في الشمال استقبل الجنوب، وإذا كان في الجنوب استقبل الشمال؛ الجهة التي فيها الكعبة، وإذا كانت بين ذلك تحرى واجتهد في الجهة وصلى إليها، وإن كان مع إخوة شاورهم وتعاون معهم حتى يتحروا جهة القبلة في الليل بالنجوم وبالنهار بمطلع الشمس وغروبها وغير هذا مما يتحرون به جهة القبلة.(7/363)
216 - بيان وجوب العودة إلى أهل العلم عند الاختلاف حول القبلة
س: منذ شهر زار أحد الإخوة بلدتنا، وعندما قام للصلاة قال: هذا المسجد ليس على القبلة، فذهل الناس، وعندما أحضر البوصلة وجدنا فعلا أن القبلة التي عليها المسجد غير صحيحة، مع العلم بأن هذا المسجد قديم جدا من حوالي أربعين سنة، يوجد أناس قالوا: إن هذا الرجل كذاب. مع العلم أنه أثبت لنا بالدليل، وقامت مجموعة من الناس بالصلاة على القبلة الجديدة كما يقول، ومجموعة أخرى في الجماعة صلوا على الوضع القديم، فبماذا تنصحون الناس؟ جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 251.(7/363)
ج: ننصح الجميع بأن يرجعوا إلى أهل العلم، أهل العلم في البلد من أنصار السنة العلماء المعروفين بالسنة والاستقامة والعلم والفضل، حتى ينظروا في القبلة مع من لديهم من الأوقاف المسؤولين حتى يتعاونوا في ضبط القبلة، فإن كان الميل يسيرا يعفى عنه، أما إذا كان الميل كبيرا فإنه يعدل ولا ينظر لمن اعترض على المسجد بدون حجة، ولكن يرجع إلى أهل العلم والمسؤولين في الأوقاف حتى إذا قرر أهل العلم الميل الكثير عدل المسجد، أما إذا كان الميل يسيرا يعفى عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة (1) » يعني الجهة تكفي ولو فيها ميل، وهكذا ما بين الجنوب والشمال قبلة بالنسبة إلى من كان في الشرق والغرب، وحتى من كان في الجنوب والشمال ما بين المشرق والمغرب قبلة كأهل المدينة، فالحاصل أن الجهة تكفي، فالذي في المغرب يكفي ما بين المشرق والمغرب وهكذا، أما الذي في الجنوب أو الشمال فقبلته الجهة التي بين المشرق والمغرب كما قال
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما بين المشرق والمغرب قبلة، برقم (342) ، والنسائي في كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، برقم (2243) .(7/364)
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، والمقصود أن الجهة تكفي والميل اليسير يغتفر، وإذا جاء من يعترض يرجع لأهل العلم المعروفين بالاستقامة مع المسؤولين في الأوقاف حتى ينظروا في الأمر ويتجهوا في تعديل القبلة إذا كان هناك ميل كبير.
س: إذا اتضح أن المسجد فعلا لم يكن على القبلة، فما حكم الصلوات السابقة في ذلك المسجد (1) ؟
ج: يجتهدون ولا يضرهم السابقة في ذلك المسجد، لا تضر، الصلاة صحيحة ولا شيء عليهم؛ لأنهم صلوا مجتمعين على رسم القبلة التي رسمت لهم، إنما الكلام في المستقبل، يصلون على حالهم حتى يحقق لهم أهل العلم المعروفون في البلاد مع المسؤولين في الأوقاف حتى يتيسر الشيء الذي يطمأن إليه من جهة أهل العلم؛ لأنهم هم المسؤولون في هذه المسائل، أهل العلم هم المسؤولون.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 251.(7/365)
217 – حكم الاعتماد على البوصلة
س: ما حكم الاعتماد على البوصلة يا سماحة الشيخ (1) ؟
ج: البوصلة آلة جيدة ومفيدة لا بد أن يتولاها أهل العلم وأهل البصيرة.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 251.(7/366)
218 – حكم صلاة من أدرك أن المسجد مائل عن القبلة
س: السائل. أ. ع. أ. يقول: كنا نصلي في أحد المساجد في قريتنا، وصلينا فترة من الزمن إلى غير القبلة حيث كانت القبلة مائلة كثيرا، هل نعيد الصلاة وقد صلينا فترة طويلة؟ نرجو التوجيه. (1)
ج: فهذا فيه تفصيل، إن كان الميل كثيرا فعليكم الإعادة، أما إذا كان الميل يسيرا وأنتم إلى جهة القبلة ولكن ملتم يمينا أو شمالا فليس عليكم إعادة، لكن إن كان الميول كثيرا فعليكم القضاء لأنكم صليتم إلى غير القبلة وأنتم في البلد في إمكانكم السؤال والحرص، فهذا فيه تساهل وعدم عناية، فلهذا يجب القضاء.
س: السائلة. أ. ح. من جدة تقول: سكنا في شقة جديدة، وكنا نصلي
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 360.(7/366)
في اتجاه معين ظنا منا بأنها القبلة، وبعد ذلك اتضح لنا أن القبلة تميل لليمين بمقدار عن الاتجاه الذي كنا نصلي فيه، فاتجهنا نحو الاتجاه الصحيح، فهل صلاتنا الأولى صحيحة أم علينا الإعادة لما فات (1) ؟
ج: إذا كان الميل يسيرا فالصلاة صحيحة، أما إن كان كثيرا فعليكم القضاء لما مضى.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 418.(7/367)
219 – حكم المسافر إذا جهل القبلة وصلى إلى غيرها
س: سافرنا إلى دولة إسلامية، وعند وصولنا سألنا إحدى الجارات عن القبلة، فأشارت إلى جهة معينة، علما بأن هذه المرأة مسلمة، وصلينا إلى تلك الجهة فترة من الزمن، وعندما سافرنا مرة أخرى تحرى أحد أقاربنا القبلة من المسجد فكانت القبلة غير الجهة التي صلينا إليها سابقا، فصلينا جهة القبلة التي أخبرنا بها وأخبرنا بها قريبنا، فما حكم الصلوات التي صليناها سابقا مع سؤالنا عن القبلة؟ وإن كان علينا القضاء فهل يجوز أن(7/367)
نقضي على فترات؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إذا كان الواقع ما ذكرتم فليس عليكم قضاء؛ لأنكم اجتهدتم وسألتم فأرشدتم إلى القبلة، فليس عليكم قضاء، والحمد لله.
س: الأخ. ع. ع. ع. من بلاد زهران يسأل ويقول: إذا ذهب قوم في سفر وأدركهم وقت الصلاة ولم يروا مسجدا، وصلوا على غير القبلة، فجاء رجل من أهل البلد وهم يصلون فقال لهم: أنتم على غير القبلة. ماذا يفعلون بالتفصيل؟ جزاكم الله خيرا. (2)
ج: إن ظهر لهم صحة ما قال استداروا وصحت صلاتهم، وإن لم يظهر لهم صحة ما قال وهم مجتهدون استمروا على صلاتهم، هذا يحتاج إلى نظر؛ إن كانوا مجتهدين متحرين قد أخذوا بالأسباب، واتضح لهم أن هذه القبلة هي القبلة، فإنهم يستمرون في صلاتهم ويتمونها، وصلاتهم صحيحة، أما إن ظهر لهم من قول الرجل أنهم مخطئون وأن الصواب معه فإنهم يستديرون إلى القبلة، وصلاتهم التي مضت صحيحة، والحجة في هذا أن أهل قباء كانوا يصلون، فجاءهم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 350.
(2) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 187.(7/368)
من أخبرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حول إلى الكعبة، وكانوا يصلون إلى الشام، فاستداروا وكملوا صلاتهم إلى الكعبة، ولم ينكر عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، فهكذا الإنسان إذا كان في البرية وكبر للصلاة، وصلى بعض الصلاة، ثم ظهر أنه مخطئ أو جاءه من خبره أنه مخطئ فإنه يستدير ويكمل صلاته، وصلاته صحيحة.
أما إذا انتهى من صلاته ثم جاء من يخبره فإن صلاته صحيحة إذا انتهى، صلاته صحيحة إذا كان قد اجتهد وتحرى.
س: أناس مسافرون، وجاء الليل وهم في أرض صحراء، وجاء وقت الصلاة وتحروا عن القبلة وصلوا عكسها ولم يعلموا بالقبلة الأصلية، وبعد الانتهاء من الصلاة تبينت لهم جهة القبلة الأصلية، هل يعيدون الصلاة في مثل هذه الحالة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين. (1)
ج: الواجب على المسلم عند حضور الصلاة وهو في السفر أن يتحرى القبلة ويجتهد في معرفة أماراتها وعلامتها، فإذا اجتهد وصلى ثم بان له أنه أخطأ القبلة بعد الصلاة فلا إعادة عليه؛ لأن الله يقول:
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 373.(7/369)
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) ، ويقول سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (3) . أما في البلد فالواجب عليه أن يسأل ... ولا يجتهد مادام في البلد بين الناس، أما في السفر فإنه إذا اجتهد وتحرى وصلى ثم بان له بعد الصلاة أنه أخطأ القبلة فإن صلاته صحيحة، فإن بان له الأمر في أثناء الصلاة استدار إلى القبلة حسب ما ظهر له بعد ذلك ولا يعيد أولها، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) سورة البقرة الآية 286(7/370)
220 – حكم الصلاة في الظلام
س: هل يجوز أن يصلي أحد في الظلام وهو داخل المنزل أم لا بد من وجود نور عنده وهو يصلي؟ نرجو الإفادة. (1)
ج: لا حرج أن يصلي في الظلام إذا عرف القبلة وصار اتجاهه إلى القبلة، فلا حرج أن يصلي في الظلام ولا يشترط له النور ولا يجب، بل ذلك جائز، إن صلى في النور أو في الظلام لا بأس إذا كانت القبلة
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 7.(7/370)
معروفة، ولا يحتاج إلى النور لمعرفة القبلة فلا حاجة إلى النور، المقصود أنه لا يتعلق بهذا شيء، الصلاة صحيحة مطلقا سواء كان ذلك في نور أو في ظلمة إذا كان إلى القبلة.
س: هل تجوز الصلاة في الظلام (1) ؟
ج: نعم لا بأس، لو صلى الإنسان في محل مظلم لا بأس، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرته وليس فيها مصابيح.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 36.(7/371)
221 – حكم من جهل القبلة لعارض من العوارض
س: مستمعة تسأل وتقول: عندما تزوجت تغيرت أحوالها، وارتبكت حياتها حتى أصبحت لا ترى جهة القبلة في مكانها، وترى الشمال هو الغرب والعكس، وتسأل سماحتكم كيف تتصرف؟ ولا سيما أنها جربت نفسها في بيوت الجيران فرأت أن وضعها صحيح إلا إذا عادت إلى بيت الزوجية. (1)
ج: عليها أن تجتهد في معرفة القبلة مع زوجها ومع أخواتها
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 272.(7/371)
الجيدات حتى تعرف القبلة؛ لأن هذا شيء عارض ووساوس عارضة تزول إن شاء الله، تستعيذ بالله من الشيطان، دائما تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تسأل ربها العافية من هذا الأمر والشفاء من هذا الأمر، هذا عارض يزول إن شاء الله وبالتعاون مع زوجها وأخواتها في الله، أو أبيها إن كان موجودا، أو غيره من الطيبين في هذا الأمر يزول هذا الشك إن شاء الله، وتستقر الأمور وتطمئن إن شاء الله، ومن أهم الأمور سؤال الله العافية أن يعافيها من هذا البلاء العارض، وأن يعيد لها فهمها وبصيرتها وعقلها الكامل.(7/372)
222 – التلفظ بالنية عند الصلاة
س: ما حكم التلفظ بنية الصلاة، كأن يقول المصلي: نويت أصلي فرض الظهر أربع ركعات لله تعالى في لحظة تكبيرة الإحرام (1) ؟
ج: التلفظ بالنية بدعة لا يجوز، ولكن ينوي بقلبه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا؛ لأن الرسول ما فعل هذا، ولا أصحابه رضي الله عنهم، فالتلفظ بالنية منكر،
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم 434.(7/372)
ولكن محلها القلب في جميع العبادات إلا في الحج والعمرة، فيقول: لبيك عمرة أو لبيك حجا، ويصرح بها: اللهم لبيك عمرة، أو: اللهم لبيك حجا، أو عنهما ما يحرم، وأما ما سوى الحج والعمرة فإن محلها القلب.
س: يقول السائل: هل يجوز التلفظ بالنية أم لا يجوز (1) ؟
ج: التلفظ بالنية غير مشروع بل بدعة، فإذا أراد الصلاة لا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا: نويت أن أطوف أو أسعى، لا، النية محلها القلب، وهكذا عند الوضوء لا يقول: نويت أن أتوضأ، النية محلها القلب، والأعمال بالنيات محلها القلب، النية هي القصد قصد القلب، فلا يشرع التلفظ بها، وما ذكره بعض الفقهاء من التلفظ لا دليل عليه بل هو غلط، والمشروع أن ينوي بقلبه، إذا قام للوضوء قد نوى بقلبه، إذا قام يصلي نوى هذه النية، إذا توجه إلى الكعبة يطوف هذه النية، إذا توجه إلى المسعى ليسعى هذه النية، ما يحتاج أن يقول: نويت أن أفعل كذا.
س: سمعنا أن نية الصلاة يكون محلها القلب، ولا يصح التلفظ بها،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 236(7/373)
والسؤال: هل عندما أقف مستقبل القبلة أتحدث بالنية في قلبي ثم أكبر تكبيرة الإحرام أم أن ما قمت به من وضوء ووقوف واستقبال القبلة يعتبر ترجمة لنية الصلاة، ولا يلزمني التحدث بها في قلبي بل أكبر مباشرة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نعم، يكفيك ذلك ما دمت تهيأت للصلاة التي تعملها، الظهر أو العصر أو المغرب أو غير ذلك، يكفي ولا حاجة إلى التحدث بها عند الإحرام، أنت جئت لها وجلست لها، وانتظرتها وقمت حين سمعت الإقامة، تكفيك الصلاة التي أقيمت، هذا يكفي وهذا هو النية ولا حاجة إلى سوى ذلك، أما ما يفعله بعض الناس من التلفظ بأن يقول: نويت بأن أصلي كذا وكذا إماما أو مأموما أو كذا، هذا لا أصل له، بل هو بدعة في أصح قولي العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلفظ بالنية، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم ما كانوا يتلفظون بالنية، وهكذا التابعون وأتباعهم من الأئمة وغيرهم ما كانوا يعرفون هذا، فالمشروع للمؤمن أن يكتفي بالقلب، فهو بمجيئه إلى الصلاة وجلوسه ينتظر الصلاة، وبقيامه للصلاة حين أقيمت الصلاة، كل هذا
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 215.(7/374)
يعتبر نية، فلا حاجة بعد ذلك أن يتحدث بها بقلبه ولا أن يتلفظ بها.
س: ما حكم التلفظ بالنية؟ فمثلا إذا أراد أن يصلي سنة الصبح أن يقول: نويت أن أصلي سنة الصبح، أو نويت أن أصلي فرض كذا، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: التلفظ بالنية ليس له أصل في الشرع بل هو بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتلفظ بالنية ولا أصحابه، النية محلها القلب، فينوي بقلبه الصلاة والصيام والوضوء وغير ذلك، ويكفي القلب - والحمد لله – ولا حاجة أن يقول: نويت أن أصلي كذا، أو: نويت أن أتوضأ أو أن أطوف أو أن أصوم، النية محلها القلب.
س: يقول السائل. ص. م. من اليمن: ما قول العلماء في أناس يتلفظون بالنية في كثير من أعمالهم الدينية، وخاصة في الصوم والصلاة مثل قول البعض عند الاستعداد للصلاة: أصلي فرض
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 322.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(7/375)
كذا الله أكبر، وهل التلفظ بالنية وارد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (1) ؟
ج: هذه بدعة، لا يجوز؛ لأن التلفظ بالنية بدعة، ينوي في قلبه والحمد لله، إذا قام بنية الصلاة كبر فقط، ما يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف، يأتي بالنية، إذا قام للصلاة ينوي الظهر، يكبر، ينوي العصر كبر بنية العصر، المغرب، كبر بنية المغرب، وهكذا؛ في القلب.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 398.(7/376)
223 – بيان معنى إحضار النية
س: سمعت أنه لا يجوز التلفظ بالنية في صلواتنا، ولكن يجب إحضارها، ماذا يعني إحضار النية؟ وهل يعني أن أقولها في سري (1) ؟
ج: المعنى أنه إذا قام للصلاة يكون ناويا للصلاة، الظهر العصر المغرب، إذا جاء آخر الليل ناويا للصوم، ولكن ما يقول: نويت أن أصوم كذا، لا، يكفي القلب، علمه بأنه يصوم اليوم كاف، علمه بأن قام للظهر كاف، علمه بأنه قام للعصر كاف، ما يحتاج تلفظ: نويت أن
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم 414.(7/376)
أصلي كذا كما يفعل بعض الناس، هذه بدعة.(7/377)
224 – كيف تكون النية في الصلاة؟
س: يقول هذا السائل: هل يجوز التلفظ بالنية للصلاة، وإن لم تكن كذلك فكيف تكون النية (1) ؟
ج: تكون بالقلب، يعني بقلبه، الظهر والعصر والمغرب، ولا يشرع التلفظ بالنية، لا يقول: نويت أن أصلي كذا. لا يجوز هذا، هذا بدعة، ولكن بقلبه، ينوي بقلبه الظهر والعصر والمغرب، سنة الضحى، سنة الراتبة، الوتر بالنية بالقلب، الأعمال بالنيات، ومحلها القلب.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 427.(7/377)
225 – حكم التلفظ بنية الصلاة والإمامة والانفراد
س: هناك عادات عند بعض الناس لا ندري هل هي من الإسلام أم هي بدعة، مثلا في بعض المناطق في الريف هناك بعض الناس يقولون قبل تكبيرة الإحرام للصلاة: نويت أصلي صلاة الظهر مثلا مقتديا أو إماما الفرض الحاضر، وهلم جرا، بصوت يسمعه(7/377)
من كان بجانبه، هل هذا صحيح؟ وجهونا جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذا لا أصل له، بل هو من البدع التي أحدثها بعض الناس، وإن كان قال بها بعض أهل العلم المتأخرين، لكنه ليس بمشروع، فالصواب أنه لا يقول ذلك، ولكن ينوي بقلبه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولا الأئمة من العلماء في القرون المفضلة، ولا يعرف ذلك عن واحد منهم، ولا يقول: نويت أن أصلي الظهر كذا، أو العصر كذا، أو المغرب كذا، أو العشاء كذا، أو الفجر كذا إماما أو مقتديا أو منفردا، كل هذا لا يقال، التلفظ بالنية ليس بمشروع، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أي مردود، قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » أي فهو مردود. وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: «أما بعد،
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 174.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(7/378)
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1) » فنصيحتي لجميع إخواني المسلمين في كل مكان ألا يقولوا هذا اللفظ عند الصلاة، وألا يتلفظوا بالنية لأنه لا أصل لذلك. ولكن إذا قام للصلاة فقد نوى، من سمع الإقامة فقد نوى الصلاة، أو قام في بيته يصلي سنة الضحى أو التهجد بالليل أو الرواتب، إذا قام إلى الصلاة بقلبه ناويا فقد حصل المقصود، ولا حاجة إلى أن يقول: نويت أن أصلي كذا، لا في المسجد ولا في البيت، لا منفردا ولا مع الإمام، ولا يقوله الإمام أيضا، وفق الله الجميع لاتباع السنة والاستقامة عليها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(7/379)
226 – حكم التلفظ بنية الصلاة ونوعها
س: إني عندما أصلي أقول: إني نويت أن أصلي فرض صلاة – مثل الفجر – الله أكبر، ثم أقرأ الدعاء الذي يقال بعد تكبيرة الإحرام، وهو دعاء الاستفتاح، فقد سمعت من برنامجكم " نور على الدرب " المقولة بأنه لا يجوز أن يقول: نويت أن أصلي فرض(7/379)
كذا أو كذا، هل ما سمعته صحيح أم أنه سمع لي؟ نرجو أن تجيبونا مرة أخرى، وفقكم الله. (1)
ج: نعم يا أخي؛ النية محلها القلب، ولا يجوز أن يقال: نويت أن أصلي كذا، إماما أو مأموما فريضة كذا أربع ركعات الظهر، أو ثلاث ركعات المغرب، أو ركعتين الفجر، لا، بل ينوي بقلبه ويكفي، ولا حاجة إلى أن يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا حاجة في الطواف أن يقول: نويت أن أطوف كذا وكذا، ولا في السعي ولا في الوضوء أن يقول: نويت أن أتوضأ كذا وكذا، كل هذا لا أصل له، النية محلها القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا أئمة الإسلام المتقدمون يتلفظون بالنية، بل كان أحدهم إذا وقف يقول: الله أكبر، عند دخوله الصلاة، ولا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، فالتلفظ بهذا بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 40.
(2) أخرجه البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .(7/380)
أمرنا فهو رد (1) » وهذا ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مردودا، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ؛ أي فهو مردود، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » فعليك يا أخي أن تنوي بقلبك إذا قمت إلى الصلاة، تكفي النية بقلبك أنك قمت للصلاة، الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر، أو جمعة، أو صلاة عيد، أو نوافل، أو صلاة الضحى، أو الرواتب، كلها يكفي فيها ما وقع في قلبك، وما تعلمه من قيامك لهذا، ومجيئك لهذا يكفي، وليس لك أن تلفظ بالنية في الصلاة، وهكذا في الصوم، وهكذا في الوضوء، وهكذا في الغسل، وهكذا في الطواف والسعي، النية في القلب ولا حاجة إلى التلفظ، بل ذلك من المحدثات.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(7/381)
227 – حكم التلفظ بوقت الصلاة وعدد الركعات
س: هل يجوز للفرد عند قيام الصلاة أن يذكر الوقت وعدد ركعاته أم(7/381)
يكتفي بالتكبيرة فقط (1) ؟
ج: يكفي التكبير والحمد لله، أما قول: نويت كذا وكذا، هذا بدعة لا أصل له، نويت أن أصلي كذا وكذا ركعة في وقت كذا، هذا لا أصل له، وليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الصحابة رضي الله عنهم، بل ذلك من البدع التي أحدثها بعض الناس، ويكفي المؤمن النية في القلب، إذا قام لصلاة الظهر، العصر، المغرب، العشاء، لصلاة الضحى، لصلاة الاستخارة، لصلاة الخسوف، النية كافية في القلب والحمد لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » والنية محلها القلب، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » ؛ أي فهو مردود، وليس من عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من سنته أن يتلفظ بالنية، يقول: نويت أن أصلي بكذا وكذا، أو: نويت أن أتوضأ، أو: نويت أن أطوف، هذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 201.
(2) أخرجه البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(7/382)
228 – حكم التلفظ بسنية الصلاة
س: بالنسبة للسنة إذا قال: نويت أن أصلي سنة رسول الله لله تعالى، هل هو خطأ (1) ؟
ج: هذه بدعة، تنوي بقلبك الصلاة التي شرعها الله ورسوله، تنوي بقلبك أنك تصلي الصلاة كما شرعها الله وكما جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس لك أن تقول: نويت، بل تصلي كذا وكذا؛ لأن هذا بدعة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، والخير في اتباعهم والسير على منهاجهم.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 40.(7/383)
انتهى بحمد الله تعالى الجزء السابع،
ويليه بمشيئة الله تعالى الجزء الثامن،
القسم الثالث من الصلاة،
وأوله باب صفة الصلاة(7/385)
باب صفة الصلاة
1- بيان أسباب الخشوع في الصلاة
س: كيف أخشع في الصلاة؟ وما هي الأدعية التي تقال قبل الصلاة وفي الصلاة، والتي تساعدني على الخشوع؟ (1)
ج: الخشوع في الصلاة إحضار القلب فيها بين يدي الله والإقبال عليها، تستحضر عظمة الله وأنك بين يديه، ترجو رحمته وتخشى عقابه، فهذا يسبب الخشوع والذل والانكسار، وإحضار القلب بين يدي الله عز وجل، وأن تدعو بقلب خاشع؛ ترجو رحمة الله وتخشى عقابه بالدعوات الطيبة التي تستحضرها ولو كانت غير منقولة، ولو كانت غير واردة، إذا كانت دعوات طيبة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم فلا بأس: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اهدني
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (354)(8/7)
صراطك المستقيم، اللهم أجرني من النار، اللهم اغفر لي ولوالدي – إذا كان والداك مسلمين – اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي. هكذا في الصلاة وخارجها، حتى في خارج الصلاة وأنت في البيت أو تمشي أو مضطجع، تدعو ما يسر الله من الدعوات الطيبة المنقولة وغير المنقولة التي ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تدخر له دعوته في الآخرة، وإما أن تعجل له في الدنيا، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله، إذا نكثر. قال: الله أكثر (1) »
فأنت يا عبد الله على خير في دعائك لربك وانكسارك بين يديه، وخشوعك له في الصلاة في سجودك، أو في ركوعك، أو بين السجدتين، أو في القيام في جميع أجزاء الصلاة. الله يقول جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، يعني: ذليلون منكسرون، قد أحضروا قلوبهم بين يدي الله، وإذا تيسر البكاء من خشية
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب في انتظار الفرج وغير ذلك، برقم (3573)
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(8/8)
الله كان أكمل وأكمل، ومن أعظم الأسباب في خشوعك: ترك المعاصي، والحذر من المعاصي، وجهاد نفسك في تركها، والتوبة إلى الله منها، ومن أسباب الخشوع: أن تدخل الصلاة وأنت فارغ القلب ليس عندك مشاغل، وإن كنت تحس بشيء من الأذى قضيت حاجتك قبل الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان (1) » فإذا كان عندك حاجة إلى البول أو الغائط بدأت بذلك، الطعام حاضر بدأت بذلك، شغل شاغل أزلته واسترحت منه حتى تدخل الصلاة وأنت خاشع القلب حاضر القلب، الفريضة والنافلة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560)(8/9)
2- وجوب العناية بالخشوع والطمأنينة في الصلاة
س: هل صحيح أن الصلاة التي ليس فيها خشوع تام لله عز وجل لا يقبلها منا (1) ؟
ج: هذا على كل حال فيه خطر، والمطلوب من المصلي أن يخشع في صلاته ويقبل عليها؛ لأن الله سبحانه قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3)
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (31)
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(8/9)
فالإقبال على الصلاة وخشوعها من أهم المهمات، وهو روحها، فينبغي العناية بالخشوع والطمأنينة في الصلاة: في سجوده، في ركوعه، بين السجدتين، بعد الركوع حين يعتدل، يخشع ويطمئن، ولا يعجل سواء كان رجلا أو امرأة جميعا، وإذا أخل بالخشوع على وجه يكون معه النقر في الصلاة وعدم الطمأنينة تبطل الصلاة، أما إذا كان يطمئن فيها ولكن قد تعتريه بعض الهواجس هذا لا يبطل الصلاة لكن ليس له من صلاته إلا ما عقل منها وما خشع فيه، وما أقبل عليه، يكون له ثواب ذلك، وما فرط فيه يفوته ثوابه، فينبغي للعبد أن يقبل على الصلاة، ويطمئن فيها، ويخشع فيها لله عز وجل، حتى يكمل ثوابه، ولكن لا تبطل إلا إذا أخل بالطمأنينة، إذا ركع ركوعا ليس فيه طمأنينة، يعجل، ما تخشع الأعضاء فالواجب أن يطمئن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه حتى يتمكن من قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وحتى يتمكن من قول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وحتى يتمكن من قول: ربنا ولك الحمد بعد الرفع من الركوع، وحتى يتمكن من قول: رب اغفر لي، يطمئن، هذا لا بد منه. ولما رأى النبي صلى الله(8/10)
عليه وسلم رجلا لم يطمئن في صلاته بل ينقرها، أمره أن يعيد، فقال له: «صل فإنك لم تصل (1) » والطمأنينة من أهم الخشوع، وهي خشوع واجب في الصلاة في الركوع والسجود وبين السجدتين، وحال الاعتدال عند الركوع، هذا يسمى طمأنينة ويسمى خشوعا، لا بد من هذه الطمأنينة، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، إذا ركع اطمأن حتى ترجع العظام إلى محلها، وكل فقار إلى مكانه، وإذا رفع اطمأن وهو واقف، وإذا سجد يطمئن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وهكذا بين السجدتين، يطمئن يهدأ، ولا يعجل حتى يعود كل فقار إلى مكانه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب أمر النبي الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم (793) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397)(8/11)
3- حكم صلاة من عنده وسواس يذهب بخشوعه
س: يقول هذا السائل: هل الذي لا يخشع في صلاته كالذي لا يصلي، وماذا يعمل من كانت عنده وساوس من الشيطان تمنعه من الخشوع في صلاته؟ أرشدونا جزاكم الله خيرا.
ج: الطمأنينة لا بد منها، جاء في حديث الأعرابي أن النبي أمره(8/11)
بإعادة الصلاة. وقال له: إنك ما صليت ولو مت على هذا، مت على غير الفطرة، التي فطر عليها محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد من الطمأنينة في ركوعه وسجوده، وبين السجدتين وبعد الركوع لا بد أن يطمئن ويخشع، يقول الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) لا بد أن يطمئن، إذا سجد اطمأن، حتى يرجع كل فقار في مكانه، وإذا ركع اطمأن حتى يرجع كل فقار في مكانه، وإذا رفع من الركوع اطمأن، حتى يرجع كل فقار في مكانه، وإذا جلس بين السجدتين اطمأن، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، هذا هو الواجب على المصلي، أما الوساوس فالواجب التعوذ بالله من الشيطان، إذا عرض لك انفث عن يسارك: ثلاث مرات، وقل: أعوذ بالله من الشيطان، تزول إن شاء الله، جاهد نفسك، ولا تطاوع الشيطان بالوساوس، بل احذرها وارفضها، وتعوذ بالله من الشيطان، عند وجودها اتفل عن يسارك ثلاث مرات، وقل أعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، تزول إن شاء الله.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(8/12)
4- حكم الطمأنينة في الصلاة
س: الأخ: س. ف. ر. يقول: هل تبطل الصلاة إذا كانت بدون خشوع، وكيف يكون الخشوع في الصلاة (1)
ج: إذا كانت بغير طمأنينة بطلت، أما كمال الخشوع فما هو بشرط، لكن لا بد من الطمأنينة، في ركوعه وسجوده، وبين السجدتين، وبعد الركوع، فإذا اطمأن صحت، ولو كان الخشوع ليس بكامل، لأن الله قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، كمال الخشوع من كمال الصلاة، لكن إذا اطمأن في ركوعه وسجوده، وبين السجدتين، وبعد الركوع صحت صلاته، وإن كان لم يأت بالخشوع الكامل الكثير.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (427)
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(8/13)
5- بيان أن استحضار عظمة الله تعالى سبب للخشوع في الصلاة
س: ما هي أسباب الخشوع في الصلاة (1)
ج: أسباب الخشوع في الصلاة الإقبال على الله، وتذكر أنك بين يديه، وأنك في حضرته سبحانه وتعالى، وأنك تناجيه جل وعلا، وهذه
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (227)(8/13)
الصلاة أعظم العبادات، وأهمها بعد التوحيد، فإذا تذكرت هذه الأمور، خشع قلبك، كما قال الله سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى (3) » المقصود أن الإنسان بين يدي ربه في الصلاة، فليستحضر هذا الأمر العظيم حتى يخشع قلبه، وفي الحديث الآخر: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره، وتحت قدمه (4) »
فأنت يا عبد الله بين يدي الله واقف بين يديه تناجيه وتقرأ كتابه وتركع وتسجد بين يديه تخشع له في هذه الحالة واستحضر هذه العظمة له وأنك بين يدي الملك العظيم الذي لا أعظم منه
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم، من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، برقم (20823) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة، برقم (379) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في مسح الحصى في الصلاة، برقم (945) ، والنسائي في كتاب السهو، النهي عن مسح الحصى في الصلاة، برقم (1191)
(4) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم (3014)(8/14)
سبحانه وتعالى، وهذا كل ما يسبب الخشوع لك وانكسارك بين يديه سبحانه وتعالى.
س: سائلة تقول: كيف أعمل حتى يكون فكري محصورا أثناء تأدية الصلاة (1) ؟
ج: عليك المجاهدة، عليك أن تجاهدي نفسك، حتى تجمعي قلبك وفكرك في الصلاة، إذا كان هناك شواغل تنجزينها قبل الصلاة، حاجات في البيت تنجزينها قبل الصلاة إذا استطعت ثم تفرغي للصلاة، بقلب حاضر، أكل حاضر كلي من الأكل الحاضر، حاجة حاضرة يمكن أن تشوش عليك قدميها سلميها لأهلها اقبضيها، حتى تأتي الصلاة وأنت في حالة خشوع وإقبال، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان (2) » الإنسان يلاحظ إذا كان عنده طعام يأكل حاجته، يحس بالبول أو الغائط يقضي حاجته، له شغل مهم يقضيه، فالوقت واسع بحمد الله، ثم يأتي الصلاة بقلب حاضر خاشع، وقبل هذا إن كانت امرأة في البيت أو مريض، أما إذا
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (248)
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560)(8/15)
كان رجلا فعليه أن يعتني بالشواغل التي عنده قبل الصلاة، يعتني بها قبل الصلاة، قبل الوقت، ثم يذهب إلى المسجد، ويصلي مع الناس بقلب حاضر خاشع، فالصلاة عمود الإسلام، أمرها عظيم، قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «جعلت قرة عيني في الصلاة (3) » فالواجب على الرجل والمرأة العناية بهذا الأمر، الرجل يقضي حوائجه قبل الصلاة، قبل الأذان حتى يتفرغ للصلاة، فيذهب للمسجد، والمرأة كذلك تعتني، فإذا حضرت الصلاة فإذا هي فارغة، مستعدة للصلاة بقلب خاشع، وإن عرض عارض قدمته ما دام الوقت واسعا، الحمد لله، بحضرة طعام تأكل الطعام، إذا حضرها بول أو غائط تبادر تقضي حاجتها، ثم تتوضأ، جاءها ضيف تسلم عليه، وتقضي حاجته، ثم تصلي ما دام الوقت واسعا، حتى تصلي صلاة مضبوطة قد أقبلت عليها بقلبها، وحضرت فيها بقلبها، وخشعت فيها لله، هكذا المؤمن مع الطمأنينة وعدم العجلة، وعدم النقر، الإنسان يركع ويطمئن، فيقول: سبحانه ربي
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) أخرجه النسائي في كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، برقم (3940)(8/16)
العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، لا يعجل ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إذا كان إماما ومنفردا، ويطمئن على رفعه يعتدل ويقول: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا، مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (1) » وهو مطمئن معتدل واضعا يمينه على شماله، على صدره، هذه السنة، وإن زاد قال «أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (2) » فهذا مسموح، يفعله النبي بعض الأحيان – عليه الصلاة والسلام، ثم يسجد ويطمئن في السجود، ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات، أو أكثر، أدنى الكمال ثلاث، وإن زاد خمسا أو سبعا كان أفضل، ويدعو في سجوده ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. في الركوع والسجود: سبوح قدوس رب
__________
(1) أخرجه مسلم في كتب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)(8/17)
الملائكة والروح، سبحان ربي ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، كل هذا يقال في الركوع والسجود، ولكن في السجود يدعو زيادة، اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم ارزقني الفقه، في دينك، اللهم اغفر لي ولوالدي، وللمسلمين، ونحو هذا من الدعوات في سجوده، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «فأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » أي: حري أن يستجاب لكم، فالمقصود من هذا كله أن الإنسان يعتني بالأسباب التي تعينه على الخشوع، قبل الدخول في الصلاة حتى يحضر فيها بقلبه، وحتى يطمئن ويخشع لربه، لأن الصلاة لها شأن عظيم، ولبها وروحها الخشوع، وفق الله الجميع للتوفيق والهداية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)(8/18)
6- حكم العجلة في أداء الصلاة
س: السائلة: أم عبد الله، من حائل، تقول: ما حكم التسرع، أو السرعة في الصلاة، مع العلم بأن الصلاة كاملة ولا ينقص منها شيء (1) ؟
ج: الواجب الطمأنينة والركود في الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم اقرأ ما تيسر لك من القرآن (2) » - وفي لفظ آخر: «ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله (3) » - «ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها (4) » ولما أخل بهذا أمره
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (405)
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم (856)
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم (856)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب من رد فقال عليك السلام، برقم (6251) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397)(8/19)
بالإعادة، لا بد من الطمأنينة، فإذا كانت المصلية مطمئنة، والرجل مطمئنا، فلا بأس إذا اطمأن في الركوع، والاعتدال بعد الركوع والسجود، وبين السجدتين، ولكن ما أطال وإلا هو مطمئن فلا بأس لكن كونه يطمئن طمأنينة واضحة جيدة في سجوده وركوعه، وبين السجدتين، وبعد الرفع، تكون الطمأنينة ظاهرة، والاعتدال ظاهرا وافيا يكون أكمل وأكمل، يعني لا يتساهل في هذا؛ لأن بعض الناس قد يعتبر فعله نقرا للصلاة، فإذا اطمأن طمأنينة تجعله غير ناقر للصلاة طمأنينة واضحة فلا بأس.(8/20)
7- بيان معنى الموالاة في الصلاة
س: تسأل السائلة وتقول: ما معنى الموالاة في الصلاة (1) ؟
ج: الموالاة في الصلاة أن يصليها كما شرع الله، فيركع كما شرع الله ويرفع ويعتدل كما شرع الله، ويسجد كما شرع الله، ويعتدل ويطمئن، ويسجد بين السجدتين كما شرع الله، ويطمئن ولا يعجل، هذا يقال له الطمأنينة، والخشوع في الصلاة تسميتها الموالاة تسمية غير ظاهرة، أما
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (412)(8/20)
أن المقصود الموالاة بين الصلاتين هذا شيء آخر. الموالاة بينهما أن كل صلاة تصلي في وقتها، إلا إذا جمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء والى بينهما، صلى هذه بعد هذه. أما في الصلاة الواحدة، فالمعنى أنه يأتي بأركانها في محلها، مع الطمأنينة، ويسمى هذا خشوعا وطمأنينة، كونه يركد في قراءته، وإذا ركع ركد واطمأن، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع اطمأن واعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا سجد اعتدل واطمأن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس بين السجدتين اعتدل واطمئن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه هذه الطمأنينة، وهذا الخشوع، هذا لا بد منه.(8/21)
8- نصيحة في أسباب الخشوع في الصلاة
س: أنا فتاة مؤمنة بالله مؤدية لطاعاته أسعى بكل ما يقربني إليه إلا أنني أعيش في دوامة مستمرة من أمري، أعيش في صراع دائم مع نفسي، هذه النفس الأمارة بالسوء، وهي سبب حيرتي وعذابي في حياتي، والذي لا أجد فيها الطمأنينة أبدا، بجميع أعمالي، وخاصة العبادة، وعلى رأسها الصلاة، فعندما أقوم لتأديتها لا أجد ذلك الخشوع والخضوع المطلوبين فيها(8/21)
تراودني أفكار لكن أتعوذ بالله من الشيطان وأستغفر ثم أكمل، ولا ألبث لحظات إلا وأعود لمثلها، ولا أزال حتى أنتهي منها وبعدها أشعر أن صلاتي غير مقبولة، وأن جميع أعمالي غير مقبولة، حتى بكيت كثيرا، واستغفرت كثيرا وتبت إلى الله أكثر من مرة، ولكن أجد نفسي تقودني إلى المعاصي فأنا الآن أعيش في عذاب وقلق وحيرة وخوف أخاف أن ينقضي عمري وأنا على هذه الحالة، وأخاف أن تنقضي حياتي ولم أغتنم منها شيئا، علما بأنني لم أكن كذلك من قبل، فأرجو من فضيلتك أن تشير علي بما يجب فعله حتى أعود كما كنت سابقا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه (1)
ج: أولا نسأل الله للسائلة أن يوفقها لما فيه رضاه، وأن يصلح قلبها وعملها، وأن يرشدها إلى خير الأمور، وأن يهبها ثباتا واستقامة وصلاحا ورشدا، ويدلها على الخير الذي به الطمأنينة، وبه السعادة العاجلة والآجلة، ونصيحتي: أن تكثر السائلة من القرآن الكريم بالتدبر والتعقل في الأوقات المناسبة مع مطالعة كتب السنة وكتب التفسير التي
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (31)(8/22)
تنفعك مثل رياض الصالحين، وبلوغ المرام، والوابل الصيب، وتفسير ابن كثير، والبغوي، وابن جرير، هذه التفاسير مفيدة، وتفسير الشوكاني حتى تستفيدي، وحتى تشغلي الوقت بما ينفعك، وأمر آخر وهو مجالسة الأخيار من أهل بيتك والأنس بهم من أب وأم، وأخوات صالحات، تشغلين به بعض الوقت أيضا، وإذا كنت لست ذات زوج، أن تحرصي على الزواج، ولو أن تخطبيه أنت، تنظرين من أقاربك من هو طيب ومن هو صالح لك من أبناء العم أو أبناء الخال أو غيرهم، ممن تعرفين، ثم تطلبين من أبيك أو غيره من أوليائك أن يتوسط في هذا وتقولين بلغني عنه كذا وكذا من غير ريبة بل بالسؤال عنه، تعرفي عليه، فإذا عرفت أنه صالح وأنه جيد قلت لأبيك: إنك تطلبين فلانا حتى يتزوجك، وتنصحي بألا يتكلف بالمهور، ولا في الولائم وأن يتسامح معه في المهر وفي الوليمة، كل هذا من أسباب الهدوء، ومن أسباب الثبات ومن أسباب زوال هذه الوساوس وهذه الأفكار الرديئة، وإن كنت ذات زوج فالحمد لله، عليك أن تعيشي معه طيبا، وأن تعامليه بخير، وأن تعاشريه بالمعروف، وأن تجتهدي في أسباب الألفة معه والمحبة، وقضاء الوطر الشرعي، مع العناية بما يتقدم من قراءة القرآن الكريم بتدبر وكثرة الذكر والاستغفار، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم(8/23)
والإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومع المطالعة للكتب النافعة، كل هذا من أسباب زوال ما ذكرت من القلق والوساوس التي قد تضرك، وأسأل الله لك الهداية والتوفيق وصلاح النية والعمل.(8/24)
9- بيان وجوب مجاهدة النفس وعدم الانشغال عن الصلاة
س: ما رأي الشرع فيمن ينشغل عن صلاته، مهما حاول أن يجعلها خالصة دون تفكير (1) ؟
ج: عليه أن يجتهد وأن يحاسب نفسه، وأن يتقي الله في ذلك، ومتى اتقى الله أعانه الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2) فعليه أن يتقي الله وأن يحاسب نفسه، ويجاهدها حتى يجمع قلبه على الصلاة، وحتى يخلص لله في صلاته، وحتى يخشع فيها لربه، حتى يدع الأفكار الضارة، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى عناية وإلى صدق وإخلاص وإقبال على الله، وسؤاله العون سبحانه وتعالى حتى يجمع الله قلبه على صلاته.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (187)
(2) سورة الطلاق الآية 2(8/24)
10- حكم كثرة الحركة في الصلاة
س: ما رأي سماحتكم فيمن يتهاون في الوقوف بين يدي المولى عز وجل، وهو يصلي ويفعل كثيرا من الحركات، فمثلا يقدم قدما عن الأخرى، وهكذا يحرك بعض ملابسه؟ أرجو التوجيه حول هذا جزاكم الله خيرا (1)
ج: المشروع للمؤمن في الصلاة الخشوع فيها، والإقبال عليها والطمأنينة، واستحضار أنه بين يدي الله حتى يخشع، يقول الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، لا بد منها وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لم يطمئن في صلاته، فأمره أن يعيد الصلاة وقال له صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن (4) » - وفي اللفظ الآخر: «ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله (5) » - «ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (271)
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم (856)
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم (856)(8/25)
حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1) » فبين له صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من طمأنينة، وأنه إذا لم يطمئن فصلاته باطلة، وقد أمره بالإعادة ثلاث مرات حتى قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فعلمه صلى الله عليه وسلم.
فالعبث الكثير المتوالي يبطل الصلاة، العبث من المصلي بثيابه أو بأقدامه أو غير ذلك المتوالي الكثير يبطل الصلاة عند أهل العلم، أما اليسير فيعفى عنه، الشيء القليل يعفى عنه، فنصيحتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، والعناية بها، والطمأنينة والحذر من العبث، لا بالثياب ولا باللحية ولا بغير ذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب من رد فقال عليك السلام، برقم (6251) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397)(8/26)
11- حكم البكاء خشية لله أثناء الصلاة
س: هل يجوز البكاء أثناء الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (110)(8/26)
ج: نعم، إذا غلبه البكاء خشية لله وتعظيما له وخشوعا عند القراءة وعند سماعها فلا بأس، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكي وكان الأخيار يبكون وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء في الصلاة، وكان الصديق رضي الله عنه لا يسمع صوته من البكاء، وكان يسمع لعمر رضي الله عنه النشيج بالبكاء وهو يصلي بالناس رضي الله عنه وأرضاه، فالمقصود أنه إذا غلبه ذلك ولم يتعمد للرياء، وإنما غلبه لسماع القرآن أو عند قراءة القرآن، فإنه لا حرج عليه، ولكن ينبغي له أن يجاهد نفسه مهما أمكن في عدم التشويش على الناس أو عدم تفهيمهم لكتاب الله عز وجل فإن المقصود الخشوع مع تفهم الناس كلام الله حتى يستمعوا له ويستفيدوا من كلام الله عز وجل، والذي يغلبه لا يضره.(8/27)
12- بيان كيفية المحافظة على أداء الصلاة
س: كيف له أن يحافظ على تقوى الله وعلى الصلاة بالذات (1) ؟
ج: يجاهد نفسه عليها والله يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (2) ،
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (341)
(2) سورة العنكبوت الآية 69(8/27)
فلا بد من جهاد النفس والشيطان، حتى تؤدي الصلاة مع الجماعة، وحتى تحافظ عليها، وحتى تصحب الأخيار وحتى تبتعد عما حرم الله، لا بد من جهاد للنفس والحذر من طاعة الهوى والشيطان وجلساء السوء، ومن جاهد وصبر وفقه الله وأعانه.(8/28)
13- بيان ما يحصن المسلم من الشيطان أثناء الصلاة
س: أنا مسلم – ولله الحمد والمنة – وأحافظ على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ولله الحمد، ولكني أعاني السرحان أثناء صلاتي، حتى أنني بعض الأحيان أدخل في صلاتي وأخرج منها، ولم أع ماذا قرأت فيها، دعوت الله كثيرا أن يرزقني الخشوع ولم أيأس ولم أقنط من رحمة الله، وقد قرأت عن الرجل الذي جاء يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلباس الشيطان عليه صلاته، أرجو إرشادي بارك الله فيكم، عن كيفية الاستعاذة من الشيطان أثناء الصلاة، وشرح نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك السائل، جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (149)(8/28)
ج: المشروع للمسلم إذا دخل في الصلاة أن يقبل عليها بقلبه وقالبه، وأن يستشعر أنه واقف بين يدي الله سبحانه، فيعظمه ويخشع بين يديه، ويقبل على هذه العبادة العظيمة، وبذلك يبتعد عنه الشيطان، فإنه وسواس خناس، وسواس عند الغفلة، خناس عند الذكر، فإذا غلب على المؤمن أو كثر منه الوسواس في حال الصلاة فليستعذ بالله من الشيطان، ولينفث عن يساره ثلاث مرات، قائلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الصحابي الجليل عثمان بن أبي العاص الثقفي، لما قال له: إن الشيطان قد لبس علي من صلاتي، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن ينفث عن يساره وهو في الصلاة ثلاثا، قال عثمان: «ففعلت ذلك فبرئت من هذا الأمر، وعافاني الله منه (1) » أو كما قال رضي الله عنه، فينبغي لك أيها السائل، أن تستشعر عظمة ربك، عند الدخول في الصلاة، وأن تقبل عليها بقلبك، وأن تتدبر ما تقرأ من سورة (الفاتحة) وغيرها، وأن تجتهد في جمع قلبك على الله، فإذا لم يكف ذلك تعوذ بالله من الشيطان
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، برقم (2203)(8/29)
وانفث عن يسارك ثلاثا، والله سبحانه وتعالى يعيذك منه، ولا تيأس بل عليك بالجد والنشاط في محاربة عدو الله بجمع قلبك على الله، واستحضارك أنك بين يديه ترجو رحمته وتخشى عقابه، وتستشعر أيضا أن هذه الصلاة هي عمود الإسلام، وهي أعظم العبادات، وهي أم الفرائض بعد الشهادتين، وبهذا الاستحضار وبهذه المراقبة، وبهذا التوجه تسلم إن شاء الله من عدو الله، وفقنا الله وإياك والمسلمين.(8/30)
14- حكم من تكثر عليه الوساوس في الصلاة
س: تقول أختنا: إنني في بعض الأحيان أقف أصلي بين يدي الله، ولكنني أشعر بأنني أقرأ آية القرآن بشدة، ولا أشعر بخشوع، ولكنني أحاول ولا أستطيع، في بعض الأحيان أشعر بخشوع وأستمر في البكاء من خشية الله، وأتذكر في الصلاة وأندم على أنني لم أخشع في المرات السابقة. هل علي ذنب في هذا، وما هو الذنب؟ أرجو توجيهي جزاكم الله خيرا، وهل يصح الندم والتفكر أثناء الصلاة (1) ؟
ج: الخشوع في الصلاة من أفضل القربات، ومن أسباب القبول ومن
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (161)(8/30)
صفات أهل الإيمان، قال تعالى في كتابه العظيم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ولكن لو عرض للإنسان شيء من التفكير وشيء من عدم الخشوع، فصلاته صحيحة لا تبطل بذلك؛ لأن الإنسان عرضة للوساوس والأقدار، التي تعرض له في الصلاة، فلا تبطل صلاته ولا تلزم عليه الإعادة، بل صلاته صحيحة وعليه المجاهدة لنفسه، إذا دخل في الصلاة، وأن يستحضر أنه بين يدي الله، وأن الله شرع له الخشوع، فيجتهد في ذلك ويستعين بالله على ذلك، وإذا كثر عليه الوساوس استعاذ بالله من الشيطان، ونفث عن يساره ثلاثا. يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو في الصلاة لا حرج في ذلك، فقد سأل عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأنه غلبت عليه الوساوس، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يستعيذ بالله من الشيطان، إذا عرضت له في الصلاة، ففعل ذلك فعافاه الله من ذلك.
فالمقصود أن المؤمن والمؤمنة كلاهما يجتهدان في إحضار القلب في الصلاة، والخشوع والإقبال على الصلاة، والتذكر بأن العبد بين يدي
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(8/31)
الله، وأنه يناجيه سبحانه وتعالى، وأن الصلاة عمود الإسلام، وأنها أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فإن هذا التذكر يعينه على الخشوع وعلى حضور القلب، وعلى الإقبال على الصلاة، ولكن متى لم يحضر الخشوع، ولم يستكمل ذلك فإنه لا يضر وصلاته صحيحة والحمد لله، ولا شيء عليه فيما مضى من صلوات، كلها صحيحة، وإنما عليه المجاهدة والاستعانة بالله على ذلك، وسؤاله التوفيق، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (1) ، وهو القائل سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، فنوصيك أيتها الأخت في الله بكثرة الضراعة إلى الله، ودعائه أن يعينك على ذكره والخشوع في الصلاة، وأن يعيذك من نزغات الشيطان وهمزاته ووساوسه، وهكذا نوصي كل مؤمن وكل مؤمنة بالإقبال على الصلاة، وإحضار القلب فيها والخشوع فيها، والحرص على السلامة من الوساوس، وسائر ما يقدح في الصلاة أو يضعف أجرها. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 186
(2) سورة غافر الآية 60(8/32)
15- بيان أسباب الحصول على لذة العبادة
س: الأخ: أبو محمد من الرياض يقول: ما هي أسباب فقدان اللذة في العبادة؟ وكيف علاجها عمليا؟ جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: لا شك أن العبادة لله عز وجل، لها لذة عظيمة في قلب المؤمن والمؤمنة، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «وجعلت قرة عيني في الصلاة (2) » ويقول لبلال رضي الله عنه: «فأرحنا بالصلاة (3) » يعني أقمها حتى نستريح فيها، فالصلاة هي أعظم العبادات بعد الشهادتين، راحة للقلوب، وقرة عين ونعيم للروح، لمن أقبل عليها وحضر فيها بقلبه، وخشع فيها لله، واستحضر أنها عمود الإسلام، وأنها مناجاة للرب عز وجل ووقوف بين يديه، فبذلك يرتاح فيها، وتقر عينه، ويجد لذة لها في نفسه، في قيامه وقراءته وركوعه وسجوده، وسائر ما شرع الله فيها فنصيحتي لكل مؤمن وكل مؤمنة: الإقبال على العبادة من صلاة وغيرها، وإحضار القلب فيها، والشعور بأنه يفعلها لله وحده، يرجو ثوابه
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (280)
(2) أخرجه النسائي في كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، برقم (3940)
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، برقم (4986)(8/33)
ويخشى عقابه، وأن له في ذلك الخير العظيم عند الله عز وجل، إذا أخلص له، وفعلها على وجه السنة، لا على وجه البدعة، فالصلاة، والزكاة، والصدقات، والصيام، والحج والعمرة، والأذكار الشرعية وقراءة القرآن الكريم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كلها عبادات، لها لذة عظيمة في الصدور وراحة في القلوب، ونعيم للروح يتذكر فيها المؤمن أنه يفعل شيئا لله عز وجل، وأنه شيء أمر الله به، وأنه شيء يرضى عنه، فيرتاح لذلك، ويستلذ بذلك وتقر عينه بذلك؛ لما فيه من امتثال أمر الله ولما فيه من الخير العظيم، من جهة الثواب الجزيل من الله، وما يترتب عليه من تكفير السيئات، وحط الخطايا، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا ما يترتب على الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مصلحة العباد، وتوجيههم إلى الخير وإعانتهم على ما شرع الله، وعلى ترك ما حرم الله، فكل هذا مما تستلذه النفوس الطيبة، وترتاح له القلوب وتقر به العيون، عيون المؤمنين والمؤمنات، قال جل وعلا في كتابه العظيم، وهو أصدق القائلين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (1) {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2) {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (3) ،
__________
(1) سورة الأنفال الآية 2
(2) سورة الأنفال الآية 3
(3) سورة الأنفال الآية 4(8/34)
وقال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل (1) » ، وإنما عدل لأنه يخاف الله ويرجوه، «وشاب نشأ في عبادة الله (2) » ؛ لما استلذها بعدما عرف ما فيها من الخير، ولما وقر في قلبه من تعظيم الله، والإخلاص له، ومحبته سبحانه والرغبة فيما عنده، «ورجل قلبه معلق بالمساجد (3) » ، إنما تعلق بالمساجد؛ لما وجد في الصلاة من الخير والراحة والطمأنينة والنعيم، «ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرقا عليه (4) » ؛ لما يجدان في المحبة في الله من الخير العظيم، وراحة القلوب ونعيم الأرواح، والأنس العظيم؛ لأنهم يعلمون أن هذا يرضي الله، وأن الله شرع لهم ذلك، وأنه يحصل به من الخير العظيم ما الله به عليم من التعاون والتواصي بالحق والتناصح، الخامس: «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله (5) » ، لماذا قال هذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه وخوفه ومراقبته سبحانه وتعالى، حتى ترك هذه المرأة التي دعته إلى الفجور وهي ذات منصب وجمال، فأبى عليها خوفا من الله، ورغبة فيما عنده، وأنسا بطاعته وتلذذا بما يرضيه سبحانه وتعالى، وهكذا المرأة إذا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(2) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(3) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(4) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(5) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)(8/35)
دعاها ذو منصب وجمال إلى الفاحشة فقالت: إني أخاف الله. وابتعدت عن ذلك؛ لما وقر في قلبها من المحبة لله والنعيم الروحي، واللذة لطاعة الله، واتباع شريعته. السادس: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه (1) » ، لماذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه، وأنه سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه خافية، وأنه يحب الإخلاص له ويحب العمل من أجله سرا، فلهذا لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه، من عظيم إخلاصه وعظيم رغبته فيما عند الله، وعدم مبالاته برياء الناس وحمد الناس وثنائهم، والسابع: «رجل ذكر الله خاليا (2) » ، رجل ذكر الله خاليا، ليس عنده أحد، «ففاضت عيناه (3) » خوفا من الله، وتعظيما له ومحبة له سبحانه، وأنسا به عز وجل، فصار من السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
والخلاصة أن الإقبال على الله في العبادة، واستحضار عظمته، وأنك تريد وجهه الكريم، وأنك فعلت هذا ابتغاء مرضاته، وطاعة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(2) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)
(3) أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، برقم (6806) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031)(8/36)
لأمره، ومحبة له سبحانه، وحرصا على ما يرضيه، ويقرب لديه، كل هذا مما يجعلك تستلذ بالعبادة وتقبل عليها وترتاح لها وتتنعم بها.
أما من يشكو عكس ذلك لقسوة القلب عليه أن يعالج ذلك؛ ليحصل الإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن الكريم، والحذر من الذنوب والمعاصي، والتوبة إلى الله مما سلف، مع الصدق في ذلك، فإذا صدق مع الله بالتوبة من المعاصي، وبالإكثار من ذكر الله وفي الإقبال على عبادته بقلبه، واستحضار عظمة الله، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (1) سبحانه وتعالى، وأن معه ملكين، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، باستحضاره هذه الأمور يلين قلبه، ويخشع قلبه، ويستلذ بالطاعة ويرتاح لها ويأنس بها.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 52(8/37)
16- حكم تأخير الصلاة عن وقتها عند الشعور بالتعب الشديد
س: هل يجوز تأخير الصلاة عند الشعور بالتعب الشديد؛ حتى أرتاح لأتمكن من إتقان الصلاة؟ وهل يجوز إعادة الصلاة عند السرحان الكثير فيها وعدم التركيز (1) ؟
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (349)(8/37)
ج: المشروع للمؤمن أن يأتي الصلاة بقلب حاضر خاشع، وأن يقبل عليها حتى يؤديها في غاية العناية، والإقبال عليها والإخلاص لله والخشوع فيها، كما قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قيل: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها (3) » فالواجب على المؤمن والمؤمنة العناية بالصلاة، وأن يكملها ويتم ركوعها وسجودها، لكن إذا كان في أول الوقت عنده تعب فإنه لا بأس أن يستريح، بل الأفضل له أن يستريح ولو صلاها في أثناء الوقت؛ لأنه إذا صلاها في أثناء الوقت، ولو في آخره مع الراحة والطمأنينة والخشوع كان أفضل من صلاتها في غير خشوع ولا طمأنينة، لكن لا يؤجلها إلى خروج الوقت، لا بد أن تفعل في الوقت، فالتأخير إلى نصف الوقت، ثلث الوقت للحاجة الشرعية من التعب أو شدة المرض ونحو هذا، لا
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) أخرجه مالك في الموطأ كتاب النداء للصلاة، باب العمل في جامع الصلاة، برقم (403) ، وأحمد في مسنده، مسند المكثرين حديث أبي سعيد الخدري، برقم (11138)(8/38)
بأس بذلك والحمد لله، لكن يعتني في إكمالها وإتمامها والطمأنينة فيها، في أي وقت فعلها، لا بد من الطمأنينة؛ لأن الطمأنينة ركن فيها لا بد منه، أما كمال الخشوع كمال العناية فهذا أفضل، ولكن الطمأنينة أن يركع مطمئنا، ويسجد مطمئنا، ويجلس بين السجدتين مطمئنا، يعتدل بعد الركوع مطمئنا، هذا لا بد منه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته أن يعيد ما أخل فيه بهذه الطمأنينة، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم من أخل بهذا سارقا، قال: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قيل: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها (1) »
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ كتاب النداء للصلاة، باب العمل في جامع الصلاة، برقم (403) ، وأحمد في مسنده، مسند المكثرين حديث أبي سعيد الخدري، برقم (11138)(8/39)
17- حكم إيقاظ الأولاد للصلاة وهم دون سن البلوغ
س: سائلة من جمهورية مصر العربية تقول: هل لنا أن نطالب الأبناء والبنات، الذين لم يتجاوزوا الثانية عشرة، إذا كانوا مصابين بالإرهاق أو التعب، أو مصابين بأحد الجروح أو الكسور، هل لنا أن نوقظهم للصلاة، ونطلب منهم أن يقضوا هذه الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (397)(8/39)
ج: نعم يعلمون ويوقظون للصلاة، ويصلون على حسب أحوالهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر (1) » فيوقظ لوقت الصلاة، ويصلي على حسب حاله؛ إن استطاع قائما صلى قائما، وإن عجز صلى قاعدا، وإن لم يستطع صلى على جنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين لما مرض: «صل قائما؛ فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقيا (2) » هذا هو الواجب على الوالدين مع أولادهم؛ تنفيذا لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، على حسب الطاقة، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) ، ولو كان غير بالغ ما دام بلغ سبعا فأكثر، فالذي بلغ السبع ودون العشر يؤمر أمرا ولا يضرب، أما إذا بلغ عشرا
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، برقم (6717) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ ، برقم (495)
(2) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، برقم (1117) ، وقوله: فإن لم تستطع فمستلقيا زادها النسائي كما ذكره المجد بن تيمية في المنتقى.
(3) سورة التغابن الآية 16(8/40)
فأكثر فإنه يؤمر ويضرب إذا تخلف، ويصلي على حسب حاله، إذا كان مريضا أو فيه جرح، أو نحو ذلك يعلم ويوجه ويصلي على حسب حاله، كالبالغ. وفق الله الجميع.(8/41)
18- حكم التفكير أثناء أداء الصلاة بالجنة والنار
س: هل يجوز أن يفكر المصلي وهو في صلاته في القبر وفي عذابه، وفي الجنة والنار والموت (1) ؟
ج: لا مانع من ذلك إذا لم يشغله عما شرع الله له، يعني: تفكير عارض لا يشغله عن واجباته ولا عن سننه.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (182)(8/41)
19- حكم صلاة من غلبه التفكير في أحوال الدنيا خارج الصلاة
س: إنسان يؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، فهو يتم أركانها وواجباتها، ومسنوناتها، إلا أنه يغلب عليه التفكير في أحوال الدنيا، ومشاغلها ومشكلاتها فهل صلاته صحيحة (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (188)(8/41)
ج: الصلاة صحيحة: لكن ينبغي له أن يجاهد نفسه حتى يجمع قلبه على صلاته، وحتى تنقطع عنه تلك الأفكار والهموم التي تتعلق بدنياه، فالمقام مقام مجاهدة، فالمؤمن يجاهد نفسه إذا دخل في الصلاة، ويحرص على جمع قلبه على الخشوع بين يدي الله وتعظيمه، ويتذكر أنه واقف بين يدي الله العظيم، حتى يخشع له سبحانه، وحتى يعظم حرمة المقام، وحتى يجمع قلبه على خوفه وخشيته وتعظيمه، ويتدبر ما يقرأ.(8/42)
20- بيان ما يلزم من يكثر النسيان في الصلاة
س: المرسل: أبو عزام من مكة المكرمة، له ثلاث قضايا، كتب عنها بشكل مطول، لخصت ما كتبه في القضية الأولى من أنه يشكو عدم الطمأنينة في الصلاة، حتى أنه يقرأ الفاتحة مكان التحيات في بعض الأحيان فبماذا توجهونه حتى يكتسب الطمأنينة في صلاته (1) ؟
ج: أوصي الأخ أبا عزام بالإقبال على الله في صلاته، واستحضار أنه بين يدي الله، وأن هذه الصلاة هي عمود الإسلام، وأنها أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فإن استحضر هذا فإن الله سبحانه يعينه على الطمأنينة
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (336)(8/42)
والخشوع وعدم النسيان، والله يقول جل وعلا: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (1) ، ويقول سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (3) ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) ، الوصية له بتقوى الله، والإقبال على الصلاة، وإحضار القلب بين يدي الله، والتعوذ بالله من الشيطان.
وإذا غلبته الوساوس ينفث عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثلاث مرات، كما علم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص، ففعل ذلك فأذهب الله عنه وساوس الشيطان، والمقصود أنه يتعوذ بالله من الشيطان، وينفث عن يساره ثلاث مرات إذا كثرت عليه الوساوس، يجمع قلبه على الله، وأنه بين يدي الله، وأنه يناجي ربه، فيستحضر عظمة الله، وأن الواجب خشيته وتعظيمه حتى يزول عنه هذا الهاجس الذي يشغله.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 29
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة الطلاق الآية 2
(4) سورة الطلاق الآية 4(8/43)
21- حكم من يسرع في أداء صلاته خوفا من انتقاض الوضوء
س: تقول هذه السائلة: إنني في بعض الأحيان أسرع في تأدية الصلاة حفاظا على الوضوء، فما هو توجيهكم (1) ؟
ج: الواجب الطمأنينة الركود في الصلاة، والخشوع وعدم العجلة حتى يرجع كل عضو إلى مكانه، كل فقار إلى مكانه، لا تعجلي، استقيمي أولا حتى تقرئي الفاتحة وما تيسر معها، والركود في القيام، ثم اركعي وضعي يديك على ركبتيك، وسوي ظهرك مع رأسك، واخشعي ولا تعجلي، وقولي: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم. والواجب مرة، لكن تكرار ثلاث أو أكثر أفضل مع الطمأنينة، ثم ارفعي، وتقولين عند الرفع: سمع الله لمن حمده. ثم تقولين: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. هذا هو الأفضل مع الطمأنينة، وإن اقتصرت على: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. كفى، لكن مع الطمأنينة وعدم
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (319)(8/44)
العجلة، لا بد من الركود وأنت واقفة، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، لكن السنة التحميد: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. ثم تكبرين ساجدة: الله أكبر. ساجدة، تسجدين على الأعضاء السبعة: على الجبهة والأنف والكفين والركبتين، وأطراف القدمين: بطون القدمين، بطون الأصابع، تخشعين في السجود، وتطمئنين حتى يرجع كل فقار في مكانه، خشوعا وطمأنينة وعدم عجلة، تقولين: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. والأفضل ثلاث مرات، وإن زدت خمسا أو سبعا كان أفضل، والواجب مرة مع الركود والطمأنينة وعدم العجلة وإخلاص الدعاء، في السجود تدعين في السجود: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. كان النبي يداوم على هذا الدعاء، وكان يدعو بهذا الدعاء، اللهم صل عليه وسلم، يقول في دعاء سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1) » وإن دعوت بغير ذلك من الدعوات الطيبة كان مناسبا، مثل: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/45)
عني، اللهم اغفر لي ولوالدي – إذا كان والداك مسلمين – اللهم أدخلني الجنة، اللهم أنجني من النار، اللهم اغفر لي ولوالدي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » فقمن يعني: حري أن يستجاب لكم، وقال عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » فالحاصل أن عليك الطمأنينة وعدم العجلة، عليك أن تتطمأني في صلاتك، وتخشعي ولا تعجلي، فإذا نقرتها نقرا ليس فيه طمأنينة بطلت، فلا بد من الطمأنينة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)(8/46)
22- نصيحة لمن لا يخشع في صلاته
س: تسأل وتقول: إنني – ولله الحمد – أصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، ولكني في أغلب الأحيان لا أشعر بخشوع وخضوع في الصلاة، فبماذا تنصحونني؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (239)(8/46)
ج: أنصحك بأن تجتهدي في طلب الخشوع، يقول الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، فعليك أن تجتهدي في طلب الخشوع؛ باستحضار عظمة الله وأنك بين يديه، وأن هذه الصلاة عمود الإسلام، وأن الخشوع من كمالها وتمامها، فاستحضري هذا عند دخولك في الصلاة، استحضري أنك بين يدي الله، الرب العظيم الذي خلقك من العدم وغذاك بالنعم، وأوجب عليك الصلاة، استحضري هذا الرب العظيم، وأن الواجب الخضوع له، وأن تؤدي هذه العبادة في غاية من الكمال والتمام الذي أمر الله به، حتى تخشعي حتى يخضع قلبك، حتى يطمئن حتى يخشع لله، حتى يبكي من خشيته، استحضري عظمة الله وكبرياءه، وأنه ربك وإلهك، وأن هذه الصلاة عمود الإسلام، وأنك كلما خشعت فيها زاد أجرك، وزاد ثوابك، ومتى جاهدت نفسك حصل الخير كله، ولكن لا يضر، الصلاة صحيحة ولو كان فيها بعض النقص بسبب عدم الخشوع الكامل، لكن لا يضر الصلاة، الصلاة صحيحة، إنما ينقض الأجر، كلما زاد الخشوع زاد الأجر، وكلما ضعف الخشوع ضعف الأجر، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(8/47)
ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها (1) » بسبب الخشوع وعدمه، كلما زاد الخشوع زاد الأجر، وكلما نقص الخشوع نقص الأجر، والصلاة مجزئة. وفق الله الجميع.
س: أثناء تأديتي للصلوات فإنني لا أؤديها بخشوع، وأنا أحس بذلك أنني لا أؤديها بخشوع، وأيضا فأنا أسرع وأكثر الحركة فيها، هل علي إثم في ذلك؟ وهل ينقص أجري فيها علما بأن ذلك خارج عن إرادتي (2) ؟
ج: الواجب عليك الطمأنينة، لا بد من الطمأنينة في الصلاة، أن تركعي مطمئنة وترفعي وتعتدلي مطمئنة، تسجدي مطمئنة حتى يرجع كل فقار في مكانه، تجلسي بين السجدتين مطمئنة، وإذا تيسر زيادة من خشوع وطمأنينة، وإحضار القلب والإكثار من التسبيح في السجود والركوع، والدعاء في السجود كان هذا أكمل مع الحذر من الوساوس،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الكوفيين، حديث عمار بن ياسر، برقم (18415) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة، برقم (796)
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (349)(8/48)
إذا أحسست بشيء تعوذي بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، لا بد من جهاد، والله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (3) ، فعلى الرجل والمرأة العناية بالصلاة، والحرص على الخشوع فيها والطمأنينة، وأداء المشروعات من الأذكار والدعاء، في الركوع يقول المصلي: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. ثلاثا، أو أكثر، والواجب مرة، ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. كل هذا مشروع، وفي السجود كذلك: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ثلاث مرات أو أكثر، والواجب مرة، ويكثر من الدعاء في السجود، ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم رب اغفر لي. في السجود كالركوع، ويقول: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، في السجود، كما يقوله في الركوع، المقصود أن السنة للمؤمن أن يجتهد في أداء المشروعات مع وجود الطمأنينة، والطمأنينة لا بد منها في الركوع والسجود وبين السجدتين وبعد الركوع، حين يعتدل لا بد من الطمأنينة في جميع
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) سورة العنكبوت الآية 69(8/49)
الأركان مع هذا زيادة خشوع، وزيادة التسبيح في الركوع والسجود، وكثرة الدعاء في السجود، كل هذا حسن.(8/50)
23- حكم إغماض العينين أثناء الصلاة طلبا للخشوع
س: عندما أصلي في البيت فإنني أنشغل في الصلاة بالنقوش المرسومة على السجاد، فلا أستطيع الخشوع في صلاتي، فهل يصح لي أن أغمض عيني في أثناء الصلاة (1) ؟
ج: ترك الإغماض أفضل وأولى، ويستحب لك أن تلتمسي مصلى ليس فيه نقوش، سجادة ما فيها نقوش أو غيرها، ولو أغمضت لا حرج، لكن ترك ذلك أفضل، والإغماض لا بأس به إلا أن تركه أولى.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (351)(8/50)
24- حكم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر
س: ما حكم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر (1) ؟
ج: حكمه أنه مفرط وعلى خطر عظيم، فالواجب عليه أن يحاسب نفسه، وأن يتوب إلى الله من سيئ عمله، ومن تاب تاب الله عليه، يقول
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (332)(8/50)
الله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » فالواجب على كل مؤمن وكل مؤمنة التوبة إلى الله من سيئ الأعمال، وأن يحاسب نفسه، وأن يجاهدها لله، يرجو ثوابه ويخشى عقابه، ومن صدق في ذلك وجاهد نفسه في طلب الحق، وترك الباطل أعانه الله وهداه السبيل، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (4) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (5) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (6) . فالواجب على جميع المؤمنين والمؤمنات التوبة إلى الله سبحانه من جميع الذنوب، وجهاد النفس والشيطان، والحذر من جلساء السوء، والحرص على صحبة الأخيار، مع الضراعة إلى الله وسؤاله التوفيق
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم (4250) .
(3) سورة العنكبوت الآية 69
(4) سورة الطلاق الآية 2
(5) سورة الطلاق الآية 3
(6) سورة الطلاق الآية 4(8/51)
والهداية، وهو سبحانه نعم المجيب ونعم المستعان، وهو القائل عز وجل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ، وهو القائل سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (2) ، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة البقرة الآية 186(8/52)
25- وصية لمن يريد الخشوع في الصلاة
س: من منطقة جيزان رسالة من الأخت: ف. ح. ع. تقول: إنني امرأة متزوجة، وقد هداني الله سبحانه وتعالى إلى عبادته والمحافظة على الصلاة المكتوبة، والنوافل وصلاة الضحى وصلاة الليل، وطاعة زوجي والبر بالوالدين، وكنت أشعر بالخشوع والخوف عند الصلاة، وعندما أتلو الآيات القرآنية، والأحاديث المشتملة على الترغيب والترهيب، عن الجنة والنار أو عذاب القبر، أو الآخرة عموما، إلا أنني يا سماحة الشيخ أصبحت منذ فترة لا أشعر بذلك الخشوع والخوف عندما يمر بي ذكر شيء من ذلك الذي شرحته سابقا، أرجو إفادتي عن سبب عدم خشوعي، مع أنني ما زلت أحافظ على الصلاة المكتوبة والنوافل، كما أرجو(8/52)
إرشادي إلى كيفية التغلب على نفسي، حتى يعود إلي الخشوع كما كان سابقا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: نوصيك بالإكثار من ذكر الله، وسؤاله أن يعمر قلبك بخشيته وتعظيمه، ولعله عرض لك شيء من أمور الدنيا، أو المشاغل الزوجية أو البيتية أو ما أشبه ذلك، فنوصيك بالضراعة إلى الله، وسؤاله أن يعمر قلبك بخشيته وتقواه وتعظيمه، ونوصيك أيضا بالإكثار من قراءة القرآن، والإكثار من ذكر الله عز وجل، وتسبيحه وتهليله، فإن هذا من أسباب خشوع القلب، والرجوع للحالة الطيبة السابقة إن شاء الله.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (347) .(8/53)
26- قسوة القلب وأسبابها
س: أحيانا تنتاب الإنسان قسوة قلب، سماحة الشيخ هل من كلمة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، قد تكون هذه القسوة إما بسبب ذنب، أو بسبب معصية فعلها الإنسان، وقد تكون بأسباب غفلة وإعراض، وقد تكون الأسباب
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (347) .(8/53)
مجالسة للأشرار، وقد تكون لمشاغل أهل البيت، إلى غير ذلك، فعليه أن يتحرى الأسباب التي سببت القسوة حتى يتخلص منها، يتحرى وينظر ويحاسب نفسه، حتى يبتعد عن تلك الأشغال أو تلك الأسباب التي سببت القسوة والغفلة.(8/54)
27- شرح عبارة: إن المعصية تقول: أختي أختي، والحسنة تقول: أختي أختي
س: يحفظ عن بعض الصالحين عبارة مفادها: إن المعصية تقول: أختي أختي، والحسنة تقول: أختي أختي. هل تتفضلون بشرح هذه العبارة سماحة الشيخ (1) ؟
ج: نعم، جاء عن بعض السلف هذا المعنى، ومعنى آخر بلفظ: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها. المقصود أن المؤمن ينبغي له أن يجتهد في مواصلة الحسنات، والأعمال الصالحات، وأن يجتهد في ذلك حتى تكون سجية له، وإذا وقع في السيئة فليحذر أن يصلها بأخرى، وليتب وليبادر بالتوبة، حتى لا تكون سيئة أخرى وسيئة ثالثة، فإن الشيطان يجره إلى السيئة، وإذا فعل
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (347) .(8/54)
السيئة جره إلى السيئات الأخرى، والملك يجره إلى الحسنة، فإذا فعل حسنة الملائكة تملي عليه الحسنات، فهو بهذه الحال يجتهد في متابعة الحسنات، والإكثار من ذكر الله، والحذر من الشواغل، وعليه أن يحذر السيئات، ومن فعل السيئة فلينتبه، وليتب وليحذر أن يتبعها بأخرى.(8/55)
28- حكم قطع الصلاة بسبب الرائحة الكريهة
س: ما حكم قطع الصلاة والانتقال إلى مكان آخر إذا كان بجانبي إنسان كريه الرائحة، ولا سيما بأنه قد يفوتني ركن من أركان الصلاة، ألا وهو الطمأنينة؟ نرجو من سماحة الشيخ الإجابة (1)
ج: لا حرج في ذلك لقطعها للضرورة؛ لوجود الرائحة الكريهة تجعل الإنسان غير خاشع في صلاته وغير مطمئن، فإذا قطعها ليذهب إلى جانب آخر فلا حرج في ذلك إن شاء الله، مع العلم أن الذي له رائحة كريهة لا يصلي مع الناس الواجب عليه أن يصلي في بيته، إذا كان عنده الرائحة الكريهة؛ البخر الكثير المؤذي، أو الصنان في إبطه الكثير الواجب عليه أن يعالج هذا الشيء حتى يزول، وليس له أن يؤذي
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (358) .(8/55)
الناس، أو أكل ثوما أو بصلا، ليس له حضور المسجد، يجب عليه أن يبتعد عن المسجد حتى تزول تلك الرائحة الكريهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى من أكل ثوما أو بصلا أن يقرب المسجد، وكان يأمر بإخراج من فعل ذلك من المسجد، فإذا وجد فيه رائحة كريهة غير الثوم والبصل، كالبخر في الفم الشديد الذي يؤذي من حول، ومن حوله له أن يفارقه، يبتعد إلى جهة أخرى.(8/56)
29- حكم خروج المصلي من الصلاة بسبب رؤيته أشياء ضارة
س: السائل: ح. م. ح. من الرياض، يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في خروج المصلي من الصلاة بسبب رؤيته أشياء ضارة، مثل الثعبان أو الحيوان المفترس أو غير ذلك (1) ؟
ج: خروجه من الصلاة فيه تفصيل: إن خاف على نفسه خرج منها حتى يتخلص من إنسان يريد قتله، أو مثل الثعبان الذي وصل إليه يخشى من شره، ولا يتيسر قتله، وهو يصلي يحتاج إلى طلب شيء يقتله به فلا بأس، أما إذا أمكن بأن يقتله
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (394) .(8/56)
وهو في الصلاة فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب (1) » إذا كان عنده عصا وضربها وهو يصلي ما يضر، والحمد لله. أما إذا احتاج إلى قطعها فيقطعها، يتخلص من الثعبان، أو من عدو يريد الفتك به، أو سبع أو ما أشبه ذلك.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة، برقم (921) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (390) .(8/57)
30- بيان أن السنة البداءة بالطعام قبل الصلاة
س: يقول السائل: سماحة الشيخ، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث تفيد بتقديم الطعام على الصلاة، منها على سبيل الذكر لا الحصر: ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب (1) » وكذلك ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان (2) » وكذلك ورد عن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم (672) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560)(8/57)
النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) »
السؤال يا فضيلة الشيخ: في حالة كوني صائما ودخلت المسجد حين الأذان هل أصلي تحية المسجد، أم أذهب لتناول الفطور، علما بأن فطوري داخل المسجد؟ أفتونا في ذلك مأجورين (2)
ج: أما ما يتعلق بمدافعة الحدث وما يتعلق بالبداءة بالطعام قبل الصلاة فهذا هو السنة؛ لأنه يتفرغ للصلاة حتى يصليها بخشوع، «لا صلاة بحضرة الطعام (3) » والحديث الآخر: «إذا حضر الطعام وحضرت العشاء (4) » والحديث الآخر: «إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1167) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، برقم (714) .
(2) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (375) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم (674) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (559) .(8/58)
صلاة المغرب (1) » يبدأ بالعشاء حتى يستريح، وحتى يطمئن قلبه وحتى يؤدي الصلاة بخشوع وطمأنينة، لا يصلي وقلبه مشغول بالطعام أو بمدافعة الحدثين، هذا هو الواجب عليه، هذا هو المشروع للمؤمن، والأحاديث في هذا صريحة: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان (2) » وكذلك الأمر بتقديم العشاء قبل أن يصلي؛ لأن بهذا يطمئن، أما إذا دخل المسجد أذان المغرب وهو صائم فإنه يبدأ بتحية المسجد، ولو هو صائم يبدأ بالركعتين ثم يفطر؛ لأن المدة قليلة دقيقتين ثلاثة، والحمد لله، والرسول قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (3) » وفي الحديث الآخر: «فليركع ركعتين قبل أن يجلس (4) » فليبدأ بالركعتين إذا كان على طهارة، ثم يجلس يفطر، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم (672) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1167) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، برقم (714) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين، برقم (444) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهية الجلوس قبل صلاتهما. . .، برقم (714) .(8/59)
31- بيان النهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة
س: من المستمعة: أ. ع. من السودان، تقول: قرأت في كتاب: زاد المعاد للإمام ابن قيم الجوزية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن التشبه بالحيوانات في الصلوات، فنهى عن بروك كبروك الجمل، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس. فهل هذا الحديث صحيح؟ أرجو توضيح هذه الحركات لكي أتجنبها؛ لأني أحب أن أهتم بكل شيء، وأن أتحرى السنة الصحيحة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: ما ذكره الإمام ابن القيم – رحمه الله – صحيح، والمشروع للمؤمن أن يحذر هذه الأشياء التي يشابه فيها السباع، ينبغي له أن يتأدب بالآداب الشرعية، وأن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » فالمؤمن يتشبه بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويتأسى به، ولا يتشبه
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (338) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(8/60)
بالبهائم ولا بالسباع، بروك البعير كونه يبرك على يديه، السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند السجود ينزل على ركبتيه، هذه السنة، ثم يديه بعد ذلك إلا إذا كان عاجزا لكبر سن أو مرض، فلا بأس أن يقدم يديه. كذلك كونه ينقر الصلاة لا ينقرها بل يطمئن، ولا يعجل في ركوعه ولا في سجوده، يطمئن في السجود وبين السجدتين في الركوع، وهكذا إذا رفع من الركوع يعتدل ويطمئن، ولا يعجل ولا ينقر الصلاة بل يطمئن. وهكذا لا يفترش ذراعيه كافتراش السبع، إذا سجد يرفع ذراعيه ويعتمد على كفيه في الأرض. وهكذا لا يقعي كإقعاء الكلب، إذا جلس فالإقعاء المنهي عنه كونه ينصب ساقيه وفخذيه وهو جالس، ويعتمد على يديه كإقعاء الكلب، بل السنة أن يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، ويجلس على الرجل اليسرى ويجعل يديه على فخذيه أو ركبتيه، هذه السنة، أما أن ينصب فخذيه وساقيه ويعتمد على يديه على الأرض كالكلب المقعي، أو السبع المقعي هذا هو المكروه المنهي عنه. وهكذا الإيماء بالأيدي، كانوا يومئون بأيديهم عند السلام، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يسكنوا في الصلاة، وألا يومئوا بأيديهم، يكفي السلام والالتفات من دون الإيماء باليدين، هكذا السنة.(8/61)
32- حكم تعليم الصبيان كيفية الصلاة وهم على غير وضوء
س: ما حكم تعليم المعلم الصبيان على كيفية الصلاة وهو على غير وضوء (1) ؟
ج: ما هي بصلاة، يقول: الركوع كذا، والسجود كذا. لا يصلي بهم بمعنى أنها صلاة.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (224) .(8/62)
33- حكم رفع الصوت في الصلاة لتعليم الأطفال
س: السائلة: أم محمد من الرياض، تقول: لقد عودت أطفالي منذ سن الخامسة بالوقوف إلى جانبي بالصلاة، وتعليمهم كيفية الصلاة، مما أضطر إلى رفع صوتي قليلا؛ ليستطيعوا تقليدي، وسؤالي: هل علي إثم في رفع الصوت قليلا لتعليم أبنائي، مع العلم بأنني ما زلت أرفع صوتي حتى أعلم الصغار منهم (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك إن شاء الله، لكن إذا أمكن تعليمهم خارج الصلاة يكون أكمل، خارج الصلاة، حتى إذا دخلوا في الصلاة إلا وهم
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (413) .(8/62)
قد تعلموا، وإذا رفعت الصوت بعض الشيء حتى يفهموا فلا بأس، وإذا بلغ السبع تأمرينه، يروح المسجد يصلي مع الناس، والجارية تصلي معكم تتعلم منكم، وما دون السبع، ابن خمس وابن ست، لا بأس إذا تعلم، وإلا فصلاته غير صحيحة حتى يبلغ السبع، لكن إذا تعلم لا بأس، أما الواجب فهو العناية بمن بلغ سبعا حتى يتعلم ويستفيد، المرأة تصلي معكم، تعلمونها، والولد إذا صلى معكم فلا بأس، وإن أمرتموه بالذهاب إلى الصلاة مع الرجال فهو السنة، وإذا بلغ عشرا يضرب حتى يصلي مع الناس.(8/63)
34- وجوب أمر الأولاد بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين
س: سماحة الشيخ، تساهل الكثير من الناس في الانصراف عن أطفالهم، يبلغون الحادية عشرة والثانية عشرة وهم مهملوهم، هل من توجيه للآباء والأمهات (1) ؟
ج: لا يجوز هذا، الواجب على الآباء والأمهات توجيه الأولاد ونصيحتهم، إذا بلغ سبعا أن يؤمر بالصلاة، والبنت تؤمر بالصلاة وتعلم،
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (413) .(8/63)
والولد كذلك يؤمر ويعلم، ويخرج به أبوه أو أخوه إلى المسجد، وإذا بلغ عشرا يضرب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع (1) » هذا هو الواجب متى بلغ عشرا فأكثر، يؤمر بالصلاة مع الناس، ويضرب إذا تخلف، يضربه أبوه أو أخوه الكبير، أو عمه، أما إذا بلغ الحلم فإنها تجب عليه، تكون فريضة إذا تركها كفر، نسأل الله العافية، أما ابن سبع وابن ثمان وابن تسع هذا يؤمر ولا يضرب.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، برقم (6717) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ ، برقم (495)(8/64)
35- كيفية تعلم المعاق نطقا وسمعا للصلاة
س: كيف للأب أن يعلم ابنه المعاق نطقيا وسمعيا الصلاة (1) ؟
ج: يعلمه بالطريقة التي يفهمها، إذا كان لا يسمع يريه إياها بالعمل، يصلي وهو معه، يرفع معه، ويسجد معه، ويرفع معه، وإن كان لا يبصر، لكنه يسمع يصلي معه، ويسمعه التكبير: الركوع والرفع من الركوع، وهكذا حتى يفهمه كيف السجود، كيف الركوع، كيف الرفع إلى آخر
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (382) .(8/64)
الصلاة، المقصود يفهمه بالطريقة التي يفهمها، بالسمع، بالفعل، باللمس، الشيء الذي يستطاع.(8/65)
36- مسألة في الصلاة قبل الإسلام
س: هل هناك صلاة قبل الإسلام؟ وما هي يا سماحة الشيخ (1) ؟
ج: لا أعرف عن الجاهلية شيئا من صلاتهم، الأنبياء لهم صلاة، جاؤوا بالصلاة، الصلاة جاء بها الأنبياء، لكن كون الجاهلية يصلون صلاة لا أعرف شيئا عن صلاتهم، أما الأنبياء فقد جاؤوا بالصلاة، الصلوات جاء بها إبراهيم، وجاء بها إسماعيل، وجاء بها الأنبياء.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (395) .(8/65)
37- كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
س: السائل: حسين من الجزائر، يقول: سماحة الشيخ، كيف كانت صلاة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وجهونا في ضوء سؤالنا (1)
ج: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم تخفيفا في تمام، كما قال أنس رضي الله عنه: «ما صليت خلف أحد أتم صلاة، ولا أتم ولا أخف
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (388) .(8/65)
صلاة من النبي عليه الصلاة والسلام، كانت صلاته تخفيفا في تمام (1) » يتم ركوعها وسجودها واعتدالها بعد الركوع وبين السجدتين، ولكن لا يطيل إطالة تمل الناس وتشق عليهم، وهكذا السنة، أن يصلي المؤمن تخفيفا في تمام، الإمام والمنفرد، أما المأموم فهو تابع لإمامه، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة (2) » ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي (3) » عليه الصلاة والسلام، فالتخفيف أن تتأسى بصلاته صلى الله عليه وسلم، وهي تخفيف في تمام، كان يقرأ في الظهر من أوساط المفصل، وفي العصر أقل من ذلك أخف من الظهر، وفي المغرب من قصاره، وتارة من طواله، وتارة من أوساطه، والغالب في المغرب أن يقرأ بالقصار، وكان يقرأ في العشاء بأوساط المفصل، وفي الفجر بطوال
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم (473) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة، برقم (90) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم (466) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(8/66)
المفصل مثل: (ق) ، و (الطور) و (الذاريات) ونحوها، وكان يركع ركوعا فيه إتمام وفيه تخفيف، ربما سبح سبع تسبيحات، عشر تسبيحات: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. ويقول في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. وكان إذا اعتدل بعد الركوع يطمئن، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكان يعتدل بعد الركوع حتى يقول القارئ قد نسي، وهكذا بين السجدتين، يعتدل بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني (1) » ولا يعجل، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكان في السجود أيضا يطمئن ويسبح عدة تسبيحات؛ عشر تسبيحات، وكان أنس رضي الله عنه صلى خلف بعض الأئمة، فقال: إنه أشبه صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعد له في الركوع والسجود عشر تسبيحات، فإذا سبح عشرا أو سبعا أو خمسا فكل هذا حسن: سبحان ربي العظيم. في
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/67)
الركوع، و: سبحان ربي الأعلى. في السجود. رب اغفر لي: بين السجدتين، لكن مع الطمأنينة، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي تخفيفا في تمام، والسنة للأئمة أن يتأسوا به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » وهكذا الأفراد، إذا صلى الإنسان فردا لمرض أو غيره يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا النساء يصلون كما كان النبي يصلي عليه الصلاة والسلام، تخفيفا في تمام، وقد سمعت صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، كان يتم ركوعه وسجوده وكان يعتدل بين السجدتين ويعتدل بعد الركوع ولا يعجل، وكان يقرأ في الظهر والعصر من أوساط المفصل، لكن العصر أخف، وفي المغرب من قصار المفصل، وربما قرأ من طواله كـ (الطور) وغيرها، وربما قرأ بـ (المرسلات) ، عليه الصلاة والسلام، فتارة يطيل في المغرب، وتارة يقصر في المغرب، عليه الصلاة والسلام، وفي العشاء بأوساط المفصل، مثل: (هل أتاك حديث الغاشية) ومثل: (والفجر) ، ومثل: (سبح) ، ومثل: (والسماء ذات البروج) ، وفي الفجر يقرأ بطوال المفصل، مثل: (الذاريات) ، و: (ق
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(8/68)
والقرآن المجيد) ، ومثل: (الطور) ، ومثل: (اقتربت الساعة) ، ومثل: (تبارك الذي بيده الملك) ، وأشباه ذلك.(8/69)
س: الأخ: أ. س. د. من السودان، يقول: الصلاة واجبة على كل إنسان، وهذا أمر مفروغ منه، إلا أنه اختلط لدينا الحابل بالنابل في كيفية أدائها، وذلك من ناحية أقوال العلماء والمشايخ في كيفية الأداء، ولكي يكون الإنسان على علم بذلك، أي الطريقة الصحيحة لأدائها كما يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بإيضاح ما يلي: أولا: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة، الأدعية التي يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إتمام الركعات في كل صلاة، وقبل التشهد الأخير، ما يقوله الرسول بعد التسليم وطريقة التسليم، الدعاء للميت، أي شيء يتعلق بكيفية الصلوات الخمس، الاعتكاف ووقته وكيفيته، كما أرجو أن يكون ذلك واضحا جليا مختصرا حتى أستطيع تسجيله وفهمه، جزاكم الله عنا خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (112) .(8/69)
ج: قد كتبنا في هذا رسائل فيما يتعلق بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وعظم شأن الصلاة وأداء الصلاة في الجماعة، أرجو أنها وصلت إليك أيها السائل، ولا مانع من إرسالها إليك، أما ما يتعلق بمعرفة ذلك من طريق هذا البرنامج فنوصيك أيها السائل وسائر الإخوة بالعناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراجعة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك في الصحيحين، وفي غيرهما وفي مثل: (المنتقى) للمجد ابن تيمية، و: (بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر رحمه الله، ومثل: (عمدة الحديث) للشيخ العلامة عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي رحمه الله، وهكذا الكتب التي جمعت في الحديث الشريف، مثل: (رياض الصالحين) ومثل: (جامع الأصول) .
والخلاصة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام إلى الصلاة كبر، ورفع يديه حيال منكبيه، وربما رفعهما إلى أذنيه عليه الصلاة والسلام، قائلا: الله أكبر. في أول الصلاة، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والنوافل، يقول: الله أكبر. هذا أول شيء للصلاة، وفي الحديث: «تحريمها التكبير (1) » ثم يأتي الاستفتاح، وهو دعوات يقولها قبل
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، برقم (3) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، برقم (61) .(8/70)
القراءة، وربما كانت أذكارا، فمن ذلك: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1) » وهذا الاستفتاح كله ذكر، ومن ذلك: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2) » وهذا أصح ما ورد في هذا الباب، وكله دعاء، ومنها: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (3) » وهذا من أجمع
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770) .(8/71)
أنواع الاستفتاح، وهناك استفتاحات أخرى تجدها في محلها من كتب الحديث، ولكن هذه الثلاثة من أقصرها ومن أثبتها.
ثم بعد هذا تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) إلى آخرها، والفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي ركن الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » فيقرؤها الإمام ويقرؤها المنفرد، ويقرؤها المأموم، لكنها في حق الإمام والمنفرد آكد وأوجب، واختلف العلماء في وجوبها على المأموم على أقوال: أحدها: أنها تجب على المأموم مطلقا في السر والجهر.
والثاني: أنها تجب عليه في السرية، لا في الجهرية.
والثالث: أنها لا تجب عليه، لا في السرية، ولا في الجهرية، ويتحملها عنه الإمام.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .(8/72)
والأرجح أنها واجبة عليه في السر والجهر؛ لعموم الأحاديث الدالة على ذلك، لكن إذا لم يأت إلا والإمام في الركوع فإنه تجزئه الركعة؛ لأنه لم يحضر وقت القيام، فهو معذور لما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري – رحمه الله – أن أبا بكرة الثقفي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فركع ثم دخل في الصف، ركع وحده ثم دخل في الصف من الحرص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «زادك الله حرصا، ولا تعد (1) » يعني: لا تعد في الركوع دون الصف، بل اصبر حتى تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، احتج العلماء وهم الأئمة الأربعة على أنها تجزئه هذه الركعة؛ لأن الرسول لم يأمره بالإعادة، فدل على سقوط الفاتحة عمن جاء والإمام راكع، وهكذا لو نسي المأموم، أو جهل سقطت عنه، فليس مثل الإمام والمنفرد، والفاتحة لها شأن عظيم كما تقدم، فإنها أعظم سورة في كتاب الله عز وجل، فالمشروع للمؤمن عند قراءتها أن يتدبرها، ويتعقلها في الصلاة وخارجها، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف، برقم (783) .(8/73)
عبدي نصفين - يعني الفاتحة سماها الصلاة - فإذا قال: قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: قال الله سبحانه: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل -، يعني: حق الله، حاجة العبد يستعين بربه - فإذا قال: قال الله سبحانه: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل (9) » يعني: هذا سؤال من عبدي يطلب الهداية، وله ما سأل، وهذا وعد من الله أن يعطيه الهداية، وهذا أشرف
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (395) .
(2) سورة الفاتحة الآية 2 (1) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(3) سورة الفاتحة الآية 3 (2) {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
(4) سورة الفاتحة الآية 4 (3) {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
(5) سورة الفاتحة الآية 5 (4) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(6) سورة الفاتحة الآية 5 (5) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
(7) سورة الفاتحة الآية 5 (6) {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(8) سورة الفاتحة الآية 6 (7) {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
(9) سورة الفاتحة الآية 7 (8) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}(8/74)
مطلوب: الهداية، فينبغي لك أيها القارئ أيها المؤمن، أيتها المؤمنة، ينبغي لكل منكما تدبر هذه السورة والعناية بها، والخشوع فيها والإقبال عليها عند قراءتها، وهكذا عند قراءة جميع القرآن، كما قال الله سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) ، وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} (2) قال: آمين. سواء كان في الصلاة أو في خارجها، السنة أن يقول: آمين. الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة وخارجها – آمين معناها: استجب يا ربنا – ثم بعد ذلك يقرأ الإمام والمنفرد سورة بعد الفاتحة أو آيات بعد الفاتحة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، ويطيل في الفجر مثل سورة (ق) ، مثل: (والطور) ، (والنجم إذا هوى) ، (اقتربت الساعة) ، المسبحات، وما أشبه ذلك من السور. والظهر كذلك قريب من الفجر، يطيل في الأولى والثانية، وتكون الثانية أقصر من الأولى بعض الشيء، وتكون العصر أخف من الظهر، يقرأ سورة أو آيات بعد الفاتحة في الظهر والعصر، في الأولى والثانية، لكن تكون العصر أخف من الظهر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وفي
__________
(1) سورة ص الآية 29
(2) سورة الفاتحة الآية 7(8/75)
الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحة فقط، الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء الفاتحة فقط، وفي المغرب في الثالثة يقرأ الفاتحة فقط، وربما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر زاد على الفاتحة في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة بعض الآيات، أو بعض السور القصيرة فهو حسن ومستحب في بعض الأحيان، تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه هذا في صحيح مسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم يركع رافعا يديه مثل ما رفع عند الأولى، يرفعهما حيال منكبيه أو حيال أذنيه، تارة وتارة تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يسوي ظهره ورأسه في ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جنبيه لا يلصقهما في جنبيه، خاشعا لربه مطمئنا، يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وإذا زاد على ذلك فقالها خمسا أو ستا أو سبعا، أو أكثر من ذلك فهو حسن، لكن لا يطيل إذا كان إماما إطالة تشق على المأمومين، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل الركوع والسجود، جاء عن غير أنس أيضا، وجاء في بعض أحاديث أنس: أنه كان يعد له في الركوع والسجود ما يقرب من عشر تسبيحات،(8/76)
فهذا يدل على أن السنة الطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. في الركوع، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (1) » متفق عليه، ثم يرفع من الركوع رافعا يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه كما فعل عند الركوع، وكما فعل عند الإحرام قائلا: سمع الله لمن حمده، إن كان إماما أو منفردا، ثم بعد هذا يقول: ربنا ولك الحمد. بعد انتصابه قائما، أو يقول: ربنا لك الحمد. بدون واو، أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. كله جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يكمل: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. هذا هو الأفضل، ولو اقتصر على: ربنا ولك الحمد. كفى لكن كونه يكمل أولى وأفضل، ويطيل هذا الركن ولا يعجل؛ لأن الرسول كان يطيله عليه الصلاة والسلام، حتى يقول القائل:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/77)
قد نسي. وزاد في بعض الأحاديث بعد: وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا وهو واقف بعد الركوع، هذا هو الكمال إذا انتصب قائما، الإمام والمنفرد بعد قوله: سمع الله لمن حمده، يقول: «ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » وإن اقتصر على البعض كفاه ذلك، أما المأموم فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد. أو: ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. يقول هذا تارة وهذا تارة كله حسن؛ لأن الرسول عليه السلام قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد (2) » ولم يأمر أن يقولوا: سمع الله لمن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم (796) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التسميع والتمجيد والتأمين، برقم (409) .(8/78)
حمده. بل يقولون: ربنا ولك الحمد. قال بعض أهل العلم: إنه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. يجمع بينهما كالإمام، ولكن هذا قول ضعيف مرجوح، والصواب أن المشروع أن يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يحتاج إلى أن يقول: سمع الله لمن حمده، بل هذا خاص بالإمام والمنفرد، ثم يكمل بعد انتصابه يقول: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وإن كبر إمامه قبل أن يكمل كبر مع إمامه، وترك الباقي، إذا كبر الإمام قبل أن يكمل كبر وركع مع إمامه.(8/79)
س: سماحة الشيخ عبد العزيز، نبدأ هذه الحلقة لو تكرمتم بالعودة إلى إجابة أخينا: أ. س. د. من السودان، حيث سأل عن الكيفية الصحيحة للصلاة، وقد شرعتم جزاكم الله خيرا وبينتم الوصف الذي يحسن بالمسلم أن يسير عليه، ووصلتم إلى القيام من الركوع، فحبذا لو تفضلتم وأكملتم ما بدأتم، جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (112) .(8/79)
ج: قد سبق لنا أن تكلمنا على صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، تحقيقا لما سأل عنه السائل المذكور، وانتهينا إلى ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بعد رفعه من الركوع، وما كان يقوله عليه الصلاة والسلام، وانتهينا إلى أن المأموم إذا رفع يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يزيد: سمع الله لمن حمده. هذا هو المختار، هذا هو الأرجح، ويكمل الحمد، فيقول: «حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » إن تيسر له ذلك، فإن كبر الإمام تابعه وترك البقية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا ركع فاركعوا (2) » ثم بعد ذلك الإمام والمنفرد والمأموم إذا فرغوا من هذا القيام، ومن ذكر هذا القيام يخرون سجدا، فيكبر كل منهم عند السجود، يقول: الله أكبر. الإمام والمأموم والمنفرد عند السجود، بعد القيام بعد الركوع، وذكر القيام الذي تقدم بعد ذلك، يخر الإمام ساجدا،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة، برقم (734) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (414) .(8/80)
وهكذا المأموم وهكذا المنفرد، لكن المأموم يخر بعد إمامه، فإذا انتهى إمامه ساجدا سجد بعده، قائلا كل منهم: الله أكبر. عند سجوده من دون رفع اليدين، ليس في هذا رفع لليدين، بل يخر كل منهم ساجدا من دون رفع اليدين، كما فعل عليه الصلاة والسلام، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى. كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. والواجب مرة واحدة، وهكذا في الركوع الواجب مرة: سبحان ربي العظيم. فإذا كرر ثلاثا فهو قد أدى الكمال والمستحب، وإن زاد خمسا أو سبعا أو عشرا كله مستحب، والإمام يراعي عدم المشقة على الناس، والمأموم تبع لإمامه، والمنفرد لا حرج عليه في الزيادة التي لا تشق عليه، ولا تسبب له نعاسا أو أفكارا لا تناسب، ويستحب للإمام والمنفرد والمأموم أن يقولوا في السجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. كالركوع؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (1) » ويكثر من الدعاء أيضا في السجود، يقول عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/81)
أن يستجاب لكم (1) » يعني: حري أن يستجاب لكم. ويقول عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2) » فيشرع للمؤمن والمؤمنة في السجود الإكثار من الدعاء، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، يدعو بما تيسر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: «اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (3) » هذا من دعائه عليه الصلاة والسلام، ومن الدعاء الذي يحسن في هذا المقام ما ثبت في الصحيحين عن الصديق رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول في صلاته: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (4) » هذا من أفضل الدعاء في الجلوس بين السجدتين وفي آخر الصلاة، وفي غير الصلاة. الصديق سأل النبي قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي. وفي
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(3) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .(8/82)
رواية: وفي بيتي. قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم (1) » ، فإذا دعا بهذا في السجود أو بين السجدتين، أو في آخر الصلاة فكله حسن، ومن الدعاء أيضا الحسن في هذا المقام: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (2) » و: «يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك (3) » كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة، كان هذا من دعائه المعروف، اللهم صل عليه وسلم، فإذا دعا به الإنسان في السجود، أو في آخر الصلاة، وهكذا في خارجها هو دعاء عظيم، والعبد في أشد الحاجة إليه، ويدعو الإنسان بما يتيسر له من الدعوات الطيبة، حتى يرفع إمامه إن كان مأموما، والإمام يدعو على وجه لا يشق على المأمومين، والمنفرد كذلك، والسنة للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، يكون معتدلا في السجود ويرفع ذراعيه عن الأرض، يعتمد على
__________
(1) صحيح البخاري التوحيد (7388) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2705) ، سنن الترمذي الدعوات (3531) ، سنن النسائي السهو (1302) ، سنن أبي داود الصلاة (760) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3835) ، مسند أحمد (1/7) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم (2140) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (3834) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (9420) .(8/83)
كفيه، يبسط كفه في الأرض، يمد أصابعه إلى جهة القبلة ضاما بعضها إلى بعض، رافعا ذراعيه مفرجا عضده عن جنبه، رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، هكذا السنة، معتمدا على بطون الأصابع، أصابع رجليه، مادا الأصابع إلى جهة القبلة، هكذا كان يسجد النبي عليه الصلاة والسلام، والواجب عليه أن يسجد على الأعظم السبعة، يعني على وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، هذا ركن لا بد منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم قال: الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1) » فلا بد من هذا في السجود للرجل والمرأة، للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، أما كيف ينحط للسجود فقد جاء في هذا سنتان عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إحداهما: «أنه ينحط على ركبتيه، ثم يضع يديه ثم جبهته وأنفه في الأرض (2) » هذا جاء من حديث وائل بن حجر عند أهل السنن بإسناد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر، برقم (490) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، برقم (268) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (838) ، والنسائي في المجتبى في كتاب التطبيق، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، برقم (1089) .(8/84)
حسن، وله شاهد من حديث أنس، وله شاهد من حديث أبي هريرة في النوع الثاني. والنوع الثاني: أنه ينحط على يديه أولا، ثم ركبتيه بعد ذلك، وهذا جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » قال جماعة من العلماء: معناه أنه يبدأ بيديه؛ لأن البعير يبدأ بركبتيه وهي في يديه، فهذه سنة، وهذه سنة، ولا مشاحة في ذلك، إن سجد على ركبتيه فحسن، وإن سجد على يديه فحسن؛ لمجيء الحديثين بذلك، لكن الأظهر والأقرب أن الأفضل السجود على ركبتيه، ثم يديه فجبهته وأنفه، هذا هو الأفضل والأقرب، وهو المخالف لأيادي البعير، وهو الموافق لأول الحديث، أي: لا يبرك كما يبرك البعير. . . الحديث؛ لأن بروك البعير يبرك على يديه، إذا قدم المؤمن يديه فقد شابه البعير، فالأفضل أن يقدم ركبتيه التي في رجليه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأرجح في السنتين، وأما القول في حديث أبي هريرة، «وليضع يديه قبل ركبتيه (2) » هذا صريح، لكن قال بعض أهل العلم: لعله
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/85)
وقع فيه انقلاب، وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه. فانقلب على بعض الرواة، وهو محتمل؛ لأن آخره لا يوافق صدر الحديث، العجز لا يوافق الصدر، فإن في الصدر: «لا يبرك كما يبرك البعير (1) » والبعير يبرك على يديه، وقوله: «وليضع يديه قبل ركبتيه (2) » في آخره مخالفة صدر الحديث، فيظهر من هذا أن الحديث فيه انقلاب، وهو أن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه. فيكون بهذا موافقا لحديث وائل، وينتهي الخلاف والإشكال، وبكل حال فالحمد لله الأمر واسع، إن سجد على ركبتيه كما دل عليه حديث وائل فحسن، وإن سجد على يديه فالأمر واسع في ذلك، والحمد لله، ولا ينبغي في هذا المشاحة والمشاقة والنزاع، ولكن الأفضل والأرجح والأقرب أنه يسجد على ركبتيه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه على حديث وائل، والأقرب والأظهر أن حديث أبي هريرة لا يخالف حديث وائل، ولكنه يوافقه في المعنى، ولكن حصل في عجزه انقلاب، ويظهر أن الحديث: وليضع ركبتيه قبل يديه. وبهذا يجتمع الحديثان، وهذا أظهر قولي العلماء في الموضوع.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/86)
ثم يرفع من السجود جالسا على رجله اليسرى ناصبا رجله اليمنى بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني. يدعو بما تيسر، ومن ذلك: رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، واجبرني وارزقني (1) » كما جاء في الأحاديث، يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل، وكيف ما قعد أجزأ، وإن جلس على عقبيه بأن فرش رجليه وجلس على عقبيه فلا بأس، كما جاء في حديث ابن عباس، وهذا إقعاء لا بأس بالجلوس عليه، هو إقعاء خاص وهو الجلوس على العقبين، ولكن الأفضل وهو الذي جاء في الأحاديث الكثيرة، أنه يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى هذا هو الأفضل، ويضع يديه على فخذيه وأطرافهما على ركبتيه، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني، كيفما دعا بالمغفرة جاز: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم اغفر لي وللمسلمين، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا. إلى آخره. كان النبي يطيل هذه الجلسة كما كان يطيل ما بعد الركوع، عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/87)
والسلام، حتى يقول القائل: قد نسي. ولكن يلاحظ الإمام أن لا يشق على الناس، لكن لا ينبغي أن يفعل مثل بعض الناس من جهة العجلة، بعض الناس يعجل ولا يستقر بعد الركوع، ولا بين السجدتين، هذا غلط، المشروع أن يطمئن ولا يعجل بين السجدتين، وبعد الركوع حال قيامه بعد الركوع، اقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، متأسيا به عليه الصلاة والسلام، ثم يسجد الثانية قائلا: الله أكبر. من دون رفع اليدين في السجود، فيسجد كما سجد في الأولى، ويضع يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، مادا أصابعهما إلى القبلة، ضاما بعضها إلى بعض، رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ومجافيا عضديه عن جنبيه كما تقدم، في هذه السجدة كالتي قبلها ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو بما تيسر في سجوده كما تقدم، وناسب هنا: ربي الأعلى؛ لأنه حال خضوع وذل وتسفل، حتى وضع وجهه على الأرض، فناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى. الذي فوق العرش سبحانه وتعالى، فوق جميع الخلق، وهو فوق العرش، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى، وهو في جهة العلو عند أهل السنة والجماعة، فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه:(8/88)
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) ، وقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) ، وقال: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3) ، وقال: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (4) ، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (5) في آيات كثيرة، كلها دالة على علوه سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق فوق العرش، وأنه استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والاستواء هو العلو والارتفاع، وعند أهل السنة أنه استواء يليق بالله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (6) ، وقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (7) ، وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم، لما كان الركوع حال ذل وخضوع، ناسب أن يقول: سبحان ربي العظيم، الذي هو أعظم شيء
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة البقرة الآية 255
(3) سورة غافر الآية 12
(4) سورة آل عمران الآية 55
(5) سورة النساء الآية 158
(6) سورة الشورى الآية 11
(7) سورة الإخلاص الآية 4(8/89)
سبحانه وتعالى، هو العزيز، هو الجبار، هو العظيم، هو القدوس، فناسب في الركوع أن يقول: سبحان ربي العظيم، تنزيه لربه عن الذل، وأنه العزيز الذي لا أعز منه سبحانه وتعالى، العظيم الذي لا أعظم منه، وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأنه العالي فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، ثم يرفع إلى الركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى كما تقدم، لكن ليس فيها استفتاح، والاستفتاح في الأولى فقط، أما هذه فيرفع ثم يقرأ الفاتحة، يسمي الله ويقرأ الفاتحة، وإن تعوذ فلا بأس، والاستعاذة الأولى كافية، لكن إن أعاد الاستعاذة فلا بأس، ثم يسمي ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة أو آيات دون الأولى كما تقدم، ثم يركع كما ركع في الأولى، ويرفع كما رفع في الأولى كما تقدم، ثم يجلس، ثم يسجد سجدتين كما تقدم، ثم يجلس للتشهد الأول على رجله اليسرى، ينصب اليمنى مثل جلوسه بين السجدتين، ويقرأ التحيات: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا بأس، جاء هذا وهذا، جاء ذكر: وحده لا شريك له، وجاء أحدها: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن(8/90)
محمدا عبده ورسوله، فإن شاء رفع، وإن صلى على النبي فهو أفضل، يصلي على النبي، ثم يرفع للثالثة؛ لأن الأحاديث عامة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم قال: يكتفي بالشهادة ويقوم، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » ثم يرفع قائلا: الله أكبر ويرفع يديه مثل ما رفع عند الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، يرفع يديه قائلا: الله أكبر، إلى الثالثة، ثم بعد استتمامه قائما يقرأ الفاتحة وحدها ثم يركع، كما فعل في السابق، ثم يسجد كما فعل في السابق، هكذا، وهكذا في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وفي الثالثة في المغرب، يقرأ الفاتحة ويركع كما تقدم، ويقول في الركوع كما تقدم، ويرفع كما تقدم، ويقول في الرفع كما تقدم، ويسجد كما تقدم، ويقول في السجود كما تقدم، سواء بسواء، لكن في الظهر والعصر والعشاء ركعتين، بعد التشهد الأول، وفي المغرب ركعة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/91)
واحدة، وفي الفجر الصلاة ركعتان فقط، ليس فيها التشهد الأول أو الآخر، بل ليس فيها إلا تشهد واحد: الفجر والجمعة والعيد والاستسقاء، كل منها ركعتان ليس فيها إلا تشهد واحد، يأتي بالتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، وهكذا في التشهد الأخير في المغرب والعشاء والظهر والعصر، يأتي بالتحيات كما تقدم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم، ثم يدعو، يتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال كما جاء به الخبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك أيضا، فقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويدعو بما أحب، ومنها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر. كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة، وعلم النبي معاذا أن يقول:(8/92)
«اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (1) » لما قال: «يا معاذ، إني لأحبك (2) » يقول له صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، إني لأحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (3) » . ويستحب هذه الأدعية في آخر الصلاة لكل مصل، مأموم أو إمام أو منفرد، رجل أو امرأة هذا المشروع، والواجب قراءة التحيات مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب، هذا الفرض هذا الركن، وما زاد فهو سنة مستحب، وبعض أهل العلم أوجب التعوذ بالله من أربع، لكن الذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة، ولكن ينبغي أن لا يدعها، ينبغي للمسلم وللمسلمة أن لا يدع هذه التعوذات الأربع: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (4) » ؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمر بها، وكان يفعلها بنفسه عليه الصلاة والسلام، يقول:
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) ، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .
(2) سنن النسائي السهو (1303) ، سنن أبي داود الصلاة (1522) ، مسند أحمد (5/247) .
(3) سنن النسائي السهو (1303) ، سنن أبي داود الصلاة (1522) ، مسند أحمد (5/247) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .(8/93)
«صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » فالأولى بالمؤمن وبالمؤمنة أن لا يدع كل منهما هذه الدعوات الطيبة، ويدعو معها بما تيسر من الدعوات، ويداه على فخذيه وأطرافها على ركبتيه، ويؤشر بالسبابة في التشهد الأول والثاني، يرفع السبابة ويقبض الجميع إشارة للتوحيد، وإن حلق الإبهام مع الوسطى، وقبض الخنصر والبنصر، ورفع السبابة فكله حسن، هذا سنة وهذا سنة، وعند الدعاء يحرك سبابته قليلا عند الدعاء، هذا جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يسلم عن يمينه وشماله تسليمتين: السلام عليكم ورحمة الله - هذا المحفوظ - السلام عليكم ورحمة الله. ورد في بعض الروايات: وبركاته. لكن اختلف العلماء في صحتها، فالأولى والأفضل أن يقتصر على: السلام عليكم ورحمة الله، فقط، هذا هو المحفوظ من حديث ابن مسعود، ومن حديث جابر بن سمرة، وأحاديث أخرى فيها الدلالة على أن يقول: «السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله (2) » يلتفت يمينا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، تفريع كتاب الركوع والسجود، باب في السلام، برقم (996) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما جاء في التسليم في الصلاة، برقم (295) ، والنسائي في المجتبى، باب التطبيق، باب التكبير عند الرفع من السجود، برقم (1142) .(8/94)
وشمالا ويبالغ في السلام، يبالغ في الالتفات، هذا هو الأفضل، ثم يقول بعد السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثبت هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه كان يقوله إذا سلم ثم ينصرف إلى الناس، يعطيهم وجهه إذا كان إماما، وإذا أعطاهم وجهه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب للجميع أيضا أن يأتوا بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثا وثلاثين مرة، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ويستحب مع هذا أن يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، و (قل هو الله أحد) والمعوذتين: (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) مرة واحد، بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يوفق(8/95)
جميع المسلمين بالأخذ بالسنة، والاستقامة عليها والسير عليها، والتواصي بها، إنه سميع مجيب.(8/96)
38- بيان صفة الصلاة بدءا من الوضوء إلى التسليم
س: أنا فتاة مسلمة ملتزمة أعمل الخير، وأتجنب الشر، إلا أنني لم أقم الصلاة؛ وذلك بسبب الحيرة، حيث إن في بلادنا ناسا منقسمة إلى قسمين، أي بين المسلمين، وصلاة كل منهم تختلف عن الآخر، وكل منهم يدعي أن صلاتهم هي الأصح، وأنا إن صليت فإن الوسوسة لا تفارقني، لهذا كتبت إليكم لعلكم تنقذوني من حيرتي، وإخباري بالصلاة الصحيحة، بدءا من الوضوء، وأنا أعلم أن هذا سيأخذ وقتا كثيرا من البرنامج، ولكنكم لو تعلمون مدى الفائدة من جوابكم ليس لي فقط، وإنما الكثيرات منا، حتى أتعلمها وأحفظها، ثم إلى غيري من الفتيات. . . وهكذا تستمر سماحة الشيخ إلى أن تقول:(8/96)
أرجو أن تفيدوني عن الصلاة بدءا من الوضوء وحتى التسليم (1)
ج: أسأل الله لك ولجميع أخواتك في الله التوفيق والهداية، وأوصيك أولا بلزوم ما عليه أهل السنة، وأن يكون الميزان ما قاله الله ورسوله، الميزان هو كتاب الله العظيم، القرآن، وما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام، وأهل السنة هم الأولى بهذا وهم الموفقون لهذا الأمر، فنوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة، وأن تستقيمي على ذلك، حتى تلقي ربك على طريق السنة والجماعة، أما ما يتعلق بالصلاة فالواجب عليك أن تصلي وليس لك أن تدعيها حيرة، وعليك أن تصلي كما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم، وعليك أن تحذري التساهل في ذلك، والصلاة عمود الإسلام، وتركها كفر وضلال، فالواجب عليك الحذر من تركها، والواجب عليك وعلى كل مسلم ومسلمة البدار عليها والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله عز وجل:
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (64) .(8/97)
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) ، هكذا في سورة (البقرة) ، وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) ، كذا في سورة (البقرة) أيضا، وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3) في سورة (النور) ، فعليك أن تعتني بالصلاة، وأن تجتهدي في المحافظة عليها، وأن تنصحي من لديك في ذلك، والله وعد المحافظين على الصلاة بالجنة والكرامة، قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5) ، ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان، ثم ختمها سبحانه بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (6) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (7) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (8) ، هذا وعد عظيم من الله عز وجل لأهل الصلاة، وأهل الإيمان، في سورة (المعارج) : {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} (9) {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (10) {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (11) {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (12) {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (13)
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) سورة النور الآية 56
(4) سورة المؤمنون الآية 1
(5) سورة المؤمنون الآية 2
(6) سورة المؤمنون الآية 9
(7) سورة المؤمنون الآية 10
(8) سورة المؤمنون الآية 11
(9) سورة المعارج الآية 19
(10) سورة المعارج الآية 20
(11) سورة المعارج الآية 21
(12) سورة المعارج الآية 22
(13) سورة المعارج الآية 23(8/98)
ثم عدد صفاتهم بعد ذلك، ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (1) {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} (2) فنوصيك بالصلاة والمحافظة عليها.
