح قولي العلماء لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على منع ذلك.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/472)
وليس عليها كفارة، وإنما التوبة فقط إذا كانت تساهلت في هذا، أما إن كانت جاهلة، فالجاهل معفو عنه، إن شاء الله.(14/473)
305 - مسألة في بيان الحكمة في منع النساء لزيارة القبور
س: السائلة ف. ي. من مصر، تقول: هل يجوز لي أن أذهب إلى القبور، وذلك للعبرة وليس للنياحة؛ لأنني أعلم بأنها محرمة على النساء، ولكنني أحب أن أتذكر الآخرة، وما الحكمة من منع النساء من زيارة القبور؟ جزاكم الله خيرا (1) ج: الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بزيارة القبور، قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ولعن زائرات القبور من النساء. ذكر أهل العلم أن الحكمة في ذلك أنهن في الغالب لا يصبرن، ولأنهن فتنة، فإذا زرن القبور قد يحصل منهن من البكاء والنياحة الشيء الذي لا ينبغي لقلة صبرهن في الغالب؛ ولأنهن قد يختلطن بالرجال، ويكن فتنة، والله جل وعلا هو الحكيم العليم، لا ينهى عن شيء إلا لحكمة بالغة سبحانه وتعالى، هو الحكيم في قوله وفعله وشرعه وقدره جل وعلا، ومن حكمته سبحانه نهي النساء عن زيارة القبور، إما لأنهن فتنة، وإما لقلة صبرهن، وإما للأمرين جميعا، وإما لأمور أخرى، لكن الحمد لله لهن
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (388) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/473)
الدعاء، يدعين لموتاهن في بيوتهن وفي كل مكان، ويصلين على الجنائز في المسجد أو في المصلى، هذا كله مسموح به والحمد لله، فهي تدعو لقريبها ولزوجها في بيتها وفي كل مكان، تستغفر له، تتصدق عنه، كل هذا طيب ينفع الميت، من الرجل والمرأة جميعا، أما الزيارة للقبور فهي خاصة بالرجال؛ لأن الرسول عليه السلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » ولعن زائرات القبور من النساء، ومنعهن من ذلك، قالت أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز (2) »
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، برقم (313) .(14/474)
306 - مسألة في حكم رؤية الميت في المنام لمعرفة حاله
س: تقول السائلة: هل الشخص المتوفى يعرف بما يدور في بيت أهله، وكذلك يرى أهله عند زيارتهم له في المقبرة؟ إنني والدة شهيد، وأبكي كثيرا، وأزوره كل يوم خميس في المقبرة، وأطعم الفقراء، ولا أعرف قراءة القرآن، لأني لا أعرف القراءة، ولكني أقرأ سورة الفاتحة وبعض السور القصار، ولا أصلي، وأريد أن أرى ابني في المنام، ولا أستطيع، فماذا أفعل (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (121) .(14/474)
ج: المشروع لك الدعاء له إذا كان مات مسلما، والترحم عليه والصدقة عنه، هذا ينفعه كثيرا، أما الزيارة فليس لك الزيارة، الرسول - صلى الله عليه وسلم - منع النساء من زيارة القبور، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (1) » وأراد بذلك الرجال، أما النساء، فقد ثبت عنه لعن زوارات القبور من النساء، فالواجب عليك ألا تزوريه في المقبرة، ولكن تدعين له في بيتك، وفي كل مكان بالمغفرة والرحمة، وتتصدقين عنه إن تيسر لك صدقة، وأنت على خير إن شاء الله، وأما الزيارة فلا، عليك أيضا أن تتقي الله وأن تصلي، فإن الصلاة عمود الإسلام، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » فالصلاة عمود الإسلام، وأمرها عظيم، والله يقول فيها سبحانه في كتابه العظيم القرآن: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3) ويقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4) فالواجب عليك أن تقيمي الصلاة في وقتها، الظهر أربعا، العصر أربعا، المغرب ثلاثا، العشاء أربعا، الفجر ثنتين، هذا الواجب عليك،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث بريدة الأسلمي، رضي الله عنه برقم (22428) .
