أنه لا يجوز تعليق الصور، سواء كانت صور الملوك، أو الزعماء، أو العباد، أو العلماء، أو الطيور، أو الحيوانات الأخرى، كله لا يجوز وكل ذي روح تصويره محرم، وتعليق صورته في الجدران، أو في المكاتب كله محرم، ولا يجوز التأسي بمن فعل ذلك، والواجب على أمراء المسلمين، وعلى علماء المسلمين، وعلى كل مسلم أن يدع ذلك وأن يحذر ذلك، وأن يحذر منه، طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وعملا بشرع الله في ذلك، والله المستعان.(3/111)
31 - حكم إقامة عيد المعلم
س: في كل عام تأتيني هدايا، بمناسبة عيد المعلم من بعض الطالبات، والحقيقة أني لا أدري عن حكمها، فأرجو إفادتي بارك الله فيكم؟ (1)
ج: عيد المعلم ليس له أصل، ما للناس إلا أعياد معروفة، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وأيام منى أيام عيد، ويوم عرفة يوم عيد اجتماع للمسلمين، أما عيد المعلم، أو عيد المولد على رأس كل سنة، كل هذا لا أصل له، لا موالد ولا غير موالد إلا الأعياد الشرعية المعروفة، والعيد ما يعود ويتكرر، بالشهر أو بالأسبوع أو بالسنة، فمن
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 214.(3/111)
جعل عيدا غير ذلك لمولد ابنه، أو عيدا للمعلم أو للمعلمة، هذا لا أصل له بل تعتبر بدعة، والهدايا لا تقبليها وقولي لهم: لا يصلح هذا، ولا ينبغي أن يجعل عيد للمعلم.
س: لي أهل وجيران وأعمام وأخوال، ولديهم بدعة يسمونها الدستور، ويسأل عن هذا لو تكرمتم ولا سيما وقد عرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن كل بدعة ضلالة وإن كل ضلالة في النار (1) »
ج: لم يشر لنا إلى هذه البدعة فكونها تسمى الدستور ما نعرف هذه البدعة لكن القاعدة الشرعية أن كل عبادة أحدثها الناس لم تكن فيما شرعه الله على لسان نبيه، عليه الصلاة والسلام، فإنها بدعة سواء سميت دستورا، أو سميت باسم آخر، فلا عبرة بالأسماء الله أكمل الدين وأتمه سبحانه وتعالى، فمن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله، فبدعته مردودة عليه، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) ، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3) ، وقال عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم.
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة المائدة الآية 3(3/112)
والسلام في الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا هذا - يعني في ديننا هذا - ما ليس منه فهو رد (1) » ، يعني فهو مردود، متفق على صحته، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » يعني مردود، وكان يقول في الجمعة عليه الصلاة والسلام: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه زاد النسائي بإسناد صحيح، «وكل ضلالة في النار (4) » هذه الأحاديث وما جاء في معناها، كلها تدل على أن جميع البدع يجب اطراحها، والحذر منها ولا عبرة بأسمائها، بل متى صارت بدعة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه فإنها تطرح وينهى عنها، سواء كانت تتعلق بالصلاة، أو بالحج أو بالصيام أو بغير ذلك، مثل بدعة البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها، هذا منكر يجب إزالته، يجب على ولاة الأمور إزالة ذلك، ومثل بدعة الاحتفال بالموالد، مولد الأم أو مولد الولد، أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو مولد الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو مولد الحسين أو مولد البدوي، أو غير ذلك هذه الاحتفالات بهذه الموالد لا أصل لها، بل هي مما ابتدعه الناس، وأول من ابتدع ذلك الطائفة المعروفة المسماة الفاطميين حكام المغرب، ومصر في المائة الرابعة والخامسة، هؤلاء من الرافضة أحدثوا هذه البدع، والموالد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) النسائي صلاة العيدين (1578) .(3/113)
فلا يجوز الاقتداء بهم، ولا التأسي بهم في ذلك لأنهم هم أهل بدع، فلا يجوز التأسي بهم، ومن تأسى بهم بعدهم فقد غلط، والواجب على المؤمن أن تكون أسوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) ثم صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، فشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، لماذا نفعله يجب علينا أن نطرحه.
__________
(1) سورة الممتحنة الآية 6(3/114)
32 - حكم الذبح وتقريب القرابين لبيت الحضرة لطلب نزول المطر
س: الأخ ع. ح. م، من غلمسكو في أثيوبيا، يسأل ويقول: إذا انقطع المطر عن البلد، يأخذ الفلاحون أصول الخشب اليابس على ظهورهم، ويأتون به إلى بيت الحضرة التي يزورونها، وهم يرتجزون به، فغالبا ما يمطرون إثر مجيئهم بهذه الصفة، أو يذبحون الشياه: الأحمر أو الأسود. ويضعون قوائمها أو فرسنها على شجرة يجتمعون تحتها. فيأتي طائر كبير من جهة القبلة فيأخذها، ويأكلها فيمطرون. فربما لا يأكلها ولا يمطرون، فيذبحون أخرى، بزعم أنها لم تقبل منهم الأولى.(3/114)
ما رأيكم في هذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا من البدع التي لا أصل لها في الشرع، وإنما المشروع أن يستغيث المسلمون إذا أجدبوا وأن يدعو الله عز وجل ليسقيهم، تارة في المساجد وتارة في البيوت، وتارة بعد خطبة الجمعة، في أثناء خطبة الجمعة، يدعو الإمام، خطباء المساجد، يستغيثون الله عز وجل، تارة يخرج أمير البلد وأهل البلد إلى المصلى، من خارج البلد ويصلي ركعتين، ويستغيث بالمسلمين إمامهم، سواء كان القاضي أو غيره، ويسأل الله الغوث، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ربما استغاث في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، وربما خرج إلى المصلى وصلى ركعتين وخطب بالناس واستغاث لهم. هذا هو المشروع. وربما استغاث في غير صلاة، كما وقع في بعض الأحيان في المدينة، استغاث لهم في مجلسه عليه الصلاة والسلام. ولا مانع أن يستغيث الإنسان في بيته ويدعو الله للمسلمين، أو وهو في الطريق يسأل الله أن يغيث المسلمين، كل ذلك لا بأس به، أما أن يأخذ خشبا أو أشياء خاصة، يحملها ويذهب إلى حضرة إنسان معين، كأمير البلد، أو قاضي البلد ويرتجزون، هذا لا أصل له، هذا من البدع والخرافات التي أحدثها الناس. أو يذبحون ذبائح، يجعلون بعضها عند بعض الشجر، أو عند بعض الجبال، أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا أصل له، لكن تشرع الصدقة،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 183.(3/115)
كونهم يتصدقون على الفقراء قبل الاستغاثة أو بعدها، يعني يتصدق أهل الغنى منهم، للفقراء والمساكين بالنقود، بالطعام، بالملابس. هذا طيب، ومن أسباب الرحمة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم (1) » ، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصدقة من أسباب الفرج ومن أسباب الإحسان، كما قال عز وجل: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2) ، قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (3) ، فإذا تصدق الموسرون على الفقراء، وواسوهم قبل الاستغاثة أو بعدها، فكل هذا طيب، ومن أسباب الغيث، وهكذا الدعاء والاستغفار، والتوبة إلى الله والصدق في ذلك، والبكاء من خشيته جل وعلا، والإكثار من العبادات والطاعات، والحذر من المعاصي كل هذا من أسباب الغوث. أما أن يحدثوا شيئا ما شرعه الله، من حملهم الأخشاب المعينة أو أشجارا معينة أو ذبائح تذبح على وجهه معين، تجعل رؤوسها أو أشياء منها في مكان معين، كعند بعض الشجر، حتى يجيء طائر يأخذها، أو عند بعض الجبال، أو بالذهاب إلى بعض المشايخ أو غير ذلك، كل هذا لا أصل له، بل هو من البدع والخرافات.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، برقم 5997، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان، برقم 2318.
(2) سورة البقرة الآية 195
(3) سورة الأعراف الآية 56(3/116)
س: رسالة من أحد المستمعين يقول: إنني سائق سيارة أجرة، ويأتيني بعض الركاب يطلبون توصيلهم إلى أماكن لم تؤثر زيارتها من الرسول صلى الله عليه وسلم، قاصدين زيارتها فما الحكم إذا حملتهم إلى تلك الأماكن، وأنا بقصدي المعيشة، وإذا لم أحملهم فسوف يتأثر مستوى معيشتي، وجهوني جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: ليس لك أن تعين على البدع، إذا كان هناك محلات غير مشروع زيارتها، فلا تحملهم إليها لا تبرعا ولا بأجرة، ولا تعن على الباطل والبدع، يقول الله سبحانه: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) ، فنقلك الناس إلى محلات لم يشرع الله زيارتها، هذا لا يجوز ولا يحل لك فعله ولا أخذ الأجرة عليه جميعا، ولكن تنصحهم وتوجههم تقول: ليس فيه حاجة للزيارة.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 345.
(2) سورة المائدة الآية 2(3/117)
س: حدث في قرية في مصر، أن امرأة صعدت النخلة، وتعيش فوقها ليل نهار، وهذا في فصل الشتاء والبرد قارس، علما بأن النخلة يزيد ارتفاعها، عن خمسة وثلاثين مترا تقريبا وابن هذه المرأة يتولاها من طعام وشراب، وكل الناس قالوا: إن هذه المرأة من أولياء الله الصالحين، ويقولون لها: ادعي لنا بكذا وكذا ويذهبون إليها للتبرك فما رأي الشرع في هذه الاعتقادات، وهل المرأة فعلا من أولياء الله الصالحين أم لا؟ (1)
ج: هذا العمل إن صح فهو من أعمال الشياطين، والشياطين هم الذين رفعوها إلى هذا المكان، وجعلوا يثبتونها فيه، ليضلوا الناس ويوهموا الناس، أنها ولية لله، حتى تدعى من دون الله، وحتى يستغاث بها وحتى يتبرك بها، فهذا من الباطل الواضح، ومن المنكر الفاضح، فالواجب على أوليائها أن ينزلوها، من هذه الشجرة وأن يضعوها في البيت، وأن يحافظوا عليها ويحسنوا إليها، ويرشدوها إلى الحق والصواب، وأن يحضروا من أهل العلم الشرعي المعروفين، من أنصار السنة حتى يعظوها ويذكروها، ويعلموها ولا يجوز لأحد أن يغلو فيها، أو يعتقد أن هذه كرامة أو أنها ولية لله، بل هي من أولياء الشيطان، بهذا العمل، فالواجب على ذوي العقول وعلى ذوي
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 126.(3/118)
البصيرة، أن يحذروا من هذه الخرافات، ومن هذه الترهات وهذه الوسائل الشيطانية، التي تضل الناس عن الحق، والشياطين لهم جهود في إضلال الناس، ولهم أعمال كثيرة في إضلال الناس عن الحق، وكل عاقل يعلم أن هذا العمل ليس عمل امرأة، عاقلة مؤمنة، ولكنه عمل امرأة مجنونة قد سلب عقلها، أو لعبت بها الشياطين، نسأل الله السلامة، وقد يكون الخبر مكذوبا، لكن إذا كانت تشاهد، فقد يكون الجن صوروا لهم امرأة، قد تكون معروفة عندهم، حملها الشياطين، والشياطين قد يحملونها إلى الجبال، وإلى الغيران وإلى بلدان كثيرة، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية، على هذا وغيره: أن الشياطين قد تحمل بعض الناس إلى أماكن كثيرة.
س: إنه إذا ولد المولود عندنا قطع سره، ويوضع بداخل الكتب من أجل إذا كبر يحب العلم، وأيضا يوجد لدينا عادة على وجه آخر، وهو أن يرمى سره بعد قطعه في البحر، من أجل أن يحب البحر ويعمل فيه، ما هو توجيهكم حول هذه العادات؟ (1)
ج: هذه العادة المذكورة كلها باطلة، ولا أساس لها بل هي من الخرافات، فقطع سره ووضعه في البحر، أو في بلاد أبيه، أو نحو
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 163.(3/119)
هذا، كل هذا باطل ولا أساس له، ولا يجوز فعله وهو من الخرافات التي يجب تركها.
س: من العادات لدينا أن المولود بعد تمام الأسبوع الأول، من الولادة يخرج به شخص معروف بالشجاعة والحذاقة، وكتمان السر، ووالدته تبقى أربعين يوما في الحجبة، لا تطلع من بيتها بل تبقى داخل غرفة مغلقة، وحدها حتى تنتهي هذه المدة ما هو الحكم الشرعي في هذه العادة؟ (1)
ج: هذا كالذي قبله كله باطل، كله لا أساس له، لا حمل الولد من جهة إنسان معروف بالشجاعة، ولا شيء معين يحمله إلى كذا أو إلى كذا، يذهب به إلى كذا، كل هذا لا أساس له، بل المولود يبقى عند والدته لإرضاعه، والعناية به من أول ولادته، أو يدفع إلى من تحضنه وتربيه وترضعه، إذا كانت أمه لا تستطيع ذلك وليس فيها لبن، وأمه كذلك ليس لها أن تحبس نفسها في غرفة ولا في غيرها، بل كسائر النساء يخرجن من محل الولادة، تذهب إلى حاجاتها ولا تغلق عليها غرفة ولا غيرها، بل هذا كله باطل وكله تشديد لا وجه له، بل هو من الشيطان نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 163.(3/120)
س: أحد الإخوة من جيزان بعث برسالة يقول فيها: إنه يوجد في القنفذة ناس لديهم عادة يتوارثونها من القدم، وهي عندما يولد المولود يقطع سره، ويؤخذ ويدفن في بلاد والده، من أجل إذا كبر يحب البلاد، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: هذا باطل، هذه خرافة من الخرافات، لا يجوز، هذه الخرافة لا تجوز، يقطع سره في محله ولا ينقل إلى بلد آخر، وهذا الاعتقاد باطل، لا أصل لهذا، بل هذا يعتبر من الخرافات الفاسدة.
س: يقول بعض الناس إذا الشخص تحرك حاجبه، أو تحرك أسفل عينه اليمنى، بدون إرادته فهذا من دواعي الشر، لهذا الشخص، وإذا شخص تحرك حاجبه، أو أسفل عينه اليسرى بدون إرادته، فهذا من دواعي الخير لهذا الشخص، فهل هذا الشيء صحيح جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: هذا شيء لا أصل له، بل هو من الخرافات، خرافة لا أساس لها ولا يلتفت إليها.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 162.
(2) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 143.(3/121)
س: بعض الناس يقولون بأن الخطوط التي في كفي الإنسان إنها على شكل رقمين، ثمانية عشر في اليد اليمنى، وواحد وثمانون في اليد اليسرى، والمجموع تسعة وتسعون، ويقول إنها بعدد أسماء الله الحسنى، فهل لهذا أثر صحيح؟ (1)
ج: هذا الذي قاله بعض الناس لا أصل له، ولم يبلغنا أن أحدا من أهل العلم قاله، بل هو شيء مؤتفك لا أصل له ولا ينبغي التعويل عليه.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 82.(3/122)
33 - حكم تخصيص الذبيحة على الميت بوقت معين
س: كانت عندنا عادة في بلادنا كنا نذبح ليلة الحج، أي ليلة التاسع من ذي الحجة، من كل عام اعتقادا بأن هذه الذبيحة حج للأموات، وفي صباح اليوم نفسه أي اليوم التاسع، تذبح ذبيحة أخرى، وهذه تسمى حجا للأحياء، ولكن بعد أن عرفنا أن الذبح لغير الله لا يجوز، لا زال البعض من الإخوان، يذبح هذه الذبائح، فإذا أنكرنا عليه قال: إنما هي لله وثوابها للميت، والله يعلم نيته. فهل يجوز أكل(3/122)
لحوم مثل هذه الذبائح، علما بأنهم يخصون بها هذا اليوم، دون غيره في الأيام؟ جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا العمل بدعة، لأن الذبيحة ليست حجة، لا لحي ولا لميت، الذبيحة سنة صدقة وتخصيصها بعرفة وعلى أنها حجة، هذا باطل بدعة ولا ينبغي أن يؤكل منها، حجرا لهم وتأديبا لهم، وإلا فلا تحرم، لأنهم ذبحوها لله، فلا تحرم لكن من باب التأديب، ويعلمون إذا أرادوا الصدقة، أن يتصدقوا بها في أي وقت، من باب الصدقة، يذبحها في يوم العيد وإذا ذبح عن الميت وعن الحي، في أيام العيد ضحايا، كان هذا أفضل، يذبح ذبيحة عن أخيه، أو عن أبيه الميت، أو عنه وعنهم جميعا، كل هذا مستحب أما اعتقاد أنها عن حجة، في الليل عن الميت وفي النهار عن الحي، فهذا لا أصل له، أو كونها في هذا الوقت خاصة تكون عن حجة كل هذا لا أصل له، فينبغي للمؤمن أن يتأدب بالآداب الشرعية، يذبح الذبيحة للصدقة، ليتصدق بها، أو ليجود بها على أهل بيته، ويحسن إليهم ويطعمهم، أو ليطعم معهم جيرانه وأقاربه لا بأس على أنها صدقة فقط لا حجة.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 261.(3/123)
باب ما جاء في الفرق والطوائف(3/125)
باب ما جاء في الفرق والطوائف
34 - بيان الفرقة الناجية
س: حدثونا عن الفرقة الناجية، وما هي أوصافها، وهل هي طائفة معينة أو اسم معين كي نتبعها أم ماذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، يقال لهم: الفرقة الناجية، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة (2) » ، هذه الواحدة هي الفرقة الناجية وهي الطائفة المنصورة، وهم أهل العلم والإيمان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم بإحسان، يتبعهم في ذلك العامة الذين هم على طريق أهل السنة من أمهاتهم وأخواتهم وأولادهم وعلى
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 352.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، برقم 16490.(3/127)
رأسهم العلماء علماء الحديث علماء السنة وعلى رأس الجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم الطائفة المنصورة، وهم الفرقة الناجية، وهم الذين عملوا بالكتاب والسنة، دينهم الكتاب والسنة، لا آراء الرجال وهم أهل التوحيد، والإيمان الذين عرفوا الله وخصوه بالعبادة، وآمنوا بأسمائه وصفاته، وأنه لا شبيه له ولا كفؤ له، ولم يأولوها بل أمروها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، آمنوا بالله ربا وخالقا ومعبودا بالحق، وله الأسماء الحسنى وله الصفات العلا، لا شبيه له ولا كفؤ له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه عز وجل، وقد وضح الأئمة صفاتهم، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، وفي التدمرية وفي الحموية نقل كلام العلماء في ذلك، مثل الطحاوي رحمه الله وشرح الطحاوية لابن أبي العز، ومثل كتاب السنة، لعبد الله بن أحمد، ومثل كتاب عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي، إلى غير ذلك ومثل كتاب التوحيد لابن خزيمة، كلهم بينوا عقيدة أهل السنة والجماعة، والخلاصة أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، الذين وحدوا الله وآمنوا به، واتبعوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق بجلال الله، أمروها كما جاءت، وآمنوا بها، ولم يتأولوها ولم يحرفوها، بل أمروها كما جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل(3/128)
ولا تكييف ولا تمثيل بل آمنوا بأنها صفات الله، وأنها لائقة بالله لا يشابهه فيها خلقه سبحانه، ولا يجوز تأويلها ولا تكييفها، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة.(3/129)
35 - بيان أهل السنة والجماعة
السائل: ص. ع من اليمن: من هم أصحاب السنة والجماعة، وما هي صفاتهم ومتى نكون منهم، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: أصحاب السنة والجماعة هم الذين يعملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتمسكون بهما، ويدعون إليهما، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم بإحسان هؤلاء هم أهل السنة، الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ومن سار في ركابهم واتبع طريقهم قولا وعملا وعظم الكتاب والسنة، واحتج بهما واعتمد عليهما، هذا هو صاحب السنة وهم أهل السنة الذين يأخذون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعتمدون عليهما ويتبعون من سلك هذا السبيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، الصحابة ومن سلك سبيلهم، كمالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي ومن تبعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، الذين وحدوا الله
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم 387.(3/129)
سبحانه، واعتقدوا أنه المستحق للعبادة، وآمنوا بأسمائه وصفاته، ووصفوه بها جل وعلا، ومن غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، وحدوا الله واستقاموا على دينه، وآمنوا به وبصفاته وخصوه بالعبادة، وآمنوا بأنه رب العالمين وخالقهم، وبأنه سبحانه ذو الأسماء والصفات العلي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) ، وخالفوا الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم، من أهل البدع هؤلاء هم أهل السنة الذين اتبعوا الصحابة واستقاموا على طريق الصحابة قولا وعملا وعقيدة، وعقيدة الصحابة هي توحيد الله، وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، واتباع أوامر الله وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، والإيمان بأسمائه وصفاته، ووصف الله بها على الوجه اللائق به سبحانه، وليس بذلك تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بذلك، ويمرونها كما جاءت بقوله سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (3) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (4) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (5) ، وبقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (6) سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 2
(4) سورة الإخلاص الآية 3
(5) سورة الإخلاص الآية 4
(6) سورة الشورى الآية 11(3/130)
36 - موقف المسلم من تعدد فرقة أهل السنة والجماعة
س: إذا تعددت الفرق المدعية بأنها هي من أهل السنة والجماعة؟ (1)
ج: ينظر في عقيدتها، إن وافقت السنة فهم أهل السنة والجماعة، ولو سموا أنفسهم بصفات كثيرة، وإن خالفوا العقيدة فهم أهل بدع، العبرة في الحقيقة الواقعة، لا بالدعوى، لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، لكن البينة على المدعي، من ادعى أنه من أهل السنة يسأل عن عقيدته، ما هي عقيدته؟ فإذا كان يوحد الله يعبده وحده، وليس من عباد القبور ولا عباد الأصنام، ويؤمن بأسماء الله وصفاته، ويمرها كما جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فهو من أهل السنة والجماعة.
س: هل بين هذا للناس في وقتنا الحاضر سماحة الشيخ؟ (2)
ج: نعم، كثيرا ما تكون محاضرات في هذا الباب، في المساجد وأنا أنصح الطلبة والشباب بحفظ القرآن الكريم، لأنه فيه بيان هذه العقيدة العظيمة، أنصح كل مسلم يستطيع وكل مسلمة أن يحفظ
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 352.
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 352.(3/131)
القرآن، فالقرآن فيه البيان الشافي، بيان العقيدة الكاملة، عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك بالإلمام بتوحيد الله وأسمائه وصفاته وأخبار الجنة والنار، وأخبار يوم القيامة، إلى غير ذلك، وكذلك العقائد المؤلفة في هذا الباب من أهل السنة، ومن أخصرها وأطيبها العقيدة الواسطية، مختصرة طيبة فأوصي الرجال والنساء بحفظها فهي كافية شافية.(3/132)
37 - بيان خصائص الفرقة الناجية
س: السائل: إبراهيم من الرياض يقول: من هي الفرقة الناجية، وما خصائصها؟ (1)
ج: الفرقة الناجية هي المتمسكة بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هم أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية: هم الذين آمنوا بالله ورسوله، واستقاموا على دين الله، وآمنوا بكل ما أخبر الله به ورسوله، وساروا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والإيمان بأن الله سبحانه فوق العرش، قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، وأنه سبحانه مسمى بالأسماء الحسنى موصوف بالصفات العلى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، الأمة افترقت على ثلاث وسبعين فرقة
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 417.
(2) سورة الشورى الآية 11(3/132)
كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هي الفرقة الناجية، هي التي آمنت بالله ورسوله، وآمنت بأسماء الله وصفاته، وآمنت بأنه سبحانه هو المستحق العبادة، وأنه الإله الحق، وأنه فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلاله، وأنه مسمى بالأسماء الحسنى، موصوف بالصفات العلا الواردة في الكتاب العزيز وفي السنة الصحيحة، المطهرة هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، إلى قيام الساعة، وإن قلوا، في أي مكان، أما الثنتان والسبعون فرقة فمتوعدون بالنار، فيهم الكافر، وفيهم المبتدع الذي ليس بكافر، هم الذين حادوا عن طريق السلف، لكن تارة يكون الذي حاد عنها كافرا، وتارة يكون دون ذلك، اثنتان وسبعون فرقة كلها متوعدة بالنار، فيهم الكافر والمبتدع، وفيهم من بدعته تلحقه بالكفرة، ومنهم من بدعته ما دون ذلك.
س: الأخ: ع. م. ع. من اليمن يقول: من هم الفرقة الناجية؟ (1)
ج: الفرقة الناجية هم الذين ساروا على منهج النبي صلى الله عليه وسلم واستقاموا على دينه يقول صلى الله عليه وسلم: «ما أنا عليه وأصحابي (2) » ، فالفرقة الناجية هم
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 430.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم 2641.(3/133)
الذين استقاموا على دين الله، وساروا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه في توحيد الله والإخلاص له، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والإيمان بأسمائه وصفاته، على وجه لائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية.
س: السائل: أ. أ. أ. من المنطقة الشرقية يقول: ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة حيث يقول في حديث: " كلهم في النار إلا واحدة " وما هي الواحدة؟ وهل الاثنتان والسبعون فرقة كلهم خالدون في النار؟ أفيدونا مأجورين (1)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة (2) » (يعني كلها هالكة إلا واحدة) ، «وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة (3) » ، فالواحدة هم أهل السنة والجماعة، هم الصحابة وأتباعهم بإحسان، أهل التوحيد والإيمان، والثنتان والسبعون، متوعدون بالنار، فيهم الكافر وفيهم العاصي، وفيهم المبتدع. فمن مات منهم على الكفر، فله النار مخلدا فيها، ومن مات على بدعة دون كفر، أو على معصية
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 404.
(2) ابن ماجه الفتن (3992) .
(3) أحمد (4/102) .(3/134)
دون كفر، فهذا تحت مشيئة الله، هم متوعدون بالنار، وبهذا يعلم أنهم ليسوا كلهم كفارا، بل فيهم الكافر وفيهم غيره من العصاة والمبتدعة.(3/135)
38 - صفات الفرقة الناجية
س: ما الفرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وما صفات كل منهما؟ (1)
ج: الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة، وصفاتها اتباع السلف، والسير على منهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان، وهم مذكورون في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) فالفرقة الناجية هي التي اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم وسارت على نهجه ونهج أصحابه حتى الموت، وهم الطائفة المنصورة، وهم السلف الصالح، وهم أهل السنة والجماعة، كل هذه العبارات عن فرقة واحدة الفرقة الناجية، ويقال: الطائفة المنصورة، ويقال السلف الصالح، وهم أصحاب النبي وأتباعهم ويقال أهل السنة والجماعة، ولكن رأسهم
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 329.
(2) سورة التوبة الآية 100(3/135)
العلماء، رأسهم هم أئمة الحديث وأئمة العلم هم رأسهم وهم أئمتهم، ولهذا قال بعض السلف لما سئل عن الطائفة المنصورة قال: هم أهل الحديث، وقال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، مقصوده أن أهل الحديث هم الأئمة، في هذه الطائفة، وهم الأساس والعامة والأميون تبع لهم، من سار على نهجهم فهو منهم، وإن كان عاميا ما دام سار على منهج السلف، واستقام على دين الله، فهو من الطائفة المنصورة، وإن كان عاميا ليس بعالم، فهو تابع لهم وداخل في خلتهم، وله ما وعدوا به.
س: سائلة تقول: أحب أن أعرف الفرقة المنصورة إلى يوم الدين، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل هي موجودة في بلد واحد، أو موزعة مع بلاد المسلمين، ماذا أفعل لكي أكون منهم؟ (1)
ج: الفرقة المنصورة هي القائمة بأمر الله، والمستقيمة على دين الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة " قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي "، وفي رواية: " وهي
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 376.
(2) أخرجه أبو داود كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم 4597، وابن ماجه كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، حديث رقم 3992.(3/136)
الجماعة (1) » ، أي المجتمعة على الحق، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ممن سار على نهجهم، هؤلاء هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، الذين وحدوا الله، واستقاموا على دينه وأدوا فرائضه، وتركوا مناهيه وتواصوا بالحق والصبر عليه، الذين اتبعوا الرسل، واستقاموا على دينه، وأفضلهم وإمامهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالفرقة الناجية من أمته: هي التي استقامت على دينه قولا وعملا وعقيدة، هؤلاء هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.
__________
(1) سبق تخريجه. (2)(3/137)
39 - حكم التسمي بالأثري
س: حصل عند بعض الشباب إنكار للتسمي بالأثري والانتساب إلى الأثر، ويقولون: إن هذه النسبة تفرق المسلمين، فهل هذا صحيح؟ أم إنها مجرد نسبة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الحق، وخاصة أن بعض العلماء الأعلام كالحافظ العراقي تسمى بذلك، هل صحيح أنكم تراجعتم عن التسمي بذلك؟ جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: لا أعلم حرجا في ذلك، إذا قيل فلان إنه أثري، إذا كان
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 323.(3/137)
صحيحا، إذا كان يعتمد الأحاديث النبوية، والسنة المطهرة، ويسير على منهج السلف الصالح، فيقال أثري، أو يقال من أهل السنة والجماعة، كل هذا لا حرج فيه، ومما درج عليه أهل السنة، إذا كان صادقا في ذلك.
س: معنى هذا أن سماحتكم لم يتراجع عن التلفظ بهذا اللفظ؟
ج: أنا لم أتسم به، ولكن سماني بعض الناس، أي ما قلت لنفسي إنني أثري، وإنما بعض الناس قال عني ذلك، أما أنا فنعم، أنا إن شاء الله من أهل السنة والجماعة، وأنا إن شاء الله أثري أقوله الآن.(3/138)
40 - نبذة عن الدعوة السلفية
س: من الجمهورية العربية السورية - دمشق ع. ع. أخونا يسأل ثلاثة أسئلة في أحدها يقول: أريد نبذة عن الدعوة السلفية وعن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؟ (1)
ج: الحمد لله فإن الدعوة السلفية الدعوة إلى ما بعث به الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، هي الدعوة إلى التمسك بالقرآن العظيم والسنة المطهرة، هذه الدعوة السلفية الدعوة إلى السير على المنهج
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 315.(3/138)
الذي درج عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثم المدينة لإبلاغ الدعوة إلى المسلمين وغيرهم، وتوجيه الناس إلى الخير وتعليمهم ما بعث الله به نبيه من توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وترك الإشراك بالله عز وجل والقيام بما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، هذه الدعوة السلفية وعليها درج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ساروا على نهجه في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك، وتوجيه الناس إلى توحيد الله في أقوالهم وأعمالهم، كما أمرهم الله بذلك بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1) ، وفي قوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (2) ، وفي قوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3) .
فالرسول دعا إلى هذا وكان المشركون يتعلقون بالقبور والأموات والأصنام والأحجار والأشجار، يدعونها ويتمسحون بها، ويتبركون بها، ويستشفعون بها، ويذبحون لها، وينذرون لها، فنهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك، وأخبرهم أنها لا تنفع ولا تضر، وأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده، وقال: «يا قومي قولوا
__________
(1) سورة البقرة الآية 21
(2) سورة النساء الآية 36
(3) سورة البينة الآية 5(3/139)
لا إله إلا الله تفلحوا (1) » ، فلما فتح الله عليه مكة بعد الهجرة، كسر الأصنام وهدم العزى، وكانت شجرة تعبد، وهدم مناة وكانت صخرة تعبد، وهدم اللات وكانت تعبد في الطائف، وهكذا جميع الأصنام كسرها، وبعث إلى القبائل والرؤساء يدعوهم إلى توحيد الله، ويأمرهم بترك عبادة الأصنام والأوثان، والأولياء والأنبياء والملائكة، فالعبادة حق الله وحده؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) .
ومعنى اعبدوا الله: أي وحدوا الله، يعني خصوه بالعبادة، هو الذي يدعى ويرجى، ويسأل ويسجد له، ويركع له ويذبح له، وينذر له، أما القبور فلا يتعلق بها، ولا يبنى عليها لا مساجد ولا غيرها، ولا يدعى أهلها من دون الله، ولا يستغاث بهم، ولا يطلب منهم الشفاعة، الشفاعة لله وحده، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (4) .
وقد أنكر الله على المشركين بقوله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (5) ، وقد
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة النحل الآية 36
(4) سورة الزمر الآية 44
(5) سورة يونس الآية 18(3/140)
أنكر الله عليهم بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1) ، وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3) ، ثم قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4) ، أي: ما عبدنا اللات والعزى، والأنبياء والملائكة ودعوناهم واستغثنا بهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فأنكر الله عليهم ذلك، وأكذبهم، وقال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) ، بين سبحانه أنهم كذبة في قولهم، إنها تقربهم إلى الله زلفى، فهم كفرة بعبادتهم الأصنام، والملائكة والأنبياء، فلا يجوز أن يؤتى صاحب القبر، ويقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني أو اقض حاجتي أو اشفع لي أو أنا في جوارك، كل هذا منكر، كل هذا من الشرك الأكبر، في حياته لا بأس أن تقول: يا فلان اشفع لي، مثلما كان الصحابة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: اشفع لنا يا رسول الله، ادع الله لنا، كان يستغيث لهم إذا أجدبوا في خطبة الجمعة وفي غيرها وكان يدعو لهم، لا بأس في حياته، وهكذا يوم القيامة، إذا بعثه الله يشفع للناس يوم القيامة، أما بعد موته في البرزخ فلا يدعى لا هو ولا غيره من الأنبياء،
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة الزمر الآية 3(3/141)
ولا الملائكة ولا الصالحين، لا يدعون ولا يستغاث بهم، لكن تقول يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني، يا رب أصلح قلبي، يا رب ارزقني، يا رب فرج كربتي، يا رب أصلح أولادي، يا رب انصرني على عدوي، يا رب شفع في نبيك، يا رب اجعلني من أهل شفاعة نبيك عليه الصلاة والسلام، يا رب وفقني لطاعتك، واتباع شريعتك، هكذا تقول تسأل ربك، هذا هو الطريق الصحيح، هذه الطريقة السلفية التي درج عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ودرج عليها أصحابه رضي الله عنهم، ثم التابعون بعدهم بإحسان، درجوا على هذا، وكان الصحابة ومن بعدهم يدعون إلى هذا الطريق، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى إخلاص العبادة لله وحده، لا يدعى معه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صاحب قبر، ولا جني، ولا شجر، ولا صنم، ولا غير ذلك.
العبادة حق الله وحده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1) ، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) ، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ، مع الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، أرسله الله إلى الناس كافة؛ لا بد من هذا الإيمان، أن تؤمن أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي، ثم المدني، هو رسول الله حقا عليه الصلاة السلام،
__________
(1) سورة البقرة الآية 21
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة البينة الآية 5(3/142)
وهو أفضل الخلق، وهو سيد ولد آدم، تؤمن بهذا، وتؤمن أن الله أرسله إلى الناس عامة والجن والإنس، من أجاب دعوته واتبع ما جاء به فله الجنة، ومن حاد عن سبيله فله النار، هو خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي، من ادعى النبوة بعده، كالقاديانية، يكون كافرا؛ لأن الله سبحانه يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1) ، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه خاتم الأنبياء، يقول: «إني خاتم الأنبياء لا نبي بعدي (2) » ، عليه الصلاة والسلام.
ثم من تمام الدعوة السلفية طاعة الله، فكل أوامره تؤتى، وتترك النواهي، فالصلاة تصلي كما شرع الله، وتزكي كما شرع الله، وتصوم كما شرع الله، وتحج كما شرع الله، وتبر والديك، وتصل أرحامك، تدعو إلى الله بالعلم والهدى، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالأسلوب الحسن، بالرفق والحكمة، وتدع المعاصي كالزنى والعقوق والربا، وقطيعة الرحم، وشرب المسكر، إلى غير هذا من المعاصي تدعها وتحذرها طاعة لله وتعظيما لله، اتباعا لشريعته، ترجو ثوابه وتخاف عقابه، كل هذا داخل في الدعوة السلفية.
أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو إمام عالم، دعا
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 40
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون، برقم 2219.(3/143)
إلى الله عز وجل، دعا إلى هذه الكلمة كان رحمة الله عليه في نجد ثم انتقل إلى العيينة وهي بلدة معروفة قرب الدرعية، فتعلم العلم وتفقه في الدين، ثم سافر إلى الحرمين وتعلم في مكة والمدينة، ثم شرح الله صدره للدعوة السلفية، كان أهل نجد يتعلق بعضهم بالأوثان، وبالقبور والأشجار والأحجار، كما هو واقع في بلدان كثيرة، فشرح الله صدره لحقيقة التوحيد، وللدعوة السلفية التي درج عليها الرسول وأصحابه، فلما انشرح صدره لهذا الأمر، وعرف أدلته إلى هذا، دعا قومه ودعا الناس في نجد إلى توحيد الله، وكان في نجد قبر لزيد بن الخطاب رضي الله عنه في الجبيلة يدعى ويعبد من دون الله، كانت هناك أحجار وأشجار تعبد من دون الله، فنهاهم عنها، ونهى عن التعلق بالأموات، والقبور والأشجار والأحجار، وأخبرهم أن هذا شرك بالله، وأن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله وينكر هذا الشرك، وأن الصحابة كذلك، فدعا إلى الله في نجد أولا في حريملاء ثم في العيينة، وانتقل إلى الدرعية وساعده محمد بن سعود أمير الدرعية، واستمر في الدعوة إلى توحيد الله، والإخلاص له واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهدم القباب التي على القبور، وقطع الأشجار التي تعبد من دون الله، وهدم القبة التي على قبر زيد بن الخطاب إلى غير هذا من آثار الشرك، فأعانه الله على ذلك، وأعانه الأمير محمد بن سعود ثم نسله من بعده، جزاهم الله خيرا ولم يزالوا عونا للتوحيد إلى يومنا هذا، يدعون إلى الله ويساعدون أهل العلم في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك وإقامة(3/144)
الدين، هذه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - إمام عالم سلفي العقيدة يدعو إلى توحيد الله وإلى اتباع شريعته، وينهى عن الشرك والبدع والخرافات، وعن المعاصي مثلما كان الصحابة يدعون إلى الله، مثلما كان الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك، وغيرهم من أئمة الإسلام يدعون إلى توحيد الله والإخلاص له، مثلما كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في زمانه في القرن السابع والثامن، وابن القيم رحمه الله في القرن الثامن، وابن كثير، وأشباههم يدعون إلى الله، هو على طريقهم رحمه الله، فهو سلفي إمام يدعو إلى توحيد الله، وطاعة الله، واتباع شريعته، وأما أعداؤه من القبوريين الذين يرمونه بأنه مبتدع، أو أنه يبغض الأولياء، هذا باطل، يكذبون عليه، مثلما كذبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى غيره، فهو يدعو إلى توحيد الله، وإلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى الحق والهدى، وإلى الإخلاص لله، ونبذ البدع والخرافات التي بلي بها كثير من الناس، فهو إمام مهتد موفق يدعو إلى توحيد الله وطاعته، ويدعو إلى العقيدة السلفية، وهكذا أنصاره من آل سعود ومن العلماء والأخيار وكلهم دعاة إلى الحق، وأما تسمية أتباعه بالوهابية فهذا لقبه به أعداؤهم للتنفير، فهم محمدية، هو محمد ليس عبد الوهاب، هو محمد بن عبد الوهاب، أبوه اسمه عبد الوهاب الصواب أن يقال: محمدية؛ لأنه محمد، والنبي محمد عليه الصلاة والسلام، فهو من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، لكن أعداؤه من الجهال أو الذين قلدوا الجهال أو قلدوا الأعداء، سموهم الوهابية(3/145)
جهلا أو عنادا، وتنفيرا من الحق، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بهذا اللقب الذي يرميهم به الأعداء، وبأنهم أعداء للدين أو أنهم أعداء للحق، أو أنهم أهل بدعة، كل هذا باطل، والشيخ وأتباعه دعاة للحق، دعاة للسلفية، دعاة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من أئمة الإسلام، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب وذريته وأتباعه إلى يومنا هذا يدعون إلى توحيد الله، وإلى اتباع شريعته سبحانه، وينهون عن الشرك بالله، وعن البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن البدع: البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها؛ لأنها وسيلة للشرك، وإقامة الموالد واحتفالات الموالد؛ لأنها وسيلة للشرك لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه فالخير كله في اتباعهم؛ لأن الله يقول جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) ، فأتباعهم بإحسان هم الذين ساروا على نهجهم، لم يزيدوا على ذلك، ولم ينقصوا بل ساروا على نهجهم في توحيد الله والإخلاص له واتباع الشريعة وتعظيمها وترك ما نهى الله عنه من البدع وترك المعاصي، والدعوة إلى توحيد الله وإلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، هذه هي طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهذه طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وطريقة أتباعه من آل سعود وغيرهم من العلماء الذين
__________
(1) سورة التوبة الآية 100(3/146)
ساروا على نهجه، وهكذا أتباعه من العلماء الذين ساروا على نهجهم من الهند والشام وفي العراق وفي مصر، وفي كل مكان، له أتباع كثيرون، في أقطار كثيرة في أماكن كثيرة من العالم عرفوا الحقيقة عرفوا دعوته الطيبة من كتبه ومن كتب أتباعه، وأنها دعوة سلفية، دعوة إلى توحيد الله واتباع شريعته، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فنصيحتي لكل مسلم أن يتقي الله، وأن يعرف الحق بدليله، لا بالتقليد وقول الجهال، وأتباع الجهال، ولكن بالدليل ينظر كتب القوم، ينظر ماذا قرروه في الدرر السنية، من كتبهم: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، تيسير العزيز الحميد، إلى غير هذا من كتبهم، وردودهم حتى يعرف الحقيقة، يعلم أنهم على الحق والهدى، وأنهم دعاة إلى توحيد الله، وإلى اتباع شريعته، وإلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله، هذه دعوة الشيخ محمد، هذا طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وهذه طريقة أتباعه وأنصاره، من علماء نجد وغيره من آل سعود وغيرهم.
نسأل الله أن يثبت الجميع على الهدى وأن يصلح قلوب الجميع وأعمال الجميع وأن يهدي الضال حتى يستقيم على الحق، نسأل الله أن يهدي الضالين، وأن يعلم الجاهلين حتى يعرفوا الحق بدليله، وأن يهدي المتعصبين وأصحاب الهوى، حتى يدعوا التعصب والهوى وحتى ينقادوا للحق، ويتبعوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ينقادوا له بالدليل، لا بتقليد الجهلة، وتقليد أصحاب الهوى، فالتقليد لأصحاب الهوى والجهلة يضر ولا ينفع، فالواجب على طالب العلم أن يأخذ الحق(3/147)
بالدليل، وأن ينظر في كتب القوم الذين يسمع عنهم أشياء تخالف الشرع، حتى يعرف الحقيقة بأدلتها، وحتى يتكلم عن علم وعن بصيرة، لا عن تقليد زيد وعمرو، ونحو ذلك، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وأن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم، وأن يمن على جميع المسلمين الفقه في دين الله، والتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، والوقوف عند حدودهما، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.
س: سمعت بالوهابية فمن هم؟ (1)
ج: الوهابية يطلقها أعداء السلفية على أتباع الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي، المتوفي سنة (1206هـ) ست ومائتين وألف من الهجرة في الدرعية، وقد قام بالدعوة إلى الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر في نجد الدرعية وما حولها، دعا إلى توحيد الله وأنكر على الناس التعلق بالقبور والأموات والأصنام، وتصديق الكهان والمنجمين وعبادة الأشجار والأحجار، على طريقة السلف الصالح، على الطريقة التي بعث الله بها نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، وعلى الطريقة التي درج عليها أصحابه رضوان الله عليهم، فدعا إلى الله، ودعا معه العلماء
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 218.(3/148)
الذين وفقهم الله لمعرفة الحق من أقاربه وأولاده وغيرهم، وأظهر الله به الدين، وأزال الله به الشر من نجد وما حولها ثم انتشرت دعوته في اليمن والشام، والعراق ومصر والهند وغير ذلك، وعرف المحققون صحة دعوته واستقامتها، وأنه على الهدى والطريق القويم، وأنه في الحقيقة مجدد لما اندرس من معالم الإسلام، وليس مبتدعا وليس له دين جديد، ولا مذهب جديد، إنما دعا إلى توحيد الله، واتباع شريعته والسير على منهج السلف الصالح من الصحابة ومن سلك سبيلهم، هذا هو مذهب الشيخ محمد وأتباعه، ساروا على منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، ولكن لهم خصوم، فكذب عليهم الكذابون حتى يستبيحوا دماءهم، وكذبوا عليهم وقالوا: إنهم مذهب خامس، وأنهم يسبون الرسول، ويسبون الصحابة وكلها كذب وباطل، بل هم من أحب الناس للرسول صلى الله عليه وسلم، وهم على طريق الصحابة، والرسول أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم، وأموالهم وهم يدعون إلى ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، يدعون إلى توحيد الله واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه والسير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتبهم طافحة بذلك، وكتب الشيخ محمد وأتباعه واضحة في ذلك، من قرأها عرف ذلك، كتاب التوحيد، فتح المجيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، تيسير العزيز الحميد لحفيده سليمان بن عبد الله، والدرر السنية في فتاوى أهل نجد واضحة في ذلك، وهكذا كتبهم الأخرى ورسائلهم الأخرى، كلها تبين ما هم عليه من الهدى والحق، وكلها(3/149)
تبين كذب أعدائهم وخصومهم، من الصوفية وغير الصوفية ومن عباد القبور، الذين كذبوا عليهم، لأنهم أنكروا عليهم عبادة القبور، فكذبوا عليهم، وخصومهم هم عباد القبور، أو جهلة ما عرفوا الحقيقة، وصدقوا عباد القبور، أما أهل العلم والإيمان، في مصر والشام والعراق وغير ذلك، فقد عرفوا صحة ما هم عليه وشهدوا لهم بالحق، كالشيخ محمد رشيد رضا، وغيرهم ممن عرف دعوتهم - رحمة الله عليهم - وشهد لهم بالحق من علماء مصر والشام والعراق، وغير ذلك وكتبهم انتشرت وعمت الأوطان والحمد لله.(3/150)
41 - بيان دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب
س: يسأل المستمع: ع. ف. غ. ويقول: هل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص؟ وهل ما يقال عن دعوته من ترك عبادة القبور، ودعوة الأموات يعد جفاء للصالحين؟ (1)
ج: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، من علماء السنة ومن علماء أهل الحق، ودعوته ليست مذهبا خامسا، وإنما هي دعوة إلى العقيدة السلفية، وإلى ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة وأتباعهم، فهو يدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وليس
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 267.(3/150)
يدعو إلى مذهب جديد كما يزعمه الجهلة، أو خصومه المعادون، عباد الأوثان، إنما دعا إلى عبادة الله وحده، وقد كانت دعوته في القرن الثاني عشر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وتوفي رحمه الله في سنة 1206هـ، في أول القرن الثالث عشر وكتبه موجودة تبين عقيدته، مثل كتاب التوحيد، ومثل كشف الشبهات ومثل الثلاثة الأصول كلها تبين دعوته وأنه دعا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة لله وألا يدعى مع الله أحد، لا ملك ولا رسول ولا صنم ولا جن ولا إنس، بل العبادة حق الله وحده، وكان في الأحكام الفقهية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إلا أن يترجح عنده بالدليل قول آخر ذهب إليه، أما ما رماه به خصومه، أو الجهلة بأنه مذهب خامس، أو أنه يحتقر الصالحين والأنبياء فهذا كله باطل، وليس في ترك الإشراك بهم احتقار لهم ولا تنقص لهم، فالأنبياء كلهم جاؤوا بالدعوة إلى توحيد الله، والنهي عن دعوة الأنبياء والصالحين وإنما المتنقص لهم الذي دعاهم من دون الله، وظن أنهم يرضون بهذا وهم لا يرضون، بأن يعبدوا مع الله، بل نهوا الناس عن ذلك، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) فالرسل كلهم عليهم الصلاة والسلام، دعوا إلى
__________
(1) سورة النحل الآية 36
(2) سورة الأنبياء الآية 25(3/151)
توحيد الله وإخلاص العبادة له جل وعلا، وإلى اتباع الرسول فيما جاء به، وهكذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، دعا إلى توحيد الله، وتعظيم أمره ونهيه، وهكذا العلماء من أهل السنة والجماعة، دعوا إلى ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيد الله والإخلاص له، كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والثوري، والأوزاعي وغيرهم من أئمة الإسلام، كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له جل وعلا، وطاعة الأوامر التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك النواهي، هذا هو الحق وهذا هو دين الله، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله دعا إلى ما دعوا إليه، دعا إلى توحيد الله، وإلى طاعة الله فيما أمر، وترك ما نهى عنه، واتباع القرآن والسنة، وترك ما خالف ذلك، فليس له مذهب خامس وليس له دعوة خامسة، بل هو يدعو إلى ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليه الصحابة، ودعا إليه أئمة الإسلام، بالأقوال والأعمال والعقيدة، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، ومن قرأ كتبه عرف ذلك، والله المستعان.
س: يوجد طائفة من الناس إذا دعوناهم إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى ترك الشرك بالله، اتهمونا بالوهابية، كيف نواجههم لو تكرمتم؟ (1)
ج: لا يوجد مذهب وهابي، إنما هو طاعة الله ورسوله، الوهابية
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 124.(3/152)
تدعو إلى ما قاله الله ورسوله، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي تنسب إليه الوهابية هو رجل قام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، يدعو الناس إلى ما قاله الله ورسوله، يدعو الناس إلى عقيدة السلف الصالح، من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على منهج أصحابه في الأقوال والأعمال، وهو حنبلي المذهب ولكنه وفقه الله لدعوة الناس إلى إصلاح العقيدة، وترك الشرك بالله عز وجل، وترك البدع والخرافات التي قام بها وتخلق بها المتصوفة، أو أصحاب الكلام، فهو يدعو إلى عقيدة السلف الصالح، في العمل وفي العقيدة، وينهى عما عليه أهل الكلام من بدع، وما عليه بعض الصوفية الذين خرجوا عن طريق الصواب إلى البدع، فليس له مذهب يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، بل هو يدعو إلى مذهب أهل السنة والجماعة فقط، فإذا دعوت أحدا إلى التوحيد ونهيته عن الشرك فقالوا الوهابية، قل نعم أنا وهابي وأنا محمدي أدعوكم إلى طاعة الله وشرعه، أدعوكم إلى توحيد الله، فإذا كان من دعا إلى توحيد الله وهابيا فأنا وهابي، وإذا كان من دعا إلى توحيد الله ناصبيا فأنا ناصبي، المهم الدعوة إلى ما كان عليه رسول الله وأصحابه، والتقليد الذي ينفر به الناس عن الدعوة لا قيمة له.
الواجب على المؤمن أن يتقي الله وأن يستقيم على أمر الله ولو قال له الناس ما قالوا ولو قالوا منافق، ولو قالوا وهابي ولو قالوا كذا، إذا عرف أنه يدعو إلى توحيد الله، وإلى طاعة الله ورسوله كما قال الله(3/153)
ورسوله، فلا يضره المشاغبون والمنفرون بالألقاب التي يخترعونها له، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له الكفار: صابئ، وقالوا له: مجنون، وقالوا له: شاعر، وقالوا: كاهن، وقالوا: ساحر، ما ضره ذلك، واستمر في دعوته إلى الله وعلم الناس توحيد الله، ولم يبال بقولهم له إنك ساحر، أو كاهن أو ما أشبه ذلك، فهكذا أتباع الحق لا يضرهم إذا قيل لهم: وهابي، أو قيل لهم كذا أو قيل لهم كذا، أو قيل: متشدد أو قيل: منفر، أو قيل: متطرف أو كذا أو كذا يلقبونه حتى ينفروا منه الناس، ما يضره هذا، عليه أن يصبر وأن يوضح للناس الحق وأنه ليس عنده شيء يخالف شرع الله المطهر الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فالوهابية هم هذا، الوهابية دعاة إلى توحيد الله، وإلى طاعة الله ورسوله وليس لهم مذهب جديد، إنما هم دعاة إلى توحيد الله وإلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في الفقه في الغالب على مذهب الحنابلة، إلا إذا وجدوا شيئا في المذهب الحنبلي يخالف الأرجح من أقوال العلماء لوجود الدليل الذي يؤيد ما قاله الآخرون أخذوا بالدليل.(3/154)
42 - بيان ما يلزم المسلم إذا كثرت الفرق
س: يقول السائل: في هذا الزمان كثرت الفرق، وكل يقول: إنه على الحق، ونريد منكم أن تتفضلوا وتعطونا ميزانا من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأخذ به كل إنسان ناصحا لنفسه، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الميزان هو أن يسير على ما دل عليه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وما درج عليه سلف الأمة والصحابة، ومن سلك سبيلهم، ينظر في كلام أهل العلم إذا كان عنده علم، ويسلك مسلك الصحابة وأتباعهم بإحسان ويحكم شرع الله باتباع كتاب الله والسنة، هذا هو الطريق هذا هو طريق النجاة، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة: السير على ما سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليه أصحابه رضي الله عنهم، والعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على ذلك قولا وعملا وعقيدة، وإذا كان عنده جهل يسأل أهل العلم، ويتحرى أهل العلم والبصيرة، وأهل السنة والجماعة المعروفين بالخير، يسألهم عما أشكل عليه هذا هو طريق النجاة، أن يستقيم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قولا وعملا، قال جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (2) ، وقال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3) ، وقال تعالى:
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 346.
(2) سورة الأنعام الآية 153
(3) سورة الفاتحة الآية 6(3/155)
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) ، وقال جل وعلا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) ، هذا هو الطريق الواضح، الصراط المستقيم هو توحيد الله والإخلاص له، والسير على النهج الذي سار عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واستقاموا عليه مع نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعد نبيهم، وتابعهم عليه أهل السنة والجماعة قولا وعملا وعقيدة.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(3/156)
43 - بيان طائفة الأشاعرة
س: هل الأشاعرة من أهل السنة أرجو التوضيح؟ (1)
ج: الأشاعرة عندهم أشياء خالفوا فيها أهل السنة من تأويل بعض الصفات، فهم في بعض التأويل ليسوا من أهل السنة؛ لأن أهل السنة لا يؤولون، وهذا غلط من الأشاعرة ومنكر، وعندهم مخالفات غير ذلك، والواجب على المؤمن هو طريق أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بأسماء الله كلها، وصفاته الواردة في القرآن الكريم، وهكذا الثابتة في السنة، يجب الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تأويل، بل يجب أن تمر كما جاءت، مع الإيمان بها على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى، ليس
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 20.(3/156)
فيها تشبيه لأحد، يقول سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) . ويقول سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) ، فيجب أن تمر أسماؤه وصفاته كما جاءت، من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل، ولا تكييف فهو سبحانه: الرحيم، والعزيز، والقدير، وهكذا سائر الأسماء والصفات، وهكذا قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (6) ، وقوله سبحانه: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (7) ، وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} (8) {وَأَكِيدُ كَيْدًا} (9) ، كل هذه الصفات تليق بالله، على وجه يليق بالله سبحانه وتعالى، ولا تشابه كيد المخلوقين ولا مكرهم، ولا خداعهم بل على وجه يليق بالله سبحانه وتعالى، لا يشابه الخلق في ذلك، وهكذا قوله في الحديث الصحيح: «من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة (10) » ، كل هذه الصفات تليق بالله، يجب الإيمان بها وإثباتها لله، على الوجه اللائق بالله تقربا يليق
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة الشورى الآية 11
(6) سورة آل عمران الآية 54
(7) سورة النساء الآية 142
(8) سورة الطارق الآية 15
(9) سورة الطارق الآية 16
(10) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته، برقم 7526، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم 2675.(3/157)
بالله، وهرولة تليق بالله، ليس فيها مشابهة لخلقه، تقربه وهرولته، وإنما هو شيء يليق به سبحانه، لا يشابه صفة المخلوقين سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) ، وهكذا قوله في الحث على الأعمال الصالحة: «فإن الله جل وعلا لا يمل حتى تملوا (2) » ، ملل يليق بالله لا يشابه صفات المخلوقين في مللهم، فالمخلوقون لديهم نقص وضعف، وأما صفات الله فهي كاملة تليق به سبحانه لا يشابه خلقه، وليس فيها نقص ولا عيب، بل هي صفات تليق بالله سبحانه وتعالى، لا يشابه فيها خلقه جل وعلا.
س: سائل من ليبيا وصلته الرسالة المزعومة؛ من الشيخ أحمد؛ ما تعليقكم سماحة الشيخ على هذا؟ (3)
ج: نعم هذه وصية تذاع من مدة طويلة، من عشرات السنين، قد كتبنا فيها من مدة طويلة، حين كنت في الجامعة وبعد ذلك، وقلت: إنها منكرة وإنها باطلة لا أساس لها، فهي مكذوبة على الشيخ أحمد،
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله عز وجل وأدومه. . .، برقم 43، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم 782.
(3) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 219.(3/158)
وهي: مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا أساس لها بل هي باطلة، ويقول فيها من يكتبها ويوزعها، ومن لم يوزعها، ومن لم يكتبها، يجري عليه كذا ويحصل له كذا، كل هذا باطل كل هذا لا أساس له، فالواجب على من وجدها أن يحرقها ويتلفها، وقد كتبنا فيها رسالة توزع من قديم في بيان إنكارها وبطلانها.(3/159)
44 - بيان مذهب أهل السنة والجماعة في نصوص الوعيد والرد على فرقة الخوارج
س: سماحة الشيخ: لعلها مناسبة أن تتكرموا بالحديث عن كل ما ورد بشأن الوعيد سواء في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبوية؟ (1)
ج: ما ورد في الوعيد عند أهل السنة والجماعة يكون فيه حث للمؤمن والمؤمنة على الحذر، مما جاء فيه الوعيد من ترك واجب أو فعل محرم، كالوعيد في ترك الصلاة، ترك الصيام، ترك الزكاة، ترك الحج مع القدرة، ترك بر الوالدين، ترك صلة الرحم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشباه ذلك من باب الوعيد للحث على فعل الواجب، وهكذا ما جاء في وعيد الزنى وشرب الخمر واللواط،
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 252.(3/159)
والعقوق وقطيعة الرحم والربا، كل هذه أنواع من الوعيد، والمقصود منها التنفير والتحذير من معاصي الله جل وعلا، فإذا فعل المسلم واحدا منها صار نقصا في إيمانه وضعفا في إيمانه وهو على خطر من دخول النار، لكن لا يكفر إذا كان ما أتى به ليس كفرا، لا يكفر بهذا بل يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه يوم القيامة إذا كان ما تاب؛ لأن الله سبحانه يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، فما كان دون الشرك فالله يغفره سبحانه وتعالى لمن يشاء، وأما إذا مات على الكفر بالله والشرك بالله فإذن هذا لا يغفر، بل صاحبه مخلد في النار، نعوذ بالله، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ، قال سبحانه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) .
فالحاصل أن المعاصي التي يفعلها الإنسان من ترك واجب، أو فعل محرم إذا كانت ليست من قسم الكفر بالله، والشرك الأكبر، فإنها تكون نقصا في الإيمان، وضعفا في الإيمان ولا يكفر بها الإنسان كما تقول الخوارج، الخوارج تقول: يكفر من أتى المعصية، من زنى كفر عندهم، من شرب الخمر كفر، من عق والديه كفر، هذا غلط قول الخوارج باطل، أهل السنة والجماعة يقولون: المعصية تنقص الإيمان
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة المائدة الآية 5(3/160)
وتضعف الإيمان، ولا يكفرون بالذنب، ولكن يقولون: إنه تحت المشيئة إذا مات على المعصية، مات وهو على الزنى، مات وهو عاق، مات وهو يشرب الخمر، هذا تحت مشيئة الله، لا يكون كافرا، إذا كان يعتقد أنها حرام، ما استحلها، يعتقد أنها حرام وأنها معصية، لكن غلبه الشيطان، غلبه الهوى، فهذا يكون تحت مشيئة الله، ويكون ناقص الإيمان، وضعيف الإيمان، لكنه لا يكفر بذلك، ولا يخلد في النار، بل متى دخل النار، فإنه يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرجه الله من النار لتوحيده وإسلامه الذي مات عليه، هكذا أجمع أهل السنة والجماعة رحمة الله عليهم، فالمعاصي تنقص الإيمان وتضعف الإيمان، والطاعة تزيد الإيمان، والإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والذكر، وينقص بالغفلة والمعصية، وإذا مات الإنسان على معصية فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه على قدر معصيته من الزنى أو السرقة أو شرب الخمر، أو العقوق أو غير هذا إذا مات ولم يتب فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وعفا عنه بتوحيده وإيمانه وبالحسنات التي عنده، وإن شاء ربنا عز وجل عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد أن يطهر ويمحص في النار المدة التي يكتبها الله عليه بعد هذا يخرج من النار إلى الجنة بسبب التوحيد الذي مات عليه، والإسلام الذي مات عليه هذا قول أهل الحق، قول أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم فإنهم قد خالفوا الحق، والصواب قول أهل السنة(3/161)
والجماعة أن المعصية لا تخرج من الإسلام، ولا توجب الخلود في النار إذا كان صاحبها مسلما موحدا، ولكن أتى بعض المعاصي كالزنى أو شرب الخمر، أو العقوق أو الربا، ولم يستحل ذلك، يرى أنه عاص، ما استحله يرى أنه عاص وظالم لنفسه لكنه غلبه الهوى والشيطان، فهذا تحت مشيئة الله، قد يعفي عنه إذا مات على توحيد الله، قد يكون له حسنات عظيمة صدقات، أشياء من الخير، فيغفر الله له بذلك، وقد يعذب على قدر معاصيه التي مات عليها وهو مسلم ثم يخرجه الله بعد التعذيب والتمحيص إلى الجنة وقد ثبتت الأحاديث المتواترة عن رسول الله في ذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في الأحاديث المتواترة «أنه يشفع للعصاة من أمته، ويعطيه الله منهم جمعا غفيرا، يشفع عدة شفاعات في العصاة من أمة محمد عليه الصلاة والسلام والله يحد له حدا فيخرجهم من النار ويلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل (1) » ، فإذا تم خلقهم أدخلوا الجنة، فله صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات، كلما شفع أعطاه الله جملة من الناس وحد له حدا، وهكذا يشفع المؤمنون، تشفع الملائكة، يشفع الأفراط، تشفع الأنبياء المقصود أن هذا هو الحق.
فينبغي أن يعلم هذا، وأما ما قالته الخوارج من كفر العاصي،
__________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة، برقم 6560، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم 183.(3/162)
الزاني ونحوه أنه يخلد في النار وهكذا تبعتهم المعتزلة على خلوده في النار والإباضية قالوا مثل قولهم في خلوده في النار، هذا منكر، هذا باطل يجب على من قال هذا القول أن يتوب إلى الله وأن يأخذ بقول أهل السنة والجماعة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.(3/163)
45 - بيان معنى الصوفية
س: من هم الصوفيون وما موقف الإسلام منهم، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الصوفيون: جماعات اشتهروا بإحداث طرق في العبادة والتنسك ما شرعها الله في صلواتهم وفي أذكارهم وفي خلواتهم يقال لهم: الصوفية، قال بعضهم: معناه من التصوف يعني يلبسون الصوف، وقال بعضهم: إنها من الصفاء وإن النسبة غير لغوية، يعني غير مستقيمة على الطريق السوي في النسبة، وأنها من الصفاء، وأنهم يعتنون بصفاء القلوب من كدر الذنوب وكدر كسب الحرام ونحو ذلك، فالتصوف هو التعبد على طريقة خاصة، لم تأت بها الشريعة، ولهذا غلب على المتصوفة البدع، ويسمى الزاهد الذي يحرص على التفرغ للعبادة والزهد في الدنيا وطلبها يسمى أيضا صوفيا، لكن إذا ما أحدث بدعة، وإنما صفته الزهد، والرغبة في الآخرة والتقلل من الدنيا، والحرص
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 226.(3/163)
على أعمال الآخرة، هذا لا يسمى صوفيا، في الحقيقة يسمى زاهدا فإذا كان زهده لا يوقعه فيما حرم الله ولا يزيد في أعماله عما أوجب الله، ولا يبتدع بل يتحرى الشريعة، في أعماله وأقواله، فهذا مشكور ويثنى عليه كالجنيد بن محمد، وكسليمان الداراني، وبشر الحافي وجماعة، زادوا في العبادة والزهد في الدنيا، فهؤلاء يثنى عليهم كثير، من أجل زهدهم ورغبتهم في الآخرة وعدم ابتداعهم.(3/164)
46 - الطرق الصوفية وبيان ما فيها من البدع
س: هنالك طرق كثيرة جدا، مثل الطريقة البرهانية، والطريقة الشاذلية والطريقة الدسوقية، والطريقة التيجانية إلى آخر هذه الطرق. ومن بينها جماعة أنصار السنة المحمدية، وهي جماعة التوحيد التي تقتدي بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بنصيحة مطولة إلى مشايخ وعوام هذه الطرق، لكي يسيروا في درب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة (1) » ؟
ج: الطرق الصوفية كثيرة لا تحصى، وهي تزيد على طول الزمان، وأكثرها فيه من الشر والفساد والبدع ما لا يحصيه إلا الله عز وجل،
__________
(1) أخرجه أبو داود كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم 4597، وابن ماجه كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، حديث رقم 3992.(3/164)
وكل طريقة فيها قسط من الباطل، وقسط من البدع، لكنها متفاوتة، بعضها شر من بعض، وبعضها أخبث من بعض، والواجب على جميع المتصوفة أن يرجعوا إلى الله، وأن يتبعوا طريق محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يأخذوا بما جاء في الكتاب والسنة، ويسيروا على نهج سلف الأمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، بطاعة الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله، وعدم إحداث أشياء ما شرعها الله، ليس لهم أن يوجدوا طرقا يتعبدون بها لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، بل يجب أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يدعوا كل ما خالف الشرع المطهر، من طقوسهم وأذكارهم الاجتماعية وغير هذا مما أحدثوه في الدين سواء كانوا من القدامى في القرن الثالث والرابع أو من المحدثين، الواجب على جميع المسلمين أن يلتزموا الطريق الذي بعث الله به نبيه عليه الصلاة والسلام، وهو توحيد الله والإخلاص له، وطاعة الأوامر وترك النواهي ظاهرا وباطنا، وأن يلتزموا بذلك، وأن يحذروا البدع والخرافات التي أحدثها الناس، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ، وقال في خطبة الجمعة: «إن خير الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/165)
بدعة ضلالة (1) » ، سواء كانت الطرق التي أحدثها الناس قديمة أو جديدة الواجب تركها، واعتماد الطريق الذي سلكه المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا، وهو اتباع كتاب الله والسنة والاستقامة على دين الله، كما جاء عن الله وعن رسوله، من غير زيادة ولا نقصان.
وأما إحداث طقوس أو طوائف جديدة، لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه فهذا لا يجوز وهذا هو الذي يسمى البدعة، وأنصار السنة المحمدية من خيرة الناس في مصر وفي السودان، أنصار السنة هم الذين يدعون إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وليسوا من الفرق الضالة، بل هم من فرقة أتباع الكتاب والسنة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الفرق: «وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة (2) » الذين اجتمعوا على الحق وساروا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة ومن سلك سبيلهم، وفي رواية أخرى: «هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي (3) » ، يعني الذين تمسكوا بطريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه، وساروا عليه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم 867.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم 3992.
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم 2641.(3/166)
فالواجب على المسلمين أن يلزموا هذا الطريق، وهو طريق النبي صلى الله عليه وسلم، باتباع الأوامر وترك النواهي، وعدم إحداث أي شيء من الحوادث، لا في الأذكار ولا في الصلوات، ولا في الصوم ولا في غير ذلك، بل يجب السير على ما سار عليه الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان، هذا هو الحق، ولما تفرق الناس كثرت بينهم البدع والأهواء، وكل اخترع لنفسه طريقة من كيسه، لم يشرعها الله له، ولهذا تعددت الطرق حتى وصلت إلى ثنتين وسبعين فرقة غير الفرقة الناجية، ومنهم الجهمية والمعتزلة والروافض، وجماعات أخرى كثيرة كلها داخلة في هذه الفرق الضالة.
فيجب على المؤمن أن يحذر كل بدعة أحدثها الناس، وأن يلزم طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وطريق أصحابه وما سار عليه صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان، في طاعة الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله، وعدم إحداث شيء ليس له أصل في الشرع، والله المستعان.(3/167)
س: عندنا بالسودان كثير من الطرق الدينية مثل الطرق الصوفية والإخوان المسلمين وأنصار السنة والإخوان الجمهوريين والزعيم محمد محمود طه، والذي يدعي بأن الصلاة رفعت عنه، وأن اللحمة محرمة، فما رأيكم في ذلك، وما هو موقفنا نحن هل نقف مع أحد هذه الفرق، أم نقف منحازين ومنفردين وفقكم الله؟ (1)
ج: الطريق السوي هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم، ليس هناك طريق سديد ولا صالح إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم، هو الطريق السوي هو الصراط المستقيم، أما الطرق التي أحدثتها الصوفية، أو أحدثها غيرهم مما يخالف شريعة الله، فهذه لا يعول عليها، ولا يلتفت إليها، بل الطرق كلها مسدودة، إلا الطريق الذي بعث الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هو الطريق الصحيح، وهو الطريق الموصل إلى الله وإلى جنته وكرامته، أما الألقاب ما يلقب بأنصار السنة أو الإخوان المسلمين أو جماعة المسلمين، أو جمعية كذا لا بأس بهذه الألقاب، الألقاب لا تضر، المهم العمل، إذا كانت الأعمال تخالف شريعة الله تمنع، وهكذا طرق الصوفية، كل الطرق التي أحدثها الصوفية، مما يخالف شرع الله، كله منكر لا يجوز، وليس للصوفية ولا غيرهم أن يحدثوا طريقا يسلكونه غير طريق محمد صلى الله عليه وسلم، لا في الأذكار ولا في العبادات الأخرى، بل
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 32.(3/168)
لا بد أن يسلكوا طريق محمد صلى الله عليه وسلم، طريق نبينا عليه الصلاة والسلام ليس للناس طريق آخر، بل الواجب على جميع أهل الأرض أن يسلكوا طريق نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، في أقوالهم وأعمالهم وهو الطريق الذي قال الله فيه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) ، وهو الذي قال فيه جل وعلا: وإنك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2) {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (3) ، هكذا قال جل وعلا في سورة الشورى، هذا طريق الله، وهو صراط الله الذي بعث الله به نبيه، وخليله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على جميع أهل الأرض أن يأخذوا بهذا الطريق، ويستقيموا عليه، وليس للصوفية ولا لغير الصوفية أبدا أن يحدثوا طريقا آخر لا في أذكارهم الصباحية ولا المسائية ولا في غير ذلك ولا في استحضارهم شيوخهم عند صلاتهم لا، كل هذا منكر ولكن إذا أقيمت الصلاة أو في الأذكار يستحضر ربه يكون في قلبه ربه جل وعلا، يستحضر عظمته وكبرياءه وأنه واقف بين يديه فيعظمه جل وعلا ويخشاه ويراقبه ويكمل صلاته ويكمل عبادته على خير وجه، حسب ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب، أما كون بعض الجماعات تلقب نفسها بشيء علامة لها، مثل أنصار السنة
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 6
(2) سورة الشورى الآية 52
(3) سورة الشورى الآية 53(3/169)
في السودان، أو في مصر، فلا حرج في ذلك إذا استقام الطريق، إذا سلكوا طريق نبينا صلى الله عليه وسلم، واستقاموا عليه أو مثل الإخوان المسلمين، لقبوا أنفسهم بهذا اصطلاحا بينهم لا يضر لكن بشرط أن يستقيموا على طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأن يسلكوه وأن يعظموه وأن يعتقدوا أن جميع المسلمين إخوانهم من أنصار السنة من جماعة المسلمين من أي مكان لا يتحزبون بأصحابهم، فيعادوا غيرهم من المسلمين، لا، بل يجب أن تكون هذه الألقاب غير مؤثرة في الأخوة الإسلامية أما إذا أثرت فصار هذا يغضب لحزبه ويرضى لحزبه، ويقرب حزبه ويبعد غير حزبه، ولو كانوا أفضل من حزبه، ولو كانوا أهل الإيمان والتقوى، هذا منكر هذا لا يجوز، هذا تفرق في الدين، والله يقول سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) ، فإذا كان التلقيب بأنصار السنة وبالإخوان المسلمين أو بكذا أو بكذا يؤثر في الأخوة الإيمانية يؤثر في التعاون على البر والتقوى، هذا لا يجوز، هم إخوة في الله يتعاونون على البر والتقوى ويتناصحون مهما تنوعت ألقابهم، أما إذا أوجدوا لقبا يوالون عليه ويعادون عليه، ويعتبرون من دخل فيه هو وليهم، ومن لا فلا، هذا لا يجوز.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 103(3/170)
47 - حكم بيعة أفضال الناس ورؤساء الجمعيات
س: يوجد جماعة، يدعون أنهم ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقوم بعض الناس بمبايعتهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع، والسؤال هل للنبي عليه أفضل الصلاة والتسليم ذرية، وهل تجوز مبايعتهم على هذا الأساس، علما بأنهم متخذون لوالدهم ضريحا، ويسكنون بجواره، نرجو التوضيح وتبيان حكم الدين في هذا الادعاء، ولكم الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى؟ (1)
ج: نعم له صلى الله عليه وسلم ذرية من جهة بناته، أما أولاده الذكور فماتوا صغارا، ليس لهم ذرية، إنما ذريته من جهة البنات، من جهة الحسن والحسين أولاد فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، لهم ذرية للحسن والحسين ذرية، وهم إذا حفظ نسبهم وضبط بالبينة، يعتبرون من بني هاشم، ولا تحل لهم الصدقة - الزكاة - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس (2) » . فالصدقة لا تحل لآل محمد، إذا كانوا من ذرية الحسن أو الحسين، أو غيرهما ممن ينتسب لآل هاشم، كأولاد علي مطلقا، وكأولاد محمد بن علي وغيره.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 194.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، برقم 1072.(3/171)
فالحاصل أن من كان من ذرية بني هاشم، فهم من آل بيته صلى الله عليه وسلم، ومن كان من ذرية الحسن والحسين، فإنهم يعتبرون من ذريته صلى الله عليه وسلم من جهة البنات كما قال في الحسن: «إن ابني هذا سيد (1) » . فسماه ابنه وهو ولد بنته، فهؤلاء البنات ذرية، وقد سمى الله عيسى من ذرية آدم، وهو من ذرية مريم، وليس له أب عليه الصلاة والسلام، وأدخله الله في الذرية ذرية آدم، وذرية إبراهيم.
فالحاصل أن أولاد البنات من ذرية جدهم الذي هو والد أمهم، كما أن من عرف بالبينة الشرعية أنه من بني هاشم سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين أو غيرهما فإنه يعتبر من آل البيت، ولا يجوز لهم الأخذ من الزكاة بنص النبي عليه الصلاة والسلام.
وأما البيعة فلا أصل لها، لا يبايعون إلا من استولى على مسلمين، ورضيه المسلمون وبايعوه، هذا لا بأس مثلما بويع علي رضي الله عنه لما تولى أمر المسلمين بعد عثمان رضي الله عنه، البيعة لا تكون إلا لولي الأمر، إما بالقهر والغلبة إذا تولى على المسلمين وقهرهم بسيفه بايعوه، كما بايع المسلمون عبد الملك بن مروان، وبايعوا آخرين، أو باتفاق أهل الحل والعقد على بيعة إنسان، يتولى عليهم لكونه أهلا لذلك، أما بيعة أفضال الناس هذا شيء لا أصل له، أو بيعة رؤساء
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه (ابني هذا سيد) ، برقم 2701.(3/172)
الجمعيات، البيعة لا تكون إلا من جهة أهل الحل والعقد في البلاد التي فيها دولة ليس فيها سلطان، ليس فيها أمير، فيجتمع أهل الحل والعقد على بيعة إنسان أهلا لذلك بأن يكون سلطانهم قد مات، فيتفقون على بيعة إنسان بدلا من الميت، أو يبايع إنسان استولى عليهم بالقوة والغلبة، فصار أميرا عليهم بالقوة والغلبة، فإنه يبايع حينئذ.
س: هذا السائل من القاهرة يقول في سؤال طويل بعض الشيء: سماحة الشيخ، هل يجب على الإنسان أن يكون بينه وبين الله عز وجل واسطة، فمثلا أنا لا أصل لمرضاة الله إلا عن طريق الشيخ، ويستشهدون بذلك الحديث كما يقولون: " من لا شيخ له فشيخه الشيطان "، كما أنهم يقولون: هذا الشيخ يمشي على طريقة الشيخ الرفاعي، وهذا الشيخ يمشي على طريقة الشيخ الشاذلي هل هؤلاء الأولياء لهم كرامات عند الله، بعد أن ماتوا ولهم طرق يجب علينا اتباعها ليرضوا عنا في قبورهم، فنبقى على طرقهم كما يقولون، ويستمر في السؤال عن هذه القضية جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه الطرق كلها مبتدعة، الشاذلية والرفاعية والنقشبندية
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 311.(3/173)
والخلوتية والقادرية وغير ذلك، كلها طرق صوفية مبتدعة يجب تركها، والطريق الذي يجب سلوكه هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم، طريق أهل السنة والجماعة، طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، الذي تلقوه عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، فأنت تتبع ما في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتسأل علماء السنة عما أشكل عليك، هذا هو الواجب عليك، أما قولهم: " من لا شيخ له فشيخه الشيطان " فهو باطل، ليس له أصل، وليس بحديث، وليس لك أن تتبع طريقة الشيخ إذا كانت مخالفة للشرع، بل عليك أن تتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن تبعهم بإحسان، في صلاتك وفي دعائك وفي سائر أحوالك، يقول الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1) ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (2) الآية. فأنت عليك أن تتبعه بإحسان، باتباع الشرع الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والتأسي به في ذلك وعدم البدعة التي أحدثها الصوفية، وغير الصوفية.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) سورة التوبة الآية 100(3/174)
48 - حكم المبايعة على الطرق الصوفية
س: أنا شاب من الهند جئت إلى المملكة العربية السعودية الرياض، لمنحة دراسية للدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بكلية أصول الدين قسم العقيدة، والحمد لله تخرجت منها العام الماضي، وبفهمي لما درسته عرفت ما عليه بلادنا في الهند، من المسلمين من الشرك والطرق الصوفية، والبدع المنتشرة، فذهبت بعزم على الدعوة إلى الله، وتصحيح العقيدة وتخليصها من كل ما يشوبها من شرك أو طرق صوفية، لكن عندنا في الهند مشهور، المبايعة على الطرق وكأنهم يعتقدون أنه من لم يبايع فليس بمسلم، لذلك وجدت صعوبة في الدعوة، وجاءت في نفسي فكرة ولكن لم أفعلها، وأنا أستشيركم فيها، وهي أن أبايع من يأتي على صورة قول الصحابي، بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. الحديث، لكن في هذه البيعة نبين لهم فيها أن المطلوب، هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وأبين فيها البدع وتحريم الطرق الصوفية بأسلوب حسن، وأحثهم على التمسك بالسنة والمحافظة على الصلوات الخمس، وقراءة القرآن وذكر الله، الذكر المشروع عن النبي صلى الله عليه وسلم، في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا(3/175)
الفعل يكون عندهم مبايعة ويغنيهم عن الذهاب للصوفية، وهو في الحقيقة أمر بما جاء عن الله عز وجل، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ما هو رأي سماحتكم في هذا الفعل أفتونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: لا نعلم أصلا لهذه البيعة، إلا ما يحصل لولاة الأمور فإن الله شرع سبحانه أن يبايع ولي الأمر، على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر وفي الأثرة على المبايع، كما بايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نبينا عليه الصلاة والسلام، فالبيعة تكون لولاة الأمور، على مقتضى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يقولوا بالحق أينما كانوا، وألا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن يروا كفرا بواحا، عندهم من الله فيه برهان، أما بيعة الصوفية بعضهم لبعض، فلا أعلم لها أصلا، وهذا قد يسبب مشكلات، فإن البيعة قد يظن المبايع، أنه يلزم المبايع طاعته في كل شيء، حتى ولو قال بالخروج على ولاة الأمور، وهذا شيء منكر لا يجوز.
فالواجب على الداعي إلى الله عز وجل، والمبلغ عن الله أن يبين للناس الحق ويحثهم على التزامه، ويحذرهم من مخالفة أمر الله ورسوله، من غير حاجة أن يبايعوه على ذلك، فإن البيعة على هذا الأمر قد يظن بها، ويعتقد فيها أنها لازمة لهذا الشخص، بالنسبة للشخص
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 120.(3/176)
المبايع، وأنه لا يخالفه فيما يقول له، وأنه يسمع له ويطيع، كما يكون لولاة الأمور، وهذا يسبب الفرقة والاختلاف بين المسلمين، والنزاع والفساد، ولكن يأمره بطاعة الله ويوصيه بطاعة الله، ويحثه على الالتزام بأمر الله، ويحذره من محارم الله هكذا الداعية إلى الله عز وجل، وهذا هو الذي أعلم من الشرع المطهر، ولا أعلم من الشرع المطهر بيعة لغير ولاة الأمور، على السمع والطاعة وعلى اتباع الكتاب والسنة، وفي إمكان الداعية إلى الله جل وعلا، أينما كان أنه يبصر الناس ويرشدهم، إلى توحيد الله وطاعته ويحذرهم من البدع، ويتلو عليهم النصوص من الآيات الكريمات، والأحاديث النبوية التي فيها بيان الحق، والدعوة إليه وفيها التنبيه على أنواع الباطل، والتحذير منه وهذا هو الذي أراه لازما ومتعينا في حق الدعاة، إلى الله عز وجل حتى لا يتأسوا بالصوفية، فيما يفعلون وحتى لا يفتحوا على الناس باب شر لكل من أراد أن يبايع أحدا، قال: بايعني كما بايع فلان وكما بايع فلان، والله المستعان.
والذي أوصي به إخواني جميعا، ترك هذه الطريقة وهي المبايعة، وأن يكتفي الداعية إلى الله جل وعلا، بالدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى الخير، والنصيحة والحث على اتباع الحق ولزومه، وترك ما خالفه أينما كان، وليس المقصود بيعة فلان أو فلان، المقصود اتباع الرسول بما جاء به، والالتزام بذلك، الله ألزم الناس بطاعة الله ورسوله، وترك(3/177)
ما نهى الله عنه ورسوله، ولم يكن هناك بيعة، فإن المؤمن يلزمه طاعة الله ورسوله، في كل شيء وترك ما نهى الله عنه ورسوله في كل شيء، سواء كان من الصحابة أو من غير الصحابة، لكن البيعة من باب التأكيد على التزام الحق الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وهكذا ولاة الأمر بعده، الصديق وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، يلزم الرعية أن يطيعوهم في المعروف وإن لم يكن بيعة، لكن البيعة من باب التأكيد ومن باب الإلزام بالحق لهذا الذي ولاه الله أمر المسلمين، حتى يكون ذلك حافزا للمبايع على السمع والطاعة بالمعروف، وعلى التزام الحق، أما غير خليفة المسلمين، وغير ولي أمر المسلمين، فليس هناك حاجة لهذه البيعة، المقصود إنما هو تنبيهه إلى الخير، ودعوته إليه وتحذيره من الشر فقط، وليس المقصود أن يبايع على هذا الشيء، ويلتزم برأي فلان أو قول فلان، إنما اللازم أن يلتزم الحق، ويستقيم على الحق الذي دعاه إليه فلان، أو بلغه من كتاب الله سبحانه وتعالى، أو من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب، والمعول على الكتاب والسنة لا على رأي فلان وفلان، إنما العلماء يبينون ويرشدون، وينقلون للناس الآيات والأحاديث، ويبصرونهم بمعناها، وليس المقصود تحكيم رأي فلان أو فلان.
والذي أعلمه من الشرع، أنه لا بيعة إلا لولاة الأمور، أو نوابهم لأخذ البيعة لهم، كأميرهم في الأقطار، نائب عنهم في أخذ البيعة،(3/178)
سواء كان عالما أو أميرا أو قاضيا، المقصود إذا استنابه ولي الأمر، أن يأخذ البيعة من البلد الفلاني أو القرية الفلانية، أخذ البيعة لولي الأمر بالنيابة.
س: يسأل ويقول: كثيرا ما أسمع أن أحد الأشخاص أخذ طريقة من أحد السادة، أو المشايخ وبعد ذلك يستطيع أن يضرب نفسه بالسيف ويأكل الزجاج، أريد من سماحتكم السر في هذه الطريقة؟ وماذا يقال له؟ وبماذا توجهونني وأنا شاب في مقتبل العمر، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه الطريقة من الطرق الصوفية الباطلة، وهذه كلها تخييل وكلها كذب، لا يطعن نفسه ولا يذبح نفسه، كلها كذب، كلها باطلة كلها تخييل على الناس من أعمال الشياطين وعمل أعداء الله الذين زينوا لهم هذا الباطل. فالشياطين تحسن لهم أن يفعلوا هذه الأشياء وتعمل ما يجعل الحاضرين يظنون أن هذا واقع، وليس بواقع يقتل نفسه ويطعن نفسه بالجنبية، بالسكين، بالرمح، يقطع رأسه ويزيله كل هذه خرافات، كلها باطلة. والذين يعملونها هم مبطلون، ضالون ومضلون، يجب أن يعاقبوا على ذلك، يجب على ولاة الأمور إذا كانوا مسلمين أن يعاقبوهم، وأن يمنعوهم من هذه الطريقة الخبيثة. وبعضهم يسميها
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 231.(3/179)
الطريقة الرفاعية. المقصود أن هذه الطريقة باطلة وما يزعمون من طعنهم أنفسهم بالسكاكين، أو بالرماح، أو بالخناجر كلها باطلة، وكأكلهم الزجاج، كله باطل، يكذبون. فلو طعن نفسه لهلك، ولو أكل الزجاج لهلك. لكن هذه من خدع الشيطان ومن مكايد الشيطان التي يلعب بها على الناس، نسأل الله العافية.(3/180)
49 - بيان الطرق الصوفية
س: هل كل الطرق الصوفية على خطأ، أرجو ردا قاطعا أفادكم الله؟ (1)
ج: الطرق الصوفية محدثة، وهي من البدع وهي متفاوتة، بعضها شر من بعض، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » فالطرق لا نحصيها، وإحصاؤها يحتاج إلى تعب كثير، ومراجعة كتب كثيرة، لكنها في الجملة محدثة: التيجانية والبرهانية والخلوتية، والقادرية والنقشبندية، وطرق أخرى،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 144.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(3/180)
لكنها متفاوتة بعضها شر من بعض، فينبغي لك يا أخي اجتنابها كلها، وأن تلزم طريقة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، التي درج عليها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم والتابعون لهم بإحسان من الأئمة الأربعة وغيرهم، الزم طريق محمد عليه الصلاة والسلام، وهي فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، هذه هي الطريقة المحمدية التي جاء بها نبينا عليه الصلاة والسلام، وعليك بسؤال أهل العلم المعروفين بالاستقامة على دين الله والبعد عن طرق الصوفية، عليك بسؤالهم عما أشكل عليك، والجامع لهذا هو أن تلزم ما أمر الله به ورسوله، وأن تنتهي عما نهى الله عنه ورسوله، مما بينه أهل العلم، كما في الصحيحين صحيح البخاري ومسلم، والسنن الأربع وفي كتاب المنتقى لابن تيمية، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، وعمدة الحديث للشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، وغيرها من كتب الحديث وهكذا مثل زاد المعاد في هدي خير العباد، للعلامة ابن القيم رحمه الله، كل هؤلاء أوضحوا طريقه عليه الصلاة والسلام، وبينوا سبيله عليه الصلاة والسلام.(3/181)
50 - بيان ضلال ابن عربي الصوفي
س: رسالة من المستمع ع. ب. د. من الجمهورية العربية السورية يسأل سماحتكم فيقول: أسألكم عن الصوفية وعن حقيقتهم وخرافاتهم إذ أننا نسمع كثيرا عنهم، ولا سيما فيما يكتب في كتب محيي الدين ابن عربي الصوفي، وجهونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الصوفية أقسام، وهم في الأغلب مبتدعة، عندهم أوراد وعبادات يأتون بها ليس عليها دليل شرعي، ومنهم ابن عربي، فإنه صوفي مبتدع ملحد، وهو المعروف بمحيي الدين ابن عربي، وهو صاحب وحدة الوجود، وله كتب فيها شر كثير، فنحذركم من أصحابه وأتباعه؛ لأنهم منحرفون عن الهدى، وليسوا على الطريق المستقيم، وهكذا جميع الصوفية الذين يتظاهرون بعبادات ما شرعها الله، أو أذكار ما شرعها الله، مثل الله الله الله، هو هو هو، هذه أذكار ما شرعها الله، المشروع لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، أما هو هو هو، الله الله الله، فهذا ما هو بمشروع، وهكذا ما يفعلون من الأغاني التي يرقصون عندها، التي يفعلها بعضهم، أغان مع الرقص، وضرب على آلات اللهو، أو ضرب تنكة، أو صحن أو جاعد أو غير ذلك، كل هذه لا أصل لها، كلها من البدع.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 311.(3/182)
والضابط أن كل إنسان يتعبد بغير ما شرعه الله، يسمى مبتدعا فاحذروا، وعليكم باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن كان من أهل السنة والجماعة الذين يسيرون على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما كان عليه في أعماله عليه الصلاة والسلام، يصلون كما يصلي، ويصومون كما يصوم، ويحجون كما يحج، من دون إحداث بدع، فأنتم تحروا أهل السنة، واسألوا عنهم، وتعلموا منهم، وعلامتهم أنهم يتحرون ما قاله الله ورسوله، ويتحرون سيرة الصحابة وما درجوا عليه، ويحذرون من البدع.(3/183)
51 - حكم الانتساب للجماعة الصوفية
س: الأخ: ح. ن. أ. الصومالي، من بقيق، يسأل عن الصوفية وعن بعض مشايخهم مثل: السيد البدوي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ يوسف الكونين، يرجو توجيهه، ويذيل رسالته في نهايتها فيقول: هل تصدقون أنني طفت حول خشبة مصنوعة بشكل تابوت، ولم أكن وحدي وكان احتفالا نظمته إحدى الجهات، وجهونا تجاه هذه الجماعات، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الجماعات المعروفة بالصوفية، جماعات محدثة وجماعات مبتدعة، وهم متفاوتون في البدع، فيهم من بدعته تصل إلى الشرك
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 144.(3/183)
الأكبر، وفيهم من بدعته دون ذلك، فوصيتي لك أيها السائل، ألا تنتسب إليهم، وألا تغتر بهم، وألا تكون معهم، بل عليك باتباع السنة، والالتزام بما شرع الله، وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وسؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الطيبة، والاستقامة على طريق أهل السنة والجماعة، مثل أنصار السنة في مصر، أنصار السنة في السودان، ومن عرف بالعلم والفضل من سائر العلماء، تسألهم وتستفيد منهم، هذا هو الذي ينبغي لك، أما الصوفية فلا؛ لأن الغالب عليهم البدع والخرافات، وأشياء أحدثوها لأنفسهم، وجعلوها نظاما لهم ليس له أساس في الشرع المطهر، وبعض بدعهم تصل إلى الشرك، كعبادة الأموات والاستغاثة بالأموات من أصحاب القبور وغيرهم، وكدعاء البدوي والسيدة زينب، والاستغاثة بالبدوي أو بالحسين أو ما أشبه هذا، كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بالقبور، أو بخشبة تصنع يطاف حولها، كل هذا من المنكرات العظيمة، والطواف عبادة لله حول الكعبة، من طاف على قبر أو خشبة أو غير ذلك: يطوف تعبدا لغير الله، بل لصاحب القبر أو لمن وضع الخشبة، أو للخشبة نفسها يدعوها أو يعتقد فيها، صار عمله كفرا أكبر، نسأل الله العافية، فالواجب عليك أن تتبصر في دينك، وأن تجتهد في تدبر القرآن الكريم والإكثار من تلاوته، مع السنة المطهرة والعناية بها، كحفظ بلوغ المرام، وعمدة الحديث؛ حتى تستفيد، مع سؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الطيبة، والسيرة الحميدة وأذكر لك من جملتهم(3/184)
أنصار السنة في مصر، وأنصار السنة في السودان، وهكذا من يعرف بالعلم في بلادك، علم السنة والبعد عن الصوفية والغلو في القبور، هذه علامات أهل السنة، فعلامات أهل السنة البعد عن الصوفية، والبعد عن الغلو في القبور، هذه من الدلائل على أن العالم من أهل السنة، إذا دعا إلى القرآن العظيم، والسنة المطهرة وحذر من عبادة القبور والاستغاثة بأهلها ونحو ذلك، وابتعد عن بدع الصوفية فهذه علامات العالم الملتزم صاحب السنة، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.(3/185)
52 - حكم سرد قصص أصحاب الفرق الصوفية
س: الأخ: ح. م. ح، سوداني يعمل بمنطقة المدينة المنورة، يسأل ويقول: قرأت كتابا عنوانه كتاب الطبقات للشيخ محمد بن ضيف الله، ويشتمل هذا الكتاب على قصص أصحاب الطرق الصوفية ومشايخها، وقرأت بهذا الكتاب قصة غريبة وهي أن أحد المشايخ قد توفي عند وقت العصر، وحينما أراد الحاضرون أن يذهبوا به إلى المقبرة، وكان بينهم وبينها البحر وعندما وصلوا إلى شاطئ البحر كادت الشمس أن تغرب وفكروا في أن يرجعوا بالجنازة ويصبروها حتى الصبح، وحين تشاورهم في ذلك الأمر فإذا بالشمس ترجع إلى المشرق حتى ذهبوا بالجنازة، وقطعوا(3/185)
بها البحر ودفنوها. أسأل عن مثل هذا القصص هل يقع لأولياء الله؟ أفتونا عظم الله مثوبتكم (1) .
ج: هذه القصة من موضوعات الصوفية وكذبهم الكثير، فلا ينبغي أن يغتر بهم، ولا نعلم هذا وقع لأحد من الأولياء، وإنما وقع ليوشع بن نون فتى موسى، وهو نبي من الأنبياء، لما حاصر الجبارين، فالمقصود أن هذا لم يقع لأحد من الأولياء فيما نعلم، والصوفية يكذبون كثيرا ولا ينبغي أن يغتر بما يقولون، ولا يعتمد على ما ينقلون من الوقائع، والله على كل شيء قدير، لكن لا نعلم لهذا أصلا، وهو سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، ولم يقع هذا لأحد فيما نعلم، فيما صحت به السنة سوى ما علم من قصة يوشع بن نون فتى موسى.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 172.(3/186)
53 - الطاعة الواجبة هي طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
س: يقول السائل: في بلدنا طوائف متفرقة كل طائفة تتبع شيخا يرشدها ويعلمها أشياء، ويعتقدون أنهم يشفعون لهم عند الله يوم القيامة، ومن لم يتبع أحد هؤلاء المشايخ يعتبر ضائعا في الدنيا والآخرة، فهل علينا اتباع هؤلاء أم مخالفتهم، أفيدونا بارك الله فيكم؟ (1)
ج: يذكر السائل أن لديهم ثلاثة مشايخ يتبعونهم وأن من ليس له شيخ فهو ضائع في الدنيا والآخرة إذا لم يطع هذا الشيخ، والجواب عن هذا أن هذا غلط ومنكر لا يجوز اتخاذ هذا الشيء ولا اعتقاده، وهذا واقع في كثير من الصوفية، يرون أن مشايخهم هم القادة، وأن الواجب اتباعهم مطلقا، وهذا غلط عظيم وجهل كبير، وليس في الدنيا أحد يجب اتباعه إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو المتبع عليه الصلاة والسلام، أما العلماء وكل واحد يخطئ ويصيب، فلا يجوز اتباع قول أحد من الناس كائنا من كان إلا إذا وافق شريعة الله، وإن كان عالما كبيرا، فقوله لا يجب اتباعه، إلا إذا كان موافقا لشرع الله، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لا الصوفية ولا غير الصوفية، واعتقاد الصوفية في هؤلاء المشايخ أمر باطل غلط، والواجب عليهم التوبة إلى الله من
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 49.(3/187)
ذلك، وأن يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، المعنى: قل يا أيها الرسول للناس إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والمراد هو محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا أيها الناس أي قل يا محمد لهؤلاء الناس المدعين المحبة: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، يعني خاطبهم بهذا بصرهم وبين لهم، قال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) ، وقال سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (3) ، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4) . فالطاعة الواجبة هي الطاعة لله ورسوله، ولا يجوز طاعة أحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا وافق قوله شريعة الله، وكل واحد يخطئ ويصيب ما عدا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله عصمه وحفظه فيما يبلغه للناس من شرع الله عز وجل، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5) فعلينا جميعا أن نتبع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وأن نعتصم بدين الله، ونحافظ عليه، وألا نغتر برأي الرجال، ولا نأخذ بأخطائهم، بل يجب أن نعرض أقوال الناس وآراء الناس على كتاب الله، وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة الحشر الآية 7
(3) سورة النساء الآية 59
(4) سورة النور الآية 56
(5) سورة النجم الآية 4(3/188)
فما وافق الكتاب والسنة أو أحدهما قبل، وما لا فلا، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) ، وقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) .
فتقليد المشايخ واتباع آرائهم حقا كانت أم باطلا هذا أمر لا يجوز عند جميع العلماء، بل ذلك منكر بإجماع أهل السنة والجماعة، وبإجماع أهل العلم، لكن ما وافق الحق من أقوال العلماء أخذ به لأنه وافق الحق، لا لأنه قول فلان، وما خالف الحق من أقوال العلماء أو مشايخ الصوفية أو غيرهم وجب رده والأخذ بالحق الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10
(3) سورة الأنعام الآية 153(3/189)
54 - حكم اعتقاد أن يسلك كل مسلم طريقة صوفية معينة
س: الرسالة التالية من الجمهورية العراقية، وباعثها يقول: سؤالي عن بعض الطرق الصوفية، التي تنتشر في بلادنا، ويقول العلماء: يجب على كل مسلم أن يسلك طريقة صوفية معينة، وإلا فهو على ضلالة من أمره، ويقولون من ذاق عرف ومن لم يذق انحرف، أي من ذاق الإيمان عن طريق الصوفية، وكما يوجد رجل يقال له: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلان النقشبندي، وطريقته تسمى النقشبندية، ومنتشرة بشكل واسع في بلادنا، ويقول العلماء من لم يسلك هذه الطريقة فهو خاسر، وكما ينكرون أكثر أقوال علماء السلف الصالح، وخاصة في العقيدة، أفيدونا مأجورين، جزاكم الله خير الجزاء؟ (1)
ج: الواجب على كل مسلم أن يسلك طريق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي درج عليه أصحابه رضي الله عنهم، ثم سلف الأمة من التابعين، وأتباعهم من الأئمة الأربعة وغيرهم، هذا هو الواجب. أما الطرق التي أحدثها الناس ويسمونها الطرق الصوفية، هذه لا يجوز سلوكها، ولا يلزم أحد سلوكها: لا نقشبندية ولا قادرية ولا تيجانية، ولا خلواتية ولا شاذلية ولا غير ذلك، جميع الطرق
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 101(3/190)
لا يجوز سلوك شيء منها، لأنها محدثة، قد سار الصحابة قبلها على ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تحدث هذه الطرق، وهكذا من بعدهم من أئمة السلف، أفكانوا خاسرين؟ لأنهم قد تركوها، بل كانوا ناجحين وكانوا سعداء، وكانوا هم على الحق والطريق القويم، وعلى صراط الله المستقيم، فأنت يا عبد الله قدم نفسك معهم وكأنك موجود قبل هذه الطريقة، فهل يضرك عدم وجود هذه الطريقة، هذه مما أحدثها الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » يعني مردود، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » فلا يلزمك أن تسلك الطريقة النقشبندية أو التيجانية، أو القادرية، أو الشاذلية، أو البرهانية، أو غير ذلك، بل عليك أن تسلك طريق محمد عليه الصلاة والسلام، طريقة سلف الأمة، بأن تعبد الله وحده، وتستقيم على دينه وتحافظ على الصلوات الخمس، وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام مع الاستطاعة، وتبر والديك وتصل أرحامك، وتحفظ لسانك عما حرم الله، وتحفظ جوارحك عما حرم الله، وتجتهد في ذكر الله، وطاعته والتقرب إليه بأنواع الطاعات، من صلاة النافلة وصوم النافلة، والصدقات والإكثار من ذكر الله، والاستغفار ولا تلتفت إلى هذه الطرق التي أحدثها الناس، وتنصح إخوانك أن يتجنبوها، وما كان فيها
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/191)
من خير وافق شرع الله يؤخذ، وما كان فيها من شيء جديد وشر يترك، يقول مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة في زمانه، يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهكذا قال العلماء جميعهم: مثل قوله: لا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به الصحابة ومن بعدهم، إلا بالسير على طريق محمد عليه الصلاة والسلام، والتمسك بصراط الله المستقيم، الذي قال فيه جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) ، وقال عز وجل في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (3) هذا هو الصراط المستقيم، هو دين الله هو الإسلام، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأعمال والأقوال، هو الصراط المستقيم، وهو صراط من أنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وهم أهل العلم والعمل، الذين عرفوا دين الله وعملوا به، هذا هو الصراط المستقيم، أن تعرف دين الله وأن تتفقه في دين الله، من القرآن والسنة وأن تعمل بذلك، على النهج والطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلكه أصحابه رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان، وإياك أن تترك ذلك من أجل قول الشيخ فلان، أو الشيخ فلان، أو الشيخ فلان، ويقول من لا شيخ له فالشيطان
__________
(1) سورة الأنعام الآية 153
(2) سورة الفاتحة الآية 6
(3) سورة الفاتحة الآية 7(3/192)
إمامه أو شيخه كل هذا باطل، لكن أهل العلم يستعان بكلامهم ويستفاد من كلامهم في تفسير القرآن، وتفسير السنة وبيان الأحكام لكن لا تقدم آراؤهم المخالفة لشرع الله، على ما قاله الله ورسوله، كتب العلماء المعروفين بالسنة والاستقامة، هؤلاء يستفاد من كلامهم وينظر في كتبهم، سواء كانت من كتب الشافعية أو الحنفية، أو المالكية، أو الحنبلية، أو الظاهرية، أو كتب أهل الحديث المتقدمين، كل هؤلاء يستفاد من كتبهم وينظر فيها، ويستعان بها على فهم كلام الله، وفهم كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدعى لهم ويترحم عليهم، لفضلهم وعلمهم، لكن لا يجوز لأحد أن يقول الطريقة التي أحدثها فلان، أو فلان هي الطريقة المنجية، وما عداها فهو خطأ، لا، الواجب عليك أن تتبع طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة (1) » وهي الجماعة التي سارت على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية الترمذي: «قيل: يا رسول الله من؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي (2) » فالذين ينجون عند الافتراق، وعند التغير هم الذين سلكوا مسلك النبي صلى الله عليه وسلم، وساروا على نهجه واتبعوا صحابته، فيما كانوا عليه، هؤلاء هم الناجون، فعليك بلزوم هذا الطريق، لزوم طريق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم من أئمة الإسلام، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الإسلام، وكن
__________
(1) أخرجه أبو داود كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم 4597، وابن ماجه كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، حديث رقم 3992.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم 2641.(3/193)
على طريقهم الطيب، وما اختلف فيه الناس، أو تنازع فيه الناس من بعض المسائل فإنه يرد إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فما وافق كتاب ربنا أو سنة نبينا، وجب الأخذ به والسير عليه، وفي كلام أهل العلم ما يعينك على ذلك، إذا نظرت فيه وتأملته رحمة الله عليهم.(3/194)
55 - حكم قول: من لا شيخ له فالشيطان شيخه
س: شائع لدينا في السودان أن الذي ليس له شيخ، شيخه شيطان فهل هذا صحيح؟ (1)
ج: هذا غلط وهو كلام عامي وجهل فإن الإنسان إذا تعلم وتبصر في دينه، بسماع الحلقات العلمية أو بالتدبر للقرآن والاستفادة من ذلك، أو بقراءة السنة والاستفادة من ذلك، لا يقال: شيخه شيطان، يقال قد اجتهد وقد فعل ما ينبغي، لكن ينبغي له أن يجتهد في قصد العلماء، وفي سؤال العلماء المعروفين بالعقيدة الطيبة؛ لأنه إذا كان لا يسأل أهل العلم، فقد يغلط كثيرا، لاعتماده على فهمه، وإذا حضر حلقات العلم، وحضر المواعظ فله شيوخ كثيرون، فإن صاحب الحلقة العلمية وخطبة الجمعة شيخ للسامعين، فهذا لا يقال بأنه ليس بشيخ
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 58.(3/194)
لهم، والذي يحضر حلقات العلم، ويسمع خطب الجمع وخطب الأعياد، والمحاضرات التي تعرض في المساجد وفي غيرها، هؤلاء كلهم شيوخ له، يستفيد منهم وإذا اتصل بأحد من علماء السنة ليسأله عما أشكل عليه كان هذا من الكمال والتمام، ولا يقال: إنه ليس له بشيخ، وشيخه الشيطان، كل هذا ما له أصل، فإن طالب العلم لا بد أن يكون له شيوخ يسألهم ويستفيد منهم، والإنسان لا يتعلم بنفسه فقط، لا بد أنه يحتاج إلى سماع العلماء في حلقاتهم وفي خطبهم وفي غير ذلك.(3/195)
56 - حكم اعتقاد أن لبعض عباد الله تصرفا في الكون
س: يقول لنا أحد الناس: إن من عباد الله الصالحين من يفني قسما من هذه الدنيا بكلمة واحدة، هل هذا القول يجوز أم لا؟ (1)
ج: هذا باطل، التصرف يكون لله وحده، والعبد لا يملك ولو كان أصلح الصالحين، ولو كان من الرسل لا يملك التصرف بالكون، ولا إغناء الناس، ولا إفقارهم، بل هذا بيد الله سبحانه وتعالى، هو الذي يغني ويفقر، جل وعلا وهو المتصرف في الأمور سبحانه، وهو
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 37.(3/195)
مدبر الأمر جل وعلا، وهو خالق كل شيء سبحانه وتعالى، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، سبحانه وتعالى، أما العباد وإن كانوا أصلح الناس فليس لهم التصرف في الكون، ولا يملكون تدبير الكون، نعم قد يدعو المؤمن دعوة مباركة فيستجاب له، يدعو لأخيه أن الله يشفيه فيشفى، قد يدعو له بالمغفرة فيغفر له، هذا من باب استجابة الدعاء، بفضل الله سبحانه وتعالى، قد يجيب دعوة المؤمن والمؤمنة لأخيهما فلا بأس هذا وقع، لكن ليس لأحد من الصالحين أو غيرهم التصرف في الكون، أو تدبير الكون، هذا لله وحده سبحانه وتعالى، وما قد يقع لبعض الصوفية أو غيرهم من اعتقاد هذا في بعض مشايخهم، وأن يقول الشيخ كن فيكون، وأنه يدبر الأمور، هذا كله غلو، كله إطراء زائد، وكله كفر وضلال، لا يجوز هذا، بل هذا من الكفر بالله سبحانه وتعالى.(3/196)
57 - حكم التعبد بضرب الطبول والأغاني
س: في بلادنا بأفريقيا صوفية يزعمون أنهم من أولياء الله فيدعون ذلك لكنهم حسب الظاهر يفعلون المنكرات والفحشاء، ويتطاولون على الخالق بكونهم شركاء له، فهل يا ترى يجب هجرانهم ماداموا على تلك الحال، وهجران من يؤمن بهم، علما بأن عندنا واحدا منهم يزورونه ويعظمونه، ويتوسلون به عساه يحقق لهم مآربهم، وقضاء حوائجهم، هذا المخلوق يسكنه جن، بحيث يكشف لهم عن أسرار الغيوب، والولي المزيف بدوره يكشفها لمريديه وأحبابه إلا أنه ذو شذوذ واضح حيث يعمل كما أسلفت المنكرات، أرجو أن تتفضلوا بمعالجة هذا الموضوع؟ (1)
ج: التصوف من البدع التي أحدثها الناس، فهو إحداث طرق غير الطريق الشرعي من العبادات التي أحدثها كثير من الناس، وأطلق عليه الصوفية، فهم الذين أحدثوا طرقا في العبادة، وأذكارا خاصة، وأعمالا خاصة، لم يشرعها الله عز وجل فهم من أهل البدع، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » فالتعبد بضرب الطبول والأغاني وفعل آلات الملاهي
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 309.
(2) أخرجه النسائي في كتاب صلاة العيدين، باب كيفية الخطبة، برقم 1578(3/197)
الأخرى كل ذلك مما أحدثه المتصوفة، ومما أحدثوه أنهم يزعمون أنهم يعلمون الغيب، وأنهم لهم مكاشفات يستطيعون بها إنقاذ الناس مما قد يقع لهم من المعارك والأضرار، وأنهم يدعون من دون الله، ويستغاث بهم أحياء وأمواتا، كل هذا من منكراتهم الشركية، فمن زعم أنه يعلم الغيب، أو أنه يتصرف في الكون مع الله، أو أنه شريك لله في العبادة، أو أنه يجوز له أن يدعى من دون الله، حيا وميتا ويستغاث به، فهذا كله من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من هؤلاء وهجرهم، والإنكار عليهم، وتحذير الناس منهم، وعلى ولاة الأمور إذا كانوا مسلمين أن يأخذوا على أيديهم، وأن يستتيبوهم، فإن تابوا وإلا قتلوا لردتهم وكفرهم، فليس هناك من يستحق العبادة سوى الله عز وجل، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1) ، وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) . فمن زعم أنه يجوز أن يدعى أحد من دون الله، من الملائكة أو الجن أو الأنبياء، أو سائر الخلق وأن يستغاث به وينذر له حيا أو ميتا، وأن يطلب منه تفريج الكروب وتيسير الأمور، هذا كله من الشرك الأكبر وكله من عمل عباد الأوثان، عباد الأصنام، عباد اللات والعزى، وأشباههم وهكذا ما يفعله الكثير من الجهلة عند القبور من دعاء الميت، والاستغاثة بالميت، والنذر له والذبح له، هذا من الشرك
__________
(1) سورة الحج الآية 62
(2) سورة البقرة الآية 163(3/198)
الأكبر، ومن جنس عمل المشركين عند اللات في الطائف في الجاهلية، وإنما يجوز شيء واحد هو الاستعانة بالمخلوق الحي الحاضر القادر، بما يقدر عليه خاصة، هذا هو الجائز، كما قال الله جل وعلا في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ، فإذا كان حيا حاضرا واستعنت به في شيء يقدر عليه، كإصلاح سيارتك أو التعاون معه في المزرعة، في حش الحشيش في حطب الحطب، في أشباه ذلك من الأشياء المقدورة، فلا بأس، يسمع كلامك تكلمه يقدر، أو تكتب له كتابة، أو من طريق الهاتف بالتلفون، تقول له أقرضني كذا أو ساعدني في كذا، لا بأس هذه أمور عادية طبيعية، ليس فيها شيء، من جنس ما ذكر الله عن موسى في قوله سبحانه: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) ، مثلما يستغيث الإنسان في الحرب بإخوانه في قتال الأعداء يتعاونون في قتال الأعداء لمحاصرتهم، هذه أمور طبيعية عادية حسية، ليس فيها شيء، وليس فيها بأس، أما دعاء الميت والاستغاثة بالأموات، أو بالأحجار أو بالأصنام، أو بالكواكب أو بالغائب كالجن والملائكة أو إنسان غائب يعتقد فيه، وهو لا يسمع كلامه تعتقد فيه السر بأنه يسمع من غير الطريق الحسي، هذا كله من الشرك الأكبر كاعتقاد الصوفية، في بعض رجالها، فالواجب الحذر من هذه الأمور الشركية، والتحذير منها،
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة القصص الآية 15(3/199)
والتعاون الكامل في فضيحة أهلها، والتحذير منهم، فالعبادة حق الله وحده، ليس لأحد أن يشاركه في ذلك، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (3) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (4) ، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5) ، وقال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (6) .
هو سبحانه الإله الحق، فليس هناك إله آخر يعبد معه بالحق، بل هو إله بالباطل، كل الآلهة بالباطل غير الله، بينما الإله الحق هو الله وحده سبحانه وتعالى.
ولما سمعت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم قوله لها: «قولوا لا إله إلا الله (7) » استكبروا، وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (8) ، وقال سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (9) ، زعموا أن لهم آلهة، وأنهم لن يتركوها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من جهلهم وضلالهم، وفساد عقيدتهم، فالإله الحق هو
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة البينة الآية 5
(6) سورة الحج الآية 62
(7) الترمذي تفسير القرآن (3232) ، أحمد (1/228) .
(8) سورة ص الآية 5
(9) سورة الصافات الآية 35(3/200)
الله وحده، القادر على نفعك وضرك وإغاثتك، هو الذي يقدر على كل شيء سبحانه، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) ، أما الآلهة المدعوة من دون الله كلها باطلة، كلها عاجزة لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، ولا لعابديها، ولكنه الشيطان زين لأهل الشرك وأملى لهم، حتى عبدوا غير الله ودعوا غير الله، واستغاثوا بغير الله فوقعوا في أعظم الذنوب، وفي أعظم أنواع الكفر، قال الله سبحانه: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) .
هذه مسألة عظيمة هذه أعظم مسألة، أكبر مسألة، مسألة التوحيد والشرك فيجب على كل إنسان أن يتفقه فيها من رجل وامرأة، أن يتفقهوا في هذه المسألة وفي جميع أمور الدين حتى يكونوا على بينة وعلى بصيرة، فيما يأتي المسلم ويذر، فيعمل بالحق الذي شرعه الله، ويخلص له العبادة، ويحذر ما حرمه الله عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3) »
فمن علامات الخير أن تفقه في الدين وأن تكون على بصيرة، ومن علامات الهلاك أن تكون جاهلا بدينك، معرضا عن دينك، نسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق، ونسأل الله أن يصلح أحوال
__________
(1) سورة البقرة الآية 20
(2) سورة الزمر الآية 66
(3) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037.(3/201)
المسلمين جميعا، ونسأل الله أن يوفق جميع الناس للتفقه في الدين، والدخول في دين الله والحذر من الشرك بالله عز وجل، فدين الله هو الحق وما سواه باطل، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1) ، فالإسلام هو توحيد الله والإخلاص له، وترك عبادة ما سواه، وطاعة أوامره وترك نواهيه، هذا هو الإسلام، وهذا هو دين الله الذي جاءت به الرسل جميعا، وجاء به خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وما سواه فهو باطل، سواء كانت يهودية أو نصرانية أو وثنية أو مجوسية أو شيوعية أو غير ذلك، كلها باطلة، أما دين الحق فهو الإسلام، الذي بعث الله به الرسل، وهو إخلاص العبادة لله وحده، وطاعة أوامره وترك نواهيه التي جاء بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 19(3/202)
58 - حكم التعبد باستعمال الناي ودق الطبول في المساجد
س: يوجد عندنا الكثير من علماء الدين يقومون بدق الطبول داخل المساجد مع استعمال الناي، وهو نوع من الموسيقى وينشدون معه الأناشيد المعبرة عن أشخاص مقبورين، يسألونهم ويطلبون منهم العون، فبماذا ترشدون هؤلاء حفظكم الله؟ (1)
ج: هؤلاء يسمون الصوفية، والتصوف الذي أحدثه هؤلاء بدعة في الدين، وكان أصل ذلك أنه وجد في المسلمين زهاد وأهل ورع وزهد يتعبدون ويحرصون على العبادات والقراءة والذكر في المساجد والبيوت حرصا منهم على الخير، ثم تطورت الأحوال حتى حدث هؤلاء الذين أحدثوا بدعا ومنكرات في الدين، منهم هؤلاء الذين ذكرهم السائل، الذين يتعبدون بالطبول، والدفوف والأناشيد والأغاني، وآلات اللهو، هذا منكر من القول بدعة، وقد أنكر ذلك العلماء، وأطال في ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم في كتابه (إغاثة اللهفان) ، وأطال غيره من أهل العلم، وبينوا بطلان ذلك وأن هذا منكر عظيم يجب تركه، ولا يجب أن يسمى هؤلاء علماء، ليسوا بعلماء بل هؤلاء جهال في الحقيقة، وليسوا بعلماء بل
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 74.(3/203)
أضلوا الناس ولبسوا على الناس، فلا يجوز اتباعهم في هذا الأمر، ولا تقليدهم في هذا الأمر، بل يجب أن ينصحوا وأن يوجهوا إلى الخير، وأن يحذروا من هذه البدعة المنكرة، وأشنع من هذا وأكبر دعاؤهم الأموات والاستغاثة بالأموات، هذا شرك أكبر، هذا شرك الجاهلية، شرك أبي جهل وأشباهه، دعاء الأموات كالعيدروس أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو البدوي أو الحسين أو غيرهم من الناس هذا شرك أكبر هذا مثل فعل المشركين الأولين مع اللات، ومع العزى، ومثل فعل النصارى مع عيسى وغيرهم، هذا شرك أكبر فإذا قال: يا سيدي فلان اشف مريضي أو رد علي غائبي، أو اقض حاجتي أو أنا في حسبك، أو المدد المدد يا سيدي، سواء كان هذا مع النبي عليه الصلاة والسلام أو مع الحسين بن علي رضي الله عنهما، أو مع الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو مع العيدروس، أو مع البدوي، أو مع السيدة نفيسة، أو مع السيدة زينب، أو غيرهم ممن اشتهروا في مصر وغيرها، وفي الجنوب العيدروس وأناس آخرون، وفي العراق الجيلاني وأناس آخرون، كل هذا من الشر العظيم، وكل هذا مما أحدثه الجهال، وأشباه الجهال، فدعوة الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذور لهم والذبح لهم، هذا من الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم، يقول الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (1) قل يا محمد للناس: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ} (4) ، فجعل
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163(3/204)
الصلاة لله، والذبح لله لا شريك له، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) ، فالصلاة لله والذبح لله، فمن صلى لغير الله كفر، وهكذا من ذبح لغير الله، وقال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ، فنهى أن يدعى مع الله أحد، والأحد يعم الأنبياء والأولياء وغيرهم، نكرة في سياق النهي تعم الناس كلهم، تعم الخلائق، وقال عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4) يعني المشركين، وكل مخلوق لا ينفع ولا يضر، هذا وصف عام لجميع المخلوقات لا تنفع ولا تضر إلا بالله، هو الذي جعل فيها النفع والضر، سبحانه وتعالى فلا يجوز دعاء أي مخلوق دون الله، لا صنم ولا شجر ولا حجر، ولا النبي ولا ولي ولا صاحب قبر ولا غير ذلك، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5) ، فسمى هذا كفرا وسماهم كافرين - نعوذ بالله - بدعائهم الأموات وبدعائهم الأصنام والأحجار والأشجار، وقال سبحانه في كتابه العظيم: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (6) جميع الأصنام والأولياء
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة يونس الآية 106
(5) سورة المؤمنون الآية 117
(6) سورة فاطر الآية 13(3/205)
والأنبياء وغيرهم {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) ، والقطمير: اللفافة التي على النواة، كلها ملك لله سبحانه وتعالى، {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (2) ما يقدرون، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (3) فسمى عملهم شركا، سمى دعاءهم إياهم شركا، قال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) ، ثم قال سبحانه: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (5) وهو الله سبحانه، هو الذي أخبر عن هذا، هو العالم بأحوالهم سبحانه وتعالى، فسماهم بهذا شركاء، وفي آية المؤمنين سماه كفرا، فقال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (6) ، وقال عز وجل: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (7) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (8) » فجعل الدعاء هو العبادة نفسها، وهذا يدل على عظيم شأن الدعاء، فإذا قالوا: يا سيدي اشف مريضي، اقض حاجتي، رد غائبي اشف لي، المدد المدد، أو ذبح له فقد وقع منه أنواع من الشرك.
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة فاطر الآية 14
(6) سورة المؤمنون الآية 117
(7) سورة الأحقاف الآية 6
(8) أخرجه الإمام أحمد في أول مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 17924(3/206)
وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (1) » رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات، «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض (2) » أربع مسائل لعن أصحابها، لعنهم الله جل وعلا، وأعظمها الذبح لغير الله، يتقربون بالبقر أو بالإبل، أو بالغنم أو بالعجول، أو بالدجاج إلى غير الله، من الأموات والغائبين هذا شرك أكبر، وروى الإمام أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن طارق بن شهاب رضي الله عنه، قال: «مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال ليس عندي شيء أقرب، قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر قرب: فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة (3) » .
هذا يدل على أن التقرب لغير الله بالعبادات، من ذبح أو دعاء أو استغاثة أو نذر أو نحو ذلك شرك أكبر بالله سبحانه وتعالى، حتى ولو كان قرب حقيرا، كعصفور أو حمامة أو ذباب أو ما أشبه ذلك، كيف بالذي يقرب الإبل والبقر والغنم والعجول، يكون شركه أكبر نعوذ بالله وأشد.
__________
(1) مسلم الأضاحي (1978) ، النسائي الضحايا (4422) ، أحمد (1/108) .
(2) مسلم الأضاحي (1978) ، النسائي الضحايا (4422) ، أحمد (1/108) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد ص15(3/207)
فالحاصل أن هذا العمل من هؤلاء من دعائهم للأموات والاستغاثة بالأموات وهو شرك أكبر، وضربهم بالدفوف وقيامهم بالأغاني والناي وأنواع الملاهي، هذا من المنكرات وتعبدهم بهذا من البدع التي أحدثها الصوفية، والصوفية شرهم عظيم نسأل الله أن يهديهم، قد أحدثوا بدعا كثيرة، نسأل الله أن يهديهم ويردهم للصواب، والواجب عليهم وعلى غيرهم الرجوع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسيروا على ما كان عليه النبي وأصحابه، هذا هو الهدى هذا هو الصراط المستقيم، لا يجوز لهم هذا التصرف ولا لغيرهم، بأن يتركوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأن يحدثوا طريقا آخر، فباب العبادة توقيفي، ليس لأحد أن يحدث شيئا في دين الله عز وجل، ولهذا يقول الله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1) .
روى الإمام أحمد وغيره، ومحمد بن نصر المروزي في (كتاب السنة) ، وجماعة آخرون بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «خط الرسول صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما، فقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، فقال: هذه السبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه (2) » . هكذا البدعة التي أحدثها الصوفية
__________
(1) سورة الأنعام الآية 153
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 4131(3/208)
وأشباههم كلها من الشياطين كلها طرق دعا إليها الشيطان، فالواجب الحذر، والشياطين قسمان: شياطين الإنس وشياطين الجن، وكل من خرج عن طريق الله وتمرد على شرع الله فهو من الشياطين، فشياطين الإنس من جنس دعاة الشرك من الصوفية وغيرهم هم شياطين الإنس، وشياطين الجن كثيرون، فالواجب الحذر من شياطين الإنس والجن، وكل من دعا إلى غير الله، أو دعا إلى البدع، فهو من شياطين الإنس، وإن كان من الجن فهو من شياطين الجن، فالواجب على هؤلاء الذين ذكرهم السائل في الجنوب أو في غير الجنوب، في أي مكان الواجب عليهم التوبة إلى الله، والرجوع إلى الله والاستغفار مما فعلوا، والندم على ذلك، وأن يجددوا دينهم، وأن يسلكوا ما سلكه الرسول وأصحابه، والذي سار عليه التابعون لهم بإحسان، والاستقامة على دين الله، وعبادته كما شرع الله سبحانه وتعالى، وترك البدع، رزق الله الجميع الهداية والتوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(3/209)
59 - حكم الانتساب لطريقة الختمية
س: يقول السائل: وقف لدينا بعض الخطباء في مسجدنا في بور سودان، ونصحنا بعد الاستماع إلى تفسير القرآن، وشرح الأحاديث النبوية، وطلب إليهم الاقتصار على كتب الفقه، وبالأخص كتاب الأخضري والعشماوي والعزية لما في تلك الكتب من أحكام الطهارة والعبادات؛ ولأنها هي الأصل حسب زعمه وما سواها فروع، وحضهم على بعض البدع، مثل: اللهم صل أفضل صلاة وبالمصطفى وبالمرتضى وابنيهما وفاطمة دبر الصلاة المكتوبة، فهل هذا المرشد الديني محق فيما قال، وفي هذا المسجد تمارس كثير من البدع والتوسلات بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبعض الصالحين ولا يقدم القائم على هذا المسجد إلا من يعتقد الطريقة الختمية علما بأن أتباع هذه الطريقة وغيرها من الطرق الصوفية لا يتعلمون القرآن ولا يحسنون حتى سورة الفاتحة، ويستمر على هذا المنوال ويطلب النصح والإرشاد يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: لا ريب أن هذا العمل عمل منكر، لا ينبغي اتباع الطريقة الختمية؛ لأنه بلغنا عنها أنها تقر دعوة غير الله، والشرك بالله سبحانه
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 71(3/210)
وتعالى، فالواجب اجتنابها والحذر منها، ونصيحة المعتنقين لها بأن يتقوا الله ويسألوه وحده ويعبدوه وحده سبحانه وتعالى، ولا يسألوا سواه، فالله سبحانه هو الذي يدعى ويرجى سبحانه وتعالى، وهو القائل سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، وهو القائل عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) ، والذي ينبغي للواعظ أن يذكر الناس بالقرآن والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمهم إياها وأن ينصحهم بأن يتعلموا القرآن وتفسيره، وأن يتعلموا السنة وشروحها المعتمدة، حتى يستفيد الناس من كلام ربهم، وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، أما كتب الفقه الخالية من السنة والأدلة فهذا غلط لأنها لا تفيدهم علما، الكتب التي ليس فيها الأدلة عن الله وعن رسوله لا تفيد الناس علما، بل هي كتب تقليد، فالعالم يعلم الناس الكتب التي تنفعهم، وأعظم ذلك أن يعلمهم القرآن، ويدعوهم إلى العناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وتدبرا وتعقلا وعملا، فهو أعظم كتاب وأشرف كتاب، فعلى المسلمين أن يتعلقوا به، ويتعلموه ويدرسوه ويتلوه حق التلاوة، ويتدبروه ويعقلوه كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (3) ، ويقول سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (4) ، ويقول سبحانه:
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة الإسراء الآية 9
(4) سورة ص الآية 29(3/211)
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (1) ، ويقول سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) .
فكتاب الله فيه الهدى والنور، جعله الله هدى للناس، كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (3) ، وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفسر القرآن وتبين معانيه، فعلى أهل العلم أن يذكروا الناس بذلك، وأن يحثوهم على التمسك بالقرآن والسنة وبيان معانيهما والعناية بتفسير القرآن وشروح الحديث المعتمدة التي تفيد الناس وتنفعهم كفتح الباري، وشرح النووي، وأشباهها من الكتب، وسبل السلام، ونيل الأوطار، والكتب المفيدة النافعة للناس، وما في بعض الشروح من أخطاء فطالب العلم ينبه عليه، وكذا ما في بعض التفاسير من الأخطاء يجب على أهل العلم من أهل السنة، وأهل العقائد الطيبة أن ينبهوا عليه عند تلاوة التفسير، وعند تلاوة شروح الحديث، الواجب التنبيه على ما قد يقع من أخطاء في التفسير، أو في الأحاديث وشرحها، أو فيما يتعلق بالعقيدة والصفات، العالم ينبه عند تفسير الآية، وعند ذكر الحديث الشريف وشرحه، ويبين ما قد يقع فيه الناس من الخطأ، أما حث الناس على الكتب الفقهية التي ليس فيها الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من النصح، بل هذا في الحقيقة
__________
(1) سورة محمد الآية 24
(2) سورة الأنعام الآية 155
(3) سورة فصلت الآية 44(3/212)
من الغش ليس من النصح، وعلى طالب العلم أن ينصح الناس بما ينفعهم على الطريقة التي سلكها أهل السنة والجماعة في بيان معاني كلام الله ومعاني كلام رسوله صلى الله عليه وسلم والنصيحة في ذلك ويعلمون العامة ما يحتاجون إليه في أمور دينهم.(3/213)
60 - بيان الطريقة التيجانية
س: يقول السائل: مرسل هذه الرسالة منفعل أشد الانفعال، ويتلفظ بعبارات أسأل الله تعالى أن يغفر لنا وله، ملخص ما في الرسالة الدفاع عما يسمى بالطريقة التيجانية، أرجو أن تتفضلوا بتبصير أخينا جزاكم الله خيرا، وحبذا لو بعثتم إليه ما توصل إليه البحث العلمي حول هذه الطريقة جزاكم الله خيرا ونفع بكم؟ (1)
ج: الطريقة التيجانية بدعة لا أساس لها ومنكر لا أساس له، نسأل الله أن يعافي إخواننا في أفريقيا وفي السنغال وفي غيرها، نسأل الله أن يعافيهم من شرها وأن يخلصهم منها، وأن يوفقهم لاتباع نبيهم ورسولهم محمد عليه الصلاة والسلام، فطريقته بحمد الله كافية، وقد بعثه الله رحمة للعالمين، وأتم له الإسلام، فالواجب على جميع
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 96(3/213)
الأمة التمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ففيهم الأسوة والقدوة كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1) ، وقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) التابعون لهم بإحسان هم السائرون على منهجهم من دون زيادة ولا اختراع بدع، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (3) ، فأمر الله نبيه بأن يقول للناس هذا الكلام، قل يعني: قل يا أيها الرسول للناس: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني - يعني محمدا عليه الصلاة والسلام يحببكم الله، فاتباع النبي هو طريق محبة الله، وهو طريق السعادة، من يطع الرسول فقد أطاع الله، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) .
فطريق الجنة والسعادة في اتباع محمد عليه الصلاة والسلام، ليس في اتباع أحمد التيجاني، أحمد التيجاني متأخر إنما ولد في عام 1150 للهجرة، يعني بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو ولد كما في كتب التيجانيين
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) سورة التوبة الآية 100
(3) سورة آل عمران الآية 31
(4) سورة النساء الآية 13(3/214)
ذكروا أنه ولد في عام 1150 هـ، يعني في القرن الثاني عشر من الهجرة، ويزعم أنه طاف في بلدان كثيرة، وتعلم الطرق الصوفية، ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم عام 1196 هـ، فعلمه الورد الذي يعلمه الناس، وأنه يعلم الأمة هذا الورد من الدعاء والاستغفار، قال: أنت ابني علم الأمة، ورأى عام 1200 هـ بعد أربع سنين من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم من علمه أن يشفع للدعاء والاستغفار، قل هو الله أحد، وأن يعلم الأمة ذلك، وزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة ويقظة لا نوما، وكل هذا باطل فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرى يقظة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، فإنما يرى في المنام، فإن الله جل وعلا لا يبعثه إلا يوم القيامة، قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (1) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (2) ، فالبعث يوم القيامة، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة (3) » ، فبعثه يكون يوم القيامة، فمن قال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وعلمه كذا وكذا فقد كذب، أو كذب عليه أو رأى شيطانا، زعم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، والشيطان قد يتمثل بصور كثيرة، ويزعم للجاهلين أنه النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يتمثل بصورته فلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي (4) » ، فدل على أنه قد يتمثل في
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 15
(2) سورة المؤمنون الآية 16
(3) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم، برقم 2278
(4) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 110، ومسلم في كتاب الرؤيا، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم '' من رآني. . . ''، برقم 2268(3/215)
غير صورته عليه الصلاة والسلام، كما أخبر به العلماء، ولكن التيجاني لم يرض بهذا، بل قال إنه رآه يقظة، وأنه علمه يقظة، هذا كله باطل سواء كان كذبه هو، أو كذب عليه وغره شيطان قال له ذلك، ثم أيضا قد بين النبي صلى الله عليه وسلم طريق الجنة وطريق السعادة للأمة، ودرج عليه الصحابة، فهل هناك دين جديد يأتي به أحمد بعد اثني عشر قرنا يخالف ما عليه الصحابة أصحاب النبي الذين هم أفضل الناس، وخير الناس، ثم من يليهم، فالدين الذي درج عليه الصحابة هو الدين الصحيح وهو دين الله وهو الصراط المستقيم فمن جاء بشيء بعده جديد فهو مردود عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » . متفق على صحته، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » ، رواه مسلم في الصحيح، زاد النسائي: «وكل ضلالة في النار (4) » .
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب صلاة العيدين، باب كيفية الخطبة، برقم 1578
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) النسائي صلاة العيدين (1578) .(3/216)
فلا ينبغي لعاقل أن يغضب عندما ينبه على الباطل، وعندما ينبه على البدع، بل ينبغي له أن يقول: الحمد لله الذي هداني، الحمد لله الذي عرفني أن هذا بدعة، الحمد لله الذي أرشدني إلى الخير، وعليه أن يتعلم ويتبصر، ولا يقلد الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » .
والعالم مهما كان فضله ليس معصوما، قد يغلط كثيرا، ويلبس عليه، فإذا كان التيجاني عالما فالعالم ليس معصوما، يقول مالك رحمه الله الإمام المشهور: " ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ". ويقول الشافعي رحمه الله: " أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس، بل يلزمه اتباعها ". ويقول أبو حنيفة رحمه الله: " إذا جاء الحديث عن رسول الله فعلى العين والرأس، وإن جاء عن الصحابة فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال "؛ لأن أبا حنيفة كان في عصر التابعين، وروي أنه رأى أحدا من الصحابة فيكون من التابعين، إذا ثبت ذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037
(2) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، الترمذي القراءات (2945) ، ابن ماجه المقدمة (225) ، أحمد (2/252) .(3/217)
ويقول الإمام أحمد رحمه الله أيضا: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم، يذهبون إلى رأي الرجال، يعني الثوري، والله يقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) يعني عن النبي عليه الصلاة والسلام، فعجب من قوم يذهبون إلى قول سفيان الثوري، وأشباهه من العلماء ويدعون الحديث، وهذا لا شك أنه مستنكر، وهكذا ينبغي لكل مسلم في السنغال أو في غير السنغال، ولكل مكلف، أن يتبصر في دينه، وأن يسأل عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن دين الرسول وعما جرى عليه الصحابة، ودرجوا عليه، لا عما قاله التيجاني أو الشيخ عبد القادر أو الشاذلي أو فلان أو فلان، لا.
نحن مأمورون باتباع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، نحن مأمورون باتباع القرآن، وباتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، لسنا مأمورين باتباع الشيخ عبد القادر، أو الشيخ أحمد التيجاني أو الشاذلي أو فلان أو فلان، أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، أو غيرهم، هؤلاء علماء رضي الله عنهم ورحمهم، الأئمة الأربعة علماء معروفون، لكن كل واحد يصيب ويخطئ، وهكذا غيره من العلماء، فإذا كان أحمد التيجاني من العلماء، وكان له فضل العلم، إذا قدرنا ذلك وقلنا: إنه من العلماء، فالعالم يخطئ ويصيب، وقد أخطأ في
__________
(1) سورة النور الآية 63(3/218)
هذا بزعمه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شبه عليه بأنه قد رآه يقظة، وبزعمه أنه يعلم الأمة جميعا، وأنه يرشدهم إلى طريقته التي جاء بها، يعني الأمة كانت ضالة، حتى جاء أحمد التيجاني يعلمهم، كانت الأمة على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم أهل السنة والجماعة، من كان على هذا الطريق فهو على طريق الرسول وأصحابه، قبل التيجاني وبعده، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تلقوا طريقهم عن رسول الله، ثم التابعون لهم بإحسان، هكذا إلى وقت الأئمة الأربعة، ثم بعدهم إلى وقتنا هذا من التزم القرآن، واتبع السنة وسار على نهج الصحابة، فهو المتبع حقا وهو المهدي حقا، ومن انفرد عن ذلك إلى طريقة جديدة أحدثها التيجاني أو غير التيجاني، أو الشاذلي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو المريسي أو فلان أو فلان، كل ذلك لا وجه له ولا يجوز اتباعه، بل يجب عرض كل شيء يدعيه أحد من الناس أنه من الشرع يجب عرضه على القرآن، وعلى ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما شهد له القرآن بالصحة، أو السنة الصحيحة بالصحة، وجب أخذه وقبوله وإن خالف رأي شيخك، أو إمامك المعين كالتيجاني وغيره؛ لقول الله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) ، ولقوله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} (2) .