وأما ما سألت عنه عن الوضوء وكيفية الصلاة، فهذا جوابه.
أولا: الوضوء شرط للصلاة لا بد منه، قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (3) ، هكذا أمر الله في سورة (المائدة) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (4) » فلا بد من الوضوء.
والوضوء أولا: الاستنجاء إذا كان الإنسان قد أتى الغائط أو البول،
__________
(1) سورة المعارج الآية 34
(2) سورة المعارج الآية 35
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (224) .، وقال عليه الصلاة والسلام: /32 لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ /32 أخرجه البخاري في كتاب الحيل، باب في الصلاة برقم (6954) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (225) .(8/99)
يستنجي بالماء من بوله وغائطه، أو يستجمر باللبن أو بالحجارة، أو بالمناديل الخشنة الطاهرة عما خرج منه ثلاث مرات، أو أكثر حتى ينقي محل الدبر، والذكر أو القبل، حتى ينقي الفرجين من آثار الغائط والبول، بالحجر باللبن بالمناديل، حتى ينقي المحل ثلاث مرات فأكثر، والماء أفضل، وإذا جمع بينهما استجمر واستنجى بالماء كان أكمل، ثم بعد ذلك يتوضأ الوضوء الشرعي، فيغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت الشعر فوق إلى الذقن أسفل، وعرضا إلى فروع الأذنين، وهكذا يغسل الوجه، ثم يغسل يديه وذراعية من أطراف الأصابع إلى المرافق، مفصل الذراع من العضد، والمرفق يكون مغسولا اليمنى، ثم اليسرى الرجل والمرأة، ثم بعد ذلك يمسح الرأس والأذنين الرجل والمرأة، ثم بعد يغسل رجله اليمنى ثلاثا مع الكعبين، ثم اليسرى ثلاثا مع الكعبين، حتى يشرع في الساق، الكعبان مغسولان، والسنة ثلاثا ثلاثا، في المضمضة والاستنشاق والوجه، واليدين والرجلين ثلاثا ثلاثا، أما الرأس فمسحة واحدة مع أذنيه، هكذا السنة، وإن لم يغسل الوجه إلا مرة عمه بالماء ثم عم يديه بالماء مرة مرة، وهكذا الرجلان عمهما بالماء مرة مرة، أو مرتين مرتين أجزأ ذلك، ولكن الأفضل ثلاثا ثلاثا،(8/100)
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في بعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، فالأمر واسع بحمد الله، والواجب مرة يعم كل العضو بالماء، يعم وجهه بالماء مع المضمضة والاستنشاق، ويعم يده اليمنى بالماء حتى يغسل المرفق، وهكذا اليسرى يعمها بالماء، وهكذا يمسح رأسه وأذنيه يعم رأسه بالماء، ثم الرجلين يغسل اليمنى مرة يعمها بالماء، واليسرى كذلك يعمها بالماء مع الكعبين، هذا الواجب، وإذا كرر ثنتين كان أفضل، وإذا كرر ثلاثا كان أفضل، وبهذا ينتهي الوضوء.
ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء (1) » رواه مسلم في صحيحه.
وزاد الترمذي بإسناد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234)(8/101)
حسن بعد ذلك: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (1) » فهذا يقال بعد الوضوء، يقوله الرجل وتقوله المرأة خارج الحمام، ويبدأ الوضوء بالتسمية، يقول بسم الله عند بدء الوضوء، هذا هو المشروع، وأوجبه جمع من أهل العلم، أن يقول بسم الله عند بدء الوضوء، وبهذا عرفت الوضوء، وهو مفتاح الصلاة، مفتاح الصلاة الطهور.
ثم الصلاة كيفيتها:
يبدؤها بالتكبير: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقول: الله أكبر. الرجل والمرأة، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » هذا الأفضل، أو يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (3) » إن فعل هذا أو هذا كله صحيح.
وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتى بواحد منها صح، ولكن استعمال هذين الاستفتاحين من أكثرها، فإذا
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما يقال بعد الوضوء، برقم (55)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/102)
فعلها رجل أو امرأة كفى، وهو مستحب وليس بواجب، لو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ، لكن كونه يأتي بهذا الاستفتاح، وهو: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (1) » هذا أفضل، أو يأتي بقوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2) »
وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح، ثم يقول الرجل أو المرأة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. بعد هذا الاستفتاح، ثم يقرأ الفاتحة، وهي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (3) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (5) {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (6) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (7) {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (8) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (9) .
ثم يقول: آمين وآمين ليس من الفاتحة، مستحبة كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة، في الجهرية والسرية، معناها: اللهم استجب. ثم يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة، في الأولى من الظهر والثانية من
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(3) سورة الفاتحة الآية 1
(4) سورة الفاتحة الآية 2
(5) سورة الفاتحة الآية 3
(6) سورة الفاتحة الآية 4
(7) سورة الفاتحة الآية 5
(8) سورة الفاتحة الآية 6
(9) سورة الفاتحة الآية 7(8/103)
الظهر، والأولى من العصر والثانية من العصر، والأولى من المغرب والثانية من المغرب، والأولى من العشاء والثانية من العشاء، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر، يقرأ مع الفاتحة سورة أو آيات، بعد ما يقرأ الفاتحة يقرأ سورة أو آيات، والأفضل في الظهر أن يكون أوساط المفصل، مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (1) ، مثل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (2) مثل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (3) ، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (4) ، {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (5) ، وما حول ذلك، وفي العصر مثل ذلك أو أخف منه قليلا.
وفي المغرب كذلك، يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور، أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بـ (الطور) ، وقرأ في بعض الأحيان بـ (المرسلات) ، وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة (الأعراف) ، قسمها في ركعتين، ولكن في الأغلب يقرأ أقل من ذلك كقراءة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (6) و {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (7) أو {إِذَا زُلْزِلَتِ} (8) أو (القارعة) أو (العاديات) ، لا بأس بهذا، ولكن في بعض الأحيان يقرأ أطول كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ أطول في المغرب كـ (الطور) (والمرسلات) ونحوهما، وفي العشاء يقرأ مثل ما قرأ في الظهر والعصر، يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى مثل:
__________
(1) سورة الغاشية الآية 1
(2) سورة الليل الآية 1
(3) سورة عبس الآية 1
(4) سورة التكوير الآية 1
(5) سورة الانفطار الآية 1
(6) سورة الغاشية الآية 1
(7) سورة البلد الآية 1
(8) سورة الزلزلة الآية 1(8/104)
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} (1) ، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (2) ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (3) ، {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (4) ، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (5) وما أشبه ذلك، أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية.
وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة، لكن أطول من الماضيات، يكون في الفجر أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يقرأ في الفجر: مثل (ق) ، مثل: (اقتربت الساعة) ، وأقل من ذلك مثل: (التغابن) ، و (الصف) ، و: (تبارك الذي بيده الملك) ، مثل: (قل أوحي إلي) ، و (المزمل) ، وما أشبه ذلك في الفجر، يقرأ أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولو قرأ أقل وأقصر لا حرج عليه فإنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك، لكن كونه يقرأ بالطوال في الغالب يكون أفضل تأسيا بالرسول عليه الصلاة والسلام، أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء فيكفي الفاتحة، يقرأ الفاتحة ثم يكبر للركوع، الفاتحة (الحمد) يعني يقرؤها ثم يكبر للركوع، لكن ورد في فضله ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بعض الأحيان قد يقرأ زيادة في الظهر، في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر، في الثالثة زيادة على الفاتحة والرابعة بعض الشيء فهو حسن، تأسيا به عليه الصلاة والسلام.
هذه صفة القراءة في الصلاة
__________
(1) سورة البروج الآية 1
(2) سورة الطارق الآية 1
(3) سورة الغاشية الآية 1
(4) سورة عبس الآية 1
(5) سورة التكوير الآية 1(8/105)
ثم يركع ويطمئن في ركوعه، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوي رأسه بظهره، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب (1) » وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم (2) »
قالت عائشة رضي الله عنها: كان يكثر في الركوع: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (3) » فهذا كله مستحب، فالواجب: سبحان ربي العظيم مرة، وإن كررها ثلاثا كان أفضل أو خمسا وإذا زاد على ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحان ذي الجبروت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. في بعض الأحيان فحسن.
هذا في الركوع، وحين يركع يقول: الله أكبر. ويعتدل في الركوع، ويطمئن ولا يعجل، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده إن كان إماما أو منفردا عند الرفع، يقول:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم (772)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/106)
سمع الله لمن حمده ثم يقول بعد: سمع الله لمن حمده: «ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد (1) » هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأقر شخصا سمعه يقول: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. أقره على ذلك وقال: «إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ليرفعها (2) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أنه إذا رفع من الركوع إذا كان إماما، أو منفردا يقول: سمع الله لمن حمده ثم يقول – وهو منتصب واقف-: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (3) » وهكذا في بقية الركعات يقول هكذا حين يرفع رأسه من الركوع
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب يطول في الصلاة، برقم (799)
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)(8/107)
س: ما هي صفة الصلاة من الوضوء حتى التسليم؟ في تكملة سؤال سابق، قد أجاب الشيخ على بعضه (1)
ج: قد سبق الكلام على الوضوء، وبينا الكيفية الشرعية للوضوء، وسبق الكلام في أول الصلاة وانتهينا إلى الركوع، فالذي شرعه الله جل وعلا في الركوع أن المصلي إذا انتهى من القراءة يكبر رافعا يديه، راكعا يرفع يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى حيال أذنيه، ويكبر قائلا: الله أكبر. ثم يسوي ظهره كما تقدم، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة جميعا، ويشرع أن يقول فيه مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثا، فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وإن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماما، ويستحب أن يقول في ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (65)(8/108)
اغفر لي (1) »
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح (2) » فإذا قال مثل هذا فحسن؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع قائلا: سمع الله لمن حمده. إذا كان إماما أو منفردا، يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده. ويرفع يديه مثل ما فعل عند الركوع حيال منكبيه، أو حيال أذنيه عند قوله: سمع الله لمن حمده. ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: «ربنا ولك الحمد (3) » أو: «اللهم ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (4) »
هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: «أهل الثناء والمجد،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (487)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم (689) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (411)
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)(8/109)
أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » وذلك حسن؛ لأن الرسول كان يقوله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، ومعنى: ولا ينفع ذا الجد منك الجد يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو الحظ والغنى، وأما إذا كان مأموما فإنه يقول: ربنا ولك الحمد. عند الرفع، ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه، أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا: ربنا ولك الحمد أو: اللهم ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد، كل هذا مشروع للإمام والمأموم أو المنفرد جميعا لكن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده. أولا، وهكذا المنفرد.
ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع، يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يأتي بالتسميع، لا يقول: سمع الله لمن حمده. على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والواجب الاعتدال في هذا الركن، لا يعجل متى رفع يعتدل ويطمئن قائما، ويضع يديه على صدره، هذا هو الأفضل. قال بعض أهل العلم: يرسلها. لكن الصواب أنه يضعها على
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)(8/110)
صدره، يضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره، كما فعل قبل الركوع وهو قائم.
هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائما في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر، وثبت هذا أيضا من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، وثبت مرسلا من حديث طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأفضل وهو السنة، وإن أرسل يديه فلا حرج في صلاته، صلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي للمؤمنين المشاقة في هذا والمنازعة، بل المؤمن يعلم السنة.
وطالب العلم يعلم السنة في إخوانه، ولكن لا يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبينه العداوة والشحناء؛ لأنها سنة نافلة، ولا ينبغي للإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء، بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه، كما يحب لنفسه، هكذا ينبغي في هذه الأمور، وجاء في حديث سهل بن سعد الصحيح في البخاري قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) » قال أبو حازم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/111)
الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فدل ذلك على أنه في الصلاة إذا كان قائما يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى على كفه وطرف ذراعه؛ لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر، فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعه على الذراع؛ لأن الساعد من الذراع فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وعلى الرسغ والساعد، كما جاء مصرحا به في حديث وائل.
وهذا يشمل القيام الذي قبل الركوع والقيام الذي بعد الركوع، وهذا الاعتدال من أركان الصلاة، لا بد منه، بعض الناس قد يعجل من حين يرفع ينزل ساجدا، وهذا لا يجوز، بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل، ويقف طويلا حتى يقول القائل: قد نسي. وهكذا بين السجدتين، يطول حتى يقول القائل: قد نسي (1) » فالواجب على المصلي في الفريضة وفي النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم (800)(8/112)
المشروع، وهكذا بين السجدتين لا يعجل يطمئن ويعتدل بين السجدتين، ويقول بينهما: رب اغفر لي، رب اغفر لي. كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر. من دون رفع اليدين؛ لأن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو، وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1) » هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب على الرجال والنساء جميعا؛ أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة، الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين يعني الكفين يبسطهما ويمدهما إلى القبلة، ضاما بعضهما إلى بعض، والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين، باسطا لها على الأرض، ومعتمدا عليها، وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود، هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب /1 L1582 L1536 أعضاء السجود /1 والنهي عن كف الشعر، برقم (490) .(8/113)
إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح هو أنه يقدم ركبتيه ثم يديه؛ لأنه ثبت هذا من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه (1) » وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه (2) » فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون بل يضع ركبتيه قبل يديه وهذا هو الذي يخالف بروك البعير؛ لأن بروك البعير يبدأ بيديه، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل.
وهذا هو الصواب أن يسجد على ركبتيه أولا، ثم يضع يديه على الأرض، ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع جبهته أولا ثم يديه، ثم نهض، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الجمع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (3) » الظاهر – والله أعلم – أنه انقلاب، كما ذكر ابن القيم رحمه الله
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/114)
وإنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه، وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويكرر ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين، إذا كان إماما يراعيهم حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه، فيسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » يعني: حري أن يستجاب لكم. وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا (2) » .
فالركوع والسجود ما فيه قراءة، لا يقرأ في الركوع ولا في السجود، وإنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه، وفي
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) سنن الترمذي الصلاة (264) ، سنن النسائي الزينة (5318) ، مسند أحمد (1/155) ، موطأ مالك النداء للصلاة (177) .(8/115)
السجود زيادة على ذلك الدعاء، فيقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده، يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1) » فيدعو بهذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم في الصحيح.
وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2) » هذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح، مع قوله: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ومع قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين: البخاري ومسلم –رحمة الله عليهما – قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (3) » ويشرع مع هذا
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/116)
الدعاء والجد في الدعاء في المهمات من أمر الدنيا والآخرة.
ولا حرج يدعو لأمور دنياه مثل أن يقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو تقول المرأة: اللهم ارزقني زوجا صالحا، أو ذرية طيبة، أو مالا حلالا. أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر وهو الأهم، كأن يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1) » اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في الدين، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إنني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار. وما أشبه هذا الدعاء، يكثر في سجوده من الدعاء لكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إماما، وإن قال مع ذلك في سجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي. كما تقدم مرتين أو ثلاثا، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر. ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة، باسطا أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/117)
على فخده اليسرى أو على ركبته، ويبسط أصابعه على ركبته، هكذا السنة في الجلسة بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي. كما كان النبي يقوله صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يقول مع هذا: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وعافني (1) » يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مع قوله: «رب اغفر لي، رب اغفر لي (2) » «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (3) »
وإن دعا بزيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي. ونحو ذلك لا بأس، ولكن يكثر من طلب المغفرة فيما بين السجدتين؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يسجد
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار، ومن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، برقم (22866) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم، (874) ، والنسائي في كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه ذلك برقم (1069) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (897)
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/118)
للثانية قائلا: الله أكبر ويسجد للثانية على جبهته وأنفه وعلى كفيه، وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه، كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل يرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، لا يبرك بروكا كالبهيمة، لا بل يعتدل في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا سجد أحدكم فليضع كفيه وليرفع مرفقيه (2) »
فالسنة أن يعتدل ويكون واضعا كفيه على الأرض، رافعا ذراعيه عنها، ولا يبسطها كالكلب أو الذئب ونحو ذلك، لا بل يرفعها ويرفع بطنه عن فخذيه، ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود، ويكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض، رافعا ذراعيه عن الأرض، كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو كما تقدم في السجود الأول ويقول: سبحانك اللهم ربنا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود، برقم (822)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، برقم (494)(8/119)
وبحمدك، اللهم اغفر لي. مثل ما قال في السجود الأول، ثم يكبر رافعا ناهضا إلى الركعة الثانية.
والأفضل أن يجلس بعد السجود الثاني جلسة خفيفة، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة، يجلس على رجله اليسرى مفروشة، وينصب اليمنى مثل حاله في السجدتين، لكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أهل العلم: إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة في الصلاة مطلقا، ولو كان المصلي شابا وصحيحا فهي مستحبة على الصحيح، لكنها غير واجبة، وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، يجلس على اليسرى وينصب اليمنى مثل جلوسه بين السجدتين.
ثم ينهض إلى الثانية مكبرا قائلا: الله أكبر. من حين ينهض من سجوده جالسا جلسة الاستراحة، أو حين يفرغ من سجوده، ينهض يقول: الله أكبر. فإن بدأ بالتكبير جلس فينبه الجماعة ألا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلسها قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإن أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه في جلوسها، وإن جلس أولا ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التوجيه إلا من باب التعليم(8/120)
بالسنة، ثم يفعل في الثانية كما فعل في الأولى، يقرأ الفاتحة، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة، فيتعوذ بالله من الشيطان، ويسمي ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات، كما فعل في الأولى، لكن تكون السورة في الثانية أقصر من الأولى، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى، كما تقدم.
وإذا انتهى يرفع من الركعة الثانية ويجلس للتشهد الأول، إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء، أو ثلاثية كالمغرب يأتي بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغير هذا مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى، لكن هذا أثبتها، هذا اللفظ الذي نقلناه لكم هذا هو أثبتها.
ثم بعد هذا يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد(8/121)
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1) » ثم ينهض إلى الثالثة وإن لم يأت بالصلاة على النبي، بل نهض بعد الشهادة فلا بأس، حين قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لو نهض ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس؛ لأن جملة من أهل العلم قالوا: لا تستحب هنا، وإنما هي مشروعة بعد التشهد الأخير، ولكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أنها تشرع هنا وهناك، فيأتي بها أفضل هنا، لكن ليست واجبة عليه هنا، وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
فإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – لأنه أفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح – ينهض بعده مكبرا قائلا: الله أكبر. رافعا يديه كما ثبت هذا من حديث عمر عند البخاري رحمه الله، فيرفع يديه مكبرا عند نهوضه من التشهد الأول حتى يأتي بالثالثة في المغرب، وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر، ويقرأ الفاتحة، هذا هو الأفضل وتكفي الفاتحة لا زيادة، كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/122)
وهكذا الأخيرة من المغرب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن، قد ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخريين من الظهر (1) »
وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة، فإذا قرأ زيادة فلا بأس، بل هو حسن في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقتصر على الفاتحة، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا بين حديث أبي سعيد، وحديث أبي قتادة، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر فهذا على حديث أبي سعيد، وإذا ترك هذا على حديث أبي قتادة، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، أما في الثالثة والرابعة من العصر، والثالثة والرابعة من العشاء، والثالثة من المغرب فليس فيها إلا قراءة الفاتحة فقط، لا يقرأ زيادة لعدم الدليل على ذلك، ثم بعد فراغه من الفاتحة في الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر. فيسجد سجدتين، مثل ما فعل في الركعة الأولى والثانية.
أما الفجر فليس فيها ثالثة ولا رابعة، هي ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان، وهكذا العيد ركعتان، يقرأ فيهما
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم (452)(8/123)
الفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم، كما هو معلوم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة، ونحو ذلك إذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة جلس للتحيات، كما قرأ في التشهد الأول يقرؤها أخيرا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألوه، قالوا: ماذا نقول في صلاتنا إذا صلينا؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد. . . . . . - إلى آخره - قال: والسلام كما علمتم (1) » أي في قول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فدل على أن هذا يقال في الصلاة.
وبعد هذه الصلاة يدعو بالدعوات المشهورة، ويتعوذ بالله من أربع، اللاتي تعوذ منهن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (2) » هذه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .(8/124)
39- بيان أن النساء كالرجال في كيفية أداء الصلوات
س: إننا لم نجد من يدلنا على أداء الصلاة الصحيحة، هذا سؤال قد أجبتم على معظمه في كيفية الصلاة سماحة الشيخ، ولكن ولا سيما أن البعض يذكر أن للمرأة صورة معينة حين تؤدي صلواتها، وأيضا بالنسبة للجمعة والجماعة للمرأة أيضا، لو تكرمتم سماحة الشيخ فأرجو أن تتفضلوا بتكملة ما بدأتموه. (1)
ج: قد سبق بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في حلقتين، ووقفنا في الحلقة الثانية على ما يتعلق بالدعاء في التشهد الأخير من الصلاة، وسبق لنا أن الله جل وعلا شرع لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نقول في آخر الصلاة بعد قراءة التحيات: أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. هذا مشروع للرجال والنساء جميعا في الفرض والنفل، ويستحب مع هذا أن يدعو الإنسان بما تيسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الصحابة التشهد قال: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (65)(8/125)
فيدعوا (1) »
وفي لفظ آخر: «ثم ليختر من المسألة ما شاء (2) »
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (3) »
وقال لمعاذ: «يا معاذ، إني لأحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (4) »
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه: أنه كان يقنت في آخر الصلاة قبل أن يسلم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (5) »
وثبت أيضا في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) ، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771)(8/126)
عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر (1) »
فهذه الدعوات طيبة يشرع أن تقال في آخر الصلاة، بعدما يقرأ التحيات والشهادة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي بهذه الدعوات التي ذكرنا هنا وفي ما ذكرنا في آخر الحلقة السابقة.
والخلاصة أنه يقول بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من عذاب جهنم، أو اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. وإذا زاد أدعية أخرى كما تقدم فذلك حسن، مثل ما تقدم: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت. إلى غير ذلك وهكذا، الدعاء الآخر في حديث سعد: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (6365)(8/127)
فتنة الدنيا وعذاب القبر (1) »
وهكذا الدعاء الوارد في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (2) » هذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه، قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: إن الصديق قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (3) »
وإذا كان الصديق يقال له هذا الدعاء، فكيف بحالنا إذا كان الصديق وهو أفضل الصحابة رضي الله عنه، وهو مشهود له بالجنة، ومع هذا يعلمه النبي يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (4) » بل هو في أشد الحاجة إلى ذلك فينبغي الإكثار من هذا الدعاء قال أنس
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (6365)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .(8/128)
رضي الله عنه: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار (1) »
ثم ينبغي أن يعلم أن المرأة كالرجل في هذه الأشياء قال بعض أهل العلم: إن المرأة لها خصوصية، وهذا لا دليل عليه، بل ما ورد من السنة يدل على أنه مشترك بين الرجال والنساء فكما أن الرجل يقرأ الفاتحة وما تيسر معها من سور أو آيات فهي كذلك، وكما أنه يرفع عند الركوع وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة فهي كذلك ترفع يديها مثل الرجل، وكما أنه يضع يديه على صدره فهي كذلك، تضع يديها على صدرها حال القيام في الصلاة.
وكما أنه يقول: سبحان ربي العظيم. في الركوع هي مثله، ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى. هي مثله، وتزيد في الركوع مثل الرجل: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. وتضع يديها في الركوع على ركبتيها مفرجة الأصابع، وتضع يديها في السجود على الأرض حيال منكبيها، وحيال أذنيها كالرجل، وتضع يديها في الجلوس بين السجدتين على فخذيها، أو على ركبتيها كالرجل، وتفترش رجلها اليسرى بين السجدتين، وفي التشهد الأول وفي التشهد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنه برقم (6389)(8/129)
الأخير تتورك؛ تجلس على مقعدتها وتجعل رجلها اليسرى تحت رجلها اليمنى عن يمينها، كالرجل سواء بسواء في هذه الأمور، وهذا هو الأرجح، وهذا هو المعتمد كما دلت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسلام أيضا كذلك هذا أمر معلوم إذا فرغ من الدعاء يسلم الرجل والمرأة سواء، فيقول: «السلام عليكم ورحمة الله - عن يمينه و: - السلام عليكم ورحمة الله (1) » عن يساره، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة، والفرض والنفل جميعا، ثم بعدما يسلم يقول: أستغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقوله الرجل والمرأة، ثم ينصرف إذا كان إماما بعد هذا، ويعطي الناس وجهه ويقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وهكذا المؤمنون يقولون مثله. الرجال والنساء مثل ما يقول الإمام: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. جاء هذا تارة يقول يحيي ويميت. وتارة لا يقول عليه الصلاة والسلام، ثبت هذا وهذا فتارة
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، تفريع كتاب الركوع والسجود، باب في السلام، برقم (996) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما جاء في التسليم في الصلاة، برقم (295) ، والنسائي في المجتبى، باب التطبيق، باب التكبير عند الرفع من السجود، برقم (1142) .(8/130)
يقول: يحيي ويميت بيده الخير. وتارة لا يقول ذلك، الأمر واسع بحمد الله، ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وتارة يزيد: يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا مستحب بعد كل صلاة للرجال والنساء.
ثم يشرع بعد ذلك أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، الرجل والمرأة، يعقد أصابعه ثلاثا وثلاثين مرة، فيكون الجميع تسعا وتسعين، يعني ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وثلاثا وثلاثين تكبيرة، إذا قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. وعدها ثلاثا وثلاثين مرة كانت تسعا وتسعين، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر (1) » وهذا فضل عظيم، وخير كبير
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب /1 L22739 الذكر بعد الصلاة وبيان صفته /1 برقم (597)(8/131)
والمعنى: إذا قال هذا مع التوبة والندم والإقلاع لا مجرد الكلام فقط، بل يقول هذا مع الاستغفار والتوبة والندم وعدم الإصرار على الذنوب، ويرجى له هذا الخير العظيم حتى في الكبائر، إذا قاله عن إيمان وعن صدق وعن توبة صادقة، وعن ندم على الذنوب فإن الله يغفر له كبائرها وصغائرها بتوبته وصدقه وإخلاصه.
ويقول بعد ذلك {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (1) هذا يقوله الرجل والمرأة بعد الفريضة، جاء في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأها بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت (2) »
والحديث فيه كلام لأهل العلم، ولكن بعض طرقه صحيحة، فالأرجح أنه ثابت، وأن هذه القراءة مستحبة، وهذه الآية يقال لها: آية الكرسي. وهي أفضل آية وأعظم آية في كتاب الله، يستحب أن
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8\114) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه برقم (7532) ، والنسائي في السنن الكبرى في كتاب عمل اليوم والليلة، باب ثواب من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، برقم (9928)(8/132)
تقرأ بعد السلام بعد هذا الذكر، ويستحب أن تقرأ أيضا عند النوم، وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان، فهي آية عظيمة ينفع الله بها العبد، وهي من أسباب دخول الجنة، إذا قالها أسباب بعد كل صلاة فريضة بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهكذا يقولها عند النوم، وتكون من أسباب حفظه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قالها لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه الشيطان حتى يصبح (1) »
وهذا فضل عظيم، كذلك يستحب له بعد هذا أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين، يقولها المصلي والإمام والمأموم والمنفرد بينه وبين نفسه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (4) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (5) مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثا، يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثا، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (6) ثلاثا و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (7) ثلاثا و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (8) ثلاثا، بعد الفجر والمغرب.
ويستحب أيضا بعد الفجر والمغرب زيادة أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي برقم (2880)
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الفلق الآية 1
(5) سورة الناس الآية 1
(6) سورة الإخلاص الآية 1
(7) سورة الفلق الآية 1
(8) سورة الناس الآية 1(8/133)
قدير عشر مرات، زيادة بعد الفجر والمغرب، جاء في ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا هو المسؤول أن يوفقنا جميعا للتأسي به صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على سنته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه وهو عنا راض.(8/134)
40- الكتب التي تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
س: هل ترشدون المستمعين – سماحة الشيخ – إلى كتب معينة، يقرؤونها فيها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: نعم، كتاب ابن القيم رحمة الله عليه في: (صفة الصلاة) كتاب جيد، و: (صفة الصلاة) للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وكتاب الترغيب والترهيب و (رياض الصالحين) ، و: (الجواب الكافي) ، وأشياء كثيرة، والمؤمن يتحرى كتب الحديث، مثل: (رياض الصالحين) ، يأتي مثل الصحيحين البخاري ومسلم، والسنن الأربع، لأن هذه اعتنت بالأحاديث و (رياض الصالحين) نقل منها وهكذا الترغيب والترهيب، مثل: صفة الصلاة للشيخ ناصر الدين الألباني، وهو من الذين اعتنوا
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (363)(8/134)
بالأحاديث. نعم، وهناك رسائل في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من مطبوعاتي موزعة.(8/135)
41- حكم تقديم أذكار الاستفتاح قبل تكبيرة الإحرام
س: يقول هذا السائل: ما حكم من يقول قبل تكبيرة الإحرام: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين؟ هل هذا وارد؟ (1)
ج: لا وإنما هذا من أنواع الاستفتاح، يقوله بعد التكبير، لا قبل التكبير؛ لأن الاستفتاح أنواع منها هذا، ومنها الاستفتاح المختصر «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (2) »
ومنها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (3) » ومنها أنواع أخرى
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (434)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/135)
42- حكم الذكر بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام
س: يقول السائل: هل هناك ذكر مشروع بعد إقامة الصلاة، وقبل تكبيرة الإحرام (1) ؟
ج: لا أعلم شيئا في هذا، لم يرد في هذا شيء فيما نعلم.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (427)(8/136)
43- حكم التلفظ بالنية للصلاة
س: السائل: م. د. يقول: سؤالي يتعلق بالنية، فمثلا عندما أقف للصلاة، وأعلم أنني واقف لأداء الصلاة فهل يكفي ذلك، أم لا بد من النطق بالنية؟ وقد سمعت من بعض الناس عندما يقف لصلاة، وأثناء رفع اليدين لتكبيرة الإحرام يقول: نويت أن أصلي صلاة كذا. ويسميها بعدد ركعاتها، وجهونا في ضوء هذا السؤال (1)
ج: النية محلها القلب، والسنة أن ينوي بقلبه فقط، ولا يتكلم بلسانه فإذا قام يصلي ناويا صلاة الظهر كفى، صلاة العصر كفى، صلاة المغرب كفى، صلاة الضحى كفى، ولا يحتاج أن يقول: نويت. فإنها بدعة، يقول: نويت أن أصلي كذا، الظهر أربعا، العصر أربعا، المغرب
__________
(1) السؤال التاسع والأربعون من الشريط رقم (403)(8/136)
ثلاثا. هذا بدعة، هذا لا أصل له، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات (1) »
والنية محلها القلب، وما كان النبي يتلفظ بالنية، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » يعني فهو مردود، فالواجب على كل مسلم أن تكون نيته في القلب، وأن لا يتلفظ بها؛ بأن يقول: نويت أن أصلي كذا. أو: نويت أن أطوف كذا. أو: نويت أن أسعى كذا. لا، النية محلها القلب ويكفي، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ برقم (1)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718)(8/137)
44- عدد مواضع رفع اليدين في الصلاة
س: عندما أقوم في الصلاة كم مرة أرفع يدي؟ (1)
ج: لقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المشروع على المؤمن في الصلاة أن يرفع يديه في أربعة مواضع، في الرباعية
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (94)(8/137)
والثلاثية:
الأول عند الإحرام، فيرفع يديه مع التكبير إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، تارة كذا وتارة كذا.
الموضع الثاني عند الركوع، يرفع يديه عند قوله: الله أكبر. حيال منكبيه، أو حيال أذنيه.
والموضع الثالث عند رفعه من الركوع يرفع يديه، عند قوله: سمع الله لمن حمده. إذا كان إماما أو منفردا، ويرفع المأموم عند قوله: ربنا ولك الحمد.
والموضع الرابع إذا قام من التشهد الأول، في الرباعية كالظهر والعصر والعشاء، أو الثلاثية كالمغرب، إذا قام إلى الثالثة بعد التشهد الأول يقول: الله أكبر. رافعا يديه، كل هذه ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر، ومن حديث علي رضي الله عنه، وبعضها من أحاديث مالك بن الحويرث، ومن أحاديث أخرى.(8/138)
45- حكم رفع اليدين بعد الرفع من الركوع
س: في الركوع عندما تقول: سمع الله لمن حمده. هل ترفع يديك وتقول: ربنا ولك الحمد. وتضع يديك فوق الصدر؟ أي: يعيدهما إلى مكانهما السابق، أعني اليدين، نرجو الإفادة (1)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (94)(8/138)
ج: نعم، هذا الموضع الثالث عند الرفع من الركوع، يرفع يديه إذا كان مأموما، يقول: ربنا ولك الحمد. وإن كان إماما أو منفردا قال: سمع الله لمن حمده. ثم قال بعدها: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. يقول هذا الإمام والمأموم والمنفرد، لكن الإمام والمنفرد يختصان بقولهما: سمع الله لمن حمده. أما: ربنا ولك الحمد. . . . . . . الخ. فهذا مشترك، والمأموم يقول ذلك عند الرفع من الركوع، يقول: ربنا ولك الحمد. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد (1) »
ويضع يديه على صدره إذا رفع من الركوع، يعيدهما إلى مكانهما الأول، هذا هو الأفضل، والأرجح أن يعيدهما إلى مكانهما الأول، واضعا لهما على صدره حتى يخر ساجدا، كما كان كذلك قبل الركوع، ومن قال: إنه يرسلهما بعد الركوع فقد خالف السنة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم (689) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (411)(8/139)
46- حكم رفع اليدين في الصلاة في كل ركعة
س: ما هو حكم رفع اليدين في الصلاة في كل ركعة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة رفع اليدين في أربعة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة. في هذه المواضع الأربعة يستحب رفع اليدين حذاء المنكبين، أو حذاء الأذنين، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (230)(8/140)
47- بيان التكبيرات التي يستحب رفع اليدين عندها
س: يقول السائل: مع أي التكبيرات أرفع اليدين؟ (1)
ج: السنة أن ترفع اليدين في التكبيرة الأولى حيال منكبيك، أو حيال أذنيك في التكبيرة الأولى، وهي تكبيرة الإحرام، وعند الركوع أيضا، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول للثالثة، في هذه المواضع الأربعة السنة رفع اليدين للرجل والمرأة جميعا حيال المنكبين، أو حيال الأذنين، تارة كذا وتارة كذا، كله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (255)(8/140)
48. مواضع رفع اليدين مع التكبيرات أثناء الصلاة
س: في أي تكبيرة ترفع اليدان أثناء الصلاة، هل هي في تكبيرة الإحرام، أم هناك مواضع أخرى؟ (1)
ج: ترفع الأيدي في أربعة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، هكذا جاءت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذه المواضع الأربعة، ترفع عندها اليدان: التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام، ويرفع يديه عند الركوع، ويرفع يديه عند الرفع من الركوع، ويرفع يديه عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (263)(8/141)
49- بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وضع اليدين في الصلاة
س: يقول السائل: كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وضع اليدين في الصلاة؟ وهل علي حرج عندما أضع ذلك بين السرة والصدر؟ (1)
ج: السنة هي وضع اليدين في الصلاة على الصدر، هذا هو المحفوظ
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (387)(8/141)
عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر، ومن حديث سهل بن سعد، ومن حديث قبيصة بن هلب عن أبيه، فإنها يفسر بعضها بعضا، يروى عن علي رضي الله عنه أن «من السنة وضع اليدين تحت السرة (1) » لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم، ليس بصحيح، وإنما المحفوظ وضعهما على الصدر، كما في حديث وائل بن حجر، وفي حديث قبيصة بن هلب عن أبيه، وفي حديث سهل بن سعد قال: «كان الرجل يؤمر أن يضع يمينه على ذراعه اليسرى في الصلاة (2) » وفسره حديث قبيصة بن هلب عن أبيه، وحديث وائل، وأن المراد: يضعهما على صدره، وأطراف يده اليمنى على ساعده على ذراعه.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (756)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/142)
50- موضع وضع اليدين أثناء القيام في الصلاة
س: يقول السائل: حدثوني عن وضع اليدين أثناء القيام، أين أضعهما؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (255) .(8/142)
ج: السنة وضعهما على الصدر؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل، ومن حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه: «أنه كان يضعهما على صدره عليه الصلاة والسلام (1) » وثبت مرسلا من طريق طاوس بن كيسان التابعي الجليل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يؤيد المرفوع، وبعض أهل العلم يرى وضعهما على السرة، وبعضهم يرى وضعهما تحت السرة، والحديث في هذا ضعيف تحت السرة والأفضل فوق الصدر.
هذا هو الأفضل؛ لأن الأحاديث فيها أصح، والأمر في هذا واسع كله سنة، فلو سدلهما صحت صلاته، ولو أرسلهما كما قال بعض أهل العلم صحت صلاته، لكن السنة أن يضمهما إلى صدره ولا يرسلهما، هذا هو السنة، ولا ينبغي في هذا النزاع والخلاف والجدل والفرقة، بل ينبغي في هذا التسامح والتيسير؛ لأن الاجتماع والتعاون على الخير أمر مطلوب، والذي جعلها تحت السرة تأول قول بعض أهل العلم، وبعض الأحاديث الضعيفة، ولا ينبغي التشديد والتشنيع في هذا المقام، بل ينبغي الرفق والحكمة في هذا، والنصيحة بدون فرقة ولا اختلاف ولا تشنيع، لكن الأفضل
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار حديث هلب الطائي، برقم (21460)(8/143)
للمؤمن أن يتحرى ما هو الأثبت، وما هو الأقرب إلى الصواب في مسائل الخلاف.(8/144)
51- شرع معنى وضع المصلي كفه الأيمن على كوعه الأيسر
س: الأخت تسأل وتقول: ورد في كيفية وضع اليدين في الصلاة: أن يضع المصلي كفه الأيمن على كوعه الأيسر ما هو الكوع المذكور؟ (1)
ج: نعم، جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه في حال قيامه يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، والرسغ والساعد، وفي بعضها الكوع على كوعه، والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام، وما يلي الخنصر يقال له كرسوع، والمعنى أنه يضع يده على مفصل الكف من الذراع، فيكون وضع اليمنى على كفه اليسرى وعلى رسغها وعلى ساعدها، هذا هو السنة في حال القيام في الصلاة، وهذا يعم الرجال والنساء، وليس هناك دليل على تخصيص المرأة بشيء، بل السنة عامة، فإذا كان المصلي واقفا جعل يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (116)(8/144)
والساعد، كما ثبت ذلك في حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في حديث سهل بن سعد: «أنه كان الرجل يؤمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) »
وهذا يحتمل أن يكون في بعض الأحيان، يضع على الذراع، ويحتمل أنه أراد ما أراده وائل؛ لأنه إذا وضع يده على الرسغ والساعد فقد وضع يده على الذراع؛ لأن الساعد هو الذراع، فيكون كفه على مفصل الكف، وأطراف أصابعه على الساعد، فيجتمع الحديثان ولا يكون بينهما اختلاف، وبكل حال فالسنة أن يضع يده اليمنى حين قيامه للصلاة، سواء كان هذا قبل الركوع، أو بعد الركوع يكون واضعا كفه اليمنى على كفه اليسرى، وعلى رسغه وساعده في الصلاة، هذا هو السنة.
فإذا ركع وضع يديه على ركبتيه، وفرج أصابعه وسوى ظهره حتى يرفع، فإذا رفع أعاد يديه كما كانتا قبل الركوع، يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وعلى الرسغ والساعد حتى يسجد، هذا هو المعتمد، وهذا ما دل عليه حديث وائل، وحديث سهل بن سعد، وحديث قبيصة بن هلب عن أبيه، ودل عليه أيضا ما ثبت عن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/145)
طاوس مرسلا: من وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على كفه اليسرى، في حال قيامه عليه الصلاة والسلام.
وأما من قال: إنه يرسل اليدين حال القيام فلا دليل له في ذلك، بل هو خلاف السنة، وهكذا من قال: يرسلهما حال قيامه بعد الركوع لا دليل له على ذلك، فالأصل أنهما على حالهما قبل الركوع، والنبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يعود كل فقار إلى مكانه عليه الصلاة والسلام، وكان يقوم قياما طويلا حتى يقول القائل: قد نسي (1) »
فدل ذلك على أنه إذا رفع من الركوع يعيدهما كما كانتا؛ يضع اليمنى على اليسرى حال قيامه على صدره عليه الصلاة والسلام، كما كان قبل ذلك قبل الركوع، وعلى من زعم خلاف ذلك أن يأتي بالدليل، وإلا فالأصل أن ما بعد الركوع في حال القيام يكون مثل ما قبل الركوع، هذا هو الأصل، وهذا هو ظاهر السنة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم (800)(8/146)
52- بيان أصح ما ورد في موضع اليمين على الشمال في الصلاة
س: يقول: في الصلاة إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى، واختلفت الأقوال في ذلك، نريد الوقوف(8/146)
على القول الصحيح (1)
ج: السنة أن يضع يمينه على شماله في الصلاة حال الوقوف في الصلاة، قبل الركوع وبعده، يضع اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، هذه السنة، واختلف أهل العلم في محلها، فقيل: على صدره. وقيل: على سرته. وقيل تحت سرته. يروى في هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أصحها وأثبتها: على صدره. أصح ما ورد: على صدره. هذا هو أصح ما ورد عن وائل بن حجر، وعن قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، وعن طاوس مرسلا، كلها تدل على أن السنة وضع اليدين على الصدر؛ اليمنى على اليسرى على الصدر، هذا هو الأفضل، والأمر في هذا واسع إن شاء الله، ولكن تحري السنة هو الذي ينبغي، أما حديث من رواه: تحت السرة. فهو ضعيف، والأرجح منه والأصح وضعهما على الصدر، يعني على مقدم الصدر، لا يبالغ، بل إذا وضعهما على مقدم الصدر كفى، والحاصل أن هذا هو الأفضل، وهو الأرجح.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (27)(8/147)
س: بعض الناس يضع يده اليمنى على اليسرى، لكن يضعهما سويا على قلبه، فيخرج مرفقه الأيسر كثيرا على اليسار (1)
ج: ما أجد لهذا أصلا، أقول: لا أعلم في هذا أصلا. وإنما السنة أن يضع يده على كفه اليسرى والرسغ والساعد، ويضعهما على صدره، هذه السنة، وإن وضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى فلا بأس، أيضا جاء به حديث سهل بن سعد في مد اليد إلى الذراع فلا بأس، وإن جعلها على الرسغ والساعد وصارت أطرافها على الساعد فهذا هو الأفضل، وإن جعلها على الذراع فهو سنة أيضا؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، وثبت في حديث سهل قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قاله أبو حازم عن سهل لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم (2) » رواه البخاري.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (27)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/148)
س: سؤاله يقول: ما حكم تربيع اليدين في الصلاة؟ (1)
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (357)(8/148)
ج: لم أفهم معنى التربيع، السنة في الصلاة أن تكون يداه على صدره حال القيام، وفي الجلوس على فخذيه أو على ركبتيه بين السجدتين، والتشهد وعند السجود على الأرض، يعتمد على كفيه على الأرض حيال منكبيه، أو حيال أذنيه وحال الرفع عند الركوع يرفعهما حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، أو الرفع من الركوع، أو التكبير للإحرام، وعند الركوع يرفع يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه.
أما التربيع الذي سأل عنه السائل فلا أعرف ما هو التربيع؟ لكن هذه الصفات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم.(8/149)
53- بيان كيفية وضع اليدين في الصلاة حال القيام
س: يسأل ويقول: لدينا مسألة خلافية في القبض والإرسال في الصلاة، هناك أدلة على القبض كثيرة، نرجو منكم توضيحا لهذه المسألة؟ (1)
ج: السنة في الصلاة القبض حال القيام، يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى هذا هو القبض على صدره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل ين حجر: «أنه كان يضع يمينه على شماله، كفه
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (258)(8/149)
اليمنى على كفه اليسرى على صدره (1) » ، وثبت أيضا من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه معنى ذلك، وفي صحيح البخاري رحمه الله عن سهل بن سعد، قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (2) »
ومعنى في الصلاة: يعنى حال القيام، كما فسره حديث وائل، وحديث قبيصة بن هلب؛ لأن الصلاة لها أحوال في الركوع يضع يديه على ركبتيه، مفرجتي الأصابع هذه السنة، في السجود يضعهما على الأرض حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، في الجلوس يضعهما على فخذيه أو ركبتيه، فما بقي إلا حال القيام، فحال القيام يضعهما على صدره، ويكون أطرافهما على ذراعه الأيسر، أو كفه اليمنى على ذراعه الأيسر، كما في حديث سهل، وفي السنة أيضا لحديث طاوس بن كيسان اليماني، التابعي الجليل ما يوافق ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه يضع اليمنى على كف اليسرى على صدره في الصلاة (3) » وهذا مرسل جيد، يوافق الأحاديث
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (759) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (759) .(8/150)
الصحيحة المتصلة المرفوعة، أما إرسالها على الجنبين، كما يقول: يفعله بعض الناس. فليس عليه دليل، وإن ذهب إليه بعض المالكية، لكن هذا ليس عليه دليل، والأفضل تركه والأخذ بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولكن لا ينبغي النزاع في هذا والاختلاف والعداوة والشحناء، ينبغي التساهل في هذا والتسامح؛ لأنها سنة، لو أرخى يديه صحت صلاته، أو ضمها صحت صلاته، إنما كانت في الأفضل والسنة.
وكثير من إخواننا في أفريقيا يحصل بينهم شحناء بسبب هذا، ولا ينبغي ذلك، ينبغي في هذا التسامح والدعوة إلى الخير بالرفق، وينصح إخوانه أن يضعوا أيديهم على صدورهم، من دون شدة ولا منازعة ولا هجر، بل يبين السنة ويدعو لها بحلم وصبر ورفق، وعلى من دعي إلى السنة أن يستجيب، ولا يجوز التقليد، لا يجوز أن تقلد زيدا ولا عمرا في خلاف السنة، ولو كان عظيما، ولو كان مالكا، أو كان أبا حنيفة أو الشافعي أو أحمد، طالب العلم لا يقلد العلماء، يأخذ بالدليل، إذا خفي عليه الدليل تبع أهل العلم المعروفين بالسنة والاستقامة، لكن إذا غاب الدليل من الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب والمشروع اتباع من معه الدليل، الذي يوافق أهل السنة، وهي واجبة الواجبات، الله يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)
__________
(1) سورة النساء الآية 59(8/151)
ويقول سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) ويقول جل وعلا {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (2) ويقول جل وعلا {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3)
فأنت مأمور بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا عرفت السنة، والسنة واضحة في هذا: أن تضع كفك اليمنى على كفك اليسرى في الصلاة، وأنت قائم قبل الركوع وبعده، قبل الركوع، وهكذا بعد الركوع، إذا قمت وأنت واقف بعد الركوع تضع كفك اليمنى على كفك اليسرى على الصدر، هذا هو الأفضل، وقال جماعة من العلماء: على السرة. وقال بعضهم: تحت السرة. ولكن ليس عليه دليل صحيح، والحديث الذي روي عن علي في وضعهما تحت السرة ضعيف، والمحفوظ وضع اليدين على الصدر، هذا هو المحفوظ من حديث وائل، ومن حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، وفي المرسل لطاوس، ويؤيده ما رواه البخاري في الصحيح عن حديث أبي حازم عن سهل بن سعد
__________
(1) سورة الشورى الآية 10
(2) سورة النساء الآية 59
(3) سورة النساء الآية 80(8/152)
كما تقدم، فنصيحتي لإخواني أن يأخذوا بهذه السنة من دون شدة على الآخرين، مع الرفق والحكمة والتواصي بالسنة.(8/153)
54- حكم سدل اليدين في الصلاة
س: يقول السائل: س. أ. من اليمن: ما حكم سدل اليدين في الصلاة؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك؟ (1)
ج: السدل مكروه والضم هو السنة، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ضم اليمين إلى الشمال، يضع اليمين فوق الشمال على صدره إذا كان قائما في الصلاة، أما سدلهما فهو مكروه، لكن لا يبطل الصلاة، ولا يجوز النزاع بين الإخوان، يعلم أن السدل مكروه وخلاف السنة، ولا يحتاج الأمر إلى نزاع ومخاصمات وشحناء، ولكن المؤمن يعلم أخاه، ويرشد أخاه وينصحه بالرفق والحكمة.
__________
(1) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (387)(8/153)
55- حكم الإسبال في الصلاة
س: تقول هذه السائلة: ما حكم الإسبال في الصلاة؟ حيث إنه يوجد كثير من الناس يسبلون يقولون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم(8/153)
قد أسبل في الصلاة، فما صحة هذا القول؟ (1)
ج: الإسبال إذا كان يعني به إرخاء اليدين هذا خلاف السنة، السنة أن يضع اليدين على صدره، هذه السنة، وهذا المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، يضع اليمنى على اليسرى على صدره ولا يرسلها، وهذا يسمى إرسالا، ما يسمى إسبالا، الإسبال: هو إرخاء الثياب تحت الكعبين، الملابس والإزار والبشت (2) هذا يسمى إسبالا، ما يجوز للرجل، أما المرأة فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (425)
(2) البشت هي العباءة.(8/154)
س: سؤال عن الذين يصلون، وقد أسبلوا أيديهم ما حكمه؟ (1)
ج: هذا خلاف السنة ومكروه، إسبال اليدين في الصلاة مكروه، السنة ضمهما؛ يجعل اليمنى على اليسرى فوق صدره، هذا هو السنة، أما إرسالها فهو خلاف السنة، لكن الصلاة صحيحة والعمل مكروه.
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (351)(8/154)
س: يسأل الأخ: ح. ع. من الرياض، ويقول: هل يصح تسبيل الأيادي عند أداء الصلاة، بدلا من أن توضع اليد اليمنى على(8/154)
اليد اليسرى فوق الصدر؟ (1)
ج: السنة الضم، الذي عليه جمهور أهل العلم: الضم، وقد صحت بذلك الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لو أرسل يديه صحت صلاته، وفعل شيئا مكروها لا يبطل الصلاة؛ وإنما السنة أن يضم يديه إلى صدره، ويضع كف اليمنى على كف اليسرى والرسغ والساعد، كما جاءت بذلك الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما رواه البخاري، وفي الصحيح: عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (2) »
وهذا يدل على وجوب الضم، ولكنه عند أهل العلم مستحب، الأمر ذو استحباب، ومعلوم أن محل اليدين في الصلاة معروف، في الركوع توضع على الركبتين، في السجود على الأرض، في الجلوس على الفخذين أو الركبتين، فما بقي إلا القيام، والقيام توضع اليمنى على كف اليسرى، أو ذراعها على كفها
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (241)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/155)
وذارعها، وهكذا في حديث قبيصة بن هلب الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمر المصلي أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى على صدره (1) » . وهكذا في حديث وائل بن حجر عند أبي داود والنسائي، كلها تدل على أن اليمنى توضع على اليسرى، يضع الكف الأيمن على الكف الأيسر والذراع.
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (252) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (809) .(8/156)
س: يقول السائل: ألاحظ أن الناس عند أداء الصلاة ينقسمون إلى قسمين: فيما يعني وضع اليد على الصدر أو الإسدال أيهما أصح؟ وأيهما فعل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟ (1)
ج: السنة القبض، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وضع اليمنى على الشمال على الصدر، هذا هو السنة، يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى على صدره في الصلاة، هذا هو السنة، أما الإسدال فهو خلاف السنة، نسأل الله الهداية للجميع.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (250)(8/156)
س: بعض الناس إذا وقف في صلاته وراء الإمام لا يضع اليد اليمنى على اليسرى، بل يقف مسبلا يديه، وهذا عند بعض الناس ربما(8/156)
تكون عادة، أو مذهبا، ما هو توجيهكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: المشروع للمؤمن أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى على صدره في الصلاة، لا يسبل ولا يرسلهما، لكن لو أرسلهما فالصلاة صحيحة، ولكنه فعل مكروها لا ينبغي، وإلا فالصلاة صحيحة، المقصود أنه ترك السنة، السنة أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى على صدره حال كونه قائما في الصلاة، هذا هو المشروع، ولو أرسلهما صحت الصلاة وترك الأفضل.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (346)(8/157)
56- حكم الاختلاف والنزاع المذهبي في المسائل الفرعية
س: هل تؤدي الخلافات المذهبية إلى القطيعة بين المسلمين، كما فعل أخونا حينما قاطع جماعته؛ لأن بعضهم لا يمسك بيديه في أسفل الصدر؟ (1)
ج: أما المخالفة في الفروع فلا، المخالفة في الفروع لا توجب الفرقة والاختلاف، ولا توجب العداوة والبغضاء، فإذا كان بعض المصلين
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (165)(8/157)
يطلق يديه ولا يجعلهما على صدره، ولا تحت سرته، بل يطلقهما كما هو معروف في مذهب مالك عند المالكيين فلا بأس بذلك، لا يوجب هذا عداوة ولا بغضاء؛ لأنهم تبعوا غيرهم من العلماء، وقلدوهم بذلك ولهم شبهة التقليد، فلا ينبغي التقاطع في هذا، ينبغي التساهل والتسامح والتعليم بالكلام الطيب، يوجه من فعل ذلك، إلا أن الأفضل والسنة أن يضم يده اليمنى على اليسرى على صدره، هذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، كما ثبت ذلك في حديث وائل بن حجر، وحديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، ومرسل صحيح عن طاوس رحمه الله، المقصود أن هذا هو الصواب، وأنه يضع كفه الأيمن على كفه الأيسر على صدره، هذا هو الأفضل، ولكن إذا أرسل يديه، أو جعلهما تحت السرة فلا ينبغي أن يكون في هذا نزاع ولا مخالفة ولا قطيعة، ولا تباغض، بل إنما هو دعوة بالتي هي أحسن، ومذاكرة في هذه الأمور وأشباهها.
وهكذا من لا يرفع يديه عند الركوع، أو عند الرفع منه، أو عند القيام من التشهد الأول، كل هذا وإن كان خلاف السنة، لكن لا يوجب تقاطعا ولا بغضاء ولا انشقاقا، وهكذا غير ذلك، كجلسة الاستراحة وأشباه ذلك من الأمور الفرعية التي قد يقع النزاع فيها، والخلاف فيها بين العلماء لكن من طريقة أهل العلم أنهم لا يتباغضون ولا يتقاطعون(8/158)
ولا يتهاجرون، بل يتباحثون، وكل واحد يقصد الخير لأخيه، وينصح ويطلب الدليل، والله المستعان.(8/159)
57- بيان موضع نظر المصلي في الصلاة
س: أثناء وقوف المصلي على سجادة الصلاة، وهو مستمر في الصلاة في هذه الحالة كيف يكون اتجاه نظره؟ هل يجوز النظر إلى السماء أو إلى الأمام، أو إلى محل سجوده؟ هذا ولكم جزيل الشكر. (1)
ج: السنة النظر إلى محل السجود، هذا هو السنة ما دام قائما يصلي، فالسنة أن ينظر إلى موضع سجوده، ولا ينظر لا يمينا ولا شمالا، ولا إلى الأمام ولا فوق، بل جاءت السنة الصحيحة في النهي عن رفع البصر إلى السماء، وأن هذا على خطر أن يخطف بصره، فلا يرفع بصره إلى السماء، لا في دعائه ولا في صلاته في حال الصلاة، ولكن ينظر إلى موضع سجوده، وفي الحديث الصحيح «لينتهين أقوام يرفعون
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (28)(8/159)
أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم (1) » وفي لفظ: «أو لتخطفن أبصارهم (2) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (428)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (750) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (429)(8/160)
س: أين يكون نظر المصلي وهو في الصلاة؟ (1)
ج: السنة أن ينظر إلى موضع سجوده حال قيامه، يكون لموضع سجوده، وهكذا حال ركوعه، أما في حال الجلوس فينظر إلى محل إشارته، الجلوس للتشهد ينظر إلى يديه محل يديه؛ لأنه محل الإشارة، كما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (297)(8/160)
س: تسأل السائلة وتقول: عند الركوع هل النظر يكون إلى الرجل اليمنى، أم عند مكان السجود؟ لأني قرأت أنه يكون إلى الرجل اليمنى، القدم (1)
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (253)(8/160)
ج: مثل الواقف، ينظر إلى محل السجود، لكن عند الجلوس في التشهد ينظر إلى إشارته، إلى السبابة إلى يده.(8/161)
58- موقع النظر في المسجد الحرام أثناء الصلاة
س: من يذهب إلى مكة، هل عليه أن يجعل نظره للكعبة أم إلى مكان سجوده؟ (1)
ج: المشروع للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده، في مكة وفي غيرها، لكن إذا رغب أن ينظر إلى الكعبة ينظر إلى الكعبة في غير الصلاة، أما في الصلاة فيقبل على صلاته، ويخشع فيها ويطرح بصره إلى موضع سجوده، هذا هو السنة.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (377)(8/161)
59- حكم صلاة من ينشغل بالنظر إلى الأوراق الملصقة في الجدار
س: كنت في يوم واقفا في مكتب أصلي الظهر، وكان أمامي في الجدار أوراق ملصقة، وبها كتابة فنظرت إليها سهوا، وقرأت بعض بعض كلمات منها، فهل صلاتي مقبولة؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (221)(8/161)
ج: الصلاة الصحيحة، ولكن لا ينبغي للمصلي أن يشتغل عن الصلاة بالقراءة، في الجدار أو في الأرض، بل يقبل على صلاته ويجمع قلبه عليها، ويخشع فيها لربه عز وجل، كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) فالسنة للمصلي من رجل أو امرأة، السنة له أن يقبل على صلاته، وألا ينظر في الجدران ولا غير الجدران، بل يطرح بصره إلى موضع سجوده، ويشتغل بصلاته، يعلم أنه يناجي ربه، وأنه واقف بين يديه سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه (3) »
فعلى المؤمن أن يتقي الله في هذا، ويحرص على أن تكون صلاته في غاية من الإتقان، وأن يقبل عليها ويخشع فيها عند ربه عز وجل، ولا يشتغل عنها بتفكير أو مطالعة كتابة في جدار، أو أرض أو غير ذلك، ثم كونك تصلي في المكتب وحدك هذا منكر، يجب عليك أن تصلي مع الجماعة في المساجد، ولا يجوز للرجل أن يصلي في مكتبه، ولا لأهل
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب حك البزاق باليد من المسجد، برقم (405) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، برقم (551)(8/162)
المكتب أن يصلوا في مكتبهم، بل يجب على أهل المكاتب أن يصلوا مع الناس في مساجد الله، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) »
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هم أن يحرق على من ترك الصلاة في المسجد بيته، قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (2) » ما قال: لا يصلون، بل قال: «لا يشهدون (3) » ، يعني لا يشهدونها مع المسلمين في المساجد، وفي رواية أحمد: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت الصلاة، صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار (4) »
فالواجب
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، برقم (644) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (651)
(3) صحيح البخاري الأحكام (7224) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651) ، سنن الترمذي السير (1571) ، سنن النسائي الإمامة (848) ، سنن أبي داود الصلاة (548) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (791) ، مسند أحمد (2/424) ، موطأ مالك النداء للصلاة (292) ، سنن الدارمي الصلاة (1274) .
(4) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (8578)(8/163)
على كل مسلم الحذر من التخلف عن الصلاة في المساجد، والحذر من مشابهة أهل النفاق في جميع الصلوات، ولا سيما في الفجر؛ لأن كثيرا من الناس قد شابه المنافقين في ذلك، فيجب الحذر بأن تكون الصلوات الخمس كلها في المساجد، الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء كلها جميعا في المساجد، يجب على الرجل أن يصلي في المساجد مع إخوانه، ولا يجوز له أن يتخلف عنها، في بيته ولا في مكتبه، الصلاة في البيت للنساء والمرضى، أما الذي قد عافاه الله فيلزمه أن يصلي مع إخوانه في المساجد.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل أعمى، فقال: «يا رسول الله، ليس لي قائد يلائمني – وفي لفظ: يقودني – إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) قال: نعم قال: فأجب (1) » وفي لفظ: «لا أجد لك رخصة (2) »
هذا أعمى
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المساجد على من سمع النداء، برقم (653)
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة، برقم (552) ، وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (792)(8/164)
ليس له قائد، ومع هذا يقول له النبي: أجب، ليس لك رخصة. فكيف بمن عافاه الله من العمى، فكيف بحال القوي، فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله، وأن يحذر عقوبة الله، وأن يبادر إلى الصلاة في مساجد الله مع إخوانه، ويحظى بالأجر العظيم في ذلك والسمعة الحسنة والاجتماع مع إخوانه، والتعارف والتآلف، نسأل الله للجميع الهداية.(8/165)
60- حكم دعاء الاستفتاح
س: الأخ: م. ص. م. من الرياض، يسأل ويقول: هل دعاء الاستفتاح واجب؟ وماذا يترتب على المصلي حال عدم التلفظ به؟ وما هي أدعية الاستفتاح الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ج: إن دعاء الاستفتاح ليس بواجب، بل هو سنة، وله أنواع، أقصرها ما ثبت من حديث عائشة وأبي سعيد رضي الله عنهما، وجاء أيضا حديث عمر: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1) »
هذا أقصرها، يشرع أن يؤتى به بعد التكبيرة الأولى، في الفرض والنفل قبل أن يقرأ، أول ما يكبر يقول هذا، ثم يتعوذ بالله من
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/165)
الشيطان الرجيم، ثم يسمي، ثم يقرأ الفاتحة، وهناك استفتاحات أخرى غير هذا، منها ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح فيقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (1) »
هذا الاستفتاح عظيم ينبغي حفظه، وفي نوع ثالث أيضا مختصر، ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم: كان يستفتح به عليه الصلاة والسلام: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (2) » وهذا استفتاح عظيم، وهناك استفتاحات أخرى، لكن هذه الثلاثة فيها كفاية إن شاء الله، ودعاء الاستفتاح سنة مؤكدة، وليس بواجب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770) .(8/166)
س: هل دعاء الاستفتاح واجب على المسلم أن يقرأه في النوافل وفي صلاة التراويح؟ وهل تبطل الصلاة بتركه؟ وجهونا بهذا (1)
ج: دعاء الاستفتاح ليس بواجب، سنة، مستحب، لا تبطل الصلاة بتركه لا في النافلة ولا في الفريضة، ولكنه مستحب يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » بعد الإحرام بعد التكبيرة الأولى، قبل أن يقرأ أو يأتي بأنواع الاستفتاحات الأخرى، مثل: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (3) » وغيرها بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أسهلها وأشهرها: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (4) »
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (358)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(4) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/167)
س: عندما تقام الصلاة ويكبر الإمام تكبيرة الإحرام يصمت الإمام برهة، ويردد المصلون بعض الكلام، في هذه البرهة ماذا(8/167)
يقولون؟ وما حكم ذلك؟ (1)
ج: السنة إذا كبر الإمام للصلاة، وهكذا المنفرد وهكذا المأموم أن يسكتوا قليلا؛ ليأتوا بدعاء الاستفتاح، كلهم: الإمام والمأموم والمنفرد، الاستفتاح سنة في الصلاة الفريضة والنافلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وثبت عنه عدة استفتاحات كان يفعلها، هذا تارة وهذا تارة، عليه الصلاة والسلام، وأقصرها وأسهلها على العامة: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) »
هذا يقال بعد التكبيرة الأولى، وقبل أن يقرأ وقبل أن يتعوذ، وقبل أن يسمي في جميع الصلوات، وجاءت أنواع أخرى ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، منها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (3) »
ومنها: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (104)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/168)
الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (1) »
وهناك استفتاحات أخرى أطول من هذه، فإذا استفتح الإنسان بشيء منها فكله حسن، وإذا اختار الأقصر المتقدم: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » فلا بأس قبل أن يتعوذ وقبل أن يسمي ثم يستعيذ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أو: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ الحمد؛ الفاتحة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/169)
61- تفسير دعاء الاستفتاح
س: يسأل السائل عن تفسير دعاء الاستفتاح (1)
ج: كل دعاء له تفسير، فقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » معناه: تنزيه الله عن كل ما لا
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (187)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/169)
يليق به، «سبحانك اللهم وبحمدك (1) » يعني معناه: أنزهك يا ربي عن كل شيء لا يليق بك؛ من الشرك والصفات الناقصة؛ كالنعاس والنوم والعجز، ونحو ذلك، هو سبحانه منزه عن كل نقص وعن كل عيب، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، سبحانه وتعالى. «وتبارك اسمك (2) » يعني: بلغت البركة النهاية، كل البركة عنده سبحانه وتعالى. «وتعالى جدك (3) » يعني عظمتك، يعني جد العظمة في حق الله، يعنى تعالت عظمتك يا ربنا. «ولا إله غيرك (4) » معناه: لا معبود بحق سواك يا الله، هو المعبود بالحق سبحانه وتعالى.
وأما الاستفتاح: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (5) » فهذا معناه: طلب السلامة من الذنوب، يطلب ربه أن ينقيه من الذنوب والخطايا، وأن يباعد بينه وبينها، حتى تكون توبته صادقة كاملة، ليس معها نقص ولا ذنب، فإنه إذا باعد بينه وبين خطاياه، ونقاه منها وطهره صار نقيا من الذنوب، كامل الإيمان والتقوى.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (794) ، سنن النسائي التطبيق (1123) ، سنن أبي داود الصلاة (877) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (889) ، مسند أحمد (6/230) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (243) ، سنن أبي داود الصلاة (776) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (806) .
(3) سنن الترمذي الصلاة (243) ، سنن أبي داود الصلاة (776) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (806) .
(4) سنن الترمذي الصلاة (243) ، سنن أبي داود الصلاة (776) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (806) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/170)
وأما معنى: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك (1) » معناه: طلب الهداية، تتوسل به أنه رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، ثلاثة من الملائكة، وهم مقدمو الملائكة وأفضل الملائكة، جبرائيل: الذي يأتي بالوحي للأنبياء، وميكائيل: الموكل بالقطر والمطر، وإسرافيل: الموكل بنفخ الصور يوم القيامة وإعادة الأرواح إلى الأجساد، هؤلاء هم مقدمو الملائكة، تتوسل بربوبية الله لهم: اللهم رب جبريل.... إلخ.
فأنت بهذا تتوسل إلى الله بأنه رب هؤلاء الملائكة سبحانه وتعالى، وتتوسل إليه بأنه فاطر السماوات والأرض، يعني خالق السماوات والأرض، وأنه عالم الغيب والشهادة تتوسل إليه بهذا، أنه العالم بكل شيء، وهو فاطر المخلوقات والموجد لها سبحانه وتعالى، وأنه رب كل شيء ومليكه جل وعلا، وأنه الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة، هو الحاكم بينهم في الدنيا بشرعه، وفي الآخرة بحكمه العدل سبحانه وتعالى، ثم بهذا تطلب منه أن يهديك لما وقع فيه اختلاف، تقول: اهدني لما اختلف فيه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770) .(8/171)
من الحق بإذنك. تسأله أن يهديك للصواب، والحق الذي وقع فيه الخلاف بين الناس، وتتوسل إليه بأنه الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فأنت تسأله بهذه الوسائل أن يهديك إلى الحق والصواب.(8/172)
62- حكم الجمع بين جميع الأدعية الواردة في دعاء الاستفتاح
س: تقول السائلة: ذكر النووي في كتاب الأذكار: أنه يستحب ألا يجمع بين جميع الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح أو في الركوع. فما هو رأي سماحتكم؟ (1)
ج: السنة أن ينوع في الاستفتاح، ما كان النبي يجمعها عليه الصلاة والسلام، تارة يستفتح بما جاء في حديث عمر: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) »
وتارة ما جاء في حديث أبي هريرة: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب البيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (3) » وهو في
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (191)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/172)
الصحيحين.
وتارة يستفتح بما جاء في حديث عائشة: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (1) »
وهكذا يستفتح بما جاء في حديث علي: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين (2) » إلى آخره وهو حديث طويل رواه مسلم في الصحيح، أو بما جاء في حديث ابن عباس في البخاري، ورواه مسلم أيضا، وهو حديث طويل: «اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض وما فيهن (3) » إلى آخر الحديث الطويل.
فالمؤمن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التهجد بالليل، برقم (1120) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل، وقيامه، برقم (769)(8/173)
والمؤمنة هكذا وهكذا، يعني تارة يستفتح بهذا، وتارة يستفتح بهذا وإن استمر على واحد فلا بأس، وأصحها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح إذا كبر في الصلاة الفريضة، يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (1) » خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.
أما الأذكار في الركوع والسجود فإنه يأتي منها بما تيسر، يشرع له أن يأتي بما تيسر، لكن يخص: سبحان ربي العظيم. في الركوع و: سبحان ربي الأعلى. في السجود، فيقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وإذا كررها ثلاثا فهو أفضل، والواجب مرة، وذهب الجمهور إلى أنها مستحبة فقط، ولكن ذهب جمع من أهل العلم إلى وجوب هذا الذكر: سبحان ربي العظيم. في الركوع، و: سبحان ربي الأعلى. في السجود؛ لأن الرسول حافظ عليها عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/174)
والسلام، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) »
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (2) قال: «اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل قوله: قال: اجعلوها في سجودكم (4) »
فينبغي للمؤمن والمؤمنة المحافظة على ذلك: سبحان ربي العظيم. في الركوع، و: سبحان ربي الأعلى في السجود، والأفضل أن يكرر ذلك ثلاثا، وإن كرر أكثر فهو أفضل، ويستحب مع هذا أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع والسجود، تقول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (5) »
ويستحب أن يقول: «سبوح قدوس رب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .
(2) سورة الحاقة الآية 52
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم (869)
(4) سورة الأعلى الآية 1 (3) {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/175)
الملائكة والروح (1) » يقوله النبي في الركوع والسجود عليه الصلاة والسلام. فإذا أتى بما تيسر من هذا كان هذا أفضل، وإذا اقتصر على البعض فلا بأس، وإن جمع الجميع فلا بأس، لكن لا يدع: سبحان ربي العظيم في الركوع و: سبحان ربي الأعلى في السجود، ولو مرة، ويستحب له أن يكثر في السجود من الدعاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » يعني: حري أن يستجاب لكم. رواه مسلم في صحيحه.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (3) » رواه مسلم وغيره، فالسنة الإكثار من الدعاء في السجود، مع قول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. مع قول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. وهكذا بين السجدتين يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (4) » يكرر ذلك، وإن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (487)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/176)
دعا بزيادة: اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين. فلا بأس كله دعاء، والسنة أن يطيل هذا الركن، وهو الجلوس بين السجدتين، كان النبي عليه الصلاة والسلام يطيله حتى يقول القائل: قد نسي. وهكذا الاعتدال بعد الركوع، السنة أن يطيل الاعتدال بعد الركوع، قال أنس رضي الله عنه: «كان النبي يطيل الاعتدال بعد الركوع، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي (1) »
بعض الناس ينقر هذا الركن ولا يعطيه حقه، بل يعجل، وهذا لا يجوز، بل الواجب الطمأنينة في جميع الصلاة، الركوع والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، يجب الاعتدال في هذا والطمأنينة، أما ذكر الاعتدال بعد الركوع فلم يرد ما يدل على التكرار، لكن يأتي به إذا تيسر كله، وهو: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. هذا هو الكمال، وإذا اقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد أجزأه؛ الإمام والمأموم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم (800)(8/177)
والمنفرد، لكن إذا كمل كان أفضل، وإن اقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. فلا بأس، ولكن الواجب: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. لآن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد (1) »
فدل هذا على أنه الواجب، والباقي مستحب وكمال، وهكذا الواجب بين السجدتين، يقول: رب اغفر لي. لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على ذلك رب اغفر لي. والواجب مرة كالتسبيح في الركوع والسجود، ولكن إذا كرر ذلك ثلاثا أو أكثر كان أفضل: رب اغفر لي، رب اغفر لي. بين السجدتين، وإذا زاد: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني، واجبرني. كان أفضل.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم (796) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التسميع والتمجيد والتأمين، برقم (409) .(8/178)
63- بيان أفضل الأدعية بعد تكبيرة الإحرام
س: ما هي أفضل الأدعية التي كان يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تكبيرة الإحرام، وقبل قراءة الفاتحة (1) ؟
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (343)(8/178)
ج: أفضلها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (1) » هذا يسمى دعاء الاستفتاح، وقد ثبت عنه هذا في الصحيحين، كان يأتي به قبل أن يبدأ بالفاتحة في الفرض والنفل، وإذا جاء بالاستفتاح الثاني المختصر: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » كفى، قد ثبت هذا أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/179)
64- حكم الصلاة بدون قراءة دعاء الاستفتاح
س: هل تجوز الصلاة بدون قراءة دعاء الاستفتاح في أول الصلاة؟ (1)
ج: الاستفتاح سنة، مستحب، ولو صلى ولم يستفتح صلاته صحيحة عند جميع العلماء، الاستفتاح سنة مستحبة، والاستفتاح أن يقول بعد التكبيرة الأولى: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (231)(8/179)
جدك، ولا إله غيرك (1) »
هذا يسمى الاستفتاح بعد التكبيرة الأولى؛ تكبيرة الإحرام، وإن استفتح بغير هذا مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حسن، مثل: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (2) » هذا صحيح أيضا، رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، كان يستفتح به النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات.
وهناك استفتاحات أخرى صحت عنه عليه الصلاة والسلام، والحاصل أنه إذا استفتح بشيء مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل القراءة فهو مستحب وسنة، ولو ترك ذلك فلا حرج عليه، تكون صلاته صحيحة، والقنوت في الوتر سنة، من فعله فهو أفضل، ومن ترك فلا حرج، من جاء بدعاء الاستفتاح وجاء بالقنوت في الوتر فهو السنة، ومن ترك فلا حرج عليه، من فعل السنة فله ثوابها، ومن ترك فلا حرج عليه مثل صلاة الراتبة في الظهر، وصلاة الراتبة في المغرب، وصلاة راتبة العشاء، وصلاة راتبة الفجر، الرواتب
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/180)
صلاة الضحى، من أتى بها حصل أجرها، ومن تركها فاته أجرها.(8/181)
س: ما حكم من لم يقرأ دعاء الاستفتاح في الصلاة؟ (1)
ج: لا حرج عليه، دعاء الاستفتاح مستحب، وليس بواجب، فمن قرأه أجر، ومن تركه فلا شيء عليه.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (409)(8/181)
65- حكم دعاء الاستفتاح في النوافل
س: هل دعاء الاستفتاح في النوافل سنة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: دعاء الاستفتاح سنة في الفريضة والنافلة جميعا، في التراويح، في النوافل، في صلاة الضحى، مثلما يستفتح في الفريضة يستفتح في النافلة، هذا هو السنة؛ لأن الرسول قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » ولم يفرق بين النافلة والفريضة، والأصل أنهما سواء إلا بدليل.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (284)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(8/181)
66- حكم الاستفتاح بقوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ... الآية
س: هل هذا صحيح: دعاء الاستفتاح عندما أقول:(8/181)
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ} (2) (3)
ج: كان النبي يفعلها في الليل، كان يقول إذا قام من الليل، يقول: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، إن صلاتي ونسكي ... (4) » إلى آخره، هذا من دعاء الاستفتاح في الليل، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أما في الفريضة فالأفضل: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (5) » أو «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (6) » هذا المحفوظ عنه في صلاة الفريضة، عليه الصلاة والسلام، أما الاستفتاح المطول كان يفعله في الليل عليه الصلاة والسلام في التهجد.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) السؤال السابع والسبعون من الشريط رقم (425)
(4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771)
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/182)
67- حكم الاستعاذة بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح
س: تقول السائلة: عندما أبدأ بالصلاة، وقبل أن أكبر أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم البسملة، ثم أكبر، وأعيد هذه الاستعاذة والبسملة بعد التكبيرة ودعاء الاستفتاح، فهل يصح مني هذا، أم أن هذه الطريقة غير صحيحة؟ (1)
ج: السنة أن تكتفي بالاستعاذة والتسمية بعد التكبير بعد الاستفتاح عند بدء القراءة، أما الإتيان بالاستعاذة والتسمية أول الصلاة ما عليه دليل، لكن إذا كبرت وأتيت بالاستفتاح: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » أو باستفتاح آخر من الاستفتاحات الصحيحة بعدها تقولين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله ثم تقرئين الفاتحة، هذا المشروع، أما تأتين بها قبل التكبير ليس لها أصل.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (366)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/183)
68- حكم الدعاء قبل تكبيرة الإحرام
س: إذا أقيمت الصلاة هل هناك دعاء يدعو به المصلي قبل تكبيرة الإحرام؟ (1)
ج: لا نعلم شيئا في ذلك، وقد سئل الإمام أحمد عن هذا فأجاب بأنه لا يعلم شيئا في هذا، فإذا دعا بشيء فلا بأس، لكن ليس هناك شيء معروف سنة، فإذا دعا بشيء: اللهم اغفر لي وارحمني. أو: أنجني من النار أو: تقبل مني لا نعلم فيه شيئا فهو مستحب.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (224)(8/184)
69- حكم الجهر بالدعاء قبل بدء الصلاة
س: يقول السائل: عندما تقام الصلاة في الظهر – مثلا – أو العصر يجهر الإمام بصوت مرتفع قبل بدء الصلاة بالدعاء، وكذلك المصلون يدعون خلفه، وعند بدء الصلاة في بعض الأحيان يجهر الإمام أثناء سجوده، وفي التشهدين فما حكم ذلك؟ (1)
ج: أما جهره بالدعاء قبل الصلاة ما نعلم له أصلا، وإنما يشرع الدعاء
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (245)(8/184)
بالاستفتاح بعد الإحرام، إذا كبر يأتي بالاستفتاح سرا بينه وبين ربه: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1) » هذا نوع من الاستفتاح، الإمام والمنفرد والمأموم بعد التكبيرة الأولى، وقبل القراءة.
أو يأتي باستفتاح آخر صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: « (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (2) » هذا أيضا صحيح.
وهناك أنواع من الاستفتاحات صحيحة، إذا أتى بواحد منها حصلت به السنة، أما دعوات قبل أن يكبر، يرفع بها صوته هو والمأموم فلا نعلم لهذا أصلا، بل هو بدعة، وهكذا ما يفعله بعد ذلك أثناء سجوده يجهر فهو غير مشروع، بل يدعو بينه وبين ربه ولا يجهر، وهكذا المأموم، الدعاء في السجود مستحب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (3) »
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)(8/185)
ويقول صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (1) » لكن يكون بينه وبين ربه، لا يجهر جهرا يؤذي من حوله، يشوش على من حوله، المأموم والإمام، وهكذا المنفرد، الدعاء سر في السجود، أما الجهر اليسير الذي قد يسمعه من حوله لا يضر، لكن الأفضل له ألا يشوش على من حوله إذا كان مأموما، يكون الدعاء بينه وبين ربه، لا يجهر به جهرا يشوش على من حوله، هذا هو المشروع.
كذلك لا يشرع الجهر بالتشهدين، بل يقرأ التشهدين سرا، هكذا السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)(8/186)
70- حكم قراءة البسملة والاستعاذة بعد تكبيرة الإحرام
س: يقول السائل: ما حكم قراءة البسملة والاستعاذة في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام، وقبل قراءة الفاتحة؟ وما حكم قراءتهما قبل السورة التي تقرأ بعد الفاتحة إذا قرأ المصلي بعد الفاتحة بأول السورة، أو قبل الآيات إذا لم يقرأ المصلي بعد الفاتحة بأول السورة؟ وهل الأفضل أن تكون قراءتهما سرا أم جهرا؟ وهل(8/186)
تقرآن في جميع ركعات الصلاة؟ وهل يأثم المصلي إذا لم يقرأهما في الحالات التي أشرت إليها أعلاه؟ (1)
ج: السنة أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي عند بدء قراءة الفاتحة، في أول الصلاة بعد الاستفتاح أولا يكبر: الله أكبر. هذه التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام، سواء كان إماما أم مأموما، أو منفردا، ثم يأتي بالاستفتاح الإمام والمأموم والمنفرد، والاستفتاح أنواع، أخصرها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استفتح بهذه الكلمات: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » هذا الاستفتاح أخصرها.
وقد جاء هذا الاستفتاح من حديث عائشة، ومن حديث أبي سعيد، ومن حديث عمر رضي الله عنه. ثم يستعيذ يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ الحمد؛ الفاتحة، الإمام والمأموم والمنفرد، الذكر والأنثى، وهناك استفتاحات ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير هذا، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (247)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/187)
والمغرب، اللم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (1) » هذا ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه استفتح بهذا قبل أن يتعوذ، وقبل أن يسمي بعد الإحرام.
وهناك استفتاحات أخرى، إذا أتى بواحدة منها مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفى، ولكن أخصرها وأسهلها على العامة: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. سرا، هذا هو الأفضل ولو في الجهرية، ولو في المغرب والعشاء، يقرؤها سرا، هذه هو الأفضل، كان النبي يسر بهما عليه الصلاة والسلام، ثم يقرأ الفاتحة، وهكذا في السورة بعد الفاتحة، يأتي بالتسمية فقط، ليس فيه حاجة للتعوذ، يكفي في أول القراءة التعوذ، فإذا قرأ بعد الفاتحة سورة سمى، وإن كانت آيات فلا حاجة إلى تسمية ولا تعوذ، يقرأ من دون شيء؛ لأن التسمية والتعوذ الذي حصل قبل الفاتحة كاف، يقرأ بالآيات
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .(8/188)
من دون تسمية ولا تعوذ بعد الفاتحة.
وهكذا في الصلوات الأخرى، جميع الصلوات يتعوذ عند قراءة الفاتحة ويسمي، ثم بعد ذلك إن كانت سورة سمى في أولها، وإن كانت آيات قرأها من دون حاجة إلى تسمية ولا تعوذ، كفى التعوذ الأول عند أول القراءة، وفي الركعة الثانية والثالثة والرابعة تكفي التسمية؛ لأن الاستعاذة كفت في أول الصلاة؛ لأن القراءة في الصلاة كالقراءة الواحدة، يكفي التعوذ الأول، وإن تعوذ في الثانية والثالثة والرابعة فلا بأس، الأمر واسع بحمد الله، وإن تعوذ مع التسمية فلا بأس، قاله بعض أهل العلم.
والصحيح أنه يكفي التعوذ الأول في الركعة الأولى، ويعيد التسمية عند قراءة الفاتحة في كل ركعة، وعند قراءة كل سورة في كل ركعة، أما إن كانت آيات فإنه لا يعيد التسمية ولا يعيد الاستعاذة، يكفي أن يقرأ من دون استعاذة، إذا حصلت الاستعاذة في أولها، والتسمية عند أول السورة والآيات، لا يسمي في أولها، لا يشرع، إنما يتعوذ عند أول القراءة بالآيات، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لقول الله سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1) وإن سمى فلا حرج في أول الآيات؛ لقوله صلى الله
__________
(1) سورة النحل الآية 98(8/189)
عليه وسلم: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع (1) »
لكن الأفضل في قراءة الآيات أن يبدأ بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أما إذا كانت سورة تعوذ وسمى عند أول القراءة، أما في الصلاة فيكفيه التعوذ عند أول الفاتحة، هذا هو الأفضل، وتكفيه التسمية إذا كانت آيات بعد الفاتحة، فإن كانت سورة يعيد التسمية سرا، وإن جهر بعض الأحيان للتعليم، مثل الإمام يجهر بعض الأحيان حتى يعلم من وراءه أن هناك تسمية، وهناك تعوذا، هذا لا بأس به، فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم، وفعله أبو هريرة رضي الله عنه، وذكر أنه يصف صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا فعل الإمام بعض ذلك الجهر، بالاستعاذة حتى يسمعه من حوله، أو بالتسمية حتى يسمعه من حوله بعض الأحيان للتعليم فلا حرج في هذا.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (4895)(8/190)
71- حكم الاستعاذة والبسملة في كل ركعة
س: تسأل أختنا وتقول: هل يلزم الالتزام بالاستعاذة والبسملة في كل ركعة من ركعات الصلاة، أم يكفي ذلك في الركعة الأولى؟ (1)
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (156)(8/190)
ج: أما التسمية فسنة في كل الركعات، إذا كانت تقرأ سورة مستقلة تسمي قبلها، أما الاستعاذة سنة في الركعة الأولى، أما الركعات الأخرى اختلف فيها العلماء، هل تشرع الاستعاذة أم لا؟ فمن استعاذ فلا بأس، ومن ترك فلا بأس في الركعات الأخرى، لكن تشرع الاستعاذة في الركعة الأولى بتأكيد، وهكذا التسمية، أما في الركعات الأخرى فإن المصلي يسمي -رجلا أو امرأة-، يسمي إذا افتتح سورة، أما إذا كان يقرأ بعض آيات فلا حاجة إلى التسمية، تكفي التسمية الأولى عند قراءته الفاتحة.(8/191)
س: بعض الناس يقولون: الاستعاذة قبل الفاتحة قبل كل ركعة، ولا يكتفى بها عند البداية في الصلاة. (1)
ج: المشهور عند العلماء أنه يكتفى بها في الأولى، في الركعة الأولى يستعيذ ويسمي، وفي البقية يسمي مع السورة، وإن استعاذ في كل ركعة فالأمر واسع، فإن استعاذ وسمى قبل الفاتحة في كل ركعة، فالأمر واسع، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (355)(8/191)
72- حكم قراءة البسملة في الصلاة عند قراءة الفاتحة
س: هل قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم. في الصلاة عند قراءة الفاتحة واجبة، أم سنة؟ (1)
ج: قراءة التسمية عند قراءة الفاتحة، أو غيرها من السور سنة في الصلاة وخارجها، وليست واجبة، هذا هو الصواب.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (227)(8/192)
73- حكم الجهر بالبسملة في الصلاة
س: الأخ: أ. ع. ن. م. من الجمهورية العربية اليمنية، يسأل ويقول: ما هو الحكم في الجهر بالبسملة في الصلاة؟ وبم نرد على من يقول: إن ذلك هو مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهل هي آية في سورة (الفاتحة) ؟ وإذا لم تكن آية فلماذا هي مرقمة بالرقم واحد في سورة (الفاتحة) في المصحف؟ (1)
ج: الصواب أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولا من غيرها من السور، ولكنها آية مستقلة، أنزلها الله فصلا بين السور، علامة أن السورة
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (207)(8/192)
التي قبلها انتهت، وأن الذي بعدها سورة جديدة، هذا هو الصواب عند أهل العلم، وترقيمها في بعض المصاحف أنها الأولى غلط ليس بصواب، والصواب أنها ليست من الفاتحة، إنما أول الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) هذه الآية الأولى، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (2) الثانية، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3) الثالثة، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) الرابعة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (5) هي الخامسة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (6) هذه هي السادسة، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (7) هي السابعة.
أما التسمية فهي آية مستقلة فصل بين السور، ليست من الفاتحة، ولا من غيرها من السور في أصح قولي العلماء، إلا أنها بعض آية من سورة (النمل) ، من قولة تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (8)
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2) سورة الفاتحة الآية 3
(3) سورة الفاتحة الآية 4
(4) سورة الفاتحة الآية 5
(5) سورة الفاتحة الآية 6
(6) سورة الفاتحة الآية 7
(7) سورة الفاتحة الآية 7
(8) سورة النمل الآية 30(8/193)
فهي بعض آية من سورة النمل، ولكنها آية مستقلة أنزلها الله فصلا بين السور، وليست آية من الفاتحة، وليست آية من غيرها، ولكنها بعض آية من سورة (النمل) ، هذا هو الصواب الذي عند أهل العلم.
أما الجهر بها فالأولى عدم الجهر؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يجهر بها، ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) وفي رواية أهل السنن لا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فالمقصود أنهم يبدؤون بالحمدلة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) .
فدل ذلك على أنهم كانوا يسرون، يعني النبي صلى الله عليه وسلم والصديق وعمر كانوا يسرون في التسمية، وجاء من طريق أبي هريرة ما يدل على أنه قد يجهر بها؛ لأنه جهر رضي الله عنه بالتسمية، ولما صلى قال: «إني أشبهكم صلاة
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2) سورة الفاتحة الآية 2(8/194)
برسول الله صلى الله عليه وسلم (1) » فاحتج بهذا بعض الناس على أنه يجهر بها، ولكن ليس حديث أبي هريرة صريحا في ذلك، ولو ثبت التنصيص على ذلك فيحمل على أنه كان في بعض الأحيان، والأكثر منه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يجهر جمعا بين الروايات، فالأفضل والأولى عدم الجهر، إلا إذا فعله الإنسان بعض الأحيان، جهر بها؛ ليعلم الناس أنه يسمي، وليعلم الناس أنها مشروعة، أن يسمي الإنسان سرا بينه وبين ربه، هذا حسن.
والرد على من يقول: إن ذلك هو مذهب الإمام الشافعي. بأن هذا يحتاج إلى مراجعة نصوص الشافعي رحمه الله، فلعل الشافعي رحمه الله إذا ثبت عنه أنه قال ذلك أخذ برواية أبي هريرة حين سمى وجهر، ولما فرغ من الصلاة قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ظاهره؛ أن النبي جهر؛ لأن أبا هريرة جهر، وقال: إني أشبهكم صلاة برسول الله. فالجهر بها جائز، ولكن الأفضل عدم الجهر
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1\357) ، حديث رقم (849) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2\46) ، باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها..، حديث رقم (2221) ، وابن خزيمة في صحيحه (1\251) ، حديث رقم (499)(8/195)
ولا ينبغي فيها النزاع، ينبغي أن يكون الأمر فيها خفيفا، والأفضل تحري سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الجهر، وإذا جهر بعض الأحيان من أجل حديث أبي هريرة، أو من أجل التعليم؛ ليعلم الناس أنها تقرأ، فلا بأس بذلك. قد جهر بها بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.(8/196)
س: أ. ح. ع. ع. من السودان، يسأل ويقول: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالبسملة في الصلاة عند قراءة الفاتحة، أم كان يسر بها، أم كان لا يقرؤها أبدا في الصلاة؟ وما حكم من جهر بالبسملة في الصلاة؟ (1)
ج: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بها، وكان يقرؤها سرا، كما أخبر بهذا أنس رضي الله عنه، وهكذا كان الصديق وعمر وعثمان، كانوا يسرون بها، وجاء عن بعض الصحابة أنه كان يجهر بها، فالأمر فيها واسع، فمن جهر فلا بأس، ولكن الترك أفضل، والسنة الإسرار بها وعدم الجهر بها؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، لكن إذا فعلها بعض الأحيان ليعلم الناس أنها تقرأ؛ يعلم من حوله أنها تقرأ فلا بأس بذلك جهرا خفيفا، حتى يعلم الناس أنها تقرأ، ولكنها ليست لازمة، لو
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (182)(8/196)
قرأ بدون بسملة صحت القراءة؛ لأنها سنة، كونه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. سنة قبل الفاتحة، وقبل غيرها من السور، سنة غير واجبة، لا في الصلاة ولا في غيرها، إلا قبل (البراءة) ، فلا تقرأ قبل سورة براءة (التوبة) ، إذا بدأ بالتوبة يقرأ التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ولا يقرأ بالتسمية في أولها؛ لأنها لم تشرع فيها.(8/197)
س: هل من السنة الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، أم الإسرار، مع الدليل؟ (1)
ج: السنة الإسرار، كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بها، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وهكذا عن الصديق وعن عمر، كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد، ولا يجهر بالبسملة ولا بالتعوذ، وهذا هو الأفضل، عدم الجهر بالتعوذ، وعدم الجهر بالتسمية.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (424)(8/197)
س: ما حكم من يجهر بالبسملة؟ هل هذا فيه محذور؟ (1)
ج: لا مانع من الجهر بالبسملة، ولكن السر بها أفضل، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسر بالبسملة، وهكذا كان الصديق وعمر
__________
(1) السؤال الثامن في الشريط رقم (63)(8/197)
وعثمان يسرون بها، هذا هو الأفضل، وإذا جهر بها بعض الأحيان فقد فعل هذا بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المحفوظ عنه هو السر عليه الصلاة والسلام، روي عنه أنه كان يسر بها، كما قال أنس رضي الله عنه: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا لا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) (1) » فمن جهر بها بعض الأحيان فلا بأس، لكن الأولى والأفضل أن يسر بها في الغالب؛ اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأسيا بالسلف الصالح رضي الله عنهم، وأخذا بالأحوط والأفضل.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم (399)(8/198)
س: لقد تقدمت إماما في مسجد في مزرعة، وكنا مجموعة من العمال، وبعد أن قرأت البسملة جهرا تركنا أحد المصلين وخرج من الصف، ولم يصل معنا جماعة، نرجو إذا كان في الجهر في البسملة شيء يجانب الصواب. أفتونا في ذلك وفقكم الله (1)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (35)(8/198)
ج: البسملة يجوز الجهر بها، والأفضل السر بها، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يسر بها، وهكذا الصديق وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فالسنة الإسرار بها، وأن تقرأها سرا بينك وبين نفسك قبل الفاتحة، وقبل كل سورة، ولا تجهر بها، ولكن لو جهر بها الإمام فلا حرج، ولا ينبغي ترك الصلاة من أجل ذلك، والانصراف من الصلاة من أجل ذلك، هذا غلط، وليس عنده بصيرة، والجهر بالبسملة لا يضر الصلاة ولا حرج فيه، ولكنه خلاف الأفضل، فالأفضل السر بها.(8/199)
س: إذا أردت الاستعاذة والبسملة في الصلاة فهل أجهر، أم تكون سرا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة سرا، الإمام والمنفرد والمأموم، يأتي بالاستعاذة والبسملة سرا، هذا هو الأفضل.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (309)(8/199)
س: هل التسمية بالصلاة الجهرية سرا أم جهرا؟ (1)
ج: السنة سرا، كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر لا يجهرون بالبسملة، يجهر بـ (الحمد لله) ، أول ما يقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2)
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (423)
(2) سورة الفاتحة الآية 2(8/199)
يسرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) والتعوذ، هكذا ثبت في الأحاديث الصحيحة عن أنس وغيره: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان، وهكذا أبو بكر وعمر، لا يجهرون بالبسملة، أول ما يسمعون الناس: «الحمد لله (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم (399) ، والمتن جزء من الآية الأولى من الفاتحة.(8/200)
74- حكم صلاة من نسي البسملة قبل الفاتحة
س: هل تصح صلاة من نسي البسملة في قراءة الفاتحة؟ (1)
ج: نعم، البسملة ليست من الفاتحة، هي آية مستقلة، يشرع له المجيء بها عند قراءة الفاتحة، وعند قراءة كل سورة من القرآن، يقرأ في أولها: بسم الله الرحمن الرحيم. إلا سورة (براءة) ، فليس أمامها بسملة، وإذا بدأ يبدأ بالتعوذ، يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ولا يقرأ، وأما بقيه السور، وهي مائة وثلاث عشرة سورة، ماعدا سورة (التوبة) فإنه يقرأ في أولها: بسم الله الرحمن الرجيم. فإن القرآن مائة وأربع عشرة سورة، يسمي في أول كل سورة ما عدا (براءة) ، وهذه
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (131)(8/200)
التسمية سنة مؤكدة، فلو تركها ولم يقرأ بها صحت صلاته؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بقراءة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) وهكذا الصديق، وهكذا عمر، وهكذا عثمان، لم يذكروا التسمية في بعض الروايات، لا في أول القراءة، ولا في آخرها، واحتج به العلماء على أنها غير متعينة؛ إذ لو تعينت لنبه النبي عليها عليه الصلاة والسلام، ولجهر بها، فلما أسر بها دل على أنها غير متعينة.
لكن يشرع للمؤمن أن يقرأها سرا في الجهرية، ويقرأها في السرية أيضا، لكن تكون في الجهرية سرا؛ لأن الرسول ما كان يجهر بها عليه الصلاة والسلام، فالأفضل والسنة للمؤمن والمؤمنة قراءة التسمية، لكن سرا في الجهرية والسرية جميعا.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2(8/201)
75- حكم صلاة من لا يقرأ البسملة في الفاتحة
س: أسمع بعض الناس في الصلاة الجهرية يبدأ بالفاتحة مباشرة دون أن يسمي، أي لم يذكر البسملة، فما هو التوجيه في هذا (1) ؟
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (104)(8/201)
ج: المشروع للمؤمن والمؤمنة أن يبدأ بالتعوذ، ثم التسمية ثم القراءة، فإذا كبر للصلاة أولا: يستفتح بما شرعه الله من الاستفتاحات التي ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها وهو أقصرها: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1) »
ومنها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2) »
وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالأفضل أن يستفتح بواحد منها، هذا هو الأفضل، وإن ترك ذلك فلا حرج، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ الفاتحة، هذا هو المشروع، ولو قرأ من دون استفتاح ولا تعوذ، ولا تسمية صحت القراءة؛ لأن التسمية سنة، والتعوذ سنة والاستفتاح سنة، لكن الأفضل له والسنة له أن يأتي بهذه الأمور، يستفتح ثم يستعيذ ثم يسمي، ثم يقرأ، هذا هو المشروع
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ '' سبحانك اللهم وبحمدك ''، برقم (776) ، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) .(8/202)
وهذا هو الكمال.(8/203)
76- حكم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية
س: يسأل أخونا عن الصلاة الجهرية، ويقول: لم أسمعهم يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم. في الصلاة الجهرية (1)
ج: السنة في الجهرية ألا يجهر، يقرأ التسمية والتعوذ لكن سرا، هذا هو الأفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسر بها، وهكذا خلفاؤه الراشدون: الصديق وعمر وعثمان وعلي، كانوا يسرون، فالسنة الإسرار بها، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه ما يدل على أن الرسول ربما جهر بها عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، فإذا جهر بها الإنسان في بعض الأحيان للبيان والتعليم فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل أن يكون الغالب عليه أن يسر بها؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام في ذلك.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (104)(8/203)
س: سمعت بعض المصلين في بداية سورة (الفاتحة) يبدؤون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) بدون: بسم الله الرحمن الرحيم والبعض الآخر يسمي، فمن هو الذي على صواب؟ (2)
ج: المشروع للإمام والمأموم والمنفرد، لكل قارئ أن يسمي في الفاتحة، وفي غيرها من السور، يبدأ بالتسمية إلا في (براءة) ، وهي سورة (التوبة) ، فإنها تبدأ بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لم يرد فيها التسمية، وأما بقية السور فإنك تبدؤها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) لكن في الصلاة تسر بها.
ولو كان بالجهرية كالمغرب والعشاء والفجر، يسر بها المصلي، ويبدأ جاهرا بـ (الحمد لله) يجهر بالحمد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بها والصحابة، كانوا يسرون بها، فإذا أراد القراءة، وهو في المغرب والعشاء والفجر والجمعة يسر بالتسمية، ويبدأ بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) جاهرا، أما في الظهر والعصر فيسر في الجميع، وهكذا في الثالثة والرابعة من العشاء والمغرب، لكن في الفجر
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (323)
(3) سورة الفاتحة الآية 2(8/204)
والجمعة، والأولى والثانية من المغرب والعشاء فيسر بالبسملة ويجهر بالحمد، وبقية السور والآيات، هذا هو السنة، قال أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يبدؤون القراءة بـ (الحمد لله) لا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم (399)(8/205)
77- حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
س: هل قراءة الفاتحة في كل ركعة واجبة؟ وهل يغني عنها شيء؟ (1)
ج: قراءة الفاتحة ركن من كل ركعة للإمام والمنفرد، واجبة في حق المأموم في كل ركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » فعلى الإمام أن يقرأها في كل ركعة، وعلى المنفرد أن يقرأها في كل ركعة، وعلى المأموم أن يقرأها في كل ركعة، لكن في حق المأموم واجبة لو نسيها سقطت بخلاف الإمام والمنفرد، فإنها لا بد منها، لا تسقط لا جهلا ولا نسيانا، بل عليه أن يؤديها الإمام والمنفرد في كل ركعة.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (418)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .(8/205)
س: يقول السائل: من لم يقرأ الفاتحة في صلاته كيف توجهونه؟ (1)
ج: أما إذا كان إماما أو منفردا فإن صلاته غير صحيحة، لا بد أن يعيدها؛ لأن الفاتحة ركن الصلاة، أما إذا كان مأموما فإن العلماء اختلفوا في المأموم، هل تلزمه الفاتحة أم لا؟ والأكثرون على أنها لا تلزمه؛ لأن إمامه يقوم مقامه في ذلك، والصواب أنها تلزمه، يقرؤها ولو مع الإمام، ثم ينصت إذا كان في الصلاة الجهرية؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) »
ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: « (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم) قلنا: نعم. قال: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) (3) » هذا نص في المأمومين، وهو صحيح، فوجب الأخذ به، لكن لو فاته القيام؛ لأنه تأخر لم يأت إلا في الركوع أجزأه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل أبو بكرة والنبي راكع، فركع دون الصف ثم دخل في الصف لم يأمره بقضاء الركعة؛ لأنه معذور بفوات القيام، ومثله من كان مع الإمام
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (244)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم (823)(8/206)
وسها عن قراءة الفاتحة، أو يعتقد قول الجمهور: أنها لا تجب عليه. فصلاته صحيحة، أو جاهلا بالحكم الشرعي، فلم يقرأ يحسب أنه لا يلزمه القراءة مع الإمام هذا صلاته صحيحة، كالذي جاء والإمام راكع.(8/207)
78- حكم سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة
س: يقول هذا السائل: بما أن الصلاة ليس فيها سكوت، فماذا يقول الإمام في السكتة التي تلي قراءة الفاتحة، بالنسبة للصلاة الجهرية؟ (1)
ج: ما فيها شيء، إذا سكت سكتة خفيفة يقرأ المأموم فيها الفاتحة، وهو لا يقرأ شيئا.
__________
(1) السؤال الثالث والخمسون من الشريط رقم (433)(8/207)
79- وقت البدء في دعاء الاستفتاح للمأموم
س: عندما تكون الصلاة جهرية هل يبدأ المأموم بدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، أم بعد قراءة الإمام للفاتحة؟ (1)
ج: يبدأ بالاستفتاح بعد التكبير، إذا سكت الإمام يستفتح المأموم، أما إذا كان الإمام ما استفتح، شرع في القراءة من حين كبر فالمأموم
__________
(1) السؤال الرابع والخمسون من الشريط رقم (433)(8/207)
يسكت، لا يستفتح، عليه الإنصات في الجهرية، لكن إذا سكت الإمام يستفتح فالمأموم يستفتح أيضا(8/208)
80- حكم رفع الصوت بقول آمين بعد الفاتحة
س: نعلم جيدا أن من السنة قول: آمين. بعد قراءة الفاتحة في الصلاة، بحيث يجهر بها في الصلاة الجهرية، ويسر بها في الصلاة السرية، ولكن عندنا في المسجد يقولون: آمين. في الصلاة الجهرية بعد قراءة الفاتحة في السر، ولا يرفعون بها أصواتهم، ويقولون: إن ذلك مذهب الإمام مالك. ما هو توجيهكم؟ (1)
ج: الصواب رفع الصوت بها، كما كان النبي يفعله صلى الله عليه وسلم، والصحابة يفعلونه، فإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} (2) يقول الإمام: آمين وهم كذلك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قال:. فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (266)
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب جهر المأموم بالتأمين، برقم (782)(8/208)
من ذنبه (1) » فالسنة رفع الصوت بها من الجميع.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 7 (3) {وَلَا الضَّالِّينَ}(8/209)
س: السائل أبو محمد يقول: هناك أناس لا يرفعون أصواتهم بقول: آمين. بعد {وَلَا الضَّالِّينَ} (1) فما هو الأفضل في ذلك: رفع الصوت أم خفضه؟ (2)
ج: السنة رفع الصوت، كان الصحابة يؤمنون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ويرفعون أصواتهم، السنة إذا قال: آمين الإمام، يقول المأموم مثله: آمين. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمن الإمام فأمنوا (3) » وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال: (ولا الضالين) . فقولوا آمين (4) » .
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 7
(2) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (400)
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب جهر الإمام بالتامين برقم (780) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين، برقم (410)
(4) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبي داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد (5/314) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .(8/209)
81- حكم قراءة البسملة في السورة التي تلي الفاتحة
س: تقول السائلة: عند نهاية قراءة الفاتحة في الركعة الأولى هل أتعوذ وأبسمل في السورة التي تلي الفاتحة؟ وهل أكرر التعوذ والبسملة(8/209)
عند قراءتي للفاتحة، والسور الأخرى في الركعات التالية؟ (1)
ج: تعوذي في الأولى بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. في الركعة الأولى، أما بقية الركعات تكفي التسمية عند بداية السورة، عند بداية الفاتحة، وعند بداية السورة، بعد الفاتحة، وإن كررت الاستعاذة فلا حرج.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (178)(8/210)
س: السائل م. م. من السودان: هل أقرأ البسملة في السورة التي تلي الفاتحة في الصلاة السرية، أم لا تجب؟ (1)
ج: السنة أن تقرأ التسمية في الفاتحة، وفي السورة جميعا، في السرية والجهرية، لكن في الجهرية تسر بها أفضل.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (263)(8/210)
82- حكم قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة
س: هل يجوز للمصلي أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة، خاصة في صلاة الفريضة؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (392)(8/210)
ج: لا حرج في ذلك، أن يقرأ سورتين أو أكثر، قد كان بعض الأئمة في الأمصار يقرأ أحدهم الفاتحة وسورة، ويقرأ معها (قل هو الله أحد) . فأقره النبي عليه الصلاة والسلام، وسأله عن ذلك، قال: لأني أحبها، فأخبره قال: «إن الله يحبك لحبك قل هو الله أحد (1) » وفي لفظ: «حبك إياها أدخلك الجنة (2) » فلا حرج.
وجاء عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بعدة سور: سورتين في ركعة غير الفاتحة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: أنه في بعض صلاة الليل قرأ (البقرة) و (النساء) و (آل عمران) في ركعة، عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده (1\357)
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، برقم (12024) والترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الإخلاص، برقم (2901)(8/211)
83- حكم قراءة ما زاد على الفاتحة بعد الركعتين الأوليين
س: لقد حصل جدال في الركعتين الأخيرتين من الرباعية، والركعة الثالثة من الثلاثية، هل يجوز أن نقرأ ما تيسر من القرآن فيهن، أم لا؟ (1)
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (376)(8/211)
ج: السنة قراءة الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب فقط، وهكذا في الركعة الأخيرة من المغرب، والركعتين الأخيرتين من العشاء، وإن قرأ زيادة يسيرة فلا حرج، لكن هذا هو الأفضل، وقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري ما يدل على أنه ربما يقرأ في الثالثة والرابعة شيئا يسيرا، وجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ في الركعة الثالثة من المغرب: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (1) ،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 8(8/212)
س: إذا قرأت سورة بعد الفاتحة، في الركعتين الأخيرتين في الرباعية، أو في الركعة الأخيرة من المغرب فهل علي سجود سهو؟ وماذا أقول فيه؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: ليس عليك سجود سهو، ولكن ترك ذلك أفضل؛ ترك القراءة، ومن قرأها فلا حرج، قد ثبت حديث أبي سعيد رضي الله عنه مما يدل
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (291)(8/212)
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة، وثبت عن الصديق رضي الله عنه «قرأ في الثالثة من المغرب بعد الفاتحة: (2) »
فالأمر في هذا واسع، ولكن ترك القراءة أفضل إلا في الظهر، فلا بأس من القراءة في الثالثة والرابعة بعض الشيء زيادة على الفاتحة، في بعض الأحيان لحديث أبي سعيد.
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب النداء للصلاة، باب القراءة في المغرب والعشاء، برقم (174)
(2) سورة آل عمران الآية 8 (1) {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(8/213)
84- بيان فضل القراءة بالقلب واللسان
س: يقول السائل: م. ع. عند الصلاة هل المسلم يقرأ بقلبه، أو بلسانه، أو بقلبه ولسانه مع تحريك الشفتين، وفي الدعاء كذلك؟ (1)
ج: السنة أن يقرأ بقلبه ولسانه، يستحضر، يقرأ باللسان وقلبه حاضر يستفيد ويتدبر، ويتعقل كما قال جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (2) وقال سبحانه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (3) فالسنة أن
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (393)
(2) سورة ص الآية 29
(3) سورة محمد الآية 24(8/213)
المؤمن يقرأ ويحرك لسانه بالقراءة، حتى يسمع القراءة ويكون مع التدبر والتعقل والاستفادة.(8/214)
س: هل صحيح أنه لا بد أن يسمع المسلم نفسه ما يقول في الصلاة؟ (1)
ج: نعم، ما يكون متكلما إلا إذا أسمع نفسه، إذا كان يسمع، أما إذا كان عنده ثقل في السمع، يتكلم بقدر طاقته من غير أن يشوش على من حوله، يعني يتيقن أنه تلفظ، يتلفظ، ما هو بالنية، لا بد من التلفظ باللسان تلفظا يسمعه المتكلم من نفسه، لو كان سمعه صحيحا، أما إذا كان سمعه فيه خلل فلا يرفعه ولا يؤذي الناس، لا يشوش على الناس، لكن يتأكد أنه تلفظ تلفظا بالقراءة.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (290)(8/214)
س: هل عدم تحريك اللسان والشفتين في الصلاة يبطل الصلاة؟ (1)
ج: لا بد من القراءة، ولا بد من تحريك اللسان حتى يسمع قراءته بالحروف التي يسمعها.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (430)(8/214)
س: قال النووي في كتاب الأذكار: اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها واجبة كانت، أو مستحبة لا يحسن منها شيء(8/214)
ولا يعتد به حتى يتلفظ بها، وحتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع، لا عارض له انتهى (1)
ج: نعم، مثل ما قال، لا بد من لفظ يسمع نفسه، إذا كان صحيح السمع، أما قراءته بمجرد حركة اللسان بدون إسماع نفسه فلا تعتبر؛ لأنها ليست قراءة، وإنما هي حركة اللسان فقط، لكن لا بد من قراءة تسمع، يسمعها صاحب السمع حتى تعتبر قراءة، سواء كانت قراءة الفاتحة أو قراءة للسور، أو تسبيحا في الركوع والسجود، أو الدعاء بين السجدتين، أو في آخر الصلاة.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (192)(8/215)
س: سماحة المفتي حفظكم الله، ورد في كتاب الأذكار للنووي بأن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها واجبة كانت، أو مستحبة لا يحسب شيء منها، ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه، إذا كان صحيح السمع ولا عارض له. والسؤال: هل هذا وارد؟ (1)
ج: هذا هو السنة، أن يسمع نفسه بأذكار الركوع والسجود وبين السجدتين وفي التحيات، ما يصير قارئا إلا إذا أسمع نفسه، إذا تلفظ
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (433)(8/215)
ولا يصير ذاكرا إلا بذلك، لكن الذكر بالقلب نوع ثالث، الذكر بالقلب، والذكر باللسان، والذكر بالعمل، فالذكر بالقلب نوع ثالث، يكون على قلبه محبة الله، وتعظيم الله وشكر الله، لكن لا يكون مؤديا للواجب في الصلاة إلا إذا قال: سبحان ربي العظيم. في الركوع، سبحان ربي الأعلى. في السجود، ويقرأ التحيات، ويقرأ الفاتحة، أما كونه ينويها بقلبه ما ينفع، أو يقرؤها بقلبه ما يكفي.(8/216)
85- حكم الجهر بالقراءة للمنفرد والمرأة
س: ما حكم الجهر في القراءة للمنفرد والمرأة في الصلاة الجهرية؟ (1)
ج: السنة الجهر مثل الفجر، إذا فاتته فله الجهر، أو كان مريضا. والمرأة كذلك يستحب لها الجهر في الفجر، والأولى والثانية من المغرب والعشاء، للرجل والمرأة جميعا.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (350)(8/216)
س: إذا صلى المنفرد صلاة المغرب أو العشاء، أو الفجر فهل يجهر بالقراءة أم لا؟ لأنني قد رأيت من يجهر بها. أفتوني جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (198)(8/216)
ج: نعم، إذا صلى المغرب مثل المريض، أو فاتته الصلاة مع الجماعة يجهر مثلما يجهر الإمام في المسجد، يجهر في المغرب، في الثنتين الأوليين، وفي الثنتين من العشاء وفي الفجر أيضا، الجهر سنة للمنفرد والإمام، فإذا كان المنفرد مريضا ما حضر مع الناس، أو مثلا فاتته الصلاة فإنه يجهر جهرا لا يشق على من حوله من المصلين، أو القراء جهرا خفيفا، لا يحصل به تشويش على أحد.(8/217)
س: إذا كان الإنسان يصلي منفردا في الصلاة الجهرية فهل يجهر بالقراءة؟ وهل يشمل الجهر التكبيرات أم لا؟ (1)
ج: نعم، يجهر بالقراءة إذا كان يصلي جهرية، كالفجر والاثنتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء فإنه يجهر، هذه السنة، يجهر بالقراءة جهرا مناسبا لا يشوش على من حوله، إذا كان حوله مصلون، أو كان حوله قراء يكون جهره لا يشوش عليهم، أما التكبير فلا حاجة إلى الجهر به؛ لأنه يجهر به في حق الإمام، حتى يسمع المأمومون، أما إذا كان يصلي وحده فلا حاجه إلى الجهر في ذلك، يكبر تكبيرا ليس فيه جهر.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (246)(8/217)
س: السائلان: ع. ح. ش، وع. م. د. من مدينة الدمام، يسألان: هل يجهر في الصلاة إذا صلاها الإنسان منفردا، مثل صلاة المغرب والعشاء والفجر، أو يجعلها سرا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة في صلاة المغرب والعشاء والفجر الجهر، سواء كان المصلي إماما أو منفردا، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، فإذا فاتت الإنسان الصلاة مع الجماعة صلاها بالجهر؛ المغرب والعشاء والفجر، كما كان يصليها لو كان إماما، لكن إذا كان حوله من قد يتأذى بالجهر؛ من نوام أو قراء خفض قليلا حتى لا يؤذي أحدا.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (158)(8/218)
س: هل يجوز للفرد إذا صلى منفردا أن يجهر في الصلاة؟ وإذا كان ذلك جائزا فهل هو في جميع النوافل والفروض؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة في الليل، صلاة الليل أن يجهر، وهكذا صلاة الفجر، يجهر سواء كان إماما أو منفردا، أما المأموم فينصت لإمامه، يقرأ الفاتحة بينه وبين نفسه وينصت لإمامه، ولكن إذا كان إماما في صلاة الفجر، في
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (345)(8/218)
التهجد في الليل، في وتره، وهكذا إذا صلى في بيته إذا تهجد ورفع صوته في الليل، وهكذا في صلاة الفجر للنساء، وللرجل إذا صلى في بيته لمرض، أو لعذر شرعي.(8/219)
س: يقول السائل: إذا صليت منفردا صلاة جهرية فهل يصح أن أقرأ سرا بدون جهر؟ (1)
ج: الأفضل الجهر في المغرب والعشاء والفجر، وإن كنت وحدك كالمريض، وهكذا المرأة تقرأ جهرا، في الأولى والثانية من المغرب والعشاء، وفي الفجر السنة الجهر بالقراءة للرجل والمرأة، وإذا صلى وحده بأن فاتته؛ لأنه مريض يجهر، هذا السنة، لكن جهرا لا يؤذي من حوله، إن كان حوله مصلون، أو كان حوله قراء يكون جهرا لا يؤذي أحدا، هذا السنة وليس بواجب.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (249)(8/219)
س: الأخ: ح. يسأل ويقول: يقولون: إن المنفرد في صلاة المغرب، والعشاء والفجر لا يجهر بالقراءة. فهل هذا صحيح؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (210)(8/219)
ج: يجهر مثل غيره، إذا صلى في بيته لأنه مريض، أو فاتته الصلاة فالسنة أن يجهر في الأولى والثانية في المغرب والعشاء، كما يجهر في الفجر أيضا، لكن لا يجوز له التخلف عن الجماعة إلا بعذر شرعي، لكن لو فرضنا أنه مريض، أو حصل له عذر ففاتته الصلاة في المسجد فإنه يجهر، إذا صلاها يجهر في المغرب والعشاء، في الأولى والثانية، ويجهر في الفجر إذا فاتته الفجر، هذا السنة، فالجهر سنة للمنفرد وللجماعة.(8/220)
86- حكم صلاة من أسر بالقراءة في الصلاة الجهرية
س: يقول: إذا قرأت في الصلاة الجهرية سرا هل هذا يخل بالصلاة؟ وهل علي سجود سهو؟ (1)
ج: لا يخل بالصلاة، ولكن تركت الأفضل، وتركت السنة، وليس عليك سجود سهو، وإن سجدت فحسن، إذا كنت تركته سهوا.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (291)(8/220)
87- بيان الحكمة من أن صلوات الليل جهرية وصلوات النهار سرية
س: لماذا كانت صلوات الليل جهرية وصلوات النهار سرية؟ (1)
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (265)(8/220)
ج: الأقرب – والله أعلم – أن الحكمة في ذلك أن النهار محل العمل، ومحل الأخذ والعطاء والاجتماع، فالسر أجمع للقلب، إذا قرأ سرا أجمع لقلبه، وأخشع لقلبه حتى يتدبر، والليل محل الخلوة في البيت مع الأهل، ومحل خلوة بالله عز وجل، إذا جهر كان أنشط له، وأقرب إلى انتفاعه بالقراءة، وأبعد عن النوم، فهو في الليل يقرأ جهرة ليتدبر كتاب الله، ولينشط في قراءته ويجمع قلبه على ذلك؛ لأن ما حوله هادئ، فليس عنده مشاغل، فيرفع صوته حتى يجمع قلبه، ويقرأ كلام الله ويتدبره عن صوت مرفوع، رفعا لا يشق عليه، ولا يؤذي من حوله، إذا كان حوله نوام، أو مصلون، أو قراء لا يرفع رفعا يؤذيهم ويشق عليهم، لكن رفعا خفيفا، أما إذا كان ما حوله أحد فيكون رفعه وسطا يطرد الشيطان، ويعين نفسه على النشاط والتدبر.(8/221)
س: ح. مصري ومقيم بالرياض، يقول: لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر، دون بقية الفرائض؟ وما الدليل على ذلك؟ (1)
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (404)(8/221)
ج: الله أعلم، لكن يغلب على الظن – والله أعلم – أن هذه الأوقات يكون فيها الاستماع متيسرا والفهم في المغرب والعشاء والفجر، فينتفع المأمومون بالقراءة بخلاف الظهر والعصر، فإنها أوقات مشاغل بحاجات الدنيا، وقد لا يكون عندهم من الاستماع والإنصات والفهم ما عندهم في المغرب والعشاء والفجر، فمن حكمة الله أن جعل القراءة سرية حتى يتأمل هذا، ويتأمل هذا، الإمام يقرأ ويتأمل، والمأموم كذلك، بخلاف المغرب والعشاء، فإن مجيء الليل وأول النهار وقت الراحة، ووقت الهدوء، فالأقرب – والله أعلم – أنه يتيسر لهم من الاستماع والإنصات، والاستفادة ما لا يتيسر لهم في الصلاتين النهاريتين: الظهر والعصر، والحكمة في هذا لله سبحانه، هو أحكم وأعلم جل وعلا، هو الحكيم العليم سبحانه وتعالى في ذلك.