(3) سورة البقرة الآية 238
(4) سورة النور الآية 56(14/475)
وعلى كل مسلم، ومن تركها كفر ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب عليك أن تتوبي مما سلف، وأن تستقبلي زمانك بالصلاة، والمحافظة على دين الله، وأن تسألي عما أشكل عليك من دينك أهل العلم، أو من طريق هذا البرنامج بالمكاتبة، وسوف تجدين - إن شاء الله - في هذا البرنامج ما يكفي ويشفي.
وأما كون الميت يطلع على أحوال أهله، ويعلم أخبارهم، فهذا لا دليل عليه، قد قاله بعض الناس في بعض مرائيهم، وزعموا أنهم يرون بعض موتاهم، وأنهم يخبرونهم ببعض ما يقع، ولكن هذا لا يعول عليه، المرائي المنامية، لا يعول عليها في أشياء من علم الغيب، ولكن على المؤمن أن يحرص على الإحسان إلى أمواته، سواء عرفوا أو ما عرفوا، عليه أن يحرص على الدعاء لهم، والترحم عليهم، وعلى الصدقة عنهم، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، «قال له رجل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: " نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما - يعني: وصاياهما الشرعية - وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (1) » فالدعاء للميت والاستغفار له، والترحم عليه والصدقة عنه، كل هذا ينفعه في حياته وبعد مماته، أما كونهم يعلمون بالزائر، فهذا أيضا محل نظر،
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في بر الوالدين برقم (5142) وابن ماجه في كتاب الأدب، باب صل من كان أبوك يصل، برقم (3664) .(14/476)
فقد جاء في بعض الأحاديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من عبد يزور أخا له كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام (1) » هكذا روى ابن عبد البر وابن أبي الدنيا بإسناد جيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من رجل يزور أخا له كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام (2) » فالحاصل أنه سواء عرفه أو ما عرفه، المهم أنه يزوره يدعو له، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (3) » فالمهم أنها تنفع الحي، تعينه على تذكر الآخرة، وتذكر الموت حتى يستعد للقاء الله، وتنفع الميت من جهة أن الزائر يدعو له، ويترحم عليه، فالزيارة للقبور فيها مصالح للحي والميت جميعا، يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم، ثم ينصرف، لا يتمسح بقبورهم ولا يصلي عند قبورهم، ولا يسأل الله بهم، ولكن يدعو لهم ويقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (4) » وفي حديث آخر: «يرحم الله المستقدمين منا
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (1 \ 185) .
(2) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (1 \ 185) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .(14/477)
والمستأخرين (1) » «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (2) » يدعو لهم - عليه الصلاة والسلام -، هكذا أمته تتأسى به، فتدعو للأموات، وتسأل الله لهم المغفرة والعافية، وهذا هو المشروع، ويكفي هذا للمؤمن أن يفعل ما شرعه الله، وأن يقف عند الحد الشرعي.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/478)
307 - حكم ذهاب المرأة إلى قبر زوجها للسلام عليه
س: والدتي تذهب كل يوم خميس إلى قبر والدي، فهل يجوز هذا أم لا (1) ؟
ج: الصحيح من أقوال العلماء أن الزيارة تختص بالرجال، وأن النساء لا يزرن القبور؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، كان أولا نهى عن زيارة القبور مطلقا للرجال والنساء، ثم رخص للجميع - عليه الصلاة والسلام - لما في زيارتها من ذكر الآخرة، ولما في ذلك من الإحسان للموتى بالدعاء لهم، ثم استقرت الشريعة على منع النساء، وعلى شرعيتها للرجال، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » وفي لفظ: «تذكركم الموت (3) » فالزيارة فيها مصالح