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(3/219)
والتيجاني جاء في القرن الثاني عشر كما تقدم، ولد سنة 1150 هـ فما حال الناس قبل ذلك هكذا ذكر صاحب جواهر المعاني، وهكذا قال صاحب الرماح، فقد ذكر ذلك أنه ولد في عام 1150 هـ، وذكر ما قال: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وعلمه الورد وهو الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه الأمة ويرشدهم، ثم علمه زيادة أن يقول لهم وأن يعلمهم: قل هو الله أحد ويرشدهم إلى ذلك الورد، وكل هذا معلوم عند المسلمين يعرفون أن الدعاء مشروع، والاستغفار مشروع وقراءة: هل هو الله أحد والمعوذتين مشروعة أيضا، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، كما جاء به الحديث، وقد شرع الله قراءتها بعد كل صلاة وبعد المغرب والفجر ثلاث مرات مع المعوذتين وأخبر النبي أنها تعدل ثلث القرآن، هذا شيء معلوم قبل أن يأتي التيجاني، فينبغي للعاقل أن ينتبه وألا يغتر بتقليد الناس، أو الدعايات التي لا وجه لها بل يتأمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) . وأنت تسأل ربك أن يهديك الصراط المستقيم في كل صلاة في الفاتحة، والصراط المستقيم هو دين الله، وليس دين التيجاني، دين الله هو ما بعث به الله نبيه عليه الصلاة والسلام، وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، وهو الصراط المستقيم، فالواجب على جميع الناس ولا سيما المسلمون في كل مكان أن يلتزموا ما جاء بالكتاب والسنة، وأن يستقيموا عليه،
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 6(3/220)
وألا يحيدوا عنه لقول التيجاني أو الشاذلي أو فلان أو فلان أو آبائهم أو أسلافهم، بل عليهم اتباع الحق، رزق الله الجميع التوفيق والهداية ولا حول ولا قوة إلا بالله.(3/221)
61 - حكم اتباع الطريقة التيجانية
س: عندنا أناس كثيرون متمسكون بالطريقة التيجانية، وأنا سمعت في برنامجكم أن الطريقة التيجانية مبتدعة، لا يجوز اتباعها، لكن أهلي عندهم ورد الشيخ أحمد التيجاني، وهي صلاة الفاتح، ويقولون: إن صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأسأل الآن هل صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي أم لا، أرجو توضيح ذلك حيث يقولون: إن من كان يقرأ صلاة الفاتح وتركها يعتبر كافرا، ويقولون: إذا ما كنت تتحمل هذا وتركتها ما عليك شيء، وإذا تحملتها وتركتها تعتبر كافرا، وقد قلت لوالدي: إن هذا لا يجوز فقالوا: أنت وهابي وشتموني، ويستمر على هذا المنوال سماحة الشيخ ويرجو منكم التوجيه والإرشاد؟ (1)
ج: الطريقة التيجانية لا شك أنها طريقة مبتدعة، ولا ينبغي لأهل
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 71(3/221)
الإيمان أن يتبعوا الطرق المبتدعة لا التيجانية ولا غيرها، بل الواجب اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، يعني: قل يا محمد للناس إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، ويقول سبحانه: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) ، ويقول عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (4) . والسبل هي الطرق المحدثة من البدع والأهواء والشبهات، فالله أوجب علينا أن نتبع صراطه المستقيم، وهو ما دل عليه كتابه العظيم وهو القرآن، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه، أما طريق التيجاني أو الشاذلي، أو فلان أو فلان، فهذا لا يجب اتباعه ولا يجوز اتباعه إلا ما وافق شرع الله منه، ما وافق شرع الله من هذه الطرق قبل؛ لأنه موافق شرع الله، لا لأنه طريق التيجاني أو الشيخ عبد القادر أو الشاذلي أو فلان أو فلان، لا، ما في الطريقة من خير إلا ما وافق الشرع المطهر، وما في هذه الطرق من أشياء تخالف شرع الله يجب تركها، وصلاة
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة الأعراف الآية 3
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) سورة الأنعام الآية 153(3/222)
الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما ذكر لكنها صيغة لم ترد عن الشارع حيث قالوا فيها: اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، هذا لفظ اخترعوه من أنفسهم ليس له أصل، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف يصلون عليه قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » ، وفي صيغة أخرى قال لهم صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (2) » ، وفي لفظ ثالث: قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد (3) » .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم 3370، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 406
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم 3369، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 497
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 405(3/223)
فهذه الألفاظ التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء في معناها هي الصلاة التي ينبغي الأخذ بها وفعلها، أما صلاة الفاتح فيها العدول عما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد إليه الأمة، وفيها نوع من الإعراض عما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام، فكأن التيجاني أعلم بما شرع الله وأولى بما ذكر هو مما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلمه الأمة وأرشدهم إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يقول هذا الكلام، ولا ينبغي لمسلم أن يقول هذا الكلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بما ينفع أمته، وأعلم بما هو أقرب إلى رضا الله، وأعلم بالشرائع؛ لأنه معلم مبلغ والذي يأتيه الوحي من السماء، عليه الصلاة والسلام، فهو أعلم بما شرع الله، وهو أعلم بما يرضي الله، وهو أعلم بالألفاظ المناسبة من غيرها، عليه الصلاة والسلام، ثم في قول الفاتح " لما أغلق " فيه شيء من الإجمال، قد يقال: إنهم أرادوا بذلك من النبوة، لما انقطعت برفع عيسى عليه السلام، انفتحت ببعثه صلى الله عليه وسلم، فيكون حقا، وقد يكون أرادوا شيئا ما بينوه ولا أوضحوه، فإن الفاتح لما أغلق فيه إبهام، فإن كانوا أرادوا بأن الله فتح به النبوة بعدما أغلقت برفع عيسى عليه السلام، وأنه ليس بعد عيسى نبي إلا محمد صلى الله عليه وسلم فهذا معنى صحيح، هو النبي بعد عيسى، مثلما قال صلى الله عليه وسلم: «ليس بيني وبينه نبي (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي عليه الصلاة والسلام» ، فهذا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم) ، برقم 3442، ومسلم في كتاب الفضائل، باب عيسى عليه السلام، برقم 2365.(3/224)
معنى صحيح، وإن كانوا أرادوا بقولهم: " الفاتح لما أغلق " معنى آخر فلم يبين حتى ينظر فيه، أما الخاتم لما سبق فهذا صحيح، هو الخاتم للنبوة، خاتم الأنبياء كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1) ، وهو أيضا نصر الحق بالحق، عليه الصلاة والسلام، وهدى إلى الصراط المستقيم، كل هذا حق إنما الإجمال في قولهم: " الفاتح لما أغلق " هذه فيها بعض الإجمال، وبكل حال لو كانت في غاية من السلامة، وليس فيها شيء من الإجمال، فاستعمال اللفظ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه ودل عليه الأمة أولى وأولى، فلا ينبغي للأمة أن يعدلوا في شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه وهو المعصوم فيما يبلغه عن الله عز وجل وهو أنصح الأمة وأنصح الناس وأعلم الناس بشرع الله، فما ينبغي للعاقل من المسلمين أن يعدل عما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء قاله غيره، سواء كان القائل أحمد التيجاني، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو فلانا أو فلانا، أو حتى من الصحابة ولو كان أبو بكر الصديق، وهو أفضل الخلق بعد المرسلين رضي الله عنه، فلو قال الصديق كلمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وأرشد إليها لكان قول النبي عليه
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 40(3/225)
الصلاة والسلام مقدما على أبي بكر وعلى عمر وعلى عثمان، فكيف لا يقدم على من كان في القرن الثاني عشر وهو أحمد التيجاني، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.(3/226)
62 - حكم الذكر بالطبول والرقص
س: يوجد لدينا في كل ليلة من يوم الخميس ويوم الاثنين يذكر الله أهل الطرق الصوفية بالطبول إلى ساعات متأخرة من الليل، هل الذكر بالطبل جائز، وهل الطرق الصوفية هذه جائزة أم لا، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه الطرق الصوفية بدعة منكرة، فإن كان الذكر على الطبول أو الدفوف، أو العود أو الموسيقى، أو التصفيق بالأيدي، أو الضرب بالأرجل، أو الرقص والتقرب بهذا الأمر، هذا من البدع سواء في ليلة الخميس أو ليلة الاثنين أو غيرهما في أي وقت، والواجب على أهل الإسلام التقرب بالقرب التي شرعها الله كالتسبيح والتهليل، والتحميد والذكر والاستغفار وغيرها بغير الطبول، وبغير ضرب الأرجل، وبغير الصياح والصفير، وبغير الموسيقى والعود، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله هذا البحث في كتابه (إغاثة اللهفان) بسطا جيدا حيث بسط
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 306(3/226)
فيه الكلام على طرق الصوفية والتحذير منها، وهذا منها، والسنة للمؤمن أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة أن يذكر الله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويستغفر الله ثلاثا، ثم يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) » ، ثم ينصرف للناس إن كان إماما، ويقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (2) » ، كل هذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، كما روى هذا ابن الزبير في صحيح مسلم وروى بعضه ثوبان كما جاء في الصحيحين بعد كل صلاة يستغفر ثلاثا مع قول: «اللهم أنت السلام (3) » ، وروى بعضه مسلم عن عائشة فيه: «اللهم أنت السلام، ثم انصرف إلى الناس هذه سنة، ثم بعد ذلك يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (4) » ، فهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من فعل هذا غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (5) » ، هذا فضل عظيم، فيستحب للمؤمن بعد الصلوات الخمس أن يأتي بهذا بعد الأذكار السابقة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين، ثم يأتي بتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،
__________
(1) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (591) ، الترمذي الصلاة (300) ، أبو داود الصلاة (1512) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (928) ، أحمد (5/280) ، الدارمي الصلاة (1348) .
(2) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (594) ، النسائي السهو (1340) ، أبو داود الصلاة (1506) ، أحمد (4/4) .
(3) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (591) ، الترمذي الصلاة (300) ، أبو داود الصلاة (1512) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (928) ، أحمد (5/280) ، الدارمي الصلاة (1348) .
(4) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (591) ، الترمذي الصلاة (300) ، أبو داود الصلاة (1512) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (928) ، أحمد (5/280) ، الدارمي الصلاة (1348) .
(5) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (597) ، أبو داود الصلاة (1504) ، أحمد (2/371) ، مالك النداء للصلاة (488) .(3/227)
وإن شاء زاد، وقال: يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كله جاء، ثم يقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) إلى آخرها، إلى قوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) .
هذه الآية أعظم آية يستحب أن تقرأ بعد كل صلاة فريضة ثم يقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل فريضة بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر أفضل لكن يكررها ثلاثا عليه الصلاة والسلام يقرأها ثلاث مرات بعد المغرب وبعد الفجر وعند النوم جاءت السنة بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة البقرة الآية 255(3/228)
63 - حكم التعبد بالطريقة المرغنية والضيفية
س: سائل يقول: ما حكم القصائد في المدح النبوي خاصة الطريقة المرغنية والضيفية، وخاصة هذه الطرق لها أنصار ومتفقهون في هذه الناحية، يكادون يتركون القرآن الكريم والسنة المحمدية، نرجو نصيحتهم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الطرق الصوفية على العموم طرق مبتدعة، مرغنية أو شاذلية أو برهانية أو قادرية، أو تيجانية أو غير ذلك، كل هذه الطرق مبتدعة
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 116(3/228)
وبعضها أشد من بعض، كلما كانت الطريقة أكثر مخالفة للشرع صار إثمها أكثر وشرها أعظم، والواجب تركها والاكتفاء بما قاله الله ورسوله، هذا هو الواجب أن يسير المؤمن على طريقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، ولا يحدث طريقة جديدة في عباداته أو في أذكاره أو غير ذلك، بل يكفيه ما كفى الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، ولا يجوز لأحد أن يحدث طريقة جديدة يتعبد عليها دون الطريقة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذه من المصائب العظيمة التي بلي بها الناس.
فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن يكتفي بالطريقة التي درج عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودرج عليها أتباعهم بإحسان، وألا يحدث في دين الله ما لم يأذن به الله، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » متفق عليه، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » يعني مردود. فكل الطرق هذا طريقها، إلا طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي درج عليه أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان من بعده.
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/229)
س: يقول السائل: هناك بعض المشايخ - كما سماهم السائل - يضربون أجسامهم بالسكاكين، والخناجر والسيوف، وبعضهم يحاد الآخر أحيانا، متوسلا كل واحد منهم بشيخه، فما حكم الشرع في هذا العمل، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا عمل الصوفية، يدعون أنهم لا يضرون أنفسهم، وأن هذا من كراماتهم، وهو باطل إنما هو تلبيس ولا حقيقة لذلك، إنما هو تلبيس وتغطية على العيون، كونه ضربه بالسيف أو كسر رأسه أو كسر رجله، كله تلبيس لا حقيقة له، وهم بهذا كفار لأنهم يسحرون أعين الناس، كما قال الله عن سحرة فرعون: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) ، وقال سبحانه: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (3) ، هؤلاء الذين يلبسون على الناس هم كفرة بذلك، سحرة مجرمون.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 339
(2) سورة طه الآية 66
(3) سورة الأعراف الآية 116(3/230)
64 - بيان كذب جماعة رجال الخطوة
س: يقال: إن هناك رجالا من رجال الخطوة وهم يحجون بدون أي وسيلة مواصلات، ويقال: إنهم يحضرون الجنازة في مكة وهم أصلا موجودون في منطقة بعيدة جدا، فهل سخرت لهم الريح مثلا في تنقلاتهم، نرجو التوجيه؟ (1)
ج: هذه من خرافات الناس وضلالاتهم، وقد يدعيها بعض الصوفية الذين يزعمون أن لهم كرامات يستطيعون بها أن يصلوا إلى مكة من دون سيارات ولا طائرات ولا غير ذلك، هذه من خرافاتهم وضلالاتهم وقد يكون لبعضهم اتصال بالجن وعبادة للجن فتحمله الجن إلى مكة وإلى غيرها، كما ذكر ذلك أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام وغيره، هذا قد يقع لبعض عباد الجن، وخدمة الجن، وهؤلاء لا عبرة بهم، ولا يعول عليهم؛ لأن من عبد الجن فهو من المشركين، وحجه باطل فالحاصل أن هذه الأخبار إما أن تكون من قبيل الخرافات التي يقولها الصوفية وأشباههم ممن يزعم أن ولي وأنه له كرامات وهو يكذب، وإما أن يكون من أولياء الشيطان ممن تحمله الشياطين وتنقله من مكان إلى مكان؛ لأنه عبدها وأطاعها فلما عبدها وخدمها خدمته بنقله من مكان إلى مكان نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 82(3/231)
65 - بيان حال الطريقة البرهانية
س: هناك طريقة استحدثت تسمى بالبرهانية، تابعة لرجل يدعى محمد عثمان البرهاني، وهذه الطريقة تؤول القرآن العظيم، وهي سريعة الانتشار، فما حكم الشرع في هذه الطريقة، وهل هي كافرة أم كما تدعي هي أنها هي الفرقة الناجية، وما الأدلة الشرعية في تكفيرها، إذا كانت كافرة، وجهونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: جميع الطرق الصوفية البرهانية والشاذلية وغير ذلك من الطرق الصوفية كالتيجانية كلها خطيرة، يجب الحذر منها والبعد منها، وعدم الثقة بها وهم أقسام منهم الكافر ومنهم غير الكافر، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن كتب الصوفية وقراءتها؛ لأنها تضره وفيها من الباطل والشر الشيء الكثير، فينبغي لك يا عبد الله أن تبتعد عنها، وأن تقرأ كتب أهل السنة والجماعة التي فيها الخير فيها بيان ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وفيها الكفاية، وفي الإقبال على القرآن والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه الخير العظيم والسعادة، وفي كتب السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام الخير والبركة فإن السنة تشرح القرآن وتفسر معناه، وتبين ما أشكل على طالب العلم في ذلك، فالله أنزل كتابه هدى للناس كما قال عز وجل:
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 201(3/232)
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) ، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (2) ، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (3) ، وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (4) ، وقال عز وجل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (5) . والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا ما قد يشكل علينا، وأوضح للأمة ما يحتاجون إليه، فعليك يا عبد الله أن تكتفي بما جاء في الكتاب والسنة، وأن تبتعد عن الكتب التي فيها الخرافات والضلالات والبدع وهي كتب الصوفية وغيرها مما جمعه الكفرة أو المتكلمون أو أصحاب الطرق المنحرفة، فإن فيها من الشر والبلاء والمخالفة لشرع الله ما يضر العبد إذا تمسك به، أو أخذ به أو قرأه وهو على غير بصيرة، نسأل الله السلامة.
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة فصلت الآية 44
(3) سورة النحل الآية 89
(4) سورة ص الآية 29
(5) سورة الأنعام الآية 155(3/233)
66 - بيان حال الطريقة القادرية والنقشبندية
س: بعض الناس عندنا يدعون الشيخية الطرقية كطريقة النقشبندية والقادرية وغيرها، يجتمعون بالناس في المساجد ويدعونهم إلى التوبة والتوجد، ويقول أحدهم: أنا مأذون لذلك فيوهمون بعضا منهم ويتكلمون بألفاظ مهملة، مثل ها هي هو، ويتكلمون بالغيب، فهل لهذا حقيقة وكرامة، أم أن هذه من باب البدع والضلالة، نرجو التوجيه في الإجابة وفقكم الله؟ (1)
ج: هذه الطرق وأشباهها كلها من الطرق البدعية، ولا يجوز الموافقة عليها، ولا المشاركة فيها؛ لأنها بدع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » ، وليس هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الاجتماع على: هو، هو، هو، أو على كلام ليس بظاهر وليس بمعلوم، وإذا كان فيه دعوى علم الغيب صار هذا أعظم نكارة وأخبث عملا، بل هذا هو الشرك لأن دعوى علم الغيب منكر وكفر، الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والحاصل أن الطرق الصوفية كالنقشبندية والقادرية، وهذه وأشباهها كلها طرق مبتدعة
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 39
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/234)
لا يجوز إقرارها في الشرع المطهر، فالواجب تجنبها وعدم الاشتراك فيها وألا تفعل إلا الشيء المعروف الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كذكر الله وحدك أو مع الإخوان إذا كان بينه وبين نفسه، أما ذكر الله الجماعي على طريقة الصوفية، أو هو، هو، هو، أو الله، الله، الله، أو ما أشبه ذلك، أو الإتيان بدعوات منكرة ليس لها أصل، بل فيها ما يدل على دعوى علم الغيب، أو فيها ما يدعو إلى منكر، أو فيها ما يدل على تعظيم المخلوق تعظيما لا يليق به، بل لا يليق إلا بالله، كل هذا لا يجوز، فهذه الطرق يجب الحذر منها، ويجب تمييزها، وألا يقر منها إلا ما وافق الشرع المطهر، وما خالف ذلك ينهى عنه، وينكر، والله المستعان.
س: عندنا في السودان مشائخ الطرق الصوفية، وبعض من الناس يزورهم ويشكون لهم حاجاتهم، مثلا لو كان هناك مريض أو أنه قد حصل عليه حاجة، في وقت ضيق يشكو لهم، ويأخذ من عند الشيخ البخورات والمحايا والبركة، كما هي: تراب من حجرة الشيخ أو تراب من الغار، فإذا تجادلت مع بعض هؤلاء الناس الذين يزورون هذا الشيخ ويشكون حاجتهم للشيخ، فيقولون لنا: هذا الشيخ من أولياء الله، كما يقولون لنا في مجادلتهم قوله تعالى:(3/235)
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) ، فهذا هو الأمر الذي وضحته لكم، هل ما يقولونه صحيح أم لا، من هم أولياء الله الصالحون، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أرجو أن توضحوا جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: مشايخ الصوفية فيهم تفصيل، منهم من هو كافر لأنه يتعاطى الشرك بالله عز وجل، ودعوة غير الله من أصحاب القبور، أو الجن أو يرى وحدة الوجود، كأصحاب ابن عربي هؤلاء كفار، ولا يجوز دعاؤهم ولا زيارتهم، ولا أخذ توجيهاتهم لأنهم منحرفون عن الطريق، ولا يجوز موالاتهم ولا تصديقهم فيما يقولون، ولا أخذ توجيهاتهم في أي شيء، ومنهم أناس عندهم بدع وأشياء، لا أساس لها في الشرع المطهر، ولكنهم ليسوا كفارا ولكن عندهم بدع ما أنزل الله بها من سلطان.
فالواجب نصيحتهم وتوجيههم إلى الخير، وإنكار البدع التي كانت عندهم أما أن يطلب منهم البركة، أو من تراب حجرتهم، هذا منكر لا يجوز ولم يفعل هذا الصحابة فيما بينهم رضي الله عنهم، وإنما كان يفعل مع النبي صلى الله عليه وسلم التبرك بما انفصل من جسده، يأخذون شعره وعرقه، لما جعل الله فيه من البركة، عليه الصلاة والسلام، أم الناس فلا،
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 142(3/236)
فلم يفعلوه مع الصديق ولا مع عمر، ولا مع عثمان ولا مع علي، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلا يجوز لأحد أن يأتي الصوفي الفلاني، أو الشيخ الفلاني يطلب بركة ثيابه، أو بركة شعره أو بركة أظفاره، كل هذا منكر لا يجوز فإذا اعتقد أنه ينفعه ويضره، أو أنه يحصل له فيه بركة في هذا الشيء، هذا خطر عظيم قد يصل به إلى الشرك، إذا طلب البركة منه واعتقد أنه ينفع أو يضر من دعاه، أو من طلب منه، أو أنه استغاث به دون الله، أو أنه يطلب منه الشفاء للمرض وأشباه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، فالحاصل أن من طلب البركة من هؤلاء، أو دعاهم أو استغاث بهم، أو اعتقد أنهم يشفون المرض، أو ينفعون غيرهم، أو يضرون في سرهم، كل هذا من المنكرات العظيمة، بل من المنكرات الشركية، أما أولياء الله فهم المؤمنون المتقون، المطيعون لله ولرسوله، هؤلاء هم أولياء الله، ليسوا أهل البدع، أولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى، الذين وحدوا الله واتبعوا سبيله وساروا على نهج نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء هم أولياء الله، وليس هم الصوفية، ولكنهم المتقون، قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (1) ، هؤلاء هم أولياء الله، أهل الإيمان والتقوى، الذين آمنوا بالله ورسوله، ووحدوا الله وعبدوه وحده، ولم يعبدوا أهل القبور ولم يستغيثوا بهم ولم ينذروا لهم، بل عبدوا الله وحده وساروا على
__________
(1) سورة يونس الآية 63(3/237)
نهج نبيه صلى الله عليه وسلم، فأدوا فرائض الله وتركوا محارم الله، ووقفوا عند حدود الله هؤلاء هم أولياء الله، وإن كانوا فقراء، وإن كانوا عمالا يعملون عند الناس في طلب الرزق وإن كانوا يبيعون ويشترون في الأسواق، ما عندهم تصوف، هؤلاء هم أولياء الله، وقال تعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (1) ، فأولياء الله هم أهل التقوى, هم أهل الإيمان هم الذين أطاعوا الله ورسوله، وتركوا ما نهى الله عنه ورسوله، ووحدوا الله وعبدوه جل وعلا، أما الصوفية فهم أقسام: وهم يشتركون في البدعة، ولكنهم أقسام في الأحكام، منهم الكافر ومنهم المبتدع، الضال الذي يجب الحذر منه، ونصيحته وتنبيهه على بدعته، وكلهم مشتركون في البدع، لأنهم أحدثوا بدعا ما أنزل الله بها من سلطان، فالواجب الحذر منهم وعدم الاغترار بهم، وعدم زيارتهم لأخذ دعائهم، أو التبرك بهم أو أخذ توجيهاتهم أو نحو ذلك، ومن أمكنه أن ينصحهم وأن يوجههم إلى الخير، وأن ينكر عليهم بدعهم فليفعل ذلك والله المستعان.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 34(3/238)
س: يوجد في بلدتنا رجل متوفى صالح، وبني له مقام على قبره، وله عادة عندنا في كل عام، نذهب مع الناس إليه رجالا ونساء، ويقيمون عنده ثلاثة أيام، بالمدح والتهاليل والأذكار، ما هي صحة أعمالنا هذه؟ (1) .
ج: هذا العمل لا يجوز، وهو من البدع التي أحدثها الناس، فلا يجوز الإقامة على قبره ولا البناء، سواء سمي مقاما، أو سمي قبة أو سمي غير ذلك، كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة مكشوفة ليس عليها بناء، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر، وأن يجصص وقال: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » متفق على صحته. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه (3) » ، فالبناء على القبور منكر، وهكذا تجصيصها، ووضع الزينات عليها أو الستور، كله منكر ووسيلة إلى الشرك، فلا يجوز وضع القباب أو الستور أو المساجد عليها، وهكذا زيارتها على الوجه الذي ذكره السائل، للجلوس عندها والتهاليل وأكل الطعام، والتمسح بالقبر أو الدعاء عند القبر، أو الصلاة عند القبر، كل هذا منكر، كله بدعة
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 89
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1290، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور. . .، برقم 520
(3) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) ، النسائي الجنائز (2027) ، أبو داود الجنائز (3225) ، أحمد (3/339) .(3/239)
لا يجوز، إنما المشروع زيارة القبور، كونه يزورها ويدعو لهم ثم ينصرف، يمر على القبور ويقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » ، وما أشبهه من الدعوات فقط، هذا هو المشروع الذي علمه النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام، لحديث عائشة: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين» ولحديث ابن عباس: «السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) » هذا المشروع وأما الإقامة عند القبر للأكل والشرب، أو للتهاليل أو للصلاة، أو لقراءة القرآن، كل هذا منكر وإنما يسلم ويذهب ويدعو للميت، ويترحم عليه أما اتخاذه محل دعاء، أو محل قراءة، أو محل طواف أو محل تهاليل للجلوس عنده، أو أكل يوما أو يومين، أو ثلاثة هذا ليس له أصل، هذا بدعة من وسائل الشرك، فيجب الحذر من ذلك، ويجب ترك ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم 1053(3/240)
67 - حكم الاجتماع باسم أحد الأولياء
س: يسأل أيضا ويقول: ما تقولون في قوم يجتمعون في بيت حضرتهم أو تحت الشجرة، باسم من مات قبل قرون، ولم يروه هم ولا آباؤهم، وإنما سموه هم وآباؤهم: عبد القادر الجيلاني وشيخ حسين البالي، وفلان وفلان. وإن أنكر عليهم منكر لا يقبلون عنه، بحجة أن العالم الفلاني لم ينكر عليهم، وأن الكافرين الذين هم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كفروا بعد إيمانهم بالرسول، ونحن نؤمن به وبما جاء به عليه السلام. فما تقولون في هذا أيضا؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا الاجتماع باسم الشيخ عبد القادر , أو باسم الشيخ حسن ابن فلان، أو باسم البدوي، أو باسم حسين بن علي، أو باسم علي بن أبي طالب، أو باسم عمر، أو باسم الصديق، أو بأسماء أخرى. أو باسم حضرتهم، كلمة حضرتهم هذه كلمة مجملة لا نعرف معناها، فإذا كان المقصود رئيس الجماعة أو عالم الجماعة أو ما أشبه ذلك، فكل هذا من البدع. لا أصل لهذا. وكونهم يجتمعون باسم الشيخ عبد القادر يدعون له، أو يصلون عليه، أو يتوسلون به، هذا لا أصل له. ما كان الرسول يفعل هذا وأصحابه، وإنما الدعاء للمسلمين الأموات لا بأس به، يدعو لعلماء المسلمين وإن كانوا ماتوا قديما، كما تدعو للصحابة
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 183(3/241)
وغيرهم، تقول: اللهم ارض عنهم، اللهم اغفر لأموات المسلمين، اللهم اغفر للشيخ عبد القادر، اللهم اغفر لحسين بن علي، اللهم ارض عنه وعن إخوانه، لا بأس، كل هذا طيب لكن تجتمع عند شجرة أو عند جبل، أو عند الشيخ فلان من أجل الاجتماع للدعاء لفلان، أو الترضي عن فلان، هذا لا أصل له. وأن يخص اجتماع على هذا الوجه، هذا من البدع. تدعو له وأنت في الطريق وأنت في المجلس العادي، وأنت في بيتك، لا بأس، تدعو لعلماء المسلمين، للشيخ عبد القادر الجيلاني، الشيخ عبد القادر عالم من علماء المسلمين، تدعو لأبي حنيفة، تدعو لمالك، للشافعي، لأحمد بن حنبل، لسفيان الثوري، لأصحاب النبي، للتابعين، لغيرهم من المهمين لا بأس. لكن تخص واحدا منهم باجتماع خاص، عند شجرة خاصة، أو عند جبل خاص، أو عند شخص خاص تخصه بهذا الاجتماع في يوم معين أو في شهر معين أو في أسبوع معين، كل هذا لا أصل له.(3/242)
68 - بيان معنى الحضرة
س: هناك شيء منتشر لدينا، ويسمى الحضرة ربما لا تفهمون ما هي الحضرة، ولكن سأشرح ما يحدث في هذه الحضرة، وسوف تعرفونها بعد ذلك.
الحضرة هي: شيخ يأتي ومعه أتباعه، ومعهم بناديق دف، ويجتمع عليهم الناس، من حدب وصوب، ويكون في يوم الخميس في الليل، ثم يشعل نارا كبيرة ثم يبدأ ذلك الشيخ، بالقرع على الدف هو وأتباعه، ويقولون كلاما غريبا، ويستنجد بالله وبالأولياء الصالحين، الذين لدينا في ليبيا، مثل سيدي عبد السلام الأسمر، وسيدي مرعي وغيرهم، ثم يبدأ بعض الحاضرين بالمدح، مع الشيخ ويغمى على كثير من الحاضرين من النساء، والرجال ويبدأ الشيخ بالضرب المبرح، على من يغمى عليهم، ويقول له اخرج من المسلم يا كافر، ويقصد بذلك أنه يكلم الجني الذي سكن الإنسي، المغمى عليه، ويمسك المرأة من شعر رأسها، ويبدأ بالضرب على وجهها، وهكذا تبدأ هذه المسرحية وتنتهي، السؤال:
هل هذه الأفعال محرمة على من يفعلها؟ الرجاء منكم الإفادة، علما بأن الحاضرين كما يقال بالآلاف، ويبنون(3/243)
خياما، وكل عائلة تذبح شاة، أو ماعزا فالرجاء منكم توجيهنا، وتوجيه المسلمين الذين توجد عندهم مثل هذه الأحوال، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا العمل منكر عظيم، وهذا من أعمال بعض الصوفية، ولا يجوز حضور هذا العمل، والاستنجاد بالأولياء والاستغاثة بالأولياء من الشرك الأكبر، ومن عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وضرب الطبول أو الدفوف هذه من طرق الصوفية المنكرة المحدثة، فالواجب الحذر من ذلك، والواجب ترك هذا العمل وعدم حضوره، وإنكاره على من حضر، لما فيه من الشرور الكثيرة وهو بدعة، وفيه أيضا منكر وهو ضرب الدفوف، وفيه منكر أعظم وهو الشرك بالله، والاستنجاد بالأولياء، هذا كله شر عظيم.
فالواجب على المسلمين ترك هذا العمل، والحذر منه وعدم حضوره، وإنكاره على من فعله لأنه بدعة منكرة، مشتملة على نوع من الشرك الأكبر، وهو الاستنجاد بالأولياء ودعاؤهم، والاستغاثة بهم وهذا من الشرك الأكبر، فإذا قال: يا سيدي فلان، يا عبد السلام، يا سيدي الحسين، أو يا سيدي رسول الله، أو يا سيدي الشيخ عبد القادر، أغثني أو انصرني، أو اشف مريضي أو رد غائبي، أو أنا في جوارك أو حسبك، أو ما أشبه ذلك هذا كله من الشرك الأكبر،
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 213(3/244)
والله يقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) هؤلاء قد اتخذوا مع الله آلهة أخرى، ينادونهم ويستغيثون بهم، فوقع الشرك الأكبر مع ما هم فيه من البدع، والخرافات الضالة التي لا أساس لها، فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، والواجب عدم حضور مثل هذا المنكر، وإنكاره على من فعله، مع ما فيه من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك.
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة المؤمنون الآية 117(3/245)
69 - حكم إقامة المديح النبوي مع دق الدفوف
س: المديح النبوي مع دق الدفوف، والضرب على البطون بالسيوف والعصي، على الطريقة الرفاعية هل هي حرام أم حلال؟ (1) .
ج: هذا منكر وحرام، وبدعة في الدين من خرافات الصوفية، المديح يكون بالكلام الطيب من دون دفوف، ومن دون ضرب للبطون
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 217(3/245)
والرؤوس، بل بالكلام الطيب، يقال له خاتم النبيين، وأفضل الأنبياء وأعبد الناس، وأصدق الناس كلام طيب، أما الزيادة بأن يدعى من دون الله، أو ليستغاث به من دون الله، هذا شرك أكبر، أو يقال إنه يعلم الغيب فهذا كفر، لكن يمدح بالحق، يمدح بما ثبت عنه أنه أهل له عليه الصلاة والسلام، من كونه أصدق الناس، من كونه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، من كونه أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إلى أمثال هذه الأشياء الصادقة، أما أن يمدح بأنه يعلم الغيب، أو أنه يدعى من دون الله، أو أنه خلق من النور، أو من عرش الرحمن، هذا باطل كذب، خلق من ماء مهين مثل غيره من الناس، ولم يخلق من النور، وليس يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام، وليس يعبد من دون الله، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به ولا يحلف به، عليه الصلاة والسلام كل هذا منكر، وفق الله الجميع.(3/246)
70 - حكم أخذ الطرق الصوفية
س: الأخ: أحمد من الله بابكر، من السودان. يسأل ويقول: هناك أشخاص أحياء يرزقون، يذهب إليهم أهلنا البسطاء لأخذ ما يسمى بالطرق، وأخذ الفاتحة منهم، لأن دعوتهم مستجابة، على حد تعبير أهلنا البسطاء. علما بأن أهلي يركبون العربات لزيارتهم، لأن مكانهم بعيد عن القرية. ويكلفهم هذا مبالغ هم في أشد الحاجة لها. أفيدونا وجزاكم الله خيرا، ووفقكم (1) .
ج: الطرق الصوفية مما أحدثها الناس. والمتصوفون غالبهم أهل بدع وأهل جهل، وكونهم يشرعون للناس طرقا خاصة في الأذكار، هذا لا أصل له، بل هو من البدع، فالواجب ألا يتصل بهم لهذا الأمر، وألا يسألوا عن هذا الأمر، وألا يقتدى بهم، والواجب على أهل العلم أن ينبهوهم ويشرحوا لهم الحق ويدلوهم عليه، لأن غالبهم جهال مقلدة لغيرهم. فالواجب تعليمهم وإرشادهم وأن البدع أنكرها الله عز وجل، بقوله سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) ، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » يعني مردود. فالواجب على أهل العلم
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 196
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/247)
والعباد أن يتقيدوا بالشريعة، وألا يشرعوا للناس شيئا ما شرعه الله سبحانه وتعالى لا في الأقوال ولا في الأعمال، ومن كان معروفا بالتصوف لا يقتدى به، ولا يعمل بقوله وتوجيهه، لأنه ليس عنده علم، بل إنما هي طرق تلقاها بعضهم عن بعض، وأحدثوها وساروا عليها، فلا ينبغي أخذها عنهم، بل يجب إرشادهم وتوجيههم إلى الخير، وتعليمهم ما ينفعهم وشرح السنة لهم، حتى يستقيموا عليها، وحتى يدعوا البدع. ومن ذلك ختمهم الدعوات بالفاتحة، أو تعليمهم الفاتحة للتثويب، حتى يثوبها لفلان أو فلان، هذا ليس له أصل. الإنسان يقرأ القرآن ويقرأ الفاتحة ليستفيد ويتعلم ويطلب الثواب من الله عز وجل، نعم قال بعض العلماء إنه لا بأس بالقراءة للموتى، وتثويبها للموتى أو للأحياء، كونه يقرأ ويهدي ثوابها لفلان، ولكن ليس عليه دليل، ولم يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وما كان النبي يقرأ للناس، يقرأ حتى يثوب لهم، وما كان الصحابة يفعلون هذا رضي الله عنهم، فالأولى للمؤمن أن يدع هذا الشيء، وأن يكتفي بما درج عليه الصحابة رضي الله عنهم وتلقوه عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، ولكن يدعو لموتاه بالمغفرة والرحمة. يتصدق عنهم بالمال، يحج عمن لم يحج من موتاه ويعتمر، لا بأس إذا كان قد حج عن نفسه واعتمر لنفسه. أما أن يقرأ لهم قرآنا يثوبه لهم، فليس عليه دليل، والذي ينبغي ترك ذلك، لأن البدع لا خير فيها وشرها عظيم. فكونه يقرأ قراءة يقصد ثوابها لفلان أو فلان، هذا ليس عليه دليل، فيخشى عليه أن يكون أتى بدعة(3/248)
منكرة، فالأولى له ترك ذلك، وإن قال بعض أهل العلم بجواز ذلك، لأن العبرة بالدليل، لا بأقوال الناس، والله يقول سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) ، ويقول جل وعلا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) فإذا قال بعض أهل العلم: إنه يقرأ للموتى وقال آخرون لا، ترد المسألة إلى كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، وإذا رجعنا إلى كلام الله وإلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لم نجد في ذلك ما يدل على أن القرآن يثوب للموتى أو لغير الموتى، بل الإنسان يقرأ القرآن ليستفيد ويتدبر ويتعقل، وليحصل له الثواب من الله عز وجل، وإذا دعا لإخوانه المسلمين، أو لموتاه المسلمين، أو لوالديه المسلمين بالمغفرة والرحمة حال قراءته، أو في أوقات أخرى، كل هذا لا بأس به، لكنه يقرأ لطلب الثواب من الله لنفسه وليستفيد من القرآن، ويتعلم أحكام الله ويتدبر ويتعقل، هذا هو المشروع. وفق الله المسلمين لكل خير.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(3/249)
71 - حكم اتباع الطريقة الصوفية الخلوتية
س: إنني سالك طريقا من شيخ خلوتي، وإنني على علم يقين أنه رجل طيب، وتقي جدا جدا ودائما كل إنسان سلك معه الطريق صار صالحا وتاب، كما كان فيه من يحمل المنكر، وهذا السؤال بناء على أنكم ذكرتم أن جميع الطرق الصوفية من البدع، أفيدوني أفادكم الله عن الوضع الذي أنا فيه، هل أستمر أم أتخلى عنه جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم جميع الطرق الصوفية من البدع، ولكن يقع فيها أشياء توافق الحق، فما وافق الحق وجب أخذه، لأنه وافق الحق، لا لأنه من طريق خلوتي، أو القادري، أو الشاذلي أو فلان أو فلان لا، ما وقع في طرقهم من الخير يقبل، لأنه وافق الشرع، وما خالفه يترك وإذا أردت أن نبين لك ما هو الخير والشر، فاذكر لنا الطريقة التي أنت عليها، اشرحها لنا في سؤال آخر، ونوضح لك ما هو الخير وما هو الشر إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 219(3/250)
72 - حكم التشبه بأهل الفرق في لباسهم
س: إذا كان هناك فرقة من المتصوفة يلبسون لباسا معينا فما الحكم في لبسه؟
ج: إذا كان القصد التشبه بهم فإنه لا يجوز التشبه بأهل البدع ولا بالكفار، إذا كان المقصود من الأسود التشبه بطائفة من الصوفية أو طائفة من الكفرة فلا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم (1) » .
__________
(1) أبو داود اللباس (4031) .(3/251)
73 - حكم استعمال الطبل والمزمار لعلاج المريض من المس
س: عندنا في مصر في بعض القرى الريفية، أناس يقومون بأعمال الطبل والمزمار، يقولون: إننا نخرج الجن من الناس ومن النساء، فما حكم ما يفعلون؟ (1)
ج: هذا من عمل بعض الصوفية، وهو منكر وغلط لا يجوز فعله، ولا يجوز تقليدهم بل يجب الإنكار عليهم، لأنهم يتعبدون بالطبل والمزامير والغناء، هذا منكر وهذا من فعل بعض طوائف الصوفية، فأنت يا أخي تنكر عليهم ذلك، وإخوانك ينكرون عليهم، وتعلمونهم
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 215(3/251)
وترشدونهم أن هذا لا يجوز، وأن الواجب الاشتغال بما شرع الله من العبادة، من صلاة وقراءة وذكر، لا بالطبل والمزامير.(3/252)
74 - بيان حال طائفة الدراويش من الصوفية
س: ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالدراويش، ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين، وغيرها وهم في ذلك قبل أن يقول أحدهم: يا الله، يقول: يا رفاعي، فما رأي الشرع في ذلك، هل يوجد دليل على عملهم؟ (1)
ج: هؤلاء كذابون محتالون، ليس لعملهم أصل بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس، حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم، وليس الأمر كذلك، وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون، وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون، إنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم، فالمقصود أن هذا الصنف من الناس الفجرة المحتالين، الذين لا أصل لما يفعلون ولا يجوز أن يصدقوا، بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس، وإذا كانوا يدعون الرفاعي وغير الرفاعي، صار هذا شركا أكبر، يا رفاعي أو يا رسول الله انصرنا، أو اشفع لنا أو يا علي أو يا سيدي علي، أو يا حسين، أو يا فلان أو
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 154(3/252)
يا سيدي البدوي، كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من العبادة لغير الله، وكل هذا من جنس عمل عباد القبور، عباد اللات والعزى، وأشباههم، فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك، وأنهم يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين، كله تلبيس وخداع ليس له أصل، بل هم بهذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم، في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم، حتى يتوبوا من أعمالهم الخبيثة.(3/253)
75 - حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء
س: نرجو إفادتنا عن شيخ عندنا في البلاد، له أتباع كثيرون، يتفانون في خدمته وطاعته، والسفر إليه معتقدين أنه من أولياء الله، فيأخذون منه الطريقة السمانية الصوفية، وتوجد قبة كبيرة لوالده، يتبرك بها هؤلاء الأتباع، ويضعون فيها ما تجود بها أنفسهم من النذور، ويقيمون الذكر بضرب الدفوف، والطبول والأشعار، وفي هذا العام أمرهم شيخهم بزيارة شيخ آخر، فسافروا رجالا ونساء بمائة سيارة. كيف توجهونهم سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا منكر عظيم، وشر كبير، فإن السفر لزيارة القبور منكر،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 73(3/253)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (1) » فالرحال لا تشد لزيارة القبور، وإنما تشد للمساجد الثلاثة، لقصد القربة والطاعة ثم التقرب لأصحاب القبور بالنذور أو بالذبائح، أو بالصلوات أو بالدعاء والاستغاثة، كله شرك بالله عز وجل، فلا يجوز للمسلم أن يدعو صاحب القبر، ولو كان عظيما كالرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا يجوز أن يستغيث بهم كما لا يجوز أن يستغيث بالأصنام ولا بالأشجار، ولا بالكواكب فهكذا أصحاب القبور، ليس لأحد أن يستغيث بهم أو ينذر لهم، أو يتقرب إليهم بالذبائح أو النذور، كل هذا من المحرمات الشركية، كذلك لعبهم بالدفوف، وتقربهم بالدفوف، التي يفعلها كثير من الصوفية، كل هذا بدعة، ومنكر، وليس في العبادة لله، التقرب بالدفوف لا في القبور ولا في المساجد، ولا في غير ذلك، إنما يشرع الدف للنساء في العرس، إظهارا للنكاح أنه نكاح وليس بسفاح، كذلك البناء على القبور منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور، والبناء عليها، والقعود عليها، كما رواه مسلم في الصحيح، عن جابر رضي الله عنه، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب مسجد بيت المقدس، برقم 1197، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم 1397(3/254)
وأن يبنى عليه (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فلا يجوز البناء على القبور، لا المساجد ولا غيرها، بل يجب أن تكون ضاحية مكشوفة، ليس عليها بناء ولا يجوز التبرك، بالقبور وأهلها والتمسح بهم، كما لا يجوز دعاؤهم والاستغاثة بهم والنذر لهم، والذبح لهم كل هذا من عمل الجاهلية.
فالواجب على أهل الإسلام الحذر من ذلك، والواجب على أهل العلم، أن ينصحوا هذا الشيخ وأن يعلموه، أنه في عمل باطل وأنه منكر، وأن حثه للناس وترغيبه للناس، في دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات، أن هذا هو الشرك الأكبر، نعوذ بالله ويجب على المسلمين ألا يقلدوه، وألا يتبعوه، ولا يتغبروا به، فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى، كما قال سبحانه {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) ، سماهم كفرة بدعوتهم
__________
(1) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) ، النسائي الجنائز (2027) ، أبو داود الجنائز (3225) ، أحمد (3/339) .
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117(3/255)
غير الله، من الجن والملائكة والأنبياء، وأصحاب القبور، والكواكب أو الأصنام، كل هذه دعوتها مع الله شرك أكبر، وهكذا يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) يعني المشركين، وعلى جميع من يستطيع إنكار هذا المنكر، أن يساهم في ذلك وعلى الدولة إذا كانت مسلمة، أن تمنع ذلك، وأن تعلم الناس ما شرع الله لهم وما أوجب عليهم من أمر الدين، حتى يزول هذا المنكر وحتى يزول هذا الشرك، نسأل الله الهداية للجميع.
__________
(1) سورة يونس الآية 106(3/256)
76 - بيان كذب وصية خادم الحجرة النبوية
س: بين وقت وآخر تعود إلينا هذه الوصية المزعومة، والتي تصدر دائما تحت اسم وصية حامل مفاتيح حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الوصية تنتشر كما قلت، وكلما غابت عادت، يقول في بدايتها هذه المرة: إنه كان في ليلة يقرأ القرآن، في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تلك الليلة غلبه النوم، ورأى في نومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آت، وقال له: إنه قد مات في هذا الأسبوع أربعون ألفا من الناس، ومن غير الجان إنهم(3/256)
ماتوا موتة الجاهلين، ويستمر على هذا الأسلوب، الملاحظ أنه بأسلوب قريب من العامية، نرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بتنبيه الناس عن هذه الوصية خاصة، وعلى ما ماثلها، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: فهذه الوصية: قد علمناها من دهر طويل، وهي كما ذكرتم في السؤال كلما ذهبت عادت، ولكما نسيت بعثت، ولها مروجون من الناس، في سائر أقطار الدنيا، باسم خادم الحجرة النبوية، وتارة باسم حامل مفاتيح الحجرة النبوية، أو المسجد النبوي وله فيها عبارات وألفاظ، متنوعة ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا وأنه مات أربعون ألفا ميتة جاهلية، ويقول: إنه يطلع نجم حول الشمس، وأنه إذا طلع هذا النجم ترونه، ولا تقبل الصلوات والعبادة بعد ذلك، ويقول: إنه من جاءته هذه الوصية فأهملها، وأضاعها يأثم إثما كبيرا، ومن بلغته ولم ينشرها، يخرج من رحمة الله، ويقول من وزع منها خمسا وعشرين نسخة، حصل له كذا وكذا، إلى غير هذا من الخرافات، وهذه الوصية باطلة لا أساس لها، وليس هناك من اسمه أحمد خادم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذا كذب ليس هناك شخص يقال له: أحمد، وليس هناك وصية وإنما هذه من كذب الكذابين، أناس يفترون الكذب، ويكتبون مثل هذه الوصايا الباطلة، وينسبونها إلى من
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 87(3/257)
شاءوا من الناس، وكل ذلك لا أصل له، وقد سبق أن كتبنا في إبطال هذه الوصية كتابة من أكثر من عشر سنوات، ووزعناها في الداخل والخارج بعدة لغات، وأنها لا أساس لها، وأن الواجب على من وقعت في يده أن يمزقها ويتلفها، وينبه الناس على بطلانها، المصحف الذي هو كلام الله عز وجل، لو أن إنسانا لم يكتبه ليس عليه شيء ولا بأس عليه، وهذا يقول من بلغته ولم ينشرها يخرج من رحمة الله، هذا من أبطل الباطل، ويقول من كتب منها خمسا وعشرين نسخة، يحصل له كذا وكذا فوائد كذا وكذا، ومن أعرض عنها يفقد فوائد، ويموت ولده أو يموت كذا أو يصيبه كارثة، كل هذا باطل، القرآن نفسه لو وزع منه مائة نسخة أو كذا أو كذا، فهو مأجور لكن لا يحصل له هذا الذي قال هذا الكذاب، ولا يكون عليه خطر لو لم يوزع، أو عاش الدهر كله ولم يوزع المصحف، لا بأس عليه هذا للمصحف من يوزعه ومن يبيعه ومن ينشره بين الناس، ولو أنه اشتراه من السوق، وقرأ فيه ولم يوزعه فلا حرج عليه، ولو كتبه وقرأه ولم يوزعه فلا حرج عليه، فكيف بهذه الوصية المكذوبة الباطلة، من لم يوزعها يكون عليه كذا وكذا فالمقصود: أن هذه الوصية باطلة ومكذوبة، ولا أساس لها ولا يجوز اعتقاد هذا الكلام، ولا يجوز توزيعها ولا نشرها بين الناس، بل يجب إتلافها والتنبيه على بطلانها، رزق الله الجميع العافية والهدى، ونحن نحاربها من عشرات السنين، ولم نر إلا خيرا، كل هذا شيء باطل لا ينبغي التعلق به.(3/258)
77 - حكم الشرع في مرتكب الكبيرة
س: ما هو حكم الشرع في مرتكب الكبيرة، هل يخرج من الملة؟ (1)
ج: حكم الشرع فيه أنه عاص فاسق، لكن لا يخرج من الملة خلافا للخوارج، عند أهل السنة والجماعة الزاني فاسق وشارب الخمر فاسق، إذا لم يستحل ذلك، العاق لوالديه فاسق، المرابي فاسق، هذه كلها كبائر لكن لا يكفر فاعلها وعند الخوارج يكفر بذلك نسأل الله العافية والصواب أن قولهم باطل وأنه ليس بكافر ولكنه عاص، عليه التوبة إلى الله والرجوع إلى الله والإنابة ومن تاب تاب الله عليه وإذا مات على ذلك مات عاصيا على خطر من دخول النار إلا أن يعفو الله عنه لكن لو دخلها لا يخلد فيها خلافا للخوارج والمعتزلة، الخوارج يقولون: يكفر ويخلد في النار إذا مات عاقا لوالديه أو على الزنى لم يتب أو على شرب الخمر يقولون: هو كافر ومخلد في النار والمعتزلة مثلهم في أمر الآخرة مخلد في النار لكن يقولون في الدنيا لا كافر ولا مسلم في منزلة بين المنزلتين وقولهم: باطل أيضا. أما أهل السنة والجماعة فيقولون: هو مسلم عاص، عليه التوبة إلى الله، فإن تاب تاب الله عليه، وإن مات على معصيته فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة بسبب توحيده وإسلامه وإن شاء عذبه على قدر
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم 356(3/259)
المعاصي التي مات عليها، ثم يخرج من النار بعد التطهير، يخرجه الله من النار إلى الجنة؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) أي ما دون الشرك لمن يشاء أي بعضهم لا يغفر له ويدخل النار ويعذب على قدر المعاصي وبعد التطهير والتمحيص يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له: نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل فإذا تم تطهيرهم أدخلهم الله الجنة.
__________
(1) سورة النساء الآية 48(3/260)
باب ما جاء في السحر(3/261)
باب ما جاء في السحر
78 - بيان أن السحر كفر وضلال
س: تسأل: ف. أ. من ليبيا فتقول: ماذا نقول عن السحر؟ وكيف نقي أنفسنا منه؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: السحر محرم على المسلمين، وهو من عمل الشياطين وأتباع الشياطين، وهو كفر وضلال؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن، من دون الله عز وجل قال الله سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) فأخبر أنهم كفروا بهذا التعليم، وقال بعدها: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} (3) ، يعني: هاروت وماروت، يقول الله سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (4)
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 344
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102(3/263)
فدل على أن تعليمه كفر، لأنهما يقولان للمتعلم فلا تكفر فدل على أن تعلمه له كفر، فالواجب الحذر من ذلك، وقال بعده: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (1) ، يعني: من حظ ومن نصيب، ثم قال بعده: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (2) ، فدل على أن السحر ضد الإيمان، وضد التقوى، المقصود أن تعلم السحر يكون بعبادة الشياطين والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم ونحو ذلك، فهو من الكفر الأكبر فلا يجوز تعليمه ولا تعلمه ولا العمل به، ولا المجيء إلى أهله وسؤالهم ولا تصديقهم، بل يجب الحذر من ذلك ويكفي في هذا قول الله جل وعلا: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (3) ، وقول الملكين له للمتعلم: لا تكفر دل على أن تعلمه كفر، وقوله في حق الشياطين: يعلمون الناس السحر، المقصود أنه محرم وشره عظيم، وفيه فساد كبير مع كونه فيه عبادة لغير الله، وكفر بالله عز وجل.
فالواجب توقيه والحذر منه ومن أسباب التوقي أن يتعوذ المسلم بكلمات الله التامات من شر ما خلق، صباحا ومساء ثلاث مرات
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) سورة البقرة الآية 103
(3) سورة البقرة الآية 102(3/264)
يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، صباحا ومساء، وفي كل وقت، هذا من أسباب الوقاية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (1) » ، وقال له رجل: «يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني هذه الليلة؟ فقال: " أما وإنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك (2) » ، وهكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. ثلاث مرات، لم يضره شيء (3) » .
فيستحب للمسلم أن يقول هذا صباحا ومساء، ثلاث مرات «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم (4) » هذا من أسباب الوقاية، ومن أسباب الوقاية أيضا قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وعند النوم، فهي من أسباب السلامة من الشياطين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرؤها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح» . قالها الشيطان لأبي
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، برقم 2709
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 448
(4) الترمذي الدعوات (3388) ، ابن ماجه الدعاء (3869) .(3/265)
هريرة وقد صدقه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «لقد صدقك وهو كذوب (1) » ، وكذلك قراءة: قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات، بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب، من أسباب السلامة من كل سوء وقراءة هذه السور الثلاث، بعد الظهر وبعد العصر وبعد العشاء، مرة واحدة كذلك من أسباب السلامة، ونوصي السائلة وغيرها ممن يستمع إلى هذا البرنامج، أن يستفيد من هذه الأشياء التي بينها النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يتوقى الشر بتعاطي هذه الأذكار الشرعية وهذه التعليمات الشرعية، التي بينها النبي عليه الصلاة والسلام.
ونوصي جميع إخواننا في ليبيا وأخواتنا في ليبيا، وفي غيرها في أفريقيا وفي أوروبا وفي كل مكان، نوصي الجميع بالعناية بهذا البرنامج: " نور على الدرب " لأنه برنامج مفيد ويقوم عليه علماء معروفون بالخير والعلم والفضل، ونوصي جميع إخواننا في كل مكان وجميع أخواتنا في كل مكان، في ليبيا وفي غيرها نوصي الجميع بالاستماع لهذا البرنامج، والاستماع إلى إذاعة القرآن من الإذاعة السعودية، فإن برنامج نور على الدرب، وكذلك ما يذاع في إذاعة القرآن من المحاضرات والخطب، كله مفيد وهكذا ما يذاع من القرآن الكريم، الذي هو أصل كل خير، القرآن نوصي الجميع بالاستماع إليه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، برقم 5010(3/266)
من هذه الإذاعة إذاعة القرآن وغيرها، والاستماع إلى هذا البرنامج نور على الدرب، والاستماع إلى محاضرات علماء السنة، علماء الحق علماء العقيدة الطيبة، في كل مكان؛ لأن هذا من باب تعلم العلم، من باب التفقه في الدين، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » متفق على صحته، هذا حديث عظيم وسماع هذا البرنامج نور على الدرب من التفقه في الدين، وسماع إذاعة القرآن من المملكة العربية السعودية وغيرها، من التفقه في الدين، والتعلم على علماء السنة، والأخذ عنهم في كل مكان من التفقه في الدين، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » رواه مسلم في الصحيح.
فنوصي جميع إخواننا وأخواتنا في كل مكان، بالتعلم والتفقه في الدين والعناية بالقرآن الكريم، والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه عن ظهر قلب، أو من المصحف، واستماعه من الأشرطة والإذاعة لمن لا يستطيع قراءته أو حال دونه مانع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699(3/267)
وسؤال أهل العلم من علماء السنة، المعروفين بالعلم والفضل والعقيدة الطيبة، وسؤالهم عن كل ما أشكل، مع سماع هذا البرنامج والمحافظة على سماعه: نور على الدرب في أوقاته، وسماع إذاعة القرآن في كل مكان فإن في ذلك خيرا كثيرا، وعلما جما. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.(3/268)
79 - العلامات التي يعرف بها الساحر
س: السائل: م. و. يقول: ما العلامات التي يعرف بها الساحر، والكاهن والمشعوذ؟ (1)
ج: يعرفون بما يقولون من الكلام الباطل، والأعمال الباطلة، يعرفون بدعواهم الباطلة المخالفة للشرع، فهذا دليل ظاهر، فيعرف المشعوذ والكاهن والرمال والمنجم والساحر، بأعمالهم التي يعملونها كل واحد يعرف بعمله. فالذي يدعي علم الغيب أو يدعي أشياء لا أساس لها، هذه من الدلائل على أنه يستخدم الجن، ويستعين بالجن، أو كذاب، يكذب على الناس لأكل أموالهم، وهكذا الذي يستعمل أشياء تضر الناس، ينبغي أن يرفع أمره إلى الجهة المختصة كالهيئة أو المحكمة؛ لأنه قد يتعاطى السحر، وقد يتعاطى أشياء تضر الناس بغير علم، لجهله وعدم بصيرته.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 428(3/268)
80 - بيان أن السحر كفر أكبر
س: هل السحر والغيبة والنميمة، تلحق بالكبائر أم لا؟ (1)
ج: السحر كفر أكبر، لأنه لا يتوصل إليه إلا بالشرك، بعبادة الجن ودعوتهم من دون الله، ولهذا قال سبحانه في السحر عن الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (2) . وقال في هذه الآيات سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} (3) ، يعني: السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (4) ، يعني: من حظ ولا نصيب، وقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (5) ، فدل على أن السحر ضد الإيمان، وضد التقوى نسأل الله العافية، فالسحر يتوصل إليه بعبادة الجن من دون الله، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور ونحو ذلك، فلهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سحر فقد أشرك (6) » وقال عليه الصلاة والسلام: «اجتنبوا السبع الموبقات "، قلنا وما هن يا رسول الله؟ قال: " الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 79
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 103
(6) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم، باب الحكم في السحرة، برقم 4079(3/269)
اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (1) » رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، فجعل السحر قرين الشرك، وقدمه على القتل لأنه ظلم، من الشرك، ولأنه عبادة للجن من دون الله، وتقرب إليهم بما يريدون منه من دعاء أو استغاثة، أو ذبح أو نذر، حتى يعلموه بعض الشيء، وهو ممن يطيع الشياطين، كما قال سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) ، فجعل تعليمهم السحر كفرا وضلالا نسأل الله العافية، وكذلك الغيبة والنميمة، من الكبائر، لما جاء فيهما من الوعيد، والغيبة: ذكر الإنسان أخاه بما يكره، كأن يقول: بخيل، جبان، شرس، أخلاقه كذا، وكذا، والنميمة نقل الكلام الذي يسبب الفتنة، من شخص إلى شخص، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، كأن يقول: سمعت فلانا يقول فيكم كذا، إنكم بخلاء، إنكم جبناء، أو يقول لزيد: سمعت فلانا يقول فيك، إنك زناء، إنك خبيث، إنك جبان، إنك تتبع مواقع التهم، إنك إنك. يعني يأتي بأشياء تسبب الفتنة، بينه وبين المنقول عنه، هذه هي النميمة، والله يقول سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (3) {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (4) ،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) ، برقم 2767، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 89.
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة القلم الآية 10
(4) سورة القلم الآية 11(3/270)
ويقول الله جل وعلا: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (1) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم يصف الغيبة، قال: «ذكرك أخاك بما يكره " قيل يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته (2) » ، فصار المغتاب على شر إن صدق فهو مغتاب، وإن كذب فهو باهت، وقال صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي رجالا، لهم أظفار من نحاس، يخدشون بها وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء، فقيل لي: إن هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم (3) » ، هذا يدل على شدة الوعيد في هذا، وأنها من الكبائر، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل الجنة نمام (4) » متفق على صحته، فدل ذلك على أن النميمة والغيبة، من الكبائر، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة الحجرات الآية 12
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، برقم 2589.
(3) أخرجه أحمد في مسند أنس بن مالك رضي الله عنه
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، برقم 6056، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، برقم 105(3/271)
81 - بيان أن شياطين الجن هم الذين يعلمون السحر للسحرة
س: الأخ: ص. ش. من الجمهورية العربية السورية، يسأل ويقول: هل يستطيع الساحر الاتصال بالشياطين كما يزعم فعلا؟ وبالتالي يستطيع أن يغير ما يريده الشخص المسلم الواعي، والذي يحفظ قدرا كبيرا من القرآن وذلك بواسطة هؤلاء الشياطين؟ وإن كان ذلك ممكنا، فماذا يترتب على الشخص أن يفعل إذا ابتلي بالسحر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: السحر بين الله جل وعلا في كتابه العظيم، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه موجود، وأن السحرة موجودون، وأن الشياطين هم الأساتذة، هم الذين يعلمونهم السحر، شياطين الجن هم الذين يعلمون شياطين الإنس السحر، والسحر يكون بالرقى الشيطانية والتعوذات الشيطانية والعقد والنفث، كما قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (2) يعني السواحر اللاتي ينفثن في العقد، بكلمات ضالة، خاطئة، يردن بها إيذاء المسحور، ويقع بالتخييل، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (3) فيخيلون للإنسان أن الحبل حية،
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 267
(2) سورة الفلق الآية 4
(3) سورة طه الآية 66(3/272)
والعصا حية، والكلب نوع آخر، والقط نوع آخر إلى غير ذلك، يسميه العامة التقمير، يعني يقمر على العيون، كما قال جل وعلا: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (1) وسحروا أعين الناس، يعني لبسوا عليهم، حتى صار الإنسان ينظر الشيء على غير وجهه، ويظنه غير المعروف، بسبب ما وقع من التلبيس، الذي شوش على العين، حتى ظن الناس أن الحبال والعصي، بسبب سحرة فرعون، ظنوا أنها حيات، واعتقدوا أنها حيات، والساحر يتلقى من الشياطين، قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) هكذا بين سبحانه وتعالى، ثم قال: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} (3) يعني ويعلمونهم ما أنزل على الملكين، {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} (4) يعني الملكين هاروت وماروت {حَتَّى يَقُولَا} (5) للمتعلم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (6) يعني أن الملكين فتن بهما الناس، فلا تكفر بتعاطي السحر، فدل ذلك على أن تعاطي السحر كفر بعد الإيمان، وردة بعد الإسلام إذا كان مسلما؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين، والتقرب إليهم بالذبح والنذر، والاستغاثة والسجود لهم، ونحو ذلك، فيكون الساحر بهذا كافرا مرتدا، لكونه يتعاطى مع الشياطين ما هو من حق الله، من العبادة؛ ولهذا قال
__________
(1) سورة الأعراف الآية 116
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 102
(6) سورة البقرة الآية 102(3/273)
جل وعلا: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} (1) يعني ينصحانه، حتى يقولا له {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} (2) يعني من هاروت وماروت {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (3) يعني يتعلمون من الملكين أشياء من السحر تلبس على الزوج والزوجة، حتى يعتقد الزوج أن المرأة هي التي ساءت حالها وتغيرت طباعها، حتى يبغضها ويطلقها، وهكذا المرأة يلبسون عليها ويقمرون عليها ويسحرون عينها، بالنسبة إلى زوجها حتى تتخيل أنه غير زوجها وأن صورته تغيرت وحاله تغيرت، فتنكره وتطلب الفراق. قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (4) يعني لا يقع السحر إلا بإذن الله، يعني بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي. لأن الله سبحانه ما أذن فيه شرعا، بل حرمه وحذر منه. ولكنه يقع بإذنه الكوني القدري، كل شيء بقدره، الطهور والإيمان والسحر والقتل والأكل والشرب والموت والحياة، كلها بقدره، كلها بإذن الله وقدره، فلهذا قال سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (5) ، ثم قال سبحانه وتعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (6) ، دل على أن السحر يضر ولا ينفع، والمضرة على الساحر وعلى المسحور جميعا، وشره عظيم، وقدره الله لحكمة بالغة، وابتلاء وامتحان، ثم قال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} (7) يعني: السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (8)
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 102
(6) سورة البقرة الآية 102
(7) سورة البقرة الآية 102
(8) سورة البقرة الآية 102(3/274)
يعني من الجزاء {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} (1) معنى شرى يعني باع، يعني باعوا أنفسهم على الشيطان {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (2) ، ثم قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3) فدل على أن السحر ضد الإيمان والتقوى، وضد الآخرة.
فالواجب على كل إنسان أن يحذره، على كل مسلم أن يحذر السحر ويتباعد عنه، وعن أسبابه وعن أهله، وفي إمكان المؤمن أن يتعوذ بالله من السحرة ويبتعد عنهم بالاعتصام بحبل الله والاستقامة على دين الله، وعدم الركون لهم، وعدم التعلم منهم، ويتحرز من ذلك بالأشياء المشروعة، مثل: آية الكرسي عند النوم وبعد كل صلاة، ومثل: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، بعد كل صلاة وبعد المغرب والفجر ثلاث مرات، وعند النوم ثلاث مرات، كل هذا من أسباب السلامة من السحر، وهكذا كونه يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هذا أيضا من أسباب العافية. فالمؤمن يتحرز من كل شر بما شرعه الله، ومن ذلك السحر، لأنه شر عظيم، خطره كبير، فالواجب على المؤمن أن يحذر كل شر، وأن يتعاطى الأسباب التي جعلها الله أسبابا للسلامة، ويعلم أنها بيد الله سبحانه وتعالى، فلا يضرك ساحر ولا غيره إلا بإذن الله، فالجأ
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) سورة البقرة الآية 103
(3) سورة البقرة الآية 103(3/275)
إلى الله واستقم على دينه، والتزم التعوذات الشرعية والأسباب الشرعية، وبذلك تسلم بإذن الله، ولا يضرك السحرة ولا الشياطين، ومن أسباب السلامة: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، صباحا ومساء، وبسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، صباحا ومساء. هذه من أسباب السلامة من كل سوء، «جاء رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: لدغتني عقرب البارحة، فقال: " أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق، لم تضرك (1) » وقال صلى الله عليه وسلم «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم «من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحا لم يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساء لم يضره شيء حتى يصبح (3) » ، هذه نعمة من الله عز وجل، فعليك يا عبد الله أن تجتهد في التعوذات الشرعية، والأسباب الشرعية،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والتعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والتعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 476(3/276)
وبذلك تسلم من شر أعدائك ومكائد أعدائك، من الشياطين ومن السحرة ومن غيرهم، والله يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (1) ، فأنت مأمور بأخذ الحذر من كل سوء، مما يضرك في الدنيا ومما يضرك في الآخرة، بالتحرزات الشرعية، والأسباب الشرعية في جميع الأحوال.
__________
(1) سورة النساء الآية 71(3/277)
82 - بيان الحكم الشرعي في الساحر
س: هل الساحر الذي يعلم بأنه ساحر، يكفر كفر المعين أم كفر العمل؟ (1)
ج: إذا عرف أنه ساحر فهو كافر عند أهل العلم، يجب قتله ولا يستتاب، ويجب على ولي الأمر ولي أمر المسلمين، أن يقتله لقول الله عز وجل، في الملكين اللذين يعلمان السحر: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (2) يعلمانه: بأن ما يقال لك فتنة، وأنه كفر، فالواجب على العبد أن يحذر السحر، وتعاطيه والعمل به كله شر، وكله ضرر وكله كفر، وقال في السحرة سبحانه:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 28
(2) سورة البقرة الآية 102(3/277)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (1) فدل على أن عملهم ضد الإيمان، وضد التقوى.
فالواجب على ولاة الأمور، إذا عرفوا أن فلانا ساحر، أو فلانة الواجب قتلهم، لما فيهم من الشر ولما في بقائهم من الشر والفساد، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه، أنه كتب إلى عماله في الشام أن يقتلوا السحرة، وثبت عن حفصة أم المؤمنين أنها قتلت ساحرة، كانت عندها تخدمها قتلتها، فالمقصود أن السحرة شرهم عظيم، وفسادهم كبير.
فالواجب على ولاة أمر المسلمين أنهم إذا عرفوا ذلك، وثبت عندهم ذلك، أن يحكموا عليهم بالإعدام، لما في ذلك من الخير العظيم، للمسلمين ولما في بقائهم من الشر على المسلمين.
س: الأخ: آدم من السودان، يسأل عن رجل، يقول إنه سحره ثلاث مرات. واكتشف ذلك السحر. هل له قتله؟ (2)
ج: ليس له قتله، ولكن يحاكمه إلى المحكمة التي عندهم أو إلى أمير بلده، إن كان بلده فيه أمير حتى ينظر في الأمر، وحتى تجرى
__________
(1) سورة البقرة الآية 103
(2) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 138(3/278)
عليهم الأحكام التي تجرى على أمثالهم، إن كانت محكمة شرعية ففيها الكفاية والحمد لله، وإن كانت محاكم قانونية ليست محاكم شرعية طلب من ولاة الأمور أن ينظروا في الأمر، الذي ينصفه من هذا الرجل، هذا الساحر ويزيل عنه السحر، بالطريقة التي ليس فيها ظلم ولا عدوان على أحد، بل بالطريقة التي يرجع فيها لأهل العلم وأهل الشرع، حتى ينظروا في أمرهم وحتى يحكموا بينهم وإن كان في غير محكمة، يعني تحال إلى العالم الشرعي، حتى ينظر في الأمر، أو يصلح بينهم وبينه بصلح يحصل به المقصود، من استسماحه أو إعطائه مالا يرضيه، أو فك السحر بغير السحر عنه، إن كان السحر لا يزال، أو ما أشبه ذلك. المقصود يرجع إلى أعيان الناس وكبار الناس والمسؤولين في البلد، حتى يصلحوا بينه وبينه ويحلوا مشكلته، إن كان ما فيه محكمة شرعية.(3/279)
83- حكم الصلاة خلف من يتعاطى بعض أعمال السحر
س: في قريتنا رجل يحفظ القرآن الكريم كاملا، ويؤم الناس في الصلاة، ولكنه يعمل بعض أعمال السحر، ويقول إنها أعمال حب فقط، أي جمع بين اثنين، فهل تحل الصلاة وراءه، وإن لم يكن فهل ننصرف عنه إلى مسجد آخر؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا عرف أنه يتعاطى السحر يجب أن يرفع أمره إلى المحكمة حتى يستتاب وحتى تحكم المحكمة بما يقتضيه الشرع المطهر، والصواب أيضا أنه لا يستتاب بل يقتل ولا يصلى خلفه، الساحر كافر إذا ثبت السحر عند المحكمة، والمحكمة أعلم بهذا، فارفعوا أمره إلى المحكمة ولا تصلوا خلفه، واطلبوا من المسؤولين في الأوقاف، أن يعينوا بدلا منه، من أهل الخير، ولا يجوز لكم الصلاة خلفه، ولا تركه، بل يجب الرفع عنه، للمحكمة حتى تعمل معه ما يلزم، من جهة إثبات سحره والحكم عليه بما يقتضي الحكم الشرعي فنسأل الله السلامة والعافية.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم 320(3/280)
84 - السحر يؤثر في المسحور بإذن الله تعالى
س: الأخت: هدى، تقول: كيف يؤثر السحر على الناس؟ مع أنه لا يحصل شيء إلا بإذن الله تعالى. وهل يجوز أن أذهب إلى شيخ لأرى، هل من أحد ضرني إذا كنت أشك في ذلك؟ أرجو الإفادة والتوضيح جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، على أن السحر قد يقع بالنسبة إلى بعض الناس، وقد يؤثر في المسحور بإذن الله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (2) فبين سبحانه أنهم قد يضرون به، لكن بإذن الله، بقضاء الله وقدره، ثم قال بعده: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3) يعني باعوا أنفسهم لو كانوا يعلمون، {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 129
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 103(3/281)
هذا يدل على خطر السحر، وأن صاحبه لا خلاق له عند الله، يعني لا حظ له ولا نصيب وأنه ضد الإيمان، وضد التقوى وأنه كفر كما قال عن الملكين إنهما يقولان، لمن يتعلم: إنه كفر فلا تكفر، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (1) يعني لمتعلمه، {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (2) فدل ذلك على أن تعلم السحر وتعليمه، والعمل به كفر نسأل الله العافية، وما ذلك إلا لأنه عبادة للشياطين، وتقرب إليهم بالذبائح والنذور والدعاء والاستغاثة ونحو ذلك، فلا يكون الساحر ساحرا إلا بتقربه للشياطين والجن وعبادتهم من دون الله عز وجل. فقد يقع تأثر في المسحور ببغضه لزوجته، أو بغضها لزوجها إذا كانت هي المسحورة، ولهذا قال سبحانه: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (3) بين المرء يعني الرجل وزوجه يعني زوجته، {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (4) يعني لا يضر السحرة أحدا إلا بإذن الله بمشيئته سبحانه وتعالى. فدل ذلك على أن ما يقع من الضرر بمشيئة الله، ليس من قدرة الساحر بل الساحر سبب، والله جل وعلا هو مقدر الأمور سبحانه وتعالى، وهو الذي قضاها بحكمته وقدره السابق سبحانه وتعالى. وكل ما في الوجود هو بمشيئة الله. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن من كفر وسحر ومعاص وطاعات، كله بقدر الله سبحانه
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102(3/282)
وتعالى وله الحكمة البالغة جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (1) ، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2) ، فالأمور كلها بيده سبحانه وتعالى. ولا يقع منها شيء في هذه الدنيا إلا بمشيئته سبحانه وتعالى وقدره السابق، فالطاعات بقدره السابق، والمعاصي بقدره السابق، والعبد له اختيار وله مشيئة، يفعل ويختار، ويعرف ما يضره وما ينفعه، فهو مؤاخذ باختياره إن اختار ما يضره، كما أنه مثاب إذا اختار ما ينفعه من طاعات الله عز وجل، ولكنه مع هذا تابع لمشيئة الله، كما قال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (3) قال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (4) سبحانه وتعالى، وقد يكون السحر تخييلا وتدبيرا ليس له أثر في بدن الإنسان، كما قال جل وعلا في قصة موسى وفرعون: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (5) فهم أوجدوا حبالا وعصيا أمام الناس فظنها الناس حيات في الأرض، وإنما هي حبال وعصي، لكن خيل للناس أنها حيات لما فعلوا من التزوير، والتضليل على عيونهم بأشياء عرفوها وأقدرهم
__________
(1) سورة الحديد الآية 22
(2) سورة القمر الآية 49
(3) سورة التكوير الآية 28
(4) سورة عبس الآية 12
(5) سورة طه الآية 66(3/283)
الله عليها، حتى ظنها المشاهدون حيات، وخافوا منها، والحقيقة أنها ليست حيات ولكنها حبال وعصي، ولهذا يقول سبحانه: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (1) ، بخلاف يد موسى فإنها حقيقة وبخلاف عصاه، فإنها حقيقة، جعل الله العصا حية تسعى، ثم أعادها سبحانه لصفتها الأولى جل وعلا وهكذا يده جعلها بيضاء ليس فيها مرض ولكنه آية، فعرفت بهذا أيها السائل وأيها المستمع أن السحر له حالان: إحداهما: حقيقية تؤثر في المسحور، بمرض أو قتل أو بغضاء بينه وبين صاحبه، أو بينه وبين زوجته، والحال الثاني: تخييل وتزوير وليس لها آثار في نفس الإنسان، ولكنه يخيل إليه أن زوجته غير زوجته، وأن أخاه غير أخيه، وأن صاحبه غير صاحبه، وهكذا يخيل له أشياء تنفره من صاحبه وتنفره من زوجته، أو تنفرها من زوجها بسبب ما وضعوا من الأشياء، التي شوهت منظر الزوج أو الزوجة، أو الصاحب حتى صار غير حاله الأولى، فوقعت البغضاء والتغير والتكدر لما حصل من التزوير والتخييل من الساحر، بين هذا وهذا. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. له علاج والحمد لله، الله جعل له علاجا من القرآن الكريم، فإن الله جعل في القرآن شفاء من كل داء، فالقراءة على المسحور من آيات الله، التي نزلت في السحر وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، قل هو الله أحد، وسورتي
__________
(1) سورة طه الآية 66(3/284)
المعوذتين، هذه إذا قرئت على المسحور ودعي له بالعافية ينفعه الله بذلك، أو تقرأ في ماء ينفث في الماء آيات السحر، التي في الأعراف والتي في يونس والتي في طه ثم يقرأ معها آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، ثم يشرب منها المسحور أو المسحورة، أو المحبوس عن زوجته ثلاث حسوات، ثم يغتسل بالباقي هذا بإذن الله مجرب لزوال السحر، وزوال الحبس للذي حبس عن زوجته، هذا مجرب وواقع والحمد لله، ومن الدواء النافع المجدي الناجع والحمد لله، وقد يعرف المسحور من سحره، ويكون السحر في مسامير ينظم بعضها في بعض، أو في شعر عقد بعضه في بعض، أو خرق أو أشباه ذلك، وقد يعرفها المسحور فإذا عرفها وأزالها، بطل السحر، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والآيات التي تقرأ من سورة الأعراف قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (1) {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (3) ، ومن سورة يونس: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} (4) {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} (5) {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (6) {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (7) ، وفي سورة طه يقول سبحانه:
__________
(1) سورة الأعراف الآية 117
(2) سورة الأعراف الآية 118
(3) سورة الأعراف الآية 119
(4) سورة يونس الآية 79
(5) سورة يونس الآية 80
(6) سورة يونس الآية 81
(7) سورة يونس الآية 82(3/285)
{قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} (1) {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} (3) {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (4) {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (5) ، فهذه الآيات وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، كلها تقرأ في الماء أو على المسحور أو المحبوس عن زوجته، ويدعى له بالشفاء والعافية، بالدعاء المشهور، الذي علمه النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما (6) » ، وإذا كررها ثلاثا كان أحسن، لأنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا دعا دعا ثلاثا. وهكذا الدعاء المشهور الذي رقى به جبرائيل النبي عليه الصلاة والسلام: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك» هذا أيضا ينبغي أن يكرر ثلاثا، كما فعل جبرائيل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رقاه بهذه الرقية العظيمة. وإذا دعا له معه بدعوات أخرى فلا بأس، من الدعوات الطيبة، قال: اللهم اشفه وعافه، اللهم أبعد عنه السوء، اللهم أبرئه من مرضه ونحو هذا لا بأس، كله طيب.
__________
(1) سورة طه الآية 65
(2) سورة طه الآية 66
(3) سورة طه الآية 67
(4) سورة طه الآية 68
(5) سورة طه الآية 69
(6) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، برقم 2186(3/286)
والسحر لا يقع إلا بمشيئة الله، مثل ما قال سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) ، فالشيء كله بإذن الله وقضائه، إذا أراده سبحانه وقع، وإذا ما أراده لم يقع، ولو فعل الساحر ما فعل وهناك أشياء، ينبغي التحرز منها ومن غير هؤلاء التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق: صباحا ومساء ثلاث مرات، وقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحا ومساء، كل هذا من أسباب السلامة من السحر والعين وغير ذلك، كذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقراءتها عند النوم، كذلك قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين، بعد كل صلاة مرة وبعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، كل هذا من أسباب العافية من كل سوء بإذن الله عز وجل.
__________
(1) سورة البقرة الآية 102(3/287)
85 - حكم إنكار وقوع السحر
س: شيخ عبد العزيز، سمعت من بعض طلبة العلم إنكاره للسحر، حتى إنه قال: ائتوا بالسحرة ليسحروني إن كانوا صادقين، توجيهكم لو سمحتم ولا سيما إذا كانت هذه العبارة من شخص مشهور وله شعبية لا بأس بها؟ (1)
ج: هذا جهل وغلط، هذه العبارات تصدر عن جهل، فقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سحر، وعافاه الله من ذلك وشفاه الله سبحانه وتعالى، هذا شيء معروف وأجمع المسلمون على أنه يقع بإذن الله سبحانه وتعالى، لكن بعضه يؤثر على المريض وبعضه بالتخييل كما تقدم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 129(3/288)
86 - الأوراد والتعوذات الشرعية سبب للعافية والسلامة من السحر
س: فيما يتعلق بالجن أو السحر، وما يحدث بسببهما سماحة الشيخ ماذا ترون من وقاية؟ (1)
ج: السحر قد يقع من الناس لا شك فيه، وهو في الغالب يكون
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 344(3/288)
في عمل من شياطين الإنس الذين ينقلونه عن الجن، فيعقدون عقدا وينفثون فيها بريقهم الخبيث وكلماتهم الشيطانية، فقد يقع بإذن الله ما يريدون، كما قال جل وعلا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (1) {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (2) {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3) {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (4) {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5) هن السواحر اللاتي ينفثن في العقد من الريق الخبيث، والكلمات الخبيثة، والدعوات الخبيثة، فقد يقع ما أرادوا بإذن الله، وقد لا يقع، ولهذا قال سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (6) . فالسحر حق، قد يقع وهو منكر عظيم، والرسول قرنه بالشرك، قال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات "، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: " الشرك بالله، والسحر (7) » ، وفي لفظ قبل الشرك هكذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة، والله جل وعلا قال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (8) هو من تعليم الشياطين ومن تعديهم على بني
__________
(1) سورة الفلق الآية 1
(2) سورة الفلق الآية 2
(3) سورة الفلق الآية 3
(4) سورة الفلق الآية 4
(5) سورة الفلق الآية 5
(6) سورة البقرة الآية 102
(7) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) ، برقم 2767، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 89
(8) سورة البقرة الآية 102(3/289)
آدم وإيذائهم لهم وإيقاعهم في أنواع الباطل، فينبغي للمؤمن أن يتحرز عن ذلك بما تقدم من التعوذات الشرعية من آية الكرسي، ومن قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين بعد الصلوات وقراءتها عند النوم، وقراءة " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " يقول صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2) » ، وجاءه رجل فقال: لقد لقيت كذا وكذا هذه الليلة من لدغة عقرب، أو كما قال الرجل فقال صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك (3) » ، وجاء في حديث آخر أنه قال: «من قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات لم تضره حمة (4) » يعني: سم السموم.
المقصود أن هذه التعوذات جعلها الله جل وعلا سببا للعافية والسلامة من هذه الشرور، فينبغي للمؤمن أن يكون عنده قوة إيمان وثقة بالله وحسن الظن بالله، مع الإتيان بهذه الأوراد الشرعية
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 7838(3/290)
والتعوذات الشرعية، والله جل وعلا هو الكافي المعافي سبحانه وتعالى بيده كل شيء {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (1) ، كذلك الجن التعوذ بالله منهم، من أسباب السلامة، فإن الجن مخلوقون مربوبون، فالذي خلقهم هو الذي يعيذ منهم سبحانه وتعالى، فإذا لجأ الإنسان إلى الله وتعوذ بكلماته التامة من شر ما خلق أعاذه منهم ومن غيرهم، وهكذا آية الكرسي عند النوم من أسباب السلامة منهم ومن غيرهم، وهكذا قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين من أسباب السلامة من كل شر ومن الشياطين أيضا، والله سبحانه هو الخلاق وبيده تصريف الأمور جل وعلا، وبيده الضر والنفع والعطاء والمنع، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحانه وتعالى، قد ذكر عن السحرة أنهم يتعلمون من السحر الذي تفعله الشياطين وتلقيه الشياطين، يفعلون بذلك ما يفرقون بين المرء وزوجه، يعني: يفعلون أشياء تسبب كراهية الزوج لزوجته، أو كراهيتها له حتى يفارقها، ثم قال بعده: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (3) يعني: من حظ ولا نصيب، {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4) {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (5) .
__________
(1) سورة الزمر الآية 36
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 103(3/291)
فدل على أنه خلاف التقوى وخلاف الإيمان، وبين أيضا أنه كفر، قال سبحانه: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (1) ، وهذا يدل على أن تعلم السحر وتعليم السحر واستعماله كفر بعد الإيمان نعوذ بالله؛ لأنه إنما يكون بطاعة الشياطين وعبادتهم من دون الله، فإذا أطاع الشياطين من الجن وعبدهم من دون الله، علموه بعض الأشياء التي تضر الناس، يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سحر فقد أشرك (2) » .
فالمقصود أن السحر من أسباب الشرك؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والاستغاثة بهم، والاستعانة بهم، والتقرب إليهم بذبح أو نذر أو سجود أو غير ذلك، فلهذا حكم العلماء على السحرة بأنهم كفار هذا هو المعروف عند جمهور أهل العلم، أن كل ساحر كافر، وقال بعض أهل العلم: يسأل عن صفة سحره، فإن وصف شيئا يدل على الكفر صار كافرا، وإلا صار من جملة المعاصي، ومن جملة الظلم للناس، وبكل حال هذا المعنى لا يخالف ما قاله الجمهور، فإن مراد الجمهور هو السحر الذي لا يعرف له أسباب تبعده عن الكفر، فالساحر في الغالب إنما يكون ساحرا بخدمته للجن، وعبادته لهم، أما من ادعى سحرا في شيء لا يكون من جنس السحر لكنه قد يضر
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم، باب الحكم في السحرة، برقم 4079(3/292)
الناس في عمل آخر غير عبادة الجن وخدمة الجن وطاعتهم، والاستغاثة ونحو ذلك كأشياء يستعملها من مواد تؤكل أو تشرب أو يدخن بها أو يدهن بها، فتضر بعض الناس هذا من باب الظلم من باب الإيذاء ليست من باب عبادة الجن.
س: ما هي الآيات التي تدفع السحر؟ (1)
ج: ذكر بعض أهل العلم أن من أسباب العافية مما قد يمس الإنسان من السحر ومس الجن وما قد يمسه أيضا من حبسه عن زوجته أن من أسباب الشفاء من ذلك: قراءة آية الكرسي، ينفث بها في الماء، وسورة الفاتحة، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، فإذا قرأ هذه السور، والآية الكريمة آية الكرسي، وقرأ مع ذلك أيضا آيات السحر الموجودة في سورة الأعراف، وسورتي يونس وطه كان ذلك من أسباب الشفاء، إذا شرب من الماء واغتسل به فإنه من أسباب سلامته من السحر، ومن أسباب إطلاقه عن حبسه عن أهله، وآيات الأعراف هي قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (2) {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (4) ، هذه الآيات في الأعراف من
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 76
(2) سورة الأعراف الآية 117
(3) سورة الأعراف الآية 118
(4) سورة الأعراف الآية 119(3/293)
أسباب الشفاء قراءتها في الماء، أو ينفث بها على المريض مع الفاتحة ومع آية الكرسي ومع {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (1) ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين، إما أن ينفث بها على المصاب، وإما أن يقرأها في ماء ثم يشرب منه ويغتسل بالباقي، وفي سورة يونس يقول جل وعلا: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} (3) {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} (4) {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (5) {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (6) ، يعني إما أن يقرأها عليهم وإما بقراءتها في الماء ونحوه، أما آيات طه فهي قوله سبحانه: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} (7) {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (8) {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} (9) {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (10) {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (11) .
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة يونس الآية 79
(4) سورة يونس الآية 80
(5) سورة يونس الآية 81
(6) سورة يونس الآية 82
(7) سورة طه الآية 65
(8) سورة طه الآية 66
(9) سورة طه الآية 67
(10) سورة طه الآية 68
(11) سورة طه الآية 69(3/294)
س: السائل: أ. ر. يقول: كثر في هذه الأيام التحدث عن السحر أعاذنا الله وإياكم منه، فما هي الوقاية الصحيحة من القرآن والسنة حول هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: السحر يقع وهو معروف، ولا شك أنه قد يقع من بعض الناس، والساحر مشرك يجب قتله إذا عرف نسأل الله العافية، قد أمر عمر رضي الله عنه أمراءه أن يقتلوا السحرة، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف (2) » ؛ لأنه كافر يدعو إلى الكفر، وأما التوقي: فالتوقي بالتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، كونه يتعوذ صباحا ومساء بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحا ومساء كما جاءت الأحاديث بذلك، من أتى بهذا كفاه الله شر كل شيء، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحا ومساء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم: ثلاث مرات، كذلك قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين صباحا ومساء ثلاث مرات من أسباب السلامة من السحر وغيره. وهكذا عند
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم 405
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في حد الساحر، برقم 1460(3/295)
النوم يقرؤها ثلاث مرات، آية الكرسي عند النوم من أسباب السلامة من السحر والشيطان قراءتها بعد كل صلاة كل هذا من أسباب العافية والسلامة، نسأل الله السلامة والعافية.(3/296)
87 - بيان ما يتحصن به الإنسان من السحر قبل وقوعه
س: هذا سائل: سماحة الشيخ يقول كيف يتقي الإنسان السحر قبل وقوعه، وما العلاج في ذلك مأجورين؟ (1)
ج: إن المشروع لكل مسلم أن يتقي الشر بالتعوذات الشرعية التي شرعها الله لعباده السحر وغيره فهو مأمور بالتعوذ بالله، ومن ذلك أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحا ومساء، ومن ذلك قوله: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحا ومساء كل هذا من أسباب العافية من كل سوء كما جاءت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن ذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة وعند النوم هي من أسباب العافية أيضا والسلامة ومن ذلك قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين صباحا ومساء ثلاث مرات من أسباب العافية من كل شر، وقراءة هذه السور الثلاث عند النوم مع النفث في الكفين عند
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 422(3/296)
النوم والمسح على الرأس والوجه والصدر هذا من أسباب العافية من كل سوء من السحر وغيره، وهكذا بقية الدعاء: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية (1) » ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام: «اللهم إني أعوذ بك من الشر كله، اللهم إني أعوذ بك من كل داء، أعوذ بك من كل ما يسخطك (2) » ، أو اللهم إني أعوذ بك من كل ما يضرني المقصود يتعوذ بالله من كل شر لكن استعمال التعوذات الشرعية والأدعية الشرعية يكون أفضل وأيضا من العلاج يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تصبح بسبع تمرات من عجوة المدينة لم يضره سم ولا سحر (3) » ، وفي لفظ: «مما بين لابتيها (4) » ، يعني من تمر المدينة كله لم يضره سم ولا سحر، ويرجى في بقية التمر كذلك إذا تصبح بسبع تمرات أن الله ينفعه بذلك أيضا.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3558
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، رقم 3846، بجزء منه
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، باب العجوة، برقم 5445، ومسلم في كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة، برقم 2047
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة، برقم 2047(3/297)
88 - أسباب وقوع المس وضيق الصدر والسحر
س: هذه السائلة تقول: يعاني البعض من الناس من المس أو الضيق في الصدور، أو السحر، ما هي الأسباب يا سماحة الشيخ؟ وما هو العلاج؟ جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الأسباب في الغالب الغفلة عن الله وعدم العناية بالطاعات والأوراد الشرعية أما من كان يستعمل الأوراد الشرعية والتعوذات الشرعية ويستقيم على طاعة الله فالغالب أنه يسلم من هذه الأمور ولا يكون للشياطين عليه سلطان لكن مع المعاصي والغفلة عن الله يبلى بشيء من الشياطين والوسوسة.
والعلاج: التعوذ من الشيطان، والاجتهاد في طاعة الله، وسؤال العافية والاستكثار من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى في الصلاة إذا حصل وسوسة ينفث من يساره ثلاث مرات يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثلاث مرات، ويزول البأس.
فالمقصود: أن العلاج من الوسوسة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله والاستكثار من قراءة القرآن، كل هذا من أسباب العافية، وهناك أوراد شرعية منها أن يحافظ على قراءة آية الكرسي عند النوم، وبعد الصلاة بعد الأذكار الشرعية، ومن
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 370(3/298)
ذلك أن يقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة ويكررها ثلاث مرات صباحا ومساء وعند النوم: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، تكفيه من كل شيء، ومن ذلك قراءة الآيتين من سورة البقرة أول الليل {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} (1) إلى آخر السورة قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «من قرأهما في ليلة كفتاه (2) » ، يعني من كل سوء، ومن ذلك أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من قالها في الصباح لم يضره شيء حتى يمسي، ومن قالها مساء لم يضره شيء حتى يصبح. الإنسان يتعاطى هذه الأمور، يتعاطى هذه الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية، ويبشر بالخير.
س: يقول السائل سمعت أنه لا يجوز علاج السحر ما هو توجيهكم جزاكم الله خيرا؟ (3)
ج: السحر يعالج، السحر نوعان: نوع خيالي كما قال جل وعلا:
__________
(1) سورة البقرة الآية 285
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرا، برقم 4008، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة. . .، رقم 807
(3) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 351(3/299)
{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (1) تقمير على العيون، تقمير لا حقيقة له.
ونوع ثان: حقيقة قد يمرض الإنسان قد يذهب عقله قد يفرق بينه وبين زوجته، فيعالج بالقراءة وبالأدوية الشرعية المباحة.
__________
(1) سورة طه الآية 66(3/300)
89 - بيان الآيات القرآنية التي تبطل السحر
س: سمعت من برنامجكم: بأن تقرأ بعض آيات القرآن الكريم لإبطال عمل السحر، فما هي هذه الآيات؟ وهل يجوز قراءتها من قبل الشخص نفسه أم من قبل شخص آخر؟ (1)
ج: نعم قراءة الآية ينفع الله بها من الشخص نفسه، ومن غيره من أهل الإيمان والتقوى، فإذا ظن الإنسان أن به سحرا أو علم بأنه به سحر، وقرأ على نفسه آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) مع فاتحة الكتاب ومع {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (3) و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (5)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 172
(2) سورة البقرة الآية 255
(3) سورة الكافرون الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة الفلق الآية 1(3/300)
و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) ينفث على صدره، ويقرأ هذه السور والآيات، كل ذلك يفيده إن شاء الله، ومن أسباب عافيته وسلامته من السحر، ويحسن أن يكرر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) والمعوذتين ثلاث مرات، مع النفث على صدره، ويحسن أيضا أن يقرأ آيات السحر، المعروفة في سورة الأعراف وفي سورة يونس وفي سورة طه، يقرؤها أيضا مع ذلك في الماء ويشرب منه، ويغتسل بالباقي كل هذا من أسباب العافية، فإن نفث على نفسه بذلك على صدره بذلك فهذا من أسباب العافية، وإن قرأ ذلك في ماء ثم شرب منه واغتسل به فذلك أيضا من أسباب الشفاء، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر، دقها وجعلها في الماء فذلك أيضا مفيد في علاج السحر. وهكذا في علاج الرجل الذي حبس عن زوجته ينفعه هذا بإذن الله، وإن قرأها غير المصاب، قرأها بعض إخوانه في الله، في ماء وشرب منه واغتسل به، فذلك نافع إن شاء الله، وينبغي أن يختار لذلك من أهل الخير المعروفين بالخير والعلم والفضل، حتى يقرأ هذه الآيات في الماء.
__________
(1) سورة الناس الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1(3/301)
90 - بيان الأذكار الشرعية والعلاجات المباحة لإزالة أثر السحر
س: المرسلة ح. ع. س. ط. من حوطة سدير، تقول: لقد اكتشفنا أن إحدى أخواتي أصيبت بالسحر، بعد أن تعطلت خطبتها، واضطرت للبحث عن علاج لهذا الموضوع، فأجابتها إحدى النساء بأنك مسحورة، وأن مكان السحر تحت عتبة الباب، وتسأل كيف يتقى شر هؤلاء جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: لقد دل القرآن الكريم وهو كلام الله عز وجل، على أن السحر موجود، وبعضه تخييل، وبعضه له حقيقة وأثر، ومن هذا قوله سبحانه في قصة موسى مع السحرة: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) ، ومنها قوله جل وعلا في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3)
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 319
(2) سورة طه الآية 66
(3) سورة البقرة الآية 102(3/302)
فالسحر حقيقة لكن بعضه تخييل وتلبيس، ولا حقيقة له واقعية، كما جرى من السحرة لما فعلوا من التخييل بالحبال والعصي، ويقع بعضه مؤثرا كما ذكر الله في سورة البقرة، أن السحرة يتعلمون منهما من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه، لكن بإذن الله، ولهذا قال سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) ، يعني بعلم الله الكوني القدري، فهذا يدل على أن السحر قد يقع منه ضرر قد يحصل منه شيء من التفريق بين الرجل وزوجته، ولكن كثيرا من الناس قد يتوهم هذا الشيء ويظن أنه سحر وليس بسحر، ولكنها أوهام ووساوس، والصواب في مثل هذا توقي السحر بالتعوذات الشرعية والأذكار الشرعية التي جعلها الله واقية منه، فالمشروع للمؤمن والمؤمنة توقي ذلك بالأسباب الشرعية، ومنها قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وعند النوم، ومنها قراءة قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، بعد كل صلاة وبعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، وعند النوم ثلاث مرات، كل هذه من أسباب الوقاية من السحر ومن شر الشيطان، ومن ذلك أيضا التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق صباحا ومساء، ثلاث مرات، يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ومن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. وهو أن يقول صباحا
__________
(1) سورة البقرة الآية 102(3/303)
ومساء: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. ثلاث مرات، إذا قالها لن يضره شيء (1) » . ثلاث مرات صباحا وثلاث مرات مساء، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، من حديث عمر رضي الله عنه، أن من قالها ثلاث مرات صباحا، لا يضره شيء حتى يمسي، ومن قالها مساء لم يضره شيء حتى يصبح، ومن ذلك أخذ ورقات سدر أخضر سبع ورقات تدق وتجعل في ماء ويقرأ فيها آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وإذا قرأ الفاتحة، فحسن لأن الفاتحة أم القرآن، ولها شأن عظيم وهي أفضل السور، ويقرأ فيه أيضا آيات السحر في سورة الأعراف، ومن سورة طه، وسورة يونس. الأعراف قوله جل وعلا: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (2) {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (4) ، وفي سورة يونس يقول سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} (5) {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} (6) {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (7) {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (8) . ومن
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 476
(2) سورة الأعراف الآية 117
(3) سورة الأعراف الآية 118
(4) سورة الأعراف الآية 119
(5) سورة يونس الآية 79
(6) سورة يونس الآية 80
(7) سورة يونس الآية 81
(8) سورة يونس الآية 82(3/304)
سورة طه يقول سبحانه: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} (1) {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} (3) {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (4) {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (5) . وينفث أيضا في الماء: اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، أي لا يترك سقما، ثلاث مرات، ويقول أيضا: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك ثلاث مرات بسم الله أرقي فلانا أو صاحب هذا الماء، بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك بسم الله أرقيك، يقوله ثلاث مرات، كل هذا حسن، وإذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات حسن، ثم يشرب من هذا الماء حسوات، ويغتسل بالباقي، يصب عليه ماء يكفي للاغتسال ويغتسل بالباقي، والغالب بإذن الله أنه يزول الأثر، إن كان هناك سحر حقيقي، يزول بإذن الله وهكذا المحبوس عن زوجته، ينفعه هذا العلاج أيضا، يغتسل به، ويشرب منه ثلاث حسوات، ويغتسل بالباقي، فإن زال الأثر وحصلت العافية، فالحمد لله وإلا يشرع له أن يعيد الغسل مرتين أو ثلاثا أو أكثر، حتى يزول الأثر من سحر أو حبس
__________
(1) سورة طه الآية 65
(2) سورة طه الآية 66
(3) سورة طه الآية 67
(4) سورة طه الآية 68
(5) سورة طه الآية 69(3/305)
عن الزوجة، والغالب أنه يزول في المرة الأولى، وقد يحتاج له مرة ثانية أو ثالثة والحمد لله العلاج بحمد الله ميسر فأنا أنصح بهذا العلاج، من ظن أنه مسحور أو أنه مصاب بعين، أو محبوس عن زوجته والله جل وعلا جعل هذا من أسباب الشفاء سبحانه وتعالى، وإذا قرأ على نفسه آية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، ومسح على رأسه وصدره ووجهه عند النوم، فهذا ينفع أيضا، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى قرأ في كفيه: قل هو الله أحد والمعوذتين، ينفث في كفيه ثلاث مرات، يمسح بكل مرة على وجهه وصدره ورأسه هذا ينفع بإذن الله، وإذا قرأ معها آية الكرسي كان أيضا من أسباب الشفاء، كل هذه أدوية شرعية، من أصيب بشيء مما يكره، من مرض أو حبس عن الزوجة، أو ظن أنه مسحور أو وجد بغضاء بينه وبين زوجته، فيستعمل هذا والغالب بإذن الله أن الله ينفعه بذلك، وليكن صابرا ويرضى بما عند الله، ويعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه هو الشافي المعافي من كل سوء وأنه يصرف العباد كيف يشاء، فليحسن ظنه بربه، ويسأله سبحانه أن ينفع بالأسباب، ويضرع إليه جل وعلا، وهو القائل سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) فليضرع إلى الله صادقا، وليسأله أن يشفيه ويعافيه، وأن ينفع بهذه الأسباب، وهو سبحانه الجواد الكريم، القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (2)
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(2) سورة البقرة الآية 186(3/306)
وهو القائل سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يشفي مريضهم من كل سوء، وأن يفقههم لكل ما ينفعهم في الدين والدنيا.
س: لقد ذكر السحر في كتاب الله، وهذا يؤكد كل التوكيد أن السحر شيء لا بد أن نؤمن بوجوده، وهذه هي مشكلتي أنا أبلغ من العمر ثماني وعشرين سنة، ولم أتزوج بعد وعندي شك بأنني مسحورة، ما هو الطريق الذي أسلكه حتى يبتعد عني ما أخافه، جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: هذه يا بنتي أوهام، لا ينبغي لك أن تعتقديها، هذه أوهام وليست سحرا، ولكنها الأوهام التي تصيب الناس إذا تعطل شيء من شؤونهم، توهموا أشياء فلا ينبغي لك أن تعتقدي هذا، نعم، السحر موجود وله أسباب، لكن ليس تعطل الزواج أو تعطل بيع السلعة، أو طول المرض يدل على السحر، فقد يقع بأسباب أخرى، وإذا كنت شعرت من أحد، أنه فعل شيئا أوجب لك ما يضرك تعالجي، والحمد لله، العلاج موجود في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فأحسن علاج
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) السؤال الثامن من الشريط رقم 126(3/307)
وأولى علاج القرآن الكريم، وتلاوة الآيات والنفث بها، على المسحور فإن هذا من أسباب شفاء الله، فقد جعل كتابه شفاء من كل داء، وشفاء من كل سوء، كما قال عز وجل: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1) وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3) فالقرآن كله شفاء، ولا سيما إذا قرأه القارئ المؤمن، المعروف بالاستقامة إذا قرأه على المريض، ونفث عليه ودعا له، فلا شك أن هذا من أسباب الإجابة، قد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرقي بعض أصحابه، بل رقاه جبرائيل فالرقى معروفة، والحديث: «لا رقية إلا من عين أو حمة (4) » يعني لا رقية أولى وأشفى إلا من عين أو حمة، والعين عين العائن والحمة سم ذوات السموم، فالسحر مثل ذلك إذا ظنت المرأة أنها مسحورة، أو الرجل ذكر عائنا رجلا أو امرأة، فليستعن بما شرع الله من الدعاء، وسؤال الله العافية، ولا مانع أن يستعين ببعض أهل العلم، المعروفين بالخير في القراءة عليه، والنفث عليه وذلك من
__________
(1) سورة فصلت الآية 44
(2) سورة يونس الآية 57
(3) سورة الإسراء الآية 82
(4) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو. . .، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة، برقم 220(3/308)
أسباب الشفاء، ومن أسباب الشفاء أيضا قراءة آيات السحر التي في سورة الأعراف، ويونس، وطه في إناء به ماء ثم يقرأ معها آية الكرسي، وقل هو الله أحد والمعوذتين، ثم يشرب من هذا الماء ثلاث حسوات، ثم يغتسل بالباقي هذا مجرب في زوال السحر، إذا كان موجودا عنده سحر، ومجرب في شأن الرجل إذا حبس عن زوجته، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر جعلها في الماء كان ذلك من أسباب الشفاء، نبه على هذا كثير من أهل العلم، ونبه عليه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتاب فتح المجيد، في شرح باب ما جاء في النشرة، المقصود أن هذا بحمد الله مثل سائر الأمراض له علاج، فالعلاج من أعظم الأسباب التي يشفي الله بها العبد، إذا صدق وأخلص لله، وحسنت نيته وضرع إلى الله، وسأله العافية هو سبحانه قريب مجيب، وهو القائل {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ، والله المستعان.
س: يسأل هذا المستمع ويقول: هل توجد آيات من القرآن الكريم، معينة تقرأ على المسحور والذي به مس، ومن أصيب العين، هل هم سواء؟ (2)
ج: القرآن كله شفاء، ولكن من أنفع ذلك الفاتحة، كونه يقرأ
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم 435(3/309)
الحمد سبع مرات يكررها وآية الكرسي وآيات السحر التي في الأعراف ويونس وطه والشعراء، آيات، كل هذا من أنفع العلاج مع قراءة: (قل هو الله أحد) ، والمعوذتين ثلاث مرات، كل هذا من العلاج العظيم، وكل القرآن شفاء كل ما قرأ فهو من أسباب الشفاء والعافية لكن هذه بوجه أخص من أعظم أسباب الشفاء، الفاتحة تقرأها سبع مرات، آية الكرسي كذلك، آيات السحر التي في طه وغيرها، في سورة يونس وغيرها، وفي سورة الشعراء كل هذه من أسباب الشفاء مع قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين.(3/310)
91 - حكم الذهاب إلى السحرة والمنجمين والمشعوذين من أجل العلاج
س: الأخ: م. ع. من جدة يتكلم عن امرأة، يقول: أرسل إلى سماحتكم هذه الرسالة، والتي أرجو أن أسمع الرد عليها في أسرع وقت ممكن لأنني مريضة، وقد أشير علي أن أعمل بعض الأعمال التي أشك في عدم جوازها، لذلك سارعت بالإرسال إليكم. امرأة لا تحب أن تعمل في بيتها أي شيء، مهملة لنفسها ولزوجها، ولبيتها، بسبب لا يد لها فيه، مرض ليس كالأمراض التي تعالج في المستشفيات وقيل لها: إنه معمول لها سحر، فلا بد من(3/310)
إخراجه إذا دفعت مبلغا من المال، فماذا تعمل؟ هل تذهب إلى ساحر، أو كاهن، أو عراف وتزيل هذا المرض؟ أم تبقى مريضة طيلة حياتها؟ وهل يجوز الذهاب لمن يفك ويحل السحر، إذا كان على البرهان، كما يقال؟ وهل الشيوخ الذين يقرءون القرآن، على الماء والزيت والذين يخنقون مرضاهم ويقولون: هذا، أو هذه معهما جني لا بد أن يخرج بالضرب، أو بالخنق، ولا يأخذون مالا على هذا العمل؟ هل يجوز الذهاب لهم؟ وإذا وجد شخص مسحور، معمول له في بيته، ماذا يعمل به؟ يحرقه في النار أم يدسه في التراب، أم يرميه في البحر؟ وما حكم من يقول ممكن أن أكون أنا مسحورا، هل يكفر أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: أولا: ليس لمن يظن السحر في نفسه أن يذهب إلى السحرة والكهنة ليسألهم، لا يجوز له أن يتعاطى هذا عند السحرة أو الكهنة أو المنجمين، الرسول صلى الله عليه وسلم منع من إتيانهم، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » ، وقال: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 257
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230(3/311)
أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام (1) » ، وليس للرجل ولا للمرأة إتيان السحرة، يقول عليه السلام: «ليس منا من سحر أو سحر له أو تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له (2) » ، ولكن على من ظن السحر في نفسه أو اتهم بالسحر أن يعالج بالقرآن والدعوات الطيبة، والأدوية النافعة المباحة، هذا هو الواجب، والحمد لله. إذا فعل ذلك يزول السحر بحمد الله، وقد جربنا هذا كثيرا وعلمه وجربه أهل العلم والبصيرة، فهو يزول بالقراءة وبالأدوية النافعة، بل كتبنا رسالة في هذا توزع، واستعملها كثير من الناس ونفع الله بها، فمن أرادها وجدها في دار الإفتاء في المكتب عندنا، يأخذها ويستعمل ما فيها من الدعوات والقراءة، أو يستعمل ذلك له أخوه أو أبوه، أو زوجها إن كانت امرأة، أو أخوها، وهكذا أنت أيتها السائلة في إمكانك أن ترسلي من يأخذ هذه النشرة، التي فيها البيان بالآيات والدعوات، التي تفعل وتفعلينها أنت، أو يفعلها زوجك أو أخوك أو أبوك، ويزول هذا السحر إن شاء الله. والعلاج بما شرع الله هو الواجب، ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، سبحانه وتعالى، علمه من علمه وجهله من جهله. والله جعل كتابه العظيم شفاء لكل داء، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (3) فإذا قرأ به المصاب أو قرأ عليه غيره من أهل الإيمان والتقوى نفع الله بذلك، آية الكرسي، قل يا أيها الكافرون، قل هو الله
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844
(3) سورة فصلت الآية 44(3/312)
أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، آية السحر في سورة الأعراف، سورة طه، في سورة يونس إذا قرئت على من أصيب بالسحر، مع النفث، نفعه الله بذلك، أو في ماء ثم شرب منه وتروش به، نفعه الله بذلك. وهذا بيناه في النشرة التي ذكرنا لك آنفا، وإذا وجد شيء يدل على أنه أداة السحر، يمزق، يتلف إذا وجد شعر معقد، أو خيوط معقدة أو أشياء أخرى يظن أنها من عمل الساحر، فإنها تتلف، يجب إتلافها بإحراقها وإتلافها ويبطل السحر، بإذن الله. وإذا ذهب المسحور إلى من عرف بالخير والقراءة ليقرأ عليه، أو امرأة معروفة بالخير وذهبت إليها المرأة، وقرأت عليها، كل هذا طيب. أما الذهاب إلى السحرة والمنجمين والمشعوذين والمتهمين فلا يجوز أبدا بل هو منكر. نسأل الله لنا ولك العافية والسلامة.(3/313)
92 - مسألة في حكم الذهاب للعلاج عند السحرة
س: يسأل هذا المستمع ويقول: رجل أصيب بمرض، وقد عالج بالدواء وقراءة القرآن، ولم يشف، ولقد أشار عليه البعض بالذهاب إلى أحد السحرة، وعلل بأنه إذا لم يشف فالذهاب للسحرة لا بأس به، فما الجواب؟ (1)
ج: هذا منكر لا يجوز، الرسول نهى عن ذلك وقال: «من أتى
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 431(3/313)
عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (1) » عليه الصلاة والسلام، والحديث الآخر: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له (2) » ، وكذلك في الحديث الآخر: «ثلاث لا يدخلون الجنة، مدمن الخمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر (3) » .
فالواجب على المسلم الحذر من ذلك، وأن يقرأ القرآن ويذهب إلى العلماء الأخيار، قراء القرآن الطيبين، ويسأل ربه الشفاء والعافية، يلجأ إلى الله في سجوده وفي الليل، وفي آخر الليل، وفي آخر الصلاة، يسأل ربه العافية والشفاء، أما الذهاب إلى العرافين، أو الكهنة أو المنجمين أو السحرة فكله منكر والعياذ بالله.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري، برقم 19075(3/314)
93 - حكم الذهاب إلى السحرة لسؤالهم والعلاج عندهم
س: السائل: أبو هاجر من الخرج يقول: هل يجوز للإنسان أن يذهب للعلاج عند السحرة، وذلك في الضرورة القصوى؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ (1)
ج: لا يجوز للمسلم أن يذهب إلى السحرة والكهنة، لا لسؤالهم، ولا للعلاج، يجب الحذر منهم وعدم تصديقهم وعدم إتيانهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من المجيء إلى السحرة والكهنة والعرافين، وقال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (3) » صلى الله عليه وسلم.
فالواجب الحذر من السحرة وغيرهم: من الكهنة والعرافين وغيرهم ممن يتكلم في الأمور بالطرق الغيبية ويتخرص، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال التاسع والأربعون من الشريط رقم 392
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/315)
94 - بيان الوعيد الشديد في المجيء إلى السحرة وتصديقهم
س: إن أبي وعمي يذهبون إلى السحرة، ويصدقونهم وقد نهيتهم عن ذلك، ولكن لم يستجيبوا لنهيي فكيف بي وأنا ساكن معهم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الواجب عليك الاستمرار في النصيحة لهم وتحذرهم من ذلك، فإن امتنعوا فينبغي لك بل واجب عليك الخروج منهم والانتقال إلى محل آخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ليس منا من سحر أو سحر له (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (3) » ، رواه مسلم في الصحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (4) » صلى الله عليه وسلم، هذا وعيد عظيم، الساحر من العرافين، وأشد من الكهنة وأخبث، فيجب الحذر من المجيء إليهم وسؤالهم.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 298
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(4) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/316)
95 - حكم التداوي عند السحرة ونحوهم.
س: هل يجوز التداوي من عند الساحر، أو من عند الكاهن، وهل هذا يعد من الشرك المحبط للعمل أم لا؟ (1)
ج: لا يجوز التداوي من عند السحرة والكهنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان السحرة والكهنة، قال لا تأتوهم، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (2) » رواه مسلم في الصحيح، الكاهن والمنجم والساحر والرمال، وأشباههم وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (3) » ، عليه الصلاة والسلام، وقال: «ليس منا من سحر أو سحر له، وليس منا من تكهن أو تكهن له (4) » ، فلا ينبغي للمؤمن أن يأتي العرافين، ولا الكهنة ولا المنجمين بل يحذرهم، غاية الحذر، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، سؤالهم منكر وليس من الشرك، لكنه منكر وتصديقهم في علم الغيب، وأنهم يعلمون الغيب، هذا كفر أكبر، لأن علم الغيب إلى الله تعالى، إذا زعم أن أحدا يعلم الغيب،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 38
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844(3/317)
الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره، فهو كافر لأن علم الغيب إلى الله تعالى، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1) ، فالغيب عنده سبحانه وتعالى ليس إلى غيره.
__________
(1) سورة النمل الآية 65(3/318)
96 - حكم علاج السحر بسحر مثله
س: هل يصح أن يعالج السحر بسحر؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا (1)
ج: السحر لا يعالج بالسحر، لأن السحر إنما يتوصل إليه بعبادة الشياطين، ودعائهم من دون الله والتقرب إليهم بالعبادات، والسحر: من أعظم المحرمات، بل من المحرمات الشركية، فلا يجوز حل السحر بسحر، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة، قال هي من عمل الشيطان، وهي النشرة التي كان يعتادها أهل الجاهلية، وهي حل السحر بالسحر، فلا يجوز حل السحر بالسحر، بل يجب أن يحل بشيء آخر من الرقية الشرعية، والأدوية الشرعية، هكذا نص أهل العلم، ولا يجوز أبدا أن يحل بالسحر الذي هو تقرب للشياطين وعبادة لهم، وعمل يسخط الله عز وجل.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 214(3/318)
س: الأخ: م. غ. ص. بعث برسالة يقول فيها: جاءني رجل، وقال لي: إن في بيتي ثعبانا، وإنه يستطيع أن يخرجه، وبالفعل ذهب إلى أحد الغرف، وطرق بعصاه على جدارها فخرج له ثعبان عظيم. كما أنه أخرج من بيت جاري عدة ثعابين، ولا أدري هل هذا نوع من السحر، أم أنها مزية يخص الله بها بعضا من عباده؟ نرجو توجيهنا جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا أعلم في هذا شيئا، إذا كان قد جرب في إخراجه الثعابين، لأنه يتكلم بدعاء يدعو به الله عز وجل، ويسأل الله عز وجل أن يخرجها أو عمل واضح ظاهر، ليس فيه شبهة، يفعله مع الثعابين حتى يخرجها من البيت أو من المزرعة أو من كذا، هذا لا حرج في ذلك أما إذا كان يتهم بالشعوذة، أو بالسحر أو بطاعة الجن، أو استخدام الجن فهذا يمنع ولا يستعان في هذه الأشياء، أما إن كان عمله بارزا ظاهرا، يدعو الله، يقول: اللهم أخرجه، اللهم اكفنا شره اللهم سلطني عليه، يعني كلمات يعقل منها أنه لا حرج في كلامه، ولا محذور في كلامه ولا يرى الناس منه شيئا يخالف ذلك فلا بأس بذلك، لأن الله قد يعين بعض الناس على مثل هذه الأمور، بصدق إيمانه وصدق دعائه لله عزل وجل، فلا مانع من ذلك إلا أن يرى منه شيء يدل على الريبة فيمنع.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 167(3/319)
97 - بيان أن ضرب الجسم بالسيوف والسكاكين أعمال سحرية وشعوذة
س: الأخ: ع. ص. م. من العراق، يقول: حيرني، وحير جميع أهلي، قضية رأيناها، وهي: تقام في قريتنا بعض الاحتفالات والموالد، وأرى بعض الأشخاص يقومون بأعمال غريبة جدا، وهي أن يقوم بعض الأشخاص بضرب أنفسهم بسيف أو الخنجر، وتقطيع أيديهم وأصابعهم، هل هذه الأفعال معقولة؟ وهل هي من عمل الشيطان؟ ونوع من السحر والشعوذة؟ وإذا كانت من عمل الشيطان، كيف نرى أن الشخص الذي يقول لهم: إن هذا العمل غير صحيح، وأنه سحر وشعوذة يصاب في اليوم التالي بمرض خطير لا يشفى منه، إلا إذا اعتذر منهم، وجهونا شيخ عبد العزيز لأنها فتن ابتلينا بها جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه الأشياء التي ذكرها السائل، من كون بعض الناس يقيمون أعيادا واحتفالات، ويعملون أعمالا منكرة من تقطيع أيديهم وأصابعهم ونحو ذلك، وأن من أنكر عليهم ذلك قد يصيبه بعض الأمراض، كل ذلك من عمل الشيطان، وكل ذلك من تزيينه للناس حتى يطيعوه، وحتى يعملوا ما يدعوهم إليه من طاعة الشيطان، وعصيان الرحمن،
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 167(3/320)
وهذه الأعمال التي يفعلها هؤلاء المخرفون، هؤلاء يقمرون على الناس ويسحرون أعينهم، فيظن الناس أنهم قطعوا أيديهم أو قطعوا أرجلهم، أو أصابعهم وليس شيء من ذلك، كله كذب وكله سحر، كله مخرج من الملة كما قال الله في قصة السحرة مع موسى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (1) فالساحر قد يسحر الناس، حتى يرى الحبل حية ويرى العصا حية، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) .
المقصود أن هذه الأعمال أعمال سحرية وشعوذة وباطل، والواجب إنكارها على أهلها، وعلى الحاكم الإسلامي والحاكم العاقل، الذي يريد صلاح جماعته وصلاح رعيته، أن يمنع هؤلاء وأن يقضي عليهم بالقوة، حتى لا يعودوا لمثل هذه الأعمال الخبيثة، كما أن عمل الأعياد والاحتفال بالأعياد، مولد فلان أو فلان كل ذلك لا أصل له، كله من البدع التي أحدثها الناس، وليس في الإسلام أعياد لمولد فلان أو مولد فلان، وإنما فيها الأعياد الشرعية: عيد الفطر، وعيد الأضحى، والاجتماع في موسم الحج في عرفة، وأيام النحر هذه أعياد المسلمين، أما عيد مولد فلان أو عيد مولد فلان أو مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أو مولد الحسين أو مولد فلان، كل ذلك لا أصل له، كل ذلك مما أحدثه الناس وابتدعه الناس بعد القرون المفضلة،
__________
(1) سورة الأعراف الآية 116
(2) سورة طه الآية 66(3/321)
فالواجب على المسلمين ترك ذلك والتوبة من ذلك، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والرجوع إلى ما شرعه الله، وجاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، فالخير كله في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والشر كله في مخالفة هديه، وما كان عليه أصحابه رضي الله عنهم، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » يعني فهو مردود، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ويقول: " أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » ، زاد النسائي بإسناد حسن: «وكل ضلالة في النار (4) » ، وفي حديث العرباض بن سارية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم 1718
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، برقم 7277، ومسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم 867
(4) أخرجه النسائي في كتاب صلاة العيدين، باب كيفية الخطبة، برقم 1578(3/322)
رضي الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (1) » .
ووصيتي لإخواني في كل مكان في العراق وفي كل مكان، ترك هذه الأعياد المنكرة، والاكتفاء بالأعياد الإسلامية، وأن تكون اجتماعاتهم في درس القرآن والأحاديث النبوية، والعلم النافع في الأوقات المناسبة، من الليل والنهار للتعلم والتفقه في الدين، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (3) » ، أما اجتماع باحتفال مولد فلان أو فلان، فهذا بدعة يجب الحذر منها، وتركها والتعاون في ذلك بالأسلوب الحسن: بالنصيحة الطيبة حتى يفهم المؤمن والمؤمنة الحقيقة، ويكون الاجتماع لطاعة الله ورسوله، للعلم والتفقه في الدين، للتعاون على البر والتقوى، أما الاحتفال بمولد فلان أو فلان أو فلان، فهذا كله من البدع التي لا تجوز، وأعظم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الخلق وأفضلهم، ولا يجوز الاحتفال بمولد لم يشرعه عليه الصلاة والسلام، ولو كان الاحتفال بمولده مشروعا لفعله صلى الله عليه وسلم، ولعلمه الناس وعلمه أصحابه، ولفعله أصحابه بعده وعلموه الناس، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه بدعة ولم يكن هذا مفعولا في
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699(3/323)
القرون المفضلة، القرن الأول والثاني والثالث، بل حدث بعد ذلك في القرن الرابع، وما بعده من بعض الناس، ووصيتي لجميع إخواني المسلمين، في كل مكان ترك هذه البدعة، وهي بدعة الموالد، والحرص على التفقه في الدين، وحضور حلقات العلم، في أي وقت، يتعلم ويتفقه، يقرأ القرآن، يتعلم التفسير يقرأ السنة ويسأل أهل العلم في الحلقات المعتادة، من الليل والنهار لطلب العلم والتفقه في الدين، أما إقامة احتفالات الموالد، فهذا كله لا أصل له، وأما هؤلاء الصوفية المخرفون الذين يطعنون أنفسهم بالسلاح، بالسيوف، أو بالخناجر أو يقطعون أيديهم أو أصابعهم، فيما يراه الناس فكل هذا منكر وكله تزييف وكله سحر وكله تضليل، فيجب الإنكار عليهم ومحاربة أعمالهم، وهجرهم والتحذير منهم والاستعداء عليهم، من جهة ولاة الأمور حتى يمنعوهم من هذا العمل الباطل، الخبيث المنكر. نسأل الله للجميع الهداية.
س: ينوه صاحب الرسالة في نهايتها، إلى أن من أنكر عليهم أنه يصاب بمرض شديد، وهذه فتنة كما وصفها؟ (1)
ج: هذا يقع ببعض الناس، وهذا من عمل الشيطان، لأن الشياطين تدعو إلى هذه المسائل، تدعو إلى هذه المنكرات وهذه
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 167(3/324)
الاجتماعات الباطلة، وربما أصابوا من أنكرها بشيء من الأذى، حتى لا ينكر المنكر ولكن متى اعتصم بحبل الله، ومتى اعتصم بدين الله، واستعاذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وتوكل على الله لا يضره الجن ولا يضره الشياطين، ولا يضره أحد، فعلى المنكر أن يخلص لله، وأن يستعين بالله وأن يعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإذا استعان بالله واعتمد عليه وسأله العافية كفاه شر الشياطين، ولا ينبغي له أن يتأثر بذلك، فالشياطين من الجن مثل شياطين الإنس، يتعاونون على الإثم والعدوان، ويؤذون من أنكر عليهم بالباطل، حتى يستمروا في باطلهم، فلا ينبغي للمؤمن أن يتأثر بذلك، بل ينكر المنكر وإن أصابه شيء ففي سبيل الله، بعض الأنبياء قد قتل فكيف بك أنت يا أيها المؤمن التابع للأنبياء، عليك أن تتحمل وأن تصبر وأن تستعين بالله، وأن تعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وأن تفعل الأسباب التي تستطيعها، وأبشر بالخير، أبشر بأنهم لن يضروك شيئا، وسوف يبطل الله كيدهم ويرد كيدهم في نحورهم، إذا اعتصمت بالله واستعنت به، وتوكلت عليه وأخذت بالأسباب النافعة.
وهذا: له صلة وثيقة بالاعتقاد وصلة وثيقة بتعاون الشياطين شياطين الإنس وشياطين الجن، على من أنكر المنكر حتى يردوه عن ذلك، وحتى يضعفوه، ولكن متى استقام على طاعة الله، واستعان بالله(3/325)
وصدق مع الله، كفاه الله شرهم، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) ، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (2) .
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 4(3/326)
98 - بيان أن التولة من أنواع السحر
س: ما حكم من يزور الأولياء أو السادة، ويطلب منهم حاجته، أو يكون عنده مريض مصروع، علما أن الأولياء يذبحون للجن، وما حكم من اضطر إلى ذلك بسبب الصرع أي الجنون، وما حكم من يعمل المحبة والكراهية بين الزوجين؟ (1) .
ج: هذه أمور خطيرة فإن زيارة الأولياء والصالحين أو الأنبياء، ليطلبهم ويستغيث بهم وينذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، وهكذا من يسمون السادة، كونه يزورهم ليستغيث بهم أو ليسألهم المدد والعون عند قبورهم، أو بعيدا من قبورهم، كل هذا منكر كل هذا من الشرك الأكبر، فالذي يستغاث به والذي يطلب الشفاء منه، هو الله وحده سبحانه وتعالى، أما الذهاب إلى السادة أحياء أو أمواتا، يطلب منهم أن يشفوا مريضه فيعتقد فيهم أنهم يشفون المرضى، وأن لهم سرا أو
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 124(3/326)
يطلب منهم عند قبورهم أو يسألهم المدد، والعون أو شفاء المريض أو إغناء الفقير أو ردع الظالم أو ما أشبه ذلك، من الأمور هذا معناه يعتقد فيهم أنهم يتصرفون، فيكون عمله كفرا أكبر، وهذا عمل المشركين مع اللات والعزى نعوذ بالله من ذلك، فالواجب الحذر من هذا، والبعد عنه لأنه شرك أكبر، وهكذا الذبح للجن والتقرب إليهم بالذبائح شرك أكبر، أو الذبح لأصحاب القبور كالبدوي والحسين أو ابن علوان، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم ممن قبلهم وبعدهم، ويذبح لهم يتقرب إليهم، ليشفوا مريضه أو ليقضوا حاجته أو ليدفعوا عنه الظلم أو يردوا ضالته أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر وهكذا قول: المدد المدد، المدد المدد هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله السلامة، وهكذا سؤال من يدعي الكهانة عن حاجات، هذا لا يجوز أيضا، فإن صدقه في دعوى علم الغيب كان الشرك أكبر، فإنه يوجد من يدعي علم الغيب بواسطة النجوم، والنظر في سيرها واجتماعها وافتراقها، وهذا يسمى المنجم هذا إذا صدق في دعوى علم الغيب كان كفرا أكبر، وهكذا الكاهن الذي له رئي من الجن، أصحاب من الجن يستحضرهم ويسألهم، فإذا صدقهم الإنسان فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، لأن الرسول قال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (1) » صلى الله عليه وسلم، يعني صدقه في علم الغيب، لأن هؤلاء يدعون علم
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252(3/327)
الغيب، بما يحصل لهم من الأخبار من أصحابهم من الجن، فيظن الظان أنهم عندهم شيء من علم الغيب، فيصدقونهم فيما يدعون، وهذا خطر عظيم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه، أنهم كفار بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا من يتعاطى أسباب العطف والمحبة، يعني يتعاطى أشياء يسمونها الصرف والعطف، يعني يحبب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، وهو نوع من السحر ويسمى التولة كما ذكر في الحديث: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (1) » . فالتولة معناها أن تعمل المرأة أو الرجل ما يسبب بغض الزوج لامرأته، أو بغضها لزوجها وذلك بواسطة الجن، ودعائهم والاستغاثة بهم ونحو ذلك، حتى يتسلطوا على هذا الرجل، أو على المرأة بأشياء تجعلها تبغض زوجها، أو تجعله يبغض زوجته وينفر منها، هذا من أقبح المنكرات، وظلم للعباد ومع ذلك هو في نفسه شرك لأنه إنما يتوسل إليه بواسطة الجن، ودعائهم والاستغاثة بهم. نسأل الله العافية، فقد جمع بين الشرك والظلم للعباد. نعوذ بالله.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 2604(3/328)
س: هناك من يدعي أنه يتعامل مع الملائكة وليس مع الجن، فهل يجوز ذلك؟ (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، ومن أين له أن يعلم ذلك، هذا لا أصل له، فإنه قد يشتبه عليه الأمر، وقد يدعي الجني أنه ملك، والجني لا يؤمن: فيهم الفساق وفيهم الكفار، لا يؤمنون في أن يقولوا كذا وكذا.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 204(3/329)
99 - بيان حكم الطرق والعيافة
س: تقول السائلة: أم عبد الرحمن جدتي امرأة كبيرة في السن وليس عندها ما تشتغل به وقت الفراغ وتتسلى بما يسمى الخط علما بأننا نصحناها كثيرا بالابتعاد عن هذا الخط، لكنها تقول: بأنها أخذت ذلك من باب التسلية ولا أصدق ما يأتي فيه، وتقول: بأن السيدة فاطمة رضي الله عنها، كانت تتسلى به فهل هذا صحيح؟ وما يجب عليها ونلاحظ أن هناك أمورا تقولها فتحدث في الواقع، فما تفسير ذلك مأجورين؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إن كان الخط عن اعتقاد أنه يقع شيء، هذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 374(3/329)
هو الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم وسماه من السحر قال: «إن العيافة والطرق من الجبت (1) » . فالمقصود أن الطرق في الأرض والخطوط في الأرض إذا كان لمقصد أن تستعلم بها بأمور الغيب وتريد أن هذا يفيدها في شيء من الغيب، هذا باطل وهذا من أعمال الجاهلية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن العيافة والطيرة والطرق من الجبت (2) » ، من الواجب على المؤمن ترك ذلك، أما إذا كانت الخطوط من باب العبث من باب التسلي، خطوط تخطط في الأرض للتسلي والعبث وليس عن عقيدة فهذا لا يضر، كونها تتسلى بخطوط أو بأحجار تصنعها وتلعب بها أو ما أشبه ذلك، هذا كله لا بأس، هذا كله من باب التسلي والعبث ليس عن اعتقاد شيء، أما أن تخط أو تعمل بحصى أو بودع أو غيره، تعتقد أن هذا يكون فيه، يترتب عليه شيء هذا لا يجوز، لأن هذا من عمل السحرة ومن عمل العرافين ومن عمل الجاهلية ولا يجوز، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طرقا: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت (3) » قال عمر: الجبت: السحر والطاغوت: الشيطان، قال بعضهم الجبت معناه الشيء الذي لا خير فيه، والشر لا خير فيه، فإذا فعلت ما يفعله جهال العرب، وهي العيافة إذا مر بهم طائر أو رأوا حيوانا، مقطوع الذنب،
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين حديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، برقم 15485
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين حديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، برقم 15485
(3) أبو داود الطب (3907) ، أحمد (5/60) .(3/330)
تشاءموا ورجعوا عن أهوائهم، هذه الطيرة هذه العيافة التي أنكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، يقال: عاف يعيف إذا زجر الطير أو " خير يا طير " أو رجع عن قصده أو توقف عن قصده هذا كله من العيافة من التشاؤم منكر، وهكذا الطرق الخط في الأرض إذا كان يتعلم علوم الغيب أو يظن أن هذا يعطي شيئا من علم الغيب، فهذا من الجبت من الشيء الذي لا خير فيه ومن أعمال السحر المنكرة فلا يجوز كما تقدم وأما ما تقوله عن فاطمة فلا أعلم له أصلا، ما أذكره عن فاطمة رضي الله عنها، هذا لا أعلم له أصلا.(3/331)
100 - حكم استعمال وقراءة كتب السحر والتنجيم
س: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا استعمال وقراءة كتب السحر والتنجيم حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولن: إذا لم تستعمل فيما يضر فليس في ذلك حرام. أرجو الإفادة وفقكم الله؟ (1)
ج: هذا الذي قاله السائل حق، يجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب إتلافها لأنها تضر المسلم وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «من اقتبس شعبة من
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 16(3/331)
النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد (1) » ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (2) ، فدل على أن تعلم السحر والعمل به كفر فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلم السحر والتنجيم وأن يتلفوها أين ما كانت هذا هو الواجب ولا يجوز لطالب العلم ولا غيره أن يقرأها أو يتعلم ما فيها أو غير طالب العلم كذلك ليس له أن يقرأها ولا يتعلم ما فيها ولا يقرها لأنها تفضي إلى الكفر بالله فالواجب إتلافها أين ما كانت كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم، مثل شمس المعارف وأشباهها يجب إتلافها.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد، مسند عبد الله بن العباس، برقم 2836
(2) سورة البقرة الآية 102(3/332)
101 - حديث: "تعلموا السحر ولا تعملوا به" لا أصل له
س: ما رأي الدين الإسلامي في الأساليب والطرق السحرية، التي تنتشر في بعض الكتب في المكتبات، والتي تغري كل شاب لقراءتها والعمل بما فيها؟ وخصوصا أن هناك حديثا شريفا يقول: "تعلموا السحر ولا تعملوا به". فكيف يمكن تعلم السحر وعدم العمل به؟ أرجو الإجابة عن هذا الاستفسار جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الكتب التي تعلم السحر يجب إتلافها والقضاء عليها، ولا يجوز تعلمها ولا العمل بما فيها، وهذا الحديث الذي ذكره السائل لا أصل له، بل هو حديث غير صحيح: "تعلموا السحر ولا تعملوا به"، هذا باطل ليس له أصل، هذا الحديث الذي ذكره السائل ليس له أصل، والذي عليه أهل العلم أنه لا يجوز تعلم السحر، ولا العمل به. بل يجب الحذر من ذلك، لأن تعلمه وتعليمه كفر؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين من دون الله، والاستغاثة بالجن ونحو ذلك، والله ذكر عن الملكين في سورة البقرة، قال سبحانه: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (2) فبين أن تعلمه كفر فدل ذلك على أن تعلم السحر من أمور الكفر. فالواجب على كل مسلم أن يحذر
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 190
(2) سورة البقرة الآية 102(3/333)
ذلك، وألا يتعلم السحر، وألا يذهب إلى السحرة والكهنة والمنجمين، ولا يجوز له سؤالهم، ولا تصديقهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (1) » رواه مسلم في الصحيح، وإن لم يصدقه. قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء ولم يقل: فصدقه، فدل ذلك على أن سؤاله لا يجوز , وتصديقه أكبر في الإثم , فلا يسأله ولا يصدقه، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام (2) » فلا يجوز إتيان الكهان، وهم الذين يدعون علم الغيب، ولا العرافين الذين يدعون علم الغيب بالمقدمات يدعونها، وأشياء يدعونها. كل هذا باطل. فلا يجوز سؤالهم، ولا يجوز تصديقهم. ولا يجوز شراء الكتب، التي فيها علومهم. بل يجب إتلافها وإحراقها.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رضي، برقم 9252
(2) الترمذي الطهارة (135) ، أبو داود الطب (3904) ، ابن ماجه الطهارة وسننها (639) ، أحمد (2/429) ، الدارمي الطهارة (1136) .(3/334)
باب ما جاء في الكهان ونحوهم(3/335)
باب ما جاء في الكهان ونحوهم
102 - حكم الذهاب إلى الكهان والمنجمين والعرافين
س: الأخ: ع. م. د. يسأل عن الكهان والمشعوذين، حيث انتشر أمرهم حتى بين الطلبة في الامتحانات، وبين أولئك الذين يبحثون عن عمل ولا يجدون، فهؤلاء يكتبون لهم أوراقا ويأمرونهم بأشياء وأشياء يعتقدون من ورائها أنها ستكون مجلبة للعمل، ويرجون من سماحة الشيخ التوجيه جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام حكم الكهان والمنجمين والعرافين ومن في حكمهم ممن يدعي علم الحوادث وعلم المستقبل بالتنجيم أو بضرب الحصى أو بغير هذا من الطرق الخفية التي يزعم أنها تطلعه على علم الغيب، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم هؤلاء أنهم لا يجوز أن يؤتوا، ولا أن يسألوا ولا أن يصدقوا، فقد ثبت في
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 165(3/337)
صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (1) » هذا الحديث الصحيح يدل على تحريم مجرد السؤال من دون تصديق، فكيف إذا كان مع التصديق، فلا يجوز سؤال الكهان ولا إتيانهم ولا تصديقهم، وفي الحديث الثاني يقول عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (2) » أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له (3) » .
فالذين يدعون علم المغيبات، أو الحظ أو الكف، أو متى ينجح فلان، أو متى يقبل في وظيفة أو غير هذا، من هؤلاء وأشباههم كل ذلك مما حرم الله سؤالهم إياه واللجوء إليهم أو تصديقهم، وإنما المؤمن يسأل ربه التوفيق والتسهيل والتيسير، يسأل ربه أن يقضي له حاجته من نجاح في اختبار، من حصول وظيفة تنفعه إلى غير ذلك، أما إتيان الكهان الذين يدعون علم الغيب بأي طريقة فلا يجوز
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844(3/338)
إتيانهم، ولا سؤالهم ولا تصديقهم؛ لما ثبت في حقهم من الأحاديث الصحيحة التي سبق بعضها، والله المستعان.(3/339)
103 - بيان عقوبة الكهنة والعرافين
س: يوجد أشخاص يقال لهم عرافون، ويدعون أنهم يعرفون علم الغيب، ما حكم الدين في ذلك، وهل يمكن تصديقهم؟ (1)
ج: العرافون الكهنة والسحرة لا يجوز تصديقهم، ولا سؤالهم ولا إتيانهم، بل يجب الحذر منهم والإنكار عليهم، ويجب على ولاة الأمر من المسلمين تتبعهم وعقابهم بما يردعهم وأمثالهم، وإذا ادعوا علم الغيب يستتابون فإن تابوا وإلا قتلهم ولي الأمر؛ لأن دعوى علم الغيب كفر أكبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » ، هذا مجرد سؤال من دون تصديق، فكيف إذا صدقه، فإذا صدقه صار الإثم أعظم، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (3) » ، فإذا صدقه في العلم للغيب كفر مثله، فالذي يدعي
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 192
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/339)
علم الغيب، أو يصدق من يدعي علم الغيب يكفر كفرا أكبر نعوذ بالله، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، يعني يستتيبه ولي الأمر، السلطان أو نائبه من القضاة، فإن تاب وإلا قتل كافرا، نسأل الله العافية، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له (1) » .