ولكن الأقرب – والله أعلم – أن هذا هو السر في الجهر في المغرب والعشاء في الأولى والثانية، والجهر في الفجر والجهر في الجمعة؛ لأنه صلاة يجتمع فيها الناس من كل مكان، من الحكمة أن يجهر فيها بالقراءة حتى يستمعوا ويستفيدوا، وهكذا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء، لأنها صلوات يحصل فيها الاجتماع والكثرة، فمن رحمة الله أن شرع فيها الجهر.(8/222)
س: ما هي الحكمة من أن صلاة الفجر والمغرب والعشاء جهرية، وصلاة الظهر والعصر سرية، أي في الخفاء؟ وفقكم الله (1)
ج: هذا ليس فيه نص في بيان الحكمة فيما نعلم، إلا أن بعض أهل العلم ذكر شيئا في هذا، وهو أن الظهر والعصر تأتي في النهار في وقت العمل، والناس مشغولون بأعمالهم، فناسب أن تكون سرية حتى يقبل كل واحد على صلاته، وحتى يشتغل بقراءته بينه وبين نفسه، حتى لا ينشغل بشيء آخر، بخلاف ما لو جهر الإمام فإنه قد ينصت له، ولكن تذهب به الهواجس والأوهام إلى جهة أخرى، فإذا أقبل على صلاته، واشتغل بقراءته كان أقرب إلى جمع قلبه، إلى الصلاة.
أما في الليل في الغالب أن الشواغل تنتهي وتقل، وهكذا الفجر بعد قيامه من النوم، ولم يشرع في مشاغل الدنيا بعد، فيكون قلبه فارغا وحاضرا، يستمع قراءة الإمام، ويستفيد من قراءة الإمام بإنصاته له، فالليل محل قلة الشغل، وتواطؤ القلب مع اللسان، ليستفيد ويستمع قراءة الإمام، ويتدبر ما يستمع، فهذا أقرب إلى أن يسمع وإلى أن يستفيد، وإلى أن يتدبر بخلاف النهار، فإنه مشغول وعنده من مشاغل الدنيا ما يقلقه عن
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (24)(8/223)
الاستماع والإنصات؛ فشرع الله له أن يقرأ بنفسه، وأن يستمع بنفسه، حتى لا تذهب به الوساوس إلى أشياء أخرى، هذا مما قيل في هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.(8/224)
88- حكم الجهر في غير الصلوات الجهرية
س: هل يصح للمصلي أن يجهر في صلاته غير الصلوات الجهرية؛ كالظهر والعصر، أو في الركعات الأخرى بعد التشهد الأول، أو الجهر في السنن وصلاة الضحى مثلا؟ (1)
ج: السنة السر إلا في الليل، السنة في صلاة النهار السر إلا صلاة الفجر، وصلاة الجمعة، وصلاة الكسوف والاستسقاء، أما النوافل العادية في النهار السنة فيها السر، وهكذا صلاة الظهر والعصر السنة فيها السر.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (351)(8/224)
س: هل لي أن أجهر في غير الصلاة الجهرية؟ (1)
ج: السنة السر، لكن لو جهر ببعض الآيات لا بأس، كان النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (136)(8/224)
يسمعهم الآية أحيانا في الظهر والعصر، لكن الأفضل في الظهر والعصر السر، وفي الليل الجهر، وفي الفجر الجهر، لكن لو أن الإنسان جهر في بعض الآيات في الظهر والعصر فلا بأس؛ يسمعهم بعض الآيات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.(8/225)
89- بيان أن السنة التوسط بين السر والجهر
س: هل يستوي أجر القراءة في السر والجهر؟ (1)
ج: السنة في القراءة التوسط؛ عدم الجهر الذي يشق على الناس، وعدم السر الذي يخفى على الناس، مثل ما جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر، وأمر الصديق بالتوسط في القراءة، بل في السنة أن يقرأ قراءة تنفعه وتنفع الحاضرين، ولا تشق عليه، وإذا رأى أن السر أخشع لقلبه، وأنفع له أسر بذلك، فإن رأى أن الجهر أنفع له وأخشع لقلبه جهر بذلك، بشرط ألا يؤذي أحدا من الناس، أما إن كان بين المصلين وبين القراء فلا يجهر عليهم، ولا يشق عليهم ويشوش عليهم، فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات يوم
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (334)(8/225)
إلى المسجد، وفيه أناس يصلون بعضهم يصلي ركعتين، والآخر يصلي ثلاثا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة (1) » المقصود: فلا يؤذي بعضكم بعضا. فالقارئ عليه أن يتحرى عدم إيذاء إخوانه من مصلين أو قراء.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم (11486) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، برقم (1332)(8/226)
90- حكم جهر الإمام ببعض الآيات أحيانا في الصلاة السرية
س: هل كان يسمع صوت الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية؟ (1)
ج: كان يسمعهم الآي بعض الأحيان، ما هو بدائم، بعض الأحيان، كما قال أبو قتادة: كان يسمعنا الآي بعض الأحيان؛ ليعلموا أنه يقرأ عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (367)(8/226)
91- حكم صلاة من اقتصر على قراءة الفاتحة
س: يقول السائل: هل تجوز الصلاة بقراءة الفاتحة فقط؟ (1)
ج: نعم، إذا لم يقرأ إلا الفاتحة صحت صلاته، جميع الصلوات الخمس إذا لم يقرأ إلا الفاتحة صحت؛ لأنها ركن الصلاة وما زاد عليها مستحب ليس بواجب، لكن السنة أن يزيد عليها، الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، والسنة أن يزيد عليها في الفجر أيضا، هذا السنة؛ لأن الرسول كان يزيد عليها، عليه الصلاة والسلام لكنه قال: «لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » فدل على أنها ركن، والباقي مستحب.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (244)
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم (823)(8/227)
س: ما حكم الذي يصلي الفرض ولا يقرأ إلا الفاتحة فقط، ولا يقرأ آيات أخرى؟ (1)
ج: الفاتحة هي ركن الصلاة، فإذا قرأ الفاتحة واقتصر عليها أجزأت وصحت، لكن عمله مكروه؛ لأنه خالف السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ معها في الأولى والثانية سورتين أو آيات في الظهر
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (15)(8/227)
والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فالذي يترك قراءة سورة مع الفاتحة في الفجر، في الجمعة والظهر والمغرب والعشاء، في الأولى والثانية يكون قد خالف السنة، فأقل أحواله أنه ترك الأولى، ولا مانع أن يقال: إنه فعل مكروها؛ لأنه ترك سنة قد داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون فعل مكروها لا ينبغي له فعله.(8/228)
92- حكم صلاة من نسي بعض آيات القرآن أثناء القراءة
س: أنا شاب مستقيم والحمد لله، وأحفظ بعض أجزاء القرآن، ولكن إذا قمت إلى الصلاة أنسى ما كنت حافظا، كيف أتخلص من هذا؟ (1)
ج: الواجب الفاتحة، والباقي سنة، فإذا كان المؤمن يحفظ الفاتحة فالحمد لله، يقرؤها قراءة جيدة، ويقرأ ما تيسر من القرآن؛ بعض الآيات أو السور والحمد لله، والعلاج أن تجتهد في دراسة ما حفظت في أوقات مناسبة من الليل أو النهار، وتسأل ربك التوفيق والإعانة، وتضرع إليه جل وعلا، وبذلك يتيسر لك الحفظ إن شاء الله بأمرين: الأمر الأول: العناية؛ إكثار الدراسة في الأوقات المناسبة، والأمر الثاني – وهو
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (355)(8/228)
الأهم -: سؤال الله، والضراعة إليه أن يعينك وأن يمنحك التوفيق، وأن يعيذك من أسباب النسيان.(8/229)
93- حكم صلاة من لم يحسن القراءة في الصلاة
س: تقول السائلة: إذا شعرت أنني لم أحسن القراءة في الصلاة هل أعيدها؟ (1)
ج: إذا كانت الفاتحة سليمة فلا يلزمك إعادة ما زاد عليها، أما الفاتحة فلا بد أن تقرئيها قراءة صحيحة، ليس فيه لحن يحيل المعنى، أما اللحن الذي لا يحيل المعنى فلا تلزم إعادتها، ويعفى عنه، إذا قرأت: (الحمد لله رب العالمين) أو (الحمد لله رب العالمين) بالجر لا يضر، أو قالت: (الرحمن الرحيم) أو (الرحمن الرحيم) لا يضر هذا؛ لأن هذا اللحن لا يحيل المعنى.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (293)(8/229)
94- حكم صلاة من نسي قراءة سورة بعد الفاتحة
س: إذا نسيت قراءة سورة بعد الفاتحة في إحدى ركعات الفروض فهل يلزمني سجود السهو، أم تكفيني الفاتحة؟ (1)
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (336)(8/229)
ج: لا يلزمك، وليس عليك سجود؛ لأن قراءة الفاتحة كافية، لكن السنة أن يقرأ بعد الفاتحة زيادة في الأولى والثانية الإمام والمنفرد، أما المأموم فإنه تكفيه قراءة الفاتحة إلا في السرية كالظهر في الأولى والثانية، والعصر في الأولى والثانية، فإنه يقرأ مع الفاتحة ما تيسر كالإمام.(8/230)
95- حكم صلاة من قدم قراءة سورة على الفاتحة
س: الأخت أم ش. من مكة المكرمة، تقول: إذا نسيت في الصلاة، فقدمت قراءة سورة أخرى على الفاتحة، ثم بعد ذلك أتيت بفاتحة الكتاب فما حكم صلاتي؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك ما دام أتيت بالفاتحة ولو تأخرت، لو نسيت وقدمت قراءة السورة على الفاتحة، ثم قرأت الفاتحة الحمد لله، المقصود حصل.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (420)(8/230)
96- حكم صلاة من أخطأ في آية من القرآن الكريم
س: تسأل المستمعة وتقول: إذا أخطأت في آية من آيات القرآن الكريم وأنا أصلي، مثلا: لو قلت: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه(8/230)
هدى للمؤمنين) بدلا من (المتقين) . فما الحكم في ذلك؟ هل أعيد الصلاة، أم أسجد للسهو؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، ولا يضر إن شاء الله، ولا تعيدي الصلاة، الصلاة صحيحة، ولا يجب سجود السهو والحمد لله؛ لأن هذا غلط في اللفظ والمعنى صحيح.
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (405)(8/231)
97- بيان أقل ما يجب حفظه من القرآن للصلاة
س: ما هو أقل ما يحفظ من القرآن الكريم للصلاة؛ الفرض والنافلة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: أقل ما يجب أن يحفظ الفاتحة، يجب حفظها، الحمد لله، هذه هي الواجبة ركن الصلاة، يجب على كل إنسان حفظها الرجل والمرأة، ثم يشرع له حفظ ما تيسر من السور، حتى يقرأ مع الفاتحة ما تيسر مثل السور القصيرة، يجتهد في حفظ ما تيسر، ويشرع له ذلك، لكن لا يجب عليه إلا الفاتحة؛ لأنها ركن للجميع: للإمام والمنفرد والمأموم، فرض
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (327)(8/231)
على الجميع، وإن كانت في حق المأموم واجبة، يسقط بالسهو والنسيان، ويسقط بالجهل، ويسقط إذا فاته القيام مع الإمام في الركوع، سقطت عنه، لكن يجب عليه تعلمها وحفظها.(8/232)
98- حكم صلاة من لا يحفظ شيئا من القرآن
س: السائل يقول: إن والدته لا تحفظ شيئا من القرآن، ولا تحفظ التشهد، ولا تحفظ شيئا من الأدعية، حاول تحفيظها شيئا من ذلك، لكنها لم تستطع، ويسأل عن حكم صلاتها. جزاكم الله خيرا (1)
ج: يقول سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) عليها أن تتعلم الفاتحة، تتعلم ما يجب عليه في صلاتها، وإذا لم تعرف الفاتحة تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لا يستطيع الفاتحة، أن يسبح ويهلل، لكن مع العناية بها وتوجيهها إلى الخير، لعلها إن شاء الله تحفظ، فالمقصود في الوقت الحاضر، في كل وقت لا تحفظ فيه الفاتحة: تسبح الله وتهلله وتكبره، يكفي حتى تتعلم، ويجب عليها أن
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (258)
(2) سورة التغابن الآية 16(8/232)
تتعلم، كل إنسان يجب عليه أن يتعلم، كل امرأة يجب عليها أن تتعلم من أخيها، من زوجها، من معلمة تعلمها، لا بد هذا يجب فيه الصبر والعناية وعدم التساهل، لا في حق الرجل ولا في حق المرأة، وأقل شيء فاتحة الكتاب لا عذر فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) لا بد من تعلمها؛ لأنها ركن الصلاة.
لكن لو جاء الوقت ولم تعرف المرأة هذه السورة، أو الرجل فإنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويكفيه ويركع، حتى يمن الله عليه بالتعليم بعد ذلك، وعلى أبي الولد وأبي البنت، وعلى أخيها، وعلى جدها التعاون في هذا، المرأة لا بد من تعليمها، كالرجل أيضا، قد يوجد بعض الرجال من البادية، وأشباه البادية من يحتاج إلى ذلك، والواجب التعلم، وعلى أبيه إلزامه، وعلى أخيه الكبير إلزامه، وهكذا البنت يجب على أمها أن تفهمها، وعلى أخيها وعلى أبيها، لا بد من التعاون على البر والتقوى، ولا بد من الصدق في ذلك، والجد في ذلك.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2(8/233)
99- حكم صلاة من لا تعرف الصلاة بصورة كاملة ولا تقرأ غير الفاتحة
س: يسأل أخونا ويقول: إن والدتي تصلي، ولكنها لا تعرف الصلاة(8/233)
بصورة كاملة، فهي تعرف الفاتحة فقط، وعندما أعلمها تنسى بسرعة، فهل صلاتها صحيحة؟ جزاكم الله خيرا
(1)
ج: نعم صلاتها صحيحة، وعليك وعلى أخوانك تعليمها والاستمرار في تعليمها في أوقات كثيرة، حتى يستقر العلم في قلبها، والفاتحة مجزئة والحمد لله، إذا علمت الفاتحة أجزأت، وإذا تيسر معها بعض السور القصيرة، مثل: (قل أعوذ برب الفلق) (قل أعوذ برب الناس) (قل هو الله أحد) وغيرها من السور القصيرة، إذا تيسر لكم تعليمها إياها فهذا خير عظيم، ومع الاستمرار والملاحظة تحفظ إن شاء الله، حتى الذي لا يعرف الفاتحة تصح صلاته، إذا عجز عن تعلمها يقرأ ما تيسر ولو بعض الآيات، فإذا عجز سبح الله وحمد الله وكبره وهلله في محل القراءة ثم كبر وركع؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) .
ولا يجوز ترك الصلاة أبدا، بل يصلي على حسب حاله، ولكن يتعلم، يلزمه أن يتعلم فيتقي الله في ذلك، ويلزم أولاد المرأة أن يعلموها، إذا كانوا يعلمون أن يعلموها ويوجهوها، وهكذا يعلمون أباهم إذا كان جاهلا وهم يعلمون،
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (158)
(2) سورة التغابن الآية 16(8/234)
يعلمون إخوانهم، طالب العلم يعلم الجاهل، هكذا المؤمنون، يتعاونون على البر والتقوى، كما قال الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) .
فالواجب عليكم أن تعلموها، أنت وإخوانك، تعلموها وتصبروا بالحلم والكلام الطيب، لا بالنهر ولا بالغلظة، ولكن بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن والرفق في الأوقات المناسبة من ليل أو نهار حتى تتعلم، مع الاستمرار الدائم حتى تتعلم، وهكذا أخواتكم وهكذا عماتكم وخالاتكم، أحسنوا إلى الجميع، هذه الدنيا دار العمل، دار التعليم، دار التعاون، دار التكليف، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) سورة العصر الآية 1
(3) سورة العصر الآية 2
(4) سورة العصر الآية 3(8/235)
100- حكم الاقتصار على بعض السور والآيات القصيرة في الصلاة
س: تقول السائلة من القصيم بأنها تحفظ السور القصيرة، وتقول بأني أحفظ شيئا من القرآن الكريم، آيات مثل أول البقرة، وآية الكرسي، وآخر سورة (البقرة) ، وأول سورة (الصافات) ، وآخر(8/235)
سورة (الحشر) ، وأول سورة (الجن) . والسؤال: هل يجوز أن أقرأ مثل هذه الآيات في الصلاة، وأن حفظي يقتصر على السور القصيرة؟ (1)
ج: نعم، لا بأس، فالله يقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (2) تقرأ ما تحفظ من الآيات أو السور في تهجدها، وفي فريضتها ونوافلها، الواجب الفاتحة، وما زاد على هذا فهو مستحب، الركن قراءة الفاتحة، أما ما زاد على ذلك من آيات وسور فكله مستحب، تقرأ ما تيسر من القرآن الذي معها؛ آيات أو سور.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (435)
(2) سورة المزمل الآية 20(8/236)
101- حكم صلاة من يخطئ في قراءة الفاتحة
س: جدتي لا تحفظ إلا قليلا من القرآن الكريم، حيث إنها تخطئ في سورة (الفاتحة) ، وقد قال البعض من الناس في قريتنا: إذا لم تحفظي في صلاتك سورة (الفاتحة) فإن صلاتك غير صحيحة فهل هذا صحيح؟ وقد ماتت على ذلك، فهل صحيح أن من لم يقرأ(8/236)
سورة (الفاتحة) بصورة صحيحة لا تقبل صلاته يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: صلاتها صحيحة ومعذورة، الحمد لله، الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ما دام أنها عالجت واجتهدت ولم تستطع صلاتها صحيحة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي لا يستطيع، تقول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (3) »
إذا كانت لا تستطيع عالجت نفسها ولم تستطع، تسبح: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. محل القراءة ويكفي، أما الذي يتعمد؛ وهو يستطيع لكن يتعمد ما يقرأ الفاتحة فإنه لا تصح صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (4) » لكن إذا كانت امرأة عجزت، أو رجلا عجز فالله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5)
__________
(1) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (358)
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) أخرجه أحمد في مسند الكوفيين، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، برقم (18631) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، برقم (832) ، والنسائي كتاب الافتتاح ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن، برقم (924)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .
(5) سورة التغابن الآية 16(8/237)
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1) صلاته صحيحة والحمد لله، لكن يعلم، يأتي بالتسبيح، يسبح بدل الفاتحة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286(8/238)
س: مشكلتي أنني أمية، ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، وإني أصلي الصلاة في أوقاتها، ولا أعرف غير سورة (الحمد) ، و: (قل هو الله أحد) ، وأعيد هاتين السورتين في كل صلاة، هل ذلك مجزئ؟ وبم تنصحونني؟ (1)
ج: نعم، هذا مجزئ، نسأل الله لك المزيد من التوفيق، والثبات على الحق، الفاتحة تكفي وحدها؛ لأنها أم القرآن، ولأنها ركن الصلاة، فلما يسر الله لك معها سورة (قل هو الله أحد) ، وهي سورة عظيمة، سورة (الإخلاص) تعدل ثلث القرآن، هذه نعمة من الله عظيمة، يكفيك ذلك لو كررتها في الصلوات وفي غير ذلك هذه النعمة عظيمة، فأكثري من قراءتهما في خارج الصلاة، ولك بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وهذا خير عظيم، وإذا تيسر لك من يقرئك بعض السور القصيرة
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (57)(8/238)
من أخواتك، أو جاراتك، أو زوجك، أو بعض محارمك فهذا خير عظيم، مثل: (قل أعوذ برب الفلق) ، (قل أعوذ برب الناس) ، (تبت يدا أبي لهب) ، (إذا جاء نصر الله) ، (قل يا أيها الكافرون) ، (إنا أعطيناك الكوثر) ، وغيرها من قصار المفصل، فهذا خير، وإذا اجتهدت يسر الله لك ذلك، وننصحك بسماع إذاعة القرآن من المملكة؛ ففيها مصالح كثيرة، وخير كثير، وننصحك سماع هذا البرنامج (نور على الدرب) ، ففيه خير كثير وعلم كثير، ونسأل الله لك التوفيق.(8/239)
س: إنني أدرس في مرحلة التكميل، وأتمنى أن أقرأ القرآن، لكنني لا أقدر، بل أقرأ الجزء مثل سورة (الكوثر) و (النصر) ، وهكذا عندما أركع في الفجر وغيره من الصلوات، ما حكم صلاتي هذه إذا لم أستطع أن أقرأ بعد الفاتحة بشيء صحيح؟ (1)
ج: الفرض في الصلاة الفاتحة، هي ركن الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » فالفاتحة هي ركن الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة، والباقي سنة، فإذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (36)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .(8/239)
كانت لا تحسن إلا الفاتحة كفتها، وصلاتها صحيحة سواء كانت فرضا أو نفلا والحمد لله، لكن إذا تيسر لها أن تحفظ جملة من السور فذلك خير لها وأفضل؛ حتى تقرأ مع الفاتحة ما تيسر، فكل ما زادت في حفظ ما تيسر من السور كان أفضل لها وخيرا لها، فأنا أوصي السائلة أن تجتهد في حفظ ما تيسر من القرآن، مثل جزء (عم) ، وما تيسر معه، حتى تقرأ بذلك في صلواتها، فإن لم يتيسر لها ذلك فإنها تكفيها الفاتحة والحمد لله.(8/240)
102- حكم تكرار سورة الزلزلة في الصلاة
س: هذا السائل من الجزائر يقول: سمعت بأنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: بأنه قرأ سورة (الزلزلة) ، وكررها في ركعتين، والسؤال: هل ثبت ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ أي: هل هذا الحديث صحيح؟ وهل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لعامة الأمة؟ (1)
ج: الحديث صحيح، وليس بخاص، قرأ (الزلزلة) في الفجر في بعض الليالي في الركعتين، فلا بأس بذلك، ولكن الأفضل ما داوم عليه، وهو
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (435)(8/240)
الإطالة في صلاة الفجر بعض الطول كالقراءة من طوال المفصل، وأوساط المفصل، هذا هو سنته المعروفة، ولعله قرأ بها نادرا لبيان الجواز.(8/241)
103- حكم تكرار بعض السور في الصلاة
س: هل يجوز أن يقرأ الإمام أي سورة مثل: (الضحى) أو (الشمس) أو (الليل) ، ويكررها، وكذلك إذا قرأ سورة، وقرأ معها سورة (الإخلاص) هل هذا سنة؟ (1)
ج: كل ذلك لا بأس به، والحمد لله
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (435)(8/241)
س: إنني – ولله الحمد – أحفظ بعض الأجزاء من القرآن الكريم، وأقرأ بما حفظت في الصلاة، إلا أنني أحب أن أكرر بعض السور، مثل سورة (الإخلاص) و (الكافرون) و (العصر) و (النصر) و (الكوثر) و (الانشراح) ، فهل أكون آثمة لأنني أحب فقط هذه السور، أم أن الأمر جائز في كلا الحالتين؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأمر واسع في ذلك والحمد لله، الأمر واسع بهذا، إذا كررت
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (265)(8/241)
بعض السور، ولا سيما: (قل هو الله أحد) فإن لها فضلا عظيما، تعدل ثلث القرآن، وهكذا غيرها إذا كررت فلا حرج في ذلك.(8/242)
104- حكم قراءة سورة الإخلاص في جميع الصلوات
س: تقول السائلة: هل يجوز قراءة: (قل هو الله أحد) فقط، ولوحدها في جميع الصلوات، أم لا تجوز؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك مع (الفاتحة) في الفرض والنفل.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (292)(8/242)
105- حكم القراءة بالترتيل في الصلاة
س: هل القراءة في الصلاة يجب أن تكون بالترتيل؛ بالمد والترجيع، وبتحسين الصوت بها؟ (1)
ج: هذا هو السنة، هذا هو الأفضل، وإلا لا يجب، إذا قرأ قراءة عربية قد أدى فيها الحروف كفى، لكن إذا رتلها وحسن صوته واعتنى بالتجويد كان ذلك أكمل.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (182)(8/242)
106- حكم القراءة بدون تجويد
س: هل تجوز قراءة سورة من القرآن الكريم بدون تجويد وبدون تطبيق أحكام التجويد، وخاصة في الصلاة؟ (1)
ج: نعم، إذا أقام الكلمات على الطريقة العربية فإنه يجوز له، لكن مع التجويد والعناية أفضل وأكمل.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (182)(8/243)
107- حكم التسبيح والتحميد في الركعة الثالثة والرابعة بدلا من سورة الفاتحة
س: سائلة تقول: رأيت بعض المسلمين إذا صلوا يقرؤون في الركعة الأولى والثانية (الفاتحة) ، ويتبعونها بآيات قصيرة. أما الركعتان الباقيتان فيقرؤون في كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ثلاث مرات، أي إنهم لا يقرؤون الفاتحة في كل ركعة في الركعتين الأخيرتين، فهل هذا صحيح؟ أثابكم الله (1)
ج: هذا خطأ الذي لا يقرأ في الثالثة والرابعة الفاتحة هذا غلط، ولا يجوز ولا تصح الصلاة بذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (13)(8/243)
في الأولى والثانية بالفاتحة وسورة أخرى مع الفاتحة، وفي الثالثة والرابعة لا يقرأ شيئا سوى الفاتحة، يقرأ الفاتحة وربما قرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة في الظهر خاصة، فقد ثبت عنه هذا عليه الصلاة والسلام في عدة أحاديث، من حديث أبي قتادة الأنصاري، وحديث أبي سعيد الأنصاري، وفي أحاديث أخرى ثبت فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى والثانية بالفاتحة وزيادة، وفي الثالثة والرابعة لا يقرأ إلا الفاتحة عليه الصلاة والسلام، لكن جاء ما يدل على أنه قد يقرأ زيادة في الثالثة والرابعة في الظهر خاصة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) »
فالذي لا يقرأ بها في الثالثة والرابعة لا صلاة له، فالواجب على من رأى من يفعل هذا التسبيح أن ينكر عليه ويعلمه، وعلى الأخت في الله السائلة أن تعلم هؤلاء، تقول إنني سمعت في (نور على الدرب) كذا وكذا، تعلمهم أن هذا لا يجوز، وأن الواجب على المسلم أن يقرأ الفاتحة في جميع الركعات؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » ، متفق على صحته، ولقوله عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبي داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد (5/314) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .(8/244)
والسلام في الحديث الصحيح: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام (1) » يعني ناقصة، غير صحيحة.
الحاصل أن الواجب على المسلم والمسلمة أن يعلما ويرشدا، وهذه السائلة – بارك الله فيها – عليها أن تعلم من رأتهم يفعلون ذلك، الذين لا يقرؤون في الثالثة والرابعة، تعلمهم أن هذا خلاف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما عليه المسلمون، فالواجب على هؤلاء أن يقرؤوا الفاتحة بدلا من التسبيح في الثالثة والرابعة، كما قرؤوها في الأولى والثانية.
لكن في الأولى والثانية يتأكد زيادة على الفاتحة: إما سورة وإما آيات على تفصيل في الصلوات الخمس، لكن في الثالثة والرابعة الأفضل الاقتصار على الفاتحة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، إلا في الظهر، فيستحب أن يقرأ زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان في الثالثة والرابعة؛ لأنه ورد عن النبي ذلك عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (395)(8/245)
108- حكم القراءة من المصحف في الصلاة
س: تقول السائلة: هل يجوز مسك المصحف الشريف في الصلاة، والقراءة منه بعد الفاتحة؟ (1)
ج: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، مثل التراويح والقيام في رمضان، لا حرج، وإذا كان الإنسان يقرأ عن ظهر قلب يكون أخشع إذا تيسر له ذلك، فإذا دعت الحاجة أن يقرأ من المصحف؛ لكونه إماما، أو المرأة وهي تتهجد بالليل، أو الرجل كذلك وهو لا يحفظ فلا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (242)(8/246)
س: تقول هذه السائلة: هل يجوز أن أحمل المصحف وأقرأ منه في صلاة الفرض؟ حيث أقرأ السور التي لا أحفظها، وفي النافلة أيضا هل يجوز أن أحمل المصحف؟ (1)
ج: لا حرج، لكن كونك تقرئين عن ظهر قلب أخشع وأقرب للخشوع، ولو قرأ المصلي من المصحف فلا حرج.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (422)(8/246)
س: سائلة تقول: هل يجوز حمل القرآن في الصلاة وقراءته، وعدم الترتيب أيضا في قراءة السور؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما في صلاة التراويح والقيام، إذا قرأ من المصحف لا حرج في ذلك، والأفضل أن يرتب الآيات ولا يخل بذلك، فإن قرأ بعض الآيات في ركعة، وآيات أخرى لأنه ما يحفظ إلا ذلك، أو لأن قراءته لبعض الآيات غير مستقيمة، فيقرأ الآيات قراءة مستقيمة، والتي يعجز عنها يؤخرها فلا بأس بذلك، المقصود أنه لا حرج إذا كان لمصلحة شرعية؛ أن يقرأ بعض الآيات ويترك بعض الآيات؛ لأنه يقيم هذه الآيات، وقد درسها وحفظها؛ ولأنه لا يستطيع أن يقيم الآيات الأخرى؛ لأنه ما درسها كما ينبغي، أو لأنه يحفظها، ولا يحفظ هذه، كل ذلك لا حرج فيه.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (127)(8/247)
109- بيان أن الأفضل قراءة سور القرآن بالترتيب
س: سمعت أنه يجب على المصلي أن يقرأ في صلاته من سور القرآن الكريم بالترتيب، فمثلا لا يقرأ سورة (الإخلاص) ثم يقرأ(8/247)
سورة (الكافرون) ، بل العكس (1)
ج: هذا أفضل، وإلا فإنه لا يجب، هذا أفضل كونه يرتب على ما في المصحف أفضل، أما لو عكس بأن قرأ: (قل هو الله أحد) في الأولى، وقرأ في الثانية: (تبت يدا أبي لهب) أو: (إنا أعطيناك الكوثر) فلا حرج في ذلك؛ لأن الترتيب بالاجتهاد؛ باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأن عمر رضي الله عنه كان ربما قدم بعضا عن بعض، ربما قرأ في الركعتين السورة المتأخرة قبل السورة المتقدمة، وروي عنه أنه قرأ بـ (النحل) في الأولى، وبـ (يوسف) في الثانية، و (يوسف) قبلها في المصحف.
المقصود أن هذا الترتيب مستحب، ولو قرأ في الصلاة أو خارجها بعض السور قبل التي قبلها فلا بأس، ولا حرج إن شاء الله، لكن الأفضل والأولى أن يسير على ما فعله الصحابة رضي الله عنهم، وأن يرتب فيقرأ السورة أو الآية ثم يقرأ السورة أو الآية التي في السورة التي بعدها، إلا إذا كان الصبي يتعلم، يبدأ بـ (قل أعوذ برب الناس) ، ثم بـ (قل أعوذ برب الفلق) ، ثم بـ (قل هو الله أحد) ، يعلمه الأستاذ السورة القصيرة قبل، فلا حرج في ذلك للتعليم؛ لأنه يبدأ في الصغار بالسور
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (241)(8/248)
القصيرة أسهل عليهم، لا حرج في ذلك.(8/249)
س: هل يجب ترتيب السور في القراءة أثناء الصلاة أو لا يجب؟ (1)
ج: السنة الترتيب، كما رتب الصحابة المصحف، هذا هو الأفضل، ومن نكس فلا حرج، لو قرأ (آل عمران) ، ثم قرأ من (البقرة) فلا حرج.
لكن الأفضل أن يسير على ما رتب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم حين جمعوا القرآن في عهد عثمان، إذا قرأ (البقرة) يقرأ بعدها من (آل عمران) أو ما بعد ذلك، وإذا قرأ مثلا سورة: (لم يكن) يقرأ ما بعدها: (الزلزلة) ، (العاديات) وهكذا هذا هو الأفضل على ترتيب المصحف، لكن لو نكس وقرأ من آخر القرآن، ثم قرأ من مقدم القرآن فلا حرج في ذلك، جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ في الأولى بسورة (النحل) من صلاة الفجر، وفي الثانية بسورة (يوسف) ، وهي قبلها. قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي بـ (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) .
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (243)(8/249)
110- حكم قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة
س: هل يصح قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة؟ وإذا كان يصح ذلك هل يجب أن تكون قراءة السور حسب ترتيبها بالقرآن، أم يصح تقديم سورة على أخرى؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك أن يقرأ سورتين أو أكثر بعد الفاتحة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بـ (البقرة) و (النساء) و (آل عمران) في ركعة عليه الصلاة والسلام، وأقر بعض الصحابة على قراءة الفاتحة وسورة بعدها، مع قراءة: (قل هو الله أحد) ، فجمع بين سورتين.
فالحاصل أنه لا حرج في ذلك، ولو نكس لا حرج، لكن السنة أن لا ينكس، بل يرتب كما في المصحف، هذا هو الأفضل، كما فعله الصحابة ورتبوا رضي الله عنهم، فليقرأ كما في المصحف، هذا هو الأفضل، ولو قرأ سورة قبل سورة أجزأ ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (167)(8/250)
111- حكم تقديم بعض السور على بعض في الصلاة الجهرية
س. صليت مرة ببعض الأصدقاء صلاة جهرية، وقرأت في الركعة(8/250)
الأولى سورة (الفلق) ، وقرأت في الثانية (إذا زلزلت) ، وبعد الانتهاء من الصلاة قال لي أحدهم: يجب أن تكون القراءة حسب ترتيب السور في القرآن، ولا يجوز أن تسبق سورة على سورة. آمل الإفادة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا هو الأفضل، أن يرتب على حسب ما في المصحف، لكن لو عكس لا حرج، ليس بحرام، فقول القائل: لا يجوز. هذا القول غلط، هو جائز ولكن تركه أفضل، فإذا قرأت (الزلزلة) تقرأ ما بعدها، وإذا قرأت: (قل أعوذ برب الفلق) تقرأ: (قل أعوذ برب الناس) ، لكن لو أنك قرأت مثل ما فعلت؛ (الفلق) ، ثم قرأت (إذا جاء نصر الله) أو (الكافرون) أو قرأت (الزلزلة) كل ذلك لا حرج فيه، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة (النحل) ، ثم قرأ بعدها سورة يوسف، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة (البقرة) ، ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، فالترتيب هنا مستحب وليس بحرام.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (177) .(8/251)
112- حكم صلاة من قرأ عددا من الآيات لسور مختلفة في ركعة واحدة
س: تقول السائلة: صليت صلاة الفجر، وقرأت بعد سورة (الفاتحة) في الركعة الثانية الجزء الأخير من سورة (النبأ) ، وبعد إكمالي الصلاة اكتشفت أنني جمعت مع سورة (النبأ) آيات من سورة (النازعات) ، وأنا كنت على يقين بأنني أقرؤها بصورة صحيحة وأنا أثناء الصلاة، وسؤالي هو: هل علي إثم في ذلك؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، كونك تقرئين من (النبأ) ثم تقرئين بعض آيات من (النازعات) ، أو من غيرها لا حرج في ذلك، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (303) .(8/252)
113- حكم قراءة آية مكان أخرى
س: في بعض الأحيان يحدث أنني أنسى في الصلاة، وأقرأ آية مكان آية أخرى، أو أقرأ كلمة خطأ، ثم أتذكر ذلك أثناء الركوع أو السجود، أو بعد الصلاة، فما الحكم في ذلك؟ وماذا أفعل؟ وهل أعيد الركعة أم لا؟ (1)
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (58) .(8/252)
ج: الفرض في هذا هو (الفاتحة) ، فإذا قرأت (الفاتحة) وهي سورة (الحمد) حصل المقصود والحمد لله، فإذا قرأت زيادة آية أو آيتين، أو قرأت آية بدل آية، أو نسيت آية وأتيت بآية، أو نقص منك كلمة لا يضرك، وصلاتك صحيحة، وليس عليك إعادة ركعة، ولا إعادة الصلاة والحمد لله، ولكن عليك أن تجتهدي فيما تيسر لك، من قراءة بعض الآيات مع الفاتحة، في الركعة الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهكذا في الفجر، أما الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء يكفي الفاتحة والحمد لله.(8/253)
114- حكم قطع الصلاة بسبب خطأ في قراءة الفاتحة أو غيرها من السور
س: في إحدى المرات بعد أن دخلت في الصلاة وقرأت الفاتحة، وعند قراءة الصدرة أشكلت علي، ورددتها أكثر من مرتين، ولم أفلح، وأخيرا قطعت الصلاة وأعدت تكبيرة الإحرام، وقرأت ثانية فهل صلاتي هذه صحيحة؟ وماذا أفعل إذا تكرر ذلك مرة ثانية؟ (1)
ج: ما ينبغي لك أن تقطع الصلاة، فإن العمدة في القراءة الفاتحة،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (57) .(8/253)
فإذا قرأ الإنسان الفاتحة فقد حصل الفرض، وما زاد عليه فهو مستحب، وقولك: الصدرة. لم نعرف مرادك بالصدرة، إن كان مرادك بالصدرة قراءة السورة الزائدة، أو آيات زائدة فهذه الصدرة غير واجبة، مستحبة، وإذا تركها الإنسان وركع ولم يقرأ زيادة على (الفاتحة) أجزأ، أما إن كان مرادك بالصدرة شيئا آخر فينبغي أن توضحه في سؤال آخر، المقصود أن مثل هذا لا يقطع الصلاة، إن كان المقصود من كلامك أنه التبس عليك الأمر في قراءة الزيادة على الفاتحة، ولم يتيسر لك قراءة آيات ولا سورة، بل اشتبه عليك الأمر فإنه ليس لك أن تقطع الصلاة، بل الحمد لله تركع ولا بأس، ويكفيك الفاتحة.(8/254)
115- حكم الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية
س: سائلة تقول: في صلاة الظهر والعصر أصلي الركعتين الأوليين، أقرأ الفاتحة وبعدها سورة، أما في الركعتين الأخيرتين فلا أقرأ إلا الفاتحة، فهل صلاتي صحيحة؟ (1)
ج: نعم، هذه هي السنة، السنة أن تقرئي في الأولى والثانية الفاتحة
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (341) .(8/254)
وما تيسر معها، أما الثالثة والرابعة فإن المصلي يقرأ فيها الفاتحة، كما جاء هذا في حديث أبي قتادة في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الثالثة والرابعة الفاتحة فقط، لكن لو زاد فقرأ زيادة على الفاتحة فصلاته صحيحة؛ لأنه ثبت في حديث أبي سعيد الخدري، عند مسلم ما يدل على ذلك، وأن النبي كان يفعل هذا بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، فإذا زاد على الفاتحة في بعض الأحيان في الثالثة والرابعة من الظهر فلا حرج في ذلك، ولكن غالب الذي يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ الفاتحة فقط، يكتفي بها في الثالثة والرابعة.(8/255)
116- بيان السنة في القراءة في صلاة المغرب
س: ذكر السيد سابق أن المداومة في صلاة المغرب على قصار المفصل دائما فعل مروان بن الحكم، وهو خلاف السنة، بالعكس من النووي الذي ذكر أن ذلك هو السنة، فما هو الصحيح؟ (1)
ج: الصواب هو ما ذكره السيد سابق؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يحافظ على قصار المفصل، بل تارة يقرأ من قصار
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (192) .(8/255)
المفصل، وتارة يقرأ من طوال المفصل، وتارة يقرأ بغير ذلك من غير المفصل، فالأفضل للإمام في المغرب أن يقرأ تارة كذا وتارة كذا؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فلا يلازم المفصل، ولا يلازم طوال المفصل، ولا أوساطه، ولكن تارة وتارة، يتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام في ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بقصار المفصل في المغرب، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ فيها بـ (المرسلات) في آخر حياته، وهي ليست من قصار المفصل بل هي من طواله وقرأ فيها بـ (الطور) ، وهي من طوال المفصل أيضا، وقرأ فيها بـ (الأعراف) ، قسمها في ركعتين، وهي سورة طويلة، فعلم بذلك أن السنة أن يقرأ فيها تارة بالقصار، وتارة بغيرها، فلا يلزم حالة معينة.(8/256)
117- حكم تطويل صلاة الفجر
س: أيهما أفضل: تطويل صلاة الفجر، أم قصرها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة في الفجر الطول، النبي كان يطولها عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (28) .(8/256)
فهي أطول الصلوات، وكان يطول في صلاة الصبح، وكان يقرأ فيها بالستين وإلى المائة، كما أخبر جابر وأخبر جماعة من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم، أخبروا أنه كان يطيل صلاة الصبح، وكان يقرأ فيها بالستين وإلى المائة، فالسنة فيها الإطالة وعدم التقصير، هذا هو السنة في صلاة الصبح، إلا أن يعرض عارض يقتضي التخفيف؛ لمرض اعترى الجماعة، أو حال يوجب التخفيف فلا بأس، وإلا فالأصل فيها التطويل في قراءتها وركوعها وسجودها، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.(8/257)
118- حكم الإسراع في القراءة في الصلاة
س: إنني سريع الصلاة، حيث إنني أقرأ الفاتحة وما تيسر معها من قصار السور بصور سريعة وحركات الصلاة سريعة، هل هذا جائز أم لا؟ وفقكم الله (1)
ج: السنة للقارئ أن يرتل قراءته، وألا يعجل فيها؛ حتى يتدبر، حتى يتعقل سواء كانت الفاتحة أو غير الفاتحة، السنة له التدبر والتعقل
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (36) .(8/257)
والترتيل وعدم العجلة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (1) ، قال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2) والسرعة التي يخل بسببها في الحروف أو بعض الآيات لا تجوز، بل يجب عليه أن يركد، وألا يعجل حتى يقرأ قراءة سليمة واضحة يتدبرها ويتعقلها، فإذا كان يسقط بعض الحروف ويضيع بعض الحروف هذه قراءة لا تجوز، بل يجب عليه أن يركد ويتأنى، ويرتل حتى يؤدي الحروف والكلمات كاملة، وهكذا في الصلاة لا يعجل في الركوع، ولا في السجود، ولا في الجلسة بين السجدتين، ولا في وقوفه بعد الركوع، بل يتأنى ويطمئن، هذا هو الواجب عليه، الطمأنينة فرض لا بد منها، والنقر في الصلاة والعجلة فيها تبطلها، فنوصى السائل أن يطمئن في ركوعه ولا يعجل، يقول: سبحان ربي العظيم. يكررها ثلاثا أو أكثر، ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. وإذا رفع من الركوع يطمئن وهو واقف يقول: ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من
__________
(1) سورة المزمل الآية 4
(2) سورة ص الآية 29(8/258)
شيء بعد.
هذا هو الأفضل له، أما الطمأنينة لا بد منها، لا بد أن يركد وهو قائم، لا بد من الركود والاعتدال وعدم العجلة، ويقول: ربنا ولك الحمد. هذا أمر واجب على الصحيح، وإذا كمل فقال: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. هذا أكمل وأفضل، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم الزيادة في هذا: «أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » وهذا من الكمال، وهكذا في السجود لا يعجل، إذا سجد يسجد على الأعضاء السبعة: جبهته، وأنفه, وكفيه, وركبتيه, وأطراف قدميه. ويطمئن ولا يعجل، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. ويدعو بما تيسر ولا يعجل، كان النبي يدعو في سجوده، ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » فهذا دعاء مشروع، وقال
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/259)
عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (1) » وقال: «أما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) »
فينبغي للمؤمن في سجوده ألا يعجل، بل يجب عليه الطمأنينة والركود، وهذا ركن من أركان الصلاة لا بد منه، ومع هذا يشرع له أن يزيد في الطمأنينة، وألا يعجل، وأن يدعو في سجوده ويكرر: سبحان ربي الأعلى. والواجب مرة، لكن إذا كرر ذلك ثلاثا أو خمسا كان أفضل أو سبعا، والحاصل في هذا كله أن الواجب الطمأنينة وعدم العجلة، وبين السجدتين يطمئن أيضا ولا يعجل، ويعتدل بين السجدتين حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ويقول: «رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي (3) » «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (4) »
كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلم يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم، ويعمل كعمله عليه السلام
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(3) أخرجه أحمد في مسند الأنصار، ومن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، برقم (22866) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم، (874) ، والنسائي في كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه ذلك برقم (1069) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (897)
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/260)
ولا يعجل في هذه الأمور؛ فإن الصلاة هي عمود الإسلام، الصلاة أمرها عظيم، وهي عمود الإسلام والطمأنينة فيها والركود أمر مفترض وركن من أركانها، فنوصي السائل أن يعتني بهذا الأمر، وأن يخاف الله ويراقبه، وأن يكمل صلاته بالطمأنينة وعدم العجلة، وهكذا قراءته يطمئن فيها ولا يعجل، ويركد ويرتل حتى يقرأ قراءة واضحة يعقلها ويتدبرها، ويستفيد منها.(8/261)
119- حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود
س: إحدى الأخوات المستمعات: ف. م، من قطر تسأل عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، ما حكم ذلك؟ وهل وقع من علي رضي الله عنه توجه النهي إليه كما ورد في الحديث؟ (1)
ج: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القراءة في الركوع والسجود، وقال علي رضي الله عنه: إن الرسول نهى عن ذلك، ولأن عليا فعل ذلك جهلا، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (331) .(8/261)
ذلك، ويحتمل أنه نهاه بأن لا يفعل، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن القراءة في الركوع والسجود، فالقراءة محلها القيام أو القعود في حق المريض، أما السجود والركوع فإنه لا يقرأ فيهما.(8/262)
120- بيان ما يقال في الركوع والسجود
س: ماذا أقول في السجود وفي الركوع؟ (1)
ج: المشروع في الركوع: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. ثلاث مرات أو أكثر، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ثلاث مرات أو أكثر، والواجب مرة، مرة: سبحان ربي الأعلى. في السجود، ومرة سبحان ربي العظيم في الركوع، هذا صح من أقوال أهل العلم، ويستحب مع هذا في الركوع والسجود أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. ويستحب للرجال والنساء في الفرض والنفل: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. ويستحب أيضا أن يدعو في السجود ويكثر من الدعاء في السجود، ويستحب أن يقول فيهما في الركوع والسجود:
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (337) .(8/262)
سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء. هذا مستحب في الركوع والسجود، ولكن الدعاء خاص بالسجود، أما الركوع فهو محل التعظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (1) » ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)(8/263)
121- حكم الدعاء في الركوع والسجود
س: هل يجوز الدعاء أثناء الصلاة مثل الركوع والسجود؟ (1)
ج: نعم، الدعاء مشروع في السجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (27) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)(8/263)
الدعاء (1) » فالدعاء في السجود قربة وطاعة وترجى إجابته، أما الركوع فالأولى أن يخص بالتعظيم دون الدعاء، اللهم إلا الدعاء القليل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أما الركوع فعظموا فيه الرب (2) » فدل ذلك على أن الركوع محل التعظيم؛ طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: «أما الركوع فعظموا فيه الرب (3) » سبحان ربي العظيم، سبحان ذي الجبروت والملكوت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. هذا هو التعظيم، وغير ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. فهذا فيه تعظيم، وفيه دعاء، لكن الدعاء قليل.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (4) » فدل ذلك على أنه يأتي بهذا في الركوع، كما يأتي في السجود وفيه: اللهم اغفر لي.
فهذا دعاء لكنه دعاء قليل، فالأغلب أن يكون التعظيم طاعة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/264)
للرسول صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب (1) » وإذا دعا قليلا كما جاء في الحديث: «اللهم اغفر لي (2) » فلا بأس، لكن يجعل السجود، وهو محل الدعاء، هذا هو السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/265)
122- حكم الدعاء ناسيا في الركوع
س: من أسئلة السائل أبي عبد الله، من القصيم يقول: إذا دعا الإنسان في الركوع ناسيا هل يجوز له ذلك؟ (1)
ج: لا حرج عليه، لكن لا يتعمد ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء (2) » فالدعاء يكون في السجود، والركوع يكون فيه تعظيم الرب سبحانه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. هذا هو المشروع في الركوع، وقوله: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (429) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)(8/265)
اغفر لي. هذه الدعوة تابعة للتسبيح، فيكثر من التسبيح، أما الدعاء فيكون في السجود.(8/266)
123- حكم إلصاق القدمين عند الركوع
س: ما هو الأفضل: إلصاق القدمين عند الركوع، أم تفريدهما؟ (1)
ج: السنة تفريدهما، التفريق بينهما هذا هو السنة.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (29) .(8/266)
124- حكم قول ربنا ولك الحمد بدلا من قول: سمع الله لمن حمده
س: تقول السائلة: لقد كنت في صلاتي أثناء الرفع من الركوع، أقول: ربنا ولك الحمد. دون أن أقول: سمع الله لمن حمده. ولكنني بعد ذلك سمعت أنه لا يجوز ذلك، بل لا بد أن أقول: سمع الله لمن حمده. فهل علي إثم وذنب في صلواتي التي مضت؟ مع العلم بأنني لم أكن أعلم بأن قول: سمع الله لمن حمده. واجب في الصلاة، وإذا كان علي شيء فماذا أفعل؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (142) .(8/266)
ج: نرجو ألا يكون عليك شيء لأجل الجهل، وعليك مع ذلك الاستغفار والتوبة والندم على ما حصل منك، من تساهل وعدم السؤال؛ لأن الواجب على من جهل شيئا أن يسأل أهل العلم في صلاته وفي غيرها، وما مضى صحيح، والحمد لله، وعليك في المستقبل أن تقولي: سمع الله لمن حمده. عند الرفع من الركوع، وهكذا الإمام وهكذا المنفرد من الرجال، كل واحد يقول: سمع الله لمن حمده. أما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد. هذا هو الصواب، وليس عليه أن يقول: سمع الله لمن حمده. لا يشرع له ذلك، إنما هذا من شأن الإمام، والمنفرد من الرجال والنساء عند الرفع، يقول: سمع الله لمن حمده. وعند الاستواء يقول: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. وما مضى نسأل الله أن يعفو عنا وعنك، والصلاة صحيحة إن شاء الله من أجل الجهل، ولكن في المستقبل عليك أن تجتهدي في ذلك، وأن تستمري عليه، وألا تتركي هذه الكلمة: سمع الله لمن حمده. إذا كنت منفردة، أما مع الإمام فتقولين: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد.(8/267)
125- حكم قول: الله أكبر عند الرفع من الركوع
س: عند الرفع من الركوع هل من اللازم القول: الله أكبر. أم أنه لا(8/267)
يجوز في هذا الموضع؟ (1)
ج: عند الرفع من الركوع إن كان إماما أو منفردا يقول: سمع الله لمن حمده. أما إذا كان مأموما فإنه يقول عند الرفع: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. كما جاء في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإمام يقول بعد الرفع بعد: سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد. والمنفرد كذلك.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (277) .(8/268)
126 - حكم رفع الأيدي بعد سمع الله لمن حمده في الصلاة
س: ما حكم رفع الأيدي بعد: سمع الله لمن حمده. في الصلاة؟ (1)
ج: يشرع للمصلي أن يرفع يديه في أربعة مواضع:
الموضع الأول: عند الإحرام، إذا كبر عند التكبيرة يقول: الله أكبر. رافعا يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، هذه واحدة.
الموضع الثاني: عند الركوع إذا أراد أن يركع يرفع يديه مع التكبير إلى حيال منكبيه، أو إلى حيال أذنيه.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (22) .(8/268)
الموضع الثالث: عند الرفع من الركوع، يرفع يديه قائلا: سمع الله لمن حمده. كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند الرفع: الإمام والمنفرد والمأموم، كلهم يرفع يديه عند الرفع من الركوع قائلا الإمام: سمع الله لمن حمده. وقائلا المأموم: ربنا ولك الحمد. عند الرفع، هذا هو السنة.
الموضع الرابع: عند القيام من التشهد الأول للثالثة من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إذا نهض للثالثة يرفع يديه مكبرا، ويجعل يديه حيال أذنيه، أو حيال منكبيه. هذه المواضع الأربع ثبت فيها الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى هذا جمهور أهل العلم، وهو الحق؛ لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من عدة أحاديث من حديث ابن عمر، ومن حديث علي رضي الله عنه، ومن أحاديث أخرى، وثبت الرفع في المواضع الثلاثة عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه في أحاديث أخرى، الحاصل أن هذه المواضع الأربعة قد ثبت فيها الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالسنة للمصلي أن يفعل ذلك تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.(8/269)
127- حكم ضم اليدين عند قول سمع الله لمن حمده
س: سائل من مكة: ما تقولون – جزاكم الله خيرا – في ضم اليدين عند قول: سمع الله لمن حمده؟ (1)
ج: السنة أن يرفع يديه غير مضمومتين إلى أعلى حذو منكبيه، أو إلى أذنيه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع اليدين سنة عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، يرفعهما إلى منكبيه أو إلى فروع أذنيه، كل واحدة تحاذي، اليمنى تحاذي المنكب الأيمن أو الأذن اليمنى، واليسرى تحاذي المنكب الأيسر أو الأذن اليسرى، هذا هو السنة، رفع اليدين مع قوله: سمع الله لمن حمده. والمأموم مع قوله: ربنا ولك الحمد. عند رفعه من الركوع، كما يرفعهما عند الركوع، وعند الإحرام في التكبيرة الأولى، وعند القيام من التشهد الأول، فالنبي صلى الله عليه وسلم تارة يرفعهما إلى منكبيه، وتارة يرفعهما صلى الله عليه وسلم إلى فروع أذنيه.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (305) .(8/270)
128- حكم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه
س: هل صحيح بأنه يجب أن يرفع المسلم يديه عند الركوع، والرفع من الركوع، مثل ما فعل في التكبيرة الأولى، بمعنى أن يقول: الله أكبر. ثم يرفع يديه على مستوى أذنيه؟ وهل يصح للمرأة فعل ذلك؟ (1)
ج: هذا سنة، وليس فريضة أن يرفع يديه عند الإحرام إلى حيال أذنيه أو إلى حيال منكبيه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا عند الركوع وعند الرفع منه، وهكذا عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، يرفع يديه ويجعلهما حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، تارة كذا وتارة كذا؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة مؤكدة، ولو تركها أو بعضها صحت صلاته، والمرأة مثل الرجل في هذا على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخصها في هذا بشيء، فالصحيح أنها مثل الرجل، ترفع يديها عند الإحرام، وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (102) .(8/271)
س: نعلم أن رفع اليدين مع التكبيرات في أربعة مواضع: منها ما هو بعد الرفع من الركوع، فهل يرفع الإنسان يديه عند قوله: سمع الله لمن حمده. أم بعد استوائه في الركوع، وقوله: ربنا ولك الحمد؟ (1)
ج: السنة الرفع عند رفعه من الركوع عند قوله: سمع الله لمن حمده. إن كان إماما أو منفردا، وعند قوله: ربنا ولك الحمد. إن كان مأموما، يعني حين الرفع، هذه هي السنة.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (246) .(8/272)
س: يقول هذا السائل: ما حكم رفع اليدين بعد الرفع من الركوع مثل السدل، أم القبض؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأفضل القبض بعد الرفع من الركوع، الأفضل القبض؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك من حديث وائل بن حجر، ومن حديث قبيصة عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على صدره حال قيامه للصلاة (2) » وهذا القيام يشمل ما
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (374) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار حديث هلب الطائي، برقم (21460)(8/272)
بعد الركوع وما قبل الركوع؛ لأنه قيام، فيضع يديه على صدره، هذا هو الأفضل.(8/273)
129- حكم وضع اليمين على الشمال بعد الركوع
س: ما حكم مسألة وضع اليمين على الشمال بعد الركوع؟ نرجو من سماحتكم شرح هذا وبسط الكلام فيه بسطا وافيا، وكلام أئمة العلماء في هذه المسألة، وهل لمن يدعي أن هذا الأمر بدعة وضلالة من حجة يتمسك بها من إرسال اليدين، أم أنه يحتج بعادة الناس، مع علمنا أن العبادة توقيفية؟ وهل إذا كان الإمام يرسل يديه بعد الركوع، فهل علي أن أرسلهما اقتداء ومتابعة للإمام، أم أستمر في وضع اليمين على الشمال؟ أفتونا مأجورين (1)
ج: قد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في حال القيام يقبض شماله بيمينه، ويضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثبت هذا من حديث وائل، وثبت معناه من حديث سهل عند البخاري، وجاء أيضا من حديث قبيصة بن هلب عن
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (178) .(8/273)
أبيه، وجاء مرسلا عن طاوس عن النبي عليه الصلاة والسلام، والصواب أن اليمين توضع على الشمال في حال القيام قبل الركوع وبعده، وليس هناك تفصيل في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحدا ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرسل يديه في الصلاة بعد الركوع، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأصل في هذا هو الضم كما يضم قبل الركوع، وكذا في القيام بعد الركوع، ومن زعم أنه يرسلهما بعد الركوع فعليه الدليل، ومن قال: إن ضمهما بدعة بعد الركوع، فقد غلط، وذكر بعض أهل العلم أنه مخير؛ إن شاء أرسلهما، وإن شاء ضمهما بعد الركوع في حال القيام. ولكن الصواب أنه يضمهما كما قبل الركوع؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، بقاء السنة على حالها، وقد قال وائل رضي الله عنه: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة يضع يده اليمنى على يده اليسرى (1) » ومعنى قائما في الصلاة، يعني: يشمل ما بعد الركوع، وما قبل الركوع قائما في الصلاة، وهو يشمل القيامين: قبل الركوع، وبعد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .(8/274)
الركوع. وهكذا قول سهل بن سعد رضي الله عنه: «كان الرجل يؤمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع اليمنى على كفه اليسرى، ويضع اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم الراوي له عن سهل: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1) » فهذا يدل أنه في حال القيام يضع يمينه على ذراعه اليسرى، وهذا يحتمل أن المراد ما قاله وائل، وأنه يضع يمينه على كفه اليسرى، وأطراف الأصابع على الساعد، فعبر عن الساعد بذراعه اليسرى، فيحتمل أنه في بعض الأحيان يضعها على كفه، وفي بعض الأحيان على ذراعه الأيسر، أما إرسال اليدين فلم يثبت عنه عليه السلام، لا قبل الركوع ولا بعد الركوع، والعبادات توقيفية، ليس لأحد أن يثبتها بمجرد الرأي والاجتهاد.
والأصل بقاء ما كان على ما كان، ما دام يضمها قبل الركوع، فالأصل بقاء ذلك في قيامه بعد الركوع؛ كما قال وائل: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة يضع يمينه على شماله (2) » يعنى كفه اليمنى على كفه اليسرى، هذا هو الذي كتبناه في
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .(8/275)
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نعتقده، وهو الذي دلت عليه الأحاديث فيما نعتقد، ونسأل الله للجميع التوفيق.(8/276)
س: هل وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر بعد الرفع من الركوع سنة أو بدعة؟ وما الدليل؟ (1)
ج: وضع الأيدي على الصدر قبل الركوع وبعده سنة، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، وكان يأمر بذلك، وقد ثبت في الصحيح من حديث وائل: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على كفه اليسرى (2) » وجاء في الرواية الأخرى: «والرسغ والساعد (3) » هذا هو السنة، وجاء في رواية وائل بن حجر عند ابن خزيمة: أنه يضعهما على صدره. وكذا عند الإمام أحمد من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه: «أن النبي كان يضع يديه على صدره حال كونه قائما في الصلاة (4) » وهكذا قال
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (16) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، برقم (726) .
(4) أخرجه أحمد في مسند الأنصار حديث هلب الطائي، برقم (21460)(8/276)
وائل: «إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة وضع يمينه على شماله (1) » فدل ذلك على أنه في حال القيام يضعهما على صدره، سواء كان القيام قبل الركوع أو بعد الركوع، وهكذا جاء من حديث طاوس مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد، وهو وضع اليمين على الشمال على الصدر، هذا هو أصح ما قيل في هذا، وضعهما على الصدر قبل الركوع وبعده، أما ما وقع في رسالة بعض الإخوان، الذين صنفوا رسالة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، من زعمه أن وضعهما على الصدر بعد الركوع بدعة. فهو غلط ممن قال ذلك، فلا ينبغي أن يعول عليه، ولا ينبغي أن يكون ذلك مانعا من الاستفادة من كتبه، وما فيها من الفوائد، لكن هذا خطأ، فكل يخطئ ويغلط، فقول من كتب في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: إن وضعهما على الصدر بعد الركوع بدعة قول غلط، وهو قول أخينا في الله الشيخ ناصر الدين الألباني، قد غلط في هذا، وهو علامة جليل، مفيدة كتبه، لكن كل يغلط وله أغلاط معدودة، نسأل الله أن يوفقه للرجوع عنها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .(8/277)
س: هل هناك دليل شرعي على وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع؟ (1)
ج: نعم، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره، إذا كان قائما في الصلاة، هذا عام يعم قبل الركوع وبعد الركوع، والثابت في السنن من حديث وائل بن حجر، قال: «كان إذا قائما في الصلاة يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى (2) » وهذا يعم ما كان قبل الركوع وبعد الركوع، وهكذا حديث سهل بن سعد عند البخاري رحمه الله قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (3) » رواه البخاري. معنى ذلك أنه يضع يده اليمنى على اليسرى حال وقوفه في الصلاة؛ لأنه في حالة الركوع يضع يديه على ركبتيه وفي حالة السجود يضعهما على الأرض، وفي حالة الجلوس على فخذيه أو ركبتيه، فما بقي إلا القيام، فدل على أنه يضع يمينه على ذراعه اليسرى، وفي حديث وائل وضح أنه على
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (268) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/278)
صدره، فالأحاديث يفسر بعضها بعضا، وهكذا جاء مرسلا من حديث طاوس بن كيسان التابعي الجليل، جاء مرسلا بسند صحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على كفه اليسرى على صدره، وهو قائم في الصلاة عليه الصلاة والسلام (1) » وهذا يشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع، ومن فصل فقال: بعد الركوع لا يضع. فعليه الدليل، والأصل بقاء ما كان على ما كان، فمن زعم أنه يرسلهما فعليه الدليل، وإلا فالأصل بقاء وضعهما على حاله الأولى في حال القيام.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (759)(8/279)
س: أرجو أن توضحوا لي الحكم الشرعي في وضع اليدين بعد النهوض من الركوع، جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة وضعهما على الصدر كما قبل الركوع، هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر: «أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة وضع يمينه على يساره، ووضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد (2) » هكذا رواه أبو داود
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (220) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، برقم (401) .(8/279)
والنسائي، وغيرهما بإسناد صحيح عن وائل بن حجر، وفي صحيح البخاري رحمه الله، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: لا أعلمه إلا أن ينميه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) » وهذا يعم ما قبل الركوع وما بعد الركوع، فالسنة للمؤمن في الصلاة – وهكذا المؤمنة – وضع اليمين على الشمال قبل الركوع، وبعد الركوع، وأما ما وقع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لأخينا العلامة الفاضل: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من قوله: إن وضعهما بعد الركوع بدعة. هذا قول غلط، قد نبهنا على هذا غير مرة، وكتبنا في ذلك ما يجب بيانه في هذا الأمر، وأرجو أن فضيلته يرجع عن هذا القول؛ لأنه خلاف الصواب، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)(8/280)
130- السنة في النزول من الركوع إلى السجود
س: الأخ: هـ. ع. من السودان، الخرطوم، يسأل ويقول: قد ذكرت – يحفظكم الله – أن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أن(8/280)
ينزل الإنسان من الركوع إلى السجود على ركبتيه، وينهض إلى الركعة برفع يديه فبل ركبتيه، لكن بعض الباحثين ذكر عكس ذلك، فأي القولين نعتمد؟ وبأيهما نعمل؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: للعلماء قولان في المسألة رحمهم الله، منهم من رجح أنه ينزل بركبتيه ثم يديه، ثم جبهته وأنفه؛ لما روى أهل السنن عن وائل بن حجر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا سجد قدم ركبتيه على يديه (2) » وله شاهد من حديث أنس أيضا عند الحاكم وغيره، وقالوا: هذا هو الأرفق بالمصلي، وهو الأبعد عن مشابهة الحيوان؛ لأن الحيوان كالبعير، ينزل على يديه ثم المؤخرة بعد ذلك، وقالوا: هو الموافق لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير (3) » فإنه عند بروك البعير يقدم يديه، فإذا قدم رجليه لم يشبه البعير، أما قوله في آخره: «وليضع يديه قبل ركبتيه (4) » ، فقال بعضهم: لعله
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (280) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، برقم (268) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (838) ، والنسائي في المجتبى في كتاب التطبيق، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، برقم (1089) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(4) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبي داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .(8/281)
مقلوب وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، حتى يتفق أوله مع آخره، أول الحديث مع آخر الحديث، وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر، وأنس وما جاء في معناهما، وهذا هو الأصح والأرجح، وبذلك تتفق الأحاديث، ولا يقع بينها خلاف، فالنهي عن بروك البعير يوافق حديث وائل في تقديم الركبتين، ثم اليدين بعد ذلك في السجود، أما زيادة: «فليضع يديه قبل ركبتيه (1) » فهي تخالف أول الحديث، وتخالف حديث وائل؛ لأنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير في نزوله على مقدمه، هذا هو الأرجح، وقال آخرون من أهل العلم: لفظ: «فليضع يديه (2) » صريح، يدل على أنه يقدم يديه على ركبتيه، وبهذا خالفوا حديث وائل، وحديثه لا بأس به حسن جيد، مع أنه موافق لأول حديث أبي هريرة ولمقدمه وصدره، والصواب عندي والأرجح عندي أنه يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، على ما في حديث وائل، وعلى مقتضى أول حديث أبي هريرة وصدره وزيادة: «فليضع يديه قبل ركبتيه (3) » ، هذه إما إدراج من بعض الرواة، وإما حصل فيها انقلاب، والصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه، حتى يتفق أوله مع آخره، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه، والأمر في هذا واسع والحمد لله كله سنة، لكن هذا
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبي داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبي داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .
(3) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبي داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .(8/282)
هو الأفضل، وهذا هو الأرجح، إلا من عجز ككبير السن والمريض هذا يقدم يديه؛ لأنه محتاج إلى ذلك، ولا بأس بذلك.(8/283)
س: هل النزول في الصلاة يكون على الركبتين قبل اليدين، أم على اليدين قبل الركبتين؟ أرجو بيان الراجح مع ذكر الدليل. جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأفضل أن ينزل على الركبتين إذا كان يستطيع ذلك، ينزل على الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف، هذا هو الأفضل لحديث وائل بن حجر وما جاء في معناه، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير (2) » والبعير يبرك على يديه، فالسنة للمؤمن إذا سجد أن يسجد على ركبتيه، يقدمهما قبل يديه، هذا هو الأفضل، وأما الزيادة في حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (3) » فهي زيادة فيها نظر، قال بعض أهل العلم: إنها منقلبة، وأن صواب الرواية: وليضع ركبتيه قبل يديه،
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (210) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/283)
حتى يوافق آخر الحديث أوله، وإن سجد على يديه اعتقادا منه أن هذا هو الأفضل فلا حرج عليه في ذلك، ولكن الأفضل أن يسجد على ركبتيه ثم يديه ثم وجهه، هذا هو الأفضل، وعند الرفع يرفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه، هكذا السنة، وهذا هو الأفضل، إلا من عجز لكبر سنه أو مرض فلا حرج أن يسجد على يديه {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) .
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(8/284)
س: أيهما أرجح: الهوي إلى السجود باليدين، أم بالركبتين؟ (1)
ج: هذا محل اختلاف بين العلماء، والأفضل والأرجح الهوي بالركبتين ثم اليدين، يعني يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل كما في حديث وائل بن حجر، وما جاء في معناه، ومن قدم يديه فالأمر واسع إن شاء الله؛ لأنه في حديث أبي هريرة أيضا، ولكن الصواب أنه يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، وأما حديث أبي هريرة الذي فيه: أن يضع يديه قبل ركبتيه. فهو فيه انقلاب فيما حققه بعض العلم؛ لأن أول الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يبرك
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (141) .(8/284)
أحدكم كما يبرك البعير (1) » والبعير يقدم يديه، فإذا قدمنا أيدينا صرنا مشابهين للبعير، فيكون آخر الحديث يخالف أوله، فيكون الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه. على حديث وائل، وعلى موافقة الأول بصفة الحديث، وحصل انقلاب، والأصل: فليضع يديه قبل ركبتيه. المقصود أن الأرجح أن يقدم ركبتيه قبل يديه، وأن الأرجح في حديث أبي هريرة أنه موافق لحديث وائل، وأن ما في آخره – من ذكر اليدين قبل الركبتين – انقلاب لبعض الروايات، فيما هو الأقرب والأظهر حتى لا يخالف آخر الحديث أوله، حتى تجتمع الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي أفتى به بعض أهل العلم وأكثر أهل العلم، ومن ترجح عندهم تقديم اليدين واجتهد في ذلك فلا ينكر عليه، وينبغي قي ذلك عدم التشديد، وعدم النزاع والخلاف، والمؤمن يتحرى الحق، فالأرجح والأظهر والأقرب أن يقدم الركبتين ثم اليدين ثم جبهته مع أنفه، هذا في السجود، وعند الرفع يبدأ بالوجه ثم اليدين ثم ينهض على ركبتيه، هذا هو الأفضل، وهذا الذي فيه الجمع بين الأحاديث، وعند القيام عند النهوض إلى الثالثة يرفع يديه ويكبر معها عند القيام ورفع يديه مع القيام
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/285)
حال نهوضه، يكبر ويرفع يديه حال النهوض إلى أن يستوي قائما.(8/286)
س: رجل يسأل ويقول: إذا سجدت أيهما أضع أولا: الكفين أم الركبتين؟ (1)
ج: الأفضل بالركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف، هذا هو السنة، تبدأ بالركبتين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البدء في السجود باليدين؛ لأن البعير يبدأ بيديه، أنت تبدأ بالركبتين والرجلين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وهذا حديث حسن، وهذا لا بأس به، يتفق مع حديث البروك، فالمقصود أن السنة المشروع البداءة بالرجلين الركبتين ثم يديك ثم جبهتك وأنفك، وعند الرفع رأسك ثم يديك ثم ركبتيك، وهذا الأصح.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (363) .(8/286)
س: في أثناء الصلاة وأنا أريد السجود هل أنزل باليدين، أم أنزل بالركبتين؟ (1)
ج: الأفضل هو نزولك بالركبتين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا سجد سجد على ركبتيه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه، إلا إذا كان هناك
__________
(1) السؤال السابع من الشريط (152) .(8/286)
عجز كمرض أو كبر سن، فلا بأس أن تسجد على يديك أولا، وتنهض عليها للعجز والضعف، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسجد على يديه مطلقا، ولكنه قول مرجوح، والصواب أن الأحاديث كلها في المعنى تدل على أنه يسجد على ركبتيه أولا، ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا عند السجود، وعند الرفع يرفع رأسه أولا ثم يديه ثم ركبتيه، إلا العاجز لمرض وكبر سن، فهذا لا بأس أن يسجد على يديه، وينهض على يديه.(8/287)
س: يقول السائل: عندنا في المسجد إمام، وهذا الإمام يصلى بنا وهو سريع في صلاته، وعند السجود يسبق اليدين قبل الركبتين، ونحن مجموعة شباب نخالفه في سجوده، فنسبق الركبتين قبل اليدين بدليل: لا تشبهوا سجودكم بالبعير. فهل هذا السجود صحيح؟ (1)
ج: سجودكم جميعا صحيح، سجوده صحيح وسجودكم صحيح، والحمد لله، لكن الأفضل كما فعلتم تقديم الركبتين على اليدين، كما جاء في حديث وائل وغيره، وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي فيه
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (281) .(8/287)
النهي عن بروك كبروك البعير، لأن بروك البعير يقدم يديه، فالسنة أن تقدم الركبتان؛ لأنهما في الرجلين قبل اليدين، وذهب بعض أهل العلم إلى تقديم اليدين قبل الركبتين؛ لأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » وتأولوا ذلك على أن بروك البعير على ركبتيه، فإذا قدم المصلي يديه فقد خالف البعير، وليس الأمر كذلك، الصحيح أن بروك الإنسان على يديه هو الذي يشبه البعير، ويخالف أول الحديث: يبرك كما يبرك البعير، ويخالف حديث وائل: «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، (2) » هذا هو الأفضل، وهذا هو الأشهر، ومن اعتقد ما دل عليه آخر حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (3) » من اعتقد هذا ووضع يديه قبل ركبتيه عن اجتهاد منه فلا حرج عليه، والله يغفر للجميع، لكن الأفضل هو تقديم الركبتين قبل اليدين، هذا هو الأرجح، وهذا هو الأفضل، ومن قدم يديه قبل ركبتيه معتقدا هذا هو الأفضل حسب اجتهاده وعلمه فلا شيء عليه، المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد، والحمد لله،
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/288)
هذا كله إذا كان يستطيع تقديم ركبتيه، أما إذا كان عاجزا لكبر سنه أو مرضه فإنه يقدم يديه ولا شيء عليه، والحمد لله.(8/289)
س: من العراق رسالة بعث بها ح. ي. إ من الموصل يقول: عند السجود هل وضع اليدين أصح من وضع الركبتين أولا، أو بالعكس؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأصح والأفضل أن يضع ركبتيه أولا، كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع ركبتيه، ثم يديه صلى الله عليه وسلم، وينهى عن بروك كبروك البعير، والبعير إذا برك يقدم يديه، فالسنة أن تقدم ركبتيك لا يديك، والأحاديث في الحقيقة متفقة لا مختلفة، وهي السجود على الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف، أما الرفع فهو يرفع رأسه، ثم يديه ثم ركبتيه، هذا هو الأرجح والأفضل.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط (270) .(8/289)
س: في هيئة السجود هل النزول على اليدين أم على الركبتين؟ (1)
ج: السنة للقادر النزول على الركبتين، كما في حديث وائل وغيره،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط (349) .(8/289)
وهو المراد في حديث أبي هريرة: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير (1) » هذا الصواب؛ لأن بروك البعير يبرك على يديه، ونحن مأمورون ألا نبرك على أيدينا، نبرك على ركبنا التي في الرجلين، هذا هو السنة، وهذا هو الصحيح، وهو قول الجمهور من أهل العلم: أن السنة البروك على الركبتين لا على يديه خلافا للبعير، هذا إذا كان قادرا، أما إذا كان عاجزا لكبر السن والمرض فإنه يبرك على يديه ولا بأس لأجل العجز.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/290)
س: يسأل ع. مقيم في جدة، هل الصحيح أن ينزل المصلي بيديه قبل ركبتيه، أم أن الأصح ما نراه من نزول المصلين؛ بركبتيهم إلى السجود؟ (1)
ج: هذا هو السنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يهوي إلى سجوده على ركبتيه، ويقول: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير (2) » والبعير يبرك على يديه، يقدم يديه، فالسنة لمن عنده قوة أن ينزل على ركبتيه، وتكون يداه بعد ذلك، ثم وجهه، هذه السنة؛ الركبتان ثم اليدان ثم الوجه، هكذا
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (388) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840) .(8/290)
إذا كان يقوى على ذلك، وهذا هو الأفضل، فإن أصابه ما يمنع من ذلك من كبر سن أو مرض سجد على يديه، والحمد لله.(8/291)
س: يسأل السائل ويقول: في الصلاة البعض من الناس يضعون الأيدي في السجود، والبعض تسبق الركبة أو الركبتان قبل اليدين، ما هي الطريقة الصحيحة للسجود؟ (1)
ج: إذا كان قادرا فالأفضل أن يقدم ركبتيه ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، هذا السنة، وعند الرفع يرفع رأسه، ثم يديه، ثم ركبتيه، هذا إذا كان قادرا، أما إذا كان عاجزا فلا بأس أن يقدم يديه، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (419) .(8/291)
131- بيات وقت تكبيرة السجود في الصلاة
س: متى تكون تكبيرة السجود؟ هل عندما يكون قد سجد في الأرض، أم عندما يكون هاويا إلى السجود؟ (1)
ج: التكبير للسجود يكبر حال هويه إلى الأرض، يقول: الله أكبر. حين يشرع في الهوي، ويقطعها قبل أن يسجد في الأرض، وعند الرفع كذلك
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (152) .(8/291)
إذا رفع يكبر حين رفعه، وينتهي قبل استتمامه قائما، وهكذا إذا كان جالسا، إذا رفع من السجدة الأولى كبر إذا رفع من السجدة الأولى قبل أن يستتم جالسا، هكذا المشروع، يكبر حين الرفع وحين النزول للسجود.(8/292)
س: الأخت: ف. ف. من أبها، تقول: في الصلاة عندما أرفع من الركوع وأريد السجود متى أكبر؟ هل عندما أنحني، أم عندما أضع ركبتي على الأرض؟ (1)
ج: عند الانحناء تكبر قبل أن تصل إلى الأرض، تكبرين إذا انحنيت قبل الوصول إلى الأرض.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (435) .(8/292)
132- حكم مد التكبير في الصلاة
س: تقول السائلة: أرى النووي يقول في تفسيره ما معناه: إنه يستحب مد التكبيرة في الصلاة عند الانتقال من ركن إلى ركن؛ حتى لا يخلو جزء من صلاته من الذكر. فما الحكم فيمن يستمر في التكبير عند الانتقال بدون أن يمد، فيأتي بثلاث تكبيرات، أو أربع بين الركنين؟ (1)
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (191) .(8/292)
ج: أمور الدين يتلقاها العلماء والمسلمون عن الأدلة من الكتاب والسنة، لا من قول فلان وفلان إلا إذا وافق قوله كتابا أو سنة، فالسنة في التكبير عدم التمطيط، بل يكبر عند انتقاله كما يكبر أول الإحرام بدون تمطيط، يأتي بتكبير معتدل: الله أكبر. عند الإحرام، عند الركوع، عند السجود، عند الرفع من السجود، أما التمطيط فلا، وغير مشروع كونه يقول: الله أكبر. يمدها بقدر انحطاطه، لا، ليس هذا مشروعا، ولكن التكبير جزم، والسلام جزم، فيقول: الله أكبر. مدة معتدلة طبيعية ليس فيها تكلف، وهكذا: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. وهكذا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. لا يمدها، بل جزم، وهكذا: الله أكبر. ولا يكرر تكبيرة واحدة للإحرام، الموسوسون يكررون التكبير، هذه وسوسة لا تجوز، ولكن يكبر واحدة عند الإحرام: الله أكبر. وعند الركوع واحدة، وعند السجود واحدة، وعند الرفع من السجود واحدة، وعند السجود الثاني واحدة، وعند الرفع منه واحدة، هذا ما شرعه الله، هذا هو المشروع، لكن مدا طبيعيا ليس فيه تكلف، هذا هو المشروع عند الرجل والمرأة جميعا للإمام والمنفرد والمأموم.(8/293)
133- السنة في وضع الرجلين عند السجود
س: يقول السائل: كيف يكون وضع الرجلين عند السجود؟ هل هي مضمومة أم متفرقة؟ (1)
ج: مفرقة، السنة أن يفرقهما كما يفرق يديه إذا سجد، وهكذا يفرق رجليه إذا سجد، أما ما يروى أنه صلى الله عليه وسلم: «أنه كان ساجدا راصا عقبيه مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة (2) » فهذا فيه نظر، الظاهر أنه شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، رواه الحاكم وجماعة، والمحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم قدميه، كل واحدة منفردة عن الأخرى.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط (387) .
(2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في ضم العقبين في السجود، برقم (2552) ، والحاكم في المستدرك (1\352) ، حديث رقم (832) ، وابن حبان في صحيحه (5\260) ، في كتاب الصلاة، باب ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عبيد الله بن عمر، برقم (1933) .(8/294)
134- حكم مجافاة المرفقين بشدة في السجود
س: السائل ع. ع يسأل ويقول: من الأشياء التي يلاحظها على بعض المصلين أمور، منها مثلا: مجافاة المرفقين بشدة، الامتداد(8/294)
الفاحش حال السجود، الجلسة الخفيفة قبل القيام للركعة الثانية، وهل هي لازمة؟ أيضا يلاحظ أن هناك من يبالغ في الالتفات إلى الوراء عند التسليم، والتورك للمأموم في الصف المزدحم، والتماوت في الصلاة، ووضع الكف على الكف لا على الرسغ في القيام، يرجو التوجيه على هذه الأمور (1)
ج: السنة للمؤمن أن يلاحظ عدم الأذى، فلا يؤذي جيرانه بمرافقه، بل يتباعد بعض الشيء حتى لا يؤذي أحدا، وإن كان مشروعا له المجافاة بين عضديه وجنبيه، لكن لا يضايق إخوانه إذا كان الصف فيه ضيق وحال السجود، فليفرج حسب الطاقة من غير أذى، كل واحد يلاحظ عدم الأذى، يفرج مهما أمكن من غير حاجة للإيذاء، وإذا لم يستطع فلا يؤذ جيرانه، ولو ضم عضديه إلى جنبيه إذا لم يستطع فإنه لا يؤذيهم، ولا يشق عليهم، بل يرفق بهم، فالمؤمن أخو المؤمن، والله يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (2) فالمسلم لا يؤذي أخاه ولا
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (106) .
(2) سورة الأحزاب الآية 58(8/295)
يضره، وهكذا الامتداد حال السجود غير مشروع، السنة أن يعتدل في السجود ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويكون معتدلا، ويرفع ذراعيه عن الأرض، ويعتمد على كفيه في السجود، فيكون معتدلا اعتدالا كاملا لا شبه المنبطح، يمد نفسه كالمنبطح، بل يعتدل ويقيم ظهره وبدنه إقامة تامة، حتى يكون معتمدا على كفيه رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه حال السجود، هكذا ينبغي للمؤمن، ولا يكون متماوتا في الصلاة، بل يكون عنده العناية التامة بالصلاة، والخضوع فيها، والإقبال على الله عز وجل، حتى تكون صلاته صلاة خشوع، وإقبال على الله، وطمأنينة كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
وكذلك لا يبالغ المبالغة الزائدة، السنة كان النبي إذا التفت في السلام حتى يرى بياض خده - عليه الصلاة والسلام – يمينا وشمالا، فلا يلتفت أكثر من هذا، يلتفت هكذا وهكذا، حتى يرى خده، لا بأس، يراه من وراءه لا حرج كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فالإمام يلتفت إلى المأمومين، والمأموم يلتفت عن يمينه وعن شماله، إلى من عن يمينه وعن شماله، حتى يرى من عن يمينه ومن عن شماله خده إذا التفت، أما الجلسة فهذه سنة مستحبة، ويقال لها: جلسة الاستراحة. وليست واجبة(8/296)
من فعلها فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها في صلاته صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها غير مستحبة، وأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم محمول على أنه كان بعدما كبر سنه وثقل، والصواب أنها مستحبة مطلقة، هذا هو الصواب؛ لأنها ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل ذلك على استحبابها بعد الأولى والثالثة في الرباعية، بعد الأولى في جميع الصلوات، وبعد الثالثة في الرباعية، جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين، وهكذا السنة أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، إذا كان واقفا يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد، تكون اليد بعض الكف على الكف، وبعضه على الرسغ، وبعض الأصابع على الساعد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت هذا في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه.(8/297)
135- حكم التورك في الصف المزدحم
س: ماذا عن التورك للمأموم في الصف المزدحم؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (106) .(8/297)
ج: إذا دعت الحاجة إلى التضام وعدم التورك لا يتورك، التورك سنة مستحب في التشهد الأخير، فإذا كان يؤذي به إخوانه فلا يتورك، يجلس على رجله اليسرى كجلوسه بين السجدتين وهو التشهد الأول؛ لأن إيذاء إخوانه محرم، فلا يستبيح المحرم بالمستحب، يترك المستحب حتى يتوقى المحرم، فإيذاء إخوانه والتعدي عليهم أمر لا يجوز، فإذا كانت مضايقة في الصف فإنه لا يتورك، بل يجلس على رجله اليسرى، كحاله بين السجدتين، إذا استطاع ذلك، أما إذا كان مريضا أو عاجزا، لا يستطيع فليعمل ما يستطيع، ويتوقى الإيذاء مهما استطاع.(8/298)
س: يلاحظ على البعض التقصير الفاحش للثياب (1)
ج: السنة النصف، نصف الساق إلى الكعب، هذا السنة، إزرة المؤمن إلى نصف الساق، وإن نزل إلى الكعب فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (106) .(8/298)
136- بيان كيفية وضع أصابع الرجلين في السجود
س: يسأل المستمع ويقول: في حديث معناه: بأنه عند السجود كان يفتح بين أصابع رجليه، ما معنى الفتح وكيفيته، وكذلك عند(8/298)
التشهد الأخير؟ (1)
ج: يعتمد على بطون أصابع رجليه مفتوحة على أصابع رجليه حين السجود، ويعتمد على كفيه حين السجود كذلك، الأصابع في الكفين مضمومة ويتلاصق بعضها ببعض مادا لها، أما الرجلان فيعتمد على بطون أصابعها وهو موقف لها، ويعتمد على بطون الأصابع.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (427) .(8/299)
137- حكم إلصاق القدمين عند السجود
س: السائل: س. س. سع. يمني مقيم بالمملكة، هل يستحب إلصاق القدمين عند السجود؟ وإذا كان مستحبا فما هو الدليل؟ (1)
ج: جاء في بعض الأحاديث «أن عائشة رضي الله عنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في الليل، قد ألصق عقبيه أحدهما بالآخر (2) » فهذا يدل على جواز مثل هذا، ولكن ظاهر السنة التفريق بينهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شرع للأمة أن يجافي الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، فيظهر من هذا التوجيه
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (275) .
(2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في ضم العقبين في السجود، برقم (2552) ، والحاكم في المستدرك (1\352) ، حديث رقم (832) ، وابن حبان في صحيحه (5\260) ، في كتاب الصلاة، باب ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عبيد الله بن عمر، برقم (1933) .(8/299)
الشرعي أن القدمين كذلك، أنهما يفرقان كما شرع النبي صلى الله عليه وسلم تفريق العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، فالأفضل تفريقهما كل واحد على حدة، ولو ألصقها العقب بالعقب في بعض الأحيان فالأمر في هذا واسع إن شاء الله.(8/300)
138- حكم السجود على الأعضاء السبعة
س: هذه سائلة من الرياض، تقول: نعلم وجوب السجود على الأعضاء السبعة، ولكنني يا سماحة الشيخ أحيانا لا أنتبه بعدم سجودي على الأعضاء السبعة كاملة؛ لوجود حائل لم أزله إلا بعد الانتهاء من السجود، فهل علي شيء من ذلك؟ (1)
ج: الواجب السجود على الأعضاء السبعة، لا يصح السجود إلا بذلك، فإذا كان السجود على فراش، أو على بساط، أو على غير ذلك فلا بأس، ما يضر، ليس بلازم أن يباشر الأرض، فإذا سجد على مطرحة أو على زولية، أو على بساط، أو على غيرها لا بأس، أما إذا رفع أحد الأعضاء؛ سجد على ستة أو خمسة، ولم يضع يده على الأرض أو يديه أو وجهه ما يصح السجود، لا بد أن يضع وجهه على
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (406) .(8/300)
الأرض، سواء الأرض عليها بساط أو ما عليها بساط، على الأرض جبهته وأنفه وكفيه على الأرض، وقدميه وركبتيه، هذه السبعة، فإذا رفع يده، أو وجهه ولم يسجد ما يسمى ساجدا حتى يضع وجهه على الأرض، ويديه على الأرض، وركبتيه على الأرض، وقدميه على الأرض على بطون أصابعه، هذا هو السجود الشرعي، فلو سجد في الهواء وهو قادر على الأرض، ما هو بمريض ما يصح السجود.(8/301)
س: السائل: إ. ح. من الرياض، يقول: ما هي الأعضاء السبعة التي أمر الإنسان بالسجود عليها؟ ومن لم يسجد عليها أو بعضها، هل فيه حرج (1) ؟
ج: فسرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة – وأشار إلى جبهته وأنفه – واليدين والركبتين، وأطراف القدمين (2) » هذه السبعة: جبهته وأنفه هذا واحد، كفيه هذه ثلاثة، ركبتيه هذه خمسة، قدميه هذه سبعة.
أما إذا نقص واحد فما صحت صلاته، إذا تعمد عدم السجود عليه ما صحت صلاته، أما إذا
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (398) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب /1 L1582 L1536 أعضاء السجود /1 والنهي عن كف الشعر، برقم (490) .(8/301)
نسي بأن سها ولم يسجد على بعض الأعضاء، ثم تذكر في الحال يسجد، يكمل سجوده، وإن كان ما تذكر إلا بعد ما قام للركعة الثانية تبطل الركعة التي تركه منها، وتقوم الأخرى مقامها، ويأتي بركعة بدلها قبل أن يسلم إذا كان ساهيا، وهكذا لو سجد على يد دون يد، أو رجل دون رجل.(8/302)
139- حكم من يصلي وهو واضع العمامة على جبهته
س: سماحة الشيخ، ما حكم من يصلي وهو واضع العمامة على الجبهة، حتى تصل إلى حاجب العين، أي أنه مغط موضع السجود (1) ؟
ج: الصلاة صحيحة، لكن الأفضل أن يرفع العمامة؛ لتسفر عن المصلى، ولو سجد على عمامته أو على طرف بشته لا بأس، لكن الأفضل أن تكون جبهته على المصلى، هذا هو الأفضل.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (430) .(8/302)
س: سؤال السائل م. ع. يقول: هل يجب على المصلي أن يكشف عن جبينه عند السجود في الصلاة، مثلا: الطاقية، أو الغترة، أو العمامة، أو ما يلزمه ذلك (1) ؟
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (374) .(8/302)
ج: الكشف أفضل، وإلا لا يلزمه ذلك، لو سجد على الطاقية أو العمامة أو على غيرها لا بأس، ولكن كونه يجرها، حتى تباشر جبهته المصلى يكون هذا أفضل، وأولاها أن يباشر جبهته وأنفه المصلى.(8/303)
140- حكم السجود على القماش الملون
س: سمعت من بعض الناس: بأنه لا يجوز السجود على القماش الأسود، هل هذا صحيح (1) ؟
ج: ليس بصحيح، يجوز السجود على القماش الأسود والأحمر والأصفر، لكن ليس فيه نقوش، الأحسن ألا يكون فيه نقوش تشغل المصلين، إذا كان فيه نقوش تركه أولى، سواء أصفر أو أحمر أو الأسود أو غيره، أما إذا كان سادة فهو الأفضل، سواء أسود أو أحمر أو أخضر أو غير ذلك.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (369) .(8/303)
141- حكم ارتداء القفازات أثناء الصلاة
س: الأخ: ع. ع. من الأردن، يقول: خلال أيام الشتاء أشعر بالبرد الشديد في يدي، هل يجوز لي أن أرتدي قفازات من الصوف(8/303)
في يدي وأنا أصلي بهما؟ هل هذا ينافي السجود على السبعة أعضاء، ومنها اليدان (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك، ولو جعلت القفازين مثل ما تجعل في رجليك الخفين لا حرج، الحمد لله، إذا جعلت القفازين في يديك للدفء، أو جعلتها في غترتك أو شماغك أو غيرها، أو في بشتك وسجدت عليه فلا بأس، الأمر واسع، كان الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - إذا اشتد عليهم حر الأرض سجدوا على ثيابهم.
__________
(1) السؤال السابع والأربعون من الشريط رقم (421) .(8/304)
142- حكم صلاة من يسجد على أنفه ولا يمكن جبهته
س: ما حكم من يصلي على أنفه ولم يمكن جبهته؟ هل تبطل الصلاة (1) ؟
ج: نعم، ما تصح الصلاة، لا يصح السجود إذا تعمد ذلك، يكون السجود باطلا، أما إن كان ناسيا يعيد السجدة، إن كان لا زال في السجدة، وإن كان قد قام وقرأ تبطل الركعة، ويأتي بركعة بدلا منها؛ لأن هذه الركعة بطلت ببطلان السجود، لا بد أن يسجد على الجبهة والأنف جميعا، أما إذا تنبه في الحال فإنه يعيد السجود في الحال قبل أن يقوم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (302) .(8/304)
143- مسألة في علامات تظهر على الجبهة من أثر السجود
س: السائل: ح. م. ح. من الرياض، هل هناك علامة تظهر في جبهة الفرد تسمى علامة الصلاة (1) ؟
ج: قد تقع لبعض الناس، قد يبين على جبهته بعض الشيء من أثر سجوده، قد يقع هذا، يقول سبحانه وتعالى في صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في سورة (الفتح) : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} (2) الآية.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (394) .
(2) سورة الفتح الآية 29(8/305)
144- حكم تغيير موضع السجود أثناء الصلاة
س: هل تغيير موضع السجود في الصلاة يؤثر عليها (1) ؟
ج: لا نعلم في هذا شيئا، إذا سجد وتقدم أو تأخر قليلا عن موضع السجود لا يضر، المقصود أنه يتحرى السجود في المحل الذي لا
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (188) .(8/305)
يؤذيه، فإن كان فيه شيء أزاله مسحة واحدة بيده، المقصود أن كونه يتقدم قليلا أو يتأخر في السجود ويتحرى ما يناسب جبهته وأنفه لا يضره، لكن يكون معتدلا في السجود، بعض الناس يضر نفسه ويمد نفسه، هذا غير مشروع، إنما يعتدل ويعتمد على كفيه، ويرفع ذراعيه ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وهو معتدل في السجود، فإذا قدم جبهته قليلا أو أخرها قليلا يتحرى المحل الذي يريحه هذا ما يضر.(8/306)
145- حكم الدعاء أثناء السجود
س: ما هي مشروعية الدعاء في السجود (1) ؟
ج: سنة، الدعاء في السجود أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2) » وهذا حديث صحيح يدل على شرعية الدعاء في السجود، وفي حديث ابن عباس عند مسلم في الصحيح، يقول صلى الله عليه
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (218) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)(8/306)
وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (1) » هذان الحديثان الصحيحان يدلان على شرعية الدعاء في السجود، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في سجوده، ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » فقد ثبت هذا من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، فيشرع للمؤمن أن يدعو في السجود في الفرض والنفل جميعا؛ لأن الرسول أمر بهذا، وفعله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/307)
س: تقول السائلة: أريد أن أعرف دعاء السجود الخاص بالسجود، وهل هناك دعاء للركوع (1) ؟
ج: السجود يدعو فيه المؤمن بما يسر الله له من الدعوات الطيبة، ولو لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » ثبت أنه كان يدعو بهذا في السجود، عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (293) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/307)
وإن دعا بغير هذا في السجود، مثل: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (1) » و: «يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك (2) » اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، اللهم اغفر لي ولوالدي – إذا كان والداه مسلمين – ولجميع المسلمين، اللهم أصلح قلبي وعملي. وما أشبه ذلك من الدعوات الطيبة، ويستحب أن يقول في الركوع والسجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
هذا تعظيم معه دعاء يقال في الركوع والسجود، ولكن الركوع لا يدعى فيه إلا بهذا فقط، ويكون محل تعظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (3) » يعني: حري أن يستجاب لكم، لكن إذا قال في الركوع: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (4) » فهذا مشروع، كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الدعوة تابعة للتعظيم، فلا حرج فيها.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم (2140) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (3834) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (9420) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/308)
س: السائلة: أم. خ. من الباحة، تقول: في أثناء السجود وبعد التسبيح أدعو بأدعية عارضة، أي من الحياة: مثل أن أدعو بالمغفرة لي ولوالدي، أو أن يحفظ لي أولادي، وهكذا، فهل هذا يبطل الصلاة؛ لأنه كلام خارج عن أصل الصلاة (1) ؟
ج: كله طيب، الدعاء في السجود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » يعني: فحري أن يستجاب لكم، وقال عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (3) » وهذا يعم دعاء الدنيا ودعاء الآخرة، وكان يقول في سجوده عليه الصلاة والسلام: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (4) » ويقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (5) » فإذا دعا الإنسان في السجود فيما يتعلق بالآخرة
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (408) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(4) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484) .(8/309)
والدنيا فلا بأس: اللهم اغفر لي وارحمني، اللهم أصلح ذريتي، اللهم أصلح زوجي، اللهم اغفر لوالدي، اللهم ارزقني رزقا حلالا.. إلى غير هذا، هذا كله طيب في السجود.(8/310)
146- حكم إطالة السجود في الصلاة
س: هل يصح إطالة السجود في الصلاة المفروضة وغيرها؛ ليتسنى لنا الدعاء (1) ؟
ج: لا بأس، لكن إذا كان إماما لا يشق على الناس، يكون طول فيه مراعاة عدم المشقة، يتحرى فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده من التسبيح: سبحان ربي الأعلى.. مرات، والدعاء ما تيسر من غير إطالة تشق على الناس، أما إذا كان يصلي وحده فالأمر فيه واسع.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (354) .(8/310)
147- حكم تحريك الرأس أثناء السجود
س: الأخ: ش. م. من بغداد، يسأل ويقول: في الصلاة وأثناء السجود مما يدعو إلى إطالة السجود، نقوم بعض الأحيان برفع الرأس أو تحريكه يمينا وشمالا عن موضع السجود، للاستراحة ونحو(8/310)
ذلك من الأسباب، فهل يعتبر ذلك نهاية لتلك السجدة، ولا يجوز بعدها الاستمرار بالسجود؟ أم كيف توجهون الناس (1) ؟
ج: هذا العمل مكروه، لا ينبغي؛ لأن هذا عبث، ولكن يسجد طاقته، ولا يطول تطويلا يلجئه إلى هذا العمل، يسجد، يأتي بالتسبيح ثلاث مرات أو خمس مرات، يدعو بما تيسر ثم يرفع، لا يكلف نفسه، وإذا كان إمام كذلك لا يشق على الناس، أما أنه يرفع رأسه ويومئ به هذا مكروه، وهو من العبث الذي لا ينبغي، وإذا كثر قد يبطل الصلاة، إذا كثر وتوالى، لكن بكل حال هو مكروه، ولا ينبغي والسجود باق، فإذا رفع رأسه قليلا ثم وضعه هذا من كمال السجود، لا يبطل السجود، لكن لا ينبغي هذا العمل، بل يسجد ما يسر الله له، ثم يرفع رفعا تاما، ويأتي بالسجدة الثانية.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (182) .(8/311)
148- حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في السجود
س: الأخت: ع. س. من الرياض، تسأل وتقول: هل يجوز أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السجود؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (280) .(8/311)
ج: نعم، يصلي عليه، هذا دعاء، الصلاة على النبي دعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (1) » رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » يعني: فحري أن يستجاب لكم، رواه مسلم في صحيحه.
وكان النبي يدعو في سجوده عليه الصلاة والسلام، ويلح في الدعاء، فإذا حمدت الله في سجودك، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من أسباب الإجابة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
هذا ثناء على الله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. هذا دعاء في السجود وفي الركوع جميعا، ويختص السجود: بـ (سبحان ربي الأعلى) ، والركوع يختص بـ (سبحان ربي العظيم) . أما (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) هذا في السجود والركوع جميعا، هكذا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، هذا يقال في السجود والركوع جميعا، وإذا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)(8/312)
صليت على النبي بعد ذلك في السجود قلت: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) »
ثم دعوت الله بعد ذلك، هذا من أسباب الإجابة، دعوت للنبي صلى الله عليه وسلم هذا قربة منك، تتقرب بها إلى الله وإحسان لنبيك عليه الصلاة والسلام، تدعو له: تسأل الله أن يثني عليه ويرحمه، وهكذا لو قلت: اللهم صل وسلم على رسول الله.
باختصار كفى، وإن كملتها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة فهو أفضل وأكمل، ثم تدعو بما تشاء: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) »
هذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السجود، كان يدعو بهذا الدعاء عليه الصلاة والسلام، وإذا دعوت بغير هذا: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في دينك، رب زدني علما، اللهم اجعلني من الهداة المهتدين، اللهم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)(8/313)
اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين.
وما أشبه ذلك، تدعو ربك، تسأل ربك: اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعلني مباركا أينما كنت، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح ولاة المسلمين، اللهم وفقهم لما يرضيك.
إلى غير هذا من الدعوات الطيبة في سجودك، كل هذا مشروع وحري بالإجابة، ولا سيما إذا كان معه التسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تدعو.(8/314)
س: السائل: خ. س. مصري، يسأل ويقول: سماحة الشيخ، هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في السجود أو في الصلاة (1) ؟
ج: نعم، إذا صلى على النبي في السجود قبل الدعاء مستحب، يحمد الله ويصلي على النبي، ويدعو في السجود وفي آخر الصلاة قبل أن يسلم، وفي دعواته الأخرى خارج الصلاة، يحمد الله ويصلي على النبي ويدعو، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما يشاء (2) » هذا هو السنة، أن يبدأ بالحمد
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (401) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله برقم (3477) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1481) .(8/314)
والثناء، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ولو في السجود أو في آخر الصلاة، أو في وقت آخر في غير الصلاة.(8/315)
س: يسأل المستمع ويقول: أقول في سجودي أحيانا الصلاة الإبراهيمية المعروفة بالكامل في صلاة النفل، فهل يجوز ذلك مع الدعاء (1) ؟
ج: هذا من أسباب الإجابة، يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي ولو في السجود، ولو في آخر الصلاة، يثني على الله ويصلي على النبي ثم يدعو؛ لأن هذا من أسباب الإجابة، كما أن في التحيات يقرأ التحيات، ثم يصلي على النبي ثم يدعو؛ لأن التحيات ثناء على الله، ثم بعدها الصلاة على النبي ثم يدعو، فإذا أحب أن يدعو في السجود مثل ما في التهجد بالليل، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو؛ لأن هذا من أسباب الإجابة.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (392) .(8/315)
س: يقول: هل يجوز أن أضيف هذا الدعاء: اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة. وذلك في الصلاة الإبراهيمية (1) ؟
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (392) .(8/315)
ج: لا، المشروع الصلاة الإبراهيمية التي بينها النبي لأصحابه، لما سألوه: كيف نصلي عليك، فقال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » وجاءت بألفاظ أخرى، وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا يفعل بعد قراءة الشهادتين. اللهم آت محمدا الوسيلة، تقال بعد الأذان.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/316)
149- حكم الثناء على الله والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في السجود
س: مجموعة من الإخوة يسألون هذا السؤال: هل الدعاء في السجود لا بد أن يبدأ فيه بالحمد والثناء على المصطفى وينتهي بذلك، أم أن ذلك يكون فقط في الدعاء في غير الصلاة (1) ؟
ج: الدعاء مشروع في جميع العبادات حتى في السجود؛ لأن الحديث عام، السنة في السجود أن يدعو ربه، ويجتهد في الدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد،
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (386) .(8/316)
فأكثروا الدعاء (1) » وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي علي (2) » هذا عام حتى في السجود، يقال: اللهم لك الحمد، الحمد لله على كل حال، اللهم صل على محمد، ثم يدعو: سبحان ربي الأعلى، اللهم اغفر لي، اللهم أصلح قلبي، اللهم أنجني من النار، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. يدعو بما يسر الله له.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله برقم (3477) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1481) .(8/317)
س: هل يشترط لدعاء السجود في صلاة الفريضة أن يبدأ بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (1) ؟
ج: لا، ليس بشرط، يدعو بما تيسر، وإن حمد الله وصلى على النبي كله طيب، هذا من أسباب الإجابة، وإن دعا فقط، ولم يحمد الله ولم يصل على النبي، بل دعا وقال: سبحان ربي الأعلى، ودعا قائلا: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني وعافني، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر لي ولوالدي. كله طيب.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (434) .(8/317)
150- حكم قراءة الأدعية من القرآن في السجود
س: تقول السائلة: سمعت بأنه لا تجوز قراءة القرآن أثناء السجود، فهل يجوز قراءة الأدعية الموجودة في القرآن، مثال: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) (2) ؟
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، لكن إذا دعا الإنسان بالدعوات القرآنية، بغير قصد للقراءة فلا حرج، مثل الآية التي ذكرت السائلة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (3) ومثل قوله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (4) ، لا حرج في ذلك بنية الدعاء.
__________
(1) سورة البقرة الآية 201
(2) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (293) .
(3) سورة البقرة الآية 201
(4) سورة آل عمران الآية 8(8/318)
س: تقول السائلة: هناك بعض الأدعية التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم، هل يجوز أن أدعو بها في الصلاة، وخصوصا في السجود (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (370) .(8/318)
ج: نعم، لا بأس أن تدعو بالدعاء الموجود في القرآن في الصلاة في السجود، وفي آخر التحيات مثل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) ، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (2) ، يدعو الإنسان بقصد الدعاء ما هو القصد القراءة، يقصد الدعاء.
__________
(1) سورة البقرة الآية 201
(2) سورة آل عمران الآية 8(8/319)
س: هل صلاتي صحيحة عندما أدعو في السجود بدعاء من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (1) (2) ؟
ج: لا حرج في دعاء القرآن، أي لا حرج أن تدعو بالدعوات التي في القرآن بنية الدعاء، لا بنية القراءة، مثل هذا الدعاء قوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (3) ، ومثل
__________
(1) سورة الفرقان الآية 74
(2) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (321) .
(3) سورة الفرقان الآية 74(8/319)
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) ، ومثل: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (2) فلا بأس بنية الدعاء، لا بنية القراءة؛ لأن الرسول نهى عن القراءة في الركوع والسجود، فالرسول لا يقرأ في الركوع ولا في السجود، فعلى الإنسان ألا يقرأ القرآن في الركوع ولا في السجود، وإنما القراءة في حالة القيام، لكن إذا أتيت بالدعاء الموجود في القرآن بنية الدعاء، وقصد الدعاء فلا حرج في ذلك، والحمد لله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 201
(2) سورة آل عمران الآية 8(8/320)
س: هل يجوز الدعاء من القرآن الكريم في سجود الصلاة فرضا كان أم نافلة (1) ؟
ج: نعم، يجوز الدعاء بدعوات القرآن، إذا كان ذلك على سبيل الدعاء، لا على سبيل القراءة، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن القراءة في الركوع والسجود، لكن إذا دعا مثل: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (2) أو قال:
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (318) .
(2) سورة آل عمران الآية 8(8/320)
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) هذا لا بأس على سبيل الدعاء، لا على سبيل القراءة، فدعوات القرآن إذا قيلت في السجود أو في آخر التحيات على سبيل الدعاء والضراعة إلى الله، لا على سبيل القراءة لا حرج في ذلك.
__________
(1) سورة البقرة الآية 201(8/321)
151- بيان الأقوال والأفعال الواجبة والمستحبة في الصلاة
س: ما هي مقادير الأقوال والأفعال الواجبة والمستحبة في الصلاة (1) ؟
ج: الواجب في السجود: سبحان ربي الأعلى. مرة، وفي الركوع: سبحان ربي العظيم. مرة، وإذا زاد فمستحب، ويكرر يأتي بقوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. هذا مستحب، وهكذا يقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. في الركوع والسجود، هذا مستحب، وكذا الدعاء في السجود مستحب، وهكذا بين السجدتين يقول: رب اغفر لي. وهذه مرة، وإذا كرر فهذا أفضل، وإذا زاد: «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (2) » كان أفضل
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (326) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/321)
مع الطمأنينة في الجميع وعدم العجلة، وهكذا إذا رفع من الركوع إن كان إماما ومنفردا، يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: ربنا لك الحمد. كله جائر، هذا الواجب، وإن كان مأموما إذا رفع يقول: ربنا ولك الحمد. أو: ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. كله حق، هذا الواجب، والزائد مستحب: حمدا كثيرا.. إلخ، مستحب، وهو الأفضل أن يكمل.(8/322)
152- بيان المشروع فيما يقوله المصلي بين السجدتين
س: تقول السائلة: هل يجوز أن نقول بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني وارزقني ووالدي، أم أن هذا غير وارد في الأحاديث؟ وما القول الصحيح (1) ؟
ج: السنة للمصلي بين السجدتين أن يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. ويكرر ذلك ثلاثا، ويشرع له أيضا أن يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (2) » وإن دعا مع سؤال
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (168) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/322)
المغفرة غير ذلك فلا بأس، لكن لا بد من طلب المغفرة بين السجدتين، وذلك واجب عند جمع من أهل العلم، وأقل ذلك مرة واحدة، وإذا كرر ذلك: رب اغفر لي، رب اغفر لي، ثلاثا، كان أفضل، وإذا زاد على ذلك قال: "اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني" كان أفضل أيضا، وإن دعا لنفسه ولوالديه: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم ارحمني ووالدي والمسلمين. كل ذلك لا بأس به، كله دعاء، لكن مع العناية بـ (رب اغفر لي) مرة أو أكثر.(8/323)
س: ماذا يقول المسلم بين السجدتين في الصلاة، سواء كانت فرضا أم نفلا (1) ؟
ج: يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني. يكثر من هذا: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني. هكذا كان النبي يفعل صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال السابع والخمسون من الشريط رقم (427) .(8/323)
153- حكم الدعاء بين السجدتين للوالدين
س: هل يجوز أن يدعو الإنسان بين السجدتين لوالديه ولوالدي(8/323)
والديه ولإخوانه وللمسلمين أيضا؟ وهل يجوز ذكر الأذكار الواردة بعد صلاة الفريضة في صلاة النافلة والسنن الراتبة (1) ؟
ج: لا بأس بالدعاء بين السجدتين لوالديه أو غيرهما، ولكن الأفضل أن يكرر ما ورد به النص: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (2) » هكذا جاء في الدعاء بين السجدتين، وإذا دعا لوالديه مع ذلك: اللهم اغفر لي ولوالدي ولأقاربي والمسلمين. أو: اللهم اغفر لي وللمسلمين. فلا حرج؛ لأنه محل دعاء بين السجدتين محل دعاء، ولكن الأفضل الاشتغال بالشيء الوارد، ما أعلم عليه دليلا، الأذكار التي بعد الفرائض تختص بالفرائض مثل: أستغفر الله، ثلاثا، اللهم أنت السلام.. إلخ؛ لأن الأحاديث الصحيحة ليس فيها أن الرسول عليه السلام كان يقول هذا بعد النوافل، إنما ذكر الصحابة هذه الأذكار بعد الفرائض، ولم يذكروها بعد النوافل، والعبادة توقيفية، فالواجب على المسلم أن يقف مع النصوص، وألا يزيد عليها في العبادات، لكن إذا استغفر الله أو دعا أو
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (354) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) ، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898) .(8/324)
ذكر الله من غير تقيد بالأذكار الخاصة بعد الفرائض فلا حرج في ذلك.(8/325)
154- حكم الدعاء في الصلاة جهرا
س: الأخ: م. ع. ب. مقيم في رفحة، يسأل ويقول: ما حكم الأدعية في الصلاة جهرا (1) ؟
ج: السنة السر بها في السجود وبين السجدتين وفي آخر الصلاة، لكن لو جهر قليلا يسمعه من حوله فلا بأس، فقد سمع حذيفة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين، وهو يقول: «رب اغفر لي (2) » وسمع بعض الصحابة دعاءه في آخر الصلاة، وفي السجود، فدل ذلك على جواز رفعه قليلا حتى يسمع، ولكن لا يرفع رفعا يؤذي من حوله، فالسنة الإسرار، لكن لو رفع قليلا، لا يؤذي من حوله فلا بأس بذلك إن شاء الله، إلا فيما شرع الله فيه الرفع كالقنوت؛ قنوت النوازل، وقنوت الوتر، فلا بأس بذلك.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (183)
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار، ومن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، برقم (22866) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم، (874) ، والنسائي في كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه ذلك برقم (1069) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (897)(8/325)
155 - صفة جلسة الاستراحة
س: قرأت في كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يجلس جلسة استراحة بعد نهوضه من السجود وقبل القيام، فكيف تكون هذه الجلسة؟ لأنها - فيما أتصور – لو كانت شبيهة بجلوسه بين السجدتين لسبح المأمومون فيها، نرجو بسط القول فيها، أثابكم الله (1) ؟
ج: هذه الجلسة تسمى عند الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة كان النبي يفعلها صلى الله عليه وسلم بعد الركعة الأولى، وقبل قيامه للثانية، وهكذا بعد الثالثة قبل قيامة للرابعة، فقد روى عنه مالك بن الحويرث في حديث البخاري، وروى عنه أيضا أبو حميد الساعدي، والحديثان صحيحان، وهما يدلان على أنها سنة، وقد جاء في حديث أبي حميد الساعدي: أنه يجلس مثل جلسته فيما بين السجدتين. هذا هو الأفضل فيها، وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر، وليس فيها دعاء، وإذا كان ذلك معلوما عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة لا يسبحون فيها؛ لأنهم يعلمون أنه يفعل ذلك، فلا يقال: إنه لو كان يفعلها
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (39)(8/326)
مثل ما بين السجدتين لسبح بها ما دام أنه يفعل ذلك وهم يعلمون أنه يفعل ذلك، فهم لا ينبهون لعلمهم أن هذا شيء يفعله عليه الصلاة والسلام ويعتاده، والحاصل أنها سنة وليست واجبة، هذا هو الصحيح، وقال بعض أهل العلم: إنها سنة في حق العاجز كالمريض والشيخ الكبير والثقيل الذي به سمنة، ونحو ذلك. والأرجح أنها سنة مطلقة، وإذا تركها بعض الأحيان فلا بأس.(8/327)
س: هل جلسة الاستراحة يا سماحة الشيخ، حين الرفع من السجود الأخير إلى الركعة الثانية جائز، أو غير جائز (1) ؟
ج: على الصحيح مستحب، جلوس قليل بعد الأولى في الثنائية والرباعية والثلاثية، وبعد الأولى والثالثة في الرباعية: الظهر والعصر والعشاء، جلسة خفيفة كجلسته ببين السجدتين، هذا هو الأفضل، وإن لم يجلس فلا حرج، وإذا تركها بعض الأحيان فلا حرج، جلسة خفيفة بعد الأولى، وبعد الثالثة قبل أن يقوم بعد السجدة الثانية في الركعة الثالثة وفي الركعة الأولى.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (416)(8/327)
س: هل هناك جلسة خفيفة في الصلاة بعد نهاية السجود الأخير في الركعة الأولى، وكذلك في الركعة الثالثة (1) ؟
ج: نعم، تسمى جلسة الاستراحة، جلسة خفيفة ليس لها ذكر ولا دعاء مثل الجلوس بين السجدتين، ثم ينهض إلى الثانية وإلى الرابعة، لا بأس، وهي مستحبة من سنن الصلاة على الراجح من أقوال أهل العلم؛ أنها سنة يجلس قليلا مثل الجلوس بين السجدتين، ثم ينهض إلى الثانية، ثم ينهض في الثالثة إلى الرابعة، فالجلسة بين السجدتين معروفة، والجلوس للتشهد الأول معروف، والتشهد الأخير معروف، وهذه جلسة بعد الأولى وبعد الثالثة، بعض أهل العلم يرى أنها منسوخة، وبعض أهل العلم يراها خاصة بالمريض والشيخ الكبير العاجز المحتاج، وبعض أهل العلم يراها سنة مطلقة، وهو الصواب.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (32)(8/328)
س: الطمأنينة برهة بعد السجدة الثانية عند القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة، هل هي ضرورة من سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (1) ؟
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (94)(8/328)
ج: هذه جلسة تسمى جلسة الاستراحة بعد الأولى وبعد الثالثة، بعد الأولى في كل صلاة، وبعد الثالثة في الرباعية، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الأولى من السجدة الثانية في الأولى، ومن السجدة الثانية في الثالثة جلس قليلا كجلوسه بين السجدتين ثم نهض، هذا هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وربما ترك ذلك، فدل على أنها مستحبة وسنة وليست واجبة، وليس فها ذكر ولا دعاء، بل جلسة خفيفة ثم ينهض إلى الثانية وإلى الرابعة.(8/329)
س: يسأل ويقول: أعتقد أنني سمعت في برنامج (نور على الدرب) ، ولكن لا أتذكر جيدا: أن الجلوس بعد الركعة الأولى والثالثة يعتبر زيادة تستوجب سجودا بعديا، ورأيت صديقا لي قام بذلك فنبهته، وقلت: إن ذلك زيادة. لكنه أصر على أن ذلك وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يجلس مطمئنا قبل الوقوف للركعة الثانية، ولكني لم أر دليلا قدمه لي، فأي الأمرين صحيح؟ وجزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (136) .(8/329)
ج: هذه الجلسة يقال لها: جلسة الاستراحة, وهي جلسة خفيفة قليلة بعد الأولى في الصلوات الخمس، وبعد الثالثة في الرباعية، كان النبي يجلسها كجلسته بين السجدتين، ثبت ذلك في حديث مالك بن الحويرث عند البخاري، وثبت ذلك في السنن من حديث أبي حميد الساعدي، فهي مستحبة على الصحيح، وهي جلسة خفيفة بعد ما يرفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى في جميع الصلوات، وفي الركعة الثالثة في الرباعية قبل أن ينهض إلى الرابعة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تختص بمن كان كبير السن، أو مريضا، أو ثقيلا يشق عليه النهوض، ولكن هذا ليس بالجيد، والصواب أنها سنة مطلقا؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب، فإذا جلسها لتحري السنة فليس عليه سجود السهو، ولا تسمى زيادة مخالفة للشرع، بل هي زيادة شرعية.(8/330)
س: ما تقولون في الاستراحة القصيرة عند النهوض من أول السجدة عند أول ركعة، وثالث ركعة في الرباعية (1) ؟
ج: هذه يقال لها: جلسة للاستراحة. واختلف العلماء فيها، فمنهم من قال: إنها تفعل عند الحاجة، كالمرض، أو كبر السن، ومنهم من قال:
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (305)(8/330)
إنها سنة، بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، سنة مطلقة. وهذا هو الأرجح: أنها مستحبة مطلقة، ومن تركها فلا حرج.(8/331)
156- بيان وقت التكبير عند الرفع من السجدة الثانية لإمام يجلس الاستراحة
س: متى يقول: الله أكبر، عند السجدة الأخيرة إن كان إماما؟ هل هو عندما يرفع رأسه من السجود، أو عندما يقوم من الاستراحة القصيرة إذا صحت عندكم؟ حيث إنه إذا كبر عندما يرفع رأسه ويقعد فسيقوم المأمومون على سماع صوته، أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأقرب – والله أعلم – أنه يفعل ذلك عند قيامه من الجلسة، إذا قام من الجلسة كبر حتى يقوم الناس بعده، وحتى لا يسابقوه، يجلس قليلا ثم ينهض مكبرا.