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (42) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/478)
من تذكير الآخرة وتذكير الموت، والزهد في الدنيا، والدعاء للأموات، والترحم عليهم، لكن هذا في حق الرجال، وأما النساء فلا يزرن القبور، هذا هو الصحيح، وهذا هو الصواب، لا يزرن القبور للنهي الأخير؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، ولأن في زيارتهن خطرا؛ لأنهن فتنة، وربما سبب ذلك فتنة للزوار من الرجال، وربما أيضا سبب ذلك فتنة لها هي في شدة جزعها، وقلة صبرها إلا من رحم الله، فالمقصود أن الزيارة للقبور مختصة بالرجال دون النساء في أصح قولي العلماء، فلا ينبغي لأم السائلة أن تزور قبر أبيها ولا غيره، بل تدعو له في بيتها، وفي كل مكان، تدعو له بالمغفرة والرحمة إذا كان مات على الإسلام، والحمد لله، وتتصدق عنه، هذا كله طيب، أما أنها تزور قبره فلا؛ لأن الرسول نهى النساء عن ذلك - عليه الصلاة والسلام.(14/479)
308 - حكم دخول المرأة الحائض المقبرة وقراءة العزائم وهي حائض
س: الأخت أ. إ. م. من العراق تسأل وتقول: هل يجوز دخول الحائض إلى المقبرة؟ وهل يجوز أن تقرأ العزائم من سور القرآن على الغير وهي على تلكم الحالة (1) ؟
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (135) .(14/479)
ج: أما ذهابها إلى المقبرة فلا، لا يشرع لها الذهاب إلى المقبرة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور سواء كانت حائضا أو طاهرة، ليس للنساء زيارة القبور، لكن لو مرت بالمقبرة لحاجة الطريق فلا فرق بين أن تكون حائضا أو غير حائض، مرورها بالمقبرة لحاجة الطريق ذاهبة إلى جهة، أو راجعة من جهة لا يضر ذلك، أما أن تزورها لقصد الزيارة، فلا يجوز، سواء كانت طاهرة، أو حائضا، أو نفساء، فليس للنساء زيارة للقبور مطلقا، وأما كتب العزائم أو قراءة العزائم من القرآن فقد اختلف العلماء في ذلك، هل لها أن تقرأ القرآن وهي حائض أو نفساء على قولين: ذكر بعضهم التحريم، وأنه قول الأكثر من أهل العلم؛ لأنها محدثة حدثا أكبر يلزمها فيه الغسل لتطهر، فهي مثل الجنب، والجنب لا يجوز أن يقرأ القرآن، ولا يمس المصحف الجنب حتى يغتسل، شبهوها بالجنب، وهكذا النفساء. وقال آخرون من أهل العلم: لا، ليست مثل الجنب، الجنب يستطيع أن يغتسل في الحال ويقرأ، أما الحائض فليست تشبهه؛ لأنها تبقى مدة، وهكذا النفساء، فهي في حاجة إلى أن تقرأ القرآن، فالصواب أنه يجوز لها أن تقرأ عن ظهر قلب، وهكذا من طريق لمس المصحف من وراء حائل كأن يكون عليها قفازان أو رداء أو غيره تمسك المصحف به، يكون من وراء الحائل للحاجة إلى ذلك، أما مسه مباشرة، فليس لها مس المصحف، كالمحدث الحدث الأصغر، ليس لهما مس المصحف، وأما ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:(14/480)
«لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (1) » فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، لا تقوم به الحجة، والصواب أن لها أن تقرأ، وهكذا النفساء؛ لأن مدتهما تطول، فليستا مثل الجنب، أما الجنب فليس له أن يقرأ، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، هذا هو الصواب، والله ولي التوفيق.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، عن رسول الله، باب ما جاء في الجنب والحائض، أنهما لا يقرآن القرآن، برقم (131) .(14/481)
309 - بيان حكم حديث «من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة»
س: ما حكم الشرع في الآتي: زيارة القبور أمثال الإمام علي رضي الله عنه، والحسين والعباس وغيرهم، وهل الزيارة إليهم تعدل سبعين حجة من البيت الحرام؟ وهل قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة» ؟ نرجو أن تفيدونا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: زيارة القبور سنة، فيها عظة وذكرى، وإذا كانت القبور من قبور المسلمين دعا لهم، وكان النبي يزور القبور - عليه الصلاة والسلام -، ويدعو للموتى، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ويقول صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (154) .(14/481)
وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » وكان يعلم أصحابه - رضي الله عنهم - إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وفي حديث عائشة في الزيارة «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » وفي حديث ابن عباس «يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (4) » فالدعاء لهم بهذا وأشباهه كله طيب، وفي الزيارة ذكرى وعظة؛ ليستعد المؤمن لما نزل بهم، فإنه سوف ينزل به الموت، فليعد العدة ويجتهد في طاعة الله ورسوله، ويبتعد عما حرم الله ورسوله، ويلزم التوبة عما سلف منه من التقصير، هكذا يستفيد المؤمن من الزيارة. أما ما ذكرت من زيارة قبور علي رضي الله عنه والحسن والحسين أو غيرهم أنها تعدل سبعين حجة، فهذا باطل وموضوع ومكذوب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل ليس له أصل، وليست الزيارة لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أفضل الجميع تعدل حجة، الزيارة لها حالها وفضلها، لكن لا تعدل حجة، فكيف بزيارة غيره - عليه الصلاة والسلام -؟ هذا من الكذب، وهكذا: من زار قبور أهل بيتي كتب الله له سبعين حجة.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/482)
كل هذا لا أصل له، كله باطل، كله مما كذبه الكذابون، فيجب على المؤمن الحذر من هذه الأشياء المكذوبة الموضوعة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تسن الزيارة للقبور سواء لقبور أهل البيت أو لغيرهم من المسلمين، يزورهم ويدعو لهم، ويترحم عليهم وينصرف، أما إن كانت القبور لكفار، مقابر كفار فإن زيارتهم للعظة والذكرى من دون أن يدعو لهم ولا يسلم عليهم، كما زار النبي قبر أمه، ونهي أن يستغفر لها، زارها للعظة والذكرى ولم يستغفر لها، فهكذا القبور الأخرى، قبور الكفرة إذا زارها المؤمن للعظة والذكرى فقط، لا يسلم عليهم، ولا يستغفر لهم؛ لأنهم ليسوا أهلا لذلك.(14/483)
310 - بيان الزيارة البدعية والشرعية للقبور
س: بعض الناس عندنا يؤكدون بأن زيارة قبور المشايخ حلال، وليس فيها شيء من البدعة، وأقصد بقبور المشايخ الشيخ البدوي، والإمام الحسين والعباس والسيدة زينب، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وغيرهم، وليس هذا فحسب بل إنهم يروجون بعض الحكايات عن الإمام الحسين بأنه يرد السلام بصوت جهوري، ويعتذر عندما لا يرد السلام، ويبين السبب الذي غالبا ما يكون باجتماعه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والناس عندنا يصدقون ذلك، وينساقون وراء زيارتهم والتبرك بهم، ونريد إلى جانب الإجابة على سؤالنا،(14/483)
وهو موقف الإسلام من زيارة قبور المشايخ والصالحين كلمة توجيهية لمن يقومون بزيارة هذه القبور ويتبركون بأصحابها، جزاكم الله خيرا (1)
ج: زيارة القبور زيارتان: زيارة بدعية، وزيارة شرعية، أما زيارة القبور للدعاء للميت والترحم عليه، وذكر الآخرة، فهذا شيء مشروع، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » كان النبي يزور البقيع - عليه الصلاة والسلام -، ويزور الشهداء ويدعو لهم، فزيارة المشايخ من العلماء والأخيار أو عموم المسلمين، زيارة القبور للدعاء لهم والترحم عليهم وذكر الآخرة أمر مشروع؛ لأن الإنسان إذا زار القبور يذكر الموت، يذكر الآخرة، ويحصل له بذلك إعداد للآخرة، ونشاط في الخير والعمل الصالح، ولا فرق في ذلك بين زيارة قبور العلماء أو عامة الناس، فإذا زار قبر الحسين أو قبر البدوي أو السيدة زينب أو غير ذلك للذكرى، للآخرة والدعاء لهم والترحم عليهم هذا من الزيارة الشرعية.