فهؤلاء لا يسألون ولا يؤتون ولا يصدقون، بل يجب الإنكار عليهم، والتحذير منهم كما تقدم، وفق الله الجميع.
__________
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط ج5، برقم 4844(3/340)
104 - حكم سؤال الكاهن والعراف
س: ما حكم من لجأ إلى المشعوذين الذين يدعون أن لهم القدرة على رفع بعض الأمراض العقلية، عن بعض الناس وقد لجأ إليهم بعض الناس وشفي من مرضه، ويقال إنهم يستعينون بالجن في ذلك، فما جزاؤهم عند الله وما حكم من لجأ إليهم؟ (1)
ج: من لجأ إلى المشعوذين وسؤالهم عما ابتلي به بعض الناس من الأمراض لا يجوز، وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 29(3/340)
«من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل منه صلاة أربعين يوما (1) » خرجه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنا - وفي لفظ - عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (2) » ، في أحاديث أخرى والعراف والكاهن ونحوهما هو الذي يدعي علم الغيب بواسطة الجن، هذا يقال له: عراف، ويقال له: كاهن، فلا يجوز فعل هؤلاء ولا يجوز إتيانهم بل يجب ترك سؤالهم، ومن سألهم وأتاهم يستحق أن يؤدب ويعزر حتى يدع ذلك، وكذلك هم والكهان والعرافون يجب أن يزجروا ويؤدبوا ويمنعوا من أعمالهم هذه ويستتابوا مما فعلوا ومن دعواتهم أنهم يعرفون ما يصيب الناس بواسطة من يتوسطون به من الجن، هذا كله باطل وكله منكر، أما كون بعض الناس قد يشفى فهذا قد يكون عن أمراض سببها له الجن وشياطين الجن ثم إذا قرب إليه وتقرب إليهم هذا الذي يدعي أنه طبيب يتقرب إليهم بما يريدون قد يزيلون ما فعلوه بأنفسهم من أسباب مرض هذا الشخص.
فالحاصل أنهم قد يتعاطون أشياء تؤذي الإنسان فإذا اتصل بهم من يعبدهم ويخدمهم أزالوا ذلك الشيء الذي يفعلونه، فيسكن المرض، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لامرأته لما كانت تذهب إلى يهودي فيرقيها ويرقي عينها، قال لها: إنه الشيطان ينخسها بيده، فإذا قرأ عليك ذاك اليهودي كف عنها النخس والألم.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252.(3/341)
فالمقصود أن الذين يدعون أنهم يتصلون بالجن ويسألونهم عن بعض الحاجات هؤلاء لا يسألون ولا يصدقون بل يجب أن يبتعد عنهم المسلم ويحذرهم، وعلى ولاة الأمور إذا عرفوهم أن يزجروهم ويؤدبوهم حتى يمتنعوا من هذه الأعمال، وإذا كانوا يدعون الغيب يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كفارا؛ لأن دعوى علم الغيب كفر، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.(3/342)
105 - حكم تصديق الكهان والعرافين.
س: ما حكم الذهاب إلى الكهان والعرافين، وتصديق ما يقولون؟ فلدي أخ يذهب إليهم، ويستشيرهم في ذلك، أفتونا مأجورين؟ (1)
ج: هذا منكر عظيم، لا يجوز الذهاب إلى الكهان والعرافين والمنجمين لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم زجر عن هذا وقال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (3) » ،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 376
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/342)
وقال: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له (1) »
فالواجب الحذر من هذا العمل، وعدم السماح بذهابه إليهم، ونصيحته وتوجيهه؛ لأن هذا قد يجره إلى شر عظيم، قد يصدقهم، وقد يسألهم. فالواجب الحذر، لا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، نسأل الله العافية.
س: السائل: ح. م. س. من سوريا يقول: هل يجوز للمؤمن أن يذهب إلى عراف من أجل مشكلة ما اشتكى منها؟ علما بأن هذا العراف يفتتح بالقرآن الكريم، فأريد منكم التوجيه مأجورين؟ (2)
ج: العرافون: هم الذين يدعون علم المغيبات، وعلم الحوادث بطرق غير شرعية، هؤلاء لا يؤتون يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (3) » رواه مسلم في الصحيح، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (4) » عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز إتيان العرافين ولا الكهنة، ولا المنجمين ولا السحرة، ولا يجوز سؤالهم
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج18، برقم 355
(2) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 410
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(4) أخرجه الإمام أحمد، مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/343)
ولا تصديقهم، بل يجب الحذر منهم، والإنكار عليهم ورفع أمرهم إلى الجهات المسؤولة حتى يعاقبوا بما يستحقون.(3/344)
106 - حكم من مات وهو يصدق بعض أخبار الكهنة جهلا منه
س: والدتي كانت تصدق السحرة والكهان والمشعوذين ولكنها كانت لا تعلم أن هذا حرام، وفيه إثم عظيم، وتوفيت وهي على جهلها بذلك، فهل يلحقها إثم، وهل يجوز لي أن أحج عنها، عسى الله أن يغفر لها، مع العلم أنها كانت تصوم وتصلي، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: إذا كانت والدتك موحدة تعبد الله وحده، ولا تتعلق بأصحاب القبور، ولا تدعوهم من دون الله، ولا تستغيث بالأولياء والأنبياء، ولكنها قد تصدق بعض السحرة بما يخبرون به، أو بعض الكهنة عن جهل منها، فنرجو أن إسلامها باق، إذا كنت لا تعلم منها ما يوجب كفرها من دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو أن السحرة يعلمون الغيب، أما إن كانت تصدق أن السحرة يعلمون الغيب، أو تدعو الأموات أو تستغيث بالأموات، كابن علوان وغيره فهذا كفر أكبر، لا
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 201(3/344)
يدعى لها ولا يحج عنها، أما إذا كنت تعلم منها أنها لا تفعل ذلك، بل هي موحدة لا تعبد إلا الله، ولا تدعو إلا الله، ولا تعتقد أن أحدا يعلم الغيب، ولكنها قد تصدق بعض أخبار المشعوذين الذين يسمون بالسحرة أو الكهنة جهلا منها فلا حرج في الحج عنها والدعاء لها إن شاء الله.(3/345)
107 - حكم من يدعي معرفة أحوال الموتى وما يعرض لهم من عذاب أو نعيم
س: الأخ: أ. أ. ع. ع. يقول: يوجد في بلادنا بعض الرجال والنساء يدعون أنهم في أثناء الليل ينزلون إلى القبور، أو بمعنى أصح أنهم يعلمون من أقوال الموتى، وماذا يعانون في قبورهم من العذاب، إذا كانوا مذنبين أو من نعيم، إذا كانوا صالحين، ويقولون أيضا لأهل الميت: إن ميتك فلانا كذا وكذا، وهو يعذب في القبر بسبب سيئة أصابها وعليك أن تقضي عنه دينه، وحاول أن تكفر عنه. أفيدونا عن هؤلاء هل يتكلمون بالصدق، أو أنهم من المشعوذين الذين يريدون ابتزاز أموال الناس، جزاكم الله عنا خيرا، وإذا كان هؤلاء يتكلمون افتراء وكذبا فما يجب علينا نحوهم؟ (1)
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 144(3/345)
ج: هؤلاء يعتبرون من الكذابين والمشعوذين والذين يريدون أن يبتزوا أموال الناس بالباطل، أو أن يعظمهم الناس ويقولون عنهم إنهم يعلمون الغيب، هذا لا يعلمه إلا الله، والله أخفى عن الناس عذاب المقبورين ونعيمهم، فالذي يدعي أنه يعرف المعذب من المنعم كذاب أشر، يجب أن يهجر ويزجر ويعاقب، إن كان في دولة مسلمة حتى يتوب من عمله السيئ، ولا يصدق ولا يلتفت إليه بالكلية؛ لأنه مجرم كاذب، نسأل الله السلامة والعافية.
س: تسأل المستمعة من اليمن وتقول: البعض من الناس، يزعمون بأنهم يشاهدون الموتى، وما آلوا إليه، وما آل إليه مصيرهم، ويقومون بإخبار أهل الميت، أين مصير أبنائهم، أو ميتهم ويخبرونهم بأن الميت يقول لهم أن يفعلوا أشياء يذكرونهم بها، فهل هذا العمل صحيح؟ وما نصيحتكم سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا باطل، وهؤلاء كذابون، ودجالون، ومن ادعى هذا فهو كافر، يدعي أنه يعلم الغيب، هذا لا يجوز، هذا باطل، ولا يصدقون، والعياذ بالله، فلا يعلم حال الموتى ومنازلهم عند الله، إلا الله سبحانه وتعالى، لكن المؤمن يرجى له الخير، والكافر إلى النار
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 396(3/346)
نسأل الله العافية، والمؤمن مشهود له بالخير ومصيره إلى الجنة، لكن أخبارهم وأنه جرى عليهم كذا، وأن منازلهم في الجنة كذا، هذا لا يقوله عاقل، هذا كذاب، ولكن المؤمنون موعودون الجنة، ومنازلهم الجنة، وأرواحهم في الجنة في شكل طير، أرواحهم تكون طيورا في الجنة، كما جاء في الحديث، والشهداء تكون في أجواف طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فمن يقول: إنه يعلم أحوال الموتى وما هي شؤونهم ومنازلهم بأنه يشاهد ذلك فهذا كذاب دجال يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل.(3/347)
108 - حكم سؤال المنجمين والرمالين وأصحاب الشعوذة
س: ينوه الأخوان من خوفهما على عقيدتهما عند اللجوء إلى أولئك الذين يجسمون الأمور، وقد يتكهنون بأشياء، فما توجيه سماحتكم ولا سيما فيما يتعلق بخوف الناس من السحر ومن الجن؟ (1)
ج: أما ما يتعلق بسؤال الكهنة والمنجمين والعرافين والرمالين وأشباههم من أصحاب الشعوذة ودعوى علم الغيب، ودعوى أنهم يدركون أشياء بواسطة الجن ما أدركها غيرهم، هذا كله لا يجوز,
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 76(3/347)
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم ونهى عن سؤالهم، «سئل عن الكهان عليه الصلاة والسلام فقال: " إنهم ليسوا بشيء (1) » ، «وقال: لا تأتوهم (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (3) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (4) » صلى الله عليه وسلم. هذا يدل على أن هؤلاء لا يؤتون ولا يسألون ولا يصدقون؛ لأن عمدتهم الخرص والتكهنات التي لا أساس لها، أو الاعتماد على ما يقوله الجن، وخرافات الجن وشياطينهم، فلا ينبغي أن يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الكهان قد يصدقون، قال: «إنهم يصدقون في كلمة، ويكذبون في مائة (5) » ، وفي لفظ آخر: «في أكثر من مائة (6) » ،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم، برقم 7561
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، برقم 23250
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(5) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228
(6) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228(3/348)
وبين عليه الصلاة والسلام أن هذه الكلمة التي يصدقون فيها هي التي يسمعونها من السماء، يسمعها مسترقو السمع من السماء من الملائكة فيكذبون معها الكذب الكثير، في إحدى الروايات: «فيكذبون معها مائة كذبة (1) » ، وفي اللفظ الآخر: «"فيكذبون ويزيدون"، وفي بعضها: "فيكذبون أكثر من مائة كذبة"، فيقال: قد صدقوا في كذا وكذا، فيصدقون بسبب تلك الكلمة التي سمعت من السماء (2) » .
والناس من عادتهم الميل إلى الشعوذة، وإلى كل ما يظنون أنه ينفع، فيتشبثون بكل شيء، والمريض يتشبث بكل شيء أيضا، فبهذه يصدقون الكهنة والمنجمين في كذبهم الكثير لأسباب أنهم قد صدقوا في واحدة، أو نفعوا في واحدة أو ثنتين مثلا، وهذا كله من طبيعة البشر الميل إلى من ظنوا أن عنده شيئا، ولا سيما إذا كان قد عرف أنه نفع، ولو في واحدة، فيتعلقوا به ويصدقوه في كل شيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم 3210
(2) البخاري تفسير القرآن (4424) ، ابن ماجه المقدمة (194) .(3/349)
109 - حكم من أرغمه والده للذهاب إلى الكهنة
س: يقول السائل: إن له أختا كانت مع رجل وطلقها بسبب والدته، ثم إنها بعد الطلاق أصيبت بحالة مرضية، أرغمه والده ووالدته إلى الذهاب بها إلى أحد الأشخاص يعتقد أنه مشعوذ، ومنذ ذلك الوقت وهو يفكر في أمره، ويرجو من سماحتكم توجيهه كيف يتصرف؟ وهل يكون قد وقع في الإثم؟ (1)
ج: نعم لا يجوز له ذلك، ليس له طاعة والديه فيما حرم الله، والذهاب بأخته لمشعوذ لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان الكهان، وعن سؤالهم، والمشعوذين من العرافين والمنجمين والكهنة، فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم، وإذا أمره بذلك والده لم يجز له طاعته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الطاعة في المعروف (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (3) » . فيعتذر ويقول: يا والدي هذا لا يجوز، لكن نذهب بها لمن يقرأ عليها من
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 249
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم 7145، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، برقم 1840
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم 1098(3/350)
الطيبين، أو امرأة صالحة تقرأ عليها، رجل صالح يقرأ عليها، بدون خلوة أو إلى الطبيب، أما إلى المشعوذين من كهنة ومنجمين وسحرة ونحو ذلك فهذا لا يجوز، فإنه لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم بالكلية، بل يجب على ولي الأمر أن يمنعهم من ذلك، وأن يؤدبهم حتى يرتدعوا عن تعاطي العلاج، لذا عليك التوبة والندم، والعزم ألا تعود في هذا الشيء، وإذا صدقت التوبة بالندم على الماضي والإقلاع من الذنب، والعزم الصادق ألا تعود فيه، فإن الله يغفر لك سبحانه وتعالى، والإنسان إذا قلق من أجل خوف الله والرغبة فيما عنده فهو على خير عظيم.
س: كما توقعنا في حلقة ماضية شيخ عبد العزيز أن هناك عددا من السادة المستمعين سيسألون عن هؤلاء الكهان والدجالين، هذا هو المستمع إ. م. ف. يسأل أيضا عن هذا الموضوع، ويبدو أن القضية موجودة حتى في السودان، فهم يتعلقون بهم ولا سيما أولئك الذين ابتلي بعض أقاربهم بالمرض أو بضياع شيء من الأموال وما أشبه ذلك، ويرجو التوجيه جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: سبق التنبيه على هذا وأنه لا يجوز لأي مسلم أن يسأل الكهنة
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 165(3/351)
والمنجمين والعرافين والمشعوذين الذين يدعون علم الغيب أو يعرفون بأشياء تدل على ذلك، فمن كان يتهم بذلك أو يعرف بذلك لا يسأل ولا يصدق، بل يلتمس أهل الخير والعلم والإيمان، حتى يقرأ على المريض ينفث على المريض أو الطبيب المعروف بالحذق والفهم، يسأل عن المرض الطبيب المعروف، أما الكهان والمنجمون والرمالون والمشعوذون والعرافون وكل من يدعي شيئا من أمور الغيب ويزعم أنه يعرف هذا بكذا وكذا منهم، فهذا كله منكر يجب الحذر منهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (1) » ، وقال صلى الله عليه وسلم «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام (2) » .
فالأمر عظيم، «وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكهان، قال: " لا تأتوهم وليسوا بشيء (3) »
فالكاهن والعراف والرمال ونحوهم يدعون علم الغيب بأمور وأشياء يشبهون بها على الناس ويخدعون بها الناس، من ضرب بالحصى أو سؤال عن اسم أمه، واسم فلانة وفلانة، أو غير ذلك من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228(3/352)
الأسئلة التي يزعمون بها أنهم يعلمون الغائب، أو يعلمون كذا وكذا من أسباب مرضه، غير الطريقة المعروفة من سؤاله عن صفة المرض، وأسباب المرض الذي أصابه، حتى يهتدوا إلى علاج، الذين يدعون أشياء خارجة عن ذلك من جهة النجوم أو من جهة اسم أمه أو من جهة الأشياء التي لا تعلق لها بالمرض، هذا كله من أمارات أنهم مشعوذون، وأنهم كهنة يجب الحذر منهم، وإنما يؤتى المعروف بالخير والاستقامة والدين، ومن يتعاطى طبا واضحا ليس فيه شبهة، وليس فيه ما يوهم دعوى علم الغيب، أو كلمة الجن أو دعاء الجن أو هبة الجن، نسأل الله العافية.
س: نسمع كثيرا عن الكهنة والمنجمين، فما صحة ديانة من يذهب إليهم، والإيمان بأقوالهم، ذلك بأنهم يأتون بما يثبت الصحيح، فمن ذلك أنهم يخبرون المرء باسم قريب له من أقاربه، ويصفون له منزله، وربما وصفوا له ما عنده من المال والأولاد، أرجو من سماحتكم التوجيه وفقكم الله؟ (1)
ج: هذا موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبله وبعده، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان وعن سؤالهم، قال عليه الصلاة والسلام:
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 76(3/353)
«من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (1) » رواه مسلم في صحيحه، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (2) » صلى الله عليه وسلم، وسأله بعض الناس عن إتيان الكهان، قال: «لا تأتوهم، وقال: ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله إنهم يصدقون في بعض الأحيان، قال: «تلك الكلمة يسمعها الجني المسترق للسمع من السماء فيقرها في أذن وليه من الإنس، وهو الكاهن والساحر فيصدق تلك الكلمة، ولكنهم يقذفون ويزيدون عليها مائة كذبة» وفي رواية «أكثر من مائة كذبة» ، فيقول الناس إنه صدق يوم كذا وكذا، فيصدقونه بتلك الكلمة التي سمعت من السماء وتكون وسيلة إلى تصديقه في كذبه الكثير.
فالكهان لهم أصحاب من الشياطين من الجن، فالكاهن هو الذي له رئي، يعني صاحبا من الجن، يخبره عن بعض المغيبات وعن بعض ما يقع في البلدان، وهذا معروف في الجاهلية وفي الإسلام، هو الكاهن الذي له صاحب من الجن يشعره ويخبره عما يلقاه من شياطينه وإخوانه فيقول: جرى كذا وقع كذا في البلدة الفلانية؛ لأن الجن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب قول الرجل للشيء ليس بشيء. . .، برقم 6213 وأخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/354)
يتناقلون الأخبار فيما بينهم، والشياطين تتناقل الأخبار فيما بينها، فيخبر بعضهم بعضا بسرعة هائلة، من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام، إلى مصر إلى نجد إلى أمريكا، إلى أي مكان بينهم تناقل للأخبار، فلهذا قد يغتر بهم من يسمع صدقهم في بعض المسائل، وكذلك قد يعرف الشيطان قريب هذا المبتلى، أخاه، عمه، من الشياطين التي بينهم، كل إنسان منا معه شيطان، معه قرين من الإنس وقرين من الجن، كل واحد من بني آدم، فالشياطين يخبر بعضها بعضا ويدل بعضها على عورات بعض، وتخبر عما عندهم من المال، ما عندهم من الأولاد، ما عندهم من الأثاث، كل هذا يقع بين الناس، وقد يسترقون السمع، فيسمعون بعض ما يقع في السماء بين الملائكة مما يتكلم الله به جل وعلا من أمور أهل الأرض وما يحدث في الأرض فيتسامعون تلك الكلمة فإذا سمعوها قروها في أذن أصحابهم من الكهنة والسحرة والمنجمين فيقول المنجم والساحر والكاهن سوف يقع كذا، سوف يقع كذا عن تلك الكلمة التي سمعت من السماء، ولا يكتفي بهذا بل يكذب معها الكذب الكثير، حتى يروج بضاعته، وحتى يأخذ أموال الناس بالباطل، بسبب هذا الكلام الذي ينقله إليهم، سوف يجري كذا، سوف يقع كذا، فإذا صدقه في موضوع نقل الناس هذا الصدق الذي وافق فيه الخبر الذي وقع في السماء أو وافق فيه الحوادث التي وقعت في بعض البلدان، فعند هذا الناس يغلب عليهم(3/355)
تصديقهم بسبب هذه الحوادث فيقولون صدق في يوم كذا، صدق في كذا، صدق في كذا، والمرضى يتعلقون بخيط العنكبوت، ويتشبثون بكل شيء، فلهذا يأتون الكهنة ويأتون المنجمين ويأتون السحرة بسبب ما قد يسمعون عنهم أنهم صدقوا في كذا وصدقوا في كذا، فالواجب عدم إتيانهم وعدم سؤالهم، وعدم تصديقهم، ولو قدر أنهم صدقوا في بعض الشيء، الواجب تركهم بالكلية؛ لأن الرسول نهى عن إتيانهم، ونهى عن سؤالهم، ونهى عن تصديقهم، فالواجب على المسلمين ألا يصدقوهم، وألا يسألوهم، وألا يأتوهم بالكلية، هذا هو الواجب على الجميع، وأن يسلكوا في علاج المرضى ما شرعه الله من القراءة والدواء المباح ونحو ذلك مما يعرفه الأطباء، فبين الأطباء وبين القراء الذين يرقون المرضى ويعرفون بإسلامهم ودينهم، هذه هي الأسباب الشرعية والوسائل الشرعية، أما إتيان الكهان والمنجمين والرمالين والعرافين وسؤالهم هذا منكر لا يجوز، نسأل الله العافية والسلامة.(3/356)
س: من خلال ما يعرض على سماحتكم من الرسائل من الإخوة المسلمين هنا وهناك، يلاحظ أن الأمة في حاجة إلى توعية أكثر وأكثر، ولا سيما فيما يتعلق بهؤلاء الدجالين والنصابين، الذين يبتزون أموال الناس بكلام لا أساس له، ولا توثيق لديه، نرجو من سماحتكم التوجيه كيف نرتفع بمستوى الأمة، حتى تدرك أن هؤلاء لا صحة لما يدعونه؟ (1)
ج: لهذا نص النبي صلى الله عليه وسلم على التحذير منهم، من هؤلاء النصابين والكذابين، فقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » فهذا تحذير شديد من العرافين الذين يدعون علم المغيبات، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (3) » صلى الله عليه وسلم، وقال: «ليس منا من سحر أو سحر له، وليس منا من تكهن أو تكهن له، وليس منا من تطير أو تطير له (4) »
فالواجب على الأمة أن تحذر هؤلاء الكذابين والنصابين والدجالين، وألا تصدقهم وألا تسألهم، وإنما تسأل عما شرع الله لها، وما حرم الله عليها، تسأل أهل العلم، هكذا الأمة تسأل أهل العلم؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (5)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 317
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج18، برقم 355
(5) سورة النحل الآية 43(3/357)
أهل الذكر هم أهل القرآن، وهم أهل الحديث الشريف، فعلى الإنسان المحتاج للسؤال من رجل أو امرأة عليهما سؤال أهل العلم، أهل الذكر الذين عرفوا بالعلم النافع، معرفة القرآن والسنة وأحكام الشرع، الرجل يسألهم والمرأة تسألهم، عن طريق الهاتف، عن طريق نور على الدرب، من طريق المكاتبة، ومن طريق حلقات العلم، أما النصابون الدجالون والسحرة والكهنة فهؤلاء لا يجوز سؤالهم أبدا، ولا يجوز تصديقهم أبدا؛ لأنهم كذبة فجرة، وبعضهم قد يكون كافرا إذا ادعى علم الغيب يكون كافرا، نسأل الله العافية، وكذا الساحر الذي يعبد الشياطين ويتقرب إليهم هو من الكفرة أيضا.
فالحاصل أن الواجب على المسلمين أن يحذروا هؤلاء الدجالين العرافين من الكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم أبدا، وإذا أراد الإنسان أن يسأل فليسأل أهل العلم، علماء الشرع، علماء القرآن والسنة، يسألهم عما أشكل عليه من أحكام الله، عن الحلال والحرام، يسألهم عن رؤياه إذا كان له رؤيا، يجب أن يسأل عنها أهل العلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) فسؤال أهل العلم هو المطلوب، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » ،
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، برقم 1893(3/358)
المسلم يدل على الخير، يوصي بالخير، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » ، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » ، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه أنكر على قوم أفتوا بغير علم، وقال: «ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال (3) » أي سؤال أهل العلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، برقم 336(3/359)
110 - حكم صاحب الودع وقارئة الفنجان
س: ما رأيكم فيما يقوله صاحب الودع وقارئة الفنجان، وقراءة الكف، ما حكم هذه الأشياء؟ (1)
ج: كل هذه بدعة، كل هذه أمور لا صحة لها، صاحب الفنجان وقراءة الكف، والرمي بالودع، أي الضرب بالودع، أو بالحصى كله من تعاطي علم الغيب، كله باطل منكر ولا صحة له، بل هو دجل وكذب
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 39(3/359)
وافتراء، ويدعون علم الغيب، بأشياء أخرى غير هذا كذبا، وإنما يعتمدون على ما يقول لهم أصحابهم من الجن، فإن بعضهم يستخدم الجن، ويقول ما تقول له الجن فيصدقون ويكذبون، يصدقون في بعض الأشياء التي اطلعوا عليها في بعض البلدان، أو سرقوها من السمع، ويكذبون في الغالب، والأكثر يكذبون ويتحيلون على الناس حتى يأخذوا أموالهم بالباطل وهكذا من جنس الذين يخدمونهم، قد يكذبون أيضا ويفترون فيقولون هذا كذا وهذا كذا وهم كذبة، إنما يأكلون أموال الناس بالباطل، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.(3/360)
111 - حكم استعمال نثر الودع
س: توجد امرأة تقوم بنثر الودع أمامها، وتخبر أنه سوف يحدث كذا وكذا من الأمور الغيبية ولكنها لا تقول إنها تعلم الغيب، لكن تقول: إن ما تفعله مجرد تسلية، وأن ما تقول قد يحدث وقد لا يحدث، ما حكم ذلك؟ (1)
ج: لا يجوز لها هذا العمل، هذا من عمل أهل السحر والشعوذة، لا يجوز هذا، بل يجب الإنكار عليها ومنعها من هذا العمل، وإخبارها أن هذا لا يجوز وأن هذا يفضي إلى دعواها علم الغيب
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم 362(3/360)
والتلبيس على الناس هذا لا يجوز فالواجب على هذه المرأة أن تخاف الله وتراقب الله وتحذر هذا العمل السيئ الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه، يقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » .
فالواجب الحذر من هذا العمل السيئ وهو وسيلة إلى دعوى علم الغيب وهو وسيلة للتلبيس على الناس، نسأل الله للجميع العافية والهداية.
س: هذا الشخص يشتكي من كثرة هؤلاء المشعوذين في بلده السودان، ويقول: إذا تحقق ما يقولون، هل في هذا علم بالغيب أم لا؟
ج: كله باطل، وقد يتكرر لأنه شيء يوجد في بلادهم، قد يخبرون عن إنسان فعل كذا، وفعل كذا وهم قد شاهدوه في بلاد أخرى، من السودان أو أشياء أخبرهم بها الجن، أن هذا وقع في بلد كذا، وعمله كذا، وصار كذا، هم يأخذون عن الجن أخبارا ألقتها الجن في بعض البلدان، فيخبرون بها أولياءهم، هذا كله لا صحة له ولا يحكى فيه بأنهم يعلمون الغيب أبدا، علم الغيب إلى الله سبحانه
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد، مسند الشاميين حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 16951(3/361)
وتعالى، ولكن هناك أمور تقع في بعض البلدان، فينقلها الجن بعضهم إلى بعض، أو فيه استراق من السماء، كونهم يسمعونها من الملائكة، إذا استرقوا السمع من السماء، فينقلونها إلى أوليائهم من الإنس، فقد تكون حقا سمعوه، ما لبس عليهم فيه، فيقع ويظن الناس أن كل ما فعلوه وقالوه صحيح، ويكذبون مع ذلك الكذب الكثير، كما في الحديث: «إنهم يكذبون معه مائة كذبة "، وفي بعض الروايات: " أكثر من مائة كذبة (1) » ، فلا يلتفت إليهم؛ لأن عمدتهم الكذب أو الاستعانة بالجن في كذب الجن وفيما يتعاطونه من الباطل الذي يشوشون به على الناس، نسأل الله العافية، والجن كالإنس فيهم الكافر وفيهم المبتدع وفيهم الفاسق وفيهم الطيب، فالفساق للفساق، والكفار للكفار، والطيبون للطيبين، فالجن الذين يخدمون بعض شياطين الإنس بإخبارهم ببعض المغيبات التي سمعوها من السماء أو سمعوها من بعض البلدان، هؤلاء لأنهم خدموهم بعبادتهم من دون الله، والذبح لهم ونحو ذلك، فالجن يخدمون بهذه الأخبار وهذه الأسرار التي يكذبون فيها، وقد يصدقون فيها شيئا قليلا فيظنهم الناس صادقين في البقية.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب قول الرجل للشيء ليس بشيء برقم 6213، ومسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228(3/362)
112 - حكم قراءة الكف
س: ما حكم قراءة الكف، سواء كان ذلك جدا أو هزلا؟ (1)
ج: هذه باطلة ومن الكهانة ولا يجوز، الكف والفنجان وأشباه ذلك وضرب الحصى والودع، كل هذا ضلال ومن دعوى علم الغيب، فإذا زعم أنه يعلم الغيب بهذه الأمور صار كافرا كفرا أكبر، نعوذ بالله؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يعلم بضرب الحصى ولا بقراءة الكف ولا الفنجان، ولا بغير ذلك مما يتعاطاه المشعوذون، علم الغيب إلى الله سبحانه وتعالى، فمن زعم أنه بقراءة الكف أو ضرب الحصى أو الحساب بالأصابع أو بأي شيء من الأشياء أنه يعلم الغيب كل هذا من الكفر بالله عز وجل، والله يقول سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2) ، ويقول جل وعلا في كتابه العظيم لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (3) . فمن ادعى علم الغيب بعمل الكف أو الحصى أو الودع، أو غير هذا من الحسابات فكله باطل وكله كفر وضلال، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 218
(2) سورة النمل الآية 65
(3) سورة الأنعام الآية 50(3/363)
113 - حكم من يزعم أنه يتعرف على السارق ومكان المسروقات
س: السائل ط. ع. من السودان يقول: يزعم أحد الدجالين بأنه يستطيع أن يتعرف على السارق، بعد أن يسرق وذلك بأمور، لا يعلمها كثير من الناس، منها بأنه يأمر بإحضار، صحن ماء وطفل دون سن البلوغ، ويكون قد رضع من ثديي أمه حولين كاملين، ولم يخفه كلب، ثم يقوم بقراءة شيء من القرآن، وبعض الكلمات التي لا تفهم، ثم يسأل الطفل هل رأيت شيئا في الماء، الذي في الصحن فيصف الطفل السارق بالتفاصيل وأين أخفى المسروقات، فما حكم الشرع في مثل هذا، وهل تجوز الصلاة خلفه؟ وهل يجوز لنا أن نقوم بوصله في السراء، والضراء، علما بأننا نصحناه، ولكنه لا يقبل النصيحة، ويقول بأنه على حق؟ (1)
ج: هذا من باب التلبيس والخداع والكذب، وإنما هو يستخدم الجن، ويسأل الجن وقد يخبرونه، وقد يطلعون على السارق، ويخبرونه ومثل هذا لا يصلى خلفه، يجب أن يرفع أمره إلى المحكمة، أو إلى الهيئة، أو للإمارة حتى يردع عن هذا العمل؛ لأن هذا من باب دعوى علم الغيب، وذكر الطفل والصبي، كل هذا من
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 386(3/364)
باب التلبيس والخداع، وإنما الحقيقة أنه يسأل الجن، ويستعين بالجن، ويخبر عنهم وقد يغلطون وقد يصدقون.
س: إننا في زمن كثرت فيه الخرافات والشعوذة وإن هناك رجلا يدعي أنه يعلم المخفيات مثل السرقة وغير ذلك، والأمر أنه في حالة عجز المواطنين في معرفة أي شيء حصل في البلد فإن العمدة يرسل بعض الأشخاص إلى هذا الرجل؛ ليعرفوا منه ما حدث، وقد يكذب أو يصدق، ولكن المؤسف أنهم يحكمون على الناس بما قال هذا الدجال، ولا يحق لأحد أن يتكلم أو يدافع عن نفسه بعد هذا، نرجو من سماحة الشيخ التوجيه جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا غلط عظيم لا يجوز الاعتماد على الكهنة والمشعوذين والعرافين، بل يجب أن يقضى عليهم عن طريق الدولة، إذا كانت مسلمة تخاف الله، يجب عليها أن تقضي عليهم وأن تلتمسهم، وأن تؤدبهم وتعاقبهم حتى يتركوا هذا العمل، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام «أنه سئل عن الكهان فقال: لا تأتوهم، فقيل له: إنهم قد يصدقون في بعض الشيء، فقال: تلك الكلمة يسمعها الجني من الملائكة إذا استرق السمع، فيقرها في أذن أولئك الكهنة فيصدق
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 164(3/365)
الكاهن والساحر بسبب تلك الكلمة التي سمعت من السماء في كذبهم الكثير، ويقولون: قد قال كذا وكذا، وصدق فيصدقون فيما يكذب فيه من مئات الكذبات (1) » التي لا أساس لها، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام، «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (3) » كما في المسند الصحيح رواه مسلم في صحيحه رحمه الله. وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له (4) » . فهؤلاء لا يصدقون ولا يعتمد عليهم، وإذا صمموا وأقروا أنهم يعلمون الغيب، أو يدعون علم الغيب صاروا كفارا بذلك، ومن ادعى أنه يعلم المغيبات يكون كافرا، كما قال الله عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (5) ، فمن زعم أنه يعلم الغيب فإنه مكذب لله، ومشارك لله فيما اختص فيه سبحانه وتعالى، وهذا كفر أكبر وضلال بعيد، علم الغيب لا يعلمه إلا الله حتى الأنبياء لا يعلمونه، حتى محمد عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الخلق لا يعلم الغيب، إلا ما علمه الله إياه، كما قال عز وجل: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (6) ،
__________
(1) البخاري الطب (5429) ، مسلم السلام (2228) ، أحمد (6/87) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج18، برقم 355
(5) سورة النمل الآية 65
(6) سورة الأعراف الآية 188(3/366)
وقال جل وعلا: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى} (1) فمن زعم أنه يعلم الغيب من الكهنة وغيرهم فهو كافر ضال ومن صدقه بذلك فهو مثله يكون كافرا مثله، نسأل الله العافية.
المقصود أن هؤلاء المشعوذين والكهنة يجب أن يحاربوا وأن يقضى عليهم من جهة الدولة، وأن يؤدبوا وأن يعاقبوا حتى يتركوا هذا الأمر، فإذا أصروا على هذا الباطل وجب قتلهم؛ لأنهم من المفسدين في الأرض، ويجب أن يقاطعوا ويجب على من عرفهم أن يعرف عنهم ولاة الأمور: من الهيئة والمحكمة والإمارة، لا سيما في هذه المملكة التي هي بحمد الله تحكم بالشرع، والواجب على من عرف أحدا من هؤلاء الكهنة والمنجمين والرمالين والمشعوذين أن يرفع أمره إلى الإمارة في بلده أو المحكمة أو الهيئة أو إلى الجميع؛ حتى تبرأ ذمته وحتى يحصل التعاون ولا يجوز التستر عليه، ولا إخفاء أمره بل يجب إعلان أمره وفضيحته؛ حتى لا يضر الناس، وهكذا في اليمن يجب على من عرف ذلك أن يرفعه إلى ولاة الأمر حتى يمنعوه من التعدي على الناس، والكذب عليهم بل يجب على ولاة الأمور في اليمن وفي غيرها أن يقضوا على هؤلاء المشعوذين والرمالين والكهنة،
__________
(1) سورة الأنعام الآية 50(3/367)
وأن يمنعوهم من تعاطي هذه الأعمال القبيحة المنكرة التي فيها تضليل الناس وخداعهم وأخذ أموالهم بالباطل، والكذب عليهم.
المقصود أن هذا الواجب على المسلمين أن يتعاونوا فيه في الدول الإسلامية، وفي غير الدول الإسلامية مع المسلمين، في القليات الإسلامية إذا وجد بينهم من يفعل هذا، يتعاونون في نصيحته وفي بيان باطله حتى يرجع إلى الحق والصواب، أما في الدول الإسلامية فالواجب عليهم القضاء عليه، كما يجب على الدول الإسلامية القضاء على كل ما حرم الله من المنكرات الظاهرة وأعظمها الشرك بالله عز وجل، من دعوة أصحاب القبور والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم والذبح لهم كل ذلك يجب القضاء عليه؛ لأنه منكر عظيم وشرك وخيم، وهكذا البدع المنكرة المخالفة لشرع الله يجب القضاء عليها وهكذا وجود الكهنة والمنجمين والمشعوذين يجب القضاء عليهم وإعلان أن الدولة ضدهم، حتى يفضحهم الناس وحتى يرفعوا بأمرهم إلى ولاة الأمور للقضاء عليهم وحماية المجتمع الإسلامي من شرهم ومكائدهم.(3/368)
114 - حكم من يزعم أنه يضع الجمر على لسانه فلا يحرقه
س: بعض العامة يقولون: إن سيدي فلانا قد ظهر من قبره نور، وإن سيدي فلانا يضع الجمر على لسانه فلا يحرقه، وإن سيدي فلانا نادى ولده في بلد آخر فسمعه ابنه ولبى النداء، وأن الكاهن فلانا سئل عن بهيمة مسروقة فدل على مكانها، وعندما نقول لهم: بأن هذه من أفعال الشيطان، بعضهم يكذب وينكر ذلك، والبعض يقول أقولا قبيحة. فهل نجتنبهم لأنهم يسخرون من أهل التوحيد ودعاته، أم نجابههم، رغم ما سنتعرض له من أذى وسخرية، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: كل هذا خرافات يجب الإنكار على من فعله، ولا يجوز التساهل في ذلك وعليكم الصبر، وأن يكون الكلام بالحكمة والأسلوب الحسن، لعل الله أن يهديهم بأسبابكم، فإن هذه من شعوذة الشيطان وتزيينه الباطل، خرج من قبر فلان نور، أو أنه كلم أباه في المحل الفلاني وأجاب، أو البهيمة موجودة في محل كذا، هذه من أعمال الشياطين، والشياطين يتناقلون الأخبار ويوصي بعضهم بعضا بالباطل، فلا يجوز الاحتجاج بهم ولا الاغترار بهم، والكهنة هم عباد
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 182(3/369)
الشياطين، لهم أصحاب من الجن يخبرونهم ويخبرون الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (1) » ، فلا يجوز تصديق مثل هذه الخرافات، ولا يجوز الأخذ بها، بل يجب إنكارها والتحذير منها، والله المستعان.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/370)
115 - حكم من يدعي الوساطة بين الجن والإنس لعلاج الأمراض المستعصية
س: سمعت خبرا بأن هناك امرأة تتعامل مع الجن، وأخبرها الجن بأنها ستكون وسيطة خير بين الجن والإنس لتعالج الأمراض المستعصية في الإنس والتي عجز عنها طب الإنس، والمرأة هي الوسيط والجن يعطون الأدوية، ويعملون العمليات لبني الإنسان، ولكن الإنسان لا يراهم. ما رأي سماحتكم في مثل هذا؟ (1)
ج: ليس لهذا أصل ولا يعتمد عليه، فإن أخبار الجن وأخبار العجائز، وأخبار من يخدم الجن لا يوثق بها، ولا يعتمد عليها، ولا يجوز أن يعتمد على قول عجوز أو شيخ أو شاب أو غير ذلك،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 173(3/370)
ينقل عن الجن أشياء بل يجب أن يحذر منهم، وألا يستخدمهم في شيء؛ لأنهم إذا استخدموه قد يجرونه إلى الشرك بالله عز وجل، إذا كانوا غير مؤمنين وليس المؤمن منهم معروفا معرفة يقينية فقد يكون منافقا، وقد يكون يدس السم في الدسم؛ لأنك لا تعرفهم ولا تخالطهم مخالطة جهرية، وتعرف أحوالهم وأحوال قرنائهم من الأخيار، حتى تعرف الثقة من غير الثقة، فالحاصل أن بيننا وبينهم جهلا كبيرا، وأخلاقا متباينة، وصفات متباينة لا نستطيع معها أن نتحقق ما هم عليه ومن عرفنا منهم بما يظهره من الإيمان ندعو له بالتوفيق وندعو له بالصلاح، ولكن لا نثق به ولا نطمئن إليه في أن نأخذ منه طبا أو غير ذلك، أو نستشيره في شيء أو ما أشبه ذلك فإن هذا قد يفضي إلى دعوى علم الغيب، وقد يبتلى الإنسان بذلك ويظن أن عنده شيئا من علم الغيب بواسطة الجن وقد يدعو إلى ذلك، فيكون ممن قال الله فيهم جل وعلا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (1) . فهو مع الجن على خطر فقد يستخدمونه في الشرك، وقد يستخدمونه في البدع، وقد يستخدمونه في المعاصي فيضر نفسه وهو لا يدري، ويضر غيره وهو لا يدري، فلا تجوز المعاملة معهم في الطب ولا في غيره، بل من عرف منهم أحدا أو اتصل به أحد يدعوهم إلى الله، يعلمه الخير، يدعوه على توحيد الله، وإلى طاعة الله
__________
(1) سورة الجن الآية 6(3/371)
وينصحه أن يعلم من عنده الخير وطاعة الله عز وجل، ولا يطمئن إليه في شيء ولا يطلب منه شيئا للناس؛ لأنه قد ينقل منه شيئا يضر الناس، وقد يعطيه شيئا طيبا ثم يغشه بعد ذلك، فالحاصل أنه على خطر لأنك لا تعلم أحوالهم على اليقين وهم يرونك ولا تراهم ويخفون عنك أشياء كثيرة وقد يدعون الإيمان وهم منافقون وقد يتصلون بك لأغراض أخرى حتى يأخذوها منك ثم يفعلوا بك ما يريدون، فأنت على خطر فالواجب الحذر منهم إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، وتبصيرهم بالحق ودعوتهم إليه وإرشادهم.
س: توجد امرأة في قرية، وملقبة مصاصة، يذهب إليها الرجال والنساء، وكل واحد يشتكي مرضا في بطنه أو ظهره أو صدره وكل واحد يعطيها مبلغ مائة ريال، وإذا كان المريض يشتكي من بطنه، ترقده على ظهره وتمص بطنه بفمها، يعني تجعل فمها على بطنه وصدره أو ظهره، وتمص مثل المحجم، دون أن تستعمل شيئا بفمها، وبعد ذلك تخرج من فمها حصاة أو عرقا أو غير ذلك، هل هذا الأمر صحيح أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه المرأة المسؤول عنها يظهر أنها دجالة وأنها تعمل أعمالا
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 12(3/372)
تغر بها الناس؛ ليظنوا أن عندها علما، وأن عندها شيئا خارقا، أو شيئا لا يعرفه الأطباء، فتعمل ما ذكر من مص بطن الرجل ثم إخراج أشياء من فمها كحصى أو نحوه، هذه إما أن تكون تستخدم الجن، وتلعب على أبصار الحاضرين، فتريهم أنها تخرج من بطنه شيئا، وليس هناك شيء، وإنما هو تقمير على عيون الناس، وسحر لأعينهم، كما فعل السحرة في وقت موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون وإما أن تكون تجعل في فمها شيئا عند مجيئها للمريض، من حصى أو غيره وتخرجه عندما تمص بطنه لتري الناس أن هذا شيء خرج من بطنه، والذي نرى في هذه وأمثالها أنه لا يجوز أن يذهب إليها ولا أن تستطب؛ لأن هذه وأشباهها من المشعوذين، وممن يتلاعب على الناس بالكذب، أو باستخدام الجن وتعاطي ما حرم الله عز وجل من الشرك وغيره من المنكرات التي تفعل مع الجن بسؤالهم عن مرض الشخص الذي يراد تطبيبها له، فالحاصل أن هذه المرأة يظهر من عملها هذا أنها دجالة، وأنها متلاعبة، وأنها كذابة أو مستخدمة للجن، فلا يجوز إتيانها، ولا أشباهها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (1) » أخرجه مسلم في الصحيح، وفي لفظ آخر: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (2) » صلى الله عليه وسلم، فهذه وأشباهها من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252(3/373)
العرافين الذين يكذبون ويتعاطون أمورا لا صحة لها، بل هي أشياء مكذوبة أو مأخوذة عن الجن لتغرير الناس وإدخال السوء عليهم من دون أن يعلموا الحقيقة، والله المستعان.
س: حدثت قصة سأرويها لكم، وأريد تفسيرا أو نصحا عن موضوعها، لنا جار له ابنة تبلغ من العمر الثامنة عشرة، مرضت بمرض نفسي وذهب بها إلى الأطباء ولم تستفد شيئا، ثم ذهب بها إلى الكهنة والمشعوذين، وقالوا: إن بها جنا ونحن سوف نخرجه، ولبثت البنت عندهم فترة وجيزة من يوم واحد، وعادت إلى البيت طبيعية ليس فيها شيء، وهي الآن تعيش حالة طبيعية مستقرة في بيت أبيها وجهونا لو تكرمتم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا قد يقع من الجن وشياطينهم، فقد يتعدون على امرأة أو على رجل بأسباب المرض، فيمرض، ثم إذا فزع إليهم وهرع إليهم ولي المرأة أو ولي الرجل وطلب منهم النجدة ساعدوا في ذلك وأزالوا ما فعلوا من الشر؛ حتى يغروا الناس ويخدعوهم، وحتى يدعوهم بهذا إلى الشرك، وإلى تعظيم الجن والشياطين، واللجوء إليهم ودعائهم والاستغاثة بهم ونحو ذلك، هذا من مكائد الشياطين ومن خبثهم
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 131(3/374)
وأعمالهم الخبيثة، فالواجب على المؤمن ألا يغتر بهذا، وألا يذهب إليهم، وألا يلتجئ إليهم وألا يسألهم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما (1) » ، «وقال عليه الصلاة والسلام، لما سئل عن الكهان، قال: لا تأتوهم، قال: ليسوا بشيء (2) » ، وقال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (3) » ، وقال: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له (4) » ، ووجود هذا منهم وكيدهم للناس، وهذا العمل منهم ولعبهم لهم، هذا لا يسوغ الذهاب إليهم والمجيء إليهم بل يجب أن يحذروا، وأن يبتعد عنهم، وأن يعالج من أصيب بهذه الأمراض بالعلاج الشرعي بالقراءة التي شرعها الله، فإن القراءة دواء تداوي به المرضى من الجن وغيرهم، يقرأ عليه المؤمن طالب العلم بما تيسر من القرآن ويدعو له، ويزول الضرر بإذن الله، وهذا أمر مجرب، قد فعله الأئمة والعلماء من قديم الزمان وحديثه، ونفع الله بذلك، ولو قدر أنه مات بسبب ذلك، فإنه ما مات إلا بأجله، حيث قدر الله أن يموت بهذا المرض، وبهذا الشيء الذي يتوهمون أنه من عمل السحرة أو الجن، فلا ينبغي لعاقل أن يؤثر حظه العاجل بتوهم الصحة على أيديهم، أو العلاج على أيديهم بما يضره في دينه ويغضب الله عليه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(2) البخاري الطب (5429) ، مسلم السلام (2228) ، أحمد (6/87) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج18، برقم 355(3/375)
سبحانه وتعالى، فكونه يلتزم بالأمر الشرعي، والعلاج الشرعي، ولو فرض أنه مات، ما مات إلا بأجله، هذا هو الواجب عليه، وليس له أن يلجأ إلى السحرة أو الكهنة، بزعمه خوفا من الموت كل هذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الفساد في الأرض، وأيضا من أعظم المحادة لدين الله، والتعدي لما شرعه الله سبحانه، والله المستعان.(3/376)
116 - حكم الخط بالحصى
س: هل الرسول عليه الصلاة والسلام قال في أحد أحاديثه: إنه كان أحد الأنبياء يخط بالحصى، وهل يجوز الآن فعل هذا الأمر؟ (1)
ج: نعم، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان هناك نبي يخط، أما نحن فليس لنا أن نخط؛ لأننا لا نعلم الشيء الذي فعله النبي، فالخطوط الآن التي يفعلها الناس ضرب من الغيب، ولا يجوز تعاطيها ولا فعلها، يعني يجب ترك ذلك.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 328(3/376)
117 - حكم العلاج عند من يستعمل كتب استخدام الجن
س: تقول السائلة: أنا امرأة مصابة بالعين منذ ست سنوات، ولم يفد معي أي علاج، والآن أخبرتني امرأة عن رجل لديه بعض العلاج، وأنا أتعالج عنده دون علم زوجي، فما رأي سمحاتكم فيمن يستعمل القراءة وفيها استعمال بفتش الكتاب، ويحتوي هذا الكتاب على جمع الجن وتفريقهم، إذا من أين هذا المرض، هل هو منهم أو من غيرهم، وغير ذلك من علاجات ضدهم، أي طردهم إن كان منهم المرض أو غيرهم، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا العلاج عند مثل هذا الرجل لا يجوز، وهذا يسمى عرافا ويسمى كاهنا، فلا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله ولا العلاج عنده، ولا يجوز لك أن تفعلي هذا حتى لو أذن لك الزوج، فكيف وهو لم يعلم، لا يجوز لك أبدا، حتى لو قال لك الزوج، لم يجز لك طاعته فيما حرم الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (2) » رواه مسلم في الصحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (3) » ، «ولما سئل عن العرافين والكهنة؟ قال: لا تأتوهم (4) » .
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 194
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9252
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، برقم 23250(3/377)
فالواجب عليك التوبة إلى الله، وعدم المجيء إليه لأنه بهذا العمل كاهن، يستعين بالجن ويعبدهم من دون الله، فإنهم لا ينفعونه ولا يطيعونه إلا إذا تقرب إليهم بالذبح لهم، أو النذر لهم أو دعائهم، أو الاستغاثة بهم أو نحو ذلك وهذا من الشرك الأكبر، فليس لك أن تعالجي عند هذا وأمثاله، وعليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وسؤاله جل وعلا أن يشفيك مما أصابك، ولا مانع من العلاج عند الأطباء المعروفين، وعند الأخيار من الناس الذين يقرءون عليك، وينفثون عليك بالآيات القرآنية والدعوات النبوية، وإذا تيسرت امرأة صالحة، ذات علم تقرأ عليك نفعت إن شاء الله، فإن لم تتيسر فرجل صالح يقرأ عليك، وينفث عليك ولكن لا يخلو بك، بل يقرأ عليك وعندك زوجك، أو أمك أو أختك أو نحو ذلك؛ لأن الخلوة لا تجوز، فلا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية التي ليست محرما له، أو يقرأ لك في ماء وتشربينه أو تغتسلين به، كل هذا لا بأس به والحمد لله، وإذا عرفتم من يتهم بالعين تتصلون به، وتطلبون منه أن يغسل لكم، يغسل وجهه ويديه ويتمضمض في الماء، ثم تغتسلين به، وينفع بإذن الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا (1) » ، يعني إذا قيل لمن يتهم بالعين: اغسل لنا وجهك ويديك فلا يمتنع، يغسل لهم أطرافه فذلك ينفع بإذن الله، إذا صب
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، برقم 2188 ''(3/378)
على المعين كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وأما إتيان الكهان والمنجمين ومن يستخدم الجن فلا يجوز أبدا لا من جهة العين ولا من جهة غيرها من الأمراض.(3/379)
118 - حكم الاعتقاد أن الشرب في آنية معينة فيها شفاء
س: يوجد عند بعض الناس في وادي قديد إناء مصنوع من النحاس، ويسمونه طاسة السم، وعندما يمرض إنسان فإنه يذهب إلى من توجد عنده هذه الطاسة ويملؤها بالماء ويشرب ذلك الماء معتقدا أنه يوجد شفاء في هذه الماء ولا سيما إذا كان هذا المرض في المعدة، فقد لاحظت وجود صور محفورة على الإناء وهي للعقرب والحصان والقط والغزال والحمير - أجلكم الله - والحية والثعلب والفيل، والأسد وللرجال وبعض صور أخرى لا أعرفها، وهي جميعها منقوشة نقشا على هذا الإناء، كما توجد أسماء وكتابات مثل الشهيد وهكذا، ما توجيهكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذه الطاسة التي أشار لها السائل طاسة منكرة وفيها من
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 89(3/379)
دلائل المنكرات، هذه الصور التي ذكرها السائل، ولا نعلم أن أي طاسة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة يحصل بها شفاء أمراض المعدة، وإنما هي دعوى يدعيها صاحب الطاسة، وإنما الظاهر والله أعلم أنه يستخدم الجن، ويعمل شعوذة يزعم بها أنه يعالج حتى يأخذ أموال الناس بالباطل، حتى يغرهم بأنه يعالجهم بهذه الطاسة، فالواجب أن تصادر هذه الطاسة، وأن يعالج الأمر بتأديب صاحبها ومعرفة الحقيقة التي يتعاطاها حتى يقام عليه ما يستحق من التعزير، وهذا واجب على المسؤولين قي قديد، الأمير والقاضي والهيئة يجب أن يرفع الأمر إلى المحكمة والهيئة والإمارة؛ حتى يقوموا بما يجب في هذا الموضوع، ولا يجوز السكوت عن صاحب هذه الطاسة؛ لأن عمله منكر لا وجه له من الشرع، وعليك أيها السائل أن تقوم بهذا الأمر، أنت وإخوانك العارفون بهذا الأمر، حتى تخلصوا بلدكم من هذا المنكر، وحتى يقضى على هذه المفسدة وهذا الشر بأسبابكم إن شاء الله.(3/380)
باب ما جاء في التطير(3/381)
باب ما جاء في التطير
119 - حكم التشاؤم بالمسكن
س: هناك أناس لهم منزل، كانوا في خير، ثم تعاقبت عليهم الحوادث في هذا المنزل حتى تشاءموا منه وقاموا ببيعه. ومن ضمن تلك الحوادث فتن حصلت لهم وانتحار بعض أفراد الأسرة، هل هذا من التشاؤم؟ وجهوا الناس جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس هذا من التشاؤم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الشؤم في ثلاث: في البيت والدابة والمرأة (2) » ، قد يكون الشؤم في هذه الثلاث، وفي لفظ آخر: «إن كان الشؤم في شيء، ففي ثلاث ثم ذكرها (3) » هذا يدل على أنه يقع، قد تكون بعض النساء
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 176
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الطيرة، برقم 5753، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، برقم 2225
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم 5094، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، برقم 2225(3/383)
مشؤومة على زوجها، فإذا ظهر منها ما يدل على شؤمها في سوء أخلاقها معه، وسوء سيرتها معه أو ترادف الحوادث عليه لما تزوجها، من خسارة وكساد في تجارته، أو فساد في مزرعته، وتلف في مزرعته تتابع عليه أو ما أشبه ذلك، فلا مانع من طلاقها، وهكذا الدار إذا توالت عليه الحوادث فيها، وسوء الأحوال فيها والأمراض عليه وعلى أولاده، فلا بأس بالانتقال عنها والاستئجار لغيرها أو بيعها؛ لهذا الحديث الصحيح. وهكذا الدابة من ناقة أو فرس ونحو ذلك، إذا لم ير فيها فائدة، ورأى منها شرا كمن توالت عليه حوادث بأسبابها، فلا بأس أن يبيعها ويستبدلها حسب نص الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.(3/384)
120 - حكم التشاؤم بيوم الجمعة إذا وافق يوم عيد
س: سائل من السودان يقول: هنالك عدة تناقضات وتشاؤم في يوم الجمعة، عندما تقع يوم عيد، ما هو السبب في هذه التشاؤمات والتردد، مع أن كل الأيام هي أيام الله أرجو إفادتي؟ (1)
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 94(3/384)
ج: هذه الأشياء التي أشرت إليها إنما تكون عن جهل، وقلة بصيرة ولا أعلم فيما بلغني عن البلدان، التي بلغنا عنها سيرة أهلها، أنهم يتشاءمون بالجمعة، الجمعة يوم فاضل، يوم محبوب عند المسلمين، فيه اجتماعهم، وإذا صادف مع يوم العيد صار عيدا مع عيد، فكيف يكون التشاؤم، هذا شيء غريب، فإذا كان وقع عند السائل في بلاده، فهذا يدل على جهل من الذين وقع منهم، وقلة بصيرة، فيوم الجمعة يوم عيد، فإذا صادف يوم عيد الفطر، أو يوم عيد الأضحى، فقد اجتمع عيدان فالمطلوب: الفرح بهما، والسرور بهما، وعمل ما شرع الله فيهما، أما التشاؤم في ذلك، فهذا شيء منكر ولا وجه له ولا سبب له، فهما يومان عظيمان فاضلان، اجتمع فيهما خير عظيم، وفيهما اجتماع على طاعة الله وعبادته، وسماع الخطبة فأي وجه لهذا التشاؤم؟ لا وجه لذلك بل هو أمر باطل وأمر منكر لا وجه له.(3/385)
121 - حكم التشاؤم بشهر صفر
س: أحسن الله إليكم في الحديث: «لا عدوى ولا طيرة (1) » يتشاءم الناس من بعض الشهور، كشهر صفر، هل له أصل؟ (2)
ج: قال صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (3) » فصفر مثل بقية الشهور، لا يجوز التشاؤم به، قد أبطل التشاؤم به النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (4) » الهامة: طائر يتشاءم به أيضا في الجاهلية، يزعمون أنه إذا صاح على البيت، هلك أهله وهو باطل، وصفر الشهر المعروف، كان بعضهم في الجاهلية يتشاءمون به، فأبطل النبي هذا، وبين أنه مثل بقية الشهور، ليس فيه شؤم، والطيرة معروفة، التطير بالمرئيات، والمسموعات، كان أهل الجاهلية يتطيرون بالغراب أو بغيره، فأبطل النبي هذا وقال: «لا طيرة (5) » .
__________
(1) البخاري الطب (5425) ، أبو داود الطب (3911) ، أحمد (2/434) .
(2) السؤال الرابع من الشريط رقم 411
(3) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن، برقم 5717، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء، برقم 2220
(4) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5717، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء. . .، برقم 2220
(5) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5717، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء. . .، برقم 2220(3/386)
122 - بيان معنى حديث: "لا عدوى ولا طيرة"
س: ورد في الحديث الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل (1) » ماذا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا عدوى " أهي عدوى المرض نرجو التوضيح؟ (2) .
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ويعجبني الفأل "، قيل يا رسول الله: وما الفأل؟ قال: " الكلمة الطيبة (3) » فقد كانت العرب تعتقد العدوى، ويقولون: إنه إذا خالط المريض الأصحاء، أصيبوا بمثل مرضه، وقالوا للنبي: «يا رسول الله، الإبل تكون كذا وكذا فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فقال عليه الصلاة والسلام: " فمن أعدى الأول: لا عدوى ولا طيرة (4) » ، والمعنى نفي العدوى التي يعتقدها الجهال من المشركين، وأن المرض كالجرب ونحوه يعدي بطبعه، هذا باطل، أما كون الخلطة تؤثر، فهذا ما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم، الخلطة قد تؤثر، قد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح، بسبب الخلطة بإذن الله جل وعلا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) البخاري الطب (5425) ، أبو داود الطب (3911) ، أحمد (2/434) .
(2) السؤال الثالث من الشريط رقم 411
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، برقم 2224
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة رقم 9329(3/387)
«لا يورد ممرض على مصح (1) » يعني لا يورد صاحب الإبل المراض على صاحب إبل صحاح، من باب تجنب أسباب الشر، وقال: «فر من المجذوم فرارك من الأسد (2) » ، هذا من أسباب اجتناب الشر، فالعدوى التي يعتقدها الكفار باطلة، وهو كون المرض ينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه من دون قدر الله، ولا مشيئته هذا باطل، أما كون المرض ينتقل من المريض إلى الصحيح بإذن الله، فهذا قد يقع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» يعني لا تجالسه، قد ينتقل مرضه إليك، وقال: «لا يورد ممرض على مصح» ، يعني إذا ورد الجميع الماء.
فالممرض صاحب الإبل المراض، لا يوردها مع صاحب الإبل الصحاح، بل يكون هذا له وقت، وهذا له وقت، بعدا عن العدوى، وبعدا عن انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة.
والخلاصة: أن الشريعة جاءت باجتناب أسباب الشر، مع الإيمان بأن الأمور بيد الله، وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره سبحانه، فاعتقاد المشركين أن العدوى تنتقل حتما بنشرها وطبعها هذا باطل، أما كونه ينتقل بإذن الله، إذا شاء فهذا واقع، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5771
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429(3/388)
الوقاية، وقال: «لا يورد ممرض على مصح (1) » ، «وفر من المجذوم فرارك من الأسد (2) » مع أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد المجذوم، وأكل معه وقال: «كل بسم الله، ثقة بالله (3) » ؛ ليبين أن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى وأن الله هو الذي يقدر الأمور، فإذا اجتنب مخالطة المجذومين، هذا هو المشروع بعدا عن الشر، ولو فعل ذلك وأكل معهم، لبيان أن الأمور بيد الله، وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وإنما ينتقل بقدر الله، إذا فعل هذا بعض الأحيان، لإبطال العدوى التي يعتقدها الجاهليون، هذا حسن كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الواجب الأخذ بالأسباب فالإنسان يبتعد عن أسباب الشر، ويحذر أسباب المرض، ولا يعرض نفسه للخطر، ومع هذا يعتمد على الله ويتوكل عليه، ويعلم أن الأمور بيده سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (4) ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (5) ولكن مع اجتناب أسباب الشر، فلا يخالط المرضى الذين قد جرت العادة بإذن الله، أن مرضهم ينتقل ولا يخالط أهل الشر؛ لأنه قد
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم، برقم 1817.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
(3) الترمذي الأطعمة (1817) ، أبو داود الطب (3925) ، ابن ماجه الطب (3542) .
(4) سورة المائدة الآية 23
(5) سورة الطلاق الآية 3(3/389)
يصيبه ما أصابهم من الشر فيفعل أفعالهم، ويحرص على صحبة الأخيار؛ لأن ذلك من أسباب أن يتخلق بأخلاقهم، ولا يأكل الأشياء التي يعلم أنها قد تضر، وما أشبه ذلك.
س: الأخ: ر. س. س. يسأل ويقول: قرأت في كتاب التوحيد، هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (1) » السؤال: ماذا يقصد صلى الله عليه وسلم بقوله: لا عدوى؟ والعلم الحديث قد أثبت أن كثيرا من الأمراض تنتقل بالعدوى. وضحوا لي هذا الأمر، جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: الحديث المذكور صحيح، أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم: «ولانوء ولا غول (3) » في الحديث أيضا: «ويعجبني الفأل " قيل يا رسول الله ما الفأل؟ . قال: " الكلمة الطيبة (4) » فالعدوى: التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة، أن الأمور تعدي بطبعها من دون قضاء الله وقدره سبحانه، وأن
__________
(1) البخاري الطب (5425) ، أبو داود الطب (3911) ، أحمد (2/434) .
(2) السؤال الثالث من الشريط رقم 280
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الطب، باب لا عدوى، برقم 5776، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم، برقم 2224
(4) البخاري الطب (5440) ، مسلم السلام (2224) ، الترمذي السير (1615) ، أحمد (3/178) .(3/390)
انتقال الجرب أو الجذام من شخص إلى شخص، أو من دابة إلى دابة، أن هذا طبعي، لا دخل لقدر الله في ذلك، ولا لفعله إياه سبحانه وتعالى، هذا باطل. فلا انتقال من عين إلى عين في الجرب وغيره إلا بإذن الله وقدره السابق، وحكمته سبحانه وتعالى، ولهذا لما قال بعض أهل البادية، لما سمع: «لا عدوى " قال: يا رسول الله الإبل كثيرة، يكون فيها البعير الأجرب، فتجرب كلها. قال صلى الله عليه وسلم: " فمن أعدى الأول (1) » يعني من الذي أنزل الجرب بالأول، الله هو الذي أنزله، بحكمة بالغة. فالذي أنزله بالأول، هو الذي أنزله بالبقية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح (2) » يعني لا يورد صاحب إبل مراض إبله على صاحب الإبل الصحاح، لأن هذا وسيلة لانتقال المرض، وقال عليه الصلاة والسلام: «فر من المجذوم فرارك من الأسد (3) » ؛ لأن الجذام ينتقل، وهذا معناه إقرار الانتقال للمرض بالعدوى لكن ليس العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة، قد ينتقل عند المخالطة. إذا خالط الأجرب الصحيح،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن، برقم 5717
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5771، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء، برقم 1222.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429(3/391)
والمجذوم الصحيح، قد ينتقل. وهكذا الأمراض الأخرى عند الاختلاط قد ينتقل، وقد لا ينتقل، هو ليس بلازم. لكن إذا أبعد الصحيح عن المريض، يكون هذا هو الأفضل، هذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح (1) » وقال آمرا: «فر من المجذوم فرارك من الأسد (2) » فالمعنى أبعدوا المريض عن الصحيح، إذا كان يخشى منه العدوى، لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض، ولكن ينبغي اعتقاد أنه لا عدوى، بطبعها وأن انتقاله إذا انتقل، ليس لأنه يعدي بطبعه، وأنه ليس بإذن الله ولا بمشيئة الله، بل ينتقل، لكن بمشيئة الله، وبإذنه، وقدره سبحانه وتعالى، لا أحد يستطيع أن ينقل شيئا إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حيوان ولا إنسان ولا مثل ذلك، كل شيء بقضاء وقدر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (3) » ، ويقول الله في كتابه العظيم: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (4) ، ويقول جل وعلا: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (5) ، المقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها، الصحة، والمرض، والسفر، والإقامة، والولد، ذكرا كان أو أنثى،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كل شيء بقدر، برقم 2655
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي هريرة، برقم 9429
(3) مسلم القدر (2655) ، أحمد (2/110) ، مالك الجامع (1663) .
(4) سورة الحديد الآية 22
(5) سورة القمر الآية 49(3/392)
والحياة، والموت، وغير ذلك. كلها بأقدار ماضية من الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1) » ، فالأمور كلها مقدرة. فكون هذا البعير يمرض، أو هذا الفرس، أو هذا الإنسان، كله بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط المريض، فيصاب بمرضه، هذا بقدر، وليس بلازم قد يقع، وقد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب، وقد يكون إنسان مع المجذوم ولا يصاب بالجذام، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بيد مجذوم وهو يأكل، فقال: «كل بسم الله، ثقة بالله (2) » ولم يجذم عليه الصلاة والسلام، فالإنسان إذا خالطهم، في بيان أن الله جل وعلا هو المقدر، وليعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى، ولكن بمشيئة الله، فيفعل ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله، فهو سبحانه الجواد الكريم، الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة، التي بينها رسوله صلى الله عليه وسلم، والخلاصة أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية، يعني لا عدوى بالطبع، ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال، قد تقع بمشيئة الله وإذنه، بسبب الاختلاط بين المرضى والأصحاء، في بعض الأحيان.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653
(2) الترمذي الأطعمة (1817) ، أبو داود الطب (3925) ، ابن ماجه الطب (3542) .(3/393)
123 - حكم الاعتقاد في البروج والنجوم
س: أرى في بعض المجلات، أنه من ولد في برج كذا فسيكون له ما هو كذا وكذا، أو سيكون عليه ما هو كذا وكذا، ما هو توجيهكم للمسلمين حيال ذلك جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا كله باطل لا أصل له، بل هو من الطيرة المنكرة، والمذمومة والتشاؤم المنهي عنه، فالحاصل أنه لا خصوصية لبرج كذا أو نجم كذا، لأن من ولد في نجم كذا، وبرج كذا صار له كذا وكذا، كل هذا باطل.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 270(3/394)
باب ما جاء في التنجيم(4/5)
باب ما جاء في التنجيم
1 - بيان حكم التنجيم
س: أنا شاب متزوج، وقد أصابني مرض شبيه بالجنون، فأنا دائم القلق والتشنج وكثير الوساوس وأعيش بين أسرة تؤمن بالتنجيم والتطير ولذلك فقد أشاروا علي أن أطلق زوجتي فهي السبب في كل ما أصابني؛ لأن نجمها نحس كما يقولون، ولا يزول مرضه إلا بفراقها، وطمعا في الشفاء فقد نطق بطلاقها بالثلاث، وليس عنده أحد، ولا حتى زوجته، ولم يخبر أحدا بذلك؛ خوفا من خروجها من بيته، وعدم عودتها إليه، وبقيت مدة عنده إلى أن وضعت مولودا، فقد سألت عن هذا فقيل لي: عليها عدة بعد أن تخبرها ثم تسترجعها، ومضى إلى الآن أربع سنين، وقد سألت أيضا آخر فقال: ليس عليك طلاق، وليس عليها عدة، ولكن تب إلى الله.
فأرجو إفادتي عما يترتب على هذا الطلاق والزوجة لا زالت عندي في البيت،(4/7)
وحالتي الصحية كما هي، لم أستفد شيئا من فعلي ذلك، وما هي نصيحتكم لمن يعتقد الصحة والنفع في مثل تلك الأعمال؟ (1)
ج: إن التنجيم أمر منكر، وهو من شعب السحر، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد (2) » والتنجيم محرم عند أهل العلم إجماعا، وهو اعتقاد أن النجوم لها أثر في الحوادث، من صحة ومرض، وفقر وغنى أو غير ذلك، بل هذا من أوهام المنجمين، فإن هذه النجوم خلقها الله زينة للسماء، ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، وليس لها أثر فيما يتعلق بالحوادث، لا في الصحة ولا المرض، ولا في الغنى، ولا في الفقر، ولا في نزول المطر ولا في غير ذلك، وإنما هي أوهام باطلة من أصحابها لا أساس لها من الصحة، ولا يجوز للمسلم أن يأتي المنجمين، ولا أن يسألهم لا المنجمين، ولا الرمالين، ولا جميع الكهنة والعرافين، الذين يدعون بعض علوم الغيب بهذه الأشياء، فيجب هجرهم وتأديبهم، والقضاء عليهم من جهة ولاة الأمور، حتى لا يضروا الناس، ولا يضلوهم،
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 51.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، برقم 2836.(4/8)
، ولا يجوز سؤالهم، ولا تصديقهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يوما (1) » والعراف هو المنجم والرمال والكاهن ونحوهم، ممن يدعي علم بعض المغيبات، بالطرق التي سلكها، بالطرق الشيطانية: من تنجيم أو ضرب بالحصى، أو أشباه ذلك، من طرقهم الفاسدة، وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (2) » عليه الصلاة والسلام. فأخبارهم باطلة، ولا يجوز سؤالهم، ولا تصديقهم وعلى من فعل هذا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والإنابة إليه، والندم على ما مضى، وعدم العود إلى ذلك، أما هذا الرجل المطلق فإن كان عقله معه، فإنه يقع الطلاق، لكن يكون واحدة؛ لأن الصحيح من أقوال العلماء أن الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة، كتابة أو لفظا لا يقع به إلا واحدة؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس، أن الطلاق كان على عهد رسول الله طلاق الثلاث واحدة، وهكذا على عهد الصديق، وعهد عمر في أول خلافته، ثم إن عمر رضي الله عنه أمضى ذلك، أمضى الثلاث، فقال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلأمضينه عليهم. فأمضاه عليهم. أما في عهده صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252.(4/9)
فإن الثلاث بلفظ واحد تعتبر واحدة، لكن إن كان عقله غير مستقيم بسبب ما أصابه، وعرف الثقات العارفون به أن مثله يعتبر معتوها، فإنه لا يقع منه طلاق، أما إن كان عقله مضبوطا، والمرض لم يؤثر على عقله، فإنه يقع على زوجته طلقة بهذا الطلاق، ويكون بقاؤها عنده من غير رجعة غلطا منه، ويعتبر جماعه لها مراجعة لها، إذا كان أراد بمجامعتها مراجعتها وردها إليه، فإن الجماع على الصحيح يكون مراجعة لها مع النية، أما من غير نية فهذا فيه خلاف قوي بين أهل العلم، ولعل الصواب أنه يتم بذلك الرجعة لجهله بذلك، فيكون راجعها بالجماع حال حملها، وتكون زوجة له، ويكون مضى عليها طلقة، تعتبر هذه طلقة واحدة، أما إن كان لم يراجعها، ولا اتصل بها حتى الآن فإنها بوضعها الحمل قد خرجت من عدته، ومضى عليها طلقة وله أن يعود إليها بنكاح جديد ومهر جديد، كخاطب من الخطاب، كأنه أجنبي يخطبها لنفسه، فإذا وافقت فإنه يتزوجها بزواج جديد؛ لكونها خرجت من العدة بوضع الحمل، هذا إذا كان ما جامعها بعد الطلاق، أما إن كان جامعها بعد الطلاق فإنه يعتبر رجعة لها، وتبقى عنده على طلقتين، ومضى عليها طلقة، إذا كان ما طلقها قبل ذلك، سوى هذه الطلقة. نسأل الله للجميع الهداية.(4/10)
2 - حكم التحدث عن وقت وقوع الكسوف والخسوف
س: أحيانا يقول العلماء: سيحدث كسوف أو خسوف يوم كذا أو كذا، شهر كذا في منطقة كذا، الساعة كذا. ويتحقق ما يقولون، هل هذا من العلم بالغيب، أم لا؟ وفقكم الله. (1)
ج: ليس التحدث عن وقت الكسوف والخسوف من علم الغيب، إنما هذا من علم الحساب، كثير من أصحاب الفلك يعرفون هذا الشيء، بمراقبة سير الشمس والقمر في منازلهما، فإذا صار في الشمس ميزة معينة، أو القمر قد عرفوا بالحساب أنها تكسف بإذن الله في ذلك الوقت، هذا من علم الحساب، وليس من علم الغيب، بل هذا حساب دقيق، يعرفه أصحاب الفلك بالنظر في سير الشمس والقمر، وقد يكون ذلك، وقد يغلطون، فقد يغلطون في بعض الأحيان، وقد يصيبون، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: إن أخبارهم من جنس أخبار بني إسرائيل، لا تصدق، ولا تكذب، فقد يقولون: تكسف الشمس في كذا، ثم لا يقع، وقد يقع ذلك ويكون قد ضبطوا الحساب. فالحاصل أن أخبارهم قد يعتريها الخطأ والغلط، فلا يصدقون، ولا يكذبون، ولكن ينظر فيما أخبروا عنه، فإن وقع الكسوف شرع للناس ذكر الله عند الكسوف، واستغفاره والصلاة والصدقة وإعتاق الرقاب، وذكر الله
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 39.(4/11)
وتكبيره سبحانه وتعالى، لأن الرسول أمر بذلك، قال: «إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه واستغفاره (1) » وقال: «إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا (2) » ، وأمر بالتكبير، وأمر بإعتاق الرقاب، هذا كله سنة ومشروع، وثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما أخبار الحسابين فإنها ليست من علم الغيب، لكنها تخطئ وتصيب، قد يغلطون، وقد يصيبون.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر من الكسوف، برقم 1059، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، برقم 912.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1040، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف، الصلاة جامعة، برقم 911.(4/12)
باب ما جاء في التوكل(4/13)
باب ما جاء في التوكل
3 - بيان حقيقة التوكل
س: السائل: أ. أ. مصري مقيم بالمنطقة الشرقية، يقول: أود أن أتعرف على حقيقة التوكل على الله، ما حقيقة التوكل على الله؟ (1)
ج: حقيقة التوكل على الله هو الاعتماد عليه، سبحانه وتعالى في كل شيء، تعلم أنه مقدر الأمور ومسبب الأسباب، وأن كل شيء بقضائه وقدره، وتعمل الأسباب، تصلي وتصوم، وتعمل الأسباب متوكلا على الله جل وعلا في حصول المطلوب، من دخول الجنة والنجاة من النار، من ثمرة الزرع، ونتاج الحيوان، وربح التجارة، تعمل تأخذ بالأسباب الشرعية التي شرعها الله، وتعمل معتمدا على الله جل وعلا، ومتوكلا عليه في حصول النتيجة المطلوبة، من قبول العمل ومن نجاح الزراعة، ومن نجاح التجارة، إلى غير ذلك، تعمل وأنت تعلم أن كل شيء بيده سبحانه، وأنه مسبب الأسباب، ولكنك
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 404.(4/15)
تأخذ بالأسباب الشرعية، والمباحة، معتمدا على الله، راجيا منه أن يسدد خطاك، وأن ينفع بأسبابه.
***
س: يقول السائل: ما هي حقيقة التوكل؟ وهل التوكل على الله يكون بالإلحاح بالدعاء، مع كثرة الاجتهاد في فعل الصالحات؟ (1)
ج: التوكل على الله هو الاعتماد عليه، والتفويض إليه في أمورك كلها، مع العمل، تفوض أمورك إلى الله، وتعلم أنه سبحانه العالم بحالك، وأن كل شيء بيده، وأنه إن لم يعنك لم تنفع أعمالك، ولم تستطع أن تعمل فتعتمد عليه جل وعلا، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2) ، تعتمد عليه في إعانتك وفي قبول عملك، وتسأله العون والتوفيق والقبول، وهكذا مع فعل الأسباب، تعتمد على الله، وتسأله العون والتوفيق مع البدار بالسبب، مع الجد في العمل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز (3) » .
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم 432.
(2) سورة المائدة الآية 23
(3) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة، برقم 266.(4/16)
4 - بيان أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل
س: تقول السائلة: أقرأ في القرآن الكثير من الآيات التي تحث على التوكل على الله، أسأل كيف يكون هذا التوكل في حياتنا، مع رجاء ضرب أمثلة لذلك؟ (1)
ج: التوكل من أهم الواجبات على المؤمن، والله يقول سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2) ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (3) ويقول جل وعلا: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (4) التوكل من أهم العبادات، ومن أوجب العبادات، وهو التفويض إلى الله، والاعتماد عليه، والثقة به سبحانه، مع تعاطي الأسباب، تعلم أنه مسبب الأسباب، وأنه مصرف الأمور، وأن كل شيء بيده، جل وعلا، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، هو النافع الضار، هو المعطي المانع، ولكنك مع هذا تأخذ بالأسباب التي تفيدك، فتأكل عند الجوع، وتشرب عند الظمأ، وتتزوج، وتكسب الكسب الحلال، بالبيع والشراء أو بغير ذلك، لا تعطل الأسباب، وأنت مع هذا متوكل على الله، تعلم أنه لن يصيبك إلا ما قدر الله لك، وأنك لن تنجح إلا بتوفيقه وتيسيره سبحانه وتعالى، فتأخذ بالأسباب، وتعمل بالأسباب مع الثقة بالله والاعتماد
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 255.
(2) سورة المائدة الآية 23
(3) سورة الطلاق الآية 3
(4) سورة إبراهيم الآية 12(4/17)
عليه، فتعالج المريض، وأنت متوكل على الله، تعلم أنه هو الذي يشفي المريض، تعالجه تذهب به إلى الطبيب، تفعل ما قال الطبيب من إعطائه دواء، أو كيه أو حمية، أو ما أشبه ذلك، تبيع وتشتري وأنت متوكل على الله في ذلك، تعلم أنه لن يحصل لك إلا ما كتب الله لك، تؤجر ما عندك من العمارات، على من يرغبها منك لتنتفع بالأجرة، تسقي حرثك، تسقي دوابك، تعلفها حتى تستفيد منها، وأنت متوكل على الله في كل شيء، يعني تأخذ بالأسباب في كل شيء، مع الثقة بالله والاعتماد عليه، وأنه هو مسبب الأمور ومصرفها، وهو النافع الضار، المعطي المانع، وأنت إنما تفعل الأسباب المأمور بها، كما أنك تسافر إلى الحج، وإلى العمرة وللتجارة، أخذا بالأسباب وأنت تعلم أن الله سبحانه هو المسبب، وهو الذي بيده إيصالك إلى الحج، وبيده إعانتك على مناسك الحج، وبيده إعانتك على مقاصد التجارة، والرجوع من السفر، إلى غير ذلك.
***
س: السائلة: ف. أ. ي. من الأردن تقول: هل من أساس التوكل على الله عدم الاستعانة بالآخرين لقضاء أمور الدنيا؟ (1)
ج: التوكل على الله معناه الاعتماد عليه، والأخذ بالأسباب الشرعية لهذا وهذا، فالتوكل على الله التفويض إليه، والاعتماد عليه، والإيمان به، وأنه مدبر الأمور وقاضي الحاجات سبحانه وتعالى،
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم 412.(4/18)
ولكن مع هذا يأخذ بالأسباب، فالتوكل يجمع الأمرين: الاعتماد على الله، ثم الأخذ بالأسباب، فيعتمد على الله ويأكل ويشرب ويتزوج، يجامع أهله لطلب الولد، ويسافر لحاجات التجارة، ولا بأس: يتوكل على الله، ويستعين بإخوانه في إصلاح سيارته، في إصلاح مزرعته، في بناء بيته، لا بأس بهذا.
فالتوكل يجمع الأمرين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز (1) » ، فأمر بالحرص على ما ينفع، وأمر بالاستعانة بالله، فالتوكل أن تستعين بالله وتعتمد عليه، تعلم أنه سبحانه مصرف الأمور، ومدبر الأمور، وأن ما دبره وقضاه وشاءه كان، ومع هذا تأتي بالأسباب تحرص على ما ينفعك، تبيع تشتري، تحرث الأرض، تسافر للتجارة، تستعين بأخيك في إصلاح السيارة في المزرعة، كل هذا لا بأس به.
***
س: أرجو أن تتكرموا بشرح بعض المعاني بالتفصيل، ليطبقها الإنسان في حياته تطبيقا عمليا، مثل التوكل على الله (2) .
ج: التوكل على الله معناه: التفويض إليه والاعتماد عليه سبحانه، فهو يخرج من بيته متوكلا على الله، يصوم متوكلا على الله، يصلي
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة، برقم 266.
(2) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 409.(4/19)
متوكلا على الله، يعتمد عليه في أدائه هذه الأمور لا على نفسه، ولا على زيد ولا عمرو، بل هو يصلي ويتوكل على الله أن الله يعينه على أدائها، يصوم ويتوكل على الله أن الله يعينه على أداء الصيام، يخرج يبيع ويشتري يتوكل على الله أن الله ينفع بأسبابه، يستدين ويتوكل على الله أن الله يعينه على أداء الدين، يخرج إلى الحج وهو يتوكل على الله أن الله يعينه على أداء الحج، وهكذا يستعين الله في كل أموره، ويتوكل عليه، بل مع فعل الأسباب مع تعاطي الأسباب التي شرعها الله وأمره بها.
***
س: ن. ع. ح: من القصيم، تقول: إنها امرأة متزوجة، وعندها ثلاثة من الأطفال، ومدرسة وتحمد الله على ذلك، المشكلة عند دخولها إلى المدرسة ينتابها شيء من الخوف، وهذا الخوف يتحول إلى وسوسة حيث تقول: لا أستطيع أن أتكلم مع زميلاتي وعندما أتكلم مع إحداهن أشعر بالخجل والخوف الشديد، ولا أستطيع أن أرد كلمة واحدة، وأنا أشكو إلى الله قبل كل شيء ثم لكم أن توجهوني إلى الأمر الذي يفرج عني بالدعاء الخالص وأن يزيد إيمانا إلى إيماني جزاكم الله خيرا، وما سبب ذلك مأجورين؟ (1)
ج: هذا الكرب الذي يصيبك كله من الشيطان، فالواجب التعوذ
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 409.(4/20)
بالله من الشيطان الرجيم، والثقة بالله والاعتماد على الله وسؤاله التوفيق والإعانة، هكذا يجب عليك وعلى أمثالك، أن يكون عندك القوة والنشاط، والهمة العالية، والتوكل على الله، وأن تسأله سبحانه أن يعينك وأن يثبت قلبك على الهدى، وأن يعينك على أداء الواجب وعلى تعاطي ما شرعه وعلى ترك ما نهى الله عنه، وإذا صدقت يسر الله أمرك هم نساء مثلك، يجب ألا تهتمي بهذا الأمر، وأن يكون عندك القوة والنشاط في الدروس، وفي السلام، وفي التحدث مع زميلاتك ونحو ذلك واضرعي إلى الله أن يعينك على هذا، وأن يثبت قلبك ولسانك على الحق، وأن يعينك على كل خير، وأن يمنعك من نزغات الشيطان، وعليك أن تحذري هذه الوساوس، وإذا أحسست بشيء من هذا، قولي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان، ويزول هذا الأمر إن شاء الله، كل هذا من الشيطان، فأنت عليك الصدق في اللجوء إلى الله وسؤاله التوفيق والإعانة والعافية من كل سوء، وعليك مع هذا التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والجد في هذا والتكرار، نسأل الله لك التوفيق والهداية، ونسأل الله لك العافية من كل سوء.
***
س: سماحة الشيخ: تشكو الكثير من الأخوات من الوسوسة في الصلاة والطهارة، البعض منهن تجلس ما يقارب من نصف ساعة في الحمام، تعيد وتكرر الوضوء، ما العلاج الناجح(4/21)
في ذلك، سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا من الشيطان، الواجب الحذر من وساوسه والصدق في ذلك، وسؤال الله العافية بصدق، وبذلك يزول هذا الوسواس، لا في الصلاة، ولا في الطهارة، الواجب على المصلي أن يعرض عن هذه الوساوس رجل أو امرأة، وأن يتعوذ بالله من الشيطان ولو في الصلاة، ولما «اشتكى عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا"، فقال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني (2) » .
فوصيتي للجميع من الرجال والنساء التعوذ بالله من الشيطان من هذا الوسواس، عند الصلاة، أو في الطهارة أو في الطواف، أو في غير ذلك، يكون عند الرجال وعند المرأة القوة والنشاط والهمة العالية، والتعوذ بالله من الشيطان وسؤال الله الإعانة والتوفيق والثبات على الحق والعافية من نزغات الشيطان، ويتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، إذا أحس بهذا الشيء، وإذا صدق مع الله في التعوذ، وسأل الله العافية، أعاذه الله وكفاه شر عدوه، وأورده الصباح
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 409.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة برقم 2203.(4/22)
والمساء لها الأثر في ذلك، يكثر من الأوراد التي فيها الدعاء وسؤال الله العافية من كل سوء، وسؤال الله العافية من الشيطان، سؤال الله الهداية والسداد، فالأوراد لها أثرها العظيم.(4/23)
5 - الأخذ بالعلاج أفضل من تركه
س: حقيقة التوكل على الله، منها: الأخذ بالأسباب، ولكن سمعت بعض المشايخ يقول: لو أن الإنسان أصيب بمرض، ولم يستعمل الدواء لكان أجره أعظم من الذي استعمل الدواء، ولا يصبر على الألم. ما رأي سماحتكم في ذلك؟ (1)
ج: الصواب أن العلاج أفضل، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم، وعالج الصحابة، وهم أفضل الناس، فالمريض إذا ترك الدواء فلا حرج عليه، ولكن لو عالج فهو أفضل، وأخذ الدواء النافع المباح هو أفضل، ومن الدواء القراءة على المريض، هذا من الدواء، ومنه الكي لمن يناسبه الكي، والحجامة لمن تناسبه الحجامة، وشرب العسل لمن يناسبه شرب العسل، والفصد لمن يناسبه الفصد إلى غير ذلك، فتعاطي الأسباب أمر مشروع، للحديث: «عباد الله تدووا (2) » ، «ولما قالوا: يا رسول الله، إن لنا رقى نسترقي
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 154.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه، برقم 2038.(4/23)
بها، ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر الله شيئا؟ قال: هو من قدر الله (1) » . تعاطي الأسباب من قدر الله، ولما رجع عمر من الشام لما وقع بها الطاعون، وأشار إليه بعض المسلمين بالرجوع، وعزم على ذلك، فقيل له في ذلك: أتفر من قدر الله؟ قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله، يعني: نفر من قدر الله الذي فيه الخطر، إلى قدر الله الذي فيه السلامة، ثم جاءه عبد الرحمن بن عوف، فحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم الطاعون في بلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنت بها فلا تخرجوا فرارا منه (2) » ، فحمد الله أن الله وفقه لموافقة الحديث، وانصرف إلى المدينة. فالحاصل أن التداوي وتعاطي الأسباب أمر مشروع ومطلوب، وهو أفضل من ترك ذلك، وقد يكون بعض الأسباب واجبا، يأكل لئلا يموت ويشرب، هذا واجب، وتوقي ما يضره كأن لا يلقي نفسه في بئر كل هذا لازم له، فتعاطي الأسباب التي يحتاج إليها أمر مطلوب ومشروع، وتوقي أسباب الهلاك أمر واجب متحتم، والله فطر العباد على هذا الشيء، وجاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو لا ينافي التوكل. التوكل: الثقة بالله
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث ابن أبي خزامة رضي الله عنه، برقم 15047
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم 5728، ومسلم في كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، برقم 2218.(4/24)
والاعتماد عليه، والتفويض إليه، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن كل شيء بقضائه وقدره، ومن ذلك فعل الأسباب، المتوكل يعتمد على الله ويثق به، ويعلم أن كل شيء بقضائه وقدره، ومع ذلك يأخذ بالأسباب، يأكل لئلا يجوع، يشرب لئلا يهلك، يستدفئ في الشتاء عن البرد، إلى غير هذا من الأسباب التي شرعها الله لعباده.
***(4/25)
6 - حكم تعطيل الأسباب بزعم قوة اليقين
س: أمن الممكن ألا يأخذ المؤمن بالأسباب إذا وصل إلى درجة معينة من الإيمان، لقوة يقينه؟ (1)
ج: ليس كذلك، لا بد من الأخذ بالأسباب، مهما كان المؤمن، حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أفضل الخلق وأرفع الناس درجة في الإيمان، كانوا يأخذون بالأسباب، وهم أكمل الناس إيمانا، وأرجحهم ميزانا، وأكملهم عقولا، ومع هذا يأخذون بالأسباب، والنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ بالأسباب، حمل السلاح، وجعل على رأسه البيضة تقيه السلاح، وظاهر بين درعين عليه الصلاة والسلام، وهو سيد ولد آدم وأفضل الخلق، وأكملهم إيمانا، وأكملهم توكلا عليه الصلاة والسلام، وكان يأكل ويشرب ويجامع النساء، يأخذ بالأسباب،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط 166.(4/25)
فلا يجوز تعطيل الأسباب لأي أحد من الناس، مع القدرة، فعلى كل أحد، وإن بلغ في الإيمان القمة، فإنه يأخذ بالأسباب، كما أن الرسل وهم أفضل الناس، وأكمل الناس إيمانا، وهم القمة في كل شيء يأخذون بالأسباب، عليهم الصلاة والسلام.
***(4/26)
7 - حكم قول إني متوكل على الله ثم عليك
س: بعض الناس يردد عبارة: إني متوكل على الله ثم عليك أن تنجز لي هذه المعاملة، ما رأيكم بهذه العبارة سماحة الشيخ؟ (1)
ج: لا بأس بـ: ثم. أما: وعليك. فلا يصلح، لكن لو قال: وكلتك أحسن من توكل، لأن أهل العلم يمنع التوكل على المخلوق مطلقا، فيقول: وكلتك على كذا، أو أنت وكيلي، أو اعتمدت على الله ثم عليك، أو بالله ثم بك، إذا جاءت ثم زال المحذور، لكن ترك لفظة: متوكل أحسن، وإلا فالمعنى صحيح، متوكل يعني أنت معتمدي في هذا الأمر، يعني أعتمد على الله ثم عليك بعد الله جل وعلا.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم 367.(4/26)
8 - بيان الفرق بين التوكل والوكالة
س: هل يجوز إعطاء وكالة من شخص لآخر، ليدير أعماله في فترة غيابه، والذي عرفنا أنه لا يجوز التوكل إلا على الله وحده؟ (1) .
ج: الوكالة غير التوكل أيها السائل: الوكالة معناها أن يقوم شخص مقامه في إدارة عمله، في بناء بيته، في إصلاح سيارته، في غير ذلك، هذا لا بأس به، هذه وكالة، تفويض منه، إذن له، يأذن له: افعل كذا وكذا. أما التوكل فهو الاعتماد على الغير بأنه يتصرف في الأمور بقدرته. فالله هو الذي يعتمد عليه سبحانه وتعالى، والتوكل يكون على الله، ومعنى التوكل أن يعتمد عليه، لأنه قادر على كل شيء ومسبب الأسباب، والاعتماد على الله والتوكل عليه سبحانه وتعالى، ثم الإنسان يفعل الأسباب، يعتمد على الله بأنه مصرف الأمور، ومسبب الأسباب، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعتمد على المخلوق، ولا على نفسه، بل يعتمد على الله وحده، ويتوكل عليه، ومع هذا يأخذ بالأسباب، ويتعاطى الأسباب، فيزرع الأرض، ويغرس الغرس، ويبني ما يحتاج إليه، ويوكل من يحتاج إليه حتى ينوب عنه في الغرس، في الزراعة، في البناء، ليس في هذا بأس، الوكالة شيء، والتوكل شيء آخر. أما كونه يتوكل على إنسان بأن يعتقد فيه أنه يتصرف في الكون،
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 29.(4/27)
وأنه يدبر الأمور، وأنه له القدرة على التصرفات بدون مشيئة الله وما أشبه ذلك. هذا لا يجوز مع المخلوق أبدا، يتوكل على الله وحده سبحانه وتعالى.(4/28)
باب ما جاء في الخوف والرجاء(4/29)
باب ما جاء في الخوف والرجاء
9 - شرح معنى الخوف من الله تعالى
س: سائل يرجو شرح معنى الخوف من الله (1) .
ج: المؤمن يخاف الله في كل شيء، لا يكون آمنا من مكر الله، يقول سبحانه: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (2) ، ويقول سبحانه: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3) ، ويقول سبحانه: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} (4) ، ويقول عن عباده الصالحين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (5) ، ويقول سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (6) ، ويقول سبحانه: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (7) .
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم 362.
(2) سورة الأعراف الآية 99
(3) سورة آل عمران الآية 175
(4) سورة المائدة الآية 44
(5) سورة الأنبياء الآية 90
(6) سورة الإسراء الآية 57
(7) سورة آل عمران الآية 175(4/31)
فالواجب خوف الله مع فعل ما أوجب، وترك ما حرم الله، يكون خوف يحمل على فعل الأسباب، يخاف الله خوفا حقيقيا، يحمله على أداء الواجب، وعلى ترك المحرم، كما يرجوه أنه يدخله الجنة، وينجيه من النار، إذا أدى حقه، فهو يخاف الله، فيعمل ما أوجب الله، ويدع ما حرم الله، وهو يرجو ويخاف، لكن مع العمل، مع أداء الواجبات، وترك المحارم، هذا هو الصادق الذي يخاف الله، ويرجوه، هو الذي يخاف ويرجو مع العمل مع أداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند حدود الله، يرجو ثوابه، ويخشى عقابه، سبحانه وتعالى، هكذا جاءت الرسل، وهكذا جاء القرآن الكريم.
***(4/32)
10 - بيان مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف
س: المستمع: أ. ل. ع. يسأل ويقول: ما مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف؟ (1)
ج: أهل السنة والجماعة يقولون: يجب الرجاء والخوف، والعبد يسير إلى الله بين الرجاء والخوف، كجناحي الطائر، يخاف الله ويرجوه، يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويجاهد، وهو مع ذلك يخاف الله ويرجوه، كما قال تعالى عن الرسل وأتباعهم، يقول سبحانه:
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 51.(4/32)
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (1) رغبا يعني رجاء، ورهبا يعني خوفا: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (2) وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (3) . فالمؤمن يرجو رحمة ربه، ويخاف عذابه، ويتقيه دائما، فلا يقنط، ولا يأمن، قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (4) وقال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (5) ، وقال عز وجل: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (6) .
فالواجب الخوف والرجاء، لا أمن، ولا قنوط، يرجو ربه، ولا ييأس، ولا يقنط، ولا يخاف، ولا يأمن أيضا، يخاف عقوبته، يخاف الذنوب وشرها، هكذا المؤمن، وهذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، يجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء حتى يلقى ربه. قال بعض أهل العلم: ينبغي أن يغلب الرجاء في حال المرض، والخوف في حال الصحة، حتى ينشط في العمل الصالح، وحتى يحذر محارم الله، ولكن المعتمد في هذا أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء دائما.
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 90
(2) سورة الأنبياء الآية 90
(3) سورة الإسراء الآية 57
(4) سورة يوسف الآية 87
(5) سورة الزمر الآية 53
(6) سورة الأعراف الآية 99(4/33)
س: قرأت في أحد الكتب وهو كتاب: (حكم وإرشادات) ، يقول صاحب الكتاب هذه الوصية: كن راجيا عفو الله تعالى ورحمته، وحسن الظن بالله عز وجل، أرجو من سماحتكم أن تتفضلوا بشرح هذه العبارة، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: يجب على المؤمن دائما وهكذا المؤمنة، أن يسير إلى الله في أعماله وأقواله بين الخوف والرجاء، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، لأن الله جل وعلا أمر عباده بأن يحسنوا به الظن، وبأن يخافوه ويرجوه، فقال جل وعلا: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} (3) ، وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (4) ، فالمؤمن مأمور برجاء ربه وخوفه سبحانه، فيخافه ويرجوه، قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (5) {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (6) ، وقال سبحانه: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} (7) .
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 396.
(2) سورة آل عمران الآية 175
(3) سورة الكهف الآية 110
(4) سورة البقرة الآية 40
(5) سورة الحجر الآية 49
(6) سورة الحجر الآية 50
(7) سورة غافر الآية 3(4/34)
والمعنى حث الناس على الخوف والرجاء، فلا يقنط ولا يأمن، ولكن يرجو الله ويخافه، ويجتهد في العمل الصالح، وترك ما حرم الله عليه، ويحسن ظنه بربه، وأنه سبحانه يوفي بما وعد، وهو الكامل وهو الكريم الجواد، فمن أدى ما عليه فالله جل وعلا سيوفي له بما وعده من الخير، أما إن قصر ولم يقم بالواجب فلا يلومن إلا نفسه، وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يبيتن أحد منكم إلا وهو يحسن ظنه بالله» ، ولا يستقيم له هذا إلا إذا أحسن الفعل، إذا أحسن العمل إذا اتقى ربه وجاهد نفسه، وحاذر محارمه، فإن هذا هو الذي يستطيع أن يحسن ظنه بربه.
أما من ساءت أعماله وساءت أقواله فكيف يستطيع أن يحسن ظنه بربه، وقد بارزه بالمحاربة، وتعدى حدوده، وترك أوامره، وارتكب نواهيه، فتحسين الظن بربه في هذه الحالة غرور، وفيه أداء من الشيطان، فمن ساء فعله ساء ظنه، فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يراقب الله سبحانه، وأن يجتهد في طاعته وترك معصيته، وأن يحسن الظن به سبحانه، لكونهما قاما بما يجب وتركا ما نهى الله عنه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم 2675.(4/35)
11 - التفصيل في مسألة تغليب الخوف على الرجاء
س: سائلة تقول: يا سماحة الشيخ: عندي الخوف أكثر من الرجاء، هل لا بد أن يتساويا في ذلك؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، بعض أهل العلم يقول: ينبغي أن يكون الخوف أغلب في حال الصحة، لأن الله قال جل وعلا: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (2) ، وقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (3) ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (4) ، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} (5) {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (6) ، كون الخوف يغلب في الصحة، هذا أفضل عند أهل العلم، وإن تعادلا فلا بأس، الرجاء والخوف، أما عند المرض وعند الموت فينبغي أن يكون الرجاء أغلب، وحسن الظن بالله يكون بالرجاء أغلب في حال المرض وقرب الأجل، ينبغي للإنسان أن يحسن ظنه بربه دائما، ولا سيما عند المرض، يكون الرجاء أغلب وحسن الظن أغلب، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية والسلامة.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 411.
(2) سورة الرحمن الآية 46
(3) سورة إبراهيم الآية 14
(4) سورة الملك الآية 12
(5) سورة البينة الآية 7
(6) سورة البينة الآية 8(4/36)
12 - بيان معنى القنوط
س: ما معنى القنوط من رحمة الله وذلك من الكتاب والسنة؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: القنوط من رحمة الله هو اليأس، كونه لا يرجو الله يقنط أن الله يرحمه، هذا من الكبائر من كبائر الذنوب، ربنا جل وعلا نهانا عن هذا، قال جل وعلا: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (2) ، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (3) هذا لا يجوز لأحد أن يقنط من رحمة الله، يعني ييأس لكفره، أو لمعاصيه، بل عليه التوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه، وله البشرى بأن الله يقبل توبته، ويعظم أجره، ويجازى على ما فعل من الخير، أما اليأس والقنوط لأجل سوء العمل فهذا من تزيين الشيطان، ولا يجوز، بل يجب على العبد الحذر من ذلك، وألا يقنط وألا ييأس، بل يرجو رحمة ربه، وأن الله يتوب عليه، يرجو أن الله يقبل عمله ولا ييأس.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 379.
(2) سورة الزمر الآية 53
(3) سورة يوسف الآية 87(4/37)
13 - مسألة في الوعد والوعيد
س: هل تتفضلون بالحديث ولو موجزا عن الوعد والوعيد في شريعة الله؟ وقد تطرقتم إلى هذا في إجابة هذا المستمع. (1)
ج: نعم الوعد والوعيد وردا في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، فالوعد يوجب حسن الظن بالله، والوعد للموحدين وعدهم الله بالمغفرة والرحمة، إذا ماتوا على التوحيد وعدهم الله بالمغفرة والرحمة والجنة، وتوعد العاصين بالنار.
فالواجب على المسلم ألا يقنط ولا يأمن، ويكون بين الرجاء والخوف، لأن الله ذم الآمنين، وذم القانطين، فقال سبحانه: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (2) ، وقال سبحانه: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (3) . فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله، ويحذر المعاصي، ويسارع في التوبة، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله، ويقيم على المعاصي ويتساهل، ولكن يحذر معاصي الله، ويخافه ولا يأمن، بل يكون بين الخوف والرجاء، يحسن الظن بربه، ولكن
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 323.
(2) سورة الأعراف الآية 99
(3) سورة الزمر الآية 53(4/38)
لا يأمن ولا يقنط وييأس، بل يخاف ويحذر ولا يقنط ولا ييأس، فلا قنوط ولا يأس ولا أمن من مكر الله، ولكن بين ذلك، يعبد الله بين الخوف والرجاء، ويحسن ظنه بربه، ويرجو رحمته مع خوفه من عقابه وغضبه ومعاقبته، بسبب معاصيه وسيئاته، وهكذا الواجب على المؤمن أن يكون في سيره إلى الله بين الرجاء والخوف، لكن في حال الصحة، رأى بعض السلف أن يغلب جانب الخوف حتى يحذر وحتى يتباعد عن المعاصي، وبكل حال الواجب أن يسير إلى الله بين الرجاء والخوف، لا أمن ولا قنوط، وفق الله الجميع.(4/39)
14 - بيان أن تعظيم حرمات الله
والحذر من الوقوع فيها من علامات الخوف منه تعالى
س: أمامي رسالة تصور بعض الحالات النفسية التي تنتاب بعض الشباب، هذا شاب يقول: إنني فتى في السابعة عشرة، أؤدي ولله الحمد ما افترضه الله جل وعلا على عباده من أركان الإسلام وواجباته، وأجاهد نفسي على جعلها في أتم صورة، إلا أن في نفسي شعورا أحس من خلاله أنني أرتكب معصية موبقة، وأيضا توقعني في عذاب الله وسخطه، وقد ارتكبته من حيث لا أشعر، وأحس أنني مثل عبد كان عند النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصابه سهم من الكفار،(4/39)
في حرب خيبر، فاقل المسلمون: هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها من المغانم يوم خيبر، لم تصبها القسمة لتشتعل عليه نارا (1) » خلاصة الأمر أنني في معصية لا أعرفها، أرجو إجابتي نحو هذا الشعور، هل هو دليل خير وتقوى، أم دليل على غير ذلك؟ وأرجو التعليق على هذا جزاكم الله خيرا (2) .
ج: هذا من الدلائل على شدة خوفك من الله عز وجل، وتعظيمك لحرماته، فأنت على خير إن شاء الله، وعليك أن تبتعد عن هذا الخوف الذي لا وجه له، لأنه من الشيطان ليتعبك ويقلقك، ويضيق عليك حياتك، فاعرف أنه من عدو الله، لما رأى منك المحبة للخير، ورأى منك الغيرة لله، ورأى منك المبادرة للخيرات، أراد أن يتعبك، فاعصه وابتعد عما أراده منك، واطمئن إلى ربك واعلم أن التوبة كافية، وإن كان الذنب أعظم من كل عظيم فتوبة الله فوق ذلك، وليس هناك ذنب أعظم من الشرك، والمشرك متى تاب تاب الله عليه، وغفر له، فأنت
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم، برقم 6707، ومسلم في كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة، برقم 115.
(2) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم 88.(4/40)
عليك بالتوبة مما قد علمت أنك فعلته، وبعد التوبة ينتهي كل شيء، ولا ينبغي لك أن توسوس أو تطيع عدو الله في هذا الخجل، أو في هذا الخوف الذي قد يضرك، ولكن تعلم أنك بحمد الله قد فزت فوزا عظيما بالتوبة الصادقة النصوح، كما قال المولى سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (1) وهناك آيات أعظم في المعنى وهي: أن العبد متى تاب وأتبع التوبة بالإيمان والعمل الصالح أبدل الله تلك السيئة حسنة، جعل مكان كل سيئة حسنة، كما قال سبحانه في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (2) {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (3) {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (4) فأخبر سبحانه أنه يبدل سيئات هؤلاء حسنات، بسبب توبتهم الصادقة وإيمانهم وعملهم الصالح، فأنت بذكرك ذنبك الذي أشرت إليه، وتوبتك فيه من متابعتك ما جرى منك، من الأعمال الصالحة وبالإيمان والتصديق، والرغبة فيما عند الله، فالله سبحانه يبدلك بدل تلك السيئة حسنة، وهكذا جميع السيئات التي يتوب منها العبد، ويبدلها بالإيمان والعمل الصالح، الله يبدلها له حسنات سبحانه وتعالى فضلا منه وإحسانا.
__________
(1) سورة طه الآية 82
(2) سورة الفرقان الآية 68
(3) سورة الفرقان الآية 69
(4) سورة الفرقان الآية 70(4/41)
باب ما جاء في الرياء(4/43)
باب ما جاء في الرياء
15 - بيان معنى الرياء وكيفية تجنبه
س: أرجو أن تعرفوا لنا الرياء شرعا، وكيف نتجنبه؟ (1)
ج: الرياء مصدر راءى يرائي رياء فهو مراء، والمعنى أن يفعل العمل ليراه الناس، يصلي ليراه الناس، يتصدق ليراه الناس، قصده أن يمدحوه ويثنوا عليه، ويعرفوا أنه يتصدق أو أنه يصلي، أو يحج أو يعتمر لذلك، أو ما أشبه ذلك، وهكذا إذا قرأ ليمدحوه، ويسمى السمعة، إذا كان بالأقوال يسمى السمعة، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ليمدح، ويثني عليه، لا لله وحده سبحانه وتعالى، فهذا من الرياء في الأفعال، ويقال لما يسمع سمعة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه، فقال: الرياء (3) » .
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 164.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2986.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.(4/45)
يقول الله يوم القيامة للمرائين: «اذهبوا إلى ما كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء؟ (1) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «يقول الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (2) » .
فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن تكون أعماله لله وحده، يصلي لله، يصوم لله، يتصدق لله، يرجو ثوابه، يرجو مغفرته سبحانه، وهكذا يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، يحج، يعتمر، يعود المريض، يطلب ما عند الله من الأجر، لا رياء الناس، ولا سمعتهم، هذا هو الواجب على المؤمن، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3) نسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بين لبيد رضي الله عنه، برقم 2319.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2985.
(3) سورة الكهف الآية 110(4/46)
16 - بيان المقصود بالشرك الخفي
س: ما هو الشرك الخفي أو الشرك الأصغر؟ (1)
ج: ما يكون في القلوب من الرياء يسمى خفيا، لكونه يصلي يرائي، أو يقرأ يرائي الناس، أو يسبح ويهلل حتى يمدحوه، أو يتصدق حتى يمدحوه، وهو في نيته لمراءاتهم، هذا يقال له: شرك خفي. ويسمى الشرك الأصغر شركا خفيا، مثل: لولا الله وفلان، هذا من الله وفلان. يسمى شركا خفيا ويسمى شركا أصغر، وهكذا الحلف بغير الله، والنبي أو بالنبي، أو بأبيك أو بشرفك، هذا شرك أصغر، ويسمى شركا خفيا، لأنه يخفى على بعض الناس، ويقول كذلك بالأمانة، هذا شرك خفي، لأنه حلف بالأمانة أو بحياة فلان، أو بالأنبياء، كله شرك أصغر، وكله محرم، وكله لا يجوز.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 218.(4/47)
17 - الرياء يحبط العمل إذا قارنه
س: أخاف كثيرا من الرياء، والسؤال: هل المرائي يخلد في النار؟ وإذا تصدقت أو صليت أخاف كثيرا من الرياء، فبماذا توجهونني حول هذا الإشكال، جزاكم الله خيرا؟ . (1)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 334.(4/47)
ج: عليك أن تحذر الرياء، تجاهد نفسك وأن تتقي الله، وتعمل لله وحده، ولا ترائي الناس، لا بصدقات ولا بصلواتك، ولا بغيرها، لا بد من الجهاد، قال الله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1) .
فالشرك يحبط العمل، والرياء يحبط العمل إذا قارنه، فمن صلى يرائي فلا صلاة له، ومن قرأ يرائي فلا قراءة له، ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، يرائي فلا أجر له، وهكذا، بل عليه إثم وليس من الشرك الأكبر، فهو شرك أصغر، قد يدخل به النار، ويعذب على قدره، ويخرج من النار، وقد تكون له حسنات عظيمة، يرجح بها ميزانه ويسلم، فالمقصود أن الرياء، إذا كان الإنسان راءى، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليس بمنافق هو مؤمن، لكن يعرض له الرياء في بعض الصلوات، أو القراءة، هذا شرك أصغر، ولا يخرج من دائرة الإسلام، بل هو مسلم، عليه أن يجاهد نفسه في ترك هذا الرياء، حتى يخلص لله في أعماله.
__________
(1) سورة الكهف الآية 110(4/48)
س: أعاني كثيرا من الرياء، مع أنني أصلي وأصوم وأزكي وأعمل الأعمال الصالحة، فهل آثم في ذلك؟ وهل أدخل في الشرك الأصغر؟ (1) .
ج: عليك أن تحذر الرياء، والرياء: مراءاة الناس بأعمالك، قراءة أو صلاة، أو صدقات أو غير ذلك، يجب أن تحذره، وأن تعتمد الإخلاص لله في أعمالك، وألا تبالي بالمخلوق، يكون عملك لله وحده، لا تقصد به أحدا من الناس، لا في قراءة، ولا في أمر بالمعروف، ولا في نهي عن منكر، ولا في صلاة ولا في غير ذلك، تقصد وجه الله، تقصد بأعمالك وجه الله، والقربة لديه سبحانه وتعالى، ولو كان عندك أمك، أو أبوك أو أقرباؤك الآخرون، تجعل القصد وجه الله جل وعلا، واعمل ابتغاء مرضاته، سواء كان العمل مع أمك أو مع أبيك، أو مع غيرهم، فالواجب أن تكون أعمالك كلها لله وحده، ويقصد بها وجهه الكريم.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 381.(4/49)
18 - حكم الامتناع عن العمل الصالح بحجة الخوف من الرياء
س: يقول السائل: إنه كان يصلي بالناس، وله صوت حسن وجميل، وكان يتعمد أيضا تحسين صوته، وخوفا من الرياء امتنع عن الإمامة، وجعل أناسا آخرين يصلون بالناس، رغم أنهم لا يقرءون ولا يكتبون، كيف توجهونه؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نوجهه بأن يصلي بالناس ويحسن صوته والحمد لله، ويجاهد نفسه بعدم الرياء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن (2) » أي يحسن صوته به، ومر ذات ليلة على أبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فاستمع له النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح أتاه أبو موسى، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أني سمعت صوتك، وقال: «لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود (3) » يعني صوتا من أصواتهم، فقال أبو موسى رضي الله عنه: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا، أي حسنته
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم 293.
(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) برقم 7527.
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن، برقم 5048، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، برقم 793.(4/50)
لك تحسينا، فتحسين الصوت الذي فيه منفعة للمسلمين ليستمعوا وينصتوا ويتدبروا، هذا أمر مطلوب، وليس هذا من الرياء، هذا من الإحسان، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «زينوا القرآن بأصواتكم (1) » فتزيين الصوت ينفع الأمة، وينفع المستمعين، وأنت تفعله لنفعهم لا ليمدحوك، دع عنك الرياء، ولكن تفعله حتى يستفيدوا وينتفعوا.
س: تسأل المستمعة وتقول: كيف يكون الرياء داخل الإنسان؟ وكيف يتجنب الإنسان ذلك الشعور؟ جزاكم الله خيرا (2) .
ج: الرياء كونه يصلي حتى يمدحه الناس، أو يقرأ ليمدحه الناس، أو يتصدق ليمدحه الناس بالجود، هذا الرياء، يعني يفعل العمل الصالح حتى يثني عليه من الناس، يرائيهم، ما هو لأجل الله، بل يتصدق حتى يقال: إنه جواد، يصلي ليقال إنه يصلي، يقرأ كذلك، قصده ثناء الناس
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، برقم 18024، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب تزيين القرآن بالصوت، برقم 1015، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1468، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب حسن الصوت بالقرآن، برقم 1342.
(2) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 431.(4/51)
عليه، وليمدحوه هذا الرياء وهو شرك، يقول صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه، قال: الرياء (1) » .
فالواجب الحذر، وأن تكون العبادات لله وحده، من صلاة أو قراءة، أو صدقة، أو تسبيح، أو تهليل، أو غير هذا، يجب أن يكون لله وحده لا رياء ولا سمعة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.(4/52)
19 - حكم صاحب الرياء إذا مات ولم يتب
س: هل الشرك الأصغر وهو الرياء مخلد صاحبه في النار أم لا؟ (1) .
ج: الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه، فهو مثل الكبائر لا يخلد صاحبه في النار، مثل قوله: لولا الله وأنت، ما شاء الله وشئت، ومثل يسير الرياء، ومثل الحلف بغير الله، كل هذه من باب الشرك الأصغر، لا توجب الخلود في النار، ولا تبطل الأعمال، ولكنها محرمة، من جنس كبائر الذنوب، بل أشد من كبائر الذنوب، ولكنها لا توجب خلوده في النار، ولا توجب اليأس من المغفرة.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 20.(4/52)
20 - وجوب الحذر من الوقوع في الرياء
س: ما حكم من يداخله الرياء في بعض الأعمال القليلة؟ وللعلم هو يتألم أشد الألم بسبب هذا، وهو في قلق مستمر، ما نصيحته سماحتكم؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نوصي كل مسلم بالحذر من الرياء، دقيقه وجليله، كثيره وقليله، نوصي بالحذر، والرياء هو كونه يعمل عملا لأجل الناس، لأجل يسمعونه أو يرونه، حتى يمدحوه، ونحو ذلك، يصلي حتى يروه أو يتكلم بوعظ حتى يثني عليه، أو يقرأ حتى يثني عليه أو ما أشبه ذلك، يعني يعمل من أجل رياء الناس وحمدهم وثنائهم ونحو ذلك، يجب الحذر، وهذا الرياء يبطل العمل، فلا يكون له ثواب، يكون صاحبه آثما، وهذا من الشرك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم آمرا للصحابة: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه فقال: الرياء (2) » خافه عليهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، وسماه شركا أصغر.
فالواجب الحذر منه، فالذي يقرأ يرائي الناس قد أشرك شركا أصغر، أو يصوم لأجل أن يقول الناس: هذا صائم يرائي الناس أو يتصدق يرائي الناس، أو يحج يرائي الناس، أو ما أشبه ذلك الواجب الإخلاص لله وأن يعمل لله احتسابا، لا يرائي أحدا من الناس.
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم 340.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.(4/53)
21 - بيان أن الرياء شرك ومن أعمال المنافقين
س: أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري، وأنا مستقيم ومؤد لواجباتي الدينية ولله الحمد، إلا أنني أشعر بأنني أميل للرياء والسمعة في أعمالي كالصلاة وغيرها من الأعمال، وهذا والله رغما عني وأنا ألح على الله بالدعاء، بأن يخلصني من هذا البلاء، ولكن دون جدوى، سؤالي: هل أعتبر مشركا بالله؟ وهل اعتبر كمن يرائي بأعماله عامدا متعمدا، أم أن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذني، حيث إن ذلك بغير إرادتي؟ أرجو الإجابة على سؤالي هذا، وأن تدلوني على ما يخلصني من هذه البلوى. (1)
ج: لا شك أن الرياء منكر، وشرك، ومن أعمال المنافقين، فالواجب عليك الحذر منه وجهاد نفسك حتى تتخلص منه، مع سؤال الله سبحانه وتعالى، والضراعة إليه أن يعافيك من ذلك ولا تيأس، بل استمر في الدعاء والضراعة إلى الله في أن يوفقك، وأن يهديك حتى تدعه، وجاهد نفسك واصبر وصابر في ذلك، حتى يعافيك الله من ذلك، وهو من خلق أهل النفاق، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (2) .
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 152.
(2) سورة النساء الآية 142(4/54)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (1) » ، ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر فلان إليه (2) » فأنت جاهد نفسك، وأبشر بالخير، ومن جاهد أعانه الله، يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3) فإذا جاهدت نفسك في هذا السبيل فأبشر بالخير، والله سوف يعينك ويهديك السبيل القويم، ولا تيأس ولا تقنط واصبر وصابر، واسأل ربك العون، وأبشر بالخير الذي وعد الله به الصادقين والصابرين، وهذا شرك أصغر، وليس بشرك أكبر، بل هو من الشرك الأصغر، كما قال عليه الصلاة والسلام، يخاطب الصحابة: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر (4) » فهو قد أصاب غيرك كما أصابك، فعليك بالصبر وسؤال الله العافية، وهو ليس من الشرك الأكبر الذي يحبط الأعمال، ولكنه شرك أصغر، يحبط العمل الذي قام به، فإذا قمت تصلي صلاة من أجل الرياء بطلت هذه الصلاة التي فعلتها للرياء، وإذا تصدقت للرياء بطل ثوابها، وإذا سبحت أو ذكرت الله للرياء، أو قرأت القرآن للرياء،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة، برقم 4202.
(2) ابن ماجه الزهد (4204) .
(3) سورة العنكبوت الآية 69
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.(4/55)
ما لك ثواب، بل عليك إثم، وإذا جاهدت نفسك في تركه والحذر منه أعانك الله ويسر أمرك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (2) فأبشر بالخير واصبر وصابر والله يعينك.
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 4(4/56)
22 - وجوب مجاهدة النفس للتخلص من العجب والرياء
س: أولا يا سماحة الشيخ، أعرفك أنني أحبك في الله تعالى، وأرجو الله ثم منك أن تدعو الله لي بظهر الغيب، أن يرزقني الإخلاص في كل أعمالي الدينية والدنيوية، حيث إنني دائما أشعر أن عملي يخالطه شيء من الرياء، وإذا ما قرأت القرآن وسمعت الناس ينصتون إلي ينتابني حالة من العجب، وجهوني سماحة الشيخ حتى أكون مخلصا لله تعالى، وهل يؤثر ذلكم الإحساس على عملي؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نقول: أحبك الله الذي أحببتنا له، ونسأل الله أن يمنحك الإخلاص والتوفيق والهداية، نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية، وأن تكون مخلصا في أعمالك كلها، ونوصيك بالحذر من العجب والرياء، وأن تجاهد نفسك، فإذا جاهدت نفسك فأبشر بالخير إن شاء الله، إذا قرأت القرآن أو صليت أو فعلت شيئا من الخير فاحرص على أن يكون ذلك
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 309.(4/56)
لله وحده، ليس فيه رياء ولا سمعة، وإذا خطر لك شيء فاطرده بالاستعاذة بالله من الشيطان، وبالحذر، فإن المجاهد يعان، ربنا يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) ، فكلما عرض لك شيء من الرياء فعليك بالمجاهدة والطرد له بالتعوذ بالله من الشيطان، والحرص على الإخلاص لله سبحانه في قراءتك وفي صلاتك وفي جميع العبادات.
__________
(1) سورة العنكبوت الآية 69(4/57)
23 - وجوب إحسان الظن بالله ومحاربة الوساوس الشيطانية
س: إنسان دوما مشغل نفسه باليوم الآخر، وبالموت وبالحساب يوم القيامة، ويخاف أن يكون من أهل النار، وأن عمله لا يقبل منه، وأنه قد يكون فيه شرك، ويخاف أن يدخل عليه الشرك من حيث لا يدري، ودوما يردد قوله: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا لا أعلم» ، ماذا عليه؟ وهل عليه إثم؟ ، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: عليه أن يجتهد في محاربة الشكوك، وهو إن شاء الله على خير، لأن هذا حمله عليه الخوف من الله، والحذر من الشرك، فعليه أن يحاسب نفسه، وأن يسأل ربه العون والتوفيق، وأن يحذر مكائد
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم 335.(4/57)
الشيطان، فإن الشيطان يؤذي الناس بالوساوس، فعليه أن يحذر مكائد الشيطان، ويحسن ظنه بربه، ويجتهد في العمل الصالح، ولا يشغل نفسه بهذه الوساوس، فإذا أحس به يتعوذ بالله من الشيطان، ويجتهد في أن تكون أعماله لله وحده، ليس فيها رياء ولا سمعة، والشيطان عدو مبين، يجب أن يتحرز منه بالتعوذ بالله من الشيطان، كلما أشغله بهذه الوساوس.(4/58)
24 - بيان كفارة الرياء
س: ما كفارة الرياء؟ وما هو الرد على من أثنى علي بالمدح كمن يقول: فلان يصلي ويذكر الله، حتى لا يدخل في عملي رياء؟ وقانا الله وإياكم شر هذا المرض. (1)
ج: كفارة الرياء التوبة إلى الله، وهكذا كل معصية وكل شرك، توبته ودواؤه التوبة إلى الله التوبة النصوح، من ندم على الماضي والإقلاع عن الرياء ونحوه، والعزم الصادق ألا يعود فيه، وإذا مدحك أحد تقول: يا أخي اتق الله، لا ينبغي المدح، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب (2) » ، لأن المدح قد
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 331.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح، رقم (3002) .(4/58)
يفضي إلى العجب والكبر، فينبغي للأخ إذا دعت الحاجة ألا يستطيل في المدح، بكلمات قليلة إذا دعت إليها الحاجة.
س: رسائل من مجموعة من أخوات في الله يقلن: سماحة الشيخ نحن مجموعة فتيات على طريق خير إن شاء الله، ونحاول جاهدات عمل كل خير يرضي وجه الله، ولكن مع ذلك يصيبنا من الشرود وعدم التدبر والتركيز أثناء العبادة، وخاصة قراءة القرآن الكريم، والصلاة مما يجعلنا في حالة عدم استقرار نفسي، وإحساس بعدم قبول أعمالنا، ونحن نخشى الرياء في بعض الأعمال التي نقوم بها والله المستعان. نرجو من سماحتكم توجيهنا والدعاء لنا والنصح، جزاكم الله خيرا. (1)
ج: نسأل الله أن يمنحكن التوفيق وسداد الرأي والهداية لأقوم طريق، وأوصيكن بتقوى الله والاستمرار في عمل الخير والحذر من وساوس الشيطان وتزيينه، فإن الشيطان عدو مبين يريد أن يثبطكن عن الخير، فاحرصن على الحذر من وساوسه واستقمن على الخير، واجتهدن في إحضار القلوب في الصلاة، والإقبال على الصلاة، والتواصي بالحق، والصبر عليه، والحذر من وساوس الشيطان مع
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم 355.(4/59)
الاستمرار في الخير الذي تردن أن يصل إلى غيركن من صدقات أو غيرها، من تعليم أو غير ذلك من وجوه الخير، فالواجب الحذر من الشيطان ونزغاته في جميع الأمور، أسأل الله لكن التوفيق والإعانة على كل خير وصلاح القلوب والأعمال.(4/60)
25 - بيان معنى الإخلاص
س: السائلة س. ع. تقول: ما هو الإخلاص؟ وكيف يحصل العبد على الإخلاص لله؟ وأنا يا فضيلة الشيخ أرى نفسي تخاف من الرياء، وكأن شيئا يحجبني ويحبب لي الرياء، وأني تركت بعض الطاعات، وتراني أفكر في هذه الأشياء، فماذا أفعل وجهونا جزاكم الله خيرا. (1)
ج: أيتها السائلة وفقني الله وإياك لكل خير وأعاذنا جميعا من نزغات الشيطان ووساوسه، الإخلاص هو: قصد الرب جل وعلا بالعمل، هذا هو الإخلاص، أن يقصد المسلم بعمله وجه الله والدار الآخرة، هذا المخلص، قال الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) قال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3) فالمخلص هو: الذي يقصد بعمله وجه الله، بصلاته
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم 372.
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة غافر الآية 14(4/60)
بصومه بصدقاته بحجه، بغير ذلك من العبادات، يقصد وجه الله، يقصد التقرب إلى الله، لا لغيره لا رياء ولا سمعة، ولا لقصد الدنيا، دائما يفعل ما يفعل، يرجو ثواب الله ويرجو إحسانه سبحانه وتعالى، هذا هو الإخلاص.
أما الرياء فهو أن يفعل لأجل أن يرائي الناس، من أجل أن يمدحه الناس، هذا منكر ومن الشرك، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) فالرياء منكر ومن الشرك، يجب الحذر منه، كون الإنسان يصلي حتى يمدح، أو يتصدق حتى يمدح، أو يقرأ حتى يمدح، هذا الرياء لا يجوز، هذا يجب الحذر من ذلك، والواجب عليك الحذر من الوساوس دائما، يجب عليك إخلاص العمل لله، وأن يكون قصدك وجه الله بصلاتك، وقراءتك وصومك، وغير ذلك، وتجاهدي نفسك في ذلك وتتعوذي بالله من الشيطان، كل ما خطر شيء من الوساوس، أو الرياء قولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم صدقا، وإذا فعلت ذلك صدقا كفاك الله شر الشيطان وأعانك عليه.
__________
(1) سورة النساء الآية 142(4/61)
باب ما جاء في الحلف بغير الله(4/63)
باب ما جاء في الحلف بغير الله
26 -جواز الحلف بصفات الله
س: ما رأيكم - حفظكم الله - في الحلف على المصحف؟ هل يعتبر يمينا؟ وهل إذا حلف صادقا يكون آثما، وإذا حلف كاذبا كذلك؟ وجهونا، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا حلف بالمصحف قصده القرآن كلام الله فلا بأس؛ لأن القرآن كلام الله، فإذا قال: وعزة الله، أو كلام الله، أو بالمصحف، وقصده القرآن؛ لأنه كله كلام الله عز وجل - فهذه يمين لا بأس بها، ولا حرج في ذلك والحمد لله.
مثل لو قال: وعزة الله، وعلم الله، وكلام الله - لا بأس أن يحلف بصفة من صفات الله سبحانه، كما لو قال: والرحمن والرحيم والعليم والعزيز والحكيم، وهكذا لو قال: وعزة الله، ورحمة الله، وعلم الله، وكلام الله، - فلا بأس.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 302.(4/65)
27 -حكم الحلف بالقرآن
س: ما حكم الحلف بالقرآن؟ (1)
ج: القرآن كلام الله، الحلف به لا بأس به، وكلام الله والقرآن، ما فعلت كذا. القرآن كلام الله، كما يقال: والله، أو بالله، أو وعلم الله، أو رحمة الله، يقصد وصفه بالرحمة سبحانه، أو وكلام الله. كل ذلك لا بأس به، الحلف بالله وبصفاته.
س: السائل س، من جمهورية مصر العربية يقول: سمعت من بعض الناس بأنه لا يجوز الحلف بصفات الله، وخاصة بصفة الحياة، فقلت لهم بأن الحلف بحياة الله جائز، بناء على ما قرأت، فهل كلامي صحيح؟ (2)
ج: نعم، الحلف بالله وبصفاته وبأسمائه كله حق، كله جائز، مثل ما جاء في الحديث: «أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (3) »
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 427.
(2) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم 410.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم 2202. وابن ماجه في كتاب الطب، باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3522 واللفظ له.(4/66)
«اللهم أعوذ برضاك من سخطك (1) » ، «أعوذ بكلمات الله التامات (2) »
فالتعوذ بصفات الله، والتعوذ بكلمات الله، والحلف بها، كل ذلك جائز. يحلف بالله، يحلف بصفاته، وعزة الله، وقدرة الله، وعلم الله، وحياة الله، كله جائز. كما يقول: والله، أو بالله، أو تالله، أو والرحمن، أو والرحيم، أو والعزيز، أو والحكيم، كل هذا جائز. وهكذا إذا قال: وعزة الله، أو بعزة الله، أو بعلم الله، أو ما أشبه ذلك.
س: في يوم جمعة يقول السائل قبل صعود الخطيب للمنبر: صليت ركعتين، وقمت بمسك المصحف الشريف، وقلت: بحق هذا القرآن لا أشرب السجائر والدخان أبدا طول عمري. فإذا شربت مثل الشيشة، هل أكون قد وقعت في اليمين؟ وهل علي كفارة؟ (3)
ج: لا يجوز لك أن تحلف بحق القرآن، حق القرآن تعظيمه، وتعظيمه من أعمالك، لكن أن تقول: بالله، أو بكلام الله، تحلف
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، برقم 2708.
(3) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 395.(4/67)
بالله أو بكلامه وصفاته، لا بأس. أما بحق القرآن، حق القرآن فيجب أن تعظمه، وأن تعمل به، وهذا من عملك، وعملك مخلوق. فلا تقسم بالمخلوقات، لكن تقسم بنفس القرآن، بالله، بكلام الله، بعلم الله، بعزة الله. تقسم بالله أو بصفاته، لا بأس.
وعليك أن تجتنب الدخان وسائر المحرمات، عليك أن تحذر الدخان والشيشة والخمر، وجميع المخدرات والمسكرات، وإن لم تحلف، وإن لم تقسم. يجب عليك أن تجتنبها وتحذرها؛ لأنها منكرة ومحرمة. فالواجب عليك الحذر منها وتركها مطلقا، ولو لم تحلف.
س: يسأل المستمع، ويقول: هل يجوز الحلف بكتاب الله؟ (1)
ج: نعم؛ لأن القرآن كلام الله، فإذا قال: وكتاب الله، يقصد القرآن، أو كلام الله، أو وعزة الله - فلا بأس؛ لأن الله جل وعلا يحلف به وبصفاته، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » ، فمن حلف بالله أو بصفة من صفاته فقد حلف بالله، بعزة الله، بعلم الله، بكلام الله، بكتاب الله، كل هذا حق.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 392.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف، برقم 2679، ومسلم في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم 1646.(4/68)
28 - حكم الحلف بغير الله تعالى
س: لقد قرأت في كتاب جليل للعلامة الفاضل الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان أن الحلف بغير الله شرك أصغر، ولكن بعض الأئمة قالوا: إنه شرك أكبر، ومن فعل ذلك فقد خرج عن الملة. أفيدونا بارك الله فيكم! (1)
ج: إن الشرك نوعان: أكبر وأصغر بإجماع المسلمين، قال الله عز وجل في الشرك الأكبر: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) . وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) . وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (4) . فهذه الآيات وأشباهها في الشرك الأكبر.
ومنه دعاء الأموات والأصنام والأشجار، والأحجار، والنجوم، والجن، والملائكة، ونحوهم. والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم ونحو ذلك. هذا من الشرك الأكبر، وهكذا اعتقاد أن هؤلاء يصلحون للعبادة، وإن لم يدعهم. إذا اعتقد أن هؤلاء يدعون من دون الله، ويستغاث بهم، وأنه لا بأس بذلك - فإن هذا شرك أكبر وإن لم يفعل. وهكذا اعتقاد السر
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (109) .
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة النساء الآية 48(4/69)
في حي من الأحياء أنه ينفع ويضر دون الله، وأنه يصلح لأن يعبد من دون الله، ولو كان حيا، كما يفعله بعض ضلال الصوفية لمشايخهم.
هذه وأشباهها من الشرك الأكبر، وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الجن، يدعوهم أو ينذر لهم، ويذبح لهم خوفا من شرهم، هذا أيضا من الشرك الأكبر. وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الرسل والأنبياء والملائكة، يدعونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم - هو من الشرك الأكبر، قال الله عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) ، يعني المشركين.
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (4) فسماه شركا، دعوة غير الله سماها شركا. وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5) ، فسمى دعاة غير الله كفارا.
أما الشرك الأصغر فقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث، منها حديث محمود بن لبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! فسئل عنه، فقال: الرياء، يقول الله يوم القيامة
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117(4/70)
للمرائين: اذهبوا إلى ما كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء (1) » وهذا حديث صحيح، رواه جماعة من أهل العلم بأسانيد صحيحة، فهو يدل على أن الشرك فيه أصغر وأكبر.
فالرياء من جنس الشرك الأصغر، هو الذي يقرأ يرائي، أو يصلي بعض الصلوات يرائي الناس، أو يسبح ويهلل يرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به (2) » وقال جماعة من علماء التفسير: إن قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3) - نزلت في المرائين. فهذا الرياء إذا وقع من المسلم في بعض الأعمال فهو شرك أصغر، وهكذا إذا عاد المريض، أو فعل أي عبادة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، فعلها من أجل الرياء، أو من أجل السمعة - كان شركا أصغر.
أما إذا كان فاسد العقيدة كالمنافقين الذين يعتقدون تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنكار ما جاء به من الهدى، أو الشك في ذلك، ثم يصلون مع الناس، ويصومون، ويراءونهم بهذا - فهذا شرك أكبر، وهذا رياء أكبر؛ لأنهم فاسدو العقيدة، وإنما أظهروا ما أظهروا تقية ورياء، فهو كفار كفرا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 23119.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2986.
(3) سورة الكهف الآية 110(4/71)
أكبر لفساد العقيدة، كما قال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2) . عندهم شك وريب وتردد، فصاروا كفارا كفرا أكبر. وقال في حقهم في الآخرة: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (3) . بسبب كفرهم الأكبر واعتقادهم الفاسد.
ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (4) » رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - بإسناد صحيح. وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر (5) » هكذا شك الراوي، أو المعنى: وكفر، بأن تكون أو بمعنى الواو، يعني وقع في الشرك والكفر جميعا.
هذا عند أهل العلم شرك أصغر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرهم على الحلف بغير الله في أول الإسلام، ولم ينههم عن ذلك، ثم نهاهم بعد ذلك. فلو كان شركا أكبر لم يقرهم عليه؛ لأن الله بعثه بإنكاره من حين
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة النساء الآية 143
(3) سورة النساء الآية 145
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 4886.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.(4/72)
بعث في مكة. فعندما أقرهم عليه دهرا من الزمان، ثم نهاهم في المدينة بعد ذلك دل على أنه شرك أصغر. لو كان أكفر لما أذن فيه أبدا، بل نهى عنه من أول وهلة. وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان، وهو من الله وفلان. هذا أيضا من الشرك الأصغر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان (1) »
ولما جاء في حديث قتيلة عند النسائي: «أن اليهود كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تشركون (وفي لفظ: إنكم تنددون) ، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد، وفي لفظ: أن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت، وفي لفظ: قال لهم: قولوا: ما شاء الله وحده (2) » .
هذا كله يدل أن هذه الأمور من الشرك الأصغر، وأن الكمال أن يقول: ما شاء الله وحده، فإن قال: ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان - فلا بأس بذلك. وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى في الصحيحين، أن الملك الذي جاءهم بعدما عافاهم الله من البرص
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 22754.
(2) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالكعبة، برقم 3773.(4/73)
والقرع والعمى، جاءهم يسألهم يقول: «لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك (1) » فدل على جواز مثل هذه العبارة.
لكن لو اعتقد من حلف بغير الله أن هذا المحلوف به تصرف في الكون، أو ينفع ويضر دون الله، أو أن له مثل عظمة الله - صار شركا أكبر. ومن قال من العلماء: إنه شرك أكبر - فمرادهم إذا عظمه كتعظيم الله، أو اعتقد فيه أنه يصلح لما يعبد الله به، أو أنه ينفع ويضر دون الله، أو ما أشبهه من العقائد الباطلة.
فمن حلف به على هذا الاعتقاد صار شركا أكبر، أما إذا جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة جرت عليها جماعته وأهله وبلاده، أو جرى عليها سابقا هو واعتادها سابقا، ولم يقصد أنه معظم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله. لم يعتقد هذا الاعتقاد، ولكن جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة كثير من الناس - فهذا من الشرك الأصغر.
ويوجد كثير من الناس اعتادوا هذا البلاء، وقد نسبوا إلى أهل العلم، لكن لأن العادة غلبت عليهم يتكلمون بهذا، فتجدهم يقولون: والنبي والأمانة، مع أنهم من طلبة العلم ومن أهل العلم، لكن غلبت على لسانه، واعتادها، فينسى عند الكلام، فيتكلم بها. فهذا كله من المنكر، وكله غلط، وكله من الشرك الأصغر. والواجب التنبيه على ذلك والتحذير منه، وألا يتساهل في ذلك.