__________
(1) السؤال لواحد والعشرون من الشريط رقم (305)(8/331)
157- وقت رفع اليدين عند القيام إلى الركعة الثالثة
س: هذه رسالة وصلت من الجزائر، السائل لم يذكر الاسم في هذه الرسالة، ويقول: مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع(8/331)
اليدين عند القيام من الركعتين في صلاة ثلاثية أو رباعية، ما الراجح يا سماحة الشيخ، من الأدلة في رفع اليدين قبل القيام، أم عندما يستوي المصلي قائما (1) ؟
ج: السنة عند القيام يرفعها عند قيامه من التشهد الأول إلى الثالثة، عند قيامه يكون رافعا لها حيال منكبيه، أو حيال أذنيه حال الرفع، هذا هو السنة.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (357)(8/332)
158- بيان أصح صيغ التشهد
س: تسأل أختنا وتقول: قرأت صيغا مختلفة للتشهد، أيها أصح لو تكرمتم (1) ؟
ج: أصحها ما ثبت في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الصحابة أن يقولوا في التشهد في نهاية الصلاة: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (172)(8/332)
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (1) » هذا هو أصح ما يقال في ذلك، ثم يشرع له بعد هذا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » ثم يشرع له التعوذ من أربع، يقول: «أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (3) » ثم يدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة، ويسأل الله خير الدنيا والآخرة، وإذا تشهد بأنواع أخرى مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، كله طيب وكله مجزئ، ومنها حديث ابن عباس عند مسلم في الصحيح: «التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله (4) » .. إلخ
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403)(8/333)
159 - بيان لمعاني كلمات التشهد
س: نقرأ في كل جلوس في الصلاة: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. لكنا نجهل كثيرا من معاني هذه الكلمات، نرجو أن تتفضلوا بإيضاحها لنا (1)
ج: هذه الكلمات معناها واضح، فـ (التحيات) هي التعظيمات التي يعظم بها الرب جل وعلا، من أنواع الثناء من وصفه بأنه الخلاق الرزاق، وبوصفه أنه مستحق العبادة، وصفه أنه هو الذي يعلم الغيب، وصفه بكل ما هو من الصفات العظيمة، سبحانه وتعالى، فهي لله خاصة، ما كان من خصائص الله فهو لله، ووصف الله بأنه الإله الحق، وبأنه المعبود بالحق، وبأنه عالم الغيب، وبأنه الخلاق وبأنه الرزاق، وما أشبه ذلك، كل هذا من التحيات، وهكذا الثناء عليه بالحمد لله، وشبهه كل ذلك من التحيات، وسماها (مباركات) لما فيها من الخير العظيم، كما في حديث ابن عباس: «التحيات المباركات (2) » وليست موجودة
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (173) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403)(8/334)
في حديث ابن مسعود، ولكنها في حديث ابن عباس، وهي ثابتة: المباركات. فإن جميع الثناء على الله بما هو أهله كله مبارك كله طيب، ولهذا قال: (والطيبات) كل ما يقربه إلى الله ويثني به عليه من صفاته العظيمة، ومن الأقوال المشروعة والأعمال المشروعة كله طيب، وكل قول مشروع، وكل عمل مشروع تقدمه لله، من صلاة وصوم وصدقات كله طيب؛ لما فيه من التقرب إلى الله، والثناء عليه والحرص على طلب مغفرته، ورحمته وإحسانه سبحانه، فأقوالنا المشروعة وأعمالنا المشروعة التي نتقرب بها إلى الله تسمى طيبة وتسمى طيبات، وهكذا (الصلوات) التي هي الخمس والنوافل والدعوات كلها طيبة داخلة في الصلوات، الصلوات تشمل الصلوات الخمس، وتشمل النوافل، وتشمل أنواع الدعاء، ويجب أن يكون لله وحده سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يتقرب بشيء من الصلوات ولا بالدعاء إلى غير الله سبحانه وتعالى، فأقوالنا وأعمالنا المشروعة طيبات، وتحياتنا لله مباركات؛ لأنها مشروعة، لأنها ثناء على الله، واعتراف بأنه المستحق للعبادة، وبأنه أهل لكل ثناء، وبكل حمد ولكل حمد، ولهذا قيل لها: (المباركات) . وقيل لها: (التحيات) . والصلوات تشمل جميع ما شرع الله من الصلوات، من النافلة والفرض، ويدخل فيها الدعاء، فإنه يسمى صلاة، وطلبنا من الله(8/335)
أن يغفر لنا وأن يرحمنا، وأن ينجينا من النار كله صلاة، كل أنواع الدعاء التي نتوجه بها إلى الله كلها داخلة في الصلوات.
أما: «السلام عليك أيها النبي (1) » معناه: أنك تطلب للنبي السلامة، السلام يعني السلامة لك أيها النبي، السلامة تنزل عليك من الله، وتحصل لك من الله أو بركة السلام؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو معناه بركة السلام عليك أيها النبي، وما يحصل من الخير العظيم من رحمة وإحسان عليك أيها النبي، ومن معنى السلام المصدر السلامة، يعني: سلم سلاما وسلامة جميعا، فالسلامة لك أيها النبي من كل سوء، السلامة لك من النار، ومن كل وصف لا يليق، فهو مسلم - عليه الصلاة والسلام - من كل أخلاق ذميمة، ومن كل شر، والله وعده الخير كله، والمنزلة العظيمة عنده سبحانه وتعالى، فندعو له بالسلامة التي وعده الله بها ليعلم الناس أنه عبد من عباد الله، وليس إلها يعبد مع الله، بل الله ليس بحاجة إلى طلب السلامة من الناس، والنبي عبد من عباد الله يحتاج إلى طلب السلامة، فلهذا شرع الله لنا أن نسلم عليه، وأن نسأل الله له السلامة: «السلام عليك أيها النبي (2) » ، ونقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (3) » ، نطلب الصلاة، ونطلب من الله أن يثني عليه، وأن يبين فضله ويعلي قدره، فهذه دعوات منا لنبينا عليه الصلاة
__________
(1) صحيح البخاري التوحيد (7381) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن الترمذي النكاح (1105) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبي داود الصلاة (968) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، مسند أحمد (1/464) .
(2) صحيح البخاري التوحيد (7381) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن الترمذي النكاح (1105) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبي داود الصلاة (968) ، سنن ابن ماجه النكاح (1892) ، إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، مسند أحمد (1/464) .
(3) صحيح البخاري الدعوات (6357) ، صحيح مسلم الصلاة (406) ، سنن الترمذي الصلاة (483) ، سنن النسائي السهو (1289) ، سنن أبي داود الصلاة (976) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904) ، مسند أحمد (4/244) ، سنن الدارمي الصلاة (1342) .(8/336)
والسلام، تدل على أنه عبد من عباد الله، وأنه بشر، وأنه يحتاج إلى الدعاء، وأنه ليس بإله يعبد مع الله، وليس ممكن يطلب منه حاجات العباد، بل ذلك إلى الله سبحانه، «ورحمة الله وبركاته (1) » كذلك، تطلب له الرحمة والبركة من الله عز وجل، وهكذا «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (2) » ، نطلب السلامة لنا ولعباد الله الصالحين من كل سوء، هذا معنى هذه الكلمات.
__________
(1) صحيح البخاري التوحيد (7381) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن الترمذي النكاح (1105) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبي داود الصلاة (968) ، سنن ابن ماجه النكاح (1892) ، إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، مسند أحمد (1/464) .
(2) صحيح البخاري التوحيد (7381) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن الترمذي النكاح (1105) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبي داود الصلاة (968) ، سنن ابن ماجه النكاح (1892) ، إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، مسند أحمد (1/464) .(8/337)
160- حكم الإتيان بالصلاة على النبي مع التشهد الأول نسيانا
س: السائلة تقول في سؤالها الأخير: إذا صليت صلاة العشاء وجلست للتشهد الأول، ونسيت وقرأت التشهدين، هل علي شيء (1) ؟
ج: ليس عليك شيء، السنة إذا قرأت التشهد الأول أن تقومي إلى الثالثة بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قمت بعد قول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فلا بأس، وإن صليت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمت فلا بأس، أما الدعاء: أعوذ بالله من عذاب
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (368) .(8/337)
جهنم ومن عذاب القبر، وبقية الأدعية فتكون في الأخير، لكن لو أتى بها الإنسان في الأول ناسيا فلا عليه.(8/338)
161- بيان أهمية التعليم
س: يقول السائل: أنا لا أقرأ ولا أكتب، وكثيرا ما أخطأ في التحيات، اقرأها لي لعلي أحفظها، من هذا الجهاز، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم علمها أصحابه، وهي: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (2) » هذا في التشهد الأول والثاني، التشهد الأول بعد الثانية، وفي الثالثة من المغرب، وفي الرابعة في الظهر والعصر والعشاء، ثم تقول بعدها في التشهد الأخير، الثالثة من المغرب، والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وفي صلاة الفجر والجمعة والعيدين والاستسقاء، تقول بعد هذا: «اللهم صل على محمد
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (293) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(8/338)
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1) » وإذا فعلت هذا أيضا في التشهد الأول فهو مشروع مستحب، يعني التشهد الذي بعد الثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إذا صليت على محمد كما ذكر فهو طيب مشروع؛ لعموم الأحاديث في ذلك، فإن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ يعني في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) سألوه قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (3) » ، هذه الصيغة هي أكمل الصيغ التي وردت
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .
(2) سورة الأحزاب الآية 56
(3) صحيح البخاري الدعوات (6357) ، صحيح مسلم الصلاة (406) ، سنن الترمذي الصلاة (483) ، سنن النسائي السهو (1289) ، سنن أبي داود الصلاة (976) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904) ، مسند أحمد (4/244) ، سنن الدارمي الصلاة (1342) .(8/339)
وأتمها، وقد وردت في ألفاظ أخرى أخصر من هذا، وكلها صحيحة، إذا أتى بواحد منها المؤمن، أو المؤمنة كفى، ومنها: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (1) » هذه صيغة ثالثة: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » صيغة رابعة: «اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (3) » إذا أتى المؤمن والمؤمنة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (405) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم (3369) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، برقم (407) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (6358) .(8/340)
بإحدى هذه الصفات الصحيحة كله طيب، وأكملها الأولى: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » في التشهد الأول والثاني، لكن في الثاني يتعين عند جمع من أهل العلم، فينبغي ألا تدعه وأن تحافظ عليه، ثم تقول بعد هذا كله في التشهد الأخير الذي بعده السلام، تقول بعد ذلك: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (2) » في آخر الصلاة قبل السلام، ويستحب الزيادة على هذا: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (3) » ؛ لأن الرسول أوصى بذلك عليه الصلاة والسلام، دعاء آخر قبل السلام: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (4) » والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا بكر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) ، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .(8/341)
بهذا الدعاء، وأوصى معاذا بالدعاء الذي قبله: «اللهم أعني على ذكرك.. (1) » وهي وصية لجميع المسلمين، وصيته لواحد وصية لجميع المسلمين عليه الصلاة والسلام، وكلها سنة ليست واجبة.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) ، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .(8/342)
س: امرأة تسأل عن سبب نزول التشهد في الصلاة، وهل الله تعالى كلم به رسوله عليه الصلاة والسلام (1) ؟
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم علم أمته التشهد في الصلاة، وهو لا ينطق عن الهوى، قال الله عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (2) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (3) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (4) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5) ، السنة كلها من وحي الله الذي أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو يبلغ عنه أحكام الشرع، كما بلغ عنه القرآن الذي هو كلام الله، هكذا بلغ عنه السنة، منها أركان الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغير ذلك، يبلغ عن الله أحكام دينه عليه الصلاة والسلام، فالتشهد من جملة ذلك، علم الأمة التشهد الأول والتشهد الأخير عليه الصلاة والسلام، وعلمهم ما
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (314)
(2) سورة النجم الآية 1
(3) سورة النجم الآية 2
(4) سورة النجم الآية 3
(5) سورة النجم الآية 4(8/342)
يقولون في التشهد الأخير من التعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المسيح الدجال، وعلمهم دعوات كثيرة عليه الصلاة والسلام، ومنها أن يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1) » وعلم الصديق أبا بكر رضي الله عنه حيث قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم (2) » قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (3) » فالرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ الناس ما أمره الله وما شرعه الله في الصلاة وغيرها في التشهد وغيره.
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب منه، برقم (3513) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم (3850) .(8/343)
162 - بيان لبعض صيغ التشهد
س: تقول السائلة: ما قولكم فيمن يقول في التشهد: التحيات المباركات، والصلوات والطيبات لله. هل في هذا بدعة (1) ؟
ج: هذا مشروع وليس فيه بدعة، هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، النبي علمهم التشهد، أن يقولوا هكذا: «التحيات المباركات، والصلوات الطيبات لله (2) » هذا نوع من أنواع التشهد، والتشهد جاء على أنواع عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا نوع منها، والنوع الثاني ما جاء في حديث ابن مسعود: «التحيات لله، والصلوات والطيبات لله – ما فيها ذكر: المباركات – السلام عليك أيها النبي (3) » إلى آخره، فالأمر واسع والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (168) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403)
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403)(8/344)
س: هل يقول المصلي في أثناء التشهد: (السلام عليك أيها النبي) ، أو يقول: (السلام على النبي) (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (223) .(8/344)
ج: كلاهما جائز، والأفضل أن يقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ؛ لأن هذا هو المحفوظ في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أصحابه، هكذا في حديث ابن مسعود، وفي حديث أبي مسعود الأنصاري وغيرهما، يعلمهم: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (1) » وهكذا في حديث أبي موسى وغيرها، هذا هو الأفضل، فإن قال: «السلام على النبي ورحمة الله وبركاته (2) » صح، روي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، لكن الأول هو الذي ينبغي؛ لأنه هو الذي صدر من النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمه أصحابه، وهذا من باب الاستحضار؛ لأن دعاء النبي دعاء له، قد يتوهم بعض الناس أن هذا دعاء للنبي، وليس دعاء للنبي، إنما يدعو له، فهو يدعو له بالسلامة والرحمة والبركة، (السلام عليك أيها النبي) ، يعني السلامة من الله لك، والرحمة من الله لك والبركة، وليس يطلب من الرسول السلامة، بل يدعو له بالسلامة، ويدعو له بالرحمة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم (3925) ، ومالك في الموطأ في كتاب النداء للصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (205) .(8/345)
والبركة، فقوله: (أيها النبي) ليس دعاء له، ليس معناه أنه يسأل النبي شيئا، بل معناه: أخصك أيها النبي بهذه الدعوة.(8/346)
س: سائل يقول: عند الشهادتين نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لكني سمعت أناسا يقولون: يجب أن تقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فأيهما الصحيح؟ أم الاثنتان صحيحتان؟ جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: الصواب أنه يقول: السلام عليك أيها النبي في التشهدين، هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، علم الصحابة هكذا، وروي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يستعملون النوع الثاني: «السلام على النبي (2) » بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا جائز واجتهادات بعض الصحابة، وليس بلازم، لكن لو فعله الإنسان صح، لكنه كونه يأتي بالألفاظ التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وهو يعلم أنه سيموت، ولم يقل لهم: إذا مت
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (282) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم (3925) ، ومالك في الموطأ في كتاب النداء للصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (205) .(8/346)
غيروا. ويعلم أنهم يغيبون عن المدينة، ويقرؤون في الصلاة في بلاد بعيدة، ولم يقل لهم: إذا كنتم بعيدين غائبين، أو بعد موتى غيروا.
فدل ذلك على أن هذا اللفظ باق: «السلام عليك أيها النبي (1) » في حياته وفي حضرته، وفي غيبته وبعد الموت، هذا هو الصواب، وهذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة عن ابن مسعود، وعن غيره رضي الله عنه وعن الجميع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(8/347)
س: يقول السائل: ع. إ. ع. من جنوب أفريقيا في سؤاله في التشهد: هل يقال: السلام على النبي، أم: السلام عليك أيها النبي؟ وجهونا في ذلك (1) ؟
ج: الأفضل أن يقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. هذا هو الذي علمه النبي أصحابه، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعملون ذلك، ولم يقل لهم: إذا مت فقولوا: السلام على النبي. فدل ذلك على أنهم يقولون: السلام عليك أيها النبي. حيا وميتا، ومعنى: (عليك أيها النبي) من باب الاستحضار في الذهن والقلب،
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (374) .(8/347)
(والسلام عليك أيها النبي) ، ليس دعاء للمصلي، ولكنه دعاء للنبي، يدعو له بالسلام والرحمة والبركة، لا يطلب منه شيئا وإنما يدعو له بالسلامة والرحمة والبركة، ويقول: سلام الله عليك أيها النبي. يعني: أعطاك الله السلام، وأعطاك الله الرحمة، وأعطاك الله البركة، هذا هو الأفضل.
وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يقول بعد النبي: «السلام على النبي (1) » والأفضل ما صحت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه كان يعلم أصحابه بأن يقولوا: «السلام عليك أيها النبي (2) » هذا هو الأفضل.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم (3925) ، ومالك في الموطأ في كتاب النداء للصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (205) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(8/348)
163- حكم من دعا بعد التشهد الأول سهوا
س: ماذا يجب على من دعا بعد التشهد الأول من الركعة الرباعية سهوا (1) ؟
ج: إذا دعا ليس عليه شيء، إنما السنة أن يكون الدعاء في التشهد الأخير، فإذا دعا في التشهد الأول فليس عليه شيء.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (188) .(8/348)
164 - حكم من يقرأ التشهد كاملا في التشهد الأول
س: كنت في الماضي أقرأ التشهد كله في التشهد الأول، فهل ما كنت أفعله صحيح (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك من جهة الإثم، ولكن السنة أن تقف عند نهاية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء يبقى في التشهد الأخير. مخالف للسنة، بعد الفراغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقوم إلى الثالثة، هذا هو المشروع، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من هذا قام، وكان يدعو في التشهد الأخير بالتعوذ بالله من عذاب جهنم إلى آخره، فأنت عليك أن تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، تذكر الدعاء في التشهد الأخير، أما التشهد الأول فينتهي عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا فرغت من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقوم إلى الثالثة، ولكن ما مضى لا حرج عليك؛ لأنك زدت دعواتك في غير محلها، فلا تضر الصلاة، ولكنك خالفت المشروع.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (298) .(8/349)
165 - حكم البدء بقول: الحمد لله في التشهد
س: هناك بعض الناس إذا بدأ قراءة التشهد يبدؤه بقوله: الحمد لله، هل ورد في هذا شيء (1) ؟
ج: لا، ليس بمشروع، بل يبدؤها بقول: التحيات. هذا المشروع المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمهم أن يقولوا: (التحيات لله) هذا أول التشهد.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (174) .(8/350)
166- حكم صلاة من لا يحفظ التشهد
س: عندنا في بلدنا الكثير من الناس لا يحفظون التحيات؛ التشهد الأول، فهل تصح صلاتهم من غير التشهد علما بأنهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، أم يلزمنا أن نعلم من استطعنا منهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: يلزمهم التعلم لجميع ما يجب في صلاتهم، يتعلمون الفاتحة، يتعلمون التشهد، يتعلمون جميع ما يلزم في الصلاة، والواجب عليكم
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (322) .(8/350)
أن تعلموهم وترشدوهم وتوجهوهم إلى الخير، حتى يفهموا ما أوجب الله عليهم في الصلاة، وهكذا في الزكاة، وهكذا في الحج إذا حجوا.
المقصود أن الواجب على المؤمن أن يتفقه في صلاته، وأن يتعلم ما يجب عليه، وألا يتساهل في ذلك؛ لأن الله سبحانه خلقه للعبادة كما قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وأمر بذلك، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) وهذه العبادة يجب أن تعرفها أيها المؤمن، ويجب أن تعرفها المؤمنة، وهي طاعة لله ورسوله والاستقامة على دينه، هذه العبادة التي خلقنا لها أن نعبد الله وحده؛ بطاعة أوامره، وترك نواهيه، وأعظم ذلك توحيده، والإخلاص له، والشهادة بأنه لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمدا عبد الله ورسوله، ثم الصلاة وبقية أمور الدين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3) » فمن علامات
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، برقم (7312) ، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم (1037)(8/351)
الخير أن الله يفقه العبد في دينه، ومن علامات سوء العاقبة ألا يتعلم وألا يتفقه، نسأل الله العافية.(8/352)
167- حكم التورك في الصلاة الثنائية
س: هل السنة في الصلاة الثنائية الافتراش أو التورك؟ (1)
ج: السنة فيها الافتراش كالتشهد الأول، هذا هو الأفضل، والتورك يكون في التشهد الأخير من الرباعية والثلاثية في المغرب والعشاء والظهر والعصر، كما جاء ذلك صريحا في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، فالسنة للمؤمن في صلاته أن يفترش بين السجدتين في التشهد الأول، ويتورك في التشهد الأخير.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (157) .(8/352)
س: يقول س. أ. في سؤاله: هل يجوز أن أتورك في الصلاة الثنائية، كصلاة الفجر والنوافل، أم أنها سنة في الصلاة الثلاثية والرباعية؟ (1)
ج: التورك سنة في الرباعية والثلاثية، أما الثنائية؛ كالجمعة والفجر والنوافل السنة فيها الافتراش، هذا هو الأفضل.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم (387) .(8/352)
168- بيان السنة في الافتراش والتورك
س: يقول السائل: من نسي التشهد الأوسط فهل يجلس في التشهد الأخير متوركا أم مفترشا؟ وكيف تصلى الأربع ركعات قبل الظهر؟ هل بسلام واحد أم بسلامين؟ (1)
ج: السنة في التشهد الأول الافتراش، فإذا نسي التشهد الأول وقام سجد للسهو سجدتين، أما التورك فلا يكون إلا في التشهد الأخير، السنة أن يتورك في التشهد الأخير، وإن كان قد نسي التشهد الأول السنة التورك في التشهد الأخير، والتورك أن يجلس على مقعدته يخرج رجله اليسرى من جهة يمينه تحت رجله اليمنى، هذا هو التورك، والافتراش أن يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى، وهذا مشروع في التشهد الأول وبين السجدتين لمن قدر عليه، أما في التشهد الأخير في المغرب والعشاء والظهر والعصر فيتورك، يجلس على مقعدته تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الواحد والخمسون من الشريط رقم (424) .(8/353)
169- حكم تحريك إصبع السبابة والإشارة بها في الصلاة
س: السائل: س. أ. يقول: كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رفع إصبع السبابة وتحريكها في الصلاة؟ وجزاكم الله خيرا (1)
ج: كان عليه الصلاة والسلام يشير بها من حين يجلس للتشهد، يشير بالسبابة غير قائمة محنية قليلا، كما روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، فهو يشير بها منذ أن يجلس إلى أن يسلم، وهي غير منتصبة كثيرا، بل محنية قليلا، ويحركها عند الدعاء عليه الصلاة والسلام، ويجعل نظره إليها وقت الجلوس، لا يتجاوز بصره سبابته عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (387) .(8/354)
س: الأخت: إ. س. س. من الدمام، تسأل وتقول: ما حكم التلويح بالإصبع في الصلاة، أي في قراءة التحيات؟ (1)
ج: الإشارة بالإصبع في التحيات عند ذكر الله في جميع التحيات، يكون الشاهد مفتوحا منصوبا نصبا غير كامل، نصبا فيه انحناء إشارة إلى
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (116) .(8/354)
التوحيد، فإذا جاء عند ذكر الدعاء مثل: اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد. من بقية الدعاء يحركه قليلا، كما جاء في بعض الروايات، هذا كله من السنة، الإشارة من السنة، والتحريك عند الدعاء من السنة، لكن يكون تحريكا قليلا ليس فيه كثرة جمعا بين الروايات.(8/355)
س: ما حكم تحريك الإصبع في الصلاة، مع التفصيل في جميع الحالات الموجبة، أو المستحبة للتحريك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة إذا جلس للتشهد الأول والتشهد الأخير يقبض أصابعه، ويرفع السبابة فقط، يقبض أصابعه كلها ويحلق الإبهام مع الوسطى، فعل النبي هذا وهذا عليه الصلاة والسلام تارة وتارة، تارة يقبضها كلها ويشير بالسبابة إشارة للوحدانية، وتارة يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة، أما التحريك فيكون عند الدعاء في التشهد الأخير، عند الدعاء خاصة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك إصبعه عند الدعاء.
__________
(1) السؤال الثاني والخمسون من الشريط رقم (338) .(8/355)
س: هل رفع السبابة في التشهد سنة أم بدعة؟ وما الدليل على ذلك مأجورين؟ (1)
ج: السنة الإشارة في التشهد كما كان النبي يفعل صلى الله عليه وسلم، كان يشير بالسبابة في الأحاديث الصحيحة في التشهد الأول والأخير، يشير بها للوحدانية عليه الصلاة والسلام، ويقبض الأصابع كلها ويشير بالسبابة في التشهد الأول والأخير، ولا تزال منصوبة إلى سلامه من التشهد الأخير عليه الصلاة والسلام، وربما حلق الإبهام والوسطى وقبض الخنصر والبنصر، وأشار بالسبابة، تارة يقبض أصابعه كلها ويشير بالسبابة، وتارة يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة، هذا هو السنة إشارة للوحدانية، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على اليسرى حال جلوسه للتشهد، وربما وضع يديه على الركبتين، وكان بين السجدتين يضعهما على الركبتين، وربما وضعهما على الفخذين بين السجدتين، وفي التشهد يضع اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى، واليمنى على فخذه اليمنى، ويحلق إبهامه مع الوسطى ويشير بالسبابة، وربما قبض
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (416) .(8/356)
أصابعه كلها وأشار بالسبابة حال تشهده عليه الصلاة والسلام.(8/357)
س: في التشهد هل تستحب الإشارة بالسبابة من بدء التشهد إلى نهايته، أم يكون عند ذكر اسم الله فقط؟ وهل صحيح أن الإشارة بالسبابة تكون على الشيطان أشد من وقع الضرب على المطرقة؟ وهل يكون عند الإشارة بالنطق بالشهادتين، أم في سائر الإشارات؟ (1)
ج: الإشارة تكون في التشهدين موجودة من أول ما يجلس للتشهد، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس للتشهد الأول والأخير رفع إصبعه السبابة رفعا غير كامل إشارة للتوحيد، هذا هو السنة من أول التشهد إلى آخره، عند ذكر الله وغيره تكون الإصبع واقفة، وإذا حركها عند الدعاء قليلا فحسن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربما حركها عند الدعاء عليه الصلاة والسلام، وأما كونها أشد على الشيطان من كذا وكذا فهذا ليس في الحديث، وإنما هو من كلام بعض السلف ولا يعتمد عليه، ولكنها بكل حال تغيظ الشيطان؛ لأن ذكر الله يغيظه، وهو يحب كل بلاء ويحب كل شر على المسلمين، إذا ذكر المؤمن ربه
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (86) .(8/357)
ووحده سبحانه فهذا يغيظ الشيطان ويؤلمه، وهكذا إذا استعاذ بالله منه، ومن نزغاته كل هذا يؤلمه، ولكن ذلك من أسباب السلامة من شره، ذكر الله كثيرا والاستعاذة بالله من الشيطان كل هذا من أسباب السلامة من نزغاته وبلاياه، أعاذنا الله والمسلمين منه.(8/358)
س: عند الجلوس للتشهد أريد توضيح تحريك السبابة، هل هو عند بداية التشهد أم بعد نهاية التشهد عند الدعاء فقط؟ (1)
ج: السنة أن يشير بالسبابة، يقيم السبابة من أول الجلوس للتحيات التشهد الأول والأخير، أما التحريك فالسنة أن يكون عند الدعاء، عند: اللهم صل، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم. عند الدعاء يحركها قليلا عند الدعاء، أما كونها قائمة هذا من حين يجلس قائمة إشارة للتوحيد، يعقد إبهامه مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر، أو يقبض أصابعه كلها ويشير بالسبابة، هذا سنة، لكن التحريك يكون عند الدعاء. س: سائل يقول: عند الشهادتين وعند رفع الإصبع، عندما نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكل شخص من المصلين يرفع إصبعه على طريقة
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (412) .(8/358)
معينة، فمن يرفعه مرة واحدة، ومن يرفعها مرتين؛ لأنه يقول: إنهما شهادتان، ومن يبقى يحرك إصبعه إلى نهاية الصلاة الإبراهيمية، أرجو أن تتفضلوا بإجابتي على الصحيح، أم أن الجميع صحيح؟ جزاكم الله خيرا (1)
السنة رفع الإصبع في التشهد الأول والآخر من أول التحيات إلى النهاية، وإصبعه مرفوعة، يعني السبابة التي تلي الإبهام مرفوعة رفعا غير كامل، إشارة للتوحيد هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يشير بالسبابة في تشهده الأول والأخير، أما التحريك فالأفضل أن يحركها عند الدعاء أن يقول: اللهم صل على محمد. وعند قوله: أعوذ بالله من عذاب جهنم. وعند قوله: اللهم اغفر لي. أو: اللهم آتنا في الدنيا حسنة. أو: اللهم أعني على ذكرك. يحرك عند الدعاء تحريكا خفيفا، هذا هو الأفضل، وأما كون الإصبع قائمة فهي قائمة من أول التشهد إلى آخره إشارة للتوحيد.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (282) .(8/359)
س: السائلة من حائل تقول: ما هي مواضع رفع السبابة في التشهد الأول والأخير، والدعاء قبل السلام، وفي أثناء التشهد؟ هل ينظر(8/359)
المسلم إلى موضع سجوده، أم إلى السبابة؟ (1)
ج: إذا جلس للتشهد الأول والأخير ينظر إلى السبابة، إلى سبابته ويشير بها في التحيات، ويحركها في الدعاء، عند الدعاء بعد التشهد الأخير، يحركها قليلا، ويشير بها إلى توحيد الله، وأن الله واحد لا شريك له، ويدعو في التشهد الأخير.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (435) .(8/360)
س: أرى بعض المصلين، وهو في التشهد الأخير يرفع السبابتين اليمنى واليسرى عندما يصل في التشهد إلى قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فهل هذا الفعل صحيح؟ (1)
ج: السنة رفع السبابة اليمنى فقط في التشهد الأول والأخير، يشير بالسبابة اليمنى ويقبض أصابعه كلها، ويشير بالسبابة عند ذكر الله، عند الدعاء أو يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة، سنتان: إن شاء قبض أصابعه كلها، وأشار بالسبابة، وإن شاء قبض الخنصر والبنصر، وحلق الإبهام والوسطى، وأشار بالسبابة، كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما اليسرى فلا يشير بشيء
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (43) .(8/360)
بل يبسطها على فخذه، وأطرافها على ركبته، ولا يشير بشيء، لا بالسبابة ولا بغيرها، هذه السنة.(8/361)
س: الذي نعرفه في هذه الحلقة في التشهد الأخير للصلاة: أن تظل إصبع السبابة تتحرك حتى نسلم، هل هذا ورد في سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: الوارد في السبابة أنها واقفة فقط، يشير بها إشارة، واقفة وقوفا فيه انحناء، هذا هو السنة كما جاءت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من حديث ابن عمر، ومن حديث وائل بن حجر، ومن أحاديث أخرى، أما الحركة فقد ورد في بعض الروايات عند الدعاء، وبعض أهل العلم قال: إن المراد بالحركة الإشارة، وأنها لا تخالف كما قال البيهقي رحمه الله، قال: لعل الحركة هي الإشارة فلا تخالف بين الروايتين، والإشارة هي بنصب الإصبع السبابة؛ نصبا غير كامل، إشارة للتوحيد، إشارة إلى أن الله سبحانه هو الواحد في ذاته وفي أسمائه وصفاته، وفي استحقاقه للعبادة جل وعلا، وورد في بعض الروايات أنه ربما حركها عند الدعاء، إذا حركها عند الدعاء فلا بأس.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (94) .(8/361)
170- بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها
س: كيف تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله؟ وكيف صلاة العبد على النبي وفقكم الله؟ (1)
ج: الصلاة من عند الله ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلاة الله والملائكة ثناء الله عليه والملائكة، ورحمته بتوفيقه في الدنيا وإدخاله الجنة في الآخرة هذا من صلاته عليه، ولكن معظمها الثناء، صلاة الله ثناء على العبد في الملأ الأعلى، وأما صلاة العباد عليه فالدعاء له والترحم عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن يصلوا كما أمر وبين لهم: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » والصلاة الإبراهيمية المعروفة، وهي كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق كعب بن عجرة، ومن طريق أبي مسعود الأنصاري، وفي طرق أخرى، يصلي كما جاءت عن
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (23) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .(8/362)
النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة بأنواع كثيرة، هذه هي السنة.(8/363)
س: سوداني مقيم في المملكة العربية السعودية، مدينة حائل يقول: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1) اللهم صل عليه، يقول السائل: كيف الصلاة على النبي؟ (2)
ج: مثل ما علم النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام، قالوا: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (3) »
وللصيغة هذه ألفاظ كثيرة في لفظها: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2) السؤال العاشر من الشريط رقم (357) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .(8/363)
وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » وفي بعضها: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » نوع رابع: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (3) » والسلام كما علمتم) ، السلام هو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. هذا هو السنة قبل الدعاء صل على النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من هذه الصلوات الواردة بأي صفة وردت، ثم يدعو إذا أحب الدعاء، ويقدم على هذا حمد الله، يقول: اللهم لك الحمد، لك الحمد على كل حال، لك الحمد على جميع نعمك. ثم يصلي على النبي بإحدى هذه الصفات ثم يدعو.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم (3369) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، برقم (407) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم (3369) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، برقم (407) .(8/364)
171- حكم الصلاة على النبي في التشهد الأخير
س: الأخ: م. ص. م. من الرياض، يسأل ويقول: هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي بعد التشهدين واجبة؟ وهل تبطل الصلاة بدونها؟ (1)
ج: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير واجبة عند بعض أهل العلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل قيل: يا رسول الله، أمر الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.... (2) » الحديث، وهذا أمر، قالوا: والأمر يقتضي الوجوب، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها سنة وليست واجبة؛ لأنه إنما أمر بها لما سئل، ولم يأمر بها ابتداء، فلما سألوه قال: «قولوا: اللهم صل على محمد (3) » فعلمهم الكيفية، فدل ذلك على أنها سنة وليست فريضة، فينبغي للمؤمن أن يأتي بها، وأن يخرج من الخلاف؛ لأن بعض أهل العلم رآها ركنا في الصلاة، وبعضهم رآها
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (188) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3370) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/365)
واجبة في الصلاة. والقول الثالث: على أنها سنة في الصلاة. فينبغي للمؤمن أن يعتني بها، وأن يأتي بها في التشهد الأخير ثم يدعو؛ ولأن الإتيان بها مع التشهد من أسباب الإجابة؛ لأن العبد إذا أثنى على الله ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا كان هذا من أسباب الإجابة، كما في حديث فضالة بن عبيد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في الصلاة ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (عجل هذا) ثم قال: (إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء (1) » فالمؤمن إذا أتى بالتحيات، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ثم دعا بالتعوذ بالله من أربع، ودعا بالدعوات التي يريدها كان هذا من أسباب الإجابة، فإنه يستحب للمؤمن في التشهد الأخير أن يكثر من الدعاء، وأن يستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ويدعو بجوامع الدعاء في آخر صلاته، فإذا كان ذلك بعد التشهد وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا من أسباب الإجابة.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله برقم (3477) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1481) .(8/366)
وأما التشهد الأول فلا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو واحدة، ولكن تستحب على الصحيح، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، ثم يقوم، فإن لم يفعل فلا حرج عليه، إنما الخلاف في التشهد الأخير: هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل هي ركن أم واجب أم سنة؟ هذا محل الخلاف بين أهل العلم، وتقدم أنه ينبغي الإتيان بها في التشهد الأخير، خروجا من خلاف العلماء، وعملا بالأحاديث التي فيها توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة أن يصلوا عليه، عليه الصلاة والسلام، أما من تركها سهوا فإنه يسجد للسهو سجدتين.(8/367)
س: هل تقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟ وهل للإنسان أن يتورك في صلاة الفجر؟ (1)
ح: إن قرأت الصلاة على النبي في التشهد الأول فهو الأفضل، إذا أتى بالصلاة على النبي في التشهد الأول فهذا أفضل على الصحيح، وإن تركه فلا بأس، إذا قام بعد الشهادتين إلى الثالثة فلا حرج، وإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الثالثة فهذا أفضل في
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (329) .(8/367)
أصح قولي العلماء والأفضل الافتراش في التشهد الأول، وبين السجدتين، يجلس على اليسرى وينصب اليمنى هذا هو الأفضل، وإن تورك فلا حرج، أو كان يشق عليه الافتراش فلا حرج، المقصود أن التورك في التشهد الأخير في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، هذا هو الأفضل، أما التشهد الأول فالسنة فيه الافتراش، يفترش اليسرى وينصب اليمنى، وهكذا بين السجدتين، وهكذا في صلاة الفجر والجمعة الافتراش، لكن من شق عليه ذلك فلا حرج، وإن تورك إذا سجد فلا بأس، كلها أمور مستحبة ليست فريضة، الافتراش والتورك كله سنة، فلو أنه افترش في محل التورك، أو تورك في محل الافتراش فلا حرج.(8/368)
172- حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع التشهد الأول
س: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قراءة التشهد الثاني في الركعة الثانية من الصلاة الرباعية، أم يكتفي بالتشهد الأول؟ (1)
ج: اختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول، مع إجماعهم على شرعيته في التشهد الثاني، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. والتشهد الثاني
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (70) .(8/368)
في الأخير: الظهر والعصر والمغرب والعشاء فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله، أمر الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ وفي رواية أخرى: في صلاتنا. قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » هذه رواية أكمل الروايات، فيها الصلاة على محمد وآله وعلى إبراهيم وآله، وهكذا التبريك، وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه يؤتى به في التشهد الأخير، واختلف العلماء: هل هو واجب أو ركن أم مستحب فقط؟ على أقوال، وبكل حال فهو مشروع للمصلي من الرجال والنساء أن يأتي بهذه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ثم يدعو بما تيسر من الدعوات مثل: اللهم أعذني من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/369)
من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
هذا من الدعاء المشروع في آخر الصلاة، وهكذا: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (1) » هذا ثبت أيضا من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة، هكذا: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر (2) » أيضا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به في آخر الصلاة، من حديث سعد بن أبي وقاص، رواه البخاري في الصحيح، هذا كله في التشهد الأخير، في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب، وفي الثانية من الفجر والجمعة، أما التشهد الأول في الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فهذا الصحيح فيه أنه يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم فقط.
أما الدعاء فيكون في التشهد الأخير مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يأتي
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (6365) .(8/370)
بها في التشهد الأول، وقال الأكثرون: إنها لا يؤتى بها إلا في الأخير، لكن ظاهر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عامة ظاهرها العموم، وهو أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول والأخير جميعا؛ لأن الصحابة قالوا: يا رسول الله، أمر الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد (1) » ولم يقل: في الآخر. ولا: في الأول. أطلق، فدل ذلك على أنه يشرع في الأول والأخير، هذا هو المختار، وهذا هو الأرجح أن تكون هذه الصلاة الإبراهيمية في الأول والأخير؛ في الأول مستحب بلا شك وهو الأرجح، أما في الأخير فقيل بوجوبها، وقيل بأنها ركن، وفي كل حال الإتيان بها أمر مشروع لا ينبغي تركه في التشهد الأخير، بل ينبغي أن يحافظ عليه المؤمن، وهكذا المؤمنة في الصلاة في التشهد الأخير، هكذا في الجمعة، وفي الفجر والعيدين وأشباه ذلك من الصلوات، وهكذا في النافلة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/371)
س: هل يجوز للمصلي أن يقرأ غير التشهد الأول في التشهد الأول؟ (1)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (210) .(8/371)
ج: يستحب له في أصح قولي العلماء أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأحاديث عامة، سأله الصحابة قالوا: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد - قال -: والسلام كما علمتم (1) » السلام بين في الأحاديث الأخرى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ولم يستثن التشهد الأول، بل عمم عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أن يصلوا عليه، ولم يقل في التشهد الأخير، فدل ذلك على أنه يشرع في التشهدين، لكن ذهب أكثر أهل العلم إلى أن هذه الصلاة إنما تقال في التشهد الأخير، والأرجح أنها تشرع في الأول أيضا؛ لعموم الأحاديث، فإن تركها في الأول فلا حرج.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/372)
س: هل تقال التحيات في التشهد الأول الصلاة على النبي والثاني في الركعتين الأوليين، أم يكفي التشهد الأول؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (307) .(8/372)
ج: السنة أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع التشهد الأول، هذا هو الأرجح، ثم تقوم المرأة ويقوم الرجل إلى الثالثة بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اقتصر على الشهادة ثم قام إلى الثالثة كفى والحمد لله، يعني كونه يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول بأن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ثم يقوم إلى الثالثة، وهكذا المرأة، هذا أفضل على الصحيح؛ لأن الأحاديث عامة.(8/373)
س: يقول السائل: قرأت في كتاب: أن التشهد الأول إضافة إليه تقرأ معه الصلاة الإبراهيمية، معنى ذلك أن التشهد الأول والأخير لا يختلفان إلا في التعوذ من الأربع، التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعاء كذلك، قرأت لأحد العلماء الثقات بإذن الله أن عدم قول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. فقط في التشهد الأول – ومن باب أولى في التشهد الثاني – تبطل الصلاة؛ لأن ذلك واجب، فما قولكم؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (278) .(8/373)
ج: أما التشهد الأول فالأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لعموم الأحاديث، كما سئل صلى الله عليه وسلم، قيل: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ في لفظ قال: في صلاتنا. قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد – ثم قال -: والسلام كما علمتم (1) » يعني في قوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (2) » فهذا يدل على أنه مشروع في التشهدين الأول والثاني، هذا هو الصواب، والأكثرون على أنه في الأخير فقط، الأكثرون من أهل العلم على أنه في التشهد الأخير، ولكن الصواب أنه يستحب في التشهد الأول؛ لعموم الأحاديث، وعدم التفصيل، أما في التشهد الأخير فهو مشروع بلا شك.
وإنما اختلف العلماء في وجوبه فقال البعض: إن الصلاة على النبي واجبة في التشهد الأخير. وقال بعضهم: ركن. فينبغي أن يحافظ عليها المؤمن، وألا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(8/374)
يتركها في التشهد الأخير، أما الدعاء فهذا مختص بالتشهد الأخير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو في التشهد الأخير عليه الصلاة والسلام، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التشهد الأخير استعاذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، إلى آخره، فهذا يكون في الأخير: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (1) » هذا يكون في التشهد الأخير، الذي قبل السلام، وهكذا بقية الدعاء أن يدعو الله: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (2) » هذا كذلك في التشهد الأخير، وهكذا غيره من الدعاء: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (3) » أو يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين. أو: اللهم أصلح قلبي وعملي. أو: اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين. الدعوات كلها تكون في التشهد الأخير قبل السلام، وإنما الخلاف في الصلاة على النبي صلى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) ، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .(8/375)
الله عليه وسلم: هل يأتي بها في الأول، أو ما يأتي بها؟ فالأكثر على أنها تختص بالأخير، والصواب أنها تقال في الأول والأخير؛ لأن الأحاديث عامة عن النبي صلى الله عليه وسلم.(8/376)
173- حكم قول: اللهم صل وبارك على محمد في التشهد
س: يقول السائل: أبو عبد الرحمن: ما رأيكم فيمن يقول في التشهد: اللهم صل وبارك على محمد؟ أي: يجمعهما في الصلاة (1)
ج: السنة أن يفرد كل واحدة: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » هذه السنة التي جاءت عن النبي، الصلاة وحدها، والبركة وحدها.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (433) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/376)
174- حكم الصلاة التي لم تذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
س: هل الصلاة المفروضة أو الدعاء إذا لم يذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكون صحيحة أم لا؟ فإن أحد(8/376)
الأشخاص قال لنا: إن الصلاة والدعاء لا تقبل إذا لم يذكر فيهما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. أفيدونا عن ذلك، أفادكم الله (1)
ج: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في صلاتنا، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وفي جميع النوافل، يشرع للمصلي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التحيات في آخر الصلاة بعدما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (2) » هذا نوع من الصلاة الإبراهيمية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك أنواع أخرى، منها قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (52) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/377)
مجيد (1) » ونوع ثالث: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » وهناك أنواع أخرى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أتى المسلم المصلي أو المرأة بنوع منها مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صح وكفى، ثم بعد هذا يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويدعو بما أحب من الدعوات الطيبة قبل أن يسلم، وهذه الصلاة تشرع أيضا في التشهد الأول على الصحيح، وقال جمع من أهل العلم: إنها لا تقال إلا في التشهد الأخير.
لكن الصحيح أنه يؤتى بها أيضا في التشهد الأول بعد الثانية: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إذا جلس في الثانية وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يصلي على النبي، ثم ينهض إلى الثالثة، أما رواية الدعاء يكون في التشهد الأخير، فهذا القول أصح، وعلى هذا نصلي على النبي في صلاتنا مرتين في
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم (831) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم (3369) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، برقم (407) .(8/378)
الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ومرتين في التشهد الأول والتشهد الأخير، هذا هو الأفضل، واختلف العلماء: هل هي فريضة وركن في التشهد الأخير، أم لا؟ على أقوال، منهم من قال: إنها ركن لا بد منها، ولا تصح الصلاة إلا بها. وهذا هو المعروف في مذهب أحمد بن حنبل وجماعة، وقال آخرون: بل هي واجبة لا ركن، إن تعمد تركها بطلت الصلاة، وإن نسيها لم تبطل الصلاة، ولكن يسجد للسهو. وهذا القول الوسط. وقال آخرون: إنها سنة، لا تبطل الصلاة بتركها، لا عمدا ولا سهوا، بل هي سنة مؤكدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرضها على الناس، ولكن لما سألوه قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد..... (1) » إلى آخره، ولو كانت فرضا لفرضها عليهم قبل أن يسألوه وبينها لهم مع التشهد، وبكل حال فالذي ينبغي هو المجيء بها؛ لأن الرسول أمر بها عليه الصلاة والسلام، وقال لهم: «قولوا: اللهم صل على محمد (2) » إلى آخره، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها في التشهد الأخير، أما التشهد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/379)
الأول فالأمر فيه واسع، إن أتى بها فهو أفضل، وإن لم يأت بها فلا حرج عليه، ولكن ليست شرطا للقبول، إذا قلنا بها في التشهد الأول إنما هي مستحبة، أما في التشهد الأخير فقد سمعت الخلاف، بعض أهل العلم قالوا: إنها لا بد منها، وإن تعمد تركها بطلت الصلاة، كما لو تعمد ترك التشهد، أو تعمد ترك الركوع أو السجود، تبطل الصلاة. وقال الآخرون من أهل العلم: إنها لا تبطل الصلاة بذلك، ولكن يستحب له أنه يصلي على النبي في آخر الصلاة، فإن تركها لم تبطل صلاته. فأقوال أهل العلم معروفة، فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها، بل ينبغي له أن يحافظ عليها، ويجتهد في فعلها بعد التحيات بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قبل أن يسلم، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تصح صلاته عند الجميع، وحتى لا يعرضها للبطلان.
وأما الدعاء فهي المستحبة في الدعاء، لكن ليست شرطا في القبول، لو دعا ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم يرجى قبول دعائه، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعد الدعاء، هذا هو الأفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا دعا، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجل هذا) . ثم قال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه،(8/380)
والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء (1) » فأرشدنا إلى أن نحمد الله أولا، ثم نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ندعو، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأقرب إلى الإجابة، لكنه ليس شرطا، وإذا ختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان أيضا أفضل وأكمل، ومن أسباب الإجابة، لكن لو ترك لا يقال: لا يجاب الدعاء. بل الدعاء قد يجاب، وقد يحصل به المقصود، ولو لم يحمد الله في أوله، ولو لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في أوله ولا في آخره، لكن فعل ذلك كونه يحمد الله أولا ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويلح في الدعاء، ثم يختم بالصلاة، هذا كله من باب السنن، من باب الفضائل، وهو من أسباب الإجابة، ولكن ليس شرطا في القبول، فلو دعا ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن آثما، ولا يرد دعاؤه، بل يرجى قبوله إذا أخلص في ذلك، وسلم من الموانع التي تمنع من الإجابة، والموانع كثيرة؛ فالمعاصي من أسباب الموانع، من أسباب عدم الإجابة، وأكل الحرام من أسباب عدم الإجابة، والغفلة عن الله كونه يدعو بقلب ساه غافل من
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله برقم (3477) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1481) .(8/381)
أسباب عدم الإجابة، فعدم الإجابة له أسباب، فينبغي للمؤمن أن يحرص على أسباب الإجابة، بأن يكون طعامه حلالا، وأن يكون بعيدا عن المعاصي، وعما حرم الله، وأن يدعو الله بقلب حاضر، مشفق راغب راج، يرجو ربه ويخافه، قد حضر بين يديه سبحانه وتعالى، وأن يتحرى أوقات الإجابة كآخر الليل، وآخر الصلاة قبل السلام والسجود؛ لأن الدعاء في السجود حري بالإجابة أيضا، وهكذا بين الأذان والإقامة من أسباب الإجابة، نسأل الله للجميع التوفيق.(8/382)
175- حكم قول: اللهم صل على سيدنا محمد داخل الصلاة
س: الأخ: إ. م. ع. من المملكة المغربية، يسأل ويقول: هل يجوز لنا أن نسيد محمدا صلى الله عليه وسلم داخل الصلاة؟ وما حكم من يسيده داخل الصلاة؟ وما حكم من لم يسيده داخل الصلاة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: المشروع في الصلاة عدم التسييد؛ لأنه لم يرد في النصوص، وإنما علمهم عليه الصلاة والسلام أن يقولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (179) .(8/382)
مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » فالمشروع هكذا، كما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو أن الإنسان قال: اللهم صل على سيدنا محمد. لا بأس ولا حرج عليه؛ لأن محمدا سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، فمن قال لا حرج عليه، ومن ترك لا حرج عليه، والأفضل الترك في التشهد والأذان، يقول: أشهد أن محمدا رسول الله كما علم النبي أصحابه ذلك، كان بلال يؤذن بهذا، وهكذا أبو محذورة، ولو أن مؤذنا قال: أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله. صح لكنه خلاف السنة، ما كان النبي يقول هكذا، ولا علم الصحابة ذلك، وإنما المشروع أن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله. في الأذان والإقامة، لكن لو قال: أن سيدنا محمدا. هو صادق، هو سيدنا، لكن لم يشرع هذا، والمسلمون عليهم التقيد في العبادات؛ لأنها توقيفية، فعلى المسلم أن يتقيد بالعبادة بما ورد عن الشرع فلا يزيد، ففي التحيات يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (2) » كما جاء في النصوص، وفي الأذان يقول: أشهد أن محمدا رسول الله. وفي الإقامة كذلك، وأما في غير هذا إذا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370) .(8/383)
قال: أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله. أو: اللهم صل على سيدنا محمد. فلا حرج في ذلك؛ لأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (1) »
المقصود هو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، لكن علينا أن نتقيد بما شرع لنا، لا نزيد ولا ننقص؛ لأن هذا هو الذي ينبغي لنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، يقول – اللهم صل عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » فالتقيد بما علمنا إياه وشرعه لنا هو الذي ينبغي لنا، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (4) » ويقول الرب عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل، برقم (3148) ، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، برقم (4308)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718)
(4) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم (4607)
(5) سورة الأحزاب الآية 21(8/384)
ويقول جل وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) فالمشروع للمسلمين التقيد بما علمهم إياه نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما شرعه لهم في الأقوال والأعمال.
__________
(1) سورة الشورى الآية 21(8/385)
176- حكم من نسي بعض ألفاظ الدعاء
س: ما الحكم فيما إذا نسي الشخص بعض ألفاظ الدعاء الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل يؤثر ذلك أو لا؟ (1)
ج: لا يؤثر، يدعو بما حضره وأحب والحمد لله، يدعو بما حفظ، ويدعو بما أحب من الدعوات الطيبة، ولو كانت غير واردة، والحمد لله.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (278) .(8/385)
تكملة باب صفة الصلاة
1. بيان مشروعية الاستعاذة من فتنة المحيا والممات في آخر الصلاة
س: أمرنا بالاستعاذة من فتنة المحيا وفتنة الممات، والمسيح الدجال، حبذا لو شرحتم لنا هذا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا مشروع للمؤمن والمؤمنة في كل صلاة، السنة لكل مؤمن وكل مؤمنة أن يختم صلاته بالاستعاذة بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه بعدما يتشهد في آخر الصلاة قبل أن يسلم يستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وكان يأمر بهذا ويقول: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع – يقول -: اللهم إني
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (186) .(9/7)
أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (1) » هذا المشروع للمؤمن وللمؤمنة، التعوذ من هذه الأربعة.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذا سنة مؤكدة، وروي عن طاوس التابعي الجليل ما يدل على أن ذلك واجب، وروي عنه أنه أمر ولده لما لم يقلها في الصلاة أن يعيد الصلاة، هذا يدل على تأكد هذه الدعوات، وأنه ينبغي للمؤمن ألا يدعها في أي صلاة النافلة والفريضة قبل أن يسلم، يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. وإن شاء قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال. فهي دعوات عظيمة، قال أنس رضي الله عنه: «كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (3) » فإذا دعا بذلك في آخر الصلاة كان حسنا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة برقم (588) .
(2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الدعوات؛ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، برقم (6389) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة، برقم (2190) .
(3) سورة البقرة الآية 201 (2) {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(9/8)
وهكذا في السجود إذا دعا بذلك لا بأس، فالسجود محل الدعاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (1) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (2) » المعنى: حري أن يستجاب لكم.
الإنسان معرض للفتن في حياته وعند الموت، وقد يعرض في حياته للمعاصي، وقد يعرض للبدع، وقد يعرض للكفر بدين الله، ويفتن إما بسبب المال، أو بسبب الشهوات والمعاصي، أو بسبب جلساء السوء، فيقع فيما يغضب الله عليه؛ من كفر وبدعة، أو معصية في حال حياته أو عند الموت، نسأل الله العافية، وقد يفتن بالمسيح الدجال إذا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .(9/9)
تأخر زمانه، فإن المسيح يخرج في آخر الزمان، يدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، ويتبعه جم غفير من الناس، نعوذ بالله، ويهلكون بأسبابه، فالإنسان يسأل ربه أن يعيذه من هذه الأمور؛ لأنه لا يدري: هل يسلم أو ما يسلم؟ فيسأل ربه العافية من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. هو في حاجة إلى هذا الدعاء، حتى لا يفتن في حياته، ولا عند موته، وحتى لا يدرك المسيح الدجال فيفتن به، نسأل الله السلامة.(9/10)
2. بيان الدعاء المشروع في الصلاة
س: ما هو الدعاء الذي تنصحونني بملازمته في كل صلاة (1) ؟
ج: الدعوات مشروعة للمؤمن، دعوات الخير مشروعة للمؤمن في الصلاة وخارجها، لكن في الصلاة نوصيك بالدعوات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تلزمها، بين السجدتين تقول: رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني (2) » بين السجدتين،
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (241) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء برقم (2697) .(9/10)
كرر الدعاء بالمغفرة: «رب اغفر لي، رب اغفر لي (1) » «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني وعافني وارزقني (2) » وفي السجود تكثر من الدعاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (3) » ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (4) » وإذا دعوت بغير ذلك؛ كسؤال الجنة، والتعوذ بالله من النار، وسؤال الله صلاح القلب والعمل، والزوجة الصالحة والذرية الصالحة، كل هذا طيب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء (5) » فيستحب الإكثار من الدعاء في السجود من المشروع الوارد
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه برقم (22816) ، والنسائي في كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (1145) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (897) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء برقم (2697) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (483) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع برقم (794) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (484) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .(9/11)
ومن غيره من الدعوات الطيبة، ومن هذا طلب الرزق الحلال والزوجة الصالحة والذرية الطيبة، ومن هذا دعاؤك لوالديك بالمغفرة والرحمة إذا كانا مسلمين، دعاؤك لولي الأمر بالتوفيق والهداية والصلاح، ولولاة الأمور جميعا بالتوفيق والهداية، ومن هذا طلبك العافية في بدنك ودينك، الدعوات الطيبة، وهكذا في آخر الصلاة قبل السلام بعد التحيات، وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، تسأل الله ما تحب من الدعوات الطيبة. النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أصحابه التحيات والتشهد قال لهم: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو (1) » ومن أفضل الدعاء في آخر الصلاة أن تقول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (2) » كما أوصى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار – رضي الله عنهم – من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه - حديث رقم (21621) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، حديث رقم (1522) واللفظ له، والنسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء حديث رقم (1303) .(9/12)
النبي بهذا معاذا، عليه الصلاة والسلام. وكذلك تقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (1) » أوصى بهذا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهكذا: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت (2) » ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمه عليا رضي الله عنه، وعلي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر (3) » أخرجه البخاري في صحيحه،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر برقم (2705) .
(2) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بدون لفظ (وما أسرفت وما أنت أعلم به مني) في كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل برقم (6317) ، وأخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه برقم (771) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من البخل برقم (6370) .(9/13)
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به في آخر صلاته، كل دعاء طيب ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم كله طيب، كل دعوات طيبة تحتاج إليها ادع بها وإن لم تنقل، كأن تقول: اللهم أصلح ذريتي، اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أصلح زوجتي، اللهم يسر لي رزقا حلالا طيبا، اللهم وفق ولاة الأمور لكل خير، اللهم أصلح بطانتهم. وهكذا من الدعوات الطيبة، وفق الله الجميع.(9/14)
3. بيان مواضع الدعاء في الصلاة
س: الأخت: أم أ. من ينبع، تقول: متى تقال هذه الأدعية: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال؟ هل تقال هذه الأدعية في الفرائض، أم في الرواتب بعد الفراغ من التشهد وقبل السلام (1) ؟
ج: هذا التعوذ يقال في الفرض والنفل في التشهد الأخير قبل السلام، بعد التحيات وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي الإنسان بهذا التعوذ: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. بعد الصلاة على النبي
__________
(1) السؤال السابع والأربعون من الشريط رقم (427) .(9/14)
صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، قبل أن يسلم الرجل والمرأة في الفرض والنفل، هذا مشروع، والنبي علمه الصحابة، قال لهم: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع (1) » إذا تشهد أحدكم – يعني في التشهد الأخير - فليستعذ بالله من أربع. ثم ذكرها عليه الصلاة والسلام سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة برقم (588) .(9/15)
س: أم أ. من ينبع في سؤالها الأول: متى نقول هذه الأدعية التالية يا سماحة الشيخ: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا وفتنة الممات، ومن فتنة المسيح الدجال؟ هل تقال هذه الأدعية في الفرائض، أم في الرواتب بعد الفراغ من التشهد وقبل السلام (1) ؟
ج: في كل صلاة تقال هذه قبل السلام إذا تشهد الإنسان، وصلى على النبي يأتي بهذا الدعاء، كما علمه أصحابه، قال: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع؛ فليقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم (2) » ......... إلى آخره، فإذا تشهد وصلى على النبي يأتي بهذا الدعاء وبقية الأدعية
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم (426) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة برقم (588) .(9/15)
يأتي بها قبل أن يسلم هذا الدعاء وغيره، مثل: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أجرني من النار، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر ذنبي كله. إلى غير هذا، كله قبل السلام وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.(9/16)
س: السائلة: أم م. من الدمام، تقول: في هذا الدعاء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. هل يقال قبل السلام أم بعد السلام (1) ؟
ج: الأفضل قبل السلام، هذا الأفضل؛ لأن الدعاء قبل السلام أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما علمهم التحيات، قال: «ثم يتخير بعد الكلام ما شاء (2) » وفي اللفظ الآخر: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (396) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، برقم (6230) ، واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(9/16)
فيدعو (1) » فإذا دعا قبل السلام فهو أفضل، وإن دعا به بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، لكن قبل السلام أفضل.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .(9/17)
س: هل الدعاء مستجاب في صلاة الفجر؟ وما هي الأدعية التي تنصحوننا أن ندعو بها؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الدعاء في السجود ترجى إجابته في الفجر أو غير الفجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2) » أي: فحقيق أن يستجاب لكم. وقال عليه الصلاة والسلام: ( «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (3) » وهكذا في آخر التحيات يقول صلى الله عليه وسلم لما علم ابن مسعود رضي الله عنه التحيات، قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (4) » وفي
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (270) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .(9/17)
لفظ آخر: «ثم يتخير من المسألة ما شاء (1) » وهذا يعم الصلوات الخمس كلها لا يخص الفجر، وهكذا الدعاء بين السجدتين، المقصود أن المشروع للمؤمن الدعاء في صلاته، في سجوده، بين السجدتين، في آخر التحيات، ويقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي. ويزيد ما شاء الله: «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني وعافني وارزقني (2) » لكن الواجب مرة: رب اغفر لي، اللهم اغفر لي. وما زاد فهو سنة، من الدعاء بين السجدتين، ويدعو في سجوده ما يسر الله له، وفي آخر التحيات كذلك، ومن الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في السجود: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (3) » هذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السجود: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (4) » ومن الدعاء العظيم: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (5) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة برقم (609) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء برقم (2697) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (483) .
(4) صحيح مسلم الصلاة (483) ، سنن أبي داود الصلاة (878) .
(5) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (24856) ، والترمذي في كتاب الدعوات، باب منه، برقم (3513) .(9/18)
وهكذا: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، «اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل (1) » «اللهم إني أسألك الهدى والسداد (2) » «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى (3) » كل هذه دعوات عظيمة، وهكذا: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي، اللهم قني شح نفسي، اللهم أصلح قلبي وعملي، وفقهني في ديني، رب زدني علما. وهكذا الدعوات الأخرى المناسبة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، برقم (1486) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم (3846) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل وشر ما لم يعمل، برقم (2725) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل وشر ما لم يعمل، برقم (2721) .(9/19)
4. كيفية السلام في نهاية الصلاة
س: هذا الأخ السائل: أ. ع. يقول: سماحة الشيخ، ما كيفية السلام في نهاية الصلاة؟ هل يقول: السلام عليكم ورحمة الله؟ بسرعة(9/19)
عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله. عن يساره، ويكون ذلك بسرعة، أم بهدوء في جملة السلام (1) ؟
ج: يقول بالهدوء: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. بطريقة عادية، ليس فيها تكلف، هذه السنة، لا سرعة مفرطة، ولا طولا مفرطا، يكون وسطا، أما العجلة كأنه مطرود فلا وسط، والأفضل الاقتصار على: رحمة الله. للفظ المحفوظ بالأدلة: «السلام عليكم ورحمة الله (2) »
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (429) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة برقم (431) .(9/20)
س: إذا فرغ المصلي من صلاته وأراد أن يسلم فهل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يمينا ثم يسارا، أم يقول: السلام عليكم ورحمة الله. فقط؟ وما حكم صلاة من فعل ذلك بزيادة: وبركاته (1) ؟
ج: المحفوظ من السنة: ورحمة الله. فقط، وهذا هو المشروع أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله. عن يمينه وشماله، أما زيادة: وبركاته. ففيها خلاف بين أهل العلم، وقد روى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (48) .(9/20)
صلى الله عليه وسلم قال هكذا: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) » لكن في رواية علقمة عن أبيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من صحح سماعه منه، ومنهم من قال: إنها منقطعة. فينبغي للمؤمن ألا يزيدها، والأولى والأفضل أن يقتصر على: ورحمة الله. ومن زادها ظانا صحتها، أو جاهلا بالأمور فلا حرج، وصلاته صحيحة، ولكن الأولى والأحوط ألا يزيدها؛ خروجا من خلاف العلماء، وعملا بالعلم الأثبت والأقوى.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في السلام، برقم (997) .(9/21)
س: هل زيادة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هي واردة في السلام من الصلاة؛ بزيادة: وبركاته (1) ؟
ج: واردة، لكن إسنادها فيه نظر، والأصح: السلام عليكم ورحمة الله. مثل ما عليه العمل الآن.
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (406) .(9/21)
س: هناك شخص بعد أن يسلم من الصلاة لا يقتصر على صيغة: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. بل يضيف: وبركاته. ما رأيكم بالزيادة (1) ؟
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (367) .(9/21)
ج: الأولى تركها، جاءت في بعض الأحاديث، لكن مختلف في ثبوتها، كثير من أهل العلم لا يثبتها، وبعضهم يثبتها، والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «السلام عليكم ورحمة الله (1) » لأن كلمة: وبركاته. مختلف في هذه الزيادة، منهم من أثبتها، ومنهم من لم يثبتها، فالمؤمن يتبع ما عليه العمل، ولا يخالف الناس، ويشذ عن الناس، السلام عليكم ورحمة الله. هذا الشيء المحفوظ، رواه مسلم في الحديث الصحيح.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة برقم (431) .(9/22)
س: ما حكم ختم الصلاة بصوت مرتفع، سماحة الشيخ (1) ؟
ج: ما عليه دليل، تكون قراءته معتدلة في الجميع، قراءته تكبيراته كلها معتدلة، ما يخص شيئا دون شيء.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (430) .(9/22)
5. حكم الاكتفاء بتسليمة واحدة على اليمين عند الانتهاء من الصلاة
س: ما حكم السلام على اليسار بعد الانتهاء من الصلاة؟ وما حكم الانفتال على اليسار أيضا (1) ؟
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (15) .(9/22)
ج: الجمهور على أن الواجب تسليمة واحدة يسلمها عن يمينه، والأصح أنه لابد من تسليمتين، وإن كان الكلام للجمهور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين، ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » فالواجب أن يسلم الإمام، وهكذا المأموم، وهكذا المنفرد تسليمتين، والأفضل عن يمينه وعن شماله، يلتفت عن يمينه ويقول: السلام عليكم ورحمة الله. وعن يساره كذلك، هذا هو المشروع، وهو واجب في أصح قولي العلماء يعني التسليمتين، أما كونه يلتفت عن يمينه وشماله هذا مستحب، وهو أفضل، وأما الانصراف بعد السلام عن يمينه وشماله فلا حرج، النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وعن شماله، كل هذا ثابت، إن انصرف عن يمينه فلا بأس، وإن انصرف عن شماله فلا بأس، قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ربما انصرف عن يمينه، وربما انصرف عن شماله، من مكانه عليه الصلاة والسلام. لكن لو بدأ بالسلام على شماله، يعنى التفت عن شماله أولا فإنه يصح، لكن هذا خلاف السنة، الالتفات مستحب وليس بواجب.
لذلك مسألة قد تخفى على بعض الناس، وهي مسألة الإمام إذا سلم من
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/23)
الصلاة، السنة: أن ينصرف إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، ولا يطول مستقبلا القبلة؛ لأنه إنما استدبرهم من أجل حاجة الصلاة، فإذا فرغ منها زالت الحاجة، فشرع له أن يستقبلهم، ويجعل وجهه إلى وجوههم، هذا هو الأدب الشرعي، لكن بعدما يستغفر ثلاثا، وبعدما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. بعد هذا ينصرف إليهم، ويعطيهم وجهه ويقابلهم، لا يكون يمينا ولا شمالا، بل يقابلهم مقابلة كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يكون بعد أن يقول: أستغفر الله. ثلاثا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يقوله الإمام، ثم ينصرف إلى المأمومين، ويعطيهم وجهه مستويا، وإن شاء انصرف عن يمينه، وإن شاء انصرف عن شماله، لكن يقابلهم مقابلة، ثم يأتي ببقية الأذكار إذا انصرف، يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول هذا بعد السلام، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فيشرع للمأموم(9/24)
والإمام والمنفرد هذه الأذكار الشرعية، ثم يقول بعدها: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، هذا الأفضل، يكون الجميع تسعا وتسعين، ثم يختم هذا كله بـ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) جاء في الحديث أن العبد إذا قال هذا: «غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » هذا فضل عظيم، وإن شاء قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. خمسا وعشرين مرة، هذا نوع من الأذكار، كل هذا مشروع وحسن. والتكبير والتهليل هو بعد الصلوات الخمس، لكن تزاد بعد المغرب والفجر بتهليلات عشر زيادة، يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات بعد المغرب وبعد الفجر زيادة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/25)
حكم الزيادة على لفظ التسليم في الصلاة
س: يسأل السائل من السودان، مقيم في ليبيا يقول: رجل إذا سلم عن يمينه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، اللهم إني أسألك(9/25)
الفوز بالجنة. وإذا سلم عن شماله قال: السلام عليكم ورحمة الله، اللهم إني أسألك النجاة من النار. فهل هذا مكروه أم لا؟ فإن كان مكروها فما الدليل على كراهته مأجورين (1) ؟
ج: ليس لهذا أصل، بل هذا بدعة، لا يقول شيئا إذا سلم إلا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم التسليمتين، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. هكذا كان النبي يفعل إذا سلم، أما هذا الدعاء بعد التسليمة الأولى والثانية لا أصل له، هذا من كيسه، بدعة.
__________
(1) السؤال الخامس والخمسون من الشريط رقم (421) .(9/26)
س: زيادة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في السلام يا شيخ (1) ؟
ج: الأفضل عدم ذلك؛ لأن في صحتها نظرا، خلاف بين أهل العلم، والمحفوظ: السلام عليكم ورحمة الله.
__________
(1) السؤال السادس والخمسون من الشريط رقم (421) .(9/26)
7. حكم الرد على المصلي إذا قال: السلام عليكم في صلاته
س: رسالة من الأخ: إ. أ. يقول: إذا كان عن يميني رجل يصلي(9/26)
وحينما فرغ من صلاته سلم عن يمينه وشماله، وسمعت هذا السلام فهل أرد عليه، بقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته (1) ؟
ج: لا، ليس هذا محل الرد؛ لأنه يسلم التسليم الواجب عليه بالخروج من الصلاة، لكن إذا خصك بالسلام ترد عليه، أما هذا فتسليم عام، عليك وعلى غيرك ليس المراد أن تسلم عليه، ولم يرد ما يدل على ذلك، فإنما قال صلى الله عليه وسلم لمن يرد السلام إنما يسلم عليه وعلى إخوانه المسلمين، وعلى الملائكة، فالحاصل أن هذا السلام ليس المراد أن ترد عليه، المراد به الخروج به من الصلاة، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. فليس معناه أن الذي عن يمينه وشماله يقول: وعليكم السلام. إلا إذا سلم عليه بعد ذلك سلاما آخر.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (347) .(9/27)
8. حكم هز الرقبة عند السلام
س: أرى من المصلين في المسجد عند الجلوس للتشهد الأخير عند السلام من يهز رقابهم إلى أسفل، ثم يسلم على يمينه، ويهزها إلى أسفل، ثم يسلم على يساره، أفدنا، هل لهذا أصل؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (126) .(9/27)
ج: هذا لا أصل له، السنة الخشوع في الصلاة والطمأنينة وعدم هز الرقاب أو الأيدي، وبعض الناس يهز يديه ويومئ بيديه في جلوس التحيات قبل أن يسلم، وقد أنكر النبي على من فعل هذا عليه الصلاة والسلام، وأمرهم بالسكون في الصلاة قال: «ما لي أراكم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس (1) » يعني عند السلام، فالحاصل أن السنة الركود والخشوع والطمأنينة، وعدم الحركة لا بالرؤوس ولا بالأيدي عند السلام، ولا قبله ولا في أي جزء من أجزاء الصلاة، الواجب الطمأنينة والبعد عن العبث، قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، فكونه يعبث برقبته أو يعبث بيديه كل هذا لا أصل له، وأقل أحواله الكراهة الشديدة، وقد يحرم إذا كثر وتوالى، ويبطل الصلاة، إذا توالى العبث وكثر حرم وأبطل الصلاة، نسأل الله السلامة، فالواجب الحذر.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة، برقم (431) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(9/28)
س: السائل: أبو معاذ من الرياض، يقول: يقوم بعض الناس بين التسليمة الأولى والتسليمة الثانية بهز رأسه إلى أسفل، فما(9/28)
الحكم في ذلك (1) ؟
ج: ما له أصل، يكره هذا، ليس له أصل.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (420) .(9/29)
9. حكم السجود عند الدعاء قبل السلام
س: أرى أختي عندما تريد الدعاء، بعد التشهد في الصلاة وقبل السلام تسجد وتدعو بما شاءت، فهل عملها صحيح، سماحة الشيخ (1) ؟
ج: هذا منكر بدعة، لا يجوز سجود الزيادة إلا للسهو، أما أن تسجد للدعاء غير السجدتين فهذا منكر، وإذا تعمدت هذا تبطل الصلاة، أما إذا كانت جاهلة فتعلم، ولا تعود إلى هذا الشيء، أما إن تعمدت ذلك وهي تعلم يكون زيادة في الصلاة فتبطل، كما إذا زاد المصلي ركعة متعمدا أو زاد ركوعا متعمدا، وهو يعلم الحكم بطلت الصلاة، أما إذا كانت جاهلة فتعلم حتى لا تعود لهذا الشيء، أو كانت ساهية عليها سجود السهو.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (377) .(9/29)
10. بيان عدم الفرق بين صلاة الرجل والمرأة
س: هل هناك أي فرق بين صلاة الرجل والمرأة في الأفعال، مثلا:(9/29)
رفع اليد إلى الأذن، ووضع اليد على الصدر (1) ؟
ج: الصواب أنها كالرجل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » ولم يستثن النساء، فما شرع للرجال من رفع اليدين، ووضع اليدين على الصدر، ووضعها في الركوع على الركبتين، ووضعها في السجود حيال المنكبين، أو حيال الأذنين كله في حق الرجل والمرأة جميعا، وهكذا كونها تقرأ الفاتحة، وما تيسر معها في الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهكذا في الفجر، وفي الثالثة من المغرب تقرأ الفاتحة فقط، والثالثة والرابعة من العشاء والظهر والعصر تقرأ الفاتحة، المقصود أنها كالرجل.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (185) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/30)
س: هل صلاة المرأة تختلف عن صلاة الرجل، وذلك من حيث المجافاة (1) ؟
ج: الصواب أنها كالرجل، بعض أهل العلم يفرق بينهما، والصواب أنها كالرجل، تجلس على رجلها اليسرى، تفترشها بين السجدتين، وفي التشهد
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (302) .(9/30)
الأول، وتتورك في الأخير، هذا هو السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » ولم يقل للنساء: افعلن كذا، وافعلن كذا. بل أطلق، فالسنة التأسي به صلى الله عليه وسلم في الصلاة للرجال والنساء جميعا، وليس هناك دليل على الفرق، بل السنة أن تفعل كما يفعل الرجل: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » ، ترفع يدها عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول تفترش بين السجدتين، تتورك في التشهد الأخير مثل الرجل تماما، هذا هو السنة.
__________
(1) صحيح البخاري أخبار الآحاد (7246) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .
(2) صحيح البخاري أخبار الآحاد (7246) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(9/31)
11. حكم الاكتفاء بقراءة الفاتحة في الصلاة للأمي
س: هل تجزئ قراءة الفاتحة في الصلاة بالنسبة للمرأة الأمية التي لا تعرف غيرها (1) ؟
ج: نعم، تجزئ الفاتحة، هي ركن الصلاة وهي مجزئة للرجل والمرأة جميعا، والأمي وغير الأمي، لكن الذي يستطيع أن يقرأ زيادة هو أفضل في الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يشرع أن يقرأ زيادة على الفاتحة إذا تيسر له ذلك، وأما الثالثة والرابعة في العصر والعشاء
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (211) .(9/31)
فيقرأ الفاتحة فقط، تكفي، والثالثة من المغرب كذلك، والأمية يشرع لها التعلم حتى تستفيد، وحتى تحفظ بعض السور الأخرى، أما الفاتحة فلا بد من حفظها وضبطها وتعلمها لمن لم يعلمها من الرجال والنساء جميعا؛ لأنها ركن الصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) » فالواجب على جميع المكلفين تعلمها وحفظها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات برقم (756) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (394) .(9/32)
12. حكم رفع المرأة يديها في الصلاة
س: هل يجب على المرأة أن ترفع يديها في الصلاة عند التكبير (1) ؟
ج: المرأة مثل الرجل ترفع يديها عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، هذا السنة للرجل والمرأة، ترفع اليدين حيال منكبيها أو حيال أذنيها عند التكبيرة الأولى، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول، وتفعل مثل الرجل إذا جلست تفترش بين السجدتين، والتشهد الأول،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (317) .(9/32)
وتتورك في التشهد الأخير، هذا هو الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » ولم يقل: للمرأة كذا، وللرجل كذا. فالأحاديث عامة تأمر الرجال والنساء.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/33)
13. السنة في وضع المرأة يديها أثناء الصلاة
س: أين تضع المرأة يديها أثناء الصلاة (1) ؟
ج: كالرجل، السنة أن تضعهما على صدرها كما جاء في السنة؛ لأن الأصل أن الرجال والنساء سواء في الصلاة إلا ما خصه الدليل، فهي تعمل كما يعمل الرجل في صلاتها، تكبر وتقرأ الاستفتاح، وتقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم تركع وتطمئن، وترفع وتعتدل وتطمئن، وتضع يديها حال القيام على صدرها قبل الركوع وبعده كالرجل سواء؛ لأن الرسول عليه السلام قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » وهذا يعم الرجال والنساء.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (143) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/33)
14. حكم الجهر في الصلوات الجهرية بالنسبة للمرأة
س: السائلة: أ. م. ع. تقول: هل تقرأ المرأة سرا في جميع أوقات الصلاة، علما بأن السر في محل السر، والجهر في محل الجهر من سنن الصلاة (1) ؟
ج: المرأة والرجل كلاهما عليهما أن يتحريا السنة، فيجهر في المغرب والعشاء والفجر في الأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي فريضة الفجر، ويسر في الظهر والعصر، وفي الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، الرجل والمرأة جميعا، والمرأة ترفع صوتها إذا كان ما عندها من تخشى فتنته، ما عندها إلا نساء، أو ما عندها أحد، أو ما عندها إلا أطفال، أو ما عندها إلا محارمها تجهر، وإن كانت في غير المحارم فهي ترفع صوتها شيئا خفيفا في محل الجهر؛ لأن هذا سنة للجميع، الرجال والنساء، الجهر والسر.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (408) .(9/34)
س: ما حكم الجهر بالنسبة للصلوات الجهرية بالنسبة للمرأة؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (308) .(9/34)
ج: يستحب لها الجهر بالقراءة في المغرب والعشاء والفجر، كما يستحب للرجال، فتجهر في حال يناسبها، أو إذا كانت مع النساء، ليس يسمعها رجال من الأجانب، وإذا كان يسمعها رجال فالأفضل عدم الجهر؛ لئلا يفتتن بها، إلا إذا كان ما عندها رجال، وإنما عندها نساء، أو ما عندها أحد، أو محارم فلا بأس بذلك تجهر، فالسنة لها الجهر في الأولى والثانية من المغرب والعشاء، وفي صلاة الفجر.(9/35)
س: تقول السائلة: هل يجوز للمرأة أن تصلي جهرا في صلاة الجهر عندما تتأكد أنه لا يوجد شخص أجنبي عنها قد يسمعها؟ وما هو دليل ذلك (1) ؟
ج: الله شرع لعباده الجهر في الفجر، وفي الأولى والثانية من العشاء والمغرب، وهذا عام للرجال والنساء؛ لأن الشرائع عامة إلا ما خصه الدليل بالرجل أو المرأة، والله شرع أن تجهر في الفجر، وفي الأولى والثانية من المغرب، وفي الأولى والثانية من العشاء، فالمرأة كذلك تجهر جهرا يفيدها وينفع من حولها، وإذا كان حولها رجال أجانب فالأفضل عدم الجهر لها؛ لأن الرجل قد يستمع لصوتها فالأفضل لها
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (121) .(9/35)
عدم الجهر، وهكذا في التلبية بالحج والعمرة، إذا كان حولها رجال الأفضل لها عدم الجهر، وإلا فلا حرج، لكن الأفضل عدم الجهر.(9/36)
س: هل يجوز للمرأة أن تجهر بالصلاة الجهرية في الفرض (1) ؟
ج: نعم تجهر، تقرأ جهرا في المغرب والعشاء والفجر، لكن إذا كان عندها أجنبي فإن الأولى أن تسر؛ لئلا يفتتن بقراءتها، ولا سيما إذا كان صوتها حسنا قد يفتن من يسمعه، الحاصل أن الأفضل لها السر إذا كان عندها أجانب خوف الفتنة، أما إذا كانت بين النساء، أو في بيتها فلا تسر.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (348) .(9/36)
س: هل يجوز للمرأة أن ترفع صوتها قليلا أثناء القراءة في الصلاة وهي تصلي، وسواء كانت تلك الصلوات الجهرية أم السرية (1) ؟
ج: يستحب لها رفع الصوت في الجهرية مثل الفجر، مثل الأولى والثانية من العشاء أو المغرب، يستحب لها الجهر مثل ما يستحب للرجال، إلا إذا كان عندها رجال أجانب تسر عنهم أفضل، وإن قرأت السورة فلا حرج الحمد لله.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (227) .(9/36)
س: يسأل عن صلاة المرأة الصلاة الجهرية، هل تجهر المرأة أو لا (1) ؟
ج: نعم، السنة لها الجهر، كالرجل في المغرب والعشاء والفجر، السنة لها الجهر في الأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي صلاة الفجر كالرجل جهرا لا يشغل من حوله، إذا كان حولها مصلون أو حولها قراء، أو نوام تجهر جهرا لا يشق عليهم، وهكذا الرجل إذا كان يصلي في الليل، أو مريض يصلي في البيت الفجر أو العشاء يجهر جهرا لا يؤذي من حوله.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (258) .(9/37)
15. بيان كيفية جلوس المرأة في الصلاة
س: بالنسبة للمرأة كيف تكون جلسة التشهد الأول والأخيرة في الصلاة الرباعية (1) ؟
ج: الصواب أنها كالرجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » ولم يقل: هذا للرجال خاصة. قال عليه الصلاة
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (326) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/37)
والسلام: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » فالمرأة والرجل في هذا سواء، بين السجدتين تجلس على رجلها اليسرى، تفرشها وتجلس عليها في التشهد الأول، كذلك في الأخير تتورك، تقعد على مقعدتها، وتخرج رجلها اليسرى عن يمينها تحت رجلها اليمنى كالرجل سواء، هذا هو الصواب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/38)
الأذكار والأدعية داخل الصلاة وبعد التسليم
16. بيان الأذكار التي تقال داخل الصلاة وبعد التسليم
س: ما هي الأذكار الصحيحة داخل الصلاة وبعد التسليم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: داخل الصلاة يشرع له الاستفتاح في أولها، يكبر يقول: الله أكبر. التكبيرة الأولى، وهي التي تسمى تكبيرة الإحرام، ويستفتح كما كان النبي يفعله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » هذا يسمى استفتاحا
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (286) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك برقم (776) ، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243) ، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب افتتاح الصلاة، حديث رقم (806) .(9/39)
وهو أخصرها، ومن ذلك ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (1) » وهناك استفتاحات أخرى صحيحة موجودة في كتب الحديث كالمنتقى، وبلوغ المرام، والبخاري ومسلم إلى غير ذلك، لكن هذان الاستفتاحان من أخصر الاستفتاحات ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ ما تيسر معها إن كان إماما أو منفردا ولو في الأوقات السرية مثل الظهر والعصر، وإن كان مأموما في الجهرية قرأ الفاتحة فقط، وسكت ينصت لإمامه، يستمع للإمام، وإذا كبر للركوع يقول: سبحان ربي العظيم. يكررها ثلاثا أو أكثر، والواجب مرة واحدة، والتكرار مستحب، ويقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. هذا مستحب أيضا، يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) ، واللفظ له.(9/40)
هذا مستحب أيضا في الركوع والسجود، وإذا رفع إن كان إماما أو منفردا يقول: سمع الله لمن حمده. وإن كان مأموما يقول: ربنا ولك الحمد – أو اللهم ربنا ولك الحمد - حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. وإن زاد: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، كان أفضل؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اختصر على ما تقدم: وملء ما شئت من شيء بعد، كفى، والواجب: ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. وأما بقية سنة، ومستحب وهكذا في السجود، يكبر بعدما يكبر للسجود يقول: سبحان ربي الأعلى. ويقول مع هذا: سبحانك اللهم ربنا لك الحمد، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. ويدعو في السجود بما تيسر، يقول: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .(9/41)
الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » يعني حري أن يستجاب لكم، يدعو بما يسر الله له من خيري الدنيا والآخرة في السجود، في الفرض والنفل للحديثين المذكورين.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .(9/42)
17. بيان الأذكار التي تقال عقب السلام
س: ما هي الأذكار التي تقال بعد الصلوات؟ نرجو أن تكون مرتبة مفصلة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: قد كتبنا في هذا رسالة توزع في دار الإفتاء في بيان الأذكار التي تقال عقب السلام من الصلاة، ومعها رسالة أخرى في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ورسالة ثالثة في وجوب صلاة الجماعة، ففي الإمكان مراجعة دار الإفتاء لأخذ هذه الرسائل، ونوجز الآن ما يشرع في ذلك لإفادة المستمعين، يشرع للمؤمن والمؤمنة بعد السلام من الصلاة – صلاة الفريضة صلاة الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء – أن يقول بعد السلام مباشرة:
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (246) .(9/42)
أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم يستغفر ثلاثا – يعني يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله – ثم يقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (1) » هذه السنة للإمام والمأموم، والمنفرد والرجل والمرأة، وإذا كان إماما ينصرف للناس بعد هذا بعد أن يقول: اللهم أنت السلام........إلى آخره. فينصرف إلى الناس، ويعطيهم وجهه إذا كان إماما، ثم يقول كل واحد بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا بعد كل صلاة إذا أقبل على الناس. زاد المغيرة رضي الله عنه في روايته كما في الصحيحين عنه رضي الله عنه، أنه يقول مع هذا: «اللهم لا مانع
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/43)
لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » كل هذا مستحب بعد الصلوات الخمس، ويستحب أن يزيد بعد صلاة المغرب والفجر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، وهو زيادة على ما تقدم، بعد المغرب والفجر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها عشر مرات: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (2) » وإن قال زيادة: بيده الخير. أو قال: وهو حي لا يموت. طيب، كله جاء في بعض الأحاديث، وهذا الذكر جاء على عدة أنواع منه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ومنها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. جاء يحيي ويميت، ومنها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/44)
الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير. كل هذا بحمد الله مشروع طيب إذا جاء بهذا أو بهذا، كله طيب والحمد لله، ثم يشرع له أيضا أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، الرجل والمرأة، الإمام والمأموم والمنفرد، يسبح الله ويحمده، ويكبره ثلاثا وثلاثين، يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » وهذا فضل عظيم، وهذا عند بعض أهل العلم إذا كان لا يصر على كبيرة، أما إذا كان عنده كبائر من الذنوب كالزنى والسرقة والنميمة والغيبة فإن هذا الذكر ونحوه لا يكفر لهذه الكبائر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/45)
رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر (1) » رواه مسلم في صحيحه. أوصي نفسي وكل مسلم وكل مسلمة بالعناية بهذه الأذكار، والمحافظة عليها بعد كل صلاة؛ لأن الرسول ندب إليها وحث عليها، مع الحذر كل الحذر من جميع المعاصي، وأسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب المكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) .(9/46)
س: ما الذي يقوله المصلي بعد الصلاة من أدعية وأذكار وآيات تفصيلا وترتيبا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا قد كتبناه في رسالة فيها إيضاح للأمر سميناها: تحفة الأخيار فيما يتعلق بالأدعية والأذكار. قد أوضحنا فيها المطلوب، وقد تقدم هذا في مرات كثيرة.
والسنة للمصلي إذا صلى أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، هذا هو السنة للرجل والمرأة في الفريضة، سواء صلاها في
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (302) .(9/46)
المسجد أو صلاها في البيت إذا كان مريضا، وهكذا المرأة، وإذا سلم يقول: أستغفر الله – ثلاث مرات – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وإذا كان إماما ينصرف بعد هذا إلى المأمومين، يعطيهم وجهه بعد قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام. ثم يقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. الإمام والمأموم، والرجل والمرأة هكذا يقولون، وإن كررها ثلاثا كان أفضل، ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. هذا سنة للجميع الذكر والأنثى، الحر والعبد، وجميع المأمومين وجميع المصلين. يعني يأتي بهذا الذكر بعد الصلاة سواء صلى في الجماعة أو صلى في بيته إذا فاتته الصلاة، أو كان مريضا، أو المرأة إذا صلت تأتي بهذا الذكر، وفي صلاة المغرب والفجر يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات. ثم يأتي الجميع الإمام والمأموم بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يختمونها بقول: لا إله إلا الله وحده لا(9/47)
شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يأتي بآية الكرسي، ثم يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (2) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) يأتي بها مرة في الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات في المغرب والفجر، أما آية الكرسي فيأتي بها مرة عند كل صلاة، وعند النوم، كل هذا مشروع ومستحب، وفيه فضل كبير، فالمؤمن ينبغي ألا يعجل، بل يأتي بهذه الأدعية والأذكار بعد كل صلاة ولا يعجل، وإذا أتى بهذه الأدعية وهذه القراءة عند النوم كان هذا سنة، «النبي صلى الله عليه وسلم علم فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يقولا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة عند النوم، والتكبير يكون أربعا وثلاثين (4) » لكن بعد الصلاة ثلاثا وثلاثين، وتمام المائة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الفلق الآية 1
(3) سورة الناس الآية 1
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التكبير والتسبيح عند المنام، برقم (1318) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التسبيح أول النهار عند النوم، برقم (2727) .(9/48)
كل شيء قدير؛ لأنه ورد في الحديث الصحيح ختمها بـ: لا إله إلا الله. ولو ختمها بالتكبير فقد جاء ذلك في بعض الصيغ، إلا عند النوم فيختم بالتكبير أربعا وثلاثين تكبيرة، وثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة؛ لأنه ورد في الحديث الصحيح ختمها بـ: لا إله إلا الله. ولو ختمها بالتكبير فقد جاء ذلك أيضا، إلا عند النوم فيختم بالتكبير أربعا وثلاثين تكبيرة، هذا من أفضل الأعمال، أما في الصلاة فأنواع، إن شاء أتى بهذا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة فقط، وإن شاء زاد التكبيرة الرابعة والثلاثين تمام المائة، وإن شاء زاد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. تمام المائة. كل هذا سنة وكله جائز بعد الصلوات، وعلم صلى الله عليه وسلم فقراء المهاجرين إذا سلموا أن يقولوا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة فقط، ولم يزدهم على هذا، وجاء في حديث أبي هريرة زيادة أن يقولوا تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رواه مسلم في الصحيح. وجاء عند النوم أن يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر أربعا وثلاثين. وجاء نوع آخر بعد الصلوات الخمس أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله.(9/49)
18. بيان الأذكار والأدعية التي تقال بعد صلاتي المغرب والفجر
س: ما هي الأذكار والدعوات التي يقولها المسلم بعد صلاتي المغرب والفجر (1) ؟
ج: السنة بعد الصلوات الخمس جميعا أن يستغفر الله ثلاثا إذا سلم، ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. الجميع الإمام والمأموم والمنفرد كل واحد إذا سلم يقول: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » الرجل والمرأة، والإمام والمأموم والمنفرد، والإمام إذا فرغ من هذا ينصرف إلى الناس، وأعطاهم وجهه وكمل الذكر، ثم يقول بعد هذا كل من الإمام والمأموم والمنفرد: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) »
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (219) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .(9/50)
«اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » في جميع الصلوات الخمس، الرجل والمرأة والإمام والمأموم والمنفرد، وفي المغرب والفجر يستحب الزيادة على ذلك أن يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات زيادة. الرجل والمرأة، والإمام والمأموم والمنفرد في المغرب وفي الفجر، جاء هذا في عدة أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويستحب أن يقول: اللهم أجرني من النار. سبع مرات بعد الذكر في الفجر والمغرب، روي فيها عند أبي داود حديث لا بأس به، فيستحب أن يقول: اللهم أجرني من النار. سبع مرات، ثم بعد ذلك في جميع الصلوات يقول كل واحد في جميع الصلوات: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، الرجل والمرأة، والإمام والمأموم والمنفرد، بعد الفرائض الخمس، الجميع تسعة وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذا سنة أيضا، ويستحب أن يقرأ بعد هذا: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) آية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(2) سورة البقرة الآية 255(9/51)
الكرسي إلى قوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (1) هذا آخرها، ويستحب أيضا أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين بعد كل صلاة إلا المغرب والفجر، فيكررها ثلاثا، هذا هو الأفضل، كل هذا سنة، كل هذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1(9/52)
س: ما هي الأدعية التي تكون بعد صلاة الفجر والمغرب؟ أوجزوها لنا، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: يستحب للمؤمن والمؤمنة الاشتغال بالذكر والدعاء في أوائل الليل وأوائل النهار، ويدخل في ذلك العشي آخر النهار كالعصر، فيستحب للمؤمن أن يكثر من ذكر الله في هذه الأوقات؛ لأن الله جل وعلا أمر بتسبيحه وذكره بكرة وعشيا، والعشي آخر النهار، والبكرة أول النهار، فيشتغل بما يسر الله له من الذكر مثل: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (160) .(9/52)
بالله (1) » «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (2) » وهكذا الأدعية المناسبة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تيسرت له وحفظها ودعا بها، وهي طيبة، يدعو بها في أول الليل وأول النهار، كل ذلك مما ينبغي فعله، وإذا تيسر له مراجعة الكتب المؤلفة في هذا مثل الأذكار للنووي، ومثل رياض الصالحين، ومثل الترغيب والترهيب، ومثل الوابل الصيب لابن القيم، وأشباهه من الكتب التي تنفعه ويستفيد منها هذا حسن، ومن ذلك أن يقول في أول الليل: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة، وخير ما فيها، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، ومن عذاب في النار، ومن عذاب في القبر، اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل من تعار من الليل فصلى، برقم (1154) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ. . .، برقم (6682) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التهليل والتسبيح والدعاء، برقم (2694) .(9/53)
وإليك المصير. وما أشبه ذلك مما ورد، وهكذا يقول في الصباح مثل ذلك، يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه وشر ما بعده، رب إني أعوذ بك من الكسل، وأعوذ بك من سوء الكبر، وأعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر، اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور، اللهم إني أصبحت على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – حنيفا مسلما وما كان من المشركين. كل هذه جاءت بها السنة، ومن ذلك: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي (1) »
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برقم (4770) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى، برقم (3871) .(9/54)
فقد كان يدعو بهذا الدعاء عليه الصلاة والسلام صباحا ومساء. وهكذا إذا راجع الكتب التي ذكرناها آنفا وغيرها، يستفيد منها؛ لأن جمعها الآن وذكرها الآن قد يأخذ وقتا طويلا، نسأل الله للجميع التوفيق.(9/55)
19 - بيان الأدعية التي يدعو بها المصلي في صلاة الفجر
س: ما هي الأدعية التي يستحب أن يدعو بها المصلي عند صلاة الفجر؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: يدعو بما يسر الله له، المصلي وغير المصلي، يدعو بما يسر الله له بالدعوات الطيبة في الفجر، في آخر الصلاة، في آخر التحيات في أي صلاة في كل الصلوات، وفي السجود كذلك وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة يدعو بما يسر الله، وإذا حفظ دعوات من الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أفضل من غيرها، يراجع كتب الدعوات مثل: الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، مثل: بلوغ المرام. في آخره دعوات ذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: رياض الصالحين. يراجع الدعوات التي فيه، وهكذا فهذه الكتب التي فيها الدعوات دعوات النبي صلى الله عليه وسلم ويستعملها ويحفظها، الوابل الصيب
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (256) .(9/55)
لابن القيم، الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، يراجع الكتب المفيدة، واحفظ الدعوات التي فيها مثل: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (1) » ، هذا من أجمع الدعوات التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومثلا يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » هذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به الإنسان، كذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو وشماتة الأعداء (3) » «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء (4) » «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر (5) » . هذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دعا دعوات
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (24856) ، والترمذي في كتاب الدعوات، باب منه، برقم (3513) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (483) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، برقم (6581) ، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من غلبة الدين، برقم (5475) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء، برقم (6616) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2720) .(9/56)
كثيرة عليه الصلاة والسلام، لكن هذا من أجمعها: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر (1) » هذا أخرجه مسلم في صحيحة عن أبي هريرة من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء (2) » «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء (3) » «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال (4) » كل هذه دعوات عظيمة: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (5) » هذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعواته كثيرة اللهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2720) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، برقم (6581) ، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من غلبة الدين، برقم (5475) .
(3) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، برقم (6581) ، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من غلبة الدين، برقم (5475) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من غلبة الرجال، برقم (6363) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات؛ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، برقم (6389) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة، برقم (2190) .(9/57)
صل عليه وسلم، ومن دعاء النبي: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت، وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير (1) » ومن راجع كتب الحديث وجد أشياء كثيرة من هذا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، برقم (6398) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2719) ، واللفظ له.(9/58)
20 - بيان بعض الأذكار التي تشرع عقب صلاة الصبح والمغرب
س: يقول السائل: بعد صلاة الصبح والمغرب أقول عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. هل هذا من البدع أم هو النهج الصحيح؟ (1)
ج: سنة، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه دعا
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (288) .(9/58)
إلى هذا الشيء وأثنى على من فعله عشر مرات بعد صلاة الفجر، وعشر مرات بعد صلاة المغرب مع الذكر المشروع عند الصلوات الأخرى، يقول بعدما يسلم: أستغفر الله – ثلاثا – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يقول: لا إله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثم يأتي بعدها بعشر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات. وإن زاد: «بيده الخير (1) » أو قال: «وهو حي لا يموت (2) » كله طيب.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله عنه، برقم (17529) ، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب فضل لا إله إلا الله، برقم (3799) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق، برقم (3428) ، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب الأسواق ودخولها، برقم (2235) .(9/59)
21 - بيان فضل ترتيب الأذكار الواردة بعد الصلاة
س: هل يجب ترتيب الأذكار الواردة بعد الصلاة؟ (1)
ج: حسب ما ورد، الأفضل أن يأتي بها حسب ما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه كان يبدأ أولا إذا سلم من الفريضة بالاستغفار ثلاثا يقول: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (2) » كما ثبت ذلك من حديث ثوبان عند مسلم، وثبت بعضه عن عائشة عند مسلم أيضا أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقعد بعد السلام مقدار ما يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (3) » يعني ثم ينصرف إلى الناس ليعطيهم وجهه، ثم يقول بعد هذا: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (4) » جاء في حديث ابن الزبير
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (354) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(4) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/60)
والمغيرة ما يدل على أنه يقولها واحدة، وجاء في رواية أخرى ما يدل على التثليث – يعنى يقولها ثلاثا يكررها – ويقول: «لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (1) » «الهم لا مانع لم أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (2) » بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، هذا الذكر، ويزيد في المغرب والفجر عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. جاءت في هذا أحاديث أخرى صحيحة في المغرب والفجر مع الذكر المذكور يأتي بالعشر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. ثم يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسع وتسعون، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (594) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/61)
على كل شيء قدير. كل هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (1) هذه آية واحدة، ويقال لها آية الكرسي، وهي أفضل آية في القرآن، وأعظم آية في القرآن الكريم، كما أن أعظم سورة وأفضل سورة في القرآن سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) ثم بعد آية الكرسي يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (4) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (5) مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد الفجر والمغرب، هذه السور الثلاث يقرؤها مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، ويكررها ثلاثا بعد المغرب وبعد الفجر بعد الأذكار المتقدمة وبعد آية الكرسي.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الفاتحة الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الفلق الآية 1
(5) سورة الناس الآية 1(9/62)
22 - حكم من نسي شيئا من الأذكار بعد الصلاة
س: إن الإنسان بعد فراغه من الفريضة يقول أذكارا فما هي هذه الأذكار؟ وما حكم من نسي شيئا منها؟ وما حكم من زاد عليها متعمدا؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه كان يقول إذا سلم من الفريضة – الظهر، العصر، المغرب، العشاء، الفجر – يقول: «أستغفر الله – ثلاثا، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (2) » ثبت هذا عنه في حديث ثوبان، وثبت بعض ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها، فالسنة لجميع المصلين إماما أو مأموما أو منفردا إذا سلم من الفريضة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم ينصرف إلى الناس، إن كان إماما ويلتفت إليهم، ويعطيهم وجهه، وثبت عنه أنه كان يقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (317) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/63)
وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل هذا سنة ليس واجبا، ولو قام ونسيها فلا شيء عليه وهو صحيح لكن هذا هو السنة، ثم يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة بعد كل من الصلوات الخمس، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسع وتسعون، ويكمل المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذا هو المشروع للرجال والنساء في السفر والحضر، بعد الصلوات الخمس، والسنة رفع الصوت بذلك، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع الصوت بذلك، يسمعه من حوله ويسمعه من حول المسجد، يسمع الناس من كان خارج المسجد، يسمعون أذكاره. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا(9/64)
بذلك إذا سمعته (1) » هذا هو السنة رفع الصوت بذلك، رفعا متوسطا يعلم الناس الذين حول المسجد أنهم سلموا من الصلاة، يتعلم بعضهم من بعض، ويتذكر بعضهم من بعض، إذا رفع الصوت يتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي، ويستحب في المغرب والفجر أن يزيد عشر تهليلات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات عند السلام من الفجر والمغرب، بعد قوله: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يأتي بهذه العشر مع قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ومع قوله: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. يأتي بهذا كله، وقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات بعد المغرب وبعد الفجر، في السفر والحضر، الرجل والمرأة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (841) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583) .(9/65)
كذلك، ويستحب أيضا أن يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) إلى آخرها، ويستحب أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين بعد كل صلاة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليهم جميعا، لكن في المغرب والفجر يكرر هذه السور الثلاث ثلاث مرات، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (5) ثلاث مرات، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (6) ثلاث مرات {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (7) ثلاث مرات، هذا هو الأفضل، كل هذه الأذكار مستحبة، من تركها فلا شيء عليه، ولو أتى بأذكار كثيرة بعد ذلك لا يضر، فلو ذكر الله كثيرا: الحمد لله – مئات المرات وآلاف المرات – الحمد لله، لكن السنة أن يلزم هذه الأذكار، فإذا زاد عليها بعد ما يأتي بها زاد عليها في مكانه أو في الطريق أو في بيته، أو في أي مكان كله خير، الذكر كله خير طيب، لكن هذه يخصها، وإذا أحب أن يزيد بعد ذلك أذكارا أخرى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. أو يقول: سبحان الله
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1
(5) سورة الإخلاص الآية 1
(6) سورة الفلق الآية 1
(7) سورة الناس الآية 1(9/66)
وبحمده سبحان الله العظيم. أو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. كل هذا طيب وليس له حد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (1) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم (3) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، برقم (2137) .
(2) أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم (515) ، ومالك في كتاب النداء للصلاة، باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى، برقم (489) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو سبح. . .، برقم (1682) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم (2694) .(9/67)
23 - حكم الزيادة على الأذكار الواردة عقب الصلوات
س: بعضهم يذكر جملة من لأذكار يا سماحة الشيخ فيقول: إذا قلت مثلا: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله العظيم وبحمده بكرة وأصيلا، ولله الحمد. فإذا زدت مثل هذا الذكر هل يؤثر أو لا؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك لكن يأتي بالأذكار الشرعية على حدة، ويأتي بما زاد على حدة على وجه آخر.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (317) .(9/68)
24 - بيان كيفية التسبيح بعد كل صلاة
س: يسأل عن كيفية التسبيح بعد كل صلاة، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: السنة بعد صلاة الفريضة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله – ثلاث مرات بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر – اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أول ما يسلم الإمام والمنفرد والمأموم، كل واحد إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط (317) .(9/68)
الجلال والإكرام. قبل كل شيء، هذا أول شيء، ثم الإمام ينصرف إلى الناس بعد هذا، ينصرف الإمام إلى الناس ويعطيهم وجهه، ثم يقول بعد ذلك الإمام والمنفرد والمأموم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. مرة واحدة أو ثلاث مرات، كله جاءت به السنة، ثم يقول بعدها: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. يعني: لا غنى إلا منك، ولا عطاء إلا عطاؤك. هذه السنة للجميع للإمام والمنفرد والمأموم بعد قول: أستغفر الله – ثلاثا – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يأتي بهذا الذكر، نعيده: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن شاء زاد: يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. أو: يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. كله جاءت فيه الأحاديث: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن شاء قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وإن شاء قال:(9/69)
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وإن شاء قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. كل هذا جاءت فيه النصوص، ويقول بعدها: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم يقول: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له الحمد وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين – يعنى له العبادة، يعنى الدين، معنى العبادة مخلصين له الدين – ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة عليه الصلاة والسلام، فالسنة للإمام والمنفرد والمأموم أن يقول هذا تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويستحب أن يزيد في المغرب والفجر زيادة عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات مع ما ذكر في الفجر والمغرب خاصة؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات(9/70)
يقولها بعد المغرب زيادة وبعد الفجر، ويستحب بعد هذا كله أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة. هذه تسعة وتسعون ثم يقول: بعد ذلك تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من فعل هذا غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » هذا فضل عظيم، ويستحب للمؤمن والمؤمنة جميعا أن يأتي بهذا الذكر الذي تقدم كله، الرجل والمرأة جميعا، ويستحب للجميع أيضا أن يقول كل واحد: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، ويقول مع ذلك في آخر ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا قال ذلك غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. وعد عظيم، وفضل كبير، والمعنى إذا لم يصر على السيئات، هذه المغفرة جاءت في الأحاديث الأخرى، تدل على أنها مقيدة بعدم الإصرار على الكبائر على المعاصي لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .
(2) سورة النساء الآية 31(9/71)
فالمسلم إذا تجنب الكبائر كالزنى والسرقة والعقوق للوالدين أو أحدهما، وشرب الخمر، والغيبة والنميمة وأشباهها من الكبائر إذا تجنبها غفر الله له خطاياه في صلاته ووضوئه وتسبيحاته، وغير ذلك من وجوه الخير، وهذا معنى قوله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (1) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (2) » ويستحب أيضا للمؤمن والمؤمنة بعد كل صلاة مع ما تقدم أن يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (3) ، هذه آية الكرسي ينبغي حفظها، الرجل والمرأة، كل واحد ينبغي حفظها، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} (4) - يعني نعاس -،
__________
(1) سورة النساء الآية 31
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب المكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) .
(3) سورة البقرة الآية 255
(4) سورة البقرة الآية 255(9/72)
{وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (1) يقرؤها المؤمن والمؤمنة بعد كل صلاة، مؤمن بما دلت عليه، مؤمن بما فيها، ويستحب أيضا أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) ، والمعوذتين بعد كل صلاة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (4) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6) ، بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (7) {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (8) {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (9) {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (10) {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (11) ، بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (12) {مَلِكِ النَّاسِ} (13) {إِلَهِ النَّاسِ} (14) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (15) {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} (16) {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (17) بعد كل صلاة كل هذا مستحب، لكن يكررها بعد المغرب والفجر ثلاث مرات، بعد المغرب خاصة والفجر ثلاث مرات يكرر:
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 2
(5) سورة الإخلاص الآية 3
(6) سورة الإخلاص الآية 4
(7) سورة الفلق الآية 1
(8) سورة الفلق الآية 2
(9) سورة الفلق الآية 3
(10) سورة الفلق الآية 4
(11) سورة الفلق الآية 5
(12) سورة الناس الآية 1
(13) سورة الناس الآية 2
(14) سورة الناس الآية 3
(15) سورة الناس الآية 4
(16) سورة الناس الآية 5
(17) سورة هود الآية 119(9/73)
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (2) ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) ، مع التسمية في كل واحدة، ويستحب أن يقرأ عند النوم أيضا آية الكرسي وهذه الثلاث السور عند النوم، يقرأ آية الكرسي مرة واحدة، ويقرأ هذه الثلاث السور عند النوم ثلاث مرات عند النوم، هي من أسباب السعادة والعافية من كل شيء، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الفلق الآية 1
(3) سورة الناس الآية 1(9/74)
25 - حكم جمع التسبيح والتحميد والتكبير في وقت واحد
س: السائل: أ. ع، يقول: هل يجوز النطق في التسبيح بـ: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. في وقت واحد دون إفراد كل واحدة منها؟ (1)
ج: هو مخير، إن شاء قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. جميعا يكررها ثلاثا وثلاثين مرة بعد كل صلاة، وإن شاء كل واحدة وحدها: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين، كله جائز، ولكن جمعها أسهل وأيسر، جمعها: سبحان الله،
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (431) .(9/74)
والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، جمعها أيسر، ثم يختم المائة بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. بعد كل صلاة: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. بعد الذكر.(9/75)
26 - بيان السنة في ترتيب الأذكار عقب السلام
س: السائلة التي رمزت لاسمها بأم محمد تقول: هل الأذكار بعد كل صلاة كالتسبيح ثلاثا وثلاثين مرة، والتحميد ثلاثا وثلاثين مرة، والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير تكون مرتبطة بقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين؟ أفيدوني بذلك. (1)
ج: سنة بعد السلام، إذا سلم واستغفر ثلاثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أن يأتي بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير – مرتان أو ثلاث مرات – لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (357) .(9/75)
مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لم أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ثبت في الحديث عن المغيرة بن شعبة، ومن حديث ابن الزبير ومن حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بهذا عليه الصلاة والسلام، كان إذا سلم استغفر ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (1) » ثبت من حديث ثوبان ومن حديث ابن الزبير كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (2) » وثبت من حديث المغيرة أنه عليه السلام إذا سلم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (3) » هذا كله يؤتى به قبل التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة، ثم تمام
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/76)
المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم يأتي بآية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) ثم يأتي: بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين بعد ذلك بعد كل صلاة، ويستحب أن يزيد في المغرب والفجر التهليلات العشر مع ما ذكر يزيده عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات بعد المغرب، وبعد الفجر قبل أن يأتي بالتسبيح والتحميد إلى آخره.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1(9/77)
27 - بيان أنواع التسبيح المشروع بعد كل الصلاة
س: ما هو التسبيح المستحب لكل صلاة؟ وهل الحركة تبطل الصلاة؟ (1)
ج: التسبيح المشروع بعد كل صلاة أنواع، لكن أكملها: سبحان الله، والحمد لله، والله وأكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، هذا أكمل الأنواع، ثم يختم فيها بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. بعد كل صلاة، هذه تسعة وتسعون، ثم يقول تمام
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (224) .(9/77)
المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. هذا يدل على فضل هذا الدعاء العظيم بعد كل صلاة، وفيه هذا الخير العظيم، وفي رواية عند مسلم (2) رحمه الله: بدل لا إله إلا الله التكبير أربعا وثلاثين، والتسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، الجميع مائة. هذا نوع آخر، وفيه نوع ثالث: يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين، ولا يأتي بشيء زيادة على هذا، علم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء. وهناك نوع رابع، وهو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمسا وعشرين مرة،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (596) .(9/78)
يزيد فيها: لا إله إلا الله. الجميع مائة، كله طيب، وإن كان يفعل هذا تارة وهذا تارة لكن أفضلها أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين، ثم يختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.(9/79)
28 - حكم صلاة من لم يأت بالأذكار بعد الصلاة
س: التسبيحات والدعوات هل هي فرض أم سنة، وهل هناك تسبيحات ودعوات خاصة بعد الصلوات، وإذا لم يسبح أو يدعو الإنسان بعد الصلاة هل صلاته تكون كاملة أم لا؟ (1)
ج: الصلاة صحيحة، والذكر بعدها مستحب وليس بواجب، ولو صلى ولم يأت بالذكر صلاته صحيحة، لكنها ناقصة من جهة أنه لم يكملها بالذكر الشرعي، وإلا فالصلاة صحيحة، لكن الصلاة التي تكمل بالذكر أفضل منها وأكمل، والسنة بعد الصلاة إذا سلم أن يستغفر ثلاثا، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (2) » كما كان النبي يفعل عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (216) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/79)
والسلام، وإذا كان إماما بعد هذا الذكر ينصرف للناس يعطيهم وجهه، أما المأموم والمنفرد فيقول ذلك وهو مستقبل القبلة في مكانه، وإن قال ذلك وهو واقف أو ماش فلا حرج، لكن الأفضل أن يصبر حتى يأتي بالأذكار الشرعية، ويقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كان النبي يفعل هذا بعد كل الصلوات عليه الصلاة والسلام، فالسنة للمؤمن والمؤمنة أن يأتي بهذه الأذكار بعد كل صلاة، كذلك يستحب أن يسبح الله الرجل والمرأة، ويحمد الله، ويكبر الله ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. بعد كل صلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد(9/80)
البحر (1) » وهذا فضل عظيم، وفيه خير كثير، والمعنى إذا لم يصر على السيئات، إذا لم يكن له سيئات قد أصر عليها فإن الله يغفر له بهذا الذكر، سيئاته الصغائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (2) » وفي الرواية الأخرى: «ما لم تغش الكبائر (3) » فوصيتي لكل مؤمن ومؤمنة أن يأتي بهذه الأذكار بعد كل صلاة، ولا يعجل، يأتي بها وهو جالس، وإن أتى بها وهو قائم أو ماش فلا حرج، ويستحب أن يزيد في المغرب والفجر عشر تهليلات، بعد الفجر والمغرب، كان النبي يفعلها عليه الصلاة والسلام: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، هذا أفضل زيادة على ما تقدم، والذكر منوع، وإذا أتى بواحدة منها فقد أصاب السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب المكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب المكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) .(9/81)
29 - حكم رفع الصوت بالأذكار بعد الانصراف من المكتوبة
س: السائلة: م. م. يقول: سماحة الشيخ، ما هو الأفضل في السنة عندما أسبح وأهلل وأكبر، هل أخفض صوتي أم هو في النفس أم هو على الشفتين؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: السنة رفع الصوت بالأذكار، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (2) » فالسنة رفع الصوت، إذا سلم قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يرفع صوته بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مرة، والأفضل ثلاثا بعد الظهر والعصر والعشاء، وبعد المغرب والفجر يزيد ذلك عشر مرات: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، يرفع الصوت ليسمع من حوله، يسمعه من في باب المسجد، يسمعون هل انقضت الصلاة أم لا،
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (411) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/82)
كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » ؛ لأنه كان صبيا قد يحضر الجماعة وقد لا يحضر الجماعة، فالمقصود أن السنة الجهر، بعض الناس إذا سلم يخافت، هذا خلاف السنة، بل السنة إذا سلم أن يرفع صوته حيث يسمعه من حوله ويعلم الناس أن الصلاة انتهت، ثم بعد هذا يسبح الله، ويحمد الله، ويكبره ثلاثا وثلاثين، هذه لو خفض صوته فيها لا بأس؛ لأن العلم بانتهاء الصلاة قد علم بالأذكار الأولى، فإذا خفض صوته بعض الشيء بـ: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة فلا بأس، وإن رفع فلا بأس لأنها تبع الذكر، السنة أن يقول بعد الصلاة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسع وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/83)
الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » هذا فضل عظيم، وجاءه الفقراء من المهاجرين وقالوا: يا رسول الله، إن إخواننا أهل الأموال غبنونا، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق – يعني ما عندنا شيء – ويعتقون، ولا نعتق. فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على شيء تسبقون به من بعدكم وتدركون به من سبقكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " فرجعوا إليه وقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال ففعلوا مثلنا. قال لهم صلى الله عليه وسلم: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (2) » إذا جمع الله لهم الصدقة بالأموال والأذكار الشرعية هذا فضل الله جل وعلا، والفقير له فضله وله أجره مثل أجورهم لأنه منعه العجز، الإنسان إذا منعه العجز ونيته الصالحة أنه ينفق له أجر المنفقين، كما أن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (843) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (595) ، واللفظ له.(9/84)
المجاهد في سبيل الله له أجر عظيم، والقاعد له مثل أجره، القاعد الذي عجز عن الجهاد وهو يحب الجهاد لكن عجز لمرض ونحوه له مثل أجر المجاهدين فضل من الله.(9/85)
30 - مسألة في الترتيب بين الأذكار عقب الصلاة
س: هل يلزم الترتيب في هذه الأذكار، ولو قدم بعضها على بعض هل في ذلك شيء؟ (1)
ج: السنة يقدم: أستغفر الله. ثلاثا أول ما يسلم، ثم بعدها يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. مرة أو ثلاث مرات كما في حديث ابن الزبير والمغيرة، ثم يقول: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. صح من حديث المغيرة ومن حديث ابن الزبير أن النبي كان يفعل هذا إذا سلم لحديث ثوبان، أول ما يسلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (411) .(9/85)
«اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (1) » ثم ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم يقول كما في حديث ابن الزبير والمغيرة السابق، يجهر بهذا بعد الصلوات الخمس، ويزيد في المغرب وفي الفجر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، كما ثبت في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد هذا يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يختمها بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يستحب له أن يأتي بآية الكرسي بعد هذا، ثم يأتي بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) ، والمعوذتين بعد ذلك، وفي الفجر والمغرب يكررها ثلاثا في أول الصباح وأول الليل، أما بعد الظهر والعصر والعشاء مرة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(2) سورة الإخلاص الآية 1(9/86)
31 - مسألة في حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة
س: كيف الرد على من يقول بجواز رفع الصوت بالذكر عقب(9/86)
الصلاة يحتج بقول ابن عباس رضي الله عنهما: رفع الصوت بالذكر كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وجهونا سماحة الشيخ. (1)
ج: نعم، هذا هو السنة رفع الصوت بالذكر، أما من قال إنه بدعة فهو غلطان، السنة أن يرفع الصوت بالذكر كما كان النبي يفعل وأصحابه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (2) » فالسنة للإمام والمأمومين إذا سلموا من الصلاة رفع الصوت رفعا متوسطا لا صراخ فيه حتى يتعلم الجاهل ويتذكر الناسي، أما ما يفعل بعض الناس يهلل بينه وبين نفسه فلا، هذا خلاف السنة، السنة أن يرفع الصوت بالذكر حتى يتتابع الناس بأفعال السنة.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (385) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/87)
32 - حكم قول الأوراد الشرعية والإنسان مشغول بالأعمال
س: تقول السائلة: هناك ورد وتسابيح تقولها والدتي بعد كل صلاة،(9/87)
ولكن انشغالها بالأعمال المنزلية لا يسمح لها الوقت أن تقوله على السجادة، هل يصح أن تقوله وهي مشغولة بالأعمال المنزلية من غير عدد؟ أرشدوني وفقكم الله. (1)
ج: لا حرج في ذلك، لا حرج أن تأتي بالأوراد الشرعية أول النهار أو آخر النهار، أو أول الليل وهي في أعمالها من طبخ وكنس، وغير ذلك جمعا بين المصالح إذا تيسر لها أن تجلس قليلا بعد صلاة الفجر والعصر والمغرب حتى تكمل بعض الورد والأشياء المشروعة فهذا حسن، وإن لم يتيسر ذلك أتت بها في حال انشغالها؛ لأن هذا جمع بين المصالح، لا حرج فيه والحمد لله، لكن جلوسها في مصلاها حتى تأتي بالورد يكون أخشع للقلب، وأجمع للقلب إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر أتت بذلك في أعمالها.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (25) .(9/88)
33 - بيان دخول النساء في فضل حديث «من صلى الفجر في جماعة»
س: أم عبادة تقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى(9/88)
ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة (1) » هل هذا الفضل يكون للنساء أيضا إذا صلين في بيوتهن؟ وهل يشترط لهذا الفضل أن تكون الصلاة في جماعة؟ أي هل يكون للمرأة إذا صلت في بيتها وحدها غير جماعة وقعدت تذكر الله حتى تطلع الشمس ذلك الفضل؟ وجهونا جزاكم الله خيرا. (2)
ج: نعم يرجى لها ذلك، يرجى لها هذا الفضل العظيم، أما الصلاة المذكورة فتكون بعد أن تطلع الشمس، أي عند ارتفاع الشمس قدر رمح، أي بعد ربع ساعة أو نحوها من مطلع الشمس.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجمعة، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، برقم (586) .