أما الزيارة الثانية البدعية فهي التي تقع من أجل التبرك بالميت، والتمسح بقبره أو الطواف بقبره، أو الاستغاثة به، بأن يقول: يا سيدي المدد المدد، أو: الشفاعة الشفاعة، أو: الغوث الغوث. هذه زيارة بدعية
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (213) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/484)
منكرة، بل شركية، إذا كان فيها دعاء واستغاثة صار فيها شرك أكبر، هذا دين المشركين، دين أبي جهل وأشباهه مع اللات والعزى ومناة، يدعونهم ويستغيثون بهم، هذا الشرك الأكبر، والذين يزورون الحسين ويدعونه مع الله، ويستغيثون به أو ينذرون له أو يطلبون المدد، أو البدوي أو العباس أو زينب أو غير ذلك، هذا كله شرك أكبر، والذين يسمعون منه الصوت ليس صوت الحسين ولا صوت البدوي ولا غيره، ولكنه صوت الشياطين يدعونهم إلى الغلو في هؤلاء، يسمعون أصواتا من الشياطين الذين يدعون إلى الشر، شياطين الجن التي تدعو إلى الشرك بالله، وعبادة غير الله، فرد السلام من ميت ليس معناه أنه يسمع، وفي رده خلاف بين أهل العلم، منهم من أثبت رده، ولكنه شيء لا يسمع، ومنهم من نفى ذلك، فقد صح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (1) » وفي الحديث الآخر: «إن لله ملائكة يبلغوني من أمتي السلام (2) » - عليه الصلاة والسلام، وهو يرد عليهم وإن لم يسمعوه، وهكذا الميت، جاء في بعض الروايات: أن العبد إذا زار الميت الذي يعرفه في الدنيا فسلم عليه رد
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم (2041) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1282) .(14/485)
عليه السلام (1) لكن ليس معناه أنه يسمع صوته، وإنما الروح ترد السلام، والجسد قد فني وأتى عليه البلى، أو أتى على بعضه البلى، إنما هي الأرواح، فرد السلام ليس يسمع من الميت، ورد السلام أيضا لا يوجب دعاءه والاستغاثة به، فإذا رد السلام أو ما رد السلام هذا لا يتعلق به حكم شرعي، فإنما الحكم يتعلق بدعاء الميت والاستغاثة بالميت، هذا شرك أكبر، وطلبه المدد أو العون أو الشفاعة هذا من الشرك الأكبر، حتى ولو رد السلام، حتى لو قدرنا أنه إذا سمع رد السلام، لا يجوز لك أن تدعوه من دون الله، ولا أن تستغيث به، ولا أن تنذر له، ولا أن تطلبه المدد والعون، كل هذا عبادة لغير الله من الأموات أو من الأصنام أو من الأشجار أو الأحجار، كل هذا لا يجوز، وهذا هو عمل المشركين الأولين، فالواجب الحذر من ذلك، وهكذا التبرك بالقبور، بترابها وأحجارها وشبكها، لا يجوز، إذا أراد بهذا طلب البركة منهم وأنهم يعطونه بركة صار هذا نوعا من عبادتهم من دون الله، وإنما الزيارة لذكر الآخرة، والترحم على الميت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » فالمؤمن يزورها ليتذكر الآخرة، ويدعو لهم؛ لأنهم هم في حاجة للدعاء، يدعو لهم ويترحم عليهم، يسأل الله
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (1 \ 185) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/486)
لهم المغفرة والرحمة والعفو، هكذا الزيارة الشرعية. ويجب على كل من يدعي الإسلام أن يحذر ما ينقض إسلامه، ويفسد عليه إسلامه من الشرك بالله عز وجل، ويجب على الجاهل أن يسأل أهل العلم ويبصروه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (1) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » ويقول عند زيارة أهل البقيع: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » يدعو لهم ويترحم عليهم، هذه الزيارة الشرعية. فالواجب على كل مسلم أن يلتزم بهذه الزيارة الشرعية، وأن يحذر الزيارات البدعية والشركية التي يفعلها الجهال مع كثير من القبور، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/487)
311 - حكم زيارة قبور الأولياء للرجال والنساء
س: ما حكم زيارة قبور الأولياء بالنسبة للرجال والنساء (1) ؟
ج: زيارة القبور سنة، سواء كانوا أولياء أو ليسوا بأولياء، عموم المسلمين، سواء كانوا من المعروفين بالاستقامة والعلم والفضل، وهم المؤمنون
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (168) .(14/487)
يسمون أولياء الله، كل مؤمن فهو ولي لله، أو كان فيه بعض المعاصي، فهي تزار للذكرى، لذكر الموت والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، والعاصي بحاجة إلى الدعاء له والترحم عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور القبور ويدعو للموتى بالمغفرة والرحمة، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (2) » وفي الرواية الأخرى: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » وكان يزور البقيع ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (4) » هذه سنته - عليه الصلاة والسلام -، الزيارة للقبور، والدعاء للموتى، لموتى المسلمين بالمغفرة والرحمة، أما النساء فلا يزرن القبور؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، ولأنهن فتنة، وصبرهن قليل في الغالب، فمن رحمة الله ومن إحسانه أنه لم يشرع لهن زيارة القبور، كانت الزيارة ممنوعة أولا للجميع، ثم رخص فيها