فمن قال: إنه شرك أكبر - فله وجه كما تقدم، ومن قال: إنه شرك
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، برقم 2964.(4/74)
أصغر - فهذا هو الأصل، أنه شرك أصغر، كما قال الشيخ عبد العزيز السلمان. ومن قال: إنه شرك أكبر، كما حكاه السائل عن بعض العلماء - فمراده، والله أعلم، ما ذكرنا، يعني أنه حلف بغير الله معظما له كتعظيم الله، أو معتقدا فيه أنه يصلح للعبادة، أو ينفع ويضر، أو ما أشبه ذلك من العقائد الباطلة، والله أعلم.(4/75)
29 - حكم الحلف بالنجاح
س: نلاحظ - فضيلة الشيخ - أن بعض الناس وبالذات طلاب المدارس يحلف بالنجاح، فيقول: بنجاحي، ويقول: بتوفيقي. فهل هي شرك بالله؟ أرشدونا، جزاكم الله خيرا! (1)
ج: الحلف بغير الله من المنكرات ومن المحرمات الشركية، وقد أوضح النبي ذلك عليه الصلاة والسلام، وكان الناس أولا يحلفون بآبائهم، فكانت العرب تحلف بآبائها وأمهاتها، فأنكر النبي بعد ذلك. وأدرك بعض الصحابة وهم يحلفون بآبائهم، فنهاهم، وقال: «إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم (2) » وقال: «من كان حالفا فليحلف بالله أو
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (14) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.(4/75)
ليصمت (1) » ، وقال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون (2) »
وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (3) » ، وقال: «من حلف بالأمانة فليس منا (4) » ، ولما قال سعد: «يا رسول الله، إن حلفت وقلت في يميني: واللات والعزى، فقال له: قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، وفي رواية أخرى: تعوذ بالله من الشيطان (5) » .
المقصود أن الحلف بغير الله منكر من المحرمات الشركية، فلا يجوز أن يحلف بنجاحه ولا بأبيه ولا بأمه ولا بحياة فلان، ولا برأس فلان، ولا بالنبي ولا بالكعبة، ولا بشرف فلان. كل هذه المنكرات محرمات شركية، ليس لأحد أن يتعاطاها أبدا. ومن فعل شيئا من هذا فعليه البدار بالتوبة من المحرمات الشركية؛ لأن هذا من
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.
(2) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22741، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253 واللفظ له..
(5) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف باللات والعزى، برقم 3777.(4/76)
الشرك الأصغر، وقد يكون شركا أكبر إذا كان في قلبه تعظيم محلوفه، وأنه يعظمه كما يعظم الله، أو أنه يعتقد فيه شيئا من العبادة والسر. كل هذا يكون شركا أكبر، نسأل الله العافية!
أما إذا جرى على اللسان من غير قصد، ولكنه عادة - هذا من الشرك الأصغر، فينبغي الحذر من هذا، وألا يحلف بأبيه ولا بأمه ولا بنجاحه ولا بتوفيقه ولا بغير ذلك. أما إذا قال: بتوفيقي، يعني بتوفيق الله لي، قصده بتوفيق الله - هذا شيء آخر، سأنجح بتوفيق الله أو كذا. أما بتوفيقي، يقصد بالتوفيق الحلف بذلك، هذا لا يجوز، ومن المحرمات الشركية. فالحاصل أن الواجب على المسلم أن يحذر غلطات اللسان.(4/77)
30 - حكم الحلف بالأمانة والذمة
س: ما حكم الحلف بالأمانة والذمة، كقول الناس: أمانة عليك أخبرني بهذا الشيء، أو في ذمتك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الحلف بالأمانة أو بالذمة لا يجوز، ولا بغيرهما من المخلوقات. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء دون الله
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (208) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.(4/77)
فقد أشرك (1) » رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر رضي الله عنه.
وفي الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون (3) » قال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (4) » .
فلا يجوز للمسلم ولا للمسلمة الحلف بغير الله، فلا يقول: بالأمانة ما فعلت كذا، ولا بذمتي ما فعلت كذا، ولا بحياتك ما فعلت كذا. أو وحياتك ما فعلت كذا، أو وشرفك، أو بالنبي، أو بالكعبة. كل هذا لا يجوز، كله من الشرك.
لكن إذا قال: في ذمتي هذا - ما يسمى يمينا، أو قال: أن أعطيك هذا الشيء، وأنا مؤتمن عليه. ما يحلف بالأمانة، يقول: لك في هذا ذمتي، لك في هذا أمانتي، لا أخونك، هذا ما يسمى يمينا. أما إذا قال: بأمانتي، أو برأس فلان، أو بذمتي، أو والأمانة - فهذا كله لا يجوز؛ لأن الحلف يكون بالباء أو بالواو أو بالتاء: تالله، والله، بالله.
فهكذا إذا قال: بالأمانة، والأمانة، والكعبة، بالكعبة، وحياة فلان، وشرف فلان، وحياة أبيك، ونحو هذا - كل هذا يسمى حلفا بغير الله، لا يجوز.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(3) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.(4/78)
31 - حكم الحلف بالشرف أو بالذمة
س: الأخ: ب. س. يسأل ويقول: لدينا عادة مستجدة، وهي الحلف بالذمة أو بالشباب بدل الحلف بالله، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (3) » ، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (4) » خرجه الإمام أحمد رحمه الله في المسند بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه، وخرجه أبو داود والترمذي رحمهما الله بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (5) » وهذا يحتمل أنه شك من الراوي، هل قال النبي: "كفر" أو قال: "أشرك"، أو المعنى أنه حصل له هذا وهذا، وتكون "أو" بمعنى الواو، يعني كفر وأشرك.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (114) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم 1646.
(3) البخاري الأدب (5757) ، مسلم الأيمان (1646) ، الترمذي النذور والأيمان (1534) ، النسائي الأيمان والنذور (3766) ، أبو داود الأيمان والنذور (3249) ، ابن ماجه الكفارات (2101) ، أحمد (2/76) ، مالك النذور والأيمان (1037) ، الدارمي النذور والأيمان (2341) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.(4/79)
وبهذا يعلم أن الحلف بغير الله أمر لا يجوز مطلقا، لا بالأنبياء ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا بذمة فلان ولا برأس فلان، ولا بشرف فلان، ولا حياة فلان ولا غير ذلك. فإذا قال: بذمتي، أو برأسي، أو بشرفي، أو بحياتي، أو حياة فلان، أو ما أشبه ذلك - كل هذا لا يجوز. أو قال: بالأمانة، أو بالنبي، أو بالكعبة - كل ذلك لا يجوز.
وفي الحديث الصحيح يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بالأمانة فليس منا (1) » وبهذا يعلم أن الواجب على المسلم الحذر من هذه الأيمان الباطلة، وأن يعود نفسه بالحلف بالله وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذر من الحلف بغيره عز وجل، كائنا من كان.
وهكذا لا يقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولا يقول: لولا الله وفلان، ولا يقول: هذا من الله ومن فلان. بل يأتي بـ: ثم. يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، إذا كان له تسبب على الشخص. مثلا: دفع عنك شرا وحماك من شر، تقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، جرى كذا وكذا، لولا الله ثم فلان؛ لأنه فعل معه معروفا. هذا من الله ثم من فلان، لا بأس.
أما أن تقول: لولا الله وفلان، أو هذا من الله وفلان، أو ما شاء الله وشاء فلان - هذا لا يجوز، بل هو من المحرمات الشركية، فالواجب الحذر من هذه
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.(4/80)
الكلمات، ومن الحلف بغير الله سبحانه وتعالى تعظيما لله، وطاعة لأمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، ووقوفا عند حدود الله عز وجل.(4/81)
32 - حكم قول المرء لأخيه: بذمتك إن فعلت كذا ونحوه
س: يسأل أخونا من الزلفى بالمملكة العربية السعودية، فيقول: هل يجوز التذميم بقوله لأخيه: بذمتك، أو بصلاتك. أو بقوله: بحرج إن فعلت كذا؟ فمثل هذه العادات منتشرة عند النساء والأطفال، نرجو التوجيه جزاكم الله خيرا! (1) .
ج: لا يجوز الحلف لا بالصلاة ولا بالذمة ولا بالحرج، ولا بغير ذلك من المخلوقات، الحلف يكون بالله وحده، فلا يقول: بذمتي ما فعلت كذا ولا بذمة فلان، ولا بحياتي ولا بصلاتي. ولا يطالب، يقول: قل: بذمتي، ويقول: بصلاتي، ويقول: بزكاتي - كل هذا لا أصل له، ولا يجوز؛ لأن الصلاة فعل العباد والزكاة فعل العباد، وأفعال العباد لا يحلف بها، وإنما الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (3) »
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (158) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.(4/81)
أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (2) » .
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذروا ذلك، وألا يحلف إلا بالله وحده سبحانه وتعالى، يقول: بالله ما فعلت هذا، والله ما فعلت هذا، إذا دعت الحاجة. والمشروع أن يحفظ يمينه، ولا يحلف إلا عند الحاجة، قال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (3) .
فإذا دعت الحاجة ليحلف، يقول: والله ما فعلت كذا، إذا كان صادقا. والله ما ذهبت إلى فلان، بالله ما فعلت كذا، تالله ما فعلت كذا. إذا كان صادقا يحلف بالله سبحانه وتعالى، أما الحلف بغير ذلك: بالأمانة، أو بذمتي، أو بالكعبة، أو بحياة فلان، أو بشرف فلان، أو صلاتي، أو ذمتي - فلا يجوز.
أما إذا قال: في ذمتي - هذا ليس بيمين. في ذمتي، يعني: هذا الشيء في ذمتي أمانة، أو ما أخون فيه، أو ما أشبه ذلك. هذا ليس يمينا. وأما إذا قال: بذمتي، أو بصلاتي، أو بزكاتي، أو حياتي، أو حياة والدي. هذا ما يجوز، هذا من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.
(3) سورة المائدة الآية 89(4/82)
33 - حكم استعمال كلمة (بالعون) و (بالحيل)
س: يقول السائل: نستعمل كلمة بالعون للتأكيد على الشيء، ويقال: إن بالعون هذا اسم صنم كان يعبده المشركون، ويقال: إنه في منطقة بيشة، فهل نقع في الشرك إذا كررنا ذلكم اللفظ؟ (1)
ج: هذه كلمة جارية على ألسنة كثير من الأعراب وغيرهم، وما أعرف أصلها، هل أصلها أن هناك صنما يسمى بهذا الاسم؟ أم لا؟ ولكن بكل حال ينبغي تركها. الحلف يكون بالله وحده، يقول: بالله، وبالرحمن، أو بربي، أو بربنا جميعا، أو ما أشبه ذلك.
يترك كلمة بالعون، لا حاجة إليها؛ لأن العون كلمة لا يعرف معناها بالنسبة لمن يحلف بها. وهي اسم مصدر من أعان يعين عونا، اسم مصدر من أعان. فالأفضل بل يجب ترك ذلك؛ لأن الحلف بهذا العون لا يجوز، داخل في الحديث: «من حلف بغير الله فقد أشرك (2) » وداخل في الحديث الآخر: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله، أو ليصمت (3) » .
مثل قول بعضهم: بالحيل، قول بعض الناس: بالحيل. ينبغي تركه، ولا يجوز فعله؛ لأن هذا نوع من الحلف؛ لأنهم يقصدون به التأكيد بالكلام، بالحيل، بالعون، ينبغي ترك هذه الكلمات.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (103) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.(4/83)
34 - حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
س: يقول السائل: عندنا كثير من الناس حينما يحلف يقول: والنبي. هل الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر شركا بالله؟ وهل إذا لم يكن شركا عليه إثم؟ أم هو خير؟ أرجو التوضيح. أو الحلف بغير ذلك، كمن يقول: وحياتي، بشرفي، وغير ذلك.
ومن الناس من يقول لمن يريد أن يأخذ منه شيئا: بفضل الله ثم بفضلي كذا وكذا، فتقضي حاجتي. وجهوني لهذه الأمور!
ج: لا ريب أنه من الشرك الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بالأولياء أو بالملائكة أو بالجن أو بالنجوم، أو بشرف فلان أو بحياته، كله لا يجوز. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، ويقول أيضا: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (3) » ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (4) »
ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (5) » ويقول: «من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله (6) »
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.
(6) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب '' أفرأيتم اللات والعزى''، برقم 4860، ومسلم في كتاب الأيمان، باب من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، برقم 1647.(4/84)
والمقصود أن الحلف بغير الله لا يجوز، وهو من المحرمات الشركية، لكنه شرك أصغر ليس بشرك أكبر.
فالواجب على المسلم الحذر من ذلك، ويكون الحلف بالله وحده أو بصفة من صفاته، ولا يحلف بغير الله كائنا من كان، لا بالأنبياء ولا بغيرهم. ومن فعل هذا فعليه التوبة إلى الله والإنابة إليه، والندم على ما مضى، والعزم الصادق ألا يعود في ذلك.
والله سبحانه بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان الحق وإيضاح الحق، فختمهم بمحمد عليه الصلاة والسلام. وقد أوضح في ذلك، وكان الناس في أول الإسلام وأول الهجرة يحلفون بآبائهم، ثم نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون (1) »
فإن قصد الحالف بغير الله أن هذا المحلوف به يتصرف في الكون، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله صار شركا أكبر، نسأل الله العافية! أما إذا جرى على لسانه بغير قصد لمحبة محبوبه أو لتعظيمه له فقط، من دون أن يعتقد فيه أنه يصلح أن يعبد من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون هذا شرك أصغر، يجب تركه والتوبة إلى الله منه.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.(4/85)
35 - حكم الحلف بحياة النبي صلى الله عليه وسلم
س: هل يجوز الحلف بهذه العبارات التالية: ورب الكعبة، وحياة النبي؟ (1)
ج: وحياة النبي، ما يصلح. رب الكعبة، ورب البيت ما يخالف. أما حياة النبي، إنسان، مخلوق - ما يجوز، الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (3) » يكون الحلف بالله أو بأسمائه وصفاته، أما الحلف بحياة النبي، أو بالنبي أو بالأمانة، أو بشرف فلان - كل هذا لا يجوز.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 416.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.(4/86)
36 - حكم قول: وحرام بالله أن تعمل كذا
س: بعض الناس عندهم عبارة يرددونها، يقول: الله يحرمني من أهلي إن كنت كاذبا، ويقول: حرام بالله أن تعمل كذا. فما رأي سماحتكم؟ (1)
ج: هذا دعاء، ما هو بظهار، يعني الله يحول بيني وبينهم بموت أو بغيره، هذا دعاء على نفسه وعلى أهله، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 416.(4/86)
أما قوله: وحرام بالله أن تعمل كذا - فهذا معناه: علي حرام، هذا يكون فيه كفارة يمين، إذا لم ينفذ الذي قاله، عليه كفارة يمين. إذا قال: حرام بالله أن تقوم، ولا قام - عليه كفارة يمين. حرام بالله أن تأكل طعاما، ولا أكل - عليك كفارة يمين؛ لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} (1) {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2) .
قال جماعة من المفسرين: إنها جاءت في العسل، ثم قال بعضهم: في تحريم جارية، فأمره الله أن يكفر عن يمينه. جعل التحريم يمينا، تحريم الجارية أو الطعام، أو ركوب الدابة، أو ما أشبه ذلك - يكون حكمه حكم اليمين. علي الحرام ما أركبها، علي الحرام ما آكل معك هذا الطعام، علي الحرام ما أجلس - يكون حكمه حكم اليمين.
__________
(1) سورة التحريم الآية 1
(2) سورة التحريم الآية 2(4/87)
37 - حكم قول: عليك بالنبي صلى الله عليه وسلم
س: بماذا تنصحون من يقول: أشهد أن محمدا يا رسول الله؟ وهل عبارة: يا رسول الله، صحيحة؟ أم لا؟ وهل توقع الإنسان في الشرك؟ والبعض أيضا يقولون: عليك بالنبي، هل تعتبر حلفا؟ (1)
ج: هذا المقام فيه تفصيل: إذا قال المسلم: السلام عليك يا
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (107) .(4/87)
رسول الله، أو عليك السلام يا رسول الله، أو صلى الله عليك يا رسول الله وسلم، أو جزاك الله يا نبينا خيرا عما قمت به من البلاغ والبيان والنصح للأمة - فهذا ليس بدعاء للرسول، إنما هو إخبار بالصلاة والسلام عليه، ودعاء له عليه الصلاة والسلام، مثلما نقرأ في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
تدعو له بالسلامة والرحمة والبركة، تخصه بهذا وتستحضره بقلبك، تقول: السلام عليك، يعني أدعو لك يا رسول الله بالسلامة والرحمة والبركة. وهكذا كما يقول المسلم عند القبور عند قبره - صلى الله عليه وسلم - أو غيره: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم يا أهل القبور. معناه استحضارهم، وأنه يدعو لهم بالسلامة والرحمة والبركة. وهذا ليس من الشرك، بل هذا جائز ولا شيء فيه.
أما إذا قال: يا رسول الله، انصرنا على أعدائنا. يا رسول الله، أنا في جوارك، الغوث الغوث، المدد المدد. أو قال: عليك بالنبي، يعني ادعه من دون الله، واستغث به - هذا أمر من الشرك. أما إذا قال: بالنبي ما أفعل كذا، أو بالرسول ما أزورك، أو بالنبي ما أكلمك - هذا يعتبر حلفا بغير الله، هو شرك أصغر، كما قول قال: بالأمانة لا أفعل كذا، أو بجاه النبي، أو بحرمة النبي، أو بحرمة أبيك لا أفعل كذا، أو ما أشبه ذلك.
هذا كله يسمى حلفا بغير الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.(4/88)
حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (2) » وفي لفظ: «فقد أشرك أو كفر (3) »
كلها أحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام. فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يحفظ لسانه عما حرم الله عليه من الحلف بغير الله كائنا من كان، فالحلف يكون بالله وحده سبحانه وتعالى. كما يجب أن يصون لسانه عن دعاء غير الله من الأموات أو الأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الجن، فلا يقول: يا سيدي يا رسول الله أغثني، أو المدد المدد. أو يا ملائكة الله، أو يا معشر الجن أغيثونا، انصرونا. أو يا سيدي البدوي أو يا سيدي علي أو الحسين، أو فلان أو فلان. أو يا سيدي عبد القادر أغثنا أو انصرنا.
كل هذا من الشرك بالله بإجماع أهل العلم والإيمان؛ لأن هذه أمور شركية، كما قال الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4) ، وقال سبحانه وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} (5) ، وقال سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (6) .
وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (7) ، وقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (8)
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(4) سورة الجن الآية 18
(5) سورة الأعراف الآية 55
(6) سورة غافر الآية 60
(7) سورة البقرة الآية 186
(8) سورة يونس الآية 106(4/89)
وقال عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) ، فسمى دعاة غير الله كافرين.
وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (3) ، يعني نفسه سبحانه وتعالى.
فأخبر سبحانه أن المدعوين من دون الله من الأموات وغيرهم لا يسمعون دعاء داعيهم: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} (4) ما بين ميت وجماد، ومشغول بما أمره الله به كالملائكة والجن، أو مشغول بحاجاتهم كبعض الجن، أو غائبين لا يسمعون، ليسوا عند الداعي ولا يسمعون دعاءه.
ثم بين سبحانه أنهم لو سمعوا، لو كانوا حاضرين - لم يستجيبوا، لم يقدروا على طلبات الطالبين. كلهم مأمورون مخلوقون، أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (5) ، ثم قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (6) فهؤلاء المدعوون من دون الله من الأموات والجمادات والأصنام والأشجار والأحجار والملائكة والجن، كلهم يوم القيامة يكفرون بشرك المشرك، ويتبرؤون منه.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة فاطر الآية 14
(6) سورة فاطر الآية 14(4/90)
فالواجب على جميع المسلمين، بل على جميع المكلفين في جميع الأرض، الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يدعوه وحده سبحانه وتعالى، وأن يتبعوا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بما جاء به؛ لأنهم خلقوا لهذا، يقول سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ، وأمرهم بهذا فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (2) .
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ، فليس لأحد أن يدعو غير الله، من الجن أو الملائكة أو الأموات، أو الأصنام أو الكواكب أو غير ذلك. بل يجب أن تكون الدعوة لله وحده، والعبادة لله وحده، كما قال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) ، وقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (5) .
لكن يجوز دعاء الحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه، سواء كان هذا مشافهة، أو من طريق المكاتبة، أو من طريق الإبراق، أو من طريق الهاتف، أو نحو ذلك من الاتصالات الجديدة التي تمكن الإنسان من الاتصال بمن يريد مشافهة في طلب الحاجة التي يريد، كأن يقول: يا أخي فلان أقرضني كذا وكذا، أو أعني على تعمير بيتي، أو على إصلاح سيارتي، يخاطبه.
هذا لا بأس به، كما قال عز وجل:
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة النساء الآية 36(4/91)
{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ، في قصة موسى، كان موسى حاضرا قادرا على أن يغيث هذا الإسرائيلي. وكما قال سبحانه: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (2) ، يعني خرج موسى من مصر خائفا يترقب، خائفا من شر فرعون.
وكذا خوف الإنسان من اللصوص حتى يغلق بابه ويتحرز من شرهم، أو من قطاع الطريق حتى يحمل السلاح. هذا جائز، لا بأس به؛ لأنه خوف في محله من المؤذيات طبعا، أو المؤذيات بما يستطيعون، كإيذاء الظالم وإيذاء السارق، وإيذاء المعتدي عليك. فتتحرز من شر الناس حتى لا يتعدوا عليك، أو من شر السباع أو من شر الحيات ونحوها، أو اللصوص.
كل هذا مما شرع الله التحرز منه، وهو جائز شرعا وعقلا. كذلك اقتراضك ممن يسمع كلامك، تقول: أقرضني كذا وكذا فلوسا أو طعاما لحاجتك، ثم ترد عليه ما أقرضك إياه - هذا جائز بين المسلمين، ليس فيه شيء، مثل ما سمعت في قوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (3) . وهذا جائز بين المسلمين، سواء كان ذلك مشافهة للشخص الحاضر، أو بواسطة الاتصالات المعروفة من هاتف وكتابة وغير ذلك.
وإنما الشرك أن تدعو ميتا أو غائبا بغير الاتصالات المعروفة، وتعتقد فيه السر وأنه
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة القصص الآية 21
(3) سورة القصص الآية 15(4/92)
يسمع كلامك وينفعك وإن غاب عنك، وإن كان ليس بينك وبينه اتصال حسي معروف، لا من طريق الكتابة ولا من طريق الهاتف، ولا من طريق التلكس مثلا. بل تعتقد أنه سر كما يعتقد عباد القبور، وعباد الأوثان والأصنام. هذا هو الشرك الأكبر، وهذا الذي منعه الله ورسوله. أما الأشياء العادية بين الناس في تعاونهم بينهم، والله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) .
ويقول صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (3) » فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وضح لنا أن التعاون مطلوب، كما وضحه الله في قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (4) .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - وضح ذلك أيضا فيما تقدم من الحديث: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (5) » . فالتعاون بين المسلمين جائز بشرط أن يكون ذلك مع حاضرين يسمعون، أو بالوسائل المعروفة التي توصلهم كلامك ومرادك كتابة أو
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم 2442.
(4) سورة المائدة الآية 2
(5) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، الترمذي القراءات (2945) ، أبو داود الأدب (4946) ، ابن ماجه المقدمة (225) ، أحمد (2/252) .(4/93)
إبراقا أو عن طريق الهاتف أو نحو ذلك.
أما دعاء الأموات، ودعاء الأصنام ودعاء الغائبين؛ لاعتقاد السر فيهم، كدعاء الملائكة أو دعاء الجن - فهذا هو الذي نص عليه أهل العلم، وبينوا أنه شرك وضلال، كما دل عليه كتاب الله، ودلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله ولي التوفيق.(4/94)
38 - حكم حلف المرء بأبيه أو أمه
س: أرى البعض من الناس يحلفون بغير الله، وهذا طبعا شرك والعياذ بالله. فمنهم من يحلف بالطلاق وبالحرام وبأولاده وبالنعمة، وهم يصلون ويصومون ويزكون ويداومون على الفرائض، فكيف يجتمع ذلك؟ (1)
ج: الحلف بغير الله من الشرك الأصغر، كالحلف بأبيه أو بأمه أو برأس فلان، أو بحياة فلان، هذا من الشرك الأصغر، فالواجب التوبة إلى الله من ذلك، والحذر من ذلك، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (365) .(4/94)
39 - حكم قول: والنبي أعطني كذا ونحوه
س: تقول السائلة: هناك عادة لدينا، وهي إذا ترجى أحد من أحد شيئا فإنه يقول له مثلا: والنبي أعطني هذا الشيء، أو والنبي ارفع هذا الشيء، أي يستعطفه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهل مثل هذا القول جائز؟ أم لا؟ (1) .
ج: لا يجوز، هذا من الحلف بغير الله، الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك (2) » وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (3) »
فليس لأحد أن يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بالأمانة، ولا بالملائكة، ولا بأبيه، ولا بحياة أبيه، ولا بشرف أبيه، ولا بالملوك. الحلف يكون بالله وحده سبحانه وتعالى، فعليه التوبة إلى الله من ذلك والحذر من العود إلى مثل هذه الأيمان.
فلا يقول: والنبي أن تعطيني كذا، ولا والنبي أن تفعل كذا، ولا والأمانة، ولا بالأمانة. كل هذه الأمور لا تجوز، الحلف يكون بالله وحده سبحانه وتعالى. يقول صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (4) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من حلف بالأمانة فليس منا (5) »
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (243) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.(4/95)
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الحلف بغير الله كائنا من كان.
س: هل يجوز الحلف أو القسم بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: لا يجوز الحلف بغير الله، لا بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بغيره من الخلق. هذا من خصائص الله، هو الذي يقسم بما يشاء سبحانه وتعالى، كما أقسم بالطور والسماء ذات البروج، والليل إذا يغشى، وغير ذلك.
أما المخلوق فليس له أن يحلف إلا بالله وحده سبحانه وتعالى؛ لأن هذا تعظيم لا يليق إلا بالله عز وجل، وهو الذي يعلم سر العبد وصدقه وكذبه، وهو الذي يجازي على الصدق والكذب سبحانه وتعالى. ولهذا صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2) » متفق على صحته.
وفي لفظ يقول صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (3) » ، وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (4) » وإسناده صحيح.
هذا عام، يعم الأنبياء وغير الأنبياء. وفي السنن، سنن أبي داود والترمذي، بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (274) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 3310.
(3) البخاري الأدب (5757) ، مسلم الأيمان (1646) ، الترمذي النذور والأيمان (1534) ، النسائي الأيمان والنذور (3766) ، أبو داود الأيمان والنذور (3249) ، ابن ماجه الكفارات (2101) ، أحمد (2/76) ، مالك النذور والأيمان (1037) ، الدارمي النذور والأيمان (2341) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.(4/96)
تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (1) » شك من الراوي أقال: كفر أو قال: أشرك، وهذا يدل على تحريم الحلف بغير الله تحريما شديدا، وأنه من المحرمات الكفرية، وهو عند أهل العلم كفر أصغر، وشرك أصغر إلا أن يقوم بقلبه تعظيم المخلوق مثل تعظيم الله، أو يعتقد فيه أنه يصلح أن يعبد من دون الله، يكون شركا أكبر، نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.(4/97)
باب ما جاء في نواقض الإسلام(4/99)
باب ما جاء في نواقض الإسلام
40 - بيان أمور من نواقض الإسلام
س: سماحة الشيخ: هل تذكرون السادة المستمعين بالأشياء التي تخرج الإنسان من الملة، تخرجه من كونه مسلما إلى كونه كافرا؟ (1)
ج: الإسلام له نواقض، فيجب على المسلم أن يحذرها، وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، قالوا: وهو المسلم يكفر بعد إسلامه، وذكروا أشياء كثيرة تنقض الإسلام، مثل دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات، مثل سب الدين، سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسب القرآن، الاستهزاء بالقرآن، الاستهزاء بالدين، ترك الصلاة، وجحد وجوبها، وجحد وجوب الزكاة، جحد وجوب صوم رمضان، جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، إذا جحد وجوب ذلك كفر، كذلك إذا استحل الزنا كفر، إذا استحل اللواط كفر، إذا قال: الخمر حلال كفر، إذا قال: الربا حلال كفر، وهكذا أشياء ذكروها كثيرة، سموها نواقض
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 182.(4/101)
الإسلام، يعني موجبة للردة، نسأل الله العافية.
وهذا العصر عصر خطير، ولا سيما في كثير من الدول التي لا تحكم الشريعة، فإن دعاة الباطل فيها كثيرون، ونواقض الإسلام فيها منتشرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س: من مصر إ. ص: ما هي مبطلات الإسلام؟ وإذا وقع أحد في هذه المبطلات فكيف يرجع إلى الإسلام مرة أخرى؟ (1)
ج: هذا سؤال عظيم، يجب على كل مؤمن أن يفهمه وأن يعتني به، لأن نواقض الإسلام اليوم كثيرة، وخطرها عظيم، وهذا السؤال فيه فائدة كبيرة لكل مسلم، وقد ألف العلماء في نواقض الإسلام مؤلفات، وذكروا في كتب الفقه بابا مستقلا في هذه المسألة، سموه باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا النواقض التي يحصل بها الردة، يقال لها: نواقض الإسلام، مبطلات الإسلام، أسباب الردة، وهي كثيرة، ذكرها العلماء في هذا الباب في مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم، وذكرها جماعة في مؤلفات خاصة مستقلة، فيجب على المؤمن والمؤمنة الحذر من ذلك، والتفقه في ذلك، حتى لا يقع فيه، ومنها الشرك بالله عز وجل، وهو أعظمها كدعاء
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 356.(4/102)
أصحاب القبور كالبدوي والحسين أو غيرهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم وسؤال الأصنام، والاستغاثة بالجن والملائكة أو بالنجوم، كل هذا من الشرك بالله ناقض من نواقض الإسلام، ومن أسباب بطلان الإسلام. كذلك سب الله أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو الاستهزاء بدين الله، أو الاستهزاء بالقرآن، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (1) ، من ذلك ترك الصلاة، لأن الصلاة عمود الإسلام وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، وإذا جحد وجوبها كفر إجماعا، إذا قال: ليست واجبة كفر إجماعا، وإن تركها تساهلا وتكاسلا كفر على الصحيح من قولي العلماء، وهكذا لو جحد وجوب الزكاة، قال: الزكاة ليست واجبة على الناس، أو قال: صيام رمضان ليس بواجب على الناس كفر عند الجميع، أو قال: إن الحج مع الاستطاعة لا يجب على المكلفين كفر إجماعا، لأن الله أوجب الحج مع الاستطاعة، أو قال: إن الزنا حلال استحلالا لما حرم الله، كفر عند الجميع ردة من نواقض الإسلام، أو قال: إن الخمر والمسكرات حلال كفر عند الجميع، أو قال: إن الربا حلال ما فيه ربا، كل الربا حلال، هذا كفر عند الجميع، أو قال: اللواط حلال، إتيان الذكور هذا ردة عند الجميع والعياذ بالله، أو قال: إن الحكم بغير الشريعة جائز، ولا بأس بتحكيم القوانين
__________
(1) سورة التوبة الآية 65(4/103)
الوضعية وترك الكتاب والسنة، إذا أجاز هذا وأباحه كفر إجماعا، وهي نواقض كثيرة حتى عدها بعضهم أربعمائة ناقض، إذا تدبرها الإنسان وتقصاها فهي كثيرة. فالواجب على المؤمن الحذر وأن يتفقه في دين الله ويتبصر، وكذلك يراجع هذا الباب: باب حكم المرتد، طالب العلم يراجع هذا الباب ويتأمل حتى يستفيد ويفيد، نسأل الله للجميع العافية والسلامة، لا حول ولا قوة إلا بالله.
إذا وقع في ناقض من نواقض الإسلام فعليه أن يرجع بالتوبة، يندم على الماضي ويعزم ألا يعود ويترك هذا الناقض، فإذا كان كفره بدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والأصنام ترك ذلك، وتاب إلى الله جل وعلا، وبهذا يرجع إلى الإسلام، وإذا كان كفره بأن جحد وجوب الصلاة يقر بقول: لا، أنا غلطان، الصلاة فرض على المكلفين وأتوب إلى الله من ذلك، ويندم ويعزم ألا يعود فيتوب الله عليه، وإذا كان يترك الصلاة لا يصلي، التوبة أن يفعل الصلاة ويندم على الماضي ويستغفر مما مضى، ويعزم ألا يعود فيه، فهذه التوبة، كذلك إذا كان كفره بقول: الزنا حلال إذا تاب قال: لا، الزنا حرام، وأنا أتوب إلى الله وأستغفر الله، وقد أخطأت، والله يعلم من قلبه أنه صادق يتوب الله عليه وهكذا.(4/104)
س: ما هي مبطلات الإسلام؟ وإذا وقع أحد في أحد هذه المبطلات فكيف يعود إلى الإسلام مرة أخرى؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: مبطلات الإسلام هي نواقض الإسلام، النواقض أسباب الردة قد بينها العلماء في باب مستقل في كتب الفقه، سموه باب حكم المرتد، ذكروه في أواخر كتب الفقه عندما ذكروا الديات والقود والحدود، ذكروا هذا الباب، ففي إمكانك أن تراجع هذا الباب في كتب الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية وكتب أهل الحديث، حتى تستفيد من هذه الكتب العظيمة، المقصود: أن هذا الباب باب عظيم ذكروا فيه نواقض الإسلام، وأعظمها الشرك بالله عز وجل، أن يدعو الأوثان، يدعو أصحاب القبور، أو يدعو النجوم أو يدعو الأصنام، أو يدعو الأشجار والأحجار، يستغيث بها أو ينذر لها أو يذبح لها، هذا من الشرك الأكبر بالله تعالى. ومن نواقض الإسلام سب الدين، كونه يسب الدين يسب الإسلام أو يعيبه أو يتنقص الإسلام، هذا من نواقض الإسلام، ومن نواقض الإسلام الاستهزاء بالدين، الاستهزاء بما قاله الله ورسوله، أو الاستهزاء بالرسول أو بالقرآن، هذا من نواقض الإسلام، كذلك إذا استحل ما حرم الله، إذا قال: الزنا حلال أو الخمر حلال أو الربا
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 361.(4/105)
حلال. يكون ردة عن الإسلام بإجماع المسلمين، كذلك إذا أسقط ما أوجب الله مثل الذي يقول: الصلاة ما هي واجبة، أو صوم رمضان ما هو بواجب على المكلفين، الزكاة غير واجبة، أو الحج ما هو بواجب على المستطيع. هذا كله ردة عن الإسلام، وذكروا أنواعا كثيرة.
س: يسأل سماحتكم عن الأفعال والأعمال التي تقرب العبد من الجنة وتبعده عن النار؟ (1)
ج: الأفعال والأعمال التي تقرب من الجنة طاعة الله ورسوله، كل ما أمر الله به ورسوله وشرعه الله يقرب من الجنة، الصلاة النافلة والفريضة، وصوم النافلة والفريضة، حج النافلة والفريضة، الصدقة النافلة والفريضة، الإكثار من ذكر الله والتسبيح والتهليل، الدعوة إلى الله، تعليم الناس الخير، عيادة المريض الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، قراءة القرآن كل هذه من أسباب دخول الجنة وتقرب من الجنة، المعاصي كلها تباعد من الجنة وتقرب من النار، نسأل الله العافية كالغيبة والنميمة والتكاسل عن الصلاة في الجماعة، يصلي في البيت، وقص اللحية، تطويل الشوارب، إسبال الثياب كل هذه معاص تقرب من النار، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم 361.(4/106)
41 - بيان أن نواقض الإسلام ليست محددة بعدد معين
س: هل نواقض الإسلام محددة بعدد معين؟ وما هي؟ (1)
ج: نواقض الإسلام كثيرة وليس لها حصر، لأن عددها قد يحصره زيد، ولا يحصره عمرو حسب آراء العلماء واجتهادهم واستنباطهم الأحكام من الأدلة الشرعية، فقد يعدها زيد مثلا أربعمائة ناقض، ويعدها الآخر خمسمائة ناقض، لأنه استنبطها من أدلة أخرى، فهذا يخضع للأدلة الشرعية، نواقض الإسلام تخضع للأدلة الشرعية، وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، من أرادها وجدها في باب حكم المرتد، يراجع هذا الباب العظيم ويعتني به حتى يعرف نواقض الإسلام، كالشرك بالله وعبادة الأصنام والقبور من دون الله، والاستغاثة بهم والنذر لهم، كل هذا من الردة عن الإسلام، كل هذا من نواقض الإسلام، كذلك سب الدين من نواقض الإسلام، سب الله من نواقض الإسلام، سب الرسول من نواقض الإسلام، التنقص من الإسلام من نواقض الإسلام، القول بأن الزنا ليس حراما من نواقض الإسلام، إذا قال: الربا ليس بحرام من نواقض الإسلام، إذا قال: الظلم للناس ليس بحرام هذا من نواقض الإسلام، إذا قال: الصلاة ليست واجبة هذا من نواقض الإسلام، إذا قال: الزكاة ليست واجبة هذا من نواقض الإسلام، إذا قال: صوم رمضان ليس واجبا هذا من نواقض الإسلام، إذا قال:
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 366.(4/107)
الحج ليس بواجب مع الاستطاعة هذا من نواقض الإسلام، إذا قال: الغيبة حلال والنميمة حلال هذا من نواقض الإسلام، وهكذا نواقض الإسلام كثيرة، لكن من أراد أن يعرفها على الحقيقة فعليه أن يراجع باب حكم المرتد، وأن يدرس هذا الباب في جميع المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وغيرهم، أن يدرس هذا الباب ويتأمل وينظر في الأدلة الشرعية حتى يعرف النواقض.(4/108)
42 - حكم الركوع والسجود لغير الله تعالى
س: من المدينة النبوية أ. ش. يقول في سؤال طويل: نعلم أن الركوع والسجود لغير الله شرك أكبر، مخرج من الملة عياذا بالله، لكونهما عبادة تعبدنا الله بها، فمن صرفها لغير الله فقد أشرك به سبحانه، وهناك من قاس القيام لغير الله على الركوع والسجود، من حيث كونه شركا أكبر، واستدل على ذلك بأن القيام عبادة لله، والدليل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) ، وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) لكن ما نعلم من كلام أهل العلم أنهم يقولون: إن القيام لغير الله محرم فقط، فنود من سماحتكم التوضيح (3) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة المطففين الآية 6
(3) السؤال الثالث من الشريط رقم 331.(4/108)
ج: القيام لغير الله فيه تفصيل، إذا قام الإنسان للصنم أو لميت يتعبد بذلك هذا شرك بالله عز وجل، أما إذا قام لأخيه يسلم عليه ويصافحه إذا أقبل عليه، أو قام عند دخول من جرت العادة بالقيام له فليس بشرك، لكن يكره القيام للناس إذا دخلوا، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم له الصحابة إذا دخل، لما يعلمون من كراهته لذلك، لكن إذا قام لمقابلة أخيه الوافد الذي زاره، فقابله وصافحه فلا بأس بذلك، وليس من العبادة في هذا، إنما قام للتحية والإكرام، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم لابنته فاطمة، إذا دخلت عليه قام لها، وأخذ بيدها وقبلها وأقعدها في مكانه، وكانت رضي الله عنها إذا دخل عليها أبوها قامت إليه، وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مكانها، ولما تاب الله على كعب بن مالك وصاحبيه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورآه طلحة بن عبيد الله قام إليه يهرول، حتى صافحه وهنأه بالتوبة، ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام، ولما جاء سعد بن معاذ للحكم في بني قريظة قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: «قوموا إلى سيدكم (1) » ، يعني إلى سعد لمقابلته وإكرامه، وإنزاله من على الحمار، فبهذا يعلم أن القيام لغير الله أقسام، منها: قيام للتعظيم على رأسه، وهو جالس تعظيما هذا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم 3043، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، برقم 1768.(4/109)
لا يجوز، وليس بكفر لكنه لا يجوز. ومنها قيام للصنم أو الميت أو الشجر أو الحجر على سبيل العبادة، كالركوع والسجود هذا عبادة لا يجوز وهو من الشرك الأكبر، النوع الثالث: قيام للإكرام، إذا دخل وهم في أمكنتهم هذا مكروه كبعض الطلبة إذا دخل المدرس، أو دخل بعض الأمراء هذا مكروه، القيام الرابع: إذا قام إلى أخيه الوافد عليه كالزائر ليصافحه ويأخذ بيده، هذا لا بأس به بل هو مشروع كما سبق، أما كونه يقف فقط هذا مكروه، أما إذا قام إليه وقابله، وأخذ بيده هذا مستحب، والكراهة محتملة، لكن الأقرب فيها المنع، يقول أنس رضي الله عنه: لم يكن أحد أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون إذا دخل عليهم لما يعلمون من كراهته لذلك، فهي محتملة تطلق على التحريم، وتطلق على التنزيه، والغالب عليها عند السلف التحريم، فالمقصود أن الواجب ترك ذلك، وهو أن يقف فقط للمدرس، أو للأمير تركه أولى وأقل أحواله الكراهة الشديدة غير التحريم.(4/110)
43 - بيان أن سجود الملائكة لآدم وسجود أبوي يوسف وإخوته له تحية وإكرام
س: قرأت في كتاب يسمى بدائع الزهور، في وقائع الدهور: لما دخل نبي الله يعقوب إلى مصر مشى العسكر بين يديه، حتى وصل إلى قصر ابنه يوسف، حيث كان وزير عزيز مصر في ذلك الوقت، وعندما دخل القصر رفع يوسف أباه وخالته على سريره، وأمر العسكر أن يسجدوا لهما، وكان ذلك عادة أهل مصر في التحية، فهل سجود التحية مباح في مثل هذه المواقف؟ أرجو من سيادتكم تفسيرا عن ذلك، حفظكم الله وزادكم من علمه، ونفعنا بكم والمسلمين آمين (1) .
ج: ينبغي أن يعلم أن هذا الكتاب، وهو بدائع الزهور ليس من الكتب المعتمدة، بل هو حاطب ليل يذكر الغث والسمين، والصحيح والباطل فلا يعتمد عليه، وأخبار بني إسرائيل أخبار قديمة، لا يعتمد عليها إلا ما ثبت عن الله سبحانه، أو عن رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ونص القرآن أن يوسف عليه الصلاة والسلام رفع أبويه على العرش وهما: أبوه وأمه لا خالته، بل أبوه وأمه، لأن الله سبحانه قال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (2) ، وكانت السجدة ذلك الوقت
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 123.
(2) سورة يوسف الآية 100(4/111)
مباحة للإكرام والتحية وليست للعبادة، وكما سجد الملائكة لآدم إكراما، وتعظيما لا عبادة، فهذه السجدة ليست من باب العبادة، بل هي من باب التحية والإكرام، وهي جائزة في شرع من قبلنا، ولكن في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ممنوع ذلك، ولهذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها (1) » . وبين أن السجود لله سبحانه وتعالى، فلا يسجد إلا لله سبحانه وتعالى، وقال عز وجل في آخر سورة النجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (2) ، وقال في سورة اقرأ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (3) .
فالسجود لله وحده، وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام هي أكمل الشرائع وأتمها، فلا يجوز فيها السجود لغير الله لا تحية ولا عبادة، أما العبادة فلا تصح إلا لله وحده في جميع الشرائع، لأن الله جل وعلا قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (4) ، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (5)
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، برقم 12203، والترمذي في كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، برقم 1159.
(2) سورة النجم الآية 62
(3) سورة العلق الآية 19
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الذاريات الآية 56(4/112)
فالعبادة حق الله وحده في كل زمان ومكان، ولكن كان السجود فيما مضى يستعمل تحية وإكراما، كما فعل أبوا يوسف وإخوته، وكما فعلت الملائكة لآدم، هذا من باب التحية والإكرام، وليس من باب العبادة، أما في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، فإن الله عز وجل منع من ذلك، وجعل السجود لله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يسجد لأحد لا للأنبياء ولا غيرهم، حتى محمد عليه الصلاة والسلام، منع أن يسجد له أحد، وأخبر أن السجود لله وحده سبحانه وتعالى، فعلم بهذا أن جميع أنواع العبادة كلها لله وحده سبحانه وتعالى، ومن أعظمها السجود فإنه ذل وانكسار لله سبحانه وتعالى، فهو من أفضل العبادات، فلا يصرف لغيره من الناس، لا للأنبياء ولا للجن ولا للإنس ولا غيرهم، والله المستعان.(4/113)
44 - حكم من يؤدي بعض أركان الإسلام ويترك البعض الآخر
س: ما رأيكم في المسلم الذي يؤدي بعض أركان الإسلام، ويترك البعض الآخر، كأن يزكي ولا يصوم، أو يصوم ولا يصلي وهكذا؟ (1)
ج: أما ترك الصلاة فكفر أكبر في أصح قولي العلماء، والعياذ بالله ردة عن الإسلام، أما الزكاة والصوم والحج فليس بردة، بل كبيرة من كبائر الذنوب، فلا يكفر بذلك إلا إذا جحد الوجوب، يعني جحد
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 316.(4/113)
وجوب الصلاة، أو الصوم أو الزكاة أو الحج مع الاستطاعة، فهذا كفر بإجماع المسلمين، أما إذا كان لا يجحد الوجوب فهذا يختص بالصلاة، يكفر إذا تركها ولو لم يجحد وجوبها بأصح قولي العلماء.
أما الزكاة فلا يكفر إذا كان يؤمن بوجوبها، إذا كان يتساهل ويبخل بها فهذا متوعد بالنار، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعذب يوم القيامة بالمال الذي بخل بزكاته، يعذب به يوم القيامة من نقود تحمى عليه، وهكذا الإبل والبقر والغنم يبطح لها في قاع قرقر، تمر عليه تطؤه الإبل بأخفافها وتعضه بأفواهها، وتطؤه البقر والغنم بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها عادت عليه أولاها، نسأل الله العافية في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار (1) » يدل على عدم الكفر، ويدل على أنه قد يدخل الجنة، قد يعفى عنه ويدخل الجنة، فدل على أنه ليس بكافر، إذا كان تركها بخلا، ولم يجحد وجوبها، وهكذا صوم رمضان إذا ترك الصوم تساهلا ولم يجحد وجوبه، وهكذا الحج، أما من جحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب الصيام، يعني صيام رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، هذا يكفر، لأنه مكذب لله ورسوله نسأل الله العافية، هذا يكفر عند الجميع، لأنه بجحده الوجوب قد كذب الله ورسوله، نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987.(4/114)
45 - حكم تكفير تارك الصلاة والمستهزئ بالقرآن
س: يقول السائل: هل يجوز للمسلم أن يكفر رجلا مسلما لا يصلي الصلوات المكتوبة، أو استهزأ بالقرآن؟ فهل يجوز أن نقول لمثل هؤلاء: كفار، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟ (1)
ج: نعم أيها السائل، إذا وجدت من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، يعمل عملا يقتضي كفره وجب أن يكفر، لأن المسلم يكفر بشيء من نواقض الإسلام، فليس من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. معصوما من أن يقع منه مكفر، لا بل متى وجد المكفر كفر به، فالذي يستهزئ بالقرآن أو يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم أو يستهزئ بالصلاة، أو بالصيام أو بشيء مما شرعه الله يكون كافرا عند جميع العلماء، وقد ذكر العلماء ذلك في باب حكم المرتد. فينبغي لك إذا كنت طالب علم أن تراجع كلام أهل العلم، وإلا فلتعلم أن هذا كفر وضلال، وردة عن الإسلام، كما قال الله جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (2) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (3) وهكذا الذي يترك الصلاة عمدا ولا يصلي،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 25.
(2) سورة التوبة الآية 65
(3) سورة التوبة الآية 66(4/115)
هذا كافر أيضا في أصح قولي العلماء، وإن لم يجحد وجوبها، متى تركها تهاونا وتكاسلا فإنه يكفر بذلك في أصح قولي العلماء، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة (1) » فمن ترك عمود الإسلام فقد كفر، ولقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في الصحيح: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3) » ، هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكفر كفرا أكبر، بل كفره كفر أصغر ما لم يجحد وجوبها، فإن جحد وجوبها كفر بالإجماع. أما ما دام يعلم أنها فريضة ولكن يغلب عليه الكسل والتساهل، ولا يصلي فلا يكفر بذلك عند جمع من أهل العلم، ولكن يكون عاصيا معصية عظيمة أعظم من معصية الزنا، وشرب الخمر ونحو ذلك، ويكون كافرا كفرا دون كفر، هذا قول جمع من أهل العلم، والصواب القول الأول أنه كافر كفرا أكبر، للأحاديث السابقة ولأدلة أخرى دلت على ذلك.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم 82.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22428.(4/116)
فالواجب على أهل الإسلام الحذر من ذلك، والمحافظة على الصلوات والعناية بها والعناية بأدائها بالجماعة، هذا هو الواجب على كل مسلم، وليس قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. عاصما من تكفيره إذا وجد منه ناقض من نواقض الإسلام، كما هو معروف - أيها السائل - فإن الاستهزاء بالدين كفر بالإجماع، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهكذا لو أنكر البعث بعد الموت، أو أنكر الجنة أو أنكر النار، كفر بإجماع المسلمين، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، لأن إنكاره لهذه الأمور تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، وتكذيب لله فيما أخبر به في كتابه، وهكذا لو سب الدين، أو سب الله سبحانه، أو سب الرسول، كفر بالإجماع، ولو أقر بالشهادتين، وهكذا لو قال: إن صوم رمضان غير واجب، أو الزكاة مع توافر شروطها غير واجبة، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، كفر بالإجماع. فينبغي لك - أيها السائل - وينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر من كل ما يسبب الكفر والخروج عن دائرة الإسلام، وينبغي للمؤمن أيضا أن يتفقه في دينه ويتبصر، وأن يحذر من الوقوع فيما حرم الله عليه وهو لا يشعر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(4/117)
46 - شرح قاعدة: "من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر "
س: الأخ: م. أ. أ. من ليبيا، يقول: سمعت مؤخرا أن من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر، كما أن من يشك في كفر تارك الصلاة أو المستهزئ بحد من حدود الله فهو كافر، فهل هذا صحيح؟
ج: لقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب البراءة من المشركين واعتقاد كفرهم، متى علم المؤمن ذلك واتضح له كفرهم وضلالهم، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} (1) {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} (2) {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3) لعلهم يرجعون إليها في تكفير المشركين والبراءة منهم، والإيمان بأن الله هو المعبود بالحق سبحانه وتعالى، وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (4) فهذا هو دين إبراهيم وملة إبراهيم والأنبياء جميعا، البراءة من عابدي غير الله واعتقاد كفرهم وضلالهم، حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الزخرف الآية 26
(2) سورة الزخرف الآية 27
(3) سورة الزخرف الآية 28
(4) سورة الممتحنة الآية 4(4/118)
فالواجب على المسلم أن يتبرأ من عابدي غير الله، وأن يعتقد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى، كما حكى الله عن إبراهيم والأنبياء جميعا، وهكذا قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) ، والكفر بالطاغوت معناه البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانها، وهذا الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يؤمن به ويعتقد أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأن ما عبده الناس من دون الله، من أصنام أو أشجار أو أحجار، أو أموات أو جن أو ملائكة أو كواكب أو غير ذلك، أنه معبود بالباطل، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) الآية من سورة الحج. فالمؤمن إذا علم أن فلانا يعبد غير الله وجب عليه البراءة منه، واعتقاد بطلان ما هو عليه وتكفيره بذلك، إذا كان ممن بلغته الحجة، ممن كان بين المسلمين أو علم أنه بلغته الحجة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3) ، وقال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (4) فالله أوحى القرآن إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله بلاغا للناس، فمن بلغه القرآن أو السنة، ولم يرجع عن كفره وضلاله وجب اعتقاد بطلان ما هو عليه وكفره، ومنه هذا الحديث الصحيح، يقول
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(2) سورة الحج الآية 62
(3) سورة الأنعام الآية 19
(4) سورة إبراهيم الآية 52(4/119)
عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (1) » . فبين عليه الصلاة والسلام أنه متى بلغه ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مات ولم يؤمن بذلك صار من أهل النار، يعني صار كافرا من أهل النار، لكونه لم يستجب لما بلغه عن الله وعن رسوله، وهذا هو معنى قوله سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2) ، وقوله سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (3) وفي الصحيح، صحيح مسلم، عن طارق بن أشيم رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (4) » وفي لفظ آخر: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (5) » فجعل تحريم الدم والمال مربوطا بقوله: لا إله إلا الله، وبتوحيده الله وكفره بالطاغوت، فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 153.
(2) سورة الأنعام الآية 19
(3) سورة إبراهيم الآية 52
(4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك، برقم 15448.(4/120)
وحتى يكفر بالطاغوت، يعني حتى يكفر بعبادة غير الله، الطاغوت كل ما عبد من دون الله، يعني حتى يكفر بعبادة غير الله، ويتبرأ منها ويعتقد بطلانها، وهو معنى الآية الكريمة السابقة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) والذي يعلم الكافر وما هو عليه من الباطل، ثم لا يكفره أو يشك في كفره، معناه أنه مكذب لله ولرسوله غير مؤمن بما حكم الله عليه به من الكفر، فاليهود والنصارى كفار بنص القرآن ونص السنة.
فالواجب على المكلفين من المسلمين اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم، لأنه مكذب لله ولرسوله، شاك فيما أخبر الله به ورسوله، وهكذا من شك في الآخرة، بأن شك هل هناك جنة ولا ما هناك جنة؟ هل هناك نار ولا ما هناك نار؟ هل هناك بعث ولا ما هناك بعث؟ يعني عنده شك، هل هناك بعث ونشور؟ هل يبعث الله الموتى؟ هل هناك جنة؟ هل هناك نار؟ ما عنده إيمان ويقين، بل عنده شك، هذا يكون كافرا، حتى يؤمن بالبعث والنشور وبالجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين المؤمنين، وأعد النار للكافرين، لا بد من إيمانه بهذا بإجماع المسلمين. وهكذا من شك في أن الله يستحق العبادة يكون كافرا بالله عز وجل، لأن الله سبحانه، يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2)
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(2) سورة الحج الآية 62(4/121)
ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ، والآيات في هذا كثيرة، وهكذا من شك في الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أعلم أن محمدا رسول الله، أو ما هو برسول الله، عندي شك. يكون حكمه حكم من أنكر رسالته أو كذب به، يكون كافرا حتى يؤمن يقينا أن محمدا رسول الله، وهكذا المرسلون الذين بينهم الله، كنوح وهود وصالح وموسى وعيسى وإبراهيم ونحوهم، من شك في رسالتهم أو كذبهم يكون كافرا، نسأل الله العافية، وهكذا من استهزأ بالدين، ومن سب الدين أو استهزأ بالحدود يكون كافرا، كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (4) ، والذي يسب الدين ويسب الرسول مثل المستهزئ، أو أقبح وأكفر. أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها فهذا فيه خلاف بين العلماء، منهم من يرى تكفيره وهو الصواب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (5) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (6) » ، وقال آخرون من أهل
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة التوبة الآية 65
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22428.
(6) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم 82.(4/122)
العلم: إنه لا يكفر بذلك إذا كان لا يجحد وجوبها، بل يكون عاصيا، ويكون كافرا كفرا دون كفر وشركا دون شرك، لكن لا يكون كافرا كفرا أكبر. هذا قاله جمع من أهل العلم، ومن شك في كفر هذا لا يكون كافرا لأجل الخلاف الذي فيه، من شك في كفر تارك الصلاة ولم يجحد وجوبها لا يكون كافرا، بل هذا محل اجتهاد بين أهل العلم، فمن عرف بالأدلة الشرعية أنه كافر وجب عليه تكفيره، ومن شك في ذلك ولم تظهر له الأدلة، ورأى أنه لا يكفر كفرا أكبر بل كفرا أصغر، هذا معذور في اجتهاده ولا يكون كافرا بذلك، أما من جحد وجوبها، وقال: الصلاة غير واجبة! هذا كافر عند الجميع، ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله، وهكذا من قال: إن الزكاة لا تجب، وجحد وجوبها، أو صيام رمضان جحد وجوبه، أو قال: إن الحج مع الاستطاعة لا يجب، هذا يكفر بذلك، لأنه مكذب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومكذب لإجماع المسلمين فيكون كافرا، ومن شك في كفره فهو كافر بعد ما يبين له الدليل، ويوضح له الأمر يكون كافرا بذلك، لكونه كذب الله ورسوله، وكذب إجماع المسلمين، وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها وعدم العجلة فيها، حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهكذا العامة يجب عليهم أن يتثبتوا وأن لا يقدموا على شيء حتى يسألوا أهل العلم، وحتى يتبصروا؛ لأن هذه المسائل عظيمة، مسائل تكفير ليست مسائل خفيفة، بل مسائل عظيمة. فالواجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم أن يوضحوها للناس(4/123)
بالأدلة الشرعية، والواجب على من أشكل عليه شيء ألا يعجل، وأن ينظر في الأدلة، وأن يسأل أهل العلم حتى يكون على بصيرة، وعلى بينة في ذلك، رزق الله الجميع التوفيق والهداية والعلم النافع والعمل الصالح.(4/124)
47 - التفصيل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله تعالى
س: تقول السائلة: لقد تعرفت خلال دراستي الجامعية، بجامعة الخرطوم على فتاة تقول: إن المجتمعات الآن كلها مجتمعات جاهلية، أي كافرة وتستدل بالآتي: إن هذه المجتمعات تحكم بغير ما أنزل الله، وقد قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1) وتقول: إن قول ابن عباس في هذه الآية كان مربوطا بحادثة معينة، ولا يجب أن يؤخذ به الآن في الحكم على حكام هذا الزمان، إنهم يتحاكمون إلى غير شريعة الله، أي يتحاكمون إلى الطاغوت، وقد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (2) وأيضا تستدل بقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)
__________
(1) سورة المائدة الآية 44
(2) سورة النساء الآية 60
(3) سورة النساء الآية 65(4/124)
فهل هذا الكلام صحيح، وأنه كل من تحاكم إلى قوانين المحاكم التي توجد ببلده الوضعية يصبح كافرا، خارجا من ملة الإسلام تحت جميع الظروف، وأنه لا عذر له أمام الله؟ أتمنى يا سماحة الشيخ أن تجيب على هذا الموضوع الذي يقلقني بتفصيل شديد جدا، وأن تعطيني الأدلة الكافية بإقناع أي إنسان يحمل مثل هذا الفكر، وأنا أشعر أن تكفير المجتمع كله غير صحيح، وأحب أن أهدي صديقتي هذه إلى الطريق القويم، ويا حبذا لو تمكنتم، ودللتموني على بعض الكتب التي تفيدني في مثل هذا الموضوع، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا شك أن هذا الإطلاق من هذه الفتاة ليس بصحيح، فليست المجتمعات كلها جاهلية، بل فيها بحمد الله من أهل الخير والعلم والصلاح والاستقامة ما فيها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله (2) » . فالطائفة
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 113.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: ''لا تزال طائفة''، برقم 1037.(4/125)
موجودة والحمد لله، وموجودة بكثرة في محلات كثيرة، فلا يجوز أن يقال: إن جميع المجتمعات في الشرق والغرب كلهم جاهلية وليس فيها إسلام، هذا غلط ومنكر، نعم الأغلب جاهلي، الأكثر والأغلب جاهلية على خلاف الشرع، لكن يوجد بحمد لله طائفة منصورة، يوجد من هو على الحق وإن كانوا لا يحصرون في مكان معين، لكنهم بحمد الله موجودون، وإن خلا منهم بعض الأماكن، وبعض البلاد، لكنهم بحمد الله موجودون في دول كثيرة، وفي بلدان كثيرة، ولا سيما بحمد الله في هذا العصر، في أول هذا القرن وآخر القرن الماضي، قد اتسعت الدعوة إلى الله، وكثر الدعاة إلى الله ونشط الشباب الإسلامي في كل مكان - إلا ما شاء الله - في الدعوة إلى الله، والترغيب في الخير، والدلالة على الخير، والعناية بالقرآن والسنة. فالإطلاق الذي قالته الفتاة غير صحيح، وعليها التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إليه، وأن تخاف الله وتراقبه سبحانه وتعالى، أما وجود التحكيم بغير الشريعة فهذا إثمه على من فعل ذلك ورضي به، أما من كرهه ولم يرض به فليس عليه إثم منه، الله سبحانه يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1) ، ومن حكم غير الشريعة من الدول وأعوانهم، ورضوا بذلك فهم الآثمون. أما من لم يرض بهذا من الرعية من رجال ونساء، في أي بلد فليس مأخوذا بعمل غيره، ولا آثما بعمل غيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة فاطر الآية 18(4/126)
«لا يجني جان إلى على نفسه (1) » وهذا ما قاله سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) فالواجب التثبت في الأمور وعدم إطلاق الأحكام جزافا بغير بصيرة، ولا ريب أن الحكم بغير ما أنزل الله منكر عظيم ومن أنواع الكفر، كما بينه الله سبحانه وتعالى، وهو من حكم الجاهلية، كما قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (3) وليس لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله، بل هذا منكر عظيم، وجريمة شنيعة، أما كونه كفرا مخرجا من الملة فهذا هو محل التفصيل عند أهل العلم، فمن فعل الحكم بغير ما أنزل الله يستجيزه، ويرى أنه لا بأس به، أو يرى أنه مثل حكم الله، أو يرى أشنع من ذلك: أن الشريعة لا تناسب اليوم، وأن القوانين أنسب منها وأصلح، هذا كله كفر أكبر على جميع الأحوال الثلاثة، ومن زعم أن حكم غير الله أحسن من حكمه، أو مثل حكمه في أي وقت كان، أو أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، ولو قال: إن الشريعة أفضل وأحسن، ففي هذه الأحوال الثلاث يكون قائل ذلك كافرا، وهكذا معتقد ذلك، من اعتقد أن حكم غير الله جائز، أو مماثل لحكم الله، أو أفضل من حكم الله فهو مرتد عند جميع أهل الإسلام، أما من فعل ذلك لغرض من الأغراض، وهو يعلم أنه مخطئ
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد، في مسند المكيين، حديث سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه، برقم 15634.
(2) سورة فاطر الآية 18
(3) سورة المائدة الآية 50(4/127)
وأنه مجرم، ولكن فعل ذلك لغرض الرشوة، أو مجاملة قوم أو لأسباب أخرى، الله يعلم من قلبه أنه ينكر هذا، وأنه يرى أنه باطل، وأنه معصية هذا لا يكفر بذلك، يكون عاصيا ويكون كافرا كفرا دون كفر، وظالما ظلما دون ظلم، وفاسقا فسقا دون فسق، كما قال ابن عباس رضي الله عنه، ومجاهد بن جبر وجماعة آخرون، وهو معروف عند أهل العلم، وإن أطلق من أطلق كفره فمراده كفر دون كفر. أما من اعتقد جواز حكم بغير ما أنزل الله ولو قال: إن الشريعة أفضل، أو قال: إنه مماثل لحكم الله، أو قال: إنه أفضل من حكم الله، ففي هذه الأحوال الثلاث يكون كافرا، نسأل الله العافية، كما تقدم وأرشدك في هذا إلى مراجعة تفسير ابن كثير رحمه الله وابن جرير والبغوي وغيرهم، على آيات المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3) ، وإلى مراجعة كتب ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، وفي الطرق الحكمية، ومراجعة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وفي فتاواه وغيرها، وهكذا مراجعة كتب أهل العلم في مذهب الشافعي والمالكي والحنفي وغيرهم من أهل العلم، حتى تعلمي الحكم الشرعي، ومن أنسب
__________
(1) سورة المائدة الآية 44
(2) سورة المائدة الآية 45
(3) سورة المائدة الآية 47(4/128)
ما يكون في هذا باب حكم المرتد، فإنهم بينوا فيه كل شيء في جميع المذاهب الأربعة، وفي غيرها من كلام أهل العلم، وأوضحوا تفصيل الحكم بغير ما أنزل الله، ولعلك بهذا والفتاة التي نقلت عنها، لعله يحصل لها بذلك الطمأنينة، والرجوع إلى الحق وترك التعميم الذي يخالف الشرع المطهر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
س: نأمل التوضيح حول الحكم بغير ما أنزل الله (1) .
ج: هذا الموضوع من أهم الموضوعات، ومن أخطرها؛ لأن غالب الدول المنتسبة إلى الإسلام لا تحكم شرع الله في كل شيء، وإنما في بعض الشيء كالأحوال الشخصية أو العبادات، وهذا لا شك خطأ عظيم وجريمة كبيرة.
فالواجب على جميع حكام المسلمين التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إلى الصواب والحق، وأن يحكموا شرع الله في عباد الله، في كل شيء في العبادات والمعاملات، والجنايات والأحوال الشخصية وفي كل شأن من شئونهم، لقول الله جل وعلا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) ، ولقوله سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (3) ،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 98.
(2) سورة النساء الآية 65
(3) سورة المائدة الآية 50(4/129)
بعد قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (1) ثم قال بعدها: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2) ليس هناك حكم أحسن من حكم الله عز وجل، وسبق قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (3) ، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (4) ، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5) هل يرضى مسلم أن يكون موصوفا بهذا الوصف، وأي شيء يرجى من قوانين البشر وآرائهم وعوائدهم التي درجوا عليها، ففي شرع الله الكفاية والغنية والمقنع في كل شيء.
فالواجب على كل حاكم سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية، أو بأي اسم سمي أو أميرا، الواجب عليه أن يحكم شرع الله، وأن يلزم من لديه بذلك، يلزم الشعب بالتحاكم إلى شرع الله، وأن ينصب القضاة، وأن يهيئ ما يعينهم على ذلك، وأن يوجد من الأسباب ما يحصل به وجود القضاة، العارفين بشرع الله عز وجل، فلا بد من إيجاد الدراسة الكافية في العلوم الشرعية في الجامعات وغير الجامعات
__________
(1) سورة المائدة الآية 49
(2) سورة المائدة الآية 50
(3) سورة المائدة الآية 44
(4) سورة المائدة الآية 45
(5) سورة المائدة الآية 47(4/130)
وفي المساجد، فليس من شرط التعلم أن يكون هناك جامعة، بل في أي مكان في مسجد أو مدرسة، أو جامعة لا بد من إيجاد من يتعلم علوم الشريعة، حتى يصلح لأن يكون قاضيا يحكم بين الناس، ولا يجوز أبدا أن يحكم بين الناس بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال بآرائهم، بل يجب أن يسند الحكم إلى شرع الله، وأن يؤخذ الحكم من شرع الله بين عباد الله، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.(4/131)
48 - حكم التحاكم إلى من يسمى بالمرضي
س: عندما يحدث نزاع بين قبيلتين على أمر ما من مصالح الدنيا، فإن المتنازعين لا يتحاكمون إلى الشرع حتى ولو على حكم الشرع، بل يتحاكمون - وهذا سائد بين كل أفراد القبيلتين - لما يسمى المرضي، وهو شخص من قبيلة غير قبيلتي المتنازعين، فيحكم هذا الشخص بما وجد عليه الآباء والأجداد، وقد يحكم بيمين تؤدى في ضريح، فمثلا: إذا اتهم شخص بسرقة وأنكر فإنه يقسم بالشيخ فلان أنه ما سرق، ويحلف معه خمسة أو عشرة من أهله أو قبيلته، تختارهم القبيلة التي لها اليمين، وبالفعل يحلفون بأن صاحبهم صادق حتى ولو لم يروا شيئا، فما رأي سماحتكم؟ وما هو موقفنا كدعاة إلى الله؟ وإذا كان والدي(4/131)
من هؤلاء الذين يحكمون الناس بما سبق وأن وصفته، فما هو وجه النصح له؟ رغم أني نصحته أكثر من مرة، فبرر عمله بأنه طالما أنه يحلف الناس من بعضهم فلا شيء في ذلك، هل أقاطعه؟ وإذا ما قاطعته هل أكون عاقا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الله، بل يجب الحكم بشريعة الله والتحاكم إليها، كما قال الله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} (2) يعني النبي صلى الله عليه وسلم {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) ويقول سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (4) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (5) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (6) ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7) .
فالواجب التحكيم إلى شرع الله، ولا يجوز لأي أحد أن يحكم بين القبيلة بحكم الطاغوت والأجداد والأسلاف، ولا يجوز الحلف بغير الله بالسيد فلان، ولا بأبي فلان، ولا بالنبي فلان، الحلف
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 182.
(2) سورة النساء الآية 65
(3) سورة النساء الآية 65
(4) سورة المائدة الآية 50
(5) سورة المائدة الآية 44
(6) سورة المائدة الآية 45
(7) سورة المائدة الآية 47(4/132)
لا يجوز إلا بالله وحده سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «من حلف بشيء من دون الله فقد أشرك (2) » ، فالحلف بغير الله لا يجوز لا بالأنبياء ولا بالأولياء ولا بغيرهم، ولا يجوز تحكيم شيوخ القبائل، ولا أشخاص معينين من أي قبيلة، كل هذا منكر، وكل هذا لا يجوز وباطل، والذي يراه جائزا، ويراه أمرا معتبرا يكون كافرا، نسأل الله العافية، كل من أجاز حكم غير الله فإنه يكون كافرا، ولو قال: إن حكم الشريعة أحسن. إذا قال: إنه يجوز تحكيم القوانين، أو آراء الأجداد، وأنها جائزة. فهذا كله شرك أكبر، ولو قال: إن الشريعة أحسن وأفضل، فالأحوال الثلاثة، تارة يحكم بغير ما أنزل الله، ويقول: إنه أحسن وأفضل، فالأحوال ثلاثة، تارة يحكم بغير ما أنزل الله، ويقول: إنه أحسن من حكم الله، وتارة يقول: إنه مثل حكم الله، وتارة يقول: حكم الله أحسن، ولكن هذا جائز. ففي الأحوال الثلاثة كلها يكون كافرا، نسأل الله العافية، لأنه استجاز أمرا محرما بالإجماع، مخالفا للشريعة المطهرة، ولنص الكتاب والسنة، ومن استحل ما حرمه الله وأجمع عليه المسلمون فهو كافر، نعم يجوز الإصلاح بين الناس بما
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف، برقم 2679، ومسلم في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم 1646.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.(4/133)
لا يخالف الشرع، فإذا تنازع اثنان في سرقة أو مضاربة، وأصلح بينهما شخص وتراضوا على أن هذا السارق يعطي فلانا كذا وكذا، ولا يترافعون للمحكمة، يعطيه سرقته أو يزيده كذا وكذا، ولا يترافعون فلا بأس، أو يطلب منه المسامحة وسمح، ولا بأس، أما أن يلزمه بحكم أحد فلا، لا يجوز الإلزام بحكم أحد من الناس أبدا إلا بحكم الشرع. أما الإصلاح بين الناس بأن يطلب منه السماح فيسمح، أو يرضيه بماله الذي أخذه منه، أو نهب منه، أو عن ضربة ضربه إياها، يرضيه بمال، أو بوجاهة فلا بأس، على سبيل الرضا فقط من دون الإلزام.(4/134)
49 - حكم الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين
س: ما حكم من استهزأ بشيء من دين الإسلام، أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين؟ (1)
ج: هذا ترجم له الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ترجمة في كتاب التوحيد، وبين فيها كفره، فالهزل بذكر الله أو بالقرآن، أو الاستهزاء بذلك هذا كفر أعظم، إذا استهزأ بالرسول أو بالله سبحانه أو بالقرآن أو بالجنة أو بالنار، أو ما أشبه ذلك، أو استهزأ بالصلاة أو بالصوم، أو بالجهاد، أو ما أشبه ذلك صار كافرا بذلك، إلا أن يكون
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 38.(4/134)
جاهلا لا يفهم، فيعلم ويوجه، فإذا أصر ولم يتب كفر، لقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) ، فكفرهم الله باستهزائهم، فدل ذلك على أن الاستهزاء بشيء من ذكر الله، أو القرآن أو السنة أو نحو ذلك، يعتبر كفرا بعد الإيمان، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66(4/135)
50 - حكم الرجل المسلم يسب دين الإسلام
س: ما حكم الإسلام في الرجل المسلم الذي يسب الدين؟ (1)
ج: سب الدين من أعظم الكبائر، ومن نواقض الإسلام نسأل الله العافية والسلامة، فمن سب الإسلام أو سب نبي الإسلام أو سب رسولا من الرسل فقد ارتد عن الإسلام نعوذ بالله، فإذا لعن الرسول، أو لعن الإسلام، أو سب الإسلام بأنواع السب بأن قال: الإسلام دين جامد أو دين ناقص أو أفيون الشعوب أو ما أشبه ذلك من التنقصات، فإن هذا يسمى سبا، ويكون صاحبه مرتدا عن الإسلام، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وذهب بعض أهل العلم بأنه لا يستتاب، بل يقتل مطلقا، كمن سب الله سبحانه وسب رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن السب لله أو لرسوله أو لدينه ردة عن الإسلام، وقد قال
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 68.(4/135)
النبي عليه الصلاة والسلام: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » .
فالواجب على من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه، والندم على ما صدر منه، والاستكثار من العمل الصالح؛ لعل الله يتوب عليه، أما ولاة الأمور فالواجب عليهم استتابته على ما فعل وتوبيخه وتأديبه بما يردعه وأمثاله عن ذلك.
أما قبول التوبة فهي محل نظر وخلاف بين أهل العلم، فمن رأى قبول توبته فله وجه، ومن رأى قتله وعدم قبول توبته فله وجه، ردعا للناس عن التساهل بهذا الأمر، وحماية لدين الله وحماية لجنابه سبحانه، وحماية لجناب رسوله عليه الصلاة والسلام، وبكل حال فالسب ردة عن الإسلام. أما قوله: تقبل توبته في الحكم الظاهر، أم لا تقبل فهذا محل خلاف بين أهل العلم، وأما فيما بينه وبين الله فإنها تقبل توبته، إذا صدق بتوبته ورجع إلى الله وأناب إليه وندم على ما مضى منه، فإن الله يقبلها منه، لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة، فهو سبحانه الذي يقبل التوبة عن عباده، وهو القائل سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) ، فالتوبة لها شأن عظيم، فإذا فعلها العبد صادقا نادما مقلعا تاركا لما فعل من الذنب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(2) سورة النور الآية 31(4/136)
كبيرا أو صغيرا، واستقام فالله يقبل منه سبحانه وتعالى، لكن هل يقبلها ولي الأمر في الدنيا ولا يقتله؟ هذا محل خلاف؛ فمن رأى عدم قبول توبة الساب قال: لأن السب عظيم، ولأن قبولها قد يجرئ الناس على التساهل بها، فلهذا رأى جمع من أهل العلم أن يقتل ولا تقبل توبته من جهة الحكم، حسما لمادة هذا الشر، وحماية لدين الله وحماية لرسوله، وحماية لجنابه سبحانه عن سب السابين وشتم الشاتمين وسخرية الساخرين، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وسب الدين يقع من كثير من السفهاء، فالواجب على جميع المسلمين أن يحذروا ذلك، وأن يصونوا ألسنتهم عما يتعلق بسب الدين أو سب الله أو سب رسوله، أو سب الجنة أو غير هذا مما شرعه سبحانه وتعالى، وهكذا الاستهزاء، لا يجوز الاستهزاء لا بشرع الله ولا بالجنة ولا بالنار، ولا بالله ولا برسوله، ولا بشيء مما شرع الله ولا باللحية، بل يجب أن يصون الإنسان لسانه، وأن تصون المرأة لسانها عن كل ما حرم الله عز وجل، من سب أو شتم، أو استهزاء، قال الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) ، ولما بلغه صلى الله عليه وسلم أن شخصا قتل جاريته، وكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها، لما استتابها فأبت قتلها،
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66(4/137)
قال عليه الصلاة والسلام: «ألا اشهدوا أن دمها هدر (1) » ؛ لأنها سبت الرسول عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء أن يحذروا هذا الأمر وهذه الجريمة العظيمة، وأن يحذروها الناس وأن يصرفوا ألسنتهم عن سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بالله ورسوله أو الاستهزاء بشرعه، أو بما أخبر به عن الآخرة، يجب على أهل الإسلام أن يصونوا ألسنتهم، وأن يحفظوها عن كل ما يتعلق بالسب والشتم والاستهزاء، رزق الله الجميع العافية والسلامة.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 4070.(4/138)
51 - حكم العذر بالجهل فيمن يسب الدين
س: يقول: سمعت أن الذي يسب الدين كافر، فهل يتساوى في ذلك الذي يعرف أن سب الدين يخرج من الملة، مع الذي لا يعرف أنه يخرج من الملة، وفي أمور الدين يعذر الإنسان بجهله؟ وأي الأمور التي لا يعذر فيها الإنسان بجهله؟ أرجو من الله ثم منكم أن تشرحوا هذه القضية شرحا وافيا؛ لأن أناسا يشيعون ويقولون: إن العذر بالجهل وارد، فيدعون الجهل.(4/138)
ج: من كان بين المسلمين لا يعذر بالجهل في مثل هذا، سب الدين ردة عن الإسلام، وترك الصلاة ردة عن الإسلام، وجحد وجوبها ردة عن الإسلام، هكذا سب الله، سب الرسول، الاستهزاء بالله، أو الاستهزاء بالرسول كل هذه ردة، لا يعذر فيها بالجهل، وهو بين المسلمين؛ لأن هذه معروف بين المسلمين، ومضطر ضرورة، معرفة هذا بين المسلمين، لا يخفى على أحد، ولو قال: إن الزنى حلال أو الخمر حلال. كذلك ردة عن الإسلام، يعني هذا شيء لا يخفى، أما إنسان في جاهلية لا يعرف الإسلام، وليس عند المسلمين، هذا حكمه حكم أهل الفترة، إذا مات على ذلك فأمره إلى الله، يمتحن يوم القيامة، لكن من كان بين المسلمين وسب الدين أو استهزأ بالله أو بالرسول، أو ترك الصلاة أو جحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو قال: إن الزنى حلال، أو الخمر حلال، أو العقوق للوالدين حلال. كل هذا ردة، ما يعذر فيه بالجهل؛ لأن هذه أمور ظاهرة من الدين، معلوم من الدين بالضرورة، يعرفها الخاص والعام بين المسلمين.(4/139)
س: ما الحكم الشرعي للشخص الذي يرتكب جريمة سب الدين وهو متزوج؟ إذا كنت حوله أو قريبا منه فما الواجب الذي أقوم به نحو هذا الشخص؟ وشكرا (1) .
ج: سب الدين من أعظم الجرائم في الإسلام، وهو من الجرائم الكفرية، ومن نواقض الإسلام، ومن أنواع الردة عن الإسلام، فالذي يسب الدين أو يسب الله أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا قد أتى كفرا عظيما، وردة عن الإسلام، والواجب على من سمعه أو كان يعلم ذلك منه أن ينكر عليه، وأن يعلمه أن هذا ناقض من نواقض الإسلام، وكفر بواح، فعليه المبادرة بالتوبة، لعل الله يتوب عليه، وأما حكمه في الدنيا بالنسبة لولاة الأمور، فالواجب عليهم استتابته، فإن تاب فالحمد لله، وإلا وجب عليه أن يقتل، وقال جمع من أهل العلم: لا يستتاب، بل يقتل حدا كافرا، فإن تاب بينه وبين الله تاب الله عليه، ولكن يجب أن يقتل ردعا له ولأمثاله عن سب الله ورسوله، وعلى سب دين الله، والقولان معروفان لأهل العلم، ومن نظر إلى حالة الناس اليوم بسبب الجهل واختلاطهم بالمشركين والكفار وضعفاء البصيرة يتضح له أن هذا الشيء قد يكثر في هذا الزمان لكثرة المخالطة للكفرة، ولكثرة الجهل وغلبته للناس، ولضعف الإيمان في قلوب الكثير من الناس، ولهذا قد يقع منهم هذا الشيء كثيرا. فالواجب أن يردع عن هذا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 15.(4/140)
الشيء بغاية التأديب الذي يردع الناس عن هذا، ثم يستتاب لعله يندم على ما فعل، ولكن لا بد من التعزير، لا بد من الأدب عما أقدم عليه، ثم استتابته بعد ذلك فيستتاب، فإن تاب الحمد لله مع التأديب والتعزير حتى لا يعود لمثل هذا، وإن لم يتب قتل كفرا ردة عن الإسلام.
القول الثاني: لا يستتاب، بل يقتل فورا، ولا يستتاب؛ لأن هذه جريمة عظيمة، فلا يستتاب أهلها، كما لا يستتاب الساحر على الصحيح، فهكذا من سب الله ورسوله، وسب دينه من باب أولى، لظهور كفره، ولأنه هتك أمرا عظيما، وأتى جريمة عظمى بسب الدين وسب الله ورسوله، وبكل حال الواجب أن يستتاب، فإن تاب وندم وأقلع، وأظهر الخير وأظهر العمل الصالح فالحمد لله وإلا قتل، ولكن التعزير لا بد منه، لا بد أن يعزر ويؤدب، حتى لا يعود إلى مثل هذا، ولو تاب، وإن قتل فورا ولم يستتب فهو قول جيد، وقول قوي ولا غبار عليه، ولكن الاستتابة لها وجهها، والله جل وعلا أمر باستتابة الكفار، ودعوتهم إلى ذلك، فإذا استتيب لأن الجهل يغلب على الناس، ويغلب عليهم أيضا التساهل في هذه الأمور، بسبب الجلساء الضالين وبسبب غلبة الجهل، وبسبب المخالطة الخبيثة للكفرة والمجرمين، فإذا استتيب وتاب توبة صادقة وأظهر خيرا فالحمد لله، وإلا أمكن قتله إذا عاد لمثل هذا، ولم يتأثر بالاستتابة، ولا بالتعزير الذي فعل معه من ولاة الأمور، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.(4/141)
س: الأخت ص. م. ر. من ليبيا، تسأل عن حكم الذي يسب الدين والعياذ بالله؟ وترجو توجيه النصيحة. جزاكم الله خيرا (1) .
ج: حكم الذي يسب الدين عند أهل العلم أنه كافر، فالذي يسب الإسلام أو يسب الله أو يسب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو يتنقصه ويعيبه ويطعن فيه أو يسب الجنة، أو يقول: إنها غير حقيقية أو ينكر النار ويقول: إنها غير حقيقية، كل هؤلاء كفار عند أهل العلم بإجماع المسلمين، فالذي يسب الرسول ويشتم الرسول، أو يقول: إنه ما بلغ الرسالة، أو يقول: إنه يجهل بعض الأمور، ما يعرف كل شيء جاهل أو عنده جهل، أو مقصر في حق الله أو مقصر في البلاغ، أو ما أشبه ذلك من الاستهزاء، كله كفر أكبر وردة عن الإسلام، أو يسب الله ويتنقص الله أو يقول: إنه يجهل أو يقول: إنه ظالم، أو يقول: إن شرعه ناقص، أو يقول: إن الإسلام غير صحيح أو إنه دين خرافة، أو لا يجوز التزامه أو لا الدخول فيه، أو لا يلزم طاعته، كل ذلك كفر أكبر، نسأل الله العافية.
والخلاصة: أن سب الإسلام أو سب الله أو سب الرسل، أو تنقصهم أو الطعن فيهم أو الاستهزاء بهم كله كفر أكبر عند جميع أهل العلم، نسأل الله العافية، يوجب القتل، يوجب على ولي أمر المسلمين أن يأخذ هذا الساب، وهذا المتنقص ويقتله على ردته عن الإسلام، أما
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 176.(4/142)
إذا تاب فتوبته فيها تفصيل بين أنواع الكفر، والساب لله ولرسوله لا يستتاب عند جمع من أهل العلم، لعظم جريمته نعوذ بالله، بل يقتل حدا، أما أنواع الكفر الأخرى كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات وترك الصلاة، هؤلاء يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، نسأل الله العافية.
س: لو سب إنسان الدين والعياذ بالله، نتيجة غضب انتابه فهل عليه كفارة؟ وما هي؟ (1)
ج: عليه التوبة إلى الله، عليه التوبة والندم والإكثار من الأعمال الصالحة، والله يتوب على التائبين سبحانه وتعالى.
س: ما الحكم الشرعي في رجل سب الدين، وعندما قلنا له بأنك خرجت من الإسلام قال بأن ذلك في ساعة غضب لا تلومني؟ هل له من توبة؟ (2)
ج: ليس له توبة في قول جمع من أهل العلم من سب الدين، بل يستحق أن يقتل، ولكن الصواب إن شاء الله أنه إذا تاب توبة صادقة أنه يقبل، وكثير من أهل العلم يقولون: إن من سب الدين أو سب الله، أو
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 175.
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم 376.(4/143)
سب الرسول لا تقبل توبته، لعظم الجريمة، الجريمة عظيمة، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه تقبل توبته، ولكن إذا رأى ولي الأمر أن يعزر، رأت المحكمة أو الأمير أن يعزر عن تساهله بجلدات أو سجن فهذا حسن، لئلا يجسر الناس على هذا الأمر، ويدعوا أنهم مخطئون، وأنهم تابوا؛ لأن الجريمة عظيمة، فإذا أجبر عليها، وقبلت توبته فلعله إن شاء الله الأحسن، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يقتل ولا يستتاب، لعظم الجريمة، نسأل الله العافية والسلامة.(4/144)
52 - وجوب مقاطعة وهجران من سب الدين أو الرب
س: ما رأيكم في المسلم الذي يسب الدين والرب والعياذ بالله؟ هل تجوز مقاطعته أو محاربته؟ وهل تبلغ عنه جهات الاختصاص؟ (1)
ج: قد نص أهل العلم في باب حكم المرتد، من كتب الفقهاء جميعا أن من سب الله، أو سب الرسول أو سب الدين، فقد أتى ناقضا من نواقض الإسلام، فيكون كافرا مرتدا عن الإسلام، فالذي يسب الدين ويسخر به، ويستهزئ أو يسب الرسول أو يسخر به، أو يتنقصه كافر بإجماع المسلمين، يجب أن يقاطع ويهجر، ويجب على الدولة إذا بلغها
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 195.(4/144)
ذلك أن تستتيبه، فإن تاب وإلا قتل، وقال جمع من أهل العلم: إنه لا يستتاب بل يقتل مطلقا، ولو أظهر التوبة، قالوا: إن ساب الله، وساب الرسول لا يستتاب لعظم الجريمة والعياذ بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما ما دام لم يرفع أمره إلى السلطان فإنه ينصح ويوجه إلى الخير، ويعلم ويدعى للتوبة، فإذا تاب إلى الله وأناب إليه فلا يرفع أمره لعل الله يمن عليه بالاستقامة فيسلم من شر هذا البلاء الذي وقع منه، فإن استمر في السب والاستهزاء فيجب الرفع عنه إلى ولاة الأمور حتى يقام عليه حد الله، ولا يجوز التساهل في حقه، بل يرفع أمره إلى المحكمة، أو إلى أمير البلد، حتى ينفذ فيه حكم الله عز وجل؛ لأن سبه للدين يسبب شرا كثيرا، وفسادا عظيما، فلا ينبغي أن يتساهل معه، لكن إن بادر بالتوبة والإصلاح والرجوع إلى الله، والندم قبل أن يرفع أمره، فلا حرج في ذلك، والله يتوب على التائبين سبحانه وتعالى.
س: سائلة تقول: ما حكم من سب الدين، أو سب الرب في إحدى الساعات، ولما حان وقت الصلاة توضأ وصلى الفريضة؟ فهل أداء الفريضة في ذلك الوقت يعتبر بمثابة إعلان التوبة؟ (1)
ج: سب الدين وسب الرب ردة عظمى عن الإسلام، نعوذ بالله،
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 206.(4/145)
فالواجب على من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع، ولا تكفي الصلاة، فعل الصلاة لا يكفي، بل لا بد من توبة صادقة، وندم على ما وقع منه وعزم صادق على ألا يعود في ذلك؛ لأن الجريمة عظيمة، فلا يجوز له أن يتساهل في هذا الأمر، بل يجب أن يبادر بالتوبة، وحقيقتها الندم على الماضي منه، الندم الحقيقي، والحزن على ما وقع منه، والعزم الصادق ألا يعود في ذلك، وقبل أن يفعل هذا صلاته غير صحيحة، لأنها صلاة كافر، فلا بد من توبة قبل الصلاة.(4/146)
53 - حكم من سب الدين وقد اشتد به الغضب
س: إذا غضب شخص واشتد به الغضب، وحصل منه سب للدين، ما حكمه؟ وإن كان متزوجا فهل يلحق زوجته شيء، كأن تفارقه مثلا، إذا كان الحكم بخروجه عن الإسلام؟ (1)
ج: هذه المسألة عظيمة، ولها شأن خطير، سب الدين من أعظم الكبائر، والنواقض للإسلام، فإن سب الدين ردة عند جميع أهل العلم، وهو شر من الاستهزاء، قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (2) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (3) ، وكانت جارية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تسب الدين، فقتلها سيدها لما لم تتب، فقال صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 51.
(2) سورة التوبة الآية 65
(3) سورة التوبة الآية 66(4/146)
«ألا اشهدوا أن دمها هدر (1) » . فسب الدين يوجب الردة عن الإسلام، وسب الرسول كذلك يوجب الردة عن الإسلام، ويكون صاحبه مهدر الدم وماله لبيت المال، لكونه مرتدا أتى بناقض من نواقض الإسلام، لكن إذا كان عن شدة غضب واختلال عقل فلها حكم آخر، فالغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله، وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب، فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتيه، لا يترتب على كلامه حكم: لا طلاقه ولا سبه ولا غير ذلك، يكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.
القسم الثاني: دون ذلك، اشتد معه الغضب، وغلب عليه الغضب جدا حتى غير فكره وحتى لم يضبط نفسه، واستولى عليه استيلاء كاملا حتى صار كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول لم يفقد شعوره بالكلية، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن مع شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع الذي بينه وبين بعض الناس، أو بينه وبين أهله، أو زوجته أو أبيه أو أميره أو غير ذلك، فهذا اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي العاقل تنفذ فيه الأحكام، ويقع طلاقه ويرتد بسبه الدين، ويحكم بقتله وردته، ويفرق بينه وبين زوجته، ومنهم من قال: يلحق بالأول، الذي
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 4070.(4/147)
فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب، وهذا القول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى، في عدم وقوع طلاقه وفي عدم ردته، لأنه يشبه بفاقد الشعور، بسبب شدة غضبه، واستيلاء سلطان الغضب عليه، حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك، واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، من شدة الغضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه وهو نبي مثله، من أجل شدة الغضب، ولو ألقاها تهاونا بها، وهو يعقل لكان هذا عظيما، ولو جر النبي بلحيته أو برأسه فآذاه صار كفرا، هذا إذا جره إنسان، لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم، غضبا لله عز وجل مما جرى من قومه سامحه الله، ولم يؤاخذه بإلقائه الألواح، ولا بجر أخيه، هذه الحجة للذين قالوا: إن طلاق الذي اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبه لا تقع به ردة، وهو قول قوي ظاهر، وله حجج أخرى كثيرة، بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم، واختارا هذا القول، وهذا القول أرجح عندي وهو الذي أفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده، ويشبه المجنون في تصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، هذا القول أظهر وأقوى، لكن لا مانع من كونه يؤدب إذا فعل شيئا من وجوه الردة من باب الحيطة، ومن باب(4/148)
الحذر من التساهل بهذا الأمر، ووقوعه مرة أخرى، إذا أدب من باب الضرب أو السجن أو نحو ذلك، هذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة، لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين، من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعان.
أما المرتبة الثالثة، القسم الثالث: فهو الغضب العادي الذي لا يزول معه العقل، ولا يكون معه شدة تضيق عليه الخناق، وتفقده ضبط نفسه، بل هو دون ذلك غضب عادي يتكدر ويغضب، لكنه سليم العقل سليم التصرف، فهذا عند جميع أهل العلم تقع تصرفاته، بيعه وشراؤه وطلاقه وغير ذلك؛ لأن غضبه لا يغير عليه قصده ولا قلبه، والله أعلم.(4/149)
54 - من سب الدين وجب قتله غيرة لله وحماية لدينه
س: الأخ: م. ك. أ. من جمهورية مصر العربية، يسأل ويقول: ما كفارة سب الدين؟ أعاذنا الله وإياكم من ذلك (1) .
ج: سب الدين الواجب فيه القتل، لأنه ردة عظيمة، فمن سب الدين وثبت عليه ذلك وجب أن يقتل، نصرة لدين الله وحماية له من سب السابين وإلحاد الملحدين، إذا ثبت لدى الحاكم الشرعي وجب
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 172.(4/149)
عليه الحكم بقتله، غيرة لله وحماية لدينه، ولا تقبل توبته في الحكم الشرعي، أما فيما بينه وبين الله، فإن كان صادقا في توبته تقبل عند الله عز وجل، إذا تاب توبة صادقة، وأما في الحكم الشرعي فلا تقبل، بل يجب قتله إذا ثبت لدى القاضي بالبينة الشرعية أنه سب الدين سبا واضحا، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ردة، يقول صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما بالسب لله ولرسوله، أما لو تاب فيما بينه وبين الله، وندم فيما بينه وبين الله فهذا إلى الله سبحانه وتعالى، لكن لو تاب قبل القدرة عليه، لو تاب ورجع إلى الله قبل أن نقدر عليه، لا يجوز قتله حينئذ، لو جاءنا تائبا نادما مستغفرا، يقول: لقد جرى مني كذا وكذا. فإنه لا يقتل، أما توبته بعد إمساكه، وبعد إقامة الحجة عليه، والبينة عليه، قال: تبت. فإنها لا تقبل، بل يجب قتله إذا ثبت لدى الحاكم الشرعي أنه سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يقتل ويحكم بردته، ولا تقبل منه التوبة بعد القدرة عليه، كما قال الله عز وجل في حق المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) ، أول الآية يقول سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(2) سورة المائدة الآية 34
(3) سورة المائدة الآية 33(4/150)
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) والذي يسب الدين أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم الناس محاربة لله ورسوله، ومن أعظم الناس فسادا في الأرض، فلا تقبل توبته بعد القدرة عليه، بل يجب تنفيذ حكم الله فيه، وهو القتل حتى لا يتجرأ الناس على سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صنف أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابا جليلا في هذا المعنى سماه: الصارم المسلول على شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام. وذكر الأدلة في ذلك وكلام أهل العلم، وذكر حكم ساب الله ورسوله، فينبغي أن يراجع فإنه مفيد جدا.
ونخلص إلى أن من سب الله ورسوله، ثم قدر عليه وقامت الحجة عليه، فإن الحاكم الشرعي يحكم بردته وقتله، أما لو تاب قبل ذلك، قبل أن نعلم، وجاء إلينا تائبا نادما، يخبر عن توبته فإن الصحيح أنه تقبل توبته والحمد لله.
__________
(1) سورة المائدة الآية 34(4/151)
55 - حكم ادعاء علم الغيب
س: أختنا تسأل وتقول: إن في قريتنا رجلا يدعي علم الغيب، وأنه يضر وينفع ويشفي المريض، والناس يذهبون إليه ويسألونه حوائجهم، وهو يقول لهم: إنكم إذا نذرتم للصالحين، مثلا للحسين أو علي أو العباس، فيجب عليكم الوفاء بهذا النذر، فإن لم تفعلوا سينزل بكم عقاب شديد، وهم يفعلون ما يقول، بدون تردد ويخشونه كثيرا، ويدعي النذر لغير وجه الله، ويقول: أنا متكئ على العباس، وهو الذي يصيح في رأسي، ويخبرني بالحقيقة، لأني رجل صالح. وهم عندما يسمعون هذا الكلام يرتعدون، خوفا منه ويتضرعون منه خوفا من أن يصيبهم غضبه، أفتونا ووجهونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا الذي يدعي علم الغيب، ويزعم أن العباس يصيح في رأسه، ويعلمه بكل شيء، ويرى النذر للحسين أو لعلي أو لغيرهم من الموتى، يتقرب إليهم، هذا ضال مضل وكافر، ولا ينبغي الالتفات إليه ولا التعلق به ولا الخوف منه، بل هو مدجل مشوش مشعوذ لا خير فيه، يأتي بهذه الألفاظ للترويج وتخويف العامة، وليأكل من أموالهم ويلعب عليهم في هذه الأشياء، فهذا الرجل يجب أن يرفع أمره إلى
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 117.(4/152)
الجهة المسئولة إذا كان في البلد جهة مسئولة عن مثل هذا، حتى يردع عن عمله السيئ، وحتى يحاسب على عمله القبيح، وحتى يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا.(4/153)
56 - حكم من ادعى أن الشيخ عبد القادر يتصرف في الكون ويجيب السائلين
س: لدينا مسجد نصلي فيه الفريضة والسنة، والإمام يقول عندنا: إن الشيخ عبد القادر يقول: إن شاء الله إن فلانا يموت فيموت في ساعته، كيف ترون هذا سماحة الشيخ؟ وبماذا توجهون المسلمين في ذلك المكان؟ (1)
ج: الشيخ عبد القادر من جنس سائر أهل العلم، لا يعلم الغيب لا في حياته ولا بعد وفاته، ومن ادعى أن الشيخ عبد القادر يعلم الغيب أو يتصرف في الكون، أو يغيث السائلين فهو كافر، نعوذ بالله من ذلك؛ لأن الأموات قد انقطعت أعمالهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له (2) » ولأنهم مرتهنون بأعمالهم، وليس لهم تصرف
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 59.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631.(4/153)
في أمور الناس، بل الله هو المتصرف فيها جل وعلا، فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أو الشيخ عبد القادر أو البدوي أو الحسين، أو علي بن أبي طالب أو غيرهم يتصرفون في الكون، ويعطون من يشاءون ويمنعون من يشاءون، أو أنهم يعلمون الغيب من يموت ومن لا يموت هذا كافر بالله عز وجل نعوذ بالله؛ لأن الله سبحانه يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1) ، ويقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2) فبين سبحانه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه العظيم أنه بشير ونذير، وليس يعلم الغيب إن أنا إلا بشير ونذير، يعني ما أنا إلا بشير ونذير. فمن زعم أن عبد القادر يعلم أن فلانا يموت اليوم أو غدا فهذا كله باطل وكله منكر، وكله من وحي الشيطانين لهذا الشخص، ويكذب على عبد القادر، وإنما الشياطين تقول له: أما عبد القادر فلا يتكلم، ولا يقول لهم شيئا وهو مرتهن بعمله، فالحاصل أن هذا الشيء من وحي الشياطين إلى هؤلاء الضلال، توحي إليهم ما يسترقون من السمع، قد يكون يسمعون أن فلانا يموت مما استرقوه من السماء، فيوحونه إلى بعض أوليائهم، فيخبرون بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان، قال
__________
(1) سورة النمل الآية 65
(2) سورة الأعراف الآية 188(4/154)
علي وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك، فإذا للذي قال: فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الأرض وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء (3) » .
فالحاصل أن هذا ليس من عبد القادر وليس من الأموات ولكنه مما توحيه الشياطين إلى أوليائها من الإنس الأحياء فيكذبون ويقولون: هذا من عبد القادر وهذا من الرسول وهذا من فلان وكله كذب وافتراء ولا صحة له وقد يكون الشيطان كذب عليهم وقال: إن عبد القادر قال لهم كذا أو قال: أنا عبد القادر، أو قال: أنا الرسول صلى الله عليه وسلم يكذب عليهم كل هذا قد يقع فيأتي الشيطان فيتصور في غير صورة النبي صلى الله عليه وسلم، الشيطان لا يستطيع أن يتصور في صورته عليه الصلاة والسلام، ولا يتمثل في صورته لكن قد يأتي إلى بعض الناس في غير صورة النبي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} برقم 4701.
(2) سورة سبأ الآية 23 (1) {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا}
(3) سورة سبأ الآية 23 (2) {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(4/155)
عليه الصلاة والسلام، ويزعم أنه النبي، أو أنه الخضر، أو أنه عبد القادر، أو أنه علي، أو أنه عمر، أو أنه فلان، أو أنه البدوي، إلى غير هذا من كذب الشياطين، فلا يجوز تصديقهم في هذه الأمور أبدا، ولو وافق قولهم قد يكون هذا الذي وافق فيه مما سمع من السماء، مما استرقته الشياطين وأوحته إلى أوليائها، نسأل الله العافية.(4/156)
57 - حكم دعاء الأموات والاستغاثة بهم
س: يوجد لدينا بعض الإخوان يقعون في بعض الشرك ويقول بأن الولي أو الرجل الصالح هذا الذي يميل إليه أنه يعلم الغيب، أو أن لديه بعض الغيبيات، هل يجوز أن نجلس مع أمثال هؤلاء؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: أصحاب هذا العمل وأشباهه لا يجوز الجلوس إليهم إلا على سبيل الدعوة والتعليم، ومن جانب النصيحة، أما دعاء الأولياء والاستغاثة بالأولياء أصحاب القبور أو الغائبون من الشرك الأكبر الذي جاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بالنهي عنه، ودل القرآن الكريم على النهي عنه وأنه من الشرك الأكبر، فدعاؤهم والاستغاثة بهم كل هذا من الشرك الأكبر، والطواف بقبورهم كل هذا من الشرك الأكبر، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب هذا من الشرك الأكبر، فلا يعلم الغيب
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 306.(4/156)
إلا الله وحده سبحانه، الرسل وغيرهم لا يعلمون الغيب إنما يعلمه الله، ولا يعلمون إلا ما علمهم الله إياه، كما عملهم أشياء من أمر الآخرة، وأمر آخر الزمان، وما مضى من الزمان، فليس لهم من علم الغيب إلا ما علمهم الله إياه، كما قال الله عز وجل في كتابه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1) ، ويقول عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (2) وأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (3) ، هكذا الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو بشير ونذير ليس عنده علم بالغيب، فيقول الله جل وعلا لنبيه ليعلم الناس: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (4) فإن هذا من الله سبحانه، ومن قال إن هذه للولي فلان ابن العربي أو للحسين رضي الله عنه أو علي رضي الله عنه إن قال: إنهم وغيرهم يعلمون الغيب فقد كفر وأشرك وكذب الله عز وجل، وهكذا من زار قبور هؤلاء يدعوهم، أو يستغيث بهم أو دعاهم بعيدا عن قبورهم، في أي مكان دعاهم واستغاث بهم، ونذر لهم أو اعتقد أنهم ينفعون أو يضرون، أو أنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يستجيبون لمن دعاهم، لكشف الضر أو جلب النفع أو ما أشبه ذلك،
__________
(1) سورة النمل الآية 65
(2) سورة الأنعام الآية 59
(3) سورة الأعراف الآية 188
(4) سورة الأنعام الآية 50(4/157)
هذا هو الشرك الأكبر هذا دين الجاهلية دين قريش في حال جهلها وكفرها، دين أبي جهل وأشباهه، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والذبح للأموات، وطلبهم للشفاء وطلب الغائبين من الجن والملائكة، وغيرهم كله من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك أشد الحذر.(4/158)
58 - حكم الاستغاثة بالجن ودعائهم
س: يدور حولنا أن عندنا في شمال اليمن، بعض الناس وهم ليسوا بقلة يدعون بالجن حينما يكون هناك أمطار أو رعد أو برق أو في وقت غير مناسب، مثل أن يكون أحدهم متخاصما مع شخص آخر، فلذلك يبدأ بدعاء الجن وما إلى ذلك، ويعتقد البعض أن هذا الدعاء يضر به نفسه، لذا نرجو من فضيلتكم إفادتنا حسب ما جاء في القرآن، وما جاءت به الشريعة الإسلامية، وما هي صحة هذه الأقوال وهل هي صحيحة، أم مجرد عادات جرى عليها بعض الناس عن جهل أو قلة معرفة من الدين؟ وفقكم الله (1) .
ج: الدعاء والاستعانة والتعوذ يكون بالله وحده لا بالناس ولا بالجن ولا بالملائكة ولا بالأنبياء. التعوذ بالله والاستعانة بالله
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 29.(4/158)
والدعاء كله لله وحده سبحانه كما قال سبحانه وتعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (2) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) وتستعين بالله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) فلا يجوز لأحد أن يستعين بالجن ولا أن يدعوهم ولا أن يستغيث بهم كأن يقول: يا كذا يا كذا أغثني أو انصرني من الجن أو من العباد أو من الأنبياء أو من الملائكة كل هذا لا يجوز، والله ذم من فعل ذلك وقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (5) أي زادوهم طغيانا وضلالا أو زادوهم شرا إلى شرهم بسبب دعائهم إياهم فالمقصود أن الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة كلها لله وحده، فلا يجوز أن يستعان بالجن، ولا يستعاذ بهم ولا يدعو مع الله كأن يقول: يا جن خذوه أو يا شيطان فلان يسميه افعل كذا وافعل كذا، وانصرني على كذا أو أعذني من كذا، أو عاوني على كذا، كل هذا لا يجوز بل هذا من الشرك الأكبر كذلك ما يفعله بعض الجهال عند الأموات، يقول: يا سيدي البدوي، افعل كذا يا سيدي الحسين أنا في جوارك، أنا في حسبك انصرني، أو ارحمني، أو اشف مريضي كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا لو قال لغير هؤلاء كأن يقول: يا رسول
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة الفلق الآية 1
(3) سورة الناس الآية 1
(4) سورة الفاتحة الآية 5
(5) سورة الجن الآية 6(4/159)
الله انصرني، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو يا رسول الله أغثني، كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله فليس له تصرف لا الأنبياء ولا غيرهم ولا يجوز دعاء الأنبياء ولا الاستغاثة بهم ولا النذر لهم ولا الذبح لهم، بل هذا من أعمال الجاهلية ومن الشرك بالله تعالى.
فالواجب على جميع المسلمين وعلى من يرغب في الإسلام أن يحذر هذه الأمور وأن يتباعد عنها وأن يخلص لله العبادة وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، فالله الذي يدعى ويرجى ويستعان به ويستغاث به ويتقرب له بالنذور والذبائح لا غيره، فالذين يتقربون بالذبائح والنذور للأموات أو للجن أو للملائكة أو يستعينون بهم أو يسألونهم قضاء الحاجات أو تفريج الكروب أو النصر على الأعداء أو شفاء المرض، كله شرك بالله سواء مع الجن، أو مع الأموات كالبدوي وغيره أو مع الملائكة أو مع الرسل وأقربهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يجوز بل يدعو ربه وحده، يا رب افعل بي كذا، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا رب أغثني، يا رب عافني، يسأل ربه جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (3) .
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة البقرة الآية 186(4/160)
فلا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به سبحانه وتعالى، هذه أمور نشأ عليها بعض الناس واعتادوها تبعا لأسلافهم وقد غلطوا في ذلك، والله سبحانه بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم يبين للناس أن العبادة حق الله، وأنه لا يدعى مع الله أحد سبحانه وتعالى.
فالواجب على العاقل أن ينتبه لهذا الأمر، وأن ينصح من ابتلي بهذا الشيء، وأن يذكرهم بأن هذا منكر وشرك ومن أعمال الجاهلية، والله المستعان.(4/161)
59 - بيان معنى قول أهل السنة: لا يكفر المسلم بذنب
س: الأخ: م. ع. إ. من السودان، من كسلا، يسأل ويقول: بعض العلماء يرى أنه لا يجوز تكفير أهل القبلة، وكل من قال: لا إله إلا الله، لكن السؤال، هل كل من قال: لا إله إلا الله، مع الاعتقادات الخاطئة من الشرك بالله، بدعاء غيره وتقديم الشعائر لغيره، هل يعتبر هذا ضمن ما قالوا، ولا يجوز تكفيرهم؟ نرجو الإيضاح جزاكم الله خيرا (1) .
ج: نعم أهل السنة رحمهم الله يقولون: لا يكفر المسلم بذنب،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 114.(4/161)
ومرادهم الذنوب التي دون الشرك، ودون الكفر كالزنى والسرقة والعقوق للوالدين أو أحدهما، وشرب المسكر ونحو ذلك، إذا فعل المسلم شيئا من هذا، ما يكون كافرا كفرا أكبر، ولكن يكون عاصيا، ويكون فاسقا، ولا يكفر بذلك ما دام موحدا مؤمنا، وإنما فعل هذا طاعة للهوى، وليس مستحلا لما حرم الله من السكر والربا ونحو ذلك، فهذا يكون عاصيا، ويكون فاسقا، ويكون ضعيف الإيمان عند أهل السنة، ولا يكون كافرا، لكن اختلف العلماء في ترك الصلاة كسلا، هل يعتبر من هذا الصنف، أو يعتبر من أنواع الردة، على قولين لأهل العلم، والصواب: أنه يعتبر من نواقض الإسلام ومن أعمال الردة، وإن لم يجحد وجوبها، لأنها عمود الإسلام، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، ولما ورد فيها من الأدلة على تعظيمها، وأن تركها كفرا أكبر، وهكذا كل عمل أو قول يتضمن تنقص الإسلام، أو الطعن في الإسلام، أو الاستهزاء بالإسلام، أو جحد ما جاء به الإسلام، من واجب من المحرم، يكون ردة عن الإسلام، كما لو استهزأ بالصلاة، أو استهزأ بالصيام أو بالحج، أو بأخبار يوم القيامة أو بغير ذلك من أمور الدين، يكون كفره أكبر، كما قال سبحانه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (1) ، وهكذا سب الدين كفر أكبر، الذي يسب الإسلام أو يسب الصلاة أو
__________
(1) سورة التوبة الآية 65(4/162)
يسب الرسول عليه الصلاة والسلام، يكون فعله كفرا أكبر، نعوذ بالله من ذلك، وهكذا من استغاث بالأموات أو بالأصنام، أو دعاهم لكشف ضر أو جلب النفع، أو طلبهم المدد، المدد المدد يا سيدي فلان، أو من الأصنام أو من الأحجار أو من الجن، كل هذا يكون كفرا أكبر، لأن هذا مما يناقض لا إله إلا الله، فلا بد في حق من قال: لا إله إلا الله، ألا ينقضها بأعماله، ولا بأقواله، ولا بد أن يعتقد ما دلت عليه، من توحيد الله وأنه مستحق للعبادة سبحانه وتعالى، فإذا قالها ولم يعتقد معناها أو لم يعمل بمقتضاه صار كافرا، كالمنافقين يقولون: لا إله إلا الله، وهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم قالوها باللسان فقط، وهكذا كثير من المرتدين ممن ينتسب للإسلام، يقول: لا إله إلا الله، ولكنه يتعاطى ضدها من القول والعمل، فلا ينفعه دعوى الإسلام، ولا ينفعه قول: لا إله إلا الله، مع كونه أتى بما يناقضها من الذبح لغير الله كالجن، أو دعاء غير الله كالأموات، أو الأصنام أو ما أشبه ذلك، أو الاستغاثة بغير الله عند الشدائد، أو ما أشبه هذا من أنواع العبادة التي يصرفها لغير الله، فإنه يكون بذلك مشركا شركا أكبر وعليه أن يبادر بالتوبة قبل أن يموت على ذلك.(4/163)
60 - حكم تكفير المعين
س: أريد تفسيرا لقاعدة كفر المعين؟ (1)
ج: يمكن أن يقال في هذا: إن المعين يكفر إذا تعاطى أسباب الكفر، فإنه يكفر كفرا معينا، فإذا علم أنه يسب الدين، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يترك الصلاة عمدا، أو جحدا لوجوبها فيقال: فلان كافر لما أظهره من الكفر، لكن عند قتله لا بد أن يستتاب، لعله يندم لعله يرجع، فإن تاب وإلا قتل على الصحيح، الذي عليه جمهور أهل العلم، فإنه يقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (2) » قال بعض أهل العلم: يسجن ويعذب حتى يموت أو يتوب، والصواب الذي يراه أهل العلم، أنه لا يسجن إلا ريثما يستتاب فقط، فإذا تاب فالحمد لله، وإن لم يتب وجب قتله بعد الاستتابة، وذهب كثير من أهل العلم، إلى أنه يستتاب ثلاثة أيام، يضيق عليه ثلاثة أيام لعله ينتبه لعله يرجع، فإن لم يمهل ثلاثة أيام، بل استتيب ثم قتل في الحال، إذا لم يتب فلا بأس بذلك، لكن الاستتابة ثلاثة أيام يكون أولى، كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه، كونه يستتاب ثلاثة أيام يكون له فيها فسحة لعله يتراجع لعله يندم لعله يتذكر ما فيه سعادته، فالحاصل أن من أتى بأعمال الكفر بعينه قيل: هذا كافر، إلا إذا كان مثله يجهل ذلك كالذين عاشوا في
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 114.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.(4/164)
بلاد بعيدة عن الإسلام، ومجاهل أفريقيا وأمريكا ونحو ذلك، فهؤلاء لا بد أن يعلموا ويوجهوا ويبصروا حتى إذا عرفوا ذلك، ثم استمروا على الكفر كفروا وإلا فالذي بين أهل الإسلام، ويسمع الآيات ويسمع الأحاديث، أو في أمور ظاهرة لا تخفى على أهل الإسلام كالزنى ونحوه، فهذا يكفر كفرا معينا إذا قال الزنى حلال، أو الخمر حلال أو الربا حلال، هذا قد كذب الله وكذب رسوله فيكون كافرا، أو قال: الصلاة ما هي بواجبة، أو الزكاة ما هي بواجبة، أو صوم رمضان ما هو بواجب على المكلفين، هذا مكذب لله ولرسوله، شيء معلوم من الدين بالضرورة يكون كافرا، نسأل الله العافية، لكن إذا استتيب قبل أن يقتل، هذا هو المشروع، يستتاب قبل أن يقتل وأن تكون المدة ثلاثة أيام، لعله يتراجع لعله يتوب.
س: إذا كفر أحد الأشخاص بالله والرسول، فهل يحرم على الشخص أن يقول له استغفر الله؟ (1)
ج: من كفر فإن الواجب على من حوله من المسلمين أن ينصحه، وأن يوبخه على ما فعل، ويبين له سوء عمله، ويأمره بأن يستدرك أمره، ويتوب مما فعل، هذا هو المشروع، هذا هو الواجب، لقول
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 38.(4/165)
النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده (1) » الحديث، ولأن هذا من الدعوة إلى الله ومن النصيحة لعباد الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » وأعظم الخير الدلالة على الإسلام، والدعوة إلى التوبة من الردة، هذا أعظم الخير، وقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حمر النعم (3) » ينصحه ويوجهه، ويقول استغفر الله، تب إلى الله، هذه جريمة عظيمة، هذا منكر عظيم، هذا كفر وضلال، لعله يرجع فيتوب، هذا خير عظيم، وعمل صالح.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من لإيمان، برقم 49.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب غيره، برقم 1893.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل، برقم 3009.(4/166)
61 - حكم من تكلم بما يوجب ردته
س: من يتلفظ بكلمة الكفر من المسلمين والعياذ بالله هل تكفيه التوبة والاستغفار، أم يجب عليه الغسل بعد ذلك؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم 321.(4/166)
ج: من يتكلم بما يوجب ردته عليه التوبة ويستحب له الغسل، وقال بعض أهل العلم يجب الغسل، وقول الوجوب فيه خلاف بين العلماء، والأحوط والأقرب أنه مسنون مشروع، وإنما الواجب التوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه والندم على ما مضى منه، والإقلاع من معصيته وكفره، والتوبة إلى الله والعزم الصادق على ألا يعود لذلك. وبذلك يتوب الله عليه، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » . فإذا تكلم بكفر، بأن سب الدين أو تنقص الدين، أو سب الصحابة أو ما أشبه ذلك، يجب أن يرجع إلى التوبة، وإذا علم ولي الأمر وثبت لولي الأمر ذلك، فإنه يعزر ويؤدب ولو تاب، وإذا أصر ولم يتب وجب قتله مرتدا، نسأل الله العافية.
المقصود إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام، ثم تاب إلى الله توبة صادقة تاب الله عليه. الله يتوب عليه لكن بعضها فيه خلاف، ومن جهة الحكم الشرعي: هل يقتل؟ أو لا يقتل؟ أما فيما بينه وبين الله فكل من تاب إلى الله تاب الله عليه، إذا استوفى الشروط وأخلص في التوبة وصدق فيها، فالله يتوب عليه من كل ذنب، حتى الشرك، لكن هناك أمورا قد توجب قتله وإن تاب، كسب الله أو سب الرسول عليه الصلاة
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم 4250.(4/167)
والسلام، والسحر فإن جمعا من أهل العلم قالوا: لا يستتاب الساحر بل يقتل لأن شره عظيم، لكن توبته فيما بينه وبين الله صحيحة إذا كان صادقا فيما بينه وبين الله، والحمد لله.(4/168)
62 - حكم الإكراه على ناقض من نواقض الإسلام
س: كيف يحاسب الإنسان على أمور لا يملكها مثل الكره والحب والحسد وما إلى ذلك؟ (1)
ج: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) فالشيء الذي فعله مكرها يعني يكره بالقوة مع اطمئنان قلبه بالإيمان، أكره على شرب الخمر، أكره على الكفر بالضرب والوعيد، أكرهه قادر على فعله الذي يغلب على ظنه أنه يفعله، لا يضره ذلك إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ثابتا على الحق، لقول الله سبحانه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (4) فلو أكره على أن يسب الدين أو يسب الرسول بالضرب أو بالوعيد بالقتل يظن أن المكره يفعله، فإنه عذر أن يتكلم ولكن مع ثبات قلبه على الإيمان مع
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 338.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) سورة التغابن الآية 16
(4) سورة النحل الآية 106(4/168)
إيمانه بقلبه أنه على الحق، وأن هذا الإكراه هو الذي حمله على ما فعل، لو قال باللسان دون القلب، وهكذا لو أكره على شرب الخمر صب في فمه أو قيل له: إن لم تشرب قتلناك أو ضربناك يكون الإثم عليهم ولا عليه شيء إذا كان قلبه مطمئنا بتحريمه وأنه ما فعله إلا لدفع الشر.(4/169)
63 - الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر
س: يسأل أيضا عن الكفر الأكبر - سماحة الشيخ - وعن الكفر الأصغر، وعن الفسوق الأكبر والفسوق الأصغر، والشرك الأكبر، والشرك الأصغر؟ (1)
ج: ما أوجب الردة هذا كفر أكبر، وما لم يوجب الردة من أنواع الشرك كالرياء في الصلاة أو في القراءة، هذا يسمى شركا أصغر، وهكذا ما ساعد الناس على الكفر، مثل النياحة على الميت والطعن في الأنساب سماه النبي كفرا، قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت (2) » سماها كفرا يعني كفرا أصغر، فالمقصود أن الكفر كفران: أكبر وأصغر، والشرك شركان، والنفاق نفاقان، فإذا تأملت النصوص والأدلة عرفت ذلك فالنفاق الأصغر مثل
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم 361.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة، برقم 67.(4/169)
الكذب، خيانة الأمانة، الفجور في الخصومة، إخلاف الوعد، هذه خصال النفاق الأصغر، أما النفاق الأكبر هو كونه يضمر الكفر ويظهر الإسلام يعني في الباطن لا يرى وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوحد الله في الباطن ولا يرى أن الدين حق ولا يرى تحريم الزنى ولا تحريم ما حرم الله، في الباطن مع المنافقين مع الكفرة، هذا هو النفاق الأكبر، نسأل الله العافية، كونه يعتقد خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يعتقد أن الدين ما هو بصحيح أو أن الصلاة ما هي بواجبة أو أن صيام رمضان ما هو بواجب، لكن لا يبين ذلك سرا بينه وبين أصحابه، هذا ردة عن الإسلام ونفاق أكبر.
س: شخص استهزأ بلسانه بشيء من الدين ثم ندم وبعد ذلك تاب هل تقبل توبته، إذا كانت له أعمال صالحة قبل التوبة، فهل يحتسبها الله عز وجل أم لا؟ وهل يأثم إذا استهزأ من غير قصد في نفسه، واستعاذ من الشيطان، ماذا يلزمه في هذه الصورة؟ (1)
ج: نعم، إذا أسلم وتاب تاب الله عليه وأبقى له عمله السابق، وإنما تبطل أعماله إذا مات على الردة، أما لو استهزأ بالدين أو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن ثم تاب إلى الله وندم، فإن الله يتوب عليه ويحفظ عليه أعماله السابقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «أسلمت
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 359.(4/170)
على ما أسلفت (1) » ، والله يقول جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} (2) ، فشرط في بطلان أعمالهم أن يموتوا وهم كفار، فلا بد من هذا الشرط، المقصود أنه إذا مات على الكفر بطلت أعماله ولهذا قال في الآية: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (3) . أما إذا مات وهو مسلم وقد تاب الله عليه وهداه فإن أعماله الطيبة من حج وصلاة وغير ذلك كلها تبقى له والحمد لله.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، برقم 123.
(2) سورة البقرة الآية 161
(3) سورة البقرة الآية 217(4/171)
64 - حكم مظاهرة المشركين على المسلمين
س: من نواقض الإسلام مظاهرة المشركين ومعونتهم على المسلمين، نرجو أن توضحوا ذلك، وهل كل الطوائف غير المسلمة تدخل في ذلك؟ (1)
ج: مظاهرة المشركين على المسلمين ردة عن الإسلام، لقوله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2) كونه يظاهر الكفار من اليهود والنصارى والشيوعيين أو غيرهم، كونه يظاهرهم ضد المسلمين
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم 372.
(2) سورة المائدة الآية 51(4/171)
وينصرهم ضد المسلمين، هذا تول للكفار وردة عن الإسلام نعوذ بالله، كما نص عليه أهل العلم في باب أحكام المرتد، نسأل الله العافية.
س: ما حكم من يستهزئ بالمؤمنين المتمسكين بالسنة؟ وخاصة موضوع اللحية، ويقول أيضا: أولئك الذين يرفعون الثوب إلى الكعبين؟ (1)
ج: الاستهزاء من أقبح الكبائر، ومن أقبح الشرور، لا يجوز الاستهزاء بالمسلم، فيما فعله من الشرع، وإذا استهزأ بالدين قصده أن هذا الشرع ليس بشيء أو أنه هزئ بنوع من العبادات صار كافرا، نعوذ بالله، يقول الله جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) فالاستهزاء بالصلاة أو باللحى أو غير المسبلين، أو بالصيام أو بالحج، يكون كفرا، ردة عن الإسلام، إذا كان قصده الاستهزاء بالشرع.
أما إذا كان قصده الإنسان نفسه، وليس قصده اللحية، بل استهزأ بمشيته أو سوء تصرفه هذا لا يجوز، لكن لا يكون كفرا. أما إذا كان قصده استنكار اللحية، واستقباح عمله، أو استقباح منع الإسبال فهذا كفر، يعني استهزاء بالشرع.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 258.
(2) سورة التوبة الآية 65(4/172)
فالواجب الحذر من هذا الأمر العظيم، يعني خطير، يجب الحذر منه، فلا يجوز الاستهزاء بشيء من الشرع، لا باللحى ولا بمنع الإسبال ولا بالصلاة ولا بالصوم ولا بغير ذلك، يجب على المؤمن أن يخضع لشرع الله، وأن يؤمن به، وأن يعظمه، وألا يستهزئ به، نسأل الله العافية.(4/173)
65 - حكم معاملة من يسب الدين
س: يسأل المستمع ويقول: ما حكم سب الدين؟ وهل يجوز معاملة من يسب الدين؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: سب الدين، سب الإسلام، كفر أكبر وردة عن الإسلام عند جميع العلماء، ما فيه خلاف، ذكروا هذا في باب حكم المرتد، من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سب بعض الرسل غير محمد صلى الله عليه وسلم كأن يسب نوحا أو هودا أو آدم، أو غيرهم من الرسل والأنبياء كفر بإجماع المسلمين، وهكذا إذا سب دين الإسلام، أو استهزأ به، يكون كافرا عند جميع أهل العلم، لقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) ولأن سب الدين مضمونه الكراهة له، وإنكاره، والله يقول سبحانه وبحمده:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 280.
(2) سورة التوبة الآية 65(4/173)
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (1) .
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر وأن يحفظ لسانه، ويصون لسانه عما يجره إلى الردة عن الإسلام، سب الدين والاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بالقرآن، أو سب القرآن، أو سب الرسول، أو سب الله، أو سب بعض الأنبياء الآخرين، كله ردة وكفر بعد الإسلام نعوذ بالله، واختلف العلماء، هل يستتاب أو لا يستتاب، فقال بعضهم: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، يعزر أيضا، ولو تاب يعزر عن فعله القبيح بالجلد والسجن ونحو ذلك، وقال آخرون: لا يستتاب، بل يقتل حدا، يقتل كافرا، ولا يستتاب، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأن جريمته عظيمة، وكفره عظيم، والأقرب عندي والله أعلم القول باستتابته، لأنه قد يقع عن جهل، وقد يقع عن غضب شديد، وقد يقع عن استهزاء ببعض الناس، فكونه يستتاب ويبين له خطؤه وظلمه لنفسه، وأنه أتى جريمة عظيمة، وكفرا عظيما، فإذا تاب رفع عنه القتل، لكن لا مانع من أن يؤدب، يؤدبه ولي الأمر، الأمير أو القاضي، يؤدبه عن هذا بجلدات، أو بسجن، أو نحو ذلك، مع التوبيخ، حتى لا يعود لمثل ذلك.
__________
(1) سورة محمد الآية 9(4/174)
باب ما جاء في الإيمان بالغيب(4/175)
باب ما جاء في الإيمان بالغيب
66 - معرفة علم الغيب من خصائص الله عز وجل
س: الأخ: م. ح. ب، من ليبيا، يقول: أتقدم إليكم بالسؤال التالي والذي يقول: علم الغيب يقتصر على المولى عز وجل دون سواه، وهناك آيات قرآنية تؤكد انفراد المولى عز وجل دون غيره بذلك، ولكن نجد في الكثير من الكتب عند اطلاعنا عليها، أنه يكتب في نهاية الحديث أو العبارة أو الصفحة " الله ورسوله أعلم " فما معنى ذلك؟ هل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب في حياته ومماته، أيضا؟ نرجو من سماحتكم إجابتنا وإفادتنا، والاستدلال إذا أمكن بالقرآن الكريم، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: نعم مثل ما ذكر السائل، علم الغيب إلى الله عز وجل، وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره علم الغيب، بل هو مختص بالله عز وجل،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 147.(4/177)
كما قال الله سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1) الآية من سورة النمل. قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2) هكذا في سورة الأعراف. ويقول سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (3) فالغيب إلى الله عز وجل، مختص به سبحانه وتعالى، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم ما يكون في الآخرة، وما في الجنة والنار، ويعلم الناجين من الهالكين، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى، والرسل إنما يعلمون ما جاءهم به الوحي، ما أوحى الله به إليهم، يعلمونه كما قال سبحانه وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (4) فالله يوحي إلى الرسل ما شاء، كما أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة، من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان، من الدجال ونزول المسيح وهدم الكعبة، ويأجوج ومأجوج وغير ذلك مما يكون في آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب، أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فعلمنا إياه، وصار معلوما للناس، وهكذا ما يعلمه الناس من أمور الغيب، عند وقوعه، في
__________
(1) سورة النمل الآية 65
(2) سورة الأعراف الآية 188
(3) سورة الأنعام الآية 59
(4) سورة الجن الآية 26(4/178)
بلادهم، أو في غير بلادهم فيكون معلوما لهم بعد وقوعه، وكانوا لا يعلمونه قبل ذلك، أما ما يقع في كتب أهل العلم: الله ورسوله أعلم، فهذا فيما يتعلق بأمور الشرع، وأحكام الشرع، ومرادهم يعني في حياته، يعلم هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام، أما بعد وفاته فلا يعلم ما يكون في العالم، ولا يدري عما يحدث في العالم، لأنه بالموت انقطع علمه بأحوال الناس، عليه الصلاة والسلام، إلا ما يعرض عليه من الصلاة والسلام عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإن الصلاة تبلغني حيث كنتم (1) » في الحديث الصحيح: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام (2) » . عليه الصلاة والسلام، أما أمور الناس وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات، كل هذا لا يعلمه الرسول ولا غيره، ممن مضى، ممن مات، ولا يعلمه من يأتي، وقد يعلمه من حولهم من الناس، بمطالعتهم إياه ومشاهدتهم أعمالهم، من جلسائهم وأهل بلادهم. المقصود أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما أوحاه الله إلى الرسل فهو من علم الغيب، الذي أطلعهم عليه سبحانه وتعالى، وهم أطلعوا الناس عليه وعلموه
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8804، وأبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم 2042.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 3657.(4/179)
الناس. وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال: «يذاد أناس عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا ربي، أمتي أمتي، وفي لفظ فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (1) » . فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم، يقال له: «لا تدري ما أحدثوا بعدك (2) » وفي اللفظ الآخر: «يذاد أناس عن حوضي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (4) » فهو صلى الله عليه وسلم إنما يعلم ما أوحاه الله إليه، وما كان عند الله من الغيب لا يعلمه سواه سبحانه وتعالى، وبعد موته لا يعلم حوادث الناس.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: '' واتخذ الله إبراهيم خليلا '' برقم 3349.
(2) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: '' كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا ''، برقم 4740، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، برقم 2860.
(3) البخاري أحاديث الأنبياء (3171) ، الترمذي تفسير القرآن (3167) ، النسائي الجنائز (2087) ، أحمد (1/235) .
(4) سورة المائدة الآية 117 (3) {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(4/180)
67 - حكم من يخبر بالمغيبات
س: ما حكم من يخبر بالمغيبات، ويعمل البخور والشعوذة؟ (1)
ج: يجب على المسلم أن يحذر هؤلاء المخرفين، الذين ينسبون إلى التصوف والشعوذة، إما بدعوى علم الغيب، أو بدعوى أخرى يدعونها، أنهم بينهم وبين شيوخهم صلة، تمكنهم أن يفعلوا كذا وكذا فيشوشوا على الناس، ويوهموهم أنهم لهم قدرة على إشفاء المرضى، أو قضاء الحاجات بالطرق غير الشرعية، فهؤلاء يجب الحذر منهم، لأنهم مخرفون ودعاة باطل، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين يوما (2) » ، وقال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (3) » صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الذين يدعون أمور الغيب، أو يدعون أن مشايخهم يرشدونهم إلى أشياء تتعلق بالغيب، وأن ما يقول مشايخهم صحيح، وأنهم معصومون وأن أخبارهم لا بد أن تقع، وما أشبه هذا مما يقع لبعض الصوفية، أو يعتقد أنه يأتيه الوحي من السماء، يقول:
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 185.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9252.(4/181)
حدثني قلبي عن ربي، بكذا وكذا. فكل هذه خرافات، والذي يدعيها كافر، الذي يدعي أنه يعلم الغيب، أو يأتيه الوحي من السماء ما عدا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أطلعه الله عليه، كل هذا كفر وضلال، وهكذا من يصدقه بدعوى علم الغيب، من صدقه فهو مثله، وإذا جعل بخورا من الأشياء التي يشوش بها أو يلبس بها فلا يلتفت إليه، العمدة على ما يقول، إذا كان يدعي علم الغيب أو يدعي أنه يخدم الجن، وأن الجن هم الذين يخبرونه بالمغيبات، أو ما أشبه ذلك، هذا من الخرافيين، ومن المشعوذين، فيجب الحذر منهم وعدم سؤالهم، وعدم تصديقهم، ومتى ظهر منه أنه يدعي علم الغيب أو أنه يعبد الجن ويخدمهم بالطاعات والذبح لهم، صار مشركا، إما بدعوى علم الغيب، وإما لكونه يعبد الجن، ويستغيث بهم وينذر لهم ونحو ذلك، وإذا زعم أنه يعرف الأشياء بالطرق الأخرى، فهو كذاب لقصده التلبيس، لأنه لا يعلم الغيبيات إلا الله سبحانه وتعالى، أما إذا كان يداوي المريض بالأدوية المعروفة الحسية، كما يفعل الأطباء المعروفون، يداوي بالكي، يداوي بأشياء يستعملها مأكولات أو مشروبات أو مروخات، جربت ونفعت، ولا يدعي علم الغيب، ولا يخدم الجن، هذا لا حرج عليه، هذا طب شعبي، قد اعتاده الناس فيما بينهم، من أنواع من المأكولات أو المشروبات، أو الدهونات أو المروخات أو الكي، هذا لا بأس به، إذا كان سليما ليس معه دعوى علم الغيب، وليس معه عبادة للجن، قد كانت العرب، وغالب الناس على هذا فيما مضى يعرفون عادات(4/182)
يفعلونها، ويعالجون بها، ويتطببون بها، وقد تنفع وقد لا تنفع، وليست من علم الغيب، ولا من خدمة الجن، بل هي أمور اعتادوها، من أشربة أو مأكولات، أو بخور يتبخرون به، وينفع الله به، أو ما أشبه ذلك، من الأمور الواضحة الظاهرة، التي ليس فيها تلبيس ولا عبادة للجن، ولا دعوى علم الغيب وهكذا الكي.
س: يقوم رجل صالح حينما تحضر لهم في إحدى المشكلات، يقول: نستخير لك الله، أو نفتح لك الكتاب، أو نشوف لك الخيرة، ويحدثونك عن المستقبل، ويعالجونك عما بك من مصائب، هل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: هذا غلط فإنهم لا يعلمون الغيب، فإذا أرادوا أن يفكروا في الدواء والعلاج فلا بأس، أما أن ينظروا في أمر معناه أنهم يعلمون الغيب، بطريق يقرءونها أو يكتبونها، أو تكتب لهم فهذا لا صحة له أبدا، يقول الله سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2) فهو سبحانه يعلم الغيب، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مفاتح الغيب خمسة لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ قوله تعالى: (4) »
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 39.
(2) سورة النمل الآية 65
(3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: '' عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ''، برقم 7379، سورة لقمان، الآية 34.