(2) السؤال الثالث من الشريط رقم (327) .(9/89)
34 - حكم النوم بعد صلاة الصبح
س: هل النوم بعد صلاة الصبح عمل من أعمال الجاهلية؟ (1)
ج: لا أعلم فيه بأسا، النوم بعد الصلاة لا أعلم فيه بأسا، ولا حرج منه، لكن الجلوس بعد الصلاة للذكر والاستغفار والقراءة حتى ارتفاع
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (316) .(9/89)
الشمس هذا أفضل، كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا، وهو أفضل، ولو نام لا حرج عليه، لا أعلم فيه حرجا؛ لأن الأصل أنه لا ينهى عن شيء إلا ما نهى الله عنه ورسوله، فإذا جلس الإنسان في مصلاه يذكر الله أو يقرأ حتى ترتفع الشمس هذا أفضل تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإذا خرج إلى بيته أو إلى أعماله أو نام فلا حرج عليه في ذلك، والحمد لله.(9/90)
س: ما هو الحكم في النوم بعد صلاة الفجر؟ وهل يقسي القلب، وهل يعتبر من المنكرات؟ (1)
ج: ليس في النوم بعد الفجر حرج، ولا نعلم فيه بأسا، وما اشتهر بين الناس أنه فعل غير طيب، وأنه كذا وكذا ليس عليه دليل يعتمد عليه، فالنوم بعد الفجر لا حرج فيه وبعد العصر لا حرج فيه، لكن من جلس بعد الفجر في مصلاه يقرأ ويستغفر الله، ويسبح ويهلل ونحو ذلك حتى تطلع الشمس يكون هذا أفضل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ترك فلا حرج عليه، فمن قام لحجاته أو نام، أو اشتغل بأشياء أخرى فلا بأس عليه.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (310) .(9/90)
س: إني رجل أصلي مع الجماعة في صلاة الفجر، وبعد انتهاء الصلاة أتكئ وأنام حتى طلوع الشمس، هل علي إثم في ذلك؟ (1)
ج: لا حرج عليك، لكن الأفضل من هذا أن تشتغل بذكر الله، وقراءة القرآن، والتسبيح والدعاء حتى تصبح إذا تيسر لك ذلك، هذا هو الأفضل، وأما النوم فلا حرج فيه، لكن كونك تعمر وقتك هذا عظيم أول النهار، بالذكر والدعاء فهو الأفضل.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (209) .(9/91)
35 – حكم التسبيح جماعة بصوت مرتفع
س: سائل يقول: أرجو الإيضاح التام عن مسألة التسابيح والذكر بـ: لا إله إلا الله، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من الصلاة في المسجد، هل تكون جماعية وبصوت مرتفع أم على انفراد وبصوت منخفض؟ جزاكم الله خيرا. /8 L681750 8/
ج: التسبيح والتهليل بعد الصلاة مشروع للجميع، كلهم يرفعون أصواتهم جميعا، من دون مراعاة لأن يكون جماعيا، كل يرفع صوته من غير مراعاة لصوت الآخر، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان(9/91)
رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » فابن عباس رضي الله عنهما بين أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بعد السلام حتى يعلم من حول المسجد أنهم سلموا، هذا هو السنة، لكن ليس معناه أنه بصوت جماعي منظم، لا، بل هذا يذكر الله وهذا يذكر الله، والحمد لله، ومن دون أن يراعى صوت جماعي.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/92)
س: قراءة التسبيح إثر كل صلاة مفروضة بصوت عال مع الجمعة هل هو جائز؟ (1)
ج: السنة رفع الصوت بالأذكار كلها بعد الصلوات: بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول رضي الله عنه: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (2) » يعنى يسمع صوت الذاكرين بعد السلام، فيعلم أنهم
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (316) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/92)
انصرفوا، كان صبيا صغيرا قد لا يحضر صلاة الجماعة، فيسمع أصواتهم وهو خارج المسجد، وكان حين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم قد راهق الاحتلام، وهذا الكلام قاله في حال صغره، فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع الصوت بالذكر وهكذا الصحابة بعد السلام، ولهذا سمعه الصحابة، ونقلوا ذكره صلى الله عليه وسلم، سمعوه يقول إذا سلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (1) » وسمعوه يقول: لا إله إلا الله. إذا انصرف إلى الناس وأعطاهم وجهه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. أخبر الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، ثوبان أخبر عن بعض هذا، وابن الزبير عن بعض هذا، والمغيرة بن شعبة كذلك، كلهم أخبروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يسمعونه يأتي بهذه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/93)
الأذكار، وهكذا التسبيح يشرع بعد كل صلاة من الخمس أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، يكررها ثلاثا وثلاثين مرة. النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من فعل ذلك وختمها بكلمة التوحيد يغفر له، فقال صلى الله عليه وسلم: «من سبح ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » هذا فضل عظيم. ولما جاءه فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور – أي أهل الأموال – بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق – يعني ما عندنا مال هم يتصدقون ونحن ما نتصدق، هم يعتقون ونحن ما نعتق، ما عندنا أموال – فقال عليه الصلاة والسلام: " ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتحمدون
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/94)
وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة (1) » هذا يدل على فضل هذا التسبيح والتحميد والتكبير، وأنه يختمه بـ: لا إله إلا الله. أي يختم المائة بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. أو يزيد في التكبيرة، يكون التكبير أربعا وثلاثين، يكون الجميع مائة، كل هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحب هذا الذكر عند النوم أيضا، عند النوم يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر أربعا وثلاثين، الجميع مائة عند النوم، فاستحب هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمه عليا وفاطمة رضي الله عنهما عند النوم، وهو تعليم لهما ولغيرهما من الأمة، التعليم لعلي ولفاطمة تعليم للأمة كلها، ورفع الصوت مشروع لكن وسط يسمعه من حولهم، يسمعه من خارج المسجد أنهم سلموا ما فيه شيء متكلف، صوت عال مسموع كل واحد لنفسه، كل واحد يذكر الله لنفسه، ليس بذكر جماعي.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/95)
36 - حكم حديث إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار، سبع مرات
س: هناك حديث رواه ابن مسلم التميمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم(9/95)
أجرني من النار، سبع مرات (1) » وكذلك قال له بعد صلاة المغرب (2)
ج: نعم، هذا رواه أبو داود، ولا بأس به، بعضهم جرحه؛ لأن التابعي فيه جهالة، ولكن إذا فعله الإنسان نحسن الظن إن شاء الله؛ لأن الغالب على التابعين الخير، فلا بأس إذا قال بعد المغرب والفجر: اللهم أجرني من النار. سبع مرات، فهو حسن إن شاء الله.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الشاميين، من حديث الحارث التميمي، برقم (17592) ، وأبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (5079) .
(2) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (21) .(9/96)
37 - حكم قول: اللهم أنت السلام وإليك السلام بدلا عن قول: ومنك السلام
س: هل قول: اللهم أنت السلام وإليك السلام – بدلا عن قول: ومنك السلام – هل هذا مخل بالعقيدة؟ (1)
ج: السنة: اللهم أنت السلام ومنك السلام. هذا السنة: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. معنى أنه سبحانه هو السلام، يعني الكامل من كل نقص والسالم من كل عيب، وقيل معناه: المسلم لغيره مع كونه سالما
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (87) .(9/96)
في نفسه، هو مسلم لغيره أيضا، فالسلامة تطلب منه، ولهذا قال: (ومنك السلام) يعني السلامة والخير والعافية، كلها من الله، فهو السلام، يعني الكامل السليم من كل نقص وعيب، وهو أيضا الذي يمد عباده وخلقه بالسلامة سبحانه وتعالى، أما: وإليك السلام، فقد جاءت في بعض الروايات (1) ولا أذكر الآن صحتها، ولكني لا أعرف مدى الرواية التي جاءت بذلك هل هي من قبيل الحسن أو من قبيل الصحيح أو من قبيل الضعف، يحتاج الأمر إلى مراجعة، أما: وعليك السلام، فلا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام (2) » ما قال: لا تقولوا: السلام إلى الله، بل قال: لا تقولوا: السلام على الله. فلا يقال: السلام على الله من عباده. أو: السلام عليك يا ربنا. أو: عليك السلام يا ربنا. هذا لا يجوز؛ لأنه سبحانه المسلم لعباده، وهو الذي بيده السلام – سبحانه وتعالى – وأما: إليك السلام، فلها وجه إن صحت، يعني ينتهي إليه السلام، إليك: يعني ينتهي إليك، فأنت الذي
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن في كتاب الصلاة، باب من استحب له أن يذكر الله في مكثه ذلك برقم (2831) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(9/97)
بيدك السلام، وأنت الذي تعطي السلام، وأنت الذي تتصرف بعبادك بالسلام، فـ"إليك" معناها صحيح إن صحت الرواية.(9/98)
38 - بيان حكم الدعاء بعد الفريضة
س: هل الدعاء بعد الفرض سنة أم بدعة كما قال لي بعض الأشخاص؟ (1)
ج: الدعاء بعد الفرائض بينك وبين ربك لا بأس به، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بأس إذا دعوت بعد الفريضة بعد الذكر الشرعي فلا باس أن تدعو والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام أفضل وأكمل وأحرى بالإجابة، لكن لا يكون برفع اليدين ولا بالدعاء الجماعي لكن بينك وبين ربك من دون رفع اليدين بعد الفريضة؛ لأن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفريضة ولا أن الصحابة رفعوا أيديهم بذكر الله جماعيا، ولا دعوا دعوة جماعية، لا، ولكن الإنسان يدعو بينه وبين نفسه وبين ربه بعد فراغه من الذكر لا بأس بذلك ولا حرج، والنافلة جميعا كفرض.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (59) .(9/98)
39 - حكم تخصيص دعاء معين بعد كل صلاة
س: هل بعد كل صلاة دعاء مخصوص أم يدعو الإنسان بما يشاء؟ بينوا لنا ذلك مشكورين. (1)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الناس التحيات قال صلى الله عليه وسلم: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (2) » وفي اللفظ الآخر قال صلى الله عليه وسلم «ثم يتخير من المسألة ما شاء (3) » فالإنسان مشروع له بعد التحيات بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال أن يدعو بما تيسر قبل أن يسلم، وإذا دعا بالدعوات الواردة والمشروعة كان أفضل، مثل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. في آخر الصلاة قبل أن يسلم، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، هذا
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (332) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة برقم (609) .(9/99)
الدعاء العظيم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه، والدعاء الأول: اللهم أعني على ذكرك، علمه معاذا، وهكذا جاء في الأحاديث الصحيحة عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر (1) » وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت (2) » هذه الدعوات المأثورة أفضل من غيرها، وإذا دعا الإنسان بدعوات أخرى لصالحة لحاجته فلا بأس، كأن يقول: اللهم اقض ديني، اللهم أصلح ذريتي، اللهم أصلح زوجتي، اللهم وفقني لما فيه رضاك، اللهم اهدني سواء السبيل، اللهم ألهمني رشدي، وأعوذ بك من شر نفسي. إلى غير هذا مما يدعو به من الدعوات الطيبة لا بأس، ومن الدعاء: اللهم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من البخل برقم (6370) .
(2) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بدون لفظ (وما أسرفت وما أنت أعلم به مني) في كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل برقم (6317) ، وأخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه برقم (771) .(9/100)
ألهمني رشدي. هذا مأثور، وهو الذي علمه الحصين بن عبيد الخزاعي لما أسلم علمه أن يقول: «اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي. وهكذا: اللهم قني شح نفسي (1) »
المقصود أن يدعو بالدعوات الطيبة، ولو كانت غير مأثورة يدعو بها لا بأس. اللهم يسر لي زوجة صالحة إذا كان بحاجة إلى زوجة، والمرأة تقول: اللهم يسر لي زوجا صالحا. وما أشبه ذلك، اللهم يسر لي ذرية طيبة، اللهم اقض ديني، اللهم بارك لي فيما أعطيتني. وما أشبه ذلك من الدعوات الطيبة.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3483) .(9/101)
40- بيان الاستغفار المشروع دبر الصلوات المكتوبة
س: يقول السائل: كنت أستغفر الله دبر الصلوات المكتوبة عشر مرات دون الاستغفار كما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، ونيتي في ذلك المداومة على فعل هذا، فقال لي أحد الأشخاص: فعلك هذا بدعة، هل لكم توجيه سماحة الشيخ؟ وهل كلام الرجل صحيح؟ وما هو الاستغفار المشروع دبر الصلوات المكتوبة (1)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (413) .(9/101)
ج: السنة أن تستغفر ثلاثا كما ثبت في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا، وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) » قال له زائدا في تفسير ثان يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. هذا السنة، فإذا استغفر أربعا أو خمسا أو عشرا هذه زيادة بدعة، لكن إذا استغفرت بعد ذلك بعد الذكر فلا بأس، أما من أول ما تسلم اقتصر على ثلاث: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
تقولها مرة أو ثلاثا بعد كل صلاة، ثم تقول: لا حول ولا قوة إلا الله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ لأن هذا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحب في الفجر والمغرب أن تزيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/102)
وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، بعد ما ذكر في الفجر والمغرب، بعد الذكر السابق تأتي بعشر مرات في الفجر والمغرب، ثم تسبح الله وتكبره وتحمده ثلاثا وثلاثين بعد كل فريضة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر. ثلاثا وثلاثين بعد الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد الذكر المذكور: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، وتختم المائة بقولك: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لما ثبت في الصحيح صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » وهذا فضل عظيم، وإذا استغفرت بعد هذا، دعوت ربك بعد ذلك فلا بأس.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/103)
41- بيان الأذكار التي يرفع بها المسلم صوته بعد الصلاة
س: يسأل ويقول: ما هي الأذكار التي يرفع بها المسلم صوته بعد(9/103)
الصلاة والتي لا يرفع بها صوته (1)
ج: السنة بعد الصلاة رفع الصوت بالذكر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يرفعون أصواتهم بالذكر عقب الصلاة بعد الخمس كلها؛ صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهكذا الجمعة يبدأ بقوله: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، حين يسلم يرفع صوته حتى يسمعه من حوله، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن كررها ثلاثا فحسن ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. يقوله الإمام والمأموم والمنفرد عقب الصلوات الخمس، هذا الذكر. لكن الإمام يقول ذلك بعدما ينصرف إلى الناس، يستغفر الله ثلاثا وهو إلى القبلة، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم ينصرف إلى الناس
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (290) .(9/104)
يعطيهم وجهه، ويأتي بالأذكار.
أما المأموم فيأتي بهذا كله من حين يسلم، ويأتي أيضا بزيادة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين بعد كل صلاة، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة. يرفع بها صوته حتى يسمعه من حوله، حتى يستفيد من حوله، ويتمم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذه يرفع فيها صوته، ويزيد في المغرب والفجر عشر تهليلات يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، مع ما تقدم، مع الذكر الذي تقدم يزيد هذه العشر بعد السلام، فالإمام والمنفرد والمأموم كلهم عشر تهليلات بعد الفجر وبعد المغرب زيادة على ما تقدم، وإن قال: بيده الخير، أو: هو حي لا يموت، كله طيب، عشر مرات، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك بعد الفجر والمغرب زيادة على ما تقدم، ويستحب للجميع بعد ذلك من دون رفع الصوت أن يقرأ آية الكرسي، الإمام والمنفرد والمأموم، يقرأ آية الكرسي أيضا بعد هذا كله من غير رفع صوت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 255(9/105)
هذه آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وأفضل آية في القرآن، يستحب أن يأتي بها المؤمن والمؤمنة بعد كل صلاة، بعد الذكر المتقدم للرجل والمرأة، مستحبة للجميع، ويستحب أيضا أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين بعد كل صلاة، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) بعد كل صلاة، لكن يكررها ثلاثا بعد الفجر والمغرب، يكرر هذه السور الثلاث ثلاث مرات بعد المغرب وبعد الفجر: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (5) ثلاث مرات، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (6) ثلاث مرات، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (7) ثلاث مرات بعد المغرب وبعد الفجر، وقد كتبنا في هذا رسالة مختصرة توزع بين أيدي الإخوان، من أرادها وجدها، رسالة مختصرة بينا فيها هذه الأذكار، نسأل الله للجميع التوفيق.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1
(5) سورة الإخلاص الآية 1
(6) سورة الفلق الآية 1
(7) سورة الناس الآية 1(9/106)
42- حكم الدعاء وقراءة الفاتحة بعد الصلاة
س: ما حكم الدعاء بعد الصلاة، هل نفعله أم لا نفعله؟ وكذلك حكم قراءة الفاتحة بعد ختم الصلاة بالتسبيح (1)
ج: الدعاء مشروع، لكن الأفضل أن يكون آخر الصلاة قبل أن يسلم، هذا هو الأفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في الدعاء في آخر الصلاة لما علمهم التشهد والتحيات، قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (2) » وفي لفظ آخر: «ثم يتخير من المسألة ما شاء (3) » كان النبي يدعو في آخر صلاته قبل أن يسلم، هذا هو الأفضل، والدعاء المشروع هو: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. بعد قوله: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ومن الدعاء المشروع أيضا في الصلاة في السجود وفي آخر الصلاة: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (323) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة برقم (609) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة برقم (609) .(9/107)
إنك أنت الغفور الرحيم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله الصديق عن دعائه في صلاته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (1) »
هذا الدعاء العظيم يدعى به في السجود، في آخر الصلاة، وبين السجدتين، كله طيب، دعاء عظيم. وهكذا: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعذني يا رب من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر. كان النبي يدعو بها في آخر الصلاة عليه الصلاة والسلام. وهكذا: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت. كان يدعو بها أيضا عليه الصلاة والسلام في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، وإن دعا بغير هذا فلا بأس، وإن دعا بعد السلام والذكر بدعوات بينه وبين الله فلا بأس أيضا، لكن يبدأ بالذكر، يستغفر ثلاثا بعد أن يسلم ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يذكر الله يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر برقم (2705) .(9/108)
له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. بعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد الفجر وبعد الجمعة، هذه الأدعية كلها سنة.
ويستحب مع هذا أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة بعد هذا الذكر، بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ذلك ثلاثا وثلاثين مرة، وأخبر أن في هذا فضلا عظيما، فيستحب لكل مؤمن وكل مؤمنة بعد كل صلاة وبعد الذكر المتقدم أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، ثم يختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من أسباب المغفرة، ويستحب له أن يقرأ مع هذا آية الكرسي بعد كل صلاة، وبعد(9/109)
هذا الذكر يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) إلى قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) ويقرأ المعوذتين، و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) أيضا بعد كل صلاة، كل هذا مستحب، ويكررها ثلاثا بعد المغرب والفجر، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (5) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (6) ، يستحب تكرارها ثلاث مرات: بعد الفجر، وبعد المغرب، وعند النوم، كله سنة، أما بعد الظهر والعصر والعشاء فمرة واحدة، كل هذا مستحب ينبغي للمؤمن والمؤمنة الحرص على هذا الشيء في صلواته لما فيها من الخير العظيم، أما الحمد فلا يشرع قراءتها بعد الصلاة، ما ورد أنها تقرأ بعد الصلاة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (7) لا نعلم في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أنها تقرأ بعد الصلاة، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة البقرة الآية 255
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة الفلق الآية 1
(6) سورة الناس الآية 1
(7) سورة الفاتحة الآية 2(9/110)
43- حكم صلاة السنة الراتبة بعد الفريضة قبل الإتيان بالذكر
المشروع عقب الصلاة س: سائلة من المنطقة الشرقية تقول في سؤالها: هل تجوز صلاة النافلة بعد الفريضة مباشرة أم أنه يستحسن أن أسبح وأهلل وبعد ذلك أصلي النافلة؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة أن تكون النافلة بعد الذكر، إذا صلى المسلم أو المسلمة الفريضة يأتي بالذكر يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن كررها ثلاثا فهو أفضل، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. بعد كل فريضة، إلا في المغرب والفجر يزيد مع هذا زيادة عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات، الزيادة بعد المغرب وبعد الفجر، وبعد هذا كله يسبح الله
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (302) .(9/111)
ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين، يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
كل هذا مستحب بعد كل فريضة، ثم يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) الآية كاملة، ثم يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) بعد الظهر والعصر والعشاء مرة واحدة، وبعد الفجر والمغرب يقرأ هذه السور ثلاث مرات، كل هذا مستحب، ثم يقوم للإتيان بالراتبة، السنن الراتبة: سنة المغرب، سنة العشاء، سنة الظهر – بعد هذا كله – أما العصر فسنتها مثلها أربع ركعات تسليمتين، والفجر سنتها قبلها تسليمة واحدة ركعتان، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1(9/112)
س: الأخت السائلة تقول: هل التسبيح والدعاء بعد الصلاة الفريضة يمكن أن نعملها بعد صلاة السنة؛ أي بعد الانتهاء من الصلاة؟ وما(9/112)
هو الدعاء والتسابيح المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم (1)
ج: التسبيحات المأثورة كلها بعد الفريضة، كان يسمعه الصحابة ويعلم الصحابة، أما بعد النوافل ليس هناك إلا الاستغفار، إذا سلم في النافلة يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أما الأذكار الأخرى كلها جاءت بعد الفريضة، أما هذا بعد الفرض والنفل، يقول ثوبان رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا، وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (2) » رواه مسلم وغيره، ولم يقل: المكتوبة. فدل على أنه من كل صلاة يستغفر في النافلة والفرض، أما الأذكار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، إلى آخره، هذه إنما جاءت بعد الفرائض، لم تبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الفرائض، ولم يبلغنا عنه أنه فعلها بعد النوافل عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (416) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/113)
س: يقول هذا السائل: الأدعية والتسابيح التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة، هل يجوز أن تكون بعد صلاة السنة (1)
ج: السنة بعد الفريضة خاصة.
__________
(1) ورد هذا السؤال بدون رقم للشريط.(9/114)
س: أذكار ما بعد السلام في الصلاة هل يجب أن تكون بعد الصلاة المكتوبة مباشرة أم يمكنني أن أؤدي السنة البعدية ثم أداء تلك الأذكار (1)
ج: السنة أن تأتي بالأذكار قبل السنة البعدية، تأتي بالأذكار ثم السنة الراتبة، أذكار الظهر قبل السنة الراتبة، وأذكار المغرب قبل السنة والعشاء كذلك، كان النبي يأتي بها قبل عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) ورد هذا السؤال في الشريط رقم (358) .(9/114)
س: هل يجوز قراءة الأذكار المشروعة بعد الفراغ من الصلاة – أي بعد الراتبة – وليس بعد الفريضة مباشرة (1)
ج: لا، السنة بعد الفريضة، السنة أن يأتي بالأذكار الشرعية بعد
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (427) .(9/114)
الفريضة، ثم الراتبة بعد ذلك، والنبي كان يفعلها إذا سلم عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشروع.(9/115)
44- حكم رفع الأصوات بعد الصلاة بالاستغفار
س: ما رأي سماحتكم في الاستغفار برفع الأصوات بعد كل صلاة، مع العلم أن هناك أناسا متأخرين في الصلاة قد يشوشون عليهم؟ (1)
ج: السنة رفع الصوت بالذكر إذا سلم الناس من المكتوبة، السنة رفع الصوت بالاستغفار والذكر لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رفع الصوت في الذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (2) » هذا يدل على أنه معروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يرفعون أصواتهم بالذكر، وأن من كان خارج المسجد يسمع ذلك، ويعلم أن الصلاة قد انتهت.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (294) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (841) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583) .(9/115)
45- حكم التسبيح باليد اليمنى واليسرى
س: السائلة ن. ع. ن من اليمن تقول: هل التسبيح باليد اليمنى سنة مؤكدة، والتسبيح باليسرى بدعة؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح باليمين؟ وما الدليل على ذلك؟ مأجورين (1)
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن التسبيح باليمين أفضل، ومن سبح باليسار فلا بأس، أو سبح بهما جميعا باليمنى واليسرى، كل ذلك لا بأس به، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله (2) » وجاء عنه «صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيده اليمنى (3) » وقال للنساء: «اعقدن بالأنامل (4) » يعني
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (416) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم (168) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، برقم (1502) ، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد، برقم (3486) والنسائي في كتاب السهو، باب عقد التسبيح برقم (1355) .
(4) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث يسيرة رضي الله عنها، برقم (26549) وأبو داود في كتاب الصلاة باب التسبيح بالحصى، برقم (1501) والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب عقد التسبيح باليد، برقم (3583) .(9/116)
اليسرى واليمنى جميعا، فالأمر في هذا واسع، عقد التسبيح باليمين والشمال جميعا أو باليمنى كله جائز، ولكن اليمنى أفضل.(9/117)
س: السائل ع. ح. من الأردن يقول: هل يجوز التسبيح باليدين أم باليد اليمنى فقط؟ وإن كان فقط باليد اليمنى فأرجو توضيح الأسباب، جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا بأس بالتسبيح باليدين، لما قال صلى الله عليه وسلم للنساء: «اعقدن بالأنامل (2) » واليد اليمنى أفضل كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح باليمنى عليه الصلاة والسلام، تقول عائشة رضي الله عنها: «كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله (3) » إذا كان باليمين أفضل، وإن سبح بهما جميعا كما في حديث: «اعقدن بالأنامل (4) » للنساء، فلا حرج في ذلك، الأمر واسع والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (416) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث يسيرة رضي الله عنها، برقم (26549) وأبو داود في كتاب الصلاة باب التسبيح بالحصى، برقم (1501) والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب عقد التسبيح باليد، برقم (3583) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم (168) .
(4) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث يسيرة رضي الله عنها، برقم (26549) وأبو داود في كتاب الصلاة باب التسبيح بالحصى، برقم (1501) والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب عقد التسبيح باليد، برقم (3583) .(9/117)
س: هل التسبيح باليد اليمنى أفضل بالنسبة للمرأة أم يجوز أيضا باليسرى؟ (1)
ج: يجوز التسبيح باليدين جميعا، ولكن باليمين أفضل للجميع، إذا سبح باليمنى يكون أفضل، وإن سبح بهما الرجل أو المرأة كله طيب، لا حرج.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (413) .(9/118)
س: عند التسبيح والعقد على الأصابع بعد الصلاة، هل يجوز أن يسبح الإنسان بعدد الخطوط الثلاثة الموجودة على كل الأصابع أم لا؟ وهل يستخدم كلتا يديه في التسبيح أم اليمنى فقط؟ (1)
ج: السنة العد بالأصابع بخمسة أصابع تطبيقا وفتحا حتى يكمل ثلاثة وثلاثين، ويكون باليمنى أفضل، وإن سبح بالثنتين فلا حرج، والسنة أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يختم بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. كما جاء في الحديث الصحيح، وإن أفرد قال: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثا وثلاثين، الحمد لله، الحمد لله ثلاثا
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (246) .(9/118)
وثلاثين، والله أكبر، الله أكبر ثلاثا وثلاثين. فلا بأس، وهذا كله طيب، وإن جمعهما كان أضبط وأسهل: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، ثم يختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن شاء قال: يحيي ويميت. كله طيب: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. أو يزيد: بيده الخير وهو على كل شيء قدير. كله طيب، كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع الذكر، جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أنواع الذكر أنواع منها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1) »
ومنها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (2) » ومنها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير (3) » ومنها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .
(3) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/119)
على كل شيء قدير (1) » ومنها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير (2) » كله طيب، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، برقم (26011) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/120)
س: مستمعات يسألن: يقال: إن التسبيح فقط باليد اليمنى، أما اليسرى فلا يجوز، ما رأي سماحتكم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأمر واسع، إذا سبح بهما فلا بأس، وإن سبح باليمنى فهو الأفضل، «يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح باليمنى (2) » تقول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله (3) » فإن سبح باليمنى كان أفضل، وإن سبح بهما فلا حرج، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لبعض النساء: «اعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (344) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، برقم (1502) ، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد، برقم (3486) والنسائي في كتاب السهو، باب عقد التسبيح برقم (1355) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم (168) .(9/120)
مستنطقات (1) » وهو يعم اليدين جميعا. فالأمر واسع في هذا، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث يسيرة رضي الله عنها، برقم (26549) وأبو داود في كتاب الصلاة باب التسبيح بالحصى، برقم (1501) والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب عقد التسبيح باليد، برقم (3583) .(9/121)
46- حكم الكلام أثناء التسبيح
س: تقول السائلة: أنا بعد أن أصلي أبدأ في التسبيح، وعندما يكلمني أحد أرد عليه في أثناء التسبيح، هل في ذلك شيء؟ ولكني أيضا أنسى كم مرة سبحت، أرجو توجيهي، جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا حرج في ذلك، كون الإنسان يذكر الله بعد الصلاة ويتكلم عند الحاجة لا بأس، وإذا نسي يعيد حتى يأتي بالمشروع، إذا شك أنه سبح ثلاثا وثلاثين أو أقل يكمل، يعمل بالحيطة ويكمل حتى يحصل له الأجر.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (113) .(9/121)
47- حكم استعمال السبحة في التسبيح
س: هل من الجائز سماحة الشيخ أن أستعمل السبحة في التسبيح (1)
ج: الأفضل الأصابع، لكن في بيتك تستعمل السبحة أو عقدا أو حصى أو نوى لا بأس، لكن في المسجد أو مع الناس أصابع، هو السنة كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، فهو الأفضل لك.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (359) .(9/121)
48- حكم الزيادة على العدد الذي ورد في التسبيح
س: بالنسبة لمفهوم العدد في التسبيح، هل هو لازم أم أنه لا يتأثر بالزيادة (1)
ج: السنة أن يأتي بالذكر المشروع على وجهه، وإذا أحب أن يزيد بعد ذلك فلا بأس، يأتي مثلا بعد الصلوات بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين، ويختم المائة بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. أو يختمها بتكبيرة رابعة وثلاثين أو لا يأتي بهذا ولا هذا، يقتصر بتسعة وتسعين؛ يعني ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وثلاثا وثلاثين تكبيرة، لا بأس بذلك، وإذا أحب أن يزيد يأتي بمئات من التسبيح لا حرج في ذلك لكن يأتي بالأمر المشروع الذي شرعه الله أولا، ناويا اتباع السنة، وإذا أحب أن يزيد بعد ذلك فلا حرج، وإذا عجز بعض الناس عن الضبط يبني على اليقين الذي هو الأقل، هذا أفضل، وليس بلازم، مثلا شك هل قال تسعة وتسعين أو نقص واحدة يزيد واحدة، أو شك هل أتى بثمانين أو تسعين يجعلها ثمانين ويكمل، وهكذا، أو قال: رب اغفر لي.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (194) .(9/122)
هل قالها ثلاثا أو ثنتين يأتي بثالثة أفضل، وهكذا: سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود، شك هل أتى بثنتين أو ثلاث، يجعلها ثنتين ويأتي بثالثة أفضل وإلا فالواجب مرة واحدة: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة، وفي السجود سبحان ربي الأعلى مرة واحدة، لكن إذا أتى بها ثلاثا يكون أفضل، وإذا أتى بها خمسا يكون أفضل، وهكذا كلما زاد فهو أفضل، لكن الإمام يراعي عدم المشقة على المأموم إذا أتى بها خمسا أو سبعا أو عشرا اكتفى بذلك حتى لا يشق على المأموم، أما المأموم فإنه يأتي بالتسبيح والدعاء حتى يرفع الإمام.(9/123)
49- بيان بعض الآيات والسور التي تقرأ بعد الصلاة
س: هل تنصحون سماحة الشيخ بقراءة بعض الآيات أو السور (1)
ج: يستحب مع الأذكار بعد الصلاة أن يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (2) الآية، هذه آية واحدة يقال لها: آية الكرسي، وجاء في عدة أحاديث بعضها صحيح وبعضها فيه ضعف يشد بعضها بعضا، كلها تدل
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (246) .
(2) سورة البقرة الآية 255(9/123)
على شرعية قراءة هذه الآية بعد كل صلاة: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء، للرجل والمرأة هذه الآية العظيمة، وهي أعظم آية في كتاب الله، أعظم آية وأبسط آية، هذه الآية ينبغي حفظها، ينبغي لكل مؤمن أن يحفظها، ولكل مؤمنة كذلك أن تحفظها، وتقرأها بعد كل صلاة بعد الذكر، وتقرأها عند النوم أيضا، عند الاضطجاع للنوم في الليل يستحب قراءة آية الكرسي، فهي من أسباب حفظه من الشيطان.
فمن قرأها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، قاله النبي عليه الصلاة والسلام. فيستحب أن تقرأ عند النوم للرجل والمرأة جميعا، أما الجنب فلا يقرؤها، إذا كان جنبا لا يقرؤها؛ لأن الجنب ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل، أما الحائض والنفساء فلا مانع من قراءتها على الصحيح عن ظهر قلب؛ لأنهما ليستا مثل الجنب؛ لأن الجنب مدته قصيرة، يستطيع أن يغتسل، أما الحائض والنفساء فلهما أن تقرأ عن ظهر قلب من غير المصحف؛ لأن مدتهما تطول، وفي ترك القراءة مشقة عليهما، وتفويت لخير عظيم، فالصواب أن لهما القراءة عن ظهر قلب، ولهما مراجعة المصحف من وراء حائل عند الحاجة، كالقفازين ونحو ذلك.
ويستحب أيضا للمصلي إذا كان رجلا أو امرأة أن يقرأ:(9/124)
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين بعد كل صلاة: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين، وهما: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) بعد كل صلاة، ويكررها ثلاث مرات بعد المغرب والفجر، وعند النوم يكرر هذه السور الثلاث، بعد الفجر والمغرب وعند النوم، جاء في ذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، نسأل الله للجميع التوفيق وصلاح النية، والعمل والإعانة على كل خير.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1(9/125)
50- حكم قراءة آية الكرسي ورفع اليدين بالدعاء بعد الفريضة
س: ما حكم قراءة آية الكرسي بعد الصلاة، وكذلك الدعاء مع رفع اليدين وبعض الأحاديث الأخرى؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: يستحب للمؤمن والمؤمنة قراءة آية الكرسي بعد الفريضة للظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، تستحب قراءة آية الكرسي بعد كل
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (265) .(9/125)
فريضة مع قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين بعد كل فريضة، وتكرر ثلاث السور بعد المغرب والفجر ثلاث مرات، وعند النوم كذلك، هذا مستحب للرجل والمرأة، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقرأ آية الكرسي، وهي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) إلى آخرها، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين كذلك بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لكن يكرر السور الثلاث بعد المغرب والفجر ثلاث مرات، ويستحب أن يقرأها عند النوم ثلاث مرات أيضا.
أما رفع اليدين فلا يرفع يديه بعد الفرائض؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يرفع يديه بعد الفريضة، ولم يعرف عنه ذلك عليه الصلاة والسلام، وفعله سنة وتركه سنة، والذي يفعله نفعله، والذي يتركه نتركه، فلا يستحب رفع اليدين بعد الفرائض الخمس؛ لأن الرسول ما فعله عليه الصلاة والسلام، ولكن نذكر الله كما تقدم في سؤال مضى، تذكر الله، تقرأ آية الكرسي، وهذه السور الثلاث بعد كل فريضة من دون رفع اليدين تأسيا بالنبي بالفعل والترك، تذكر الله بعد
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة البقرة الآية 255
(3) سورة الإخلاص الآية 1(9/126)
الصلاة، تبدأ بالاستغفار تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، بعد السلام مباشرة، الإمام والمأموم والمنفرد، ثم الإمام ينصرف للناس ويعطيهم وجهه، ويقول الجميع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وقد بسطنا هذا في حلقة مضت، وفق الله الجميع.(9/127)
س: ما حكم قراءة آية الكرسي في دبر كل صلاة، وكذلك مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء (1)
ج: قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة سنة، جاء فيها عدة أحاديث فيستحب للمؤمن قراءتها بعد السلام وبعد الذكر، يقرؤها بينه وبين نفسه، هذا هو الأفضل، أما مسح الوجه باليدين فقد اختلف فيه العلماء، وورد فيه أحاديث ضعيفة، فالأفضل ترك ذلك، وإن مسح فلا حرج؛ لأن
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (223) .(9/127)
بعض أهل العلم رآها من باب الحسن لغيره، وأجاز المسح، فالأمر في هذا واسع، لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تدل على أن الترك أفضل؛ لأن الرسول ما كان يمسح لما دعا بالاستسقاء، لم ينقل عنه أحد أنه مسح يديه بعد الفراغ من دعاء الاستسقاء، والناس يسمعونه وينظرونه عليه الصلاة والسلام، وهكذا لا نعلم في الأحاديث الصحيحة أنه مسح عليه الصلاة والسلام، لكن جاء فيها أحاديث فيها ضعف أنه مسح، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في البلوغ: إن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن لغيره.(9/128)
س: تسأل المستمعة وتقول: بالنسبة لقراءة آية الكرسي، هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في الصباح والمساء (1)
ج: نعم حث على قراءتها عند النوم، وبعد الفريضة، عند النوم يقرأ آية الكرسي، من أسباب السلامة من الشيطان، وكذلك من أسباب دخول الجنة أن يقرأها بعد كل صلاة، بعد الفريضة، إذا سلم وأتى بالذكر يقرأ بعد ذلك آية الكرسي.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (431) .(9/128)
س: إذا قرأت آية الكرسي والمعوذات، و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) عند النوم وبعد الصلوات، بأي ذلك أبدأ؟ جزاكم الله خيرا (2)
ج: بعد الصلاة يبدأ بآية الكرسي، ثم يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين، هذا ظاهر النصوص، وكذلك في النوم يقرأ آية الكرسي، ثم يقرأ السور، وإن بدأ بهذا قبل هذا لا يضر، الحمد لله الأمر واسع، وهكذا بعد الصلاة، وإن بدأ بآية الكرسي لأنها في أول القرآن ثم قرأ السور الثلاث؛ لأنها في آخر القرآن كل هذا حسن من باب الترتيب.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (219) .
(3) سورة الإخلاص الآية 1(9/129)
س: أقوم بقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وأصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم عشر مرات، هل هذا العمل صحيح بعد كل صلاة (1)
ج: المشروع ثلاث مرات، تقرأ آية الكرسي مرة واحدة بعد التسبيح والتحميد والتكبير، ثم تقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين ثلاث
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (327) .
(2) سورة الإخلاص الآية 1(9/129)
مرات، بعد الفجر والمغرب وبعد الظهر والعصر والعشاء مرة واحدة، هذه السنة، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا شيء فيها، تصلي ليس فيها حد محدود، تصلي ما يسر الله لك وليس فيه حد محدود، لكن السنة بعد كل صلاة أن تسبح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثا وثلاثين، وتقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. بعد الأذكار المعتادة بعد السلام، ثم تقرأ آية الكرسي، ثم تقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين مرة واحدة، بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم ترد في هذا المقام، لكن إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين أو أكثر في كل وقت فهي صلاة مشروعة دائما، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة دائما.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1(9/130)
51- بيان فضل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة فريضة
س: السائلة أ. م تقول: ما فضل آية الكرسي بعد كل صلاة واجبة؟(9/130)
وهل تقرأ في كل الأحيان (1)
ج: قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة من الفريضة من أسباب دخول الجنة، فيستحب بعد الصلاة وبعد الأذكار أن يقرأ آية الكرسي بينه وبين نفسه، هذا مستحب، جاء في عدة أحاديث مجموعها ترتقي إلى الحسن، فإذا قرأها بعد كل صلاة فهذا أفضل، ويستحب أن يقرأها عند النوم، آية الكرسي أيضا صح بها الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من أسباب العافية من الشيطان والحفظ من الشيطان عند النوم إذا أراد أن ينام من الليل.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (409) .(9/131)
52- بيان المقصود بدبر كل صلاة
س: يرد في كثير من الأحاديث دبر كل صلاة، فهل المقصود بها بعد انقضاء الصلاة أم قبل السلام؟ (1)
ج: دبر الصلاة آخرها قبل السلام، هذا هو الأصل مثل دبر الحيوان مؤخره، فدبر الصلاة ما كان قبل السلام، آخرها قبل السلام، يستحب فيه الدعاء بعد قراءة التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (409) .(9/131)
والتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، يستحب أن يدعو بعد هذا قبل أن يسلم في الفرض والنفل، وإن دعا بعد الذكر بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس بينه وبين نفسه، لكن الأفضل أن يكون الدعاء قبل السلام، وبعد قراءة التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبعد التعوذ بالله من جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن الدبر، دبر الشيء آخره، ودبر الصلاة آخرها قبل السلام كما في الحديث، عندما قال لمعاذ: «لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (1) » هذا قبل السلام من الصلاة، وأما الحديث الآخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلاة بعد السلام: «لا إله إلا الله (2) » فهذا المراد به بعد السلام، يأتي بالأذكار الشرعية، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، يعني بعد السلام، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول: لا إله إلا الله، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، بعد السلام.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار – رضي الله عنهم – من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه - حديث رقم (21621) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، حديث رقم (1522) واللفظ له، والنسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء حديث رقم (1303) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/132)
س: السائل إ. ع. من الرياض يقول: ماذا ورد في فضل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة فريضة (1)
ج: هي سنة، فيها عدة أحاديث بعضها ضعيف وبعضه جيد، فهي سنة بعد كل صلاة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) بعد الصلوات الخمس.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (379) .
(2) سورة البقرة الآية 255(9/133)
53- حكم قراءة آية الكرسي جهرا بعد الصلوات
س: عندنا في قريتنا يقرؤون آية الكرسي بعد الصلوات في كل فرض - عموما الإمام والمصلين – جهرا، أفيدونا عن حكم ذلك (1)
ج: هذا غير مشروع، هذا بدعة، من السنة أن يقرأها الإنسان بينه وبين نفسه بعد الصلاة، أما أن يقرأها الإمام والمأمون جهرا هذا لا يجوز، وليس من سنة المسلمين، بل هذا من البدع، ولكن يستحب في أصح قولي العلماء أن يقرأها المؤمن بعد الصلاة بينه وبين نفسه من دون مشاركة الإمام والمأمومين بأصوات جماعية أو جهرية، كل هذا لا أصل له.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (111) .(9/133)
54- حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة
س: يسأل ويقول: هل رفع اليدين بعد الصلاة وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا نعلم لهذا أصلا، بل كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يستغفر الله ثلاثا، ويقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) » «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (4) » هكذا كان يفعل بعد كل صلاة، بعد الصلوات الخمس: صلاة الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، يأتي بهذه الأذكار، وشرع
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (240) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (594) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/134)
لأمته «أن يسبح الإنسان بعدها ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين، هذه سنة، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1) » أو يقول خمسا وعشرين: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. خمسا وعشرين مرة بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، هذه قربة وطاعة، ويأتي بآية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، ويشرع له أن يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (5) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (6) بعد كل صلاة، هذا هو الأفضل، ويكرر هذه السور الثلاث بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، وعند النوم كذلك يأتي بها ثلاث مرات، كل هذا سنة، أما بعد النفل فلا يحفظ بعد النفل شيء، ما أعلم أنه بعد النفل كان يرفع يديه، لكن إذا رفعها الإنسان بعض الأحيان؛
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .
(2) سورة البقرة الآية 255
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة الفلق الآية 1
(6) سورة الناس الآية 1(9/135)
لأن الرفع من أسباب الإجابة، وهكذا في دعواته الأخرى إذا رفع هذا من أسباب الإجابة، لكن لا يرفع بعد الصلوات الخمس؛ لأن النبي ما كان يرفع بعدها عليه الصلاة والسلام، وفعله سنة وتركه سنة عليه الصلاة والسلام، وهكذا في الجمعة ما كان يرفع إذا سلم من الجمعة، ولا في خطبته إذا خطب بالجمعة، ولا في العيد، ما كان يرفع لكن إذا استسقى في الخطبة رفع يديه، كان إذا استسقى في خطبة الجمعة أو في صلاة العيد رفع يديه، يطلب الغيث، هذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع اليدين من أسباب الإجابة في المواضع التي رفع فيها صلى الله عليه وسلم، أو لم يأت عنه فيها ترك الرفع.
أما المواضع التي ترك فيها الرفع كالصلوات الخمس بعد الصلوات الخمس، أو في الجمعة، أو صلاة العيد، فهي لا يرفع فيها؛ لأن الرسول ما رفع فيها صلى الله عليه وسلم، لم يحفظ عنه أنه رفع يديه في واحدة من الصلوات الخمس، ولا بعد فراغه من الجمعة، ولا بعد فراغه من صلاة العيد، والسنة التأسي به عليه الصلاة والسلام.(9/136)
س: الأخت ن. ع، من الطائف تسأل وتقول: ما حكم رفع اليدين في الحالات التالية: بعد الفراغ من صلاة الفريضة والنافلة (1)
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (207) .(9/136)
ج: قد ثبتت السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، وأنه من سنة الدعاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1) » وكان يرفع صلى الله عليه وسلم في الدعاء، «ولما استسقى للمسلمين رفع يديه، وبالغ في الرفع، يدعو ربه أن يغيث العباد» هذا من السنن في الدعاء رفع اليدين، وكان فيه مسائل كثيرة إذا طلب منه الدعاء رفع يديه ودعا عليه الصلاة والسلام، لكن المواضع التي وقعت في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها لا نرفع فيها، المسائل والأشياء التي وقعت في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها السنة ألا نرفع فيها، وذلك مثل صلاة الفريضة، ما كان يرفع إذا سلم من الفريضة فلا نرفع أيدينا إذا سلمنا، نأتي بالأذكار الشرعية والدعوات الشرعية ولا نرفع الأيدي؛ لأن رسولنا لم يرفع عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/137)
والسلام، هكذا بين السجدتين، ندعو بين السجدتين ولا نرفع، وهكذا في آخر الصلاة قبل السلام، ندعو ونسأل ولكن لا نرفع؛ لأن الرسول ما رفع عليه الصلاة والسلام، وهكذا في خطبة الجمعة وخطبة العيد لا نرفع عند الدعاء في الخطبة؛ لأن الرسول ما رفع إلا في الاستسقاء، ما رفع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد، والسنة أن نفعل كما فعل، وأن نترك كما ترك عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة.
أما صلاة النافلة فمن شاء رفع ومن شاء ترك؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا ولا هذا، فالأصل أن الرفع سنة، فإذا رفع بعد النافلة فيكون بعض الأحيان؛ لأن الرسول لو كان يفعل ذلك لنقل إلينا، فلما لم ينقل عنه أنه كان يواظب على ذلك دل على أن الأمر فيه سعة، لكن إذا فعله بعض الأحيان بعد النوافل هذا لا بأس.
أما ما يعتاده بعض الناس من كونه كلما صلى النافلة رفع فلا أعلم له أصلا، وتركه أحوط وأولى؛ لأنه لو كان مفعولا من النبي صلى الله عليه وسلم لنقل؛ لأنه صلى النافلة والناس يشاهدون كثيرا فلم يرفع، فدل ذلك على أنه ليس من عادته الرفع دائما بعد النافلة، قد يرفع في بيته فلا ندري، لكن مثل هذا يعمل فيه بالسنة العامة، السنة العامة تدل على أن الرفع سنة عند الدعاء، لكن يكون المؤمن تارة وتارة في(9/138)
النافلة، تارة يرفع أخذا بالسنة العامة، وتارة لا يرفع؛ لأنه شوهد النبي صلى الله عليه وسلم صلى النوافل ولم يرفع بعدها عليه الصلاة والسلام، فيكون الإنسان يفعل هذا تارة وهذا تارة اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، والعمل بالسنة العامة.(9/139)
55- حكم رفع اليدين في دعاء القنوت وبعد قراءة القرآن
س: سائلة: تقول: ما حكم رفع اليدين في دعاء القنوت، وبعد قراءة القرآن (1)
ج: مستحب في دعاء القنوت؛ لأنه " ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رفع في دعاء القنوت " عند البيهقي رحمه الله (2)
ولا نعرف أنه ورد في الدعاء بعد قراءة القرآن شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا دعا لا بأس، لكن لا نعرف أنه ورد فيه شيء، فمن رفع فلا بأس، ومن ترك فلا بأس؛ لأنه من الأمور العامة، يدخل في العموم.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (207) .
(2) رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، باب دعاء القنوت برقم (1034) .(9/139)
56- حكم الدعاء الجماعي
س: ما المقصود بالدعاء الجماعي (1)
ج: الدعاء الجماعي كونهم يأتون بصوت واحد، يعني يتكلمون جميعا بصوت واحد، اللهم اغفر لنا – بصوت واحد – ربنا اغفر لنا – بصوت واحد – ربنا آتنا في الدنيا حسنة – بصوت واحد – وما أشبه ذلك، هذا ليس بمشروع الدعاء الجماعي، بل السنة أن يدعو واحد ويؤمن الجميع، مثل ما يقول الإمام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2) فإذا كمل قال: آمين. فهم يقولون: آمين. وهكذا الدعاء إذا دعا إنسان في المجلس ثم قالوا: آمين. هذا هو الحسن، أو دعا كل واحد بنفسه، هذا يدعو وهذا يدعو من دون تحري أن يكون جماعيا، بل هذا يدعو وهذا يدعو، فلا بأس.
أما تحري أن يكون الصوت والنغمة واحدة ابتداء وانتهاء كما يفعله بعض الصوفية وغيرهم هذا لا أصل له، ولكن إذا دعا كل واحد بنفسه فلا حرج، أو دعا واحد وأمن الجميع فلا حرج.
أما إذا لقنهم الدعاء، ودعوا بعده، ويكررون نفس الجمل فلا بأس أن يعلمهم الدعاء إذا دعوا ولقنهم الدعاء، ليدعوا في أمر مهم، يدعون
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (207) .
(2) سورة الفاتحة الآية 6(9/140)
لأنفسهم بغير تحري الصوت الجماعي فلا حرج، مثلا قال: ادعوا الله ليغفر لنا، ادعوا الله أن يتوفانا مسلمين. فدعوا فلا بأس.
فإذا كان يعلمهم فلا بأس، هذا من باب التعليم كما يقع في الطواف وغيره، ليس فيه شيء.(9/141)
57- حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة أو النافلة
س: مستمعة تسأل عن حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة ولا سيما الصلاة المكتوبة (1)
ج: رفع اليدين غير مستحب في الصلاة المكتوبة، لأن النبي ما كان يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام، لم يحفظ عنه أنه بعد الظهر والعصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر رفع يديه بالدعاء، فلا ينبغي رفعهما؛ لأن علينا أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم في الفعل والترك، ولما أنه لم يكن يرفع يديه بعد الصلوات الخمس فنحن كذلك لا نرفع أيدينا تأسيا به عليه الصلاة والسلام، فإنه يتأسى به في الفعل والترك عليه الصلاة والسلام، وهكذا في الصلاة لا نرفع أيدينا في الدعاء بين
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (262) .(9/141)
السجدتين ولا في الدعاء في التشهد الأخير قبل السلام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يرفع يديه عليه الصلاة والسلام، وهكذا من دعاء الخطبة يوم الجمعة ودعاء الخطبة يوم العيد لا ترفع الأيدي؛ لأن الرسول لم يرفع يديه عليه الصلاة والسلام في ذلك، لكن في صلاة الاستسقاء حتى خطبة الاستسقاء ترفع الأيدي؛ لأن الرسول رفع، إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة أو في غيرها إذا استسقى شرع له رفع اليدين بالدعاء.
فهذا كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا في الدعوات الأخرى لو دعا في الضحى والتهجد دعا ربه، ولو من دون صلاة رفع يديه ودعا، هذا كله طيب، الدعاء من أسباب الإجابة ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1) » وهو حديث لا بأس به. وفي حديث الرجل الذي دعا في السفر، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: … «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه للسماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/142)
لذلك (1) » أني يستجاب له؟ لأجل أكله للحرام، ولكن ذكر من أسباب الإجابة رفع اليدين، ولكن منعت الإجابة بسبب تعاطيه الحرام في ملبسه ومشربه ومأكله، نسأل الله العافية.
الحاصل أن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة، لكن في المواضع التي رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو في المواضع التي لا يحرم فيها رفع ولا ترك، فهذا يرفع الإنسان يديه إذا دعا، أما بعد الفريضة فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفرائض الخمس ولا بعد الجمعة، فالسنة لنا ألا نرفع تأسيا به عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، وتربيتها، برقم (1015) .(9/143)
س: يسأل المستمع ويقول: هل رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات المكتوبة أو النوافل جائز أم لا؟ وإذا كان فمتى يجوز ذلك؟ أفيدونا مأجورين (1)
ج: رفع الأيدي في الدعاء مستحب، ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (390) .(9/143)
يديه أن يردهما صفرا (1) » يعني خاليتين، فيستحب رفع اليدين في الدعاء، إذا دعا ربه في بيته، في السفر، في أي مكان يرفع يديه ويدعو، يجتهد في الدعاء، ويلح في الدعاء، هذا من أسباب الإجابة، ومن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: وقال تعالى: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب, ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك (4) » يعني بعيد أن يستجاب له ولو مد يديه، ولو ألح في الدعاء مع تعاطيه الحرام، وتلبسه بالحرام في مأكله ومشربه، ونحو ذلك، يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، وهكذا الإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة، لكن قد يوجد مانع وهو الأكل الحرام،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، وتربيتها، برقم (1015) .
(3) سورة البقرة الآية 172 (2) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}
(4) سورة المؤمنون الآية 51 (3) {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}(9/144)
فالذي يتعاطى أكل الحرام هذا من أسباب حرمان الإجابة، وهكذا الغفلة عن الله، والإعراض عن الله، وكثرة المعاصي من أسباب حرمان الإجابة، ولكن لا يرفع في المواضع التي ما رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا نرفع فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتأسى به في الفعل والترك، هو الأسوة كما قال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1) فكما أننا نتأسى به في الفعل نتأسى به في الترك، رفع يديه لما استسقى على المنبر يوم الجمعة، لما سأل الله الغيث رفع يديه في خطبة الجمعة على المنبر، نرفع أيدينا إذا استغثنا، نطلب الغيث، نطلب المطر، يرفع الإمام يديه والمأمومون يرفعون أيديهم يدعون الله، ويؤمنون على دعاء الإمام، وهكذا إذا دعا بينه وبين نفسه في بيته، في آخر الليل، في الضحى، في أي وقت يدعو ويرفع يديه، أو بعد صلاة النافلة، إذا صلى بعض الأحيان دعا ربه بعد صلاة النافلة، الضحى أو في الليل، أو في أي وقت، لكن في صلاة الفريضة لا يرفع يديه إذا سلم؛ لأن النبي ما كان يرفع يديه في الفريضة،
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21(9/145)
لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفرائض.
فنحن لا نرفع نتأسى به عليه الصلاة والسلام، وهكذا في خطبة الجمعة إذا دعا لا يرفع؛ لأن الرسول ما كان يرفع في دعاء الجمعة إلا إذا استسقى خاصة، فإذا دعا في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد لا يرفع؛ لأن النبي لم يرفع عليه الصلاة والسلام، وإذا سلم من الفريضة الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء لا يرفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما رفع، وهكذا بين السجدتين دعا بين السجدتين لا يرفع يديه، وهكذا في آخر الصلاة قبل أن يسلم لا يرفع يديه؛ لأن الرسول لم يرفع في هذه المواضع، فلما ترك نترك تأسيا به عليه الصلاة والسلام.
لكن لو جلس في مثل بيته، الضحى، ثم دعا ورفع يديه، وفي الليل إذا رفع يديه في أي وقت، تذكر حاجة ورفع يديه هذا الدعاء لا بأس به، لكن المواضع التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها لا نرفع فيها، مثل بين السجدتين، الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، مثل الدعاء في خطبة الجمعة، خطبة العيد، لا نرفع لكن في دعاء الاستسقاء نرفع أيدينا، بعد صلاة الفريضة إذا سلم من الفريضة ودعا لا يرفع يديه، يدعو بينه وبين نفسه بعد الذكر، إذا دعا بعد الذكر بينه وبين نفسه لا بأس، لكن لا يرفع يديه؛ لأن الرسول لم يرفع عليه الصلاة والسلام، والواجب على أهل(9/146)
الإيمان التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في أعماله وأقواله وفي فعله وفي تركه عليه الصلاة والسلام.(9/147)
س: هل يجوز رفع الأيدي عند الدعاء بعد الصلاة أم لا؟ ذلك بأننا سمعنا من بعض الإخوة أنه بدعة فما الجواب على ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: رفع الأيدي عند الدعاء من أسباب الإجابة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الدعاء، ولما استسقى بالمسلمين رفع يديه بالدعاء، وفي خطبة الجمعة إذا استسقى، وهكذا لما خرج إلى الصحراء وصلى بالناس صلاة الاستسقاء رفع يديه في الخطبة ودعا، فرفع اليدين من أسباب الإجابة، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين (2) » فالله جل وعلا كريم جواد، وحيي سبحانه وتعالى، يجب من عباده أن يتضرعوا إليه بالدعاء، وأن يجتهدوا في الدعاء، وأن يرفعوا الأيدي في الدعاء، هذا من أسباب الإجابة، لكن إذا كان الدعاء في محل لم يرفع فيه النبي
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (277) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/147)
يديه لا نرفع؛ لأن النبي يقتدى به في الفعل والترك عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت عبادة ما رفع فيها لا نرفع فيها، مثل خطبة الجمعة إذا لم يستسق لا يرفع في الدعاء ولا في خطبة العيد إذا لم يستسق، وكذلك في دعائه بين السجدتين ما كان يرفع، وهكذا دعاؤه في آخر الصلاة قبل أن يسلم فلا يرفع في هذا، وهكذا بعد الفريضة إذا سلم من الفريضة: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ما كان يرفع فلا نرفع في هذه المواضع؛ لأن الرسول ما رفع فيها صلى الله عليه وسلم، وهو قدوة في فعله وتركه عليه الصلاة والسلام.(9/148)
58- حكم رفع اليدين والمصافحة بعد الصلاة
س: بعد السلام من الصلاة وبعد ختم الصلاة يرفع بعض الإخوة أيديهم بالدعاء، فهل هذا مستحب أم جائز أم مكروه مع العلم أنهم لا يمسحون وجوههم بأيديهم، وبعد هذا الدعاء قد يصافح جار جاره في الصف على أنه لم يره منذ أيام وهم جالسون، فهل هذه المصافحة أيضا من المسنونات أم هي بدعة؟ (1)
ج: رفع اليدين بالدعاء من أسباب الإجابة، وقد دلت الأدلة الشرعية
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (141) .(9/148)
من الأحاديث الصحيحة على أن رفع اليدين سنة في الدعاء ومن أسباب الإجابة، ومن ذلك الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: وقال تعالى: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ (3) » فجعل رفع اليدين من أسباب الإجابة لولا تعاطيه الحرام، وهكذا الحديث الآخر وهو حسن لا بأس به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربك حيي كريم، فيستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (4) » هذا يدل على أنه من أسباب الإجابة، وفي الباب أحاديث كثيرة دلت على أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك دعاؤه في
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، وتربيتها، برقم (1015) .
(2) سورة البقرة الآية 172 (1) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
(3) سورة المؤمنون الآية 51 (2) {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}
(4) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/149)
الاستسقاء، كان يرفع يديه ويبالغ عليه الصلاة والسلام، وهكذا في أحاديث كثيرة دعا لقوم فرفع يديه ودعا لآخرين فرفع يديه، فرفع اليدين سنة.
لكن بعض المواضع التي ما رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع فيها هي سنة، لكن أي موضع وجد في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيه لا نرفع فيه تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ لأن تركه سنة وفعله سنة عليه الصلاة والسلام، مثلا الفريضة إذا سلم منها لا يرفع يديه، إذا دعا بعد السلام، ولا قبل السلام حين دعائه قبل أن يسلم في آخر التحيات، لا يرفع يديه، وهكذا بين السجدتين، إذا دعا: رب اغفر لي، لا يرفع يديه؛ لأن الرسول ما رفع في هذا عليه الصلاة والسلام، هكذا في خطبة الجمعة ما رفع عند خطبته صلى الله عليه وسلم إذا دعا، وخطبة العيد وإنما رفع في الاستسقاء لما خطب ولما دعا في الاستسقاء رفع يديه، فنرفع كما رفع عليه الصلاة والسلام، أما صلاة النافلة إذا دعا بعدها ورفع يديه فلا حرج، لكن إذا ترك ذلك بعض الأحيان حتى لا يظن أنه سنة دائمة يكون حسنا؛ لأنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يواظب على رفع اليدين بعد النوافل، فإذا رفع بعض الأحيان فحسن، وهكذا المصافحة لجاره عن يمينه وشماله سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع المصافحة للأمة،(9/150)
والمصافحة من أسباب مغفرة الله للذنوب، وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا، فإذا لقي أخاه في الصف صافحه، وإذا دخل في الصف ولم يصافحه حتى صلى الفريضة أو صلى الراتبة صافحه، هذا السنة؛ لأنها من أسباب الألفة والمحبة، وإزالة الشحناء، فكونه يصافحه بعد النافلة أو بعد الفريضة، إذا كان ما صافحه قبل ذلك حين تلاقيا في الصف فهذا كله سنة، ولا بأس به. أما مسح الوجه بالدعاء فقد ورد فيه أحاديث ضعيفة، تركه أولى، وقد جمع بعض أهل العلم بأنها لتعددها يشد بعضها بعضا، وتكون من قبيل الحسن لغيره كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في البلوغ في آخره عند ذكر الدعاء.
ذكر أن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن، ولكن في هذا القول نظر؛ لأنها ضعيفة، والأحاديث الصحيحة ليس في مسح الوجه، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع كثيرة في الاستسقاء وفي غير الاستسقاء ولم يحفظ عنه أنه مسح وجهه عليه الصلاة والسلام، والأفضل الترك، الأفضل والأحسن الترك، وإن مسح اعتمادا على قول من قال: إن الحديث حسن في المسح فلا حرج عليه إن شاء الله.
والمصافحة على أنها عبادة بعد الصلاة مباشرة لا بأس بهذا؛ لأنها من وسائل المحبة والألفة وإزالة الشحناء، وكان الصحابة إذا تلاقوا(9/151)
تصافحوا، يقول أنس رضي الله عنه: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا (1) » كانوا يصافحون النبي صلى الله عليه وسلم، ويصافحهم عليه الصلاة والسلام، فالمصافحة عند اللقاء سنة ومن أسباب الألفة والمحبة، ولو أن إنسانا لقي أخاه ولم يصافحه لكان ذلك من أسباب الوحشة، ولاستنكر ذلك، وقال: ما شأنه، ما باله، لماذا؟ المقصود أن هذا هو المعروف بين المسلمين المصافحة عند اللقاء والسؤال عن الحال والعيال، كل هذا أمر معروف ومن أسباب الألفة والمحبة. ولا يشترط لذلك فاصل عند اللقاء في الطريق، في الصف بعد الصلاة، بعد الصلاة، بعد الفريضة، بعد النافلة، يتصافحان.
ولا حرج لو دخلت أنت وهو المسجد وجلستما، ثم بعد تأدية الصلاة صافح بعضكم بعضا، لكنه ما هو متأكد في هذا لأنكما دخلتما جميعا، لكن لو صافحته فلا بأس؛ لأن الشغل بالصلاة شغل، والصلاة فيها شغل عظيم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الصلاة
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (97) .(9/152)
لشغلا (1) » والرسول صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه الأعرابي الذي دخل المسجد وصلى ونقر الصلاة سلم عليه مرات فرد عليه السلام، وهو عنده صلى ثم سلم فرد عليه السلام، وقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل (2) » ثم رجع فسلم عليه فرد عليه السلام وهو ينظر إليه قريب منه، ينظر على صلاته، ولم يقل له: سلمت أولا، يكفي السلام الأول، اللهم صل وسلم عليه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب لا يرد السلام في الصلاة، برقم (1216) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها.....، برقم (757) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397) ..(9/153)
س: ما حكم رفع اليدين بعد الصلاة المفروضة للجميع من أجل الدعاء وكذلك رفع اليدين إذا كان منفردا؟ (1)
ج: رفع اليدين بعد الفريضة: لا يجوز، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بعد الفريضة لا في الظهر، ولا في العصر، ولا في العشاء، ولا في
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (163) .(9/153)
الفجر، ولا في الجمعة، فلا يجوز للمسلم أن يرفع لأن هذا حدث بدعة لا جماعيا ولا فرديا، وليس للإمام أن يفعل ذلك مع الدعاء الجماعي؛ لأن هذا محدث، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » فالواجب على أهل الإسلام التمسك بالشريعة والحذر من البدع، وكان النبي يقول في خطبة الجمعة: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » لكن يرفع يديه في الدعاء عند دعاء الاستغاثة، إذا استغاث المسلمون أو استسقى ولي الأمر في خطبة الجمعة، أو في صلاة الاستسقاء، أو بعض خطباء المساجد إذا استسقوا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(9/154)
ودعوا الله أن يغيث المسلمين، السنة رفع اليدين، وهكذا إذا دعا لنفسه والمسلمين بأن يدعو ويرفع يديه بدعائه في غير صلاة الفريضة لا بأس؛ لأن هذا من أسباب الإجابة لكن شيء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعله، إذا سلمت من الفريضة لا ترفع يديك، أو من الجمعة لا ترفع يديك، لكن إذا دعوت في أوقات أخرى أو بعد النافلة لا بأس أن ترفع يديك، وكذلك إذا حدث حادث ودعوت ربك أن الله يرفع هذا الحادث عن المسلمين أو عنك في بيتك أو في أي مكان ترفع يديك، كل هذا لا بأس به، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث حادث رفع يديه ودعا، وهكذا إذا طلب منه بعض أصحابه أن يدعو رفع يديه ودعا عليه الصلاة والسلام، ودعا في الاستسقاء عليه الصلاة والسلام.(9/155)
س: هل يجوز للمسلم أن يرفع يديه عند الدعاء بعد السنة التي بعد الفريضة أم لا حيث إن بعض الناس ينكر ذلك ويقول: إنه بدعة ولو رفع يديه للدعاء بعد الفريضة مباشرة هل ينكر على فاعله؟ (1)
ج: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفريضة وبعد السنة، إنه يذكر الله ويدعو ولكن من دون رفع يدين بعد الفرائض
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (77) .(9/155)
الخمس، أما بعد النافلة فلا أعلم بعد التتبع الكثير ما أعلم أنه رفع يديه بعد النافلة عليه الصلاة والسلام، ولكن عموم الأحاديث الدالة على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة يقتضي أنه لا مانع من رفعها بعض الأحيان، لا يكون دائما، كما يرفعها إذا لمت به مصيبة، يرفع يديه ويدعو ولو من دون صلاة، فإذا صلى ورفع يديه يطلب المغفرة، ويطلب حاجته التي لمت به فلا بأس بذلك، أما اتخاذ هذا عادة كلما صلى رفع يديه فالأولى ترك ذلك، وقد ورد فيه حديث ضعيف لا يتعلق به، ولكن ينبغي أن يكون ذلك تارة تارة، وألا يستديم ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل هذا، ولو كان سنة لفعله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يفعله دل ذلك على أنه ليس بسنة فلا يداوم عليه، وإذا فعله بعض الأحيان لحاجة لطلب ما ينفعه في الدنيا والآخرة، أو فعل رفع اليدين من دون صلاة عندما يدعو، هذا كله طيب، ورفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا (1) » وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن الله تعالى
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/156)
طيب لا يقبل إلا طيبا، ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام «فأني يستجاب لذلك؟ (1) » فدل على أن رفع اليدين والإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة، لكن لما كان هذا الرجل قد تلبس بالحرام صار تعاطيه الحرام في شربه وأكله ولباسه من أسباب منع الإجابة، لا حول ولا قوة إلا بالله.
والخلاصة أن رفع اليدين من أسباب الإجابة عند الدعاء في المواضع التي كان يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المواضع التي لم يثبت فيها رفع، ولم توجد أسبابها في عهده صلى الله عليه وسلم، فهذه يرفع فيها أيضا إذا أراد الدعاء، أما الأسباب التي في عهده ولم يرفع فيها مثل صلاة الفريضة لم يرفع فيها عليه الصلاة والسلام فإننا نترك كما ترك عليه الصلاة والسلام، مثل خطبة الجمعة لم يرفع، فنترك لا نرفع، مثل دعاء في آخر الصلاة قبل أن يسلم وبعد السلام ما رفع فلا نرفع في صلاة الفريضة، مثل الدعاء بين السجدتين ما رفع فلا نرفع، بل ندعو واليدان على الفخذين أو على الركبتين من غير رفع لأننا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، وتربيتها، برقم (1015) .(9/157)
نتأسى به ونقتدي به عليه الصلاة والسلام، فلو كان الرفع مشروعا في هذه الأمور لرفع عليه الصلاة والسلام، أما الدعوات التي رفع فيها مثل الدعاء في خطبة الاستسقاء نرفع؛ لأنه رفع صلى الله عليه وسلم، مثل الدعاء على الصفا والمروة في السعي، مثل الدعاء في عرفة في مزدلفة نرفع أيدينا؛ لأنه رفع عليه الصلاة والسلام في ذلك يده، كذلك الدعاء عند الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق فإنه لما دعا صلى الله عليه وسلم عند الأولى تقدم وجعلها عن يساره، ورفع يده ودعا عليه الصلاة والسلام، ولما رجم الثانية أخذ ذات الشمال وجعلها عن يمينه، ورفع يده واستقبل القبلة ودعا، هذا كله مشروع لأنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأما الشيء الذي لم يثبت عنه أنه رفع أو ترك فنحن مخيرون إن رفعنا؛ فالرفع من أسباب الإجابة، وإن تركنا فلا بأس، أما الشيء الذي فعله ولم يرفع فيه مثل ما تقدم هذا لا نرفع فيه، مثل خطبة الجمعة، مثل الفرائض الخمس إذا سلمنا منها لا نرفع، أو في التحية لا نرفع، أو بين السجدتين لا نرفع؛ لأنه لم يرفع عليه الصلاة والسلام فيها، والخير فيما فعله عليه الصلاة والسلام.
لكن إن فعله الإنسان بعد النافلة فلا ينكر عليه، أما بعد الفريضة فينكر عليه؛ لأنه فعل شيئا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم،(9/158)
وأسباب النزول في عهده عليه الصلاة والسلام، فلم يفعله، فلو كان سنة لفعله صلى الله عليه وسلم، أما النوافل فأمرها أوسع لكن لا نرى المداومة؛ لأن الرسول ما داوم، ولو داوم لعرف ولنقله الصحابة وبينوه عليه الصلاة والسلام.(9/159)
59- حكم الدعاء بعد النافلة
س: من صلى ثم تنفل، ما رأيكم في الدعاء بعد هذه النافلة التي هي بعد الفريضة؟ (1)
ج: لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فيما نقل، لكن لو فعله بعض الأحيان نرجو ألا يكون فيه بأس، أما المداومة فالأولى تركها.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (77) .(9/159)
60- حكم المداومة على رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة
س: هل يجوز للمؤتم أو الإمام أن يرفع يديه بالدعاء بعد كل صلاة أو فريضة؟ لأن كثيرا من الناس لا ينتهون عن ذلك، أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (250) .(9/159)
ج: لا أعلم بهذا من الدعاء الشرعي رفع اليدين بعد الفريضة، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك ولا عن أصحابه فيما نعلم، فالسنة عدم الرفع لا بعد الظهر ولا بعد العصر ولا بعد المغرب ولا بعد العشاء ولا بعد الفجر، فذكر الله يأتي في الأذكار الشرعية، ويدعو لما أحب بينه وبين نفسه من دون رفع اليدين، هذا هو السنة، أما بعد النوافل فلا أعلم فيه شيئا.
أما في بعض الأحيان فلا بأس، أحيانا النوافل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعضها في البيت وبعضها في المسجد فالأمر واسع، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما نعلم أنه كان يحافظ على الرفع بعد النوافل، لكن عموم الأحاديث أن رفعها من أسباب الإجابة، يدل على أنه لو رفعها في بعض الأحيان لا حرج إن شاء الله.(9/160)
61- حكم قول: اللهم أنت السلام أحينا ربنا بالسلام بعد الصلاة
س: الأخ س. ش، سوداني الجنسية يقول: يسكن معي في مكان العمل أخ في الإسلام مصري الجنسية، ونصلي جماعة ونختلف بعد الصلاة؛ لأني أقول بعد الصلاة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) ،
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 2(9/160)
اللهم أنت السلام ومنك السلام، أحينا ربنا بالسلام، وأدخلنا الجنة دارك دار السلام، تباركت وتعاليت، أستغفر الله العظيم من كل ذنب وأتوب إليه. ويقول هو: هذا خطأ، قل: أستغفر الله ثلاث مرات، فهذا هو القول الصحيح. وجهوني حول ما قلت وحول ما قال صاحبي، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الذي قاله صاحبك هو الصواب، وقد ثبت في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته – يعنى إذا سلم من صلاته – قال: «أستغفر الله – ثلاثا – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام (2) » هذا هو المشروع، أما الحمد له، وقول: أحينا بالسلام. وما ذكرت في كلامك هذا لا أصل له بعد السلام، وإنما المشروع ما قاله صاحبك: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. هذا هو السنة، وإذا كان القائل إماما انصرف إلى الناس بعد ذلك بعد قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام،
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (179) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/161)
تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه، يستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام......إلى آخره، ثم ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه إذا كان إماما.
أما المأموم والمنفرد فيبقى على حاله مستقبلا القبلة، ويقول الجميع بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا إذا سلم من صلاته؛ يعني بعد الاستغفار ثلاثا، وبعد: اللهم أنت السلام وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي يقول بعد الصلاة إذا سلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) »
فقد اتفق مع ابن الزبير على قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (2) » وزاد على
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/162)
ابن الزبير: «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » ابن الزبير زاد عليه: «لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (2) » وكلا الحديثين صحيح، فالسنة الإتيان بالجميع، السنة الإتيان بما ذكره ابن الزبير وبما ذكره المغيرة رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام مع ما ذكره ثوبان حين السلام، فيبدأ أولا بما قاله ثوبان: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. من حين يسلم، ثم يأتي بهذه الأذكار بعد ذلك، والإمام يأتي بها بعد انصرافه إلى الناس، بعدما يقول: اللهم أنت السلام.........إلخ، يأتي بهذه الأذكار، وفي بعضها زيادة: يحيي ويميت. و: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. فإذا زاد: يحيي ويميت فلا بأس، كله طيب، كله حسن، وإذا قالها تارة وتركها تارة كله حسن.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، برقم (3534) .(9/163)
62 - مسألة في رفع اليدين بالدعاء عقب الصلاة
س: ما حكم رفع اليدين بالدعاء عقب الصلاة؟ (1)
ج: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين بعد الفرائض الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، أما النافلة فالأمر فيها واسع، إذا رفع بعض الأحيان فالأمر فيها واسع أخذا بعموم الأدلة التي دلت على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، فإذا رفع بعض الأحيان بعد صلاة النافلة أو في الأوقات الأخرى فذلك من أسباب الإجابة، أما كونه يلزم كلما صلى يرفع يديه في النافلة فالأولى ترك ذلك، لأن هذا لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أنه لم يكن يفعله دائما، أما كونه يفعله بعض الأحيان فلا بأس إن شاء الله لعموم الأدلة.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (269) .(9/164)
63- حكم رفع اليدين في الدعاء ومسح الوجه بهما
س: ما حكم رفع اليدين بعد الصلاة بالدعاء، وما حكم مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة، ولكن المواضع التي ما
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (228) .(9/164)
رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا نرفع فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1) » فإذا دعا في آخر الليل أو في أي وقت ورفع يديه إليه سبحانه كان هذا من أسباب الإجابة، لكن بعد الفريضة ما يرفع يديه؛ لأن الرسول ما كان يرفعها بعد الفريضة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، أو الجمعة. وهكذا في خطبة الجمعة، وخطبة العيد ما كان يرفع إلا في الاستسقاء، إذا طلب الغيث رفع يديه ولو في خطبة الجمعة أو في أي مكان، وهكذا إذا كان في غير صلاة ودعا يرفع يديه ويدعو، وهكذا بعد النافلة، إذا رفع يديه بعد النافلة في بعض الأحيان ودعا لا بأس لكن لا يكون مستمرا؛ لأنه لم يحفظ عنه أنه كان يستمر في رفع يديه بعد النافلة، فإذا رفع بعض الأحيان ودعا لا بأس، أما مسح الوجه باليدين فقد اختلف فيه العلماء: منهم من رأى استحبابه، ومنهم من رأى عدم استحبابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة ليس فيها مسح الوجه بعد الدعاء، وجاء فيها أحاديث ضعيفة أنه مسح بيديه، مسح بهما وجهه، فإن فعل فلا حرج، وإن ترك فهو أفضل؛ لأن بعض أهل العلم
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه برقم (23202) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم (1488) ، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3556) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء برقم (3865) .(9/165)
جعل الأحاديث التي جاءت في مسح الوجه متعاونة ومتعاضدة، وجعلها من قسم الحسن، واستحب مسح الوجه، منهم ابن حجر رحمه الله في البلوغ، ذكر أنها يشد بعضها بعضا، وقال آخرون: لا يستحب لأنها ضعيفة. فالحاصل أن الأمر في هذا واسع إن شاء الله، من مسح فلا حرج، ومن ترك لعله أفضل وأولى؛ لأن الأحاديث ليس فيها مسح.(9/166)
64- حكم الدعاء بعد كل صلاة ورفع الأيدي
س: هل يكره الدعاء بعد كل صلاة، ورفع الأيدي هل هو بدعة؟ (1)
ج: الدعاء بعد الصلاة لا يكره بل مستحب، كونه يدعو بينه وبين ربه، في آخر الصلاة وبعد الصلاة بعد الذكر كل هذا جاء في الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا دعا في آخر الصلاة قبل أن يسلم هذا أفضل، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس بينه وبين ربه، أما أن يكون الدعاء جماعيا من الجماعة أو مع الإمام هذا غير مشروع بل بدعة، أو يكون مع رفع الأيدي هذا بدعة بعد الفرائض، لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد الفرائض الخمس، ولم يحفظ عن أصحابه رضي الله عنهم فيما بلغنا، فليس للناس أن يحدثوا
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (106) .(9/166)
شيئا لم يفعله المصطفى عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه، لكن الدعاء لا بأس به بينه وبين ربه قبل السلام وبعد السلام لا بأس.
أما رفع الأيدي من الجماعة أو من الإمام أو من الجميع بالدعاء كل هذا بدعة، وهكذا إذا دعوا جميعا دعاء جماعيا وذكرا جماعيا فهو بدعة، بل كل يذكر الله في نفسه، ويدعو لنفسه من دون حاجة أن يكون معه آخر يرفع الصوت معه، نسأل الله للجميع الهداية.(9/167)
65- حكم قراءة الفاتحة بعد الصلاة وتثويبها للأموات
س: ما حكم قراءة الفاتحة بعد الصلاة، ذلك أن أحد الأشخاص قال: إننا نتوسل بها إلى الله أن يغفر لنا ولوالدينا، ونهديها إلى موتانا، ثم إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم، ما حكم ذلك، هل يصل ثوابها إلى روح الموتى؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا نعلم لهذا أصلا، والعبادات بالتوقيف والأدلة لا بالآراء والأهواء، العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، ولا نعلم في الأدلة الشرعية شرعية قراءة الفاتحة بعد الصلاة وتثويبها للموتى، ولا الاجتماع على قراءتها لطلب الثواب، كل هذا لا أصل له،
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (168) .(9/167)
وإنما المشروع للمؤمن أن يقرأ القرآن ليتدبر ويتعقل ويستفيد وليحصل له الأجر بذلك، أما أن يخترع شيئا ما شرعه الله في وقت لم ترد فيه السنة هذا ليس بجائز؛ لأن الرسول عليه السلام يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ولم يرد عنه فيما نعلم من الشرع أنه شرع للأمة قراءة الفاتحة بعد كل صلاة أو تثويبها للموتى، أو قراءتها بصفة جماعية في أي وقت من الأوقات، كل هذا لم يرد ولم نعرفه من الشرع المطهر، والواجب على أهل الإيمان وأهل الإسلام أن يسعهم ما وسع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس لأحد أن يحدث شيئا لم يشرعه الله، ولم يرد أيضا أن القرآن يقرأ للموتى ويثوب للموتى، وإن كان قاله جمع من أهل العلم، لكن أقوال العلماء تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق النص قبل وما لا فلا، وقد تأملت هذه المسألة فلم أجد في النصوص ما يدل على قراءة القرآن للموتى وتثويبه للموتى، ولكن المشروع الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والجنة، بالسعادة بالعفو والمسامحة، الصدقة عنهم، الحج عن الميت، العمرة عن الميت،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(9/168)
قضاء الدين عن الميت، كل هذا مشروع، أما أن يصلى عنه أو يقرأ عنه فليس له أصل، أو يصام عنه تطوعا فليس له أصل، أما إذا كان عليه صوم فريضة مات ولم يقضه فإنه يشرع الصيام عنه، كأن يكون عليه صوم من رمضان، تساهل فلم يقضه أو كفارة فإنه يصام عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » متفق على صحته.
وسأله جماعة عليه الصلاة والسلام، منهم امرأة تقول: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها، قال صلى الله عليه وسلم: «نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضية؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء (2) » هذا هو المشروع، والواجب على المؤمن والمؤمنة التقيد بما جاء به الشرع، وعدم إحداث شيء لم يشرعه الله تعالى، لا في الصوم ولا في القراءة ولا في الصلاة ولا في غير ذلك، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم (1147) .
(2) أخرجه البخاري، في كتاب الحج، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة، برقم (1852) .(9/169)
66. حكم الدعاء الجماعي بعد الصلاة المكتوبة
س: الأخ ع. أ. س. من ليبيا يسأل عن الدعاء الجماعي بعد الصلاة المكتوبة (1)
ج: الدعاء الجماعي بعد الصلاة المكتوبة أو في غيرها بدعة لا أصل له حتى في غير الصلاة، كونهم يدعون دعاء جماعيا ما له أصل، إنما الإنسان يدعو لنفسه، أو يدعو ويؤمن إخوانه، كالقنوت يدعو الإمام ويؤمن المأمومون، أما أن يدعوا بصوت واحد جماعيا فهذا لا أصل له ولا سيما عقب الصلاة، كل هذا بدعة، فالإنسان يدعو لنفسه بينه وبين ربه في آخر الصلاة قبل أن يسلم، أو بعد السلام بينه وبين ربه، يدعو من دون رفع اليدين لا بأس في هذا، بينه وبين نفسه، أما أن يدعو الإمام ويرفع يديه وهم يرفعون أيديهم معه ويدعون فهذا لا أصل له، وليس من الشرع، وهكذا رفع الصوت بالدعاء جماعيا بصوت واحد كل هذا لا أصل له، لا في المسجد ولا في غير المسجد.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (176) .(9/170)
67- حكم الاستغفار بصوت مرتفع وقول: الفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم
س: الأخ ص. ح. ج. اليماني من مدينة الطائف يسأل ويقول: هل يجوز(9/170)
الاستغفار بصوت مرتفع، وبعد ذلك يقول الإمام: الفاتحة بقبول الدعاء وقبول الصلاة ثم إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: فالمشروع للمسلمين بعد الفراغ من صلاة الفريضة أن يقول الإمام والمأموم بعد السلام: أستغفر الله. بصوت يسمعه من حولهم، أستغفر الله، أستغفر الله – ثلاث مرات – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول كل واحد بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فقد ثبت هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد كل فريضة، بعضه من حديث ثوبان وبعضه من حديث ابن الزبير وبعضه من حديث المغيرة بن شعبة، هذا السنة للجميع، برفع الصوت المناسب الذي ليس فيه إزعاج وليس فيه خفض صوت، لكن صوت مناسب يسمعه من حول المسجد من عند الباب حتى يعلموا أن الصلاة انتهت.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (151) .(9/171)
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان رفع الصوت في الذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » فقد كان صبيا قد لا يحضر، كان يسمع هذا فيعرف أن الناس قد صلوا. وفي لفظ آخر قال: «كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير (2) » لأنه يشرع للناس أن يكبروا ثلاثا وثلاثين ويسبحوا ثلاثا وثلاثين، ويحمدوا الله ثلاثا وثلاثين بعد كل صلاة من الصلوات الخمس. هذا هو المشروع، أما قول الإمام: الفاتحة بقبول الصلاة. أو رفع الصوت بالدعاء جماعيا فإن هذا بدعة لا يجوز، بل كل واحد يذكر الله بنفسه لا بصوت جماعي، ولا يشترط لهم أن يقرؤوا الفاتحة لقبول الدعاء، هذا غير مشروع تلاوة الفاتحة بعد كل صلاة، إنما المشروع بعد كل صلاة قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين بينه وبين نفسه، أما قراءة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (841) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة برقم (842) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة برقم (583) بلفظ (كنا نعرف) .
(3) سورة الإخلاص الآية 1(9/172)
الفاتحة فلم يرد في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك، فقراءتها عند الدعاء بقصد الدعاء ليس له أصل، ولكن يستحب عند الدعاء حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو؛ لأن هذا من أسباب الإجابة، فإذا حمد الله وأثنى عليه قبل أن يدعو ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في خارج الصلاة أو في داخل الصلاة في آخر التحيات؛ أو في سجوده فلا بأس إذا أثنى على الله وصلى على النبي الصلاة المعروفة، ثم دعا بعد ذلك، كل هذا طيب، أما أن يكون بصوت مرتفع بعد الصلوات – صوت جماعي – فهذا منكر.
والواجب على أهل الإسلام أن يتمسكوا بالشرع، وألا يزيدوا ولا ينقصوا، لا فيما يتعلق بالصلاة ولا فيما يتعلق بالأذكار بعدها ولا في غير ذلك. والعبادات عند أهل العلم توقيفية ليست بالرأي، بل وقوفها على ما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عنه وثبت عنه فهو المشروع وما سوى ذلك فهو بدعة، والواجب على أهل الإسلام التقيد بالسنة والحذر من البدع، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ويقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867) .(9/173)
يحذرهم من البدع، وهي الإحداث في الدين؛ يعني إحداث عبادات ما شرعها الله، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » يعني فهو مردود، متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » يعني مردود، فالواجب على المسلمين من الرجال والنساء التقيد بالشرع والتمسك بما جاء في الشرع فقط في الأذكار وغير الأذكار، في الصلاة وفي الصوم وفي الحج، وفي جميع العبادات، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(9/174)
68- حكم التسبيح بعد الصلاة بصورة جماعية
س: هل يجوز التسبيح بعد الصلاة بصورة جماعية؟ (1)
ج: التسبيح بعد الصلاة بصورة جماعية بدعة لا يجوز، وإنما يسبح العبد بنفسه بعد الصلاة إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (363) .(9/174)
إماما أو مأموما أو منفردا في جميع الصلوات الخمس، ثم يقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. مرة أو ثلاثا في جميع الصلوات الخمس، لكن في الفجر والمغرب يزيد في ذلك عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات زيادة في الفجر والمغرب، أما في الظهر والعصر والعشاء فيقول ذلك مرة واحدة أو ثلاثة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويستحب أن يقول بعد ذلك: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يقول بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) ثم يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3)
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1(9/175)
و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد الفجر يكررها ثلاثا، يكرر السور ثلاث مرات، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) بعد الفجر والمغرب كما ورد في حديثه عنه عليه الصلاة والسلام، أما ما سوى ذلك، وعلى صورة جماعية فهذا بدعة.
__________
(1) سورة الناس الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1(9/176)
س: الأخ ي. م. ر يسأل ويقول: رأيت في أحد المساجد في بعض البلدان الإسلامية عندما ينتهون من كل صلاة فريضة يسبحون الله بشكل جماعي، أي يقول الإمام: سبحان الله. فيقول المأمومون: سبحان الله. إلى أن ينتهوا إلى ثلاث وثلاثين، ويقول الإمام: الحمد لله. ويقول المأمومون مثل قوله وهكذا، أفيدونا عن حكم مثل هذا العمل، جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل الذي ذكر السائل وهو أن الإمام والمأمومين يسبحون ويحمدون ويكبرون بصفة جماعية بعد كل صلاة، هذا لا أصل له
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (127) .(9/176)
وليس من السنن المشروعة بل هو من البدع، والرسول صلى الله عليه وسلم رغب الناس أن يسبحوا ويحمدوا ويكبروا ثلاثا وثلاثين بعد كل صلاة، ولم يكن يفعل ذلك معهم بصفة جماعية، بل كان يذكر الله في نفسه، وكل واحد من الجماعة يذكر الله في نفسه، هذا هو المشروع، وكل واحد يشتغل بنفسه، فالإمام بنفسه، وكل واحد من الجماعة كذلك، ويقول بعد السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، هذا السنة لما ثبت عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) »
وثبت عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أنه كان رسول الله إذا فرغ من قوله: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » انصرف إلى الناس وأعطاهم وجهه الكريم عليه الصلاة والسلام فهذا يدل على أن الإمام يأتي بهذا قبل أن ينصرف حال كونه مستقبل القبلة، ثم ينصرف إلى الناس فيقول: لا إله إلا الله وحده لا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/177)
شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن زاد قال: يحيي ويميت فكل هذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول أيضا: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. هذا ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعضه من حديث المغيرة بن شعبة. وبعضه من حديث عبد الله بن الزبير. رضي الله عنهم جميعا وقال عليه الصلاة والسلام: «من سبح الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1) » أخرجه مسلم في صحيحه.
فهذا يدل على شرعية هذا الذكر، وأن كل واحد يقوله في نفسه، ما يحتاج إلى أن يكون معه غيره، فأداء ذلك بصفة جماعية من الجماعة، أو مع الإمام كل ذلك لا أصل له، وقد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (597) .(9/178)
قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » يعني فهو مردود. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » متفق على صحته. فنصيحتي لمن يفعل هذا أن يدع ذلك، وأن يسبح كل واحد لنفسه مستقلا من دون مشاركة غيره، رزق الله الجميع التوفيق واتباع السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(9/179)
69- حكم دعاء الإمام وتأمين المصلين بعد كل صلاة
س: هناك أناس يدعون عقب كل صلاة، الإمام يدعو والجماعة يقولون: آمين. فما حكم ذلك في الشرع بالإجماع؟ (1) ج: هذا الذي سألت عنه أيها السائل لا نعلم له أصلا في الشرع، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، إذا صلى الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء ما كان يفعل هذا الذي سألت عنه، وهو رفع اليدين والدعاء من الإمام والمأمومين، هذا شيء لا أساس له، ولا يشرع، بل هو بدعة؛ إذ لو كان مشروعا لنقله الصحابة وبينوه لنا عن النبي
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (96) .(9/179)
عليه الصلاة والسلام، ثم لو كان مشروعا قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم لفعله الصحابة أيضا، كالخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة، ولم يثبت عنهم فيما نعلم أنهم فعلوا ذلك ولا أنهم نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب تركه، والإنسان إذا أحب أن يدعو يدعو بينه وبين نفسه، من دون رفع اليدين ومن دون الاجتماع مع الإمام، بل كما جاءت به الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا بعد السلام بالذكر المعروف عنه عليه الصلاة والسلام، لكن لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة، ولا أنه دعا وأمن معه المأمومون، والخير في اتباعه عليه الصلاة والسلام، وهذه أمور ظاهرة يعلمها الناس ويراها الناس، فلو فعل شيئا من هذا لنقله الصحابة وعرفوه رضي الله عنهم وأرضاهم، فالواجب ترك ذلك؛ لأنه لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، والخير في اتباعهم، وسلوك سبيلهم رضي الله عنهم، وصلى الله على نبيه محمد وأصحابه.(9/180)
70- حكم قول: نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بعد الصلاة جماعيا
س: عندنا في أغلب المساجد بعد الانتهاء من الصلاة نجد جميع المصلين بصوت واحد مرتفع يقولون: نستغفر الله العظيم الذي(9/180)
لا إله إلا هو الحي القيوم. ثلاثا. ثم يقولون بصوت مرتفع أيضا ثلاثا: يا أرحم الراحمين ارحمنا. مع العلم أن بعض المأمومين بعد تسليم الإمام يقوم بإكمال ما فاته من ركعات، وهم يشوشون عليه بارتفاع أصواتهم، ونقول لهم: الاستغفار يكون في السر. ولكن يقولون: الوارد عن الرسول أنه كان يقرؤه جهرا – أي قراءة الأذكار دبر الصلاة جهرا – ما هو توجيهكم وما هو القول الصحيح؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل الذي ذكرتم لا يشرع، وإنما الاستغفار عند السلام، إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يستغفر ثلاثا بكلام يسمعه من حوله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ثم يبدأ بالذكر المشروع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (266) .(9/181)
منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. هذا هو المشروع، يرفع صوته بذلك رفعا لا يشغل المصلين، بل يكون رفعا متوسطا؛ لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » فدل على أنهم يرفعون أصواتهم لكنه رفع لا يضر المصلين، ولا يشوش عليهم، بل يسمعهم من حول المسجد، ومن يمر بالمسجد حتى يعلم أن الصلاة قد انتهت، ويستحب أيضا مع ذلك أن يسبح ويحمد ويكبر ثلاثا وثلاثين مرة لكل واحد من المصلين: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذا مشروع أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وبينه للأمة، وأخبر أنه تكفر به الخطايا، ويستحب أيضا بعد الصلاة الفرضية أن يقرأ آية الكرسي الإمام والمأموم والمنفرد بينه وبين نفسه، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين كذلك بعد كل صلاة، ويكرر السور الثلاث في الفجر والمغرب ثلاث
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (841) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583) .
(2) سورة الإخلاص الآية 1(9/182)
مرات كما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو المشروع بعد الصلوات.(9/183)
71- حكم الدعاء بعد الصلاة مع الإمام
س: أخبرونا عن الدعاء بعد الصلاة مع الإمام، جزاكم الله خيرا (1)
ج: كل يدعو لنفسه بعد الصلاة وفي الصلاة، يدعو في سجوده وفي آخر التحيات، يدعو لنفسه وللمسلمين، ولوالديه المسلمين إلى غير ذلك، كلها محل دعاء، السجود محل دعاء، وهكذا الصلاة قبل السلام محل دعاء، بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محل دعاء، بين السجدتين محل دعاء، يسأل ربه المغفرة له ولوالديه، كل هذا محل دعاء، ويدعو بما أحب من الدعوات الطيبة، وإذا كانت الواردة في الأحاديث كانت أفضل، فيدعو بين السجدتين بطلب المغفرة، ويقول: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني. في السجود يدعو بما أحب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) »
ويقول
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (275) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .(9/183)
صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » حري أن يستجاب لكم. وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في السجود: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » وهذا من أفضل الدعاء، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لما علمهم التحيات، قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (3) » أي في آخر الصلاة قبل أن يسلم، بعد ما يقرأ التحيات، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعوذ كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، يتعوذ من أربع يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال (4) » كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من هذه الأربع، ويأمر بالتعوذ منهن، فالسنة للمصلي في الفرض والنفل أن يتعوذ من هذه الأربع، يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أو:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (483) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة برقم (588) .(9/184)
اللهم أني أعوذ بك. كله جاء في الحديث، وكذلك يسأل ربه الجنة، ويتعوذ بالله من النار، يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لي ولوالدي – إذا كانا مسلمين – اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. كل هذا الدعاء الطيب، ومن جوامع الكلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (1) » وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التشهد يتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وتدعو يا عبد الله بما أحببت، والمرأة كذلك، في سجودك، وفي آخر الصلاة وبعد السلام، إذا أتيت بالأذكار تدعو بعد السلام أيضا بينك وبين نفسك، بينك وبين ربك بعد الذكر من دون رفع يدين، ما كان النبي يرفع يديه بعد الفريضة، لكن إذا رفعتها بالدعاء بعد غير الفريضة بدعاء آخر لا بأس من دعواتك في بيتك، وبعد النافلة في
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار – رضي الله عنهم – من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه - حديث رقم (21621) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، حديث رقم (1522) واللفظ له، والنسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء حديث رقم (1303) .(9/185)
بعض الأحيان، فالدعاء ورفع اليدين من أسباب الإجابة، لكن الشيء الذي ما رفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع فيه، النبي ما كان يرفع بعد الفريضة عليه الصلاة والسلام، يدعو لكن من دون رفع، وهكذا بين السجدتين تدعو من دون رفع، هكذا قبل السلام تدعو من دون رفع اليدين، هكذا في خطبة الجمعة، إذا دعا الإمام في خطبة الجمعة والعيد يدعو من دون رفع اليدين، إلا إذا استسقى وطلب الغيث يرفع يديه بالاستسقاء.(9/186)
س: السائل ع. ع، يقول: هل يجوز الدعاء بعد الفراغ من الصلاة جهرا؛ أي الإمام يدعو والمصلون يقولون بعده: آمين؟ (1)
ج: هذا من أنواع البدع، كون الإنسان يجهر بالدعاء ويؤمن عليه المأمومون هذا من البدع، لكن يدعو الإنسان بينه وبين نفسه بعد الذكر، ويدعو الآخر بينه وبين نفسه بعد الذكر أو قبل السلام أفضل بعد ما يتعوذ من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، يدعو بدعوات مما ورد في الشرع، مثل: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (394) .(9/186)
العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر، اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر لي ولوالدي. إذا كانا مسلمين وما أشبه ذلك.(9/187)
س: السائل ص. م، من اليمن يقول: اعتاد البعض من الناس عندنا بعد فراغ الإمام من الصلاة أن يؤدي كل شخص منا الاستغفار، والأذكار الواردة عقب الصلاة في سره، ولكن بعد ذلك يقوم الإمام بالدعاء بصوت مسموع، ويقوم المأمومون بالتأمين ورد الدعاء بعد الإمام، فهل هذا العمل صحيح أم ماذا؟ مأجورين (1)
ج: هذا بدعة، ليس له أصل، ما كان النبي يفعله ولا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن كل واحد يذكر الله ويدعو بينه وبين نفسه، يذكر الله الأذكار الشرعية، ويدعو بعد الأذكار بينه وبين نفسه لا بأس،
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (398) .(9/187)
والدعاء قبل السلام أفضل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم الصحابة التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال أمرهم أن يسألوا، قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » ثم ليختر من الأدعية ما شاء، فالإنسان يدعو ربه في آخر الصلاة، وإن دعا بعد الذكر بعد السلام فلا بأس، فالسنة للمؤمن إذا سلم من الصلاة الفريضة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله – ثلاث مرات – «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » هكذا كان النبي يفعل كما قال ثوبان رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة استغفر ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (3) » وأخبرت عائشة رضي الله عنها أنه إذا قال: «اللهم أنت السلام (4) » انصرف إلى الناس. إذا كان إماما، ثم يقول الإمام والمنفرد والجماعة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/188)
بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والأفضل أن يكررها ثلاثا، ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال هذا.
ويستحب أن يزيد في المغرب والفجر عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. مع الذكر المتقدم، ويزيد في الفجر وفي المغرب هذا الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر مرات. ثم بعد هذا يسبح ويكبر ويحمد ثلاثا وثلاثين مرة: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة الجميع تسع وتسعون، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذا المستحب للرجل والمرأة بعد الفريضة، يعني الفرائض الخمس: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال(9/189)
والإكرام. ربنا سبحانه هو السلام، المسلم لعباده، اسمه السلام ومنه السلام، هو الذي يرسل السلام لعباده، هو الذي يمن بالسلام على العباد منه جل وعلا، تباركت يا ذا الجلال، تباركت صفة مبالغة ما تصلح إلا لله، تبارك الله ربنا، ما يقال: تباركت يا فلان علينا. هذا وصف لله تبارك الله رب العالمين، تبارك الذي بيده الملك، ثم بعد هذا يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن زاد: يحيي ويميت كذلك طيب، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. جاء هذا وهذا، يكررها ثلاثا بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
ويستحب أن يقول بعد هذا آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين أيضا، هذا مستحب، ويكرر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين بعد المغرب، والفجر ثلاث مرات. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (5) ،
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة الفلق الآية 1(9/190)
و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات أفضل.
__________
(1) سورة الناس الآية 1(9/191)
س: هل يوجد دعاء يقوله المصلون مع الإمام بعد الصلاة مباشرة وجهرا؛ لأن في بعض الأقطار الإسلامية إذا سلم الإمام أخذ في الأدعية والمصلون يقولون معه؟ (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، ولا نعلم في هذا أصلا في الشرع، فكون الإمام والمأموم إذا سلموا يدعون ويرفعون أيديهم بالدعاء، بعد الفريضة هذا لا أصل له، لا بعد العصر ولا بعد الصبح، ولا في غير ذلك، وإنما إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم ينصرف الإمام إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، ثم يقول هو وغيره: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (21) .(9/191)
هذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى بعضه ثوبان، وروى بعضه المغيرة بن شعبة، وروى بعضه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وهي أحاديث ثابتة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو السنة، إذا صلى مع الإمام يقول هذا الدعاء الرجل والمرأة جميعا، إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يقوله الجميع، ثم الإمام ينصرف بعد هذا إلى الناس، ويعطيهم وجهه ويستقبلهم استقبالا، إن شاء انصرف عن يمينه وإن شاء انصرف عن يساره، لكن يعطيهم وجهه ويستقبلهم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول بعد هذا هو والمأمومون كل واحد يقولها بنفسه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ثم يستحب أن يسبح الله ويكبره ويحمده ثلاثا وثلاثين: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، هذه تكون تسعة وتسعين، إذا قال: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا(9/192)
وثلاثين، تكون تسعة وتسعين، ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وثلاثا وثلاثين تكبيرة، هذه تسع وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رواه مسلم في الصحيح. هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنها تغفر الخطايا بهذا الذكر، المقصود أن هذا سنة بعد الصلاة، يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، الرجل والمرأة، ويستحب مع هذا أن يقرأ بعد هذا آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) وكذلك بعد هذا يستحب قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين بعد كل فريضة، لكن في الفجر والمغرب يكرر: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين ثلاث مرات، في الفجر وفي المغرب كما جاءت به السنة، هذا هو المشروع، أما رفع الأيدي والدعاء الجماعي بين الإمام والمأمومين في الفجر أو في العصر أو في المغرب أو في أي وقت هذا لا أصل له، وهو من البدع، فلا يجوز فعله، لكن إذا دعا الإنسان بينه وبين نفسه، بينه وبين ربه من دون رفع يدين بعد الصلاة فلا بأس، فقد جاءت أحاديث تدل على هذا المعنى، وأنه كان يدعو بعض الأحيان
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1(9/193)
عليه الصلاة والسلام بعد هذا الذكر، فلا حرج في هذا، إذا أتى بهذا الذكر ودعا بعد ذلك بينه وبين نفسه مثل: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، جاء في بعض الأحاديث أنه يقولها بعد السلام.
كذلك: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. إن قالها قبل السلام فهو أفضل، وإن أتى بها بعد السلام بعد الذكر فلا بأس، الحاصل أن هذا الذي يفعله بعض الناس من رفع الأيدي الجماعي بين الإمام والمأموم بعد كل صلاة لا نعلم له أصلا، بل هو كما نعتقد من البدع كما نص عليه جمع من أهل العلم رحمة الله عليهم.(9/194)
س: يسأل ويقول: ما يفعله بعض الناس إذا سلم الإمام من الصلاة أتى بذكر جماعي هو والمأمومون، يختم الذكر بالفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم، ما رأي سماحتكم في هذا؟ (1)
ج: مثل هذا بدعة، كونه يأتي بذكر جماعي متعمدا بألفاظ ينطقون بها جميعا، وينتهون منه جميعا، هذا بدعة، لكن كل واحد يذكر الله، ولو تلاقت الأصوات في المسجد لا يضر ذلك، كل واحد يذكر الله وحده،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (196) .(9/194)
هذا يبتدئ وهذا ينتهي لا يتقصدون أن تكون ألفاظهم متزنة متوافقة من أولها إلى آخرها جماعيا، لا، هذا لا أصل له، بدعة، ولكن كل واحد يذكر الله، هذا يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وهذا ينتهي منها ويقول: لا إله إلا الله. والآخر يقول: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه. كل منهم على حسبه، يتكلم بما يسر الله له من الذكر من غير أن يراعي اتفاقه مع كلام أخيه حرفيا، بل هذا يذكر الله، وهذا يذكر الله، وكل منهما يبتدئ حيث شاء، وينتهي حيث شاء، أما أن يقصد كل واحد أن يكون جماعيا مع أخيه في ألفاظه ابتداء وانتهاء فهذا لا أصل له.(9/195)
س: هناك بعض الناس يقولون: إن الدعاء واجب، وهو أن يدعو الإمام ويؤمن المصلون، فهل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: الدعاء مشروع، وليس بواجب ولكنه مشروع، الإنسان يدعو في صلاته، يدعو الله ويجتهد في الخير، يسأل ربه المغفرة والرحمة وصلاح النية والعمل، يسأل ربه الرزق الحلال، الزوجة الطيبة الصالحة، يسأل ربه دخول الجنة والنجاة من النار، إلى غير ذلك، لكن يجب أن يقول:
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (61) .(9/195)
رب اغفر لي – عند جمع من أهل العلم – بين السجدتين فقط، أما بقية الدعاء فهو مستحب، يدعو في آخر الصلاة قبل أن يسلم، يستحب أن يدعو في سجوده، يستحب أن يدعو خارج الصلاة، ويطلب من ربه خير الدنيا والآخرة، كل هذا مستحب مطلوب ولا يجب.
أما ما يفعله بعض الناس من الدعاء بعد السلام، إذا سلم الإمام في الفريضة دعا الإمام ورفعوا أيديهم وأمنوا جميعا، فهذا لا أصل له هذا من البدع، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا سلموا يرفعون أيديهم ويدعون ويؤمنون، فالإنسان يدعو بينه وبين نفسه، الإمام يدعو بينه وبين نفسه، المأموم كذلك، المسلم يدعو بعد الصلاة بينه وبين ربه، أما أن يرفع الإمام يديه ويرفعون أيديهم ويدعو الإمام ويؤمنون فهذا لا أصل له، ولا يجوز بل هو من البدع التي يجب تركها، ولكن يدعو الإنسان في نفسه بعد الذكر بما يسر الله، والمنفرد إذا ما صلى مع الجماعة لأسباب فاتته الجماعة أو لأنه مريض أو ما أشبه ذلك، يدعو أيضا بينة وبين نفسه، ولكن الأفضل أن يكون في صلاته في السجود، وقبل أن يسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علمهم التحيات قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » يعنى قبل أن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .(9/196)
يسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) »
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » فينبغي للمؤمن أن يكثر من الدعاء في سجوده، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة قبل أن يسلم، وإذا دعا بعد السلام وبعد الذكر بينه وبين ربه فلا بأس من دون رفع اليدين ومن دون أن يدعو مع الإمام، كل هذا لا أصل له، لكن يدعو بينه وبين ربه في نفسه فقط من دون رفع اليدين بعد صلاة الفريضة، وهكذا بعد النوافل، وإذا رفع يده بعد النوافل بعض الأحيان فلا بأس، أو في غير صلاة، دعا ربه في أي وقت ورفع يديه كل هذا مطلوب، رفع اليدين من أسباب الإجابة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .(9/197)
72- حكم قراءة آية الكرسي وبعض الأذكار جماعيا بعد صلاة الجمعة
س: يسأل ويقول: في يوم الجمعة بعد أن يسلم الإمام ونسلم بعده، يقرأ آية الكرسي، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ونحن كذلك وراءه، ثم يرفع يديه للدعاء ونحن معه، ثم نقرأ سورة الفاتحة،(9/197)
فهل في عملنا هذا شيء أم يجب أن يختم كل فرد الصلاة بمفرده ولا يختمها مع الإمام؟ جزاكم الله خيرا (1) ج: هذا العمل بدعة لا يجوز، وليس من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فكونكم تبدؤون بعد السلام جميعا بآية الكرسي ثم تسبحون جميعا ثم ترفعون أيديكم كل هذا لا أصل له، هذه بدعة وإنما السنة إذا سلم الإمام، وهكذا المأموم وهكذا المنفرد، السنة للجميع بعد السلام القول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » هكذا كان النبي يفعله عليه الصلاة والسلام، يبدأ بهذا ثم ينصرف إلى الناس عليه الصلاة والسلام فيقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) » «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (443) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .(9/198)
منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » هذا سنة للإمام والمأموم والمنفرد بعد السلام من الصلوات الخمس، ولا يشرع رفع اليدين في هذه الحال، وكل واحد يذكر الله في نفسه لا يكون ذكرا جماعيا، كل واحد يذكر الله لنفسه كما شرع الله، أما أن يؤتى بذلك بصوت جماعي فهذا من البدع، أو يبدأ بآية الكرسي هذا خلاف السنة، بل يبدأ بالاستغفار ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وهكذا ثبت من حديث ثوبان، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن الزبير ومن حديث المغيرة أنه كان يقول بعد ذلك: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (2) » «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (3) » روى نص هذه الأذكار ابن الزبير
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/199)
وبعضها رواه المغيرة رضي الله عنهما، وكلها صحيحة.(9/200)
73- حكم دعاء الإمام والمصلون يؤمنون خلفه بعد كل صلاة
س: ما حكم الدعاء بعد كل صلاة بالنسبة للجماعة حيث يدعو الإمام ويقول المأمومون خلفه: آمين (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، الدعاء بعد كل صلاة يدعو الإمام ويؤمن عليه المأمومون هذا شيء لا أصل له، فهو من البدع، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يفعلونه، بل كان إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثا، قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » ثم ينصرف إلى الناس يعطيهم وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) »
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (45) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .(9/200)
" «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، بعضه ثابت من حديث ثوبان عند مسلم، وبعضه من حديث ابن الزبير عند مسلم، وبعضه في الصحيحين من حديث المغيرة. هذه الأذكار التي يقولها إذا سلم عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ عنه أنه كان يرفع يديه إذا سلم ويدعو ويؤمن المأمومون، كل هذا محدث لا أساس له، فلا يجوز فعله، بل هو بدعة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/201)
س: عادتنا ونحن نصلي جماعة مع الإمام وبعد صلاة الجماعة فإننا نذكر الله جميعا، فهل هذا صحيح؟ وهل الذكر بالجماعة أفضل أم كل على حدة (1) ؟
ج: ليس بصحيح بل هذا بدعة، كل واحد يذكر الله بنفسه، أما أن يذكر الله ذكرا جماعيا بصوت واحد فهذا من البدع، كل واحد إذا سلم يذكر الله بنفسه.
__________
(1) (2) السؤال السابع من الشريط رقم (216) .(9/201)
74- حكم التسبيح الجماعي عقب الصلوات
س: ما حكم التسبيح الجماعي إذا كان الإمام يسبح والمأمومون يسبحون من بعده (1) ؟
ج: هذا بدعة لا أصل له، بل كل واحد يسبح لنفسه، الإمام يسبح لنفسه، كل واحد منهم كذلك، يسبح لنفسه، ويذكر الله لنفسه، أما الجماعي فهذا بدعة.
__________
(1) (1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (220) .(9/202)
75- مسألة في رفع الصوت بالذكر جماعيا
س: هناك من يقول: إن استغفار الجماعة مع الإمام بعد السلام بصوت مرتفع - مشروع وجائز؛ بدليل ما كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا دخل الداخل للصلاة يعرف أنها قد قضيت برفع التسبيح من الرسول وأصحابه علما أنني لم أرتض هذا القول، فما هو توجيهكم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الصواب شرعية الذكر بعد الصلاة، أما الدعاء والاستغفار فيكون بين العبد وبين ربه، لكن بعد الصلاة يذكر الله، يقول ابن عباس رضي
__________
(1) (2) السؤال الثاني من الشريط رقم (227) .(9/202)
الله عنهما: كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: " «كنت أعرف إذا انصرفوا بذلك سمعته (1) » فالسنة رفع الصوت بالذكر بعد الصلوات الخمس كما رفعه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة؛ حتى يتعلم الجاهل ويتذكر الناسي، ويعلم الناس الذين حول المسجد أنها انتهت الصلاة، أما الدعوات الخاصة فبين العبد وبين ربه، ولو سمع من حوله لا بأس، لكن " «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثا؛ قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله – ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » هكذا أخبر ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله أنه كان يفعل هذا، فلولا أنه كان يسمعه ما أخبر به، فدل على أن ثوبان سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا استغفر بقدر ما يسمع من حوله فلا بأس، ولكن الذكر يرفعه أكثر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (841) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/203)
الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. أخبر ابن الزبير وأخبر المغيرة بن شعبة أن النبي كان يفعل هذا، ويرفع صوته بهذا عليه الصلاة والسلام. وهكذا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر - بعد الصلاة كله ذكر، أما الدعاء فإذا أسر به بينه وبين ربه ما يسمع من حوله فلا بأس، هذا هو الأفضل.(9/204)
76- حكم اختيار الجماعة واحدا منهم ليدعو لهم ويؤمنوا خلفه
س: هل يجوز للجماعة إذا صلوا جماعة أن يختاروا أحدهم بأن يدعو لهم ويرفعوا أيديهم ويقولوا: اللهم آمين. يعني هو يدعو بالنيابة عنهم، ويرددون كلمة: اللهم آمين (1) ؟
ج: هذا فيه تفصيل، فإن كان الدعاء في قنوت الوتر فلا بأس بهذا، أما الدعاء غير ذلك فليس بمشروع، الكل يدعو لنفسه إذا سلم من صلاته وأتى بالذكر الشرعي، يدعو بينه وبين ربه، كل واحد يدعو لنفسه، والإمام لا يرفع ولا يؤمنون، هذا بدعة ليس له أصل، ولكن إذا أحب أن يدعو فالإمام يدعو لنفسه بينه وبين ربه، والمأموم كذلك، كل واحد يدعو لنفسه، هذا هو المشروع.