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .(14/488)
للجميع، ثم جاء النهي للزيارة للنساء خاصة، واللعن على ذلك، فالواجب عليهن ترك الزيارة للقبور، أما الصلاة على الميت، فيصلي عليه الجميع الرجل والمرأة، لكن الزيارة للقبور واتباع الجنائز للمقبرة هذا خاص للرجال، فالمرأة لا تتبع الجنازة للمقبرة، ولا تزور القبور، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، والله - جل وعلا - المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين، لما فيه رضاه.(14/489)
312 - حكم السفر لزيارة القبور
س: الإخوة م. ر. ح. ح. و. أ. ع. م. مصريون مقيمون في العراق: ما رأيكم في الانتقال من بلد إلى بلد لزيارة ضريح أحد الأولياء، ولو كانت المسافة قصيرة، ولتكن المسافة مثلا مائة كيلو متر، وليكن مثلا هذا الولي هو أحد الصحابة؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: السفر لزيارة القبور ما يجوز، لكن تزار بدون سفر، يزور القبور في بلده، يسلم عليهم ويدعو لهم إذا كانوا مسلمين، وإن كانوا كفارا يزورهم للاعتبار والعظة فقط، ولا يسلم عليهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » هكذا قال صلى الله عليه
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (268) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .(14/489)
وسلم: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (1) » رواه مسلم في صحيحه، وكان يعلم أصحابه رضي الله عنهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (2) » «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » وربما قال في بعض كلماته إذا زار القبور: «غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (4) » وربما قال: «السلام يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا، ونحن بالأثر (5) » فالإنسان يسلم عليهم نحو هذا، نحو ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لهم لكن من دون شد رحل، لكن البعيدين لا يشد الرحل، يزور القبور التي في بلده من دون شد رحل، وإذا سافر إلى بلد لأجل مصلحة التجارة أو زيارة أخ له وأحب أن يزور القبور، هذا لا بأس إذا كان السفر ليس لأجلها بل لأجل التجارة أو زيارة قريب حي، أو صديق، أو لأسباب أخرى، وأحب أن يزور القبور فهي سنة، الزيارة سنة، فيها عظة، فيها مصالح، تذكره الموت، تذكره الآخرة، كما قال
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم (1569) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (975) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (974) .
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم (1053) .(14/490)
النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن ليس له أن يشد الرحل إليها إذا كانت بعيدة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1) » هذه المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال للصلاة فيها والعبادة، وللحج في المسجد الحرام، أما غيرها من المساجد والبقاع والقبور، فلا تشد لها الرحال، لا تشد الرحال إلى بقعة من البقاع، لا مقبرة ولا صحراء ولا الطور، الذي كلم الله فيه موسى، ولا غير ذلك أبدا، لا تشد الرحال لهذه الأشياء، ولما سافر أبو هريرة إلى الطور أنكر عليه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وقال: لو علمت لما سافرت، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (2) »
فأنت يا عبد الله عليك أن تتبع السنة، ولا تخرج عنها، تزور القبور في بلدك، ولا تشد الرحال إليها في أي مكان، لا تسافر إليها، وهذا للرجال خاصة، أما النساء، فليس لهن زيارة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فلا يزرن القبور، وإنما يزورها الرجال فقط، هذا هو الصواب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1189) ، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، برقم (1430) .(14/491)
صفحة فارغة(14/492)
انتهى بحمد الله تعالى الجزء الرابع عشر
ويليه بمشيئة الله تعالى الجزء الخامس عشر
وأوله كتاب الزكاة(14/493)