(4) سورة لقمان الآية 34 (3) {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(4/183)
سبحانه وتعالى، ويقول الله له: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1) فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، وإنما هو نذير وبشير لعباد الله، فالذي يدعي أنه يستخير للمريض، أو يستفتح للمريض، أو يفكر للمريض، حتى يعلم ما وراء علم الأسباب، بل علم آخر وهو علم الغيب، هذا لا يجوز وهذا باطل، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر نعوذ بالله، أما إن أراد أن يفكر في الدواء المناسب، والعلاج المناسب، فهذا لا بأس به، والطبيب قد يخفى عليه المرض، فيفكر كذلك، بقوله: أستخير، هذا إن كان قصده يستخير الله في الصلاة ركعتين، ويستخير الله في كيفية علاجه، هذا لا بأس، أما يستخير بمعنى أن ينظر في علم الغيب فهذا باطل.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188(4/184)
68 - حكم تصديق من يدعي معرفة أحوال الموتى
س: مستمعة يمنية مقيمة في المملكة ل. م. أ، تقول: يوجد عندنا امرأة تسمى متسفلة، وتعني هذه الكلمة أنها تزور القبور في الليل، وتعرف أحوال الموتى من أقربائها ومن غيرهم، وقد لوحظ أن هناك بعض الناس يذهبون إلى هذه المرأة، وإعطاؤها نقودا لتقوم بزيارة أبنائهم أو إخوانهم، ولمعرفة أحوالهم، وعندما تذهب هذه المرأة كما تدعي، بأنه يقوم هؤلاء الأموات، بطلب أشياء من أقربائهم، وعليهم تنفيذها في الدنيا، وليس الذهب إليهم في القبور، ثم تستمر في سرد هذه القضية، لتصل إلى هذه النتيجة، فتقول: إن هذه المرأة، عندما تزور القبور تنام، وتذهب الروح فقط، وتبقى الجثة في المنزل، وسؤالنا هل عمل هذه المرأة صحيح؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فعمل هذه المرأة عمل منكر وباطل، وكله تمويه وتضليل وكذب، أولا: زيارتها للقبور لا تجوز، لأن النساء لا يزرن القبور، والرسول لعن زائرات القبور عليه الصلاة والسلام، فليس للنساء زيارة القبور، وإنما هي للرجال، أما النساء فقد نسخت زيارتهن للقبور، واستقر الأمر على أنهن لا يزرن القبور، لقوله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 317.(4/185)
«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » هكذا للرجال، وجاء في الحديث الصحيح: «لعن رسول الله زائرات القبور (2) » أما قولها إنها تعرف أحوال المقبورين، وترفع طلباتهم لأقربائهم، فهذا كله باطل، لا يعلم الغيب إلا الله، ولا يعلم أحوال القبور إلا الله سبحانه، هو الذي يعلم أحوالهم وبما هم فيه، وليس هناك دليل على ما تقول، بل هو كذب وأخذ لأموال الناس بالباطل، وترويج للباطل، ولا يجوز أن تصدق، بل يجب أن يرفع أمرها إلى ولي الأمر الشرعي، حتى تعاقب بما تستحق ولا يجوز تصديقها، ولا أن تعطى شيئا مما تقول، نعم قد يرى الإنسان بعض أقاربه في النوم في خير، أو يراهم في شر، هذا قد يحدث في الرؤيا، أما المرأة إذا زارت القبور، أو الرجل إذا زار القبور، يعلم أحوال المقبورين من خير وشر، وأنهم يوصونه بأشياء، ويأمرونه بأشياء، هذا باطل لا صحة له، وقد يطلع الله بعض الناس على بعض أحوال المقبورين، إذا كشف القبر لحاجة في القبر، إما نسيان لأداة حفر، أو شيء آخر ينسونه في القبر، فقد ذكر ابن رجب رحمه الله أن بعض الناس حفر عنه القبر، فوجد يعذب في قبره، هذا
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، برقم 2598.(4/186)
قد يقع ليري الله عباده العبر، وقد يوجد ما يدل على أنه في خير ونور، ولكن ليس هناك ما يدل على أن أحدا يطلع على أحوال المقبورين، بدون أسباب حسية، أو أن أهل القبور يبلغون كذا وكذا يعلمون كذا وكذا كل هذا باطل، إنما قد تقع الرؤيا إما رؤيا صالحة، أو رؤيا غير صالحة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى الإنسان ما يسره، يخبر بها من أحب، والرؤيا المكروهة من الشيطان، فإذا رآها إنسان، يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من الشيطان، ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدا، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام، والمقصود أنها يعني: هذه المتسفلة هي على اسمها متسفلة خبيثة، لا يجوز تصديقها والالتفات إليها، بل يجب ردعها وتأديبها عن هذا العمل السيئ، نسأل الله العافية.(4/187)
69 - معرفة مستقبل الناس من علم الغيب
س: ما هو مستقبل العالم الإسلامي، من حيث القوة والضعف، حسبما نظرت السنة الشريفة، وكذلك مستقبل أعداء الإسلام، في هذه الحياة الدنيا؟ (1)
ج: هذا يا أخي من علم الغيب، هذا أمره إلى الله عز وجل، وهو
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 140.(4/187)
من علم الغيب، ولا يعلم مستقبل الناس إلا الله سبحانه وتعالى، لكن مقتضى الأدلة الشرعية أن الغربة تزداد، ولا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ (1) » . لكن قد تقع فجوات في الدهر، ينتصر فيها الإسلام على غيره، ويظهر فيها الإسلام في بعض الأوقات، وفي بعض الجوانب من الدنيا، كما جرى في عهد عمر بن عبد العزيز، كان عهده أحسن من عهد الأمير الذي قبله، بسبب ما قام به من الدعوة إلى الله، وإلزام الناس بالحق، وكما جرى في نجد في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، من ظهور الإسلام والقضاء على أسباب الكفر، واجتماع المسلمين على الجهاد في سبيل الله، وعلى إخلاص العبادة لله وحده، وهدم مباني القبور المعبودة من دون الله، والقضاء على الأوثان، وكانت الحال في النصف الثاني من القرن الثاني عشر وما بعده، أحسن من الحالة في قرون كثيرة مضت ظهر فيها الشرك، وظهر فيها الفجور والمعاصي، الحاصل أن الأصل أن الإسلام تشتد غربته عاما بعد عام، وقرنا بعد قرن في الجملة، كما قال جماعة من أهل العلم، وقد يأتي الله بزمان ينفس فيها الله عن المسلمين، فيحصل فيه خير كثير، وتكون الحالة أحسن من الزمن الذي قبله، رحمة من الله
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، برقم 146.(4/188)
جل وعلا، وقد يكون ذلك في جانب دون جانب، وفي إقليم دون إقليم، كما جرى في وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفي بلدان أخرى خرج فيها المصلحون، وصارت الحالة في بلادهم أحسن من الحالة التي قبلها، وقتا ما. والله جل وعلا أخبرنا أن هذا الإسلام، ينتهي في آخر الزمان، وأن هناك ريحا تخرج يرسلها الله عز وجل، يقبض بها أرواح المؤمنين والمؤمنات، ثم يبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة، وفي آخر الزمان يرفع القرآن، ويقبض المؤمنين والمؤمنات، ويبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة، لكن في أول هذا القرن وفي آخر القرن السابق، حصل بحمد الله يقظة للمسلمين، وحركة مباركة للمسلمين، صار فيها المسلمون أحسن حالا من قبلها، في أوقات بسبب الحركة الإسلامية من الشباب وغيرهم، وبسبب كثرة الدعاة إلى الله، والجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية في شتى بقاع الأرض، وانتشر الدعاة من هنا وهنا، من الجامعة الإسلامية ومن هذه الرئاسة، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والدعوة والإرشاد، ومن الرابطة ومن جهات أخرى، فالحاصل أن هذا الوقت الآن يبشر بخير، من حركة إسلامية قوية، وتكاتف ودعوة إلى الله، ونشاط، فنرجو أن يكون المستقبل القريب أحسن مما مضى بكثير، أما ما بعد ذلك فالله أعلم، جل وعلا، والأدلة معروفة في هذا الباب، وأما مستقبل الكفرة فكذلك، كلما نشط الإسلام ضعف جانب الكفر، وأما تفصيل الأشياء وعلم نهاياتها، هذا إلى الله سبحانه وتعالى، لكن الواجب على المسلمين أن(4/189)
يجتهدوا في نصر دين الله، والدعوة إلى الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يحرصوا على جهاد الأعداء، ونشر تعاليم الإسلام حتى يظهر دين الله، وحتى يبقى دينه، وحتى يستعيدوا ما سلبه الأعداء منهم، هذا واجب المسلمين، وهذا واجب على الدول الإسلامية أن تتقي الله، وأن تحكم شريعته سبحانه، وأن تجتهد في إصلاح أوضاع بلادها، وإقامة حكم الله في بلادها، وفي شعبها، هذا هو الواجب على جميع المسلمين، وقد سرنا ما سمعنا من حكومة بنجلاديش، من إعلانهم تحكيم الشريعة، واجتماعهم على هذا الأمر، وهذا يبشر بخير كثير، ونرجو أن يوفقهم الله لهذا الأمر، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة، وأن يوفق الباقين لهذا الأمر، وأن يقتدوا بغيرهم ممن سعى، وبادر بتحكيم الشريعة، وهكذا حكومة الباكستان عندها عزم كبير على تحكيم الشريعة، ونسأل الله أن يعينها على ذلك، وهكذا نرجو لبقية الدول الإسلامية: كحكومة مصر والأردن وغيرها، نسأل الله لهم العون والتوفيق، حتى يحكموا شريعة الله، وحتى يدعوا النظم المخالفة لشرع الله، هذا هو الواجب عليهم وبذلك ينصرهم الله ويعينهم، ويحسن لهم العاقبة، ويجمع شملهم على الخير. والله المسئول سبحانه أن يوفق المسلمين جميعا، حكاما ومحكومين، وقادة وشعوبا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة والتمسك بها، وترك ما يخالفها، إنه سبحانه وتعالى سميع قريب.(4/190)
70 - بيان أن التقاويم لها حسابات معروفة وليست من علم الغيب
س: التقويم السنوي الذي يكتب به التاريخ، ومواعيد الصلاة مقدما، هل من يكتبه يعلم بالمواعيد مقدما، ولا يعلم الغيب إلا الله، وهل استعمال التقويم حرام، وما حكم من يعمل التقويم؟ (1)
ج: التقاويم معروفة لها طرق معروفة وحساب معروف، ليس هو من علم الغيب، لها حساب معروف في ضبط دخول الشهر وخروج الشهر، وضبط الأيام والليالي والدقائق والساعات، لها طرق حسابية معروفة ليس من علم الغيب، ولا ينبغي أن تظن أنه من علم الغيب أيها السائل، هذه أمور معروفة لها طرق ولها حسابات معروفة يسير عليها الحاسبون ويدركون معناها، فليس فيها من علم الغيب شيء.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 29.(4/191)
71 - بيان معنى القضاء والقدر
س: تقول السائلة: م. غ. ما الفرق بين القضاء والقدر؟ (1)
ج: القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومعناهما واحد وهو الشيء الذي قضاه الله سابقا وقدره سابقا، يقال لهذا قضاء، ولهذا قدر
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 360.(4/191)
يعني ما سبق في علم الله أنه قدره من موت وحياة وعز وذل وأمن وخوف، كله وغيره يسمى قضاء ويسمى قدرا.(4/192)
72 - بيان أن شكوى الهموم لأجل التعاون ليس من الاعتراض على القدر
س: ما حكم الشرع في نظركم - سماحة الشيخ - فيمن يشكو بعضا من همومه لصديقه، هل يعتبر ذلك من الاعتراض على قضاء الله وقدره؟ (1) .
ج: إذا كان الشكوى عن الهموم لأجل التعاون يظهر ما لديه لعل الله ينفعه برأيه واجتهاده من باب المشورة، من باب الاستعانة بالرأي، فلا بأس بذلك يشكو همومه وحاجاته ليستعين برأيه، وإذا كان مضطرا وسأل المساعدة، فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة - مسألة المال يعني - لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة يعني كان غنيا وكان بخير ثم أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، يعني حتى يشهدوا له، قال: وما سواهن يا قبيصة سحت يأكله
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 358.(4/192)
صاحبه سحتا (1) » فالإنسان إذا سأل من أجل جائحة أصابته أو فقر طرأ عليه لذهاب أمواله فلا حرج عليه في ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044.(4/193)
73 - حكم قول: حصل هذا صدفة
س: يقول السائل: ما حكم قول الإنسان حصل هذا الشيء صدفة؟ (1)
ج: ليس فيه شيء، لأن المراد حصل من دون ميعاد له مثلما لو وافق فلانا في الطريق وسلم عليه وهو ما واعده وافقه عند إنسان زاره ففرح به ليس عن موعد، الصدفة عن غير ميعاد يعني أنه حصل الشيء عن غير ميعاد بينه وبين زيد أو عمر أو فلان أو فلان هذا معنى الصدفة عني من غير ميعاد.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 236.(4/193)
باب ما جاء في حقيقة الإيمان(4/196)
باب ما جاء في حقيقة الإيمان
74 - الكلام على الإيمان والإسلام
س: ما الفرق بين الإيمان والإسلام؟ (1)
ج: الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان عند الإطلاق، لأن الإيمان تصديق القلوب، وكل ما يتعلق بالإسلام من قول وعمل، والإسلام كذلك هو: الانقياد لله والخضوع له بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، كما قال عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2) يعني والإيمان داخل في ذلك، أما إذا جمعا فإن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، إذا جمع بينهما كما في حديث جبريل، لما سأل النبي عن الإسلام والإيمان، فسر له النبي الإسلام بأمور ظاهرة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، وفسر له الإيمان بأمور باطنة، فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 114.
(2) سورة آل عمران الآية 19(4/197)
وشره (1) » ، هذا هو الفرق بينهما عند الاجتماع، يكون الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، وإن الكفر بأحدهما يدخل فيه الآخر، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، وأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (2) » ، فالإيمان بضع وسبعون شعبة، يدخل فيه الإسلام، ولهذا ذكر أفضل خصاله، لا إله إلا الله، وهي أصل الإسلام، فدل ذلك على أن الإيمان إذا أطلق، دخل فيه الإسلام، وهكذا إذا أطلق الإسلام، دخل فيه الإيمان عند أهل السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، برقم 35.(4/198)
75 - علامات الإيمان
س: يسأل المستمع، من ليبيا، ويقول: ما هي علامات الإيمان؟ وما هي الأشياء التي تقسي القلب، وما هي الأشياء التي ترقق القلوب؟ (1)
ج: من علاماته ذكر الله جل وعلا، وتسبيحه، وتهليله، والتفكير
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم 410.(4/198)
فيما أوجب الله عليك، ومصيرك يوم القيامة، كل هذا مما يرقق القلب، ومجالسة الأخيار والصالحين، كل هذا مما يرقق القلب. فعلامات الإيمان وعلامات الخير، المحافظة على الصلوات والإكثار من ذكر الله، وصحبة الأخيار كل هذا من علامات الخير، ومن علامات الشر صحبة الأشرار، والكذب والخيانة، وأشباه ذلك وخلاف الوعد، كما أخبر النبي عن المنافقين: «إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان (1) » ، ومن علامات الإيمان الاستقامة على الخير، والإكثار من ذكر الله، وصحبة الأخيار، والإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، إلى غير هذا. ومن علامات الشر صحبة الأشرار، الغفلة عن ذكر الله، الإعراض عما أوجب الله، ارتكاب المعاصي والتساهل بها، كل هذه من علامات الشر نسأل الله العافية.
س: السائل: أبو أحمد، يقول: كيف يعرف المسلم مقدار إيمانه؟ (2)
ج: على قدر خوفه من الله، وتعظيمه لله، ومسارعته لما أوجب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد، برقم 2682.
(2) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 428.(4/199)
الله، وتركه لما حرم الله، يدل هذا على قوة الإيمان، وإذا تساهل بالمعاصي، فهذا يدل على ضعف الإيمان، فالإيمان القوي هو الذي يتضمن خوف الله، ومراقبته، والمسارعة إلى ما أوجب والحذر مما حرم، هذا دليل على قوة الإيمان وأن صاحبه على خير، أما إذا كان يتساهل بالمعاصي، وترك الصلاة في الجماعة، وعقوق الوالدين، والغيبة والنميمة، وتعاطي الربا، فهذا يدل على ضعف الإيمان، وقلة الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(4/200)
76 - شرح معنى محبة الله
س: سائل يرجو شرح معنى محبة الله (1) .
ج: يجب أن يحب الله بكل قلبه محبة لا يعادلها شيء يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، محبة صادقة تقتضي طاعته وترك معصيته، وحب أوليائه ورسله، وكراهة أعدائه وبغضهم في الله عز وجل فهو يحب، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2) ، وقال في المؤمنين: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (3) ، فالواجب أن يحب الله بكل قلبه محبة صادقة وأن يكون الله أحب إليه مما سواه قال
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم 362.
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة المائدة الآية 54(4/200)
النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (1) » ، فهو يحب الله فوق كل شيء وأحب من كل شيء ثم يحب الرسول صلى الله عليه وسلم محبة صادقة بعد محبة الله يحبه في الله لأنه رسول الله ويحب المؤمنين لأنهم أولياء الله وأحباء الله ويكره الكافرين ويبغضهم لأنهم أعداء الله هكذا المؤمن.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، برقم 16.(4/201)
77 - شرح معنى اليقين
س: سائل يرجو من سماحتكم شرح معنى اليقين بالله (1) .
ج: اليقين معناه أن يكون مؤمنا بالله عن جزم وعن يقين، يؤمن بأن الله ربه المعبود بحق، وأنه لا يستحق العبادة سواه، وأنه خالق كل شيء وأنه الكامل، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأن الله سبحانه يجب أن يعبد وحده ويخص بالعبادة، ويجب على المؤمن أن يحذر شر لسانه، في تنقص ربه أو نفي صفاته أو التهاون بما أوجب عليه، يكون المؤمن متيقنا أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة، وأنه لا رب سواه ولا خالق سواه، ولا يستحق العبادة غيره سبحانه وتعالى، فيتيقن أنه سوف يجمع الناس يوم القيامة سوف يجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 362.(4/201)
ويتيقن أن الله سبحانه سوف يفي بوعده سيدخل المؤمنين الجنة كما وعدهم ويدخل الكفار النار كما وعدهم سبحانه وتعالى، وهكذا كل ما أخبر الله به ورسوله في القرآن أو بالأحاديث الصحيحة يكون المؤمن مؤمنا بذلك يصدق بذلك ولا يشك في ذلك.(4/202)
78 - بيان أن الإيمان بالقلب لا يكفي عن العمل بالبدن
س: هل الإيمان بالقلب كفاية أن يكون الإنسان مسلما بعيدا عن الصلاة والصوم والزكاة؟ (1)
ج: لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا يكفي عن الصلاة وغيرها، يجب أن يؤمن بقلبه، أن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، يجب أن يخصه بالعبادة، سبحانه وتعالى، ويؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الناس، كل هذا لا بد منه، هذا أصل الدين وأساسه، لكن لا بد من ذلك من الصلاة، وبقية أمور الدين، إذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يصل كفر، لأن ترك الصلاة كفر، أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور، إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فيها فلا يكفر بذلك، يكون عاصيا، يكون إيمانه ضعيفا ناقصا، لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعات، والأعمال
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 17.(4/202)
الصالحات، وينقص بالمعاصي، أما الصلاة وحدها خاصة، فإن تركها كفر عند جمع من أهل العلم، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج، ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن تكون نقصا في الإيمان وضعفا في الإيمان، وكبيرة عظيمة، ترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة، وترك الحج بعد الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفرا أكبر، إذا كان مؤمنا بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج بعد الاستطاعة حق، ما كذب بذلك ولا أنكر ذلك، ولكنه تساهل في الفعل فلا يكون كافرا بذلك، على الصحيح، أما الصلاة فإنه إذا تركها يكفر، في أصح قولي العلماء، كفرا أكبر نعوذ بالله، إذا تركها بالكلية.
وأما الشهادتان الشهادة بأن الله رب الجميع، وإله الجميع وأنه لا إله سواه، يعني لا معبود بحق سواه، والشهادة بأن محمدا رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل الدين، وهما أساس الملة، فذهب جمع من أهل العلم، وهو قول الأكثر من الفقهاء، أنه يكون مسلما بذلك، ولو لم يصل، إذا كان يعتقد وجوب الصلاة، والصوم، والحج وإلى غير ذلك، لكن لا يفعل تساهلا، فإن الأكثر من الفقهاء يرون أنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، إذا ترك ذلك يبقى مسلما عاصيا، عليه خطر من دخول النار، ولا يكفر بذلك، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن ترك الصلاة كفر أكبر، وهو الأرجح كما تقدم، وهو الأصح، لقول(4/203)
النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1) » ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر والشرك، ترك الصلاة (2) » ، كما تقدم في جواب سؤال سابق، فينبغي الانتباه لهذا، أما بقية أمور الدين الواجبة، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، إذا كان المؤمن بالله ورسوله يعتقد وجوبها، وأنه لا ينكر وجوبها، لكنه قد تساهل في فعلها فهذا لا يكون كفرا أكبر، لكن يكون نقصا في الإيمان، ويكون ضعفا في الإيمان، ويكون عاصيا مستحقا لدخول النار، وغضب الله إلا أن يعفو الله عنه سبحانه وتعالى، لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) ؛ فجعل ما دون الشرك، تحت مشيئة الله، على قول أن المعاصي تحت مشيئة الله، ولا يكون بها كافرا كفرا أكبر، بل يكون عاصيا ويكون ضعيف الإيمان.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22428.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على ترك الصلاة، برقم 82.
(3) سورة النساء الآية 48(4/204)
79 - بيان ما يتم به الدخول في الإسلام
س: بعض الناس يقولون مثلا الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج أيضا يشترط له الإسلام، فإن الإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام، وأنتم أجبتم على هذا، لكن نريد أيضا تجلية هذا الموضوع؟ (1)
ج: واضح أنه يكون مسلما بالشهادتين، متى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل، وصدق رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر الصيام قال: ما هو بواجب صيام رمضان، صار مرتدا، أو قال عن الزكاة: زكاة الإسلام ما هي بواجبة، صار مرتدا، أو قال: الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين، أو سب الرسول صار مرتدا، ينبغي أن يكون واضحا، فهو إذا دخل في الإسلام بالشهادتين، حكم له بالإسلام ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور، فإن استقام على الحق، تم إسلامه، وإن وجد لديه ما ينقض الإسلام، من سب الدين، من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، من جحد لما أوجب الله، من صلاة أو صوم، من جحد ما حرم الله، كما لو قال: الزنى حلال، فإنه يرتد عن الإسلام بهذا، ولو صلى وصام ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لو قال إن الزنى
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 17.(4/205)
حلال وهو يعلم بالأدلة، وقد قامت عليه الحجة، يكون كافرا بالله كفرا أكبر نعوذ بالله، أو قال: الخمر حلال وقد بين له، وقد وضحت له الأدلة ثم أصر على القول بأن الخمر حلال يكون كافرا كفرا أكبر، ومرتدا عن الإسلام، نعوذ بالله أو قال مثلا أن العقوق ليس محرما، وهو يعق والديه يقول إنها حلال، يكون مرتدا عن الإسلام نعوذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون هذا ردة عن الإسلام، بعد أن يبين له الأدلة الشرعية، كذلك إذا قال: الصلاة ما هي بواجبة، الزكاة ما هي بواجبة، صيام رمضان ما هو بواجب، أو الحج مع الاستطاعة ما هو بواجب، كل هذه نواقض من نواقض الإسلام، يكون بها كافرا، إنما الخلاف إذا قال: الصلاة واجبة، ولكن لا يصلي، هذا محل الخلاف، يكفر أو ما يكفر؟ هو يقول: الصلاة واجبة ولكن أنا أتساهل ما أصلي، فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر، ويكون عاصيا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل حدا، وذهب آخرون من أهل العلم، وهو المقول عن الصحابة رضي الله عنهم، أنه يكفر بها كفرا أكبر، فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، لقول الله جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة، لا يخلي سبيله بل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (2) ، فدل على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 11(4/206)
س: السائلة: أم محمد من الرياض، تقول: سماحة الشيخ يتردد على ألسنة بعض الناس بأن الدين في القلب، هل يصح هذا القول؟ (1)
ج: الإيمان أصله في القلب، مثلما قال صلى الله عليه وسلم: «التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره (2) » يعني في القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله (3) » هذا صحيح متى صلح القلب وعمره الله بالتقوى، والخشية لله استقام البدن، استقامت الجوارح، في طاعة الله، ومتى خبث القلب بالنفاق والكفر والضلال خبثت الجوارح، وانقادت له. فالأساس هو القلب، متى أصلحه الله وعمره بالتقوى انقادت الجوارح لطاعة الله، ورسوله والكف عن محارم الله، ومتى خبث القلب بالكفر والنفاق والفجور واتباع الهوى، انقادت الجوارح لأعماله السيئة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 403.
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم في كتاب المساقات، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599.(4/207)
80 - حكم قول: أنا مؤمن إن شاء الله
س: سمعت من بعض الناس أنه يقول: إذا فعلت عملا كالصلاة أو كالصوم، أو أي عمل ثان في الدين أو الدنيا، وسئلت هل صليت؟ أو هل صمت؟ أو عملت كذا وكذا؟ لا تقل: إن شاء الله، بل قل: نعم، لأنك عملته فعلا فما رأيكم في مثل هذا؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، أما في العبادات فلا مانع أن يقول: إن شاء الله صليت، إن شاء الله صمت، إن شاء الله تصدقت، لأنه لا يدري هل كملها وقبلت منه أم لا، وكان المؤمنون يستثنون في إيمانهم وفي صومهم، ونحو ذلك نظرا لأنه لا يدري هل كمل أم لم يكمل، فيقول: إن شاء الله يعني إن شاء الله إني صمت صوما طيبا سليما. ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله يعني إيمانا صحيحا أو إيمانا أموت عليه، أما الشيء الذي لا يختلف مثل ما يقال: بعت إن شاء الله لا يحتاج إن شاء الله، بعت هذا إن شاء الله، أو تغديت أو تعشيت إن شاء الله، لا يحتاج إن شاء الله في هذا، لأن هذه أمور لا تحتاج إلى المشيئة في الخبر، وإنما هي أمور عادية قد فعلها وانتهى فيها، بخلاف أمور العبادات التي لا يدري هل وفى حقها أم بخسها حقها، فإذا قال: إن شاء الله فهو للتبرك باسمه سبحانه، وللتحرر من دعواه شيئا قد يكون ما أكمله ولا أداه حقه.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 85.(4/208)
81 - بيان ما يقوى به الإيمان
س: كيف يكون المؤمن قوي الإيمان؟ (1)
ج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير (2) » رواه مسلم في الصحيح.
المؤمن القوي هو قوي الإيمان، بما عنده من العلم والبصيرة، والخوف من الله مما يجعله قوي الإيمان حتى يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح الناس ويأمر بالخير، ويكف الأذى، وكلما قوي إيمانه كثرت أعماله الصالحة، وكلما ضعف الإيمان قلت الأعمال الطيبة، فالمؤمن القوي هو الذي رزق بسطة في الدين، وغيرة لله، وتعظيما لله، فهو يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح لعباد الله، ويحذر السيئات، هكذا يكون المؤمن القوي، والمؤمن الضعيف، هو ضعيف الإيمان، ضعيف البصيرة.
ضعيف الخوف من الله، فهذا تقع منه المعاصي في الغالب، لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله، نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم 332.
(2) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله، برقم 2664.(4/209)
82 - بيان أن الإيمان يزيد وينقص
س: ما كيفية زيادة الإيمان؟ (1)
ج: الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فإذا صلى الصلوات الخمس وحافظ عليها مع السنن الرواتب زاد إيمانه، وإذا أخل بالرواتب نقص إيمانه، وإذا أخل بالزكاة نقص إيمانه أو بالصوم نقص إيمانه أو بصلة الرحم نقص إيمانه، وهكذا بالمعصية ينقص الإيمان والطاعات يزيد الإيمان يزيد في صحائف أعماله وفي ميزانه وعند ربه عز وجل كلما أدى طاعة زاد الإيمان، وكلما أدى معصية نقص الإيمان، وكلما ترك كثيرا من الواجبات نقص إيمانه وهكذا.
س: سؤالها الثاني تقول كيف أجد حلاوة الإيمان؟ (2)
ج: بالإقبال على الله والعناية بالعبادة وإحضار القلب فيها وتكفر في عظمة الله وإحسانه وتذكر الجنة والنار والموت كل هذا من أسباب وجود حلاوة الإيمان ... والتلذذ بالمناجاة لربه بالقراءة والدعاء عند استحضار عظمة الله وعند استحضار ذهاب هذه الدنيا وأن العبد صائر إلى ما قدم من خير وشر عند استحضار الإنسان هذه الأمور وعند
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 372.
(2) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 357.(4/210)
استحضاره عظمة الله، وأن الله يطلع عليه ويراقبه يحصل له ما يحصل له من خشوع.(4/211)
83 - بيان ما يزيد به الإيمان ويقوى
س: تسأل أختنا وتقول: ما هي نصيحتكم لمن يريد أن يزيد إيمانه بالله ويقويه؟ (1)
ج: نصيحتي لكل مسلم ولكل مسلمة الإقبال على القرآن العظيم والإكثار من تلاوته، فهو يزيد الإيمان ويزيد التقوى ويحصل به الهدى والثبات كما قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (2) ، قال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (3) ، وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (4) ، فنصيحتي لكل مسلم ومسلمة الإقبال على كتاب الله والاستكثار من تلاوته بالتدبر والتعقل ليلا ونهارا، ولا سيما في الأوقات المناسبة، كأول النهار وفي أثناء الليل وفي آخر الليل وفي الصلوات مع تدبر ومع سؤال الله التوفيق وأن يعينه على الفهم الصحيح والعمل بكتابه عز وجل، ثم الدعوات
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 138.
(2) سورة الإسراء الآية 9
(3) سورة فصلت الآية 44
(4) سورة ص الآية 29(4/211)
الطيبة، الإنسان يدعو ربه كثيرا ويسأله في أوقات الإجابة بين الأذان والإقامة وكآخر الليل وجوف الليل، وكذلك في السجود وفي آخر الصلاة قبل السلام، كل الأوقات ترجى فيها الإجابة فينبغي للمسلم والمسلمة الإلحاح في هذه الأوقات بالدعوات الطيبة وسؤال الله أن يقوي إيمان العبد وأن يعينه على الخير ويثبته على الهدى. ثم أمر آخر وهو مجالسة الأخيار وصحبة الأخيار والاستفادة من نصائحهم ومواعظهم، هذا أيضا مما يقوي الإيمان ومما يعين على الثبات على الحق والعمل به. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
س: أنا ولله الحمد أحاول أن أكون ملتزمة، بكل ما أمرني به الله، وبكل ما نهاني عنه فأدعو أن يزيدني الله من فضله، لكن كل ما يؤرقني ويؤلمني أنني لا أبكي من خشية الله، أرجوكم أن ترشدوني إلى العمل الذي يجعلني أبكي من خشية الله (1) .
ج: من أسباب ذلك التفكر في عظمة الله وما أعده إلى أوليائه من النعيم وما أعده لأعدائه من العذاب في دار الهوان في النار، التفكير في هذا كون المسلم والمسلمة يجعل هذا على باله وأنه على خطر في هذه الحياة إلا إذا قبضه الله على الإسلام، والاستقامة يفكر في هذا كثيرا،
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 361.(4/212)
ويسأل ربه أن الله يمنحه رقة القلب وخشوع القلب والبكاء من خشيته سبحانه، يسأل ربه ويضرع إليه فهذا من أسباب حصول البكاء من خشية الله، ومن أسباب ذلك العناية بطيب المطعم كونه يتحرى الكسب الحلال الطيب يبتعد عن الكسب الحرام، كذلك مجالسة الأخيار والحرص على صحبتهم، هذا من أسباب خشوع القلب ودمع العين.(4/213)
84 - من أسباب ذوق حلاوة الإيمان
س: يقول هذا السائل عن نفسه سماحة الشيخ أنا مؤمن والحمد لله وقد أديت مناسك الحج والعمرة ومع ذلك لا أشعر بحلاوة الإيمان، فبماذا تنصحونني؟ (1)
ج: ننصحك باستعمال ما شرع الله جل وعلا من الحرص على الطاعات، وقراءة القرآن الكريم، والإكثار من ذكر الله عز وجل، فإن هذا من أسباب ذوق المحبة، ذوق حلاوة الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار (2) » ، فالصدق في محبة الله ورسوله، والإيمان بالله ورسوله، ومحبة إخوانك
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 308.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، برقم 16.(4/213)
في الله، وكراهة الكفر بالله، من أسباب ذوق طعم الإيمان، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا (1) » ويقول من حديث ابن عباس رضي الله عنه: «من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله، وجد حلاوة الإيمان (2) » ، أو قال: «ذاق طعم الإيمان» . المقصود أن الإكثار من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، ومحبة الله ورسوله، وأن تحب إخوانك في الله، وأن تكره الكفر وسائر المعاصي، كل هذا من أسباب ذوق طعم الإيمان، ووجود حلاوة الإيمان في قلبك، وأنسك بطاعة الله ورسوله، وتلذذك بذلك، بسبب صدقك في طاعة الله، ومحبة الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فهو مؤمن، وإن ارتكب المعاصي الكبائر، برقم 34.
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ج9، برقم 9083.(4/214)
س: منذ سنتين ونصف ابتليت بالوساوس والهواجس والخواطر، التي بعضها لا أستطيع دفعه وأصابني معها شيء من الخوف والقلق، والاضطراب حتى استولت علي هذه الخواطر والوساوس، وأنا خائف منها خوفا شديدا، حيث أخاف أن تضرني في ديني، لأن بعضها في عقيدتي، وإذا سألت بعض أهل العلم، يقول لي: الوسوسة من الإيمان، وإلى الآن لم تزل عني هذه الوساوس والخواطر، وأحيانا يصيبني بعض القنوط، بسبب كثرة الوساوس، فأرجو من سماحتكم توجيهي إلى النجاة من تلك البلية، وبيان الوسوسة التي ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها من الإيمان، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: أصل الوساوس من الشيطان، هو الذي يملي على الإنسان ما يضره، ويشوش عليه دينه وقلبه، كما قال الله جل وعلا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (2) {مَلِكِ النَّاسِ} (3) {إِلَهِ النَّاسِ} (4) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (5) ، وهو وسواس عند الغفلة، وخناس عند الذكر، يصغر ويخنس عند ذكر الله عز وجل، فعليك يا أخي أن تكثر من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، لما قال له
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 198.
(2) سورة الناس الآية 1
(3) سورة الناس الآية 2
(4) سورة الناس الآية 3
(5) سورة الناس الآية 4(4/215)
الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد ما لأن يخر من السماء، أحب إليه من أن ينطق به، يجد من الوسوسة أشياء يفضل أن يخر من السماء، ولا ينطق بها لشدتها، فقال: «ذلك صريح الإيمان (1) » المعنى أن الشيطان لما يئس منهم، أتاهم بوساوس شديدة خطيرة في دينهم وعقيدتهم لأن يخروا من السماء، أهون عليهم من أن ينطقوا بها، فهذا من كيده الخبيث، فهو صريح الإيمان من جهة ما في قلب المؤمن من كراهتها، وإنكارها والحذر منها، هذا صريح الإيمان ليست الوسوسة من صريح الإيمان، بل كراهتها والخوف منها، كون المؤمن لأن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق بها، هذا صريح الإيمان في قلوبهم، يعني أن قلوبهم أنكرت تلك الوساوس، ورأت أن السقوط من السماء أهون من النطق بها، كأن يقول له: إن الله غير موجود، أو إن الله لا بأس أن يشرك معه في الدعاء والعبادة، أو يقول كما جاء في الحديث: الله خلق الأشياء فمن خلق الله، وأشباه هذه الوساوس المتعلقة بوجود الله واستحقاقه العبادة، وأنه الخلاق العليم أو متعلقة بالجنة والنار، بأن يوسوس أنه ليس هناك جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور كل هذا من وساوس عدو الله، وإنكار هذه الوساوس من صريح الإيمان، إنكارها واعتقاد بطلانها، هذا هو صريح الإيمان،
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8911.(4/216)
فالمؤمن أرشده النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأى مثل هذا أن يقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا أمر الصحابة رضي الله عنهم، قال لهم: «إذا وجدتم ذلك فليقل أحدكم: آمنت بالله ورسله وليتعوذ بالله ولينته (1) » ، هذا هو الدواء لهذا الوساوس الخبيثة، إذا رآها المؤمن يقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويمضي في حاجته، يستمر في حاجته ولا يركن إليها، ولا يلتفت إليها، أما الوساوس الأخرى في صلاته ووضوئه، فهي أيضا من الشيطان يجب ألا يلتفت إليها يجب أن يحذرها، ويتوضأ لا يعيد الوضوء، وإذا صلى لا يعيد الصلاة، بسبب الوساوس، بل يعتقد بأن صلاته صحيحة، ووضوءه صحيح، ولا يلتفت إلى وساوس عدو الله، فإنه حريص على إفساد أعمال بني آدم، وتشويش قلوبهم وإحراجهم، فالواجب الحذر منه بالتعوذ بالله من شره، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كنت في الصلاة وكثرت عليك الوساوس، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتنفث عن يسارك ثلاث مرات، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله إن الشيطان قد لبس علي صلاتي، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفل عن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3276، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 134.(4/217)
يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، ففعل عثمان ذلك وزال عنه ذلك الوسواس، فأنت يا أخي إذا كثر الوسواس عليك في صلاتك، أو في وضوئك تتفل عن يسارك تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثلاث مرات والله يعيذك منه سبحانه وتعالى، وهكذا في جميع الأمور تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتكثر من ذكر الله وتقول: آمنت بالله ورسله، إذا كان في العقيدة، آمنت بالله ورسله، وبهذا تسلم من عدو الله، ويبطل كيده كما فعله الصحابة، بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبطل الله كيده عنهم وعافاهم من هذه الوساوس.
س: السائل ص. ص. ع. سوداني مقيم في ساجر: في بعض الأحيان وبالذات عندما أكثر من العبادة، وقراءة القرآن يحصل لي وساوس، ولكن دون أن يلفظ لساني، وساوس تريد مني أن أسب الدين مثلا، أو أسب كل شيء من الدين، هل يحاسب الإنسان على وساوس القلب إذا لم يتلفظ بشيء؟
ج: هذا من الشيطان، وليس عليه بأس، لكن يحارب ذلك ويتعوذ بالله من الشيطان، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا فقال له بعض الصحابة: (1)
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 268.(4/218)
«يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يخر من السماء أهون عليه من أن ينطق به، فقال: تلك الوسوسة فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وليستعذ بالله ولينته (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم (2) » ؛ فالمؤمن لا يضره ذلك لكن يحارب هذه الأشياء، يحارب هذه الخطوات، ويقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهي.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون، برقم 5269.
(2) البخاري الطلاق (4968) ، مسلم الإيمان (127) ، الترمذي الطلاق (1183) ، النسائي الطلاق (3433) ، أبو داود الطلاق (2209) ، ابن ماجه الطلاق (2040) .(4/219)
85 - الذنوب تؤثر على توحيد الله والإيمان به
س: ارتكاب بعض المعاصي ولا سيما الكبائر هل تؤثر على الركن الأول من أركان الإسلام؟ (1)
ج: نعم ارتكاب الكبائر كالزنى وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا والغيبة والنميمة وما أشبه هذا من المعاصي والكبائر، تؤثر على توحيد الله وفي الإيمان بالله، وتضعفه، وأن الإيمان يكون ضعيفا، لكن لا يكفر كما تقول الخوارج، الخوارج تكفره تجعله كافرا
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (74) .(4/219)
إذا زنا أو سرق أو عق والديه، أو أكل الربا تجعله كافرا، وإن لم يستحل ذلك، هذا غلط من الخوارج، أما أهل السنة والجماعة يقولون: هو عاص، هو ضعيف الإيمان، وناقص الإيمان، وناقص التوحيد، وهذا يضعف شهادته، ويضعف إيمانه، لكن لا يكفر كفرا أكبر، فيكون فيه نقص وفيه ضعف، ولهذا شرع الله في الزاني حدا، إذا كان بكرا يجلد مائة، ويغرب عاما، فلو كان الزنى ردة كان قتل، فدل على أنه ليس بردة، والسارق ما يقتل، تقطع يده، فدل ذلك على أن هذه المعاصي ليست ردة، ولكنها تضعف الإيمان، ونقص في الإيمان، فلهذا شرع الله تأديبهم وتعزيرهم بهذه الحدود، ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم، ويرتدعوا عما حرم عليهم ربهم سبحانه وتعالى، وقالت المعتزلة: إنه في منزلة بين منزلتين، ولكن يخلد في النار إذا مات عليها خالفوا أهل السنة، في تخليد العاصي في النار، ووافقوا الخوارج في ذلك، والخوارج قالوا: يكفر ويخلد في النار جميعا، وطائفة يقال لها المعتزلة هؤلاء قالوا: يخلد في النار، ولكن لا نسميه كافرا، يعني كفرا أكبر، وكلتا الطائفتين قد ضلتا عن السبيل، والصواب قول أهل السنة والجماعة إنه لا يكون كافرا، يعني كفرا أكبر، ولكن يكون عاصيا، ويكون ضعيف الإيمان، ناقص الإيمان، على خطر عظيم من الكفر، ولكن ليس بكافر إذا كان ما استحل ذلك، إذا لم يستحل هذه المعصية بل فعلها وهو يعلم أنها معصية، ولكن حمله عليها الشيطان والهوى، والنفس الأمارة بالسوء، هذا هو قول الحق،(4/220)
فيكون إيمانه ضعيفا، ويكون توحيده ضعيفا، ولكن لا يكون كافرا، الكفر الأكبر الذي هو ردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، ولا يخلد في النار أيضا، لو مات عليها، إذا مات الزاني على الزنى ما تاب أو على السرقة ما تاب، أو على الرياء ما تاب وهو يعلم أنه محرم، هذا يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه على قدر معاصيه، سبحانه وتعالى، العذاب الذي تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، ثم بعد مضي ما حكم الله به يخرجه الله من النار إلى الجنة، هذا هو قول أهل الحق، وهذا الذي تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلافا للخوارج والمعتزلة، والله يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، فعلق ما دون الشرك بمشيئته سبحانه وتعالى، أما من مات على الشرك فإنه لا يغفر له أبدا، والجنة عليه حرام، نعوذ بالله من ذلك، وهو مخلد في النار أبد الآباد، أما العاصي فإن دخل النار فإنه لا يخلد أبد الآباد، بل يبقى فيها ما شاء الله، قد تطول مدته، ويكون هذا خلودا لكنه خلود مؤقت، ليس مثل خلود الكفار، كما قال تعالى في آية الفرقان لما ذكر المشرك والقاتل والزاني، قال سبحانه: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (2) ، هو خلود مؤقت له نهاية، يعني طويلا، نسأل الله العافية، أما المشرك فخلوده دائم نعوذ
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة الفرقان الآية 69(4/221)
بالله، أبد الآباد، ولهذا قال سبحانه في المشركين: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (1) ، هكذا في سورة البقرة، وقال في سورة المائدة في حق الكفرة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (2) نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة البقرة الآية 167
(2) سورة المائدة الآية 37(4/222)
86 - وجوب الإيمان بالرسل والملائكة
س: السائل إ. ح، يقول: هل يجب الإيمان بجميع الملائكة والمرسلين؟ (1)
ج: يجب على كل مؤمن أن يؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، هذا من أصول الإيمان لا بد أن يؤمن بالملائكة، وإن لم يعرف أسماءهم، يؤمن أن لله ملائكة أخبر عنهم، سبحانه وتعالى في طاعته، وتنفيذ أوامره من جبرائيل وميكائيل، حملة العرش وغيرهم ويؤمن بالرسل جميعا، وإن لم يعرف أسماءهم، يؤمن بأن الله أرسل الرسل، وأنهم بلغوا الرسالات. ومن سماه الله يؤمن به، كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، من سماه الله آمن به، ومن لم يسم يؤمن بأن لله رسلا، وإن لم يعرف أسماءهم كما يؤمن بخاتمهم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 427.(4/222)
محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى الجميع، إلى جميع الثقلين، وأنه خاتم الأنبياء لا بد من الإيمان بهذا، من لم يؤمن بهذا فهو كافر، نسأل الله العافية.(4/223)
87 - بيان أن مع كل إنسان حفظة من الملائكة
س: يقول السائل: هل صحيح أنه يوجد كرام كاتبون، يدافعون وينافحون عن المؤمن، إذا خاصمه أحد وهو ساكت ولم يرد؟
ج: ورد في هذا بعض الأحاديث، لكن لا أذكرها على أسانيدها، أما الكتاب فموجودون لأن الله يقول: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} (1) {كِرَامًا كَاتِبِينَ} (2) {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (3) ، مع الإنسان حفظة يكتبون أعماله وأقواله، أما الدفاع عنه، والروايات التي فيها الدفاع عنه، هذه محل نظر، يحتاج إلى مراجعة أسانيدها.
__________
(1) سورة الانفطار الآية 10
(2) سورة الانفطار الآية 11
(3) سورة الانفطار الآية 12(4/223)
88 - وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله
س: السائل: إ. ح. يقول: ما حكم الإيمان بالكتب السماوية وكم عددها؟ (1)
ج: الواجب الإيمان بها إجمالا وتفصيلا، إجمالا فيما لم يسم، يؤمن بأن الله أنزل الكتب، على الرسل والأنبياء كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (2) . يؤمن المؤمن بأن الله أنزل كتبا، على الرسل عليهم الصلاة والسلام، فيها العدل وفيها الشرائع، ويؤمن بما يسمى الله، من التوراة والإنجيل، والزبور، يؤمن بما سمى الله، سمى لنا التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، يؤمن بما سمى الله وما بين سبحانه، والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، فما سمى الله سميناه، وآمنا به نصا، وما أجمله الله أجملناه، وتقول: الله جل وعلا أنزل كتبا على أنبيائه، ورسله نؤمن بها، ونصدق بها، ونعلم أنها حق من عند الله، عز وجل، لكن لا نعلم تفصيلها، إنما نعلم أنه أنزل كتبا، إقامة للحجة، وقطعا للمعذرة، ومنها التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والقرآن على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 389.
(2) سورة الحديد الآية 25(4/224)
89 - بيان أن الإسراء ثابت بالقرآن والسنة
س: سؤال يوجد بعض الناس الذين يقولون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أسري به ولم يعرج به إلى السماء وذلك لأن الإسراء ذكر في القرآن الكريم والمعراج لم يذكر، ما هو توجيه سماحتكم جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الإسراء ثابت بالقرآن والسنة والمعراج، ثبت بالسنة المتواترة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه عرج به إلى السماء وجاوز السبع الطباق وجاوز السماء السابعة حتى وصل إلى موضوع يسمع فيه صرير الأقلام، وسمع من ربه جل وعلا فرضية الصلوات الخمس، فمن أنكر ذلك يعرف ويبين له بالأدلة الشرعية فإذا أصر وأنكرها كفر، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 355.(4/225)
90 - بيان أن الإسراء كان بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام
س: هل كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم بالجسد والروح أم بالروح فقط؟ (1)
ج: كان الإسراء بالجسد والروح جميعا عليه الصلاة والسلام
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم 369.(4/225)
أسري بجسده وروحه، من مكة إلى الشام ومنها إلى السماء عرج به إلى السماء، حتى جاوز السبع الطباق، حتى جاوز السماء السابعة وانتهى إلى موضع يسمع فيه صرير الأقلام، وكلمه ربه وفرض عليه الصلوات الخمس، سبحانه وتعالى المقصود أنه أسري بروحه وجسده، من مكة إلى الشام ثم عرج به من الشام إلى السماء بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام، هذا هو الصواب الذي عليه عامة أهل العلم، والقول بأنه بالروح قول شاذ مخالف للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة.(4/226)
باب ما جاء في القضاء والقدر(4/227)
باب ما جاء في القضاء والقدر
91 - وجوب الإيمان بالقضاء والقدر
س: يا شيخ عبد العزيز، الناس يخوضون في موضوع القضاء والقدر، لعل لكم توجيها في ذلك (1) .
ج: هذا باب خاضه الأولون أيضا وغلط فيه الغالط، والواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة التسليم لله والإيمان بقدره سبحانه والحرص على الأخذ بالأسباب النافعة الطيبة والبعد عن الأسباب الضارة، كما علم الله عباده وكما جعل لهم هدى على ذلك بما أعطاهم من العقول والأدوات التي يستعينون بها على طاعته، وترك معصيته سبحانه وتعالى، ولا ننصح بالخوض في القضاء والقدر، بل ينبغي عدم الخوض في هذا الباب، والإيمان بأن الله قدر الأشياء، وعلمها وأحصاها وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه الخلاق العظيم القادر على كل شيء، وأن جميع الموجودات كلها بخلقه وتكوينه سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه أعطى العبد عقلا
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 150.(4/229)
وتصرفا وأسبابا وقدرة على الخير والشر، كما يأكل ويشرب، ويلبس وينكح، ويسافر ويقيم وينام ويقوم إلى غير ذلك. كذلك يطيع ويعصي، والذي نخشى على الخائضين في القضاء والقدر أن ينكروه؛ لأن قوما خاضوا فيه فأنكروه كالقدرية النفاة، وقالوا: لا قدر، زعموا أنهم يخلقون أفعالهم، وأن الله ما تفضل عليهم بالطاعة ولا قدر عليهم المعصية، وقوم قالوا: بل تفضل الله بالطاعة، ولكن ما قدر المعصية فوقعوا في الباطل أيضا، وقوم خاضوا في القدر فقالوا: إنا مجبورون، وقالوا: إنهم ليس عليهم شيء، عصوا أو أطاعوا لا شيء عليهم؛ لأنهم مجبورون ولا قدرة لهم، فضلوا وأضلوا، نسأل الله العافية.(4/230)
92 - بيان أن القدرية مجوس هذه الأمة
س: من هم مجوس هذه الأمة شيخ عبد العزيز؟ (1)
ج: هم القدرية النفاة، الذين نفوا القدر وقالوا: الأمر أنف، فإن المجوس يقولون: إن للعباد إلهين، النور والظلمة، ويقولون: النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر، فشابههم نفاة القدر، حيث جعلوا لله شريكا في أفعالهم، وأنهم يخلقون أفعالهم، نسأل الله العافية. ونصيحتي لكل المسلمين ألا يخوضوا فيه، بل يؤمنون بالقدر
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 150.(4/230)
ولا يخوضوا في ذلك خوض المبتدعة بل يؤمنون بذلك ويسلمون لذلك، ويعلمون أن الله قدر الأشياء، وعلمها وأحصاها وأن العبد له مشيئة، وله إرادة وله اختيار لكنه لا يخرج بذلك عما قدره الله سبحانه وتعالى.(4/231)
93 - بيان أن الإنسان مسير ومخير جميعا
س: مستمع يسأل، ويقول: أرجو أن تتفضلوا بإجابتي عن السؤال التالي: هل الإنسان في هذه الحياة مسير أو مخير؟ مع اصطحاب جميع الأدلة؟ وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: الإنسان مسير ومخير جميعا، له الوصفان فهو مخير؛ لأن الله أعطاه عقلا وأعطاه مشيئة، وأعطاه إرادة يتصرف بها، فيختار النافع ويدعو الله، يختار الخير ويدع الشر، يختار ما ينفعه، ويدع ما يضره، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (2) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3) ، وقال عز وجل: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (4) . فالناس لهم إرادة ولهم مشيئة، ولهم أعمال، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (5) ، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (6) فلهم أعمال
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 270.
(2) سورة التكوير الآية 28
(3) سورة التكوير الآية 29
(4) سورة الأنفال الآية 67
(5) سورة الحشر الآية 18
(6) سورة النور الآية 30(4/231)
ولهم إرادات، ولهم مشيئة هم مخيرون فإذا فعلوا الخير، استحقوا الجزاء من الله فضلا منه سبحانه وتعالى، وإذا فعلوا الشر استحقوا العقاب، فهم إذا فعلوا الطاعات فعلوها باختيارهم، ولهم أجر عليها وإذا فعلوا المعاصي، فعلوها باختيارهم وعليهم وزرها وإثمها، والقدر ماض فيهم، هم أيضا مسيرون بقدر سابق، قال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (1) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (2) » ، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (3) ، وقال جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (4) ، ولما سأل جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره (5) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء (6) » .
__________
(1) سورة يونس الآية 22
(2) أخرجه مسلم في كتاب: القدر، باب: كل شيء بقدر، برقم 2655.
(3) سورة الحديد الآية 22
(4) سورة التغابن الآية 11
(5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.
(6) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.(4/232)
فالله قدر الأشياء سابقا، وعلم أهل الجنة وأهل النار، وقدر الخير والشر والطاعات، والمعاصي كل إنسان يسير فيما قدر الله له، وكل مسير لما خلق له، جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه ذات يوم: «ما منكم من أحد إلا ويرى مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، ففيم العمل؟ يعني ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة والنار، ففيم العمل، قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسروا لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسروا لعمل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه: (7) » ، فأنت يا عبد الله عليك أن تعمل، ولن تخرج عن قدر الله سبحانه وتعالى، عليك أن تعمل وتجتهد بطاعة الله، وتسأل ربك التوفيق، وعليك أن تحذر ما يضرك، وأسأل ربك الإعانة على ذلك، وأنت ميسر لما خلقت له، كل ميسر لما خلق له، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) ، برقم 4949، أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي، في بطن أمه، وكتابه رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته، برقم 2647، سورة الليل، الآيات 5 -10.
(2) سورة الليل الآية 5 (1) {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
(3) سورة الليل الآية 6 (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
(4) سورة الليل الآية 7 (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
(5) سورة الليل الآية 8 (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}
(6) سورة الليل الآية 9 (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
(7) سورة الليل الآية 10 (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}(4/233)
س: يسأل السائل ويقول: حدث نقاش بيني وبين صديق لي حول مسألة، هل الإنسان مخير أو مسير؟ أفيدونا عن هذا القول، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الإنسان مخير؛ لأن الله أعطاه مشيئة، وأعطاه إرادة فهو يعلم ويعمل، وله اختيار، وله مشيئة، وله إرادة يأتي الخير عن بصيرة وعن علم وعن إرادة، وهكذا الشر، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (2) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3) ، قال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (4) فجعل لهم إرادة، جعل لهم مشيئة، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (5) ، {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (6) ، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (7) ، فجعل لهم عملا، وجعل لهم صنعا، وجعل لهم فعلا، هم يفعلون الشر والخير، ولهم اختيار، يختار المعصية ويفعلها ويختار الطاعة فيفعلها، له إرادة، وله اختيار، كذلك يختار هذا الطعام ليأكل منه، وهذا الطعام لا يريده يريد هذه السلعة أن يشتريها والأخرى لا يريدها، يستأجر هذه الدار، والأخرى لا يستأجرها، ولا يريدها يزور فلانا والآخر لا يزوره، بمشيئته
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 241.
(2) سورة التكوير الآية 28
(3) سورة التكوير الآية 29
(4) سورة الأنفال الآية 67
(5) سورة النور الآية 30
(6) سورة النمل الآية 88
(7) سورة الحشر الآية 18(4/234)
واختياره، ولكن هذه المشيئة وهذا الاختيار وهذه الإرادة وهذه الأعمال كلها بقدر، فمسير من هذه الحيثية، وأنه بمشيئته واختياره، وأعماله لا يخرج عن قدر الله، بل هو تحت قدر الله كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) .
فالإنسان في تصرفاته مخير له مشيئة وله اختيار وله إرادة، ولهذا يستحق العقاب على المعصية، ويستحق الثواب على الطاعة؛ لأنه فعل ذلك عن مشيئة وعن إرادة وعن قدرة، ويستحق الثناء على الطاعة والعقاب على المعصية، ولكنه بهذا لا يخرج عن قدر الله، هو ميسر من هذه الحيثية، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (2) ، وقال جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (3) ، وقال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (4) ، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (5) فكل شيء لا يقع من العبد إلا بقدر الله. الماضي الذي سبق به علمه، وثبت في الصحيح عن
__________
(1) سورة القمر الآية 49
(2) سورة يونس الآية 22
(3) سورة الحديد الآية 22
(4) سورة القمر الآية 49
(5) سورة التكوير الآية 29(4/235)
عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (2) » رواه مسلم في الصحيح، كله بقدر، فأنت مخير ومسير جميعا، مخير لأنه لك إرادة ومشيئة وعمل باختيارك، تفعل هذا وهذا، تفعل الطاعة باختيار، تصلي باختيار، وتصوم باختيار، تقع المعصية منك باختيار من الغيبة، أو النميمة، أو الزنى، أو شرب المسكر، كله باختيار منك وفعل وإرادة، تبر والديك باختيار، وتعقهما كذلك، فأنت مأجور على البر ومستحق للعقاب على العقوق، وهكذا تثاب على الطاعات، وتستحق العقاب على المعاصي، وهكذا تأكل وتشرب، وتذهب وتجيء، وتسافر وتقيم، كله باختيار، فهذا معنى كونك مخيرا، ومسير يعني: أنك لا تخرج عن قدر الله، هو الذي يسيرك سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة فكل شيء لا يخرج عن قدر الله، والله ولي التوفيق.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.
(2) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كل شيء بقدر، برقم 2655.(4/236)
س: لا أدري هل يجوز أن أسأل مثل هذا السؤال أم لا؟ هل الإنسان مخير أو مسير في هذه الحياة؟ وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: الإنسان مخير ومسير جميعا؛ مخير له الأعمال وله عقل وتصرف وله سمع وبصر يختار الخير ويبتعد عن الشر يأكل ويشرب باختياره، يجتنب ما يضره باختياره يأتي ما ينفعه باختياره، وإنه مسير بأنه لا يتعدى قدر الله يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (2) ، قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (3) ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (4) ، فله مشيئة وله اختياره: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (5) ، {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (6) ، له فعل وله اختيار، وله إرادة، يقول سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (7) ، ويقول جل وعلا: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (8) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (9) ، فمشيئة الله نافذة وقدره نافذ، فهو من هذه الحيثية مسير لا يخرج عن قدر الله، وهو مع ذلك مخير له فعل وله مشيئة وله إرادة، يأتي الخير بإرادته ويدع الشر بإرادته، يأكل بإرادته، ويمسك بإرادته، يسافر بإرادته،
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 371.
(2) سورة يونس الآية 22
(3) سورة الكهف الآية 29
(4) سورة الإنسان الآية 30
(5) سورة الحشر الآية 18
(6) سورة الصف الآية 3
(7) سورة الأنفال الآية 67
(8) سورة التكوير الآية 28
(9) سورة التكوير الآية 29(4/237)
ويقيم بإرادته، يخرج إلى السيارة وغيرها بإرادته، يجلس بإرادته، ولهذا يستحق العقاب على المعاصي، ويستحق الثواب على الطاعات، له اختيار وله فعل مثاب على صلاته وعلى صومه وصدقاته وطاعاته لله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومثاب على هذا إذا فعله لله يستحق العقاب على معاصيه؛ من الزنى، من التهاون بالصلاة، ومن أكل الربا والغيبة والنميمة إلى غير هذا، وله فعل وله اختيار، ولكن بفعله واختياره لا يسبق مشيئة الله ولا يخرج عن قدر الله.
س: هل الإنسان مسير أم مخير؟ (1)
ج: هو مخير ومسير، هو مخير كما قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (3) ، فهو مسير من جهة أن قدر الله نافذ فيه، وأن الله قد سبق فيه علمه، كل ما يفعله العباد قد قدر الأمور وقضاها وكتبها عنده، ولكن أعطى العبد عقلا وسمعا وبصرا واختيارا وفعلا، فهو يعمل ويكدح بمشيئته وإرادته، ولكنه بذلك لا يخرج عن مشيئة الله، ولا عن قدر الله السابق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 216.
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة يونس الآية 22(4/238)
وأرضاهم: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله أفنتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه: (7) » .
فعلى العبد أن يعمل ويكدح ويجتهد في طاعة الله، ويحذر معاصيه سبحانه وتعالى، وليس له أن يحتج بالقدر، قدر الله نافذ في عباده، ولكنه جعل للناس أسماعا وأبصارا وعقولا، وأعطاهم قوى وأمرهم بالأسباب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) ، برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله عمله وشقاوته وسعادته، برقم 2647.
(2) سورة الليل الآية 5 (1) {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
(3) سورة الليل الآية 6 (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
(4) سورة الليل الآية 7 (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
(5) سورة الليل الآية 8 (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}
(6) سورة الليل الآية 9 (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
(7) سورة الليل الآية 10 (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}(4/239)
س: يقول هذا السائل: قرأت في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، بأن الإنسان خلق ملزما بأعماله سواء كانت خيرا أم شرا، وليس له الاختيار واستدل بقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) ، واستدل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «بأنه يكتب على كل إنسان وهو في بطن أمه عمله شقي أم سعيد (2) » وقرأت في بعض الكتب بأن الإنسان مخير في أعماله بدليل قول الله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (3) فأنا الآن في حيرة فما هو القول الصحيح؟
ج: أهل السنة والجماعة على أن العبد مخير ومسير، لا يخرج عن قدر الله، والله أعطاه سبحانه العقل يتصرف يأكل ويشرب، ويعمل ويأمر وينهى، يسافر ويقيم له أعمال، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (4) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (5) فجعل لهم مشيئة،
__________
(1) سورة التكوير الآية 29
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم 3208، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، برقم 2643.
(3) سورة فصلت الآية 40
(4) سورة التكوير الآية 28
(5) سورة التكوير الآية 29(4/240)
فقال: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (1) ، وقال: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2) ، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (3) فالعباد لهم أفعال، يأمرون وينهون، ويسافرون ويقيمون، ويصلون وينامون، ويعادون ويحبون، لهم أعمال لكنهم لا يخرجون عن قدر الله، الله قدر الأشياء في سابق علمه سبحانه وتعالى، لا يخرجون عن قدر الله، لكن ليسوا مجبورين، بل هم مختارون، لهم اختيار ولهم عمل، ولهذا خاطبهم الله وأمرهم ونهاهم، وأخبر عن أعمالهم: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (4) {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5) ، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (6) ، «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (7) » ، لأهل بدر إلى غير ذلك.
فالواجب على المؤمن أن يعرف هذا، فأهل السنة والجماعة يقولون: العبد مختار، له فعل وله اختيار، وله إرادة وله عمل، لكنه لا يخرج عن قدر الله، ثبت في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة المدثر الآية 55
(2) سورة البقرة الآية 110
(3) سورة النور الآية 30
(4) سورة الحجر الآية 92
(5) سورة الأعراف الآية 139
(6) سورة النور الآية 30
(7) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، برقم 3007، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر رضي الله عنهم، برقم 2494.(4/241)
«إن الله قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء (1) » ، وكذا قدر أعمال العبد في بطن أمه بعد مضي الشهر الرابع، يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد، ما يخرج عن قدر الله، لكن له أعمال وله تصرفات، لا يخرج بها عن قدر الله، فهو يسافر، يصلي، يصوم، يزني، يسرق، يعق، يقطع الرحم، يطيع، يسافر، يصل فلانا، يقطع فلانا، يرحم فلانا ويؤذي فلانا، يحسن إلى فلان ويسيء إلى فلان، له أعمال طيبة وخبيثة فهو مأجور على الطيبة، ومأزور على الخبيثة، والله يجازيه على أعماله الطيبة والخبيثة، على الطبية بالجزاء الحسن، وعلى أعماله الرديئة، بما يستحق وقد يعفو إذا كان موحدا، فهو سبحانه العفو العظيم جل وعلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (2) » ، لما سئل فقيل: «يا رسول الله، إذا كانت منازلنا في الجنة معلومة، لما قال لهم: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله إذا كان هذا قد سبق في علم الله، ففيم العمل؟ كيف نعمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.
(2) أخرجه أحمد في مسند الأنصار، برقم 24856.(4/242)
الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: (7) » ، ويقول جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (8) ، فالعبد مسير بقدر الله، لكن له اختيار وله مشيئة، وله عمل، يجازى على عمله الطيب، ويستحق العقاب على عمله الرديء، إلا أن يعفو الله، كما أخبر سبحانه بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (9) قد يغفر عن بعض المعاصي لمن يشاء سبحانه وتعالى، إذا مات على التوحيد، وهكذا في الدنيا قد يعفو ويصفح عن بعض عباده فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى، وقد يعاقب على السيئات في الدنيا قبل الآخرة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، برقم 2647.
(2) سورة الليل الآية 5 (1) {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
(3) سورة الليل الآية 6 (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
(4) سورة الليل الآية 7 (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
(5) سورة الليل الآية 8 (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}
(6) سورة الليل الآية 9 (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
(7) سورة الليل الآية 10 (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
(8) سورة يونس الآية 22
(9) سورة النساء الآية 48(4/243)
س: هل الإنسان مسير أم مخير، في أعماله الصالحة وغير الصالحة، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ (1)
ج: الإنسان مسير ومخير، مسير لا يخرج عن قدر الله، مهما فعل فهو تحت قدر الله، ومخير لأن له عقلا وفعلا واختيارا، أعطاه الله عقلا وأعطاه الله فعلا واختيارا، فهو يفعل باختياره ويدع باختياره، ولهذا تعلقت به التكاليف، واستحق الجزاء على أعماله الطيبة بالجزاء الحسن والرديء بالجزاء السوء: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (2) ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (3) ، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (4) ، ويقول جل وعلا: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (5) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (7) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (8) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (9) ، ويقول جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (10) ، والنبي سئل لما قال لصحابته: «ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار (11) » ، وفي اللفظ الآخر: «قد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله، ففيم العمل؟ ما دامت مقاعدنا معلومة، ما دمنا مكتوبين ففيم العمل؟ قال:
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 381.
(2) سورة الرحمن الآية 60
(3) سورة الشورى الآية 40
(4) سورة النجم الآية 31
(5) سورة الليل الآية 5
(6) سورة الليل الآية 6
(7) سورة الليل الآية 7
(8) سورة الليل الآية 8
(9) سورة الليل الآية 9
(10) سورة يونس الآية 22
(11) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، برقم 2647.(4/244)
اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة، فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله سبحانه: (7) » ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (8) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (9) ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (10) ، وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (11) ، فدل على أن الأسباب يترتب عليها مسبباتها، فمن يتقي الله يسر الله أموره، ويفرج كرباته، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن عصى الله وخالف أوامره، فقد تعرض لغضب الله وسخطه، وتعسير أموره، نسأل الله العافية.
س: هناك قسم من الناس، يقولون: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان، هي من إرادة الله، رجاء أن توضحوا هذه المسألة، هل الإنسان مخير أو مسير؟ (12)
ج: هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس، والإنسان
__________
(1) البخاري تفسير القرآن (4664) ، مسلم القدر (2647) ، الترمذي تفسير القرآن (3344) ، أبو داود السنة (4694) ، ابن ماجه المقدمة (78) ، أحمد (1/133) .
(2) سورة الليل الآية 5 (1) {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}
(3) سورة الليل الآية 6 (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
(4) سورة الليل الآية 7 (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
(5) سورة الليل الآية 8 (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}
(6) سورة الليل الآية 9 (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}
(7) سورة الليل الآية 10 (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
(8) سورة الطلاق الآية 2
(9) سورة الطلاق الآية 3
(10) سورة الطلاق الآية 4
(11) سورة الأنفال الآية 29
(12) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 56.(4/245)
مخير ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرا ومقهورا، فله اختيار وله مشيئة، وله إرادة كما قال عز وجل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (1) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (3) {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (4) ، وقال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5) ، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (6) .
فالعبد له اختيار، وله إرادة وله مشيئة لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا المصرف لعباده والمدبر لشئونهم، فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئا، أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله لهم وإرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى، فما يقع في العباد وما يقع منهم، كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب، وانتزاع الملك وقيام الملك، وسقوط دولة وقيام دولة، كله بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (7) فالمقصود أنه جل وعلا له إرادة في
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة المدثر الآية 55
(4) سورة المدثر الآية 56
(5) سورة الأنفال الآية 67
(6) سورة الإسراء الآية 18
(7) سورة آل عمران الآية 26(4/246)
عباده، وله مشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها الإرادة الكونية، والمشيئة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (1) ، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2) ، فالعبد له اختيار، وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله، وإرادته سبحانه وتعالى، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها مأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها، ومأزور والحجة قائمة، والحجة لله وحده سبحانه وتعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (3) ، سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (4) ، فهو سبحانه لو شاء لهداهم جميعا، ولكن له الحكمة البالغة حيث جعلهم قسمين: كافرا ومسلما، وكل شيء بإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته.
فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيدا، وأن يكون على بينة في دينه، فهو مختار له إرادة وله مشيئة يستطيع أن يأكل ويشرب، ويضارب ويتكلم ويطيع ويعصي ويسافر ويقيم ويعطي فلانا ويحرم فلانا إلى غير هذا هو له مشيئة في هذا، وله قدرة وليس مقهورا ولا ممنوعا، ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبقها من الله بعد أن تسبق
__________
(1) سورة الأنعام الآية 125
(2) سورة يس الآية 82
(3) سورة الأنعام الآية 149
(4) سورة الأنعام الآية 35(4/247)
إرادة الله ومشيئته لهذا العمل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (1) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) وهو سبحانه المسير لعباده كما قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (3) هو المسير لعباده وبيده نجاتهم وسعادتهم، وضلالهم وهلاكهم، هو المصرف لعباده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى، يعطي من يشاء، ويحرم من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه سبحانه وتعالى، فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على بصيرة في هذا الأمر، وأن تتدبر كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، حتى تعلم هذا واضحا في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار وله مشيئة، وله إرادة، وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه، بل هو مملوك لله عز وجل، مقدور لله سبحانه وتعالى، يدبره كيف يشاء سبحانه وتعالى، مشيئة الله نافذة، وقدره السابق ماض فيه ولا حجة له في القدر السابق، فالله يعلم أحوالهم، ولا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، وهو المدبر لعباده والمصرف لشؤونهم جل وعلا، وقد أعطاهم مشيئة وإرادة واختيارا يتصرفون بذلك.
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة يونس الآية 22(4/248)
94 - حكم سب الإنسان الحظ والبخت
س: ما رأي سماحتكم في سب الإنسان حظه أو بخته؛ لأن هذا كثيرا ما يتردد على ألسنة البعض هل في ذلك إثم؟ (1)
ج: نعم، لا يجوز سب الحظ، وكذا البخت لا يجوز سبه، فهذا قدر الله وما شاء فعل، يسأل ربه التوفيق والإعانة، وأن يسهل أموره، ويقضي حاجاته، ولا يسب حظه ولا بخته.
السب ممنوع، لا يسب الإنسان زمانه، ولا حظه وبخته ولا مكانه، ولكن يستغفر الله، ويسأل ربه التوفيق، ويتوب إلى الله من معاصيه وما أصابه فقد يكون بذنب، يجب عليه التوبة إلى الله منه مثل ما قال الله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2) ، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (3) المقصود أن المؤمن والمؤمنة، عليهما أن يتوبا إلى الله دائما وأن يحاسبا أنفسهما، وأن يحذرا المعصية من سب أو غيره.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم 325.
(2) سورة الشورى الآية 30
(3) سورة النساء الآية 79(4/249)
95 - بيان أن الله خلق للجنة أهلا وخلق للنار أهلا فكل ميسر لما خلق له
س: سؤال الأخ فيه شيء من الغرابة، وهو: يقول بعض الناس: كيف أن الله لا يهديك إلى الإسلام ويدخلك النار؟ (1)
ج: الله حكيم عليم سبحانه وتعالى، خلق خلقا إلى الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقدر أعمالهم وخلق خلقا آخرين إلى النار، وقدر أعمالهم وهو الحكيم العليم، سبحانه وتعالى فالذين قدر لهم أنهم من الجنة يوفقون لأعمال أهل الجنة، والذين كتب الله أنهم من أهل النار يسيرون لأعمال أهل النار فيعملون بذلك، كما قال عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (2) {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (3) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (4) {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (5) {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} (6) {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (7) " فالجنة أهلها معلومون، والنار أهلها معلومون، وكل ميسر لما خلق له، وقد مضى في علم الله وقدره السابق كتابة هؤلاء وكتابة هؤلاء، وكل ميسر لما كتب الله له، كل له مشيئة وله اختيار، وله إرادة وله عمل، هذا يعمل بعمل أهل الجنة فيكون لها، وهذا يعمل بعمل أهل النار فيكون من أهل النار، وقدر الله سابق للجميع، وحجته غالبة قائمة سبحانه وتعالى، وهو لا يعذب أحدا إلا بعمله لا بمجرد القدر، القدر سابق لا يقع في علم الله إلا بأمره
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم 100.
(2) سورة الليل الآية 5
(3) سورة الليل الآية 6
(4) سورة الليل الآية 7
(5) سورة الليل الآية 8
(6) سورة الليل الآية 9
(7) سورة الليل الآية 10(4/250)
سبحانه وتعالى، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد، قد قضى علمه وقدره، لكن هؤلاء الناس منهم من يعمل بأعمال أهل الجنة فيدخلها، ومنهم من يعمل بأعمال أهل النار فيدخلها بمشيئته وإرادته واختياره، كما أنه يأكل باختياره ويشرب باختياره، ويزور من يشاء باختياره، يخرج ويدخل باختياره، وهكذا يفعل المعصية باختياره، يشرك باختياره، يزني باختياره، يعق والديه، يزني، يشرب الخمر بأعمال يختارها هو كما أنه يصلي ويصوم ويتصدق باختياره، فكما يثاب على هذه الطاعات، يعاقب على هذه المعاصي، إلا أن يعفو الله عنه، إذا كان مسلما فقد يعفى عن بعض سيئاته لحسنات فعلها ولأعمال صالحة قدمها، وقد يعفو الله عنه فضلا منه وإحسانا، وقد يعاقب على بعض السيئات التي يموت عليها، لم يتب لكن كل شيء بقدره، القدر ماض ولا حجة في القدر؛ لأن العبد له مشيئة وله اختيار، وله إرادة وله عمل يستحق الثواب عليه والعقاب عليه.(4/251)
96 - حكم قول: من حسن الحظ
س: تسأل أختنا وتقول: قول صدفة وقول من حسن الحظ هل هو جائز أو لا؟ (1)
ج: لا أعلم فيه شيئا إذا صادف شيئا، بأن وافق أخا له في الله من غير موعد في الطريق أو عند بعض الإخوان، فقال: وافقت فلانا صدفة، يعني من غير موعد، لا بأس بهذا، أو قال: من حسن الحظ، أو من توفيق الله أن صادفت فلانا، أو سلمت على فلان، أو طفت بالبيت العتيق، أو صليت الضحى أو أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر ونحو هذا الكلام، لا بأس بذلك هذا من حظه الطيب، كما قال تعالى في الصابرين المتقين: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (2) فمن رزقه الله الاستقامة أو يسر الله له ما يحبه، فهو من حسن الحظ الذي يسره الله له، وإذا لقي أخا له من غير موعد، وقال: لقيته صدفة، أو لقيت الجماعة الفلانية صدفة، فلا بأس بذلك؛ لأنه من غير موعد.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 148.
(2) سورة فصلت الآية 35(4/252)
97 - حكم قول: شاء الحظ التعيس
س: يقول السائل: عبارات كثيرة تتردد على ألسنة بعض الناس من هذه الأقوال: شاء الحظ التعيس (1) .
ج: لا يجوز أن يقول: شاء الحظ، ولا شاءت قدرة الله، ولا شاءت إرادة الله، يقول: شاء الله سبحانه، شاء الله كذا، شاء ربي كذا، شاء الرحمن كذا، ولا يقول: شاء الحظ، أو شاءت إرادة الله، أو شاءت الظروف، كل هذا لا يجوز.
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم 409.(4/253)
98 - بيان أن الدعاء من القدر
س: هل الدعاء يغير المكتوب عند الله تعالى؟ (1)
ج: الدعاء من القدر، والمكتوب لا يتغير، فالقدر قدران قدر محتوم لا حيلة فيه، وقدر معلق، فيكون بعض القدر معلقا بالدعاء فإن دعا زال المعلق، قد يكون معلقا: أن الله جل وعلا يتوب عليه إذا صلى، إذا صام، إذا فعل كذا، هذا قدر معلق الله جل وعلا يرفعه عنه بما فعل من الطاعات، والأعمال الصالحات والتوبة، فالأقدار تعالج بالأقدار، مثل ما قال عمر لما أشار عليه الصحابة في غزوته للشام
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 380.(4/253)
ووقوع الطاعون أشاروا عليه بالرجوع وأشار بعضهم بعدم الرجوع، ثم استقر أمره على الرجوع إلى المدينة وعدم القدوم على الطاعون فقالوا: تفر من قدر الله، فقال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، الله أمرنا بألا نقدم على هذا المرض فإذا تركنا القدوم عليه فقد فررنا من قدر الله إلى قدر الله، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فأخبر عمر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بألا يقدم عليه، ففرح عمر بذلك (1) بأن الله وفقه لما جاء به النص بعد ما استشار الصحابة، وهكذا الإنسان تصيبه الحمى فيتعاطى الأسباب يفر من قدر الله إلى قدر الله، يجوع يأكل حتى يزول الجوع يفر من قدر الله إلى قدر الله، يصيبه الحر فيشرب الماء البارد، أو يستحم يفر من قدر الله إلى قدر الله، يصيبه مرض في عينيه فيعالجها، بأنواع العلاج يفر من قدر الله إلى قدر الله، وهكذا أنواع كله يفر من قدر الله إلى قدر الله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم 5729، ومسلم في كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، برقم 2219.(4/254)
99 - بيان أن الدعاء من أسباب رد القدر المعلق
س: في الحديث يا سماحة الشيخ يقول: هل الدعاء يرد القدر؟ وكيف ذلك؟ (1)
ج: نعم، الدعاء من أسباب رد القدر المعلق، والقدر يكون معلقا ويكون مبتوتا، فإذا كان قدرا معلقا، قد قدر الله جل وعلا، أن يهبه ولدا، إذا دعا ربه، فدعا ربه واستجاب دعوته، هذا معلق بالدعاء، أو قدر الله له مالا، إذا دعا ربه في طلب ذلك المال، فإذا دعا ربه يسر الله له المال المعلق، على هذا الدعاء، أو طلب زوجة، طلب أن يزوجه فلانة، والله قد قدر له ذلك بهذا الطلب، قد علق القدر بهذا الطلب، أن فلانا قدر الله في سابق علمه، أنه يسأل ربه أن الله يزوجه فلانة بنت فلان، فإذا ألهمه الله الدعاء ووفقه للدعاء، حصل المقدور المعلق، أما الأقدار المبتوتة التي ليست معلقة، هذه ما تتعلق بالدعاء، الموت المحدود في يوم معلوم، دون دعاء، إذا جاء يوم موته، المحدود مات، دعا أو لم يدع.
__________
(1) السؤال الواحد والخمسون من الشريط رقم 43.(4/255)
س: م. س. من العراق رسالة ضمنها سؤالين: سؤاله الأول يقول: سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال حديثا معناه: إن الجنين في بطن أمه يكتب له الشقاء والسعادة، فهل الشقاء على وتيرة واحدة، أو السعادة على وتيرة واحدة أم أنها درجات؟ وهل في الدنيا أم في الآخرة، أم في الآخرة والدنيا؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن الجنين إذا مضى عليه ثلاثة أطوار: كل طور أربعون يوما، يعني أربعة أشهر، يدخل عليه ملك، ويأمر الله بكتب رزقه وأجله، وعمله ويكتب شقي أو سعيد، إما من أهل النار أو من أهل الجنة، فالشقي من أهل النار، والسعيد من أهل الجنة، والله جل وعلا يكتب أعماله كلها، ولا يمنع في هذا الأمر والنهي، فالقدر ماض في أمر الله، ولكن على العبد أن يعمل، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الصحابة لرسول الله: «إذا كانت الأعمال تكتب شقاء وسعادة، فلماذا العمل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فميسرون لعمل أهل الشقاوة (2) » ، فالعبد
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 279.
(2) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، برقم 2647.(4/256)
على ما كتب له، إن كتب له الشقاوة في الدنيا والآخرة فهو شقي، وإن كتب له السعادة فهو سعيد في الدنيا والآخرة، يكتب له شقاوة في الدنيا دون الآخرة، أو شقاوة في الآخرة دون الدنيا وقد يعمل بعمل أهل الجنة في الدنيا، ثم يموت على أعمال أهل النار، فيدخل النار، نسأل الله السلامة، وقد يكون شقيا في الدنيا بأعمال أهل النار، ثم يكتب الله له التوبة، فيتوب عند موته، قبل أن يموت، فيكون من أهل السعادة، فكل شيء يكتب عليه، شقاوته وسعادته في الدنيا والآخرة، لكن مع هذا كله الواجب عليه العمل الواجب عليه أن يتقي الله، وألا يقول هذا كتب علي وأنا أجلس، لا، مثل ما أمر النبي الصحابة قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له (1) » ، والله يقول سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (2) .
فالإنسان مأمور بالعمل، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن (3) » فكل إنسان مأمور بأن يطيع الله ورسوله، مأمور بأن يكسب الحلال، مأمور بأن يبتعد عن أسباب الشر، مأمور بأن يحذر الخطر، منهي أن يقتل نفسه، مأمور
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: (فسنيسره للعسرى) برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، برقم 2647.
(2) سورة التوبة الآية 105
(3) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، برقم 2664.(4/257)
بالكف عن المعاصي إلى غير ذلك، فعليه أن يمتثل للأوامر، ويحذر النواهي ويجتهد في ذلك، ولا يتأخر عن شيء أمر الله به، ولا يقدم على شيء نهى الله عنه، وهو مع هذا ميسر لما خلق له.
س: الأخت: أ. ح. تسأل وتقول: أيهما يتحكم في الآخر، الأجل أم الصحة؟ (1)
ج: الأمر إلى الله في هذا سبحانه وتعالى، ليس لهذا ولا لهذا تحكم، بل الأمر راجع إلى قدر الله وحكمته سبحانه وتعالى، فمن قدر الله له تمام الصحة واستمرارها حصل ذلك، ومن قدر الله عليه الأمراض حصل ذلك، كل شيء بقضائه وقدره سبحانه وتعالى، «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (2) » يقول جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) ، ويقول سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (4) ، فإذا نزل المرض فهو بمشيئة الله، وقد شرع الله علاجه، واتخاذ الأسباب التي تزيله، كما شرع الأسباب التي تقي منه قبل وقوعه من توقي أسباب الشر والبعد عن أسباب
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 280.
(2) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كل شيء بقدر، برقم 2655.
(3) سورة التغابن الآية 11
(4) سورة الحديد الآية 22(4/258)
الشر، ليتوقى ما يضره ويبتعد عما يضره بالأسباب التي شرعها الله، كما يتعاطى أسباب الصحة والعافية بالأسباب التي شرعها الله، فيأكل ويشرب، ويتقي ما يضره، لأن الله أمر بذلك، ويعالج الأمراض، لقوله صلى الله عليه وسلم: «تداووا ولا تداووا بحرام (1) » ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله (2) » ، فإذا أراد الله غلبة المرض: استمر المرض، وصار لا يرجى برؤه، وإذا أراد الله استمرار الصحة، استمرت الصحة وقل المرض، وقد يبتلى الإنسان بهذا وهذا تارة وهذا تارة، ولا سيما المسلم، يبتلى بالأمراض ليكفر الله بها من خطاياه، ويحط بها من سيئاته، كما في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يصب منه (3) » ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب مسلما من هم ولا غم ولا نصب، ولا وصب، ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة (4) » .
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، برقم 3874.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه، برقم 17988.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5645.
(4) أخرجه البخاري في كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5642.(4/259)
100 - حكم قول: شاءت الأقدار
س: السائل ي. ع. ع. من الدمام يقول في هذا السؤال: كثيرا ما نسمع هذه الأيام عبارة شاءت الأقدار، لو شاءت الظروف، فهل في هذه العبارات شرك بالله عز وجل؟ (1) .
ج: لا يجوز هذا الكلام شاءت الظروف أو شاءت الأقدار، كل هذا لا يصح، بل يقال: شاء الله سبحانه، شاء ربنا، شاء الرحمن، شاء الملك العظيم، قال جل وعلا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) ولو قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، المقصود أن المشيئة تنسب إليه سبحانه لا إلى الظروف ولا إلى الأوقات، ولا إلى الأقدار ولا إلى غير هذا من الشؤون لكن تنسب إلى الله وحده سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 357.
(2) سورة التكوير الآية 29(4/260)
101 - حكم التضجر والتأفف من أجل آلام المرض
س: تقول بأنها امرأة ضعيفة ومريضة، وكثيرا ما تشعر بالآلام الشديدة، وأحيانا تقول: تمنعني الآلام من النوم أو الراحة في الصلاة أو الراحة في الحياة العامة، لكن أحيانا تزيد الآلام فأتضجر، وأتأفف من هذه الحياة، بل أبكي، فهل هذا العمل يدل على تضجري بالقضاء والقدر؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا حرج في ذلك إذا أصابها ما يؤلمها ويشق عليها فلا حرج من الضجر أو نحو ذلك أو وارأساه أو واجنباه أو واظهراه لا بأس لكن الممنوع الصياح أو ضرب الوجوه وشق الجيوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية (2) » ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة (3) » الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم 360.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، برقم 1294، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، برقم 103.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، برقم 104.(4/261)
المصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها عند المصيبة، هذا هو الممنوع، أما كونها تتضجر، النبي صلى الله عليه وسلم لما أحس برأسه قال: وارأساه، لا حرج، وقالت عائشة: وارأساه، كل هذا لا بأس به، كون الإنسان يقول: أنا أشكو شدة حرارة الحمى أو أشكو مرض كذا أو مرض كذا، كونه تدمع عينه يبكي بدون صياح ولا نياحة كل هذا لا حرج فيه، والحمد لله فيه متنفس للمريض.(4/262)
باب ما جاء في أشراط الساعة(4/263)
باب ما جاء في أشراط الساعة
102 - بيان بعض أشراط الساعة
س: ما هي أشراط الساعة وماذا تحقق منها حتى الآن؟ (1) .
ج: أشراط الساعة كثير منها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل أن تلد الأمة ربتها، الأمة: يعني المملوكة ربتها، وفي رواية أخرى ربها، يعني سيدها منها، لكثرة الإماء بسبب السبي، وقد وقع هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كثر السبايا وتملك الناس الإماء واستولدوهن هذا واقع من قديم، وكذلك قوله ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة، يتطاولون في البنيان، هذا وقع أيضا من أزمان طويلة، ولها أشراط تأتي في آخر الزمان حتى الآن لم تقع وسوف تقع كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أشراط متصلة عشرة أولها عند أهل العلم، خروج المهدي، وهو من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله واسمه محمد بن عبد الله يدعو إلى توحيد الله وإلى اتباع الشريعة يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا وهذا قبل نزول المسيح بقليل، الثانية: خروج الدجال
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 315.(4/265)
الذي يأتي من بلاد الشرق من خراسان يدعي أنه نبي، يدعي أنه رب العالمين، وله خوارق بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث، والثالث: عيسى ابن مريم ينزل من السماء موجود في السماء مرفوع لم يقتل ولم يصلب، ولكن رفع إلى السماء ينزل في آخر الزمان، فيقتل الدجال، ويدعو إلى توحيد الله عز وجل واتباع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، والرابعة: يأجوج ومأجوج يخرجون في عهد عيسى عليه السلام، ثم يقتلهم الله في زمن عيسى عليه السلام، ويريح الله العباد منهم، ثم بعد ذلك ستة أشراط الدخان، وهدم الكعبة، ورفع القرآن وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، والعاشرة: نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم إلى الشام، تبيت معهم حيث يبيتون، تقيل حيث يقيلون، وبعد ذلك قيام الساعة في الوقت الذي يشاؤه الله سبحانه وتعالى لكن بعد خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها، وقبل النار يرسل الله ريحا طيبة قبل خروج النار يقبض الله بها روح كل مؤمن ومؤمنة، فلا يبقى إلا الأشرار فعليهم تقوم الساعة، ما يبقى إلا الأشرار، فيبقون أهل الأرض على الشرك بالله وعبادة الأوثان والأصنام، في مدة يعلمها الله، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق، تقوم الساعة على قوم لا يعبدون الله، ولا يعرفونه، على قوم مشركين كفار، نسأل الله العافية والسلامة.(4/266)
103 - بيان علامات الساعة
س: السائل الذي رمز لاسمه: م. ج. يقول في هذا السؤال: ما هي علامات الساعة الصغرى التي تبقت؟ (1)
ج: يقال علاماتها الكبرى ليس هي بالصغرى، علاماتها الكبرى بقي عشر آيات: خروج المهدي، وخروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج اليأجوج والمأجوج، وهدم الكعبة، ورفع القرآن، وآية الدخان، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وآخر الآيات نار تحشر الناس إلى محشرهم، هذه الآيات التي بقيت نسأل الله السلامة، وآخرها طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة بعدها لا يقبل عمل من إنسان، إذا جدد عملا، لا يقبل، يقول سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (2) ، إذا طلعت الشمس من مغربها، الإيمان الجديد لا يقبل، وبعدها الآية الأخيرة وهي حشر الناس، خروج النار من المشرق تحشرهم إلى محشرهم، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا حتى يصلوا إلى محشرهم، الذي تقوم فيه الساعة.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 395.
(2) سورة الأنعام الآية 158(4/267)
س: يقول السائل: تحدثوا يا سماحة الشيخ عن علامات الساعة الصغرى والكبرى (1) .
ج: علامات الساعة كثيرة ومنوعة، منها العلامات الصغرى التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، فالنبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، هو نبي الساعة عليه الصلاة والسلام، وهكذا أخبر عن تطاول الناس في البنيان، هذا من أشراط الساعة، وهو كون الحفاة العراة العالة من العرب، يكونون رؤوس الناس، هذا من علامات الساعة، كثرة السراري بين الناس، كون الإماء يكثرن بين الناس، ويتسراها الرجل، ويولدها بسبب السبي الكثير، هذا من علامات الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث جبرائيل لما سأل عن أمارات الساعة، قال: «أن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان، وقال: إذا ولدت الأمة ربتها (2) » وفي لفظ: «ربها (3) » يعني سيدها، يعني إذا حملت من سيدها فولدت منه بنتا أو ابنا، كل هذا من أشراط الساعة، وقد وقع في عهده صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك، ومن أشراط الساعة كثرة الشح بين الناس، والبخل
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم 245.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 9.(4/268)
وكذلك قلة العلم، وكثرة الجهل، وفشو المعاصي، وظهور المعاصي في البلدان، كل هذا من علامات الساعة المنتشرة التي هي غير الكبرى، كذلك كثرة القتال والفتن، من أشراط الساعة، كل هذا بينه عليه الصلاة والسلام، وكثرة النساء وقلة الرجال من علامات الساعة.
أما علاماتها الكبرى التي تكون بقربها فهي عشر بينها العلماء:
المهدي: وهو رجل من بيت النبوة، يخرج في آخر الزمان، يملأ الأرض عدلا وقسطا، بعدما ملئت جورا، المستقيم على دين الله يحكم بشريعة الله، ويقيم أمر الله في أرض الله، هذا يكون في آخر الزمان، عند نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
الدجال: وهذا يقع بعد المهدي، خروج الدجال من المشرق من جهة الشرق، من جهة الصين وخراسان ويسيح في الأرض ويطوف بها، ويدعو إلى اتباعه، يتظاهر بأنه نبي أولا ثم يقول: إنه رب العالمين، ومعه خوارق شيطانية، تلبس على الناس أمره، لكن أهل الإيمان وأهل البصيرة يعرفونه مكتوب بين عينيه كافر، يعرفه كل من يقرأ كل مؤمن ممن عصمه الله يرى ذلك بين عينيه، معه خوارق يعرفها أهل الإيمان، أنها باطلة، وأنها تدل على أنه الدجال، وينتهي أمره إلى فلسطين، ثم ينزل عيسى ابن مريم في الشام فيحاصره، في فلسطين، ويقتله، يعني عيسى ابن مريم ينزل من السماء، ويقتل الله به الدجال، ويتولى بنفسه عليه الصلاة والسلام قتله.(4/269)
والعلامة الثالثة من أشراط الساعة الكبرى هو نزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال ويهلك الله في زمانه الأديان كلها ولا يبقى إلا الإسلام، ويضع الجزية ويتركها ولا يقبل إلا الإسلام، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، لأن الصليب باطل، عيسى ما صلب، ولم يقتل عليه الصلاة والسلام، وهو كذب ولهذا إذا نزل كسر الصليب، وبين أمر الله في عباده، ودعاهم إلى الإسلام وحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يقبل من الناس إلا الإسلام، ولا يبقى في زمانه يهودية، ولا نصرانية، ولا وثنية، بل يدخل الناس في دين الله أفواجا، ويستقر الإسلام في الناس، ثم بقية علامات الساعة من الدخان، وهدم الكعبة، ونزع القرآن من الصدور، والمصاحف، ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج الدابة، ثم الدخان، ثم آخر العلامات خروج النار، نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، نسأل الله السلامة والعافية.
س: مستمع يسأل عن علامات الساعة، ويقول: إن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، حدد لنا بعضا منها، وقال في ذلك: أن تلد الأمة ربتها فما معنى هذه العبارة؟ (1)
ج: أشراط الساعة كثيرة، ولكنها قسمان: قسم مطلق، وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وقسم خاص يقع عند قربها وعند دنوها، أما
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 259.(4/270)
المطلق العام فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي الساعة، ووجوده من أشراطها عليه الصلاة والسلام، وهكذا ما قال صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها (1) ربتها يعني سيدتها، وفي اللفظ الآخر: ربها يعني سيدها، ومعنى ذلك أنها تكثر الإماء والسراري، فإذا حملت من سيدها، وهو مالكها، فإذا حملت من سيدها، وهو مالكها، فإن المولودة البنت تكون سيدة، ربة والمولود الذكر يكون ربا لها، سيدا لها، هذا معنى الحديث يعني تكثر السراري ويكثر الإماء، والناس يكثر تسريهم بسبب كثرة الجهاد وكثرة الغنائم، فتكثر السراري بين الناس والسيد يطأ أمته، لأنها ملكه، مباح له، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3) الملك الذي هو ملكه للأمة، يقال له ملك اليمين فإذا ملكها بغنيمة، أو بالشراء أو بالورث، فله أن يطأها، وهي ملك اليمين، وإذا ولدت يقال للمولود إن كان ذكرا ربها وسيدها، والمولودة ربتها وسيدتها، هذا معنى الحديث، أن تلد الأمة ربها أو ربتها، يعني سيدتها، لأن بنت السيد سيدة، وولد السيد سيد لأمه في المعنى، والمعنى أنه تكثر السراري في الناس، وهذا من علامات الساعة، كثرة السراري وكثرة الإماء والولادة، ومثل حديث: «أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في النبيان (4) » هذا أيضا من
__________
(1) سبق تخريجهما.
(2) سورة المؤمنون الآية 5
(3) سورة المؤمنون الآية 6
(4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.(4/271)
أشراطها العامة، تطاول العرب في البناء بعدما كانوا أهل خيام، بنوا البنايات وطولوها، هذا من أشراط الساعة، وقد وقع هذا، العرب تحضروا وجاهدوا، وبنو البنايات، وعمروا العمائر، أما أشراطها الخاصة القريبة منها، فقد بينتها الأحاديث، وهي عشر علامات، أولها: المهدي، رجل من أهل البيت في آخر الزمان، يملك الدنيا، يملك الأرض، ويملأها عدلا، بعدما ملئت جورا، وهو من أهل البيت، من بني هاشم، من ذرية فاطمة رضي الله عنها، جاءت فيه أحاديث كثيرة، الثاني: الدجال يخرج دجال في آخر الزمان، يدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، وصحت فيه الأحاديث، وتواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث: نزول المسيح ابن مريم من السماء عليه الصلاة والسلام، ويقتل الدجال، ويحصل به الخير العظيم للأمة، ويملأ الله به البركات في الأرض عليه الصلاة والسلام، ويهلك الله في زمانه الأديان، فلا يبقى إلا الإسلام، تذهب اليهودية والنصرانية، والشيوعية وغيرها، ولا يبقى إلا الإسلام في عهده عليه الصلاة والسلام، والرابع: خروج يأجوج ومأجوج من الشرق: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (1) في عهد عيسى عليه الصلاة والسلام، ثم يميتهم الله بعد ذلك ثم بعد ذلك: آية الدخان، وهدم الكعبة، رفع القرآن من الأرض ومن الصدور، ومن الصحف، ثم خروج الدابة، دابة الأرض، وطلوع
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 96(4/272)
الشمس من مغربها، وإذا طلعت لا تقبل التوبة بعد ذلك من أحد، وآخرها: نار تحشر الناس إلى محشرهم، هذه يقال لها الآيات الخاصة القريبة من الساعة جاءت بها الأحاديث وبينها أهل العلم.
س: يسأل سماحتكم عن علامة القيامة الكبرى (1) .
ج: العلامة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها هذه العلامة الكبرى، حينئذ لا يقبل من نفس إسلامها ولا إيمانها وليس لها إلا ما قدمت كما قال جل وعلا: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (2) .
المقصود أن هذه الآية هي أكبر الآيات طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعت لم يقبل من الإنسان دخول في الإسلام ولا الزيادة في العمل ليس له إلا ما قدم، المقصود الواجب الحذر وأن يستعد للقاء الله وألا يتساهل.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 355.
(2) سورة الأنعام الآية 158(4/273)
س: سائل يستوضح عن علامات الساعة، وهل هذا الجيل آخر جيل كما يقول بعض الناس؟ (1)
ج: الساعة لا يعلم قيامها إلا الله، ولا يعلم الجيل الذي تقوم فيه إلا الله سبحانه وتعالى، وهي لا تقوم إلا على الأشرار حين لا يبقى في الأرض مسلم، وما تقوم إلا على الكفار، ولا تقوم وفي الأرض مسلم واحد، بل جميع المسلمين يموتون قبل قيامها، يبعث الله عليهم ريحا طيبة في آخر الزمان تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، فلا يبقى إلا الكفار، فعليهم تقوم الساعة، ولها شروط لم تأت، من شروطها خروج الدجال من جهة المشرق، وهو آدمي يدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، ثم ينزل الله عيسى ابن مريم من السماء، فيقتله في فلسطين، وهو رئيس اليهود، الدجال رئيس اليهود، يذهب إليهم في فلسطين، وينزل الله عيسى فيقتله عند باب اللد، الباب المعروف هناك في فلسطين، ومن أشراطها خروج يأجوج ومأجوج، وهم أيضا من الشرق، أخبر الله عنهم في كتابه العظيم، ومن شروطها، عدم الكعبة في آخر الزمان، ونزع القرآن من الصدور، ومن الصحف حتى لا يبقى في أيدي الناس قرآن، ومن شروطها الأخيرة دخان يغشى الناس، ويعمهم ومن شروطها طلوع الشمس من مغربها، بعد المشرق تطلع من المغرب، فإذا طلعت من مغربها آمن الناس، لكن لا يقبل الله إيمانهم
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم 243.(4/274)
بعد طلوع الشمس من مغربها، يبقى المسلم على إسلامه، والكافر على كفره، وآخر الآيات نار تحشر الناس إلى محشرهم، تخرج من المشرق، وفي بعض الأحاديث من قعر عدن من الجنوب، ثم تسوقهم إلى محشرهم، هي آخر الآيات، وفي آخر الزمان، كما تقدم قبل أن تقوم الساعة يرسل الله ريحا طيبة، لينة، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى في الأرض إلا الكفار، في خفة الطير وأحلام السباع، يتناكحون في الأسواق، ويعبدون الأوثان، والأصنام، ولا يعرفون الله طرفة عين، بل هم في كفر وضلال وجهل، وأخلاق خبيثة، فعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية والسلامة.(4/275)
104 - الكلام على نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان
س: كثيرا ما نتحاور أنا ورفاقي عن نزول عيسى عليه السلام، فأرجو أن تزودونا بمعلومات، إذا كان يوجد أي دلالة أو إشارة في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة إلى هذا المعنى، ويقال بأن هناك حديثا شريفا بهذا الخصوص، فهل هذا صحيح؟ وفقكم الله وبارك فيكم (1) .
ج: قد تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام للإخبار عن نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ينزل في آخر
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 41.(4/275)
الزمان في دمشق، وأنه يتوجه إلى فلسطين بعد نزول الدجال، وأنه يقتله هناك في باب اللد والمسلمون معه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه يأتي المسلمين وهم قائمون للصلاة، ويريد أميرهم أن يتأخر حتى يؤم الناس نبي الله عيسى عليه السلام، فيأتي عيسى عليه السلام ويقول: إنها أقيمت، فصل بهم (1) » . وجاء في بعض الروايات الجيدة أن أميرهم ذاك الوقت المهدي، وهو محمد بن عبد الله من بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذرية فاطمة، فيقول له المهدي: تقدم يا روح الله، فيأتي ويقول: صل أنت، لأنها أقيمت لك. ثم يتولى القيادة بعد ذلك عيسى عليه السلام. ونزوله أمر مجمع عليه عند أهل العلم، وثابت بالنصوص الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد تواترت به الأحاديث، وليس به شك بحمد الله، هو ينزل في آخر الزمان بعد خروج الدجال الكذاب، فيبين للناس كذبه وضلاله، ويتولى عليه الصلاة والسلام قتله، وقد أشار القرآن إلى هذا بقوله جل وعلا، لما ذكر عيسى قال: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا} (2) أي نزوله ومجيئه، وقرأ بعض القراء: علم، بفتح العين واللام، أي دليل على قربها، وقال جل وعلا في سورة النساء: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (3) ، ثم قال
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، برقم 14954.
(2) سورة الزخرف الآية 61
(3) سورة النساء الآية 158(4/276)
بعده: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (1) يعني ما من أحد من أهل الكتاب، وقت نزوله إلا يؤمن به قبل موت عيسى عليه السلام، فيكون الضمير في موته يعود على عيسى، وقيل: يعود على اليهودي أو النصراني، أنه قبل موته يؤمن بنزول عيسى عليه السلام، وبكل حال فالآية تشير إلى ذلك سواء قيل: إنه الضمير يعود إلى الواحد من أهل الكتاب، أنه يؤمن قبل خروج روحه، أو معنى أن عيسى عليه السلام إذا نزل آمن به أهل الكتاب ذلك الوقت، قبل أن يموت عيسى عليه السلام، فإنه يموت بعد ذلك، يمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه، وجاء في بعض الروايات ما يدل على أنه يدفن في الحجرة النبوية، ولكن في صحة ذلك نظر، وبكل حال فهو ينزل بلا شك، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض، ويتبعه المسلمون ويفيض المال في وقته، وتأمن البلاد ويسلم الناس كلهم، فإنه لا يقبل من الناس إلا الإسلام أو السيف، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يترك الجزية لا يأخذها من أحد، وتكون العبادة لله وحده في زمانه، بسبب ما حصل به من الأمارة العظيمة، والدلالة القاطعة على قرب الساعة، فالناس يؤمنون في زمانه، وهو يجاهدهم بالسيف حتى يدخل الناس في دين الله، فمنهم من يدخل بسب ظهور أدلة الحق، وصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر
__________
(1) سورة النساء الآية 159(4/277)
به، ومنهم من يكون إسلامه على أثر الجهاد الذي يقوم به عيسى عليه السلام والمسلمون.
والخلاصة أن نزوله حق وثابت بإجماع المسلمين، وأصله الأحاديث المتواترة القطعية بنزوله عليه السلام، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك كما تقدم.
فالواجب على جميع المسلمين الإيمان به، واعتقاد نزوله في آخر الزمان وأنه ينزل حقيقة، وأنه يدعو إلى توحيد الله والإيمان به، وأنه يعمل بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويحكم بها في الأرض، لأنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ينزل تابعا لمحمد عليه الصلاة والسلام حاكما بشريعته لا بشريعة التوراة السابقة، ولكن يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، يحكم بالقرآن، هذا هو الذي أجمع عليه أهل الإسلام، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة، وأشار إليه القرآن الكريم.
فالواجب على جميع المسلمين اعتقاد هذا، وعدم الالتفات إلى ما قد قاله بعض المتأخرين من إنكار نزوله، وتأويل ذلك بأنه يظهر خير في آخر الزمان، وأنه عبر بهذا عن ظهور الخير، وأنه عبر بالدجال عن ظهور الشر، كل هذه أقوال فاسدة وباطلة، ويخشى على قائلها بالكفر بالله عز وجل، لأنهم كذبوا بأمر واضح، جاءت به السنة الصحيحة المتواترة، فلا يجوز الالتفات إلى ذلك، بل يجب الإيمان والقطع،(4/278)
لأن خروج الدجال حق في آخر الزمان، وهو كذاب من بني آدم يخرج في آخر الزمان، يدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، وهكذا ينزل عيسى في إثر ذلك، فيقتل هذا الدجال، لأنه إذا رأى عيسى تحير وتوقف، ويكون إمام المسلمين في زمانه، ويأخذ بشريعة الله، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده. ومعنى تركه الجزية هو أنه لا يقبلها من اليهود والنصارى، وهذا يدل على أن الجزية مؤقتة في شريعة محمد، يعني مؤقتا إلى نزول عيسى عليه السلام، فإذا نزل عيسى فلا تقبل، هذا شرع من شرع الله عز وجل، بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، بأن عيسى لا يقبلها، لأنه انتهى أمرها، وليس هناك حاجة إليها، بل يجب على من بلغ أن يسلم، ويترك التمرد عن الإسلام، والتشبث باليهودية والنصرانية، وعلى عيسى عليه السلام أن يقاتل من أبى ذلك حتى يدخل في دين الله.
ويظهر من هذا أن الخنزير من الحيوانات التي ينبغي إتلافها، لأنه من المحرمات في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن بقاءه وسيلة، لأن يأكله اليهود والنصارى أو غيرهم، وهو محرم بنص الكتاب العزيز، وقد يستفاد من هذا الحديث أنه يقتل بإتلافه وإزالته من الوجود، وإنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عيسى، ليشير على هذا المعنى ويفيده، ويحتمل أن يقال: إنه لا يقتل، إلا بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، لأنه ذكر في قصة عيسى ونزوله، فيكون قتله مؤجلا، كما أن وضع الجزية مؤجل إلى نزوله عليه الصلاة والسلام، هذا محل احتمال، ويحتاج إلى مزيد(4/279)
بحث وعناية من جهة الأدلة الشرعية، فإنه ليس كل ما حرم يقتل، الكلب محرم ولا يقتل، إلا إذا آذى بالعقر أو غيره، والهر محرم الأكل ومع هذا لا يقتل، إلا إذا آذى والحمر محرمة الأكل، ولا تقتل وهكذا الخنزير محرم الأكل، ولا يلزم من تحريمه أن يقتل، إلا إذا اعتمد على هذا الحديث، ولم يكن له معارض، وهو قتل عيسى للخنزير، هذا محل نظر ومحل احتمال ويحتاج إلى مزيد بحث.(4/280)
105 - البرهان على أن عيسى عليه السلام بشر من خلق الله
س: ما هو البرهان على أن عيسى عليه السلام، بشر من خلق الله؟ (1)
ج: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، كلها تدل على أن عيسى بشر، خلقه الله من مريم، بين الله جل وعلا خلقه من مريم، من أنثى بلا ذكر، فهو بشر من بني البشر، أمه مريم بنت عمران، وليس له أب، بل قال الله له: كن فكان، كما قال جل وعلا، في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (2) {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (3) {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (4) {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (5)
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم 217.
(2) سورة آل عمران الآية 33
(3) سورة آل عمران الآية 34
(4) سورة آل عمران الآية 35
(5) سورة آل عمران الآية 36(4/280)
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) فهي وذريتها من بني آدم، خلقها الله وخلق ابنها عيسى، ودعت ربها أمها: أن الله يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وأرسل الله الملك جبريل، فنفخ في جيب درع مريم وحملت بعيسى عليه الصلاة والسلام، كما قال جل وعلا: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (2) في آيات كثيرات في سورة مريم وغيرها بين فيها سبحانه أن الله جل وعلا يسر لها هذا الولد من دون زوج، ومن دون زنى، بل هي البتول العفيفة حملت به من أمر الله، وبالنفخة التي نفخها جبرائيل بأمر الله سبحانه وتعالى في فرجها، فصار ولدا سويا، ونبيا كريما بأمر الله عز وجل، فليس في هذا إشكال، وهذا قد أجمع عليه المسلمون أخذا من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهو بشر لأن أمه بشر، وهي من بنات آدم، وخلق منها من دون أب، قال الله له: كن فكان.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 37
(2) سورة التحريم الآية 12(4/281)
106 - بيان أن المسلمين يقاتلون اليهود في آخر الزمان وينصرون عليهم
س: قال صلى الله عليه وسلم: «يقاتلكم اليهود وتنصرون عليهم (1) » ، فالسائل: يتوقع إذا كان هذا الحديث صحيحا، فعهدنا الآن هو العهد الذي يتحدث عنه صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم؟ أرجو أن توضحوا لي هذا الحديث، لأنه دائما بيننا مشادة بالكلام عنه، وفقكم الله (2) .
ج: الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وغيرهما ولفظه: «يقاتل المسلمون اليهود، فينتصرون عليهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي تعال فاقتله (3) » أو قريب من هذا اللفظ، المقصود أنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المسلمين يقاتلون اليهود، وأنهم ينصرون عليهم، حتى إن الحجر والشجر، يقول للمسلم: يا عبد الله هذا يهودي تعال فاقتله، أما كون ذلك في وقتنا هذا فهو محل نظر فإن الذي يقاتلهم المسلمون، والمقاتلون الآن ليسوا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3593، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، برقم 2921.
(2) السؤال الثاني من الشريط رقم 41.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، برقم 2922.(4/282)
على المستوى الكامل، من جهة الإسلام فيهم المسلم وفيهم غير المسلم، وليس هناك تطبيق فيما بلغنا من المسلمين هناك للشريعة المطهرة كما ينبغي بل هناك العاصي، وهناك الكافر وهناك المسلم المستقيم، فالقتال الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يكون من المسلمين الملتزمين المستقيمين، فلهذا ينصرهم الله على اليهود، بسبب استقامتهم على دين الإسلام ونصرهم لدين الله، فيحتمل أن يكون هذا بعد وقت يتحسن فيه أحوال المسلمين، ويجتمعون على الحق والهدى، فينصرون عليهم، ويحتمل أن يكون هذا في وقت عيسى، كما هو معلوم فإنه وقت عيسى يقتل اليهود، وينصر الله عيسى والمسلمين عليهم، ويقتل الدجال هذا لا شك فيه، في وقت عيسى، لكن يحتمل أن يقع قبل عيسى، وأن المسلمين تتحسن أحوالهم، وتستقيم أمورهم على شريعة الله، ويقودهم أمير صالح، أو إمام صالح، يقودهم إلى الحق والهدى، ويستقيمون على شريعة الله، ثم يتوجهون لقتال اليهود، فينصرون عليهم، هذا كله محل احتمال، أما في وقت عيسى فلا شك فيه أنه يقتلهم وينصره الله عليهم، عليه السلام مع المسلمين عند قتله للدجال.(4/283)
باب ما جاء في المهدي المنتظر والمسيح الدجال(4/285)
باب ما جاء في المهدي المنتظر والمسيح الدجال
107 - الكلام على المهدي المنتظر
س: هل صحيح أن المهدي المنتظر سوف يظهر، أم أنها بدعة مع العلم أنه لا يوجد بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معجزات، أرشدونا جزاكم الله خيرا مع التحيات؟ (1)
ج: المهدي المنتظر صحيح، وسوف يقع في آخر الزمان، قرب خروج الدجال ونزول عيسى عند اختلاف بين الناس، عند موت خليفة فيخرج المهدي، ويبايع ويقيم العدل في الناس سبع سنوات أو تسع سنوات، وينزل في وقته عيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، هذا جاءت به أحاديث كثيرة، أما المهدي الذي يدعي الرافضة هذا لا أصل له، مهدي الشيعة صاحب السرداب هذا لا أصل له عند أهل العلم، بل هو خرافة لا أساس لها ولا صحة لها.
أما المهدي المنتظر الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، ومن
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 30.(4/287)
بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من أولاد فاطمة رضي الله عنها، وهو سمي النبي محمد وأبوه عبد الله فهذا حق وجاءت به الأحاديث الصحيحة، وسيقع في آخر الزمان، ويحصل بسبب خروجه وبيعته مصالح للمسلمين في إقامة العدل ونشر الشريعة، وإزالة الظلم عن الناس، وجاء في الأحاديث أن الأرض تملأ عدلا، بعدما ملئت جورا في زمانه وأنه يخرج عند وجود فتنة بين الناس واختلاف على أثر موت الخليفة القائم فيبايعه أهل الإيمان والعدل بما يظنه فيه من الخير والاستقامة وأنه من بيت النبوة.
س: ما رأي الشرع في ظهور المهدي المنتظر في نهاية الزمان؟ (1)
ج: المهدي جاءت به أحاديث كثيرة، وصنف فيه بعض العلماء مصنفات، وذكر أنها متواترة عن النبي عليه الصلاة والسلام وهي فيها الصحيح وفيها الحسن، وفيها الضعيف وفيها الموضوع، لكن الحجة في الأحاديث الصحيحة والحسنة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ما يدل على أنه يكون شخص يقال له: المهدي في آخر الزمان، يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، يعني محمد بن عبد الله، وهو من أهل بيته عليه الصلاة والسلام، فالصواب أنه سوف يكون وسوف يقع، قرب نزول المسيح ابن مريم، وجاء في بعض الروايات أنه يكون أميرا على الجيش الذي يدعو إلى الله ويملأ الأرض عدلا، عند نزول
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 154.(4/288)
المسيح عليه الصلاة والسلام، فهو رجل صالح من أهل البيت، يدعو إلى الله وينشر العدل، ويمنع الجور ويقيم شعائر الله في أرض الله، حتى ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام.
أما المهدي الذي تزعمه الرافضة فهو باطل ولا حقيقة له، بل هو سراب لا حقيقة له، وهو صاحب السرداب الذي يزعمون، هذا شيء باطل لا أساس له ولا حقيقة له، وإنما المهدي المنتظر شخص آخر غير مهدي الرافضة، وهو محمد بن عبد الله من آل البيت، وهو من ذرية فاطمة، كما صرح به في بعض الروايات، وهو يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، كما جاءت به الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم.(4/289)
108 - الكلام على خروج الدجال في آخر الزمان
س: حدثونا بحديث صحيح عن الدجال، ومن أين يأتي؟ وكم حكمه؟ (1)
ج: الدجال جاءت به أحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، وأنه يكون من جهة المشرق، من ناحية بين العراق والشام، وأنه يعيث في الأرض فسادا، ويطأ الأرض كلها، إلا مكة والمدينة، فإن
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 266.(4/289)
الله يحميهما منه، ثم ينتهي إلى الشام، إلى فلسطين إلى اليهود هناك، وينزل الله عيسى ابن مريم فيحصره هناك، ثم يقتله هناك غرب الأردن، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، ويقتله المسلمون معه، فإن عيسى عليه الصلاة والسلام يغزوه، ومعه المسلمون فيقتله بباب اللد، باب هناك في فلسطين، قرب القدس، يقتله بحربته كما جاء في الحديث الصحيح، والمسلمون معه يقتلون اليهود قتلة عظيمة، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلمين يقاتلون اليهود، فيقتلونهم، ويسلطون عليهم، ينادي الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي تعال فاقتله، فيقتل عيسى الدجال وينتهي أمره، ويبقى المسلمون مع عيسى في أرغد عيش وأطيب نعمة، ويهلك الله الأديان كلها في زمان عيسى، ولا يبقى إلا الإسلام والحمد لله، ثم يميت الله عيسى، كما توفي من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو حين ينزل من السماء يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا بشريعة الإنجيل، بل هو كأحد أمته، لكنه أفضلها، نبي من الأنبياء ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، لا بشريعة التوراة والإنجيل، ولهذا جاء في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: «ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا (1) » ، يعني: يؤمكم بكتاب الله وبسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا، برقم 155.(4/290)
109 - الكلام على فتنة المسيح الدجال
س: الأخ: ق. ش. ح. من الجمهورية العربية السورية، يقول: إن بعض العلماء عندنا في سوريا يدعون أحيانا، ويقولون: اللهم أجرنا من فتنة المسيح الدجال، والذي نفهمه أن المسيح هو عيسى ابن مريم، فوجهونا حول الصحيح، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: كلاهما يقال له مسيح، فالدجال مسيح، وعيسى ابن مريم مسيح، المسيح الدجال مسيح ضلالة، ومن دعاة الفتنة والشر والفساد في آخر الزمان، يخرج على الناس من جهة الشرق، ويدعي أنه نبي، ثم يدعي أنه رب العالمين، ومعه بعض الخوارق، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنته، وشرع لنا أن نستعيذ من فتنته في آخر كل صلاة، وفي دعائنا، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أعظم من الدجال (2) » وفي لفظ: «أمر أعظم من أمر الدجال (3) » ، فالدجال له فتنة عظيمة، وهو أعور العين اليمنى مكتوب بين عينيه كافر، فالمشروع للمؤمن سؤال الله العافية من فتنته في صلاته، كما شرع الله لنا ذلك، يجب على المؤمنين والمؤمنات أن يعرفوا الفرق بين هذا وهذا، فالدجال مسيح ضلالة،
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المدنيين، حديث هشام بن عامر الأنصاري رضي الله تعالى عنه، برقم 27770.
(3) أحمد (4/20) .(4/291)
ومن دعاة الباطل والشر والكفر والضلال، يدعو الناس إلى أنه رب العالمين.
فالواجب على من أدركه أن ينكره وأن يكذبه، وأن يبتعد عن فتنته، ويسأل ربه العافية، وأما المسيح ابن مريم فهو عبد الله ورسوله، أرسله الله إلى بني إسرائيل، وأنزل عليه كتابا عظيما وهو الإنجيل، يدعوهم إلى توحيد الله، وإلى اتباع التوراة وما فيها، والمسيح عيسى خلقه الله من أنثى بلا ذكر، من مريم الصديقة رضي الله عنها، قال الله له: (كن فكان) فليس له أب، بل خلقه الله بقدرته العظيمة، أرسل جبرائيل إلى مريم فنفخ فيها، فحملت بإذن الله، وهو عبد الله ورسوله، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، ليس بعده إلا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فنبينا هو خاتم الأنبياء، وعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، هو آخرهم، ثم بعث الله بعده نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من العرب، هو خاتم الأنبياء جميعا ليس بعده نبي، وينزل عيسى في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويقتل الدجال، يلتقي به في فلسطين ويقتله، ومعه المسلمون، مع عيسى المسلمون، ثم يموت عيسى عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل في قصة عيسى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (1) يعني في آخر الزمان عند نزوله، قال قبل ذلك: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (2) .
__________
(1) سورة النساء الآية 159
(2) سورة النساء الآية 157(4/292)
فالمؤمن يؤمن بأن عيسى ابن مريم هو رسول الله وعبد الله ورسوله، ويصدق برسالته عليه الصلاة والسلام، وأنه سوف ينزل في آخر الزمان، وسوف يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وسوف يقتل الله على يديه الدجال، ويعيش الناس في زمانه عيشة عظيمة في غاية من الاستقامة على الهدى، ويعم التوحيد والإسلام الأرض، ثم يموت كما مات غيره من الأنبياء والأخيار، وهو يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام لا بشريعة الإنجيل ولا التوراة، والله المستعان.(4/293)
110 - بيان أن المسيح الدجال من بني آدم
س: الأخت: ع. ع. د. أ. من الرياض، تسأل عن المسيح الدجال، عندما يظهر في آخر الزمان، هل هو يتكلم؟ وإذا كان يتكلم فبأي لغة؟ أفيدونا أفادكم الله (1) .
ج: نعم، يكون في آخر الزمان، هو من بني آدم، ويتكلم اللغة العربية على ظاهر الأحاديث الواردة في حقه، أنه يتكلم بالعربية، ومعه خوارق تفتن الناس، معه نهر، يزعم أنه النار، ومعه نهر آخر يزعم أنه الجنة، ويجري على يديه خوارق كثيرة، ابتلاء وامتحان، ولهذا شرع الله لنا أن نتعوذ من فتنته في آخر كل صلاة، شرع لنا أن نقول: أعوذ
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 197.(4/293)
بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وهو أعور، أعور العين اليمنى، مكتوب بين عينيه كلمة كافر، يقرؤها كل مؤمن، يكرهه كل مؤمن، يكره المقالة، يقرؤها سواء كان عاميا أو قارئا، وهذا من رحمة الله أن جعل علامة يعرفها المؤمن، حتى لا يخدع به، «يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال (1) » فتنة عظيمة، فالواجب على من أدركه أن يحذره، وألا يغتر به، وأن يكذبه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال، برقم 2946.(4/294)
باب ما جاء في الإيمان باليوم الآخر(4/295)
باب ما جاء في الإيمان باليوم الآخر
111 - سبل تقوية الإيمان باليوم الآخر
س: ما هو السبيل إلى تقوية الإيمان بالله واليوم الآخر؟ (1)
ج: هذا سؤال مهم وجدير بالعناية، وهو ما هو السبيل إلى تقوية الإيمان بالله واليوم الآخر، السبيل إلى ذلك من جهات كثيرة، أولا: من جهة تدبر القرآن الكريم والعناية بقراءته والإكثار من ذلك، لما فيه من القصص العظيمة حول الآخرة والجنة والنار، وعن أسماء الله وصفاته، وعن أحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام وأممهم، فمن تدبر القرآن قوي إيمانه واستقام له دينه إذا وفقه الله، فالنصيحة لكل مؤمن ولكل مؤمنة العناية بالقرآن من الإكثار من تلاوته ومن تدبر معانيه والإقبال على ذلك بنية صالحة وقصد صالح، بقصد العلم بالله وقوة الإيمان بالله، ولقصد الإيمان بالآخرة وقوة ذلك، ولقصد العمل بما يرضي الله ويقرب لديه وينفع في الآخرة، هو من أسباب النجاة والسعادة في الآخرة، ومن أسباب ذلك العناية بالأحاديث، وأخلاق
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 304.(4/297)
النبي صلى الله عليه وسلم، وأخلاق الصحابة والأخيار، وسماع الأحاديث. . تسمع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأعماله، وأعمال الصحابة، ونشاطهم في الخير، وحبهم لله عز وجل حتى يتأسى الإنسان بهم، يتأسى بالأخيار، يعمل بأعمالهم ويجتهد في ذلك، ومن أسباب تقوية الإيمان أيضا، أن يحاسب نفسه ويتذكر الموت الذي يأتي بغتة، ماذا عمل؟ ماذا قدم لآخرته؟ حتى يعد العدة قبل أن يهجم عليه الأجل، فإن محاسبة النفس والنظر فيما أعده العبد للآخرة مما يقوي الإيمان، ومما يعينه على طاعة الله ورسوله، ومما يعينه على المبادرة بالتوبة إلى الله، من سيئات أعماله وتقصيره، كل هذا من أسباب تقوية الإيمان، ومن أسباب ذكر الآخرة والاستعداد لها، وهنالك أمر رابع أيضا، وهو صحبة الأخيار، أن يصحبهم ويجالسهم ويستفيد من أخلاقهم وعلمهم، الذين يذكرونه بالآخرة ويعينونه على ذلك، وهكذا أيضا أمر خامس، حضور حلقات العلم يلتمسها ويحضرها ويستفيد منها، وكذلك يقبل عند سماع الخطب - خطب الجمعة - وغيرها من الخطب النافعة، من إذاعة القرآن، يستمع إلى القرآن الكريم، ويستمع إلى الندوات والمواعظ المفيدة حتى يستفيد من ذلك، وحتى يرق قلبه ويقوى إيمانه، وفق الله الجميع للعمل الصالح.(4/298)
س: في الحياة الدنيا يختلف الناس في مراتب الإيمان بالله، فمنهم من إيمانه قوي، ومنهم من إيمانه متوسط، ومنهم من إيمانه ضعيف، هل يتساوى هؤلاء الناس في نعيم الجنة في الآخرة؟ (1)
ج: لا يتساوون، كما أنهم لم يتساووا في الدنيا في إيمانهم وأعمالهم، فهكذا في الجنة، وهكذا أهل النار لا يتساوون، أهل النار على حسب أعمالهم، وأهل الجنة على حسب أعمالهم.
س: هل هذا الحديث صحيح: من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، ليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت؟ وما معنى هذا الحديث؟ (2)
ج: جاء في هذا عدة أحاديث، مجموعها حسن، يستحب بعد الصلاة، بعد التسبيح والتهليل قراءة آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (3) ويرجى له بذلك دخول الجنة إذا استقام، إذا استقام على دينه، وحافظ على دينه، يرجى له دخول الجنة؛ «لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 182.
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 403.
(3) سورة البقرة الآية 255(4/299)
والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن، ما لم تؤت الكبائر (1) » ، وفي اللفظ الآخر: «إذا اجتنب الكبائر (2) » فإذا حافظ على ما أوجب الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، وقرأ آية الكرسي، كل هذا من أسباب دخول الجنة، إذا قرأها بعد كل صلاة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233.(4/300)
112 - وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه
س: إنني مؤمن بالله وأصدق بما جاء في الكتاب العزيز، ولكن الذي يثير الشك عندي هو إحياء الميت في القبر، سؤال هل هي نفس حياته الأولى، وكم حاسة ترجع إليه، وإلى متى تبقى حياته في القبر، وإذا كان الميت تسأل جثته، فما مصير الذين يحرقون مثل الهنود والبوذيين وغيرهم، وأين يتم سؤالهم؟ إن الطبيب يا سماحة الشيخ، عندما يجري العملية يبعد حواس الإنسان عنه بمخدر، أما هذا الموت فإنني لا زلت أتساءل، وأبدي لكم أني غير(4/300)
ساخر، لكنني في حيرة، وأرجو الإيضاح عبر هذا البرنامج المفيد، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: أولا ينبغي أن يعلم أن الواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة التصديق بما أخبر الله به في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، في جميع الأمور، فيما يتعلق بالآخرة والحساب والجزاء، والجنة والنار، وفيما يتعلق بالموت، والقبر وعذابه ونعيمه، وعلى المؤمن أن يصدق بما أخبر الله به ورسوله، وما جاء بالقرآن العظيم، وما صحت به السنة، فعلينا الإيمان والتسليم والتصديق، لأننا نعلم أن ربنا هو الصادق في قوله، قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (2) {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (3) ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أصدق الناس وأنه كما قال الله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (4) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5) فما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة وجب التصديق به، وإن لم نعرف كنهه، وإن لم نعرف حقيقته، نصدق بما أخبر به من أمر الآخرة، أمر الجنة، أمر النار، عذاب أهل النار، نعيم أهل الجنة، كون العبد في قبره يعذب أو ينعم، ترد إليه روحه ويسأل كل هذا حق، جاءت به النصوص والأحاديث
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 78.
(2) سورة النساء الآية 122
(3) سورة النساء الآية 87
(4) سورة النجم الآية 3
(5) سورة النجم الآية 4(4/301)
الصحيحة، فعلى العبد أن يسلم ويصدق، بكل ما علمه من القرآن العظيم، أو بما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليه علماء الإسلام، ثم إذا من الله على المؤمن والمؤمنة بالعلم، والحكم، والأسرار، فهذا خير إلى خير، ونور إلى نور، وعلم إلى علم، فليحمد الله وليشكره على ما أعطاه من البصيرة في الحكم والأسرار التي من الله عليه بها، حتى زاد علمه وحتى زادت طمأنينته، أما ما يتعلق عن حال القبر، وعن حال الميت فإن السؤال حق، فإن الميت ترد إليه روحه إذا مات، فقد صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترد إليه روحه فيسأل في قبره، على كيفية الله أعلم بها، حياة غير حياته الدنيوية، حياة خاصة برزخية ليست من جنس حياته في الدنيا، التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب، ونحو ذلك، لا، بل حياة خاصة يعقل معها السؤال والجواب، ثم ترجع روحه بعد ذلك إلى عليين، إن كان من أهل الإيمان إلى الجنة، وإن كان من أهل النار إلى النار، لكنها تعاد إليه وقت السؤال والجواب، فيسأله الملكان: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، هكذا المؤمن والمؤمنة، ويقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ يعني محمدا، يقول: هو رسول الله جاء بالهدى فآمنا به، وصدقناه، واتبعناه، فيقال له: نم صالحا قد علمنا إن كنت لمؤمنا، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، ويقال له: هذا مكانك من الجنة، حتى يبعثك الله إليه، ويفتح له باب إلى النار، فيرى مقعده من النار، والله(4/302)
على كل شيء قدير، هذه أمور عظيمة غيبية، فيرى مقعده فيقال له: هذا مكانك لو كفرت بالله، أما الآن فقد عافاك الله منه، وصرت إلى الجنة، وهكذا يقال للكافر، إذا سئل قال الكافر: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة - يعني: مطرقة - من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء، إلا الثقلين الإنس والجن، تسمعها البهائم، ويقال له: قد علمنا أنك غير مؤمن، وعلى هذا عشت، وعليه مت، فيفتح له باب إلى النار، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف عليه أضلاعه، ويكون قبره عليه حفرة من حفر النار، نعوذ بالله، ويفتح باب إلى النار فيأتيه من سمومها وعذابها، ويقال: هكذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيرى مقعده من الجنة، لو هداه الله، ولكن الله صرفه عنه لما كفر بالله، وربك أحكم وأعلم سبحانه وتعالى، فالقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، والعذاب والنعيم للروح والجسد جميعا في القبر للروح والجسد، وهكذا في الآخرة في الجنة بالروح والجسد، في النار بالروح والجسد، أما من مات بالغرق ومن مات بالحرق ومن مات بأكل السباع، فإن الروح يأتيها نصيبها من العذاب والنعيم، والتي جسدها في البحر أو بالحرق، أو في بطون السباع يأتيه نصيبه من ذلك، على الوجه الذي يعلمه الله سبحانه وتعالى، لكن المعظم والمهم على الروح، التي تبقى، فهي إما منعمة وإما معذبة، فإذا أكلته السباع ذهبت روحه إلى مكانها من خير وشر، وهكذا من أحرقته النار، أو سقط في البحار،(4/303)
وأكلته حيتان البحر، أو غير ذلك، الأرواح تذهب إلى مكانها، المؤمن تذهب روحه إلى الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن روح المؤمن طائر معلق في شجر الجنة، يأكل من ثمارها (1) » والكافر تذهب روحه إلى النار، وإلى ما شاء الله من عذاب الله، وإن ذهب جسده بالحرق أو بالسباع، أو بغير ذلك، فينبغي لك أيها السائل، أيها المؤمن، أيتها المؤمنة، أن تطمئن قلوبكم إلى ما قال الله ورسوله، وأن كون الإنسان يحرق، أو تأكله السباع، أو يذهب في البحار، أو غير ذلك، كل هذا لا يمنع من العذاب والنعيم، فالنعيم والعذاب يصل إليه، كما يشاء الله سبحانه وتعالى، ومعظمه في القبر على الروح نعيما أو شرا، وينال الجسد نصيبه من ذلك، وعند بعثه ونشوره يجمع الله له ما وعده به، من خير وشر لروحه وجسده، فالروح والجسد يوم القيامة، منعمان أو معذبان جميعا، إما في النار وهم الكفار، وإما في الجنة وهم أهل الإيمان، أما العصاة فلهم نصيبهم بين هؤلاء وهؤلاء، إن عفا الله عنهم لحقوا بأهل الإيمان، وصاروا إلى الجنة والكرامة، وسلموا من عذاب القبر، وعذاب النار، وإن لم يعف عنهم بسبب معاصيهم، من الزنى، أو شرب الخمر، أو عقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم، أو أكل الربا، أو غير هذا، إذا لم يعف عنهم نالهم نصيبهم من عذاب القبر، على قدرهم لكنهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب أرواح الشهداء في الجنة بلفظ: '' أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ''، برقم 1887.(4/304)
دون الكفار، أقل من الكفار، ويوم القيامة يدخلهم الله النار، ويعذبون على قدر معاصيهم، إذا لم يعف عنهم، فإذا طهروا في النار وخلصوا من خبث معاصيهم، أخرجهم الله من النار إلى الجنة، بفضل رحمته سبحانه وتعالى، وقد يخرجون بشفاعة الشفعاء، كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين والأفراط، ويبقى في النار من العصاة من شاء الله، فيدخلهم الله برحمته بغير شفاعة أحد، بل لمجرد فضله ورحمته جل وعلا؛ لأنهم ماتوا على التوحيد، فيخرجهم الله من النار بعدما يجازون، إذا لم يعف عنهم قبل ذلك، ولا يبقى في النار إلا الكفرة مخلدين فيها أبد الآباد، يبقى الكفار مخلدين في النار أبد الآباد، أما العصاة الذين ماتوا على المعاصي لم يتوبوا فهم تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنهم بأعمالهم الطيبة وتوحيدهم، وإن شاء عاقبهم وعذبهم في القبر وفي النار على قدر معاصيهم، ولكنهم لا يخلدون خلودا دائما أبدا، لا، بل يقيمون في النار إذا دخلوها مددا متفاوتة، على حسب أعمالهم السيئة، فإذا انتهت عقوبتهم أخرجهم الله من النار إلى الجنة، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، خلافا للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة يقولون: العصاة إذا دخلوا النار لا يخرجون أبدا، كالكفار، وهذا قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم بإحسان، أن العصاة إذا لم يعف عنهم ودخلوا النار لا يخلدون، بل يعذبون عذابا متفاوتا على قدر معاصيهم، مددا يشاؤها الله سبحانه وتعالى ويعلمها،(4/305)
فإذا انتهت المدة التي قدرها الله لهم أخرجوا من النار وصاروا إلى نهر يقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في مجرى السيل، فإذا تم خلقهم أذن لهم بدخول الجنة، فضلا منه سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية والعلم النافع.
وكل ما عرض للإنسان من شكوك وأوهام، يعرضها على الكتاب والسنة، حتى تزيل ذلك، فما في الكتاب والسنة من المعين الصافي، هو الذي يزيل الشكوك والأوهام، ويجعل المؤمن في راحة وطمأنينة، مرتاحا لما قاله الله ورسوله، وإن كان لا يفهم ذلك، أو لم يعرف الحكمة في ذلك، فالله أحكم وأعلم: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (1) لا يعذب إلا لحكمة، ولا ينعم إلا لحكمة، ولا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، هو الحكيم العليم في كل شيء سبحانه وتعالى.
وكل هذه الأشياء التي حدثت في الوقت الحاضر، فيها عبرة، فبعض الناس كانوا يتساءلون، ويقولون: كيف ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب الجنة في أعلى عليين، وأصحاب النار في أسفل سافلين، بينهم التباعد العظيم، فأراهم الله هذه العجائب، هذا المذياع الذي من أقصى الدنيا، إلى أقصى الدنيا، يسمعون منه الأخبار ويريهم الله منه العبرة، وهذا الهاتف التليفون يتخاطبون به، من بعد إلى بعد، هذه آية وعبرة تدلهم على صحة ما أخبر به الرسل، من كون أهل
__________
(1) سورة الأنعام الآية 83(4/306)
الجنة ينادون أهل النار، ويسمعون عواءهم وشرهم، إذا أرادوا ذلك، كل هذا من آيات الله، وكذلك رؤيته في التلفاز وغيره، فأهل الجنة يرون أهل النار: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} (1) مع البعد العظيم، الله أقدره أن يرى أهل النار، هذه من آيات الله، كما أنه يرى الإنسان، يتكلم من محل بعيد، تنقله الأقمار الصناعية في مكان آخر، هذه آيات من آيات الله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (2) وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، وبكل شيء عليم سبحانه وتعالى، يري عباده العبر ويوضح لهم الآيات، لعلهم يعقلون، ولعلهم يفهمون، لإقامة الحجة، وهذه الأشياء تقرب وتعين على فهم الكتاب والسنة فيما أشكل من هذه الأمور.
__________
(1) سورة الصافات الآية 55
(2) سورة فصلت الآية 53(4/307)
113 - بيان أن العالم الأخروي عالم مادي إلا أنه لا ندرك كنهه في الدنيا
س: من المعروف أن معنى المادة، هو كل شيء يشغل حيزا من الفراغ، وله كتلة، وتوجد بثلاث حالات: وهي الحالة الصلبة، والحالة السائلة، والحالة الغازية، ومن المعروف أيضا وعلى ما أعتقد، أن هناك صورتين للوجود فقط، وهي(4/307)
الصورة المادية والصورة الروحانية، أي الروح، وهذا العالم، عالم الدنيا الذي نعيش فيه، هو عالم مادي ملموس؛ لأن كل شيء فيه يرى ويلمس، أو تتحسس به كالهواء مثلا، والسؤال هو: هل عالم الآخرة عالم مادي أم عالم روحاني أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: العالم الأخروي عالم مادي، لكننا لم نصل إليه الآن، وإنما نصل إليه بعد البعث والنشور، ولكنا علمناه بالأدلة القاطعة، التي لا ريب فيها ولا شك فيها، بطريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن طريق الفطرة التي فطر الله عليها الناس، ومن طريق ما جاءت به الرسل من الكتب، وأعظمها وأرفعها شأنا القرآن الكريم، فقد تواترت الأدلة النقلية والعقلية، التي فطر الله عليها العباد: على الإيمان بالآخرة والجنة والنار، وأنها حق وأنها كائنة، وأن أهل الجنة ينعمون بنعم محسوسة، يأكلون ويشربون ويتمتعون بالزوجات، من الحور العين وغيرهن، ويتمتعون بما هناك من أنواع النعيم، كما أن أهل النار يتألمون بما أعد الله لهم من العذاب، ويذوقون مسه وشره وبلاءه، كل هذا أمر معلوم مقطوع به، بالأدلة القطعية التي لا ريب فيها ولا شك، ومن كذبها فهو كافر، حلال الدم والمال مأواه النار وبئس المصير، نعوذ بالله من ذلك.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 132.(4/308)
114 - بيان أن كل مخلوق له أجل محدود لا يعلمه إلا الله
س: هل الأجل مكتوب عند مرحلة معينة للإنسان؟ (1)
ج: الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الآجال، وقتها جل وعلا، وليس له حد محدود بالنسبة للمخلوق، ولكنه له حد عند الله، كل واحد له أجل محدود، متى وصل إليه انتهى، لكن المخلوق لا يعرف هذا، هو ليس له حد محدود بالنسبة للإنسان، قد يبلغ المائة، وقد يكون أقل، وقد يكون أكثر، فهذا الشيء إلى الله جل وعلا، البشر لهم آجال ضربها سبحانه وتعالى إلى أجل مسمى، ثم إذا جاء الأجل انتهى، {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (2) {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (3) المقصود أن الآجال لها حدود، عند الله عز وجل، والمخلوق لا يعرفه.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 277.
(2) سورة المنافقون الآية 11
(3) سورة الأعراف الآية 34(4/309)
س: عندما يقترب الأجل هل يشعر الإنسان أم يفاجأ به عندما يحضره الموت؟ (1)
ج: الإنسان لا يعلم الغيب، ولا يشعر بالأجل، لكن قد يعرف الأمارات إذا رأى المرض الشديد، أو الجرح الشديد، قد يحس بأن هذا في الغالب سوف يقضي عليه، يحصل بعده الموت، وإلا فالعلم عند الله عز وجل، لكن الإنسان على حسب حال المرض، قد يظن الموت من أمراض ظاهرة خطيرة، وقد يظن الموت من شيء ولا يحصل الموت، يبلغه الله العافية، سبحانه وتعالى، فالأمر بيده جل وعلا، هو الذي عنده علم الغيب سبحانه وتعالى، لكن الأمراض تختلف، والجروح تختلف، فقد يكون المرض خطيرا والجرح خطيرا، ويظن أن يموت به الإنسان، وقد يبطل الظن ولا يموت الإنسان بذلك.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم 277.(4/310)
115 - بيان أن روح المؤمن ترفع إلى الجنة
س: الأخ: ع. م. من مدينة الطائف، يسأل ويقول: عند موت المسلم تنتزع الروح، فأين تذهب؟ (1)
ج: روح المؤمن ترفع إلى الجنة، ثم ترفع إلى الله سبحانه
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 254.(4/310)
وتعالى، ثم ترد إلى جسدها للسؤال، ثم بعد ذلك جاء الحديث أنها تكون في الجنة طائرا يعلو فوق شجر الجنة، روح المؤمن، ويردها الله إلى جسدها إذا شاء سبحانه وتعالى، أما روح الكافر فتغلق عنها أبواب السماء، وتطرح طرحا إلى الأرض، وترجع إلى جسدها للسؤال، وتعذب في قبرها مع الجسد، نسأل الله العافية.