__________
(1) (1) السؤال الثامن من الشريط رقم (88) .(9/204)
77- حكم ذكر الله قبل صلاة الصبح وصلاة العشاء بصوت جماعي
س: عندنا عادة نفعلها قبل صلاة الصبح وقبل صلاة العشاء، وهي ذكر الله وتسبيحه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي، ويسمون هذا بالراتب، فهل يجوز هذا بهذا الشكل أم لا (1) ؟
ج: هذا بدعة، كونهم يجتمعون للدعاء جماعة وبصوت جماعي يذكرون الله أو يقرؤون قبل الفجر وقبل العشاء هكذا بدعة، أما كون الإنسان يجلس بعد المغرب أو بعد العصر يذكر الله مع نفسه فهذا طيب، قربة وطاعة لله سبحانه وتعالى، وهكذا بعد الفجر هذا طيب، كان النبي يجلس بعد الفجر حتى تطلع الشمس – عليه الصلاة والسلام – يذكر الله ويثني عليه، هذا كله مشروع تسبيح الله والثناء عليه بكرة وعشيا، أمر شرعه الله، لكن كونه يؤدي بصوت جماعي من جماعة بعد العصر أو بعد المغرب أو بعد الفجر هذا بدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » وقال عليه الصلاة
__________
(1) (1) السؤال التاسع من الشريط رقم (48) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(9/205)
والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » وكان يخطب يوم الجمعة ويقول: «شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (2) » فالواجب على المسلم أن يتقيد بشرع الله، وأن يتأدب بآداب الله، فإذا أراد الجلوس بعد الصبح أو بعد المغرب أو بعد العصر لذكر الله وقراءة القرآن فهذا طيب، وهكذا الآخر والآخر كل يذكر الله بينه وبين ربه، ويسبحه ويحمده ويثني عليه ويستغفره ويقرأ القرآن، هذا فيه فضل عظيم وأجر كبير، أما كونهم ينطقون بصوت واحد: لا إله إلا الله، أو: سبحان الله، أو ببعض الآيات هذا لا أصل له، بل هو من البدع التي أحدثها الناس، فالواجب ترك ذلك والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(9/206)
78- مسألة في دعاء الإمام بعد الفريضة والتأمين خلفه
س: السائل من السودان يقول: بعد الانتهاء من الفريضة المكتوبة، وبعد الانتهاء من الباقيات الصالحات وختمها بـ: لا إله إلا الله، يقوم الإمام برفع يديه، ويدعو الله والجميع يقولون من خلفه: آمين، ويقرؤون شيئا من القرآن الكريم كفاتحة الكتاب، نرجو أن(9/206)
توجهونا، هل هذا العمل مبتدع أم أنه جائز؟ وجزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا العمل مبتدع ليس له أصل في الشرع فيما نعلم فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة أو بعد التسبيح والذكر يرفع يديه يدعو والناس يؤمنون، وما كان يقرأ الفاتحة والناس يؤمنون، ولو كان هذا واقعا لنقله الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم نقلوا كل شيء، فهم أمناء، والحاصل أن هذا من البدعة، كون الإمام بعد الصلاة وبعد التسبيح يرفع يديه فيدعو وهم يؤمنون، أو يقرأ الفاتحة ويدعو وهم يؤمنون هذا ليس له أصل وهو بدعة، فإذا فرغ الإنسان من الذكر يصلي السنة الراتبة بعد الظهر أو بعد المغرب أو بعد العشاء، أو يذهب إلى بيته – وهو أفضل – يصلي النوافل في بيته، وأما هذه الأعمال التي يرفع يديه بعد الفريضة الإمام والمأموم أو كلاهما، يرفعون ذلك بالدعاء فهذا لا أصل له.
__________
(1) (1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (306) .(9/207)
79- حكم قول الإمام بعد الفريضة: يغفر الله لنا ولكم- بصوت مرتفع
س: أرى من بعض الأئمة بعدما ينتهي من الصلاة ويتوجه بوجهه إلى المصلين يقول بصوت مرتفع: يغفر الله لنا ولكم. فهل ورد(9/207)
هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ؟
ج: هذا ليس له أصل، فكونه يلتفت إلى المصلين يقول: يغفر الله لنا ولكم. هذا ليس له أصل، ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا، هذا يعتبر بدعة لا وجه لها، بل إذا سلم يقول: " «أستغفر الله – ثلاثا- اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (2) » ثم ينصرف إلى الناس في جميع الأوقات الخمسة، ينصرف بعد هذا، وإذا انصرف يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير – مرة أو ثلاثا – ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. والمأمومون مثله، يقولون مثل ذلك، إذا سلم الإمام يقولون مثل قوله سواء، ويزيد في الفجر وفي المغرب: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. عشر
__________
(1) (1) السؤال الخامس من الشريط رقم (43) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .(9/208)
مرات، يزيدها في المغرب والفجر كما جاء في السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يستحب أن يقول بعد هذا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. ثلاثا وثلاثين مرة، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يقرأ آية الكرسي، ثم يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) ، والمعوذتين، هذا هو الأفضل بعد كل صلاة، وفي المغرب والفجر يزيد فيقرأ: قل هو الله أحد، والمعوذتين في الفجر والمغرب ثلاث مرات في أول الليل وأول النهار كما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو المشروع بعد كل صلاة، أما أن يقول للجماعة: يغفر الله لنا ولكم بصوت مرتفع، أو: هداكم الله، أو تقبل الله منا ومنكم، هذا لا أصل له، لكن لو دعا بينه وبين نفسه دعا لإخوانه المسلمين لا بأس، لكن بصوت مرتفع يتخذه عادة هذا لا أصل له.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1(9/209)
80- حكم قول: تقبل الله العظيم بعد الصلاة
س: أسمع في نهاية الصلاة من بعض الناس قوله عندما يسلم من الصلاة، يقول أحدهم لأخيه: تقبل الله العظيم. فيرد عليه الآخر:(9/209)
منا ومنكم صالح الأعمال. فهل هذا من السنة (1) ؟
ج: لا أصل له، ليس من السنة ولا أصل له، وينبغي ترك ذلك لأنه غير مشروع.
أما الدعاء بالقبول في الأعمال فإنه إذا كان وهو ما يعتاده بعض الناس في بعض الأحيان فهذا لا بأس به، مثل ما يقول له في الطريق: غفر الله لنا ولك، و: تقبل الله منا ومنك، أو عند السلام عليه في البيت فهذا لا بأس، لكن كونه يعتاد إذا سلم من الصلاة يقول هذا الكلام عادة فهذا غير مشروع، هذا بدعة.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (271) .(9/210)
س: هناك كلمات يرددها بعض الناس بعد الصلاة مثل: حرما، تقبل الله، فهل هذه جائزة (1) ؟
ج: أما حرما فلا أعرف لها أصلا، وأما إذا قال لأخيه: تقبل الله منك فلا أعلم فيه بأسا لا في الصلاة ولا في غيرها، تقبل الله منك صيامك، تقبل الله منك صلاتك.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (223) .(9/210)
81- حكم مصافحة المصلين بعضهم بعضا بعد الصلاة
س: مصافحة المصلين بعضهم بعضا بعد الصلاة هل هي جائزة (1) ؟ ج: إذا كان لم يصافحه أولا يستحب له أن يصافحه؛ إذا فرغ من الأذكار الشرعية صافح أخاه، أما إذا كان التصافح عند اللقاء في الصف قبل الصلاة فذا يكفي – والحمد لله – لأن المصافحة سنة عند اللقاء، والسلام سنة عند اللقاء، فإذا صافح أخاه عند اللقاء في الصف أو بعد صلاة النافلة قبل الصلاة كفى ذلك، وإن صافحه بعد الفرض بعدما يفرغ من الأذكار هذا كله لا بأس به من باب الأنس وأداء السنة والتآلف، لكن لا يبادر من حين يسلم كما يفعل بعض الناس بعد الأذكار، بعدما يفرغ من الأذكار الشرعية يسلم على أخيه على يمينه وشماله: كيف حالك، من باب التآلف والتعاون؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصافح الصحابة، ولما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا (2) » فالسنة عند اللقاء المصافحة، وثبت عن أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (223) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في المصافحة، برقم (5212) وغيره.(9/211)
النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا (1) » وكان صلى الله عليه وسلم «إذا دخلت عليه بنته فاطمة – رضي الله عنها – قام إليها وصافحها وقبلها، وأجلسها مكانه، وإذا دخل عليها هي قامت إليه وصافحته وقبلته وأجلسته مكانها (2) » فالمقصود أن إفشاء السلام والمصافحة عند اللقاء والبشاشة في وجه أخيك كل هذا من أسباب الألفة والمحبة، لكن لا تجعل هذا من حين تسلم بل بعد الفراغ من السلام والذكر الشرعي، تصافحه إذا كان ما صافحته قبل ذلك.
س: عندما يسلمون على بعضهم عقب السلام مباشرة قائلين تقبل الله منا ومنكم وغير ذلك من الأقاويل فهل هذا جائز (3) ؟
ج: هذا لا أصل له بعد الفريضة، لا أصل له، لا يصافح ولا يقول: تقبل الله منكم بعد الفريضة، أما أن يكون غير عادة بعض الأحيان يقول: تقبل الله، فلا بأس، أما كلما سلم قال: تقبل الله. يصافح فلا، خلاف ما
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (97) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، برقم (5217) ، والترمذي في كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، برقم (3872) .
(3) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (371) .(9/212)
شرعه الله في الفرائض، كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم قال: «أستغفر الله – ثلاثا – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) » ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (2) » ثم يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) » «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (4) » ويذكر الله بعد الفجر والمغرب عشر مرات بعد هذا الذكر؛ يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير- عشر مرات، فعله الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا يرفع يديه بعد السلام من الفريضة، ولا يقول لأخيه: تقبل الله منك. بصفة دائمة معتادة، لا، إذا قال بعض الأحيان عند اللقاء، أو إذا قاما من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفتهن برقم (594) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (844) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (593) .(9/213)
الصلاة بعض الأحيان لا بأس، لكن اعتياده كأنه سنة لا، غير مشروع، ولكن بعد النافلة لا بأس إذا رفع يديه بعد النافلة، لا بأس به.(9/214)
82- حكم المصافحة بعد تحية المسجد أو الراتبة
س: دخلت أنا وصديقي إلى المسجد ونحن يتحدث بعضنا إلى بعض، بعد أن أدينا تحية المسجد سلمت عليه حسب العادة التي تجري في المساجد، ومددت يدي إليه، فنظر إلي وأبى أن يمد يده إلي، وقال: لم أفارقك، وهذه بدعة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، وقد اتخذها الناس كالواجب اليوم عندما ينتهون من تحية المسجد. ووقفت مدهوشا أمامه. فهل زميلي هذا أو صديقي على حق؟ أم أنا الذي على حق (1) ؟
ج: لا أعلم بأسا في أن يصافح المسلم أخاه بعد فراغهما من تحية المسجد أو من الراتبة قبل الصلاة من راتبة الظهر أو راتبة الفجر، لا أعلم بأسا في ذلك، ولو كانا جاءا جميعا، ولو كانا قد سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة، لكن إذا كان ما جاءا جميعا أو ما سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة تتأكد المصافحة بعد ذلك؛ لأن أصحاب النبي صلى الله
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (34) .(9/214)
عليه وسلم كانوا إذا تلاقوا يتصافحون، وكانوا إذا قدموا من سفر يتعانقون، قال أنس رضي الله عنه والشعبي: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا (1) » وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصافح إخوانه عليه الصلاة والسلام عند اللقاء، فهذه سنة معروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، أما إذا كان دخل مع أخيه أو سلم عليه في الصف قبل أن يصلي التحية لما تلاقيا في الصف فإن هذا يكفي، وقد حصل المقصود والحمد لله، لكن لو سلم عليه ثانيا بعد الفراغ من التحية أو من الراتبة القبلية، ثم صافحه مرة أخرى فلا أعلم بأسا، ولا أعلم ما يوجب جعل ذلك بدعة، فإن السلام كله خير، ولا يأتي إلا بخير، وفيه إيناس من بعضهم لبعض، ودعاء من بعضهم لبعض، فلا حرج فيه إن شاء الله، ولا يسمى بدعة، ومما يدل على هذا ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان جالسا في المسجد ذات يوم، فدخل بعض الناس فصلى ولم يتم صلاته، ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فرجع
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (97) .(9/215)
فصلى، ثم جاء فسلم عليه – صلى الله عليه وسلم – فرد عليه النبي السلام، ثم قال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فرجع فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فرد عليه النبي السلام، فقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فقال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيا، ما أحسن غير هذا، فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1) » هذا الحديث العظيم الجليل يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة والركود فيها وإعطاء كل عضو حقه من الاعتدال والطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، والاعتدال بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، هذا من أهم الفرائض. وكثير من الناس يعجل ولا يكمل هذه الفروض، وهذا خطأ عظيم لا تصح معه الصلاة، وفي هذا الحديث نفسه أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على الرجل السلام وهو يصلي بقربه، وجاء إليه ثلاث
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها.....، برقم (757) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397) ..(9/216)
مرات يسلم ويرد النبي عليه السلام ولا قال: يكفي السلام الأول. مع أنه بقربه يشاهده النبي صلى الله عليه وسلم ويرى حركاته ويرى طمأنينته وعدمها، والنبي يشاهده وكلما سلم عليه قال: وعليكم السلام، ورد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل. فدل ذلك أن إعادة السلام من شخص حولك تراه وتشاهده يعمل عملا، ثم يسلم عليك مرة ثانية أن هذا لا شيء فيه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا، والقصد من ذلك – والله أعلم – أن يفهم المستمعون أو لعلهم إذا لم يردوا في الأولى والثانية فينتبهوا للرد، المقصود أن تكرار السلام للتعليم أو تنبيه الحاضرين حتى يردوا السلام أو لأسباب أخرى دعت إلى ذلك لاشتغالهم بالصلاة؛ لأن الصلاة فيها شغل، فلما فرغ منها سلم على أخيه، هذا لا حرج فيه إن شاء الله، ولا ينبغي التشديد في هذا أبدا.
ومن رأى من العامة أو غيرهم أن هذا السلام من مكملات الصلاة فقد غلط، ما له تعلق بالصلاة إنما له تعلق بأخيه، والسلام على أخيه والدعاء لأخيه بعد شغله بالصلاة، فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل على الله في كلامه وركوعه وسجوده فهذا أعظم في نفس الأمر مما لو حال بينه وبين أخيه شجرة أو جدار ثم سلم عليه، فقد جاء في الحديث أنه إذا حال بينه وبين أخيه شجرة فإنه يسلم عليه مرة أخرى، وإذا سلم على(9/217)
أخيه ثم حال بينهما شجرة أو جدار يسلم عليه مرة أخرى، فأي - هذا أو شغله في الصلاة - أعظم؟ إذا حال بينه وبينه شجرة - نخلة أو نحوها - لحظة نصف دقيقة أو ربع دقيقة أو ثانيتين أو ثلاثا. المقصود أن هذا شيء يسير، ثم يلقاه يسلم عليه، هذا أقل بكثير من شغله بالصلاة.(9/218)
83. حكم المصافحة بعد الصلاة وقول: تقبل الله
س: هل يصح قول: تقبل الله، والتسليم باليد بعد إتمام الصلاة، وهذا شائع بين الناس (1) ؟
ج: إذا صافح أخاه بعد الصلاة بعد فراغه من الذكر إذا كان ما صافحه قبل ذلك فلا بأس، لكن من حين يسلم يبدأ بالمصافحة هذا غير المشروع، إذا سلم يقول: أستغفر الله – ثلاثا – اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثم ينصرف
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (163) .(9/218)
إلى المأمومين، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام إذا سلم من الصلاة، وإذا صافح أخاه من يمينه أو شماله إذا كان ما صافحه قبل ذلك، هذا حسن؛ لما فيه من الإيناس والتآلف، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم (1) » وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح أصحابه، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإذا حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه أيضا (2) » وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا رضي الله عنهم، فالمصافحة والسلام سنة مؤكدة، وفي ذلك خير عظيم، وتألف وإيناس، وتقارب بين المسلمين، وإذا كان قد سلم عليه في الصف قبل الصلاة كفى ذلك إن شاء الله، وإن صافحه بعد ذلك لا يضر إن شاء الله، لكن يكتفي بالمصافحة الأولى، والحمد لله.
س: من عمان بالأردن يقول: ما حكم السلام بعد الصلاة على من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، برقم (54) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه، أيسلم عليه؟ برقم (5200) .(9/219)
يصلي بجانب أخيه المسلم؟ وما حكم قول: تقبل الله بعد السلام أو قبله، وإذا أصر الشخص على قولها دائما فهل يجوز أن نرد التحية عليه بمثل ما يقول؛ أي تقبل الله منا ومنك؟ وما حكم قول ذلك بعد الخروج من المسجد كأن يقول: تقبل الله منا ومنكم. نرجو من سماحة الشيخ إجابة (1)
ج: لا حرج في ذلك إذا قال لأخيه: تقبل الله منا ومنك. بعد الصلاة أو عند الخروج من المسجد أو عند اللقاء عند صلاة الجنازة أو من اتباع الجنازة أو من صلاة الجمعة أو إلى غير ذلك، كل هذا خير لا حرج في ذلك، المسلم يدعو لأخيه بالقبول والمغفرة، وإذا دخل المسجد وصلى الركعتين أو أكثر ثم سلم من على يمينه ومن على شماله هذا هو السنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للأمة أن إذا تلاقوا يتصافحون، وكانوا إذا لقوا النبي صافحوه عليه الصلاة والسلام، وكانوا إذا تلاقوا تصافحوا -الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم- والمصافحة سنة، فإذا لقي أخاه في الصف قبل الصلاة وصافحه أو بعد السلام بعدما صلى الركعتين صافحه أو بعد الفريضة إذا كان ما صافحه
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (360) .(9/220)
قبل ذلك جاء والناس في الصلاة، فلما صلى الفريضة وهلل صافحه، كل هذا طيب لا حرج في ذلك، أما كونه إذا سلم من الفريضة بدأ يأخذ بيد الذي في يمينه وشماله وهو يعرفهم وقد سلم عليهم هذا ما له أصل، لكن إذا جاء وهم يصلون ودخل معهم في الصلاة ثم بعدما فرغ من الصلاة ومن الذكر صافحهم هذا طيب.(9/221)
84. حكم تقبيل أيدي بعضهم البعض بعد الصلاة
س: بعض الإخوة المؤمنين بعد فرض كل صلاة يقوم بعضهم بتقبيل أيادي البعض الآخر، فهل هذا صحيح أم لا (1) ؟
ج: الأفضل عدم ذلك؛ لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم تقبيل يده، وإنما يفعله بعضهم نادرا، فالأفضل في مثل هذا التأسي بالصحابة مع نبيهم عليه السلام، وهو المصافحة فقط، لكن لو فعل ذلك نادرا قليلا مع أبيه أو مع العالم السني صاحب السنة فلا بأس بذلك، لكن لا ينبغي أن يتخذ عادة؛ لأنه ليس من عادة الصحابة مع نبيهم عليه السلام، فالأفضل ترك التقبيل للأيدي والاكتفاء بالمصافحة، وإذا قدم من سفر عانق أخاه وعانقه، أو قبل
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (123) .(9/221)
بين عينيه لا بأس، أما اتخاذ تقبيل الأيدي عادة فلا ينبغي، بل هو مكروه.(9/222)
85. مسألة في حكم المصافحة بعد الصلاة
س: السائل: ح. ع. ع، يتصافح بعض الناس أو الكثير من الناس بعد الانتهاء من الصلاة، قال لنا أحد المشايخ: إن هذا بدعة، فما هو الصحيح في هذا الأمر (1) ؟
ج: ليس في ذلك حرج، المصافحة سنة عند اللقاء في الصلاة وفي غير الصلاة، إذا تلاقيا في الصف سلم على أخيه وصافحه، وإن شوهد في الصلاة قبل ذلك سلم عليه بعد الصلاة وصافحه سنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح أصحابه إذا تلاقوا، وكان الصحابة إذا تلاقوا يتصافحون، فالذي يقول: إن هذا بدعة غلط، غلط منه، بل السنة المصافحة عند اللقاء، إذا تلاقيا في الصف قبل الصلاة صافحه، أو تلاقيا في وقت الصلاة والإمام يصلي، إذا فرغ من الصلاة وفرغ من الذكر يصافح أخاه، ويدعو كل واحد لأخيه بالخير، كل هذا مشروع، وهكذا في الطرق إذا تلاقيا، إذا سلم على أخيه وصافحه هذا قربة وطاعة.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (275) .(9/222)
86. حكم وضع اليد على الجبين بعد الصلاة
س: هناك أناس بعد الصلاة يضع يده على جبينه بعض الوقت ويقولون: إن هذا من السنة، هل ما قالوه صحيح (1) ؟
ج: ليس له أصل فيما نعلم.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (219) .(9/223)
87. بيان مكروهات الصلاة ومبطلاتها
س: يسأل السائل ويقول: ما هي مكروهات الصلاة ونواقضها؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذه موجودة في كتب الفقه، يطالع كتب الفقه ويجدها؛ يكره في الصلاة التفاته برأسه في الصلاة، يكره في الصلاة الحركة، وإذا كثرت أبطلتها، يكره في الصلاة أشياء كثيرة، يتأملها في كتب أهل العلم، يقرؤها في كتب العلم، ويعرفها في كتب الحديث مثل بلوغ المرام مثل عمدة الحديث، ومثل زاد المستقنع، ومثل عمدة الفقه، يقرأ ما يكره في الصلاة يعرف ذلك، من أهم ذلك كثرة العبث، يكره، لا يعبث، وإذا كثر العبث
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (403) .(9/223)
وتواصل أبطلها، من أهم المهمات أن يكون خاشعا مطمئنا في الصلاة لا يعبث، ولا يشتغل بما يشغله عن صلاته، لا بالتفات ولا بتعديل الثياب، ولا بغير ذلك، يكون مطمئنا خاشعا كما قال الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) يحضر قلبه، والله المستعان.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(9/224)
88. حكم الالتفات في الصلاة
س: هل الالتفات في الصلاة حرام أم أنه يقطع الصلاة؟ وذلك للاطمئنان على الطفل سواء كانت الصلاة في البيت أم في المسجد الحرام، وعندما يكون الطفل يبكي ووقت الصلاة على وشك الانتهاء ماذا أفعل، هل أتركه يبكي أم أحمله أم كيف توجهوني (1) ؟
ج: الالتفات في الصلاة بغير حاجة مكروه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الالتفات في الصلاة: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (2) » أخرجه البخاري في الصحيح. فدل صراحة على منع
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (330) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة، برقم (751) .(9/224)
الالتفات من غير عذر، والالتفات يكون بالرأس، أما إذا كان لعذر، امرأة تلتفت إلى ابنها الذي حولها تنظر في حاله، أو يسمع الإنسان صوتا عن يمينه أو شماله يخشى منه أو لأسباب أخرى فلا بأس؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التفت للحاجة في الصلاة, وقال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء (1) » «فإنه إذا سبح التفت إليه (2) » ولما أكثر الناس التصفيق في الصلاة لما خرج من بيته صلى الله عليه وسلم والصديق في الصلاة التفت ليرى ما هناك من الحادث، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تأخر وتقدم النبي وصلى بالناس، وكان الصديق قد كبر بهم ودخل في الصلاة.
وكان غائبا قد ذهب للصلح بقباء، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخل الصديق في الصلاة فأكثر الناس في التصفيق، والتفت
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التصفيق للنساء، برقم (1203) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة، برقم (422) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول، برقم (684) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، برقم (421) .(9/225)
الصديق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فتقهقر، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم ليبقى ولم يبق، وتأخر، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس، ولما سلم قال للصديق: (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك) فقال الصديق رضي الله عنه: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال للناس: «ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء (1) » هذا يدل على أن الالتفات في العادة لا بأس به، ولكن السنة إذا راب الناس شيء أن يسبح الرجال، يقول: سبحان الله، سبحان الله، حتى ينتبه الإمام إذا كان قد سها، أما المرأة فتصفق، تضرب بيد على يد أو على فخذها حتى ينتبه الإمام على السهو.
س: إذا كون الالتفات مكروها في الصلاة لا يبطلها سماحة الشيخ (2) ؟
ج: لا يبطلها هذا بالرأس، أما بجميع بدنه فتبطل الصلاة بالبدن كله.
س: إذا رعاية الأطفال كيف توجهون أختنا المسلمة (3) ؟
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التصفيق للنساء، برقم (1203) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة، برقم (422) .
(2) ورد هذا السؤال في الشريط رقم (330) .
(3) السؤال في شريط رقم (330) .(9/226)
ج: إذا دعت الحاجة لا بأس، إذا دعت الحاجة، أو تبعد عنه الحار أو تؤخر عنه الحار.
س: إذا رعاية الطفل حتى أثناء الصلاة لا تؤثر على الصلاة (1) ؟
ج: نعم.
س: يسأل ع. ن من سوريا ويقول: أبي رجل مسن يؤدي الفرائض كلها والحمد لله، ولكن أحيانا أثناء الصلاة يلتفت يمنة ويسرة، وقد يشير بيده إلى أحد دون أن يعي ما خطر ذلك، وتأثيره على صلاته أيضا لا يعيه، وأنا أحاول دائما أن أنبه على ذلك، لكن احترامي له يمنعني من توجيهه، فما السبيل؟ جزاكم الله خيرا (2)
ج: الالتفات في الصلاة مكروه إلا من حاجة، فإن التفت برأسه في بعض الأحيان صلاته صحيحة، لكن ينبه ويبين له أن هذا مكروه، وأنه نقص في الصلاة، ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن الالتفات في الصلاة قال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (3) » هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله
__________
(1) السؤال في الشريط رقم (330) .
(2) السؤال في الشريط رقم (345) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة، برقم (751) .(9/227)
عليه وسلم في الالتفات قال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (1) » لكن إذا دعت الحاجة فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم التفت في الصلاة لحاجة، والصديق التفت في الصلاة لحاجة، فالمقصود أنه إذا كان الالتفات لحاجة بالرأس فلا بأس، وهكذا الإشارة لأحد لحاجة لا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم أشار في الصلاة، إذا أشار لإنسان أن يدخل أو يخرج أو يغلق بابا فلا حرج في ذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة، برقم (751) .(9/228)
89. حكم رفع المصلي بصره إلى السماء
س: هل يصح أن يرفع المصلي بصره إلى السماء أثناء الصلاة؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: رفع البصر إلى السماء وقت الصلاة لا يجوز، والنبي نهى عن هذا، وحذر من هذا عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم (2) » وفي لفظ: «أو لتخطفن (3) » فالمقصود أنه لا يجوز رفع البصر
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (265) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (428) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (750) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم (429) .(9/228)
إلى السماء في حال الصلاة، والسنة طرحه إلى الأرض محل السجود، هذا هو السنة، لا ترفعه إلى السماء.(9/229)
90. حكم تغميض العينين في الصلاة
س: ما هو الحكم في تغميض العينين في الصلاة؛ إذ إنني أغمض عيني لأني أخاف أن أنظر إلى هنا وهناك، وأنشغل عن أمور الصلاة؟ (1)
ج: التغميض في الصلاة مكروه، وليس من السنة، السنة أن يفتح عينيه ويغمض عند الحاجة ولا حرج، لكن يطرحهما في موضع سجوده، يغض بصره وينظر إلى موضع سجوده حتى يخشع، هذا هو السنة، أما التغميض فلا يشرع؛ لأنه مكروه، بل قال بعض أهل العلم: إنه من عمل اليهود.
س: إني في صلاتي أغمض عيني وإني في هذا ألقى خشوعا، وعندما رآني صديق لي قال: لا يجوز هذا، وإن صلاتك لا تصح، فما رأيكم سماحة الشيخ؟ (2)
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (310) .
(2) السؤال السابع من الشريط رقم (59) .(9/229)
ج: إغماض العينين في الصلاة مكروه عند العلماء، ولكنه لا يضر الصلاة، الصلاة صحيحة، ولا يضر إذا أغمضت عينيك، لا حرج في ذلك، بل قال بعض أهل العلم: إذا كان أخشع لقبلك فلا بأس، ولكن الأظهر والأقرب أنك لا تغمض، ويقال: إن هذا من فعل اليهود في صلاتهم، فالحاصل أن الأفضل لك أن لا تغمض عينيك مطلقا، وأن تجتهد في الخشوع من دون إغماض عينيك، هذا هو الأحوط والأفضل، أما الصلاة فصحيحة ولو أغمضت عينيك لا يضر، ليس من شرطها فتح العينين.
س: السائلة ح. م. ح تقول: عندما أصلي لا أشعر بالاطمئنان إلا إذا أغمضت من عيني، ولا أفكر في أشياء دنيوية، ورغم ذلك فأنا أستعيذ بالله من بداية صلاتي، ولكنني رغم ذلك، أفكر وأشعر بالحزن لذلك، ما رأيكم في إغماض العينين؟ (1)
ج: عليك أن تجتهدي في إحضار قلبك في الصلاة، وسؤال الله أن يعينك على هذا، وتذكري أنك بين يدي الله، وأن الله يطلع عليك سبحانه وتعالى، فالمؤمن إذا قام في الصلاة يراقب ربه، ويستحضر
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (396) .(9/230)
عظمته جل وعلا، الواجب هو العناية بهذا الأمر فتذكري أنك بين يدي الله، وأن الله قبل وجه عبده إذا صلى، فعليك أن تجتهدي في إحضار قلبك، والخشوع لله، وترك الإغماض، الإغماض في العينين مكروه، تركه أولى، وذكر بعض أهل العلم أنه فعل اليهود، فالأولى ترك ذلك، ولكن ضعي البصر في موضع السجود، انظري موضع السجود، واخشعي لله، واذكري عظمته، وأنك بين يديه، واجتهدي في ذلك وأبشري بالخير.
س: أجد في إغماض عيني في صلاتي خشوعا أكبر، فهل يجوز لي ذلك أثناء الصلاة؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأفضل عدم الإغماض، أن تعود نفسك عدم الإغماض، تجتهد في الخشوع.
س: هل يجوز أن أغمض عيني عند الصلاة علما أن قلبي يخشع أكثر عندما أغمض عيني؟ (2)
ج: الأفضل أنه بدون غمض، صرح جمع من أهل العلم بالكراهة في
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (352) .
(2) السؤال العاشر من الشريط رقم (266) .(9/231)
ذلك، فالأفضل عدم الإغماض، وإن أغمضت فلا حرج عليك لا يضر الصلاة، لكن يكره عند جمع من أهل العلم الإغماض، فالأحسن ألا تغمض عينيك وتقبل على صلاتك، وتخشع فيها بدون إغماض، والحمد لله.
س: في أثناء الصلاة أغمض عيني، فهل هذا صحيح؟ (1)
ج: الأفضل عدم الإغماض، لكن بعض أهل العلم قال: إذا كان أخشع إلى قلبه فلا بأس، والمعروف عند أهل العلم أن السنة عدم الإغماض مع الاجتهاد في الخشوع وإحضار القلب بين يدي الله عز وجل.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (163) .(9/232)
91. حكم إغماض العينين والحسر عن الرأس أثناء الصلاة
س: يقول السائل: هل تجوز صلاة الرجل وهو مغلق لعينيه، وهل يجوز السجود والعمامة على الناصية؟ (1)
ج: لا بأس أن يصلي ولو أغمض عينيه، ولكن السنة فتحهما، والصلاة صحيحة لو أغمض عينيه وهو يصلي، ما يضره، لا حرج في ذلك،
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (384) .(9/232)
وكذلك العمامة لو كان رأسه مكشوفا والعمامة على كتفه لا يضره، إنما السنة أن يأخذ الزينة كما قال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) فإذا صلى مع الناس بجنس ملابسهم في مساجدهم يكون أفضل حتى لا يلفت النظر، وكونه يصلي مثل الناس أفضل، يأخذ زينته مثل الناس، أما في بيته فالأمر واسع، عليه أن يصلي في الإزار والرداء، فلو صلى مكشوف الرأس لا حرج، لكن إذا كان مع الناس يصلي بمثل لباس الناس، لا يفعل شهرة، يقول الناس: لماذا؟ ولباس الشهرة هو الذي يخالف ما عليه الناس، هذا لباس الشهرة.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 31(9/233)
92. حكم الصلاة أمام موقد النار
س. ما حكم الصلاة أمام موقد النار، أو المدفئة الكهربائية، هل يأثم صاحبها؟ (1)
ج: تركها أولى، تكره الصلاة إلى النار، أمام نار، تكره الصلاة؛ لأن فيه تشبها بعباد النار المجوس، فإذا كان قدامه شيء يطفئه، أو يحطه خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله لا يخليه قدامه، يكره أن يصلي إليه،
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (244) .(9/233)
الصلاة صحيحة، لكن يكره ذلك؛ لأن فيه نوعا من التشبه.
س: لو صلى فروضا هل يعيدها يا شيخ؟ (1)
ج: لا، ما يعيد شيئا، لكن ترك هذا هو الذي ينبغي، يزيل السرج التي أمامه وإلا ينتقل إلى محل آخر، وإن صلى والنار أمامه صحت صلاته، لكن يكره ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (244) .(9/234)
93. حكم بقايا الطعام في الفم أثناء الصلاة
س: تقول السائلة: ما حكم بقايا الطعام التي توجد في الفم أثناء الصلاة؟ هل يكتفى بإخراجها من الفم، أم يخرج من الصلاة ويتمضمض، ثم يعود ويبدأ الصلاة من جديد؟ (1)
ج: ما يوجد في الفم من آثار الطعام أو اللحم لا يضر الصلاة، سواء بقي أو أخرج أثناء الصلاة وطرحه في منديل أو في جيبه، المقصود ما في الفم من آثار الطعام، أو آثار اللحم في الأسنان لا يضر الإنسان، لكن لا يبتلعه، إذا أخرجه يلقيه في جيبه أو في منديل، وإن أبقاه في ضرسه أو في جيبه حتى يفرغ من الصلاة لم يضرها، صلاته صحيحة. والحمد لله،
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (244) .(9/234)
لأنه لا يسمى بهذا آكلا ولا شاربا.
س: سائل يقول: ندخل في الصلاة ثم نشعر في بعض الأحيان أن هناك بقايا من الطعام في الفم وبين الأسنان، فما حكم العمل في مثل هذا؟ وكيف نتصرف؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا يضر، لكن إذا انتهيت من النافلة قبل الصلاة تأخذ ما تيسر من ذلك، ولا يضر الصلاة، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (272) .(9/235)
94- حكم صلاة من في فمه القات
س: كنت أصلي وفي فمي بعض القات وخاصة صلاة العصر، وقد سمعت بأن هذا جائز، لكني رأيت في منامي أن والدي كان يصلي وأردت أن أصلي معه وكان في فمي شيء من القات، فتوضأت، وعندما كنت أتمضمض لأتخلص من القات كان ماسكا في فمي ويأبى الخروج رغم محاولاتي المتكررة، فقمت من نومي وأنا على هذه الحالة، ولا أدري هل صلاتي السابقة صحيحة أم لا؟ وإذا كانت غير صحيحة فماذا يجب علي عمله؟(9/235)
وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذه الرؤيا فيها موعظة وتحذير بشأن القات، نحن علمنا وبلغنا من علماء اليمن وغيرهم أنه لا يجوز استعماله لما فيه من الأضرار الكثيرة والتخدير، فالواجب الحذر منه، وعدم استعماله وعدم بيعه وشرائه، وإذا كنت تصلي فلا يكون في فمك منه شيء، لأنك إذا أبقيته ربما ابتلعت منه شيئا، والأكل في الصلاة يبطلها، والشرب كذلك، فالواجب عليك أن تلقيه من فمك وقت الصلاة، وإذا كنت فعلت ذلك في بعض الصلوات حتى ابتلعت منه شيئا أو ابتلعت طعما منه فإنك تعيد تلك الصلاة التي ابتلعت فيها القات، وهكذا لو أكلت لحما أو شربت ماء أو نحو ذلك، فالواجب عليك أن تخلي فمك من هذه الأشياء عند الصلاة، حتى تكون متهيئا للصلاة، ليس في فمك شيء يشغلك عن الصلاة، ولا شيء يسبب ابتلاعك إياه، أو أكلك إياه أو شربك إياه، والقات من أخبث ما يتعاطاه الناس لما فيه من المضرة، وهكذا الدخان، وهكذا جميع المسكرات والمخدرات يجب الحذر منها، المؤمن يحذر ما حرم الله عليه، ويبتعد عن كل ما يضره، نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (214) .(9/236)
95- حكم صلاة من يحمل في جيبه الدخان
س: يقول هذا السائل من مصر: ما حكم من يحمل في جيبه الدخان أو السجائر أثناء تأديته الصلاة، وهل التدخين ينقض الوضوء (1) ؟
ج: صلاته صحيحة، لكن يجب عليه التوبة إلى الله، ويجب عليه ترك التدخين، والتدخين لا ينقض الوضوء، لكن يجب عليه تركه؛ لأنه محرم وفيه أضرار كثيرة، وشره كثير، فالواجب ترك التدخين، لكن لو صلى وفي جيبه شيء صلاته صحيحة، وليس بنجس من جهة إفساد الصلاة، وإن كان نجسا من حيث المعنى، لكن ليس بنجس من جنس البول أو الغائط، لكنه نجس من حيث المعنى؛ لأنه قذر من حيث إنه يؤذي ويضر، لكن لو صلى وفي جيبه شيء صلاته صحيحة، إلا أن عليه التوبة إلى الله من استعماله، والحذر من ذلك، والله جل وعلا يتوب على التائبين سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (379) .(9/237)
96- حكم الاحتباء أثناء الاستماع للخطبة
س: من الأردن و. ع يقول: ما حكم الاحتباء؛ وهو ضم الفخذين إلى(9/237)
البطن بالثوب أو اليدين عند الاستماع إلى الخطبة (1) ؟
ج: تركه أولى؛ لأنه قد يسبب النوم والكسل، يكون على جلسة أخرى؛ لأن ذلك أقرب إلى النشاط والبعد عن النوم.
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (387) .(9/238)
97- بيان معنى الإقعاء
س: قرأت أن من مكروهات الصلاة الإقعاء، ما معنى هذا؟ جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: الإقعاء المكروه في الصلاة هو أن ينصب فخديه وساقيه ويعتمد على يديه حال جلوسه، كإقعاء الكلب والذئب ونحو ذلك، ويسمى عقبة الشيطان، كما في حديث عائشة: «نهي عن عقبة الشيطان (2) » وحديث آخر: «نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب (3) » وهو إذا جلس بين السجدتين أو للتشهد ينصب فخذيه وساقيه ويعتمد على يديه، هذا هو الإقعاء المنهي
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (201) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به..، برقم (498) ..
(3) أخرجه ابن ماجه بلفظ (يا علي، لا تقع إقعاء الكلب) في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجلوس بين السجدتين، برقم (895) .(9/238)
عنه، وهناك إقعاء مشروع ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه من السنة، (وهو أن يجلس على عقبيه بين السجدتين ويداه على فخديه، ويجلس على عقبيه) ، هذا من السنة، ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه من السنة، ولكن الأفضل منه أن يفترش اليسرى وينصب اليمنى حال جلوسه بين السجدتين أو التشهد الأول، يفرش اليسرى وينصب اليمنى هذا هو الأفضل، والأكثر في الأحاديث. وفي التشهد الأخير من الظهر والعصر والمغرب والعشاء يتورك؛ يجلس على الأرض ويجعل رجله اليسرى تحت رجله اليمنى عن يمينه، هذا هو الأفضل للتشهد الأخير في الرباعية والثلاثية، أما الجلسة التي في التشهد الأول أو بين السجدتين فهذا الجلوس يشرع فيه أن يجلس على رجله اليسرى ويفرشها، وينصب اليمنى وإن أقعى بين السجدتين – أي جلس على عقبيه – نصب رجليه وجلس على عقبيه بين السجدتين، فهذا أيضا من السنة، لكن الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الافتراش.(9/239)
98- حكم وضع المرفقين على الأرض أثناء السجود
س: ما حكم وضع المرفقين على الأرض أثناء السجود (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (48) .(9/239)
ج: هذا مكروه ولا ينبغي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك (1) » «ونهى عن افتراش كافتراش السبع (2) » فالسنة أن يرفع مرفقيه سواء الرجل أو المرأة يرفع ذراعيه عن الأرض، ويعتمد على كفيه حال السجود، هذه السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، برقم (494) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (498) ، سنن الترمذي الصلاة (275) ، مسند أحمد (6/194) .(9/240)
99- بيان معنى الربض
س: من الأوصاف التي وصف بها المنافقون أنهم إذا سجدوا نقروا وإذا ركعوا ربضوا، فكيف يكون الربوض لتحاشي ذلك ومخالفتهم (1) ؟
ج: المعروف عن المنافقين النقر، ينقرها يعني يعجل فيها في ركوعه وسجوده، لا يذكر الله فيها إلا قليلا. أما الربض في كلام بعض العلماء فالربض كونه يسجد سجودا ما هو بمعتدل، مثل ربض البهيمة، يسجد سجودا ما هو بمعتدل، فالسنة أن يعتدل في سجوده، يسجد على يديه وركبتيه وأطراف قدميه وجبهته وأنفه، رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (182) .(9/240)
عن ساقيه، ورافعا ذراعيه عن الأرض، هذا هو السجود المعتدل، ما يربض ضاما بعضه إلى بعض، بطنه على فخذيه، فخذيه على ساقيه، وذراعيه على الأرض مثل ربض البهيمة، هذا مكروه ولا ينبغي، لكن السنة أن يسجد سجودا معتدلا ليس برابض.(9/241)
100- حكم تشبيك اليدين في الصلاة
س: حدثونا لو تكرمتم عن حكم تشبيك اليدين في المسجد (1)
ج: يكره للمسلم أن يشبك بين أصابعه إذا خرج إلى الصلاة، وهكذا حال انتظاره للصلاة، وهكذا في الصلاة؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على كراهة ذلك، فإذا خرج إلى الصلاة فإنه في صلاة، فلا يشبك بين أصابعه، وهكذا في المسجد إذا كان ينتظر الصلاة لا يشبك بين أصابعه، كل هذا مكروه، وهكذا في نفس الصلاة لا يشبك بين أصابعه، أما بعد الصلاة فلا حرج، ولو كان في المسجد بعد الصلاة لا بأس أن يشبك وإن كان في المسجد؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه لما سلم من الصلاة يظن أنه أتمها تقدم
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (256) .(9/241)
وجلس في مقدم المسجد، وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام. فالحاصل أن التشبيك بعد الصلاة ولو في المسجد لا حرج فيه.(9/242)
101- حكم تكرار قراءة الفاتحة في الصلاة
س: يقول السائل: إنني أعيد قراءة الفاتحة عدة مرات أثناء الصلاة؛ لأنني أخطئ في قراءتها، فما حكم ما فعلت (1) ؟
ج: هذا غير مشروع، السنة أن تقرأها مرة واحدة؛ تقرأها قراءة مرتلة، تتدبرها وتعقلها حتى تؤدي الحروف كما ينبغي، أما التكرار فمكروه، لكن إذا غلطت فيها تعيد ما غلطت فيه، إذا غلطت في آية تعيد الآية وما بعدها، أما أن تكررها – يعني من باب الوسوسة – فهذا لا ينبغي، بل هو مكروه وكذلك من باب الاحتياط مكروه؛ كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرؤها مرة واحدة، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، والخير كله في اتباعه صلى الله عليه وسلم واتباع أصحابه، والبدع كلها شر، فأنت إذا تيقنت الغلط في آية تعيد الآية بإصلاح الخطأ، ولا تعيد
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (242) .(9/242)
السورة كلها، فإذا قلت مثلا: إياك نعبد، تعيد وتقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (1) ، أو قلت: اهدنا الصراط المستقيم. تعيدها وتقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2) مع أن الرفع لا يضر في هذا، ما يغير المعنى، أو قلت: الحمد لله رب العالمين. ثم انتبهت وقلت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) بالخفض هذا هو الصواب، لكن النصب لا يضر لأن المعنى لا يتغير، فالحاصل أن اللحن الذي لا يغير المعنى لا يضر القراءة، لكن لو أعاد الآية فأصلحها على الوجه الأكمل فلا بأس، أما اللحن الذي يحيل المعنى فلا بد من إعادة الآية، لو قرأ: أهدنا. بفتح الهمزة، لا بد أن يعيد الآية، يقول: {اهْدِنَا} (4) يعيدها بكسر الهمزة، لو قرأ: إياك نعبد. هذا غلط يخاطب مرأة، ما يصلح، لا بد أن يعيد الآية يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (5) ، أو قرأ: صراط الذين أنعمت عليهم. هذا غلط، يعيد الآية ويقول:
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 6
(3) سورة الفاتحة الآية 2
(4) سورة الفاتحة الآية 6
(5) سورة الفاتحة الآية 5(9/243)
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (1) يخاطب الرب جل وعلا، أو يقول: أنعمت. هذا غلط، هذا خطاب امرأة، هذا ضمير امرأة لا يجوز، يغير المعنى، لا بد أن يعيد الكلمة يقول: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (2) يخاطب الرب جل وعلا، هو المنعم جل وعلا، فالحاصل أن اللحن الذي يغير المعنى يجب أن يعيد الآية حتى يصلح اللحن، ولا حاجة إلى أن يعيد السورة كلها.
س: هل تكرار سورة الفاتحة في الركعة الواحدة من الصلاة أكثر من مرة واحدة جائز؛ علما بأنني أريد أن أتدبرها، هل علي إثم في ذلك (3) ؟
ج: الأفضل عدم التكرار، قال بعض أهل العلم: يكره تكرارها. إذا أردت أن تكررها كررها في خارج الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكررها ولا الصحابة؛ فلا ينبغي لك تكرارها ولكن في خارج الصلاة إذا أردت تكرارها للتأمل والتعقل ولو مرات كثيرة فلا بأس، هي أو غيرها لا بأس.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 7
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) السؤال العاشر من الشريط رقم (373) .(9/244)
س: هل إذا قرأت الفاتحة مرتين في ركعة واحدة سهوا أو بدون سهو هل ذلك يؤثر (1) ؟
ج: لا يؤثر، لكن لا يشرع لك تكرارها إلا إذا كنت حصل عندك نسيان فكررتها وإلا فالأصل يكفي مرة واحدة، لا تكررها إذا قرأتها مرة واحدة.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (329) .(9/245)
102- حكم من ترك التشهد الأول أو زاد ركعة جهلا
س: هل الخطأ في بعض أركان الصلاة جهلا يبطلها؟ فإن من الناس من يصلي عدة ركعات قصده أن يركع ويسجد حتى يغلب على ظنه أنه أكمل الصلاة من غير أن يفهم أن الظهر أربع، والعصر والعشاء كذلك، وقد يواصل أربع ركعات بتشهد واحد، يوجد هذا حتى الآن في بعض البوادي، فما هو رأيكم؟ (1)
ج: إذا كان عن جهل ترك التشهد الأول أو جاء بركعة خامسة يحسب أنه يجوز أو ناس - لا يضره ذلك، صلاته صحيحة، لكن إذا كان ناسيا يسجد للسهو وإذا كان لا يعلم هذا، وأستبعد أن يوجد في هذه البلاد - المملكة العربية السعودية - من يسرد الظهر أو العصر أربع ركعات، هذا
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (331) .(9/245)
نادر جدا، وإذا كان موجودا فصلاته صحيحة، لأنه ترك التشهد الأول مثلا جاهلا أو زاد ركعة جاهلا فصلاته صحيحة، ولكن يجب أن يتعلم ويجب أن يعلم، وإذا كنت تعلم أيها السائل أحدا من هذا النوع فعليك أن ترشد وتعلم من يفعل ذلك ولا تسكت، ونوصي السائل أن يكتب لنا أو لوزارة الشؤون الإسلامية عن هذا المحل الذي فيه الجهالة، وهذا من التعاون على البر والتقوى، حتى نرسل لهم بعض الدعاة.(9/246)
103. حكم صلاة المسبل إزاره
س: ما حكم صلاة المسبل إزاره؟ مع الدليل، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: الإسبال محرم لا يجوز، وهو كون الملابس تنزل عن الكعب سواء كان اللباس سراويل أو إزارا أو قميصا أو بشتا أو غير ذلك، هذا في حق الرجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار (2) » أخرجه البخاري في صحيحه، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
__________
(1) ورد هذا السؤال في الشريط رقم (284) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم (5787) .(9/246)
القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (1) » أخرجه مسلم في الصحيح. وإذا كان مع الكبر صار الإثم أكبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (2) » فمع الكبر يكون الإثم أكبر، ومن دون كبر بل تساهل يكون إثما ولا يجوز على الصحيح، ولكن لا يكون مثل من جره خيلاء، الإثم أقل، والغالب أنه يجره خيلاء، حتى ولو ما جره خيلاء فالغالب أنه يجره لذلك، إذا تساهل فيه جره ذلك إلى التكبر والتعاظم، ثم هو أيضا إسراف في الملابس وتعريض لها للنجاسات والأوساخ، فذلك لا يجوز مطلقا، أما المرأة فلا حرج أن ترخي ثوبها شبرا أو ذراعا؛ لأنها بهذا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف..، برقم (106) ..
(2) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا..، برقم (3665) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب، برقم (2085) ..(9/247)
تستر قدميها، والصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأن الرسول ما أمر المسبل أن يعيد صلاته، بل الصلاة صحيحة، وهكذا كل ما يتعلق بالمعاصي التي يفعلها الإنسان في ثوب أو غيره لكون الثوب من حرام أو مغصوب أو فيه إسبال، الصلاة صحيحة لكن مع الإثم، أو الصلاة في أرض مغصوبة هذا الصواب من أقوال العلماء، بعض أهل العلم يرى أن الصلاة غير صحيحة في كل شيء مغصوب، والمسبل، ولكن الصواب أنه لا تعاد الصلاة، الصلاة صحيحة؛ لأن هذا النهي ليس خاصا بالصلاة بل هو عام، ليس له اسم في الصلاة ولا في خارجها، الصلاة تبطل بالشيء الذي يخصها، مثل ثوب نجس يبطل الصلاة؛ لأنه خاص بالصلاة، مثل كشف العورة، وأشباه ذلك الشيء الذي هو خاص بالصلاة، يبطلها إذا كان كشف عورته تعمدا، أو صلى في ثوب نجس؛ لأن هذا يبطل الصلاة، ومثل التكلم فيها، ومثل الانحراف عن القبلة.
س: مما لا شك فيه -يا سماحة الشيخ- أن المسلمين في رخاء اليوم لا مثيل له، ويظهر كثير من المسلمين هذه النعمة بإسبال الملابس من ثياب وبشوت، فهل هذا العمل موافق للصواب، وقد يظهر هذا واضحا في كثير من المصلين بحيث يمتد ثوب أحدهم خلفه، فما حكم الإسبال في الصلاة خاصة أو في(9/248)
غيرها بصفة عامة؟ (1)
ج: الإسبال من المحرمات العظيمة، ومن كبائر الذنوب سواء كان في الإزار أو في السراويل أو في القميص أو في العمامة أو في البشت، ذلك محرم في حق الرجل، أما المرأة فلها أن تسبل، ترخي ثيابها على أقدامها؛ لأنها عورة لا لكبر بل للستر، وأما الرجل فيلزمه رفع ثيابه فوق الكعب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار (2) »
رواه البخاري في الصحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف (3) » يعني الكاذب، هذا يدل على أن هذا من الكبائر، وأن الواجب على المسلم أن يرفع ثيابه وملابسه كلها من البشت والسراويل والإزار، يرفعها فوق الكعب، لا تنزل عن الكعب، بل من نصف الساق إلى الكعب كما جاء في حديث جابر بن سليم وغيره: «إزارة المؤمن إلى نصف الساق، ولا حرج -أو لا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (20) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم (5787) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف..، برقم (106) ..(9/249)
جناح- فيما بينه وبين الكعبين (1) » هذا محل الملابس من نصف الساق إلى الكعب، أما إنزال الملابس تحت الكعبين فهذا لا يجوز، بل يجب الحذر من ذلك، وإذا كان عن الخيلاء والتكبر صار أعظم، بل إثمه كبير، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه بطرا (3) » فمن يرخي ثيابه ويسحبها، وينزلها تحت الكعبين على حالين:
أحدهما: أن يفعل ذلك تكبرا وتعاظما وخيلاء، فهذا وعيده شديد وإثمه أكبر.
الحال الثاني: أن يرخيها تساهلا بغير قصد الكبر بل للتساهل، فهذا أيضا محرم ومنكر، وتعمه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يستثنى من ذلك شيء إلا من يغلبه الأمر بأن كان إزاره يرتخي من غير قصد، ثم يلاحظه ويرفعه فهذا معفو عنه، كما جاء
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم (11004) وأبو داود في كتاب اللباس، باب في قدر موضع الإزار، برقم (4093) ، وابن ماجه في كتاب اللباس، باب موضع الإزار أين هو؟ برقم (3573) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا..، برقم (3665) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب، برقم (2085) ..
(3) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، برقم (5788) .(9/250)
في قصة أبي بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إن إزاري يرتخي! قال: «لست ممن يصنعه خيلاء (1) » لأن أبا بكر كان يعتني به ويلاحظه، أما هؤلاء الذين يجرون ثيابهم فتعمهم الأحاديث إذا أرخى قميصه وأرخى سراويله وأرخى إزاره أو بشته؛ تعمهم الأحاديث، وقول من قال إنه من غير تكبر يكون مكروها قول ضعيف بل باطل مخالف للأحاديث الصحيحة، فإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عمن جر ثوبه بطرا أن الله لا ينظر إليه لا يدل على إباحة ما سوى ذلك، بل يدل على أن هذا متوعد بوعيد خاص وعظيم إذا جره بطرا، والباقون الذين يسحبون ثيابهم وبشوتهم لهم وعيد آخر بأن الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فيجب على المؤمن أن يحذر ذلك وألا يتساهل في هذه الأخلاق الذميمة، بل يرفع ثيابه في الصلاة وخارجها، لا ينزلها عن الكعب أبدا، بل يجب عليه أن تكون ثيابه مرتفعة لا تنزل عن الكعب أبدا إلى نصف الساق فأقل، وفي حديث جابر بن سليم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإياك وإسبال الإزار
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء، برقم (5784) .(9/251)
فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة (1) » يعني الخيلاء الكبر، فوجب على المؤمن أن يحذر هذا الخلق الذميم وألا يتساهل، بل تكون ملابسه تنتهي إلى الكعب ولا تنزل عنه أي ملبس كان من ثوب أو قميص أو إزار أو سراويل أو بشت، هكذا يجب على المسلمين جميعا، ولا يجوز التساهل في هذا الأمر، وإذا كان الإسبال في الصلاة ففيه وعيد خاص أيضا؛ يروى عنه عليه السلام أنه قال لما رأى مسبلا يجر ثيابه في الصلاة أمره أن يعيد الوضوء يتوضأ مرتين أو ثلاثا، ولم يأمره بقضاء الصلاة، فسئل عن ذلك فقال: «وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره (2) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وجاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عمن أسبل في الصلاة، قال: «ليس من الله في حل ولا حرام (3) »
فالحاصل أن الإسبال في الصلاة يكون أشد وأقبح، فيجب الحذر من الإسبال في الصلاة والإسبال في غيرها؛ أما الصلاة فصحيحة لأن الرسول ما أمر بالإعادة، لكنه قد أتى منكرا
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، برقم (4084) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الإسبال في الصلاة، برقم (638) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الإسبال في الصلاة، برقم (637) .(9/252)
وأتى سيئة قبيحة، فوجب على المسلم أن يحذر ذلك وألا يسبل لا في الصلاة ولا في خارجها، بل تكون ثيابه معتدلة ومرتفعة عن الكعبين؛ يعني الحد الكعبين، فأرفع إلى نصف الساق، هذا هو المشروع وهذا هو الواجب، ولا يجوز النزول للملابس عن الكعبين كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار (1) » وهذا وعيد عظيم، رواه البخاري - في الصحيح - رحمه الله، والأحاديث الأخرى في معناه، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله أن يهدي المسلمين ويبصرهم بما يرضي الله عنهم وأن يعينهم على ذلك.
س: يسأل المستمع ويقول: هل الصلاة تقبل للذي ثوبه مسبل (2) ؟
ج: لا يجوز الإسبال، والصلاة صحيحة لكن هو على خطر، هو على خطر من عدم القبول، هو خطر على الإثم، لا يجوز أن يصلي مسبلا ولا يجوز أن يسبل ولو ما صلى، ولو في طريقه إلى بيته أو إلى السوق أو في أي مكان، الإسبال محرم مطلقا، لا يجوز الصلاة فيه ولا فعله، والإسبال هو كون الثوب يتجاوز الكعبين، السراويل أو الإزار أو
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم (5787) .
(2) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (384) .(9/253)
القميص أو البشت، هذا يسمى إسبالا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «ما أسفل من الكعبين ففي النار (1) » فلا يجوز له أن يسبل ولو في غير الصلاة، لكن لو صلى مسبلا صلاته صحيحة ولكن مع الإثم.
س: هذا السائل أ. أيقول في سؤاله: هل الصلاة تقبل من الذي ثوبه مسبل (2) ؟
ج: هو على خطر من ذلك، لكن تصح، تجزئه؛ لأن الرسول ما أمره بالإعادة، إذا صلى وهو مسبل فصلاته ناقصة، ولكن لا يجوز له الإسبال لا في الصلاة ولا في خارجها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم (5787) .
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (386) .(9/254)
104 - حكم صلاة من لم يزل شعر الإبط والعانة
س: السائل ن. ح. م يقول: هل الصلاة لا تصح إذا لم يزل المسلم شعر الإبط والعانة؟ أفيدونا بذلك (1)
ج: الصلاة صحيحة، ليس من شرطها الإبط والعانة، لكن سنة
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (386) .(9/254)
للإنسان أن يتعاهد عانته وإبطه وألا يترك أكثر من أربعين يوما، يقول أنس رضي الله عنه: «وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة (1) » وفي لفظ: «وقت لنا رسول الله ذلك (2) » فالسنة للمؤمن أن يتعاهدها قبل كمال الأربعين.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه برقم (11823) ، وأبو داود في كتاب الترجل باب في أخذ الشارب برقم (4200) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة باب التوقيت في ذلك برقم (14) .(9/255)
105 - حكم الصلاة بالأظافر الطويلة
س: ما حكم الصلاة بالأظافر الطويلة (1) ؟
ج: على كل حال لا ينبغي بقاء الأظافر طويلة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بقصها، وظاهر الأوامر الوجوب، فالواجب قص الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه السلام وقت للناس في قص الأظافر
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (21) .(9/255)
وفي قص الشارب وفي نتف الإبط وحلق العانة أن لا يترك أكثر من أربعين ليلة، ولا ينبغي للمسلم أن يدعها أكثر من أربعين ليلة، فالسنة قص الشارب قبل ذلك، وهكذا تقليم الأظفار من الرجل والمرأة، وهكذا نتف الإبط من الرجل والمرأة، وهكذا حلق العانة من الرجل والمرأة، كل هذا ينبغي أن يبادر إليه وأن يعتنى به قبل أربعين ليلة، فالرجل يقص شاربه ويقلم أظفاره وينتف إبطه ويحلق عانته، والمرأة كذلك تقلم أظفارها وتنتف إبطها وتحلق عانتها أو تزيل العانة بشيء من الأدوية كالرجل سواء، هذه سنة مؤكدة، وقد يقال بالوجوب؛ لأنه وقت لنا بأن لا ندع هذا أكثر من أربعين ليلة، والرسول جاءت عنه الأوامر بقص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط، فظاهر هذا الوجوب، ولا يجوز أن تترك على وجه يشوه الحال ويعد طويلا عرفا؛ لأن هذا خلاف السنة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، وما يفعله بعض الناس من تطويل الأظافر هذا منكر لا وجه له وتأس ببعض أعداء الله.
س: هل إطالة الأظافر محرمة؟ وما حكم صلاة المرأة وأظافرها طويلة (1) ؟
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (298) .(9/256)
ج: الأظفار يجوز بقاؤها مدة أربعين يوما، وهكذا الشارب وهكذا الإبط وهكذا العانة؛ لمناسبة حديث أنس رضي الله عنه قال: «وقت لنا في قص الشارب - وقال: إنه طهر - ونتف الإبط وحلق العانة أن لا ندع ذلك أكثر من أربعين ليلة (1) » وفي لفظ: «وقت لنا النبي صلى الله عليه وسلم (2) » فإذا بلغ أربعين وجب عليه قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة، أما بقاء الظفر أقل من ذلك فلا حرج إن شاء الله، وهكذا الشارب وهكذا الإبط وهكذا العانة.
س: بعض النساء يطلن أظافرهن لأشهر حتى يظهرنها بأصبغة ملونة، ويعتبرن هذا من التجمل (3) !
ج: هذا لا يجوز، إذا أتمت أربعين وجب قلمها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .
(3) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (298) .(9/257)
106 - حكم الحركة في الصلاة
س: يقول السائل: ما حكم الحركة في الصلاة؛ هل تبطلها أم لا (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (257) .(9/257)
ج: الحركة فيها تفصيل: الحركة القليلة والحركة المتفرقة لا تبطلها، أما إذا كثرت وتوالت فتبطلها عند العلماء؛ إذا كانت كثيرة عرفا متوالية أبطلتها، أما التحديد بثلاث حركات لا أصل له، لكن إذا تكررت كثيرا في عمله بيديه أو مشي تقدم وتأخر ومتوال وكثير من ذلك بغير وجه شرعي يبطل الصلاة، أما لوجه شرعي مثل أن يتقدم ليسد فرجة في الصف ومثل ما تقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الكسوف لما عرضت عليه الجنة تقدم ولما رأى النار تأخر، هذا لا بأس به مثل ما تقدم صعد المنبر يصلي عليه ثم نزل، إذا كان لمقصد شرعي لا بأس، أما تكرار الحركة وكثرتها متوالية من دون وجه شرعي فهذا يبطل الصلاة، والواجب الحذر من ذلك.
س: بعض الناس يقولون: إن من يتحرك ثلاث حركات في الصلاة بطلت صلاته، هل هذا صحيح (1) ؟
ج: ليس بصحيح، هذا قول بعض أهل العلم، لكن ليس بصحيح، وإنما الذي يبطل الصلاة الحركة الكثيرة المتوالية عرفا، إذا كثرت الحركة وتوالت هذا هو الذي يبطلها عند أهل العلم، كأن يبعث في
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (140) .(9/258)
ثيابه وشعره عبثا كثيرا متواليا، أو بأخذ شيء وطرحه متواليا كثيرا ليس له حد محدود، الذي يعتبر كثيرا في العرف هذا هو الذي يبطل الصلاة، فالواجب على المؤمن أن يطمئن في صلاته - والمؤمنة كذلك - وأن يجتهد في ترك العبث والحركة إلا الشيء اليسير فيعفى عنه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب ابنة بنته، «فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها (1) » وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - «أنه في صلاة الكسوف لما عرضت عليه الجنة تقدم خطوات، ولما عرضت عليه جهنم تأخر خطوات (2) » وثبت عنه «أنه فتح الباب لعائشة (3) »
هذا وأمثاله لا يضر، الشيء القليل الذي يعتبر قليلا لا يضر في الصلاة، ولكن الشيء الكثير هو الذي يجتنب، وهكذا القليل إذا لم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (748) .
(3) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (916) ، وابن حبان في صحيحه، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، برقم (2355) .(9/259)
يكن له حاجة فيحرص المؤمن على السكون والهدوء في الصلاة - وهكذا المؤمنة - حتى يكملها، هذا هو المشروع للمؤمن والمؤمنة جميعا.
س: يسأل سماحتكم عن آداب الصلاة، يقول: أثناء صلاتي أحيانا أحك جسمي أو شعري أو أنظف ثوبي أو أنظر إلى الساعة، فما حكم ذلك (1) ؟
ج: الخشوع في الصلاة الإقبال عليها والطمأنينة فيها، كل ذلك مطلوب حتى يكمل الصلاة، لا بد من الخشوع فيها وعدم الحركة، لكن الشيء القليل يعفى عنه، الشيء القليل الحركة القليلة يعفى عنها، لكن لا بد من الطمأنينة في ركوعه وفي سجوده وبين السجدتين، واعتداله بعد الركوع لا بد من الطمأنينة والهدوء حتى يرجع كل عضو إلى مكانه، لكن لو أنه نظر إلى الساعة بعض الأحيان أو مسح رأسه أو مسح لحيته أو ما أشبه ذلك أو مسح موضع سجوده أو عدل عمامته من غير إكثار مرة مرتين من غير إكثار أو حركات متفرقة دعت الحاجة إليها لا حرج، النبي - صلى الله عليه وسلم - «صلى بالناس على المنبر؛ صعد
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (338) .(9/260)
المنبر ثم نزل (1) » «وحمل أمامة بنت زينب وصلى بها، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها عليه الصلاة والسلام (2) » فالأمر اليسير يعفى عنه، وهكذا الشيء المفرق إذا كان الشيء تفرق ما هو متوال يعفى عنه، لكن إن أمكن ترك ذلك والحرص على السكون فهو أكمل وأفضل.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .(9/261)
107 - حكم تعديل الغترة والعبث باللحية أو الساعة ونحوها
س: ما حكم من يقوم ببعض الحركات في الصلاة مثل تعديل الغترة والعبث في اللحية أو بالأظافر أو الساعة أو ما شابه ذلك (1) ؟
ج: السنة للمؤمن في الصلاة الخشوع وعدم الحركة، يطمئن ويخشع في صلاته ويدع الحركات، يضع يمينه على شماله على صدره ساكنا في حال القيام، وإذا ركع يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ساكنا خاشعا مادا ظهره جاعلا رأسه حيال ظهره في الركوع، وإذا رفع اطمأن في رفعه واعتدل وجعل يمينه على شماله على صدره في الصلاة بعد
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (41) .(9/261)
الركوع وهو قائم خاشع، وهكذا، فإذا سجد يكبر ويسجد ويضع يديه مادا أصابعه للقبلة ضاما بعضها إلى بعض خاشعا لله، ويجعلهما حيال منكبيه، ويجعل يديه حيال أذنيه في سجوده، وهو خاشع معتدل في سجوده قد رفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويدعو ربه، ثم يرفع ويجلس مطمئنا خاشعا لله عز وجل، يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويضع يديه على ركبتيه وفخذيه، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. ويدعو ويسجد، وهكذا يكون خاشعا في هذا كله ويدع الحركات، أما العبث في غترته وفي لحيته أو في الساعة أو في أظفاره هذا كله مكروه في الصلاة، مكروه ولكن لا يبطلها، لا يبطل الصلاة لكنه مكروه، وإذا كثر وتوالى أبطلها، إذا كثر عرفا وتوالى أبطل، أما إذا تفرق ما توالى فإنه لا يبطلها، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه في صلاة الكسوف تقدم؛ لما عرضت عليه الجنة تقدم إليها، «فلما عرضت عليه النار تأخر (1) » وصلى بالناس على المنبر؛ يرقى المنبر فيقرأ عليه ويركع، «ثم ينزل فيسجد أسفل المنبر (2) »
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (748) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .(9/262)
كل هذا يدل على الحركات وأشباهها التي لا تضر الصلاة، كذلك كان يصلى ذات يوم وهو حامل أمامة بنت زينب؛ يحملها، «فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها (1) » فهذا يدل على أن مثل هذه الحركات لا تضر الصلاة لأنها قليلة متفرقة، أما الشيء الكثير المتتابع المتواصل فهذا عند أهل العلم يبطلها إذا كثر عرفا، سواء كان مشغولا بساعته أو بلحيته أو بغترته، فالمؤمن ينبغي له أن يتحرى الخشوع ويحذر العبث في جميع الوجوه؛ الركوع والسجود والقيام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .(9/263)
108 - مسألة في حكم الحركة والعبث في الصلاة
س: مستمع يسال عن الحركة في الصلاة، يقول: إن هناك أناسا يقولون إن الحركة في الصلاة تبطلها، وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: العبث في الصلاة لا يجوز إذا كثر، أما الشيء اليسير فيعفى عنه، فاليسير عرفا يعفى عنه، ولكن إذا كثر وتوالى أبطل الصلاة، فالواجب على المؤمن في صلاته والمؤمنة الحرص على أسباب سلامتها والحذر من أسباب بطلانها، والشيء اليسير يعفى عنه، مثل كونه عدل ثوبه أو
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (264) .(9/263)
عمامته أو مسح التراب أمام وجهه عند السجود مرة أو مرتين لا يضر صلاته، لكن الأفضل مرة واحدة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا: مرة أو دعه. فالمقصود أن المؤمن يحرص على الخشوع والإقبال على صلاته والحضور فيها بقلبه، وترك العبث والحركة غاية الحرص، قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ، لكن إذا عبث يسيرا لا يضر صلاته، فالحركة بأن أخذ شيئا أو طرحه أو حك رأسه قليلا أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي يفعلها الإنسان بعض الأحيان لا تضر صلاته، لكن إذا كثر العبث وتوالت الحركات عرفا بطلت الصلاة، فينبغي الحذر.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(9/264)
س: رجل يصلي فتحرك ثلاث حركات متتالية، فهل تبطل صلاته؟ كحك الرأس أو الأنف أو ما شابه ذلك (1)
ج: ليس على هذا دليل، ولا تبطل الصلاة بذلك، لكن ينبغي للمؤمن أن يجتهد في السكون في الصلاة والخشوع وعدم العبث وعدم الحركة إلا من حاجة على مراعاة القلة وعدم الإكثار، وقد ذكر العلماء رحمهم
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (143) .(9/264)
الله أن الحركة الكثيرة في الصلاة المتوالية تبطلها من غير تحديد، أما التحديد بثلاث فهو قول ضعيف لا دليل عليه ولا تبطل به الصلاة، فلو حرك يده ثلاثا أو حك رأسه ثلاثا لم تبطل صلاته بذلك، وهكذا إذا كانت الحركة مفرقة فإنها لا تبطل الصلاة، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على المنبر ثم نزل فسجد في أصل المنبر، ثم صعد فقرا على المنبر وركع عليه، فلما سلم قال: «إني صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي (1) » . وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى وهو حامل أمامة بنت زينب ابنة بنته رضي الله عنها، «فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها عليه الصلاة والسلام (2) » . هذه الحركة لا تضر الصلاة لأنها مفرقة، وهكذا ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف أنه لما عرضت عليه الجنة تقدم وتقدمت الصفوف، وأراد يتناول منها عنقودا فلم يتيسر ذلك ولم يمكن من ذلك، ولما عرضت عليه النار - عليه الصلاة والسلام - تأخر وتأخرت الصفوف، فدل ذلك على هذه الحركة وأشباهها بأنها لا تبطل الصلاة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .(9/265)
109 - مقدار الحركة التي تبطل الصلاة
س: السائل أ. أمن الأردن يقول: ما هي مقدار الحركة التي تبطل الصلاة؟ وما هي أقسامها؟ وما توجيهكم سماحة الشيخ للذين يكثرون الحركة في الصلاة (1) ؟
ج: الحركة اليسيرة عرفا لا تبطل الصلاة، لكن مشروع له السكون والاطمئنان والحذر من الحركات لقول الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، فالواجب عليه أن يطمئن في ركوعه وسجوده وبين السجدتين، وبعد الاعتدال من الركوع يطمئن حتى يرجع كل فقر إلى مكانه، هذا ركن لا بد منه، أما الحركات اليسيرة فيعفى عنها، فإذا كثرت وتوالت عرفا فإنها تبطل الصلاة، إذا اعتقد أنها كثرت وتوالت عرفا فإنها تبطل الصلاة، ولكن الواجب عليه الحرص على عدم الحركة، ويعفى عن الشيء اليسير.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (409) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(9/266)
س: يسأل عن موضوع كثيرا ما يراه - كما يقول - يقول: ألاحظ بعض الناس يكثر الحركة أثناء تأديته للصلاة، فهو يقدم رجلا(9/266)
ويؤخر أخرى، أو يعبث بلحيته، أو يقوم بتعديل ملابسه وما أشبه ذلك، وأعتقد أن مثل هذه الحركات تؤثر على الصلاة، فأرجو من سماحتكم التوجيه، جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا شك أن هذا واقع من بعض الناس العبث في الصلاة والحركة الكثيرة، هذا واقع من بعض الناس، ونوصي إخواننا جميعا من الرجال والنساء بالخشوع في الصلاة وترك الحركة التي لا حاجة إليها لا في الملابس ولا في اللحية ولا بغير ذلك، ولا بالساعة ولا بغير ذلك، السنة الخشوع في الصلاة والطمأنينة فيها وعدم الحركة، قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، والخشوع هو الخضوع لله والإقبال على الصلاة وترك العبث، لكن إذ دعت الحاجة إلى أن يتقدم في الصف الذي قدامه لفرجة فلا بأس، أو دعت الحاجة أن يعدل عمامته خشية أن تسقط أو ما أشبهه من الحاجات فلا بأس مع الحرص على التقلل وعدم الإكثار، يحرص على أن تكون الحركة بقدر الحاجة قليلة جدا حسب الحاجة، وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأيام يحمل أمامة بنت زينب ابنة بنته، «إذا سجد وضعها وإذا
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (313) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(9/267)
قام حملها (1) » وصلى مرة على المنبر، «فلما فرغ من الركوع اعتدل ونزل وسجد أسفل المنبر (2) » للتعليم، لتعليم الناس وتوجيههم، يعلم أن مثل هذا جائز. وفي صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة فتقدم ليتناول منها عنقودا فلم يتيسر له ذلك، وعرضت عليه النار وهو في صلاة الكسوف «فتأخر وتأخرت الصفوف (3) » فإذا دعت الحاجة لشيء من هذا فلا بأس، وإلا فالواجب الطمأنينة، وليطمئن ويؤدي الصلاة بطمأنينة وخشوع وعدم العجلة مع قلة الحركة حتى يكون بذلك قد أكمل صلاته واعتنى بها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (748) .(9/268)
110 - حكم الحركة في الصلاة لسد فرجة في الصف
س: تسأل أختنا عن الفرج في الصفوف، هل الحركة لسدها تؤثر على الصلاة أم لا (1) ؟
ج: سدها مشروع، والحركة في ذلك مشروعة ولا تؤثر في الصلاة، فإذا كان في الصف خلل وجذب الإنسان أخاه حتى يقرب وحتى يسد
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (158) .(9/268)
الخلل، أو جاء إنسان من خلفهم فسد الخلل من الصف الذي يليهم، كل هذا مشروع، وليس ذلك مؤثرا في الصلاة بل هو من كمال الصلاة ومن تمام الصلاة.(9/269)
111 - حكم من يتقدم خطوات إلى الأمام في الصلاة ليمر الناس من ورائه
س: أبو عبد الله يسأل: أرى البعض من الشباب إذا سلم الإمام من الصلاة وبقي على هذا الشاب بعض الركعات فإنه يتقدم بعض الخطوات إلى الأمام لكي يمنع المارين عن المصلين الآخرين، فهل فعله صحيح (1) ؟
ج: لا يضره - إن شاء الله - خطوات يسيرة حتى يمر الناس من ورائه، لا يضره ذلك - إن شاء الله - إذا كان بقي عليه صلاة قضاء، لكن كونه يبقى في مكانه أولى من التقدم.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (378) .(9/269)
112 - حكم إخراج بعض الأشياء من الجيب أثناء الصلاة
س: ما حكم إخراج المفاتيح والأشياء الخفيفة أو غير ذلك من الجيب أثناء الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (405) .(9/269)
ج: هذا من العبث، ينبغي ترك ذلك، المشروع ترك ذلك إلا لحاجة كأن يطلب منه مفتاح فيخرجه ويعطيه الطالب من أهل بيته أو ما أشبه ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إذا كان شيئا قليلا لا بأس، أما عبث فيكره العبث، لكن إذا كان مثلا يصلي وطلبوا المفتاح فأدخل يديه وأخرج المفتاح لهم أو شيئا في جيبه ورماه عليهم لا يضره كما «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتح الباب لعائشة (1) » وكما عرفنا في صلاة الكسوف «لما عرضت عليه الجنة ثم تأخر لما عرض عليه النار (2) » وكما «صلى على المنبر ثم نزل وسجد في أسفل المنبر (3) » الأشياء الخفيفة لا بأس بها.
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (916) ، وابن حبان في صحيحه، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، برقم (2355) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (748) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .(9/270)
113 - حكم تغيير مكان السجود بعد الصلاة
س: ما حكم تغيير مكان السجود أثناء الصلاة (1) ؟
ج: إذا تحول بعد الفريضة عن يمينه أو شماله لا حرج في ذلك، لكن
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (405) .(9/270)
ما عليه دليل واضح، ولكن لا حرج في ذلك، وإن صلى في مكانه فلا بأس.(9/271)
114 - نصيحة توجيهية إلى بعض المصلين
س: بعض المصلين يكثر العبث أثناء تأديته للصلاة، فهو يحرك ملابسه ويد يديه إلى بعض أجزاء من جسمه للتنظيف ونحو ذلك، ويرجو التوجيه أيضا لو تكرمتم (1)
ج: السنة للمصلي السكون في الصلاة والخشوع فيها وعدم العبث لا بثيابه ولا بلحيته ولا بأنفه ولا بغير ذلك، هذا هو السنة، قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ، وقال النبي لبعض أصحابه لما رأى بعض أصحابه يشير بيديه: «اسكنوا في الصلاة (4) » فالمؤمن مأمور بالسكون والخشوع في الصلاة النافلة والفريضة جميعا، لكن إذا دعت الحاجة إلى تعديل شيء من دون إطالة بل شيء خفيف فلا حرج في ذلك إن شاء الله، لكن لا يكون في ذلك
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (212) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام..، برقم (430) ..(9/271)
إطالة ولا كثرة، بل يكون شيئا قليلا.(9/272)
115 - حكم كثرة الحركة في الصلاة بسبب البعوض
س: يقول هذا السائل: نحن من سكان الريف حيث يكثر الماء وتوجد الزراعة، ويترتب على ذلك انتشار البعوض خاصة في فصل الصيف، وعندما نؤدي الصلوات فإننا نتأذى من لدغ البعوض، وإذا تركناه يلدغنا انشغلنا به عن الصلاة ولم نتدبر القراءة ولا التسبيح، وإذا دفعناه ترتب على ذلك حركة كثيرة في الصلاة وأدى إلى قتل كثير من هذا البعوض ونحن في الصلاة، فما حكم الشرع في نظركم؟ وما توجيهكم لنا (1) ؟
ج: المشروع التحمل والصبر والعلاج قبل الصلاة، يعالج محل الصلاة بالمبيدات التي تبيد هذا البعوض حتى يكون في وقت الصلاة قد استراحوا، وحتى لا يشتغلوا بالحركة في الصلاة، والحركة اليسيرة يعفى عنها، لكن كون المصلين يشتغلون بالبعوض شغلا كثيرا فهذا لا يجوز، الواجب التصبر والتحمل إلا إذا تيسر ما يبيده قبل الصلاة، فيستعمل ما يبيده من المبيدات حتى يكون المصلون في وقت الصلاة
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (401) .(9/272)
مستريحين من شره، والحركة اليسيرة التي كونه يغطي قدميه عن البعوض أو يديه ما يضر والحمد لله، الشيء اليسير يعفى عنه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو حامل أمامة بنت زينب «إذا قام حملها وإذا سجد وضعها (1) » «وصلى وهو على المنبر، يصعد وينزل عليه الصلاة والسلام (2) » وصلاة الكسوف «صلى بالناس فلما عرضت عليه الجنة تقدم، ولما عرضت عليه النار تأخر وتأخر الناس (3) » فهذه الأشياء التي تعرض للإنسان خفيفة يعفى عنها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضعه، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (748) .(9/273)
116 - حكم الصلاة على السرير بسبب الحشرات الزاحفة
س: أعمل راعيا للغنم، وأسكن في منطقة بعيدة تكثر فيها الحشرات الزاحفة، وحينئذ أضطر إلى الصلاة على السرير، فهل يجوز أن أفعل ذلك أو لا (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (328) .(9/273)
117 – بيان ما يفعله المصلي إذا طرق عليه الباب
س: ماذا يفعل المصلي وهو يصلي في البيت وحده وطرق الباب وليس في البيت أحد، هل يذهب ليفتح؟ مع العلم أنني قرأت أنه يذهب ليفتح ويخطو خطوات بسيطة، ولكن إذا كان هناك جدار وخطوات كثيرة ماذا يفعل (1) ؟
ج: إذا استأذن عليه وهو يصلي يتنحنح أو يقول: سبحان الله، سبحان الله، حتى يعلم من عند الباب أنه في صلاة فينتظر، ولا يقطع الصلاة إلا إذا كان الباب قريبا يتقدم إليه بخطوات يسيرة حتى يفتح له فلا بأس، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم «أنه فتح الباب لعائشة وهو يصلي (2) »
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (222) .
(2) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (916) ، وابن حبان في صحيحه، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، برقم (2355) .(9/274)
س: إذا كنت أصلي وجرس الباب يدق ولم يوجد في البيت غيري، فماذا أفعل؟ وإذا خرجت من الصلاة فهل علي إثم (1) ؟
ج: الصلاة تختلف؛ إن كانت نافلة فالأمر واسع لا مانع من قطعها ومعرفة من يدق الباب.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (69) .(9/274)
أما الفريضة فلا ينبغي التعجل إلا إذا كان هناك شيء يخشى فواته مهم، وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح بحق الرجل أو المرأة تصفق حتى يعلم الذي عند الباب أنها مشغولة بالصلاة كفى ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء (1) » إذا أمكن إشعاره بأن المرأة في الصلاة بالتصفيق أو الرجل في الصلاة بالتسبيح فعل ذلك، فإن كان هذا لا ينفع للبعد وعدم سماعه لذلك فلا بأس أن يقطعها للحاجة، النافلة خصوصا، أما الفرض فإن كان الشيء مهما ويخشى أنه مهم فلا بأس بالقطع ثم يعيدها في أولها، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التصفيق للنساء، برقم (1203) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة، برقم (422) .(9/275)
118 – بيان ما يفعله المصلي للرد على الهاتف
س: السائلة أم خالد تقول: بالنسبة إذا كان الإنسان في الصلاة هل الرد على التليفون أثناء الصلاة لا يجوز، أي رفع السماعة لإشعار المتصل بوجود أهل البيت (1) ؟
ج: لا، ما يضر رفع السماعة حتى ينتظر، لا بأس رفع السماعة، لكن لا
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (320) .(9/275)
يتكلم حتى يصلي إلا إن كانت نافلة لا بأس أن يقطعها للحاجة، إذا كانت نافلة لا بأس أن يقطعها للحاجة، إذا كان يخشى أن أصحاب التليفون لهم مهمة كبرى أو يعلم ذلك، وإلا فيكمل صلاته ثم يكلم، أما الفريضة لا، لا يقطعها، لكن يرفع السماعة حتى ينتظر الذي على السماعة.(9/276)
119 - بيان كيفية رد السلام أثناء الصلاة
س: كيف يكون رد السلام أثناء الصلاة (1) ؟
ج: يرد بالإشارة بيده، وهذا هو الأفضل، فإذا سلم عليه أحد فيرد عليه بالإشارة كأنه يصافح.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (304) .(9/276)
120 - حكم إجابة السائل بإيماء الرأس في الصلاة
س: ما حكم من يرد على السائل بإيماءة برأسه بنعم أو لا وهو في الصلاة؟ مثال ذلك أنه في حالة استعجال السائل يأخذ الجواب مني وأنا داخل في الصلاة، بأن يسأل مثلا: هل أنتظرك؟ وذلك بأن أرد عليه برأسي: نعم، هل تبطل الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (70) .(9/276)
ج: الإشارة في الصلاة لا بأس بها ولا حرج فيها ولا تبطل بها الصلاة، قد فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الخلق ومعلمهم، وقد فعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا حرج في ذلك، فإذا سألك سائل: هل أنتظر؟ وأنت في الصلاة وأشرت برأسك أن نعم فلا بأس، أو سأل سائل عن حكم من الأحكام فأشرت بما يدل بنعم أو لا فكل ذلك لا بأس به، قد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - «وكان يرد بالإشارة عليه الصلاة والسلام (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، برقم (540) .(9/277)
121 - حكم وضع الأصابع في الأذنين أثناء الصلاة من أجل الانزعاج
س: تقول السائلة أ. ع من حائل: عندما أصلي وأنا أسمع صراخ الأطفال والإزعاج أضع أصابعي في آذاني وأكمل صلاتي، فهل هذا يجوز (1) ؟
ج: تركها أولى، تضع يديها على صدرها، هذا السنة، وإن شق عليها ذلك وخافت ألا تكمل الصلاة وألا تتقنها قطعتها حتى تهدئ الصبيان
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (412) .(9/277)
ثم تعود إلى الصلاة من أولها، أما إذا استطاعت أن تكملها بهدوء كملتها من غير حاجة إلى وضع أصبعها في أذنها، بل تضع يديها على صدرها، والحمد لله.(9/278)
122 - حكم الاستماع إلى الراديو أثناء الصلاة
س: هل يمنع فتح الراديو صحة الصلاة، خاصة وأننا لا نصغي إلى الراديو أثناء الصلاة، ولكن غالبا ما أسمع بعض الأشياء البسيطة دون أن أنتبه لها (1)
ج: لا يمنع صحة الصلاة، لكن قد يشوش على المصلية والمصلي، فينبغي ألا يكون في وقت الصلاة حتى لا يحصل تشويش، وإلا فلو كان مفتوحا وهي مشغولة بصلاتها والرجل مشغول بصلاته صحت الصلاة، لكن ينبغي إغلاقه لأنه قد يمر فيه أشياء تشويش على المصلي، فالمشروع للمؤمن والمؤمنة وإغلاقه إلى انتهاء وقت الصلاة.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (192) .(9/278)
123 - حكم الصلاة والمصلي يدافع الريح
س: هذه السائلة تقول: هل يجوز مدافعة الريح عند الصلاة (1)
__________
(1) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (395) .(9/278)
ج: نعم، يدافعها إذا كانت خفيفة، أما إذا كانت شديدة فيقطع الصلاة، أما إذا كانت الريح خفيفا يمكن مدافعتها بدون مشقة ويثبت في صلاته فلا بأس، كالحدث كالبول والغائط إذا كان خفيفا يكمل صلاته، أما إذا كان يشغله في الصلاة يقطعها ليخرج الريح والبول والغائط حتى يصلي بقلب حاضر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة في حضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان (1) » وهكذا الريح الشديدة التي تؤذيه يقطعها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم (560) .(9/279)
124 - حكم قول “ استعنا بالله “ أثناء قراءة الإمام الفاتحة
س: السائل يقول: أسمع كثيرا من الناس يقولون: عندما يقرأ الإمام قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) يقولون: استعنا بالله، وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} (2) يقولون: رب اغفر لي ولوالدي، هل هذا صحيح (3) ؟
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (257) .(9/279)
ج: ليس له أصل وينبغي تركه، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) يستمر في قراءته ولا يقول: استعنا بالله. ما له أصل، ولا يبطل الصلاة، الصلاة لا تبطل بذلك، لكن هذا غير مشروع، كذلك عند قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} (2) لا يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي. هذا ما ورد، إنما يقول: آمين. {وَلَا الضَّالِّينَ} (3) يقول بعدها: آمين. هذا هو الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) سورة الفاتحة الآية 7(9/280)
125 - حكم الاستعاذة من الشيطان أثناء الصلاة
س: هل يجوز لمن زفر في الصلاة أن يقول: أستغفرك اللهم وأتوب إليك؟ وهل يجوز أن يستعيذ من الشيطان الرجيم أثناء الصلاة؟ وهل يجوز للمصلي أن يقول: سبحانه، أو: سبحان الله - إذا مر به بعض الآيات وفيها تعظيم لله (1)
ج: السنة للمؤمن في مثل هذه المسائل أن يفعل ما شرعه الله عز وجل من العناية بالخشوع والتدبر لما يقرأ، وإذا عرض له عارض في صلاته بأن مر بآية تسبيح أو آية رجاء أو آية خوف وسبح أو سأل فلا بأس، لكن
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (171) .(9/280)
المشروع هذا في صلاة الليل، هذا هو المشروع؛ كان النبي يفعله في صلاة الليل (1) ولم يحفظ عنه أنه فعله في صلاة الفريضة، ولو فعله الإنسان لا شيء عليه صلاته صحيحة، ولكن الأفضل ترك ذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما كان يفعله إلا في تهجده بالليل، كان يستمر في قراءته عليه الصلاة والسلام في الفجر والمغرب والعشاء والناس يسمعونه ولا يقف يسبح أو يدعو، لم ينقل هذا فيما نعلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في تهجده بالليل، فالأفضل في هذا ألا يقف عند آية التسبيح ولا عند آية الوعيد ولا عند آية الوعد، بل يستمر في الفريضة، أما في التهجد في الليل أو في النوافل فالأمر واسع والحمد لله.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم (772) .(9/281)
126 - حكم الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة عند سماع ذكره
س: إذا كان المسلم في الصلاة وسمع كلمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل يقول: عليه الصلاة والسلام، وهو في الصلاة (1) ؟
ج: لا حرج، إذا قالها في النافلة لا بأس، أما في الفريضة فإن تركها
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (222) .(9/281)
فلا بأس، وإن قالها بينه وبين نفسه فلا حرج إن شاء الله؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي (1) »
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - برقم (7402) ، والترمذي كتاب الدعوات، باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رجل، برقم (3545) .(9/282)
127 - حكم قول المصلي “ الحمد لله “ إذا عطس
س: إذا عطس المصلي أثناء الصلاة فهل يحمد الله أم ماذا (1) ؟
ج: نعم يحمد الله لفظا، قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع من عطس وحمد الله، فقال: «لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها (2) » أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فلا بأس لأن الحمد من جنس أعمال الصلاة، فإذا حمد الله عند العطاس كان قد فعل السنة، أما التشميت فلا، التشميت من كلام بني آدم، من كان في الصلاة فلا يشمت.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (177) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (774) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة، برقم (404) ، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب قول المأموم إذا عطس خلف الإمام، برقم (931) .(9/282)
128 - حكم تشميت العاطس أثناء الصلاة
س: ما حكم تشميت العاطس أثناء الصلاة (1) ؟
ج: لا يشمت أثناء الصلاة، والعاطس لا يشمت أحدا ولا يشمته الناس؛ لأنه ليس له التكلم أثناء الصلاة، فالتشميت من كلام الناس: يرحمك الله. لا يتلفظ بها المصلي ولا يشمت، يقال: يرحمك الله. لكن العاطس يحمد الله في نفسه.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (304) .(9/283)
س: لقد قرأت في أحد الكتب أن الشخص الذي يعطس وهو في صلاته يجوز له أن يحمد الله ولا يعيد صلاته، فهل هذا صحيح؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم صحيح، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع إنسانا عطس فحمد الله بعد العطاس، فقال له بعد الصلاة: «إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها، ولم ينكر عليه ذلك (2) »
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (13) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة، برقم (404) ، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (772) ، والنسائي، كتاب الاستفتاح، باب قول المأموم إذا عطس خلف الإمام، برقم (931) .(9/283)
فدل ذلك على أنه إذا عطس فحمد الله لا حرج عليه في ذلك، المشروع له أن يحمد الله ولا يضره ذلك.(9/284)
س: إذا لاحظت إنسانا كثيرا ما يغلبه العطاس أثناء الصلاة، فماذا أقول له؟ وهل يؤثر ذلك على صلاته؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: العطاس لا يضر المصلي وليس باختياره، والله جل وعلا يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) ، وإذا كنت تظن أنه يتساهل في ذلك تنصحه بعد الصلاة لا يتساهل، ولكن في الغالب أن الأمر ليس باختيار الإنسان ولا نظن فيه التساهل.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (295) .
(2) سورة البقرة الآية 286(9/284)
129 - حكم النحنحة في الصلاة
س. ما حكم الأشخاص الذين يتنحنحون في الصلاة؟ وهل هذا جائز (1) ؟
ج: إذا كان له داع وأسباب لا بأس، إذا كان حصل في حلقه شيء وتنحنح لإزالة ما وقع في حلقه أو استأذن عليه إنسان فتنحنح ليخبره
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (201) .(9/284)
أنه يصلي فلا حرج عليه، وإذا قال: سبحان الله - كان أولى حتى يتنبه المستأذن، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه «كان له عند النبي - صلى الله عليه وسلم مدخلان، وأنه كان إذا أتاه وهو يصلي تنحنح له ليعلم أنه يصلي (1) » فالمقصود أن التنحنح إذا كان له سبب فلا حرج في ذلك، ولكن لا ينبغي له أن يكثر، تكون بين وقت وآخر، أما إذا دعت حاجة إلى ذلك إذا أصابه في حلقه شيء فتنحنح لذلك فلا حرج عليه إن شاء الله، لكن لو أكثر من ذلك بغير سبب وتوالى هذا صار من العبث الذي يبطل الصلاة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم (609) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة، برقم (1212) ، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب الاستئذان، برقم (3708) .(9/285)
س: م. ع من اليمن صنعاء يقول: ما حكم التنحنح في الصلاة (1) ؟
ج: لا بأس إذا دعت الحاجة إلى هذا، كان - صلى الله عليه وسلم - يتنحنح لعلي، إذا استأذن له تنحنح له للإذن، فلا بأس إذا دعت الحاجة إلى هذا.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (433) .(9/285)
س: من الحجاز ع. م: ما حكم النحنحة في الصلاة والسعال إذا غلب الإنسان (1) ؟
ج: لا شيء عليه، لكن لا يتعمد ذلك من غير عذر، أما إذا دعت
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (355) .(9/285)
الحاجة إلى ذلك من نحنحة وسعال وعطاس كل هذا لا يضر الصلاة.(9/286)
130 - حكم التثاؤب أثناء الصلاة
س: أبو عبد الله له هذا السؤال: ما حكم التثاؤب في الصلاة؟ هل ينقصها (1) ؟
ج: التثاؤب مكروه، وهو من الشيطان كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من الشيطان، فإذا تثاءب الإنسان فليكتم ما استطاع وليضع يده على فيه، ووجوده ينشأ عن الكسل والضعف أو النعاس، فالسنة للمؤمن في حال الصلاة أن يكافحه بإحضار قلبه وخشوعه بين يدي الله واستحضاره أنه في مقام عظيم لعله يسلم من التثاؤب؛ لأنه من الشيطان، فكلما قوي إحضار القلب بين يدي الله والخشوع بين يدي الله وتذكر أن التثاؤب من الشيطان فإن هذا الاستحضار من أعظم الأسباب في بعد الشيطان عنه وسلامته من التثاؤب.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (307) .(9/286)
س: يقول السائل: هل يجوز للمصلي أن يضع يده على فمه إذا تثاءب أثناء الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (288) .(9/286)
ج: هذا السنة، نعم يضع يده على فمه أثناء الصلاة وفي خارج الصلاة أيضا، ولا يقول: ها، بل يكتم صوته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل (1) » ويقول في الحديث الآخر: «إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: ها - ضحك الشيطان (2) » هذا هو السنة، يكظم ما استطاع ويضع يده على فيه، ولا يقول: ها، لا يتكلم بل يسكت.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، برقم (2995) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3289) ، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، برقم (2994) .(9/287)
س: يكثر علي التثاؤب والنعاس أثناء الصلاة، فكيف توجهونني أثابكم الله (1) ؟
ج: نوجهك بأن تجتهد في أن تحضر إلى الصلاة وأنت نشيط، توضأ إن كنت كسلان، تتوضأ وضوءا ولو تجديدا ولو كنت على طهارة، تتوضأ للنشاط، وتحضر بقلبك أنك بين يدي الله وأنك في عبادة
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (295) .(9/287)
عظيمة، وهي عمود الإسلام، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين حتى تنشط وتقوى في هذا، وإذا غلبك النعاس والكسل فإن الإنسان يستحضر أنه في أمر عظيم وأنه بين يدي العظيم سبحانه وتعالى، كان هذا مما يقويه وينشطه ويباعده من الكسل.(9/288)
س: من سوريا، ص من حلب يقول: حين أقوم لأداء الصلاة فرضا أتثاءب كثيرا، وأحاول منع هذا التثاؤب ولم أستطع، وأشرد أيضا في الصلاة في كثير من الأوقات؛ أنسى كم صليت، فأرجو منكم هدايتي للخلاص من هذا التقصير (1) !
ج: هذا من الشيطان، وعليك أن تستعيذ بالله من الشيطان وأن تجتهد في أسباب النشاط، تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتقرأ ما تيسر من القرآن، ولا تطول التطويل الذي يشق عليك ويأتي بالنعاس، وتسأل ربك أن يعينك ويوفقك وأن يمنحك النشاط والقوة؛ لأن الشيطان عدو العبد يكسله ويشككه ويوهمه ويوسوس عليه، فلا بد من الجهاد، لا بد من جهاد النفس وجهاد الشيطان، فجهاد النفس بأسباب النشاط من الوضوء وتعاطي ما ينشط، ولا بد من التعوذ بالله عند الوساوس.
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (393) .(9/288)
س: إذا تثاءب شخص فهل يضع يديه على فمه؟ وهل تعتبر هذه حركة زائدة في الصلاة (1) ؟
ج: لا حرج في هذا لأنه مأمور بذلك، إذا تثاءب يضع يده على فيه ولا يفغره، يجتهد على ألا يفغره، ولكن يضع يده على فيه؛ لأن الرسول أمر بهذا عليه الصلاة والسلام، وهذا يعم التثاؤب في الصلاة وفي خارج الصلاة.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (378) .(9/289)
131 - حكم حمل الطفل أثناء الصلاة
س: أحيانا أقوم بتأدية صلاة العشاء في بيتي مع زوجتي، وفي أثناء الركوع والسجود تأتي ابنتي الصغيرة وتركب فوق ظهري، وأثناء قيامي لقراءة الفاتحة في الركعة الثانية أمسك بها بيدي خلف ظهري خوفا عليها من السقوط، فهل هذا يبطل صلاتي أو ينقص من الأجر (1) ؟
ج: أما الفريضة فالواجب الذهاب إلى المسجد والصلاة مع الناس، وترك ذلك تشبه بأهل النفاق، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (86) .(9/289)
«ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة في الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق (1) » وتقدم في الجواب السابق قوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » وقوله للأعمى لما قال له: ليس له قائد يلائمه، قال له: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب (3) » فالواجب عليك أن تصلي مع الجماعة وليس لك أن تصلي في بيتك ولو صلى معك أهلك، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (4) » هذا يدل على وجوب
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى، برقم (654) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء، برقم (653) .
(4) البخاري في كتاب الخصومات، باب إخراج أهل المعاصي، برقم (2420) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (651) ، واللفظ له.(9/290)
المبادرة والمسارعة بأداء الصلاة في الجماعة، لكن لو فاتتك الصلاة في الجماعة أو كان لك مانع شرعي كالمرض وصليت في البيت فلا بأس بذلك، وإذا صلت معك زوجتك أو بناتك أو أمك أو غيرهن فإنهن يكن خلفك لا تقف معك، المرأة تكون خلفك ولو واحدة، وإذا ركبت بنتك الصغيرة على ظهرك فإنها لا تضر صلاتك، ولكن تنزلها بهدوء كما فعلت وأنت مأجور، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوما يصلي، فلما سجد جاء ابن بنته الحسن أو الحسين ارتحله وركب عليه الصلاة والسلام، فأطال السجود، فلما سلم من صلاته أخبر الصحابة أنه أطال السجود من أجل ألا يزعج ابن بنته لما ركب عليه - عليه الصلاة والسلام - وقت السجود، فدل ذلك على أنه لا يؤثر في الصلاة وأن الواجب العطف على الصغير والرحمة وعدم إزعاجه، بل يزيله عن ظهره باللطف حتى يكمل صلاته.(9/291)
132 - حكم صلاة من يقوم أطفاله بإيذائه وإزعاجه
س: يقوم أطفالي باللعب أمامي أثناء الصلاة وشد الجلال من على رأسي بحيث يخرج شعري أحيانا، وأحيانا أشده من تحتهم حتى أستطيع إكمال صلاتي، وأقوم بكثير من الحركة إما إبعادهم أو(9/291)
إرجاع الجلال على شعري وجسمي أو الانتظار حتى ينزلوا من على ظهري، وأحيانا يقومون برفعي مما يجعلني أتحرك وأمشي خطوات للأمام أو الخلف، هذا رغم تحذيري لهم، ولكن لصغر سنهم لا يستطيعون ولا يفهمون، وأحيانا يشتد الغضب في أثناء الصلاة وأدفعهم بقوة حتى أستطيع إكمال صلاتي، ما حكم ذلك؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: كل هذا حسن، وهذا جهاد منك وهو أمر مشكور وطيب، وإذا تيسر أن تكوني في محل بعيد عنهم حتى تسلمي من أذاهم في غرفة أو حجرة بعيدة عنهم يكون هذا أسلم وإلا فلا يضرك هذا، هذه الحركة لدفعهم لا حرج في ذلك، وكذلك الشعر إذا بدا ثم أعدت الجلال بسرعة لا يضرك ذلك، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه في بعض صلواته وهو ساجد ارتحله الحسن أو الحسين فأطال السجود بعض الشيء من أجل ارتحاله إياه، وقال: «فكرهت أن أعجله (2) » عليه الصلاة
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (364) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكيين من حديث شداد بن الهاد رضي الله عنه برقم (15603) ، والنسائي في المجتبى في كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة، برقم (1141) .(9/292)
والسلام، فالمقصود أن معالجة الصبية في وقت الصلاة في دفعهم عن الأذى أو ما أشبه ذلك لا يضر إن شاء الله ولا حرج في ذلك.(9/293)
س: هل يجوز حمل الطفل أثناء الصلاة وهو لم يحلق بعد من شعره شعر الولادة (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - «صلى ومعه أمامة بنت زينب، حملها فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها عليه الصلاة والسلام (2) » إلا إذا كنت تعلم أن فيه نجاسة فلا تحمله حتى يزال عنه ما فيه من النجاسة.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (304) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .(9/293)
133 - حكم إمساك الطفل وقعوده في مكان السجود أثناء الصلاة
س: الأخ ع. ف. م من لواء إب يسأل ويقول: ما حكم الشريعة الإسلامية في امرأة تصلي وولدها يمسك بيدها وهي تصلي، ويقعد على محل السجود، وعندما تسجد تمسك بذراع الطفل لكي تتمكن من السجود، هل تصح الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (151) .(9/293)
ج: نعم لا بأس، كونها تمسك بيده حتى لا يقع في شيء وحتى لا يذهب مثلا لما يضره، وإذا جلس في محل السجود نحته عنها وسجدت، لا بأس إذا كان ما في يده نجاسة ولا في محله نجاسة رطبة تنجس محل السجود، بل هو يابس لا يضر ذلك، وقد «كان - عليه الصلاة والسلام - يحمل أمامة بنت زينب بنت بنته ويصلي بها والناس خلفه عليه الصلاة والسلام، فإذا سجد وضعها في الأرض وإذا قام حملها على كتفه عليه الصلاة والسلام (1) » ليبين للناس أن الأمر فيه سعة والحمد لله وأن هذا الدين فيه اليسر.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة، برقم (516) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543) .(9/294)
134 - حكم إزالة التراب الذي على الأنف والجبهة أثناء الصلاة
س: سائلة تقول: إذا صليت في الأرض الطاهرة وظهر على جبهتي وأنفي تراب وأزلته، هل صحيح أن التراب الذي يكون على الجبهة والأنف تصلي عليه الملائكة؟ وإن كان هذا صحيحا أكون آثمة على إزالة التراب (1) ؟
ج: لست بآثمة إذا كان بعد الصلاة، وكون الملائكة تصلي على هذا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (183) .(9/294)
هذا لا أصل له على هذا التراب، لا أصل لهذا ولا صحة له، ولكن الأفضل تركه حتى تسلمي، فإذا سلمت فلا بأس بإزالته، «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم وأثر التراب على وجهه (1) » إذا كان هناك مطر سلم والأثر على وجهه صلى الله عليه وسلم، فالأفضل الكف عن العبث وعدم إسقاط هذا التراب من الجبهة أو الأنف وأنت في الصلاة، فإذا فرغت من الصلاة وسلمت فلا حرج في ذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب من خرج من اعتكافه عند الصبح، برقم (2040) ، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها، برقم (1167) .(9/295)
135 - حكم الكلام للمصلي أثناء الصلاة عند الحاجة
س: هل يجوز أن يتكلم شخص مع المصلي أثناء صلاته بأن يوصيه مثلا أن يفعل كذا أو لا يفعل شيئا (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك إذا دعت الحاجة إلى هذا، كأن يقول له: اتق الله لا تعجل في صلاتك، اطمئن في صلاتك، أو يقول: إذا صليت فلا تخرج سوف يأتي فلان وفلان، أو ما أشبه ذلك من الحاجات العارضة
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (362) .(9/295)
لا بأس أن يتكلم معه وهو يصلي.(9/296)
136 - حكم التصفيق لحاجة أثناء الصلاة
س: تقول السائلة: هل يجوز التصفيق لحاجة أثناء الصلاة (1) ؟
ج: نعم، سنة في حق النساء، التصفيق سنة في حق النساء إذا حدث حادث، أما الرجال فلهم التسبيح، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء (2) » هكذا السنة.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (128) .
(2) أخرجه البخاري في أبواب العمل في الصلاة، باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به، برقم (1218) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، برقم (421) .(9/296)
137 - حكم عد الركعات بالأصابع أثناء الصلاة
س: تقول السائلة: حتى لا أنسى كم صليت أحسب بأصبعي؛ أي إذا صليت ركعة ضممت أصبعي في الركعة الأولى، وإذا صليت الركعة الثانية ضممت أصبعي الثانية، وهكذا حتى تنتهي الصلاة، هل هذا جائز أم يعتبر من كثرة الحركات التي تبطل أو(9/296)
تقدح في الصلاة (1) ؟
ج: لا حرج في هذا، هذا شيء قليل وخفيف، ليس بكثير ضم الأصبع الواحدة والثنتين، وهكذا لا حرج فيه ولا بأس إن شاء الله إذا كانت تنسى، لا حرج في ذلك وليس هذا بعمل كثير، هذا شيء قليل في مصلحة الصلاة.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (35) .(9/297)
138 - حكم من زاد واجبا من واجبات الصلاة متعمدا
س: السائلة و. و. ومن الرياض تقول: من زاد واجبا من واجبات الصلاة عمدا، هل تبطل صلاته؟ كمن زاد ركنا عمدا (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إذا زاد ركوعا ثانيا متعمدا أو سجودا ثالثا عمدا هذا تبطل به صلاته، أما إذا كرر التسبيح: سبحان ربي العظيم كثيرا، أو: سبحان ربي الأعلى. هذا طيب ما فيه شيء، أما إذا زاد ركنا فما يشرع تكراره، أو واجبا ما يشرع تكراره، تبطل الصلاة، فالتشهد الأول واجب، فلو جلس في الثالثة أو في الأولى متعمدا ما هو بجلسة الاستراحة بل يرى جلسة زائدة غير الاستراحة تبطل صلاته، أو زاد ركوعا أو زاد
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (398) .(9/297)
سجودا ثالثا في الركعة أو ركوعا ثانيا في الركعة متعمدا بطلت صلاته.(9/298)
139 - حكم الضحك في الصلاة
س: مستمع يسأل ويقول: ما حكم الضحك في الصلاة؟ وهل من ضحك في الصلاة عليه إعادة (1) ؟
ج: الضحك في الصلاة يبطلها إجماعا بإجماع أهل العلم، إذا ضحك في الصلاة بطلت، وهكذا لو تكلم عمدا بطلت صلاته إلا إذا كان جاهلا أو ناسيا، فلا تبطل الصلاة بكلام الناسي وكلام الجاهل، لكن الضحك يبطلها لأنه تلاعب بها، تلاعب وسخرية، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (298) .(9/298)
140 - حكم التبسم في الصلاة
س: هل التبسم في الصلاة يفسدها (1) ؟
ج: التبسم لا يفسدها، لكن الضحك يفسدها، الضحك الذي له صوت هذا يفسدها وهكذا الكلام، إذا تعمد الكلام وهو يعلم تحريمه أفسدها.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (251) .(9/298)
141 - حكم فعل بعض المحرمات في الصلاة
س: السائل ع. م. م. ر من اليمن، تعز: هل تبطل الصلاة بعمل بعض المحرمات (1) ؟
ج: هذا فيه تفصيل: إن كان عمل بعض المحرمات في الصلاة هذا يبطلها، مثل أن يتكلم في الصلاة أو يضحك في الصلاة أو يسب أحدا في الصلاة؛ هذا يبطل الصلاة، أما إن كان عنده معصية خارج الصلاة عصى خارج الصلاة، فالمعصية خارج الصلاة لا تبطلها لو كان عنده معصية؛ سب إنسانا خارج الصلاة أو اغتاب خارج الصلاة أو بعد الصلاة لا يبطلها، أو - والعياذ بالله - قد زنا خارج الصلاة أو شرب مسكرا خارج الصلاة، لا يبطلها إلا ما كان فيها، فإذا فعل فيها ما يبطلها من مبطلات الصلاة من الكلام العمد أو من الضحك أو من العبث الكثير المتوالي أو الأكل أو الشرب هذا يبطلها، وأما معصية قبلها أو بعدها لا تخرجه عن الإسلام لا تبطلها إذا كانت قبلها أو بعدها.
أما النحنحة فلا بأس بها إذا كانت لحاجة، جاء في بعض الأحاديث أن عليا رضي الله عنه قال: «كان لي من رسول الله مدخلان؛
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (275) .(9/299)
مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي (1) » ؛ أح أح، يعني يعلم أنه في الصلاة، فإذا تنحنح أو قال: سبحان الله - في الصلاة فلا بأس بذلك، لكن لا يكثر من ذلك، يكون خفيفا.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم (609) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة، برقم (1212) ، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب الاستئذان، برقم (3708) .(9/300)
142 - حكم الحركة والوسوسة في أثناء الصلاة
س: هل الحركة والوسوسة تبطل الصلاة (1) ؟
ج: الحركة فيها تفصيل: إن كانت قليلة والوسوسة لا تبطل الصلاة، أما إذا كانت حركة كثيرة متوالية فذكر بعض أهل العلم أنها تبطل الصلاة، إذا كثرت تبطل الصلاة عمدا أو سهوا؛ لأنه خرج بذلك عن الصلاة، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك وأن يحذر الوساوس التي تسبب كثرة الحركة حذرا من بطلان صلاته، وأن يعتني بالخشوع ويعتني بصلاته حتى لا يتحرك كثيرا.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (224) .(9/300)
143 - حكم قطع الصلاة في حالة وقوع حادث أو غرق
س: هل لي أن أقطع الصلاة عندما أسمع عن حادث حريق أو غرق أو ما أشبه ذلك (1) ؟
ج: نعم، إذا وجد حالة غرق أو حرق تخشى منه على أولادك أو على المسلمين تقطعها وتساهم في إنقاذ المسلمين أو إنقاذ أهلك، ثم تعود إلى الصلاة وتصلي، تبدأ فيها من جديد، أما غرق أو حرق لا يضرك ولا يضر المسلمين، غرق أشياء ما لك فيها حيلة، أو حرق أشياء من المتاع الذي لا حيلة فيه، أو الذي لا يضر تركه فاستمر في صلاتك، الحاصل أنه إذا كان قطع الصلاة ينفع المسلمين وينفع أهلك فاقطعها لإنقاذ من أصيب بالغرق والحرق، ثم تعود إلى الصلاة، والحمد لله؛ لأن الغرق والحرق يفوت خطره، والصلاة لا تفوت، في الإمكان قضاؤها.
ويقاس على هذا الأشياء التي يخشى منها، مثل إنسان رأى أعمى حول قليب، أو حول حفرة يخشى أن يسقط فيها، أو حوله ذئب أو أسد يخشى عليه منه، أو كلب عقور، يقطع وينقذه، ثم يعود لصلاته من أولها، والعقارب والحيات إذا كان يخشى على أحد منها فلا بأس، أما إذا أمكن
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (134) .(9/301)
قتلها وهو في الصلاة لأنها قريبة يمكن ضربها وهو في الصلاة فلا بأس، يضربها وهو في الصلاة ولو تقدم خطوات إلى القبلة فقط؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب (1) »
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7332) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة، برقم (921) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (390) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة برقم (1245) .(9/302)
144 - حكم قطع الصلاة لدرء الخطر
س: كنا نصلي جماعة في المزرعة، وكان أمام أنظارنا بالمزرعة ماكينة رفع مياه، ترفع المياه من البئر وتصبها بحوض بجوارنا، وفجأة وأثناء تأديتنا للصلاة رأينا دخانا كثيفا يخرج من جميع أجزاء تلك الماكينة، فإن تركناها فسوف يكون ضرر جسيم، فهل يجوز لأحد منا قطع الصلاة ليطفئها أم ماذا نفعل (1) ؟
ج: نعم، إذا وقع مثل هذا الحادث فإن أحد الجماعة يقطع الصلاة لإزالة الخطر، ثم يعود فيصلي معهم ما بقي، والحمد لله؛ لأن خطر هذا
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (43) .(9/302)
الدخان كبير، وقطع الصلاة لمصلحة مهمة أو لدرء خطر مثل إنقاذ حريق، أو إنقاذ غريق، أو دفع صائل أو ما أشبه ذلك كل هذا لا بأس به، وهذا فيه في الحقيقة إنقاذ من حريق قد يهلك الماكينة، أو يتعدى ضرره إلى غير ذلك، فلا حرج في قطع الصلاة، ثم يعود فيبتدئ الصلاة من جديد مع الإمام فيما بقي، أو يقضيها بعدهم إذا سلموا قبله. هذا إذا دعت الحاجة إلى قطعهم الصلاة ليتعاونوا فلا بأس، إذا كان الخطر عظيما فليقطعوها ثم يزيلوا الخطر، ثم يرجعوا فيصلوا.(9/303)
س: السائل ع، مقيم في جدة يقول: نريد أن نعرف كل شيء حول السترة في الصلاة، وهل لا بد من وضع ساتر أمامي إذا كنت بالصلاة منفردا ولا خوف من مرور أحد أمام المصلي (1) ؟
ج: السترة سنة مؤكدة أمام المصلي إذا كان منفردا أو إماما؛ لأن الرسول كان يصلي إليها عليه الصلاة والسلام ويقول: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (388) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .(9/303)
أحد إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » فالسنة أن يضع سترا أمامه؛ إما جدار، وإما عمود، وإما كرسي، وإما عصا منصوبة، ونحو ذلك، فإن لم يتيسر وضع العصا مطروحة أو خطا بين يديه، إذا لم يتيسر شيء قائم، هذا هو السنة، ولا يضره من مر من ورائها، لكنها غير واجبة، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه في بعض الأحيان صلى إلى غير سترة، فدل على أنها غير واجبة، لكنها سنة مؤكدة، وإذا كان في مكان لا يخشى فيه مرور أحد فلا مانع أن يصلي إلى غير سترة، لكن إذا تيسرت السترة فهي أولى وأفضل عملا بالسنة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/304)
145 - حكم وضع السترة في الصلاة
س: ما حكم اتخاذ السترة بالنسبة للمصلي؟ وإذا كان المصلي يأمن من عدم مرور أحد بين يديه كأن يكون في صحراء مثلا، فما حكم اتخاذ السترة بالنسبة له (1) ؟
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (246) .(9/304)
ج: اتخاذ السترة سنة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يتخذ السترة حتى في الصحراء وهو مسافر، السنة اتخاذ السترة، وهي مقدار مؤخرة الرحل نحو ذراع أو ما يقارب الذراع تنصب أمامه، مثل كرسي، مثل عصا تنصب، مثل شداد الرحل، مثل إناء يوضع أمامه يبلغ مسافة ذراع أو ذراع إلا ربعا، أو ما حول ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن سترة المصلي فقال: «مثل مؤخرة الرحل (1) » وفي لفظ آخر: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود (2) » يعني إذا مر دونها. فالمقصود أنه إذا كانت السترة نحو ذراع أو ما يقاربه فإن ما يمر بين يديه لا يضر صلاته إذا مر من وراء ذلك، فأما إذا مر بينه وبين السترة فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (3) » هكذا صح عنه عليه الصلاة والسلام.