أما روح المؤمن فإنها تنعم في الجنة، وترجع إلى جسدها إذا شاء الله، وترجع إليه في أول ما يوضع في القبر، حتى يسأل، كما جاءت في ذلك الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمن إذا خرجت روحه يخرج منها كأطيب ريح، يحسها الملائكة، ويقولون: ما هذه الروح الطيبة؟ ثم تفتح لها أبواب السماء، حتى تصل إلى الله، فيقول الله لها: ردوها إلى عبدي: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (1) فتعاد روحه إلى جسده ليسأل، ثم جاءت الأحاديث بأن هذه الروح تكون في الجنة بشبه طائر، في صورة طائر، تعلو في أسفل الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف الطيور الخضر، أما أرواح المؤمنين فهي نفسها تكون طائرا، كما روى ذلك أحمد وغيره بإسناد صحيح عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة طه الآية 55(4/311)
116 - بيان المقصود بالبرزخ
س: يقول السائل: قرأت وسمعت عن البرزخ، عرفوه لنا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: البرزخ هو ما بين وضع الإنسان في قبره إلى قيام الساعة هذا هو البرزخ، فالذين وضعوا في قبورهم في عهد آدم وبعده هم في البرزخ إلى الآن إلى يوم القيامة، وهكذا من بعدهم، وهكذا في يومنا من مات الآن صار إلى البرزخ، ويستمر في ذلك إلى أن تقوم الساعة، فالبرزخ ما بين موتك وما بين قيام الساعة، وهكذا ما بين موت الناس، إذا قامت القيامة ومات الناس، هم في برزخ حتى يبعثوا، فإذا بعثوا انتهوا من البرزخ، وتوجهوا للحساب.
س: يقول السائل: هل هناك تعارف بين الذين في البرزخ من أهل النعيم وأهل الجحيم؟ (2)
ج: لا أعلم أن هناك تعارفا بينهم في البرزخ، ولا يحضرني شيء في هذا المعنى.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 236.
(2) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 245.(4/312)
س: يقول هذا السائل: القبر أول منازل الآخرة، وفيه يكون السؤال لابن آدم عن ربه ودينه، والرجل الذي بعث إليهم، وبعد السؤال يقال للعبد إن كان من أهل الجنة: انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدا في الجنة، وإن كان من أهل النار يقال له عكس ذلك، وعليه يكون العبد قد علم هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار، لكن سماحة الشيخ: الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي تتناول يوم القيامة، بما فيها من بعث، واستلام للصحائف، والحساب، والميزان، والصراط كلها تبين بأن ابن آدم لا يعلم هذا المكان، من الجنة أو من النار، إلا بعد المرور على الصراط، نرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا ذلك مأجورين (1) .
ج: لا منافاة في هذا كله، المؤمن يرى مقعده من الجنة، حتى يستبشر بذلك، ويجيئه من طيبها وريحها، ويرى مقعده من النار التي عافاه الله منها، حتى يسر بذلك، وهذا للمؤمن في قبره، وفي الآخرة يرى حسابه، ويعطى كتابه بيمينه، إن صار إلى منزله في الجنة، والحمد لله، لا منافاة يبشر به في القبر، ويوم القيامة يرشده الله إلى منزله في الجنة، بعد انتهاء الحساب، وبعد تجاوز الصراط، الله يرشده حتى
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 401.(4/313)
يصل إلى منزله في الجنة، هو أدل عليه من منزله في الدنيا، وهذا من رحمة الله وتيسيره جل وعلا، ولا منافاة هو يعلم بمنزله في الجنة بإخبار الملائكة له، وهكذا ما وقاه الله من النار، ولكن بعد الصراط، وبعد الحساب والجزاء، يرشده الله إلى منزله في الجنة.(4/314)
117 - بيان أن عذاب القبر حق
س: يقول: يوجد أناس لا يصدقون بعذاب القبر، وذلك لأنه لم يذكر في القرآن الكريم، فوجهونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عذاب القبر حق، فقد تواترت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه المسلمون، ودل عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (2) هذا معناه في البرزخ {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (3) ، وقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (4) هذا في البرزخ، نسأل الله العافية.
فالمقصود أن من أنكر عذاب القبر يستتاب، وإن تاب وإلا قتل كافرا، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 355.
(2) سورة غافر الآية 46
(3) سورة غافر الآية 46
(4) سورة غافر الآية 46(4/314)
س: نلاحظ في رسالة أخينا السائل أنه يكثر من قوله: إنه لم يرد في القرآن شيء عما يسأل عنه. . هل من تعليق عن هذا؟ جزاكم الله خيرا.
ج: نعم، هذا قول طائفة من الناس ترى أنه لا يحتج بالسنة، وإنما يحتج بالقرآن فقط، وأن السنة فيها الضعيف وفيها الصحيح، وأنها عندهم ملتبسة فلا يحتج بها، وهذا معناه عصيان قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1) ومعناه أطيعوا الله فقط، ولا تطيعوا الرسول، السنة هي أمر الرسول ونهيه عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2) ويقول جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) «ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إني أوتيت القرآن ومثله معه (4) » فهذه الطائفة التي ترى أن السنة لا يحتج بها جميعها طائفة كافرة وضالة.
فالواجب على من يعرفهم أن يهجرهم، وأن يعرفهم أنهم على باطل، وأنهم كفار بهذا العمل بإنكارهم السنة، يكفرون ويخرجون من دائرة الإسلام، بل يجب على كل مسلم أن يقبل السنة، وأن يعمل بما
__________
(1) سورة المائدة الآية 92
(2) سورة النور الآية 63
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث المقدام بن معدي كرب، برقم 16722.(4/315)
صح منها، وأن يحذر إنكارها، فإنكارها بالكلية، وألا يحتج إلا بالقرآن، فهذا من أبطل الباطل، وأعظم الكفر نسأل الله العافية.(4/316)
118 - بيان أن الإنسان يمتحن في قبره
س: عندما يموت الإنسان وعند دفنه هل يعذب مدى موته حتى يوم القيامة، وذلك إذا كان مسيئا فعلا وقولا وعملا، أم لفترة حسب الأعمال، أو حسب أعماله؟ نرجو منكم التوجيه، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الحمد لله، أما بعد: فقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن العبد إذا وضع في قبره أتاه الملكان يسألانه، عن ربه ودينه ونبيه، فإن ثبته الله وأجاب الجواب الصحيح فتح له باب إلى الجنة، يأتيه من نعيمها وطيبها، ويفتح له باب إلى النار، يقال: هذا مقعدك لو كفرت بالله، قد أبدلك الله به هذا المقعد من الجنة، يراهما جميعا، والكافر بعكس ذلك، يفتح له باب إلى النار يأتيه من عذابها وشرها وسمومها، وباب إلى الجنة يقال له: هذا مقعدك لو هداك الله، ولكنك كفرت بالله فحرمت هذا المقعد، فظاهر السنة والكتاب أن المهتدي ينعم والكافر يعذب، لكن كيف يعذب؟ كيف يستمر العذاب؟
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 358.(4/316)
هذا إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا كيفية النعيم إلى الله، ليس عند المؤمن إلا ما جاءت به الأحاديث، يؤمن بما جاءت به الأحاديث، أما كيفية النعيم واستمراره وكيفية العذاب واستمراره هذا إلى الله سبحانه، يقول الله في حال فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (1) دلت الآية على أنهم يعرضون غدوا وعشيا ليس دائما، فالمقصود أن التعذيب والنعيم هذا يرجع إلى الله في التفصيل والكيفية إليه سبحانه وتعالى، لكن نعلم أن المؤمن منعم في قبره، والكافر معذب في قبره، وكيف النعيم وكيف العذاب هذا إلى الله سبحانه وتعالى، ليس عندنا إلا ما جاء به النص أنه يفتح باب إلى الجنة للمؤمن يأتيه من نعيمها وطيبها، والكافر يفتح له باب إلى النار، نسأل الله العافية.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على قبرين قال: إنهما ليعذبان، ثم قال:، وما يعذبان في كبير، ثم قال:، بلى، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول - يعني لا يتنزه من البول - وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (2) » وأخبر أنهما يعذبان في هذين الأمرين، أما كيفية العذاب فلم يبين لنا، أما العاصي فهو ذو الشائبتين ليس في السنة وكتاب الله ما يوضح فيما
__________
(1) سورة غافر الآية 46
(2) أخرجه البخاري كتاب الوضوء، باب من الكبائر ألا يستتر من بوله، برقم 216، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 703.(4/317)
نعلم كيفية نعيمه ولا كيفية عذابه، هو على خطر، الذي يموت على معاص لم يتب منها؛ كالزنى أو الخمر أو العقوق هو على خطر من العذاب، لكن لا يعلم كيفية ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، لكن ليس من جنس الكافر، وليس من جنس المؤمن السليم، بل هو بينهما، وفي الآخرة كذلك، قد يعذب وقد يعفو الله عنه ويدخل الجنة، قد يدخل النار لكن لا يخلد فيها، يعذب بقدر معاصيه، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة، فحاله بين حالين هو الظالم لنفسه، لكن مصيره إلى الجنة، منتهاه إلى الجنة والسلامة.
س: هل الذي ينعم في قبره يستمر نعيمه إلى دخول الجنة، أم أنه من الممكن أن يعذب يوم القيامة؟ (1)
ج: قد ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدالة على أن الميت يمتحن في قبره، فيسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، فإن نجح وأجاب جوابا صحيحا فتح فتح له باب إلى الجنة، يأتيه من نعيمها وريحها وطيبها، وصار قبره روضة عليه من رياض الجنة، ويستمر هذا النعيم إلى أن يبعث يوم القيامة، ثم من قبره إلى الجنة، أما إذا لم ينجح في الاختبار، كالذي يقول: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت، فهذا يعذب في قبره والعياذ بالله، ثم بعد ذلك فهو تحت
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 414.(4/318)
مشيئة الله، إن كان من أهل المعاصي فتحت مشيئة الله، وإن كان من أهل الكفر بالله نقل إلى النار، نسأل الله العافية، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) .
__________
(1) سورة النساء الآية 48(4/319)
119 - بيان أن النعيم والعذاب على الروح والجسد جميعا
س: السائل: م. ن، يقول في سؤاله: ما الفرق بين الروح والنفس؟ وأيهما تتعذب الروح أم النفس؟ أفيدونا مأجورين (1) .
ج: الروح هي النفس، والنفس هي الروح، والعذاب على النفس والجسد جميعا، لكن نصيب الروح أكثر من النعيم والعذاب، وإلا فالجسد يناله نصيبه من العذاب في القبر، وهكذا بعدما تعاد الروح إلى الجسد، يكون لهما الجميع العذاب ويكون لهما النعيم.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم 403.(4/319)
س: يقول هذا السائل من اليمن: البعض من الناس قد يموتون بسبب تهدم عمارة عليهم، وبالتالي يصعب نقلهم ودفنهم في قبور المسلمين، فهل يعذب هؤلاء بعذاب القبر وهم في أماكنهم أم ماذا؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: كل ميت يمتحن في أي مكان في البر أو البحر، أو في هدم أو في غيره، يأتيه الملك فيمتحنه، فإن كان سعيدا حصل له النعيم ونقلت روحه إلى الجنة، وإن كان شقيا حصل له العذاب، وصارت روحه إلى النار، نسأل الله العافية، فالمؤمن على خير مهما كان في هدم، أو في بحر، أو في أي مكان، على خير عظيم، ويصل إليه النعيم في محله، وروحه تنقل إلى دار الكرامة في الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن أرواح المؤمنين طائر يسيح في الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، والمؤمن يرى مقعده من الجنة ومقعده من النار، فيقال: هذا مقعدك من الجنة، ويأتيه من ريحها ونعيمها، وهذا مقعدك من النار، كفاك الله إياه، ومنعك منه، بسبب طاعتك وتوحيدك، والكافر ضد ذلك، فالمقصود أن الميت في أي مكان، في هدم أو في غيره، يناله ما وعده الله من خير وشر.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 379.(4/320)
س: بعد موت كل الخلائق ومنهم الملائكة، وبقاء المولى عز وجل، كيف حال بني آدم في هذه اللحظة؟ وهم هم ينعمون أم يعذبون؟ (1)
ج: الله أعلم، هذا إلى الله جل وعلا، إذا قامت القيامة خرج الناس من قبورهم، ثم يصيرون إلى ما يستحقون، هذا يصير إلى النار، وهذا يصير إلى الجنة، كل منهم على حسب أعمالهم، أما حال خروجهم فهم في خوف شديد، ويوم عظيم، شديد الأهوال، لكن الله يسهله على المؤمن، وعسير على الكافرين، أما تفصيله فإلى الله سبحانه وتعالى، لكنه يوم عظيم يوم عسير، يوم شديد الأهوال، لكن الله يسهله على المؤمن، قال جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} (2) {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} (3) {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (4) لكن المؤمن يسهل الله عليه كل شيء، بسبب إيمانه وتقواه.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 401.
(2) سورة المدثر الآية 8
(3) سورة المدثر الآية 9
(4) سورة المدثر الآية 10(4/321)
س: يسأل المستمع ويقول: تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاثة: حياة الدنيا، وهي التي نعيشها، حياة الآخرة، وهي معروفة، وبين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ، فما هي حياة البرزخ؟ وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟ (1)
ج: حياة البرزخ على حسب حياته في الدنيا، المؤمن ينعم في البرزخ، وروحه في الجنة، وجسده يناله بعض النعيم، والكافر روحه تعرض على النار، ويناله نصيبه من العذاب، وينال جسده نصيبه من العذاب، هذه حياة البرزخ. المؤمن في سعادة ونعيم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح المؤمنين في الجنة، تسرح في الجنة حيث شاءت، وأما الكفار فمثل ما أخبر الله عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2) الكفار أرواحهم معذبة، وأجسادهم ينالها نصيبها من العذاب، حيث يبعث الله الجميع، ثم تصير أرواح المؤمنين إلى الجنة، وأرواح الكفار إلى النار، نسأل الله العافية، هؤلاء مخلدون في الجنة، وهؤلاء مخلدون في النار.
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 404.
(2) سورة غافر الآية 46(4/322)
120 - بيان أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار
س: هل هو الحساب فوري يدخل على الجنة أم على النار؟ أم يتأجل الحساب إلى يوم القيامة؟ أفيدونا هداكم الله (1) .
ج: جاء في النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يدل على أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وأن العبد إذا قبض يبشر عند قبضه بالجنة إن كان مؤمنا، ويبشر بالنار إن كان كافرا، فإذا دخل الكافر قبره، وسئل عما يجب، عذب في قبره، وهذا العذاب من عذاب الآخرة، كما أن المؤمن إذا دخل قبره ينعم فيه ويفتح له باب من الجنة يأتيه من نعيمها وطيبها ويرى مقعده منها، ويرى مقعده من النار وأن الله كفاه من ذلك، عافاه من ذلك، والكافر كذلك يرى مقعده من الجنة، ويحال بينه وبينها بسبب كفره ويرى مقعده من النار، ويأتيه من سمومها وعذابها ونكالها، وقبره حفرة من حفر النار، يعذب فيه على قدر أعماله السيئة، وكفره بالله عز وجل، فالقبر مبدأ من مبادئ النعيم في حق المؤمن ومبدأ من مبادئ العذاب في حق الكافر، والعاصي على خطر، فالعاصي إذا مات على المعاصي فقد يعذب في قبره، وإن كان غير كافر، قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه اطلع على قبرين يعذبان وما يعذبان في كبير، فأما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 7.(4/323)
فكان لا يستتر من بوله (1) » ، يعني أنه: لا يستنجي من البول، فأخبر أنهما عذبا بسبب هذه المعصية، وفي الحديث الآخر: «أكثر عذاب القبر من البول (2) » ، وقوله: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه (3) » فدل ذلك على أن المعاصي قد يعذب أهلها في القبر بسببها، وبهذا تعلم أن القبر إما محل عذاب، وإما محل نعيم، ولكنه عذاب مقدم، ونموذج لعذاب النار، ونعيم القبر نموذج من نعيم الجنة فينبغي للمؤمن الحذر، والاستعداد للآخرة وأن يتأهب للقاء الله، وأن يحذر أسباب العذاب، وذلك بالاجتهاد في طاعة الله، والاستقامة على أمر الله، والبعد عن معاصي الله، والتواصي بالحق والصبر عليه، حتى تلقى ربك، وأنت على هذا الحال، تلقى ربك وأنت مجتهد في طاعة الله، مبتعد عن محارم الله، واقف عند حدود الله، تعين إخوانك على الخير، وتوجههم إلى الحق والصبر عليه، هكذا يكون المؤمن حتى
__________
(1) أخرجه البخاري كتاب الوضوء، باب من الكبائر ألا يستتر من بوله، برقم 216، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 703.
(2) أخرجه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه، برقم 464.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول، برقم 218، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه، برقم 292.(4/324)
يلقى ربه عز وجل، صابرا مصابرا، يتباعد عن كل ما حرم الله، ويسارع إلى مراضي الله، حتى يلقى ربه عز وجل، وبهذا يكون في قبره في نعيم، وخير عظيم، وفي روضة مستمرة من رياض الجنة، حتى يلقى ربه عز وجل، فيحصل له ما هو أكبر وأعظم من نعيم الجنة، والعكس بالعكس، الكافر بخلاف ذلك، إذا مات صار في عذاب ونكال وما بعده شر منه نسأل الله العافية.(4/325)
121 - لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله
س: هل القيامة قامت من قبل أم لا؟ وإذا لم تكن قد قامت فمن هم الناس الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون؟ (1)
ج: القيامة حتى الآن لم تقم، سوف تقوم إذا أراد الله قيامها، وهذا إلى علم الغيب، هذا من علم الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم متى تقوم، لكنها سوف تقوم وسوف يبعث الناس من قبورهم، وسوف يجازون بأعمالهم، وسوف يصيرون إلى الجنة أو إلى النار، أهل الإيمان إلى الجنة وأهل الكفر إلى النار، ولها شرائط تقع قبلها، منها طلوع الشمس من مغربها، ومنها خروج الدجال، وهو شخص يدعو إلى أنه نبي، ثم يدعو إلى أنه رب العالمين، كافر خبيث، وكذلك هناك
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 101.(4/325)
أمور أخرى كنزول المسيح ابن مريم، من السماء وطلوع الشمس من مغربها كما تقدم، وهدم الكعبة، ونزع القرآن من الصدور، ومن المصاحف، كل هذه تقع قبل يوم القيامة، أما الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ليلة أسري به، عرض عليه بعض الشيء، عرضت عليه الجنة والنار، رأى بعض من يعذب في النار، ورأى الجنة وما فيها من النعيم، عرض عليه أشياء من أمور الغيب، اطلع عليها بإذن الله عز وجل، سبحانه وتعالى وأشياء أطلعه عليها جبرائيل، جاءه الوحي وأطلعه عليها عليه الصلاة والسلام، هذه أمور اطلع عليها من جهة الله عز وجل، بعضها ليلة المعراج، حين عرج به إلى السماء، وبعضها في أوقات أخرى بواسطة الوحي، وما يأتي به جبرائيل إليه عليه الصلاة والسلام.
س: من هم الناس الذين رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم يعذبون في النار؟ (1)
ج: هذا شيء كثير منوع لا يحصر، فقد رأى من يعذب في النار. . . رأى امرأة عذبت في النار في هرة، حبستها لم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت جوعا، رآها تعذب في النار لما عرضت عليه النار، ورأى شخصا يعذب في النار كان يسرق الناس بمحجنه، المحجن مثل: المشعاب، يمر عند الحجاج السائرين، فإذا غفلوا استغفلهم وأخذ شيئا من متاعهم بهذا
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 101.(4/326)
المشعاب، وإذا انتبهوا له قال: تعلق بمحجني ما أردته ولا قصدته، فرآه يعذب بمحجنه في النار، ورأى ناسا يعذبون من الزناة والزواني، ورأى ناسا يعذبون لهم أظفار من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم فقيل له: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم، يعني أهل الغيبة، ورأى أشياء غير ذلك، أشياء كثيرة عليه الصلاة والسلام.(4/327)
122 - معنى النفخ في الصور
س: النفخ في الصور، ما هو الصور؟ وهل هو قرن، أم ماذا؟ (1)
ج: نعم، قرن عظيم، ينفخ فيه إسرافيل النفخة الأولى للموت والفزع، والنفخة الثانية للبعث والنشور. هذه النفختان جاء بهما القرآن الكريم. إحداهما يقال لها: نفخة الصعق، ويقال لها: نفخة الفزع، وبها يموت الناس، والثانية نفخة البعث. وقال جماعة من العلماء: إنها ثلاث: نفخة الفزع، وقد يفزع الناس فقط، ثم تأتي بعدها نفخة الموت، ثم نفخة البعث والنشور. وقد جاءت هذه الثلاث في حديث الصور، ولكن حديث الصور ضعيف والمحفوظ نفختان فقط، كما دل عليهما كتاب الله العظيم، سورة النمل، وفي سورة الزمر نفختان، نفخة
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم 240.(4/327)
الموت، ويقال لها: نفخة الفزع أو الصعق، والثانية: نفخة البعث والنشور.(4/328)
123 - بيان عدد النفخات في الصور
س: هل النفخات في الصور ثلاث أم اثنتان؟ (1)
ج: الصواب أنها اثنتان، هذا هو المحفوظ كما جاء في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة، نفخة الفزع وهي نفخة الصعق والموت، والثانية: نفخة البعث. فالأولى يقال لها: نفخة الفزع، ويقال لها: نفخة الصعق، ويقال لها: نفخة الموت، تسمى بأسماء، وهي المذكورة في قوله جل وعلا: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (2) وهي المذكورة في قوله جل وعلا: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (3) وقال آخرون: إنها ثلاث: نفخة الفزع يفزع الناس ولا يموتون، ثم نفخة الصعق والموت، ثم نفخة البعث. وجاء هذا في حديث الصور من حديث إسماعيل بن رافع الأنصاري ولكنه ضعيف، والصواب أنها نفختان: نفخة الفزع يمدها إسرافيل، يمدها طويلا. فأول ما يسمعها
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم 183.
(2) سورة المؤمنون الآية 101
(3) سورة النمل الآية 87(4/328)
الناس، كل منهم يصغي ليتا ويرفع ليتا، يعني يصغي عنقه هكذا وهكذا يستمع، ثم لا يزال إسرافيل يمدها حتى ترتفع، وحتى يصعق الناس فيموتون.
س: السائل: أ. إ، من الرياض، يقول: كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة؟ (1)
ج: أخبر الله عنهم بما بين سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (2) فهم يخرجون من الأجداث إذا سمعوا الصيحة، وهي نفخة البعث، النفخة الثانية يخرجهم الله من قبورهم ومن كل مكان، ويجمعهم جل وعلا يوم القيامة، والله أعلم بكيفية ذلك سبحانه وتعالى. المقصود أنهم يخرجون حفاة، عراة، غرلا، كما جاءت به الأحاديث، حفاة لا نعال عليهم، عراة لا لباس عليهم، غرلا غير مختونين، حتى يقضى بينهم، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، كما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 404.
(2) سورة المعارج الآية 43(4/329)
124 - أقسام الناس يوم القيامة
س: يوم القيامة هناك فئة من الناس يعذبون في النار، ولكنهم لا يخلدون، ما مصير هؤلاء الناس في القبور؟ (1)
ج: الناس بالنسبة إلى القيامة ثلاثة أقسام: قسم مؤمنون أتقياء، فإلى الجنة، وقبورهم روضة من رياض الجنة، يفتح لهم باب إلى الجنة يأتيهم من نعيمها وروحها وطيبها، كما جاءت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والقسم الثاني: كفار قد استحقوا عذاب الله وغضبه، والسجن في دار الهوان وهي النار، فهؤلاء قبورهم عليهم عذاب، وهي حفر من حفر النار نسأل الله العافية، عذاب معجل، والقسم الثالث: أهل المعاصي ليسوا كفارا وليسوا بمسلمين كمل أتقياء، بل لهم ذنوب ولهم معاص، فهؤلاء أمرهم بين الأمرين، فقد يعذبون في قبورهم، وقد ينجون، وهكذا يوم القيامة، قد يعفو الله عنهم، فيدخلهم الجنة لإسلامهم، وتوحيدهم وما معهم من الإيمان بفضله سبحانه، أو بواسطة الشفعاء من ملائكة وأنبياء وأفراط ونحو ذلك، وقد يعذبون في النار على قدر جرائمهم، ثم بعدما يطهرون من خبثهم في النار، ينتقلون إلى الجنة، هذه حال أهل المعاصي عند أهل السنة والجماعة، أما الخوارج والمعتزلة فلهم رأي آخر، الخوارج يرون العصاة كفارا، ويرونهم مخلدين في النار، نعوذ بالله وهكذا
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 97.(4/330)
المعتزلة ومن سار في طريقهم، يرون من مات على الكبائر، يرونه مخلدا في النار ولا يخرج منها، ويحتجون بما ورد في الآيات والأحاديث، من الوعيد بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (1) مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن على الله عهدا لمن مات وهو يشرب الخمر، أن يسقيه من طينة الخبال"، قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل النار"، أو قال: "عرق أهل النار (2) » ، وأحاديث لعن الخمر وشاربها، كذلك حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (3) » الحديث. فيحتجون بهذه وأمثالها على كفر العاصي، على رأي الخوارج، وعلى خلودهم في النار، على رأي الخوارج وأتباعهم كالمعتزلة، أما أهل السنة والجماعة فيرون: أن العاصي ليس بكافر خلافا للخوارج، وليس بمخلد في النار، خلافا لهم وللمعتزلة، ولكنه
__________
(1) سورة النساء الآية 93
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، برقم 2002.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب لا يشرب الخمر، برقم 6772، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، برقم 57.(4/331)
معرض للخطر، وعلى خطر من وعيد الله، قد يعذب في النار، ويعذب في قبره، وقد ينجو بسبب أعماله الصالحة، أما إذا تاب قبل أن يموت، فإنه يلحق بالقسم الأول، بالمتقين ويكون من أهل الجنة، من أول وهلة إذا تاب توبة صادقة قبل أن يموت، لكن لو مات ولم يتب، فهذا هو محل الخطر، فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، إن شاء ربنا جل وعلا عفا عنه لإسلامه وتوحيده، وإيمانه وإن شاء ربنا عاقبه في النار، على قدر الجرائم التي مات عليها، ثم بعدما يطهر ويمحص في النار، يخرج منها إلى نهر الحياة، كما في الأحاديث الصحيحة، أنه يخرجون من النار، وقد امتحشوا قد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم وكمل خلقهم، نقلوا إلى الجنة، هذه حال القسم الثالث، وهم العصاة من أهل المعاصي، وهم في الدنيا كذلك في قبورهم، كذلك قد يعذبون وقد لا يعذبون، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى شخصين يعذبان في قبريهما فقال: «وما يعذبان في كبير" – ثم قال-: "بلى أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول" وفي لفظ آخر: "لا يستتر من البول"، يعني: لا يتنزه منه ولا يتحفظ، "وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (1) » . هذا يدل على أن بعض العصاة قد يعذبون بمعاصيهم، كالنميمة وعدم التنزه من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 292.(4/332)
البول، ومثل عقوق الوالدين، مثل أكل الربا وما أشبه ذلك، وقد يعفو الله عنهم، بأعمال صالحة أتوا بها، ولتوحيدهم وإسلامهم، فهو سبحانه وتعالى الجواد الكريم جل وعلا، وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأخبر سبحانه أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه، وأما من مات على ما دون الشرك من المعاصي، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء سبحانه غفر له، بما معه من التوحيد والإسلام، والأعمال الصالحات، ومن شاء عذبه على ما معه من المعاصي من زنا، أو سرقة أو عقوق لوالديه أو أحدهما، أو قطيعة رحم أو أكل الربا، أو شهادة الزور أو قذف للمحصنة أو المحصن بغير حق، أو ما أشبه ذلك من المعاصي، هو فيها تحت مشيئة الله، إن شاء مولانا سبحانه غفر له، بأعمال صالحة قدمها، أو بشفاعة الشفعاء أو بدعاء المؤمنين له، أو بغير هذا وإن شاء مولانا سبحانه، عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وبعدما يطهر في النار، ويمحص يخرج من النار، ولا يخلد فيها خلود الكفار، لا يخلد العاصي، قد يطول مكثه في النار عند كثرة أعماله السيئة، ويسمى خلودا، كما قال الله في حق القاتل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2) كونه خالدا فيها، يعني خلودا
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة النساء الآية 93(4/333)
غير خلود الكفار، خلود له نهاية، وهكذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (1) {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (2) {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (3) قوله: {وَيَخْلُدْ} (4) هذا خلود يليق بحال الشخص، فإن كان مشركا فهو خلود دائم، نعوذ بالله، لا يخرج منها أبدا، كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (5) وقال في الكفرة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (6) هذه حالهم نعوذ بالله، أما إن كان عاصيا كالزاني والقاتل، فهذا خلوده دون الإقامة، وله نهاية ينتهي إليها، إذا كان لم يستحل المعصية، بل فعلها وهو يعلم أنه عاص يعلم أنه مخطئ، ولكن فعلها لشيء من الهوى، والغرض العاجل فهو يعلم أنه مخطئ، وأنه عاص ولكن أقدم على المعصية، فهذا لا يخلد خلود الكفار، ولكنه يخلد خلودا يليق بجريمته، وله نهاية ثم يخرجه الله من النار، برحمته سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الفرقان الآية 68
(2) سورة الفرقان الآية 69
(3) سورة الفرقان الآية 70
(4) سورة الفرقان الآية 69
(5) سورة البقرة الآية 167
(6) سورة المائدة الآية 37(4/334)
125 - بيان أن أهل الجنة مخلدون وأهل النار مخلدون
س: يقول المستمع في سؤاله: هل يوجد كتاب لابن تيمية رحمه الله، يقول فيه بأن الجنة والنار لا خلود فيهما؟ (1)
ج: ابن تيمية وغيره من السلف، كلهم يقولون: إن أهل الكفر مخلدون في النار، وأهل الجنة مخلدون في الجنة، هذا بإجماع أهل السنة والجماعة، أن أهل الجنة مخلدون أبد الآباد، ولا موت فيها ولا فناء، بل هي دائمة وأهلها دائمون، وذهب بعض السلف إلى أن النار لها نهاية، وأنها بعد مضي الأحقاب، {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (2) لها نهاية تفنى، ولكنه قول ضعيف ساقط، مردود، والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن النار باقية ومستمرة ولا تفنى أبدا، وأهلها كذلك أهلها من الكفرة، معذبون فيها دائما، نسأل الله العافية، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم، في سورة البقرة: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (3) وقال عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (4) وقال تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (5) إلى أن قال: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (6)
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 395.
(2) سورة النبأ الآية 23
(3) سورة البقرة الآية 167
(4) سورة المائدة الآية 37
(5) سورة النبأ الآية 23
(6) سورة النبأ الآية 30(4/335)
يعني أحقابا كل ما مضى أحقاب، جاء بعده أحقاب، قال تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (1) فهي مستمرة نسأل الله العافية، وأهلها كذلك يقيمون فيها أبدا وهم الكفار، أما العصاة فلهم أمد، عصاة الموحدين لهم أمد، إذا دخلوها يخرجون منها بعدما يطهرون، العصاة منهم من يعفى عنه ولا يدخلها، ومنهم من يدخلها وإذا طهر أخرجه الله منها، وصار إلى الجنة، ولا يبقى في النار ويخلد فيها، أبد الآباد إلا الكفار الذين ماتوا على الكفر بالله نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة الإسراء الآية 97(4/336)
126 - بيان أن الحسنات توزن والسيئات كذلك
س: هل يحاسب الإنسان على سيئاته إذا كانت حسناته أكثر؟ (1)
ج: أخبر الله جل وعلا في كتابه العظيم، بقوله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} (2) {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (3) {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} (4) {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (5) فهو توزن حسناته وسيئاته، كل إنسان يوازن بين حسناته وسيئاته، ومتى رجحت الحسنات أفلح ونجا، وقد يعفو الله سبحانه وتعالى عن العبد، ويدخله الجنة من دون أن يحاسبه على سيئاته، إما لتوبة فعلها، وإما لحسنات عظيمة، أتى بها قبل موته، وإما لأسباب أخرى، اقتضت رحمة الله عز وجل وفضله،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 185.
(2) سورة القارعة الآية 6
(3) سورة القارعة الآية 7
(4) سورة القارعة الآية 8
(5) سورة القارعة الآية 9(4/336)
سبحانه وتعالى بإدخاله الجنة وعدم محاسبته على السيئات، لكن الأصل الموازنة، كما أخبر الله به في كتابه العظيم فالحسنات توزن، والسيئات توزن، فمن رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيئاته هلك، إلا من رحم الله لكن قد يعفو سبحانه وتعالى عن العبد ويتجاوز عن سيئاته، فضلا منه وإحسانا، إما للتوبة لأنه وعد التائبين بالمغفرة، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (1) وإما بحسنات عظيمة، صارت سببا لمغفرة ذنوبه، وإما بأسباب أخرى، اقتضت حكمة الله أن تكون سببا للمغفرة.
س: هل يحاسب الشهيد الذي لم يستشهد في ساعة المعركة، والشهداء أقسام كما نعلم؟ وهل يشفع في سبعين فردا؟ وهل يعفى عنه في كل شيء إلا عن الدين؟ (2)
ج: جاء في الحديث الصحيح: «أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين (3) » ، فالشهيد الذي يقتل في سبيل الله صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر يغفر له كل شيء، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام
__________
(1) سورة طه الآية 82
(2) السؤال التاسع من الشريط رقم 185.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، برقم 1885.(4/337)
«إلا الدين، قال: " إن جبرائيل أخبرني بذلك (1) » ، وأن صاحب الدين لا يضيع حقه، بل يرضيه الله عن حقه، ويعطيه حقه يوم القيامة، ولا يضيع عليه شيء، والشهيد يغفر له كل شيء، لكن الدين الذي عليه يقضيه الله عنه، سبحانه وتعالى لا يضيع على صاحبه، وما دام مات بسبب الجراحات التي أصيب بها في سبيل الله، صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، سواء مات في المعركة أو تأخر موته، أياما وليالي لكنه مات، بسبب الجراحات التي أصابته فهو شهيد. والشهداء أقسام لكن أفضلهم شهيد المعركة في سبيل الله عز وجل، ومنهم المطعون، الموت بالطاعون، والمبطون الذي يموت بالإسهال في البطن، وصاحب الهدم الذي يموت بالهدم، يسقط عليه جدار أو سقف، وفي حكمه من يموت بدهس السيارات، وانقلاب السيارات، وصدام السيارات، هذا من جنس الهدم. وكذلك الغرق كل هذه أنواع من الشهادة، لكن أفضلهم شهيد المعركة وهو الذي لا يغسل، ولا يصلى عليه، أما البقية فيغسلون ويصلى عليهم، وإن كانوا شهداء. أما الشفاعة فقد جاء الحديث الصحيح في شهيد المعركة إذا كان صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، هذا جاء في شهيد المعركة، أما غيره فالله أعلم، له فضل ولهم خير، ولكن كونهم يشفعون في كذا،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، برقم 1885.(4/338)
وكونهم يغفر لهم كل شيء، هذا محل نظر، يحتاج إلى دليل خاص، لكن لهم فضل الشهادة.(4/339)
127 - مقدار وقوف الخلق في المحشر
س: كم يدوم وقوف الخلق في المحشر، قبل أن يقضي بينهم؟ (1)
ج: على كل حال الموقف عظيم، ومدته كما أخبر الله جل وعلا، أن مقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، فهو يوم طويل عظيم، أما المقدار للوقوف قبل انصرافهم فالله أعلم به، لكنه طويل، موقف طويل عظيم، أما مقداره وضبطه فالله أعلم به سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم 9.(4/339)
128 - تجمع الأرواح بين الركن والمقام لا أصل له
س: هل من دليل شرعي على تجمع أرواح المؤمنين، في منتصف كل ليلة جمعة عند الركن والمقام، وتجمع أرواح أهل النار في نفس الوقت في بئر بأرض العراق كما قرأت في إحدى الصحف؟ (1)
ج: لا أعلم أصلا لما ذكره السائل، من تجمع الأرواح بين الركن
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 159.(4/339)
والمقام، في أي ليلة وفي أي يوم، كل ذلك لا أصل له، كله من الخرافات الباطلة، وهكذا تجمع أرواح الكفار في بئر في العراق، أو في غير العراق أو عدن أو في غير ذلك، كل ذلك لا أصل له، فلا ينبغي أن يعول عليها.(4/340)
129 - بعض الحكم في ابتلاء الأطفال
س: كثيرا ما يتحدث الناس عن الأطفال، وعن أمراضهم وعن عاهاتهم، وأيضا عن مصيرهم في الآخرة ماذا يقول سماحتكم؟ حتى يصحح عقيدة بعض الذين يخطئون ويقولون: إن الأطفال لا ذنب لهم، فكيف يمرضون؟ وكيف يصابون بالعاهات؟ وما هو مصيرهم في الآخرة؟ (1)
ج: إن الله عز وجل أخبر عن نفسه أنه حكيم عليم، وأنه جل وعلا يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشر والخير، يختبر صبرهم ويختبر شكرهم، والأطفال وإن كانوا لا ذنب عليهم، فالله يبتليهم بما يشاء، لحكمة بالغة منها اختبار صبر آبائهم، وأمهاتهم وأقاربهم، واختبار شكرهم، وليعلم الناس أنه جل وعلا حكيم عليم، يتصرف في عباده كيف يشاء، وأنه لا أحد يمنعه من تنفيذ ما يشاء، سبحانه وتعالى
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم 58.(4/340)
في الصغير والكبير، والحيوان والإنسان، فما يصيبهم من أمراض وعاهات لله فيه حكمة بالغة، والتي منها يعلم الناس قدرته على كل شيء، وأنه يبتلي بالسراء والضراء، حتى يعرف من رزق أولادا سالمين فضل نعمة الله عليه، وحتى يصبر من ابتلي بأولاد أصيبوا بأمراض، فيصبر ويحتسب فيكون له الأجر العظيم، والفضل الكبير على صبره واحتسابه وإيمانه بقضاء الله وقدره، وحكمته، وأما مصيره في الآخرة فهم تبع أهليهم، فأولاد المسلمين في الجنة مع أهليهم أجمع على هذا أهل السنة والجماعة، حكى الإمام أحمد وغيره إجماع أهل السنة والجماعة على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: «يا رسول الله ما ترى في أولاد المشركين قال: الله أعلم بما كانوا عاملين (1) » ، قال أهل العلم: معناه أنهم يمتحنون يوم القيامة، حتى يظهر علم الله فيهم يوم القيامة، وهم من جنس أهل الفترات، الذين لم تأتهم الرسل، ولم تبلغهم الرسل وأشباههم، ممن لم يصل إليهم رسول، فإنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة بأوامر توجه إليهم، فإن أجابوا صاروا إلى الجنة، وإن عصوا صاروا إلى النار، وقد ثبت هذا في أحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعند هذا يظهر علم الله فيهم، فيكونون على حسب ما ظهر من علم الله فيهم، إن أطاعوا صاروا إلى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم 1384.(4/341)
الجنة، وإن عصوا صاروا إلى النار، هذا هو المعتقد فيهم، وهذا هو القول الصواب فيهم، وقال جماعة من أهل العلم: إنهم يكونون في الجنة، لأنهم لا ذنب عليهم فيكونون في الجنة كأولاد المسلمين، ولكنه قول مرجوح، والصواب أنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة، لأن الله قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1) وهو لا يعذب إلا بمعصية من المعذب، أو كفر من المعذب، والأطفال ليس منهم معصية ولا كفر، فلهذا يمتحنون يوم القيامة، كما يمتحن الذين لم تبلغهم دعوة الرسل، فيمتحنون يوم القيامة، بما يظهر أمر الله فيهم، من طاعة أو معصية والله ولي التوفيق.
س: في إحدى خطب الجمعة، قال الخطيب: إن بعض الناس عند الحساب يوم القيامة يؤتى بصحيفته وفيها جميع الأعمال الصالحة، من الصلاة والزكاة والصدقة، والنوافل والأذكار وغيرها، وفي أخرى يقال له: إن جميع أعمالك ردت عليك، ولم يقبل الله شيئا منها، ما هي أسباب عدم قبول الأعمال؟ وما هي أسباب عدم الإجابة في الدعاء، أو موانع الإجابة؟ جزاكم الله خيرا (2) .
ج: هذا التعبير من هذا الخطيب فيه نظر، لأن الله سبحانه بين أن
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15
(2) السؤال الثامن من الشريط رقم 270.(4/342)
المؤمن يعطى كتابه بيمينه، فيه حسناته وفيه بيان نجاته وسعادته، ورجحان ميزانه، وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله، وفيه بيان سيئاته وأسباب هلاكه، وخفة ميزانه فمن أعطي كتابه بيمينه، فهو سعيد، وأما من أعطي كتابه بشماله فهو شقي، لا يعطى كتابه بيمينه إلا موحد ومستقيم، ولا يعطى كتابه بشماله إلا من هو مشرك حابط الأعمال، والذي يحبط الأعمال هو الشرك، والردة عن الإسلام، قد يكون له أعمال صالحة من صلاة وصوم، وغير ذلك ثم أشرك وارتد عن الإسلام، فتبطل أعماله كلها، كما قال الله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) لكن من حبط عمله لا يعطى كتابه بيمينه، بل يعطى كتابه بشماله، وفيه بيان بطلان أعماله، التي أفسدها بالشرك والكفر، بالله عز وجل، فالحاصل أن الإنسان قد تكون له أعمال صالحات، ثم أفسدها بالشرك والردة فحبطت، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (4) وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} (5) {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} (6) {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} (7) {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} (8) {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} (9) {وَيَصْلَى سَعِيرًا} (10) فالمقصود أن العبد المؤمن يعطى كتابه
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة الزمر الآية 66
(5) سورة الانشقاق الآية 7
(6) سورة الانشقاق الآية 8
(7) سورة الانشقاق الآية 9
(8) سورة الانشقاق الآية 10
(9) سورة الانشقاق الآية 11
(10) سورة الانشقاق الآية 12(4/343)
بيمينه، والمشرك والكافر يعطى كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، فالسعيد يعطى كتابه باليمين، والشقي يعطى كتابه بالشمال، أو من وراء الظهر، والذي تحبط أعماله بشركه وكفره لا يعطى كتابه بيمينه، وإنما يعطى كتابه بشماله، ويبين له أن أعماله حبطت بسبب شركه وكفره، نسأل الله العافية، ولهذا أعطي كتابه بشماله.(4/344)
130 - بيان أن الإنسان يعاد بعد موته كما كان في الدنيا
س: هل يخلق الله الإنسان بعد موته، مثلما كان في الدنيا أم يخلق الروح فقط؟ (1)
ج: يعاد خلقه كما كان في الدنيا لحما، يعاد جسما تاما وروحا، يعني يعاد: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (2) تعاد الروح والجسد جميعا: فالجسد الذي أطاع الله ينعم مع الروح، والجسد الذي عصى الله يعذب مع الروح: كلاهما يعاد الجسد والروح للنعيم والعذاب جميعا. لكن في البرزخ الروح عليها الثقل، ثقل العذاب ولها النعيم العظيم أكثر، لأن الجسد يذهب ولا يبقى منه إلا عجم الذنب، كما في الحديث الصحيح يفنى ويأكله الدود، وإن
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 271.
(2) سورة الأنبياء الآية 104(4/344)
كان أجسام الأنبياء تبقى عليهم الصلاة والسلام، لكن ينال الجسد نصيبه من العذاب والنعيم كما يشاء الله سبحانه وتعالى في البرزخ قبل البعث والنشور، لكن معظم النعيم للروح في الجنة روح المؤمن، والعذاب كذلك في البرزخ معظمه للروح، لأن الجسد يفنى ولا يبقى منه إلا الشيء اليسير وهو عجم الذنب، لكن يناله نصيبه من العذاب عند أهل السنة والجماعة، لكن في الآخرة يجتمع العذاب على الجسد والروح والنعيم للجسد والروح جميعا، يوم القيامة النعيم للمؤمن في الجنة لجسده وروحه، والكافر له العذاب في النار لجسده وروحه جميعا. أما في البرزخ فينعم الجسد ويعذب، ولكن معظم النعيم والعذاب للروح، لأن الجسد يعتريه ما يعتريه من الفناء والذهاب.(4/345)
131 - صفة الجنة ونعيمها
س: السائل يقول: حدثونا عن نعيم الجنة، وعن الطرق الموصلة إليها، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم (1) .
ج: إن الله جل وعلا بين في كتابه الكريم، صفة الجنة وصفة نعيمها، وصفة أهلها، كما بين سبحانه صفة النار وأغلالها، وأنواع شرها وصفات أهلها، فالواجب على كل مكلف أن يحذر صفات أهل النار، وأن يجتهد بالتخلق والاتصاف بصفات أهل الجنة كما يقول جل وعلا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (2) {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} (3) {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (4) {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (5) {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (6) ويقول سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (7) {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} (8) {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (9) {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (10) ويقول سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (11) {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (12) ، وقال جل وعلا: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (13) في آيات كثيرة، فالواجب على المؤمن أن يهتم بهذا الأمر، وأن يعنى بصفات أهل
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 389.
(2) سورة الذاريات الآية 15
(3) سورة الذاريات الآية 16
(4) سورة الذاريات الآية 17
(5) سورة الذاريات الآية 18
(6) سورة الذاريات الآية 19
(7) سورة الحجر الآية 45
(8) سورة الحجر الآية 46
(9) سورة الحجر الآية 47
(10) سورة الحجر الآية 48
(11) سورة الطور الآية 17
(12) سورة الطور الآية 18
(13) سورة القلم الآية 34(4/346)
الجنة، وأهم شيء أداء الواجبات، وترك المحارم فيعتني بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، هذا هو الطريق الذي جعله الله موصلا للجنة، بفضله ورحمته سبحانه وتعالى ولنحذر كل الحذر من صفات أهل النار، الذين بين الله حالهم، في كتابه العظيم، فقال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (1) {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (2) {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (3) {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (4) {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (5) هذه حالهم نسأل الله العافية، بينت لهم الحقيقة، ودعوا إلى أسباب السعادة، وبلغتهم الرسل، وأنزل الله عليهم الكتب، ولكنهم تابعوا الهوى والشيطان فندموا غاية الندامة، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (6) {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (7) {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (8) ، هذه حال هؤلاء، وحال هؤلاء، فجدير بالمؤمن وجدير بالمؤمنة العناية بأخلاق المؤمنين، والاتصاف بصفاتهم العظيمة، من توحيد الله والإخلاص له،
__________
(1) سورة الزخرف الآية 74
(2) سورة الزخرف الآية 75
(3) سورة الزخرف الآية 76
(4) سورة الزخرف الآية 77
(5) سورة الزخرف الآية 78
(6) سورة الزمر الآية 71
(7) سورة الزمر الآية 72
(8) سورة الزمر الآية 73(4/347)
والمحافظة على الصلاة، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، الاجتهاد في كل خير، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإكثار من ذكر الله، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلى غير هذا من وجوه الخير، ثم الحذر من جميع ما نهى الله عنه، وأعظمه الشرك، أعظم ما نهى الله عنه الشرك الأكبر، قال جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (1) وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (4) وقال في صفات أوليائه المؤمنين، صفات عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (5) هذه صفات عباد الرحمن، هذه من صفاتهم العظيمة، فينبغي للمؤمن أن يتصف بصفات أولياء الله، وليحذر من صفات أعداء الله أينما كان، وعباد الرحمن، هم المتقون هم أولياء الله، هم المحسنون هم الذين أطاعوا الله ورسوله، واستقاموا على دينه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (6) ويقول سبحانه في صفات عباده المتقين:
__________
(1) سورة المائدة الآية 72
(2) سورة النساء الآية 48
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة الزمر الآية 66
(5) سورة الفرقان الآية 63
(6) سورة الفرقان الآية 63(4/348)
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (1) {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (2) {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (3) {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (4) {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (5) {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (6) {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} (7) {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} (8) {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (9) {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (10) {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (11) {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (12) فأنت يا عبد الله الآن في دار المهلة في دار العمل، وهكذا أنت يا أمة الله في دار المهلة في دار العمل، فالواجب على كل منكما تقوى الله سبحانه وتعالى، وذلك بتوحيده والإخلاص له في جميع الأعمال: الصلاة، الصوم، الصدقة، الاستغفار، الذكر، الإنسان هكذا يتوجه بقلبه إلى الله، ويخلص عمله لله، إن تصدق، لله، إن صلى، لله، إن صام، فلله، إلى غير ذلك، كله لله؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (13) ويقول سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (14) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (15) ويقول جل وعلا في كتابه الكريم: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (16) ومن أهم المهمات أيضا الحذر من جميع المعاصي، من الزنا، السرقة، الغش للمسلمين،
__________
(1) سورة الطور الآية 17
(2) سورة الطور الآية 18
(3) سورة الطور الآية 19
(4) سورة الطور الآية 20
(5) سورة الطور الآية 21
(6) سورة الطور الآية 22
(7) سورة الطور الآية 23
(8) سورة الطور الآية 24
(9) سورة الطور الآية 25
(10) سورة الطور الآية 26
(11) سورة الطور الآية 27
(12) سورة الطور الآية 28
(13) سورة البينة الآية 5
(14) سورة الزمر الآية 2
(15) سورة الزمر الآية 3
(16) سورة غافر الآية 14(4/349)
الكذب، الربا، عقوق الوالدين، أو أحدهما، قطيعة الرحم، الغيبة، النميمة، إلى غير هذا مما حرم الله، فالإنسان يحاسب نفسه في أداء فرائض الله، والإكثار من طاعة الله، ويحاسب نفسه في الحذر من محارم الله، ومعاصيه، يرجو ثوابه ويخشى عقابه، سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل ما يرضيه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من أسباب غضبه وأسباب نقمته، إنه جل وعلا جواد كريم.
س: ما هو نعيم أهل الجنة الذي يجدونه يوم القيامة سماحة الشيخ؟ (1)
ج: نعيم أهل الجنة لهم ما يشتهون ويطلبون من كل أنواع النعيم، من اللحوم والفواكه وغير ذلك، وأنواع الثمار لهم ما يشتهون وما يطلبون، الله يجعلنا وإياكم من أهلها.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم 403.(4/350)
132 - الكلام عن الحور العين
س: الحور العين في الجنة من أي جنس هن؟ (1)
ج: الحور العين نساء لا يعلم مقدار حسنهن وجمالهن إلا الذي
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 218.(4/350)
خلقهن، ولكنهن جميلات طيبات حسنات الأخلاق والسيرة، وإذا رآها المؤمن عرف حالها، إذا دخل الجنة رآهن وعرفهن، وعرف أخلاقهن وجمالهن، لكن الآن يعرفن بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام، وما ذكر الله عنهن في القرآن وأنهن حور عين، والحوراء البيضاء الجميلة الحسنة العين، هذا من جمالها، وأما كمال الجمال يعرفه الإنسان إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها، المقصود أنهن نساء خلقهن الله جل وعلا، لإكرام أهل الجنة ولنعيم أهل الجنة من الرجال، ولا يعلم المادة التي خلقن منها إلا الله الذي خلقهن سبحانه وتعالى، بخلاف نساء الدنيا خلقن من ماء مهين معروفات، ويكن في الجنة في غاية من الجمال، وتزوج النساء في الجنة على حسب ما تقتضيه أعمالهن الصالحة، فالله جل وعلا هو الكريم الجواد، وهو الذي يزوجهن في الجنة، سواء كان بأزواجهن في الدنيا أو بغير أزواجهن في الدنيا، أما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهن له في الآخرة، عليه الصلاة والسلام، وأما الناس فالله أعلم، جاء في هذا أحاديث فيها نظر، وأن المرأة إذا كان لها أزواج تخير وتختار أحسنهم خلقا، ولكن لا يعلم الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، فقد تكون لزوجها وقد تكون لغير زوجها، ويعطى كل زوج من الحور العين ما شاء الله منهن، على حسب أعماله الصالحة وتقواه لله جل وعلا، ولكل واحد زوجتان من الحور العين، غير ما يعطى منهن زيادة على ذلك، كل واحد له زوجتان من الحور العين، هذا أمر معلوم، لكن الزيادة الله الذي يعلم مقدارها، يختلفون(4/351)
بسم الله الرحمن الرحيم
تنويه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
فبحمد الله وتوفيقه قد صدر هذا الجزء الخامس من فتاوى نور على الدرب لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وهو في كتاب الطهارة، وقد يلاحظ القارئ أن هناك تشابها في بعض الفتاوى وهو تشابه في المعنى وفي مضمون الفتوى وليس تكرارا لفظيا، وقد تميز سماحة الشيخ – رحمه الله – في أجوبته بالتوسع تارة بذكر عدد من الأدلة من الكتاب والسنة أو بالاقتضاب والاختصار على المعنى المقصود أحيانا، ولو كان هناك تشابه في السؤالين، ولكن ربما أضاف سماحته بعض الفوائد التي يخلو منها السؤال الآخر، وكان رحمه الله يحرص على إجابة كل سائل بما يناسبه وبما يقتضيه المقام.
لذا فمن باب الأمانة العلمية واستجابة لرغبته رحمه الله فقد أثبتت جميع الفتاوى كما وردت في الأشرطة والله تعالى أسأله أن يغفر لشيخنا مغفرة واسعة ويسكنه فسيح جناته، أمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(5/3)
صفحة فارغة(5/4)
كتاب الطهارة(5/5)
باب المياه
1- حكم استعمال الماء المتغير بالمخالط الطاهر
س: ما هو حكم استعمال الماء المتغير لونا وطعما، بسبب إضافة مادة طبية لقتل الحشرات المسببة للأمراض؟ هل ذلك حينئذ يؤثر على الماء، أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فهذا الماء الذي تغير بالمخالط الطاهر لمصلحة الشارب لا حرج في ذلك، ولا يضر ما دام الماء باقيا باسمه ماء، فإنه يستعمل للشرب وغيره، ولا يضره هذا المخالط الذي غيره، كما لا يضره لو تغير بالعشب والأوراق التي تسقط فيه والتراب وما أشبه ذلك، أما إذا غيره تغييرا يخرجه عن اسمه حتى يسمى باسم آخر كالشاهي واللبن والحليب فهذا لا يسمى ماء، ولا يتوضأ به، ولا يزيل النجاسة، أما ما دام اسمه باقيا فإنه يعتبر ماء طيبا ولو خالطه شيء من الأدوية.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (352) .(5/7)
س: عندنا في اليمن، في قريتنا بركة يتوضأ منها الناس، والماء الذي فيها قد تغير لونه وطعمه، هل الوضوء صحيح أم لا؟ نرجو منكم التوجيه (1)
ج: إذا كانت البركة مصونة عن النجاسات، وإنما تغيرها لطول المكث فلا يضر ذلك، أما إن كان يقع فيها نجاسات، أو يستنجي الناس فيها عن الغائط والبول، ويكون ذلك يسقط فيها حتى تغير طعمها، أو ريحها، أو لونها بذلك فإنها تنجس، وقد أجمع العلماء على أن الماء إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة نجس، أما مجرد من يتوضأ منها من خارج لا فيها، أو يتمسح مسوحا فقط، يعني: يغسل وجهه ويديه من دون استنجاء هذا لا يضرها ولو تغير من طول المكث، كالمياه التي في البراري والصحاري، فإن الأحواض التي في البراري والصحارى قد تتغير بالتراب وبأوراق الشجر، وغير هذا مما تلقيه الريح، فلا يضر ذلك، بل يكون الماء طهورا سليما ولو تغير بهذه الأوراق أو بالتراب أو غير ذلك.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (12) .(5/8)
2- حكم الوضوء بماء تغيرت إحدى أوصافه الثلاثة بطاهر
س: هل يجوز أن أتوضأ بماء قد تغيرت إحدى أوصافه الثلاثة بطاهر؟ مثلا: تغير بليمون أو بحليب أو بصابون أو ما شابه ذلك. جزاكم الله خيرا (1)
ج: إن كان الشيء يسيرا ما غير الماء، فإن التغير اليسير بالشيء الطاهر كالصابون أو غيره لا يضر، أما إذا كان قد صار حليبا أو صار صابونا، أو صار نوعا آخر فإنه ما صار ماء، بل صار شيئا آخر كالمرق والشاهي، فلا يجوز استعماله للوضوء، لكن إذا كان خالطه شيء يسير لم يسلبه اسمه، فيه شيء يسير من صابون أو غيره فلا بأس، أما إذا تغير فصار بما خالطه صابونا، أو صار سدرا، أو صار شاهيا، أو حليبا، أو لبنا فلا يجوز استعماله في إزالة الحدث، ولا يحصل به رفع الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن اسم الماء ذهب عنه.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (335) .(5/9)
صفحة فارغة(5/10)
باب الآنية
3- حكم استعمال جلد الميتة بعد الدباغ
س: وجدنا في بعض كتب الفقه: أن جلد الميتة لا يجوز استعماله إلا إذا دبغ؟
أرجو الإجابة الصحيحة جزاكم الله خيرا (1)
ج: قد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن جلد الميتة يطهر بالدباغة، متى دبغ طهر، ثبت في صحيح مسلم رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر (2) » قال أهل اللغة: الإهاب: جلد الميتة؛ جلد مأكول اللحم.
فإذا أخذ الإنسان الجلد من الميتة، من البقرة، أو الشاة، أو البعير ودبغه طهر، ويستعمل في اليابسات والمائعات جميعا، هذا هو الصواب؛ لأنها وصفت
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (232) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، برقم (366) .(5/11)
بالطهارة، وفي لفظ آخر يقول عليه الصلاة والسلام: «أيما إهاب دبغ فقد طهر (1) » وفي الصحيح أيضا «أن ميمونة كان عندها شاة فماتت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه فانتفعتم به (2) » فالحاصل أنه يجوز الانتفاع بجلود الميتة، مما يؤكل لحمه بعد الدباغة في كل شيء: في الرطب واليابس، في اللبن والماء، وفي غير ذلك، هذا هو الصواب.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب اللباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت برقم (1728) ، والنسائي في المجتبى كتاب الفرع والعتيرة باب جلود الميتة برقم (4241) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، برقم (363) .(5/12)
4- حكم اقتناء جلود السباع للزينة
س: هل جلد الثعلب حرام؟ وهل يجوز اقتناؤه للزينة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا، وشكرا.
ويقول المقدم: وفي الحقيقة أننا همتنا كثيرا بهذا السؤال؛ لأن جلود السباع تباع الآن في الأسواق بكثرة (1)
ج: فيها خلاف كثير بين أهل العلم، في جلود السباع وجلود
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (13) .(5/12)
الثعلب والذئب والنمر فيها خلاف بين أهل العلم كثيرا.
والذي ينبغي أن لا يقتنى، وأن لا يستعمل؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على النهي عن جلود السباع، وعن افتراشها، وعن ركوبها، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الدباغ طهارة وزكاة، فدل ذلك على أن الدباغ إنما يكون لما يطهر بالزكاة، كمأكول اللحم من الإبل والبقر والغنم ونحو ذلك، فهذه جلودها طيبة، ولو كانت جلود ميتة إذا دبغت.
أما السباع فهي النجسة ولو ذبحت، فلا يؤثر فيها الدباغ، فينبغي للمؤمن أن لا يستعمل جلود السباع، لا الثعلب ولا غيره، وهذا هو أرجح الأقوال لأهل العلم، وهو أحوطها للمؤمن.(5/13)
5- حكم استخدام الأواني المطلية بالذهب والفضة
س: السائلة: أم نعيم، من دمشق، تقول: هل يجوز استخدام آنية النحاس المطلية بالذهب والفضة، وقد طليت بطبقة رقيقة بقصد حمايتها من التلف، أو الفساد الذي يطرأ على النحاس مثلا؟ وهل يجوز استخدام آنية الفضة للزينة فقط، كوضعها على الطاولات أو الحائط؟ (1)
ج: ليس لأحد أن يستعمل أواني الذهب والفضة مطلقا؛ لا للاستعمال ولا للزينة، والمطلية كذلك، سواء بذهب أو فضة؛
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (386) .(5/13)
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (1) » يعني الكفار.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الذي يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (2) » ووجودها على الطاولات أو في أي مكان وسيلة إلى استعمالها، فالواجب الحذر من ذلك، سواء كانت من ذهب محض، أو فضة محضة، أو كانت مطلية بذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب آنية الفضة برقم (5633) ، ومسلم كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة برقم (2067) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب آنية الفضة برقم (5634) ، ومسلم كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة برقم (2065) .(5/14)
باب دخول الخلاء
6- حكم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة
س: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا (1) » الحديث، والسؤال هنا: أن بعض المراحيض والحمامات في البيوت والمنازل تجاه القبلة، فما الحكم؟ (2)
ج: الأحاديث الصحيحة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حول قضاء الحاجة كثيرة، تدل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة؛ البول أو الغائط، وهذا في الصحراء، وهو أمر واضح، وهو الحق؛ لأن الأحاديث صريحة في ذلك، فلا ينبغي ولا يجوز أبدا استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بالبول أو الغائط، أما
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق برقم (394) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة برقم (264) .
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (8) .(5/15)
في البنيان فاختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: يجوز في البناء؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه في بيت حفصة قضى حاجته مستقبل الشام، مستدبر الكعبة (1) » ، كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
قالوا: هذا يدل على أنه لا بأس في استقبالها واستدبارها في البناء، لأن الإنسان مستور بالأبنية، والأصل أنه يفعل ذلك للتشريع، ويتأسى به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، فلما فعل ذلك دل على جوازه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام «قضى حاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر الكعبة» ، هذا يدل على جوازه في البناء، وقال آخرون: هذا خاص به صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما فعله في البيت، ولم يشتهر، ولم يفعله في الصحراء، فيدل هذا على أنه خاص به، وأنه يجب على المسلمين عدم استقبالها وعدم استدبارها حتى في البناء؛ عملا بالأحاديث العامة في هذا التعميم، وعدم التخصيص، وهذا القول أظهر أنه ينبغي عدم الاستقبال، وعدم الاستدبار مطلقا في البناء والصحراء، لكن كونه محرما في البناء محل نظر؛ لأن الأصل عدم التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يحتمل أن يكون هذا قبل النهي، ويحتمل أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فلهذا لا يكون التحريم فيه مثل التحريم في الصحراء، فالأولى بالمؤمن أن لا يستقبل في الصحراء، ولا في البناء، وأن لا يستدبر، لكن البناء أسهل وأيسر، ولا سيما عند عدم تيسر ذلك؛ لوجود المراحيض الكثيرة إلى القبلة، فحينئذ يكون الإنسان معذورا لأمرين؛ الأمر الأول: وجود المراحيض التي في القبلة
__________
(1) صحيح مسلم الطهارة (266) ، سنن الترمذي الطهارة (11) ، مسند أحمد (2/12، 2/13) .(5/16)
ويشق عليه الانحراف عنها، والأمر الثاني: ما عرفت من حديث ابن عمر في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم الشام، واستدبارها الكعبة في قضاء حاجته في بيت حفصة، هذا يدل على الجواز، والأصل عدم التخصيص له صلى الله عليه وسلم بذلك، فيكون فعلا جائزا، مع أن الأولى ترك ذلك في البناء، ويكون في الصحراء محرما؛ لعدم ما يخص ذلك، هذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله جل وعلا أعلم.(5/17)
7- حكم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة في البنيان
س: هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ: ع. ع. ج، من الرياض، يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ، هل وجود دورات مياه في المنزل على جهة القبلة مع وجود ساتر هل في ذلك شيء؟ (1)
ج: الصواب أنه لا حرج في ذلك إذا كان في البيوت؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة (2) » ، لكن ترك جعلها على غير القبلة يكون أحسن؛ جعل المراحيض في غير القبلة يكون أحسن، أما في الصحراء فلا يجوز في الصحراء،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (391) .
(2) صحيح البخاري الوضوء (145) ، صحيح مسلم الطهارة (266) ، سنن الترمذي الطهارة (11) ، سنن النسائي الطهارة (23) ، سنن أبي داود الطهارة (12) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (322) ، موطأ مالك النداء للصلاة (455) ، سنن الدارمي الطهارة (667) .(5/17)
لا يجوز للمسافر أن يستقبل القبلة بغائط ولا بول، لكن يجعلها عن يمينه أو شماله، أما في البيوت والستر فلا بأس، لكن إذا تيسر أن تكون حتى في البيوت إلى غير القبلة يكون أفضل وأحسن.(5/18)
س: يقول هذا السائل في حديث جابر رضي الله عنه: بأنهم عند فتح بلاد الشام كانوا يجدون حمامات متجهة إلى القبلة، قال: فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله (1) فهل يجوز استقبال القبلة عند التخلي؟ (2)
ج: هذا الحديث عن أبي أيوب الأنصاري، بعض أهل العلم يرى الانحراف عن القبلة ولو كانت في البناء، والصواب أنه لا بأس إذا كانت في البناء، النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه «أنه قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام، ومستدبر الكعبة (3) » ، لكن يحرم في الصحراء أن يستقبل القبلة بغائط أو بول، أو يستدبرها، أما إذا كان في البيوت والبناء فلا حرج إن شاء الله، وإذا تيسر في البيوت أن تكون لغير القبلة فهذا أحسن، مثل ما قال أبو أيوب رضي الله عنه.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب استقبال القبلة، برقم (9) عن أبي أيوب.
(2) السؤال الأربعون من الشريط رقم (430) .
(3) صحيح البخاري الوضوء (145) ، صحيح مسلم الطهارة (266) ، سنن الترمذي الطهارة (11) ، سنن النسائي الطهارة (23) ، سنن أبي داود الطهارة (12) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (322) ، موطأ مالك النداء للصلاة (455) ، سنن الدارمي الطهارة (667) .(5/18)
باب الاستنجاء
8- بيان معنى حديث: «استنزهوا من البول»
س: يسأل السائل ويقول بأنه سمع بأن أغلب عذاب أمه محمد صلى الله عليه وسلم في قبرها من البول، فهل هذا الكلام صحيح سماحة الشيخ؟ (1)
ج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه (2) » ويقول: صلى الله عليه وسلم: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما كان لا يستتر من البول (3) » يعني لا يتنزه من البول، فالواجب على المسلم والمسلمة الحذر من البول والتنزه منه، فإذا استنجى من البول يعتني، فإذا أصاب فخذه شيء أو ثوبه غسله، هذا هو الواجب على
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (413) .
(2) أخرجه الدارقطني في السنن (464 / 1 / 232) .
(3) أخرجه البخاري، في كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم (216) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، برقم (292) .(5/19)
الرجل والمرأة عند البول؛ أن يتنزه من البول، ويحرص أن لا يصيب ثيابه ولا بدنه شيء.(5/20)
9- حكم الاستجمار مع وجود الماء
س: هل يجزئ الاستجمار عن الاستنجاء وإن كان الإنسان قريبا من الماء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، يجزئ الاستجمار، إذا استعمل اللبن، أو الخرق، أو المناديل، أو الحجر ثلاث مرات، أو أكثر حتى يزال الأذى، كفى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه (2) » فالمقصود أنه إذا استجمر بثلاثة، أو بأكثر حتى أزال الأذى وتنظف المحل فإنه يجزئ عنه، ويطهر المحل، فإن استعمل الماء مع ذلك كان أفضل وأكمل.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (324) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة برقم (40) ، والنسائي في المجتبى كتاب الطهارة، باب الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها، برقم (44) .(5/20)
10- حكم الاستنجاء عند كل وضوء
س: نحن نجهل ما يجب أن نعرفه، فكيف عملية الاستنجاء؟ وفقكم الله.
هل الإنسان لازم عليه أن يغسل ذكره كل مرة؟ نريد إحاطتنا وإحاطة المستمعين بذلك، جزاكم الله خير الجزاء (1)
ج: الاستنجاء يجب إذا خرج منه البول أو الغائط وجاءت الصلاة، فإن المسلم يغسل ذكره إذا بال، يغسل ذكره من البول ويستنجي من الغائط، وهذا يكفيه في أي وقت كان، فإذا جاء وقت الصلاة يتوضأ وضوء الصلاة؛ يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ويكفي، ولا حاجة للاستنجاء إذا كان قد غسل ذكره من البول وغسل دبره من الغائط، أو استجمر بالحجارة ثلاث مرات أو أكثر حتى أنقى المحل، كفى، فلا يلزمه أن يعيد ذلك إذا جاء وقت الظهر قد استنجى الضحى بالماء وغسل ذكره وغسل دبره، أو استجمر بحجارة الضحى وأنقى المحل ثلاث مرات فأكثر لا يعيده الظهر إذا كان لم يحصل منه غائط ولا بول إلا الأول الذي طهر منه، لا يعيده، بل يتمسح، يسميه بعض العامة التمسح، وهو الوضوء الشرعي، يعني يبدأ بغسل الكفين ثلاثا، ثم يتمضمض ويستنشق إلى آخره، ولا يعيد الاستنجاء ولو أنه ما نوى شيئا تلك الساعة، غسله الضحى مثلا لا يعيده، هكذا لو أتى الغائط
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (29) .(5/21)
العصر بال وغسل ذكره من البول، واستنجى من الغائط وغسل دبره حتى أنقى المحل، ثم جاءت صلاة المغرب ولم يأته بول ولا غائط بعد ذلك فإنه يتوضأ وضوءه الشرعي، يعني يتمسح؛ يبدأ بالمضمضة والاستنشاق، ولا يعيد الاستنجاء، وهكذا لو نام وحصل منه ريح، أو أكل لحم الإبل لا يستنجي، بل يكفيه أن يتمسح؛ يبدأ بالمضمضة والاستنشاق؛ لأن النوم وأكل لحم الإبل ومس الذكر ليس فيه استنجاء، الاستنجاء عن بول وغائط خاصة، أما هذه الأشياء خاصة التي تنقض الوضوء؛ مثل الريح، ومثل مس الفرج وأكل لحم الإبل هذا لا يوجب الاستنجاء، بل يتوضأ وضوءا شرعيا؛ يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ولا يغسل دبره ولا ذكره إلا من بول أو غائط.(5/22)
11- حكم الجمع بين الاستنجاء والاستجمار
س: هل يغني الماء عن الحجر مع الغسيل الكامل، أم لا بد من الحجر؟ وإذا كان هناك ما نجهله في هذا الخصوص.
نرجو الإفادة، ولكم منا الشكر الجزيل (1)
ج: الماء عند جميع أهل العلم يكفي عن الحجر، النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يستنجي بالماء، فدل ذلك على أنه يكفي، والحجر وحده
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (16) .(5/22)
يكفي، إذا استجمر بالحجر، أو باللبن، أو بالمناديل الطيبة الطاهرة الخشنة حتى يزيل الأذى، ويتمسح بهذا ثلاث مرات أو أكثر فإنه يجزئ، كما جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا تمسح عن الأذى، عن الغائط والبول بالحجر، أو باللبن، أو بخرق نظيفة طاهرة ثلاث مرات، أو أكثر حتى أنقى المحل نقاء تاما يجزئه عن الماء، وإن جمع بينهما فاستنجى بالحجر أو باللبن، ثم استنجى بالماء مع ذلك كان أكمل وأطهر، وإذا كان الماء مجهولا فالأصل فيه الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الماء لطهور لا ينجسه شيء (1) » فالأصل الطهارة حتى تعلم أنه نجس.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، برقم (66) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة، برقم (67) ، والنسائي في المجتبى كتاب المياه، برقم (325) .(5/23)
س: هل المناديل الورقية التي تستخدم للحمامات في دورة المياه تكفي للاستجمار أم لا؟ (1)
ج: تكفي إذا تمسح بها ثلاثا أو أكثر حتى أنقى المحل يكفي.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (16) .(5/23)
12- حكم الجمع بين الاستنجاء والتيمم
س: يقول السائل: بعض الناس إذا كان الماء قليلا يستنجي به، ثم يتيمم فهل يجوز له ذلك؟ (1)
ج: نعم، يستنجي بالماء ثم يتيمم؛ لأن الاستنجاء ليس فيه تيمم، لا بد من إزالته، لكن لو تيسر أن يستجمر إذا تيسر له تراب أو لبن يستجمر، ويترك الماء للوضوء، يكون هذا أولى إذا كان يعرف الاستجمار، يستجمر ثلاث مرات فأكثر حتى ينقي المحل؛ من لبن، أو بالمناديل، أو بالتراب حتى ينقي محل الدبر والذكر بالتراب، أو بالمناديل الخشنة، أو باللبن ثلاث مرات فأكثر، ثم يترك الماء للوضوء؛ لغسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل رجليه، يكون هذا أولى إذا تيسر ذلك.
__________
(1) السؤال الخامس والأربعون من الشريط رقم (432) .(5/24)
13- حكم التيمم للعاجز عن الوضوء بالماء
س: هذه السائلة تقول: سماحة الشيخ، والدتي مريضة، ولا تستطيع الذهاب إلى دورات المياه، وتقوم بالتيمم في كل الأوقات، ولكن عندما تجد نفسها نشيطة تتوضأ بالماء؛ لأنها معاقة، فما توجيهكم لها؟ (1)
ج: يقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، عليها أن تتقي الله ما استطاعت، إن استطاعت أن تذهب إلى دورة المياه فلا بأس، وإلا تستجمر بالمناديل ثلاث مرات، أو أكثر حتى تنقي محل البول، والغائط وتتيمم، وإن استطاعت إن كان عندها أحد يوضئها توضأت بالماء، أو التيمم إن عجزت؛ بضرب التراب ضربة واحدة، ثم تمسح وجهها وكفيها.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (430) .
(2) سورة التغابن الآية 16(5/25)
14- حكم اشتراط الاستنجاء لكل وضوء
س: هل يشترط الاستنجاء لكل وضوء؟ (1)
ج: لا يشترط، إنما الاستنجاء لما قد يقع من بول أو غائط.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (72) .(5/25)
15- حكم الوضوء بعد كل حدث
س: السائلة: ك. ع. س. تقول: هل يجب الوضوء بعد كل استنجاء من الحدث الأصغر؟ (1)
ج: يجب الوضوء للصلاة، أو لمس المصحف، أو للطواف إذا كان في مكة، أما إذا أحدث حدثا أصغر، وليس في نيته صلاة فليس عليه وضوء، لو أحدث في الضحى ببول، أو ريح، أو غائط ما عليه وضوء، لكن إذا حضره الظهر يتوضأ، أو أحدث بعد الظهر ليس عليه وضوء، فإذا جاء وقت العصر توضأ للعصر، وهكذا الوضوء لموجباته: للصلاة، أو لمس المصحف، أو للطواف، أو إذا أراد النوم حتى ينام على طهارة، هذا هو المسنون، أما كونه يحدث الضحى ما يلزمه الوضوء، يستنجى من البول والغائط ويكفي، فإذا حضرت الصلاة توضأ.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (406) .(5/26)
16- الريح لا توجب الاستنجاء
س: إذا خرج من الإنسان ريح هل يجب عليه أن يستنجي أم يتوضأ مباشرة؟ (1)
ج: الريح لا توجب الاستنجاء، الريح فيها الوضوء، ويسمونه
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (413) .(5/26)
التمسح، غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والأذنين، وغسل الرجلين، هذا التمسح وهو الوضوء المطلق، إذا كان ريح، أو مس الفرج باليد، أو نوم ليس فيه استنجاء، الاستنجاء يكون من البول أو الغائط، إذا كان خرج البول من الذكر أو الغائط من الدبر فهذا محل الاستنجاء، أما إذا انتقض وضوؤه بالريح، أو بالنوم المستغرق كل هذا ليس فيه استنجاء، وإنما يتمسح؛ يعني: يتوضأ الوضوء الشرعي بالتمضمض والاستنشاق وغسل الوجه وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح الرأس مع الأذنين، وغسل الرجلين مع الكعبين، هذا هو الوضوء، إذا أطلق الوضوء.(5/27)
17- حكم الدخول بالعملات المكتوب عليها لفظ الجلالة إلى الحمام
س: يسأل عن العملة التي يوجد عليها بعض العبارات أو بعض الآيات القرآنية، فمثلا يقول: إن هناك عملة مكتوب عليها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
هل على من يدخل بها إلى دورات المياه إثم بذلك؟ وهل تتكرمون بكتابة رسالة حول هذا الموضوع – سماحة الشيخ – إذا كنتم ترون أن فيه شيئا محرما؟ (1)
ج: ليس على من دخل محل قضاء الحاجة بهذه العملة، أو بالرسائل التي فيها شيء من ذكر الله ليس عليه حرج؛ لأن هذا يشق، وفيه تعب كثير، والتحرز من ذلك فيه صعوبة، فلا حرج في ذلك، لكن إذا تيسر أن يجعله في مكان خارج محل الحاجة، ولا يخشى من شيء، ولا يخشى نسيانه، ولا يخشى أن يسرق فهو أحسن، أما إن كان يخشى نسيانه، أو أنه يسرق فلا حرج عليه في ذلك، وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (2) » وكان في خاتمه
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (67) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الختم يكون فيه ذكر الله، برقم (19) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ذكر الله عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء، برقم (303) .(5/28)
نقش: محمد رسول الله.
وقد تنازع العلماء في صحة هذا الحديث، فمنهم من أعله وقال: إنه معلول.
وقال: إنه لا حرج في دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله ولا سيما عند الحاجة.
ومنهم من صححه وقال: يستحب للمؤمن أن يتحرز من ذلك، ويكره دخوله الخلاء بشيء فيه ذكر الله، لكن عند وجود الحاجة تزول الكراهة.
إذا كان هناك حاجة بأنه يخشى أن ينساه، أو يخشى أن تذهب به الرياح، أو يلعب به الأطفال، أو يأخذه أحد فلا حرج في الدخول؛ لأن المشقة تجلب التيسير.(5/29)
س: عندما أدخل الكنيف يوجد لدي دنانير عراقية، علما بأن هذه الدنانير مكتوب عليها سورة الإخلاص، فهل هذا جائز أم لا؟ وإن كان غير جائز فماذا أفعل وخاصة عندما أكون خارج المنزل في مكان لا أمن فيه؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إذا كنت في محل آمن فاجعل نقودك خارج المرحاض؛ الكنيف عند أهلك، أو في مكان آخر حتى تخلص؛ تعظيما لكتاب الله وكلامه سبحانه وتعالى، وهكذا إذا كان فيها ذكر الله فالأفضل إخراجها، كالخاتم الذي فيه ذكر الله، أو رسائل فيها ذكر الله
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (61) .(5/29)
فاجعله خارجها إذا تيسر ذلك، أما إذا كنت في محل غير آمن فلا حرج عليك؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ؛ ولأن عليك خطرا في كونها في الخارج، قد تؤخذ، فالحاصل إنه إذا كنت محتاجا إلى ذلك، ولم يتيسر جعلها خارج الكنيف فلا حرج عليك، والحمد لله.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(5/30)
18- حكم الدخول بالخاتم المكتوب عليه لفظ الجلالة إلى الحمام
س: هل حرام إذا دخلت الحمام وعلى إصبعي خاتم مكتوب عليه: الله؟ (1)
ج: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (2) » وكان مكتوبا عليه: محمد رسول الله.
فالأفضل للرجل والمرأة عند دخول الحمام إذا كان عليهما خاتم فيه ذكر الله أن يوضع خارج الحمام، وأن لا يدخل به الحمام إذا تيسر ذلك، فإن خاف عليه الضياع فلا بأس بدخوله الحمام؛ لأن الحديث فيه علة، وبعض أهل العلم لا يثبته، لكن إذا تيسر العمل به فهو أولى، فإن خاف الإنسان على خاتمه أن يسرق، أو ينساه دخل به ولا حرج إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (11) .
(2) سنن أبي داود الطهارة (19) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303) .(5/30)
19- هل الملائكة تلازم الإنسان عند دخول الخلاء
س: هل الملائكة تدخل مع الإنسان عند دخوله الحمام أم لا؟ (1)
ج: أما الحفظة فالظاهر من الدليل أنهم معه دائما، الحفظة الذين يحفظون حسناته وسيئاته، ظاهر الدليل أنهم معه دائما، وأما غير الحفظة، فالله أعلم، جاء في بعض الأحاديث على أنهم يفارقونه عند قضاء حاجته، ولكن لا أعلم حال أسانيدها، هذه المسألة تحتاج إلى إعادة نظر إن شاء الله، حتى يحقق ما يتعلق بها إن شاء الله.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (23) .(5/31)
س: هل يلزم الإنسان أن يستنجي كلما أراد أن يتوضأ؟ (1)
ج: لا، لا يلزمه ذلك، إنما يتوضأ في الوجه واليدين وشعر الرأس والأذنين وغسل الرجلين، إذا كان لم يخرج منه بول أو غائط، إنما هو ريح مثلا، أو مس فرج، أو أكل لحم الإبل، أو النوم هذا ما فيه استنجاء، إنما يتوضأ، يسميه بعض الناس التمسح، يعني: يغسل يديه وكفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يغسل وجهه ثلاثا، ثم يغسل يديه ثلاثا مع المرفقين، ثم يمسح رأسه مع أذنيه مسحة واحدة، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا، هذا يقال له الوضوء الشرعي، وإن
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (250) .(5/31)
غسل أقل من ذلك غسل وجهه مرة ويديه مرة أو مرتين، وغسل رجليه مرة أو مرتين لا بأس، لكن السنة: ثلاثا.
الأفضل: ثلاثا ثلاثا.(5/32)
20- حكم الكلام والتحدث داخل بيت الخلاء
س: السائلة: أ. م. س. تقول: ما هو حكم الكلام؛ كلام الشخص داخل الحمام في بيت الخلاء؟ (1)
ج: إذا دعت الحاجة إليه فلا بأس، وإن لم تدع الحاجة فتركه أولى، فإذا دعت الحاجة أن ينبه أحدا، أو يقول: افعلوا كذا لحاجة فلا بأس.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (405) .(5/32)
باب السواك وسنن الفطرة
21- فضل السواك
وبيان الأوقات المستحب فيها استعماله
س: الأخ: ع. ب. م، من المدينة المنورة، يقول: نحن نعلم جميعا فضل السواك، ونعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة (1) » لكني ألاحظ يا سماحة الشيخ أن كثيرا من الناس لا يحرصون على نظافة السواك، ولا يحرصون على الأوقات المستحب فيها استعمال السواك، فهم يستعملونه مثلا بعد أن يكبر الإمام، ويستعملونه أثناء الخطبة، أرجو أن يتفضل سماحتكم بتوجيه الناس حول الأوقات المناسبة لاستعمال السواك، جزاكم الله خيرا (2)
ج: قد صحت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في
__________
(1) صحيح البخاري التمني (7240) ، صحيح مسلم الطهارة (252) ، سنن النسائي الطهارة (7) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (287) ، موطأ مالك الطهارة (147) ، سنن الدارمي الصلاة (1484) .
(2) السؤال الأول من الشريط رقم (200) .(5/33)
فضل السواك والترغيب فيه، ومن ذلك ما رواه الشيخان؛ البخاري ومسلم في الصحيحين، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة (1) » وهذا يدل على تأكد السواك وشرعيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رغب فيه وحرض عليه، وإنما أراد أمر الوجوب، يعني: لأمرتهم أمر إيجاب، وإلا فأمر الاستحباب، ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ما يدل على استحبابه وشرعيته، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (2) » أخرجه النسائي وغيره بإسناد صحيح، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (3) » ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عليه الصلاة والسلام يبدأ بالسواك إذا دخل منزله (4) » وكان يستعمل السواك كثيرا – عليه الصلاة والسلام – «وكان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك (5) » رواه الشيخان من حديث أبي حذيفة رضي الله عنه، والأحاديث في هذا كثيرة، تدل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم (5) .
(3) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، برقم (9928) ، ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك، برقم (148) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (235) .
(5) متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب السواك، برقم (246) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (255) .(5/34)
على شرعية السواك واستحبابه.
ويتأكد عند الصلاة قبل أن يكبر الإمام، يستاك قبل أن يكبر، السنة أنه يستاك عند الصلاة قبل أن يكبر، فإذا كبر الإمام بادر وكبر بعده، كذلك عند المضمضة، عند الوضوء في أول الوضوء، وهكذا عند دخول المنزل، وهكذا إذا تغير الفم والأسنان، يستحب أن يستاك حتى يزيل الرائحة السيئة من الفم، وحتى يحصل بذلك تنظيف الأسنان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (1) » وهذا يعم الصائم وغير الصائم، في آخر النهار وفي أوله، وفي الليل والنهار، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكره في آخر النهار للصائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (2) »
قالوا: السواك قد يزيل هذا الخلوف أو يخففه.
والصواب أنه لا يكره للصائم في آخر النهار، بل يستحب دائما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وعند كل صلاة (3) » وهذا يعم الصائم وغيره، ويعم صلاة الظهر والعصر في حق الصائم وغيره؛ ولأن الخلوف لا يزول بل يبقى؛ لأن الخلوف شيء يتصاعد من الجوف في
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم (5) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم، برقم (1904) ، ومسلم في كتاب الصيام، باب حفظ اللسان للصائم، برقم (1151) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252) .(5/35)
حق الصائم، فالسواك لا يزيله، بل بعد رفع السواك يحصل تصاعد هذا الخلوف الذي هو مفضل عند الله سبحانه وتعالى، ثم خبر الخلوف خاص بمعنى يقتضي ترغيب الصائم في الصيام وبيان فضل الصيام، وأنه له عند الله منزلة عظيمة، ولا ينافي مسألة السواك، فالمشروع لكل مؤمن أن يعتني بالسواك كما شرعه الله جل وعلا على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يحرص عليه إحياء للسنة، وتعظيما لها، وترغيبا فيها حتى يتأسى به غيره، وهكذا بقية السنن، مثل الوتر فإنه متأكد ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، يستحب للمؤمن أن يوتر في السفر والحضر، وأقله ركعة، وليس له حد، لكن أقله ركعة، وإن أوتر بثلاث أو بخمس أو بأكثر كان أجره أعظم، والأفضل أن يوتر بوتر النبي صلى الله عليه وسلم؛ إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وإن أوتر بأقل أو بأكثر فلا حرج في ذلك، وهكذا صلاة الضحى سنة مؤكدة، وأقلها ركعتان، وإن صلى أكثر فلا بأس، وهكذا سنة الظهر سنة المغرب، سنة العشاء، سنة الفجر، وهكذا بقية السنن، سنة الظهر أربع قبلها واثنتان بعدها، يعني: تسليمتان قبلها وركعتان بعدها، سنة المغرب ركعتان، سنة العشاء ركعتان بعدها، سنة الفجر ركعتان قبلها، ويستحب قبل العصر أربع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله من صلى أربعا قبل العصر (1) » يصليها
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع، وركعات السنة، باب الصلاة قبل العصر، برقم (1271) ، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما جاء في الأربع قبل العصر، برقم (430) .(5/36)
بتسليمتين، ويستحب أن يصلي أمام كل صلاة ركعتين؛ قبل المغرب، قبل العشاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء (1) » هكذا عيادة المريض، وتشميت العاطس إذا حمد الله، البدء بالسلام وإفشاء السلام، نصيحة المسلمين، واتباع الجنائز، والصلاة على الجنائز، كل هذه سنن عظيمة ينبغي للمؤمن العناية بها، وهكذا صدقة التطوع ولو بشق تمرة، الدعوة إلى الخير والتشجيع عليه، حفظ اللسان عن فضول الكلام التي لا فائدة فيها، إلى غير هذا مما ينبغي للمؤمن أن يعتني به.
وقد تقدم التنبيه على أن السنة أن يستاك قبل أن يكبر الإمام، حتى إذا كبر الإمام بادر بالتكبير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كبروا فكبروا (2) » فيستحب للمؤمن أن يستاك قبل تكبير الإمام، إذا قام للصلاة يستاك وإذا كبر إمامة كبر، وهكذا يوم الجمعة؛ لا يستاك وقت الخطبة، بل ينصت ويقبل على الخطبة ولا يستاك، ولا يعبث، حتى السواك لا يستعمله ولا يرد السلام، ولا يشمت العاطس والإمام يخطب، بل يقبل على
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء، برقم (627) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بين كل أذانين صلاة، برقم (838) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد، برقم (1114) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (411) .(5/37)
الخطبة ويستمع لها وينصت لها، ويحفظ السواك حتى تأتي الحاجة إليه عند إقامة الصلاة عندما ينتهي من الخطبة.
وهكذا لا يعبث بثيابه أو بلحيته أو بغير ذلك، بل يقبل على خطبة الإمام، ويستمع لها وينصت، ويكون قلبه حاضرا حتى يستفيد.(5/38)
22- حكم استعمال السواك أثناء خطبة الجمعة
س: نرى بعض الناس يستعملون المسواك داخل المسجد، وأثناء الخطبة وقبلها مع أن بعض الناس يشمئزون من ذلك، فما هو قولكم لمثل هؤلاء؟ وهل هو جائز استعمال السواك أثناء الخطبة؟ (1)
ج: إن استعمال السواك من السنن التي فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام، ورغب فيها، فصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة (2) » وفي اللفظ الآخر: «لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (3) » وصح عنه عليه
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (85) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252) .
(3) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، برقم (9928) ، ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك، برقم (148) .(5/38)
الصلاة والسلام أنه قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (1) » فلا حرج في استعماله في المسجد وغير المسجد، ويسن استعماله عند الدخول في الصلاة قبل أن يكبر، وعند أول الوضوء، وعند دخول المنزل.
قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت: «بأي شيء يبدأ إذا دخل البيت عليه الصلاة والسلام؟ قالت: كان يبدأ بالسواك (2) » .
يعني: إذا دخل بيته عليه الصلاة والسلام، فالسواك من السنن المشروعة، وفيه من تطيبب النكهة، وتنظيف الأسنان، والتشجيع على الخير ما هو معلوم، لكن وقت الخطبة لا يستعمل، وقت الخطبة يكون المؤمن منصتا تاركا للحركة لا يعبث بشيء ولا يستاك، ولكن ينصت للخطيب، ويستفيد من الخطبة، ويتدبر ويتعقل، أما قبل الخطبة فلا بأس، قبل الصلاة لا بأس حال كونه جالسا في المسجد، والسواك عند الصلاة مشروع، وعند الوضوء مشروع أيضا.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم (5) .
(2) صحيح مسلم الطهارة (253) ، سنن النسائي الطهارة (8) ، سنن أبو داود الطهارة (51) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (290) ، مسند أحمد بن حنبل (6/237) .(5/39)
23- فضيلة السواك قبل الوضوء وبعده
س: يقول السائل: أسألكم عن فضيلة السواك، هل هي قبل الوضوء أم بعد الوضوء؟ (1)
ج: السواك يشرع استعماله عند الوضوء، في أول الوضوء، وفي أول الصلاة هذا السنة، وعند المضمضة، وعند الإحرام.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (255) .(5/40)
24- حكم استعمال السواك للنساء
س: تقول السائلة: سمعت بأن السواك حرام بالنسبة للنساء، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: ليس بصحيح، السواك مشروع للجميع؛ الرجال والنساء عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند الدخول في الصلاة، وعند دخول المنزل، وعند تغير الفم عند القيام من النوم مشروع، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (2) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (113) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم (5) .(5/40)
صلاة (1) » وفي اللفظ الآخر: «مع كل وضوء (2) » ولم يخص الرجال، بل عم الأمة، فهو مشروع للرجال والنساء جميعا، ولكن كثيرا من الناس يقول على الله بغير علم، ويكذب ولا يبالي، نسأل الله العافية، والواجب على المؤمن والمؤمنة الحذر مما حرم الله من الكذب، فلا يقول الإنسان: هذا حرام وهذا حلال، إلا عن دليل وبينة، ولا يجوز للمرأة أو الرجل أن يقول على الله بغير علم لا في السواك، ولا في غير السواك.
يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (3) ، فجعل القول عليه بغير علم فوق الشرك، فوق المرتبة التي هي أعظم خطرا وهي الشرك بالله عز وجل، فالمقصود أن القول على الله بغير علم له خطر عظيم حتى ذكره الله في هذه الآية فوق مرتبة الشرك؛ لأن الشرك قول على الله بغير علم، وفي سورة البقرة أن الشيطان يأمر بذلك، فقال سبحانه في الشيطان: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4) ، هكذا أخبر سبحانه وتعالى، وقبلها قوله تعالى:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252) .
(2) أخرجه أحمد في كتاب مسند المكثرين، برقم (9928) ، ومالك في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك برقم (148) .
(3) سورة الأعراف الآية 33
(4) سورة البقرة الآية 169(5/41)
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (1) {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2) ، هذا هو أمر عدو الله، يأمر الناس بأن يقولوا على الله بغير علم، لما يترتب على ذلك من الضلال والإضلال والفساد الكبير، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة البقرة الآية 168
(2) سورة البقرة الآية 169(5/42)
باب سنن الوضوء
25- حكم تكرار غسل أعضاء الوضوء
إلى ثلاث مرات
س: هل التكرار في الوضوء – مثلا: تكرار غسل الوجه ثلاث مرات – واجب أم مستحب؟ (1)
ج: التكرار سنة مستحبة، والواجب مرة مرة، يتمضمض مرة، يستنشق مرة، ويغسل وجهه مرة، وذراعيه مرة مرة، يمسح رأسه وأذنيه مرة، ويغسل رجله اليمنى مرة مع الكعبين، واليسرى مرة مع الكعبين، هذا الواجب، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وتوضأ مرة مرة، كما في البخاري في الصحيح، وإن توضأ مرتين مرتين فهذا أفضل من المرة، وإن توضأ ثلاثا فهي النهاية وهو الكمال، لكن الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، ويأخذ ماء بيديه يمسح أذنيه مرة واحدة؛ لأن هذا هو المحفوظ من فعله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (127) .(5/43)
س: تسأل السائلة وتقول: حدث مرة أن رأيت أختي أثناء الوضوء تغسل الوجه مرة واحدة وليس ثلاث مرات، وكذلك الأذرع مرة واحدة وليس ثلاث مرات، فسألتها: لماذا مرة واحدة؟ فقالت لي: إن ذلك سنة وليس بفرض. فهل ذلك صحيح؟ وهل هو جائز؟ (1)
ج: نعم، الواجب مرة واحدة، النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا.
فالمرة واجبة وفرض لا بد منها؛ أن يغسل وجهه مرة في الوضوء، ويتمضمض ويستنشق مرة، ويغسل وجهه مرة يعمه بالماء، وهكذا الذراعان يعمهما بالماء مرة مرة، يمسح رأسه مرة مع الأذنين، ويغسل رجله اليمنى ويعمها بالماء مرة، واليسرى مرة هذا كاف إذا عم العضو الماء كله، والمرتان أفضل إذا غسل العضو مرتين، والثلاث أكمل وأفضل، كان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يغسل ثلاثا ثلاثا، إلا الرأس يمسحه مرة واحدة مع الأذنين.
وأما الوجه واليدان والرجلان فكان في الغالب صلى الله عليه وسلم يغسلها ثلاثا، كل عضو ثلاث مرات، وهذا هو الأكمل والأفضل، فإن غسلهما مرتين، أو بعض الأعضاء مرتين وبعض الأعضاء ثلاث مرات، أو بعضها واحدة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث كل هذا لا بأس به، والحمد لله لكن الغسلة الواحدة هي الواجبة؛ مرة واحدة؛ يتمضمض ويستنشق مرة واحدة، يعم وجهه
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (240) .(5/44)
بالماء مرة واحدة، يمسح ويغسل ذراعية كل ذراع بغسلة واحدة، يعمه بالماء من أطراف الأصابع إلى المرفق، يعمهم بالماء حتى يشرع في العضد، وهكذا اليد اليسرى، هذا مجزئ، وهكذا الرجل يعمها بالماء من الكعبين إلى أطراف الأصابع، ويغسل الكعبين يجزئه، ولكن إذا أعاده مرة ثانية أفضل، وإذا أعاد الثالثة يكون أفضل وأفضل.(5/45)
26- حكم غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات
س: هل يجوز للمسلم أن يزيد في مرات الاستنشاق عن الثلاث إذا كان مصابا بالرشح؛ الزكام، أم يعد هذا مخالفا للسنة؟ (1)
ج: هذا في الحقيقة غير مشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا؛ تمضمض واستنشق ثلاثا، غسل وجهه ثلاثا، غسل يديه ثلاثا، مسح شعر رأسه وأذنيه مرة واحدة، غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، هذا هو السنة أن يكتفي بالثلاث، وإن توضأ مرة مرة، أو مرة مرتين فلا حرج، قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو توضأ مرة في بعض الأعضاء ومرتين في بعض الأعضاء، أو مرتين في بعض الأعضاء وثلاثا في بعض الأعضاء كل ذلك لا حرج فيه، أما الزيادة فلا، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما توضأ لما
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (85) .(5/45)
سأله سائل عن الوضوء علمه إياه؟ ، ثم قال: «فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم (1) » أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وإسناده صحيح، وهو يدل على أنه لا تجوز الزيادة، قال: «فقد أساء وتعدى وظلم (2) » ، والإساءة والتعدي والظلم أمر غير جائز فالحاصل أن الحديث يدل على أنه لا تجوز الزيادة على الكمال الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الثلاث، يعني إسباغ الوضوء ثلاثا ليس المراد غرفة، المراد غسلة، فلو أنه غرف المرتين لكل غسلة صارت ست غرفات لا يكون مسيئا، إنما المسيء الذي قد كمل العضو بالغسل ثم أعاده أكثر من ثلاث، لكن لو غسل رجله مثلا بغرفة، لكن ما كملت الغسلة احتاج إلى غرفة ثانية حتى يكمل رجله، ثم غسلها ثانية، ثم غسلها ثالثة، وزادت الغرفات لا يضر، المهم أن تكون غسلة تامة، ثم ثانية، ثم ثالثة، فلا يزيد على الثلاث، وهكذا في الوجه، وهكذا في اليدين، أما الرأس فالسنة أن تكون واحدة فقط، هذا المحفوظ في الأحاديث الصحيحة، يمسح مرة واحدة فقط مع الأذنين.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، برقم (135) ، والترمذي في باب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) .
(2) سنن النسائي الطهارة (140) ، سنن أبي داود الطهارة (135) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (422) ، مسند أحمد (2/180) .(5/46)
س: عند الوضوء نغسل أعضاءنا ثلاثا، هل إذا زادت عن الثلاث تنقض الوضوء أم لا؟ (1)
ج: السنة في الوضوء مرة مرة، مرتين مرتين، ثلاثا ثلاثا، هذا هو الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، توضأ مرة مرة، توضأ مرتين مرتين، توضأ ثلاثا ثلاثا، توضأ في المرة مرتين، وفي بعضها ثلاثا، أما الزيادة عن الثلاث فلا ينبغي، لا في الوجه، ولا في اليدين، ولا في الرجلين، أما الرأس فإنه يمسح مسحة واحدة، الرأس يمسح ولا يغسل، يمسح مسحة واحدة من المقدمة إلى قفاه، ثم يرد اليدين من المحل الذي بدأ منه الرجل والمرأة سواء، لكن المحافظة على الثلاث أفضل، كونه يغسل يديه ثلاثا ووجهه ثلاثا ورجليه ثلاثا هذا هو الكمال، فإن اقتصر على غسلة واحدة أو غسلتين فلا بأس بذلك لا سيما للتعليم، وبيان أن هذا جائز، كل هذا لا بأس به، أو ليعود نفسه الأخذ بالرخصة، كل هذا لا بأس به، أو غسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها واحدة، أو بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا كل هذا لا حرج فيه، والحمد لله، لكن لا تنبغي الزيادة؛ لأنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام ذكر الوضوء والغسل ثلاثا، فقال: «فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم (2) » وهذا يدل على أنه لا ينبغي الزيادة عن الثلاث أبدا.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (7) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، برقم (135) ، والترمذي في باب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) .(5/47)
س: هل الزيادة في الوضوء لأكثر من ثلاث مرات للعضو يعتبر بدعة، أم لا؟ سماحة الشيخ (1)
ج: لا يجوز، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، السنة ثلاث فأقل، واحدة مجزية، واثنتان أفضل، والثلاث أفضل، في الحديث في بعض الروايات: «من زاد فقد تعدى وأساء وظلم (2) » فلا ينبغي الزيادة، لا تنبغي الزيادة، أما إذا زاد في الوضوء أكثر من ثلاث كأربع أو خمس فينبغي أن ينبهه من حوله، يقول: هذا لا يجوز، أو مكروه كراهة شديدة ينبهه.
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (399) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، برقم (135) ، والترمذي في باب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) .(5/48)
27- حكم استنشاق الماء أثناء الوضوء أكثر من ثلاث مرات
س: إذا استدعت الحاجة أن استنشق أثناء الوضوء أكثر من ثلاث مرات، أو أتمضمض أكثر من ثلاث مرات فهل يصح الوضوء؟ (1)
ج: يصح الوضوء لكنك أخطأت، ويجب عليك التوبة من ذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال – لما ذكر الثلاث – قال: «فمن زاد على ذلك فقد تعدى وأساء وظلم (2) » فالسنة الثلاث الغسلات، لا زيادة، والاستنشاق كذلك ثلاث، تستنشق وتستنثر ثلاثا ولا تزيد.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (218) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، برقم (135) ، والترمذي في كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) .(5/49)
28- حكم استنشاق الماء للوضوء لمن به مرض في أنفه
س: عندما أبالغ في الاستنشاق أثناء الوضوء ينتابني ألم شديد في أعصاب الأنف والرأس يستمر عدة ثوان، فهل لهذا حكم في الشريعة الإسلامية؟ (1)
ج: لا تبالغ مبالغة تضرك، الرسول قال: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (2) » فإذا كان يشق عليك استنشق واطرح الألم من أنفك، ولا تبالغ مبالغة تضرك.
__________
(1) السؤال الخامس والستون من الشريط رقم (217) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، برقم (142) ، والترمذي باب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، برقم (788) ، والنسائي في المجتبى كتاب الطهارة، المبالغة في الاستنشاق، برقم (87) .(5/50)
29 – حكم المضمضة والاستنشاق في آن واحد
س: المضمضة والاستنشاق هل تكون في آن واحد، أم كل على حدة؟ (1)
ج: السنة جميعا، يتمضمض ويستنشق في غرفة واحدة، هذا هو
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (404) .(5/50)
السنة، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق في غرفة واحدة ثلاث مرات (1) » ، وإن أخذ لكل مرة غرفة؛ للمضمضة غرفة، وللاستنشاق غرفة فلا حرج.
__________
(1) صحيح البخاري الوضوء (140) ، سنن النسائي الطهارة (101) ، سنن أبو داود الطهارة (137) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (403) ، مسند أحمد بن حنبل (1/268) .(5/51)
س: يسأل المستمع ويقول: أفيدونا عن المضمضة والاستنشاق في الوضوء، هل يتمضمض الإنسان ويستنشق في غرفة واحدة، أم يغرف للمضمضة ويغرف للاستنشاق؟ وهل يلزم للمضمضة أن يدخل الأصبع في الفم؟ أو يكتفي بتحريك الماء في الفم؟ (1)
ج: المشروع غرفة واحدة لهما جميعا، يكرر ثلاثا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أفرد الفم بغرفة، والأنف بغرفة فلا حرج، لكن الأفضل أن يأخذ غرفة يتمضمض منها ويستنشق منها، ولا يلزم إدخال أصبعه في فمه، إذا أدخل الماء في الفم ثم تمضمض كفى.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (435) .(5/51)
30 - حكم المضمضة للمتوضئ إذا أكل أو شرب شيئا
س: هل تجب المضمضة على المتوضئ المحتفظ بوضوئه إذا أكل أو شرب شيئا ما؟ (1)
ج: لا تجب، لكن تستحب، إذا كان فيه دسم، أو فيه شيء له رائحة يتمضمض حتى تذهب الرائحة الكريهة، أو الدسم الذي قد يؤذيه ويشغله، والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان «لما شرب لبنا تمضمض، وقال: إن له دسما (2) » فالمضمضة مستحبة إذا دعت الحاجة إليها.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (128) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب هل يمضمض من اللبن، برقم (211) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار، برقم (358) .(5/52)
31- حكم أداء الصلاة أكثر من فرض بوضوء واحد
س: هل كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم البقاء على وضوئه يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: كان الغالب على أحواله عليه الصلاة والسلام الوضوء، وكان يتوضأ لكل صلاة، ثم شرع له السواك، فكان يصلي الصلاتين بوضوء
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (140) .(5/52)
واحد، «وفي يوم الفتح صلى عدة صلوات بوضوء واحد، فسأله عمر عن ذلك، فقال: عمدا فعلت (1) » ليعلم الناس أنه لا حرج أن يجمع الصلوات بوضوء واحد، وكان يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد في أسفاره – عليه الصلاة والسلام – وفي غيرها.
فالحاصل أنه كان لا يتكلف بالوضوء ولا الغسل، ولا يتنطع، وكان ربما صلى الصلوات بوضوء واحد، عليه الصلاة والسلام، والغالب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، عليه الصلاة والسلام، وربما قضى حاجته ولم يتوضأ كما ثبت في صحيح مسلم: «أنه خرج من محل قضاء الحاجة وقدم له طعام، فقيل: أفلا تتوضأ؟ فقال: إني ما أريد الصلاة (2) » ثم أكل.
فدل ذلك على أنه لا حرج أن يأكل الإنسان وهو على غير طهارة، ولكن يستحب إذا كان جنبا أن يتوضأ قبل الأكل، وقبل النوم.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند، مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي، برقم (23029) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب جواز أكل المحدث الطعام، برقم (374) .(5/53)
32- حكم الوضوء للصلاة قبل دخول الوقت
س: السائل: أبو عبد الرحمن، من الرياض، يقول: ما حكم الوضوء للصلاة قبل دخول الوقت؟ (1)
ج: لا بأس أن يتوضأ قبل الوقت، كأن يتوضأ العصر ويصلي بها المغرب، أو يتوضأ الظهر ويصلي بها العصر إذا بقيت معه الطهارة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعض الأحيان عدة أوقات بوضوء واحد، اللهم صل وسلم عليه.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (433) .(5/54)
33- حكم الاحتفاظ بالوضوء ليوم كامل
س: هل الاحتفاظ بالوضوء ليوم كامل يجوز؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك إذا استطعت، أما إذا كان ذلك فيه مشقة فلا، فإنك تحدث وتتوضأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان (2) » يعني البول والغائط، فإذا بقيت على الطهارة من دون مشقة صليت بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلا بأس،
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (217) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام، برقم (560) .(5/54)
لكن إذا كان عندك مشقة، مثل: الريح، أو البول، أو غيرهما فاقض حاجتك، ولا تشق على نفسك، هذا هو الأفضل، وهذا هو السنة؛ حتى تصلي وأنت مطمئن خاشع.(5/55)
س: السائل يقول: إنني أتوضأ دائما لصلاة العصر، وأصلي بهذا الوضوء ثلاثة فروض: العصر والمغرب والعشاء، حيث إن عندي عملا، فهل هذا يجوز دائما؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، إذا توضأ الإنسان للعصر، ثم صلى بوضوئه العصر والمغرب والعشاء فالحمد لله، النبي صلى الله عليه وسلم صلى عدة صلوات عام الفتح بوضوء واحد، وقال: عمدا فعلت (2) ؛ حتى يعلم الناس أن هذا جائز، لكن إذا جدد للمغرب والعشاء كان أفضل إذا تيسر له ذلك، وإلا فالأمر واسع، والحمد لله.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (210) .
(2) أخرجه أحمد في المسند، حديث بريدة الأسلمي، برقم (23029) .(5/55)
34- حكم الوضوء بماء تغير برائحة غير نجسة
س: ما حكم الوضوء بماء فيه رائحة الغاز، أو أي رائحة أخرى؟ (1)
ج: إذا كان شيئا طاهرا فلا يضر ولو فيه رائحة الغاز، أما إذا تنجس بشيء يغير رائحته نجاسة فلا يتوضأ به، أما رائحة الغاز أو غيرها من الرائحات التي ليست بنجاسة فلا يضر.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (432) .(5/56)
35- حكم الوضوء والصلاة في ملابس النوم
س: يقول: نحن نعلم أن المسلم يجب أن يصلي في ملابس طاهرة، ولكننا لا نعلم هل يجوز للمسلم أن يتوضأ في ملابس غير طاهرة، ولكنها في الحقيقة غير نجسة نجاسة عينية، كملابس النوم مثلا؟ (1)
ج: ليس له أن يصلي في ملابس نجسة، أما الملابس التي يشك فيها فلا بأس، وملابس النوم ما هي بنجسة إلا إذا علم أنه أصابها نجاسة يغسل النجاسة، وأما كونه ينام فيها فإن النوم لا ينجسها إلا إذا أصابها بول، أو مذي، أو شيء من النجاسات الأخرى، يغسل ما
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (399) .(5/56)
أصابها، فإذا علم أن فيها نجاسة لا يصلي فيها، أما إذا لم يعلم فالأصل الطهارة، والحمد لله.(5/57)
36- حكم رد السلام أثناء الوضوء
س: يقول السائل: هل الرد على المسلم، والرد على الأسئلة أثناء الوضوء جائز؟ (1)
ج: لا حرج إذا كان في غير محل قضاء الحاجة، إذا كان في محل غير محل قضاء الحاجة يسلم ويسلم عليه، ويجيب على الأسئلة وهو في محل الوضوء، لا في محل قضاء الحاجة.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (242) .(5/57)
37- بيان حدود اللحية
س: يقول: ص. ع، من اليمن: البعض من الناس يقولون: إن المقصود باللحية هو الشعر النابت على الذقن، أما ما يوجد على الخدين فليس من اللحية، فهل هذا صحيح؟ (1)
ج: اللحية: ما نبت على الخدين والذقن. هذا هو الصحيح، اللحية هي الشعر الذي ينبت على الخدين والذقن، هكذا قال أئمة
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (387) .(5/57)
اللغة: كصاحب القاموس، وصاحب اللسان وغيرهما، قالوا: اللحية: ما نبت على الخدين والذقن، وهما أعلم بلغة العرب.(5/58)
38- تحديد وقت إزالة شعر الإبط
وحلق العانة وتقليم الأظافر
س: بالنسبة لشعر الإبط، كم هي المدة التي يجب على المرء أن يقضيها، ثم يعاود تنظيف الإبط من الشعر؟ (1)
ج: يقول أنس رضي الله عنه فيما رواه مسلم في الصحيح: «وقت لنا في قص الشارب، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقلم الأظفار، أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة (2) » ورواه أحمد وجماعة بلفظ: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أربعين ليلة (3) » فالحد النهائي أربعون ليلة فقط، فإذا قارب الوقت يأخذ شاربه، يأخذ أظفاره، ينتف إبطه أو يزيله بغير النتف من الأدوية، يقص شاربه، هذه السنة، وإذا تعاهد
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (274) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) ، وأحمد في مسنده، مسند أنس بن مالك برقم (13677) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب التوقيت في ذلك، برقم (14) .(5/58)
الشارب قبل الأربعين؛ لأنه يطول، وبعض الناس يطول شاربه بسرعة إذا تعاهده ولو قبل الأربعين، تعاهده وهو في العشرين يوما، أو خمسة وعشرين يوما يكون أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «قصوا الشوارب (1) » يقول صلى الله عليه وسلم: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا (2) » فإذا تعاهده قبل الأربعين: الشارب والإبط والعانة والأظفار فهو طيب، لكن لا يؤخر أكثر من الأربعين.
__________
(1) أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة برقم (7132) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في قص الشارب، برقم (2761) .(5/59)
س: ألاحظ بعض المصلين وقد طالت أظافرهم وأحبست بالأوساخ النجسة، فهل هذا يتفق مع الدين؟ وهل يصح وضوءهم؟ (1)
ج: الأظفار ينبغي قلمها وتعاهدها قبل الأربعين، فالرسول صلى الله عليه وسلم وقت للناس في قلم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، أن لا يترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، هكذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أنس رضي الله عنه – وهو خادم الرسول صلى الله عليه وسلم – قال: «وقت لنا في قص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (69) .(5/59)
العانة أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة (1) » خرجه مسلم في صحيحه، وخرجه الإمام أحمد والنسائي والجماعة، وفي لفظ: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نترك الأظفار والشارب، وحلق العانة، ونتف الإبط أكثر من أربعين ليلة (2) » فالواجب على الرجال والنساء أن يلاحظوا هذا الأمر، فلا يترك الظفر، ولا الشارب، ولا العانة، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة، الرجل يتعاهد والمرأة تتعاهد، الرجل يتعاهد ظفره وشاربه وعانته وإبطه، حتى لا تجتمع الأوساخ هناك، وهي ليست نجسة، ولكن مستقذرة، ينبغي ملاحظة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك المرأة تلاحظ ذلك في ظفرها وعانتها وإبطها، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، من باب النظافة والنزاهة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل خير، ودل على كل خير، ونهى عن كل شر.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) ، وأحمد في مسنده، مسند أنس بن مالك برقم (13677) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب التوقيت في ذلك، برقم (14) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .(5/60)
39- حكم دفن الأظفار بعد قصها وقراءة بعض السور عليها
س: الأخت: م. م. من سلطنة عمان تسأل وتقول: سمعت بعض الناس يقولون: إنه عند الانتهاء من قص الأظافر لا بد من أخذها ودفنها في مكان، وقراءة بعض السور عليها، مثل الإخلاص والمعوذتين، وعدم رميها. فما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا شيء لا أصل له، إذا قص الإنسان أظفاره يرميها ولا بأس، ولا حاجة إلى دفنها، ولا قراءة القرآن عليها، كل هذا خرافة لا أصل لها، ولا أساس لها، متى قص الإنسان أظفاره رجلا أو امرأة فلا حرج في إلقائها في أي مكان.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (278) .(5/61)
س: تقول: عندنا عادة موجودة في بلدتي، وهي عند تقليم الأظافر نقوم بدفن الأظافر في الأرض، ونقول: يا تراب، أشهد يوم الحساب، فما هو رأيكم؟ (1)
ج: هذا لا أصل له، لو رمت الأظافر في القصاصة لا بأس، لو
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (240) .(5/61)
رمتها في الأرض، أو مع القمامة لا حرج، أما دفنها في الأرض وقول: يا تراب، اشهد يوم الحساب.
هذا لا أصل له، بل هذا من البدع التي لا أصل لها.(5/62)
س: السائلة: ف. م. من فيفاء: لقد سمعت أن رمي بقايا شعر الرأس والأظافر غير جائز، وأنه يجب دفنها.
وضحوا لي هذا الأمر. جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا يجب الدفن، ما يقلم من الأظافر، أو يقطع من الشعر لا يجب دفنه، إذا ألقي في القمامة لا بأس ولا حرج، إن دفنه فلا حرج، وإن ألقاه في القمامة فلا حرج، الأمر واسع، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (275) .(5/62)
س: هل يجب دفن الشعر المتساقط، والأظافر المقصوصة في التراب (1)
ج: ليس بلازم، يلقيها في القمامة، والحمد لله، ما فيه دليل على دفنها، إذا ألقاها في القمامة كفى، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (378) .(5/62)
40- حكم تطويل أظافر المرأة
س: ما حكم تطويل أظافر المرأة؟ علما بأنها تصلي وتؤدي جميع فرائضها (1)
ج: تطويل الأظافر ممنوع في حق الرجل والمرأة جميعا، ليس للمرأة أن تطول أظافرها، وليس للرجل أن يطول أظافره، والحد في ذلك أربعون ليلة، فما زاد على هذا يجب عليها قلم الظفر، وعلى الرجل كذلك، وهكذا نتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب، يقول أنس رضي الله عنه: «وقت لنا في قص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين يوما (2) » رواه مسلم في الصحيح: والذي وقته النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا جاء في رواية أحمد والنسائي والجماعة وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) بالتصريح أنه وقته صلى الله عليه وسلم، فالواجب على الرجال والنساء أن لا يطيلوا الأظافر أكثر من هذه المدة، أما في هذه المدة فأقل فالأمر واسع، لكن لا يزدن على أربعين، لا في الظفر، ولا في الإبط، ولا في العانة، وهكذا الرجل في الشارب.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (222) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (258) ، وأحمد في مسنده، مسند أنس بن مالك برقم (13677) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب التوقيت في ذلك، برقم (14) .(5/63)
صفحة فارغة(5/64)
باب في فرائض الوضوء
41- متى شرع الوضوء والتيمم
س: الأخ: ع. ب. س. من قرى المدينة المنورة، يقول: عرفنا أن فريضة الصلاة قد فرضت قبل الهجرة، أي في ليلة الإسراء والمعراج، هل فريضة الوضوء ومشروعية التيمم أيضا قبل الهجرة، أم بعدها؟ وإذ كانت بعد الهجرة ففي أي السنين جاءت فريضة الوضوء ومشروعية التيمم؟ وجهونا حول هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرا (1)
ج: أما الوضوء فالأصل في ذلك أنه شرع مع الصلاة؛ لأن النبي عليه السلام قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور (2) » فالأصل في هذا أن الله شرع الوضوء مع الصلاة، أما التيمم فلم يشرع إلا في المدينة بعد مدة طويلة، شرع التيمم بعد ذلك في المدينة، وأما الوضوء فهو مشروع مع الصلاة.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (169) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (224) .(5/65)
42- بيان أحكام الوضوء
س: يقول السائل: ما هي أحكام الوضوء؟ وهل هناك أدعية واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الوضوء؟ (1)
ج: الوضوء له فرائض وله شرائط، ويستحب في أوله التسمية، وفي آخره الشهادة، بعدما يفرغ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.
وفي أوله يقول: بسم الله.
عندما يغسل يديه ليتوضأ يغسل كفيه ثلاثا قبل أن يتوضأ يسمي عند ذلك، وله شرائط عشرة: الإسلام.
العقل.
التمييز.
نية رفع الحدث.
واستصحاب حكم النية.
وانقطاع الموجب الذي يوجب الوضوء ونحوه.
الاستنجاء أو الاستجمار قبله؛ استنجاء بالماء، أو استجمار بالحجارة أو بالمناديل وباللبن ونحو ذلك.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (249) .(5/66)
وطهورية الماء؛ يكون الماء طهورا.
ويكون مباحا.
وإزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة؛ يعني إزالة الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة من عجين، أو صمغ، أو غير هذا مما يمنع وصول الماء إلى الجلدة.
وهناك شرط حادي عشر في حق من حدثه دائم: أن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، وهذا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة، وحكم صاحب السلس مثلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: «وتوضئي لوقت كل صلاة (1) » فألحقوا بها جميع من حدثه دائم؛ كصاحب السلس الدائم، مثل البول، أو الريح الدائمة، هذا مثل صاحب الدم، فالمستحاضة تتوضأ إذا دخل الوقت.
وبعض أهل العلم نازع في إباحة الماء، هل يجوز الطهور بماء غير مباح؟ لأن المقصود يحصل به من إزالة أثر النجاسة، ومقتضى الحدث، والتحريم ليس خاصا بالوضوء، خاصا بجنس الماء، لا بد أن يكون مباحا، لا يجوز له شربه، ولا الوضوء به ولا استعماله إلا إذا كان ملكا له، والقاعدة ما كان تحريمه عاما، لا يخص الصلاة فإنه لا يبطل الصلاة، وهكذا الصلاة في الثوب
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في المستحاضة برقم (624) ، والإمام أحمد في المسند مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، برقم (25681) .(5/67)
المغصوب، والأرض المغصوبة؛ لأنه عام لا يخص الصلاة، ليس له أن يستعمل الثوب المغصوب، وليس له أن يجلس في الأرض المغصوبة ولو كان في غير الصلاة، فإذا كان النهي عاما فإنه لا يضر الصلاة، وإن كان لا يجوز له الفعل، فعلى هذا لو صلى في الأرض المغصوبة، أو توضأ بالماء المغصوب، أو صلى في الثوب المغصوب صحت صلاته مع الإثم، يأثم وتصح صلاته، هذا القول الأرجح.
وهكذا النجاسة لو أزالها بماء طهور، لكنه مغصوب زالت ولكن يأثم، لو كان في ثوبه نجاسة وغسله بماء طهور، لكنه مغصوب زالت النجاسة، وطهر الثوب مع كونه آثما؛ لأن المقصود حصل.
ولا يشرع في الوضوء أدعية، ما عدا التسمية في أوله، والشهادة في آخره، أما أثناء الوضوء فلم يرد شيء صحيح.(5/68)
43- بيان الفرق بين وضوء الفرض والسنة
س: حددوا لنا الوضوء الفرض والسنة؟ (1)
ج: إن الله جل وعلا شرع لعباده الوضوء عند إرادة الصلاة، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (2)
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (34) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/68)
فهذا يدل على وجوب استعمال الوضوء الشرعي على ضوء ما ذكرته الآية الكريمة، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بفعله عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أنه لا بد لمن قام إلى الصلاة من الوضوء الشرعي إذا كان على غير طهارة، وهو كما بينه الله: غسل الوجه، ثم غسل اليدين مع المرفقين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين.
وهذا فرض ومفترض مرة مرة، والسنة أن يغسل اليدين ثلاث مرات قبل إدخالهما في الإناء، كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يغسل يديه ثلاث مرات – يعني كفيه – ثم يشرع في الوضوء، وينبغي أن يقدم التسمية على غسل اليدين، فيقول: بسم الله.
قبل أن يغسل يديه، والجمهور على أنها سنة، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التسمية مع الذكر، وسقوطها مع الجهل والنسيان، ومما جاء عنه عليه السلام أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (1) » وهو حديث له طرق وفيها ضعف لكن مجموعها يدل على أن له أصل وأنه حسن، فينبغي لمن أراد الوضوء أن يسمي الله عند بدئه لغسل يديه، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يغسل وجهه من منابت الشعر من أعلى إلى الذقن من أسفل، والعرض
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .(5/69)
إلى فروع الأذنين، هذا هو الوجه فيغسله جميعا، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، ومعنى: إلى يعني: مع المرفقين.
ويدل على ذلك فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يغسل يديه حتى يشرع في العضد، يعني: يغسل مرافقه مع الذراع، ثم يمسح رأسه مع أذنيه – كما جاءت به السنة، وهذا فرض أيضا – ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، يعني مع الكعبين، ويدل على هذا فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يغسل رجليه حتى يشرع في الساقين، كما رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة، هذا هو الوضوء المفترض: غسل الوجه مع المضمضة والاستنشاق مرة مرة، غسل اليدين مع المرفقين مرة، مسح الرأس مع الأذنين مرة، غسل الرجلين مع الكعبين مرة.
هذا مفترض، فإن كرره مرتين فهو أفضل؛ يعني سنة، وإن كرره ثلاثا فهو أكمل، كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام في عمله وفعله، والفرض أن يستنشق مرة واحدة، هذا فرض، وإن كرر المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات فهو أكمل وأفضل، ثم بعد ذلك يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (1) » ، هكذا جاء في الحديث الصحيح، وهذا سنة بعد الفراغ، رواه مسلم في الصحيح عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عبد يتوضأ ويسبغ الوضوء – أو قال: يبلغ الوضوء – ثم يقول:
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (55) ، سنن النسائي الطهارة (148) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (470) .(5/70)
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء (1) » هذا فضل عظيم في هذه الشهادة بعد الوضوء، ويستحب أن يزيد: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (2) » ؛ لما رواه الترمذي رحمه الله بإسناد صحيح عن المغيرة بهذه الزيادة، وبهذا يعلم المفترض من الوضوء والسنة منه، فالتسمية في أول الوضوء سنة، تكرار المضمضة والاستنشاق مرتين أو ثلاثا سنة، غسل الوجه أكثر من مرة سنة، غسل اليدين مع المرفقين مرة هذا فرض، تكرار ذلك مرتين أو ثلاثا سنة، ومسح الرأس مع الأذنين فرض، ولا يشرع التكرار، وغسل الرجلين مع الكعبين مرة فرض، وتكرار ذلك مرتين أو ثلاثا سنة، والشهادة بعد الوضوء والدعاء سنة، الذي تقدم ذكره.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يقال بعد الوضوء، برقم (55) .(5/71)
44- صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
س: ما هي الكيفية الصحيحة للوضوء؟ (1)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم وضح للأمة الوضوء بفعله عليه الصلاة والسلام مفسرا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (2) ، فسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله للصحابة، فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام للوضوء غسل كفيه ثلاث مرات أولا – وهذا مستحب – ثم يبدأ يتمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه عموما من منابت شعر الرأس إلى الذقن طولا وعرضا إلى فروع الأذنين، ثم يغسل ذراعيه مع المرفقين، ثم يمسح رأسه مع الأذنين، ثم يغسل الرجل مع الكعبين.
هكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام، هذه صفة وضوئه، يغسل كفيه ثلاثا أولا ولا سيما إذا قام من النوم يتأكد ذلك، فيجب أن يغسل كفيه ثلاث مرات قبل إدخال يده في الإناء، ثم يبدأ فيتمضمض ويستنشق ويستنثر ويغسل وجهه، والواجب مرة، ورد أنه توضأ مرة مرة، ثم يغسل ذراعيه مرة مرة مع المرفقين، ثم يمسح رأسه كله مرة واحدة مع الأذنين؛ يدخل إصبعيه في صماخ أذنيه، ويمسح ظاهر أذنيه بالإبهامين، ثم يغسل الرجلين مع الكعبين، مرة واحدة الواجب. وتوضأ
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (328) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/72)
لهم مرتين مرتين، وتوضأ لهم ثلاثا ثلاثا حتى يعلموا السنة، فالمرة الواحدة فريضة، والمرتان سنة، والثلاث هي التمام، أفضل أن تكون ثلاثا ثلاثا، وهو الغالب من فعله عليه الصلاة والسلام، إلا الرأس مسحة واحدة لا يكرر ثلاثا، الرأس يمسحه مرة، بدأ بالمقدمة إلى قفاه، ثم يرده إلى المكان الذي يبدأ منه، فهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام، والواجب أن تكون المرفقان داخلين في غسل اليدين، وهكذا الكعبان تدخلان في غسل الرجلين.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غسل يديه أشرع في العضد، وإذا غسل رجليه أشرع في الساق (1) » حتى يدخلا في ذلك؛ أعني المرفقين والكعبين؛ لقوله جل وعلا: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) إلى يعني: مع المرافق. وقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (3) ، معناه: مع الكعبين. فالكعب مغسول والمرفق مغسول، هذا صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام، مرة مرة، أو مرتين مرتين، أو ثلاثا ثلاثا، وربما غسل بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا، فالأمر واسع، الواجب مرة مرة، وليتمضمض مرة وليستنشق مرة، ويغسل وجهة مرة، يعمه بغسل، ثم اليدين مرة مرة،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، برقم (246) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6(5/73)
ويمسح رأسه مع الأذنين مرة، ثم يغسل رجليه مع الكعبين مرة، هذا هو الواجب، والأفضل أن يزيد فيكرر غسل الوجه واليدين والرجل مرتين أو ثلاثا، والثلاث أكمل وأفضل، أما الرأس فإنه يكفيه مرة واحدة لا يكرر، يمسحه مرة واحدة بيديه مع أذنيه، والأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه ثم يمر بيديه إلى قفاه، ثم يعيدهما إلى المكان الذي بدأ منه مع إدخال إصبعيه في أذنيه ومسح ظاهرهما بإصبعيه.(5/74)
45- تعريف الوضوء الشرعي
س: أيضا يسأل أخونا: م. ح. د. من المنطقة الشرقية بقيق، فيقول: هل مطلوب من المسلم إذا أراد أداء الصلاة أن يغسل وجهه ويديه، وأن يمسح على رأسه، ويغسل الرجلين إلى الكعبين فقط دون أن يقوم بالاستنجاء، أم أن ذلك كاف؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوضوء الشرعي إذا أطلق في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد به أن يغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه وأذنيه، فيغسل رجليه، هذا هو الوضوء الشرعي، وهو المذكور في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (2) ،
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (162) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/74)
الآية من سورة المائدة، وهكذا في سورة النساء هذا المعنى.
المقصود أن الواجب على المؤمن إذا كان على غير طهارة من ريح، أو بول، أو نحو ذلك أن يتوضأ الوضوء الشرعي، وهو المذكور في قوله سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1) ، لكن إن كان الحدث بولا، أو غائطا فإنه يستنجي، يعني يغسل الدبر عن الغائط، ويغسل الذكر عن آثار البول، ثم يتوضأ الوضوء الشرعي، يعني: يغسل كفيه ثلاث مرات، يتمضمض ويستنشق، يغسل وجهه، يغسل يديه مع المرفقين، يمسح رأسه مع الأذنين، ويغسل رجليه مع الكعبين. هذا هو الوضوء الشرعي، والواجب مرة واحدة، فإن كرر ثلاثا فهو أفضل، يتمضمض ثلاثا، يستنشق ثلاثا، يغسل وجهه ثلاثا، ويديه مع المرفقين ثلاثا، يمسح رأسه وأذنه مرة واحدة، المسح يكون مرة، يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا، والمرة كافية، والمرتان كذلك، لكن الأفضل والكمال ثلاثا ثلاثا، إلا الرأس فإنه يمسح مسحة واحدة مع الأذنين، وهذا كله بعد الاستنجاء إن كان هناك بول أو غائط، أما إن كان الحدث ريحا فلا يحتاج استنجاء، يبدأ بالغسل؛ المضمضة والاستنشاق، لا يحتاج استنجاء، وهكذا لو كان الحدث نوما، أو مس
__________
(1) سورة المائدة الآية 6(5/75)
الفرج، أو أكل لحم الإبل، هذا ما يحتاج استنجاء، إنما يبدأ بالمضمضة والاستنشاق.(5/76)
46- حكم النية عند الوضوء
س: الأخ: ع. م. من القصيم، يسأل ويقول: من شروط الوضوء النية، والنية محلها القلب، لكن إذا ذهب شخص لدورة المياه؛ الحمام – أعزكم الله والسامعين – لقضاء الحاجة ولم ينو الوضوء، وحين ما فرغ أراد الوضوء؛ بأن غسل وجهه ويديه إلى آخر الأعضاء، أي أكمل الوضوء، فهل وضوؤه صحيح؟ (1)
ج: نعم، نية الوضوء عند البدء بالمضمضة والاستنشاق؛ لأن ذلك يسمى قضاء حاجة، يسمى استنجاء، فإذا استنجى من البول أو الغائط وليس عنده نية وضوء، ثم بعد ذلك أراد أن يتوضأ فالنية تكفي بعد ذلك، فإذا بدأ فإنه يتمضمض ويستنشق بنية وضوء كفى، والأفضل أن ينوي عند غسل الكفين، عند غسل الكفين يسمي الله وينوي الوضوء، ثم يشرع في المضمضة والاستنشاق، وغسل الوجه ثم يديه، ثم مسح رأسه إلى آخره، فالنية عند بدئه؛ غسل اليدين قبل المضمضمة
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (136) .(5/76)
والاستنشاق، أما ذاك الذي يسمى الاستنجاء فليس محل النية، هذا كإزالة أذى؛ إزالة خبث، يزيل الأذى بالماء أو بالاستجمار، ولا يحتاج إلى نية، إنما النية عند بدئه غسل أطرافه الأربعة: الوجه واليدين والرأس والرجلين، هذا محل النية، ويسمى الوضوء، ويسمى التطهر والطهور.(5/77)
47- حكم التلفظ بالنية عند الوضوء
س: يسأل عن النية، ويقول: هل النية أن أقول في قلبي – عند الوضوء، أو عندما أريد صيام رمضان مثلا في كل يوم: نويت أن أفعل كذا. أم أن ذلك في القلب والعزم يكفي؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: النية: قصدك أنك تفعل كذا حين تسحرت، وتسحرت لتصوم اليوم، هذه النية، حين تقوم للصلاة هذه النية، النية كون القلب يقصد أنه قام في هذا الشيء، أو شرع في هذا الشيء، أو سيشرع في هذا الشيء يريد وجه الله سبحانه وتعالى، ولا يحتاج إلى تلفظ، فلا يقول: نويت بلسانه، بل بقلبه، أما التلفظ بالنية كأن يقول: نويت أن أصلي، نويت أن أطوف. فهذا بدعة لا أصل له.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (342) .(5/77)
س: يقول السائل: إنني أنوي للوضوء، بحيث أقول بدون تلفظ: اللهم نويت الوضوء في هذا الماء الطاهر للطهارة للصلاة , وعند الصلاة أنوي بدون تلفظ أيضا: نويت أن أصلي صلاة الظهر – مثلا – حاضرا لله تعالى. وسؤالي هنا: هل النية صحيحة في هذا؟ وهل التلفظ جائز أو لا؟ (1)
ج: النية لا بد منها للعبادات كلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » فالنية بالقلب في الصلاة، في الحج، في الصيام، في جميع العبادات، في الصدقة، إلى غير ذلك، لكن التلفظ غير مشروع؛ أن يقول: نويت بلسانه، فلا يتكلم ويقول: نويت أن أصلي الظهر كذا، نويت أن أصلي العصر كذا , هذا غير مشروع، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا السلف الصالح، وإنما النية بالقلب، فما يفعله بعض الناس: نويت الصلاة كذا، نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات إماما أو مأموما – إلى آخره – كل هذا لا أصل له، فهو من البدع، وإنما النية تكون بالقلب، لا باللسان.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (242) .
(2) أخرجه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .(5/78)
س: إذا تلفظت في داخل المسجد، وقلت: اللهم إني نويت الوضوء لصلاة العصر – مثلا – أو: نويت للصلاة. بهذه الطريقة هل هذا يعتبر بدعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، ليس له التلفظ بالنية، لا في الصلاة، ولا في الوضوء، لأن النية محلها القلب، فإنه يأتي إلى الصلاة بنية الصلاة ويكفي، يقوم للوضوء بنية الوضوء ويكفي، وليس هناك حاجة إلى أن يقول: نويت أن أتوضأ. أو: نويت أن أصلي. أو: نويت أن أصوم. أو: نويت أن أحج. أو ما أشبه ذلك، إنما النية محلها القلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » ولم يكن عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه يتلفظون بالنية في الصلاة، ولا في الوضوء، وعلينا أن نتأسى بهم في ذلك، ولا نحدث في ديننا ما لم يأذن به الله، يقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » يعني: فهو مردود، وبهذا يعلم أن التلفظ بدعة، التلفظ بالنية بدعة.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (67) .
(2) أخرجه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) .(5/79)
س: الأخ: خ. س. س. من حقل، يسأل ويقول: ما حكم من كان في نيته أن يتوضأ لصلاة العشاء، ولكنه نسي وتذكر ذلك بعد أن أدى الصلاة؟ هل يجب عليه قضاء هذه الصلاة؟ (1)
ج: إذا كان يعلم أنه أحدث فعليه القضاء، أما إذا كان نوى أن يتوضأ للتجديد والنشاط، وإلا هو يعلم أنه على طهارة، ولكن عزم أنه يتوضأ لمجرد الفضل والنشاط فهذا لا إعادة عليه؛ لأنه صلى وهو على طهارة، أما إذا كان يعلم أنه محدث، وإنما أراد الوضوء لأجل أنه محدث، فهذا صلى على غير طهارة، فعليه أن يعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول (2) » رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (3) » فلا بد من الطهارة إذا كان على غير طهارة، فإذا صلى وهو على غير طهارة فهو آثم، وقد أتى معصية وصلاته باطلة. نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (210) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (224) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحيل، باب في الصلاة، برقم (6954) ، أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (225) .(5/80)
48- حكم أداء صلاة الفرض بوضوء صلاة النافلة
س: إذا توضأت لصلاة النافلة فهل يجوز أن أصلي بذلك الوضوء الفريضة؛ لأن النية كانت للنافلة؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، إذا توضأ الإنسان الضحى – مثلا – لصلاة الضحى، وجاء الظهر وهو على طهارة يصلي الظهر، والحمد لله، المقصود أن يصلي بالطهارة سواء كانت الطهارة لنافلة، أو لقراءة في المصحف، أو لغير ذلك، يصلي بها الصلوات؛ الفريضة والنوافل الأخرى، ولو ما نواها؛ لأن الطهارة حاصلة، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (399) .(5/81)
49- حكم ذكر البسملة داخل دورة المياه عند الوضوء
س: سمعت حديثا من برنامجكم، وهو: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (1) » فما الحكم لو أن أحدا توضأ في دورة المياه؟ ونحن نعلم أنه لا يجوز ذكر اسم الله فيها (2)
ج: نعم، قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة طرق، عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (3) » ولكن أسانيدها فيها بعض الضعف، ومجموعها يرتقي إلى درجة الحسن، فينبغي للمؤمن عند الوضوء أن يسمي الله في ابتداء الوضوء، فيقول: بسم الله عندما يغسل كفيه بقصد الوضوء، أو عند ابتداء المضمضة والاستنشاق، يسمي الله جل وعلا عملا بهذه الأحاديث ولو كان في دورة المياه، فإن تيسر أن يكون وضوؤه خارجها فعل، وإلا فلا مانع أن يقول: بسم الله عند وضوئه، وإن كان في الدورة وذكر الله في الدورة ليس بحرام، لكنه يكره كراهة فقط عند
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .
(2) السؤال الثامن من الشريط رقم (205) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .(5/82)
بعض أهل العلم، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك زالت الكراهة؛ كالتسمية عند بدء الوضوء، أما إن نسي ذلك، أو جهل ذلك فلا حرج عليه ووضوؤه صحيح، لكن لا ينبغي أن يتعمد ذلك، بل ينبغي له أن يسمي الله في أول الوضوء حتى ولو كان في الدورة؛ لأجل شدة الحاجة إلى ذلك، وقول بعض أهل العلم بوجوب ذلك يمنع من الكراهية حينئذ، وتزول الكراهة بذلك، ويسمي الله عند بدء وضوئه، أما إذا لم يكن هناك حاجة فإنه يكره ذكر الله في حال وجوده في الدورة التي هي محل قضاء الحاجة؛ تعظيما لذكر الله جل وعلا، وتقديسا له، ولو ترك المتوضئ التسمية عند الوضوء جهلا منه، أو نسيانا منه فوضوؤه صحيح، أما إن تركها عمدا مع العلم والمعرفة بالحكم الشرعي فالأحوط له أن يعيد الوضوء؛ لأن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب ذلك لهذه الأحاديث وإن كان فيها ضعف، لكن يشد بعضها بعضا. نسأل الله للجميع التوفيق.(5/83)
50- حكم التسمية عند الوضوء
س: هل التسمية عند الوضوء سنة أم فريضة؟ وإن كانت فريضة ونسي إنسان أن يسمي فما الحكم؟ (1)
ج: الجمهور من أهل العلم على أنها سنة، هذا قول أكثر أهل العلم، أن التسمية سنة، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة.
لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (2) » لكن هذا الحديث أعله العلماء، وقالوا: إنه لا يثبت كما قاله أحمد رحمه الله وجماعة، ولهذا قالوا: يستحب فقط؛ لأن مجموع الأحاديث قد يشد بعضها بعضا، فيؤخذ منها السنية. وقال بعضهم: يؤخذ منها الوجوب لأنها متعددة، فيشد بعضها بعضا. كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله، فالقول بالوجوب فيه نظر، أما السنية فلا شك فيها، يستحب عند البدء في الوضوء أن يسمي، يقول: بسم الله عند بدء الوضوء، فإن نسي فلا شيء عليه، وهكذا عند الغسل يسمي، فإن نسي فلا شيء عليه، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (3)
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (136) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .
(3) سورة البقرة الآية 286(5/84)
51- حكم ترك التسمية عند الوضوء عمدا
س: يقول هذا السائل من الرياض: هل عدم التسمية عند الوضوء يبطل الوضوء؟ (1)
ج: جمع من أهل العلم يرونها واجبة؛ التسمية مع الذكر، فإذا تركها ناسيا أو جاهلا لا يضره، أما التعمد فلا ينبغي تعمد تركها.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (430) .(5/85)
س: كيف يسمي من أراد الوضوء في داخل دورة المياه؟ وهل له أن يذكر اسم الله وهو داخل الدورة؟ (1)
ج: نعم، يسمي عند بدء الوضوء، عند غسل كفيه، عند بدء الوضوء، يقول: بسم الله ثم يشرع؛ لأنها حاجة واجبة، وجمع من أهل العلم يراها واجبة؛ هذه التسمية، فعند وجوبها وتأكدها تزول الكراهة ولو أنه في دورة المياه.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (227) .(5/85)
52- حكم نسيان التسمية عند الوضوء
س: إذا بدأت الوضوء، ولكنني نسيت التسمية فما حكم وضوئي ذلك؟ وكيف تنصحون من كان مثلي؟ (1)
ج: إذا توضأ الإنسان ونسي التسمية، أو كان جاهلا فلا شيء عليه، وضوؤه صحيح، إنما الخلاف بين العلماء إذا كان تعمد مع العلم، فالجمهور على أن وضوؤه صحيح ولو تعمد؛ لأن الأحاديث عندهم ضعيفة في ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى أن وضوؤه غير صحيح إذا تعمد مع العلم؛ لأن الأحاديث وإن كان في أسانيدها مقال لكن يشد بعضها بعضا، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (2) ، الآية من سورة المائدة، قال: إن الأسانيد يشد بعضها بعضا، وهي الحديث المعروف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (3) » جاءت من عدة أحاديث عن عدد من الصحابة، عن أبي سعيد وأبي هريرة وآخرين، لكن في أسانيدها مقال. قال الحافظ: إنه يشد بعضها بعضا، وقد تكون من قبيل الحسن لغيره.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (191) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .(5/86)
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب هذه التسمية في أول الوضوء مع الذكر، أما مع النسيان ومع الجهل فلا شيء عليه، وضوؤه صحيح.(5/87)
53- حكم من تذكر التسمية بعد الوضوء
س: المستمع: ح. ن. ش. يسأل ويقول: ماذا أفعل إذا نسيت التسمية وأنا في الوضوء؟ هل أسمي بعد إكمال الوضوء؟ (1)
ج: لا حرج، إذا نسيتها سقطت والحمد لله، ولا شيء عليك، إذا نسيت التسمية في الوضوء في هذه الحالة مع النسيان تسقط، والحمد لله، وإذا ذكرتها في الأثناء سم عند ذكرها عند غسل اليدين، وعند مسح الرأس سم بالله، كله طيب.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (311) .(5/87)
س: من إحدى الأخوات المستمعات رسالة تقول فيها: ما حكم من نسي التسمية عند الوضوء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: من نسيها عند الوضوء فلا شيء عليه، ولو تعمدها فوضوؤه صحيح عند أكثر أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: إذا تعمدها وهو
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (318) .(5/87)
يعلم الحكم الشرعي فإنه يعيد الوضوء. والصواب أنه لا يعيد إذا كان عنده جهل أو شك في وجوبها عليه، أو يعتقد أنها مستحبة فقط، ليس عليه إعادة الوضوء، ولكن يشرع له أن يسمي عند الوضوء، فإن نسي ذلك، أو جهل ذلك، أو شك في وجوب ذلك فوضوؤه صحيح، والحمد لله.(5/88)
س: عند الوضوء دائما أنسى البسملة في بدايته مع علمي بصحة الحديث في ذلك، فما حكم الوضوء، وبالتالي الصلاة فيما مضى؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوضوء صحيح، والصلاة صحيحة والحمد لله؛ لقول الله عز وجل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) , فليس عليك حرج حتى ولو تركت عمدا، عند أكثر العلماء على أنها سنة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة مع الذكر، أما مع النسيان تسقط، أو مع الجهل الحمد لله , والصلاة صحيحة والحمد لله، والوضوء صحيح كذلك.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (286) .
(2) سورة البقرة الآية 286(5/88)
54- حكم من نوى التسمية بالقلب
داخل الدورة عند الوضوء
س: يقول السائل: أكثر الأحيان أتوضأ في الحمام وبدون أن أسمي، ولكني أنوي التسمية بقلبي، فهل يصح الوضوء؟ (1)
ج: الوضوء صحيح على الصحيح، لكن السنة أن تسمي ولو في الحمام، تقول: بسم الله عند بدء الوضوء؛ لأن التسمية يراها واجبة جمع من أهل العلم، التسمية تجب عند جمع من أهل العلم، فلا تتركها، تسمي عند أول الوضوء ولو كنت في الحمام؛ لأن هذا عذر شرعي، ولا تدع التسمية، والذي مضى نسأل الله أن يعفو عنا وعنك، ولا حرج إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (249) .(5/89)
س: عن ذكر الله والإنسان يتوضأ داخل الحمام، كيف يكون؟ (1)
ج: السنة: الإنصات وعدم الذكر، يكره الذكر في الحمام؛ لأنه محل قضاء الحاجة، لكن إذا أراد الوضوء والمغسلة التي يتوضأ منها في الحمام فإنه يسمى عند أول الوضوء؛ لأن التسمية واجبة عند جمع
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (156) .(5/89)
من أهل العلم، فلا يتركها من أجل الكراهة، الواجب مقدم وتزول الكراهة، ويسمي عند بدء الوضوء، عند غسل اليدين، قبل أن يتمضمض ويستنشق، أو عند المضمضة والاستنشاق، المقصود أن يسمي في أول الوضوء ولو أنه في أول الحمام إذا دعت الحاجة إلى الوضوء في الحمام؛ لأن التسمية واجبة عند جمع من أهل العلم، سنة – عند الأكثر – مؤكدة، فلا ينبغي له تركها.(5/90)
55- حكم الوضوء داخل دورة المياه
س: هل يصح الوضوء في الحمام؟ (1)
ج: نعم، لا حرج أن يتوضأ في الحمام، ويسمي في أول الوضوء عندما يبدأ الوضوء بالتمضمض والاستنشاق، أو عند غسل الكفين ثلاثا، يقول: بسم الله ويبدأ؛ لأن الكراهة التي ذكرها العلماء في كراهة ذكر الله في الحمام تزول عند الحاجة، وهو محتاج إلى أن يسمي الله في أول الوضوء، وقد أوجب ذلك بعض أهل العلم، فحينئذ تزول الكراهة ويسمي الله عند بدء وضوئه، فإن تيسر أن يكون ذلك خارج الحمام فهذا أفضل وأكفى.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (158) .(5/90)
56- حكم التلفظ بالشهادتين داخل الخلاء
بعد الفراغ من الوضوء
س: إذا فرغ المسلم من الوضوء هل يجوز أن ينطق بالشهادتين في الخلاء؟ وما الحكم إذا تأخر النطق بالشهادتين حتى الخروج؛ للانشغال بغسل ثوب أو نحوه؟ (1)
ج: الأفضل للمؤمن أن لا ينطق بهما في الخلاء، يعني في الحمام، بل ينتظر حتى يخرج؛ لأن ذكر الله في الحمام مكروه؛ تعظيما له وتنزيها له سبحانه وتعالى، ومتى خرج ولو تأخر لغسل ثوب أو حاجة أخرى نطق بالشهادتين، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. هذا هو المشروع بعد الفراغ من الوضوء عند خروجه من الحمام، والله ولي التوفيق.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (86) .(5/91)
57- حكم الترديد وراء الأذان أثناء الوضوء
س: هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج يقول: سماحة الشيخ، أنا أعلم بأن الكلام أثناء الوضوء مكروه، ولكن هل يكون أيضا مكروها إذا رددنا وراء الأذان أثناء الوضوء؟ (1)
ج: لا حرج أن يتكلم بالأمر الشرعي وهو يتوضأ إذا كان في محل خارج الحمام، لا بأس، يردد مع المؤذن الأذان ويتوضأ.
__________
(1) السؤال السادس والستون من الشريط رقم (425) .(5/92)
58- حكم الوضوء داخل دورة المياه
س: ما حكم من يتوضأ داخل الحمام؟ وهل يجوز وضوؤه؟ (1)
ج: إذ توضأ داخل الحمام فلا بأس، ويسمي عند أول الوضوء، يقول: بسم الله ,ويتوضأ؛ لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة؛ لأن الكراهة تزول بوجود الحاجة، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوءه، وأما التشهد فيكون بعد الخروج من محل الوضوء؛ محل الحمام الذي فيه قضاء الحاجة، إذا فرغ يخرج ويتشهد في
__________
(1) السابع عشر من الشريط رقم (154) .(5/92)
الخارج، أما إذا كان الحمام لمجرد الوضوء ليس للغائط والبول هذا لا بأس أن يتوضأ فيه؛ لأنه ليس محلا لقضاء الحاجة.(5/93)
س: هل يجوز أن يتوضأ الشخص في دورة المياه أكرمكم الله؟ (1)
ج: لا بأس في ذلك، ولا حرج فيه، ولا بأس أن يسمي الله عند بدء الوضوء، وإذا خرج يتشهد؛ لأن بدء الوضوء بالتسمية واجب عند جمع من أهل العلم ومتأكد، فلا يمنعه كونه في الدورة، وإذا توضأ خارج الدورة كان أفضل إذا تيسر ذلك.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (325) .(5/93)
س: يسأل السائل س. من اليمن، ويقول: هل يصح الوضوء في الحمام إذا لم توجد مغسلة أخرى خارج الحمام؟ (1)
ج: يتوضأ في الحمام ولا بأس، والحمد لله، ويسمي عند بدء الوضوء؛ لأنه مضطر لهذا، تزول الكراهة عند الحاجة، زالت الكراهة، يسمي الله ويتوضأ والحمد لله، والتسمية تكون جهرا أو سرا، كله واحد، يتلفظ بها.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (304) .(5/93)
س: السائلة من قطر تقول: أسألكم عن الوضوء داخل دورات المياه، هل هو جائز؟ وكيف توجهونا بالنسبة للأذكار؟ ثم إني أذكر سماحتكم بنظافة هذه المحلات، فهي تختلف عن سابقتها فيما عرف قديما (1)
ج: إذا كان في الحمام – هذا مقعد لقضاء الحاجة – فالأولى والأحوط الخروج وقت الوضوء؛ الوضوء الشرعي إلى الخارج إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر توضأ في الداخل، لكن يسمي عند بدء الوضوء، عند غسل يديه، أو عند المضمضة والاستنشاق، فلا كراهة في ذلك؛ لأن التسمية مهمة، قد أوجبها جماعة من العلماء في أول الوضوء؛ لما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (2) » فالإنسان يسمي ولو كان داخل الحمام؛ لأن التسمية مهمة متأكدة، أو واجبة عند بعض أهل العلم، فلا يدعها لقول بعض أهل العلم بكراهة الذكر داخل الحمامات، وهو يكره، لكن إذا دعت الحاجة إليه كالوضوء تزول الكراهة؛ لأن التسمية متعينة متأكدة؛ إما وجوبا، وإما سنة متأكدة.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (306) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في التسمية عند الوضوء، برقم (25) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، برقم (102) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، برقم (397) .(5/94)
59- بيان أن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب
س: تقول السائلة: توضأت وقدمت عضوا على عضو، أي: قدمت غسل اليدين ثم الوجه، وذلك دون علم بصحة ذلك وعدم صحته، فما حكم وضوئي؟ . جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوضوء لا يصح إلا بالترتيب بغسل الوجه، ثم اليدين، ثم الرأس، ثم الرجلين، هذا الوضوء الشرعي، فالصلاة التي صليتها بهذا الوضوء المنكس عليك أن تعيديها إذا كنت تعرفينها، وإلا فبالظن والاجتهاد، أعيدي الصلاة التي تظنين أنك صليتها بهذا مع التوبة والاستغفار؛ لأنك لم تسألي ولم تتعلمي، والواجب عليك التعلم والسؤال ولو من طريق الهاتف، تحصلي على العلم من طريق الهاتف، من طريق المكاتبة، تسألي أهل العلم عندك إن كان عندك من يعرف، لا تسكتي، الواجب السؤال، فالله يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) ، يروى عنه عليه السلام أنه قال: «ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال (3) » فالواجب على الرجل والمرأة أن يسألا، كل مسلم أن يسأل عما أشكل عليه، عما يهمه في دينه.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (340) .
(2) سورة النحل الآية 43
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، برقم (336) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب في المجروح تصيبه الجنابة، برقم (572) .(5/95)
60- تحديد مدة وقت الوضوء والاغتسال
س: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث يحدد الوقت الذي كان يتوضأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل ورد حديث يحدد وقت الاغتسال؟ (1)
ج: لا أعلم شيئا في هذا، لا أعلم أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث يحدد زمان غسله وزمان وضوئه بالدقائق، لكنه ما كان يتكلف، عليه الصلاة والسلام، السنة دالة على أنه غير متكلف، وغير موسوس، عليه الصلاة والسلام، بل كان يتوضأ في مدة يسيرة، ويغتسل في مدة يسيرة، وليس من جنس أعمال الموسوسين، الذين يتنطعون ويتكلفون ويعذبون أنفسهم، بل الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية من الكمال في أخلاقه وأعماله، فما كان يتكلف ولا يتنطع، لا في غسله، ولا في وضوئه، عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواجب على المؤمن؛ أن يكون بعيدا عن التنطع والتكلف في الوضوء والغسل، بل يتوضأ في حالة حسنة ليس فيها تنطع، وليس فيها جفاء، بل يتوضأ كما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم: مرة مرة، أو مرتين مرتين، أو ثلاثا ثلاثا، ولا يزيد على ذلك، وهكذا في الغسل؛ يستنجي ثم يتوضأ وضوء الصلاة في حال الجنابة، ثم يغتسل؛ يفرغ
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (140) .(5/96)
الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم على بدنه، يبدأ بالأيمن ثم الأيسر، هذا هو المعروف من فعله عليه الصلاة والسلام، ولم يكن عنده تكلف، ولم يعرف عنه أنه كان يطيل في البقاء في الحمام لهذا الأمر، بل كان عليه الصلاة والسلام وسطا في كل أقواله وأعماله، عليه الصلاة والسلام.(5/97)
61- الموالاة في غسل الأعضاء
فرض من فروض الوضوء
س: هل يجوز قطع الوضوء لفترة تكون بسيطة، ثم بعد ذلك يعود لإكمال الوضوء؟ (1)
ج: إذ كانت يسيرة عرفا والأعضاء على حالها لم تجف، بل قطعه يكلم شخصا أو كذا فلا يضر، أما إذا طال الفصل لا بد من التوالي عرفا، والأحوط أن لا يتساهل في هذا؛ لأنه قد يعتقد أنها ليست بطويلة وهي طويلة، والأحوط أن يتابع الوضوء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، إذا دخل فيه يتابعه حتى ينهيه.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (355) .(5/97)
62- حكم الفصل بين غسل أعضاء الوضوء لعذر
س: يقول السائل: أ. ع. ب. من الرياض: شخص بدأ في الوضوء لبعض أعضاء جسمه، فانقطع عليه الماء، فذهب إلى مكان آخر وأكمل ما تبقى من أعضاء جسمه، فهل هذا الوضوء صحيح؟ (1)
ج: إذا كانت المدة غير طويلة؛ بأن لا يغسل الآخر حتى يجف ما قبله فلا بأس، إذا كانت المدة الفاصلة خفيفة فلا بأس، وإلا فليعده من أوله.
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (399) .(5/98)
63- حكم التيمم مع وجود الماء لإدراك صلاة الجماعة
س: عندما هممت بإكمال الوضوء بإحدى الصلوات قامت الصلاة، فتيممت وقمت للصلاة مع الجماعة؛ وذلك لازدحام المتوضئين، وخشيت أن صلاة الجماعة تفوتني، فهل علي إثم فيما فعلت؟ (1)
ج: نعم، عليك إثم، وعليك الإعادة؛ لأن عليك الوضوء ولو
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (336) .(5/98)
فاتتك الصلاة، عليك أن تتوضأ ولو فاتتك الجماعة، ولو صليت وحدك، فعليك أن تبادر وتتوضأ قبل خوف فوات الجماعة، أو قبل الأذان؛ حتى تكون مستعدا للصلاة، أما أن تتأخر وتتكاسل فإذا قامت الصلاة تيممت هذا غلط كبير، الواجب عليك أن تتوضأ ولو فاتتك الصلاة، وتصلي بوضوء، فإذا صليت مع الناس بتيمم وأنت قادر على الماء فهذا منكر، وعليك الإعادة والتوبة أيضا.(5/99)
64- حكم صلاة من نسي غسل أحد أعضاء الوضوء
س: يقول: ذهبت إلى الجامع للصلاة، وعند الانتهاء من الصلاة تذكرت بأن أحد أعضاء الوضوء لم أقم بغسله، فهل تجوز صلاتي؟ (1)
ج: عليك أن تعيد الوضوء، وتعيد الصلاة إن كانت فريضة؛ لأنك لم تأت بوضوء صحيح؛ لأن الوضوء غير صحيح؛ لأنك صليت بلا وضوء.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (357) .(5/99)
65- حكم الإخلال بالترتيب بين أعضاء الوضوء نسيانا
س: الأخت: ز. ع. تقول: إذا توضأ الفرد المسلم، فانتقل إلى غسل عضو، ونسي أن يغسل العضو الذي قبله، مثلا: أن يغسل يديه إلى المرفق، وينسى غسل الوجه فما الحكم؟ هل يعيد الوضوء؟ أم أنه يعود للعضو الذي لم يغسله؟ (1)
ج: يعود للعضو الذي لم يغسله، ويغسله ثم يغسل ما بعده، يعيد الوضوء كله من أول، إذا ترك الوجه يعود للوجه، ثم يعود يغسل اليدين، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ لأنه لا بد من الترتيب، فإذا نسي وغسل يديه قبل وجهه يعود يغسل وجهه، ثم يغسل يديه.
__________
(1) السؤال السابع والأربعون من الشريط رقم (428) .(5/100)
س: ما حكم من نسي شيئا في الوضوء، سواء كان ذلك الشيء فرضا أو كان سنة؟ هل يعيد العضو نفسه، أو يعيد الوضوء كله؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كانت المدة قريبة يعيد العضو وما بعده، أما إذا كان طال الفصل فإنه يعيد الوضوء كله، فلو نسي – مثلا – يده اليسرى عند الوضوء، ثم تنبه بعدما مسح رأسه، أو عند غسل رجليه يعود ويغسل
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (334) .(5/100)
يده اليسرى، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، أما إن طال الفصل فإنه يعيد الوضوء كله.(5/101)
66- حكم خلع طقم الأسنان المركبة أثناء الوضوء
تقول السائلة: لدي طقم أسنان، هل يجزئ وضوء واحد، أم عند كل وضوء لا بد من خلعها، ثم الوضوء؟ (1)
ج: لا حاجة إلى خلعها، تمضمضي عند الوضوء الأول، وما دامت على الطهارة فإنها تصلي بالطهارة، وإذا أرادت الوضوء مرة أخرى تمضمضت والأسنان في فمها، لا حاجة إلى خلعها.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (236) .(5/101)
67- حكم تخليل اللحية أثناء الوضوء
س: الأخ: م. ع. ع. من شرورة يسأل ويقول: هل وصول الماء إلى بشرة اللحية واجب ضروري، أم يكفي مرور الماء فوق الشعر؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كانت اللحية كثيفة كفى مرور الماء عليها، وإن خللها فهو أفضل، بأن خللها وعركها فهو أفضل، وإلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر الماء
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (230) .(5/101)
عليها، وربما خللها بعض الأحيان، عليه الصلاة والسلام، أما إن كانت صغيرة، لا تستر البشرة فإنه يعركها حتى يصل الماء إلى البشرة، إذا كانت صغيرة لا تستر البشرة فإنه يغسل البشرة مع الشعر؛ لأنها حينئذ وجودها كعدمها؛ قليلة، أما الكثيفة التي تستر البشرة لكثافتها فإنه يكفي مرور الماء عليها جميعها، إذا أجرى عليها الماء كفى، وإن خللها فهو أفضل.(5/102)
س: يقول السائل: بالنسبة للمتوضئ ذي اللحية الكثيفة، هل يشترط أن يصل الماء إلى منابت الشعر؟ (1)
ج: يكفيه أن يمر الماء عليها، إذا أمر الماء عليها كفى، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على أن إجراء الماء على اللحية يكفي، وأنه إذا غسل وجهه حتى أجرى الماء على اللحية كفى، ذلك وإن خللها فهذا أفضل، إذا تيسر تخليلها فهو أفضل، فقد فعل النبي هذا وهذا، عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (75) .(5/102)
68- بيان حدود الوجه في الوضوء
س: ما تحديد الوجه في الوضوء لمن لا لحية له، ولمن له لحية؟ وذلك بالتفصيل وبيان معنى ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوجه هو الذي تحصل به المواجهة، فيغسل ما بين الأذنين، ومن منابت الشعر فوق إلى اللحية أسفل، هذا هو الوجه، يغسل وجهه ومعه اللحية، يجري عليها الماء والخدين ما أقبل من الأذنين، الأذنان من الرأس ليستا من الوجه، لكن ما بينهما كله من الوجه، ومن منابت الشعر فوق وأسفل، كله من الوجه إلى اللحية، واللحية إن خللها بالماء فهو أفضل، وإن أجرى عليها الماء كلها كفى، والحمد لله، ومن لم يكن له لحية فإنه يغسل محل اللحية.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (352) .(5/103)
69- حكم غسل اليدين من المرفق إلى أعلى الكتف
س: هل يجب عند غسل اليد عند الوضوء من المرفق إلى الكف من الأعلى إلى الأسفل، أم أنه يجب التقيد باتجاه معين؟ (1)
ج: الواجب: غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق في الوضوء، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يغسل ذراعيه مع المرفقين حتى يشرع في العضد، يعني: يدخل المرفقين في الغسل سواء بدأ من أعلى، أو من أسفل، المهم أن يجري الماء على اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق إلى أول العضد، وهكذا في الرجل، يجري الماء على الرجلين حتى يستدخل الكعبين، يشرع في الساق، فتكون المرفقان والكعبان كلها داخلة في المغسول.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم (373) .(5/104)
70- حكم المسح على المرفق إذا كانت الثياب ضيقة
س: سائلة تقول: إنها طالبة في المدرسة، وعندما تريد أن تتوضأ لا يرتفع ثوبها إلى ما فوق المرفق؛ نظرا لضيق الكم، فهل لها أن تمسح؟ (1)
ج: ليس لها ذلك، وليس لها لبس الضيق، وهذا لا يجوز، بل
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (158) .(5/104)
عليها أن تلبس لباسا يمكن حسره عن مرفقها حتى تغسل المرفق، المرفق من الذراع لا بد منه، لا بد أن تغسل ذراعها مع المرفق، والواجب عليها ترك هذا الضيق، وأن تلبس لباسا تستطيع معه غسل مرافقها.
نسأل الله الهداية للجميع.(5/105)
71- حكم الاكتفاء بمسح مقدم الرأس في الوضوء
س: هذه السائلة تقول: سماحة الشيخ، هناك موضوع أود أن استفسر من سماحتكم عنه، وهو أننا كنا نتعلم في المدرسة بأن المسح على الرأس بالنسبة للمرأة في الوضوء سنة، وأنه يكون من الأمام فقط، وأن تاركه لا يأثم، وعلى ذلك فقد كنت نادرا ما أمسح رأسي في الوضوء، وإذا مسحت أمسح من الأمام فقط، وطبعا هذا نتيجة للجهل، ولكن منذ مدة بدأت أقرأ القرآن والكتب الشرعية، وعلمت ما كنت عليه من خطأ، فماذا علي أن أفعل؟ وهل يجب علي الإعادة في صلواتي الفائتة؟ مأجورين (1)
ج: الواجب عليك التوبة إلى الله من ذلك، والاستقامة على المسح على جميع الرأس من مقدمه إلى أسفله إلى آخره مما يلي
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (400) .(5/105)
الرقبة، هذا الواجب عليك، وعلى الرجل مسح جميع الرأس، من منابته من أعلى إلى منابته من أسفل هذا هو الواجب عليك، وعلى غيرك، وعلى الرجال أيضا، والماضي ليس عليك إعادة، عليك التوبة إلى الله من ذلك، وليس عليك إعادة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذي أساء في صلاته أن يعيد الوقت الحاضر، ولم يأمره بأن يعيد ما مضى لجهله، فأنت جهلت الأمر الشرعي، فعليك التوبة إلى الله من ذلك، وعليك الاستقامة في المستقبل.(5/106)
س: السائل: أبو أحمد يقول: هل يكفي مسح بعض الرأس عند الوضوء للصلاة؟ (1)
ج: الواجب مسحه كله، كان النبي يمسحه كله، عليه الصلاة والسلام، فعلينا أن نتأسى به، عليه الصلاة والسلام، فالواجب مسح الرأس كله مع الأذنين؛ مسح داخلهما وظاهرهما، أما المرأة فلا يلزمها تخليل شعرها، وإنما عليها أن تعمه بالماء، ولا يلزمها النقع، تعمه بالماء والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع والأربعون من الشريط رقم (428) .(5/106)
س: السائل: ف. أ، مقيم بالرياض، يقول: كثيرا ما نقرأ أو نسمع القول بأنه لا اجتهاد مع النص، وكثيرا ما نرى الأئمة الفقهاء يختلفون في المسألة الواحدة؛ كاختلافهم بالقدر المسموح من الوضوء – مثلا – عملا بقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (1) ، فهل هذا الخلاف يا سماحة الشيخ اجتهاد مع النص، أم يمكن أن نسميه اجتهادا في فهم النص؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال (2)
ج: هذا الاختلاف نشأ عن الاجتهاد في معنى النص؛ هل معناه أنه يكفي مسح بعض الرأس، أو معناه أنه يعم الرأس كله؟ قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (3) ، اختلف العلماء في هذا، قال بعضهم: يكفي مسح البعض.
وقال آخرون: لا بد من جميعه.
والصواب أنه يرجع في تفسير ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو المفسر للقرآن بأعماله وأقواله، فلما رجعنا لسنته صلى الله عليه وسلم رأيناه يمسح الرأس كله مع الأذنين، فدل على أن المراد مسح الرأس كله؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفسر المعنى، فالواجب على من يتوضأ أن يمسح الرأس كله مع الأذنين تأسيا بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وعملا بنص الآية: برؤوسكم، يعني المسح بها
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) السؤال الأول من الشريط رقم (387) .
(3) سورة المائدة الآية 6(5/107)
كلها مع الأذنين، وفعل النبي يفسر المراد، ولهذا قال جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) ، فكما أن الوجه يعم، واليد تعم، والرجل تعم فهكذا الرأس يعم، وكان إذا مسح رأسه بدأ بالمقدمة ومر بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ومسح بأذنيه، هذا يدل على أن هذا المراد بقوله: {وَامْسَحُوا} (2) ،
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 6(5/108)
72- حكم مسح شعر الرأس وعليه زيوت
س: ما حكم استعمال زيت الشعر؟ وهل يمنع وصول الماء أثناء الوضوء؟ وأنا أترك خصلة شعر جانب كل أذن دون وضع الزيت عليها حتى أمسح بالماء، فما الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: يمسح عليه ولا حرج، كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يمسحن على ما يكون في رءوسهن من المشوطات، فلا حرج في ذلك والحمد لله، يمسح عليهما مع الأذنين ويكفي، والحمد لله.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (286) .(5/108)
73- حكم ترك مسح الرأس بسبب المرض
س: تقول هذه السائلة بأنها تشتكي من ألم رأسها عند مسحه للوضوء، وأحيانا تقول: أمسح على شيء فوق رأسي بحيث لا يلامس رأسي الماء، هل علي شيء في ذلك والحال ما ذكر؟ (1)
ج: هذا يختلف: إن كان عليها ضرر بين فلا تمسحه وتتيمم، فإن كان الضرر خفيفا فإنه يلزمها المسح على نفس الشعر، لا تجعل شيئا فوقه وتمسح عليه وإنما تمسح على نفس الشعر، لكن لها أن تتخذ خمارا، يعني تلفه، تتحنك به، وتضبطه، تمسح ليوم وليلة إذا لبسته على طهارة، ثم إذا أتمت اليوم والليلة تخلعه وتتطهر، ثم تلبسه، وهكذا، حتى يدفع عنها بعض الأضرار، الخمار المضبوط تطويه على رأسها وتحت حنكها حتى يثبت، وتلبسه على طهارة، تمسح عليه يوما وليلة مثل الخفين، فإذا أتمت اليوم والليلة نقضته، ثم تطهرت، ثم لبسته لبسا محكما لأجل مضرة الرأس، فإذا تيسر الخمار هذا، ولبسته على طهارة فإنها تمسح على الخمار ليوم وليلة، ثم تنقضه وتتطهر، ثم تعيد لبسه، وهكذا كالخفين لا بأس، وإذا شق عليها هذا، ولم تستطع لبس الخمار فإنها تتيمم إذا كان يضرها الماء، إذا توضأت وغسلت رجليها وتنشفت تضرب التراب بيديها بالنية عن الرأس.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (424) .(5/109)
74- صفة مسح الرأس
س: ما هي صفة مسح الرأس؟ (1)
ج: يمسح رأسه بيديه، يمسح بيديه، يديرهما ويقبل، يبدأ بالمقدمة إلى قفاه ثم يردهما، هذا هو الأفضل، وإن مسح على غير هذه الصفة؛ بأن مسح بيده اليمنى أو بيده اليسرى وعمم، أو بيديه من وسط الرأس وعمم كله لا يضر، يكفي، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (147) .(5/110)
75- صفة مسح المرأة لرأسها
س: تسأل المستمعة: ف. من مصر، وتقول: هل مسح الرأس في الصلاة يكون مرة واحدة؟ وماذا تفعل المرأة؟ هل تمسح جميع الرأس؟ وماذا تفعل إذا كان الشعر طويلا؟ (1)
ج: مسح الرأس فرض من فروض الوضوء على الرجل والمرأة، تمسح رأسها كما يمسح الرجل رأسه، والمقصود منابت الشعر من مقدمه إلى مؤخره، أما الذوائب لا حاجة إلى مسحها، لكن تمسح من مقدمه إلى مؤخره على منابت الشعر، وأما الذوائب النازلة عن ذلك فلا يجب مسحها، وإذا كان عليها ضمادات؛ من حناء أو غيره
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (388) .(5/110)
فلا يضر، قالت عائشة: «كنا نمسح على الضمادات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (1) » فإذا مسحت على ما في رأسها من ضماد؛ من حناء أو غيره فلا بأس.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الطهارة، باب: في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل، برقم (254) .(5/111)
76- حكم مسح الأذنين حال الوضوء
س: سائلة تقول: ما حكم المسح على الأذنين حال الوضوء؟ هل هو سنة؟ (1)
ج: لا بد منه، فهو فرض مع مسح الرأس، لأنه جزء من مسح الرأس، الرسول كان يمسح رأسه وأذنيه، فمسحهما مع الرأس أمر مفترض.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (365) .(5/111)
س: ما حكم مسح الأذنين حال الوضوء؟ (1)
ج: يجب مسح الأذنين؛ لأنهما من الرأس، جزء من الرأس، والرأس يجب تعميمه، الرأس كله من أوله إلى آخره مع الأذنين، يدخل إصبعيه في الصماخين، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، وهذا هو الواجب عليه في كل وضوء.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (362) .(5/112)
77- حكم غسل الأذن حال الوضوء
س: يسأل عن غسل الأذن بالذات والفم والأنف، هل هو واجب؟ ولا سيما أن الأذن قد تتضرر بالغسل، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الأذن لا تغسل، وإنما تمسح بالأصبع بالوضوء، لا تغسل لا بالوضوء، ولا بالغسل، إنما يمسح ظاهرها، وصماخها بالإصبع، والحمد لله، يمسحها ويكفي، ولا يخاطر.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (352) .(5/112)
س: تقول السائلة: عند القيام بفرض الوضوء هل واجب على المرأة مسح جميع الرأس، أم يكفي الناصية؟ (1)
ج: المرأة مثل الرجل، تمسح جميع الرأس من مقدم الرأس إلى مؤخره، مؤخر الرأس المنبت، أما ما نزل من الضفائر فلا يمسح، ما يجب مسحه، لكن تمسح المرأة – كالرجل – منبت الشعر من مقدم الرأس إلى آخر الرأس، والرقبة وما بعدها، الضفائر لا تمسح، إنما هو منبت الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخر الرأس، تمسح عليه، ويمسح الرجل كذلك.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (242) .(5/113)
78- حكم مسح الرأس وعليه لصوقات
س: سائلة تقول: إذا وضعت الحنا على الرأس هل يمنع وصول ماء الوضوء إلى فروة الرأس؟ وهل اكتفي بالمسح عليها أثناء الوضوء فقط؟ (1)
ج: الصواب أنه يكفي إذا كان على الرأس لصوقات من حنا وغيرها، يمسح عليها، يكفي والحمد لله، كما قالت عائشة رضي الله عنها، أخبرت أنهم يضعون اللصوقات على رءوسهم، ويمسحون عليها، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (372) .(5/113)
س: هل الزيوت التي تضعها المرأة على رأسها تمنع وصول الماء إلى الرأس، بحيث يكون الوضوء والغسل باطلا؟ (1)
ج: لا، لا يمنع الزيت الذي يكون في الرأس وأشباهه، لا يمنع كالحناء أو نحوه.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (226) .(5/114)
79- حكم تخليل المرأة شعرها أثناء الوضوء
س: هل يجب على المرأة أن تخلل شعرها أثناء الوضوء؟ (1)
ج: ليس عليها أن تخلل الشعر، بل تمر الماء على شعرها ويكفي، «سألت أم سلمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة والحيض؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إنما يكفيك أن تحثي ثلاث حثيات، ثم تغتسلي فتطهري (2) » أي: في غسل الجنابة والحيض تحثي المرأة على شعرها ثلاث مرات، وفي الوضوء تمر يديها عليه بالمسح، ويكفي ولا حاجة إلى النقض؛ لا في الغسل، ولا في الوضوء، لكن في الغسل تحثي عليه ثلاث حثيات؛
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (321) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب: الطهارة، باب: في المرأة تستحاض، برقم (280) ، والنسائي في كتاب: الطهارة، ذكر الأقراء، برقم (211) .(5/114)
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكفي، وفي الوضوء تمسح؛ تمر يديها عليه على ظاهر الرأس ويكفي، وتمسح أذنيها أيضا؛ بأن تجعل إصبعيها السبابتين في أذنيها الصماخين، وتمسح بإبهاميها عليهما؛ ظاهر الأذنين ويكفي، والحمد لله.(5/115)
س: إذا كان على شكل ضفائر هل يلزمها أن تفك تلك الضفائر؟ (1)
ج: لا، ليس عليها إلا حدود أسفل الرأس ومنابت الرأس، أما أطوال الضفائر؛ فلا تمسح عليها، إلا في الغسل، تمرر الماء عليه كله، أما في الوضوء فتمسح منابت الشعر إلى أسفل الرأس في المنابت وإذا طال الشعر فوق ذلك فلا يضر، لكن في الغسل لا يجب عليها فك الضفائر، لا تفكها، ولكن تعمه، أي تسيل عليه الماء كله.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (321) .(5/115)
80- حكم المسح على الشعر الطويل وعليه مشابك؟
س: تقول إحدى الأخوات: شعرها طويل، تقوم بلفه حول رأسها بحيث يكون كالطاقية، ثم تشبكه بالمشابك الخاصة بالشعر، فهل يصح المسح عليه وهو على هذه الحالة عند الوضوء؟ (1)
ج: عليها أن تنقضه حتى تمسح الرأس الذي هو المنابت من أوله إلى منتهاه، أما أطراف الشعر الطويل فلا يلزمها مسحها، لكن تزيل هذا الذي على الجمة، حتى تمسح الجمة من منابت الشعر من مقدم الرأس إلى نهاية منابت الشعر مما يلي مؤخر الرأس، أما الجدايل التي تنزل عند ذلك لا يلزمها في الوضوء مسحها، لكن يجب إجراء الماء عليها في الغسل من الجنابة والحيض، أما في الوضوء يكفي المسح من منابت الشعر وإزالة هذا المجموع على الرأس.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (337) .(5/116)
س: هل ينبغي إخراج ما يكون في الرأس من دبابيس الشعر عند المسح عليه حال الوضوء؟ (1)
ج: لا حرج أن تمسحي عليه وفيه الدبابيس، مثل ما يمسح على
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (339) .(5/116)
الملصقات على الرأس؛ من حناء وغيره، هذه أمور قد يشق نزعها، وإن نزعتها فلا بأس، لكن قد يشق نزعها، دبابيس أو حناء أو أشياء عادية تمسح عليها، والحمد لله.(5/117)
81- حكم المسح على الرقبة
س: تسأل الأخت أ. أ. هل مسح الرقبة في الوضوء غير مستحب؛ لأنه تشبه باليهود كما سمعت؟ (1)
ج: نعم، لا يستحب ولا يشرع، المسح يكون للرأس فقط من منابت الشعر إلى منتهى الشعر، تمسح المرأة والرجل، أما الرقبة فليست محل المسح.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (80) .(5/117)
س: يقول السائل: هل الرقبة من أعضاء الوضوء؟ (1)
ج: الرقبة ليست من أعضاء الوضوء، وإنما المسح ينتهي بآخر الرأس، يبدأ بمقدمته إلى قفاه؛ آخر منابت الشعر، هكذا كان النبي يفعل، عليه الصلاة والسلام، كان صلى الله عليه وسلم إذا مسح رأسه بدأ بمقدمته إلى قفاه بيديه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو أفضل المسح، وحيثما مسح أجزأ، لو بدأ بمؤخره أو بوسطه، وعمم المسح أجزأه
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (242) .(5/117)
ذلك، لكن كونه يبدأ بالمقدم، ثم يمر يديه إلى قفاه إلى آخر منابت الشعر، ثم يعيدهما للمكان الذي بدأ منه هذا هو السنة التي فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام، أما الرقبة فليست محلا للمسح، وليست من أعضاء الوضوء، وجانبا الرأس يمسحان مع أعلى الرأس والمقدمة، يمسح الجميع.(5/118)
س: ما حكم مسح الرقبة في الوضوء؟ (1)
ج: غير مشروع، المشروع الرأس فقط، يمسح رأسه مع الأذنين، أما الرقبة فلا تمسح.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (378) .(5/118)
82- بيان ما يكفي من غسل الرجلين في الوضوء
س: يقول السائل: سمعت بأن الشخص المسلم إذا لم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات فإن ذلك محرم، فما مدى صحة ذلك؟ وحيث إني أقوم بغسل رجلي تحت بزبوز الماء دون عدد الغسل فهل أكون آثما؟ (1)
ج: هذا قول على الله بغير علم، وهو غلط، الواجب غسل الرجل مرة واحدة، والثلاث أفضل، النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، توضأ مرتين
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (234) .(5/118)
مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، عليه الصلاة والسلام، فإن توضأ مرة غسل وجهه مرة، وتمضمض مرة، واستنشق مرة، وغسل يديه مرة، ومسح رأسه مرة، وغسل رجليه مرة، كفى إذا عمم الغسل، إذا عمم العضو، إذا أجرى عليه الماء مرة واحدة كفى، يتمضمض ويستنشق مرة واحدة، يصب الماء على وجهه مرة واحدة، يعمه بالماء يكفي، وهكذا يداه اليمنى واليسرى يعمهما بالماء مرة واحدة، يكفي وهكذا رأسه، يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة يكفي، ويغسل قدمه اليمنى مرة واحدة، واليسرى كذلك يكفي، لكن إذا كرر ثلاثا فهو أفضل وأكمل، والثنتان أكمل من الواحدة، ومعنى غسله يعني: يعمه بالماء ولو بغرفة، ولو بثلاث غرفات، ولو تحت الكباس (البزبوز) ، يعمه بالماء، هذه مرة، فإذا أعاد تعميمه بالماء هذه ثانية، فإذا أعاد رجله تحت البزبوز هذه ثالثة، ولكن ليس بشرط الثلاث، يكفي مرة واحدة إذا عمه بالماء تحت البزبوز، مرة واحدة كفى، أو بالماء الذي يأخذه من الإناء يغرف من الإناء، ويصب على أعضائه، يكفي مرة واحدة، وقول من قال: لا بد من ثلاث. خطأ، الصواب: يكفي مرة واحدة إذا عم العضو بالماء، سواء عمه بغسلة أو بغسلتين أو بأكثر، لا بد يعمه بالماء، الوجه واليدين والرجلين، أما الرأس السنة واحدة مطلقا، السنة ألا يمسح إلا مرة واحدة مطلقا مع الأذنين، أما الأعضاء الثلاث: الوجه واليدين والرجلين فالسنة تعميمها بالماء ثلاث مرات، فإن اقتصر على مرتين أو واحدة كفى، والحمد لله.(5/119)
83- معنى إسباغ الوضوء
س: ما معنى إسباغ الضوء وإطالة الغرة؟ (1)
ج: معنى إسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله على كل عضو بإبلاغ الماء بسيل الماء عليه، فإسباغ الوضوء في الوجه: أن يعمه بالماء ولو مرة واحدة، بل إن عمه ثلاثا فهو أفضل، وإسباغ الماء في اليدين أن يعم اليدين بالماء؛ من أطراف الأصابع إلى المرافق، مع غسل طرف العضد، حتى يدخل المرفق، والواجب مرة فقط، فإن كرر ذلك مرتين فهو أفضل، وإن كرر ذلك ثلاثا فهو أفضل وأكمل، وإن دلك فلا بأس، الدلك أفضل، ولكن لا يلزم الدلك، يكفي إمرار الماء، والواجب الغسل، والرأس يمسحه مرة واحدة، يمسح رأسه مرة واحدة مع الأذن، يبدأ بالمقدمة إلى قفاه، ثم يعيد يديه إلى المقدمة، ويدخل أصابعه السبابتين في أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، هذا هو السنة، ولا حاجة إلى التكرار، أما القدمان فيغسلهما ثلاثا، هذا هو الأفضل، ثلاثا ثلاثا، كل قدم ثلاثا، يعم الماء القدم كله من الكعبين إلى أطراف الأصابع، فإذا عمه بالماء فهذا إسباغ، وإن كرره مرتين فهو أفضل، وإن كرره ثلاثا فهو أكمل وأفضل، ولا يزيد على ثلاث، وإن دلك فهو أفضل وأكمل، وليس بواجب.
أما إطالة الغرة فمعناها: الاستكمال للوجه، أما أن يزيد على ذلك
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (257) .(5/120)
فلا، وهو من إدراج أبي هريرة، المعروف أنه موقوف على أبي هريرة، وهكذا التحجيل، السنة أن لا يطيل، بل يقتصر على المرافق والكعبين، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، فلما غسل يديه أشرع في العضد – يعني أدخل المرافق – ولما غسل رجليه أشرع في الساق، يعني أدخل الكعبين، هذا هو السنة.
وكان أبو هريرة يطيل في التحجيل إلى الآباط في اليدين، وإلى حول الركبتين في الرجلين، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، والسنة خلاف ذلك، السنة هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فقوله في الحديث: «من استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل (1) » الصواب أنه مدرج من كلام أبي هريرة، وليس من نفس المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الغرة ما يمكن إطالتها؛ الغرة محدودة من منابت الشعر من فوق وفي الذقن من الأسفل، والأذنان من الرأس، هذا غسل الوجه، فكونه يغسل شيئا من الرأس فغير مشروع، بل يمسح، وهكذا الرجلان واليدان، السنة أن يغسل المرافق والكعبين، أما أن يغسل العضد كله أو الساق فلا، غير مشروع هذا، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله هو القدوة، عليه الصلاة والسلام، وإنما ما فعله أبو هريرة اجتهاد منه رضي الله عنه، والصواب أن هذا موقوف عليه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء، برقم (136) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، برقم (246) .(5/121)
84- حكم النطق بالشهادتين في الحمام بعد الوضوء
س: ما حكم نطق الشهادة أثناء الوضوء في داخل دورة المياه؟ (1)
ج: السنة إذا فرغ من الوضوء أن يتشهد خارج الحمام؛ لأنه ليس هناك ضرورة إلى أن يتشهد داخل الحمام، بل إذا فرغ يخرج ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويكره أن يقول هذا في الداخل، أما عند بدء الوضوء فيسمي ولو في الداخل: بسم الله.
ثم يتوضأ؛ لأنه محتاج إلى التسمية، وقد أوجبها جمع من أهل العلم، فلا يدعها، والكراهة تزول عند الحاجة.
أما الشهادة فليس هناك حاجة إلى أن يأتي بها في الحمام، يخرج ثم يأتي بالشهادة بعد ذلك، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (162) .(5/122)
85- حكم الدعاء أثناء الوضوء
س: خ. س. من سوريا. هل الدعاء أثناء الوضوء صحيح ومفروض، مثل: اللهم اسقنا من ماء الكوثر، اللهم أنشقنا رائحة الجنة، إلى آخره؟ وماذا يقول أثناء الوضوء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوضوء ليس له دعاء مشروع، وإنما المشروع أن يسمي الله في أوله، ثم يتشهد في آخره، في أوله يقول: بسم الله.
عند غسل كفيه، عند أول الوضوء، وإذا فرغ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك اللهم وأتوب إليك.
أما في أثناء غسل الوجه واليدين فليس منه دعاء مشروع، ولكن لو دعا وهو يتوضأ: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني فقال: اللهم أجرني من النار، لكن ليس فيه شيء مشروع في أثناء الوضوء.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (325) .(5/123)
86- حكم التلفظ بالشهادة
عند غسل الوجه في الوضوء
س: هل يشترط ذكر: لا إله إلا الله عند غسل الوجوه وعند الوضوء، أم أنه لا يلزم ذلك؟ (1)
ج: ليس هذا مشروعا، لا أصل له، لكن يسمي عند البداءة بالوضوء، يقول: بسم الله.
عندما يتوضأ، وبعد الفراغ يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (2) » هذا سنة، وفي الحديث الآخر يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك اللهم وأتوب إليك (3) » بعد الوضوء أيضا مثل ذكره إذا قام من المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك اللهم وأتوب إليك (4) » .
كل هذا مستحب بعد الوضوء، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء – أو قال: يسبغ الوضوء – ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (228) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يقال بعد الوضوء، برقم (55) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يقول إذا قام من مجلسه، برقم (3433) في كفارة القيام من المجلس.
(4) سنن النسائي السهو (1344) .(5/124)
إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء (1) » رواه مسلم في صحيحه، زاد الإمام الترمذي رحمه الله في هذا الحديث في آخره: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (2) » وهذه الزيادة صحيحة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يقال بعد الوضوء، برقم (55) .(5/125)
87- الأفضل ترك تنشيف أعضاء الوضوء حتى يكمل
س: هل يجوز تنشيف عضو قبل غسل العضو الذي قبله في الوضوء؟ (1)
ج: الأفضل ترك ذلك حتى يكمل، حتى يحصل التوالي كاملا.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (350) .(5/125)
س: يقول السائل: هل تجفيف الماء بعد الوضوء جائز؟ (1)
ج: لا بأس، ولا حرج في ذلك، تجفيف الأعضاء من الماء لا حرج، ولا بأس.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (242) .(5/125)
88- حكم من صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد
س: ما حكم من صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا حرج على من صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد؛ لأن المقصود أن يؤديها على طهارة، فإذا كان على طهارة فلا حرج، فلو صلى الفجر بالطهارة وبقي على طهارته الظهر والعصر والمغرب والعشاء صح، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد، فسأل عمر عن ذلك، فقال: عمدا فعلته (2) » – اللهم صل عليه وسلم – يعني فعل ذلك للتعليم؛ لتعليم الناس.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (358) .
(2) أخرجه أحمد في المسند، حديث بريدة الأسلمي، برقم (23029) .(5/126)
89- هل الغسل يكفي عن الوضوء
س: المستمع غ. يقول: إنني أعمل في مزرعة، وإذا ما صادف أن اغتسلت في مصب مكينة، أو في بركة المكينة، أو اغتسلت في الدش هل يجزئ ذلكم عن الوضوء؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا رتبت أعضاءك لما انغمست في الماء؛ أخرجت وجهك ناويا بذلك الوضوء، ثم أخرجت ذراعك الأيمن ثم الأيسر ناويا الوضوء، ثم أخرجت رأسك ناويا الوضوء، ثم أخرجت رجليك ناويا الوضوء فأنت على نيتك بالترتيب، وإلا فإنه لا يجزئك، إلا إذا كان عن غسل الجنابة ونويت الغسل من الحدثين؛ نويت غسل الجنابة ونويت الوضوء، يكون الوضوء داخلا بهذا الغسل على الصحيح دخل الأصغر في الأكبر.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (338) .(5/127)
90- الوضوء بالماء المالح
س: ما حكم الوضوء بالماء المالح؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: «هو الطهور
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (216) .(5/127)
ماؤه، الحل ميتته (1) » ماء البحر مالح، فلا حرج في الوضوء بالماء المالح، والغسل منه من الجنابة، فلا حرج في ذلك والحمد لله، وكذلك الآبار المالحة، أو ليست حلوة لا حرج في ذلك.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، برقم (69) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، برقم (83) ، والنسائي في كتاب المياه، باب الوضوء بماء البحر، برقم (332) .(5/128)
91- حكم الوضوء من ماء غير صالح للشرب
س: أقيم في إحدى القرى، والماء المستخدم للغسل والوضوء ليس صالحا للشرب، بل إنما الذي يصلح للشرب نشتريه شراء، فهل يجوز الوضوء من ذلك الماء إذا كان غير صالح للشرب؟ (1)
ج: كل ماء يجوز منه الوضوء والغسل فهو صالح للشرب، وما المانع إذا كان طهورا صالحا للغسل والوضوء من ماء الأمطار، أو ماء الأنهار، أو ماء العيون، أو ماء الآبار، فكما يصلح للوضوء والغسل لا مانع من الشرب إلا إذا كان ماء مالحا، مثل ماء البحار، أو فيه مرارة على الإنسان، إن استطاع أن يجعل فيه ماء يحليه ويزينه ويشرب منه
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (319) .(5/128)
فالحمد لله، وإن كان لا يستطيع فلا بأس، المقصود أنه ما صلح للوضوء والغسل جاز للشرب، إن كان به علة من مرارة أو ملوحة يمكن تحليته بشيء من المعدلات من التحلية، والحشرات إذا كانت فيه لا تنجسه فلا تضره، وإذا كانت تضر الإنسان يتركه.
الرسول أمر بغمس الذباب والشرب إذا وقع في الماء واللبن، يغمسه لا بأس.(5/129)
س: بعض المياه الراكدة تكثر فيها الديدان (1)
ج: المقصود إذا كان الماء يضره لا يشرب منه، أما إذا كان لا يضره لكن فيه مرارة أو ملوحة فإنهم يزيلون ما فيه، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (319) .(5/129)
92- حكم الوضوء بماء مختلط بصدأ الأنانبيب
س: السائلة: ع. ف. تقول: سماحة الشيخ، عندما نريد أن نتوضأ من أحد المساجد، وعندما نقوم بفتح الماء يخرج لنا مياه مختلطة بالصدإ بفعل الأنابيب، أو أنابيب المياه، هل نتوضأ من هذه المياه المصدية، أم نقوم بصرف الماء بكثرة حتى يخرج لنا ماء صاف (1)
ج: الغسل بالماء المتغير بالصدإ لا يضر، يغتسل به ويتوضأ منه
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (397) .(5/129)
ولا يضره الصدأ والحمد لله، وهكذا إذا تغير بالتراب، أو بأوراق الشجر لا يضر ذلك.(5/130)
93- حكم الوضوء من ماء الآبار المتغير بالملوحة أو المرارة
س: الأخ: أ. ن. أ. من جمهورية مصر العربية، يعمل في دولة العراق، يقول: إنني أعمل سائقا، وعملي دائما في الصحراء، وحيث إنه يأتي علي وقت الظهر والعصر ولا يوجد ماء إلا ماء الآبار، وحيث إن ماء الآبار يتغير طعمه؛ إما يكون مالحا أو مرا، هل يجوز الوضوء منه، أم أن لي التيمم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: يلزمك الوضوء من ماء الآبار إذا قدرت على ذلك، سواء كان حلوا، أو مرا، أو مالحا، حتى ماء البحر يجب عليك الوضوء منه إذا كنت في البحر، وليس لك التيمم وأنت تجد الماء؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (2) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء (3) » فلو وجد الماء ولو مالحا، ولو ماء البحر وجب عليه الوضوء.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (176) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، برقم (522) .(5/130)
94- حكم التيمم للمرأة التي لا تجد مكانا ساترا للوضوء
س: امرأة تريد الوضوء، ولكنها لم تجد مكانا مستورا عن الرجال الأجانب، فهل يجوز لها التيمم في هذه الحالة (1)
ج: هذا محل نظر، والغالب أنها بإمكانها أن تجد مكانا في بيتها، أو في بيت إخوانها في الله، ولا ينبغي لها التساهل في هذا الأمر، وأنه يجب أن تسعى في وجود محل الوضوء، أو قضاء الحاجة في بيت إخوانها، أو في بيت غيرها من المسلمين، أو في بيت أهلها، ولو تأخرت إلى آخر الوقت ولم تصل في أول الوقت عليها أن تجتهد في وجود المكان الذي يمكنها أن تتوضأ فيه، وأنه غالبا أنها تجد.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (337) .(5/131)
95- حكم التيمم لمن لا يستطيع الوضوء بسبب برودة الماء
س: أنا طالب في الإعدادية، ساكن في القسم الداخلي، نهضت في الصباح لكي أؤدي صلاة الصبح، وكان الجو باردا جدا، وليس لدي أي وسيلة لتسخين الماء، وتمسحت دون أن أغسل رجلي بالماء، فهل هذه الصلاة مقبولة أم تنصحوني بقضائها؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إن كنت تستطيع أن تجد ماء دافئا، أو ماء لا خطر فيه، أو تسخينه من جيرانك، أو بالشراء من جيرانك، أو من غير الجيران بالشراء فالواجب عليك أن تعمل ذلك؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، فعليك أن تعمل ما تستطيع من الشراء، أو التسخين، أو غير هذا من طرق التمكن من الوضوء الشرعي بالماء، فإن عجزت وكان البرد شديدا عليك فيه خطر ولا حيلة لك في تسخينه، ولا في شراء شيء من الماء الساخن ممن حولك فأنت معذور بهذا، إذا كان عليك خطر تعتقده من ذلك في صحتك بالموت، أو المرض فأنت معذور وليس عليك قضاء، وعليك التيمم بالتراب، لا تتوضأ بالماء عليك التيمم بالتراب، تضرب بيدك التراب، وتمسح وجهك وكفيك،
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (58) .
(2) سورة التغابن الآية 16(5/132)
ويكفيك عن الماء عند العجز عن استعماله؛ بسبب برودته وشدة البرد، وعدم وجود ما يدفئك أو يدفئ الماء، وعليك في هذا العناية والحرص وخوف الله ومراقبته.(5/133)
96- حكم الوضوء بالماء الساخن
س: في الشتاء كنت دائما استعمل الماء الساخن في الوضوء، فقال لي صديق: إن هذا ليس من السنة. فما هو تعليق سماحتكم؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، كونه يستعمل الماء الدافئ حتى يتمكن من الكمال والتمام في وضوئه والإسباغ، وهذا الذي قال لك ليس عنده علم، ليس عنده بصيرة، أما حديث: «ألا أخبركم بما يرفع الله به الدرجات، ويحط به الخطايا: إسباغ الوضوء على المكاره (2) » هذا عند الحاجة إليه عند الحاجة إلى البارد وعدم وجود الدافئ، لا بأس الحمد لله، أما إذا تيسر الماء الدافئ فهو أولى؛ لأنه بلغ في الوضوء وأكمل.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (119) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، برقم (251) .(5/133)
س: هل يجوز الوضوء بالماء الدافئ، وخاصة في أيام البرد القارص؟ (1)
ج: نعم، هو الأفضل، أفضل بالماء الدافئ؛ لأنه أبلغ في الإسباغ، لكن إذا احتاج الماء البارد وصبر عليه له فضل عظيم؛ لما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات، ويغفر به الخطايا؟ ، قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره (2) » –وفي لفظ قال: «في السبرات – يعني في البرد – وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط (3) » أخرجه مسلم في صحيحه، فإسباغ الوضوء في المكاره في حالة شدة البرد عند الحاجة إليه هذا يدل على قوة الإيمان، ويكون الأجر أعظم، لكن إذا تيسر له الماء الدافئ يكون أفضل؛ لأن هذا الماء الدافئ أعون له على الإسباغ، وإكمال الوضوء كما شرعه الله سبحانه وتعالى، وأبلغ أيضا في إزالة الأوساخ والنظافة.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (354) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، برقم (251) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، برقم (251) .(5/134)
97- كيفية وضوء من لا تستطيع الحركة بالشلل
س: تقول السائلة: رأيت امرأة كبيرة في السن، لا تستطيع القيام من فراشها أو الحركة، وهي مصابة بالشلل، سألت نفسي: كيف تتوضأ هذه؟ وكيف تصلي؟ أردت أن أسأل سماحتكم، جزاكم الله خيرا (1)
ج: عليها أن تتقي الله ما استطاعت، تتوضأ كما أمر الله، يقرب لها الماء وتتوضأ إذا كانت يداها صالحتين، أو يوضئها غيرها كأبيها أو أخيها، أو أختها أو زوجها؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، أما الاستجمار فينبغي إذا كانت تستطيع بيدها أن تستعمل الحجر، أو اللبن، أو المناديل حتى تنظف القبل والدبر من أثر الغائط والبول ثلاث مرات، أو أكثر حتى يتنقى المحل من الأذى، ويكفي ذلك عن الماء، فإذا استطاعت أن تفعل هذا بيدها، يعني تطهر محل الغائط بالمناديل، حتى تنقي المحل من أثر الغائط ثلاث مرات فأكثر لا يقل عن ثلاث، وهكذا المسح للقبل ثلاث فأكثر، حتى يتنقى المحل من أثر البول، وهكذا الذكر الرجل، ولو أنه صحيح، ولو أنه سليم، ولو أنها سليمة، المرأة إذا فعلت هذا يكفي عن الماء، وأما
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (191) .
(2) سورة التغابن الآية 16(5/135)
الوجه واليدان والرأس والرجلان لا بد من وضوء إن استطاعت بنفسها، وإلا وضأها غيرها من زوج، أو خادم، أو أم، أو أخت، أو نحو ذلك، فإن لم يتيسر لها أحد يوضئها تيممت إن استطاعت؛ تضرب التراب بيديها، وتمسح بهما وجهها وكفيها بنية الطهارة، فإن لم تستطع يممها غيرها أيضا، تأذن لغيرها ويقوم مقامها، يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهها وكفيها بالنية عنها، إذا لم يتيسر من يوضئها فالحاصل أنها تتقي الله ما استطاعت في الوضوء، والتيمم بنفسها أو بمن يقوم مقامها إن عجزت، وأما الاستنجاء فيكفي بالحجارة، باللبن، أو المناديل، وليس من اللازم أن تستعمل الماء، فإذا استجمر الإنسان بالحجارة، أو باللبن، أو بالمناديل ثلاث مرات، أو أكثر حتي ينقي المحل كفى ذلك، ولو كان صحيحا فالمريض من باب أولى.(5/136)
98- حكم وضوء من قطع بعض أعضاء الوضوء منه
س: رجل رجله مقطوعة من الساق، كيف يكون وضوؤه؟ هل يتيمم أم يتوضأ؟ جزاكم الله خيرا
ج: يغسل أعضاءه الباقية: الوجه واليدين والرجل الباقية، مع مسح الرأس قبل غسل الرجل، أما المقطوعة فلا يلزمه شيء عنها، مادمت(5/136)
مقطوعة فوق الكعب، المقطوع، ليس عليه إلا أن يغسل وجهه، ويديه مع المرفقين ثم يمسح رأسه وأذنيه، ثم يغسل رجله الباقية والحمد لله.(5/137)
99- كيفية وضوء المعاق وصلاته
س: يسأل الأخ، من المملكة الأردنية الهاشمية، ويقول: إذا كنت معاقا إعاقة شديدة، ولا أستطيع الحركة كيف لي أن أتوضأ أو أصلي؟ (1)
ج: عليك أن تصلي وتتوضأ بالإعانة، تكلف غيرك كزوجتك وولدك، أو شخصا آخر بالأجرة يوضئك، يغسل وجهك ويديك. . . إلخ، ويجمرك بالمناديل عن الأذى، والحمد لله، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، هذا تأمره أن يزيل الأذى من الدبر والقبل بالجمار، بالحصى، بالمدر، بالمناديل ثلاث مرات فأكثر، حتى يزيل الأذى، ثم يمضمضك وينشقك، ويغسل وجهك ويديك، ويمسح رأسك وأذنيك، ويغسل رجليك، فإن كان يشق عليك الماء يممك، يمسح وجهك بالتراب، ويدك بالتراب بالنية عنك، أنت تنوي وهو يعمل، والنية منك والعمل منه، هذا هو الواجب عليك، وتصلي على حسب حالك، تكبر
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (183) .
(2) سورة التغابن الآية 16(5/137)
بالنية أنك دخلت في الصلاة، وتركع بالنية إذا كنت تستطيع الركوع، تحني رأسك وأنت واقف، وإن كنت لا تستطيع القيام ولا الحركة لا رأسك ولا غيره، تنوي نية، تكبر وتقرأ، ثم تكبر وتنوي الركوع، وتقول: سبحان ربي العظيم.
ثم تقول: سمع الله لمن حمده.
إذا كنت وحدك ناويا الرفع، ثم تكبر ناويا السجود، تقول: سبحان ربي الأعلى.
ثم ترفع ناويا الجلوس بين السجدتين، وتقول: رب اغفر لي.
ثم تكبر ناويا السجود وتقول: سبحان ربي الأعلى. وهكذا، تكبر بالنية والقول؛ لقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، إذا لم يجد من يعينه فإنه يصلي على حسب حاله، يصلي بالتيمم إن قدر، وإن لم يقدر بالتيمم ولا يستطيع الحركة صلى على حسب حاله، ولا يضيع الصلاة، ولا يدعها حتى يخرج الوقت، يصلي في الوقت ولا يعيد: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، ويقول تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3) ، وقد صلى الصحابة بغير وضوء ولا تيمم لما بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون عقد عائشة، لم يجدوا ماء، ولم يشرع التيمم، فصلوا بغير ماء ولا تيمم، ولم يأمرهم النبي بالإعادة؛ لأن هذه قدرتهم قبل مشروعية التيمم، وليس عندهم ماء.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة البقرة الآية 286(5/138)
100- حكم التيمم بغير عذر مع وجود الماء
س: السائل: ل. ع. ل. من السودان، يقول: نرى البعض من الناس يصلون بدون وضوء نهائيا، وأحيانا لا يتمون التيمم مع توفر الماء، وعند مناقشتهم يحتج هؤلاء بأنهم يعيشون في الصحراء، والماء قليل، مع أن مصادر جلب الماء موجودة، والماء متوفر.
والسؤال: هل الصلاة بمثل هذه الحالة صحيحة؟ (1)
ج: الواجب على كل مسلم أن يتوضأ للصلاة عند وجود الماء، أو القدرة على استعماله، فإن عجز لبعد الماء وعدم وجوده، أو لمرض يمنعه من ذلك وجب عليه التيمم بالتراب، يضرب الأرض بيديه، ويمسح وجهه وكفيه، هذا هو الواجب، فمن صلى بدون وضوء ولا تيمم فصلاته باطلة، لا بد من أحد الأمرين، الوضوء عند القدرة، وعند وجود الماء والقدرة على استعماله، وإذا كان قريبا أمكن نقله يذهب ويتوضأ، أو ينقل الماء في سيارته، أو على دابته يقدر يشرب ويتوضأ، أما من عجز عن الماء لمرض يضره الماء، أو لعدم وجود الماء ليس معه إلا ماء قليل لشأن حاجته، لأكله وشربه فإنه يتيمم والحمد لله؛ لأن الله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (2) ، ويقول صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (396) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/139)
«الصعيد وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين (1) » يتيمم في الأرض التي هو فيها، يضرب التراب بيديه، ويمسح وجهه وكفيه، هذا هو الواجب على كل مسلم، ومن عجز عن التيمم وعن الماء فهو معذور، لو كان إنسان مربوط في سارية أو عمود ولا يستطيع لا يتيمم ولا يتوضأ، صلى على حسب حاله، أو مريض لا يستطيع التحرك، وليس عنده من يوضئه، ولم يجد من ييممه صلى على حسب حاله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3)
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، برقم (124) ، والنسائي في المجتبى كتاب الطهارة، باب الصلوات بتيمم واحد برقم (322) .
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة البقرة الآية 286(5/140)
101- حكم من يتهاون في الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر
س: هل من يتهاون في طهارته من الحدث الأكبر، أو الحدث الأصغر يكون حكمه كحكم تارك الصلاة، أي كافر؟ وهل يؤثر ذلك في عقد الزواج، مع أنه محافظ على الصلوات في أوقاتها ومع الجماعة؟ (1)
ج: الواجب على المؤمن أن يتقي الله في طهارته، وأن يتوضأ كما أمره الله، ويلتزم كما أمره الله، ولا أظن مسلما يتعمد النقص في غسله ووضوئه وهو يعلم، فإذا كان يتعمد ذلك ولا يغسل إلا بعض بدنه عند الجنابة، ولا يغسل إلا بعض الأعضاء في الوضوء فصلاته باطلة، حكمه حكم من لا يصلي إذا تعمد ذلك، أما إذا قدر أنه قد يقع منه خلل لم يفطن له هذا لا يضره، ولا يكون حكمه حكم من ترك الصلاة، ولكن يرشد ويعلم؛ ويوجه حتى يحتاط لغسله ووضوئه، حتى ينتبه لما قد يقع منه، المقصود: أن الواجب على المؤمن والمؤمنة العناية بالغسل، والعناية بالوضوء، وأن يغتسلا كما أمرهما الله، وأن يتوضأ كما أمرهما الله، أما من تعمد التلاعب بالغسل والوضوء فهذا حكمه حكم من ترك الصلاة، نعوذ بالله.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (292) .(5/141)
102- حكم الإسراف في ماء الوضوء
س: شخص يستعمل الماء بكثرة في الوضوء والغسل حيث يغسل الأعضاء أكثر من اللازم، هل يؤثر ذلك على العبادة؟ (1)
ج: نعم، لا ينبغي الإسراف، ذهب بعض أهل العلم إلى تحريم الإسراف في الزيادة على الثلاث.
ينبغي للمؤمن أن يقتصر على ثلاث فأقل في وضوئه، ويحذر الإسراف في الماء، هذا هو الواجب، هذا هو المشروع للمؤمن؛ أن يقتصد وأن يحذر الإسراف، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، وثنتين ثنتين، وثلاثا وثلاثا، وفي رواية: «من زاد فقد أساء وتعدى وظلم (2) » فالمشروع للمؤمن الاقتصار على المسنون، وهو ثلاث فأقل.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (366) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، برقم (135) .(5/142)
103- حكم الوسوسة في الطهارة وعلاجها
س: إذا كان طاهرا يشك بأنه تنجس بمجرد أن يلمس شخصا نجسا، أو جلس مع جماعة لا يعلم أنهم طاهرون، مما يجعلني أعيد السباحة أو الوضوء (1)
ج: هذه وساوس لا وجه لها، فلا وجه للتنجس، إذا كان أصله الطهارة، ثم شك هل أحدث؟ وهل خرج منه ريح أو غيره؟ فالأصل الطهارة، لا يلتفت إلى هذا، أو كان بدنه طاهرا وثيابه طاهرة، ثم شك هل أصابه أحد بنجاسة في ثوبه؟ فالأصل الطهارة، لا يلتفت إلى هذا، هذه من وساوس الشيطان، ومن الأوهام التي لا وجه لها، وكونه يجلس مع قوم يشك في طهارتهم لا يضره ذلك، والأصل الطهارة فيه وفيهم، فلا ينبغي أن يوسوس أو يتوهم هذه الأشياء الباطلة، والأصل الطهارة في ثيابه وبدنه، والطهارة من الحدث، فلا تزول هذه الطهارة إلا بيقين أنه أحدث، فيتوضأ، أو بيقين أنه أصاب ثوبه نجاسة معلومة فيطهر ما أصابه، أما هذه الأوهام فلا وجه لها.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (23) .(5/143)
104- حكم وضوء المصاب بالوسوسة القهرية
س: إنه أصيب بالوسوسة في كثير من الأمور، وأهمها الوضوء، حيث وصل به الحال إلى أن يترك من يتابعه، ويعد مرات غسله لأعضائه، ويناقش في الإجابة المتوقعة، حتى إنه يقول: ستقول سماحة الشيخ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، فكيف تكون استطاعتي، ويقول: إن مرضه لخصه الأطباء؛ بأنه من الوسوسة القهرية، ويرجو توجيهه؟ جزاكم الله خيرا (2)
ج: هذه الوساوس التي يبتلى بها بعض الناس في الوضوء، أو في الصلاة، أو في غير ذلك كلها من الشيطان، والله أرشدنا سبحانه للتعوذ منه، فقال عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) {مَلِكِ النَّاسِ} (4) {إِلَهِ النَّاسِ} (5) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (6) ، فعليك أن تتعوذ بالله من شر هذا العدو دائما، عند الوضوء، وعند الصلاة، وفي غير هذا من شؤونك، إذا هجم عليك بالوسوسة فهو عدوك، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (7)
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (101) .
(3) سورة الناس الآية 1
(4) سورة الناس الآية 2
(5) سورة الناس الآية 3
(6) سورة الناس الآية 4
(7) سورة فاطر الآية 6(5/144)
، ويقول عز وجل: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (1) ، فعليك أن تستعيذ بالله عند الوضوء، وعند الصلاة، حاربه محاربة قوية، فإذا توضأت فلا ترجع، وتقول: ما توضأت وأنت ترى يديك مغسولة، ترى وجهك مغسولا، ترى رجليك مغسولة، تكذب عينك وترجع إلى طاعة الشيطان، استقم إذا توضأت، لا ترجع سواء مرة أو مرتين أو ثلاثا، النهاية ثلاث، إذا غسلت العضو ثلاث مرات انتهى، لا تزد على هذا شيئا، النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد على الثلاث، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من زاد فقد أساء وتعدى وظلم (2) » فليس لك الزيادة، إذا تمضمضت واستنشقت مرة أو مرتين أو ثلاثا فالحمد لله يكفي، ولا توسوس واحذر وإذا غسلت وجهك ثلاثا فهذا هو النهاية، يمر الماء عليه ثلاث مرات هكذا إذا غسلت يديك كذلك اليمني واليسرى كل واحدة ثلاث ويكفي مرة أن يعمها الماء أو مرتان، يكفي لكن الثلاث هي النهاية، ثم تمسح رأسك مع أذنيك مرة واحدة بالماء ثم تغسل رجليك اليمني ثلاث واليسرى ثلاث
__________
(1) سورة الأعراف الآية 200
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر، برقم (857) ، وأبو داود في كتاب الطهارة باب الوضوء ثلاثا ثلاثا برقم (135) .(5/145)
ويجوز مرتين ويجوز مرة إذا عمها الماء، فلا تطع الشيطان، لا بد من حرب مع عدو الله، لتكن قويا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف (1) » لا تكن ضعيفا للشيطان عدوك، لو جاء واحد من الناس يخاصمك أو يطالبك بشيء ألا تكون قويا في دفع الشر عنك في الخصومة، أو يريد ضربك ألا تكون قويا في دفعه، هذا أعدى، هذا خبيث يريد هلاكك، يريد دخولك النار، فلا بد أن تكون قويا في حربه، في الوضوء وفي الصلاة وفي كل شيء، استحضر عقلك، اعرف أنك معاديه وأنه خصمك، وأنه عدوك وأنه حرب لك، فكيف تطاوعه؟ لا بد من قوة، ولا بد من تعوذ بالله من الشيطان، حتى تسلم من شره ومكايده، واسأل ربك العافية من شره، وكن قويا لا تتساهل مع ذلك العدو، ولا تمل إليه، تقول: أخاف، أخاف، أخاف، ما كملت.
لا، اجزم أنك كملت، وأنك أديت الواجب، وانتقل إلى العضو الثاني، وهكذا إذا كملت فلا ترجع، تقول: ما توضأت أو ما صليت.
لا، الحمد لله، اجزم بأنك فعلت، حتى لا يغلبك عدوك، حتى لا يستولي عليك، فيجعلك ضمن المجانين.
نسأل الله لك التوفيق والهداية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، برقم (2664) .(5/146)
س: هل تنصحونه بأوراد معينة سماحة الشيخ، لعل الله سبحانه وتعالى يشفيه من هذا البلاء؟ (1)
ج: ننصحه بأن يقول بعد كل صلاة إذا فرغ من الذكر، يقرأ آية الكرسي، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) مع المعوذتين بعد كل صلاة، هذا من أسباب السلامة، ويكرر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) والمعوذتين بعد المغرب والفجر ثلاث مرات، وعند النوم يقرأ آية الكرسي أيضا، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) والمعوذتين ثلاث مرات عند النوم، كل هذا من أسباب السلامة، وإذا أحس بشيء يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وإذا اشتد عليه ينفث عن يساره ثلاث مرات، يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ويذهب عنه إن شاء الله إذا كان قويا، ولا بد من القوة، فالشيطان هو عدو، والعدو يحتاج إلى قوة؛ لأن العدو إذا رأى من خصمه الضعف استولى عليه وهجم عليه وأخذ سلاحه، فلا بد أن يكون قويا، حتى يستطيع أن يرده ويصده عنه بقوة إيمانه وقوة تقواه، وثقته بالله وإيمانه به، وأنه سبحانه مع من اتقى، مع من صلح، والله يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (5) ، من اتقى فهو معه، يعينه على عدوه، ويقول: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (6) ، يصبر على محاربته، والقوة في جهاده حتى يسلم من مكايده، والمسلم يجب أن يكون قويا
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (101) .
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 1
(5) سورة البقرة الآية 194
(6) سورة الأنفال الآية 46(5/147)
في كل شيء، قويا في صلاته، في صومه، في وضوئه، في ذكره لله، في تركه للمحارم، في حذره من الوساوس، وجهاده لها، وعلمه بأنها باطلة، وأنها من عند عدو الله، حتى يطرحها وحتى يعاديها، وحتى يحذرها غاية الحذر، هكذا يكون المؤمن أبدا قويا في أموره كلها.(5/148)
س: مستمعة تقول في سؤالها: إنها تشكو من الوساوس في الطهارة والوضوء منذ ما يقرب من اثني عشر عاما، فما هو توجيهكم؟ (1)
ج: عليها أن تتقي الله، عليها أن تتقي الله، وأن تتعوذ بالله من الشيطان، وأن تحذر من ميل الشيطان، والخضوع له: لا في الطهارة ولا في الصلاة، ولا في غير ذلك، حاربيه بقوة واتركي الشكوك والأوهام، إذا توضأت فاعتمدي على أن الوضوء قد تم، وإذا صليت اعتمدي أن الصلاة تمت، ولا تعيدي شيئا ولا توسوسي؛ لأن هذا يهين الشيطان وييئسه منك، ولا تكثري الوساوس، أما إذا ضعفت، وتساهلت معه فإنه يزداد في إيذائك، فعليك التعوذ بالله من الشيطان، حتى ولو في الصلاة، إذا وسوس إليك انفثي عن يسارك ثلاث مرات، وقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثلاث مرات، ويزول وهكذا إذا أحسست به عند الوضوء، أو غير ذلك، عليك بالمجاهدة والقوة ضد عدو الله الشيطان، وبهذا تسلمين إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (397) .(5/148)
باب المسح على الخفين
105- حكم صلاة المقيم إذا مسح أكثر من يوم وليلة
س: ما الحكم إذا مسح المقيم أكثر من يوم وليلة ناسيا، هل يعيد صلاته أم لا؟ (1)
ج: عليه أن يعيد هذا هو الصواب؛ لأن مدته محدودة بيوم وليلة، فإذا مرت المدة ونسي وصلى بالمسح فإنه يعيد ما زاد؛ لأنه صلاها في الحقيقة بغير وضوء فيعيد.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (188) .(5/149)
106- بيان بداية الوقت المحدد للمسح ونهايته
س: كما نعرف بالنسبة للمسح على الخفين فإنه يجوز المسح للمقيم يوما وليلة، أي بمعنى خمسة أوقات، والسؤال هو متى يبدأ وقت المسح؟ هل يبدأ من لبس الخف، أم يبدأ من بداية المسح؟ (1)
ج: الصواب أنه يبدأ من المسح بعد الحدث، إذا لبسته على طهارة، ثم أحدثت ببول أو ريح أو غيرهما، ثم توضأت أول وضوء، هذا هو المبدأ، فإذا أحدثت – مثلا – بعد الظهر، ثم توضأت للعصر فوضوء العصر هو أول شيء، فإذا جاء العصر الثاني تخلع، وهكذا لو أحدثت الضحى، ومسحت على الخفين بعد الطهارة للظهر يكون المبدأ الظهر، فإذا جاء الظهر غدا خلعت وتوضأت للظهر، وهكذا، البدء يكون من المسح بعد الحدث، في الطهارة التي بعد الحدث أول ما لبست.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (215) .(5/150)
س: يسأل س. س: متى يبدأ المسح على الخفين؟ أهو من حين اللبس، أم من حين الحدث، أم من حين أول مسح بعد الحدث؟ فأيهما الراجح يا سماحة الشيخ؟ وما الدليل مأجورين؟ (1)
ج: هذا هو الراجح أن يكون من المسح بعد الحدث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يوما وليلة (2) » فالبدء يكون من مسحه بعد الحدث، إذا أحدث ثم تطهر يكون هذا أول شيء، حتى يكمل ثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافرا، أو يوما وليلة أربعا وعشرين ساعة إن كان مقيما.
__________
(1) السؤال السابع والأربعون من الشريط رقم (393) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح، برقم (157) ، والنسائي في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم، برقم (128) .(5/151)
س: هذا السائل يقول: يا سماحة الشيخ حدثونا حفظكم الله عن المسح على الخفين متى يبدأ ومتى ينتهي؟ (1)
ج: المسح على الخفين سنة والجوربان كذلك، إذا لبسهما على طهارة، يبدأ من الحدث بعد اللبس، إذا أحدث يمسح عليهما يوما
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (430) .(5/151)
وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، إذا كان الجورب ساترا، والخف ساترا، ويلبسهما على طهارة، ويمسح على الخفين وفوق الجوربين، يوما وليلة إذا كان مقيما بدءا من الحدث، أما المسافر فثلاثة أيام بلياليها.(5/152)
107- تعريف الخف وصفة المسح عليه وتوقيته
س: تقول أيضا: قرأت عن مشروعية المسح على الخفين، فما هو وصف الخف؟ وما هي صفة المسح وتوقيته؟ وهل ينطبق ذلك على الجورب حتى ولو كان رقيقا؟ (1)
ج: الخف ما يتخذ من الجلد للرجلين يستر الرجلين يقال له خف يستر القدم والكعبين هذا يقال له خف.
يمسح عليه المسلم ثلاثة أيام بلياليها، إذا كان مسافرا ويوما وليلة إذا كان مقيما، والمرأة كذلك إن كانت مقيمة يوما وليلة، وإن كانت مسافرة ثلاثة أيام بلياليها، والجورب حكمه حكم الخف إذا كان جوربا من قطن أو صوف أو غيرهما ساترا للقدمين فإنه يمسح عليه كالخف يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر بشرط أن يكون ساترا، أما إن كان شفافا لا يستر فلا يمسح عليه، لا بد أن يكون الجورب ساترا كالخف للرجل للقدم والكعبين، والمسح يكون يوما وليلة للمقيم، يبدأ من المسح، يبدأ اليوم والليلة من المسح
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (365) .(5/152)
بعد الحدث، في حق المسافر ثلاثة أيام بلياليها، يبدأ من المسح بعد الحدث، أما لو لبسهما لبس الخفين الظهر، وبقي على طهارته العصر والمغرب والعشاء، ولم يحدث إلا بعد العشاء، فإن المدة تبدأ من المسح بعد العشاء، إذا مسح في التهجد من الليل أو في آخر الليل يبدأ من المسح بعد الحدث، وما مضى قبل ذلك لا يحسب.(5/153)
108- بيان عدد المسح على الجوربين عند الوضوء
س: بالنسبة للمسح يا سماحة الشيخ، هل يكفي أن يكون المسح مرة واحدة، أو أكثر من مرة على الجوربين؟ (1)
ج: إذا مسح مرة كفى، إذا مسح الجورب، أو مسح الرأس مرة كفى.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (405) .(5/153)
109- مسألة في بيان مدة المسح على الخفين
س: كم مرة يحق للمسلم أن يمسح على خفيه أو جوربيه؟ فإذا كان مقيما وتوضأ ولبس الجورب السميك ومضى عليه يوم فهل يحق له التجديد؟ وكم مرة يحق له ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا لبس الخفين على طهارة يمسح عليهما يوما وليلة بعد
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم (359) .(5/153)
المسح من الحدث إذا كان مقيما، أما إذا كان مسافرا فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها، هكذا وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وما قبل الحدث لا يحسب، لو لبسها – مثلا – الضحى، وبقي على طهارته الظهر والعصر والمغرب والعشاء ما تحسب، لكن يحسب من حيث مسح بعد الحدث فلو أحدث بعد العشاء، تبدأ اليوم والليلة من حيث مسح بعد الحدث، فالمسح بعد الحدث يكون يوما وليلة، المقصود أنه يحسب عليه، تحسب عليه المدة بعد مسحه من حدثه من مسحه بعد الحدث.(5/154)
110- حكم التلفظ بالنية عند مسح الخفين
س: سائل يقول يا سماحة الشيخ: هل هناك نية يتلفظ المسلم بها عند المسح على الجوارب؟ (1)
ج: ليس له نية، تكفيه نية الوضوء والحمد لله.
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (359) .(5/154)
111- شروط المسح على الخفين
س: هل هناك شروط للمسح على الخفين، كأن يكون الخف سميكا، أو أي شروط أخرى؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم لا بد من شروط:
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (269) .(5/154)
الأول: أن يكون على طهارة، تلبسه على طهارة.
الثاني: لا بد أن يكون ساترا غير مخروق إلى الكعبين، إلى أطراف الأصابع ساترا لها.
الثالث: أن يكون طاهرا.
الرابع: أن يكون مباحا غير مغصوب، لا بد أن يكون شيئا مباحا.
فالحاصل إذا كان ساترا طاهرا مباحا في يومه وليلته فلا بأس، تمسح عليه.
أما إذا كان على غير طهارة تخلعه، أو كان نجسا تخلعه، أو كان مغصوبا تخلعه وتعطيه أهله، أو كان رقيقا لا يستر، أو مخرقا خروقا كثيرة، هذا لا تمسح عليه، أما إذا كان الخرق يسيرا، خروقا يسيرة صغيرة فالصحيح أنه يغتفر إن شاء الله.(5/155)
112- حكم المسح على الجوارب
س: يقول السائل: حدثونا بالتفصيل عن المسح على الجوارب؟ .
ج: الصواب أنه لا حرج في المسح على الجوارب، كالخفين من الجلد، وقد مسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم في النعلين، ومسح عليها جماعة من الصحابة، فلا بأس بذلك، والجورب ما يلبس في الرجل من القطن، أو الصوف، أو الشعر، أو غيرهما غير الجلود إذا كان ساترا للقدم(5/155)
يمسح عليه يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر بعد الحدث، يعني: يبتدئ المسح من مسح بعد الحدث، فيمسح يوما وليلة بعد الحدث في حق المقيم، ويمسح ثلاثة أيام بلياليها بعد الحدث في حق المسافر على الجورب، وعلى الخف من الجلد كله واحد، هذا هو الصواب، والشقوق اليسيرة يعفى عنها في أصح قولي العلماء، الشقوق اليسيرة عرفا يسمح عنها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا (1) » والله يقول سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) ؛ ولأن الناس قد لا تسلم خفافهم من الشقوق أو الفتوق، لكن إذا تحرز واعتنى بالخف وبالجورب، حتى لا يكون فيه شيء يكون هذا أسلم لدينه وفيه خروج من خلاف العلماء القائلين بأنه لا يسمح بالخروق ولو يسيرة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة، برقم (69) ، ومسلم في كتاب الجهاد، والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم (1734) .
(2) سورة الحج الآية 78(5/156)
113- بيان صفة المسح على الخف والجوارب
س: تقول السائلة: ما هي كيفية المسح على الجورب؟ مثلا: أتوضأ لصلاة الفجر، ثم ألبس الجورب وأمسح عليه عند صلاة الظهر للمدرسة، حيث إني أعمل معلمة، وعند(5/156)
عودتي للمنزل أخلعه وأتوضأ بعد ذلك الوضوء العادي، فهل هذا جائز؟ (1)
ج: لا بأس ولا حرج في ذلك، من لبس الخفين أو الجوربين إن شاء أبقاهما يوما وليلة وهو مقيم غير مسافر، وإن شاء خلعهما متى شاء، ولو لم يصل فيهما إلا مرة واحدة، لكن الأفضل أن تبقي عليه أربعا وعشرين ساعة بعد المسح يوما وليلة، والمسافر له ثلاثة أيام، يعني اثنتين وسبعين ساعة؛ ثلاثة أيام بلياليها بعد الحدث والمسح، فالحاصل أنه لا بأس أن يمسح عليها وقتا أو وقتين ثم يخلع، لا حرج في ذلك، ومن شروط المسح على الخفين: أولا: أن يلبسهما على طهارة، قال صلى الله عليه وسلم لما أراد المغيرة أن ينزع خفيه، قال: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين (2) » فإذا أراد أن يمسح فليلبسهما على طهارة، رجلا كان أو امرأة، مسافرا أو مقيما.
ثانيا: لا بد أن يكونا ساترين؛ الخفان أو الجوربان لا بد أن يكونا ساترين صفيقين، ويسمح بالخروق الصغيرة على الصحيح.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (160) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب جبة الصوف في الغزو، برقم (5799) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم (274) .(5/157)
ثالثا: أن يكون المسح المدة المعينة؛ يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لا يمسح في أكثر من ذلك، فإذا توافرت هذه الشروط فالمؤمن يمسح على الخفين والجوربين، والمرأة كذلك، ولا بد أن يكون المسح على الجورب، فإذا كان المسح على النعل مع الجورب وخلع النعل؛ بطل الوضوء، فإذا مسح عليهما جميعا يبطل الوضوء بخلع أحدهما، أما إذا خص المسح بالجورب، ثم لبس الكندرة أو النعل فإذا خلعها لا بأس، يكون الحكم للجورب، فإذا خلع الكندرة أو النعل لا يضر، أما إذا مسح عليهما جميعا فالحكم يتعلق بهما جميعا، إذا خلع واحدا خلع الآخر وبطل الوضوء.
ومما ينبغي التنبه له: أن المسح على أعلى القدم فقط لا يحتاج إلى العقب ولا أسفل الخف، متى ما مسح على أعلى قدميه كفى، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخفين. فقط على ظاهر القدم، فلا يجب مسح العقب، ولا مسح الأسفل، إنما السنة مسح الظاهر فقط، مثل ما قال علي رضي الله عنه: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على ظاهر خفيه (1) » فالحاصل أن هذا هو محل المسح، ظاهر الخف وظاهر الجورب، وهنا مسألة قد تخفى، وهي مسألة الجبيرة، إذا كان الإنسان
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب كيف المسح، برقم (162) .(5/158)
عليه جبيرة في قدمه، أو في ذراعه، أو في وجهه لجرح فإنه يمسح عليها، وليس لها وقت معين، ما دامت موجودة يمسح ولو طالت المدة، حتى يشفى مما تحتها ويزيلها، وليس لهذا حد محدود إلا العافية، ويمسح عليها كلها على الجبيرة كلها ولو كانت وضعت على غير طهارة، لو جرح – مثلا – في يده أو في رجله وهو على غير وضوء، وقد وضع عليه الطبيب الجبيرة فإنه يمسح مطلقا على الراجح ولو كان وضعها حين وضعها على غير طهارة، وهكذا في الغسل من الجنابة، إذا كان في ظهره لزقة؛ في ظهره، أو في جنبه، أو جبيرة فإنه يمر عليها الماء ويكفي عند الغسل، ولا حاجة إلى أن يزيلها، بل متى ما مر عليها الماء كفى، حتى يعافيه الله.(5/159)
س: السائل مصري الجنسية، ويعمل في المنطقة الشرقية، يقول: أشاهد أثناء الوضوء أن البعض من الناس يمسحون على الشراب (الجورب) أي ما يلبس في الأقدام، فما حكم ذلك وظروف وشروط المسح على الشراب؟ (1)
ج: لا مانع من المسح على الشراب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على جوربين، ومسح الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، والجوربان ما يتخذ للرجلين من صوف، أو قطن، أو غيرهما، إذا كانا ساترين للقدم
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (379) .(5/159)
والكعب فلا بأس، يمسح عليهما يوما وليلة للمقيم بعد الحدث، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، هكذا جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، المقيم يمسح يوما وليلة ابتداء من مسحه بعد الحدث، أول مسحة بعد الحدث هذا المبدأ، وفي السفر ثلاثة أيام بلياليها، تبدأ من المسح بعد الحدث أول المسح حتى يكمل المدة ثلاثة أيام، والجوربان مثل الخفين الذي يكون من الجلد مثلا، والجورب يكون من الصوف والقطن ونحو ذلك، فكما يمسح على الخف يمسح على الجورب إذا كان كل منهما ساترا للقدم والكعبين، يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر بلياليها إذا لبسها على طهارة.(5/160)
س: يسأل هذا المستمع سماحتكم، فيقول: ما كيفية المسح على الجوارب؟ (1)
ج: كيفية المسح على الجوارب مثل الخفين، الخفان من الجلد والجوارب من القطن ونحوه، فيمسح على ظاهرهما؛ يضع يده اليمنى على قدمه اليمنى ويده اليسرى على قدمه اليسرى، يمسح عليها إذا مسح رأسه وأذنيه، فإنه يمسح الجوربين والخفين؛ يضع كفه اليمنى على ظاهر قدمه ويمسح على قدمه اليمنى، ويضع يده اليسرى على قدمه اليسرى ويمسح، ويكفي.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (299) .(5/160)
114- مسألة في بيان مدة المسح على الجوارب
س: المسح على الجوارب هل يصح أكثر من ثلاثة أوقات؛ أتوضأ وأمسح؟ فهل يصح – مثلا – ذلك العصر والمغرب والعشاء؟ .
ج: يوم وليلة لمن لبس الجوارب على طهارة، يمسح يوما وليلة كالخفاف، فإذا لبس الجوربين الساترين بعد الطهارة مسح عليهما يوما وليلة، الرجل والمرأة، فإذا تم اليوم والليلة خلعهما وتوضأ، والجوارب تكون من القطن، أو من الصوف إذا كانت ساترة.(5/161)
115- حكم اشتراط النية للمسح على الخف والجوارب
س: هل يشترط في المسح على الجورب النية؟ أي: إنني إذا لبسته على طهارة وحان وقت الظهر، ولم أنو أن أمسح عليه فهل تصح الصلاة وإن مسحت عليه، أم لا بد من وجود النية قبل المسح؟ (1)
ج: لا حاجة إلى ذلك، لا يشترط النية، إذا لبسته على طهارة تنوي المسح عليه، وإن كنت لم تنو عند اللبس أنك تمسح عليه، المهم أن
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (289) .(5/161)
تكون قد لبسته على طهارة، فلك المسح عليه حتى تمضي المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر بعد الحدث، يعني من أول مسح بعد الحدث، ولا يشترط في هذا أن تسبق النية أنك تريد أن تمسح عليه، لا يشترط، ولا دليل على ذلك.(5/162)
116- حكم المسح على ظاهر القدمين
س: يسأل المستمع ويقول: هل يصح مسح الأرجل أثناء الوضوء من خلف الجوارب؟ (1)
ج: تمسح من فوق، السنة مسحها من فوق، النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على خفيه على ظاهرهما فقط، أما المسح على العقب وأسفل الخف فهذا ليس بصحيح، خبره ضعيف، الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح على ظاهر خفيه كما رواه أبو داود بإسناد جيد، عن علي رضي الله عنه قال: «كان النبي يمسح على ظاهر خفيه، عليه الصلاة والسلام (2) »
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (403) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب كيف المسح، برقم (162) .(5/162)
117- حكم من خلع الخفين بعد الوضوء
س: إذا لبس الشخص جوربا على وضوء، ثم انتفض الوضوء وتوضأ ومسح عليه، ثم خلعه فهل يبقي على وضوئه؟ (1)
ج: إذا خلعه بطل الوضوء، إذا خلعه بعد الحدث بطل الوضوء.
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (321) .(5/163)
س: مسحت على الخفين والشراريب معا، ولكن نزعت الخفين خارج المسجد، وصليت بالشراريب فقط، هل صلاتي صحيحة؟ (1)
ج: إذا كنت مسحت عليهما جميعا؛ على الخف، وعلى ما ظهر من الشراب فاخلعهما جميعا، أما إذا كنت مسحت على الشراب فقط، والشراب ساتر ومسحت عليه فإنه يكفي والحمد لله، ولو خلعت الخف، وما دام مسح عليهما جميعا فإنه يخلعهما جميعا، أما إذا مسح على الجوربين، ثم أدخلهما في الكندرة، أو في الخف، فليبن على الجوربين إذا خلع الخف، لا بأس ولا يضر.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (295) .(5/163)
118- حكم لبس أكثر من جوربين والمسح عليه
س: مستمع يسأل عن الجوارب ولبسها، ولا سيما في الشتاء، ويقول: هل لبس زوجين من الجوارب يقومان مقام الخفين؟ وحتى إذا كان إحدى الجوربين قد تشقق، أو فيه بعض الخروق وتظهر منه البشرة؟ وماذا إذا أصابته نجاسة؟ هل تؤثر على المسح عليه؟ وهل الماء المستعمل في الاستنجاء إذا أصابه أثناء الاستنجاء، هل يغسل الجوربين، أم لا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا مانع من المسح على الجوربين ولو تعددت، ولو لبس عدة جوارب إذا سترت القدمين، فلا بأس أن يمسح عليهما إذا لبسهما على طهارة، والجورب الواحد يكفي إذا كان ساترا للقدمين، إذا كان صفيقا ساترا للقدمين، ولبسه على طهارة فإنه يمسح عليه يوما وليلة بعد الحدث؛ يوما وليلة إذا كان مقيما، أما إذا كان مسافرا فيمسح ثلاثة أيام بلياليها ولو جمع جوربين، أو ثلاثة للدفء؛ بأن جعل بعضها فوق بعض وهي ساترة فيمسح عليها، ولو كان بعضها لا يستر إذا ستر أحدها فالباقي تبع، المهم أن يستر أحدها، فإذا ستر من الكعب إلى أطراف القدم؛ ستر القدم كله مع الكعبين يمسح عليهما مثلما يمسح على الخفاف من الجلد، أما إذا كانت تصف البشرة؛ ما ستر البشرة لا
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (270) .(5/164)
يمسح عليه، لا بد أن يكون واحد منها ساترا، أو كلها ساترة، وإذا كانت نجسة لا يمسح عليها، بل يجب إزالتها حتى تغسل، وتتطهر من النجاسة، وإذا أصابه شيء من ماء الاستنجاء قبل أن تزول النجاسة يطهرها بغسلها، أما إذا كانت النجاسة قد زالت وأصابه ماء بعد الطهر، ماء يعني استعمله المستنجي بعدما زالت النجاسة ماء نظيفا فلا يضر إذا كانت النجاسة قد زالت، وطهر المحل، أما إن أصابه رشاش من الماء الذي تلطخ بالنجاسة فإنه ينجسه، وعليه غسل الجورب، ولا يمسح عليه حتى يغسله.(5/165)
119- بيان كيفية المسح إذا لبس أكثر من جورب
س: في فصل الشتاء تبرد قدماي، وتصبح في برودة الثلج، وتتورم ويسبب لي ألما شديدا خاصة في الليل، فأذهب إلى الطبيب، ونصحني بلبس جوارب عليها حتى تصبح دافئة، ولذلك أضطر إلى لبس أكثر من جورب في وقت واحد.
وسؤالي عن المسح كيف يكون؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: تلبس جوربا أو جوربين عليها للدفء، وتمسح عليها إذا لبستها على طهارة كل يوم وليلة، فإذا مضى يوم وليلة تخلع، ثم تتوضأ، ثم تلبسها مرة أخرى، وهكذا كل ما مضى يوم وليلة، تخلع، تحسب بعد
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (298) .(5/165)
الحدث يوما وليلة، يعني خمس صلوات في الغالب، ثم تخلعها، ثم تتطهر وتغسلها، ثم تلبسها؛ تلبس الجوارب، وهكذا، وتمسح على الأعلى منها.(5/166)
س: هل هناك من إرشاد حول المسح على الجوربين؟ (1)
ج: نعم، يمسح عليهما يوما وليلة في حق المقيم، وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر إذا كانا ساترين لمحل الفرض؛ الكعبين وما دونهما من القدم، ساترين يعني صفيقين، فإنهما يمسح عليهما بشرط أن يكونا طاهرين مباحين، لا مغصوبين، ولا نجسين، فالمقصود أنه إذا كان الجوربان، أو الخفان طاهرين مباحين ساترين مسح عليهما، يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر إذا كان هذا على طهارة؛ إذا لبسهما على طهارة.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (88) .(5/166)
120- حكم عدم غسل القدمين عند الوضوء بسبب المرض
س: تقول السائلة: تصاب أصابع قدمي بفطور؛ وذلك من أثر الماء، وقد منعني الطبيب من استعمال الماء، ومن استعمال الجوارب أيضا، كيف تنصحونني وحالتي والصلاة؟ (1)
ج: إذا كان يضرك الماء فلا بأس مثل ما قيل لك، إذا كان يضر قدميك فلا بأس، وإذا كانت الجوارب تضرك فلا بأس بتركها، وإذا كانت لا تضر تلبسينها على طهارة، وتمسحين على الجوارب، أما إن كانت الجوارب تضر – كما قيل لك – وهكذا الماء فيكفيك التيمم؛ تغسلين وجهك ويديك، وتمسحين رأسك، ثم تستعملين التراب بعد التنشيف، تضربين التراب مرة واحدة، وتمسحين وجهك وكفيك بالنية عن القدمين، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب، إذا كان هناك ضرر بين في غسل القدمين، ولبس الجوربين عليهما فإنك تتوضئين وضوءك الشرعي، يعني: تتمضمضين وتستنشقين، وتغسلين وجهك ويديك، وتمسحين رأسك وأذنيك، ثم بعد ذلك إذا حصل التنشف بعد ذلك تضربين التراب ضربة واحدة بيديك، وتمسحين بهما وجهك وكفيك بنية عن القدمين؛ لأن العاجز عن استعمال الماء حكمه حكم فاقد الماء، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (2)
__________
(1) السؤال من الشريط رقم (191) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/167)
فالذي يعجز عن استعمال الماء لمرض، أو جراحات حكمه حكم فاقد الماء، يتيمم والحمد لله، وهكذا الجريح وصاحب الجبيرة؛ الجريح إن تيسر المسح على الجرح مسح على الجرح وكفى، وإن كان يضره المسح تيمم إذا كان ليس على جرحه جبيرة، تيمم بعد غسله الأعضاء السليمة، ثم إذا يبست يداه يضرب التراب مرة واحدة، ويمسح بهما وجهه وكفيه بالنية عن الجريح، أما إذا كان عليه جبيرة فإنه يمسح الجبيرة ويكفي عن التيمم، وإذا مسح على الجبيرة عند غسل العضو الذي فيه الجبيرة كفى، إذ كانت الجبيرة في الذراع مسح عليها مع غسل بقية الذراع، وإذا كانت الجبيرة في القدم غسل القدم السليمة وبعض القدم التي عليها الجبيرة، ومسح على الجبيرة والحمد لله، ويكفي عن التيمم، هذا هو الصواب.(5/168)
121- حكم من لبس الخفين على طهارة ثم نزعهما
س: إذا لبس إنسان جوربين على طهارة، ثم تطلب الأمر نزعهما، مثل: إجراء كشف طبي يتطلب نزعهما، ثم عاد ولبسهما مرة أخرى بدون وضوء، علما أنه لا زال على طهارة، فما حكم ذلك بالتفصيل؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كان ما زال على طهارته الأولى، ولكن لبس خفين، أو
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (264) .(5/168)
جوربين لا بأس، فإن تطهر مثلا لصلاة الظهر، ولبس الجوربين أو الخفين، ثم دعت الحاجة لكشفهما بعد الصلاة لمرض أو غيره، ثم أعادهما على طهارته فلا بأس، يمسح عليهما يوما وليلة إذا كان مقيما، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافرا، أما إن كان أحدث بعد ما لبسهما فإنه لا يعيدهما إلا بعد الطهارة.(5/169)
122- بيان شرط سماكة الجوارب عند المسح
س: هل يشترط سمك معين للمسح على الجوربين؟ (1)
ج: ليس لهذا شرط، وليس لهذا حد محدود، ولكن المطلوب الستر، إذا سترت القدم – حتى لا يرى لون القدم؛ هل هو أبيض أو أحمر أو أسود، يعني: إذا كان الجورب ساترا القدم كفى.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (316) .(5/169)
س: إذا توضأ الإنسان للصلاة، ثم لبس جوربا ثم صلى العصر، ثم خلع الجورب وتوضأ لصلاة المغرب هل فعله هذا صحيح؟ (1)
ج: لا حرج عليه إذا كان لا يرغب في بقائها في رجله، لا بأس ولا حرج، إن شاء أبقاها، وإن شاء خلعها والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (317) .(5/169)
123- بيان مسح من به سلس البول
س: ما حكم المسح على الجوارب بالنسبة لحالة من به سلس بول؟ (1)
ج: لا بأس مثل غيره، يمسح الجوارب والخفين، يمسح عليهما يوما وليلة مثل غيره، وهكذا مسألة الإمامة، لا يؤم الناس، بل يترك ذلك لغيره؛ لأن حدثه دائم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يؤم، فينبغي له أن لا يؤم، وإنما يؤمهم غيره، ولو أم صحت صلاته على الصحيح؛ لأن طهارته مجزئه بحقه، لكن كونه يدع الصلاة لغيره أحوط، وبالنسبة لإمامته المصلين؛ لأنه أفضل الموجودين وأقرؤهم فالأفضل أن يؤمهم غيره، ممن هو دونه السالم من هذا الحدث.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (307) .(5/170)
124- حكم المسح على الجوارب الرقيقة
س: تقول السائلة: اختلف العلماء في حكم المسح على الجوارب الرقيقة، فما هو الصحيح؟ وما الدليل على عدم جواز المسح؟ (1)
ج: الصواب أن المسح يكون على ساتر صفيق، الذي يستر
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (203) .(5/170)
القدمين؛ لأن الله أباح لنا المسح على الخفين رحمة لنا، فإذا كان الخفان غير ساترين لم يحصل المقصود؛ لأن الأقدام بائنة ظاهرة، والظاهر حكمه الغسل، والنبي صلى الله عليه وسلم مسح والصحابة على خفين ساترين، فالواجب التأسي بهم في ذلك؛ لأنهم مسحوا على خفاف وعلى جوارب ساترة، فلا يجوز المسح على جوارب أو خفاف غير ساترة، لكن ذكر جمع من أهل العلم أن الخروق اليسيرة عرفا لا تضر، تغتفر؛ لأنه قل أن يسلم الخف، أو الجورب من شيء يسير يعتريه من فتق، أو خرق، أو نحو ذلك، إذا كان يسيرا عرفا لا يستفحش، وإذا صارت الأخفاف سليمة والجوارب سليمة كان ذلك أحوط، وفيه الخروج من خلاف العلماء، والبعد عن الشبهة، وبكل حال فالشيء اليسير يعفى عنه إن شاء الله.(5/171)
س: تقول هذه السائلة: ما حكم المسح على الجوارب الرقيقة، وذلك للصلاة عندما أكون في المدرسة؟ ذلك لأن وقت الصلاة محدد بعشر دقائق، ومنها وقت الوضوء، فأمسح على جواربي وإن كانت خفيفة؛ من أجل استغلال الوقت، فبماذا توجهونني؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوقت هذا قصير، العشر دقائق قصيرة، فننصح القائمة بالمدرسة بأن تزيد المدة إلى نصف الساعة، أو إلى نصف إلا خمسا؛
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (292) .(5/171)
لعل الطالبة تستطيع أن تقضي حاجتها، وتتوضأ بسهولة، وتصلي بطمأنينة؛ لأن العشر دقائق قليلة جدا، وليس كل طالبة على وضوء، فقد تحتاج إلى وضوء، وإلى قضاء حاجة، وعليك أن لا تمسحي على الجوارب الرقيقة، لا بد أن تكون ساترة، وإلا فاخلعيها واغسلي الرجل، لا بد أن تكون ساترة تستر الرجل، لا تعرف من ورائها الرجل؛ هل هي حمراء، أو سوداء؟ بل تسترها سترا كاملا، وتستر الكعبين أيضا.(5/172)
س: ما حكم المسح على الشراب الخفيف الذي يبين لون البشرة؟ (1)
ج: إذا كان الشراب لا يستر لا يمسح عليه، لا يمسح إلا على جورب يستر القدم، أما الذي لا يستر فلا يمسح عليه.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (383) .(5/172)
س: الأخ: م. ب. ص. س. ض. المهموم، من بريدة، يسأل ويقول: إنسان يمسح على شراب خفيف ترى من خلاله البشرة، هل هذا جائز أو لا؟ (1)
ج: لا بد في الشراب والخفاف أن تستر القدم من الكعب إلى
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (117) .(5/172)
أطراف الأصابع، فإذا كان الشراب خفيفا شفافا، يرى منه ما تحته من لحم وحمرته وسواده ونحو ذلك فإنه لا يمسح عليه، بل يجب خلعه وغسل الرجل، وإنما يمسح على الشراب والخف الساتر، لكن لو وقع فيه خروق يسيرة عرفا فإنه يعفى عنها في أصح قولي العلماء، الخرق اليسير الذي كالمخيط وطرف الإصبع ونحو ذلك فهذا يعفى عنه على الصحيح، وينبغي للمؤمن وللمؤمنة تفقد الخفاف والشراب، حتى تكون ساترة، والخروق ينبغي أن ترفى، أو ترقع، أو تبدل بشيء ساتر خروجا من خلاف العلماء واحتياطا للدين، فإن الصلاة عمود الإسلام، فتجب الحيطة لذلك، أما إذ اتسع الخرق فإنه يخلع وتغسل الرجل، وهكذا إذا كان شفافا فإنه يخلع وتغسل الرجل.(5/173)
125- حكم المسح على جوارب النايلون
س: هل يجوز المسح على جوارب النايلون أو لا يجوز؟ (1)
ج: يجوز المسح على الجوارب من أي جنس كانت؛ من صوف، أو وبر، أو أي شيء لكن تكون ساترة للرجلين؛ الكعبين والقدمين، فإذا كانت ساترة يجوز المسح عليها من أي جنس؛ سواء كانت من الصوف، أو من الوبر، أو من القطن، أو من أي مادة أخرى تستر القدمين.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (363) .(5/173)
126- حكم المسح على الخف الساتر إلى نصف الساق
س: إنني ألبس حذاء – أجلكم الله – طويلا يصل إلى الركبة، وهو مصنوع من البلاستيك، هل يجوز أن أصلي به صلاة الفجر إذا أدخلت رجلي طاهرة؟ (1)
ج: إذا لبسته على طهارة لك مدة يوم وليلة إذا كنت مقيما، وإن كنت مسافرا فلك ثلاثة أيام بلياليها إذا كان هذا ساترا للقدم مع الكعبين، فالحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (338) .(5/174)
127- حكم المسح على الخف وخلعه عند الصلاة
س: يقول هذا السائل: عندما أتوضأ في المدرسة لتأدية صلاة الظهر أمسح على الحذاء؛ وذلك لصعوبة خلع الحذاء ولبسه مرة أخرى، ولبعد المسجد عن دورة المياه، فإذا وصلت إلى المسجد خلعت الحذاء وصليت، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: لا يجوز هذا، يكون الوضوء باطلا، لا بد من لبس خف يستر القدمين، أو جورب يستر القدمين، ويمسح عليه ويبقى حتى يصلي، أما أن يمسح على ظاهر الخف، ثم يخلعها عند المسجد هذا
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (430) .(5/174)
يبطل الوضوء، ولا تصلح الصلاة، لا بد من بقائه حتى يصلي فيه إذا كان ساترا للقدمين؛ كخف أو جورب من الصوف أو القطن يستر القدم، ويلبس على طهارة ويمسح عليه، ثم يصلي فيه، ولا يخلعه قبل الصلاة.(5/175)
128- حكم المسح على الحذاء أو الشراب الوسخ
س: يقول السائل: ما حكم المسح على الشراب، أو المسح على الحذاء، أجلكم الله؟ وإذا كان يعلق بها بعض الأوساخ فهل تجوز الصلاة بها؟ (1)
ج: المسح على الخفين أو الجوربين رخصة وسنة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما (2) » وقال فيما رواه مسلم عن علي رضي الله عنه: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثا بلياليها (3) » وهكذا رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرهم إذا لبسوا الخفاف على طهارة أن
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (237) .
(2) أخرجه الدارقطني، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم (276) .(5/175)
يمسحوا يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر بلياليها (1) » وهو صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كان يمسح على الخفين، وفي بعض أسفاره - صلى الله عليه وسلم – توضأ ومعه المغيرة يصب عليه، فلما مسح رأسه أراد المغيرة أن ينزع خفيه، فقال: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين (2) » فمسح عليهما، عليه الصلاة والسلام.
والجورب من جنس الخف، يكون من الصوف ومن القطن، أو من الشعر، أو غير ذلك، فهو من جنس الخف.
الخف من الجلد، والجورب من غير الجلد، والصواب أنه يجوز المسح على الجورب كالجلد إذا ستر القدمين مع الكعبين، كالخف يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وإذا كان الجورب في النعل ومسح عليهما جميعا فلا بأس، لكن إذا خلع النعل يخلع الجورب، أما إذا مسح الجورب وحدها فإنه يخلع النعل متى شاء، فيكون الحكم معلقا بالجورب؛ يمسح عليها يوما وليلة في الإقامة، وثلاثة أيام بلياليها في السفر.
أما النعل وحدها فلا يمسح عليها؛ لأنها لا تستر، وإنما يمسح على
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب جبة الصوف في الغزو، برقم (5799) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم (276) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب جبة الصوف في الغزو، برقم (5799) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم (274) .(5/176)
الجورب بالنعل؛ لأنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام «أنه مسح على الجوربين والنعلين (1) » .
فإذا مسح عليهما جميعا صار الحكم لهما؛ يخلعهما جميعا ويبقيهما جميعا، أما إذا مسح على الجورب وحده فإنه يكون الحكم للجورب والنعل متى شاء خلعها ومتى شاء لبسها، فإذا مضى على الجورب في رجله يوم وليلة بعد الحدث وبعد المسح خلع، وهكذا الخف، يبدأ من المسح بعد الحدث، فإذ مضى يوم وليلة؛ أربع وعشرون ساعة بعد المسح الأول عليه بعد الحدث تمت المدة، وهكذا المسافر ثلاثة أيام بلياليها، يعني اثنتين وسبعين ساعة في حق المسافر، ولكن لا بد أن يكون لبسهما على طهارة، ولا بد أن يكون من الحدث الأصغر من الجنابة، لا يمسح، والحائض والنفساء لا تمسح؛ لأن المسح للحدث الأصغر، أما الجنب فيخلع والحائض تخلع والنفساء تخلع؛ لأن الحائض والنفساء لا طهارة لهما إلا بعد الغسل.
فالحاصل أن الجوارب يمسح عليها للوضوء، أما في الجنابة فلا، بل يخلع.
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (99) ، سنن النسائي الطهارة (125) ، سنن أبو داود الطهارة (159) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (559) ، مسند أحمد بن حنبل (4/252) .(5/177)
129- حكم المسح على الجوربين بعد خلعهما ولبسهما مرة أخرى بعد الحدث
س: هل يجوز فسخ الشراب بعد أداء الفروض الخمسة للماسح عليها يوما وليلة؟ ، وعند اتساخها هل يصح لي تغييرها قبل إكمال الفروض، ومتابعة المسح عليها؟ ، والقصد من سؤالي(5/177)
هو إراحة الأرجل عند النوم؛ وذلك بعد أداء الفروض جميعها، ابتداء من صلاة الفجر حتى العشاء، والفترة ما بين العشاء والفجر راحة، أرجو إفادتي بذلك؟ ، والله يوفقكم (1)
ج: المشروع للمؤمن أن يمسح يوما وليلة إذا كان مقيما، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافرا، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن (2) » وهكذا جاء في أحاديث أخرى عن النبي عليه الصلاة والسلام، والبدء يكون بعد المسح من الحدث، إذا مسح بعد الحدث هذا البدء، فإذا أحدث الضحى – مثلا – ثم توضأ للظهر ولبسها، ثم مسح العصر فإنه يستمر إلى العصر الآتي، فإذا جاء العصر الآتي خلعها، وغسل رجليه قبل العصر ثم لبسهما بعد ذلك، ثم يمسح يوما وليلة بعد ذلك، أما إذا خلعهما للراحة – مثلا – لبسهما بعد الظهر على الطهارة، ثم مسح عليهما بعد العصر، ثم مسح بعد المغرب والعشاء، ثم خلعهما بعد العشاء للنوم؛ فإنه يغسل قدميه إذا قام للفجر، ولا يلبسهما إلا على طهارة؛ يتوضأ وضوء الصلاة، ويغسل
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (70) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم (276) .(5/178)
قدميه ثم يلبسهما على طهارة، فيمسح عليهما بعد ذلك إذا صلى الضحى، أو يمسح عليهما الظهر أو العصر، وهكذا يوما وليلة مرة أخرى، وهكذا إذا خلعهما بعد ما أحدث فإنه يبطل حكم المسح، فليس له أن يعيدهما إلا على طهارة جديدة، ولا يلبسهما على طهارة سبقت قبل الخلع، ومتى خلعهما بطل حكم المسح حتى يتوضأ وضوءا جديدا، ثم يلبسهما بعد الوضوء الجديد، ولهذا لما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الخفان، وأراد أن يمسح عليهما أراد المغيرة أن ينزعهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين (1) » وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا توضأ المؤمن، ثم لبسهما يمسح» ، وهكذا جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: «أمرنا رسول الله إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام، ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم (2) » فالمؤمن يمسح ثلاثة أيام بلياليهن بنفس السفر،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب جبة الصوف في الغزو، برقم (5799) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم (274) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، برقم (96) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب الوضوء من الغائط والبول، برقم (158) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من النوم، برقم (478) .(5/179)
ويمسح للإقامة يوما وليلة، لكن في غير الجنابة، أما الجنابة فلا، لا بد من الخلع حتى يغسل قدميه من الجنابة.(5/180)
130- مسألة في كيفية المسح على الجوربين
س: ما الحكم فيمن يقوم بالمسح على الشراب، بدلا من غسل الرجلين في الوضوء؛ وذلك بحجة البرد، وأنه لبس الشراب على وضوء؟ ومتى يصح؟ وكيف؟ (1)
ج: إذا كان الجورب (الشراب) صفيقا ساترا للقدم، ولبسه على طهارة جاز المسح عليه؛ كالخف من الجلد يوما وليلة للمقيم بعد المسح، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، هكذا جاءت السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والصواب أنه يجوز المسح على الجورب – وهو الشراب – من الصوف، ومن القطن، أو الوبر مثل الجلد، مثل الخف سواء بسواء على الصحيح، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين والنعلين، كما جاء في السنن من حديث المغيرة، وثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم مسحوا على الجوربين، فلا حرج في ذلك، إذا كان لبسهما على طهارة وكانا صفيقين ساترين فإنه يمسح عليهما يوما وليلة، يبدأ المسح من المسح بعد الحدث، إذا أحدث ومسح بدأ المسح هذا أول المدة؛ يوم وليلة، إذا أحدث ريحا
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (41) .(5/180)
أو بولا أو نحو ذلك، ثم مسح هذا أول المدة؛ يوم وليلة، وهكذا في السفر يبدأ مدة المسح بعد المسح من الحدث ثلاثة أيام بلياليهن في السفر، ويوما وليلة في الإقامة، أما المدة التي قبل ذلك ما تحسب مثل لو لبسها الظهر على الطهارة، ثم صلى الظهر بالطهارة، ثم صلى العصر بالطهارة والمغرب بالطهارة والعشاء بالطهارة، ثم أحدث بعد العشاء لا يحسب له إلا بعد العشاء إلا بعد المدة التي مضت على الطهارة، الأولى ما تحسب؛ لأنه ما أحدث فيها.(5/181)
س: هل يجوز المسح على الجورب في الوضوء؟ وذلك كالمسح على الخفين؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم يمسح على الجورب، من القطن أو الصوف كما يمسح على الخفين من الجلد، وكان جماعة من الصحابة يمسحون على الجوارب، جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «أنه مسح على الجوربين والنعلين، عليه الصلاة والسلام (2) » فلا حرج في ذلك إذا لبسهما على
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (325) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين، برقم (99) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب المسح على الجوربين، برقم (159) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب المسح على الجوربين والنعلين، برقم (125) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين برقم (560) .(5/181)
طهارة، وكانا ساترين يمسح عليهما، يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويبدأ المسح بعد مسحه من الحدث يوما وليلة، يعني أربعا وعشرين ساعة، المسافر ثلاثة أيام بلياليها، اثنتين وسبعين ساعة بعد الحدث.(5/182)
131- مسألة في كيفية المسح على الجورب
س: كيف يكون المسح على الجورب عند الوضوء؟ هل يبدأ برجل ويلبس الجورب، أو بعد الوضوء والتمسح؟ وهل يجوز حسب الظروف فرضا؟ (1)
ج: يمسح على الشراب مثل ما يمسح على الخف الجلد، إذا كان عليه جوربان وقد لبسهما على طهارة يمسح عليهما مثل ما يمسح على الخفين، يمسح على اليمنى باليمنى، ثم يمسح على اليسرى باليسرى، ويكفي ذلك والحمد لله، على ظاهر القدم، يمسح ظاهر الخفين أو ظاهر الجوربين ويكفي ذلك، أما عند البدء فلا يمسح عليهما إلا إذا كان لبسهما على طهارة، أي لا بد أن يتوضأ أولا ثم يلبسهما، وإذا لبس الخف أو الجورب في الرجل اليمنى قبل أن ينتهي من الوضوء،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (328) .(5/182)
ثم غسل اليسرى ولبس فالأحوط له أن يخلع اليمنى، ثم يلبسها بعد تمام الوضوء؛ لأنه لبسها قبل تمام الوضوء، فيخلعها بعد أن غسل اليسرى، ثم يعيد لبسهما حتى يكون لبسها على طهارة كاملة.(5/183)
س: نرجو من سماحتكم أن تتفضلوا ببيان أحكام المسح على الشراريب؟ (1)
ج: المسح على الخفين والشراب مشروع، إذا كان الخف ساترا والشراب ساترا، ولبسهما على طهارة، والخف يكون من الجلد والشراب والجورب يكون من الصوف أو الوبر أو القطن أو نحو ذلك، فإذا كان الجورب ساترا والخف ساترا، ولبسهما على طهارة، شرع له المسح يوما وليلة بعد الحدث وبعد المسح في حال الإقامة، وثلاثة أيام بلياليها في حال السفر، فالمقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها، بدءا من المسح بعد الحدث، إذا كان لبسهما على طهارة، وكانا ساترين، الخفان أو الجوربان، والخروق اليسيرة جدا يعفى عنها إن شاء الله.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (320) .(5/183)
132- حكم المسح على الحذاء ثم خلعه قبل الصلاة
س: إنني امرأة كفيفة وكبيرة ومن الصعب علي خلع الكنادر، ثم المسح على الشراب، ثم لبس الكنادر، فهل يجوز أن أمسح على الكنادر فقط وحينما أصل إلى السجادة أخلع الكنادر وأصلي (1)
ج: المسح على ما يستر الرجلين من كنادر أو شراب جائز ورخصة من الله جل وعلا، وفيه تخفيف على الأمة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى الجوربين، ويصلي يوما وليلة في الحضر في الإقامة، وفي السفر ثلاثة أيام بلياليها، هذا مشروع والحمد لله، لكن يكون المسح على الشيء الساتر، إما جورب ساتر، أو خف من الجلد ساتر، يمسح عليه يوما وليلة في الإقامة بعد الحدث والمسح، يوما وليلة، أما الكندرة فلا يمسح عليها، إذا كانت غير ساترة لا يمسح عليها إلا أن يمسح عليها مع الجورب لا بأس، يمسح عليهما جميعا على الكندرة وعلى ما ظهر من الجورب، يمسح عليهما جميعا لا بأس، وإذا مسح عليهما جميعا لا يخلع، لأنه إذا خلع بطل الوضوء، فيصلي بالكندرة والشراب جميعا، فإذا خلع الجميع أو خلع الكندرة بطل الوضوء، وإذا أرادت هذه المرأة السلامة فعليها أن تمسح على الجورب فقط، وتخلي الخف أو غيره من شبشب أو غيره مما يخف عليها خلعه، أو في كندرة
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (34) .(5/184)
يخف خلعها تمسح على الجورب، وإذا جاءت المصلى خلعت الكندرة وكفاها الجورب، ولا تمسح على الكندرة، تمسح على الجورب الذي يستر القدم والحمد لله، وأما الكندرة لا تمسح عليها حتى تخلعها متى شاءت، أو تجعل الجورب في شبشب يقيها في الأرض، ثم تخلع الشبشب، المقصود أنها إذا مسحت على الكندرة لا يجزئ؛ لأن الكندرة لا تستر إذا كانت قصيرة، أما إذا كانت الكندرة واسعة تستر القدم كله مع الكعبين، فتمسح على الكندرة ومتى مسحت عليها فلا تخلعها إلا بعد الصلاة، تصلي أولا: أما إن خلعتها قبل الصلاة بطل الوضوء، فينبغي التنبه لهذا، ينبغي التنبه للمرأة، والذي يقرأ عليها يسمعها هذا الجواب، ويفهمها بأن المسح على الكندرة لا يجزئ، إذا كانت قاصرة لا تستر الكعبين، وإذا كانت ساترة وخلعتها بطل وضوؤها، فالذي ينبغي لها أن تمسح الجورب، وتكتفي به والكندرة تخلعها متى شاءت.(5/185)
س: يقول السائل: إني عامل في السعودية، وفقني الله بالصلاة مع عمالي، ولكن الرجل الذي يؤم الناس بصلاة الجماعة وجدته في الوضوء يمسح رجله بالماء من فوق الشراب، فقلت له: لماذا لم تخلع الشراب؛ لتعم الماء على رجلك؟ فقال لي: سألت المطوع، قال: يجوز المسح فوق الشراب، فهل تكون الصلاة صحيحة أم لا؟ وفقكم الله (1)
ج: نعم يجوز المسح على الشراب، إذا كان ساترا، يجوز المسح عليه إذا لبس على طهارة، فلا حرج في ذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على جوربين ونعلين، وثبت عن جماعة من الصحابة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يمسحون على الجوارب، والجوارب هي الشراب من القطن أو من الصوف، ونحو ذلك، أما الخف فهو من الجلد، والنبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، ومسح على الجوربين أيضا، فلا حرج في ذلك، ومن قال: إنه لا يمسح إلا على الخف فقط، أو على الجلد فهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه يمسح على الجلد وعلى الجورب، الذي هو الشراب، من القطن أو الصوف، إذا كان ساترا للقدم، وإذا كان لبسهما على طهارة فإنه يمسح يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر بعد الحدث، هذا هو المشروع، وبذلك تعلم أن مسحه لا حرج فيه، وأن صلاته صحيحة، وأن قول من قال: إن المسح يكون في الخف الذي هو الجلد ليس بجيد.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (25) .(5/186)
باب المسح على الجبيرة
133- حكم المسح على العضو المصاب لمدة زمنية طويلة
س: أصاب إصبع رجلي الإبهام جرح تعفن، وأدخلت المستشفى، وأجريت لي عملية، وبقي هذا الجرح ستة أشهر لم يبرأ، يغير له الأطباء يوما بعد الآخر، ويربطونه بالشاش، وكلما توضأت أمسح على الإصبع، فهل يجزئ هنا المسح عن التيمم؟ مع العلم أن الماء يصل جميع محلات الوضوء، ما عدا الإصبع المربوطة، وإذا ربط الشاش فوق الدواء لم يخرج منها شيء (1)
ج: لا شك أن مسح الجبيرة كاف عن التيمم، فإذا مسح على الجبيرة التي على الجرح عند غسل الرجل، التي فيها الجرح كفى ذلك والحمد لله، ولا يحتاج إلى التيمم، وهذا هو الواجب عليه عند وجود
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (9) .(5/187)
الجرح الذي عليه الشاش، أي عليه الجبيرة يمسح على الجبيرة يعمها بالمسح، ويكفي عند غسل الرجل والحمد لله.(5/188)
س: تعرضت لكسر في ساقي ووضع عليه الجبس، وعند الوضوء أمسح على الجبس، فهل وضوئي صحيح؟ (1)
ج: نعم، عليك أن تمسح على الجبس كالجبيرة حتى يزال إذا كان الجبس على القدم، أما إذا كان على الساق فلا تمسح عليه، إذا كان الجبس بضعه على القدمين، أو على أحد القدمين تمسح عليهما عند الوضوء، مثل لو كانت الجبيرة بخرقة أو غيرها على قدمك، تمسح عليها حتى تزال، ولا يشترط أن يوضع الجبيرة والجبس على طهارة على الصحيح.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (328) .(5/188)
س: أصيب شخص بجرج في إصبعه وقام الطبيب بربط الجرح حتى لا يصل الماء إلى الجرح، فكيف يتوضأ المصاب في هذه الحالة أم أنه يتيمم؟ (1)
ج: يتوضأ ويمسح على الجبيرة، وليس له حد محدود.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (337) .(5/188)
س: كنت ذات يوم ألعب بالكرة، وقد حدث أن جرحت رجلي جرحا مؤلما، ودخل وقت الصلاة فتوضأت الوضوء الكامل، غير أني لم أغسل مكان الجرح، فكنت أصلي والدم ينزف مني، ودمت على ذلك خمسة أيام، فهل صلاتي صحيحة مع العذر أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم (1)
ج: الواجب في هذا أنك تجعل للجرح شيئا يمسك الدم؛ جبيرة يعني خرقة تلفها عليه أو ما أشبهها مما يحبس الدم ويوقف الدم، حتى تمسح على هذه الجبيرة، فإن لم يتيسر تيمم عن ذلك بعد الوضوء، تتيمم عن ذلك ويكفي عن محل الجرح، ولكن ضبطه بلفافة أو جبيرة ثم تمسح عليها هذا هو الواجب؛ لأنه هو الطريق المتبع، فإذا لم تفعل ذلك فإن قضيت هذه الصلوات فهو أحوط، إن قضيت الأيام الخمسة التي فعلتها من دون مسح ولا تيمم فهذا هو الأحوط لك؛ لأنك فرطت في هذا الأمر، وهو أمر واضح، إما بربط الجرح والمسح عليه، وإما بالتيمم بعد ذلك؛ لأنك تستطيع التيمم عن هذا الجرح الذي بقي محله لم يغسل، والله ولي التوفيق.
__________
(1) السؤال الثمانون من الشريط رقم (65) .(5/189)
صفحة فارغة(5/190)
باب المسح على العمامة
134- حكم المسح على العمامة والربطة للنساء وشرط ذلك
س: هل تشترط الطهارة عند المسح على العمامة أو الربطة بالنسبة للمرأة؟ وكيفية المسح عليها؟ ، جزاكم الله خيرا (1)
ج: العمامة كالخفين لا بد من الطهارة، فإذا لبس العمامة المحنكة على طهارة مسح عليها يوما وليلة، وهكذا المرأة إذا أرادت الخمار على رأسها وشق عليها نزعه تمسح يوما وليلة، إذا كانت لبستها على طهارة كالخفين سواء، أما إذا كان لا يشد كالعمامة العادية، أو الغترة فهذه ليس عليها مسح؛ لأن خلعها لا يكلف، كذلك الخمار العادي.
أما إذا كانت العمامة تحنك على الرأس، وتربط على الرأس ففي حلها بعض المشقة، فيمسح عليها يوما وليلة إذا لبسها على طهارة، وهكذا إذا كانت المرأة تدير الخمار على رأسها بشريطة على رأسها فإنها
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (316) .(5/191)
تمسح عليه يوما وليلة، إذا لبستها على طهارة، أي لبست الخمار على طهارة.(5/192)
135- حكم مسح المرأة على الخمار
س: تقول السائلة: هل يجوز للمرأة أن تمسح رأسها من فوق الملابس التي على رأسها؟ (1)
ج: ليس لها ذلك، بل عليها أن تمسح الرأس نفسه، كما أن الرجل يمسح رأسه أيضا، لكن إن كان عليها خمار حنكت به رأسها ويشق عليها نزعه مسحت عليه يوما وليلة إذا كان لبسته على طهارة، مثل الرجل إذا لبس العمامة على طهارة يوما وليلة يمسح عليها يوما وليلة بعد الحدث إذا كانت عمامة محنكة؛ لأن حلها قد يشق بعض المشقة، وهكذا الخمار المحنك على المرأة، إذا حنكته على رأسها ولبسته على طهارة فإن لها أن تمسح يوما وليلة كالخفين، كما تمسح الخفين يوما وليلة كالرجل، أما خمار مطروح هكذا على الرأس عادي فهذا لا يمسح عليه، بل يزال، ويمسح على الرأس، أو لبستها على غير طهارة لا تمسح عليها تزيلها، أو زاد عن الوقت يوما وليلة تزيلها كالرجل سواء.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (281) .(5/192)
136- حكم المسح على التحجيبة إذا لبست على طهارة؟
س: سائلة تقول: توضأت على التحجيبة الموضوعة على الرأس؛ لأنه لا يوجد وقت في العمل برفع التحجيبة من على الرأس للوضوء، ووضعها مرة أخرى، فهل الوضوء صحيح أم لا؟ (1)
ج: إذا كان المراد من التحجيبة هنا الخمار (الشيلة) التي على الرأس هذه تنزع وقت مسح الرأس، أما إذا كان المقصود بالتحجيبة آثار المشاط الذي في الرأس، أو الحناء الذي في الرأس هذا يمسح عليه والحمد لله، أما التحجيبة التي أردت إذا كانت غير ذلك فلا بد من بيانها، أما إذا كان الخمار محنكا على الرأس، ويشق نزعه، وقد لبس على الطهارة فإنه يمسح عليه يوما وليلة، كالخفين وهكذا عمامة الرجل، إذا جعلها على رأسه، وحنكها تحت حنكه ولفها على رأسه فإن مثلها يشق نزعه، فإذا مسح عليها يوما وليلة فلا بأس إذا كان لبسها على طهارة، فالعمامة والخمار للمرأة كلاهما إذا لبس على طهارة، وقد حنكها أو حنكتها المرأة، أي ربطتها على رأسها، وربطها على رأسه فإن هذا عذر في المسح عليها، إذا كان لبسها على طهارة يوما
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (282) .(5/193)
وليلة في الحضر، وبثلاثة أيام بلياليها للسفر، كالخفين، أما لبس الخمار عاديا، والغترة عاديا، فلا يمسح عليها عند المسح، يزيل الغترة ويمسح، وتزيل المرأة الخمار العادي، وتمسح، أو كان لبسها على غير طهارة ينزعها ويمسح على الرأس، وشرط ذلك أن يكون لبسها على طهارة، وأن تكون يشق نزعها؛ لأنها محنكة مطوية، ملفوفة على الرأس، مداراة على الرأس.
إذا كان يشق على المرأة، ولبست التحجيبة على طهارة، إذا لبست التحجيبة وهي التي تلف على الرأس والذقن فهذا فيه مشقة، فإذا كان على طهارة تمسح عليها – والحمد لله – يوما وليلة في حق المقيم، وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر.(5/194)
س: تقول السائلة: بعض أخواتنا الطبيبات والممرضات يرتدين ما يسمى لديهن بالتحجيبة، وهذه التحجيبة ينطبق عليها الوصف، وهو أنها تكون من تحت الذقن، وتغطي جميع الرأس، هل لمثل هؤلاء الأخوات أن يمسحن على هذه التحجيبة إذا لبست على الطهارة؟ (1)
ج: نعم، إذا لبسنها على طهارة، وكان حلها مما يشق بعض الشيء فإنها تمسح على هذه التحجيبة، التي يسمونها خمارا محنكا،
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (432) .(5/194)
نعم تمسح إذا كان لبستها على طهارة يوما وليلة فقط بعد الحدث، ثم تنزعها بعد اليوم والليلة، وأما إن كانت ملبوسة على غير طهارة فإنها لا تمسح عليها.(5/195)
137- حكم المسح على الضماد الذي على الرأس
س: تقول السائلة: إذا أردت وضع الحناء على رأسي لمدة يوم، أو يومين فهل يجوز أن أمسح على الغطاء، أم لا بد من مسح الرأس نفسه؟ (1)
ج: تمسح على الضماد الذي على الرأس، تقول عائشة: «كنا نمسح على الضماد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (2) » .
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (281) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل، برقم (254) .(5/195)
138- حكم من توضأ ولم يستنشق
س: تسأل هذه المستمعة، وتقول: إذا توضأت وضوءا كاملا، إلا أنني لم أستنشق فهل يبطل وضوئي وصلاتي؟ .
ج: نعم الاستنشاق والمضمضة لا بد منهما في غسل الوجه، من(5/195)
جملة غسل الوجه، فلا يصلح غسل الوجه إلا بالمضمضة والاستنشاق ولو مرة واحدة، والأفضل ثلاث مرات، فالذي لم يستنشق ولم يتمضمض، وضوؤه غير صحيح، يعيده من أوله.(5/196)
باب ما جاء في نواقض الوضوء
139- بيان الخلاف في نقض الدم للوضوء
س: هل إذا خرج الدم من جرح في الجسم هل ينقض الوضوء؟ أفيدونا أفادكم الله (1)
ج: أما الدم القليل فلا ينقض، والرعاف القليل لا ينقض، أما إذا كثر فالأحوط الوضوء؛ لأنه فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى النقض، ومنهم من لم ير النقض، والآثار في هذا والأحاديث فيها بعض التعارض، وليس في المقام حديث صحيح يدل على النقض، لكن من باب الاحتياط من باب: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2) » .
إذا كثر فإنه يتحفظ عن الدم ويتوضأ، هذا هو الأفضل والأحوط له؛ خروجا من خلاف العلماء وعملا بالنصوص كلها، أما إذا كان الشيء قليلا؛ نقطات قليلة من الرعاف، والنقط القليلة من الجرح، وهكذا عصر البثرة في العين، وما يقع ويخرج من الأسنان في بعض الأحيان عند السواك ونحوه كل هذا يعفى عنه، ولا حرج فيه.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (36) .