أما إذا كانت السترة جدارا أو عمودا فإنه يكفي بذلك إذا مر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم (500) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/305)
بين يديه وبين السترة أحد يمنعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » متفق على صحته. ولو كان المار ليس حمارا ولا كلبا ولا امرأة حتى الرجل يمنع، وحتى الصبي يمنع، وحتى الدابة تمنع من الغنم وغيرها إذا تيسر المنع، يمنع ذلك إذا تيسر فإن غلبه لم يضر صلاته إلا أن يكون حمارا أو كلبا أسود أو امرأة تامة، أما الصبية لا تقطع، الصغيرة لا تقطع، ولهذا في اللفظ الآخر: امرأة حائض. أي البالغة، فمن السنة اتخاذ السترة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/306)
س: هل تجب السترة في الصلاة؟ وكم تكون المسافة بينها وبين المصلي؟ وهل يأثم من لا يتخذ السترة أثناء الصلاة (1) ؟
ج: السترة سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (2) » فيكون بينه وبينها ثلاثة أذرع فأقل، ويكون بينه وبينها إذا سجد، ويكون بينه وبينها شيء يسير حتى لا يصدم فيها، هذه السنة، وليست واجبة، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (429) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .(9/306)
في بعض الأحيان صلى إلى غير سترة عليه الصلاة والسلام.(9/307)
س: تقول السائلة: هل السترة ضرورية في الصلاة؟ وهل السجادة تجزئ عنها (1) ؟
ج: السترة سنة مؤكدة للصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها (2) » مثل حائط أو عمود أو سارية أو كرسي، أو ما أشبه ذلك، وقد جاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (3) » وما بين يديه يقارب ذراعا أو ذراعا إلا قليلا، فإذا جعل بين يديه شيئا منصوبا من كرسي أو عصا أو شبه ذلك، كما كان النبي يفعل، فقد كانت تنصب أمامه العنزة – وهي عصا ليست طويلة فيها حربة – فإذا فعل مثل ذلك المؤمن كانت سترة له، أو كرسي قدامه أو وسائد رفيعة أو ما أشبه ذلك، لكن ليست واجبة إنما هي سنة، فمن صلى بدون سترة صلاته لا حرج.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (157) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/307)
س: علمت أن من السنة وضع السترة أمام المصلي، فهل يجوز وضع سترة قصيرة، كأنه يكون طولها شبرا، وإن لم يصلح فما مقدار طولها (1) ؟
ج: اتخاذ السترة للمصلي سنة مؤكدة، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها في أسفاره، وكانت تحمل معه العنزة – وهي عصا صغيرة لها حربة – تركز أمامه عليه الصلاة والسلام، ويصلي إليها (2) » وكان المسجد الذي يصلي فيه، فيه سترة عليه الصلاة والسلام، فالسنة لكل مصل من رجل أو امرأة أن يصلي إلى سترة، ولهذا في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (3) » السنة الدنو منها، ولما صلى في الكعبة عليه الصلاة والسلام دنا من الجدار الغربي حتى لم يكن بينه وبينه إلا ثلاثة أذرع، فالسنة للمؤمن والمؤمنة اتخاذ سترة كالجدار أو السارية، أو كرسي
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (203) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الأحمر، برقم (371) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم (503) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .(9/308)
أمامه، أو ما أشبهه مما له جسم قائم، وأقل ذلك مثل مؤخرة الرحل.
قال العلماء: وهي تقارب الذراع أو ثلثي الذراع، إذا كانت السترة ثلثي الذراع أو ما يقارب ذلك كفت، إذا تيسر ذلك، وإن لم يتيسر صلى ولو إلى عصا مطروحة، أو خط كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد شيئا فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره ما مر بين يديه (1) » فالمؤمن يجتهد وهكذا المؤمنة، فإن وجد جدارا صلى إليه، أو سارية، أو كرسيا أو مركى مما يتوكأ عليه، يجعله أمامه، أو عصا لها حربة يركزها في الأرض أو ما أشبهه، يكون قائما طول الذراع، أو ثلثي الذراع، أو ما يقارب ذلك، فإن لم يتيسر جعل وسادة أمامه، أو عصا مطروحة أمامه {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) أو خطا إذا كان في الأرض كالصحراء، إذا لم يكن عنده
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7345) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصا، برقم (689) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يستر المصلي، برقم (943) .
(2) سورة التغابن الآية 16(9/309)
شيء خط خطا يكفي على الصحيح، والحديث لا بأس به كما قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، رواه ابن ماجه وأحمد وجماعة بإسناد حسن. فالحاصل أن هذا الحديث الذي فيه الخط لا بأس به على الصحيح، وهو عند الحاجة وعند عدم تيسر الجدار والعصا المنصوبة يخط خطا، وليست السترة واجبة، فلو صلى إلى غير سترة صحت صلاته، ولكن يكون ترك السنة، والسنة أن يصلي إلى سترة، وإذا مر بين السترة وبين المصلي حمار أو امرأة بالغة أو كلب أسود قطع الصلاة كما في الحديث الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته، الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (1) » وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «المرأة الحائض (2) » يعني المرأة البالغة. وهذا يدل على أن الصغيرة لا تقطع، والرجل لا يقطع، وهكذا الإبل والغنم لا تقطع، وسائر الدواب ما عدا الحمار،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه أحمد في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، برقم (3231) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، برقم (703) والنسائي في المجتبى في كتاب القبلة، باب ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة، برقم (751) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقطع الصلاة برقم (949) .(9/310)
وهكذا الكلاب كلها لا تقطع إلا الأسود، لكن لا ينبغي أن يمر شيء، بل يمنع المار بين يديه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » فإذا أراد شيء أن يمر بين يديك تدفعه، ترده ولو أنها شاة أو طفلة، ترده إذا تيسر ذلك، لكن لو مر لا يقطع لا يفسد عليك صلاتك، إلا إذا كان المار امرأة بالغة، أو حمارا أو كلبا أسود مر بين يديك قريبا منك، إذا كان أقل من ثلاثة أذرع، أو كان بينك وبينه سترة ولو كان أكثر، أما إذا مر من وراء السترة فإنه لا يضر ولو كان المار امرأة، أو كلبا أسود، أو حمارا إذا كان من وراء السترة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/311)
س: م. خميس مشيط: ما حكم وضع السترة داخل المسجد وأمام المحراب؟ وما حكم صلاة من صلى إلى غير سترة داخل المسجد؟ وهل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سترة داخل المسجد؟ آمل الإفادة وتوضيح الأحاديث الدالة على ذلك، جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (332) .(9/311)
ج: الصلاة إلى سترة سنة مؤكدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى سترة في المسجد وفي السفر تنصب له العنزة، وفي المسجد يصلي إلى السترة التي وضعت له عليه الصلاة والسلام، وهكذا الفرد يصلي إلى سترة، هذه هي السنة، أما المأموم فيكفيه سترة الإمام؛ لأنه ليس بحاجة إلى سترة المأموم سترته سترة إمامه، وهي سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (1) » أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، عن أبي سعيد رضي الله عنه، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه في بعض الأحيان «صلى إلى غير سترة (2) » كما ذكر ذلك ابن عباس وأخوه الفضل بن عباس، كما روى النسائي وغيره أنه صلى إلى غير سترة، صلى بهم إلى غير سترة، فدل على أنها ليست بواجبة، وهكذا في الصحيح عن ابن عباس «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في سفر إلى غير جدار (3) » ولم يقل: إن
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .
(2) أخرجه ابن خزيمة في جماع أبواب سترة المصلي، باب ذكر خبر روي في مرور الحمار بين يدي المصلي، برقم (841) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور، برقم (861) .(9/312)
هناك سترة، فظاهره أنه صلى إلى غير سترة، فالمقصود أن السترة سنة، ومن صلى إلى غير سترة كالإمام والمنفرد فالصلاة صحيحة، ولكن الأفضل والسنة أن يجعل أمامه سترة؛ إما جدارا، وإما كرسيا، وإما عمودا، وإما عصا ينصبها، فإن لم يجد خط خطا في الأرض.(9/313)
س: عندما أريد أن أصلي بعض النوافل في البيت فإنني قد أنسى أن أضع سترة أمامي، ولا أتذكر إلا بعد الشروع في الصلاة، ولكني أنوي أن مكان سجودي بمثابة السترة، فهل عملي هذا له أصل في الشرع (1) ؟
ج: السترة سنة، كون الإنسان يصلي إلى سترة سنة، جدار، أو سارية، أو عمود، أو شيء يركز أو صندوق، سنة مؤكدة، لكن ما حول السجود ليس بسترة، وطرف المصلي ليس بسترة، السترة شيء ينصب أمامه.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (301) .(9/313)
146 - حكم الصلاة إلى سرير عليه شخص نائم
س: هل يجوز أن أصلي أمام سرير مرتفع يكون نائما عليه أحد؟
وهل المقصود بالسترة في الصلاة هو وضع حاجز ولو بسيطا،(9/313)
ولا يبطل الصلاة ما وراءه سواء كان ماشيا أم نائما (1) ؟
ج: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (2) » وكان عليه الصلاة والسلام يصلي إلى عنزة تنصب أمامه عصا صغيرة فيها حربة تركز أمامه في الأسفار، عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (3) » وقال عليه الصلاة والسلام: يكفي المرء مثل مؤخرة الرحل إذا مر من ورائه امرأة أو كلب أو حمار فإنه لا يقطعها عليه. أو ما هذا معناه، بل لفظه عليه الصلاة والسلام: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل: يا رسول الله: ما بال الأسود من غيره؟ قال: الأسود شيطان (4) » فبين صلى الله عليه وسلم أن السترة مثل مؤخرة الرحل، ومؤخرة الرحل العود الذي يكون خلف الراكب فيما يسمى بالشداد أو المسامة التي يركب
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (166) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/314)
عليها الراكب، وهي تقارب ثلثي ذراع، أو ما يقارب الذراع، فإذا ركز أمامه عصا ولو دقيقة حول الذراع أو ثلثي الذراع كفت في السترة، أو كان أمامه سارية أو عمود أو جدار أو سرير أو كرسي كفى ذلك، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمامه عائشة على السرير مضطجعة، ولم يضر ذلك، فإذا صلى الإنسان وأمامه سرير ولو كان فيه نائم فلا بأس، يجزئه ذلك كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.(9/315)
147 - بيان مقدار المسافة التي يأثم المار بالمرور أمام المصلي فيها
س: السائل إ. من جمهورية مصر العربية يقول في سؤاله: روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث بأنه لا يجوز لنا المرور من أمام المصلي ولو نقف أربعين، فما هي المسافة التي من حق المصلي التي يجب ألا نمر أمامه فيها وينطبق عليها الحديث (1) ؟
ج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه – يعني من الإثم – لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (2) » وهو حديث صحيح، فالواجب الحذر من المرور بين يدي
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (397) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم (510) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (507) .(9/315)
المصلي إلا إذا كان أمامه سترة، تمر من وراء السترة، والسترة مثل مؤخرة الرحل، نحو ذراع أو أقل، ذراع إلا ربعا أو نحو ذلك، فإذا مررت من ورائها فلا حرج عليك، أو بعيدا عنه إذا كان ما عنده سترة، تمر أمامه بعيدا بينك وبينه ثلاثة أذرع أو أكثر بينك وبين محل قدمه، ولا تمر بينه وبين السترة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يده فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود (2) » فالواجب على المؤمن ألا يمر بين يدي أخيه وهو يصلي، وأن يحذر ما نهى الله عنه ورسوله، وعلى المصلي أن يضع سترة أمامه حتى لا يشق على إخوانه، كالكرسي يصلي إلى سارية، إلى عصا منصوبة، فإن لم يجد فيضع عصاه أمامه مطروحة بين يديه، أو يخط بين يديه إذا كان في أرض يمكن أن يخط فيها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/316)
س: سمعت من بعض الناس أنك إذا كنت تصلي ولم تجعل أمامك خطا أو حاجزا ومر أحد ولو على بعد مائة متر أو أكثر فإنه يقطع صلاتك، وأنا لم أصدق بهذا، أرجو توجيهي حول هذا الموضوع، جزاكم الله خيرا (1)
ج: السنة للمؤمن والمؤمنة وضع السترة إذا أراد أن يصلي وهو منفرد أو إمام، يضع السترة أمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (2) » أخرجه الإمام أبو داود رحمه الله بإسناد صحيح وغيره، فالسنة له أن يقرب من السترة، وأن تكون قائمة كالعصا والكرسي، أو يستقبل جدارا أو سارية تكن سترة له، هذا هو السنة، وفي لفظ آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يجد فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر بين يديه (3) » أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد حسن. لكن لو صلى إلى غير سترة فإنه لا يمر بين يديه
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (199) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .
(3) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7345) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصا، برقم (689) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يستر المصلي، برقم (943) .(9/317)
قريبا منه ولكن يمر بعيدا، إذا كان المار بعيدا أكثر من ثلاثة أذرع لا يضره ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما صلى في الكعبة جعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع، فدل ذلك على أن هذه المسافة كافية، أما إذا كان له سترة، فإنه لا يمر بين يديه وبين السترة بل من ورائها، ولكن لا يقطع الصلاة المار إلا إذا كان أحد ثلاثة: إما امرأة، أو حمار، أو كلب أسود. هذه هي التي تقطع الصلاة، صلاة الرجل والمرأة جميعا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل: يا رسول الله، ما شأن الأسود من الأصفر والأحمر؟ قال: الكلب الأسود شيطان (1) » وفي لفظ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «المرأة الحائض (2) » يعني البالغة. أما الصبية التي لم تبلغ فلا تقطع، إنما يقطع المرأة الكاملة البالغة المكلفة، إذا مرت تقطع، وهكذا الحمار، وهكذا الكلب الأسود، أما غيرهم فلا ينبغي مروره، يمنع من المرور، لكن لو مر وغلب لا يقطع الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه أحمد في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، برقم (3231) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، برقم (703) والنسائي في المجتبى في كتاب القبلة، باب ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة، برقم (751) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقطع الصلاة برقم (949) .(9/318)
وسلم خص القطع بهؤلاء الثلاثة، ومع ذلك ممنوع أن يمر بين يدي أخيه ولو كان رجلا، فالمصلي يمنع المار بين يديه سواء كان رجلا أو دابة أو صبيا أو صبية أو كلبا أو غير ذلك، ولو كانوا لا يقطعون الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان (1) » وفي لفظ آخر: «فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإذا أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (2) » الحاصل أنه يمنع المار بالتي هي أحسن، فإذا لم يتيسر بالتي هي أحسن دفعه بالقوة من غير أن يتعمد قتلا أو ضربا يضره، ولكن يدفعه بالقوة التي تشعر المار بأن المصلي عازم على رده، وقاصد دفعه بالصد والقوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فليقاتله (3) » أي فليدفعه بالقوة، لكن لا يتعمد ضربه بالسلاح، أو شيء يقتله ولكن يدفعه بالقوة حتى يرجع ولا يمر بين يديه؛ لأن الرسول أمر بهذا عليه الصلاة والسلام، والحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/319)
148 - بيان الأشياء التي يقطع مرورها أمام المصلي للصلاة
س: يقول السائل: هل مرور الإنسان أمام المصلي يقطع صلاته (1) ؟
ج: المرور لا يجوز أمام المصلي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه – يعني من الإثم – لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (2) » في بعض الروايات: «أربعين خريفا (3) » يعني أربعين عاما، وهذا يدل على أن المرور لا يجوز بين يدي المصلي، ولا بينه وبين سترته، أما قطع الصلاة ففيه تفصيل: إن كان المار امرأة أو حمارا أو كلبا أسود فالصلاة تقطع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل: يا رسول الله، ما بال الأسود من غيره؟ قال: الكلب الأسود شيطان (4) » هذه الثلاث تقطع الصلاة إذا كان المرور بين يدي المصلي قريبا منه بثلاثة أذرع، أو بينه وبين السترة التي
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (245) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم (510) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (507) .
(3) أخرجه البزار في مسنده، مسند زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، في حديث (لو يعلم المار بين يدي مصلي) برقم (3782) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/320)
أمامه إذا كانت السترة جدارا أو عمودا أو كرسيا أو عنزة – عصا – إذا مر بينه وبينها قطع صلاته الواحد من هذه الثلاثة: المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود. أما المرأة الصغيرة لا تقطع، هكذا الرجل لا يقطع، وهكذا الكلب غير الأسود لا يقطع، هكذا الهر لا يقطع، وهكذا بقية الحيوانات لا تقطع، لكن ينبغي للمصلي ألا يدع شيئا يمر بين يديه، المصلي يشرع له أن يمنع المار مطلقا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » المقصود أن السنة لمن أراد أن يصلي إذا أراد أحد أن يمر بين يديه، ولو كان مما لا يقطع، السنة أن يمنعه من المرور؛ لأنه يشوش عليه صلاته، ولو كان المار رجلا يمنع أو صغيرا، أو كان المار دابة كشاة أو بعير أو غيره يمنع إذا استطاع ذلك، لكن لو مر لا يقطع صلاته إلا إذا كان المار أحد الثلاثة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: المرأة، والحمار، والكلب الأسود. هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/321)
س: هل يجب أن أعيد الصلاة أو أقطعها إذا مر أحد أمامي مع تعذر(9/321)
وضع السترة؟ وما هو الارتفاع المعتبر للسترة؟ وما هو تقدير المسافة التي لا يأثم المار بمروره على المصلي (1) ؟
ج: أما إن كان له سترة فإنه يحرم المرور بين المصلي وبين السترة إذا وضع كرسيا أو شيئا آخر كحجر أو متكئ من المتكآت أمامه فإنه ليس لأحد أن يمر بينه وبين السترة، وإذا مر بينه وبين السترة حمار أو كلب أسود أو امرأة بالغة بطلت صلاته؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل: يا رسول الله، ما بال الأسود من الأصفر والأحمر؟ قال: الكلب الأسود شيطان (2) » رواه مسلم في الصحيح، وله شواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، والسترة تكون نحو ثلثي ذراع تقريبا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: مثل مؤخرة الرحل، إن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل.
مؤخرة الرحل: هي العود الذي يكون خلف ظهر الركاب في الشداد الذي كان يستعملونه في الإبل، وهو نحو ثلثي ذراع، فإذا كانت السترة
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (85) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/322)
نحو ثلثي ذراع أو أكثر كعصا تركز أو مركاز يجعله أمامه أو حجر كبير أو كرسي أمامه، ونحو ذلك، فإن هذا يقال له: سترة، فينبغي أن تكون قريبة منه حول موضع سجوده، والمسافة التي تكون مانعة من القطع ثلاثة أذرع، إذا كان المار أمامها وليس هناك سترة لم يقطع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى لما فتح الله عليه مكة صلى في الكعبة وجعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع، قالوا: هذا يدل على مقدار ما بين رجلي المصلي ومحل السترة، فإذا كان الذي أمام المصلي أكثر من ثلاثة أذرع ومر مار أمامه فإنه لا يقطع صلاته، ولا يحرم على المار، أما إن كان أقل من ثلاثة أذرع فإنه يقطع، يسمى مارا بين يديه، أو كان بينه وبين السترة فإنه يقطع إذا كان من الثلاثة: المرأة، الحمار، الكلب الأسود. أما إذا كان من غير الثلاثة كمرور الرجل أو مر كلب غير أسود، أو مرت دابة كإبل، شاة، بقر، ونحو ذلك، هذا لا يقطع، كلها لا تقطع لكن ما ينبغي المرور، يمنع المرور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بمنع المار، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه (1) » فالمقصود أنه يلاحظ منع المار حتى لا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/323)
يشوش عليه صلاته ولو كان غير الثلاثة، ولو كان رجلا، ولو كان بهيمة يحاول ألا تمر حتى لا تشوش عليه صلاته، وربما غلبه المار فلا يقطع صلاته، كالرجل غلبه ومر أو دابة غلبته أو صبي غلبه ومر ما يضر صلاته، صلاته صحيحة إلا إذا كان المار امرأة أو حمارا أو كلبا أسود، بينه وبين السترة أو في الثلاثة الأذرع – يعني قريبا منه – إذا لم يكن هناك سترة، هذا هو ملخص ما دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.(9/324)
149 - بيان مذهب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في مرور المرأة بين يدي المصلي
س: سماحة الشيخ، لعله من المناسب أن تتفضلوا بإيضاح ذلك الإشكال الذي أشكل على إحدى الصحابيات إن لم تكن من إحدى أمهات المؤمنين حين ما ألحقت المرأة بالكلب الأسود وبالحمار، لعل لهذا المقام مناسبة في أن توضحوا هذا لو تكرمتم (1) ؟
ج: نعم، جاء عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أنها لا ترى أن المرأة تقطع، وخفي عليها الحديث، وقالت: «بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب، كنت أضطجع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (85) .(9/324)
يصلي (1) » فظنت رضي الله عنها أن اضطجاعها مثل المرور، وليس الأمر كذلك عند أهل العلم، قال العلماء: المرور شيء واضطجاعها أمامه صلى الله عليه وسلم شيء آخر، فلو كانت المرأة مضطجعة على سريرها أو في الأرض وصلى إليها لا بأس ولا حرج فقد كان يصلي إليها وهي أمامه عليه الصلاة والسلام، لا حرج في ذلك ولا تقطع صلاته، إنما تقطع بالمرور من جانب إلى جانب، إذا مرت من جانب إلى جانب أمامه بينه وبين السترة أو في أقل من الثلاثة أذرع هذا هو محل القطع، أما الحكمة فالله أعلم ما هي الحكمة التي جعلت المرأة تلحق بالحمار والكلب الأسود؟ فالله أعلم سبحانه وتعالى، ويمكن أن يقال: إن الحكمة في ذلك أن المرأة تتعلق بها نفوس الرجال وميول الرجال وشهوات الرجال، فربما يكون مرورها سببا لتلمس نفسية المصلي وتحرك قلبه في شيء مما يتعلق بالنساء، فكان مرورها قاطعا للصلاة حتى يمنع مرورها منعا باتا حتى لا تتساهل في ذلك، متى علم أن المرور يقطع صار ذلك من أسباب منع المرور، وقطع هذه المادة، يمكن أن يقال هذا، والله أعلم، فالحكمة قد تظهر وقد لا تظهر، ولكن
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب من قال لا يقطع الصلاة شيء، برقم (484) ، مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم (794) ، والنسائي كتاب الطهارة، برقم (166) ، وأبو داود، كتاب الصلاة، برقم (610) ، وأحمد، في باقي مسند الأنصار برقم (24985) ، والدارمي، كتاب الصلاة، برقم (1377) .(9/325)
المسلمين مأمورون بأن يتلقوا أحكام الله ويقبلوها ويعملوا بها وإن لم يعرفوا حكمتها مع الإيمان بأن ربنا سبحانه حكيم عليم كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (1) ، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (2) هكذا في آيات كثيرات يعلم عباده أنه حكيم فيما يشرع من مواريث ومن صلوات وغير ذلك، كما أنه حكيم فيما يقدره على العباد من مرض أو موت أو غنى أو حرب أو سلم أو غير ذلك، هو الحكيم العليم سبحانه في كل شيء وإن لم يطلعنا على الحكمة في بعض المسائل، وإن لم نعرف الحكمة ولم تتضح لنا فعلينا أن نؤمن بأنه حكيم عليم وإن لم نعرف تلك الحكمة، كما أنه سبحانه شرع الفجر ثنتين، والمغرب ثلاثا، والظهر والعصر والعشاء أربعا، فما هي الحكمة؟ الله أعلم، لماذا جعل المغرب ثلاثا؟ ولماذا جعل الفجر ثنتين، والجمعة ثنتين؟ ولماذا جعل الظهر والعصر والعشاء أربعا؟ ولماذا جعل الصيام في رمضان لا في غيره كالمحرم وكرجب؟ ولماذا جعله شهرا بدون زيادة؟ وقد تظهر الحكمة بعدم الزيادة أنه تخفيف ورحمة من الله لكن كونه جعله في هذا
__________
(1) سورة النساء الآية 11
(2) سورة الأنعام الآية 83(9/326)
الوقت المعين بين شوال وبين شعبان الله الذي يعلم الحكمة سبحانه وتعالى، كذلك كونه شرع الزكاة في مال دون مال لحكمة بالغة قد تظهر للعباد وقد لا تظهر للعباد، إلى غير ذلك من المسائل التي قد تخفى فيها الحكمة على الناس، لكن يجب الإيمان بأنه حكيم عليم، وهكذا في المخلوقات قد يقول قائل: لماذا خلق الذباب؟ لماذا خلق الخنفساء؟ لماذا خلق العقرب؟ لماذا خلق الحية؟ لماذا خلق أشياء أخرى؟ نقول: إن ربك حكيم عليم هو الخلاق العليم وهو الحكيم العليم لحكمة بالغة خلق هذه الأشياء سبحانه وتعالى، ومن ذلك يعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه ما شاء فعل لا راد لقضائه ولا راد لأمره سبحانه وتعالى، فهكذا يقال في بقية الأمور التي تخفى حكمتها ككون المرأة تقطع الصلاة.
ليس هناك داع لمن يريدون إثارة الشبه، نحن عبيد، عبيد مأمورون، علينا أن نمتثل أمر الله، وأن نترك نهيه سبحانه وتعالى لأنه ربنا وإلهنا والمنعم علينا، وخالقنا ورازقنا وهو أعلم بمصالحنا من أنفسنا، فعلينا أن نسلم لأمره ولا نعترض، أرأيت لو كان إنسان عند مالك له من أبناء الدنيا من الناس فقال لمالكه إذا أمره: أنا لا أمتثل حتى تبين لي مقصدك من هذا الأمر. قال له سيده: هات لنا البعير الفلاني، هات لنا الإناء الفلاني، هات لنا الشاة الفلانية، هات لنا البساط الفلاني.(9/327)
إذا قال المملوك: أنا لا آتي به حتى تعلمني ما هو القصد، ما هي الحكمة. فهل يكون هذا العبد مرضيا عليه؟ وهل يكون هذا العبد أديبا؟ ليس بأديب، ولا مرضي عليه، بل ربما ضربه سيده وربما باعه بأرخص الأثمان؛ لأنه ليس بأديب، فالواجب أن يمتثل لما قاله سيده، وأن يحضر ما طلب منه إلا إذا كان شيئا يضره أو فيه معصية الله، هذا شيء آخر محل بحث لكن في الجملة الخادم والعبد يمتثل ما يستطيعه وما لا يعلم فيه معصية لله سبحانه وتعالى، فلذلك إن العبد أو الخادم لو اعترض يكون سيئ الخلق وسيئ الأدب، فكيف بالعبد مع ربه الخلاق العليم العالم بمصالح العباد، كيف يعترض؟ وكيف يقول؟ يعني بلسان حاله: أنا ما أمتثل حتى أعرف ما هي حكمة الصوم، وما هي حكمة الصلاة، وما هي حكمة مروري أمام كذا، وما هي حكمة طوافي، وما هي حكمة شربي قائما أو قاعدا، إلى غير هذا، لا، من الأدب ومن العبودية ومن القيام بالواجب أن يمتثل وألا يقف عند مراعاة الحكمة.(9/328)
150 - بيان المسافة التي يمكن أن يمر الإنسان وراءها أمام المصلي
س: سماحة الشيخ، هل يمكن معرفة مقدار قبلة الشخص التي يمكن أن يمر الإنسان بعدها (1) ؟
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (3) .(9/328)
ج: اختلف العلماء في هذا، وأحسن ما قيل في ذلك: إذا كان أبعد من ثلاثة أذرع بعد المصلي لا يضر؛ لأنه إذا أراد أن يصده يحتاج إلى خطوات؛ أي يتقدم خطوات " لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى إلى الكعبة جعل «بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع (1) » فإذا كان بعيدا عن محل المصلي ثلاثة أذرع، فإذا كان بعيدا عن محل المصلي ثلاثة أذرع فأكثر بعيدا عنه لا يضر ذلك، ولكن أولى بالمصلي أن يتخذ سترة، إذا تيسر له سترة مثل سترة السارية والجدار أو عصا يركزها، أو ما أشبه ذلك إذا تيسر له ذلك حتى ييسر على الناس المرور ولا يحرجهم، والذي يرى السترة ليس له أن يمر بينها وبين المصلي بل يمر من ورائها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ السترة لأسفاره وفي الحضر، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها (2) » فاتخاذ السترة سنة مؤكدة، والدنو منها سنة، وليست واجبة ولكنها سنة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، برقم (506) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم (697) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، برقم (954) .(9/329)
151 - مسألة في حكم المرور أمام المصلي
س: يقول السائل: ما حكم المرور من أمام المصلي يا فضيلة الشيخ (1) ؟
ج: إذا كان له سترة يكون من وراء السترة، ثم من وراء السترة، أما إن كان ما عنده سترة تبتعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، تكون بعيدا عن محل قدميه، أكثر من ثلاثة أذرع حتى لا تمر بين يديه.
__________
(1) السؤال الرابع والستون من الشريط رقم (432) .(9/330)
س: هل يجوز أن يعبر شخص أمام مصل وضع أمامه صندوقا أو خشبة صغيرة أو شيئا من هذا (1) ؟
ج: قد دلت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لا يجوز للمسلم أن يمر بين المصلي وبين سترته، فإذا كان المصلي قد وضع سترة كرسيا أو عصا أو حديدة أو وسادة أو غير ذلك لا يمر بينه وبينها، يمر من ورائها، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحدهم أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (2) »
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (198) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/330)
متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود قيل: يا رسول الله، ما بال الكلب الأسود من الأصفر والأحمر؟ قال: الكلب الأسود شيطان (1) » رواه مسلم في صحيحه. فالحاصل أنه لا يجوز للمسلم أن يمر بين يدي المصلي وسترته، يقول صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (2) » وهذا يدل على عظيم الجريمة في المرور بين يدي المصلي، وإذا كان ليس له سترة لا يمر بين يديه قريبا منه، ولكن يمر بعيدا لا بأس، أما إذا كان له سترة فإنه لا يمر بينه وبينها بل يمر من ورائها أو من ورائه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم (510) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (507) .(9/331)
152 - حكم صلاة من مر أمامه رجل
س: إذا مر بين يديك رجل وأنت في أثناء الصلاة فهل تبطل صلاتك (1) ؟
ج: لا تبطل بمرور الرجل، مرور الرجل لا يبطل الصلاة، إنما يبطلها
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (326) .(9/331)
أحد ثلاثة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته: الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (1) » أما إذا كان بين يديه سترة كعنزة - عصا – مركوزة أو عمود أمامه أو كرسي أمامه، أو شبه ذلك، ومر وراءها – امرأة أو حمار أو كلب أسود – فإنه لا يضر، وهكذا لو مر بعيدا منه ليس بين يديه وهو بعيد أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يقطع الصلاة، أما الرجل فلا يقطع، وهكذا الكلب غير الأسود، وهكذا البعير والغنم لا تقطع، إنما يقطع هؤلاء الثلاثة: المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود. كما جاءت السنة في ذلك، ولكن لا ينبغي أن يمر بين يدي المصلي أحد، يمنع المار لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإذا أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (2) » ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (3) » فالمقصود أن المصلي يمنع المار، ولو
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم (510) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (507) .(9/332)
كان حيوانا يمنعه إن استطاع، ولكن لا يقطع صلاته إلا أحد ثلاثة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، لكن يمنع الرجل أن يمر، يمنع الصبي أن يمر، يمنع العنز أن تمر، وهكذا إن استطاع ذلك للحديث الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) »
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/333)
س: عندما يصلي الإنسان ويمر من أمامه شخص آخر هل تنقطع صلاة المصلي في غير الحرمين (1) ؟
ج: هذا فيه تفصيل: إن كان المار بين يديه أو بينه وبين السترة المرأة أو حمار أو كلب أسود انقطعت الصلاة، بطلت الصلاة فرضا أو نفلا، إذا كان المار بينه وبين السترة، وإذا كان يصلي إلى جدار أو إلى كرسي أو إلى سترة أخرى، ثم مر بينه وبينها حمار أو كلب أسود أو امرأة بطلت صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (2) »
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (321) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/333)
وهكذا إذا مرت بين يديه قريبة منه المرأة أو الحمار أو الكلب الأسود، إذا لم يكن عنده سترة، إذا مرت المرأة أو مر الحمار أو الكلب الأسود بين يديه في حدود بالقرب من قدمه فإنها تبطل صلاته، أما إن كان بعيدا جدا، مرت بعيدا جدا، المرأة إذا مرت وليس هناك سترة فإن الصلاة صحيحة، أو كان المار وراء السترة؛ أي من خلفها، يعتقد أن المار من ورائها فالصلاة صحيحة والحمد لله، أما إن كان المار غير الثلاثة، مر رجل أو كلب غير أسود أو شاة أو ما أشبه ذلك، غير الثلاثة فالصلاة صحيحة، وإن كان ينقص ثواب هذا لكن الصلاة صحيحة، والحمد لله.(9/334)
153 - حكم مرور الطفل من بين يدي المصلي
س: المرسل م. ع. ش يقول: هل يجب على المصلي أن يمنع مرور الطفل من بين يديه في الصلاة (1) ؟
ج: نعم، لا يدع شيئا يمر عليه، يمنعه إذا تيسر ذلك، فإن غلبه فلا شيء عليه، لكن يمنعه، إذا أراد الطفل أو الدابة من الغنم أو نحو ذلك يمنعه إذا تيسر ذلك، وإن غلبه ذلك فصلاته صحيحة، ولا يقطعها إلا ثلاثة: المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود. إذا مر واحد من هذه
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (346) .(9/334)
الثلاثة بينه وبين سترته أو قريبا منه نحو ثلاثة أذرع فأقل قطع عليه صلاته، أما إن كان بعيدا منه فوق ثلاثة أذرع، أو كان وراء السترة فإنه لا يقطع عليه الصلاة، أما غير الثلاثة فإنه يمنع لكن لا يقطع الصلاة، مثل البعير أو الشاة أو الطفل أو الكلب غير الأسود، لكن إذا أمكنه يمنعه أو يدفعه، فإنه يمنعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » هذا عام، أمر به صلى الله عليه وسلم بدفع المار سواء أكان المار قاطعا أم ليس قاطعا، السنة والمشروع أن يدافعه ويمنعه من المرور بالتي هي أحسن، فإن غلبه فصلاته صحيحة، إلا إذا كان المار كلبا أسود، أو حمارا، أو امرأة مكلفة بالغة؛ فإن أي واحدة من هذه الثلاث تقطع بنص النبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/335)
154 - حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام
س: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام؟ وهل الحديث خاص في المسجد الحرام أم يشمل مكة ومساجدها؟ وهل يأثم من مر بين يدي المصلي من غير قصد وليس متعمدا (1) ؟
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (8) .(9/335)
ج: أما المسجد الحرام الذي حول الكعبة فالمعروف عند أهل العلم أنه لا حرج في المرور بين اليدين للحاجة؛ لأنه في الغالب توجد الزحمة فيه، ومظنة عدم تيسر السترة والسلامة من المار، فالأمر فيه واسع، وهكذا عند الازدحامات في المسجد النبوي وغيرها من المساجد إذا ازدحم الناس وتكاثر الناس ولم يتيسر للمسلم المرور إلا بين أيدي المصلين، فالظاهر – والله أعلم – أنه لا حرج في ذلك للضرورة والمشقة الكبيرة، وينبغي للمصلي أن يتحرى المكان الذي ليس فيه تعرض للمرور بين يديه في لزوم السواري التي في المسجد وأشباهها حتى يكون بعيدا عن المرور بين يديه. أما مساجد مكة وأرضها فالظاهر أنها كغيرها، ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح جعل أمامه عنزة، وصلى إلى عنزة عليه الصلاة والسلام، وهو في الأبطح بمكة لا في المسجد الحرام، فدل ذلك على أن المسجد الحرام مثل غيره في اتخاذ السترة – يعني بقية الحرم – لأن الحرم كله يسمى المسجد الحرام، لكن ما كان حول الكعبة فالأمر فيه أوسع وأسهل للزحمة غالبا، لما جاء في ذلك من الآثار عن بعض الصحابة في عدم توقي مرور الناس؛ لأنه موضع زحمة في الغالب، ومظنة عدم القدرة على السلامة من المار؛ ولأن في السترة ورد الناس(9/336)
مشقة على الطائفين، وعلى غير الطائفين، فالأولى والأقرب والأرجح أنه لا حرج في ذلك إن شاء الله، ولا لزوم للسترة، لكن في بقية مكة بقية الحرم ويسمى المسجد الحرام ينبغي اتخاذ السترة ومنع المار كما اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح عليه الصلاة والسلام.(9/337)
155 - بيان درجة حديث: يقطع صلاة المسلم المرأة والحمار والكلب الأسود
س: سمعت من أحد العلماء أن هناك ثلاثة أشياء تبطل الصلاة وهي: مرور الكلب الأسود أمام المصلي، ومرور المرأة الحائض، وأيضا الحمار، فهل هذا الكلام صحيح، مع الدليل إذا كان صحيحا (1) ؟
ج: نعم صحيح، روى مسلم في صحيحه رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود (2) » وفي لفظ آخر: «يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب (3) » أخرجه مسلم في
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (58) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (511) .(9/337)
الصحيح، وأخرجه أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليس فيه ذكر الأسود، ولكن قاعدة الشرع أن الحديث المطلق يقيد بالمقيد، فقد قال له أبو ذر: يا رسول الله، ما بال الأسود من الأحمر والأصفر؟ قال: «الكلب الأسود شيطان (1) » فبين صلى الله عليه وسلم أنه شيطان جنسه، وأن الأسود شيطان جنس الكلاب، فيقطع الصلاة دون بقية الكلاب، والحمار كذلك مطلقا، وأما المرأة فجاء في حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي بسند جيد تقييدها بالحائض فتكون رواية ابن عباس مقيدة لرواية أبي ذر وأبي هريرة، وأنها المرأة البالغة – يعني التي قد بلغت المحيض – مثل ما في الحديث الآخر، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة المرأة الحائض إلا بخمار (2) » فالحائض لها شأن، وهي التي قد بلغت الحلم، وصارت محل الشهوة للرجال، فالصغيرة لا تقطع الصلاة، وإنما تقطعها المرأة التامة البالغة التي قد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (24641) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار، برقم (641) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار، برقم (377) وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار برقم (655) .(9/338)
بلغت المحيض، هذه الثلاث تقطع الصلاة، وقد أشكل هذا على عائشة رضي الله عنها، وقالت: «بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب. لقد كنت أعترض بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على السرير وهو يصلي (1) » . وهذا الذي قالته رضي الله عنها حسب اجتهادها مع كونها من أفقه النساء، ولكن يخفى عليها أشياء، وهذا مما خفي عليها، فإن كونها على السرير كونها مضجعة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمرور: المرور هو الذي يقطع، أما كونها مضجعة أمام المصلي أو جالسة أمام المصلي هذا ليس بمرور ولا يقطع الصلاة، وإنما الذي يقطع هو المرور، فعائشة رضي الله عنها خفي عليها هذا الأمر، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم مقدم عليها، وعلى غيرها، هو المشرع والمعلم عليه الصلاة والسلام، فالواجب طاعة أمره واتباع شريعته، وإفهام النساء وغير النساء مراده عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب من قال لا يقطع الصلاة شيء، برقم (484) ، مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم (794) ، والنسائي كتاب الطهارة، برقم (166) ، وأبو داود، كتاب الصلاة، برقم (610) ، وأحمد، في باقي مسند الأنصار برقم (24985) ، والدارمي، كتاب الصلاة، برقم (1377) .(9/339)
156 - مسألة في عدم الفرق بين المحارم وغيرهم في قطع مرور المرأة للصلاة
س: هل هناك فرق بين المرأة إذا مرت أمام محرمها، أو إذا مرت المرأة أمام رجل يصلي وهو من غير محارمها (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشرط رقم (58) .(9/339)
ج: لا فرق في ذلك إذا مرت المرأة بين يدي المصلي سواء كان المصلي محرما لها أو أجنبيا أو امرأة أيضا، حتى ولو كانت امرأة، إذا مر الحمار والمرأة والكلب بين يدي المصلي، رجلا أو امرأة، قريبا أو بعيدا، زوجا أو غير زوج كلهم، فالحديث عام يعم الجميع.(9/340)
157 - بيان حكم قطع المرأة للصلاة إذا مرت أمام المصلي في الحرم
س: من المعلوم أن المرأة البالغة إذا مرت أمام المصلي وهو في صلاته أنها تقطع الصلاة، لكن ما هو الحكم إذا وقع ذلك في الحرم سواء كان في الحرم المكي أو الحرم المدني؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا وقع ذلك في الحرم المكي فإنها لا تقطع، وهذه خصوصية للحرم، قد جاء في الأدلة ما يدل على ذلك، ومن أسباب ذلك أنه في الغالب مظنة الزحام، وعدم القدرة على رد المار، ومن رحمة الله جل وعلا أن أسقط هذا الحكم في ذلك، ويلحق بذلك الزحام الشديد في أي مكان، سواء كان في الحرم المدني، أو غيره إذا كان زحاما شديدا لا يستطيع المصلي أن يمنع المار، فإن الحكم واحد في هذا، وهذا هو الصواب؛ لأنه
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (284) .(9/340)
عاجز، ولا يستطيع منع المار بين يديه، أما إذا كان هناك قدرة، ولكنه فرط وتساهل فإن المرأة البالغة تقطع إذا كانت قريبة منه، والحمار، والكلب الأسود، ثلاثة، هكذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود (1) » - وفي رواية أخرى: «الحائض (2) » أما إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل، ذراع أو حول الذراع، منتصب أو جدار أو سارية أو كرسي أو نحو ذلك، ومرت من ورائه لا تقطع، أو بعيدا عن موضع قدمه أكثر من ثلاثة أذرع هذا لا يقطع؛ لأن الرسول قال: «بين يديه (3) » والذي قدامه بعيد أكثر من ثلاثة أذرع، ليس بين يديه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(2) أخرجه أحمد في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، برقم (3231) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، برقم (703) والنسائي في المجتبى في كتاب القبلة، باب ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة، برقم (751) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقطع الصلاة برقم (949) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/341)
158 - حكم مرور المرأة من خلف سترة المصلي
س: لقد استمعت إلى الحلقة المقدمة من هذا البرنامج حيث تكرم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز بالإجابة على أسئلة المستمعين، وكان من ضمن إجاباته عن أحد الأسئلة عن مرور الكلب(9/341)
الأسود والمرأة من أمام المصلي، ثم ذكر أن ذلك يقطع الصلاة، أرجو منكم التكرم بسؤال فضيلة الشيخ بطبيعة هذا المرور، هل إذا صلى الرجل واضعا سترة أمامه، ومرت المرأة من خلف السترة هل يجب عليه أن يعيد الصلاة؟ ثم ما حكم مرور النساء أمام الرجال في أوقات الزحام ولا سيما في الحرمين؟ أرجو التفضل بالإجابة ولكم الشكر (1)
ج: قد سبق في هذا البرنامج غير مرة بيان حكم المرور بين يدي المصلي، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وخرج معناه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، لكن بدون ذكر الأسود، وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وجماعة من حديث ابن عباس مرفوعا، وذكر فيه قيد «المرأة (3) » بالحائض فتلخص من هذه الأحاديث
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (61) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/342)
وما جاء في معناها أن الذي يقطع الصلاة واحد من هذه الثلاثة: المرأة البالغة وهي التي حاضت، وهي التي بلغت الحلم بخلاف الصغيرة، والحمار مطلقا بجميع أنواعه، وهو الحمار الأهلي الذي يستعمله الناس سابقا في جذب الماء والركوب والتحميل، والثالث الكلب الأسود، قيل: يا رسول الله، ما بال الأحمر والأصفر من الأسود؟ قال: «إن الكلب الأسود شيطان (1) » فدل هذا على أن ذلك مختص بهذه الثلاث، وأنها إذا مرت بين المصلي وبين سترته قطعت عليه صلاته سواء كان نافلة أو فريضة، إذا كان مرورها بين الرجل أو المرأة وبين السترة، وأما إذا كان مرورها وراء السترة من أمامها من جهة القبلة فإنها لا تقطع، إذا مرت هذه الثلاثة أمام السترة فإنها لا تقطع، وإنما تقطع إذا كانت بينه وبين السترة من داخل فإنها تقطع عليه صلاته، وهكذا لو مرت بعيدة إذا كان ما عنده سترة، مرت بعيدة عنه فوق ثلاثة أذرع من قدمه فإنها لا تقطع وإنما تقطع في حدود ثلاثة أذرع فأقل من قدم المصلي إذا لم يكن لديه سترة، وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، وفي المسألة خلاف لبعض أهل العلم يقول: إنها لا تقطع إنما تقطع الكمال فقط، والصلاة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/343)
صحيحة لكنه قول ضعيف، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واضح في أنها تقطع، والأصل أنها تقطع – أي تبطل – هذا هو الصواب، وهذا هو المعتمد، أما في حال الزحام الذي لا حيلة للمصلي كما يقع في المسجد الحرام فإنها لا تقطع مرور المرأة في المسجد الحرام بين الناس في المطاف وغيره، لا تقطع عند عامة أهل العلم، وحكاه بعض أهل العلم إجماعا؛ لأن التحرز من ذلك فيه صعوبة، وغير ممكن في الأغلب، وهذا من رحمة الله عز وجل أن مرور النساء في المسجد الحرام وفي المطاف أو في غيره لا يقطع، هذا هو الصواب، وقد حكاه بعض أهل العلم إجماعا، والحكمة في ذلك واضحة، وهي أن التحرز من ذلك متعسر أو متعذر، فمن رحمة الله أن رفع هذا الحكم، وقد جاء في بعض الأحاديث التي فيها بعض المقال، وفعل بعض الصحابة ذلك، أن ابن الزبير يصلي والنساء أمامه في المطاف ولا يتأثر بذلك، لعلمه بأنهن لا يقطعن، والله ولي التوفيق.(9/344)
159 - حكم مرور الكلب غير الأسود أمام المصلي
س: السائل أ. ع. من الرياض يقول في سؤاله: إذا صلى شخص في البر أو الصحراء ومر من أمامه كلب لكنه ليس بأسود اللون بل(9/344)
أي لون آخر، فهل في هذه الحالة تبطل الصلاة أم لا (1) ؟
ج: لا تبطل إلا بالكلب الأسود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:. . . «فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل: يا رسول الله، ما بال الأسود من غيره؟ قال: لأنه شيطان (2) » لكن لا يدعه يمر، يمنعه من المرور إذا تيسر حتى لا يمر بين يديه، إذا تيسر يتقدم حتى يمر من خلفه حتى لا يقطع صلاته، ولا يدع الشيء يمر من غير الثلاثة، كالرجل أو الكلب غير الأسود، لا يدع شيئا يمر، إذا تيسر يمنع المار لأنه يشوش عليه صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (3) » المقصود أن الإنسان إذا صلى إلى شيء المشروع له أن لا يدع أحدا يمر بين يديه مطلقا، لكن إذا مر بين يديه أحد الثلاثة: الكلب الأسود، أو الحمار، أو امرأة بالغة، قطعوا صلاته إلا إذا كانوا بعيدا أو من وراء السترة أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يقطع.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (386) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/345)
س: هل بينت الحكمة كما بينت في الكلب سماحة الشيخ؟ لعلنا نبحث هذا الموضوع لا سيما أن الكثيرين يسألون عنه (1) ؟
ج: ما أذكر شيئا في هذا، والقاعدة التي عليها أهل العلم تلقي ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بصدر منشرح بصدر رحب سواء علمنا الحكمة أم لم نعلم الحكمة؛ لأننا نقطع ونجزم أن ربنا حكيم عليم، وأنه لا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا عن حكمة، فقد تظهر للمؤمن وتظهر لطالب العلم، وقد تخفى، وقد يخفى بعضها ويظهر بعضها، فمن ظهرت له الحكمة فهذا نور على نور، فضل من الله، وإن لم تظهر الحكمة فليس له أن يعترض بل عليه أن يتبع وأن يلتزم بأمر الله، ولا يقول: وما الحكمة؟ فهذه الصلاة الآن الظهر أربع، والعشاء أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، وقد يتنازع الناس في الحكمة، ما هي الحكمة في هذا؟ وربك هو الحكيم العليم سبحانه وتعالى، وإذا قال أحد: إن الظهر أو العصر أو العشاء وقت مناسب للطول فقد يقول آخر: الفجر أنشط وأقوى في حق من نام مبكرا، فهو أنشط على أن يصلي أربعا الفجر، وأنشط أن يصلي صلاة المغرب ثلاثا
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (58) .(9/346)
إذا كان مستريحا العصر أو مستريحا الظهر والعصر، فالحاصل أن هذا لا ينبغي أن يعترض به، بل علينا التسليم والانقياد، وطاعة الله ورسوله في ذلك، وهكذا في الصيام، قد يقول قائل: ما الحكمة في جعل صيام رمضان ثلاثين يوما في الشتاء والصيف، في الشتاء برد ولا فيه مشقة، في القيظ فيه مشقة، لو جعل في القيظ خمس عشرة وفي الشتاء ثلاثين، كل هذه تخرصات، ليس للعبد أن يقولها، بل عليه أن يرضى ويسلم، ويقبل شرع الله، وهكذا في الحج قد يقع في وقت الشتاء، وقد يقع في وقت الصيف، وفيه مشاق، ومع هذا الله نظمه في وقت معين سبحانه وتعالى، فعلينا أن نتبع ونسلم لأمر الله، ونخضع لحكمه سبحانه، وإذا تبين لنا شيء من الحكم فهذا فضل منه سبحانه وتعالى.(9/347)
160 - حكم مد اليد أمام المصلي للسلام على من بجواره
س: السائل عبد الله أ. أ. يقول: أصلي النافلة أحيانا، ويحدث أن يسلم الرجل الجالس عن يميني على الرجل الجالس على يساري وأنا في صلاتي، فهل يقطع ذلك الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (409) .(9/347)
ج: لا يضر، لا، هذا في المرور، أما كونه يمد يده لأخيه والآخر يمد يده لا يضر، لا حرج في هذا.(9/348)
س: مستمعة تسأل وتقول: عندما أقوم للصلاة تأتي بنتي عمرها ثلاث سنوات، وأخوها وعمره سنة ونصف، ويقومون بحركات الأطفال المعتادة، فكيف أتصرف معهم، وهل صلاتي صحيحة عندما يمرون من أمامي ومن حولي (1) ؟
ج: الصلاة صحيحة، وإذا تيسر منع الأطفال فهو المطلوب، هو المشروع، إذا المشروع أن تمنع أن يمر أحدهم بين يديك، سواء كان طفلا أو بهيمة أو غير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (2) » المقصود إذا تيسر منع الطفل أو الدابة فعليك أن تمنع ذلك حسب طاقتك، وإذا غلبك أولئك فلا حرج عليك إلا أن يكون المار امرأة أو حمارا أو كلبا أسود فإنه يقطع الصلاة هذه الثلاث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة المرء المسلم إذا
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (297) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، برقم (509) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم (505) .(9/348)
لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود (1) » رواه مسلم في الصحيح، أما غير هذه الثلاث فلا يقطع، لكن ينقص الأجر، إذا مر رجل ينقص الأجر، أو مر طفل ينقص الأجر إذا لم تمنعه وأنت تستطيع، أو دابة غير الكلب الأسود ينقص الأجر، لكن لا يقطع إلا هذه الثلاث، هي التي تقطع الصلاة: المرأة إن كانت تامة، والحمار، والكلب الأسود، أما الطفلة دون البلوغ فلا تقطع الصلاة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم (510) .(9/349)
س: السائلة تقول: عندما أقف للصلاة يقف أولادي الصغار أمامي وأنا أصلي، هل تبطل صلاتي وهم صغار سنتين وثلاثة أشهر تقريبا (1) ؟
ج: لا، لا حرج عليك، لا تبطل صلاتك ولكن تؤخرينهم تفرقينهم عن أمامك؛ يعني تشيرين إليهم أن يتأخروا عنك حتى لا يشوشوا عليك وإلا صلاتك صحيحة، إذا وقف الأطفال الصغار أمامك لا يضرك لكن فرقيهم أو دعي من يفرقهم من أخواتهم الكبيرات أو إخوانهم الكبار أو غيرهم ممن عندك في البيت يلاحظونهم حتى يؤخروهم عنك حتى
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (366) .(9/349)
يزيلوهم عن قبلتك حتى لا يشوشوا عليك صلاتك، والصلاة صحيحة.(9/350)
161 - حكم استعمال السواك خلال الوقوف للصلاة
س: الأخ أ. ح. أ، من الطائف، مستشفى الملك فيصل، يقول: لاحظت بعض الإخوة المصلين يستعملون السواك خلال وقوفهم للصلوات، ما حكم التسوك في مثل هذا الموضع؟ أليس من المستحب التسوك قبل الصلاة وقبل الوضوء (1) ؟
ج: يستحب السواك عند الوضوء عند المضمضة، ويستحب السواك أيضا عند الدخول في الصلاة قبل أن يكبر للإحرام يستاك ثم يكبر، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (2) » وفي اللفظ الآخر: «مع كل صلاة (3) » فدل ذلك على أنه يستحب السواك عند
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (170) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7364) ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك برقم (148) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة برقم (887) ومسلم في كتاب الصلاة، باب السواك برقم (252) .(9/350)
الوضوء وعند الصلاة فرضا ونفلا.(9/351)
162. حكم استعمال السواك مع خروج دم حول الأسنان
س: يقول السائل: إنني أستعمل السواك عند كل صلاة لكن ألاحظ أنه يخرج من أسناني دم في بعض الأحيان، هل يؤثر ذلك على الوضوء والصلاة؟ (1)
ج: السواك سنة وقربة للرجال والنساء جميعا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب (2) » رواه النسائي. ويقول صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (3) » ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (4) » وتقول عائشة رضي الله عنها:
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (315) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (23683) ، والنسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم (5) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب السواك، برقم (289) .
(3) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7364) ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك برقم (148) .
(4) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7364) ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك برقم (148) .(9/351)
«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المنزل بدأ بالسواك (1) » عليه الصلاة والسلام، فالسواك سنة دائما وسنة عند الوضوء، وعند الصلاة، ونوصي الجميع باستعماله، هو من الأراك أطيب من غيره، ويختار من السواك اللين الذي لا يتفتت ويتقطع في فمه، ويحرص على النوع الطيب، فيدلك به الأسنان، وهو لا يتفتت، هذا هو السواك الطيب، وإن خرج شيء من الدم من الأسنان أو غيره لا يضر، الشيء اليسير يعفى عنه، فإن كان كثيرا يتمضمض ويغسل ما خرج، أما إن كان قليلا فالقليل يعفى عنه، فقد يقع هذا، والحمد لله. وإذا كان كثيرا جدا يعيد الوضوء، هذا أحوط، فيه اختلاف بين العلماء، وتعريف القليل: هو القليل عرفا، يعفى عنه، أما الذي يعده في نفسه كثيرا فإنه يتمضمض منه، ويتوضأ إن تيسر احتياطا خروجا من الخلاف بين العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يربيك (2) » وقوله: «ومن اتقى
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (253) .
(2) أخرجه في مسند أهل البيت، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، برقم (278119) ، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، برقم (2518) ، والنسائي في كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، برقم (571) .(9/352)
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (1) » لأن العلماء يقولون: إذا خرج الدم الكثير فإنه ينتقض الوضوء. ويحتجون بحديث المستحاضة التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «توضئي لكل صلاة (2) » لكن حديث المستحاضة في خروج الدم من الفرج، وهذا بلا خلاف، لكن الخلاف إذا خرج الدم من الرجل، من الرأس، من الفم، هذا محل الخلاف، من توضأ فهذا أحوط إذا كان الدم كثيرا ومن لم يتوضأ فنرجو أن طهوره صحيح، وإذا توضأ فهو أحوط وأحسن، أما الشيء اليسير، جرح يسير أو من الأسنان أو من الأنف هذا يسير يعفى عنه، والحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (2599) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب غسل الدم، برقم (228) .(9/353)
163. حكم الصلاة بالنعال
س: يقول الله تعالى مخاطبا نبيه موسى عليه السلام {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} (1) هل الأمر هنا تعظيم لله أم تعظيم للوادي المقدس؟ فإذا كان تعظيما لله فكيف يجوز
__________
(1) سورة طه الآية 12(9/353)
للمسلم أن يقف في الصلاة بين يدي ربه وهو لابس نعليه؟ (1)
ج: هذا شيء يتعلق بشريعة موسى حين أمره الله أن يخلع نعليه، ظاهره أن الوادي المقدس لا يطؤه بنعليه، ويحتمل أنهما نعلان فيهما شيء من القذر أو لأسباب أخرى، وقد أمر الله سبحانه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخلع نعليه في الصلاة، فقد جاء جبرائيل وقد صف في الصلاة فكبر، فأمره أن يخلع نعليه، فخلعهما، فلما سلم قال للصحابة: «إن جبرائيل أتاني أخبرني أن فيهما قذرا أو قال أذى فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما قذرا -أو قال أذى- فليمسحهما، وليصل فيهما (2) » وكان يصلي في نعليه عليه الصلاة والسلام، فشريعة موسى تخصه وليست شريعة لنا، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (3) أما شريعتنا فإنها تبيح لنا الصلاة في النعلين والخفين كما صلى فيهما النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذلك
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (53) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم (11467) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (650) .
(3) سورة المائدة الآية 48(9/354)
سنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم (1) » فالسنة لنا أن نخالف اليهود في ذلك، وأن نتبع محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكان يصلي في نعليه، ولهذا يشرع لنا أن نصلي في نعلينا وخفينا إذا كانا نظيفين، فعلى المسلم عند إتيان المسجد أن يلاحظ نعليه وخفيه حتى لا يدخل بهما وبهما قذر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره جبرائيل فخلعهما، وإذا كانا نظيفين وليس بهما شيء فلا حرج أن يصلي فيهما في المسجد، إذا كان حصباء أو ترابا، أما إذا كان مفروشا فلا بأس، لكن إذا خلعهما احتياطا لئلا يكون فيهما تراب كثير يوسخ المسجد أو يكدر المصلين فهذا حسن، وليس بلازم، وأما الخفان فلا، إذا كان قد مسح عليهما لا يخلعهما، يصلي فيهما؛ لأنه إذا خلعهما بطل الوضوء، فإذا كان عليه خفان قد مسح عليهما للطهارة فلا يخلعهما بل يصلي فيهما، لكن لا يدخل حتى ينظر فيهما ويزيل ما بهما من أذى إن كان هناك أذى حتى لا يدخل بهما إلا وهما نظيفان، أما النعل فأمرها أسهل، فيمكن خلعها
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (652) ، وابن حبان في صححيه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالصلاة في الخفاف والنعال؛ إذ أهل الكتاب لا يفعلونه، برقم (2186) .(9/355)
لأن النعل لا يمسح عليها، فإذا جاء على الطهارة وعليه نعلان إن شاء خلعهما في المساجد المفروشة، وإن شاء تركهما، وإن خلعهما من أجل مراعاة الناس لئلا يستنكروا منه، أو لئلا يتكلموا عليه أو لئلا يكون فيهما تراب يوسخ الفرش من باب التحري في الخير، ومن باب البعد عن التشويش فذاك حسن، وإلا فالأصل مع من قال بالصلاة بهما ولو كان المسجد مفروشا، إذا كانت النعلان نظيفتين فلا بأس بذلك؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولقوله عليه السلام ولكن مراعاة للناس اليوم في المساجد المفروشة، إذا راعى الناس وخلعهما خوفا أن يكون هناك تراب أو أوساخ ما فطن لها أو أن الناس يستنكرون منه ذلك، وربما تكلموا عليه وجهلوه جهلا منهم، فاتقى القالة وجعلهما في مكان آخر فهذا لا بأس به إن شاء الله مراعاة لأمور الناس اليوم، واتقاء لما يقع من بعضهم من الجهل والكلام الذي لا يناسب، والله أعلم.(9/356)
164. حكم الصلاة في النعال والخفاف في المساجد المفروشة
س: لدي إشكال حول موضوع الصلاة في الحذاء سماحة الشيخ، وأرجو التوجيه لو تكرمتم. (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (170) .(9/356)
ج: الصلاة في الحذاء مشروعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه كما في الصحيحين عن أنس قال: كان النبي يصلي في نعليه عليه الصلاة والسلام، فإذا صلى في نعليه وهما نظيفتان لا حرج في ذلك، وقد صلى ذات يوم عليه الصلاة والسلام في نعليه، فجاءه جبرائيل وأخبره أن بهما قذرا فخلعهما، فخلع الناس نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: «إن جبريل أتاني فقال: إن بهما قذرا. فخلعتهما، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه أذى فليمسحه، ثم يصل فيهما (1) » وفي لفظ آخر: (فليقلب نعليه) ، فإن رأى فيهما أذى فليمسحه، ثم يصل فيهما) وهو حديث صحيح، ويدل على أن الأفضل الصلاة في النعال والخفاف، وهكذا حديث: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم (2) » وهو يدل على شرعية الصلاة في النعال، لكن إذا كان المسجد مفروشا ويخشى أن يقذره، لأن بعض الناس لا يبالي ولا ينظر في نعليه، فإذا خلعهما وصلى حافيا حتى لا يوسخ الفرش، وحتى لا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين مسند أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه برقم 11467.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (652) ، وابن حبان في صححيه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالصلاة في الخفاف والنعال؛ إذ أهل الكتاب لا يفعلونه، برقم (2186) .(9/357)
ينفر الناس من الصلاة في المسجد فهذا لعله أحسن إن شاء الله من باب رعاية المصالح، وعدم تنفير الناس من المساجد، ونظرا إلى أن أكثر الناس إلا من شاء ربك لا يهتم بالنعلين ولا يحرص على سلامتهما، فإذا جعل نعليه في مكان خاص حتى يصلي أو جعلهما بين رجليه حتى يصلي فلا بأس بذلك، ولعل هذا أصلح إن شاء الله حرصا على سلامة المساجد وحرصا أيضا على عدم تنفير المصلين، فإن كثيرا من الناس قد ينفر من المساجد إذا رآها توطأ بالنعال، لأن الفرش تتأثر بأقل شيء بخلاف ما لو كان المسجد من الحصباء والرمل، فإنه لا يتأثر كثيرا، والأمر واسع كما كان الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم.(9/358)
س: يقول السائل: رأيت في جريدة اللواء الإسلامي أنه يمكن الصلاة بالنعلين علما بأن الإنسان يمكن أن يمر ويقف على الأوساخ والنجاسات، فما رأيكم؟ جزاكم الله خيرا حول هذا الموضوع. (1)
ج: قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي في نعليه، وصلى مرة فجاءه جبرائيل فأخبره أن بهما قذرا، فخلعهما
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (120) .(9/358)
وجعلهما في يساره، واستمر في صلاته عليه الصلاة والسلام، فلما سلم قال للناس؛ لأن الناس لما رأوه خلع خلعوا، قال: (لماذا خلعتم نعالكم؟) قالوا: يا رسول الله، رأيناك خلعت نعليك فخلعنا. فقال: «إن جبرائيل أتاني أخبرني بأن فيهما قذرا، أو قال أذى فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذرا أو قال أذى فليمسحهما وليصل فيهما (1) » فهذا هو الدليل وما جاء في معناه على شرعية الصلاة في النعلين، وأنهما يصلى فيهما إذا كانتا نظيفتين، فالواجب على المؤمن إذا أراد دخول المسجد وعليه النعلان فلينظر فيهما، ويتأكد من سلامتهما من الأذى، فإذا كانتا سليمتين من الأذى صلى فيهما، بل يشرع الصلاة فيهما كما صلى فيهما النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم من الرمل والحصى، وليس مفروشا، أما الآن بعدما فرشت المساجد وصارت بها الفرش التي تتأثر بالنعال، وما يكون فيها من التراب، وربما قذر ذلك على المصلين ونفرهم من الصلاة فيها فالأولى فيما نعتقد أن يخلعهما، ويجعلهما في مكان حتى يصلي، حتى لا يتأثر بذلك المصلون، وحتى لا تتأثر الفرش
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين مسند أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه برقم 11467.(9/359)
التي في المساجد، وهذا من باب ترك المستحب خوفا مما هو أشد من ذلك، فالصلاة فيهما مستحبة في أرجح القولين إذا كانتا نظيفتين، لكن قد يترتب على الصلاة فيهما مع الفرش ما هو أشد من ذلك وما هو أخطر من ذلك وهو تقذير الفرش، وتنفير المصلين لا سيما وأكثر الناس لا يبالي بالنعلين ولا يتفقدهما ولا يعتني بهما، أكثر الناس والعامة لا يعتنون بهذا الأمر، وإذا رأوا زيدا وعمرا دخل بنعليه دخلوا ولم يبالوا، فأفضى هذا إلى شر كثير، وقاعدة الشرع المطهر سد الذرائع، فالذي نوصي به هو عدم الصلاة فيهما، في المساجد التي فيها فرش؛ لأنها قد تتقذر بذلك، ولأن أكثر الناس لا يبالي بنعليه وبما فيهما من الأذى، ولهذا قد يسبب مشكلات كثيرة، وتقذيرا للفرش وتنفيرا للمصلين من الصلاة في الجماعة، وهذا أمر لا يحبه الله ولا يرضاه من المؤمن.(9/360)
س: هل تجوز الصلاة في الأحذية؟ أجلكم الله. (1)
ج: نعم، بل مستحبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه عليه الصلاة والسلام، وأمر بالصلاة في النعلين، وأمر بمخالفة اليهود، قال: «فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم (2) » لكن بعد
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط في ص (286) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (652) ، وابن حبان في صححيه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالصلاة في الخفاف والنعال؛ إذ أهل الكتاب لا يفعلونه، برقم (2186) .(9/360)
أن ينظر فيها قبل الدخول في المسجد حتى تكون سليمة ليس فيها أذى، فإذا كانت سليمة ليس فيها أذى فالأمر بالصلاة فيها، لكن بالنظر إلى المساجد التي فرشت بالفرش قد يكون فيها شيء من الأوساخ أو شيء يؤذي المصلين، فالأولى أن تجعل في مكان آخر عند الباب حتى لا يتأذى بها الناس، وما يكون فيها من أوساخ وأتربة ونحو ذلك؛ مراعاة للمصلين وللفرش التي وضعت في المساجد حتى لا يحصل بها تقزيز ولا يحصل للمصلين تنفير لهم من الصلاة في الجماعة.(9/361)
س: ألاحظ أن بعض الناس يصلون بأحذيتهم وبعض المحدثين يقولون: إن صلاتهم باطلة. فما هو توجيهكم للطرفين؟ جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم. (1)
ج: الصلاة في الحذاء لا تبطل الصلاة بل هي مستحبة؛ فقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه، ولما خلع الصحابة في بعض الأيام نعالهم قال: ما لكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا أو قال: أذى فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (294) .(9/361)
قذرا أو قال أذى فليمسحهما، ويصل فيهما (1) » فالصلاة في النعلين ليس فيها بأس بل هي مستحبة، والذي يقول: إنه لا تصح الصلاة في النعلين. فهو قول بجهل, لا وجه لقولهم إذا كانت النعلان طاهرتين، ليس فيهما بأس، ولكن تركهما إذا كانت المساجد مفروشة، والناس يتقذرون من دخوله بنعليه فإنه يجعلها عند الباب أو في محل آخر ويصلي حافيا حتى لا يقذر عليهم فرشهم، وحتى لا يقع بينه وبينهم شيء، أما إذا كانت المساجد لا تتأثر بذلك لكونها رملية أو بالحصباء فهو ينظر في نعليه، ويعتني بنعليه، لتكون نظيفة سليمة عند دخول المسجد، فالصلاة فيها أفضل، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم (2) » لكن في بعض الأحيان يصلي حافيا عليه الصلاة والسلام، فالأمر واسع.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين مسند أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه برقم 11467.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (652) ، وابن حبان في صححيه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالصلاة في الخفاف والنعال؛ إذ أهل الكتاب لا يفعلونه، برقم (2186) .(9/362)
س: دار جدال بيننا وبين جماعة حول الصلاة في الحذاء، فالبعض يقول: إن الأمر جائز. وبعضهم يقول غير ذلك، وجهونا جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (272) .(9/362)
ج: الصلاة في الحذاء سنة، كان النبي يصلي في نعليه عليه الصلاة والسلام وفي خفيه، فالصلاة في الخفين وفي النعلين الطاهرتين سنة، كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويقول عليه الصلاة والسلام: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم (1) » فالمقصود أنها سنة، كان يصلي بنعليه عليه الصلاة والسلام، لكن على المؤمن إذا قرب من المسجد أن ينظر في نعليه أو خفيه، فإن كان فيهما أذى أزال الأذى ثم دخل، وليس له التساهل في هذا، بل يجب عليه أن ينظر في نعليه أو خفيه حتى يزيل ما بهما من أذى، ثم يصلي فيهما حتى لا يقذر المسجد، ولا يقذر ثيابه، ولما فرشت المساجد الآن فالأفضل خلع النعلين عند الباب، أو في أي مكان لئلا يقذرها بالأتربة أو ببعض الأوساخ التي تساهل فيها الناس؛ لأن أغلب الخلق لا يعتمد عليه ولا يبالي، والناس الآن يتقذرون من أقل شيء، فالذي أنصح به في مثل هذا من أجل تغير الأحوال ووجود الفرش أنه يخلعهما ويجعلهما في مكان حتى يصلي؛ حتى لا يقذر ولا يوسخ الفرش، وحتى لا ينفر الناس من الصلاة بهما.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم (652) ، وابن حبان في صححيه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالصلاة في الخفاف والنعال؛ إذ أهل الكتاب لا يفعلونه، برقم (2186) .(9/363)
باب سجود السهو
165. حكم سجود السهو
س: هل سجود السهو واجب أم سنة؟ (1)
ج: سجود السهو واجب؛ لأن الرسول أمر بذلك، وإذا كان عن ترك واجب، أو فعل محظور سهوا وجب، كما لو ترك التشهد الأول، أو جلس في الرابعة فنبه وقام ليكمل، أو زاد ثالثة في الفجر، أو رابعة في المغرب، أو خامسة في العشاء ونحوها فإنه يسجد للسهو وجوبا.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (183) .(9/365)
166. بيان أنواع سجود السهو
س: ما حكم السهو في الصلاة؟ (1)
ج: السهو في الصلاة يقع من الناس، حتى من الأنبياء، ولكن النبي
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (162) .(9/365)
بين صلى الله عليه وسلم حكم السهو، وهو أقسام وأنواع، فإذا سها المصلي عن التشهد الأول، أو عن التكبيرات؛ بعض التكبيرات التي غير التكبيرة الأولى، غير تكبيرة الإحرام، تكبيرة الركوع أو السجود أو نحو ذلك يسجد للسهو قبل أن يسلم، والحمد لله، إذا كان إماما أو منفردا. أما المأموم فلا يسجد، بل هو تابع لإمامه، أما إن كان السهو لشك، بأن شك الرجل أو المرأة وهو إمام أو منفرد، هل صلى ثنتين أو ثلاثا من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فيجعلها ثنتين، يعمل باليقين يعنى الأقل، ثم يكمل ويسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، فإذا شك في الظهر أو العصر أو العشاء: هل صلى ثلاثا أو أربعا تردد يجعلها ثلاثا، يحتاط، يبني على الأقل ثم يأتي بالرابعة، فإذا فرغ سجد سجدتين قبل أن يسلم، هذا هو المشروع، وإذا نسي التشهد الأول قام إلى الثالثة، ما تشهد التشهد الأول ناسيا وهو إمام أو منفرد سجد للسهو بعد الفراغ قبل أن يسلم، وإن كان مأموما فليس عليه سجود، بل هو متابع لإمامه.(9/366)
167. بيان الأفضل في غالب أنواع السهو
س: ما هو سجود السهو؟ ومتى يتعين؟ وكيف أداؤه؟ وهل هو قبل(9/366)
السلام؟ أو بعده؟ وكيف أعمل إذا كنت لا أدري هل سجدت سجدتين، أو سجدة، أو قراءة التحيات قبل الصلاة على النبي أو لا؟ وأغلب هذه الأحوال ظنون. (1)
ج: سجود السهو لمن يغفل عن واجب، إذا فعل شيئا، أو ترك شيئا سهوا يبطل عمده الصلاة- وجب عليه السجود للسهو؛ لأنه مكمل للصلاة، والنبي أمر بسجود السهو عليه الصلاة والسلام تكميلا للصلاة، إذا ترك مثلا تسبيحة الركوع والسجود ناسيا وجب عليه سجود السهو على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن الصحيح أن هذه التسبيحات واجبة أقلها تسبيحة واحدة، كذلك إذا ترك التشهد الأول ناسيا وجب عليه سجود السهو في الأصح من أقوال العلماء، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، كذلك – مثلا – إذا نسي الركوع وسجد ثم عاد وأتى بالركوع فإنه يكمل صلاته ويسجد للسهو، كذلك إذا نسي ركعة فسلم أو ركعتين فسلم، ثم تنبه أو نبه فإنه يكمل صلاته ويسجد للسهو أيضا، وهذا واجب، والضابط أن كل شيء يبطل عمده الصلاة إذا فعله ساهيا وجب عليه سجود السهو، وهو مخير؛ إن شاء فعله قبل السلام، وإن
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (16) .(9/367)
شاء فعله بعد السلام، إذا كمل التشهد والدعاء شرع له سجود السهو قبل أن يسلم، وإن أخره بعد السلام جاز ذلك، لكن الأفضل في غالب أنواع السهو أن يكون قبل السلام، الأفضل أن يكون قبل السلام، فإن سلم عن نقص ركعتين فأكثر، سلم على ثلاث في الظهر أو العصر أو العشاء، أو سلم عن ثنتين في المغرب، أو عن واحدة في الفجر أو الجمعة، ثم نبه فإنه يقوم ويكمل الصلاة، ويجعل سجوده بعد السلام، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأفضل، إذا سلم عن نقص ركعتين فأكثر، ثم نبه أو تنبه وكمل صلاته فإن سجوده يكون بعد السلام، سلم ثم يسجد للسهو سجدتين ثم يسلم مرة أخرى هذا هو الفضل، سيما إذا كان سهوه بتسليم عن نقص فالأفضل أن يكون بعد السلام، أما أنواع السهو الأخرى فإنه يكون قبل السلام أفضل؛ مثل: ترك التشهد الأول أو ترك الركوع أو السجود، أو زاد ركعتين في الصلاة، ثم نبه فجلس فإنه يكمل الصلاة، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم، وإن سجد بعد السلام فلا بأس، كذلك مما يكون بعد السلام إذا غلب على ظنه أنه كمل الصلاة، شك هل هي ثلاث أو أربع؟ وغلب على ظنه أنها أربع فبنى على هذا وكمل الصلاة، فإنه يسلم ثم يسجد للسهو بعد ذلك، ثم يسلم؛ لأنه بني على غالب ظنه، وكذلك إذا شك(9/368)
هل سجد سجدة أو سجدتين؟ يجعلها سجدة، ويأتي بسجدة ثانية، ويسجد للسهو قبل السلام، مثل: سجد سجدة وشك هل هي الأولى أو الثانية؟ يجعلها الأولى ويأتي بالسجدة الثانية حتى يتيقن من صلاته، ثم إذا أكمل صلاته يسجد للسهو سجدتين، هذا هو المشروع، وإن أخر سجود السهو بعد السلام فلا حرج في ذلك، لكن في حالين الأفضل بعد السلام، في أحد الحالين: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر ثم نبه، أو تنبه يكمل صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام، الحالة الثانية: إذا بنى على غالب ظنه؛ فعل اليقين فبنى على غالب الظن فإنه لا يجوز له على الصحيح، فإذا بنى على غالب ظنه فإنه يكمل الصلاة ويسلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم، وما عدا هذا السجود فهو قبل السلام، هذا هو الأفضل على ظاهر السنة.(9/369)
168. بيان كيفية سجود السهو
س: تقول هذه السائلة: ما كيفية سجود السهو؟ (1)
ج: سجود السهو مثل سجود الصلاة سجدتان مثل سجود الصلاة سواء.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (343) .(9/369)
169. موجبات سجود السهو في الصلاة
س: رسالة من المستمع: م. ص، من جيزان أبو عريش، أخونا له جمع من القضايا من بينها قضية يقول فيها: ما هي موجبات سجود السهو في الصلاة؟ وأرجو التفصيل في هذا الموضوع، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: سجود السهو له أسباب، تارة تكون زيادة في الصلاة، وتارة تكون نقصا، وسجد النبي صلى الله عليه وسلم للسهو في عدة مسائل وقع فيها عليه الصلاة والسلام سهوا، سجد للسهو لما ترك التشهد الأول ناسيا وقام للثالثة، سجد سجدتين قبل أن يسلم وسجد لما سلم عن نقص، سلم من ثنتين ثم نبه وكمل الصلاة، ثم سجد للسهو بعد السلام سجدتين، وسلم من ثلاث فنبه ثم كمل صلاته، وسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وزاد خامسة في بعض صلواته الرباعية فنبه بعد السلام وسجد سجدتين، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني (2) » فسجود السهو يكون إما
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (326) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم (572) .(9/370)
بنقص وإما بزيادة كما سمعت، فإذا زاد ركعة أو ركوعا أو سجودا ساهيا فإنه ينبه، إذا كان إماما ينبهه المأمومون على سهوه، ويرجع إلى تنبيههم إذا لم يكن عنده يقين فيما فعل وعليه سجود السهو قبل السلام أو بعده، والأفضل قبل السلام في جميع صور السهو، إلا إذا كان سهوه عن نقص ركعة فأكثر فإن سجوده يكون بعد السلام أفضل، وهكذا إذا بنى على غالب ظنه فإنه يسجد للسهو بعد السلام أفضل؛ في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، وليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين (1) » بعد السلام، وبهذا يعلم أنه يشرع له سجود السهو، بل يجب عليه إذا فعل ما يبطل عمله في الصلاة؛ بزيادة أو نقص إذا فعله ساهيا، فإذا ترك سجدة من السجدات أو ركوعا أو ركعة أو أكثر فإنه ينبه كما تقدم، وعليه أن يرجع إلى الصواب ويكمل صلاته، ويسجد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/371)
للسهو قبل السلام إلا في حالتين؛ إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فإنه يسجد للسهو بعد السلام. والحال الثاني: إذا بنى على غالب ظنه وأتم الصلاة على غالب ظنه فإنه يكمل، ويسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام، أما إذا شك في صلاته وليس عنده ظن غالب فإنه يبني على اليقين، ثم يسجد سجود السهو سجدتين قبل أن يسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: إذا شك أحدكم في صلاته فليبن على الأقل، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثا يجعلها ثنتين، وإذا شك هل هي ثلاث أو أربع يجعلها ثلاثا ويكمل، في هذا حديث أبي سعيد: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان (1) » خرجه مسلم في الصحيح. هذا هو المشروع، بل الواجب على المؤمن والمؤمنة عند السهو، إذا شك في صلاته، ولم يكن له غلبة ظن فإنه يبني على اليقين، يعني الأقل،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم (571) .(9/372)
ويكمل صلاته على ذلك احتياطا للصلاة، فإذا شك هل سجد سجدة أو سجدتين؟ يجعلها سجدة، يأتي بالسجدة الثانية ويكمل صلاته، وإذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثا يجعلهما ثنتين ويكمل صلاته؛ لأن هذا هو اليقين، وهذا هو الاحتياط للصلاة، ثم إن كان في صلاة قد شك قبل السلام كبر وسجد سجدتين للسهو مثل سجود الصلاة، سجود السهو مثل سجود الصلاة سواء، يقول فيها: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو فيها مثل سجود الصلاة سواء بسواء، ثم يسلم، أما إذا كان عنده غالب ظن؛ شك هل صلى ثنتين أو ثلاثا لكن الغالب أنها ثلاث يجعلها ثلاثا، ويكمل ويسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام، إلا إذا كان إماما ونبهه المأمومون فإنه يرجع إلى تنبيههم أوثق من ظنه، أما إذا سها عن شيء مستحب ليس بواجب فلا يلزمه سجود السهو، مثل: سها عن رفع اليدين عند الإحرام أو عند الركوع، أو سها وتورك في التشهد الأول، أو سها فافترش في التشهد الأخير في الرباعية أو الثلاثية، كل هذا لا يلزمه سجود السهو؛ لأنه ليس بواجب، وإن سجد فلا بأس في السهو.(9/373)
س: متى يجب سجود السهو؟ وكيف يكون؟ (1)
ج: سجود السهو إذا ترك واجبا، أو فعل محرما سهوا وجب السجود، أما إذا ترك مستحبا فلا يلزمه السجود، لو نسي الاستفتاح، أو نسي الدعاء في السجود، أو نسي رفع اليدين لا يلزمه السجود، إنما السجود إذا ترك واجبا سهوا مثل ترك التشهد الأول، أو قام أو نسي سجدة، ثم أتى بالركعة التي تليها وكمل الصلاة، وزاد ركعة، المقصود إذا كان ترك واجبا سهوا وجب عليه السجود، مثل ترك: سبحان ربي الأعلى. في السجود، سبحان ربي العظيم. في الركوع، ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع، التكبيرات عند السجود والرفع منه، كل هذا إذا نسيه سجد له في آخر الصلاة قبل أن يسلم أفضل، وهكذا لو ترك التشهد الأول، أما إذا ترك ركنا مثل السجود في الصلاة، أو مثل الركوع ولم يذكره إلا بعد ذلك قامت الركعة التي بعدها مقام الركعة التي تركها منها، وضاعت عليه الركعة التي ترك سجودها وركوعها، وقامت الركعة التي بعدها مقامها، ثم يأتي بركعة زائدة، إذا كملها سجد للسهو ثم سلم، وهذا واجب أيضا لأن الإنسان قد ينسى الركوع أو
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (352) .(9/374)
ينسى السجود ولا ينبه، ثم يتنبه أو ينبه بعد ذلك، فيأتي بركعة كاملة بدلا من الركعة التي ترك سجودها، أو ركوعها، أما إن نبه في الحال أنه لم يركع وهو هاو للسجود يعد، يقف ثم يركع، أو نبه أنه لم يسجد للثانية يسجد في الحال، إذا نهض ونبه يجلس ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. ثم يسجد السجدة الثانية، ويسجد للسهو في آخر الصلاة.(9/375)
س: يقول السائل: حدثونا عن مستوجبات السهو وصفته. (1)
ج: سجود السهو مثل سجود الصلاة؛ سجدتان مثل سجود الصلاة، يقول فيهما: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. يدعو مثل سجود الصلاة سواء بسواء، يكبر عند الهوي، ويكبر عند الرفع، يكبر عند السجدة الثانية، ويكبر عند الرفع مثل سجود الصلاة سواء بسواء بالتكبير وبالطمأنينة وبالتسبيح وبالدعاء، الحكم واحد، وهو إذا زاد في الصلاة سهوا أو نقص سهوا، إذا ترك بعض الواجبات سهوا، أو بعض الأركان سهوا وأتى بها، أو زاد ركعة، أو زاد سجودا سهوا، الإمام أو المنفرد يلزمه سجود السهو؛ مثلا: إذا قام لخامسة في الظهر أو العصر، أو قام
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (234) .(9/375)
إلى رابعة في المغرب، أو قام إلى ثالثة في الفجر أو الجمعة، ثم نبهه الناس أو تنبه ورجع- يسجد للسهو، وهكذا لو زاد سجدة ثالثة ناسيا يسجد للسهو، وهكذا لو زاد ركوعا ناسيا يسجد للسهو، وهكذا لو ترك التسبيح: سبحان ربي العظيم. في الركوع أو: سبحان ربي الأعلى. في السجود ناسيا- يسجد للسهو مثل المنفرد، لكن الشيء المستحب لا يجب السجود، لو ترك مثلا: ما سبح إلا مرة أو مرتين ما عليه سجود، وكذلك مثلا: ما قرأ سورة بعد الفاتحة ما يلزمه سجود السهو؛ لأنها سنة مستحبة، وهكذا لو نسي: ربنا ولك الحمد. ولو نسي: رب اغفر لي. بين السجدتين ما يلزمه شيء، إذا كان مأموما ما عليه شيء، لكن إذا كان إماما؛ نسي واجبا يلزمه سجود السهو، مثل لو قال: ربنا ولك الحمد. ونسي أن يكمل حمدا كثير طيبا. أو نسي أن يكرر: رب اغفر لي. قالها مرة لا يلزمه سجود؛ لأنها لا تعتبر واجبا والحمد لله، فالواجب أتى به، ولكن لو نسي الزيادة المستحبة هذا ليس عليه سجود سهو، وهكذا المأموم لو نسي الواجب الذي عليه: رب اغفر لي. أو سبحان ربي الأعلى. أو: سبحان ربي العظيم. وهو مأموم ليس عليه سجود سهو؛ لأنه تبع لإمامه، أما الجميع؛ الإمام والمنفرد والمأموم لو تركوا شيئا مستحبا ليس عليهم شيء، المستحب مثل قراءة سورة زائدة على(9/376)
الفاتحة، هذه مستحبة، ليس عليها سجود سهو، لو ترك الجهر؛ ما جهر بصلاة المغرب والعشاء، نسي الجهر لا يلزمه شيء، أو جهر بالسريات كالظهر والعصر ناسيا لا يلزمه سجود سهو، لأن هذا كله مستحب، فالحاصل أن سجود السهو إنما يلزم إذا ترك واجبا، أو ركنا سهوا، فالواجب يسقط بالسهو وعليه سجود سهو، والركن لا بد أن يأتي به وعليه سجود سهو، لو ترك السجود – مثلا – يأتي بالسجود، يرجع يأتي بالسجود، أو نسي الركوع؛ هوي يرجع يأتي بالركوع وعليه سجود السهو، الركن لا بد منه، يأتي به فإن نسيه بالكلية حتى شرع بالثانية سقطت الركعة الأولى، قامت الأخرى مقامها؛ لأنه أهمل ركنا لا بد منه، أما الواجب تسبيح الركوع أو السجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، وقول: ربنا ولك الحمد وسمع الله لمن حمده- كل هذه واجبات، متى تركها سهوا سقطت، الإمام والمنفرد، وهكذا المأموم لو تركها سقطت عنه، لكن الإمام يسجد للسهو والمنفرد يسجد للسهو، والمأموم لا يسجد للسهو إذا ترك واجبا سهوا؛ لأنه تابع لإمامه، لكن الإمام والمنفرد يسجدان للسهو، لو نسي: رب اغفر لي. وسبحان ربي الأعلى في السجود، أو سبحان ربي العظيم في الركوع هذا يسجد للسهو، والإمام والمنفرد كما تقدم.(9/377)
170. حكم سجود السهو وكيفية السلام منه
س: ما حكم سجود السهو؟ وما الذي يقال في السجود؟ ومتى يكون السجود قبل السلام؟ ومتى يكون بعد السلام؟ وإذا كان بعد السلام هل يكون السلام يمينا فقط، أم يمينا وشمالا؟ (1)
ج: سجود السهو واجب، إذا كان لترك واجب أو لفعل محظور، فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأن الرسول أمر بذلك وفعله، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » ويقول مثل ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. ويدعو، ويجوز قبل السلام وبعد السلام، لكن قبل السلام أفضل إلا في حالين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة، أو أكثر فإنه يسجد بعد السلام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام لما سلم عن نقص ركعة، وفي رواية: نقص ركعتين سجد بعد السلام، ويسلم عن يمينه وشماله.
وهكذا إذا ما بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام، إذا غلب على ظنه أنه صلى ثلاثا وجعلها
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون ون الشريط رقم (182) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631) .(9/378)
ثلاثا، غلب على ظنه أنها أربع وجعلها أربعا فإنه يسجد بعد السلام، وهكذا إذا سجد وسلم عن يمينه وشماله في جميع أنواع سجود السهو، يسلم عن يمينه وشماله، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.(9/379)
171. كيفية سجود السهو للزيادة أو النقصان
س: حدثوني عن سجود السهو في الصلاة بالنسبة للزيادة، وبالنسبة للنقصان في الصلاة. (1)
ج: سجود السهو يجوز قبل السلام وبعد السلام في جميع السهو، إن سجد قبل السلام كفى، وإن سجد بعد السلام كفى، لكن الأفضل أن يكون قبل السلام، هذا هو الأفضل إلا في حالتين:
إحداهما: إذا بنى على غالب ظنه، إذا شك في ثنتين أو ثلاث هل صلى ثنتين أو ثلاثا، وبنى على غالب ظنه صلى ثنتين، يبني يكمل، أو كان غالب ظنه أنه صلى ثلاثا يكمل، فهذا الأفضل أن يكون سجوده بعد السلام إذا بنى على غالب ظنه.
والحال الثانية: إذا سلم عن نقص، سلم عن ثنتين أو لثلاث في الرباعية ساهيا ثم تنبه وكمل فهذا سجود السهو، يكون بعد السلام
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (295) .(9/379)
أفضل، وما سوى ذلك فالسجود قبل السلام أفضل، وبكل حال السجود قبل السلام، أو بعد السلام في جميع الصور كله صحيح، والحمد لله.(9/380)
172. بيان مواضع وجوب سجود السهو
س: السائلة: ص. ى. من سوريا تقول: حدثونا عن سجود السهو وسجود التلاوة متى يجب؟ (1)
ج: سجود السهو يجب إذا ترك الإمام واجبا سهوا، أو فعل محرما سهوا، يجب سجود السهو؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «هاتان السجدتان لمن لا يدري زاد في صلاته أو نقص فيتحرى الصواب فيتم ما بقي ثم يسجد سجدتين (2) » والسنة للإمام والمنفرد إذا أتى بشيء مما حرم الله في الصلاة ساهيا أن يسجد للسهو؛ كأن يتكلم ساهيا، أو يزيد ركعة ساهيا، أو يزيد سجدة ساهيا يسجد للسهو قبل أن يسلم بعدما يفرغ من التحيات والدعاء، يسجد للسهو. وإن سجدهما بعد السلام فلا بأس، وهكذا لو ترك واجبا ساهيا، ترك قول: سبحان ربي الأعلى في السجود، أو سبحان ربي العظيم في الركوع، أو رب اغفر لي بين
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (414) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان، برقم (6671) .(9/380)
السجدتين فإنه يسجد للسهو قبل أن يسلم، أو ترك التشهد الأول ناسيا وقام للثالثة يسجد للسهو قبل أن يسلم، وإن سجد بعد السلام فلا حرج.(9/381)
س: من الأفلاج السائل: س. ط. يقول: سماحة الشيخ، متى يكون سجود السهو قبل السلام؟ ومتى يكون بعده؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: السجود قبل السلام، هذا هو الأفضل إلا في حالتين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة، أو أكثر ثم نبه أو تنبه يكمل الصلاة، ثم يسلم ثم يسجد سجدتين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمران وذي اليدين.
الحال الثاني: إذا بنى على غالب ظنه، إذا شك في صلاته وبنى على غالب ظنه، فإنه يسجد للسهو بعد السلام، أما إن بنى على اليقين فإن السجود يكون قبل السلام، لحديث ابن عباس، ولحديث ابن مسعود: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه «إذا شك أحد في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين (2) » بعد السلام، أما إذا بنى على اليقين فإنه يسجد قبل السلام؛ لحديث أبي
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (425) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/381)
سعيد: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم (1) » فإذا بنى على اليقين، وطرح الشك فإنه يسجد للسهو قبل السلام، أما إذا بنى على غالب ظنه، شك هل هي ثنتان أو ثلاث، وغلب على ظنه أنها ثلاث يجعلها ثلاثا ويكمل، ويقرأ التحيات ثم يسلم ثم يسجد للسهو؛ لأنه بنى على غالب ظنه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/382)
س: تسأل الأخت وتقول: متى يكون سجود السهو قبل السلام؟ ومتى يكون بعده؟ أفتونا مأجورين. (1)
ج: السجود للسهو يكون قبل السلام، إلا في حالتين:
إحداهما: إذا سلم المصلي عن نقص ركعة، أو أكثر ناسيا فإنه يكمل ثم يسجد للسهو بعد السلام. هذه الحالة الأولى، إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر، ثم تنبه أو نبه فإنه يكمل صلاته، ثم يقرأ التحيات، ويكمل التشهد ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام، هذا هو الأفضل كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عن نقص.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (424) .(9/382)
الحال الثاني: إذا أشكل عليه، وبنى على غالب ظنه في الصلاة، يعني أشكل هل صلى ثلاثا أو أربعا، وغلب على ظنه أنه صلى أربعا فإنه يسلم بعد الفراغ، ثم يسجد للسهو، أو غلب على ظنه أنه صلى ثلاثا يبني على ثلاث، ثم يكمل الصلاة، ثم يسجد للسهو بعد السلام، إذا بنى على غالب ظنه. أما إذا بنى على اليقين، عاملا باليقين فإن السجود يكون قبل السلام.
الحاصل أنه في حالتين يسجد بعد السلام؛ إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر فإن السجود يكون بعد السلام أفضل، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. الحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنه، ما هو بعلم اليقين، بنى على غالب ظنه فإنه يؤجل سجود السهو حتى يسلم، ثم يسجد للسهو بعد ذلك.(9/383)
س: حدثونا عن سجود السهو متى يكون قبل السلام؟ ومتى يكون بعده؟ (1)
ج: سجود السهو السنة أن يكون قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة، السنة أن يكون قبل السلام، هذا هو السنة إلا في حالين؛ إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر، ثم نبه أو تنبه فإنه يكمل صلاته ويسلم ثم
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (373) .(9/383)
يسجد للسهو، كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين، كمل الصلاة ثم سلم ثم سجد للسهو عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل، وإذا سجد قبل السلام أجزأه، لكن هذا هو الأفضل، إذا سلم عن النقص ركعة أو أكثر ثم نبه أو تنبه، وقضى ما عليه فإنه يتمم الصلاة، ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين، يكبر ويسجد ويرفع ويكبر، وهكذا يكبر عند السجود وعند الرفع وعند السجدة الثانية وعند الرفع ثم يسلم.
الحال الثاني: إذا غلب على ظنه يعنى إذا بنى على غالب ظنه، فإنه يكون السجود بعد السلام، هذا هو الأفضل؛ لما ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين (1) » هكذا جاء في البخاري، إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين، وإذا شك في ثلاث أو أربع أو غلب على ظنه أنها أربع، وأتم على أنه أربع يكون سجوده بعد السلام أفضل، وهكذا في الفجر وفي المغرب إذا بنى على
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/384)
غالب ظنه صلى وأتم الركعة التي هو فيها الأولى، أو الثانية في الفجر وغلب على ظنه أنها الثانية فإنه يكمل، ويسجد سجود السهو بعد السلام، وهكذا في المغرب شك بعد الثانية هل هي الثالثة أو الثانية، وغلب على ظنه أنها الثالثة يكمل ويسجد للسهو بعد السلام، المقصود أن سجود السهو إذا كان قد بنى على غالب ظنه يكون بعد السلام في جميع الصلوات الخمس، أما إذا كان عنده التردد وبنى على اليقين، فإن السجود يكون قبل السلام، هذا هو الأفضل، يسجد سجود السهو قبل أن يسلم إذا بنى على اليقين، أما إذا بنى على غالب ظنه فإن الأفضل له سجوده بعد السلام، وإن سجد قبل السلام فلا حرج.(9/385)
س: السائل من الأردن د. هـ. م. خ. يقول: هل تكون سجدة السهو قبل التسليم في الركعة الأخيرة أم بعده؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: سجود السهو السنة فيه أن يكون قبل التسليم، قبل أن يسلم إلا في حالين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص، كأن يسلم من ثلاث في الظهر، أو العصر أو العشاء، أو يسلم من ثنتين في المغرب، أو من واحدة في
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (282) .(9/385)
الفجر أو الجمعة، فهذا الأفضل أن يكون بعد التسليم، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
والحال الثاني: من بنى على غالب ظنه واجتهد فإن الأفضل أن يكون سجوده بعد السلام؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين (1) » بعد السلام، فإذا بنى على أغلب ظنه فإنه يسجد سجدتين بعد السلام لهذا الحديث، ومعنى ذلك أنه إذا شك هل هو في الثالثة أو الرابعة في الظهر، أو العصر أو العشاء، غلب على ظنه أنه في الرابعة فإنه يكمل، ويسجد للسهو بعد السلام، وهكذا في المغرب لو شك هل هو في الثانية أو الثالثة بنى على غلبة ظنه، ولم ينبه فإنه يسجد للسهو بعد السلام، أما إذا كان عنده تردد وليس عنده غلبة ظن فيبني على اليقين، شك هل هو في الثانية أو في الثالثة يكون في الثانية، يبني على أنه في الثانية، وإذا شك هل هو في الثالثة أو الربعة، وليس عنده غلبة ظن فإنه يتبع اليقين، فيجعلها الثالثة ثم يكمل صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/386)
س: متى يكون سجود السهو قبل التسليم، ومتى يكون بعده؟ وما(9/386)
الحكم لو حدث سهو يوجب السجود قبل التسليم، وسهو يوجب السجود بعد التسليم؟ (1)
ج: أولا سجود السهو جائز قبله وبعده، هذا أمر واسع بحمد الله سواء سجد قبل التسليم أو بعد التسليم، كله واسع والحمد لله، لكن الأفضل أن يكون قبل التسليم هذا هو الأفضل؛ لأنه جزء من الصلاة، فالأفضل أن يكون قبل التسليم إلا في حالتين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، مثل لو سلم من ثنتين، أو سلم في الرباعية من ثلاث، فتنبه فإنه يكمل ثم يسجد للسهو بعد السلام كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثانية: إذا بنى على غالب ظنه أن الصلاة كاملة يسجد للسهو بعد السلام، أو بنى على غالب ظنه أنها ناقصة، فزاد ركعة على أنها ناقصة، ولم ينبه فإنه يسجد للسهو بعد السلام، هذا هو الأفضل؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (269) .(9/387)
ليسجد سجدتين (1) » فجعل السجود بعد السلام إذا بنى على أغلب ظنه، وما سوى ذلك فإنه يكون قبل السلام، هذا هو الأفضل.
ولو سجد قبل السلام لما للأفضلية فيه بعد السلام- أجزأ، ولو أخر سجود ما قبل السلام إلى ما بعد السلام- أجزأ، والأمر واسع بحمد الله؛ لأن الأحاديث كلها تدل على هذا المعنى.
ولو اجتمع سهوان أحدهما يقتضي ما قبل السلام، والثاني بعد السلام سجد قبل السلام وكفى، والحمد لله، وإن أخر فلا بأس.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/388)
س: يقول هذا السائل: متى يكون سجود السهو بعد السلام؟ ومتى يكون قبله؟ (1)
ج: السجود قبل السلام هذا هو الأفضل إلا حالتين؛ إحداهما: إذا بنى على غالب ظنه الأفضل يكون بعد السلام، والحالة الثانية إذا سلم عن نقص ركعة أو ركعتين، ثم تنبه يكمل ثم يسلم، ثم يسجد للسهو هذا هو الأفضل في هاتين الحالتين، وما سوى ذلك يكون قبل السلام.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (418) .(9/388)
س: تسأل الأخت وتقول: هل سجود السهو قبل التسليم أم بعده؟(9/388)
وإن كان قبله كما أعلم فهل يقرأ بعده شيئا من التشهد أو يسلم مباشرة؟ (1)
ج: السجود يختلف: سجود السهو تارة كذا، وتارة كذا، الأفضل أن يكون قبل السلام، ولا يقرأ بعده شيئا؛ ينهي التشهد والدعاء، وإذا كمل سجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، هذا في أغلب السهو، ويشرع أن يكون السجود بعد السلام في حالين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص، سلم عن بعض النقص، ركعة أو ركعتين ثم نبهوه، يكمل ثم يسلم ثم يكون سجوده بعد السلام، هذا أفضل، وإن سجد قبل السلام فلا بأس.
والحال الثاني: إذا بنى على غالب ظنه، يعني كمل الصلاة على غالب ظنه فإنه يسجد للسهو بعد السلام، أما إذا شك هل صلاته ناقصة أو كاملة، وغلب على ظنه أنها كاملة ما نقص منها شيء فإن هذه الغلبة توجب عليه سجود السهو، لكن يكون بعد الصلاة أفضل؛ لأنه ورد في حديث ابن مسعود فيمن سها، قال عن النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (258) .(9/389)
«فليتحر الصواب، وليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين (1) » ولما سها وسلم من ركعتين، صلى الله عليه وسلم ونبهه الناس كمل صلاته ثم سلم، ثم سجد للسهو بعد ذلك، وفي واقعة أخرى سلم من ثلاث، فنبه فكمل صلاته ثم سجد للسهو بعد ذلك عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/390)
173. وقت سجود السهو
س: إذا سهوت في صلاة ما فإنني أعلم أنه يجب علي أن أسجد سجود السهو، متى أسجده؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إذا سهوت في العدد وجب عليك البناء على اليقين، وأن يكون السجود سجدتين قبل السلام، فإذا شككت هل صليت ثنتين أم ثلاثا جعلتها ثنتين وكملت الصلاة، أو سهوت هل صليت ثلاثا أم أربعا في العشاء أو الظهر أو العصر جعلتها ثلاثا، وبنيت على اليقين، ثم أتيت بالرابعة، وإذا كملت صلاتك سجدت للسهو سجدتين قبل أن تسلم، أما إن كان السهو نوعا آخر بأن نسيت التشهد
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (185) .(9/390)
الأول، وقمت إلى الثالثة، ما جلست للتشهد الأول، أو نسيت: سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسيت أن تقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو نسيت بعض التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وأنت منفرد أو إمام فإنك تسجد سجود سهو قبل السلام سجدتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول في بعض صلواته سجد للسهو قبل أن يسلم- سجدتين، عليه الصلاة والسلام، وهناك أنواع أخرى من السهو لها أحكامها، مثل من زاد ركعة هذا يلزمه الرجوع إذا تنبه أو نبه، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه زاد زيادة متعمدا لها، إذا نبهه اثنان أو أكثر ولم يرجع بطلت صلاته، إلا أن يتيقن صواب نفسه، يعتقد خطأهم، فإذا تيقن صواب نفسه، وأن المنبه مخطئ فلا حرج عليه، يكمل، والناس يعتقدون أنه زائد يجلسون، لا يتابعونه، فلهم اعتقادهم وله اعتقاده، فإذا اعتقدوا أنه قام إلى خامسة في الظهر، أو العصر أو العشاء يجلسون أو إلى رابعة في المغرب، أو إلى ثالثة في الفجر أو الجمعة يجلسون ولا يتابعونه، فإذا سلم سلموا معه بعد ذلك، أما إذا كان ساهيا فلما نبهوه تنبه ورجع فإنه يتشهد، وإذا فرغ من التشهد سجد سجدتين للسهو قبل السلام أو بعده، وقبله أفضل وبذلك تتم صلاته بهذا السجود، وتنجبر الصلاة بهذا السجود؛ لأن الرسول قال في بعض الأحاديث: «إن(9/391)
كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان (1) » وإن كان ناقصا جبرن له صلاته، فالمقصود أنه إن كان صلى صلاة تامة فهو مأجور على سجود السهو، وفيه إرغام الشيطان، وإن كان النقص كان جابرا، وهناك نوع آخر وهو أن يسلم عن نقص، يسلم ثلاثا في الظهر أو العصر أو العشاء، أو يسلم من ثنتين في المغرب أو من واحدة في الفجر، ثم ينبه فهذا يقوم ويكمل، وإذا كمل سلم، ثم سجد للسهو بعد ذلك؛ لأن الرسول لما سها في صلاته وسلم عن نقص، ونبه كمل صلاته وسلم ثم سجد للسهو، عليه الصلاة والسلام، فهذا هو الأفضل في هذه الحال، أن يكون السجود بعد السلام، ولو سجد قبل السلام أجزأ، لكن كونه يتحرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويسجد كما سجد بعد السلام يكون هذا هو الأفضل.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم (571) .(9/392)
174. حكم من نسي الجلوس للتشهد الأول
س: يقول السائل: إذا صلى الشخص الصلاة، ولنفرض مثلا أنه صلى صلاة المغرب، فأتم الركعتين الأوليين، ولكنه لم يجلس للتشهد(9/392)
الأول بسبب النسيان، فما عليه في هذه الحالة؟ (1)
ج: إذا لم يجلس للتشهد الأول سجد للسهو سواء كان في المغرب، أو الظهر أو العصر أو العشاء، المقصود أنه إذا ترك التشهد الأول ناسيا يجب عليه سجود السهو؛ الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعا، لكن لو تنبه أو نبه قبل أن يستتم قائما رجع وجلس، وأتى بالتحيات، فإن استتم قائما ولم ينتبه ولم ينبه كمل صلاته والحمد لله، وقد وقع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قام من التشهد الأول ناسيا، فلما أنهى صلاته وكملها سجد سجدتين قبل أن يسلم للسهو، فالأمة تبع له، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) الإمام والمنفرد إذا ترك التشهد الأول ولم ينتبه ولم ينبه حتى استتم قائما فإنه يكمل صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم، فإن نبه ورجع قبل أن يكمل الصلاة فلا بأس، كفى وعليه سجود السهو، ولكن عدم رجوعه أولى، ويكمل صلاته، أما إن شرع في القراءة يحرم عليه الرجوع، لا يرجع يستمر حتى يكمل ثم يسجد للسهو، أما المأموم فلا شيء عليه، المأموم
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (234) .
(2) سورة الأحزاب الآية 21(9/393)
تابع لإمامه، إذا كان غير مسبوق بل دخل معه في أول الصلاة، صار يفكر، وقام وإمامه جالس للتشهد الأول وقام يجلس، يعود مع الإمام ولا عليه شيء، ليس عليه سجود السهو، وهكذا لو زاد سجدة ناسيا أو ركوعا ناسيا لا تبطل صلاته، يتابع صلاته، وليس عليه سجود للسهو؛ لأنه تابع لإمامه، وهكذا لو نسي: سبحان ربي الأعلى في السجود، وسبحان ربي العظيم في الركوع، وهو مأموم ليس عليه سجود للسهو، تابع لإمامه، يتحملها عنه الإمام.(9/394)
س: إذا صلى أحد، ونسي التشهد الذي بين الركعتين، وقام وكبر ثم تذكر بعد ذلك فهل يجلس للتشهد أم يكمل الركعة؟ وكيف يتمها؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إذا ترك الإمام التشهد الأول، أو المنفرد ولم يذكر إلا بعد أن استتم قائما فالأفضل له أنه يكمل الصلاة، ثم يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، أما إن ذكر حين القيام أو ذكروه؛ نبهوه يرجع ويجلس، ويأتي بالتشهد ثم يقوم ويكمل صلاته ويسجد للسهو بعد ذلك، ولو رجع جهلا منه فلا حرج عليه،
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (248) .(9/394)
صلاته صحيحة ويسجد للسهو كذلك، وإذا تذكر أنه نسي التشهد، أو شك فإنه يسجد سجود السهو، أما إذا تذكر أنه تركه فإنه يسجد، وأما إذا تردد فالأصل أنه يسلم.(9/395)
س: إذا صلى أحد صلاة الظهر، وفي الركعتين الأوليين قام، ولم يجلس للتشهد الأول هل يرجع ليؤدي التشهد الأول، أم يواصل صلاته؟ (1)
ج: السنة أنه يواصل، فإذا كمل صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم للسهو، إذا استتم قائما ولم يذكر إلا بعد استتمامه قائما فالسنة له أن يواصل، فإذا فرغ من التشهد والدعاء سجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في صلاة الظهر، أو العصر نسي التشهد الأول وقام، وقام الناس معه، فلما قضى صلاته عليه الصلاة والسلام سجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم مكان ما نسي من الجلوس، عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة، لكن لو رجع وتشهد فلا شيء عليه، لكن السنة له والفضل له أن يستمر.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (201) .(9/395)
س: من سها في صلاته، وقام من الركعة الثانية قبل أن يتشهد ولم(9/395)
يذكر إلا وهو في الركعة الثالثة هل يعود ويجلس للتشهد؟ وإذا ذكر قبل أن يعتدل قائما هل يعود ويتشهد؟ وفي كلتا الحالتين هل يسجد للسهو؟ (1)
ج: إذا قام عند التشهد الأول وذكر في أثناء القيام يرجع، يلزمه الرجوع ويتشهد ويسجد للسهو كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قام للتشهد الأول ولم يرجع، وسجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم لا بأس، أما إذا شرع في القراءة؛ ما ذكر إلا بعد الشروع في القراءة لا يرجع، يستمر ويسجد للسهو – والحمد لله – قبل أن يسلم.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (366) .(9/396)
س: المستمع: أ. ع، من القاهرة يسأل ويقول: في صلاة العصر لم يجلس الإمام في التشهد الأوسط، فنبهه المصلون بـ: سبحان الله. فبعد أن قام للركعة الثالثة وجع وجلس للتشهد، وبعد التشهد الأخير سجد سجدتي سهو وسلم، فحصل بعض الخلافات في المسجد، البعض يقول: صلاته صحيحة. والآخر يقول: غير صحيحة؛ لأنه رجع من فرض إلى سنة، وقام بعض المصلين بإعادة الصلاة. فما رأي سماحتكم؟ ونرجو الإفادة عن حالات(9/396)
السهو، ومتى يكون سجود السهو قبل التسليم؟ ومتى يكون بعده؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: إذا قام الإمام عن التشهد الأول ناسيا، ثم نبه وتنبه ورجع فلا حرج، وعلى المأمومين أن يرجعوا ويجلسوا معه ويأتوا بالتشهد، وعليه أن يصلي وأن يسجد سجدتين للسهو قبل السلام، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قام عن التشهد الأول في بعض صلواته، ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم عليه الصلاة والسلام، ولكن إذا كان هذا الإمام استوى قائما فالأفضل له عدم الرجوع، لكن لو رجع فلا حرج عليه، وعليهم أن يرجعوا معه وصلاتهم صحيحة، وليس في هذا إعادة، أما إن شرع في القراءة فإنه لا يرجع، يستمر ويسجد سجود السهو بعد فراغه من التشهد والدعاء، يسجد للسهو قبل أن يسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلو رجع جاهلا بالحكم، وقد شرع بالقراءة كذلك صلاته صحيحة، يعذر بالجهل، وعليهم أن يرجعوا معه، وأن يتشهدوا ثم يقوموا معه إذا قام، والأصل في هذه المسائل أن الواجب على المأمومين التأسي بالإمام، والاقتداء به، وعدم المخالفة إلا بيقين يعلمون أنه لا تجوز
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (344) .(9/397)
المتابعة؛ كالذي قام لخامسة وهم يعلمون أنها خامسة، لا يقومون معه، أو قام لرابعة للمغرب وهو يعلمون أنها رابعة، لا يقومون معه، أو قام لثالثة في الفجر أو في الجمعة، وهو يعلمون أنها ثالثة لا يقومون معه. أما الذي لا يعلم فإنه يتابع إمامه، الذي لا يعلم يتابع إمامه.
أما سجود السهو فإنه يكون قبل السلام، هذا هو السنة قبل السلام؛ لأنه من الصلاة إلا في حالتين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر فإنه يسجد بعد السلام، هذا هو الأفضل، يسجد بعد السلام؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عن نقص ركعتين في حديث ذي اليدين، عن أبي هريرة: سجد بعد السلام (1) » وهكذا في حديث عمران: «لما سلم عن نقص ركعة كمل صلاته وسجد بعد السلام (2) » هذا هو الأفضل، وإن سجد قبل السلام أجزأه. والحمد لله.
الحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنه، إذا تحرى الصواب واجتهد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، برقم (482) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم (574) .(9/398)
وبنى على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام، هذا هو الأفضل؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين (1) » فجعل السجود بعد السلام، إذا كان الإمام بنى على غالب ظنه تحرى الصواب واجتهد وكمل، فإن سجود السهو يكون بعد السلام، أما البقية يكون قبل السلام، هذا هو الأفضل، وفي أي حال إذا سجد قبل أو بعد السلام أجزأه، الأمر في هذا واسع وإن سجد بعد السلام في سجود محله قبل السلام أجزأه، وإذا سجد قبل السلام في سجود محله بعد السلام أجزأه، إنما فيه أفضلية، ولا ينبغي التشديد في هذا، بل ينبغي التسامح، كما أجازه بذلك أهل العلم رحمة الله عليهم، حسب ما جاء في النصوص في سجوده عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم (401) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له برقم (572) .(9/399)
س: دخلت في الصلاة الرباعية، ونسينا التشهد الأول، ولما قام الإمام وقرأ الفاتحة ذكر ذلك، فرجع وتشهد وأتى بالركعتين بعد التشهد. فما حكم ما فعل؟ جزاكم الله خيرا. (1)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (35) .(9/399)
ج: قد غلط، فإنه لا يجوز له الرجوع بعدما شرع في القراءة، ليس له الرجوع، لكن لأجل جهله الصلاة صحيحة، وعليه سجود السهو.(9/400)
س: بعض أئمة المساجد يحصل منهم بعض الأخطاء، بمعنى أنه يقوم للركعة الثالثة قبل الجلوس للتشهد الأول، ولدى قيامه يذكر ويجلس قبل تنبيه المأمومين له، وفي هذه الحالة لا يسجد للسهو، فهل يلزمه السجود للسهو أم لا؟ (1)
ج: نعم، إذا قام ثم تنبه يسجد للسهو، ويسجد الناس معه، وإذا ترك هذا جاهلا فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة إن شاء الله.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (334) .(9/400)
175. بيان عدم اعتبار الوساوس والشكوك الكثيرة في الصلاة
س: كثير ما يحصل عندي بعض الشكوك في الصلاة في عدد الركعات، وفي عدد السجود، هل ألتفت إلى ذلك، أم أعتبره من الوساوس (1)
ج: إذا كثر الشك يعتبر من الوساوس، فلا تلتفتي له إذا كان شيئا كثيرا، يعتبر من الوساوس، ولا يلتفت إليه، أما إذا كان شيئا قليلا
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (334) .(9/400)
فاعملي بالشرع: إذا كان قليلا شككت أصليت ثلاثا أو أربعا اجعليها ثلاثا، وائتي بالرابعة واسجدي للسهو، شككت هل سجدت السجود الثاني اسجدي ثانية واحتاطي ثم اسجدي للسهو بعد ذلك، وهذا انتهاء الصلاة، والسجود قبل السلام سجدتان للسهو، وأما إن كان يكثر الشك فهذا يعتبر من الوساوس ولا يلتفت إليه.(9/401)
176 - حكم من نسي وسلم في الصلاة قبل إكمالها
س: إذا نسي المصلي وسلم بعد ركعتين في الصلاة الرباعية أو المغرب وتذكر بعدما سلم، هل يأتي بالركعة أو الاثنتين الباقيتين أو يعيد الصلاة (1) ؟
ج: إذا سلم الرجل أو المرأة عن ثنتين: الظهر أو العصر أو العشاء أو المغرب - ناسيا ثم تذكر يتم الصلاة فقط، يقوم ويأتي بما بقي ويسجد للسهو بعد السلام، يسلم بعد التحيات بعد الدعاء، ثم يسجد للسهو سجدتين بعد السلام، هذا هو الأفضل كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في بعض الصلوات سلم من ثنتين الظهر أو العصر، ثم نبه فقام وكمل عليه الصلاة والسلام، فلما أكمل وسلم سجد للسهو بعد السلام
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (289) .(9/401)
سجدتين، وإن سجد قبل السلام أجزأ ذلك ولا حرج، الأفضل بعد السلام؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، وسجوده للسهو مثل سجوده للصلاة سواء، يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. يدعو فيه مثل سجود الصلاة سواء، وهكذا لو سلم من واحدة في الفجر أو في الجمعة أو في العيد ثم تنبه أو نبه يقوم يكمل، يأتي بالثانية بعد قراءة التحيات والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء، ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين بعد ذلك، هذا هو الأفضل، وإن سجدهما قبل السلام أجزأه ذلك والحمد لله، وهكذا لو بنى على غالب ظنه، لو بنى المسلم على غالب ظنه، يعنى شك في الثالثة أو الرابعة، غلب على ظنه أنه في الثالثة وأتمها أربعا، الأفضل يكون سجوده بعد السلام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن شك في صلاته وتحرى الصواب وأتم: عليه أن يسجد بعد السلام. ففي هاتين الحالتين الأفضل أن يكون سجوده بعد السلام.
الحالة الأولى: إذا سلم عن ركعة، نقص ركعة أو أكثر يأتي بالباقي ثم يسلم، ثم يسجد للسهو، هذا هو الأفضل.
والحالة الثانية: إذا بنى على غالب ظنه كملها، أو المقصود كملها على غالب ظنه فإنه يكمل ويسلم، ثم يسجد للسهو سجدتين، هذا هو الأفضل، وإن سجد السجدتين قبل السلام فلا حرج، أما فيما سوى(9/402)
ذلك يكون السجود قبل السلام أفضل فيما سوى هاتين الحالتين، يكون السجود للسهو قبل السلام، هذا هو الأفضل، مثل لو شك هل هي ثنتان أو ثلاث؟ جعلها ثنتين، بنى على اليقين، شك في ثلاث أو أربع - الظهر مثلا - يجعلها ثلاثا، يبني على اليقين ويكمل، ثم إذا فرغ من التحيات والدعاء يسجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم، مثل لو قام بعد التشهد الأول في الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، قام عن التشهد الأول ساهيا فإنه إذا كمل يسجد للسهو قبل السلام كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأفضل، أو نسي سبحان ربي العظيم - في الركوع، ما قالها وهو إمام أو منفرد، أو نسيها في السجود: سبحان ربي الأعلى. يسجد للسهو قبل السلام، أو نسي ربنا ولك الحمد - بعد الركوع الإمام أو المنفرد، أو نسي الإمام: سمع الله لمن حمده - أو المنفرد عليه سجود السهو، الأفضل قبل السلام، وإن سجد بعد السلام فلا بأس، وهكذا لو نسي رب اغفر لي - بين السجدتين يسجد للسهو سجدتين قبل السلام أفضل، وإن سجدهما بعد السلام فلا حرج في ذلك، وسجود السهو يقول فيه مثل ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو فيه: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله. . . إلى آخره، مثل سجود الصلاة سواء، أما المأموم إذا سها عن تسبيح الركوع(9/403)
والسجود، أو: رب اغفر لي، أو: ربنا ولك الحمد. إذا سها عن هذا ما عليه شيء، يتبع إمامه، ليس عليه سجود للسهو، يتبع الإمام في هذا لا حرج عليه. أو نسي التشهد الأول ما أتى به، شغل بوساوس ولا أتى به فليس عليه شيء، يتحمله الإمام، أما الفاتحة فالصواب أنها تلزم المأموم على الصحيح، لكن لو سها عنها المأموم أو جاء والإمام راكع سقطت عنه، أو كان يعتقد أنها لا تجب على المأموم كما يقول الأكثر، ولم يقرأها لأنها عنده لا تجب على المأموم، أو يقلد من قال ذلك فلا شيء عليه، لكن الصواب أنه يقرؤها مع إمامه في السرية والجهرية، هذا هو الصواب في السرية، هذا أمر ظاهر، ويقرأ معها ما تيسر في الأولى والثانية عند الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي الجهرية يقرؤها فقط ولا يزيد، الأولى والثانية من المغرب والعشاء والفجر والجمعة، يقرؤها فقط ولا يزيد شيئا، ولو كان الإمام يقرأ إذا كان بين السكتات يقرؤها ثم ينصت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم! قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » وهذا يعم الجهرية والسرية والفرض والنفل
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم (823) .(9/404)
كالتهجد والتراويح، لكن إذا نسيها مثل: رب اغفر لي، إذا نسيها أو سبحان ربي الأعلى، إذا نسيها سقطت عنه؛ لأنها واجبة في حقه، ليست ركنا في حق المأموم، بل واجبة بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أبا بكرة لما جاءه والإمام راكع، لم يأمره بقضاء الركعة، بل أجزأت الركعة التي فاته فيها القيام، فدل ذلك على أن القراءة في حق المأموم واجبة، تسقط بالجهل والنسيان، وتسقط إذا فاته القيام والإمام راكع أجزأته الركعة، كما في حديث أبي بكرة أنه جاء والنبي راكع، عليه الصلاة والسلام، فركع ووقف دون الصف، ثم دخل في الصف، فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ؛ أي لا تركع دون الصف، اصبر حتى تصل الصف، ولم يأمره أن يقضي الركعة، فدل على سقوط الفاتحة عنه لأنه لم يدركها مع الإمام، وعلى ذلك تسقط عن الناسي من المأمومين والجاهل لأنه في حكم من لم يأت إلا والإمام راكع في المعنى، هذا هو الصواب، وذهب أكثر العلماء إلى أنها لا تجب على المأموم وأنها سنة في حق المأموم في السكتات وفي السرية، ولكن الصواب قول من قال: إنها واجبة على
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف، برقم (783) .(9/405)
المأموم لعموم الأحاديث، لكنها تسقط عنه إذا كان جاهلا أو ناسيا أو جاء والإمام راكع؛ لأنه فاته محل قراءتها وهو القيام، هذه مسألة عظيمة، فنوصي من سمع هذا الحديث أن يعتني بهذا الأمر وأن يرشد من حوله في هذا الأمر حتى يكون الجميع على بصيرة وعلى بينة في هذا الأمر الذي تعم به البلوى كثيرا بالنسبة إلى من يأتي والإمام في الصلاة وبالنسبة لمن قد يسهو في الصلاة وهو مع الإمام ولا يقرأ الفاتحة، هذا بحمد الله فيه فرج وتيسير من الله عز وجل.(9/406)
س: يسأل الأخ ويقول: شخص جاء قبل تسليم الإمام في صلاة رباعية، وبعد التسليم نهض وصلى ركعتين ناسيا، هل يصلي ركعتين بعدها ويسجد للسهو؟ أم يعيد الصلاة أربع ركعات (1) ؟
ج: يكمل، يصلي أربعا ويسجد للسهو إذا ذكر قريبا، يأتي بركعتين ويكمل صلاته ثم يسجد للسهو، يسجد للسهو بعد السلام أفضل.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (432) .(9/406)
177 - حكم من نسي أن يقرأ الفاتحة في الركعة الثانية
س: إذا نسي الإنسان أن يقرأ الفاتحة في الركعة الثانية أو الثالثة، هل(9/406)
يعيد الصلاة؟ أم ذلك النسيان ينطبق على الركعة الأولى فقط (1) ؟
ج: إذا كان إماما أو منفردا تبطل ركعته، ويأتي بركعة بدلها ويسجد للسهو، أما إذا كان مأموما فإن الإمام يتحملها عنه إذا كان ناسيا؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أتاه أبو بكرة وقد ركع دون الصف والإمام راكع ثم دخل في الصف لم يأمره النبي بقضاء الركعة، قال: «زادك الله حرصا ولا تعد (2) » فدل ذلك على أن من فاته القيام سقطت عنه الفاتحة إذا جاء والإمام راكع أدرك الركعة، فإذا نسيها وهو قائم مع الإمام أو جاهل يكون أدرك الركعة - والحمد لله - إذا كان مأموما.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (422) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف، برقم (783) .(9/407)
178 - حكم من سها في صلاته مرتين
س: السائلة أ. ع من حائل، لها مجموعة من الأسئلة، تقول: إذا سهوت في صلاتي مرتين فهل يكفي سجود سهو واحد أم يجب علي إعادة الصلاة (1) ؟
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (412) .(9/407)
ج: إذا سها الإنسان في الصلاة سهوين أو أكثر كفى سجود واحد، سجدتان للسهو، فلو سها وقام على التشهد الأول في الرباعية أو الثلاثية وسها فجلس قبل التمام أو زاد ركعة يكفي سجود واحد، سجدتان للسهو، ولو تعدد السهو سجدتان كافيتان.(9/408)
179 - كيفية النهوض من سجود السهو
س: نرجو أن توضحوا لنا كيفية النهوض من سجود السهو؛ هل يعتمد على ركبتيه أم على يديه (1) ؟
ج: مثل نهوضه في سجود الصلاة سواء بسواء، والأفضل على ركبتيه إذا كان قادرا، وإن كان عاجزا أو مريضا نهض على يديه ولا بأس، وأما إذا كان صحيحا فالأفضل على ركبتيه كسجود الصلاة سواء.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (263) .(9/408)
180 - سجود السهو سجدتان
س: الأخت أ. م. ب من مكة المكرمة تقول: سجود السهو؛ هل هو سجدة واحدة أم سجدتان (1) ؟
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (289) .(9/408)
ج: سجود السهو سجدتان، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهما واجبتان في حق من سها عن واجب أو فعل ما لا يجوز في الصلاة سهوا، ومحلها قبل السلام وبعده، إن سجدهما قبل السلام فلا بأس، وإن سجدهما بعد السلام فلا بأس، وهما قبل السلام أفضل إلا في حالين؛ إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر سهوا فإنه يكمل ثم يسجد للسهو بعد السلام.
والحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنه وتحرى الصواب واجتهد وكمل الصلاة ثم سلم فإنه يسجد للسهو بعد ذلك.
يكون سجوده بعد السلام في هاتين الحالتين، هذا هو الأفضل، وإن سجد قبل السلام فلا حرج في ذلك والحمد لله.(9/409)
181 - حكم من قال سبحان ربي الأعلى في الركوع ناسيا
س: تسأل السائلة وتقول: من قال سبحان ربي الأعلى في الركوع، وقال سبحان ربي العظيم في السجود سهوا منه، هل يسجد للسهو (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (413) .(9/409)
ج: نعم، يسجد للهو؛ لأن الواجب أن يقول سبحان ربي العظيم في الركوع، والواجب أن يقول في السجود سبحان ربي الأعلى، فإذا سها يسجد للسهو، إذا قال سبحان ربي العظيم في السجود وسبحان ربي الأعلى في الركوع ساهيا فإنه يسجد للسهو قبل أن يسلم سجدتين.(9/410)
182 - بيان كيفية السلام من سجود السهو إذا كان بعد السلام
س: الأخ يقول: السجود بعد السلام هل يكون له سلام غير السلام الأول؟ أقصد سجود السهو (1)
ج: نعم، إذا سجد للسهو بعد السلام يسلم تسليمتين مثل تسليمته الأولى، إذا سجد للسهو بعد السلام يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (428) .(9/410)
183 - حكم جلسة الاستراحة عند سجود التلاوة في الصلاة
س: هل تشرع جلسة الاستراحة عند سجود التلاوة أثناء الصلاة (1) ؟
ج: جلوس الاستراحة بعد الأولى وبعد الثالثة في الرباعية، وبعد الأولى في الثنائية، كان النبي يجلس قليلا استراحة خفيفة، جلسة
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (424) .(9/410)
خفيفة، وربما تركها.(9/411)
184 - حكم التشهد في سجود السهو
س: هل يشرع في سجود السهو قراءة التشهد (1) ؟
ج: ليس فيه تشهد، سجدتان فقط بدون تشهد، إذا سها يسجد سجدتين ليس فيهما تشهد، وإن سجدهما قبل السلام فلا بأس، أو بعد السلام فلا بأس، لكن الأفضل أن يكون سجودهما قبل السلام إلا في حالتين؛ إحداهما: إذا سلم عن نقص ثم تنبه أو نبه يكمل، ويكون سجوده بعد السلام أفضل.
والحال الثاني: إذا بنى على غالب ظنه؛ لأن الرسول أمر من سها أن يتحرى الصواب فليتم عليه، ثم يسلم ثم ليسجد السجدتين، فإذا بنى على غالب ظنه وأتم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو، وليس فيهما تشهد.
والبقية كلها قبل السلام، سجدتين قبل أن يسلم في غير ذلك من السهو.
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (424) .(9/411)
185 - حكم سجود السهو في الرواتب
س: بالنسبة للرواتب؛ هل يشرع سجود السهو في الرواتب يا شيخ (1) ؟
ج: نعم، إذا سها في الرواتب أو في صلاة الضحى أو في الوتر يسجد للسهو.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (425) .(9/412)
186 - حكم قول الله أكبر بدلا من قول سمع الله لمن حمده
س: قول الله أكبر بدلا من سمع الله لمن حمده (1)
ج: هذا سهو، والصلاة صحيحة، وعلى الإمام إذا كان فعله المنفرد والإمام سجود السهو، أما إذا كان فعله المأموم، قال الله أكبر بدل ربنا ولك الحمد فلا شيء عليه؛ لأن المأموم تابع لإمامه، إذا كان دخل معه من أول الصلاة ليس عليه شيء، يتحمل عنه الإمام هذا السهو، لكن إذا كان المأموم سها فيما انفرد به - إذا كان قد فاته بعض الصلاة يعني مسبوقا - فهذا إذا سها في شيء وهو مسبوق مع إمامه أو سلم مع إمامه ساهيا ثم انتبه أو سها فيما انفرد به هذا يسجد للسهو، وأما سهوه مع إمامه وهو معه من أول الصلاة هذا يتحمله عنه الإمام، إذا سها سهوا لا
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (148) .(9/412)
يخل بالفعل مثل سها عن سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم، أو قال بدل ربنا ولك الحمد: سمع الله لمن حمده أو الله أكبر، هذا لا يضر ولا سجود عليه؛ لأنه تابع، أما إذا سها في الركوع أو في السجود لا بد أن يأتي به إذا سها، كان يفكر وركع إمامه وهو لم يركع ثم انتبه يركع ويلحق إمامه، وهكذا في السجود، هذه أركان لا بد منها، لكن إذا سها في الأشياء التي هي تعتبر واجبات لكنها قوليه وسها فيها المأموم فلا شيء عليه، أو سها في التشهد الأول مثلا؛ ما أتى به، فلا شيء عليه؛ لأنه تابع للإمام، أما في الأركان لا بد منها، التشهد الأخير ركن لا بد أن يأتي به، أو سها ولم يأت به مع الإمام ثم انتبه يأتي به قبل أن يسلم ثم يسلم بعد ذلك، أو انتبه بعد السلام يعود بنية الصلاة ويأتي بالتشهد ثم يسلم. إذا كان المنفرد رجلا أو امرأة في صلاة منفردة إذا سها في الواجبات مثل ترك سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم في الركوع، أو ربنا ولك الحمد، سها عنها، يسجد للسهو قبل أن يسلم سجدتين، أو ترك التشهد الأول، قام إلى الثالثة ناسيا التشهد الأول هذا يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، أما إذا قال ألفاظا مكان ألفاظ أخرى فهذا لا يضر، لكن إذا سجد وهي مشروعة فلا بأس، مثل: قرأ التحيات وهو جالس، أو قرأ(9/413)
الحمد وهو جالس ناسيا إذا سجد للسهو يكون أفضل، يعني لا تبطل الصلاة ولا يجب؛ لأنه قول مشروع أتى به في غير موضعه، ليس بمنكر في الصلاة.(9/414)
187 - حكم من سها في صلاته للتشهد الأول في الركعة الثالثة
س: ما حكم من سها في صلاته حيث جلس للتشهد الأول وهو في الركعة الثالثة؟ هل يقوم أم يواصل (1) ؟
ج: نعم، يقوم ويأتي بالرابعة ويسجد للسهو قبل السلام، يسجد سجدتين للسهو.
__________
(1) السؤال الواحد والخمسون من الشريط رقم (338) .(9/414)
188 - حكم من زاد ركنا في الصلاة
س: تقول السائلة: صليت الظهر، ولما ركعت الركعة الرابعة ورفعت من الركوع وأردت السجود عدت مرة أخرى وركعت، ثم تذكرت وسجدت، فهل علي إعادة الصلاة (1) ؟
ج: ليس عليك إعادة، عليك سجود السهو؛ لأنك زدت ركوعا سهوا،
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (244) .(9/414)
فعليك بعد الفراغ من التحيات والدعاء سجدتان للسهو، تسجدين سجدتين مثل سجود الصلاة، تقولين فيهما: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. تجلسين بينهما مثلما تجلسين بين السجدتين، تقولين: رب اغفر لي، رب اغفر لي - بين السجدتين، ثم تسلمين، هذا الذي عليك، وهكذا لو زدت سجودا أو زدت ركعة خامسة في الظهر أو العشاء أو العصر، أو رابعة في المغرب، أو ثالثة في الفجر سهوا ثم تذكرت تسجدين للسهو.(9/415)
189 - حكم من تذكر أن صلاته ناقصة بعد السلام
س: إذا تذكرت أن الصلاة ناقصة بعد السلام هل أعود وأكملها؟ وكيف هي الصفة (1) ؟
ج: هذا فيه تفصيل: إن تذكرت أنها ناقصة نقصا يتعلق بأركانها فعليك أن تكملها، أما إن كان النقص يتعلق بالسنة والمستحبات فلا يضرك ذلك، والنوافل تجبر ما نقص من صلاتك، أما لو تذكرت أنك ما صليت إلا ثلاثا في الظهر أو العصر أو العشاء فإنك تقوم تأتي برابعة، وتسجد للسهو سجدتين قبل أن تسلم أو بعد السلام وهو الأفضل،
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (119) .(9/415)
وهو إذا كنت سلمت ثم تذكرت أنك لم تصل إلا ثلاثا في الظهر والعصر والعشاء، أو ثنتين في المغرب، أو واحدة في الفجر، وبعدما سلمت تذكرت أنها ناقصة فإنك تقوم وتكمل، وبعد الفراغ من التشهد والدعاء تسلم ثم تسجد سجدتي السهو بعد السلام؛ لأن النبي فعل هذا - عليه الصلاة والسلام - لما سلم عن نقص ركعة، وفي بعض الروايات نقص ركعتين، وذكروه قام فكمل صلاته، ثم كمل التحيات والدعاء ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو - عليه الصلاة والسلام - ثم سلم. ولو سجدت للسهو قبل السلام أجزأ ذلك، أما إن كان النقص في مثل سجدة من السجدات أو ركوع من الركوعات، ذكرت أنك نسيت ركوعا أو سجدة بعدما سلمت فإنك تقوم وتأتي بركعة كاملة، ثم بعد التحيات وبعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد الدعاء تسلم ثم تسجد سجدتي السهو ثم تسلم ثانية، هذا هو المشروع لك، أما إن كان النقص غير هذا بأن تذكرت أنك مثلا لم تجلس للتشهد الأول، قمت إلى الثالثة ما جلست ناسيا، أو نسيت سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسيت سبحان ربي العظيم في الركوع، أو نسيت رب اغفر لي بين السجدتين، هذا يكفيك سجود السهو، تسجد للسهو ويكفي كما لو نسيت ربنا ولك الحمد بعد الركوع، يكفيك أن(9/416)
تسجد سجدتين للسهو والحمد لله؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قام عن التشهد الأول ناسيا سجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم، ثم سلم عليه الصلاة والسلام، أما إن كان النقص شيئا مستحبا مثل ما تقدم، مثل: تذكرت أنك نسيت الاستفتاح، ما قلت: سبحانك اللهم وبحمدك - في أول الصلاة، والاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. لم تقله ولا غيره من الاستفتاحات، بل كبرت وابتدأت التعوذ والتسبيح والقراءة، ما قرأت الاستفتاح، هذا سنة ليس عليك شيء، كذلك لو تذكرت أنك مثلا ما دعوت في السجود، قلت: سبحان ربي الأعلى. وما دعوت في السجود، فليس عليك شيء؛ لأن الدعاء في السجود مستحب وليس بلازم، أو تذكرت أنك ما تذكرت: سبحان ربي العظيم. كثيرا ما قلتها إلا مرة أو مرتين فليس عليك شيء، أو تذكرت أنك بعدما صليت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير سلمت وما أتيت بالدعاء التعوذ من الأربع فلا شيء عليك، وهكذا لو تذكرت أنك قمت من السجدة قلت: رب اغفر لي - مرة واحدة، ما كررتها ثلاثا، قلتها مرة فقط وسجدت الثانية ليس عليك شيء، لأن هذه سنن نوافل وليست بواجبة، فإن تركها الإنسان ناسيا أو عامدا هذا نقص ليس فيه شيء، وصلاته(9/417)
صحيحة، وفق الله الجميع.(9/418)
190 - حكم من تذكر بعد السلام أنه لم يقرأ سورة الفاتحة
س: الذي يتذكر أنه لم يقرأ سورة الفاتحة بعد السلام أو بعد الركوع، ماذا يفعل (1) ؟
ج: إذا كان مأموما فلا شيء عليه؛ لأن المأموم أمره أسهل، ولهذا لو جاء والإمام راكع أجزأه الركوع وكفته الركعة، فالجاهل والناسي من المأمومين تسقط عنه، كما لو جاء والإمام راكع سقطت عنه الفاتحة، أما إن كان إماما فإنه يأتي بركعة بدل الركعة التي ترك، إذا كان تذكر بعدما انتهى من الصلاة يأتي بركعة ويسجد للسهو، وإن كان تذكر بعد الركوع يرفع ويقرأ الفاتحة ثم يعيد الركوع، ثم يسجد للسهو بعد ذلك، إذا كان إماما أو منفردا، أما المأموم فيسقط عنه.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (142) .(9/418)
191 - حكم من تذكر وهو ساجد أنه لم يقرأ الفاتحة
س: ما حكم إنسان تذكر وهو ساجد بأنه لم يقرأ الفاتحة؟ ماذا يفعل (1) ؟
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (366) .(9/418)
ج: عليه أن يأتي بركعة زائدة، يكمل صلاته ويأتي بركعة زائدة يقرأ فيها الفاتحة بدل التي نسي منها الفاتحة؛ لأنها بطلت التي ترك منها الفاتحة، يأتي بركعة بدلها ويسجد للسهو، وينبه الذي وراءه، يقومون حتى يتابعوه بالإشارة.(9/419)
192 - حكم من نسي آية من سورة الفاتحة
س: رجل صلى بالجماعة، لكنة نسي آية من سورة الفاتحة، ما حكم صلاته وصلاة المأمومين خلفه (1) ؟
ج: حكمه أنه يأتي بركعة بدل الركعة التي ترك فيها آية من الفاتحة، يأتي بركعة قبل أن يسلم ويسجد للسهو، فإن طال الفصل يعيد هو ويعيدون، أما إن ذكر بعد السلام بوقت قريب يأت بركعة ويسجد للسهو ويسلم، وإن سجد للسهو بعد السلام فهو أفضل، يأتي بركعة ثم يسلم ثم يسجد للسهو بعد السلام، هذا هو الأفضل.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (352) .(9/419)
193 - حكم من أخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة
س: تقول السائلة: إذا أخطأ الإنسان في قراءة القرآن أثناء الصلاة(9/419)
فهل عليه سجود السهو (1) ؟
ج: الخطأ يختلف ويتنوع، فإن كان الخطأ مما يبطل عمده الصلاة، ولكن فعله ساهيا فهذا يسجد للسهو، أما إذا كان لا يبطل عمده الصلاة؛ كاللحن الذي يعفى عنه فهذا لا يجب فيه سجود السهو، فلو قال: الحمد لله رب العالمين، أو قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم أو الرحمن الرحيم، هذا لا يبطل عمده الصلاة؛ لأن له وجها من الإعراب، وهكذا لو قال: مالك يوم الدين أو مالك يوم الدين، هذا اللحن بالنصب أو الرفع لا يخل بالمعنى.
أما إذا سها فقرأ شيئا يبطل عمده الصلاة سهوا فإنه يسجد للسهو، كأن يقرأ: صراط الذين أنعمت عليهم، هذا ينسب النعمة إليه، هذا لحن عظيم يخل بالمعني، فالمنعم هو الله وحده: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (2) ؛ يعني الرب عز وجل، هذا لحن شنيع إذا تعمده أبطل الصلاة، وإذا كان سهوا يسجد للسهو، يعيد القراءة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (3) ويسجد للسهو، وهكذا لو قال: إياك نعبد وإياك نستعين، هذا لحن يحيل
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (244) .
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) سورة الفاتحة الآية 7(9/420)
المعنى؛ لأنه خطاب للأنثى، والخطاب مع الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ، فإذا تعمد هذا بطلت صلاته، وقد يكون بهذا مرتدا إذا عرف أنه يخاطب أنثى، إذا تعمد خطاب ربه خطاب الأنثى فإنه يعتبر مستهزئا كافرا محتقرا لربه عز وجل، أما إذا سبق على لسانه سهوا فإنه يسجد للسهو.
س: السائل ج. م. ع من جمهورية مصر العربية، يقول: لو أن الإمام أخطأ أثناء الصلاة في آية هل يسجد سجودا للسهو أم لا (2) ؟
ج: لا، ما يلزمه سجود السهو، إذا أسقط في غير الفاتحة ما يلزمه السجود والحمد لله؛ لأن قراءة زائدة على الفاتحة ليست بلازم، لكن إذا أسقط من الفاتحة لا بد أن يأتي بالفاتحة كاملة، ينبهه الذي وراءه، إذا أسقط آية من الفاتحة ينبهه الذي وراءه على ما أسقط حتى يأتي به، ولو ما أتى به تبطل الركعة، يأتي بركعة بدلها، لو أسقط آية من الفاتحة بطلت الركعة وقامت الأخرى مقامها إذا سها عن آية ولم ينبه، أما إذا نبه وأتى بها في الحال فلا بأس والحمد لله، أما في غير الفاتحة لو
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (399) .(9/421)
أسقط شيئا ناسيا فلا يضره والحمد لله.(9/422)
194 - حكم من صلى بجماعة ونسي الركوع فسجد
س: يقول السائل: ما حكم من صلى بالناس جماعة ثم سها وسجد ولم يركع؟ هل صلاته باطلة أم صحيحة (1) ؟
ج: إذا نبهوه يرجع، يقوم وينتصب قائما ثم يكبر ويركع، أما إذا كان ما نبهوه إلا بعد السلام يقوم ويأتي بركعة كاملة ثم يتشهد ويكمل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ثم يسلم، أما إذا ما انتبه إلا بعدما طال الفصل فإنه يعيد الصلاة كلها ويخبر الذين كانوا معه أن يعيدوا الصلاة، الذين معه ولم يركعوا، يعيدوها لأن صلاتهم باطلة لما طال الفصل، أما إذا تنبه بعد السلام أو نبهه الجماعة فإنه يقوم ويأتي بركعة كاملة، وبعد فراغ التشهد والدعاء يسجد سجدتين للسهو ثم يسلم.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (245) .(9/422)
195 - حكم من نسي السجود في الركعة الأولى
س: يقول السائل: إذا نسيت السجود في الركعة الأولى ولم أذكر إلا(9/422)
عند الشروع في الركعة الثانية، فهل آتي بركعة أخرى قبل التشهد الأخير أم بعده قبل السلام (1) ؟
ج: إذا ذكرت السجود قبل الشروع تأتي بالسجود إذا سجدت سجدة واحدة، ثم أردت النهوض تحسب أنك سجدت الثانية، ثم انتبهت تسجد الثانية ولا تنهض، ولو نهضت ترجع تأتي بالسجود الثاني، سواء نبهك المأمومون أو انتبهت بنفسك إن كنت إماما أو مأموما أو منفردا ترجع تأتي بالسجود، لكن إذا كنت شرعت في القراءة تستمر في صلاتك، تزيد ركعة بدل الركعة التي بطلت التي تركت سجودها كأنها معدومة، وتسجد للسهو إن كنت إماما أو منفردا، أما إن كنت مأموما فإنك إذا سلم إمامك تقوم وتأتي بالركعة بدل الركعة التي تركت منها السجود، وتسلم وليس عليك سجود للسهو؛ لأنك تبع الإمام من أول الصلاة، أما إن كنت مسبوقا بركعة أو ركعتين فإنك تكمل وتسجد للسهو بعد التكميل، أما إذا كنت مع الإمام من أول الصلاة ونسيت السجدة، ما ذكرتها إلا مع الإمام، وهو قائم بالقراءة فإنك تأتي بركعة بعد سلام إمامك، وليس عليك سجود سهو؛ لأنك دخلت معه من
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (242) .(9/423)
أولها، فيتحمل عنك سجود السهو.
س: إذا صلى المرء الصلاة الرباعية ولم يسجد في إحدى ركعاتها إلا سجدة واحدة، فهل يجزئه سجود السهو أو يأتي بركعة ثم يسجد للسهو بعدها (1) ؟
ج: إذا أسقط المصلي سجدة ساهيا فإنه يأتي بها في الحال، فإن لم يذكر إلا بعد ذلك بعدما قام وشرع في القراءة فإنه يكمل صلاته، ويجوز تركها، ويأتي بركعة أخرى كاملة بدل الركعة التي ترك سجودها، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم، أما إن ذكر في الحال حين رفعه من السجود فإنه يعود ويسجد الثانية، ويسجد للسهو بعد ذلك إذا كان قد قام، أما إذا كان قبل أن يقوم يسجد للثانية ولا سهو عليه، أما إذا قرأ التشهد بعد سجوده للسهو فلا يضره.
س: قمنا بصلاة المغرب خلف إمام، وفي الركعة الثانية سجد سجدة واحدة وقام بالركعة الثالثة، فقلنا له: سبحان الله، ولم يستجب لنا، وتابعنا معه الصلاة حتى سلم، فقلنا له بما حصل، وقام وأتى بركعة، وسجد سجود السهو قبل السلام، فهل ما
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (88) .(9/424)
قمنا به صحيح (1) ؟
ج: هذا الذي عمله الإمام لا حرج فيه ولا بأس، لأنه بطلت الركعة التي ترك فيها السجدة وأتى بركعة خير منها، ويسجد للسهو والحمد لله، ولا حرج في ذلك، وأنتم حين نبهتموه فلعله لم يقتنع بتنبيهكم ولم ينتبه لما أردتم، فبهذا لم يفعل شيئا.
س: لقد حدث في صلاة العصر ذات يوم أن الإمام في سجود الركعة الرابعة الأخيرة أتى بسجدة واحدة ولم ينتبه أحد على أساس أنه أتى بالسجدتين، وبعد الانتهاء من الصلاة قال أحد المصلين للإمام: ناقص سجدة، فأتى الإمام بسجدتي السهو فقط ولم يأت بالسجدة الناقصة. السؤال يا سماحة الشيخ: هل صلاة العصر هذه ما زالت معلقة لكونها ناقصة سجدة وهي ركن من أركان الصلاة؟ أو تعتبر صحيحة؟ جزاكم الله خيرا (2)
ج: إذا كان الإمام تذكر أنه ترك السجدة فيلزمه الإعادة، وهكذا هم يعيدون؛ لأن سجود السهو لا يكفي عن السجدة، والواجب عليه أن
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (328) .
(2) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (358) .(9/425)
يأتي بالسجدة ثم يأتي بالتشهد، ثم يسلم ثم يسجد للسهو، وإن سجد قبل السلام فلا بأس، يسجد سجود السهو، وبعض أهل العلم يرى أنه يقوم يأتي بركعة كاملة، لكن الصواب أنه يأتي بسجدة ويكفي، يعود يأتي بسجدة يجلس يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. ثم يسجد ثم بعد السجود يقرأ التشهد، ثم يسلم ويسجد للسهو بعد ذلك، وإن سجد قبل السلام للسهو فلا بأس.(9/426)
196 - حكم من ترك السجود على الأعضاء السبعة
س: ألاحظ أن بعض الناس لا يسجدون على الأعضاء السبعة كاملة، ويرجو منكم تنبيههم، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الواجب على كل مسلم ومسلمة السجود على الأعضاء السبعة؛ وهي: الوجه - الجبهة والأنف - والكفان والركبتان وأطراف القدمين، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم؛ على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - والكفين والركبتين وأطراف القدمين (2) » فالواجب على جميع المسلمين من الذكور
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (157) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر، برقم (490) .(9/426)
والإناث أن يعتنوا بهذا وأن يحرصوا على ذلك، والسجود على هذه الأعضاء ركن من أركان الصلاة لا بد منه، فلا يجوز التساهل في ذلك، بل يجب على المصلي ذكرا كان أو أنثى أن يسجد على هذه السبعة في الفرض والنفل جميعا، وإن تركها عمدا بطلت صلاته، وإن تركها سهوا فإن أمكنه أن يأتي بها في الحال أتى بها في الحال، وإن لم يذكرها إلا بعدما قام إلى الركعة الأخرى أتى بركعة بدلها بعد ذلك، وإذا كمل يأتي بركعة بدل ما ترك من الأعضاء، وتقوم الركعة الثانية مقام الأولى، مقام التي قبلها التي ترك منها العضو أو العضوين، والحاصل أنه لا بد من السجود على هذه الأعضاء السبعة ولا يجوز تركها ولا ترك شيء منها لا في الفرض ولا في النفل، وإذا تركه سهوا بأن رفع يده ولم يسجد عليها أو إحدى رجليه ولم يسجد عليها ساهيا ثم تذكر بعد ذلك بعدما اشتغل بالركعة التي بعدها فإنه يأتي بركعة بدلا منها، ويسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم.(9/427)
باب صلاة التطوع
197 - بيان فضل صلاة التراويح وقراءة القرآن في رمضان
س: شيخ عبد العزيز، حدثونا عن التراويح وتلاوة القرآن وختم القرآن خلال هذه الصلاة وخلال هذا الشهر المبارك، وهل لكم كلمة حول هذا لو تكرمتم (1) ؟
ج: لا ريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة مشروعة، النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها عدة ليال بالمسلمين، وقام بهم في تلك الليالي، ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام وأفضت الخلافة إلى عمر بعد الصديق ورأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعا؛ هذا يصلي لنفسه، وهذا يصلي لرجلين، وهذا يصلي لأكثر، قال: لو جمعناهم على إمام! فجمعهم على إمام فصاروا يصلون جميعا، واحتج على ذلك بقوله
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (84) .(9/428)
صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1) » «ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (2) » واحتج أيضا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليالي، وقال: إنه انتهى الوحي وانقطع الخوف بعد موته صلى الله عليه وسلم، لا يخاف من الفريضة. فصلاها المسلمون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليالي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صلوها في عهد عمر، واستمروا بذلك جماعة، والأحاديث ترشد إلى ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة (3) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان، برقم (38) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (760) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، برقم (37) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (759) .
(3) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/429)
صحيح، فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان وأنها سنته - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه بعده، عمر الفاروق ومن بعده، وفي ذلك أيضا مصالح كثيرة؛ من جمع المسلمين واستماعهم لكتاب الله، وما قد يقع من المواعظ والتذكير والاتصال من بعضهم لبعض، واجتماع بعضهم ببعض في هذه الليالي العظيمة، فكل هذا يسبب خيرا كثيرا، وكذلك دراسة القرآن في الليل والنهار من أفضل القربات، فقد كان السلف إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن وتركوا الحديث والتفقه وحلقات العلم، هذا هو الغالب على السلف، فينبغي لأهل الإيمان من الذكور والإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير وغير هذا من وجوه التعلق بالقرآن والعناية بالقرآن، وإذا سمعوا درسا في المسجد أو راجع بعض المسائل العلمية لا منافاة ولا حرج في ذلك، لكن ينبغي أن تكون العناية بالقرآن في رمضان أكثر كما فعله السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا الإكثار من القراءة حتى يختم مرات كثيرة، كان بعض السلف يختم في كل يوم، وبعضهم في ثلاث، لكن الأفضل ألا(9/430)
يكون أقل من ثلاث، هذا هو الذي أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله عبد الله بن عمرو، وأرشده أن يختم في سبع، ثم طلب الزيادة فقال إلى ثلاث فالأفضل أن تكون الختمة في ثلاث فأكثر حتى يطمئن وحتى يقرأ بترتيل وعناية وتدبر، وبعض السلف رأى أن هذا يجوز له، لكن في أيام رمضان ولياليه لا مانع من الختم في أقل من ذلك، ولكن التقيد بالحديث والأخذ بالحديث أولى ولو في رمضان، إذا ختم عشر مرات في رمضان أو تسع مرات أو ثمانيا هذا خير كثير، مع الهدوء والطمأنينة والترتيل والعناية، والإنسان له حاجات أخرى، ثم إن الإكثار من الختمات قد يفضي إلى الهذرمة والسرعة والعجلة والمباهاة في الختمات، فيخشى على الناس من هذا الشيء، فالركود والهدوء حتى لا يقع شيء من الخلل في القراءة وحتى لا يقع شيء من المماراة لقصد الرياء والسمعة، فينبغي أن يكون الختم لثلاث فأكثر، حتى يقرأ قراءة واضحة متدبرة، ويعتني بمعانيها ويراجع ما أشكل عليه، هذا هو الأولى والأفضل حتى ولو في رمضان.
س: بارك الله فيكم، يحرص كثير من الأئمة - سماحة الشيخ – على(9/431)
أن يختموا القرآن في التراويح وفي التهجد، فما هو الأنسب (1) ؟
ج: هذا لأجل سماع الناس جميع القرآن، إذا تيسر أن يسمع جميع القرآن، حيث يكون كل ليلة فيها جزء أو أقل من جزء، لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله، هذا يكون أفضل إذا تيسر من دون مشقة، وهكذا دعاء الختم يدعو بهم حتى يؤمنوا، كان السلف يفعلون ذلك، فإذا فعل ذلك فلا حرج، وقد عقد العلامة ابن القيم - رحمه الله - بابا في كتابه “ جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام “، وذكر في ذلك حال السلف في العناية بختم القرآن، وفق الله الجميع.
س: الذين لا يتمكنون من الختم يشعرون بشيء من الألم سماحة الشيخ، ماذا تقول لهم (2) ؟
ج: لا حرج في ذلك، والأمر في هذا واسع، إن ختمه فهو أفضل حتى يسمع الناس وحتى يفوز بالأجر العظيم في هذا الشهر الكريم، وإن حال حائل ولم يتيسر له الختم وهو إمام؛ إما لأجل الرفق بهم
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (84) .
(2) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (84) .(9/432)
لأنهم أصحاب أشغال، أو لأسباب أخرى فلا حرج، الأمر واسع بحمد الله، والمؤمن يراعي المأمومين ولا يشق عليهم ويرفق بهم، وإذا كانوا تشق عليهم الإطالة وكونهم يقيمونها أولى من تركها خوفا من الإطالة، فإذا صلى بهم إحدى عشرة ركعة فهو أفضل، إحدى عشرة أو ثلاث عشرة مع الترتيل ومع الركود في الركوع والسجود هو أفضل من كثرة القراءة ومن الصلاة عشرين أو أكثر، يمكن أن يتحرى صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، كان هذا أفضل، والإحدى عشرة أفضل من الثلاث عشرة؛ لأن هذا هو المحفوظ عنه - صلى الله عليه وسلم - في الغالب كما قالت عائشة رضي الله عنها، وربما صلى بعض الأحيان ثلاث عشرة، وربما صلى أقل من ذلك، وصلى الصحابة رضي الله عنهم عشرين ركعة من الوتر، كل هذا بحمد الله واسع، فمن زاد أو نقص فلا حرج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » ، ولم يحدد عددا معلوما، «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » ، ثم قال: «فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (3) » ، وهذا عام في رمضان وفي غيره، فمن زعم أنه يجب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فقد غلط، ومن كره الزيادة فقد غلط، ومن حرمها فهو أشد غلطا، وإنما ذلك أفضل، إذا اقتصر
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/433)
على إحدى عشرة هذا أفضل من أجل التمكن من إطالة القراءة وإطالة الركوع والسجود، ومن أجل تمكين المأمومين من ذلك، ومن أجل موافقة السنة التي هي الغالبة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من زاد فلا حرج.(9/434)
198 - حكم القراءة من المصحف في التراويح
س: ماذا عن القراءة من المصحف في التراويح سماحة الشيخ (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك، الصواب أنه لا حرج في ذلك، فإذا احتاج إلى أن يقرأ من المصحف لأنه لم يحفظ القرآن فلا بأس، يقرأ من المصحف، وقد ثبت «أن عائشة رضي الله عنها كان يصلي بها مولاها ذكوان من المصحف (2) » كما ذكره البخاري رحمه الله تعليقا، والأصل أنه لا بأس بهذا، فمن منع فعليه الدليل، فالأصل جواز القراءة حفظا أو القراءة من المصحف، هذا هو الأصل، فمن قال بمنع القراءة من
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (84) .
(2) أخرجه البخاري تعليقا، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والموالي (1 /245) ، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب من تصفح في صلاته كتابا ففهمه أو قرأه، رقم (3183) .(9/434)
المصحف فعليه الدليل، والأصل أنه لا دليل، فمعنا الأصل وهو جواز القراءة من المصحف، وقد فعلتها أم المؤمنين وهي من أفقه الناس رضي الله عنها.(9/435)
199 - حكم القعود في صلاة التراويح
س: تقول السائلة: هل يصح في صلاة التراويح في رمضان ألا نقف؟ وإذا جاء الإمام وهم بالركوع أكبر ثم أقرأ الفاتحة وأركع مع الإمام؟ مع العلم أنني أفعل ذلك لعدم مقدرتي على القيام طول الركعة؛ لأنني أشعر بالتعب جدا (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك؛ لأن التراويح نافلة، سواء كانت في العشرين الأول أو في العشرين الأخيرة، كلها نافلة، والعشر الأخيرة يسميها الناس قياما، ويسمون صلاة العشرين الأول تراويح، وكلها تسمى قيام رمضان وهي نافلة، فإذا صلى الإنسان قاعدا فلا حرج، ويكون له نصف الأجر، وإذا عجز وصار كبير السن أو ضعيفا يشق عليه القيام وصلى قاعدا فلا بأس، وإن جلس حتى يمضي بعض القراءة ثم يقوم
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (128) .(9/435)
فيقرأ واقفا ثم يركع مع الإمام فلا بأس، الأمر واسع بحمد الله، لكن الأفضل أنه يقوم حتى يقرأ القراءة وهو واقف إذا تيسر، فإن جلس حتى يقرب الركوع وقرأ وهو جالس ثم إذا كبر الإمام قام وركع لا بأس بذلك أيضا، والحمد لله.(9/436)
200 - حكم إتمام التراويح بعد الشروع فيها
س: رسالة ع. س. ص من اليمن: عرفنا من برنامجكم (نور على الدرب) أن صلاة التراويح سنة، لكن هل يلزم المسلم إذا شرع فيها أن يكملها، أم يصلي ما شاء وينصرف (1) ؟
ج: لا شك أنها سنة وأنها نافلة، التراويح لقيام رمضان، وهكذا صلاة الليل، وهكذا صلاة الضحى، وهكذا الرواتب التي مع الفرائض كلها سنة، نافلة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها، وفعلها أفضل، إذا شرع مع إمام التراويح وأحب أن ينفتل منها قبل أن يكبر فلا بأس عليه، لكن بقاءه مع الإمام حتى ينصرف أفضل ويكتب له بهذا قيام الليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (3) .(9/436)
قيام ليلة (1) » إذا بقي مع الإمام حتى يكمل كتب له فضل قيام الليلة كلها، وإذا انصرف بعدما يصلي بعض الركعات لا بأس، ولا حرج في ذلك لأنها نافلة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/437)
201 - حكم صلاة التراويح عشرين ركعة أو أكثر
س: تسأل الأخت وتقول: لقد قرأت في بعض الكتب أن صلاة التراويح عشرين ركعة لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم ترد عن عمر بن الخطاب كما يزعم بعض الناس، فهل صلاة عشرين ركعة بدعة؟ أم هي جائزة ولا حرج فيها أبدا؟ جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: صلاة التراويح ليس فيها حد محدود، من صلى عشرين فلا بأس، ومن صلى ثلاثين فلا بأس، ومن صلى أربعين فلا بأس، ومن صلى إحدى عشرة فلا بأس، ومن صلى ثلاث عشرة فلا بأس، ومن صلى أكثر أو أقل فلا بأس، أمرها واسع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (235) .(9/437)
«صلاة الليل مثنى مثنى (1) » ولم يحدد حدا، عليه الصلاة والسلام، هكذا جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » ، وهذا يعم رمضان وغيره، «فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (3) » ، فأبان - صلى الله عليه وسلم - أن صلاة الليل مثنى مثنى، إذا صلى عشرا يوتر بواحدة بعد ذلك، وإن صلى عشرين يوتر بواحدة، أو صلى ثلاثين يوتر بواحدة، أو صلى أربعين يوتر بواحدة، أو صلى مائة يوتر بواحدة، ما في ذلك حد محدود، ما قال: صلاة الليل عشر، ولا عشرون، قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح (4) » ؛ يعني لو بدأ الصلاة خشي الصبح «يوتر بواحدة (5) » وهكذا لو أوتر في الليل يصلي ما قسم الله له ويوتر بواحدة، أو في جوف الليل كذلك، وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما أوتر بسبع وربما أوتر بخمس وربما أوتر بتسع، وكان في الأغلب يصلي إحدى عشرة، يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، وربما صلى ثلاث عشرة، صلى ثنتي عشرة ثنتين ثنتين ثم يوتر بواحدة، هذا هو الغالب من فعله صلى الله
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(4) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(5) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/438)
عليه وسلم، وربما نقص فصلى سبعا أو تسعا أو خمسا أو ثلاثا، لكن الغالب والأكثر يصلي إحدى عشرة، وفي بعض الأحيان ثلاث عشرة، ولكن ما نهى عن الزيادة عليه الصلاة والسلام، من شاء زاد، وثبت عن عمر رضي الله عنه والصحابة أنهم فعلوا ذلك؛ صلوا إحدى عشرة وصلوا ثلاثا وعشرين، ثبت هذا وهذا عن عمر رضي الله عنه، فالذي أنكر ثبوته عن عمر قد غلط، بل هو ثابت عن عمر أنه صلى ثلاثا وعشرين، وفي بعض الليالي صلى إحدى عشرة، فالأمر واسع والحمد لله، ومن صلى أكثر كما فعل بعض الصحابة فلا بأس، بعض السلف كان يصلي ستا وثلاثين ويوتر بثلاث حتى تكون تسعا وثلاثين، بعضهم يصلي إحدى وأربعين، فليس في هذا حد محدود والحمد لله، لكن مثنى مثنى، ثنتين ثنتين، هذا هو السنة في رمضان وفي غيره، ولكن كونه يصلي ثلاث عشرة أو إحدى عشرة أفضل لأنها أرفق ولأنها توافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صلى ثلاثا وعشرين مثل ما فعل عمر في بعض الأحيان فلا بأس، وإن أحب الزيادة هو وجماعته فلا بأس، لكن يرفق بالذين معه، لا يطول عليهم، ويطمئن في ركوعه وسجوده، يرتل في قراءته لأن هذا أنفع للمسلمين، ولا يجوز له أن ينقرها نقرا، يجب أن يطمئن، فإذا صلى إحدى عشرة مع الطمأنينة(9/439)
والترتيل في القراءة كان أفضل من عشرين، وإذا صلى ثلاث عشرة كذلك، وإذا كان يشق عليه صلى سبعا مع الترتيل ومع الطمأنينة أفضل، وهكذا خمس - ثلاث، حسب طاقته؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، وإن من أهم المهمات أنه يطمئن ولا يعجل في قراءته، يطمئن ويرتل حتى يستفيد وحتى يستفيد الجماعة الذين خلفه وينتفعوا بالقراءة، إذا رتل واطمأن استفاد الجميع؛ هو والجماعة، فيطمئن في ركوعه وسجوده ويرتل في قراءته ويخشع فيها حتى يستفيد من وراءه وحتى يستفيد هو، وفق الله الجميع.
س: السائل ع. أيقول: ما حكم من يصلي في رمضان أربعا وعشرين ركعة ويقنت في صلاة الفجر ويعجل فيها كي لا يكون شاقا على من خلفه (2) ؟
ج: صلاة الليل موسع فيها والحمد لله، لكن أربعا وعشرين لا وجه لها، نعم، الصحابة صلوا ثلاثا وعشرين وصلوا إحدى عشرة وعشرين، يسلم من كل اثنتين ويوتر بثلاث، يسلم من اثنتين ويوتر بواحدة، أما
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (389) .(9/440)
الصلاة أربعا وعشرين ما لها وجه، هذه شفع، لكن يصلي ثلاثا وعشرين أو واحدا وثلاثين أو ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين أو تسعا وثلاثين؛ يعني يوتر لا بأس، ليس فيها حد محدود والحمد لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة (1) » فإذا صلى عشرا وأوتر بواحدة، يعني إحدى عشرة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل في غالب تهجده أو صلى ثلاث عشرة أو صلى ثلاثا وعشرين أو صلى أكثر من ذلك لكن يوتر بواحدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (2) » ، والأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة؛ لأن هذا هو أكثر ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أوتر بأكثر كما فعل الصحابة في بعض الأحيان بثلاث وعشرين في عهد عمر أو أوتر بتسع وثلاثين أو أوتر بإحدى وأربعين أو بأكثر من هذا، كل هذا لا حرج فيه والحمد لله، لكن يصلي ثنتين ثنتين، يسلم من كل اثنتين، وأقل ذلك واحدة، أقل الوتر واحدة، وفي رمضان الأفضل أن يوتر بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة،
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/441)
وإن أوتر بثلاث وعشرين يسلم من كل ثنتين، كله طيب والحمد لله.(9/442)
202 - حكم صلاة التراويح عشر ركعات طوال
س: في شهر رمضان المبارك يصلي إمام مسجدنا صلاة التراويح عشر ركعات طوال شهر رمضان، هل يعتبر صلى النصف أو أكمل (1) ؟
ج: هذا أفضل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عشرا ويوتر بواحدة في رمضان وفي غيره عليه الصلاة والسلام، وربما صلى ثلاث عشرة عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الأفضل، إحدى عشرة أو ثلاث عشرة في رمضان وفي غيره، وإن صلى أقل أو أكثر فلا حرج، أو إن صلى - كما جاء عن عمر والصحابة - ثلاثا وعشرين فلا بأس، وإن صلوا أكثر من ذلك فلا بأس، الأمر في هذا واسع والحمد لله؛ لأن الرسول لم يحدد ركعات معلومة عليه الصلاة والسلام، بل لما سئل عن صلاة الليل قال: «مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (2) » فلم يحدد عشرا ولا عشرين، فدل ذلك
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (217) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/442)
على أن الأمر فيه سعة والحمد لله، فمن صلى عشرا أوتر بواحدة فقد أحسن، ومن أوتر بثلاث عشرة فقد أحسن، ومن أوتر بثلاث وعشرين فقد أحسن، ومن صلى بأكثر فلا بأس، ولكن أفضلها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة؛ لأن هذا موافق لفعله عليه الصلاة والسلام، وإن أوتر أحد بأقل من ذلك فلا بأس؛ لأنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ربما أوتر بتسع ثم أوتر بسبع ثم أوتر بأقل من ذلك، هذا كله يدلنا على أن الأمر فيه سعة والحمد لله، أما من يشدد ويقول: لا بد أن يوتر بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة أو بثلاث وعشرين - هذا غلط، لا يجوز التشديد في هذا، والله قد وسع فيه سبحانه وتعالى، فمن صلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا أفضل، ومن صلى ثلاثا وعشرين لأن جماعته رغبوا في ذلك فلا بأس، ومن صلى ثلاثا وثلاثين أو تسعا وثلاثين أو إحدى وأربعين فلا بأس، السلف فعلوا هذا وهذا، فلا حرج في هذا كله والحمد لله، وإذا وسع الله فوسعوا، ولا ينبغي لأحد أن يتشدد في أمر وسع الله فيه.(9/443)
203 - حكم إحياء ليل رمضان بالصلاة والقراءة بعد التراويح
س: يقول السائل: إنني أقوم في أيام رمضان عند انتهائي من صلاة(9/443)
التراويح، وأعود إلى البيت في قراءة القرآن والصلاة حتى صلاة فجر اليوم الثاني، وأقول: أصلي ركعتين طاعة لله تعالى. وأكبر، وهذا طيلة الليل حتى انتهاء رمضان، فهل عملي هذا صحيح (1) ؟
ج: أما في العشر الأخيرة فلا بأس، كان النبي يحييها - عليه الصلاة والسلام - في رمضان، يحييها بالعبادة، ويوقظ أهله عليه الصلاة والسلام، فأما في العشر الأول فالأفضل لك ألا تحييها، بل تنام فيها بعض الوقت حتى تستعين بنومك على قومتك وعلى أعمالك النهارية، فتصلي ما يسر الله مع المسلمين في المساجد وتنام، أما العشر الأخيرة فإنه يستحب إحياؤها بالعبادة بالقراءة والصلاة، ثم المؤمن لا يتلفظ بالنية، يقول: أصلى كذا وكذا. ينوي بقلبه ويكفي، سواء التراويح أو صلاة الفريضة أو الراتبة أو غير ذلك، لا حاجة إلى التلفظ، ولا يقول: نويت أن أصلي الظهر، أو نويت أن أصلي ركعتي التحية، أو نويت أن أصلي صلاة الضحى، أو نويت أن أصلي صلاة العشاء، كل هذا لا أصل له، كما أنه لا يقول أيضا: نويت أن أتوضأ، أو أن أطوف أو أسعى، كل هذا لا أصل له، القلب هو محل النية، ينوي بقلبه والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (193) .(9/444)
204 - حكم صلاة التراويح ثماني ركعات
س: يقول السائل: صلينا التراويح ثماني ركعات في المسجد، بعض الناس يقولون: إنكم هدمتم البناء الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه! هل هذا القول صحيح؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيرا (1)
ج: عملكم هذا هو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة النبي مقدمة على سنة عمر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه فعل هذا وهذا، فعل إحدى عشرة وفعل ثلاثا وعشرين، صلى هذا وهذا مع الصحابة، فالأمر واسع، فمن صلى ثلاثا وعشرين فلا بأس، ومن صلى أكثر فلا بأس، ومن صلى ثلاث عشرة فهو سنة، ومن صلى إحدى عشرة فهو سنة، كله طيب، وأفضلها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صلى الناس عشرين مع الوتر ثلاثا فلا بأس كما فعل عمر في بعض الأحيان، وعمر فعل هذا وهذا، أمر أبيا أن يصلي بالناس إحدى عشرة، وفي بعضها: صلى ثلاثا وعشرين، فالأمر في هذا واسع والحمد لله، ولكن المقدم هو سنة
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (210) .(9/445)
النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي إحدى عشرة، وربما صلى ثلاث عشرة - عليه الصلاة والسلام - في رمضان وفي غيره، ومن زاد فلا حرج عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » ولم يحدد لا ثمانيا ولا عشرا ولا أكثر ولا أقل، فدل على التوسعة والحمد لله، «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » يعني ثنتين ثنتين، ثم قال: «فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (3) » ؛ يعني إذا خشي الصبح أوتر بواحدة، فهذا هو المشروع، إذا صلى ثمانيا وأوتر بثلاث صارت إحدى عشرة، وإذا صلى عشرا وأوتر بثلاث صارت ثلاث عشرة، وإذا صلى عشرين؛ عشر تسليمات وأوتر بثلاث صارت ثلاثا وعشرين، وإن صلى أكثر فلا بأس، فالحمد لله، الأمر واسع بحمد لله.
س: يقول السائل: رأيت بعض الناس يصلون التراويح ثماني ركعات، والبعض الآخر عشرين ركعة، فما رأي سماحتكم (4) ؟
ج: الأمر واسع والحمد لله، ومن صلى ثمانيا أو عشرا أو عشرين ثم
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(4) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (255) .(9/446)
أوتر كله طيب، لا حرج في ذلك، لكن الأفضل أن يصلي ثمانيا مع الوتر ثلاثا إحدى عشرة، أو عشرا مع الوتر ثلاثا تكون ثلاث عشرة؛ لأن هذا هو المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأغلب، كان يوتر بإحدى عشرة وربما أوتر بثلاث عشرة، هذا هو الأغلب، وربما أوتر بأقل من ذلك، فكون الإمام أو المنفرد يتحرى ذلك أفضل، ومن صلى عشرين أو أكثر فلا حرج، فقد ثبت عن عمر والصحابة رضي الله عنهم أنهم صلوا عشرين بالوتر ثلاثا وصلوا إحدى عشرة، صلوا هذا وهذا، وكله بحمد الله واسع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد حدا بذلك، بل قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » فلم يحدد، فظاهره أنه إذا صلى عشرين أو ثلاثين أو أربعين فلا حرج، ثم يوتر بواحدة والحمد لله.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/447)
205 - بيان عدد الركعات في صلاة التراويح
س: هل عدد ركعات التراويح ثلاث عشرة ركعة أو إحدى وعشرون ركعة؟ وما هو الأفضل في ذلك مأجورين (1) ؟
__________
(1) السؤال الخامس والخمسون من الشريط رقم (430) .(9/447)
ج: الأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا هو الأفضل، هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان الغالب يوتر بإحدى عشرة، يسلم من كل ثنتين كما روت عائشة رضي الله عنها في ذلك، وربما أوتر بثلاث عشرة كما روت عائشة ذلك وابن عباس أيضا، هذا هو الأفضل، وإن زاد صلى إحدى وعشرين أو ثلاثا وعشرين أو أكثر فلا حرج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » فلم يحدد حدا، فلو صلى عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو أكثر ثم أوتر بواحدة فلا بأس، لكن الأفضل والأرفق بالمسلمين إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الأرفق بالناس.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/448)
206 - بيان أن الأمر في صلاة التراويح واسع
س: يقول السائل: أود أن أعرف كم عدد ركعات صلاة التراويح؟ هل عددها ثماني ركعات أو عشرون ركعة؟ ذلك أني أرى بعض المساجد يصلون ثمانيا والبعض الآخر يصلون عشرين!(9/448)
أفيدوني مأجورين (1)
ج: ليس للتراويح عدد محصور، بل الأمر فيها واسع والحمد لله، من صلى عشرين أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو صلى أربعين مع الوتر أو خمسين مع الوتر كله لا بأس به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (2) » ولم يحدد عليه الصلاة والسلام، بل قال: «صلاة الليل مثنى مثنى (3) » ، ثم قال: «فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (4) » ، فدل ذلك على أنه لو صلى ثمانيا وأوتر أو عشرا وأوتر أو عشرين وأوتر أو ثلاثين وأوتر أو أكثر وأوتر لا بأس، ولا حرج في ذلك، لكن الأفضل أن يفعل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا هو الأفضل، وإن أوتر بسبع أو تسع أو خمس أو ثلاث فلا بأس في رمضان أو في غيره، والأفضل في رمضان أن يصلي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا هو الأفضل، وإن صلى عشرين كما فعل الصحابة في
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (245) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .
(4) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/449)
عهد عمر رضي الله عنه؛ لأنهم في بعض الأحيان صلوا عشرين مع الوتر ثلاثا، الجميع ثلاث وعشرون لا بأس، فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صلى الناس ثلاثا وعشرين لا بأس طيب، وأفضل من ذلك ثلاث عشرة أو إحدى عشرة كما فعل عليه الصلاة والسلام، وإن صلوا أكثر صلوا أربعين وأوتروا بثلاث أو واحدة كل ذلك لا بأس به، فالأمر في هذا واسع والحمد لله، ولا ينبغي فيه الإنكار ولا التشديد، من صلى إحدى عشرة فقد أحسن، ومن صلى ثلاث عشرة فقد أحسن وهو أفضل، ومن صلى عشرين فلا بأس كما فعل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، كل هذا بحمد الله ميسر.(9/450)
207 - بيان ما يقرؤه الإمام في صلاة التراويح
س: يقول السائل: هل يقرأ في صلاة التراويح من طوال السور أم من قصارها (1) ؟
ج: الأفضل للإمام أن يراعي المأمومين ولا يطول عليهم، يقرأ من أول القرآن ويستمر حتى يختمه في آخر الشهر، وإن قرأ من السور القصيرة فلا بأس، يقرأ ما يتحملون وما لا يشق عليهم، وإن قرأ تارة
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (247) .(9/450)
بشيء من الطوال ولم يكملها، بل فرقها في ركعتين أو أكثر فكل هذا حسن، المقصود أنه يقرأ ما يناسبهم، ولا يشق عليهم، وما يحصل به الفائدة، وإذا قرأ من أول القرآن حتى يختمه كان هذا هو الأفضل، يبدأ بالفاتحة ثم البقرة إلى آخره حتى يختم القرآن في آخر الشهر، يكون هذا هو الأفضل، مع مراعاة الترتيل وعدم العجلة، وإيضاح القراءة حتى يستفيد المصلون، وحتى يتدبروا ويتعقلوا.
س: بعض الأئمة يقرؤون قصار السور، ويقتصرون على ذلك في صلاة التراويح، ولا يختمون القرآن إطلاقا، ما حكم هذا العمل (1) ?
ج: الأمر في هذا واسع والحمد لله، كل يقرأ بما يسر الله له، سواء قرأ القرآن كله، أو قرأ من قصار المفصل، أو قرأ بعض السور التي يحفظها، لا حرج في ذلك، لكن الأفضل أن يقرأ القرآن كله إذا تيسر، ولو من المصحف، يجعل حوله كرسيا، وإذا أراد الركوع أو السجود جعله على الكرسي، وإذا قام قرأ، وكان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها في رمضان من المصحف والصواب أنه لا حرج في ذلك، هذا
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (194) .(9/451)
هو الصواب، أنه لا حرج في أن يقرأ من المصحف، ولو ترك ذلك وقرأ بهم من جزء (عم) أو غيره فلا حرج في ذلك أيضا، الأمر في هذا واسع، ليس من اللازم أن يختم القرآن، لو صلى بهم ببعض القرآن في جميع رمضان فلا بأس بذلك، سواء كان من قصار المفصل، أو من طواله، لكن الأفضل إذا تيسر أن يختم بهم، فهو الأفضل.
س: يسأل الأخ: هل يجوز في شهر رمضان الاقتصار على أقصر السور في صلاة التراويح، أم يكون القرآن كاملا عن ظهر قلب (كما يعبر) ؟ حيث عندنا في القرية لا يتمونه، بل من أقصر السور، أرجو أن تتفضلوا بالتوجيه نحو هذا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الشهر الكريم المؤمنون فيه يحتاجون إلى التشجيع والتوجيه والنصيحة، والعظة المختصرة التي ليس فيها طول ولا إسهاب، بل في كل مقام بحسبه، وفي قراءة التراويح لا يطول كثيرا، ولكن إذا أمكن أن يختم بهم ختمة في جميع الشهر فهذا أولى وأكمل؛ حتى يسمعوا جميع القرآن، وينبغي له أن يقرأ في التراويح في كل ركعة آيات كربع الثمن، ثلث الثمن، لا يشق عليهم، أما تعمده قصار السور، وهو يستطيع أن
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (85) .(9/452)
يقرأ خلاف ذلك فالأولى ترك ذلك، أما إذا كان لا يحفظ، وإنما يحفظ قصار السور فيرددها فلا حرج في ذلك، لكن لو قرأ من أول القرآن إلى آخره ولم يطول عليهم، ولو من المصحف إذا كان لا يحفظ يقرأ من المصحف لا بأس، كان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها ويقرأ من المصحف والصواب أنه لا حرج في ذلك؛ لأنه لا يحفظ القرآن فلا مانع من أن يقرأ من المصحف، ولكن لا يطول على إخوانه، يراعي أحوالهم، قد يكون لهم أعمال، وقد يكون لهم شؤون تمنعهم من الإطالة، وتمنعهم من التطويل، بل يشق عليهم في ذلك، فإنه يلاحظهم، فالناس أقسام، منهم من يتحمل، ومنهم من لا يحتمل، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في حق الأئمة: «فمن أم الناس فليتجوز؛ فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة (1) » هذا في الفرائض، فكيف بالنوافل، التراويح نافلة، فهو يلاحظ الشيء الذي يشق عليهم،
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، برقم (704) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم (466) .(9/453)
ويحصل لهم به المتابعة له، والصلاة معه والراحة في هذه العبادة، والخشوع فيها، فلا ينبغي له أن يفعل شيئا ينفرهم، ويجعلهم يخرجون من المسجد ولا يصلون معه إلا الشيء القليل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة (1) » هذا فضل عظيم، لكن متى طول عليهم فقد ينفرون، وقد لا يكملون، فالإمام يشرع له أن يراعيهم، وأن يصلي بهم صلاة بين الصلاتين، ليس فيها مشقة ولا تطويل، وليس فيها نقر واختصار كثير، نسأل الله للجميع التوفيق.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/454)
208 - حكم القراءة من المصحف في الصلاة إذا دعت الحاجة لذلك
س: في صلاة التراويح والقيام في شهر رمضان هل يجوز التلاوة من مصحف صغير، لمن لم يتمكن من حفظ القرآن كله؟ علما بأن ذلك يتم بطريقة عادية دون أن يسبب أي حركات تخل بالصلاة، نرجو الجواب الشافي في هذا الأمر، جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس هناك حرج في أن يقرأ من المصحف في صلاة التراويح، أو قيام رمضان، أو في الصلاة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، سواء كان
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (277) .(9/454)
صغيرا أو كبيرا؛ لأنه ليس كل أحد يحفظ القرآن، فإذا صلى بالناس التراويح، أو القيام من المصحف فلا حرج في ذلك، وقد ثبت أن ذكوان مولى عائشة كان يصلي بها في رمضان من المصحف ومن منع ذلك ليس عنده دليل، والصواب أنه لا حرج في ذلك، إذا دعت الحاجة إلى أن الإمام يقرأ من المصحف، أو إنسانا يتهجد من الليل يقرأ من المصحف فلا حرج في ذلك والحمد لله، أما الفرائض فيكفي فيها ما تيسر والحمد لله، ولو قرأ من المصحف بمثل صلاة الفجر أو غيرها صحت صلاته، ولا حرج في ذلك، لكن في الغالب أنه لا يحتاج إلى المصحف في الفرائض؛ لأن القراءة فيها ميسرة، لكن لو أن إنسانا احتاج المصحف في صلاة الفجر، لم يحفظ: (الم تنزيل: السجدة) ، و (هل أتى على الإنسان: الإنسان) وقرأ من المصحف؛ ليقرأ هذه القراءة المشروعة في صباح الجمعة فلا حرج في ذلك والحمد لله.(9/455)
س: رسالة من المستمع م. م، يقول: هل يجوز أن أمسك المصحف أثناء الصلاة، مع توضيح ذلك؟ وكيف أضعه أثناء السجود؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (338) .(9/455)
ج: إذا دعت الحاجة إلى ذلك أن يقرأ من المصحف؛ مثل صلاة رمضان في القيام، وأشباه ذلك لا بأس، والأفضل يقرأ عن ظهر قلب إذا كان حافظا، فإذا كان يحتاج المصحف فلا بأس، فقد ثبت أن مولى عائشة رضي الله عنها كان يصلي بها من المصحف في رمضان.(9/456)
س: هل يجوز لي أن أقرأ من المصحف أثناء صلاة النافلة؛ كقيام الليل مثلا (1) ?
ج: لا حرج في ذلك مثل قيام الليل، التهجد في رمضان، لا حرج أن يقرأ الإنسان من المصحف الرجل والمرأة جميعا؛ لأن في هذا إعانة لهما على الاستكثار من القراءة.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (221) .(9/456)
س: هل يجوز حمل المصحف أثناء الصلاة لقيام الليل والتراويح للقراءة منه (1) ?
ج: لا حرج، لو قرأ في المصحف التراويح والتهجد لا بأس به، كان مولى عائشة ذكوان يصلي بها، ويقرأ بها من المصحف رضي الله عنهم.
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (430) .(9/456)
209 - حكم متابعة الإمام في المصحف أثناء الصلاة
س: بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته، فما رأيكم في هذا (1) ?
ج: هذا سألني عنه غير واحد، والذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، وأن الأولى هو الإقبال على الصلاة والخشوع، ووضع اليدين على الصدر، اليمنى على اليسرى؛ على الكف اليسرى ورسغها وساعدها، متدبرا لما يقرؤه الإمام ومنصتا، هكذا أمرنا الله سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (2) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ الإمام فأنصتوا (3) » فالسنة أن ينصت ولا يشتغل بشيء، لا بالمصحف ولا بغيره، بل يضع يمينه على شماله على صدره، خاشعا مطمئنا منصتا متدبرا، متعقلا لما يقرؤه الإمام، هذا هو الأفضل والأولى، وأما الاستماع له بالمصحف فأقل أحواله الكراهة.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (84) .
(2) سورة الأعراف الآية 204
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، برقم (847) .(9/457)
210 – حكم قراءة المأموم للفاتحة كل ركعة في التراويح
س: يسأل المستمع ويقول: هل على المأموم أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة أثناء صلاة التراويح مع الإمام، أم يكتفي بالإنصات لقراءة الإمام؟ مع العلم بأن الإمام يشرع في قراءة القرآن بعد الفاتحة مباشرة (1)
ج: هذه مسألة خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: يكفي قراءة الإمام. ولكن الراجح أنه يقرأ، والصواب أنه يقرأ، يقرأ الفاتحة ثم ينصت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا: نعم، قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (2) » وهذا عام، يعم الفرض والنفل، وهو حديث صحيح، مع عموم حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (3) » فالمأموم يقرأ الفاتحة ثم ينصت، سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، هذا هو الصواب.
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم (392) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (394) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756) ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (394) .(9/458)
211 - بيان فضل القيام مع الإمام حتى ينصرف من الصلاة في رمضان
س: هناك معنى لحديث شريف: من صلى العشاء والقيام وراء الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. هل يعني ذلك في رمضان، أو في غيره أيضا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا صلى خلف الإمام في رمضان؛ لأن هذا ورد في رمضان كتب الله له قيام ليلة، إذا صلى معه حتى ينصرف فإنه يكتب له قيام ليلته، وهذا فيه تحريض على الجماعة، وترغيب في الجماعة لصلاة التراويح وصلاة القيام في العشر الأخيرة مع الإمام، أما في بقية الليالي فلا أعلم ما يدل على ذلك، لكن يرجى لمن صلى مع أخيه في بعض الليالي أو مع إخوة له، صلى معهم جماعة وأمهم بعضهم يرجى لهم في ذلك خير عظيم؛ لأن هذا فيه تعاون على البر والتقوى، فيرجى أن يعمهم الحديث كما لو كان ذلك في رمضان، أما فريضة العشاء فهذا فيه نص الحديث: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، وإذا صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله (2) » هذا في فضل الجماعة، والجماعة
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (329) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المسجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، برقم (656) .(9/459)
واجبة، وفيها فضل عظيم.(9/460)
س: من قام مع إمامه في صلاة التراويح، ولم يقم معه في التهجد آخر الليل هل يعتبر له قيام ليلة كاملة (1) ?
ج: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، إذا كان إمامه صلى بهم في أول الليل وأوتر بهم له قيام الليل، وإن صلى مع من صلى في آخر الليل زيادة فلا بأس، لكن لا يوتر وترين، إذا أوتر مع الأول لا يوتر مع الثاني، يصلي ما تيسر ولكن لا يوتر، إذا أوتر الثاني يصلي معه، ويشفعها بركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا وتران في ليلة (2) » هكذا قال صلى الله عليه وسلم، فإذا أوتر مثلا في الحرم، أو في غير الحرم مع الذي صلى أولا، إن كان الأول أوتر، وإن كان ما أوتر فالحمد لله، لكن إذا أوتر الأول وأوتر معه فلا يوتر مع الثاني، لكن يصلي مع الثاني ما تيسر ولا يوتر معه، فإن أوتر معه في الركعة الأخيرة شفعها
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (382) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في نقض الوتر، برقم (1439) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء لا وتران في ليلة، برقم (470) ، والنسائي في المجتبى في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة، برقم (1679) .(9/460)
بركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وتران في ليلة (1) » اللهم صل عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في نقض الوتر، برقم (1439) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء لا وتران في ليلة، برقم (470) ، والنسائي في المجتبى في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة، برقم (1679) .(9/461)
212 - حكم من صلى التراويح مع الإمام وأراد أن يصلي في آخر الليل
س: نرى من محبي الخير ومن فضلاء الناس الذين يصلون التراويح في رمضان مع الجماعة، إذا جاءت الشفع والوتر تركوا أمكنتهم، وانصرفوا إلى منازلهم، وإذا كان المسلم يصلي مع الجماعة في رمضان صلاة التراويح، وكانت له صلاة في آخر الليل فأيهما أحسن وأولى؛ يوتر مع الجماعة ويشفع وتره، أم يترك الشفع والوتر مع الجماعة ويوتر آخر الليل (1) ?
ج: الأفضل له أن يكمل مع الإمام كما شرع الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته (2) » والرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى بالصحابة في بعض الليالي إلى آخر الليل، وفي بعضها إلى نصف الليل قالوا: يا
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (28) .
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/461)
رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا، قال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته (1) » هذا هو الأفضل أنه يستمر مع الإمام حتى يوتر، ثم إذا صلى آخر الليل يكفي الوتر الأول، لا حاجة لوتر ثان، والحمد لله، ينصرف مع الإمام ويصلي ما تيسر في آخر الليل شفعا من دون وتر, ومن صلى مع الإمام فلما سلم الإمام قام وأتى بركعة، ثم جعل وتره آخر الليل فلا بأس بذلك، لكن هذا قد يثقل على بعض النفوس، وقد يخشى صاحبه أن يعد بهذا مرائيا، فالحاصل أنه إذا ختم بالوتر الحمد لله يكفي، وإن شفعه فلا حرج، وإن اكتفى ثم صلى في آخر الليل ما تيسر ركعتين، أو أربعا أو ستا أو ثمانيا، أو ما أشبه ذلك فلا حرج، ولا حاجة إلى وتر، يكفي الوتر الأول.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/462)
213 - حكم من لا يسلم مع الإمام في الوتر ليوتر آخر الليل
س: تقول السائلة: في صلاة التراويح، وبعد أن يصلي الإمام الوتر، وعند السلام لا نسلم معه، بل نقوم نصلي ركعة إضافية حتى لا يكون وترا؛ لأننا نرغب في تأخير الوتر إلى ما بعد النوم، فأيهما(9/462)
أفضل: متابعة الإمام، أو تأخير الوتر (1) ?
ج: الأمر واسع في هذا، من تابع فهو أفضل يسلم معه، له أجر ما فعل مع الإمام حتى ينصرف، ومن أتى بركعة وشفع بها وتره، وأوتر في آخر الليل فالأمر واسع بحمد الله، وإن سلم معه فلعله أفضل إن شاء الله، ثم هو يصلي بعد ذلك ما تيسر من دون وتر، يصلي ركعتين، يصلي أربعا، ثمانيا، أكثر، أقل، يسلم من كل ركعتين، وليس هناك حاجة للوتر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وتران في ليلة (2) » لكن يصلي ما تيسر، يسلم من كل ثنتين والحمد لله، وأما سلامه مع الإمام فهو يكون أفضل، وأبعد عن الرياء.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (384) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في نقض الوتر، برقم (1439) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء لا وتران في ليلة، برقم (470) ، والنسائي في المجتبى في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة، برقم (1679) .(9/463)
214 - حكم صلاة التراويح بسور معينة من القصار أو بآية أو آيتين
س: أئمة بعض المساجد عندنا يصلون التراويح في وقت قصير، وعندهم سور ثابتة يقرؤون بها، فهم يقرؤون بالإخلاص في الركعة الثانية من كل ركعتين دائما، ولذلك تركنا صلاة التراويح خلفهم، فصلينا خلف جماعة من الشباب وحدنا، فبماذا(9/463)
تنصحونا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: كل هذا لا بأس به، صلاة التراويح سنة مستحبة نافلة، والأفضل للإمام أنه يقرأ من أول القرآن، فإن تيسر له أن يختم ختم في الشهر حتى يسمع الجماعة جميع القرآن، ويتحرى الصوت الحسن، والترتيل وعدم العجلة، ولا يقتصر على السور القصيرة، بل من أول المصحف، من أول القرآن إلى آخره، حتى يسمعهم كلام ربهم عز وجل، وحتى لا يملوا، أما اقتصاره على السور القصيرة دائما فهذا تركه أولى إذا استطاع أن يقرأ، أما إذا كانوا عامة لا يستطيعون: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، يقرؤون ما تيسر ولو بالسور القصيرة، والحمد لله، لكن إذا تيسر أن يقرأ القرآن كله أو ما تيسر منه، يبدأ من الفاتحة والبقرة حتى ينهيه ويختمه في العشر الأخيرة، أو في آخرها هذا يكون أفضل، حتى يسمع الجماعة جميع القرآن، ولو من المصحف، ولا حرج في ذلك والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (313) .
(2) سورة التغابن الآية 16(9/464)
س: السائل: أ. ر. س. ع. من اليمن، يقول: هل تجوز الزيادة عن ثماني ركعات في صلاة التراويح؟ وإن كانت تجوز فما أقصى(9/464)
عدد لها (1) ?
ج: الرسول عليه السلام لم يشترط عددا معينا، بل قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فمن خشي الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى (2) » فليس في هذا حد محدود، فإذا أوتر بتسع أو بخمس أو بسبع أو بأكثر، لكن الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أوتر بثلاث وعشرين أو بأكثر من هذا فلا بأس، لكن الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، يسلم من كل ثنتين؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (412) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/465)
س: توجد بعض القرى الصغيرة، في صلاة التراويح، في شهر رمضان يقوم الإمام بقراءة آية أو آيتين على الأكثر في كل ركعة، وهناك من يقرأ في كل ركعة: ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1)) في جميع الركعات، فهل الصلاة صحيحة والحال ما ذكر (2) ?
ج: الصلاة صحيحة، لكن الأفضل أن يقرأ بهم من أول القرآن، ما
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (352) .(9/465)
تيسر، وإذا تيسر أنه يختم في رمضان فهو أفضل وأكمل، وأما الإجزاء يجزئ إذا قرأ آية أو آيتين، أو قرأ بعض السور، كل ذلك لا بأس به، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، والله يقول سبحانه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (2) ، فليس في صلاة التراويح حد محدود في القراءة، بل يقرأ ما تيسر مع الفاتحة. أما كونه يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة، فإذا كان ما عنده غيرها لا حرج، أما إن كان عنده غيرها فالأفضل أن يقرأ من السور الأخرى، وتكون ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)) في الوتر خاصة، تقرأ في الركعة الأخيرة، هذا هو الأفضل.
س: سماحة الشيخ، يلجأ بعض الأئمة إلى هذه الطريقة؛ كونهم لم يحفظوا القرآن الكريم، فهل يجوز أن يقرؤوا من المصحف، ويصلوا بالناس التراويح (4) ?
ج: نعم، يقرؤون من المصحف، الذي لا يحفظ يقرأ من المصحف، والحمد لله، كان مولى لعائشة رضي الله عنها يصلي بها من المصحف
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة المزمل الآية 20
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (352) .(9/466)
ولا حرج في ذلك.(9/467)
215 - حكم صلاة التراويح بأربع تسليمات والوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة
س: السائل: ب. م. س. من الرياض، يقول: صلى بنا الإمام ذات مرة صلاة التراويح أربع تسليمات، ثم صلى بنا الوتر بتسليمة واحدة وثلاث ركعات الوتر، فهل عمله صحيح (1) ?
ج: هذا أفضل، إذا صلى إحدى عشرة أربع تسليمات، ثم الوتر ركعتين ثم ركعة إحدى عشرة الجميع، هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي ثنتين ثنتين، هذه ثمان، ثم ثنتين فيها (سبح) و (الكافرون) ثم الواحدة فيها ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2)) هذا هو الأفضل، وإن صلى ثلاث عشرة فلا بأس، وإن سرد الثلاث: (سبح) و ( {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (3)) سردها جميعا فلا بأس، لكن لا يشبهها بالمغرب، بل يسردها جميعا بسلام واحد ولا بأس، والأفضل أن يسلم من كل ثنتين، كما سلم في الأربعة الأولى من كل ثنتين، كذلك يقرأ (سبح) و (الكافرون) ويسلم، ثم يأتي بواحدة يقرأ فيها ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4)) ويسلم
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (420) .
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الكافرون الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1(9/467)
مع الفاتحة، هذا هو الأفضل، والواحدة وحدها مستقلة، وإن جمعها مع الثنتين سرد الثلاث جميعا فلا حرج، فعل النبي هذا وهذا، اللهم صل عليه وسلم.(9/468)
216 - من صلى مع الإمام أربع ركعات في التراويح ولم يكمل مع الإمام
س: يسأل السائل ويقول: من يصلي مع الإمام أربع ركعات أو ستا وهكذا، ولا يكمل مع الإمام بقية الصلاة فهل يكتب له أجر القائم مع الإمام، ويكتب له قيام ليلة؟ وما حكم من يصلي الوتر فقط في رمضان (1) ?
ج: له أجر ما صلى، ولا يكتب له قيام ليلة إلا إذا كمل مع الإمام حتى ينصرف الإمام، يكتب له قيام ليلة، أما إذا صلى معه تسليمة أو تسليمتين فله أجرها، كلها نافلة، لكن الأفضل أن يكمل معه حتى يحصل له فضل قيام الليل.
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (420) .(9/468)
217 - بيان عدد ركعات صلاة التراويح
س: نحن فئة من المسلمين، نصلي في شهر رمضان صلاة التراويح(9/468)
إحدى عشرة ركعة، وقد أنكر علينا بعض المسلمين ويقولون: إنها إحدى وعشرون ركعة، كما فعل عمر رضي الله عنه. وضحوا لنا جزاكم الله خيرا (1)
ج: التراويح في رمضان بابها واسع، قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة، كما روت عائشة رضي الله عنها ذلك، وصلى ثلاث عشرة، وصلى أقل من ذلك عليه الصلاة والسلام، وصلاها عمر والمسلمون إحدى عشرة، وصلوها ثلاثا وعشرين، كل هذا واقع، والأمر في هذا واسع والحمد لله، فإن صلوها ثلاثا وعشرين كما فعل عمر والصحابة فلا بأس، وإن صلوها إحدى عشرة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو ثلاث عشرة هذا أفضل، وقد فعله عمر والصحابة في بعض الأوقات، فعلوا هذا وهذا، فالأمر واسع في هذا، وإن صلوا أكثر من ثلاث وعشرين؛ كأربعين والوتر، أو أكثر أو أقل فلا بأس بذلك، لكن الأفضل فعله صلى الله عليه وسلم، وهو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، سواء كان في أول الليل أو في وسط الليل أو في آخر الليل، كله واسع والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (155) .(9/469)
س: في شهر رمضان نصلي بعد العشاء إحدى عشرة ركعة بصلاة الوتر، فهل عملنا هذا من قيام الليل (1) ?
ج: نعم، هذا أفضل ما يكون، إحدى عشرة هذا أفضل ما يكون من القيام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على هذا في جميع السنة، هذا هو الأغلب من فعله إحدى عشرة، وربما صلى ثلاث عشرة، وربما صلى أقل من ذلك، كما تقول عائشة رضي الله عنها، إن هذا هو الغالب من شأنه صلى الله عليه وسلم، إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين في رمضان وفي غيره، وإذا صلى الناس أكثر من ثلاث عشرة، أو عشرين أو أكثر فلا حرج، الأمر واسع بحمد الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أوتر بركعة واحدة (2) » صلى ركعة توتر له ما قد صلى، ولم يحدد للناس ركعات معينة؛ فدل على أنه لو صلى ثلاث عشرة، أو خمس عشرة، أو عشرين فلا حرج في ذلك، يسلم من كل ثنتين، لكن الأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (350) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/470)
عليه الصلاة والسلام.(9/471)
218 - بيان الأفضل لحافظ القرآن في صلاة التراويح
س: السائل: أ. ع، من القصيم، يقول: ما الأفضل للإمام: المتقن القراءة حفظا، أم من المصحف، وخصوصا في صلاة التراويح (1) ?
ج: إذا كان حافظا فالأفضل عن ظهر قلب، إذا كان حافظا يقرأ عن ظهر قلب؛ لأن هذا أجمع لقلبه على القراءة.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (421) .(9/471)
219 - حكم الفتح على الإمام في الصلاة إذا أخطأ في القراءة
س: هذا السائل يقول: سماحة الشيخ، أنا أصلي خلف إمام حافظ لكتاب الله عز وجل في صلاة التراويح، وغيرها من الصلوات الجهرية، وأفتح عليه إذا أخطأ، ويقول الإمام: لا تفتح علي في الكلمات القصيرة. فنرجو من سماحتكم التوجيه في ذلك (1)
ج: المشروع أن تفتح عليه ولو قال: لا تفتح علي. إذا غلط يفتح عليه حتى يعلم المصلون في الآية التي ترك، أو الحرف الذي ترك، فالفتح
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (434) .(9/471)
عليه من باب التعاون على البر والتقوى، ولا ينبغي له أن يكره ذلك، بل ينبغي له أن يشكره.(9/472)
س: يسأل السائل ويقول: البكاء من خشية الله أمر طيب، ولكن في صلاة التراويح نسمع بكاء مرتفعا يشوش على المصلين، فما حكم هذا البكاء المرتفع؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: المشروع للمؤمن أن يجاهد نفسه حتى لا يشغل المصلين ببكائه، ويكون بكاؤه بصوت منخفض، هذا هو المشروع له، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يسمع «لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء (2) » ولكن لا يكون رفيعا يؤذي الناس، وربما دمعت عيناه من دون صوت، فالحاصل أن المؤمن يجاهد نفسه، حتى لا يتأذى أحد ببكائه، وأما إذا غلبه ولم يستطع فهذا لا يضره ذلك.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (409) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المدنيين رضي الله عنهم من حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه برقم (15877) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب البكاء في الصلاة برقم (904) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب البكاء في الصلاة برقم (1214) .(9/472)
220 - نصيحة لمن يذهب إلى المساجد البعيدة عنه
س: كثير من الناس – هداهم الله – يذهبون في رمضان للمساجد البعيدة عن بيوتهم؛ لأداء صلاة التراويح، طلبا لحسن الصوت لبعض الأئمة، لكن المشكلة – يا سماحة الشيخ – هو بأنهم يذهبون متأخرين جدا، فنراهم قد تفوتهم صلاة العشاء، فيقضون جماعات في آخر المسجد، هل من كلمة لهؤلاء سماحة الشيخ (1) ؟
ج: نعم، نصيحتي للجميع أن يتقوا الله، وأن يحرصوا على أداء الفريضة، وإذا ذهب بعد الفريضة، أو مبكرا حتى يدرك الفريضة إلى شخص آخر يرى أن صوته أحسن، وأنه يخشع لقراءته، ويستفيد فلا بأس، ولو كان بعيدا عن بيته، لكن يحرص على أداء الفريضة، لا تفوته الفريضة؛ إما أن يصليها في المساجد القريبة، وإما أن يبكر حتى يصلي مع ذاك الإمام الفريضة، ولا يعرض نفسه لأن تفوته الفريضة؛ لأن الفريضة فرض عليه، والتراويح مستحبة، فلا يضيع الفرض لأجل المستحب، يجب أن يعتني بالفريضة، حتى يؤديها مع إخوانه المسلمين،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (380) .(9/473)
وإذا أحب أن يصلي مع شخص آخر فليبكر، يذهب قبل العشاء حتى يدرك الفريضة معه، أو بعد العشاء إذا صلى الفريضة فلا بأس.(9/474)
221 - حكم صلاة التراويح في البيت
س: يسأل ويقول: هل تجوز صلاة التراويح في البيت إذا كان الإمام ليس حافظا للقرآن، أو حافظا لبعض السور، والبعض الآخر يخطئ فيها (1) ?
ج: لا بأس بها في البيت، ولكن في المسجد أفضل، السنة الصلاة في المساجد، كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها الصحابة، وهي نافلة، لكن المساجد أفضل، فإذا كان الإمام لا يصلح يبدل بإمام أصلح منه، ولو يقرأ من المصحف، ولو قرأ من المصحف لا بأس، فإقامتها في المساجد هي السنة، وهي التي درج عليها السلف الصالح، ولو صلى في بيته فلا حرج.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم () .(9/474)
222 - حكم صلاة التراويح للمنفرد
س: هل لي أن أصلي التراويح وأنا منفرد (1) ?
ج: صلاة التراويح في جماعة أفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم صلاها بالصحابة جماعة عدة ليال، ثم ترك ذلك، وقال: «ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها (2) » فلما توفي صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي جمع الناس عمر على إمام واحد، يصلي بهم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة (3) » والأفضل أن تصلي مع الجماعة؛ لأن هذا فضل عظيم، وإن صليتها في بيتك فلا بأس؛ لأنها نافلة، ومن صلاها مع الجماعة حصل له فضل الجماعة، وحصل له فضل قيام الليل كله إذا قام مع الإمام حتى ينصرف.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (314) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد، برقم (924) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (761) .
(3) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم (20910) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، برقم (1375) ، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم (806) ، والنسائي في المجتبى في كتاب السهو، باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، برقم (1364) .(9/475)
س: ما حكم صلاة التراويح في رمضان بالنسبة للرجل المنفرد في بيته؟ وما عدد ركعاتها؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: قيام رمضان سنة في المساجد، يقول صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (2) » كونه يقوم رمضان مع إخوانه في المساجد أفضل، وإن صلى في بيته فلا حرج، وليس لها حد محدود، لكن الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، هذا الأفضل، وإن صلى أكثر: عشرين والوتر، ثلاثين والوتر، أربعين والوتر ما فيه حرج والحمد لله، لكن أفضلها هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، هذا كثير، ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدة، هذا هو الأفضل، سواء صلاها في أول الليل، أو في وسط الليل، أو في آخر الليل، أو فرقها، صلى بعضها في أوله، وبعضها في وسطه، أو بعضها في أوله، وبعضها في آخره، كل هذا لا حرج فيه، وهكذا في المساجد، إذا صلوها جميعا في أول الليل، أو صلوها في آخر الليل، أو بعضها في أول الليل، وبعضها
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (380) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، برقم (37) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (759) .(9/476)
في آخر الليل كل هذا بحمد الله لا حرج فيه، الأمر موسع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما شرط شيئا، قال: «من قام رمضان (1) » ولما دخلت العشر أحياها كلها عليه الصلاة والسلام، فالأمر في هذا واسع، إذا أحيا العشر كلها من أولها إلى آخرها هذا أفضل، وإن استراح بينها لا بأس، وإذا صلى التراويح في أول الليل، أو اتفقوا على أن يصلوها في آخر الليل، كل ذلك لا بأس به، الحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، برقم (37) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (759) .(9/477)
س: أرجو من سماحتكم إرشادي عن صلاة التراويح، هل الأفضل فيه أن يصلي المرء منفردا، أم لا بد من الجماعة؟ وهل لا بد أن تكون القراءة جهرية؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الجماعة أفضل، كونه يصلي جماعة للتراويح في رمضان، يصليها جماعة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أفضل، والقراءة تكون جهرية أفضل، وإن أسر فلا حرج، لكن الجهرية هي السنة، والنبي جهر والصحابة جهروا، صلاة الليل كلها جهرية، وصلاة النهار كلها سرية، إلا صلاة الفجر فإنها جهرية، وصلاة الجمعة جهرية، وصلاة العيد جهرية،
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (264) .(9/477)
وصلاة الكسوف جهرية، وصلاة الاستسقاء جهرية، وإن كان في النهار، لكن صلاة الظهر والعصر تكون سرية، المقصود أن السنة في التراويح أن تصلى مع الجماعة في المساجد، هذا هو الأفضل؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، والسنة للإمام أن يجهر بالقراءة، وإن صليت في بيتك فلا بأس، والسنة أن تجهر بالقراءة.(9/478)
223 - حكم صلاة التراويح لمن لا يسمعون الأذان بسبب البعد
س: ح. أ. ح، من الخرج، يسأل ويقول: ما الحكم في شخص أو أشخاص لا يسمعون الأذان إلا من خلال الإذاعة، ومواعيد الصلاة المدونة في النتائج، ماذا يفعلون في صلاة القيام في شهر رمضان، علما بأن المسجد الموجود في المكان يبعد عن العمل حوالي ثلاثة كيلو أمتار (1)
ج: يصلون في مكانهم والحمد لله بعد صلاة العشاء، إذا صلوا العشاء صلوا ما يسر الله لهم من القيام، ولا حاجه لذهابهم إلى مسجد بعيد يصلون في مكانهم والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (345) .(9/478)
224 - حكم تأخير التراويح إلى آخر الليل
س: هل يجوز أن أؤخر صلاة التراويح إلى آخر الليل (1) ؟
ج: نعم لا بأس بذلك، إذا تيسر هذا فهو أفضل آخر الليل، ولكن المسلمين يصلونها أول الليل؛ لأنه أنشط لهم، وأقرب إلى القيام بها؛ لأن كثيرا من الناس لو نام ما قام في آخر الليل، فالمقصود أنه إذا تيسر أن تؤدى في آخر الليل فذلك أفضل.
__________
(1) ورد هذا السؤال بالشريط رقم (299) .(9/479)
س: أنا أعمل في محل لبيع الملابس، وصاحب هذا المحل يعترض على صلاة التراويح في المسجد؛ بحجة أن المحل يغلق كل ذلك الوقت، إذ لم يبع شيء طوال تلك الفترة، فهل يجوز أن أصلي وحدي بعد انتهاء العمل في البيت؟ (1)
ج: صلاة الليل موسع فيها والحمد لله، تصليها في بيتك أو مع الناس، فإذا كان العمل في وقت التراويح فيلزمك أن تعمل في وقت التراويح؛ لأنك تأخذ أجرة على ذلك، والتراويح نافلة، فالواجب عليك
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (341) .(9/479)
أن تعمل بالعقد الذي بينك وبين صاحبك، إذا كان العقد يتضمن أنك تباشر العمل بعد صلاة الفريضة صلاة العشاء، فعليك أن تباشر عملك ولا تتركه إلا بإذنه إذا سمح لك، وفي إمكانك أن تصلي تهجدا بالليل في بيتك والحمد لله.(9/480)
225 - حكم قول: نسأل الهدى والرضا والعفو عما مضى، بعد كل تسليمة من التراويح
س: السائل: ب. أ، من السودان يقول: البعض من الناس يدعون بعد كل ركعتين من صلاة التراويح بهذه الصيغة: نسأل الله الهدى والرضا والعفر عما مضى (1)
ج: ليس لهذا أصل، ومن دعا فلا بأس بما يسر الله له من الدعاء، ولكن ليس هناك دعاء خاص بين التسليمتين، ولكن من دعا فلا حرج، أما شيء خاص فلا، هذا الدعاء أو غيره.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (396) .(9/480)
س: الأخ: ح. س، من الدمام، الظهران يقول: أنا أشتغل في مجمع تجاري مكون من محطة بنزين، وبقالة وكبينة، وأشتغل في(9/480)
الكبينة، وبجانبنا مسجد صغير، ولا يصلون صلاة التراويح فيه، وبعد صلاة العشاء يذهبون إلى إعمالهم، ماذا أفعل؟ هل أصلي بعد صلاة العشاء التراويح وحدي؟ وهل من إرشاد (1)
ج: أنت مخير، إن صليت وحدك فأنت مأجور، أو صليت في بيتك كله طيب ما دام لا توجد جماعة، وإن ذهبت إلى مسجد آخر فلا بأس؛ لأن التراويح نافلة، ما هي بفريضة، صليتها في المسجد، أو في بيتك، أو في مسجد آخر كله واسع، والحمد لله.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (435) .(9/481)
س: يقول السائل: ما الوارد في عدد ركعات التراويح في رمضان؟ (1) ؟
ج: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، ما ورد: ثلاث عشرة. هذا هو الثابت، وإن صلى أكثر فلا باس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » ولم يحدد، لكن فعله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي إحدى عشرة، وربما
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (435) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/481)
صلى ثلاث عشرة، يسلم في كل ثنتين، ويوتر بواحدة في رمضان وفي غيره، ومن صلى عشرين وأوتر بثلاث، أو صلى ثلاثين، أو أربعين وأوتر بواحدة، أو بثلاث كله لا بأس به؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى (1) »
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/482)
226 - حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للخلفاء بعد كل ركعتين من التراويح
س - في التراويح حدث عندنا أنه بعد السلام من الركعتين الأوليين يقرأ الإمام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو فيها للخلفاء بعد كل ركعتين، فما حكم هذا العمل (1) ؟
ج: الذي ينبغي تركه، ولا أصل له، بل هو من البدع.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (291) .(9/482)
227 - حكم قراءة ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1)) ثلاث مرات بين التسليمات في التراويح
س: الأخ: س. ح. ن. من جمهورية مصر العربية، يقول: إنه لاحظ
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1(9/482)
أن إمامهم في صلاة التراويح، بين كل أربع ركعات يقرأ سورة ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1)) ثلاث مرات بصورة جماعية، فهل هذا العمل مشروع (2) ؟
ج: هذا بدعة، ما يصلح، أما كونه يستريح قليلا بعد كل تسليمتين فهذا لا بأس به، وأما أنه يقرأ ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)) أو غيرها بصورة جماعية، أو غير جماعية قراءة جهرية فإن هذا بدعة، بل يجلس يستريح ثم يقوم، ولا يأتي ببدعة، لا بقراءة ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4)) ولا غيرها، ولا أعمال خاصة جماعية، أو يجهر بها يعلمها الناس على غير دليل، الحاصل أنه إنما يجلس للاستراحة فقط، ثم يقوم إذا أحب ذلك، أما أنه يقرأ ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (5)) بصورة جماعية، أو يقرأ غيرها من السور، أو بعض الأحاديث بصورة جماعية، أو ألفاظ بصورة جماعية فهذا لا أصل له.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) السؤال السادس من الشريط رقم (258) .
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة الإخلاص الآية 1(9/483)
228 - حكم الدعاء الجماعي بعد التراويح
س: لدينا عادة في شهر رمضان المعظم عقب صلاة التراويح، أننا ندعو دعاء جماعيا يردده المصلون، ويختمون به الصلاة، فما(9/483)
حكم هذا العمل (1) ؟
ج: مثل ما تقدم، هذا بدعة، لا الذكر ولا الدعاء لا يكون جماعيا، كل واحد يدعو لنفسه وللمسلمين بينه وبين ربه جل وعلا، لا يكون دعاء جماعيا، ولا ذكرا جماعيا.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (216) .(9/484)
229 - حكم من قام من الركعة الثانية إلى الثالثة في التراويح سهوا
س: إذا سها الإمام في صلاة التراويح، وقام بعد الركعة الثانية هل يرجع، أم يكمل إلى الركعة الرابعة (1) ؟
ج: يرجع إذا قام في التراويح، وقد نوى ثنتين فقام إلى ثالثة ينبه، وعليه أن يرجع، كما لو قام للثالثة في الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » فإذا كان قد نوى ثنتين – كما هي العادة في التراويح وهو السنة – فإذا قام إلى الثالثة ينبه أو تنبه هو فإنه يرجع، ولو كان في أثناء القراءة، ولو بعد الركوع يرجع ويجلس، يقرأ التحيات، يكملها والصلاة على النبي والدعاء، ثم يسلم ثم يقوم
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (19) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(9/484)
للتسليمة التي بعدها، كما لو فعلها في الفجر أو الجمعة يرجع.(9/485)
230 - كيفية التشهد في صلاة التراويح
س: هل نقرأ في السنة، التراويح مثلا، التشهد الأخير فقط، أو نقرأ التشهد الأول والأخير (1) ؟
ج: التشهد الأول والأخير جميعا في كل الركعتين، في التراويح والنوافل، قرأ المصلي التشهد، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعوذ بالله من الأربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ويسأل ربه ما تيسر من الدعوات الطيبة، ويستعيذ بالله من الشر، ويسأله الخير، والتحيات محل دعاء، إذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، محل دعاء في الفرض والنفل، وإذا دعا فهو أفضل، ويجتهد في الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويحث الناس على الدعاء، يقول عليه الصلاة والسلام: «ثم تخير بعد من الكلام ما شاء (2) » هذا سنة مشروعة في الفرائض والنوافل، قبل أن
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (317) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، برقم (6230) ، واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .(9/485)
يسلم وفي السجود أيضا، يشرع الدعاء في السجود، يقول صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (1) » وهذا الدعاء يكون بعد قول: سبحان ربي الأعلى. ثلاث مرات، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد (2) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) .(9/486)
231 - حكم صلاة التراويح إذا حصل جمع تقديم للمغرب والعشاء
س: السائل: أ. ع، من القصيم، يقول: إذا حصل مطر فهل يجمعون المغرب والعشاء والتراويح جمع تقديم، إذا كانوا في رمضان (1) ؟
ج: نعم، إذا كان مطر، أو مشقة بالدحض والزلق في الأسواق فالأفضل الجمع تسهيلا على الناس، وإذا جمع صلى التراويح بعد العشاء؛ لأنه صار وقتها واحدا، فإذا جمع بينهما في وقت المغرب صلوا التراويح بعد ذلك، لا بأس والحمد لله.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (421) .(9/486)
232 - بيان عدم وجوب صلاة التراويح وقيام الليل
س: الأخت: س. و. ح. تسأل وتقول: هل صلاة التراويح واجبة على النساء؟ وهل قيام الليل واجب في رمضان، أو في غيره من الشهور؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليست صلاة التراويح واجبة، وهكذا قيام الليل ليس بواجب، لا في رمضان ولا في غيره، ولكنه سنة مؤكدة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ورغب فيها عليه الصلاة والسلام، وكان يصلي في الليل في السفر والحضر الوتر عليه الصلاة والسلام، لكن ليس بواجب، وأقل ذلك ركعة واحدة بعد العشاء، أو في آخر الليل، وكلما زاد فهو أفضل، وكان صلى الله عليه وسلم في الغالب يوتر بإحدى عشر ركعة، يصلي من كل ثنتين ويوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث عشرة، وربما أوتر بأقل من ذلك، عليه الصلاة والسلام، فالسنة للمؤمن والمؤمنة التهجد بالليل ولو بركعة واحدة، أو بثلاث ركعات، كذلك سنة الضحى، وكذلك تراويح رمضان وقيام رمضان، كله سنة.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (292) .(9/487)
233 - حكم صلاة المرأة في المسجد في رمضان وغيره
س: هل يجوز للمرأة أن تصلي في المسجد كشهر رمضان المبارك؟ وهل لها أن تتعطر وتتبخر (1) ؟
ج: لها تصلي مع الناس في المسجد، ومع العناية بالتستر والحجاب، والبعد عن أسباب الفتنة وعدم التعطر والتبخر؛ لأنها تسير في الطرقات، فيحصل بها فتنة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن حضور الصلاة لمن تعطرت، نهى: قال: من مست طيبا فلا تحضر معنا الصلاة، وفي اللفظ الآخر: «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تصلي معنا العشاء (2) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام، المقصود أنها إذا أرادت الخروج للصلاة مع الناس ليس لها التعطر ولا التبخر، وعليها مع ذلك أن تعتني بالستر والحجاب، وأن تخرج في زي لا يفتن الناس، وفي الحديث: «وهن تفلات (3) » يعني غير متطيبات، وليس هناك زينة تفتن
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (219) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد، برقم (444) .
(3) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث رقم (9794) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم (565) ، والدارمي في كتاب الصلاة، باب النهي عن منع النساء عن المساجد، برقم (1279) .(9/488)
الناس، وإلا فبيتها خير لها وأفضل.(9/489)
س: هل يجوز للمرأة أن تصلي في المسجد مع الرجال صلاة التراويح (1) ؟
ج: نعم، يستحب لها ذلك إذا كانت تخشى الكسل في بيتها، وإلا فبيتها أفضل، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا حرج، كانت النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، ولكن يقول: «إن بيتهن خير لهن (2) » لكن بعض النساء قد تكسل في بيتها؛ تضعف، فإذا كان خروجها إلى المسجد متسترة متحجبة بعيدة عن التبرج؛ بقصد الصلاة وسماع الفضل من أهل العلم فهي مأجورة في هذا؛ لأن هذا مقصد صالح.
س: يتحدث الناس كثيرا – سماحة الشيخ – عن صلاة النساء للتهجد
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (299) .
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم (5445) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم (567) .(9/489)
أو التراويح في المساجد، هل من كلمة حول هذا لو تكرمتم (1) ؟
ج: لا بأس بذلك في أن يصلي التراويح والتهجد النساء مع المسلمين في المساجد، لكن مع العناية بالحجاب، والتحرز من الفتنة وعدم الأطياب التي يمررن بها في الأسواق، تكون متحرزة من الطيب، ومن التبرج، ومن إظهار المحاسن، بل تكون متحجبة متسترة بعيدة عن أسباب الفتنة، وإلا فبيتها خير لها، بيتها أولى بها وأخير لها، ولكن إذا دعت الحاجة إلى الخروج؛ لأنها تكسل في بيتها، أو لأنها تريد أن تسمع المواعظ والذكر فهذا لا بأس به، لكن بهذا الشرط؛ التحفظ والعناية والتستر، والبعد عن أسباب الفتنة؛ لا من جهة الطيب، ولا من جهة الملابس، ولا من جهة إظهار المحاسن.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (84) .(9/490)
234 - حكم إحضار النساء للبخور وتبخير المسجد عند صلاة التراويح
س: بعض النساء تحضر معها المبخرة والبخور في المسجد في صلاة التراويح في رمضان، ثم تقوم بتبخير المسجد، وتبخير المصليات، ما هو توجيهكم لهن في هذا؟ جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (313) .(9/490)
ج: الذي ينبغي عدم فعل ذلك؛ لأنهن بعد الصلاة يخرجن إلى السواق ومعهن الطيب، فينبغي ترك ذلك؛ حتى لا يحصل فتنة عند خروجهن متطيبات من المسجد عند خروج الناس، ولكن يصلين مع الناس بدون طيب؛ لا عند المجيء، ولا عند الخروج؛ عملا بالأحاديث الصحيحة في ذلك.(9/491)
235 - حكم صلاة المرأة للتراويح في بيتها
س: هل يصح للمرأة أن تصلي التراويح في بيتها، وذلك بأن تقرأ القرآن عن طريق سماعها إياه من الراديو، لا أن تتابع الإمام في كل شيء، إنما فقط لقراءة القرآن في صلاتها (1) ؟
ج: صلاة المرأة في بيتها أفضل في جميع الأحوال؛ في الفرض والنفل، في رمضان وفي غيره، لكن إذا صليت مع الرجال؛ لأنه أنشط لها في التراويح مثلا، أو في بعض الفرائض؛ لتسمع الفائدة والعلم مع الحجاب والتستر، والبعد عن أسباب الفتنة هذا كله لا بأس به، وقد كان جماعة من النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرائض وهن متحجبات ومتحفظات، يسمعن الفائدة، ويسمعن العلم، ويرجعن إلى
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (129) .(9/491)
بيوتهن في غاية من التستر، والبعد عن الفتنة، وهكذا رمضان إن صلت في بيتها، ونشطت على ذلك فذلك أفضل لها، وإن صلت مع الرجال؛ لتسمع القرآن ولتنشط على العبادة، ولتسمع الفائدة عند قيام الإمام، أو غيره بالموعظة فهذا كله طيب؛ بشرط أن تكون حريصة على البعد عن أسباب الفتنة من الطيب الذي تمر به الرجال، ومن إظهار الزينة والمحاسن والتبرج، فإذا كانت بعيدة عن هذه الأمور متحفظة متحجبة، بعيدة عن أسباب الفتنة فلا حرج عليها في الصلاة في المسجد لهذه الفوائد، ولهذه المصالح.(9/492)
236 - حكم إمامة المرأة للنساء في صلاة التراويح في البيت وكيفية ذلك
س: السائلة تقول: هل للمرأة أن تصلي التراويح في بيت ليس فيه رجال مع جمع من أخواتها (1) ؟
ج: نعم، يشرع لهن ذلك، يصلين التراويح، أو العشر الأخيرة، يقمنها جماعة، أو فرادى، كله طيب، وإذا صلين مع الرجال متسترات ومتحفظات فلا بأس، كله طيب، وإذا قرأت جهرا بحيث لا يسمعها أحد، هي تقرأ جهرا تسمع النساء لا بأس، وتكون في وسطهن، لا
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (254) .(9/492)
أمامهن، تكون في الوسط، وتقرأ وتجهر، حتى يسمعن.
س: أختكم في الله: م. س، تقول: أريد أن أعرف كيفية صلاة التراويح بالنسبة للمرأة بدون إمام، أي في بيتها، هل تكون جهرا؟ وهل تستطيع النساء أن يصلين جماعة في بيوتهن (1) ؟
ج: نعم، صلات التراويح يسلم من كل ثنتين في البيوت، تصلي المرأة بهن، وتكون في وسطهن لا أمامهن، بل وسطهن، تكبر وترفع صوتها بالقراءة، حتى يستفدن منها، وهذا مشروع؛ فقد روي عن عائشة وغيرها، ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم ورقة أن تؤم أهل دارها (2) إذا صلى النساء في بيوتهن جماعة في رمضان، أو في أوقات التي تصلين فيها الفريضة، كله حسن وكله طيب.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (312) .
(2) بدائع الصنائع 7 \ 245، والقوانين الفقهية ص 227، وشرح المحلى على منهاج الطالبين 4 \ 124، والسياسة الشرعية لابن تيمية ص 89.(9/493)
تكملة باب صلاة التطوع(10/5)
صفحة فارغة(10/6)
تكملة باب صلاة التطوع
1 - حكم دعاء الاستفتاح في كل ركعة من صلاة التراويح
س: يسأل السائل، يقول: ما حكم قراءة دعاء الاستفتاح في كل ركعة من صلاة التراويح (1) ؟
ج: الاستفتاح مشروع للإمام والمأموم إذا تيسر ذلك، فإن كان الإمام يبتدئ القرآن من حين يكبر لا يستفتح، فالمأموم كذلك لا يستفتح، ينصت، أو بدأ في القراءة والمأموم ما استفتح فإنه لا يستفتح بل ينصت، أما إذا استفتح الإمام واستفتح المأموم فهذا هو الأفضل كالفريضة، لكن لو كان الإمام لم يستفتح، ترك السنة فلا حرج؛ لأن الاستفتاح ليس بواجب، وإنما هو سنة مستحبة، وكذلك لو استعجل الإمام، بأن استفتح لكن صار أعجل من المأمومين، والمأموم تأخر، لم يستفتح حتى شرع الإمام فإنه لا يستفتح المأموم، بل ينصت ويستمع إلى القراءة، ولكن
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (252) .(10/7)
يقرأ الفاتحة، كلهم يقرأ الفاتحة، الواجب قراءة الفاتحة على الجميع، حتى ولو كان الإمام يقرأ، تقرأ أيها المأموم، تقرأ الفاتحة ثم تنصت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " قلنا: نعم، قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » فالمأموم يقرؤها في الفريضة والنافلة، يقرؤها سرا، ثم ينصت لإمامه في قيام رمضان، وفي الفجر، وفي المغرب والعشاء، وفي الجمعة، المأموم عليه أن يقرأها، هذا هو الصواب، ثم ينصت.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم (823) .(10/8)
س: إذا بدأ الإمام بصلاة التراويح، وقرأ دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، ثم شرع في قراءة الفاتحة، ثم فيما بعدها من القرآن الكريم، ثم أتى بالركعة الثانية، ثم سلم فبدأ بتكبيرة الإحرام في التسليمة الثانية هل يقرأ أيضا دعاء الاستفتاح، أم يكفيه ما في المرة الأولى؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الاستفتاح في الأولى فقط، لأول ركعة في الفريضة والنافلة بعد
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (277) .(10/8)
تكبيرة الإحرام، يستفتح ولا يشرع أن يعاد في الثانية، ولا في الثالثة، لكن إذا شرع في التسليمة الثانية، التراويح أو النافلة يستفتح أيضا، كلما صلى ركعتين وقام، وكبر يستفتح، هذا هو السنة في النافلة والفريضة، مثل صلاة التراويح في رمضان، مثل صلاة الضحى، يصلي بتسليمتين أو أكثر، يستفتح في كل تسليمة، هذا هو الأفضل بعد التكبيرة الأولى الإحرام، يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1) » أو يأتي بنوع من الاستفتاحات الأخرى الصحيحة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399) .(10/9)
2 - حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة النافلة والوتر
س: يسأل المستمع عن صلاة النافلة وكذلك الوتر، هل نقرأ فيها دعاء الاستفتاح؟ وكذلك التعوذ من الأربع التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال (1) » أم أن ذلك خاص بالفروض دون النافلة؟ وكذلك الدعاء بعد الفراغ من التعوذ
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) واللفظ له.(10/9)
من الأربع، هل يلزم في النافلة؟ وفقكم الله، وجزاكم الله خيرا (1)
ج: الاستفتاح مشروع للجميع، في النافلة والفريضة، في صلاة الضحى، صلاة التراويح، صلاة التهجد، يستفتح الإنسان في أولها بعد التكبيرة الأولى، وهكذا الدعاء في آخر الصلاة، التعوذ من الأربع، والدعاء بغيرها، كل ذلك حق، كله مشروع في الفريضة والنافلة، ولما علمهم صلى الله عليه وسلم التحيات، قال: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (2) » وفي اللفظ الآخر قال: «ثم يختار من الدعاء ما شاء (3) » فالمسلم مشروع له، والمسلمة كذلك، مشروع لهما جميعا الدعاء في آخر الصلاة النافلة والفريضة، بعدما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (4) » ويدعو بما أحب: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (5) » وهكذا الدعاء
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (279) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، برقم (835) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) واللفظ له.
(5) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، برقم (21621) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) والنسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .(10/10)
الذي علمه النبي أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قوله: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (1) » دعاء عظيم، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق، قال: «يا رسول الله، علمني دعاء فأدعو به في صلاتي وفي بيتي، قال: " قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (2) » ، وقال لمعاذ رضي الله عنه: «يا معاذ، لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (3) » «وكان عليه الصلاة والسلام يقول في آخر الصلاة: " اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر (4) » وكان يقول
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام برقم 834، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر برقم 2705.
(3) أخرجه أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، برقم (21621) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522) والنسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، برقم (1303) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب التعوذ من فتنة الدنيا، برقم (6390) .(10/11)
أيضا: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (1) » كلها دعوات في آخر الصلاة، ويدعو بما أحب سواها، يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم نجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم ارزقني الرزق الحلال، اللهم أصلح لي شأني كله، وما أشبه ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771) .(10/12)
س: سماحة الشيخ: هل يكتفي المصلي بدعاء الاستفتاح مرة واحدة، أم أنه يجب عليه أن يدعو بعد كل تسليمتين كصلاة الليل مثلا (1) ؟
ج: دعاء الاستفتاح ليس بواجب، بل مستحب في كل تسليمة قبل أن يقرأ، يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2) » أو يأتي بنوع آخر من الاستفتاح قبل أن يقرأ، هذا هو الأفضل، ولو تركه فلا شيء عليه في كل تسليمة.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (432) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399) .(10/12)
3 - حكم دعاء ختم القرآن في التراويح
س: تقول السائلة: هل دعاء ختم القرآن الذي يقرأ سنويا في صلاة التراويح، في آخر ليالي شهر رمضان في المساجد، هل يعتبر من البدع المحدثة (1) ؟
ج: ليس من البدع، بل هو مستحب وسنة، فعله السلف، وفعله بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ختم القرآن يدعو بالدعوات الطيبة، سواء في التراويح أو في غيرها، وإذا ختم الإنسان القرآن في أي وقت دعا؛ سواء في الصلاة، أو في خارج الصلاة، وترجى الإجابة، وكان هذا من فعل السلف، وهو ما روي عن جماعة من الصحابة، فلا حرج في ذلك، بل هو مطلوب ومشروع، وفيه خير كثير، نسأل الله أن يتقبل من المسلمين.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (391) .(10/13)
س: هل دعاء ختم القرآن بدعة؟ وهل يلزم من ترك الركعتين الأخيرتين من صلاة التراويح، في آخر الجزء من أجزاء القرآن الكريم، أي ليلة التختيم؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (351) .(10/13)
ج: دعاء ختم القرآن ليس فيه بأس، لم يزل أهل العلم يفعلونه من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، لا حرج في ذلك، وليس فيه بدعة، أما سؤاله الثاني فإني ما فهمته، فإن كان يريد: هل يلزم أن يكون ختم القرآن الكريم في الركعتين الأخيرتين من التراويح؟ فهذا لا يلزم، إن شاء ختم في أول التراويح، وإن شاء ختم في أثنائها، الختمة ليس لها محل محدود، سواء يختم في أول التراويح، أو في أثنائها، أو في آخرها، المقصود إذا انتهى من القرآن يختم، إذا انتهت القراءة يختم في الركعة المناسبة، إذا انتهى في أول التراويح ختم في أولها، إذا كمل القرآن في أول التراويح، أو في آخره يختم لا بأس.(10/14)
4 - حكم أخذ الأجرة عن الإمامة في رمضان
س: أممت جماعة في رمضان، فهل يجوز أن آخذ منهم أجرة مقابل ذلك؛ إذ إنهم أصروا على أن آخذ تلك الأجرة، وقلت: هذا عمل أتقرب به إلى الله، لكنهم أصروا، فما هو رأي سماحتكم (1) ؟
ج: إن أخذته فلا بأس، وإن تركته فلا بأس، الأمر واسع، وإن تركته فهو أفضل ما دمت ما أردت شيئا.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (338) .(10/14)
5 - بيان معنى: " واغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد "
س: يسأل المستمع من سوريا، من دمشق، يقول: ما معنى الدعاء: واغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد (1) ؟
ج: على ظاهره، يطلب من ربه أن يغسله بالماء والثلج والبرد، يعني أن ينقيه من الذنوب نقاء تاما.
__________
(1) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (404) .(10/15)
6 - حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الليل وتكراره في كل ركعتين
س: يسأل عن دعاء الاستفتاح، استفتاح صلاة الليل، ويقول: هل نردده في كل ركعتين؟ وهل نردده في الركعتين اللتين يقرأ فيهما بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) و: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2) ، وكذلك الركعة التي يقرأ فيها {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) (4) ؟
ج: نعم، السنة الاستفتاح في كل الصلوات بـ: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك (5) » في جميع
__________
(1) سورة الأعلى الآية 1
(2) سورة الكافرون الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) السؤال الواحد والأربعون من الشريط رقم (404) .
(5) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399) .(10/15)
الصلوات؛ التراويح وغير التراويح، هذا مستحب، ولو ترك فلا بأس، لكنه مستحب، إذا كبر تكبيرة الإحرام في كل تسليمة أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك؛ لأنه مختصر، هذا استفتاح مختصر، وإن استفتح بغيره من الاستفتاحات الصحيحة الثابتة عن رسول الله فلا بأس، ولو ترك فلا حرج، لكن إذا أتى به الإمام والمأموم فهذا أفضل، وإن كان الإمام شرع في القراءة فإن المأموم لا يستفتح، بل ينصت، لكن لو سكت الإمام بعد تكبيرة الإحرام فالسنة أن يأتي بالاستفتاح، الإمام والمأموم، لكن لو شرع الإمام بعدما كبر ولم يستفتح فالمأموم ينصت ولا يستفتح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا قرأ فأنصتوا (1) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (404) .(10/16)
7 - مسألة في فضل صلاة الليل
س: أطلب من سماحة الشيخ الحديث عن صلاة الليل، وعن صفة الصلاة، ولا سيما أنه قد قرأ كثيرا من الأوصاف عن هذه الصلاة (1)
ج: صلاة الليل قربة عظيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (95) .(10/16)
الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (1) » وصلاة الليل لها شأن عظيم، قال الله جل وعلا في وصف عباده المؤمنين عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (2) وقال سبحانه في وصف المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (3) {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (4) وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (5) {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} (6) {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} (7) الآية، وقال سبحانه وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (8) {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (9) ، فصلاة الليل لها شأن عظيم، والأفضل فيها أن تكون مثنى مثنى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (10) » فيصلي ما تيسر له ثنتين ثنتين، ثم يوتر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، برقم (1163) .
(2) سورة الفرقان الآية 64
(3) سورة الذاريات الآية 17
(4) سورة الذاريات الآية 18
(5) سورة المزمل الآية 1
(6) سورة المزمل الآية 2
(7) سورة المزمل الآية 3
(8) سورة السجدة الآية 16
(9) سورة السجدة الآية 17
(10) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، برقم (472) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، برقم (749) .(10/17)
بواحدة، وأفضلها في آخر الليل؛ الثلث الأخير، وإن صلى في أول الليل قبل أن ينام؛ لئلا يغلب عليه النوم آخر الليل، واحتاط في ذلك فلا بأس، هو أعلم بنفسه، إن قدر في آخر الليل فهو أفضل، وإن لم يتيسر له ذلك أوتر في أول الليل وأقله واحدة، أقل الإيتار في الليل واحدة بعد صلاة العشاء، وسنتها الراتبة، فإن أوتر بثلاث فالأفضل له أن يسلم من ثنتين، ثم يوتر بواحدة، وهكذا إذا أوتر بخمس يسلم من أربع من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة، وهكذا، «وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يوتر بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة (1) » «وربما أوتر بثلاث عشرة، ويسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة (2) » والأمر في هذا واسع والحمد لله، وليس فيه حد محدود، فلو أوتر بعشرين، أو
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في الوتر، برقم (994) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (736) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، برقم (1164) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (765) .(10/18)
بثلاثين أو بأربعين يسلم من كل ثنتين، ثم أوتر بواحدة، كل هذا لا بأس به، ولكن يراعي في هذا الطمأنينة وعدم العجلة والنقر، يطمئن في صلاته ويخشع فيها ولا يعجل، خمس ركعات أو سبع ركعات مع الطمأنينة والعناية أفضل من تسع أو إحدى عشرة مع العجلة، والسنة أن يداوم عليها دائما، سواء في أول الليل أو في وسط الليل، أو في آخر الليل، والأفضل آخر الليل إذا تيسر، يقول صلى الله عليه وسلم: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل (1) » رواه مسلم في الصحيح، هذا هو الأفضل إذا تيسر، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ (2) » متفق على صحته،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، برقم (755) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم (1145) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، برقم (758) .(10/19)