(2) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518) ، سنن النسائي الأشربة (5711) ، مسند أحمد (3/153) ، سنن الدارمي البيوع (2532) .(5/197)
س: رجل توضأ وذهب إلى المسجد وهو في الطريق أصيب بالرعاف، فخرج من أنفه الدم، هل ينتقض وضوؤه والحال ما ذكر؟ (1)
ج: إذا كان كثيرا ينبغي أن يتوضأ خروجا من خلاف العلماء؛ لأن خروج الدم الكثير فيه خلاف بين أهل العلم، فإذا كان كثيرا فالأحوط له أن يتوضأ، أما إن كان قليلا فيعفى عنه.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (302) .(5/198)
س: هل نزيف الدم من الأنف وبشكل متكرر يبطل الوضوء؟ حيث إنه ينزف أحيانا خلال الوضوء نفسه، فهل أعيده من جديد؟ أفيدونا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: إذا كان قليلا يعفى عنه، وإن كان كثيرا فالأحوط الإعادة إعادة الوضوء، وأما إن كان قليلا فيعفى عنه، والحمد لله، لأن في نقض الوضوء بالرعاف الكثير خلافا بين العلماء، فإذا كثر الدم فالأحوط أن تعيد الوضوء إذا وقف الدم، وأما إن كان قليلا تمسحه ويعفى عنه.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (378) .(5/198)
س: قرأت لصاحب فقه السنة، أن الدم لا يفسد الوضوء، واستدل ببعض أعمال الصحابة، حيث صلى بعضهم وجروحهم تثعب دماء، وقد قال: إن الحجامة لا تفسد الصوم، فما قولكم في هذا؟ (1)
ج: هذه مسألة خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه إذا كان الشيء قليلا من الدم، لا ينقض الوضوء يعفى عن اليسير، أما الكثير فالأحوط للمؤمن أن يتوضأ خروجا من خلاف العلماء لأن الأدلة في هذا ليست واضحة، فإذا توضأ الإنسان من الدم الكثير من الجراح الكثيرة كان أحوط إلا إذا استمر فإنه يصلي على حسب حاله كالمستحاضة، تتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي، فهكذا من كان معه الجرح الدائم، يتوضأ لكل صلاة ويكفي، وهكذا صاحب السلس الذي معه البول الدائم، يتوضأ لكل صلاة، أما الدماء اليسيرة، التي تعتري الإنسان مثل رعاف يسير، أو جرح يسير، هذا يعفى عنه، ولا يجب معه وضوء، والحجامة تعتبر من الدم الكثير فالوضوء أحوط.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (188) .(5/199)
س: يقول السائل: عند الوضوء وإذا استنشقت وجئت لأستنثر يخرج دم، فكيف أتصرف وهل الوضوء حينئذ صحيح؟ (1)
ج: الوضوء صحيح، وتغسل ما خرج من الدم إذا كان الشيء يسيرا، أما إن كان كثيرا فتعتني بإزالته وإيقافه ثم تكمل الوضوء، أما إن كان يسيرا فإنك تزيله بالغسل، وتستمر في إكمال وضوئك.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (247) .(5/200)
140- حكم انتقاض الوضوء بسبب قتل الحشرات
س: يدعي البعض أن قتل البراغيث أو القمل يبطل الوضوء، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: ليس بصحيح، ولا حرج في ذلك، قتل البرغوث أو القمل أو العقرب عنده أو حوله وهو يصلي، أو حية ضربها أو قتلها، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب (2) » كذا البرغوث والبعوض لا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (328) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة، برقم (921) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب قتل الحية والعقرب في الصلاة، برقم (390) .(5/200)
141- حكم خروج الدم من الفم أثناء الوضوء وأثناء الصيام
س: السائل: س. ظ، من عفيف، يقول: أعرض عليكم قضية، وهي أنه ينزل من فمي عند الوضوء دم، فهل يؤثر ذلك على الوضوء، وكذلك الحال بالنسبة للصيام؟ هل يؤثر ذلكم الدم على الصيام (1)
ج: لا يؤثر على الصيام، لا الدم من فمك، ولا من سائر بدنك، الجراحات لا تؤثر على الصيام، وهكذا الوضوء، ما يخرج من الدم من الشفتين أو من اللثة لا يضر الوضوء، لكن تنظفه حتى يزول، وأما الوضوء فهو صحيح، وهكذا الصيام صحيح، إنما الذي يفطر الصائم الحجامة، لو احتجم على الصحيح يفطر بها على أصح قولي العلماء، أما ما قد يقع من جراحات من البدن، أو ما يخرج من دم من الأسنان، أو من الشفة عند بعض الأسباب فهذا كله لا يضر الصوم، ولا يضر الوضوء.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (263) .(5/201)
142- حكم خروج الدم من الجسم بعد الطهارة
س: إذا كان الإنسان على وضوء، وخرج من جسمه دم هل يبطل وضوؤه؟ (1)
ج: إذا كان الدم يسيرا؛ الجراحات اليسيرة فهو لا يبطل، فالوضوء صحيح، أما إن كان الدم كثيرا فاختلف العلماء في ذلك، منهم من رآه يبطل الوضوء، ومنهم من رأى أنه لا يبطل الوضوء؛ لأن الأحاديث في ذلك ليست صريحة، والصريح منها ليس بصحيح، فالأحوط للمؤمن إذا كان الدم كثيرا أن يقضي الصلاة خروجا من الخلاف واحتياطا للدين، أما إن كان الدم يسيرا وخفيفا وقليلا فيعفى.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (295) .(5/202)
143- حكم وضوء من نام وهو جالس
س: تقول هذه السائلة: نسمع كثيرا أن من نام وهو على طهارة وهو جالس ولو نوما كثيرا بأن الوضوء لا ينتقض.
ما مدى صحة هذا الكلام سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا غير صحيح، هذا الكلام ما هو بصحيح، متى نام نوما مستغرقا زال معه شعوره سواء كان جالسا أو مضطجعا بطل وضوؤه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث صفوان بن عسال، يقول
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (368) .(5/202)
رضي الله عنه: «كان النبي يأمرنا أن نمسح على خفافنا، ولا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم (1) » كان يأمرنا أن يمسحوا، يعني: يتوضؤوا ويمسحوا على الخفاف من الغائط والنوم، ولم يفصل، والنوم المستغرق ينقض الوضوء بلا شك، سواء كان جالسا، أو مضطجعا، أو ساجدا، أو قائما لهذا الحديث، ولكن من غائط ونوم بول، وروي عن النبي أنه قال: «من نام فليتوضأ (2) » لكن أصحها حديث صفوان، قال: «كان يأمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم (3) » ، وقد أمرنا أن نمسح على الخفاف، ولا ينزعوها لكن إذا أصابتهم جنابة ينزعونها، ولكن يمسحونها عند الوضوء من الغائط والبول.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، برقم (96) ، والنسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب الوضوء من الغائط والبول، برقم (158) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من النوم، برقم (478) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الوضوء من النوم، برقم (203) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من النوم، برقم (477) .
(3) سنن الترمذي الدعوات (3535) ، سنن النسائي الطهارة (126) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (478) ، مسند أحمد (4/240) .(5/203)
س: الأخ: ع، من جدة، يسأل ويقول: إنني قرأت أن استتار العقل بسكر ينقض الوضوء، لكن هناك من يسكر ولا يستتر عقله، هل ينتقض وضوؤه؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: النوم إذا استثقل الإنسان في نومه، وذهب شعوره ينقض الوضوء بنص السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أصيب الإنسان بما يغطي عقله؛ من سكر أو غشية أو إغماء فإنه ينتقض وضوؤه؛ لأنه مظنة الحدث كالنوم، فالغشية التي تصيب الناس، وهي الإغماء بسبب بعض الحوادث، أو صرع يصرع الإنسان حتى يغمى عليه، أو يشرب مسكرا يذهب بعقله هذا عليه الوضوء، أما إذا كان المسكر لم يذهب بعقله، بأن كان شيئا يسيرا، أو بأن كان قد اعتاد هذا الشيء، فلا يسكر منه ولا يذهب عقله فلا ينتقض وضوؤه، الضابط زوال العقل، فإذا زال عقله بإغماء أو بنوم، أو شرب مسكر أو حبوب أزالت عقله فإنه ينتقض وضوؤه، فأما إذا كان يعقل ما يخرج منه ولم يذهب عقله بهذه الحبوب، أو بهذا الشراب، بل يعقل ما خرج منه، من ريح أو بول فإنه لا ينتقض وضوؤه، فالحكم يدور مع بقاء العقل، وإن بقي العقل فلا ينتقض الوضوء، وإن زال بسبب هذا الإغماء، أو النوم، أو السكر فإنه يكون منتقض الوضوء.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (136) .(5/204)
س: الذين يعيشون لحظات غيبوبة هل ينتقض وضوؤهم أو لا؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، مثل النوم إن كان شيئا يسيرا ما يذهب الوعي، ولا يمنع الإحساس من خروج الحدث، فلا يضر كالنائم الذي ينعس النعاس الخفيف، ما يستغرق في نومه، يسمع الناس، يسمع الحركة، هذا لا يضره وطهارته صحيحة، حتى يعلم أنه خرج منه شيء، هكذا إذا كان في غيبوبة لا تمنع الإحساس، مثل تعاطي بعض الأدوية، أو بعض الأشياء التي قد يحصل له بها شيء من الغيبوبة، لكنها غير تامة، بل يحس معها بالحدث، يسمع الكلام، هو مثل الناعس، أما إن كانت غيبوبة تمنع شعوره بما يخرج منه كالسكران والمصاب بمرض أفقده شعوره، وصار في غيبوبة هذا ينتقض وضوؤه، كمن أغمي عليه بأي سبب من الأسباب فإنه أعظم من النوم، ينتقض معه الوضوء، وكذلك من ابتلى بالصرع إذا صرع، ثم عافاه الله وزال عنه الصرع فإنه يتوضأ.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (74) .(5/205)
144- حكم انتقاض الوضوء لمن مس فرجه
س: يسأل سماحتكم سؤالا آخر فيقول: هل مس الفرج دون حائل ينقض الوضوء ولو بدون شهوة؟ (1)
ج: مس الفرج ينقض الوضوء إذا كان من غير حائل، مس اللحم اللحم ولو بدون شهوة، هذا هو الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه ينقض الوضوء، ولم يشترط الشهوة فقال صلى الله عليه وسلم: «من مس ذكره فليتوضأ (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «أيما رجل أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما ستر فقد وجب عليه الوضوء، وأيما امرأة أفضت بيدها إلى فرجها ليس دونها ستر فقد وجب عليها الوضوء (3) » ولم يشترط الشهوة، فدل ذلك على أن مس الفرح ينقض الوضوء مطلقا بشهوة وبغير شهوة، سواء كان الرجل أو المرأة، إذا مس الرجل فرجه أو فرج امرأته، أو فرج الطفل انتقض الوضوء، وهكذا المرأة إذا مست
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (301) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (82) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (181) ، والنسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (447) .
(3) أخرجه النسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (445) .(5/206)
فرجها، أو فرج زوجها، أو فرج أطفالها انتقض الوضوء، فهذا مهم حتى لا تغفل عنه الأمهات عند تطهيرهن أولادهن ذكورا أو إناثا، فيجب إعادة الوضوء إن كانت الأم على وضوء.(5/207)
س: الأخ: أ. ح. من محافظة الشرقية، جمهورية مصر العربية، يقول: إذا مس الإنسان فرجه، أو فرج أحد أطفاله مثلا، أو الأم لامست أحد أطفالها هل يجب عليها إعادة الوضوء؟ (1)
ج: نعم، إذا مس الإنسان فرجه مباشرة، يعني مس اللحم اللحم، مس الفرج الذكر أو الدبر انتقض الوضوء، وهكذا المرأة إذا مست فرجها، أو فرج بعض أولادها انتقض الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مس ذكره فليتوضأ (2) » ولقوله عليه الصلاة والسلام: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما ستر فقد وجب عليه الوضوء (3) » فإذا مسه مباشرة فإنه ينتقض وضوؤه، أما إذا كان من وراء الثياب من وراء الإزار، أو من وراء السراويل فلا يضر، وإنما يضر إذا مس اللحم اللحم، مست يده الفرج وليس دونهما حائل.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (147) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (82) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (181) ، والنسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (447) .
(3) أخرجه النسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (445) .(5/207)
145- حكم انتقاض وضوء من مس فرجه فوق ساتر
س: هل لمس العضو من فوق الثياب ينقض الوضوء وأيضا الثياب سميكة؟ (1)
ج: مس الفرج من وراء الثياب لا يضر، النبي عليه السلام قال: «وليس دونهما حائل (2) » فإذا مس فرجه، ومست المرأة فرجها من وراء حائل فإن هذا لا ينقض الوضوء، وإنما ينقض الوضوء إذا كان مس اللحم اللحم، مس فرجه بيده من دون حائل، والمرأة كذلك مست فرجها بيدها من دون حائل، فهذا هو الذي ينقض الوضوء، أما إن كان المس من وراء الحائل كالسراويل، أو الإزار، أو القميص فإن هذا لا ينقض الوضوء، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (36) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (445) .(5/208)
س: ما حكم مس القبل أو الدبر؟ وما حكمه في الوضوء؟ (1)
ج: من مس فرجه دبرا كان أو قبلا انتقض الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما حائل فقد وجب عليه الوضوء (2) » وفي لفظ آخر: «من مس ذكره فليتوضأ (3) » فإذا مس الرجل فرجه دبرا أو قبلا انتقض وضوءه، وهكذا المرأة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (36) .
(2) أخرجه النسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (445) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (82) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (181) ، والنسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (447) .(5/209)
146- حكم انتقاض الوضوء من مس فرج طفل
س: هل تنظيف الطفل والتغيير له ينقض الوضوء؟ ، إذا أجريت ذلك وكنت على وضوء (1)
ج: نعم، إذا نظفت المرأة طفلها، ومست فرجه انتقض الوضوء، كما لو مست فرجها، ولو كان الطفل دون البلوغ؛ لأن النص عام.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (136) .(5/209)
س: هذه السائلة من الرياض، تقول: إذا قمت بتنظيف طفلي فهل يلزمني تجديد وضوئي بعد ذلك، أم أن طهارتي باقية؟ (1)
ج: إذا كان التنظيف فيه مس العورة ينتقض الوضوء فيه، فإذا مست المرأة عورة طفلها انتقضت الطهارة، كما لو مست عورتها هي فعليها تجديد الوضوء.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (406) .(5/210)
س: هل تؤثر نظافة الطفل الرضيع على وضوء أمه؟ (1)
ج: نعم، إذا مست فرجه فإنها تتطهر، ينتقض وضوؤها إذا مست فرجه؛ ذكره؛ أو قبل الأنثى أو الدبر، فإن هذا ينقض الوضوء، إذا كانت على وضوء تعيد الوضوء كالرجل وكالمرأة.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (157) .(5/210)
س: ملامسة عورات الأطفال هل تنقض وضوء اللامس؟ (1)
ج: نعم، عورة الطفل تنقض وضوء من مسها، إذا مستها أمه أو أبوه، انتقض الوضوء للحديث: «من مس الذكر فليتوضأ (2) » .
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (104) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (82) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (181) ، والنسائي في كتاب الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر، برقم (447) .(5/210)
س: إذا غسلت طفلا وأنا متوضئة فهل ينتقض وضوئي؟ (1)
ج: نعم، إذا مسست فرج الطفل انتقض الوضوء، فإن مس الفرج من الطفل ومن الكبير ينقض الوضوء، إذا كان من دون حائل، أما مع الحائل من وراء الحائل، فلا ينقض الوضوء.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (332) .(5/211)
147- حكم انتقاض الوضوء من مس المرأة
س: هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟ (1)
ج: لمس المرأة فيه اختلاف بين العلماء، منهم من قال: ينقض الوضوء.
ومنهم من قال: لا ينقض الوضوء.
ومنهم من فصل، فقال: من مسها بشهوة بتلذذ انتقض وضوؤه، وإلا فلا، والصواب أنه لا ينقض الوضوء مطلقا، مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، هذا هو الصواب، هذا هو الراجح؛ لأن الأصل عدم نقض الوضوء بذلك؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام «كان يقبل بعض نسائه، ثم يصلي ولا يتوضأ (2) » ، ولم يأمر الناس بالوضوء من مس المرأة، ولو كان مسها ينقض لأمر به الناس، الله بعثه معلما ومرشدا، عليه الصلاة والسلام، ولم يتوفه الله إلا وقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، فلو كان مس المرأة ينقض الوضوء لبينه النبي عليه الصلاة والسلام، أما قول الله عز
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (329) .
(2) سنن النسائي الطهارة (170) ، سنن أبو داود الطهارة (178) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (503) ، مسند أحمد (6/62) .(5/211)
وجل فيما يوجب الوضوء: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (1) النساء، فالمراد بذلك الجماع، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، فقوله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (3) ، هذا فيه الوضوء الحدث الأصغر وقوله {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (4) النساء هذا فيه الجنابة، ويعني إتيان النساء، والله يكني عن الجماع بالملامسة واللمس، وليس المراد لمس اليد ولا مس القبلة، فالمراد الجماع، هذا هو المعنى الصحيح لتفسير الآية.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) سورة المائدة الآية 6(5/212)
س: هل مس يد المرأة ليد الرجل، وليس هناك قصد هل يؤثر ذلك على وضوئهما أو لا؟ (1)
ج: مس المرأة فيه تفصيل، وله ثلاث حالات: إحداها: أن يمسها بشهوة.
الثانية: ألا يمسها بشهوة، بل مس عادي.
الثالثة: أنه سواء بشهوة، أو بغير شهوة، لا يضر.
والصواب أن مسها لا ينقض الوضوء، سواء كان عن تلذذ أو من غير تلذذ هذا هو الصواب، وأما قوله سبحانه {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) النساء
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (362) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/212)
، فالمراد به الجماع، جامعتم النساء، فمس المرأة إذا مسها لغير شهوة لا ينقض الوضوء، وهكذا لو مسها متلذذا مس يدها، أو قبلها فإنه لا ينتقض وضوؤه لذلك، قد قالت عائشة رضي الله عنها: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، ثم يصلي ولا يتوضأ (1) » فالمقصود أن تقبيل المرأة، أو مس يدها، أو قدمها، أو وجهها لا ينقض الوضوء على الصحيح مطلقا، إلا إذا خرج منه شيء كالمذي انتقض وضوءه، أما ما دام مس من دون شيء لا يخرج شيء، فالصواب أن هذا المس لا ينقض الوضوء؛ لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: «كان يقبل بعض نسائه، ثم يصلي ولا يتوضأ (2) » .
اللهم صل وسلم عليه.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) ، بلفظ يقبل بعض أزواجه.
(2) سنن الترمذي الطهارة (86) ، سنن النسائي الطهارة (170) ، سنن أبو داود الطهارة (178) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (502) ، مسند أحمد بن حنبل (6/210) .(5/213)
س: إذا حصل أن لمست يدي يد زوجتي عفوا أو العكس فهل ينقض الوضوء أم لا؟ (1)
ج: مس المرأة سواء كان ذلك عمدا، أو من غير عمدا لا ينقض الوضوء على الصحيح، قد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن مسها ينقض الوضوء مطلقا.
وقال بعضهم: لا ينقض الوضوء مطلقا.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (8) .(5/213)
وقال بعض أهل العلم: ينقض مع الشهوة، وهي التلذذ بمسها، ولا ينقض المس بدون ذلك، والصواب: قول من قال: إنه لا ينقض مطلقا؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ.
ولأن الأصل سلامة الطهارة وعدم انتقاضها إلا بدليل، وليس هناك دليل واضح ثابت يدل على انتقاضها بمس المرأة، فوجب حينئذ أن تبقى الطهارة على حالها، ولا تنتقض بالمس لعدم الدليل على ذلك، بل لوجود الدليل على أن مسها لا ينقض ولو كان بشهوة؛ لأن القبلة في الغالب لا تكون إلا عن شهوة عن تلذذ، فالحاصل أن الصواب والراجح من أقوال العلماء أن مس المرأة بشهوة، أو بغير شهوة لا ينقض الوضوء، سواء إن كانت زوجته أو غير زوجته، هذا هو الصواب، وأما قوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (1) ، وفي قراءة: (أو لمستم النساء) ، فالمراد بذلك على الصحيح الجماع، هذا قول ابن عباس وجماعة من أهل العلم وهو الصواب، أما قول من قال: إن المراد به مس المرأة كما يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، يعني مسها باليد فهذا مرجوح، والله جل وعلا يعبر عن الجماع بالمسيس واللمس والمباشرة، كما في قوله جل وعلا: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2) ، وقال هنا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) ، فالمراد
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة البقرة الآية 187
(3) سورة المائدة الآية 6(5/214)
به هنا الجماع، وهكذا قراءة من قرأ: أو لمستم (1) أو {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (2) ، في طلاق غير المدخول بها، فالمراد كله الجماع، هذا هو الصواب، وهو الحق إن شاء الله.
ومن يقول: إن تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقاس عليه؛ لأن الرسول يستطيع أن يمسك نفسه، وألا يقع فيما يقع فيه العامة الآن.
فهذا القول ليس بشيء، هو المشرع لنا، هو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولما قيل في مثل هذا قال: «إني أخشاكم لله وأتقاكم له (3) » عليه الصلاة والسلام، لما سأله سائل قال: إنك يا رسول الله قد غفر الله لك في مسائل عديدة، قال: «إني أخشاكم لله وأتقاكم له (4) » عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أنه القدوة والأسوة في كل شيء عليه الصلاة والسلام، إلا ما دل الدليل على أنه خاص به عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر.
(2) سورة البقرة الآية 237
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، برقم (1110) .
(4) صحيح البخاري النكاح (5063) .(5/215)
س: هل لمس الرجل ليد الزوجة، أو ليد المرأة الأجنبية عنه بغير قصد ناقض للوضوء؟ (1)
ج: مس المرأة لا ينقض الوضوء، زوجته أو محرمه أو غيرهما، لا ينقض الوضوء، إلا إذا خرج مني أو مذي، إذا خرج المذي يغسل ذكره ويتوضأ، أو خرج مني بشهوة عليه غسل الجنابة، أما إذا مسها أو قبل زوجته أو مسها ولم يحصل شيء لا ينتقض الوضوء، أما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، فالمراد به الجماع، يكني به الرب عن الجماع، هذا هو الصواب، لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، هذا هو الصواب سواء عن شهوة أو عن غير شهوة، هذا هو القول الحق، لكن لو لمسها؛ قبل زوجته فخرج منه مذي هذا يوجب الوضوء، يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ، أما إذ أمنى خرج منه المني يعني سبقته الشهوة هذا عليه غسل الجنابة، والنبي صلى الله عليه وسلم «كان يقبل نساءه ويصلي، ولا يتوضأ (3) » ، «كان يباشرهن ويقبلهن ويصلي ولا يتوضأ عليه الصلاة والسلام (4) » .
__________
(1) السؤال الثامن والخمسون من الشريط رقم (418) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سنن النسائي الطهارة (170) ، سنن أبو داود الطهارة (178) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (503) ، مسند أحمد (6/62) .
(4) سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (503) .(5/216)
س: هذا السائل يقول: هل لمس الزوجة يبطل الوضوء؟ (1)
ج: الصواب أنه لا يبطل الوضوء، لا الزوجة ولا غيرها، إذا كان ما خرج شيء من الذكر من الفرج، مجرد مس، أو قبلة، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ (2) » أما قوله سبحانه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) ، فالمراد به الجماع، ما هو باللمس، المراد به لامستم: جامعتم، أما لمسها وتقبيلها، أو مصافحتها أو ما أشبه ذلك فهذا لا ينقض الوضوء مطلقا، ولو عن شهوة، ولو عن تلذذ، الصواب أنه لا ينقض الوضوء، هذا هو الراجح من أقوال العلماء.
__________
(1) السؤال الثامن والأربعون من الشريط رقم (428) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .
(3) سورة المائدة الآية 6(5/217)
س: يقول السائل: إذا مس الإنسان، أو صافح زوجته هل ينتقض الوضوء؟ (1)
ج: الصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء زوجته، أو أخته أو عمته، أو أمه، أما قوله سبحانه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، فالمراد في الجماع. وذهب بعض أهل العلم إلى أن مس
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (424) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/217)
المرأة ينقضه مطلقا، وبعضهم قال: مسها إذا كان بشهوة، عن تلذذ ينقض.
والصواب أنه لا ينقض مطلقا، إلا إذا خرج منه شيء مذي أو مني، وإلا فإنه لا ينقض، مجرد لمس المرأة زوجته، أو غير زوجته الصواب أنه لا ينقض.
وقد «كان النبي يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ (1) » اللهم صل وسلم عليه.
أما قوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، فهذا المراد به الجماع.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/218)
س: هل لمس الزوج لزوجته، أو العكس يبطل الوضوء؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل: إذا كان اللمس ليس عن شهوة؛ أخذ منها شيئا أو ناولها شيئا هذا لا يبطل الوضوء، وهكذا لو كان عن شهوة عن تلذذ فالصواب أنه لا يبطل الوضوء أيضا في أصح قولي العلماء، أما قوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، فالمراد بالآية الجماع في أصح قولي العلماء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما والجماعة: ليس المراد اللمس باليد، وفي قراءة: (أو لمستم) ، فالمراد باللمس والملامسة المراد بذلك في أصح قولي العلماء الجماع.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (262) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/218)
148- بيان أقوال أهل العلم في مسألة انتقاض الوضوء من مس المرأة
س: هل ملامسة المرأة تنقض الوضوء أم لا؟ (1)
ج: لا شك أن لمس النساء اختلف فيه العلماء، فقال جمع من أهل العلم: إن لمس المرأة من دون ساتر، من دون حجاب ينقض الوضوء مطلقا.
وهو مشهور من مذهب الشافعي رحمه الله وجماعة، وقال آخرون: لا ينقضه مطلقا، وإنما المراد باللمس الجماع، كقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، والمراد هنا الجماع، كما قال ابن عباس وجماعة، وقال آخرون: ينقض الوضوء إن كان بشهوة، ولا ينقض إن كان بغير شهوة.
وهو مشهور من مذهب أحمد رحمه الله وجماعة، والأرجح عندي بعد التأمل هو قول من قال: إنه لا ينقض مطلقا، وإنما الذي ينقض مس الفرج، أما مس المرأة فقط؛ كيدها ورجلها فلا ينقض لعدم الدليل، أما قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) فالمراد بع الجماع، كما تقدم؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من أهل العلم، أما قول ابن مسعود: المراد به المس فقط.
فليس بظاهر، بل الصواب ما قاله ابن عباس في هذا، وهو أن المراد به الجماع خاصة، والدليل على هذا أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه قبل بعض نسائه،
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (21) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6(5/219)
ثم صلى ولم يتوضأ (1) » ثم أمر آخر وهو أن اللمس أمر واقع من الناس في بيوتهم، والحاجة ماسة إلى بيانه من النبي صلى الله عليه وسلم تبيينا شافيا عاما، حتى يعلمه الناس، فلو كان ينقض الوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم تبيانا واضحا كافيا شافيا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه ينقض الوضوء، فعلمنا بذلك أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كان عن تلذذ وشهوة، أم لم يكن كذلك، بل الذي ينقض هو الجماع وكذلك مس الفرج، هذا هو الذي ينقض، أما مجرد لمس المرأة فقط من غير خروج شيء فإنه لا ينقض، أما لو خرج منه شيء كالمذي فإنه ينتقض الوضوء، إذا مسها بشهوة وخرج المذي انتفض الوضوء، وعليه حينئذ أن يغسل فرجه وأنثييه ويتوضأ للصلاة ونحوها، أما اللمس بدون خروج شيء، مسها ولم يخرج منه شيء فإنه لا ينقض الوضوء على الصحيح، والدليل ما تقدم؛ «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ (2) » وهذا ثابت عنه بإسناد جيد، رواه أحمد وغيره، وله شاهد مرسل عند النسائي، ثم الأصل عدم النقض، هذا هو الأصل، فمن قال بالنقض مطلقا فعليه الدليل، وهكذا من قال بالنقض بالشهوة عليه الدليل، ولا دليل، فالصواب أنه لا ينقض الوضوء، وكثير من إخواننا في الطواف يتحرجون إذا مست يده يد امرأة أو رجله رجل امرأة، فإنه يذهب يتوضأ
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .(5/220)
أخذا بقول من قال: إنه ينقض مطلقا.
وهذا فيه حرج كثير بدون دليل، ولا حجة، والصواب إن شاء الله أنه لا ينقض الوضوء مطلقا.(5/221)
س: البعض يقول: إن لمس المرأة ينقض الوضوء. والبعض منهم يقول: إن كانت صغيرة لا تنقض، أي إذا كانت دون السابعة. فما هو توجيه سماحة الشيخ؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: اختلف العلماء في مس المرأة، هل ينقض الوضوء؟ على أقوال ثلاثة:
أحدها: أنه ينقض مطلقا؛ لعموم قوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، وحملوا الملامسة على اللمس باليد.
والقول الثاني: أنه ينقض إذا كان معه شهوة تلذذ، وإذا كان بغير شهوة فلا ينقض؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلمس نساءه، ولا يتوضأ، وكان يلمس قدم عائشة حتى تكفه وهو يصلي، فدل ذلك على أنه إذا كان بغير شهوة لا ينقض.
والقول الثالث: أنه لا ينقض مطلقا، سواء بشهوة أو بغير شهوة،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (339) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/221)
وهذا هو الراجح والصواب، أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء في أرجح أقوال العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم «كان يقبل بعض نسائه، ثم يصلي ولا يتوضأ (1) » والتقبيل يكون عن تلذذ فالحاصل أن الصواب أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، سواء كان عن تلذذ وشهوة، أو عن أي داع، إلا إذا خرج منه مذي فإنه ينقض الوضوء ويغسل ذكره ويتوضأ، أما إذا مسها بشهوة أو بغير شهوة، ولم يخرج منه شيء فإن وضوءه صحيح،، ولا ينتقض، أما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، في سورة النساء وسورة المائدة فالمراد بذلك الكناية عن الجماع، (أو لامستم) يعني: جامعتم، ليس المراد: باللمس باليد، المراد الجماع، والله يكني عن الجماع بالملامسة وبالمسيس، هذا هو الصواب.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .
(2) سورة المائدة الآية 6(5/222)
س: هل مصافحة المرأة الأجنبية تنقض الوضوء؟ (1)
ج: اختلف العلماء في ذلك: بعضهم ذهب إلى أن مصافحتها ومسها ينقض الوضوء مطلقا بشهوة وبغير شهوة.
وقال بعضهم: مسها لا ينقض الوضوء مطلقا بشهوة وبغير شهوة.
وقال بعضهم: بالتوسط؛ إن كان بشهوة نقض، وإلا فلا.
والأرجح من أقوال أهل العلم: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا لعدم الدليل، بل الدليل يدل على أن مسها لا ينقض؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ (2) » فلو كان المس ينقض لتوضأ عليه الصلاة والسلام، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة الليل إذا أراد أن يسجد غمز عائشة، فكفت رجلها، وإذا رفع مدت رجلها.
فدل ذلك على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، أما قوله سبحانه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) ، في آية النساء وآية المائدة فالصحيح من معناها أن المراد الجماع، والله يكني عن الجماع بالمسيس واللمس والمباشرة، فقوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (4) أي: جامعتم النساء، وهكذا قراءة (أو لمستم) ، أي جامعتم؛ لأنه ذكر قبل ذلك ما يتعلق بالحدث الأصغر، قال سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (5)
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (131) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) سورة المائدة الآية 6
(5) سورة المائدة الآية 6(5/223)
، هذا يتعلق بالحدث الأصغر {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (1) هذا يتعلق بالحدث الأكبر وهو الجماع، فذكر سبحانه ما يدل على الحدث الأصغر بقول: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ} (2) وما يدل على الحدث الأكبر، وهو قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) ، يعني: جامعتم النساء، فهذا هو الصواب الذي قاله ابن عباس وجماعة من أهل العلم، وهو أولى من قول من قال: إن المراد بالمس باليد.
هذا هو الصواب، الصواب أن المراد: الجماع، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ (4) » ولأن هذا أمر تعم به البلوى، الإنسان يكون في بيته الزوجة، ويكون في بيته غير الزوجة، فقد يمسها وهو على وضوء، فلو كان هذا ينقض الوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا، وأوضحه للأمة، فلما لم يبين في ذلك شيئا علم أنه ليس من النواقض، والله المستعان.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .(5/224)
149- حكم انتقاض الوضوء من مس امرأة أجنبية
س: هل يستوي الأمر بالنسبة للأجنبية وغير الأجنبية في المس؟ (1)
ج: نعم، زوجته والأجنبية في ذلك سواء، فكل مس النساء لا يضر، إلا إذا خرج منه شيء، إذا خرج منه المذي انتقض وضوؤه بالمذي، أما مجرد مسه لأمه أو لأخته أو زوجته أو أجنبية كل هذا لا ينقض الوضوء، مع أنه لا يجوز له مس الأجنبية، لكن لو قدر أنه مسها لا ينقض الوضوء.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (131) .(5/225)
س: هل ملامسة النساء الأجنبيات تبطل الوضوء؟ (1)
ج: الله يقول: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ، اختلف العلماء فيها: قال بعضهم: المراد بالملامسة المس باليد عن شهوة، هذا ينقض الوضوء مع المرأة، مع الزوجة، ومع غيرها، والصواب أن الملامسة: الجماع، وأن قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) يعني جامعتم النساء، أما اللمس بدون جماع فلا يبطل الوضوء، هذا الصحيح سواء عن
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (395) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6(5/225)
شهوة أو غير شهوة، لا يبطل الوضوء لا مع الزوجة ولا مع غيرها، إذا لم يخرج شيء، أما إذا خرج مذي أو مني بطل، لكن ما دام لم يخرج شيء، إنما هو مجرد مس ولو بشهوة، الصحيح أنه لا يبطل الوضوء؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان ربما قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ (1) » والتقبيل يكون عن شهوة وعن تلذذ، فكونه يقبل بعض نسائه، ثم يصلي ولا يتوضأ يدل على أن المس لا ينقض الوضوء، وإنما المراد بالملامسة الجماع.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .(5/226)
س: يقول السائل: هل مصافحة الأجنبي تنقض الوضوء؟ مع العلم بأن المرأة التي صافحتها، ليس من عادتها أن تصافح الأجانب؟ (1)
ج: ليس للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية، أما أن يصافح أمه أو أخته فلا بأس، أم مصافحة الأجنبية فلا تجوز، وليس للمرأة أن تصافح الأجنبي؛ لأن هذه المصافحة من وسائل الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء (2) » وتقول عائشة رضي الله عنها:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (395) .
(2) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب البيعة، بيعة النساء، برقم (4181) ، وابن ماجه في كتاب الجهاد، باب بيعة النساء، برقم (2874) .(5/226)
«والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام (1) » أما مع المحارم فلا بأس أن يصافح زوجته، وأمه، وأخته وبنته، لا بأس.
__________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات، برقم (4891) ، ومسلم في كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء، برقم (1866) .(5/227)
س: هل لمس المرأة يبطل الوضوء؟ (1)
ج: الصواب أنه لا يبطل الوضوء مطلقا ولو كان بشهوة، ولو كان بتلذذ، ولو قبلة لزوجته مثلا، أو مسها.
هذا غير صحيح، هذا هو الصواب.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينتقض الوضوء إذا كان بشهوة، والصواب أنه لا ينتقض الوضوء في ذلك، بل الوضوء صحيح؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قبل بعض نسائه ثم صلى، ولم يتوضأ عليه الصلاة والسلام (2) » .
أما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) ، فهذا المراد به الجماع في أصح قولي العلماء، كما قال ابن عباس وجماعة: إن المراد بـ (لامستم) يعني: جامعتم.
ولهذا قال قبل ذلك سبحانه وتعالى
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (395) .
(2) سنن النسائي الطهارة (170) ، سنن أبو داود الطهارة (178) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (503) ، مسند أحمد (6/62) .
(3) سورة المائدة الآية 6(5/227)
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (1) ، هذا هو الحدث الأصغر، ثم قال: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) هذا الحدث الأكبر؛ الجماع، أما مسها بقبلة أو يد فهذا لا ينقض الوضوء مطلقا عن شهوة أو عن غير شهوة لا ينقض الوضوء، بل وضوءه صحيح، هذا هو الصواب.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 6(5/228)
150- لمس العورة من وراء حائل لا ينقض الوضوء
س: زوجي بحكم عمله كطبيب نسائي، يكشف على عورات النساء، مما يضطره إلى لمسهن وهو يلبس قفازين نايلون، فهل إذا كان متوضئا ولمس عورة المرأة، وهو يلبس القفاز ينتقض وضوءه أم لا؟ (1)
ج: إذا لمس العورة من وراء الحائل لا ينتقض؛ لا هو ولا غيره، إذا لمس الرجل عورته من وراء الإزار، أو من وراء السراويل لا ينتقض، هكذا المرأة إذا لمست عورتها من وراء الإزار أو السراويل لا تبطل الطهارة، وهكذا الرجل الطبيب إذا دعت الحاجة في كشفه على المرأة لعلاج فرجها فإنه إذا مس الفرج من وراء حائل لا ينتقض وضوءه، بخلاف إذا مس اللحم اللحم فإنه ينتقض وضوءه.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (38) .(5/228)
151 - بيان الدليل في انتقاض الوضوء من أكل الإبل
س: ما هو الدليل الذي استند عليه الإمام أحمد رحمه الله بإلزام آكل لحم الجزور بالوضوء، وكذلك الدليل باستثناء الأجزاء التي لا تنقض الوضوء من لحم الجزور (1) ؟
ج: هذه المسألة ليست خاصة بأحمد، بل قاله أحمد وجماعة كبيرة من أهل الحديث، وحجتهم ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر بن سمرة: أنه سئل عليه الصلاة والسلام، قيل: «يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وقيل له: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت (2) »
فخيره في لحوم الغنم ولم يخيره من لحوم الإبل، بل أوجب ذلك.
وحديث البراء بن عازب أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم (3) » فأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون غيرها، هذا هو الحجة لأحمد ولغيره من أئمة الحديث، الذين قالوا بهذا، وقولهم هو الصواب، والذي خالف منهم احتج بحديث لا حجة فيه، وهو حديث جابر، وهو قوله: «أنه كان آخر أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (38) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، برقم (497) .(5/229)
مست النار (1) » فقوله: كان آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.
لا حجة فيه؛ لأن هذا عام، ويفسر بأنه أكل لحم غنم، وتوضأ ثم صلى، ثم أكل من بقية اللحم، ثم صلى الصلاة الثانية، ولم يتوضأ.
وجاء في عدة أحاديث أنه أكل من لحم الغنم، ولم يتوضأ.
فدل ذلك على أن ما مست النار نسخ الوضوء منه؛ لأنها جاءت أحاديث كثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، أنه أكل مما مست النار، ثم أكل ولم يتوضأ، فدل ذلك أن الأمر بالوضوء مما مست النار قد نسخ، وقال قوم: إنه لم ينسخ، ولكنه بقي للندب فقط.
ولكن الأظهر النسخ؛ لأنه قال للبراء: «توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم (2) » فدل على أنه غير مشروع، ولا مستحب، قال: «لا تتوضؤوا من لحوم الغنم (3) » .
وفي لفظ آخر: «إن شئت (4) » فدل ذلك على أنه لا يجب، ولا يشرع، وإنما الواجب الوضوء من لحوم الإبل خاصة، وأما الوضوء مما مست النار، مثل ما قال جابر فقد نسخ، وكان آخر أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، هذا هو القول الفصل لهذه المسألة.
__________
(1) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار، برقم (185) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، برقم (497) .
(3) سنن الترمذي الطهارة (81) ، سنن أبي داود الطهارة (184) ، مسند أحمد (4/304) .
(4) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .(5/230)
س: امرأة تسأل: تقول سمعنا في هذا البرنامج أن لحم الجزور ينقض الوضوء. فهل علينا إعادة الوضوء كاملا؟ وهل مرق الجزور ينقض الوضوء أيضا؟ وهل إذا صلى الشخص بدون وضوء فهل صلاة هذا الشخص صحيحة، أم يعتبر على طريقة غير صحيحة؟ أي: بعد أكل لحم الجزور، جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: لحم الإبل ينقض الوضوء وهو لحم الجزور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من لحم الإبل، قال: «توضؤوا من لحم الإبل (2) » ولحومها الهبر، أما الكرش والمصران فهذه ليست داخلة، والشحم كذلك، لكن إن توضأ منه من باب الاحتياط فهو حسن، أما اللبن والمرق فلا وضوء منهما.
وإنما الوضوء من اللحم خاصة، إذا أكله يتوضأ وضوء الصلاة، ليس فيه استنجاء، مثل من خرج منه الريح، يعني: يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه، ليس فيه استنجاء، الاستنجاء يكون من البول والغائط، أما خروج الريح، والنوم، ولحم الإبل، ومس الفرج، هذا ليس فيه إلا الوضوء؛ التمسح، يعني: غسل الأطراف الأربعة؛ غسل الوجه واليدين مع المرفقين، مسح الرأس مع الأذنين، غسل الرجلين مع الكعبين، في
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (316) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .(5/231)
مس الفرج، وفي أكل لحم الإبل، وفي النوم في خروج الريح، هذه ليس فيها إلا الوضوء فقط، الذي ليس فيه استنجاء.(5/232)
152 - حكم انتقاض الوضوء من شرب حليب ومرقة لحم الإبل
س: سمعنا في برنامج نور على الدرب أن لحم الإبل ناقض للوضوء، هل تصح الصلاة على بساط من وبر الإبل؟ ثم يا حبذا لو تفضلتم ببيان هذا الأمر، وذكرتم لنا الدليل، وهل اللبن أيضا يؤثر في الوضوء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نعم، لحم الإبل ينقض الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أمر بالطهور من لحم الإبل، وسئل عن الغنم فقال: «إن شئت (2) » وقال: «توضؤوا من لحوم الإبل (3) » فدل على وجوب الوضوء من لحوم الإبل، يعني الهبر، أما الكرش والمصران والشحم فلا وضوء عليه، إن توضأ فحسن احتياطا، أما اللبن والمرق فلا وضوء عليه، اللبن لبن الإبل والمرق فليس منه وضوء، إنما الوضوء من اللحم لصحة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بقية اللحوم كالبقر والغنم
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (320) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .
(3) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .(5/232)
والطيور وغيرها فلا وضوء منها، إنما هذا خاص بالإبل، أما من أكل لحم الإبل فعليه الوضوء، يعني التمسح، يعني: يتمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه ويغسل يديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه مع أذنيه، ويغسل رجليه، وليس عليه استنجاء؛ الاستنجاء من البول والغائط، أما لحم الإبل، وخروج الريح وهكذا النوم وهكذا مس الفرج فهذا ليس فيه إلا التمسح، الوضوء الذي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، وأما الصلاة على بساط من وبر الإبل فلا بأس به إذا لم يكن فيه نجاسة ظاهرة؛ لأن وبر الإبل سواء كان فراشا أو لباسا لا يمنع الصلاة.(5/233)
153 - حكم انتقاض وضوء من أكل من شحم أو كرش أو مصران الإبل
س: هل أكل لحم الجزور ينقض الوضوء (1) ؟
ج: نعم، أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم (2) »
ولحم الإبل الهبر، أما الشحم أو الكرش أو المصير أو المرق أو
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (363) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .(5/233)
اللبن هذا لا ينقض الوضوء، الذي ينقض اللحم، بالنسبة للكبد والطحال والكلى لا تنقض، وإن توضأ احتياطا فهو حسن، أما المرق والحساء واللبن لا ينقض.(5/234)
154 - بيان الحكمة من انتقاض وضوء من أكل من لحم الإبل
س: يقول السائل من السودان، سمعت بأنه إذا كان الشخص متوضئا، وأكل من لحم الإبل قبل الصلاة بأن الوضوء ينتقض، فهل هذا صحيح؟ ولماذا ينتقض الوضوء من لحم الإبل (1) ؟
ج: نعم، إذا توضأ وأكل لحم الإبل أمره النبي بالوضوء، قال صلى الله عليه وسلم: «توضؤوا من لحوم الإبل (2) » فالرسول أمر بالوضوء منها، كما أمر بالوضوء من مس الفرج، ومن الريح التي تخرج من الدبر، ومن البول والغائط، فالحكمة لله جل وعلا، هو الحكيم العليم سبحانه وتعالى، والرسول مبلغ يبلغنا عن الله عز وجل، فعلينا أن نمتثل، وإن لم نعرف العلة، علينا أن نطيع الله ورسوله، فإذا أكل الإنسان من لحم
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (406) .
(2) أخرجه مسلم كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، برقم (360) .(5/234)
الإبل فإن عليه أن يتوضأ، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أحدث بالريح أو البول أو الغائط كذلك، لكن مع البول والغائط يستنجي زيادة، ثم يتوضأ، أما الريح ومس الفرج فهذا الوضوء فقط، يغسل الوجه واليدين، ويمسح الرأس ويغسل الرجلين، أما البول والغائط فلا بد من الاستنجاء قبل الوضوء، المقصود أن العبد عليه الامتثال والطاعة، وإن لم يعرف الحكمة.(5/235)
س: السائل: أ. ع. يسأل ويقول: هل أكل لحم الإبل يبطل الوضوء (1) ؟
ج: نعم، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من لحم الإبل، فإذا أكل الإنسان لحم الإبل وجب عليه الوضوء.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (388) .(5/235)
155 - مسألة في بيان الحكمة من انتقاض الوضوء من أكل لحم الإبل
س: تقول السائلة: لماذا أكل لحم الإبل ينقض الوضوء (1) ؟
ج: الله أعلم، المعروف عند أكثر الفقهاء أنه تعبدي، وأنه غير معلوم الحكمة والعلة، وأن الله سبحانه شرع لنا أن نتوضأ من لحوم الإبل، والله أعلم بالحكمة، والعلة في ذلك كما قال بعض أهل العلم: إنها خلقت من الشياطين، فلها نفور يشبه حال الشياطين إذا استنفرت، وأن هذا من أجل أن لحومها تسبب شيئا من القسوة، وشيئا من الشيطنة فيكون في الوضوء إطفاء لذلك. ولكن ليس هذا بأمر واضح. ولا أعلم دليلا واضحا عليه، فالأقرب ما قاله الأكثرون: إنه تعبدي والله سبحانه هو الأعلم بالحكمة والعلة في ذلك، والمؤمن عليه أن يمتثل أمر الله ورسوله، وإن لم يعرف الحكمة، كما أنا نصلي الظهر أربعا، والعصر أربعا والعشاء أربعا والمغرب ثلاثا والفجر ثنتين، وليس عندنا علم يقيني بالحكمة من جعلها أربعا، أي: الظهر والعصر والعشاء، والمغرب ثلاثا والفجر ثنتين، فبالإمكان أن يفرضها الله سبحانه لو شاء تكون الظهر ثمانيا أو سبعا أو ستا، وهكذا العصر والعشاء، وبالإمكان أن تكون المغرب بدل الثلاث تكون خمسا، وهكذا فلله الحكمة البالغة
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (110) .(5/236)
سبحانه وتعالى فيما فرض وعين جل وعلا، وهكذا فرضه رمضان في شهر واحد، وإن كانت العلة التخفيف على الأمة لكن لا نعلم الحكمة العينية في جعل رمضان فرضا دون غيره من الشهور، وكونه شهرا كاملا، لو شاء ربنا لجعله خمسة عشر يوما، أو عشرين يوما، فلله الحكمة البالغة في تخصيص هذا الشهر، وهكذا أشياء كثيرة من العبادات لا نعلم علتها وحكمتها.(5/237)
س: ما الحكمة من الوضوء من لحم الجزور عن بقية اللحوم (1) ؟
ج: الله أعلم، المشهور عند العلماء أنها تعبدية، أمرنا الله بها تعبدا، فعلينا أن نمتثل أمر الله سبحانه وتعالى، ولو لم نعلم الحكمة، والمشهور عند أهل العلم أن هذا تعبد لا نعلم الحكمة فيه، والله جل وعلا، هو الحكيم العليم، في كل ما يأمر به وينهي عنه، سبحانه وتعالى وإن لم نعرف الحكمة، علينا أن نعمل بما أمرنا جل وعلا، وإن لم نعرف الحكمة.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (378) .(5/237)
س: يسأل المستمع ويقول: ما الحكمة في أن لحم الإبل من نواقض الوضوء (1) ؟
ج: الله أعلم، علينا أن نستجيب للرسول وأن نتمثل، وإن لم نعرف الحكمة، والله لا يأمر إلا لحكمة سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} (2) ، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نتوضأ من لحوم الإبل، فعلينا الامتثال.
__________
(1) السؤال الرابع والسبعون من الشريط رقم (432) .
(2) سورة الزخرف الآية 84(5/238)
س: سائل يقول ما الحكمة من أن لحم الجزور ينقض الوضوء (1) ؟
ج: الله أعلم، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أمرنا أن نتوضأ من لحوم الإبل وعلينا أن نتوضأ ولو لم نعرف الحكمة ربنا حكيم عليم لا يأمر إلا عن حكمة ولمصلحة سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (360) .(5/238)
156 - حكم صلاة من لا يتوضأ من لحم الإبل
س: هل الذين لا يتوضؤون من لحم الجزور صلاتهم باطلة أم لا (1) ؟
ج: كذلك سبق أنه سئل عن الأجزاء الأخرى التي لا تنقض من لحم الجزور كالكرش والأمعاء، وأشباه ذلك، فالمشهور من مذهب أحمد وجماعة، أنه لا يتوضأ منها، بل يتوضأ من اللحم، لأن الرسول قال: «توضؤوا من لحوم الإبل (2) » والكرش ما تسمى لحما عند العرب، ولا تسمى الأمعاء لحما، والكبد والطحال وأشباه ذلك، وإنما اللحوم معروفة، الهبر المعروف، فلهذا قال أهل العلم يتوضأ من الهبر، من اللحم ولا يتوضأ من الكرش، والأمعاء ونحو ذلك، هذا هو المشروع عند أهل العلم القائلين بنقض الوضوء من لحوم الإبل، وقال جماعة: يلحق بذلك الكرش ونحوه، وأنها كلها تابعة للحم، لأن الله لما حرم الخنزير حرم لحمه وشحمه، وكل شيء فيه، قالوا: وهذا يلحق باللحم، والقول الأول أظهر، من جهة تعليق الحكم باللحم، «وتوضؤوا من لحوم الإبل (3) » أما الخنزير فقد حرمه الله كله، فلا ينظر في أمره، بل كله حرام، أما هذا فهو شيء يتعلق بالعبادات
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (24) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، برقم (497) .
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، برقم (497) .(5/239)
واللحم وتوابعه ليس بنجس، بل هو لحم أباحه الله من لحم الإبل مباح لنا، لكن الله علق باللحم منه الوضوء، دون البقية، فلا بأس أن يستثنى منه ما لا يسمى لحما، عند العرب، وإذا توضأ الإنسان من بقية الإبل، مثل الكرش والمصير والأمعاء، وأيضا مثل اللسان، إذا توضأ منها فهو حسن من باب الاحتياط، ومن باب الخروج من الخلاف، ومن باب أخذ الحيطة، لأن هذه تابعة لكل اللحوم، وليست اللحوم تابعة لهذه من باب الاحتياط، فهو حسن أما الوضوء الذي يلزم بلا شك، فهو إذا أكل من اللحم، والذين لا يتوضؤون من لحوم الجزور وهم يعتقدون أن لحم الإبل ينقض، ثم تساهلوا تبطل صلاتهم، أما الإنسان الذي يعتقد أنه لا ينقض، ويرى أنه منسوخ، وأنه تابع المنسوخات، يعتقد هذا، أو من قال ذلك باجتهاده، رأى أن هذا هو الأصوب عن تقليد، أو عن اجتهاد، وهذا الذي في نفسه، هو اعتقاده أن هذا هو الأولى، فإن صلاته غير باطلة، صلاة صحيحة، حسب اعتقاده، لأنه طالب علم، اجتهد ورأى أن لحم الإبل لا ينقض، فصلاته ليست باطلة، لأن هذا هو مقتضى علمه، واجتهاده، أو جماعة مقلدين لمذهب الشافعي أو مذهب أبي حنيفة أو مالك ممن لا يرى النقض، للحم الإبل ويرى أن هذا لا حرج عليه فيه، حسب اعتقادهم، تقليدا أو اجتهادا، هؤلاء صلاتهم صحيحة، لكن إنسان يعلم أن لحم الإبل ينقض الوضوء، وليس عنده شبهة في ذلك، ثم يتساهل تكون صلاته باطلة لأنه صلى بغير وضوء.(5/240)
157 - حكم وضوء المرأة مع وجود مادة المناكير على الأظافر
س: ما حكم وضع المناكير قبل الوضوء، هل تصح الصلاة، والوضوء لمن وضعته، علما بأنه يكون طبقة مانعة كما تعلمون وهل يجوز لمن وضعته دخول المسجد (1) ؟
ج: الواجب أنها لا تفعله إلا على طهارة إذا كان ولا بد مع أن تركه أولى مطلقا لأنها قد تتساهل فيها وقد تمنعها من الوضوء فينبغي تركها بالكلية، لكن إذا كان ولا بد وفعلتها على طهارة فإنها إذا انتقضت الطهارة وأرادت الوضوء تزيلها مرة أخرى حتى يبلغ الماء أصل البشرة وأصل الظفر هذا هو الذي ينبغي وهذا هو الواجب عليها فيما أعتقد أنها تزيل هذه المناكير، عند إرادة الوضوء ولا تصلي بها وقد وضعتها على غير طهارة، أما إذا كان وضعتها على طهارة وجاء الوقت، وهي على طهارة صلت، لكن لو وضعتها على طهارة ثم انتقضت الطهارة تزيلها، ليست هي مثل الخفين: الخفان يمسح عليهما، هذه المناكير تزال، حتى تغسل ما تحتها وقت الوضوء.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (20) .(5/241)
س: الأخت: ش. ش من أبها، تقول: هل صبغ الوجه بالمكياج بالنسبة للمرأة، والكريمات السائلة يمنع من وصول الماء للبشرة، أثناء الوضوء (1) ؟
ج: الشيء الذي يمنع الماء لا يجوز، فإذا مسحت وجهها بشيء لا يمنع الماء فلا بأس، أما شيء يبقى له جسم، يمنع الماء لا يجوز، لا في الوجه، ولا في الذراع ولا في الرجل، بل يجب أن يكون الذراع والوجه والقدم خاليا مما يمنع الماء، فإذا استعملت شيئا ينور الوجه، ويطيب الوجه ويحسنه، لكن ليس له جسم يمنع الماء، فلا بأس.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (435) .(5/242)
158 - حكم الوضوء بعد طلاء الأظافر بمادة المناكير
س: تسأل أختنا وتقول: بالنسبة لطلاء الأظافر، سمعت أن المرأة إذا وضعته على أظافرها وهي طاهر، جاز لها أن تصلي، وإن انتقض الوضوء بعد ذلك، فنريد الجواب الصحيح بارك الله فيكم (1) ؟
ج: إذا كان الطلاء الموضوع على الأظافر لا جسم له، فلا يضر مثل الحناء الذي لا جسم له، بل تغمس أصابعها بالحناء من غير أن يكون له جسم، أو ما أشبه ذلك من الدهونات التي لا جسم لها فإنه لا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (158) .(5/242)
يضر، إذا توضأت ثم انتقضت الطهارة وأعادت الوضوء، وذلك عليها لا يضر.
أما إذا كان له جسم كالذي يسمونه المناكير أو غير ذلك مما يكون له جسم على الظفر فهذا لا بد من إزالته، إذا أرادت الوضوء تزيله عن أظفارها، لأنه يمنع وصول الماء إلى الظفر فيزال، ولا بد من إزالته، كما لو كان على ذراعها عجين أو طين يزال، وهكذا على رجلها أو وجهها يزال، أما ما كان على الأظافر من الشيء الذي له جسم، من عجين أو مناكير أو قطعة من الحناء لها جسم، أو ما أشبه فهذا يزال أما مجرد الصبغ، إذا صبغ الحناء في الأظفار، وصار له آثار صفرة أو حمرة أو غير ذلك، من الأصباغ لا يضر، هذا لأنه لا جسم له.(5/243)
س: ما حكم طلاء الأظافر هل يجوز أو لا (1) ؟
ج: طلاء الأظافر بالحناء أو غيره مما يحسنها لا بأس به، إذا كان طاهرا ليس بنجس، وكان رقيقا لا يمنع الوضوء، والغسل أما إذا كان له جسم، فلا بد من إزالته عند الوضوء والغسل، لئلا يمنع وصول الماء إلى حقيقة الظفر، فالمقصود أن استعمال ما يغير الظفر من الحناء وغيره، أو ما يسمونه المناكير، لا بأس به إذا أزيل لأن له جسما يمنع وصول الماء عند الوضوء والغسل، أما إذا كان ليس له جسم كالحناء التي تجعل الظفر أحمر أو أسود، ولكن لا يبقى له جسم، هذا لا
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (314) .(5/243)
يضر، أما إذا كان له جسم يمنع وصول الماء إلى البشرة، فلا بد من إزالته.(5/244)
159 - حكم وضع البيض والعسل على الشعر للعلاج
س: ما رأيكم في وضع البيض والزيت والعسل على الشعر، ثم غسله في الحمام؟ لأنه مقو للشعر. وما رأيكم في الوضوء وهو على الرأس (1) ؟
ج: لا أعلم مانعا منه إذا كان فيه مصلحة، استعمال البيض أو الحليب أو العسل أو غير ذلك للشعر، لا بأس وإذا غسله في الحمام فلا بأس لأنه لا ينتفع به حينئذ، لأنه صار مثل بقية الأشياء التي لا ينتفع بها، وإذا غسل في محل نظيف من باب الاحتياط فهو حسن إن شاء الله، لكن فيما يظهر لنا إذا غسله في الحمام في الغسالات لا بأس لأنه والحال ما ذكر ما يكون له صفة النعمة، صفة العسل السليم صفة الطعام السليم لأنه حينئذ لا ينتفع به ولا يستفاد منه.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (138) .(5/244)
160 - حكم وضوء من ادهن بمادة الفازلين
س: هل طبقة الدهون خاصة الفازلين تمنع وصول الماء إلى البشرة؟ وماذا على من توضأ وصلى في هذا عدة صلوات وما زالت موجودة على يده دون علمه بأن الدهن يمنع وصول الماء إلى البشرة؟ وكيف يتخلص الإنسان من ذلك (1) ؟
ج: المروخات التي لا جرم لها لا تمنع من الماء، بالزيت أو بالدهن أو بغير هذا من أنواع المروخات التي لا جرم لها، فإنها لا تمنع، أما إذا كان شيء له جرم، له أثر يمنع الماء تزيله، في يدك أو في وجهك، أو في رجلك تزيله، أما إذا مسحت يدك، أو وجهك، أو رجلك بشيء لا جرم له، لا يبقى له إنما يبقى له أثر فقط من الملوسة ونحو ذلك، فهذا لا يمنع الماء ولا حرج في ذلك، الذي يمنع هو الذي يكون له جرم يحول بين الماء وبين الجلد.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (409) .(5/245)
161 - حكم استعمال ما يمنع وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء
س: الخضاب على اليدين والرجلين، هل يمنع وصول الماء إلى البشرة أم لا (1) ؟
ج: إذا لم يكن له جرم، فلا يمنع ولا بأس، الحناء وأشباهه والدسم وأشباهه ذلك لا يمنع، أما إذا كان له جرم يعني غليظا، بحيث يمكن إزالته وحكه، فإنه يزال كالمناكير التي يكون على الأظفار، يكونة لها جرم تزال، أما إذا كان مجرد صبغ فقط فإنه لا يمنع الماء.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (212) .(5/246)
162 - حكم وضوء من على شفتيه حمرة
س: هل الحمرة التي توضع على الشفتين تمنع وصول الماء عند الوضوء إلى الشفتين، وهل استعمالها محرم (1) ؟
ج: الحمرة والديرم وأشباهه لا تمنع الماء ولا حرج في ذلك أما إذا كان الشيء له جرم يمنع الماء يزال عند الوضوء كالمناكير وأشباهها في الأظفار أما إذا كان حمرة فقط كحمرة الحناء ونحوه والديرم فهذا لا يضر ولا يمنع الماء.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (351) .(5/246)
163 - حكم وضوء من على عينيه كحل
س: هل الكحل السائل يمنع من وصول ماء الوضوء (1) ؟
ج: الكحل كحلان إن كان له جرم يمنع الماء لا بد من إزالته وقت الوضوء، أما إن كان ليس له جرم بل هو خفيف ليس له جرم يمنع فإنه لا يمنع الوضوء.
تغسل وجهها ولا حاجة إلى إزالته، إذا كان مجرد سواده، ووجود سواده ليس له جرم يمنع الماء.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (355) .(5/247)
164 - الكريم لا يمنع وصول الماء إلى البشرة
س: أقوم بوضع الكريم على وجهي لحدوث بعض الجفاف به فهل يلزم بأن أكون أغسل وجهي بالصابون، حتى أتأكد من وصول الماء إلى البشرة؟ (1)
ج: الكريم لا يمنع الماء مثل الدهن الخفيف معروف لا يمنع ولا يحتاج إلى الغسل بالصابون فالماء يتصل بالبشرة ولا يمنعه الكريم وأشباهه.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (286) .(5/247)
165 - حكم وضوء من على وجهه مكياج
س: هل المكياج يمنع وصول الماء أثناء الوضوء؟ بمعنى هل يجب أن نزيل هذا المكياج عند كل وضوء؟ (1)
ج: إذا كان المكياج له جسم، يمنع الماء يزال، وإن كان ليس له جسم بل هو مجرد صبغ، لا يكون له جرم، فلا يلزم إزالته، أما إذا كان له جسم يحصل له منع، يعني يمنع الماء، فهذا يجب أن يزال من الوجه، وهكذا من الذراع، إذا كان فيه شيء كالعجين يزال، أما إذا كان الشيء مجرد صبغ ليس له جسم ولا جرم، هذا ما تجب إزالته.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (399) .(5/248)
166 - حكم وضوء من على يديه حبر
س: السائل: ش، من الشام، يقول: أنا طالب في المدرسة، عندما أكتب يصب في يدي الحبر، وذلك من القلم، فأتوضأ والحبر على يدي، ثم أتذكر وجود ذلك الحبر، فأزيله وأتوضأ من جديد، لكن ذلك تكرر معي كثيرا، وشق علي أكثر، بعد ذلك أغتسل ثم أذكر وجود الحبر، فأغسل يدي، هل وضوئي وغسلي صحيح يا فضيلة الشيخ (1) ؟
ج: إن كان الحبر له جسم يمنع الماء، فلا بد أن تعيد الوضوء إذا
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (399) .(5/248)
كان في ذراعك، أو في رجلك لا بد أن تعيد الوضوء، أما إن كان ما له جسم مجرد صفرة، أو سواد، صبغ، لا يمنع الماء فلا بأس ولا حرج. أما إن كان له جسم يمنع الماء، فهذا لا بد من إزالته قبل الوضوء، وإذا نسيت ولم تزله فإنك تعيد الوضوء، وهكذا في الغسل لا بد أن تزيله، عند غسل الجنابة، إذا كان له جسم.
أما إذا كان ليس له جسم، إنما هو مجرد صورة سواد، صورة حمرة، هذا ما يضر، لأنه ما له جسم.(5/249)
س: هناك كحل على شكل قلم، هل يمنع هذا الكحل من وصول الماء إلى الجلد عند الوضوء (1) ؟
ج: لا يمنع مجرد كحل، هذا صبغ لا يمنع والحناء في اليد صبغ أما إذا كان له جسم بحيث يمنع الماء يزال الجسم، إذا كان هناك متلبد جسم له متلبد من الحناء أو من الكحل فإنه يزال عند الوضوء أما مجرد وجود سواد كحل أو حمرة حناء أو شبه ذلك هذا لا يمنع الحناء في الرجل أو الكحل في العين هذا لا يمنع الوضوء لأنه صورة لا جسم لها.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (366) .(5/249)
س: سائلة تقول عن نفسها: أستعمل الكحل السائل، الكحل السائل هو عبارة عن خط أسود تستطيع أن تبعده ويصبح على شكل شريط وبعضه يتراكم فهل يصح الوضوء مع استعمال هذا الكحل (1) ؟
ج: إذا كان الكحل يبقى له جسم يمنع الماء فيحك ويزال ولا يجوز بقاؤه في الوضوء والغسل أما إذا كان مجرد سواد ومجرد لون لا يمنع شيئا مثل لون الحناء ولا غيره فلا بأس أما إذا كان له جسم يتجمع يمنع الماء، هذا يزال عند الوضوء وعند الغسل وهكذا الحناء إذا كان له جسم يزال أما إذا كان مجرد لون وإلا فلا جسم له فلا يمنع.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (364) .(5/250)
167 - حكم وضوء من عليه عطور تحتوي على كحول
س: أخونا يسأل عن استخدام بعض العطور، التي يشك في احتوائها على الكحول، هل ينقض الوضوء (1) ؟
ج: أولا الأصل الإباحة والسلامة، فلا يقال للعطور إنها فيها كذا وكذا إلا بدليل، الله جل وعلا: أباح لعباده ما في الأرض، قال:
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (133) .(5/250)
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1) ، فالأصل الإباحة للعباد، إلا إذا ثبت أن هذا العطر استخرج من شيء يسكر كثيره، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام (2) »
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام.
فإذا علم المؤمن علما لا شك فيه، أن هذا العطر من مادة كثيرها يسكر، فإنه لا يستعمله، أما إذا لم يعلم ذلك، فإنه لا حرج عليه، في استعمال العطر بأنواعه، ولا حرج فيه عليه في بيعه وشرائه، وكونه في ملابسه، كل ذلك لا حرج فيه، لأن الأصل هو الإباحة والحمد لله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 29
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام، برقم (1865) ، وأبو داود في كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، برقم (3681) ، والنسائي في كتاب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، برقم (5607) .(5/251)
س: انتشر قول البعض من الناس أن من تطيب بالروائح العادية المنتشرة وكان متوضئا انتقض وضوؤه، هل هذا صحيح (1) ؟
ج: هذا لا أصل له هذا كلام باطل، التطيب لا ينقض الوضوء مطلقا لكن الذي يسكر من الكولونيا لا يستعمل لكن أطيب الأطياب
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (418) .(5/251)
المسك، الورد، العود، الزباد لا بأس به طيب مشروع، الطيب مشروع وهو من سنة الأنبياء.(5/252)
168 - حكم وضوء من على جسمه دهون
س: إذا كان على جسمي شيء من الدهون وليس على أعضاء الوضوء، ثم توضأت ونسيت أو تركت إزالته، هل وضوئي صحيح أم لا (1) ؟
ج: وجود الدسم على البدن، على أعضاء الوضوء أو البدن، لا يمنع الماء ولا حرج في ذلك، وإذا كان على غير أعضاء الوضوء، فليس له تعلق بالوضوء، ولكن في الجنابة لا يضر أيضا، إذا كان في البدن دسم، آثار زيت أو سمن أو شبه ذلك من الدسم، هذا لا يمنع وصول الماء إلى البشرة، فلا يضر في ذلك، فإذا توضأت وفي يدها أثر دسم أو في ذراعها أو في قدمها، فإنه لا يضرها وهكذا غسل الجنابة، أو غسل الحيض، إذا كان في البدن آثار الدسم لا يمنع الماء، الدسم المعروف الذي ليس له جسم، دسم ليس له جسم، وإنما هي لزوجة في البدن، هذا لا يمنع صحة الغسل ولا صحة الوضوء والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (11) .(5/252)
169 - حكم الكلام أثناء الوضوء
س: هل صحيح أن الكلام أثناء الوضوء يبطل ذلك (1) ؟
ج: هذا غلط الكلام وقت الوضوء لا يبطل الوضوء، الحمد لله إذا توضأ وهو يتكلم مع أحد، فإذا أتم الوضوء الشرعي، تمضمض واستنشق وغسل وجهه، وغسل يديه مع المرفقين ومسح رأسه مع الأذنين وغسل رجليه مع الكعبين، هذا هو الوضوء الصحيح ولو أنه يتكلم لا حرج في الكلام أثناء الوضوء.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (308) .(5/253)
170 - حكم انتقاض الوضوء إذا وقعت النجاسة على البدن
س: هل وقوع النجاسة على جسم الإنسان، تلزمه بإعادة الوضوء أم أنه يكفي إزالة النجاسة، والصلاة دون إعادة الوضوء (1) ؟
ج: إذا وقع على الإنسان نجاسة، بعد الوضوء بأن وقع عليه شيء من بول صبي أو غير ذلك من أنواع النجاسة، فإنه يغسل محل النجاسة، ويكفي ولا يعيد الوضوء، بل يغسل ما أصاب النجاسة من ثوب أو بدن، وليس عليه أن يعيد الوضوء.
أما إن كانت النجاسة من نفسه، بأن خرج منه البول، فهذا يستنجي ويعيد الوضوء، أما لو أصابه
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (186) .(5/253)
نجاسة من طفل عنده أو من غيره أو سقط عليه دم يغسل ما أصابه، ويكفي والوضوء صحيح.(5/254)
171 - حكم وضوء من داس على نجاسة وقدمه رطبة
س: أختنا تسأل وتقول: ما الحكم إذا دعست قدمي على نجاسة بعد انتهائي من الوضوء، هل أغسل القدم وحدها أم أعيد الوضوء (1) ؟
ج: إذا كانت النجاسة رطبة، كالبول والعذرة الرطبة، فعليك أن تغسلي القدم فقط، ولا يعاد الوضوء، إنما تغسل القدم التي أصابها النجاسة، أما إذا كانت النجاسة يابسة والقدم يابسة فليس عليك شيء، ولا يضر، أما إذا كانت النجاسة رطبة أو القدم رطبة، فإن عليك أن تغسلي ما أصاب القدم فقط، والوضوء صحيح، والله المستعان.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (151) .(5/254)
س: إذا توضأ الإنسان، وكانت قدماه مبتلة بالماء ومشى على فراش به نجاسة جافة، فهل يلزمه أن يغسل قدميه؟ وهل تصح الصلاة في مكان به نجاسة جافة (1) ؟
ج: إذا مشى على النجاسة الجافة، ورجله رطبة وجب عليه أن
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (382) .(5/254)
يغسلها إذا تجاوز المحل هذا، وهكذا لو مشى على محل رطب فيه نجاسة ورجله يابسة، ولكن المحل رطب وفيه نجاسة، وطأ عليه يغسل رجله أيضا.(5/255)
س: تقول: كنت متوضئة، وحملت طفلي ولم أنتبه لطهارته، مما أثر ذلك من جسمه على جسمي هل يلزمني إعادة الوضوء حينئذ أم أغسل المكان فقط، جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: إذا حملت الطفل وفيه نجاسة، وأصابك منها شيء في ثوبك أو في يدك، أو رجلك، فاغسلي محل النجاسة، أما الوضوء فهو صحيح، والحمد لله، الطهارة صحيحة لكن ما أصابك من النجاسة إذا كنت جازمة أن هناك نجاسة في اليد أو أصاب الرجل أو أصاب بعض الثوب يغسل محلها، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (292) .(5/255)
س: أختنا تسأل وتقول: إذا بال طفل في مكان ما، أي ليس في الحمام – أعزكم الله والسامعين – فمر شخص وهو لا يعلم أن هذا المكان به بول، وكان ذلك الشخص متوضئا فداس على ذلك البول أو مشى عليه، فهل ينتقض وضوؤه (1) ؟
ج: إذا داس الإنسان على البول، أو على غيره من النجاسات لا
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (150) .(5/255)
ينتقض وضوؤه، ولكن إذا كان البول رطبا أو رجله رطبة، غسلها إذا علم، أما إذا لم يعلم فلا شيء عليه، لكن إذا علم وكان البول أو غيره رطبا غسل رجله، أو كانت رجله رطبة وداس على البول ونحوها غسلها، غسل ما أصابها، أما إن كان محل البول يابسا، أو غيره من النجاسة يابسا ورجله يابسة، فلا شيء عليه، لأنه لا يتأثر بذلك، وهكذا لو لم يعلم أن هذا نجس وصلى فإنه لا يضره ذلك، كما لو صلى في ثوب نجس لم يعلم بذلك، حتى فرغ من الصلاة فإنه لا يعيد على الصحيح.
وهكذا لو صلى في بقعة نجسة، ويظنها طاهرة ولكن لم يعلم إلا بعد الصلاة، فصلاته صحيحة على الصحيح.
وهكذا لو صلى وقد أصاب رجله أو يده نجاسة ما علم بها إلا بعد الصلاة، صلاته صحيحة على الصحيح.
والحجة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في نعليه وكان فيهما قذر، فأخبره جبرائيل عليه الصلاة والسلام، أن فيهما قذرا فخلعهما ولم يعد أول الصلاة، فدل ذلك على أن الذي لم يعلم معذور، فهكذا إذا أكمل.(5/256)
172 - حكم انتقاض وضوء من لمس كلبا
س: يقول السائل: كلب المزرعة أجلكم الله عندما أقدم له الطعام، قد يلمسني وقد يلمس ملابسي، فهل يجب علي حين ملامسته لملابسي أن أغيرها؟ وهل يجب علي أن أعيد الوضوء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ليس عليك إعادة الوضوء، لكن إذا مس رطوبة منه شيء من ثوبك فإنك تغسل محل الرطوبة أما إذا مس ثوبك جلده وهو يابس فلا يضر لكن إذا كان فيه رطوبة من بوله أو ريقه، لعابه فإنك تغسل ما أصابه سبع مرات، كأن أصاب رجلك أو ثوبك فإنك تغسله سبع مرات، ويكون فيها واحدة بالتراب وفي الأولى أفضل.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (340) .(5/257)
173 - حكم وضوء من به سلس البول
س: إنني مصاب بسلس، وأحيانا ينزل مني ما يقدر بقطرة أو قطرتين، وأحيانا أصلي بالناس إماما، فهل يجوز لي ذلك أو لا (1) ؟
ج: إذا كان السلس مستمرا معك، وهو خروج الماء كالبول فلا
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (328) .(5/257)
تتوضأ إلا إذا دخل الوقت، إذا دخل الوقت توضأ، وإذا توضأت تصلي بهذا الوضوء ما دمت في الوقت، مثل المستحاضة فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتوضأ لكل صلاة؛ لأن حدثها دائم وهو خروج الدم، وهكذا من كان بوله مستمرا معه فإنه يتوضأ لكل صلاة، يعني إذا دخل الوقت فيتوضأ للعصر، إذا دخل وقتها، ويصلي حتى يخرج الوقت، ويقرأ القرآن من المصحف، وهكذا يتوضأ للمغرب ويصلي حتى يغيب الشفق وهكذا بعد العشاء ويتوضأ حتى يدخل الوقت، المقصود أن لكل وقت وضوءا هذا لصاحب السلس والأحوط لك أن لا تصلي بالناس إماما؛ لأن جمعا من أهل العلم يرون أنه لا يصلي صاحب السلس إماما بالناس، وإن صليت فصلاتك صحيحة إن شاء الله، هذا على الصحيح لكن إن تركت ذلك فهو أولى.(5/258)
س: يسأل الأخ ويقول: تعرضت لحادث سيارة، وأصبحت الآن مقعدا لا أتحرك إلا بواسطة العربية، ولا أتحكم في السبيلين، ولا أستطيع السيطرة عليهما. كيف تنصحونني في الوضوء أو التيمم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: مثلك مثل صاحب السلس والمستحاضة، عليك أن تتوضأ لوقت كل صلاة والحمد لله، إذا دخل وقت الصلاة تستنجي وتتوضأ
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (187) .(5/258)
وضوء الصلاة، وتصلي في الوقت، حتى يجيء الوقت الآخر. ولو خرج شيء منك {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ، هكذا كل وقت، تستنجي وتتوضأ وتصلي على حسب حالك وتقرأ من المصحف ولا حرج عليك في ذلك، لأنك معذور.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(5/259)
174 - حكم من يخيل له أنه يخرج منه الريح عند الوضوء
س: عندما أريد أن أتوضأ للصلاة يخيل لي أنه سوف يخرج مني رائحة عن طريق السبيلين فما هو الحل لذلك؟ ولكم جزيل الشكر؟ (1)
ج: هذا من الشيطان، والحل لهذا أن يعرض عن هذا الشيء، وأن لا يلتفت إليه، بل هو من الوساوس، فيتوضأ الوضوء الشرعي وهو التمسح، يبدأ بالمضمضة والاستنشاق، ويكفي ولا يلتفت إلى هذا الذي يظنه خرج من دبره من الريح بعد ما شرع في الوضوء، بل يستمر في وضوئه ولا يلتفت إلى هذه الوساوس، حتى يأتي مثل الشمس، أنه خرج منه شيء، فإذا جزم وتيقن أنه خرج منه شيء، يعيد الوضوء، يعني يعيد التمسح، الذي هو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (11) .(5/259)
وغسل اليدين، هذا يسمى الوضوء الشرعي، أما غسل القبل والدبر، فهذا يسمى الاستنجاء، فينبغي أن نتنبه للفرق، بعض العامة قد يشتبه عليه هذا، فغسل الدبر والقبل يسمى استنجاء، عن الغائط والبول، وإن كان بالحجارة يسمى استجمارا، أما الوضوء الشرعي فالمراد به غسل الوجه، مع المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح الرأس مع الأذنين، وغسل الرجلين هذا يسمى الوضوء الشرعي، ويسميه بعض الناس التمسح.(5/260)
175 - بيان وقت وضوء من به سلس البول
س: يسأل السائل ويقول: إنه مصاب بمرض سلس البول، كيف يتوضأ للصلاة؟ .
يقول: لأنني سمعت من بعض أهل العلم وقرأت بأنه يجب أن أتوضأ لكل وقت صلاة، ولكن أنا والحمد لله، أصلي في المسجد، وإذا أردت أن أتوضأ عند دخول الوقت فإن تكبيرة الإحرام والركعة الأولى والثانية قد تفوتني، خاصة في صلاتي المغرب والعشاء، فهل يجوز لي أن أتوضأ قبل دخول الوقت، ولو لخمس دقائق؟ وما الحال بالنسبة لصلاة الجمعة (1) ؟
ج: النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة، قال:
__________
(1) السؤال الراب والثلاثون من الشريط رقم (416) .(5/260)
«توضئي لوقت كل صلاة (1) » والمستحاضة هي التي معها الدم الدائم، أو الغالب معها. أمرها أم تتوضأ لوقت كل صلاة. وصاحب السلس، سلس البول، أو الريح الدائمة أو الغالبة، مثل المستحاضة يتوضأ لكل صلاة، ويلف على ذكره شيئا، إذا كان البول يلف عليه بعض الشيء يحفظه. وإذا دخل الوقت توضأ، كما تفعل المستحاضة سواء في الجمعة أو في المغرب، أو في غير ذلك ولو فاته بعض الصلاة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ، لأن الطهارة شرط للصلاة، فإذا أذن المؤذن للمغرب، والأذان الأخير للجمعة، يتوضأ ويأتي المسجد ولو فاته بعض الصلاة، ولو فاته بعض الخطبة، لأن هذا شرط الطهارة شرط للصلاة، والحمد لله، وإذا تيسر العلاج أنه يعالج هذا السلس عند بعض الأطباء المختصين، أو خروج الريح الدائم، كل داء له دواء يعالج والحمد لله.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب غسل الدم، برقم (228) .
(2) سورة التغابن الآية 16(5/261)
س: يسأل الأخ ويقول: هل يجوز لمن به عذر كسلس وغيره أن يتوضأ قبل دخول وقت الصلاة لكي يدرك تكبيرة الإحرام في المسجد، خاصة في صلاتي المغرب والعشاء في المسجد وصلاة الجمعة، وأيضا إذا كان المسجد بعيدا،(5/261)
أي هل يجوز الوضوء قبل دخول وقت الصلاة ولو بدقائق معدودة (1) ؟
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة والعلماء ذكروا أصحاب السلس مثل المستحاضة، لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت لجميع الأوقات، يتوضأ لدخول الوقت ولو فاته بعض الصلاة.
__________
(1) السؤال التاسع والأربعون من الشريط رقم (421) .(5/262)
176 - نصيحة من يخيل له أنه يخرج منه شيء عند الوضوء
س: أخونا يقول: إنه عندما يتوضأ، يشعر وكأن به سلسا ويشعر بقطرات من الماء، كيف توجهونه وتوجهون أمثاله شيخ عبد العزيز لو تكرمت (1) ؟
ج: كثير من الناس قد يبتلى بهذا عن وسوسة لا عن حقيقة، فنصيحتي لهذا وأمثاله، أن لا يلتفت إلى هذا الشيء، وأن يعرض عنه ما دام عنده شك ولو قليل، ولو واحد في المائة أنه ما خرج منه شيء فلا يلتفت إلى هذا لأن التفاته إلى هذا يجره إلى الوسواس المستمر،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (148) .(5/262)
فينبغي الإعراض عن ذلك، أما إذا جزم وتيقن مائة في المائة، أنه خرج منه شيء فإنه يستنجي، يعيد الاستنجاء والوضوء الشرعي، ولا يصلي وقد خرج منه بول، إذا كان يقينا مائة في المائة. ويستحب له أن يرش موضع الفرج، بعد فراغه من الوضوء، يرشه بالماء، حتى يحمل ما قد يقع له من وساوس على هذا الماء، وبهذا ينتهي الوسواس، وينقطع إن شاء الله.(5/263)
177 - حكم وضوء من به سلس البول والصلاة به أكثر من وقت
س: يقول: هل سلس البول الذي ينزل بعد الوضوء يؤثر على طهارة البدن والثياب (1) ؟
ج: إذا كان في الوقت بعدما توضأ في الوقت وهو معه السلس، لا يؤثر، لكن متى خرج الوقت يطهر ثيابه، ينظف ثيابه وما أصاب بدنه. أما لو توضأ في الوقت ثم خرج منه البول فإنه يصلي ولو خرج، ولو أصاب ثيابه، حتى ينتهي الوقت، كما في المستحاضة يخرج منها الدم وتصلي، ولو خرج الدم منها، فإذا خرج الوقت طهر ثيابه وطهر بدنه وأعاد الوضوء للوقت الآخر.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (423) .(5/263)
178 - نصيحة لمن أصابه الوسواس في الوضوء
س: تقول السائلة: إنني أشتكي يا شيخ من كثرة الوساوس، في الوضوء، وعند قراءة الفاتحة، والتشهد فإني منذ أصبت بهذه الوساوس، وأنا لا أعرف الخشوع في صلاتي، بسببها ولا أرتاح، وإنني خائفة ألا تقبل صلاتي، والدتي تغضب علي كثيرا إذا رأتني أطلت الصلاة، أكثر من اللازم، وربما تكون قد اكتشفت هذه الحالة، وجهوني سماحة الشيخ جزاكم الله خيرا (1)
ج: نصيحتي لك أيتها الأخت في الله، أن تتقي الله وأن تحذري عدو الله الشيطان، فإن مكائده كثيرة، ونزغاته متعددة، فالواجب عليك الحذر من ذلك، فاتقي الله في صلاتك ووضوئك، وقراءتك، احذري وساوس الشيطان، إذا توضأت فلا تكرري الوضوء، اجزمي بأنك توضأت والحمد لله، وهكذا في الصلاة لا تكرري الصلاة، اجزمي أنك صليت والحمد لله، وهكذا في القراءة ولا تكرريها، اجزمي أنك قرأت والحمد لله، ولا يحملنك ما يمليه الشيطان من الوساوس، على التكرار في القراءة والصلاة أو الوضوء، اعلمي أن هذا من الشيطان، وما حصل في ظنك أنك قرأت، كما ينبغي أو صليت أو توضأت، يكفي، ودعي الوسوسة، أنك لم تقرئي أو لم تصلي أو لم تتوضئي،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (245) .(5/264)
اتركي هذه الوسوسة، احذريها، ابني أمرك على أنك قرأت، وأنك توضأت وأنك صليت، والحمد لله، واستمري في أشغالك الأخرى، واحذري اللين والتساهل، مع عدو الله لا تليني له، متى لنت طمع فيك وآذاك، وربما جعلك في عداد المجانين، فاتقي الله، واحذري عدو الله، واتركي الوساوس، وبادري بالوضوء من غير تأخير، والصلاة من غير تأخير، مع الطمأنينية في الصلاة والإقبال عليها مع الإسباغ في الوضوء، لكن من دون تكرار، ومن دون إعادة للوضوء، وهكذا في القراءة اطمئني في القراءة، وتدبري من غير حاجة إلى تكرار، تقولين ما قرأت أعيد القراءة، ما صليت أعيد، ما توضأت أعيد، لا، كل هذا من الشيطان، نسأل الله أن يعيذنا وإياك من الشيطان.(5/265)
س: تقول السائلة: إن لها أختا، تشكو من الوسوسة، وخاصة في الوضوء، وترجو من سماحة الشيخ، أن يدلها على العمل الأمثل، الذي يمكن أن يكون عونا بإذن الله على الشفاء من هذا المرض (1) ؟
ج: هذا المرض وهو مرض الوسوسة، يشكو منه كثير من الناس، من الرجال والنساء، والعلاج له هو: التعوذ بالله من الشيطان، لأنه من نزغات الشيطان، ومن أعماله وهو عدو الله، قال فيه سبحانه:
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (247) .(5/265)
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (1) ، وقال سبحانه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) فالعلاج لهذا الداء، هو التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، في الوضوء وفي الصلاة وفي غيرهما، كل ما أحس بشيء من الوساوس، يتعوذ بالله من الشيطان، يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويكون عنده قوة وصدق، والرغبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن هذا العدو يحتاج إلى قوة، وإلى صدق ولا ينجيك منه إلا ربك، الذي هو قادر على كل شيء، سبحانه وتعالى، فعلى المؤمن والمؤمنة، اللجوء إلى الله بصدق، والاستغاثة بالله أن يعيذهم منه، عند الوسوسة وهكذا في الأوقات الأخرى، يستجير بالله يا رب أجرني من الشيطان ومن وساوسه، يا رب اكفني شره، يستعين بالله يلجأ إليه سبحانه وتعالى، اللهم أعذني من الشيطان الرجيم، اللهم اكفني شره، اللهم عافني من وساوسه ونزغاته، يسأل ربه ويستعين بالله، والله سبحانه وتعالى يجيره منه متى صدق العبد، فالله سبحانه وتعالى يقول: ادعوني استجب لكم، ولن يخلف الله وعده سبحانه وتعالى، ولكن الإنسان قد يتساهل وقد يغفل وقد يدعو بدعاء ليس فيه صدق،
__________
(1) سورة فاطر الآية 6
(2) سورة فصلت الآية 36(5/266)
فالواجب الصدق والرغبة فيما عند الله، واللجوء والانطراح بين يديه، بصدق وإخلاص ورغبة حتى يجيرك من هذا العدو المبين.
وإذا توضأ الإنسان لا يعيد الوضوء بالوسوسة، ولا يعيد صلاته بالوسوسة، يبني على أن وضوءه صحيح، وصلاته صحيحة ولا يعيد شيئا من ذلك لأنه متى أطاع الشيطان في تكرار الوضوء، زيادة أو إعادة الصلاة، طمع فيه عدو الله، ولكن أنت متى فعلت الوضوء، وأنت تشاهد نفسك، فعلت الوضوء فاتق الله، ولا تعد ولا تطع الوسوسة، وهكذا في الصلاة، كملها ولا تطع الوسوسة، وهكذا في كل شيء تعاند عدو الله وتخالفه.(5/267)
179 - حكم من يكرر الوضوء بسبب الشك
س: يسأل السائل ويقول: كثيرا ما أكرر الوضوء في صلاتي، فهل يجوز لي هذا لأنني أشك في وضوئي؟ وماذا تنصحونني يا سماحة الشيخ، مأجورين (1) ؟
ج: الواجب عليك الحذر من الوساوس، إذا توضأت فلا تعد الوضوء، وإذا صليت فلا تعد الصلاة، دع عنك الوساوس، تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا توضأت فالحمد لله، لا تطاوع الشيطان، وإذا
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (420) .(5/267)
صليت فالحمد لله، لا تطاوع الشيطان، وإذا غلب عليك أنفث عن يسارك، ولو كنت في الصلاة أنفث عن يسارك ثلاث مرات قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مل عن يسارك قليلا بالوجه وانفث عنه وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهكذا أكثر من التعوذ بالله من الشيطان، حتى في خارج الصلاة، عن الوساوس؛ لأن العدو إذا رأى منك اللين، طمع فيك، وآذاك بالوساوس، عدوك.
فالواجب الحذر منه {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} (1) .
__________
(1) سورة فاطر الآية 6(5/268)
س: كثر في زماننا هذا أولئك الذين يعانون من إعادة الصلاة ومن إعادة الوضوء، ما هو التوجيه السليم لهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: كلها من طاعتهم للشيطان، كلها من ضعفهم، وإلا لو كانوا أقوياء غلبوا عدو الله، الواجب عليهم أن يكونوا أقوياء، وأن يعادوا عدو الله ويتعوذوا بالله منه ولا يلينوا مع الوساوس، فإذا توضأ ثم قال: أخاف أني ما سويت كذا، لا، لا يعود، أخاف أني ما تمضمضت، أخاف أني ما تنشقت، بعد ما توضأ، انتهى، تم الوضوء والحمد لله.
أو صلى، بعدما يصلي يقول أخاف أني خليت شيئا،
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (420) .(5/268)
أخاف أني كذا، لا، إذ صلى، الحمد لله، انتهت الصلاة، يحملها على أنها تمت، ويدع الوساوس هذه.(5/269)
180 - حكم من يشك في انتقاض وضوئه
س: ما حكم من شك في انتقاض الوضوء، هل يتوضأ أم لا؟ أثابكم الله (1)
ج: إذا شك الإنسان هل انتقض وضوؤه، ليس عليه الوضوء إذا كان عرف الطهارة قد توضأ عرف أنه متطهر للظهر مثلا ثم شك بعد ذلك هل انتقضت طهارته أم لا ليس عليه وضوء بل يصلي العصر بالطهارة الأولى، وهكذا أشباه ذلك توضأ الضحى ليصلي الضحى ثم شك، هل انتقضت طهارته، لا يلزمه الوضوء للظهر، بل يصلي بطهارته التي أتى بها ضحى وهكذا في الليل مثلا، تهجد فلما جاء الفجر شك هل أحدث أم لا، لا حرج عليه ولا وضوء عليه، بل يصلي بوضوئه السابق الذي أتى به آخر الليل ولا يحتاج وضوءا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (2) » متفق عليه وفي لفظ آخر لما سئل أن رجلا قال:
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (14) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، برقم (137) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، برقم (361) .(5/269)
يا رسول الله، رجل ويشير إلى بطنه، قال: «لا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (1) » فالحاصل ليس عليه أن يجدد وضوءه، حتى يتحقق. ويعلم أنه أحدث، بريح أو بول أو غائط، أو أكل لحم إبل أو ما أشبهه من النواقض، الحاصل أنه لا يلزمه الوضوء، إلا إذا تحقق وجود الناقض.
كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم «فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (2) » يعني حتى يتحقق الحدث فإذا لم يتحقق فالأصل الطهارة.
وله ثلاث حالات: حالة إذا تحقق أنه أحدث فإن عليه الوضوء، حالة يتحقق أنه لم يحدث فالحمد لله هذا يصلي بوضوئه الأول، الحالة الثالثة شك يعني تردد هل أحدث أم لا؟ قد يغلب على ظنه الحدث وقد يغلب على ظنه عدم الحدث، وقد يستوي الطرفان. فبهذه الأحوال الثلاثة لا يلزمه الوضوء حتى يتيقن أنه أحدث. وإذا توضأ لكل صلاة فهو أفضل لما في الوضوء من الخير والفائدة الوضوء فيه فضل عظيم فإذا توضأ لكل صلاة. هذا فيه فضل عظيم، وإن صلى بوضوء واحد عدة صلوات فلا بأس، قد فعله النبي في بعض الأحيان اللهم صل وسلم عليه، كما يصلي الإنسان مجموعة الظهر والعصر بوضوء واحد في السفر والمغرب والعشاء بوضوء واحد في السفر أو في المرض.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، برقم (137) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، برقم (361) .
(2) صحيح البخاري الوضوء (137) ، صحيح مسلم الحيض (361) ، سنن النسائي الطهارة (160) ، سنن أبو داود الطهارة (176) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (513) ، مسند أحمد بن حنبل (4/39) .(5/270)
س: أحيانا لا أدري هل أنا محدث أم لا وأتوضأ قطعا للشك فهل أنوي بهذا الوضوء بأنه لرفع الحدث أم أنوي أنه وضوء شرعي فقط (1) ؟
ج: كله طيب إذا نويت عن رفع الحدث أو نويت الوضوء الشرعي كفى، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (388) .(5/271)
181 - حكم الوضوء بالماء المستعمل في الطهارة
س: تقول هذه السائلة: إذا توضأ إنسان بماء ثم توضأ بذلك الماء آخر لضرورة أو لغير ضرورة فهل هذا جائز (1) ؟
ج: إذا كان الماء مجموعا وتوضأ به الإنسان ثم بقي منه ماء، يكفي لوضوء الثاني، فالصواب أنه لا حرج، ولا ينجس بذلك، ولا تزول طهوريته، وقال بعض أهل العلم: إنه يكون طاهرا لا طهورا ولا تحصل به الطهارة، وليس عليه دليل، والصواب أنه طهور، فلو أن إنسانا تطهر من حوض صغير، أو من إناء كبير، ثم صب ماءه الذي تطهر فيه في إناء آخر، فتوضأ به آخر فلا بأس إذا كان ليس به نجاسة،
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (429) .(5/271)
إنما غسل وجهه وذراعيه ومسح رأسه وأذنيه، هذا لا ينجسه ولا يسلبه الطهورية، على القول الراجح، لكن تركه أحسن من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.(5/272)
182 - الواجب على طالب العلم أن يعتني بالأدلة وأن يأخذ بما يقوم عليه الدليل
س: أحسن رجل الوضوء، مقلدا الإمام الشافعي رحمه الله، ثم مس امرأة أجنبية، وقال: قلدت الإمام مالكا، وصلى فهل صلاته صحيحة بهذا الخلط بين المذهبين أم لا (1) ؟
ج: ينبغي للمؤمن ألا يكون عمله هكذا بالتقليد بل ينبغي له أن يسأل أهل العلم، أو يتفقه، إذا كان عنده فقه، ينظر في الأدلة الشرعية حتى يأخذ بالدليل لا بالآراء المجردة، فيتابع هواه في مسألة ويتابع هواه في مسألة أخرى، فيقلد هذا تارة وهذا تارة، هذا ليس من شأن أهل العلم، وليس من شأن أهل الورع والاجتهاد في الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بالأدلة، وأن يأخذ بما يقوم عليه الدليل، فإن كان قاصرا عن ذلك نظر في كلام أهل العلم، وأخذ بما يراه أقرب إلى الصواب، من أقوالهم وتحرى الحق في ذلك، والصواب في هذه المسألة، أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، هذا هو الصواب لأن
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (15) .(5/272)
النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ولأن الأصل صحة الطهارة وسلامتها.
ولا يجوز أن يقال بفسادها إلا بالدليل، وليس هناك دليل واضح مع من قال: إن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقا سواء بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الصواب وهذا هو الأرجح من حيث الأدلة، والعلماء لهم ثلاثة أقوال في هذا، منهم من قال: إن مسها ينقض مطلقا، ومنهم من قال: لا ينقض مطلقا، ومنهم من قال: ينقض بشهوة، ولا يكون ناقضا بغير شهوة، والقول الأرجح هو قول من قال: لا ينقض مطلقا.
لعدم الدليل على النقض، أما قوله جل وعلا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (1) ، وفي قراءة (أو لمستم النساء) فقد فسر ذلك ابن عباس، بأنه الجماع وهو الصواب، المراد به الجماع، ليس المراد به المس باليد، وقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (2) ، هذا إشارة إلى الحدث الأصغر، {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) إشارة إلى الحدث الأكبر، وهو الجنابة فأشار إلى هذا بما يناسبه، وهو الملامسة، وأشار إلى الحدث الأصغر، بقوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (4) ، الحاصل أن الصواب في هذه المسألة هو مع من قال: إن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم «أنه كان يقبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ (5) » صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) سورة المائدة الآية 6
(5) أخرجه النسائي في المجتبى في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من القبلة، برقم (170) .(5/273)
صفحة فارغة(5/274)
باب الغسل
183 - الفرق بين غسل الاحتلام وغسل الجنابة
س: هل الغسل من الاحتلام يشابه الغسل من الجنابة (1) ؟
ج: نعم سواء إذا رأى الماء المني وجب عليه الغسل، المرأة والرجل في هذا سواء، لما في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها، أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم إذا هي رأت الماء (2) »
- يعني المني - وأجمع العلماء أنه إذا لم تر الماء، أو الرجل إذا لم ير الماء – يعني المني – فلا غسل عليه، إنما الغسل من الماء، الماء من الماء، إلا في الجماع في اليقظة، إذا جامع ولم ير الماء، يغتسل إذا أولج فرجه في فرجها، فإنه يغتسل وهي تغتسل، ولو ما
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (218) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الحياء في العلم، برقم (130) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، برقم (313) .(5/275)
حصل إنزال، ولو ما حصل مني، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل (1) »
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل (2) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء، برقم (349) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب إذا التقى الختانان، برقم (291) ومسلم في كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء، برقم (348) .(5/276)
184 - حكم صلاة من أصابته الجنابة ولم يجد مكانا يغتسل فيه
س: إذا تناوم الإنسان في منى ووجب عليه الماء للغسل، إلا أنه لكثرة الحاج يقل الماء فماذا يفعل بدل الماء؟ وكيف إذا أراد أن يصلي وهو جنب؟ وهل يكفي أن يتطهر بالتراب؟ أرجو توضيح هذه المسألة؛ لأن كثيرا من الناس يقعون في مثل هذا. ولكم منا جزيل الشكر (1) .
ج: إذا احتلم الإنسان في مزدلفة أو في أي مكان فيه الناس مع الناس فيلتمس الماء. يعني إذا احتلم ورأى الماء، يعني المني قد خرج منه في النوم، هذا الاحتلام يعني أنه جامع المرأة أو استيقظ ورأى المني خرج من ذكره على فخذيه في سراويله، فهذا يلزمه الغسل؛ غسل
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (32) .(5/276)
الجنابة، فعليه أن يلتمس الماء، يطلب الماء ولو بالشراء، في أي مكان يستطيعه في أطراف منى في أي جهة، أو يجد محلا يغتسل فيه من دون شيء يلزمه ذلك، فإذا لم يتيسر له؛ لا بالثمن ولا بالتبرع، ما وجد مكانا للغسل فإنه يتيمم بالتراب ويصلي؛ يضرب بيده التراب ويمسح بهما وجهه وكفيه بنية الجنابة وبنية الحدث الأصغر، يعني ينوي بالتيمم جميع المحدثين؛ الحدث الأصغر الذي يوجب الوضوء، والحدث الأكبر الذي يوجب غسل الجنابة، ينويهما جميعا، وأنه يتيمم حتى يصلي، ويكفيه ذلك ويصلي، وصلاته صحيحة. والحمد لله، فاتقوا الله ما استطعتم، والله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1) ، ولكن عليه أن يجتهد، لا يتساهل، يجتهد ويسأل، إن وجد ماء ولو بالشراء بأخذ الماء بسطل ونحوه، ويبتعد عن الناس بعض الشيء، أو يلتمس خيمة إذا كان هناك خيمة ليس فيها أحد، أو في محل بعيد عن أنظار الناس ويغتسل.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6(5/277)
س: إذا احتلم الرجل وخرج منه شيء فهل يغتسل ويلبس لبسا جديدا أم يعيد هذا اللباس عليه (1) ؟
ج: إذا احتلم الرجل أو المرأة فإنهما يغتسلان إذا رأيا الماء؛ وهو المني، أما الاحتلام بدون ماء فليس فيه غسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته أم سليم قالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فأجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: نعم إذا هي رأت الماء (2) »
يعني المني، فإذا رأى الرجل أو المرأة المني بعد الاحتلام أو رأى المني ولم يكن احتلام فإنه يغتسل، والمني معروف: ماء غليظ ينتج عن الشهوة، فإذا رأى الرجل أو المرأة ماء – وهو المني – بعد احتلامهما، أو استيقظا ورأياه وإن لم يكن احتلام فإنهما يغتسلان؛ أمر بهذا النبي عليه الصلاة والسلام، أما الاحتلام الذي ليس معه مني فإنه لا يوجب الغسل، سواء كان في الليل أو في النهار، ولا يؤثر على الصيام ولا على الحاج، الاحتلام ليس باختياره، فإذا احتلم في نهار الصيام، أو احتلم في عرفة أو في منى قبل أن يرمي الجمرة فإنه لا يضره ذلك؛ لأنه ليس باختياره، والله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، سبحانه.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (32) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الحياء في العلم، برقم (130) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، برقم (313) .(5/278)
185 - فروض الغسل من الحيض والجنابة
س: السائلة و. و. و. من الرياض، تقول: ما هي فروض الغسل من الحيض والجنابة (1) ؟
ج: الفرض: تعميم الجسم من الجنابة والحيض والنفاس، يعمه بالماء، إذا عم الجسد بالماء بنية الطهارة كفى المرأة والرجل عن الجنابة، والمرأة عن الحيض والنفاس، إذا عمت جسمها بالماء واغتسلت بنية الطهارة كفى، ولكن الأفضل أن يبدأ بالوضوء إذا كان غسل الجنابة، ثم يعم بدنه بالماء.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (398) .(5/279)
186 - حكم من اغتسل من الجنابة بدون وضوء ونوى الطهارة من الحدثين
س: يقول السائل: ما حكم من اغتسل من الجنابة دون أن يتوضأ في أول الغسل؟ وهل لمن يتوضأ في أول الغسل عليه أن يغسل رجليه أم لا (1) ؟
ج: إذا اغتسل من الجنابة ناويا الحدثين الأصغر والأكبر أجزأ عنهما، أما إذا ما نوى إلا الأكبر فقط فالذي ينبغي أن يتوضأ، وقد ذهب
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (243) .(5/279)
بعض أهل العلم إلى إجزائه عن الوضوء؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر، ولكن ظاهر الأحاديث خلاف ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » وهذا لم ينو إلا الأكبر، فالواجب عليه أن يتوضأ بعد ذلك الوضوء الشرعي، والسنة أن يبدأ بالوضوء ثم يغتسل، هذا هو السنة، وإذا توضأ قبل ذلك فإن ترك الرجلين ثم كمل الغسل فلا بأس، وإن كمل الرجلين فهو أفضل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم هذا وهذا، ثبت عنه من حديث عائشة رضي الله عنها أنه توضأ وكمل الوضوء، وحديث ميمونة أنه ترك الرجلين حتى فرغ ثم غسلهما مكانا آخر. فكونه يتوضأ وضوءا كاملا ثم يغتسل ثم بعد هذا يغسل رجليه مرة أخرى يكون هذا أفضل، وإن تركهما حتى كمل الغسل ثم كملهما فلا حرج في ذلك؛ لأن الغسل صار الآن مشتركا بين الوضوء والغسل، فإذا توضأ الوضوء الشرعي إلا الرجلين ثم كمل غسله ثم كمل رجليه فلا حرج. لكن مثل ما تقدم كونه يكمل الوضوء حتى الرجلين ثم يكمل الغسل يكون هذا هو الأفضل، ثم بعد ذلك يغسل قدميه مكانا آخر إذا تيسر ذلك، وإذا كان مكانا واحدا وليس فيه شيء يتعلق بالرجلين إذا كان مبلطا غسلهما في المكان، والحمد لله، وكونه غسلهما في مكان آخر عليه الصلاة والسلام محمول على انتقاله عن محل الذي قد يكون قد علق بهما شيء من الطين والتراب، فيغسلهما في مكان آخر لهذه العلة، وهذا هو الظاهر والله أعلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .(5/280)
187 - كيفية الغسل
س: حدثوني عن الطريقة الصحيحة للغسل، جزاكم الله خيرا (1) ؟
ج: تقدم غير مرة الطريقة الصحيحة للغسل؛ أنه يبدأ في غسل الجنابة، يبدأ بالاستنجاء، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم على جنبه الأيمن ثم الأيسر، ثم يعمم على بدنه الماء، هذه الطريقة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم؛ يبدأ بالوضوء الشرعي والاستنجاء والوضوء الشرعي، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ويفركه بأصابعه – وإن كانت امرأة فشدت رأسها كذلك وتفيض الماء على رأسها، ولو كان رأسها مشدودا يكفي – ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يعمم بقية بدنه بالماء. هذا كله طيب، وهذا هو الأفضل، ولو غسل على غير ذلك؛ بدأ بأسفله أو لم يتوضأ أجزأه ذلك، لكن كونه يبدأ بالوضوء الشرعي من الاستنجاء والوضوء الشرعي، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ثم الشق الأيمن ثم الأيسر، ثم يعمم. هذا هو الأفضل، هذا هو السنة. هذا هو الكمال.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (250) .(5/281)
س: من الجزائر، يقول السائل: وضحوا لنا الاغتسال من الجنابة والحيض؟ (1)
ج: الاغتسال من الجنابة فرض لا بد منه، وهكذا من الحيض، فيجب على المسلم إذا أتى أهله أن يغتسل من الجنابة، لأن الله جل وعلا يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (2) ، وهكذا المرأة، وهكذا من الحيض والنفاس إذا انتهى الدم، وانقطع الدم ولو لأقل من أربعين وجب على النفساء والاغتسال، وإذا انتهت أيام الحيض، ورأت الطهارة تغتسل وجوبا، لقوله جل وعلا.
{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (3) ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض والنفساء بالغسل، فإذا انتهت مدة حيضها وجب عليها الغسل، وإذا رأت الطهارة لأقل من ذلك وجب الغسل أيضا، والنفساء كذلك، إذا كملت الأربعين وجب الغسل، وإذا رأت الطهارة قبل ذلك وجب عليها الغسل.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (435) .
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة البقرة الآية 222(5/282)
188 - حكم الشروع في الوضوء قبل الاغتسال
س: إنني أتوضأ وضوءا كاملا قبل أن أغتسل، ثم بعد ذلك أفيض الماء على جسمي جميعا، وأخرج من الحمام وأذهب للصلاة، ولا أتوضأ مرة ثانية بعد الغسل، بل أكتفي بالوضوء السابق قبل الغسل، فهل عملي هذا صواب أم خطأ؟ لأنني سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل الغسل ويكتفي بذلك، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الذي فعلته هو السنة، وقد وفقت للسنة، هذه السنة: الوضوء ثم الغسل، وهكذا كان النبي يفعل صلى الله عليه وسلم: يتوضأ ثم يغتسل عليه الصلاة والسلام، فأنت بهذا وافقت السنة، والحمد لله، إلا إذا حدث منك شيء ينقض الوضوء في حال الغسل؛ يعني إذا استخرجت أو خرج منك ريح هذا يوجب عليك إعادة الوضوء، أما ما دمت لم تمس فرجك ولم يخرج منك شيء ينقض الوضوء فإن عملك طيب، وهو الموافق للسنة.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (250) .(5/283)
189 - حكم إجزاء الغسل عن الوضوء
س: هل يجزئ الاغتسال عن الوضوء؟ حيث إنه يقوم بإفراغ الماء على بدنه كله؟ (1)
ج: لا يجزئ الغسل، لا بد من الوضوء، يبدأ: يتمضمض، يستنشق، ويغسل وجهه ثم يديه، ثم يمسح راسه وأذنيه، ثم يغسل رجليه، أما كونه يصب الماء على بدنه فلا يكفي، إلا إذا كان عن جنابة ونواهما جميعا، إذا كان غسل جنابة ونوى الحدثين صار الأصغر تبعا للأكبر، مع أن الأولى والأفضل حتى في الجنابة أن يتوضأ ثم يغتسل، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتوضأ ثم يغتسل عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشروع ولو في الجنابة، لكن لو نواهما جميعا في الجنابة أجزأ عند جمع من أهل العلم، وصار الأصغر تبعا للأكبر، لكن بكل حال الأولى له والأفضل أن يتوضأ أولا، ثم يعمم بالغسل للجنابة، أما الغسل المستحب للجمعة أو لغسل التبرد فالغسل مستقل والوضوء مستقل.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (349) .(5/284)
س: إذا اغتسل الإنسان هل يلزمه الوضوء لأداء الصلاة؟ أم الاغتسال كاف؟ (1)
ج: السنة إن كان عليه جنابة، أو كانت حائضا تغتسل من حيضها أو
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (170) .(5/284)
نفاسها، الوضوء أولا، يبدأ بالوضوء، يستنجي الإنسان، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغتسل، ويكتفي بذلك عن الوضوء من بعد ذلك، فإن اغتسل بنية الأمرين؛ نية الطهارتين؛ الكبرى والصغرى دخلت الصغرى في الكبرى، أما الاغتسال بنية الجنابة فإنه يتوضأ بعد ذلك الوضوء الشرعي، كذلك إذا اغتسلت بنية الحيض والنفاس، فإنها تتوضأ بعد الوضوء الشرعي للصلاة أو مس المصحف أو نحو ذلك، والأفضل كما تقدم أن يبدأ بالوضوء الشرعي؛ بأن يستنجي من الجنابة، وأن تستنجي المرأة من الحيض والنفاس، ثم تتوضأ الوضوء الشرعي؛ بأن تتمضمض وتستنشق، وتغسل وجهها وذراعيها، وتمسح رأسها، وتغسل رجليها.
وهكذا الرجل في الجنابة، ثم يكون الغسل بعد ذلك، كما كان النبي يفعل - صلى الله عليه وسلم – إذا اغتسل من الجنابة، اللهم صل عليه وسلم.(5/285)
س: إذا اغتسل الإنسان من أي حدث أثناء دخول وقت الصلاة، هل يجزئ ذلك عن الوضوء للصلاة؟ أم إنكم توجهونه بشيء آخر (1) ؟
ج: السنة لمن أصابه حدث الجنابة أن يبدأ بالوضوء؛ يستنجي أولا، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يكمل غسله، يحثي على رأسه ثلاث مرات، ثم على جنبه الأيمن ثم على الأيسر، ثم يكمل غسله،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (177) .(5/285)
هذا هو السنة، لكن لو أنه غسل بنية الحدثين؛ الجنابة والحدث الأصغر كفاه ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » ويدخل الأصغر في الأكبر، لكن السنة والأفضل أن يبدأ بالوضوء بعد الاستنجاء، ثم يكمل غسله، بشرط نية الأمرين.
__________
(1) أخرجه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) .(5/286)
س: يقول سائل: في غسل الجنابة إذا استحم الشخص بالماء أولا ثم الصابون في نفس المكان، هل في ذلك شيء؟ وهل لا بد من الوضوء (1) ؟
ج: ليس في ذلك شيء إذا اغتسل من الجنابة بالصابون، أو بالسدر أو بالأشنان أو بغيره فلا بأس، لكن كونه يتوضأ وضوء الصلاة أولا، ثم يغتسل غسل الجنابة يكون أكمل، كفعل النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لو غسل هذه الجنابة فقط، ولم يتوضأ ولم ينو الوضوء فلا حرج، يغتسل من الجنابة، وإذا أراد الصلاة يتوضأ وضوء الصلاة، أما إذا جمع بينهما فهذا هو الأكمل، يتوضأ وضوء الصلاة ثم يغتسل في جميع بدنه بالصابون أو بغيره ولكن لا يمس العورة، فإن مسها يعيد الوضوء إذا مس عورته، يعني الفرج: الذكر، أو الدبر، إذا مسه يعيد الوضوء الشرعي، يغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (392) .(5/286)
هذا الوضوء الشرعي، أما إذا كان عم الماء على بدنه، ولكن ما مس فرجه حين الغسل فوضوؤه الأول صحيح.(5/287)
س: يقول هذا السائل: يا سماحة الشيخ، عندما أريد الغسل من جنابة، أو لصلاة جمعة، أو لصلاة عيدين أبدا دائما بالغسل من السرة إلى الركبة بالصابون، ثم بعد ذلك أنوي الغسل، وأشرع في الماء فقط، فهل عملي هذا صحيح (1) ؟
ج: يكفي، لا بأس به، لكن ما فيه حاجة للصابون، الماء يكفي، وإذا فعلت الصابون فلا بأس، لكن لا بد أن يغسل بالماء الصابون حتى يزول ويبلغ الماء البشرة، وتعم البدن بالماء عن الجنابة، وهكذا في غسل الجمعة، حتى تحصل لك السنة.
__________
(1) السؤال الخامس والخمسون من الشريط رقم (376) .(5/287)
س: إذا اغتسل الإنسان للجنابة فهل يكفيه ذلك عن الوضوء (1) ؟
ج: إذا جمعهما جميعا فلا بأس، إذا نوى الوضوء والغسل في غسل الجنابة أجزأه، لكن الأفضل أن يتوضأ، ثم يغتسل هذا الأفضل أن يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يغتسل، يعني يفيض الماء على رأسه، ثم على جسده، على رأسه ثلاثا، ثم على شقه الأيمن، ثم على شقه
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (376) .(5/287)
الأيسر، والمرأة كذلك: تستنجي، ثم تتوضأ وضوءها للصلاة، ثم تغتسل، سواء كان من الجنابة أو لغير ذلك، هذا هو الأفضل.(5/288)
س: الأخ: ع. ط. ج. يقول: ما حكم الوضوء أثناء الاستحمام، وتعميم كافة الجسد بالماء. وهل يختلف الحكم إذا كان في جنابة أو غير ذلك (1) ؟
ج: الجنب والحائض السنة أن يبدأ كل منهما بالوضوء؛ الوضوء الشرعي، ثم يفيض الماء على جسده، وهكذا في غسل الجمعة؛ يتوضأ قبل، وإن لم يتوضأ قبل توضأ بعد، أما إذا كان للتبرد يصب الماء على جسده، والحمد لله، لكن إذا كان لجمعة، أو عن الجنابة فيستحب له البدء في الوضوء، ثم يغتسل الغسل الشرعي.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (428) .(5/288)
190 - حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل
س: يقول السائل: هل المضمضة والاستنشاق واجبة أثناء الغسل من الجنابة (1) ؟
ج: نعم، المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل من الجنابة،
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (428) .(5/288)
والغسل من الحيض وفي الوضوء الشرعي، لا بد من المضمضة في الوضوء والغسل من الجنابة والغسل من الحيض والنفاس، لا بد من ذلك، لأنهما في حكم الوجه.(5/289)
191 - حكم نقض المرأة شعرها عند الغسل
س: السائلة: أ. أ. ع. جدة، تقول: في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: «يا رسول الله، أني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ - وفي رواية: والحيضة؟ - فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات (1) » رواه مسلم. هل هذا يعني أن أغسل فروة الرأس ثلاث حثيات دون غسل باقي الشعر من الخلف (2) ؟
ج: هذا معناه أنها لا تنقضه، ما يلزمها النقض، تحثي على رأسها ثلاث حثيات، وتسيل الماء على الجدايل، تعمها بالماء، ولا يلزمها النقض إذا عمته بثلاث حثيات، فإن الغالب أن هذا ما يصل إلى جوف الشعر، ثم تفيض الماء على بقية جسدها، فتطهر بإذن الله، الحمد لله، ولكن النقض في الحيض – كما جاء في رواية: أنه أمر بعض الحيض أن ينقضن شعرهن: – نقضة أولى في الحيض وأكمل، وإن لم تنقض فلا
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة، برقم (330) .
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (412) .(5/289)
بأس، كما في حديث أم سلمة، أما في الجنابة فلا حاجة إلى النقض، يفيض الماء على رأسه وعلى بدنه – والحمد لله – الرجل والمرأة.(5/290)
192 - حكم تخليل المرأة شعرها دون الغسل بالماء
س: هل يجوز تخليل المرأة شعر رأسها سبع مرات أثناء الغسل من الجنابة، دون أن تصب الماء على شعرها (1) ؟
ج: لا يكفي ذلك، لا بد من صب الماء على شعرها ثلاثا، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحثي عليه ثلاث حثيات، أما إذا كانت واقفة، لكنها عمت الرأس أجزأت بتعميمه، وأما مجرد التخليل من دون صب الماء فلا يكفي، لا بد من جريان الماء على الرأس، ومجرد تخليله بالأصابع التي فيها رطوبة من غير صب الماء لا يكفي، لا بد من صب الماء ولو مرة، لكن السنة ثلاث، لأن في حديث أم سلمة، قالت: يا رسول الله، إنني أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ - وفي رواية له: والحيضة؟ عند مسلم رحمه الله – قال: «يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين (2) » فبين لها صلى الله عليه وسلم أنه يكفيها أن تحثي عليه ثلاث حثيات، فلو أنها روته بالماء من دون ثلاث حثيات صبت عليه الماء لكفى، لكن الثلاث أفضل – كما قال النبي عليه الصلاة والسلام – وأكمل في الإبلاغ.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (118) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة، برقم (330) .(5/290)
193 - حكم الشروع في الوضوء قبل بداية الغسل
س: هل الوضوء في أول غسل الجنابة لازم وضروري، أم لا؟ ونرجو شرح الغسل بالتفصيل، وفقكم الله (1)
ج: السنة أن يبدأ بالاستنجاء، ذكره وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، هذه السنة كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام: كان يتوضأ وضوءه للصلاة بعد أن يستنجي، ثم يغتسل بعد ذلك؛ يدخل الماء في أصول شعر رأسه، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات، ثم يفيض الماء على باقي جسده؛ الشق الأيمن ثم الشق الأيسر، ثم يكمل غسله.
هذا هو السنة التي روتها عائشة وميمونة رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولو أنه اغتسل من دون وضوء؛ عم جسده بالماء بنية الجنابة كفى وطهر بذلك، عم بدنه من قدمه إلى رأسه بالماء بنية غسل الجنابة كفى، ولكن الأفضل أن يبدأ بالوضوء الشرعي، هذا هو الأفضل، ليس بواجب، بل أفضل، ولو توضأ بعد ذلك ولم يتوضأ قبل ذلك فلا بأس، لكن تركت الأفضل؛ ترك السنة، السنة: أن يبدأ بالاستنجاء وغسل الفرج وما حوله، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يأخذ الماء ويدخله في أصول الشعر، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات، ثم بعد هذا يغسل بقية جسمه؛ يغسل الشق الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل بقية الغسل. هذا هو الأفضل، وهذا هو الكمال، أما الإجزاء فيجزي،
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (41) .(5/291)
إذا عم بدنه بالماء – سواء بدأ برأسه أو برجليه أو بطنه وظهره، لا فرق متى عم بالماء جسده بالماء – أجزأه ذلك، لكن الأفضل أن يفعل كفعل النبي عليه السلام، وإذا نوى بالغسل الحدثين – نوى الطهارة الصغرى والكبرى – أجزأه ذلك على الصحيح، ولكن الأفضل أن يبدأ بالوضوء، ثم يكمل الغسل، هذا هو السنة.(5/292)
194 - وجوب الوضوء لمن اغتسل للتبرد
س: من المعروف أن الوضوء يشترط على أمور معينة، مثل: غسل الوجه، والمضمضة، والاستنشاق، وغير ذلك.
وسؤالي: هل يجوز لي – بعد الخروج من الحمام وبعد الاغتسال مباشرة – الصلاة دون أداء الشروط المذكورة؟ أجيبوني، جزاكم الله خيرا (1)
ج: الوضوء طهارة مستقلة، والغسل طهارة مستقلة عن الجنابة، وعن الحيض – في حق المرأة – والنفاس، فإذا اغتسل المؤمن عن الجنابة بنية الطهارتين؛ الكبرى والصغرى أجزأه ذلك، ودخلت الصغرى في الكبرى، وإذا اغتسل بنية الجنابة فقط فالأرجح أنه لا يدخل، فعليه أن يتوضأ، وإذا توضأ قبل غسله يكون أفضل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ قبل الغسل، كان إذا أتى أهله
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (178) .(5/292)
يستنجى ويتوضأ وضوء الصلاة ثم يغتسل، هذا هو السنة: يستنجي، يغسل ذكره وما حوله، ويتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغتسل، فإذا اغتسل من غير ترتيب ونوى الطهارتين؛ الصغرى والكبرى أجزأه ذلك على الصحيح.
أما إن كان الغسل مستحبا فلا يدخل فيه الوضوء، لا بد من الوضوء، أو كان للتبرد.(5/293)
س: هل يتوضأ من اغتسل أولا إذا أراد الدخول في الصلاة؟ أم يكفي الاغتسال عن الوضوء (1) ؟
ج: الوضوء مع الغسل أفضل، إذا توضأ – إذا كان عن غسل جنابة، أو غسل حيض على المرأة – توضأ وضوء الصلاة، تستنجي ويستنجي الرجل، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يفرغ الماء على رأسه ثلاث مرات، ويخلل رأسه بأصابعه، ثم يفيض الماء على جسده؛ على شقه الأيمن ثم الأيسر، هذه السنة من جنابة، وفي غسل الحيض، وفي غسل الجمعة: يبدأ بالوضوء، يعني بعدما يستنجي من بوله أو نحوه، يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يكمل غسله بادئا بالرأس؛ يفيض عليه بماء ثلاث مرات، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل، هذا هو المشروع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في غسل من الجنابة، لكن لو نوى الغسل
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (251) .(5/293)
والوضوء، نواهما جميعا؛ نوى الجنابة والحدث الأصغر جميعا، وأفاض الماء على جسده مرة واحدة، وعمم بالماء أجزأه ذلك، ولكن كونه يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيتوضأ، ثم يغتسل يكون هذا هو الأكمل والأفضل، ولا بد من الاستنجاء إذا كان أراد أن يغتسل غسلا واحدا بدون وضوء، لا بد من الاستنجاء، يستنجي عما خرج من بول أو غائط أو مني، ويعم بدنه بالماء، ويكفي بنية الجنابة والوضوء جميعا، ينويهما جميعا، أما إذا كان ما نوى إلا الجنابة فإنها ترتفع الجنابة، فيبقى عليه الوضوء، يتوضأ وضوءا خاصا عن الحدث الأصغر، والكمال: أن يتوضأ أولا بعد الاستنجاء ثم يغتسل هذا هو الكمال.(5/294)
195 - حكم الوضوء داخل الحمام أثناء الغسل
س: هل للإنسان أن يتوضأ داخل الحمام أثناء الاستحمام، قبل أن يرتدي ملابسه (1) ؟
ج: لا نعلم بأسا في ذلك إذا اغتسل من الجنابة أو يوم الجمعة، لكن السنة والأفضل أن يبتدئ بالوضوء لغسل الجنابة، يتوضأ ثم يغتسل للجنابة، ويكفيه الوضوء الأول، كان النبي يتوضأ أولا عليه الصلاة والسلام، يعني يستنجي، ويغسل ما أصاب فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغتسل، حتى إذا انتهى من الغسل انتهى من كل
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (160) .(5/294)
شيء، ليس عليه وضوء بعد ذلك، إلا إذا أحدث أو مس فرجه، أو خرج منه ريح فإنه يعيد الوضوء، أما إذا اغتسل ولم يمس فرجه، ولم يحدث فإن وضوءه الأول كاف، أما غسل الجمعة فإنه إن شاء توضأ قبله، وإن شاء توضأ بعده، لا يكفي الغسل وحده، فهو إما أن يتوضأ قبله، وإما أن يتوضأ بعده، وإذا توضأ بعده وقبله وهو عريان فلا حرج في ذلك، لأنه تجرد ليغتسل، فإذا توضأ قبل الغسل أو بعد الغسل، وهو لم يلبس الثياب في غسل الجنابة، أو في غسل الجمعة ونحوه فلا بأس إن شاء الله، ولا حرج.(5/295)
196 - حكم الاكتفاء بالغسل عن الوضوء
س: أقوم لصلاة الفجر وأغتسل من الجنابة إذا كانت، فهل يجزئ الغسل عن الوضوء والذهاب إلى الصلاة (1) ؟
ج: المشروع لك أن تتوضأ وضوء الصلاة ثم تغتسل؛ تستنجي، ثم تتوضأ وضوء الصلاة، ثم تغتسل، هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، لكن لو نويت بالغسل هذا وهذا؛ الحدثين الأصغر والأكبر وأنه يقوم مقام الوضوء أجزأ على الراجح، ولكن الأفضل لك أن تتوضأ أولا وضوء الصلاة، ثم تكمل الغسل، هذا هو الذي كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (219) .(5/295)
س: هل الاغتسال من الجنابة كاف لأداء الصلاة؟ أم لا بد من الوضوء بعد الغسل ولبس الثياب (1) ؟
ج: السنة أن يتوضأ أولا ثم يغتسل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان يتوضأ من الجنابة، ثم يفيض الماء على جسده؛ يتوضأ وضوءه الصحيح، يستنجي، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا، ثم على بدنه هذا هو السنة، وإن اغتسل ونوى في غسله الحدثين: حدث الجنابة والحدث الأصغر ولم يتوضأ، بل نوى في غسله الأمرين أجزأه ذلك، وصحت بذلك صلاته، لكن الأفضل له والسنة: أن يتوضأ أولا، أن يستنجي، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يكمل الغسل تبعا للنبي عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (256) .(5/296)
س: هل الاستحمام يكفي أو يمنع من الوضوء؟ أرشدونا في ذلك (1)
ج: السنة: أن يتوضأ أولا وضوء الصلاة كاملا – أو: إلا رجليه – ثم يغتسل للجنابة، ثم يغسل رجليه بعد ذلك إذا كان لم يغسلها، وإن كان قد غسلها يغسلها أيضا مرة أخرى عملا بالسنة، هذا إذا كان في الجنابة، وإن نوى الحدثين جميعا، واغتسل غسلا كاملا، ولم يخص
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (355) .(5/296)
الوضوء بأعماله أجزأ عند جمع من أهل العلم بنية الحدثين، ولكن الأولى والأفضل والسنة أن يتوضأ وضوء الصلاة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد الاستنجاء؛ يستنجي ذكره وما حوله، ويتوضأ وضوء الصلاة، ثم يكمل غسل الجنابة، هذا هو السنة، وهذا هو الأفضل، أما غسل التبرد أو غسل الجمعة فهذا لا يكفي عن الوضوء، بل لا بد من الوضوء ثم الغسل، أو الغسل أولا ثم الوضوء.(5/297)
س: هل الاستحمام يجزئ عن الوضوء للصلاة (1) ؟
ج: إذا كان الاستحمام عن جنابة وأراد إزالة الحدثين الأكبر والأصغر، أي: المغتسل أراد بغسله الغسل والوضوء جميعا الوجوب أجزأ.
أما الاستحمام من غير جنابة لا، لا بد من الوضوء قبلها أو بعدها، لا بد أن يتوضأ، نعم.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (355) .(5/297)
197 - حكم من اجتمع عليه غسل الجنابة وغسل الجمعة
س: يقول السائل من اليمن: إذا اجتمع على الإنسان مثلا: غسل الجمعة وغسل الجنابة، فهل يغتسل غسلا واحدا أو غسلين؟ وكيف ينوي النية في هذه الحالة (1) ؟
ج: يكفي غسل واحد بنية الجنابة؛ لأن المقصود النظافة والنشاط، وقد حصل بغسل الجنابة، فإن نواهما جميعا فهو طيب، إن نواهما: غسل الجنابة وغسل الجمعة كله طيب، وإن نوى غسل الجنابة فقط كفى.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (387) .(5/298)
198 - حكم صلاة من اكتفى بغسل الجمعة دون الوضوء
س: الأخ: م. م. س، يقول: رجل اغتسل غسل الجمعة وصلى مع الجماعة وهو لم يتوضأ وضوء الصلاة، ولم يذكر ذلك إلا وهو في الصلاة، فصلى معهم، فهل صلاته صحيحة؟ أم ماذا يجب عليه إذا كانت صلاته غير صحيحة بعد مضي وقت طويل (1) ؟
ج: عليه أن يعيد الصلاة ظهرا، يصلي ظهرا؛ لأن الغسل لا يكفي
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (206) .(5/298)
عن الوضوء، غسل الجمعة لا يكفي، بل لا بد من الوضوء الشرعي، لكن لو كان غسل الجنابة ونوى الحدثين أجزأ، وأما الغسل المستحب؛ غسل الجمعة، فهذا لا يكفي، بل عليه أن يعيد الصلاة ظهرا، لأن الجمعة لا تقضى إلا ظهرا، والغسل المستحب لا يجزئ عن الوضوء حتى ولو نوى إلا إذا رتب: غسل وجهه ثم يديه، ثم مسح رأسه وأذنيه، ثم غسل رجليه في أثناء الغسل فلا بأس، يكفي، يعني توضأ وهو يغتسل بالترتيب والنية.(5/299)
199 - الفرق بين الغسل المفروض والمسنون
س: هل الغسل المسنون كالغسل الواجب في أحكامه (1) ؟
ج: نعم، الغسل المسنون كالغسل الواجب، يعني في التعميم، يستحب تعميم البدن بالغسل كالغسل الواجب.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (332) .(5/299)
س: يسأل المستمع ويقول: هل الاغتسال غير الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء (1) ؟
ج: لا يجزئ عن الوضوء، لا بد من الوضوء المرتب، أما في
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (276) .(5/299)
الجنابة إذا اغتسل بجنابة ونواهما فإنه يجزئ عند جمع من أهل العلم، والأفضل أن يتوضأ حتى في الجنابة، يتوضأ ثم يكمل غسله، هذا هو الأفضل، كان النبي صلى الله عليه وسلم في غسله من الجنابة: يستنجي، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يفرغ الماء على رأسه ثلاثا، ثم على بدنه، هذا هو السنة، وهذا هو الأفضل.(5/300)
س: إذا اغتسل المسلم بنية النظافة فهل تكفي عن الوضوء (1) ؟
ج: لا بد من الوضوء، الوضوء الشرعي لا بد منه، أما إذا نوى النظافة مع الوضوء فلا بأس إذا نواهما جميعا: وضوء مع النظافة، لا بأس مثل لو اغتسل للجنابة والجمعة حصل المقصود.
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (232) .(5/300)
200 - حكم استقبال القبلة عند الاغتسال
س: يقول بعض الناس: إنه يجب عند الاغتسال أن يكون المرء مستقبل القبلة، فهل ما قيل صحيح (1) ؟
ج: ليس بصحيح، يغتسل سواء كان مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة، الأمر في هذا واسع، والحمد لله.
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (269) .(5/300)
201 - حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر للجنب قبل الاغتسال
س: هل يجوز للمرء أن يحلق شعره، أو يقص أظافره وهو جنب ولم يغتسل بعد (1) ؟
ج: لا حرج في ذلك أن يقلم أظافره، أو يقص شيئا من شعره إذا دعت الحاجة إلى قصه؛ كأن يحلق رأسه أو يقصر رأسه، لا بأس بذلك، أو شعرا آخر، لكن ليس له أخذ لحيته، إنما قص شاربه أو شيئا من بدنه أو إبطه أو عانته، ولو أنه كان على غير طهارة، ولو كان جنبا لا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (256) .(5/301)
س: إذ نام الإنسان وحلم في الليل وأصبح عليه جنابة، وأراد أن يحلق ذقنه، أو يقص أظافره قبل أن يغتسل هل هذا حرام خاصة إذا لم يجد ماء عند قيامه من النوم (1) ؟
ج: إذا احتلم الإنسان في الليل أو في النهار ورأى المني خرج منه فإنه يغتسل وجوبا، عليه الاغتسال من الجنابة كما لو جامع أهله، سواء كان نومه ليلا أو نهارا إذا رأى المني، أما إذا احتلم أنه يأتي المرأة
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (36) .(5/301)
ولكن ما رأى المني فليس عليه غسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك قال: «إذا رأت الماء (1) » سألته أم سليم عن ذلك، وقالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي: نعم، إذا هي رأت الماء (2) » ، يعني المني، فدل ذلك على أن من لم ير الماء من رجل أو امرأة فإنه لا غسل عليه، ولا بأس أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته قبل الغسل، لا حرج في ذلك سواء فعله قبل الغسل أو بعده، لا يضر تقليم أظفاره، حلق عانته – وهي الشعرة – قص شاربه، نتف إبطه، لا يضر ولو قبل الغسل، أما حلق اللحية فلا يجوز مطلقا، لا قبل الغسل ولا بعده، حلق اللحية حرام منكر، الواجب إعفاؤها وإكرامها وتوفيرها، وليس للمسلم أن يحلق لحيته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين (3) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس (4) »
والخلاصة أن اللحية يجب توفيرها وإعفاؤها وإرخاؤها، ولا يجوز أبدا حلقها ولا تقصيرها، وما يفعله بعض الناس اليوم منكر، لا ينبغي التأسي بهم في ذلك ولا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الحياء في العلم، برقم (130) ، ومسلم في كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، برقم (313) .
(2) صحيح البخاري الأدب (6091) ، صحيح مسلم الحيض (313) ، سنن الترمذي الطهارة (122) ، سنن النسائي الطهارة (197) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (600) ، مسند أحمد (6/306) ، موطأ مالك الطهارة (118) .
(3) أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة برقم (7132) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (260) .(5/302)
الاغترار بهم، بل هذا منكر لا يجوز فعله، نسأل الله للجميع العافية والهداية.(5/303)
202 - حكم إرضاع المرأة طفلها وعليها جنابة
س: إذا كانت المرأة عليها جنابة هل ترضع طفلها؟ أم لا يجوز إلا بعد الغسل (1) ؟
ج: لا حرج، ترضعه وهي على جنابة، لا بأس بذلك.
__________
(1) السؤال السابع والخمسون من الشريط رقم (429) .(5/303)
203 - حكم الاستحمام والوضوء بماء البحر
س: إذا كان بالقرب مني نهر أو بحر، وكنت أستحم فيه، وبعد ذلك حان وقت الصلاة وليس عندي ماء غيره أتوضأ منه، فهل يكفي استحمامي ذلك عن الوضوء وأصلي به، أم لا (1) ؟
ج: عليك أن تتوضأ مما حولك من النهر أو البحر، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته (2) » والحمد لله، إذا تحممت للتبرد، أو لإزالة الوسخ وما أشبه
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (53) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، برقم (69) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، برقم (83) ، والنسائي في كتاب المياه، الوضوء بماء البحر، برقم (332) .(5/303)
ذلك فلا يكفي، لا بد من الوضوء، أما إذا كان عن جنابة ونويت الحدثين: الأصغر والأكبر بالغسل كفى، لكن الأفضل أنك تتوضأ وضوءك للصلاة، ثم تغتسل غسل الجنابة، وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل، كان النبي عليه الصلاة والسلام يستنجي أولا، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغتسل، هذا هو السنة، ويكفي ذلك، لكن لو نواهما جميعا ولم يبدأ بالوضوء، بل نوى الغسل والوضوء جميعا بنية واحدة أجزأه عند جمع من أهل العلم، ولكن الأفضل أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يتوضأ أولا، يستنجي، ويتوضأ وضوء الصلاة، ثم يسبغ الماء على بدنه، يكمل غسله، هذا هو السنة عن الجنابة، وهكذا المرأة عن الحيض؛ إذا طهرت من حيضها تستنجي، وتتوضأ وضوء الصلاة، ثم تغتسل؛ تعم البدن بالماء، وهذا هو الأمر الشرعي، فيجزئها هذا عن وضوئها وعن غسلها جميعا، والماء سواء كان ماء البحر، أو ماء النهر، أو من ماء الآبار، الحمد لله، الأمر واسع، الله سبحانه قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (1) ، والماء يعم النهر والبحر والعيون والآبار، كله داخل في الماء.
__________
(1) سورة النساء الآية 43(5/304)
204 - حكم التطهر من ماء زمزم
س: ماء زمزم هل له تأثير على الرجل عندما يغتسل به أو لا (1) ؟
ج: ماء زمزم ماء مبارك، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها مباركة (2) » وقال فيها: «إنها طعام طعم وشفاء سقم (3) » فهو ماء مبارك، ومن أسباب الشفاء لكثير من الأمراض، ولا مانع من أن يغتسل به المؤمن، أو يتوضأ منه، لا حرج وقد توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا توضأ منه الإنسان أو اغتسل منه للتبرد أو للجنابة، أو لما جعل الله فيه من البركة فلا حرج في ذلك، وله أن يستنجي منه أيضا، وإن كان مباركا فلا مانع من الاستنجاء به؛ لأنه ماء طهور ماء طيب، فلا مانع من أن يستنجي منه، كالماء الذي ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فإن الماء نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة، وهو من المعجزات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقا، ومع ذلك أعطاه الصحابة وحملوا في أوعيتهم يغتسلون، ويستنجون، ويتوضؤون، وهو ماء عظيم مبارك، فهكذا ماء زمزم، ماء عظيم مبارك، ولا حرج في الوضوء منه والاغتسال منه، وإزالة النجاسة، ومن قال بكراهية ذلك من الفقهاء فقوله ضعيف مرجوح.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (60) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، برقم (2473) .
(3) أخرجه الطبراني في الصغير عن أبي ذر.(5/305)
205 - حكم الاغتسال بالماء الموجود في البيوت المتروكة
س: أقرأ القرآن الكريم، وعندي بيت أجلس فيه أصلي، وبعض الأحيان يصير عندي جنابة، هل يجوز أن أغتسل في هذا البيت؟ علما بأن البيت متروك، وفيه كتب دينية (1)
ج: لا حرج في ذلك، لا بأس بأن يغتسل في هذا البيت، إذا كان فيه ماء وتيسر له الغسل فيه، فلا بأس، والحمد لله، لأن جعله للمطالعين والمراجعين نوع من الإذن في استعماله للوضوء والغسل والشرب، لما ترك للمطالعين والمراجعين في هذه الكتب، فالمعنى أنهم يتوضؤون من هذا الماء، ويغتسلون منه، ولا حرج في ذلك.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (9) .(5/306)