ـ[فتاوى نور على الدرب]ـ
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
جمعها: الدكتور محمد بن سعد الشويعر
قدم لها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
عدد الأجزاء: 14
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي](/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فبحمد الله وتوفيقه تم الانتهاء من (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) لسماحة شيخنا الإمام العلامة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - غفر الله له ورحمه، وأسكنه الفردوس الأعلى من جنانه - وقد قام بجمعها وترتيبها معالي الشيخ الدكتور \ محمد بن سعد الشويعر - جزاه الله عنا وعن شيخنا وعن سائر المسلمين خير الجزاء وأوفاه - وها نحن الآن في بواكير (فتاوى نور على الدرب) لسماحة شيخنا العلامة الشيخ \ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - والتي قام بجمعها وترتيبها معالي الشيخ الدكتور\ محمد بن سعد الشويعر، وفقه الله.
وقد تميزت هذه الفتاوى بما تميز به شيخنا - غفر الله له - من التعظيم للكتاب والسنة، والصدور عنهما، وتقديم ما دل الدليل عليه من آراء الرجال، مع ما وهبه الله لسماحته - غفر الله له - من فقه واطلاع واسع، وذاكرة حاضرة بأنواع المحفوظات، ودقة في(1/3)
الاستنباط، وتأدب مع أهل العلم بل والعامة، ولغة فصيحة قريبة سهلة المأخذ، لا تنبو عن أفهام العوام، ولا تتصاغر أمام عقول فحول العلماء، هبة من الله وفضلا، {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} (1) .
عاش - غفر الله له - مجاهدا في العلم والتعلم والدعوة والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وبذل النصح للخاص والعام، مقربا محببا للولاة والرعية، بذل ماله ووقته وجاهه وجهده لله عز وجل، كان محبا للضعفاء والمساكين في سائر بقاع الأرض، ساعيا جهده لنفعهم ورفع الضرر عنهم، ضرب في كل ميدان من ميادين الخير بسهم، عظم السنة في قلبه فعظم الله شأنه في قلوب خلقه، مهيبا معظما على لطفه ولينه وسماحته، فسبحان من جمع له الخير من أطرافه، وبارك له في عمره وعمله، وقد لقي عاجل بشرى المؤمن ثناء حسنا من الناس حيث سار، بل في السر والجهار، فالحمد لله على فضله وإحسانه؛ وإن من إحسان الله إليه أن هيأ لعلمه من يقوم عليه؛ جمعا ودراسة وترتيبا ونشرا، فضلا من الله ومنة؛ جزاء ما بذل، وهذا من أمارات الخير له غفر الله له ورحمه.
هذا وإني قد سمعت جميع ما ورد في هذه الفتاوى من قراءة معالي الشيخ الدكتور\ محمد بن سعد الشويعر - وفقه الله - في مجالس منتظمة لسنوات عدة، وذلك من خلال ما فرغ من أشرطة فتاوى نور على
__________
(1) سورة البقرة الآية 105(1/4)
الدرب، التي بلغت (435) شريطا، فشكر الله سعيه ووصله بإحسانه ووفقه لما يحبه ويرضاه سبحانه.
كما أسأله سبحانه أن ينفع بهذا الجهد، وأن يجعله خالصا لوجهه مقربا لمرضاته، نافعا لعباده المؤمنين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ(1/5)
كتاب العقيدة(1/7)
باب ما جاء في التوحيد
1 - تعريف الإسلام
س: أرجو توضيح معنى الإسلام؟ (1)
ج: الإسلام معناه الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، إذلالا وخضوعا، هذا معنى الإسلام، يقال: أسلم فلان لفلان: ذل له وانقاد له، وأعطاه مطلوبه. فالإسلام معناه ذل لله، وانقياد لله؛ بتوحيده والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2) . وسمي المسلم مسلما: لأنه منقاد لله ذليل مطيع له سبحانه في فعل ما أمر، وترك ما نهى، ويطلق الإسلام على جميع ما أمر الله به ورسوله: من صلاة وصوم وحج وإيمان، وغير ذلك، كله يسمى إسلاما، كما قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3) ، وقال
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (373) .
(2) سورة آل عمران الآية 19
(3) سورة المائدة الآية 3(1/9)
سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) . فالمسلم هو المنقاد لأمر الله؛ قولا وعملا وعقيدة، والإسلام هو الانقياد لأمر الله، والتسليم لأمر الله، والذل لأمر الله من جميع الوجوه.
***
__________
(1) سورة آل عمران الآية 85(1/10)
2 - معنى شهادة أن لا إله إلا الله
س: نطلب من سماحتكم أن تشرحوا لنا معنى الركن الأول من أركان الإسلام، وما يقتضيه ذلك المعنى، وكيف يتحقق في الإنسان؟ وما حكم من جهل شيئا منه؟ (1) :
ج: إن الله بعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس عامة عربهم وعجمهم، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وإلى الإيمان بجميع المرسلين وبجميع الملائكة، والكتب المنزلة من السماء وباليوم الآخر، وهو البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره، وإن الله قدر الأشياء، وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، فكل شيء يقع فهو بقضاء الله وقدره
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (74) .(1/10)
سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله، هذا هو أول شيء دعا إليه، وهو الركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلما قال للناس قولوا: لا إله إلا الله، وأمر أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1) ،: وقال سبحانه عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (2) {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (3) ، فاستنكروا هذه الدعوة؛ لأنهم عاشوا على عبادة الأوثان والأصنام واتخاذ الآلهة مع الله عز وجل، ولهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له، وهذا الذي دعا إليه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي دعت إليه الرسل جميعا كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) ، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (5) .
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
__________
(1) سورة ص الآية 5
(2) سورة الصافات الآية 35
(3) سورة الصافات الآية 36
(4) سورة النحل الآية 36
(5) سورة الأنبياء الآية 25(1/11)
«بني الإسلام على خمس يعني: على خمس دعائم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (1) » ، وفي الصحيح أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال: " الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ": قال: صدقت. قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه ثم قال ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. (2) » الحديث. ثم أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو جبرائيل أتاهم يعلمهم دينهم، لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأله عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا، فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة:
أولها: شهادة أن لا إله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب بني الإسلام على خمس، برقم 8، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان وأركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم 16.(1/12)
إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام.
وعلى أركان باطنة إيمانية في القلب وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
فلا بد من هذه الأصول، ولا بد أن يؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنية التي تتعلق بالقلب، فيؤمن أن الله ربه وإلهه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغير ذلك، ويؤمن أيضا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ويؤمن أيضا باليوم الآخر والبعث بعد الموت والجزاء من عند الله عز وجل وأن أهل الإيمان لهم السعادة، وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار، ولا بد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل ما يقع في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق بهذا علم الله وكتابته وقدره سبحانه وتعالى.
فالأصل العظيم الأول الذي طالبت به الرسل هو الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، هذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم دعوا إلى(1/13)
هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق وأنه لا معبود بحق سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود حق إلا الله، وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، العبادة بالحق لله وحده سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1) ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) .
ولا بد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام من عهد نوح الإيمان بنوح، وفي عهد هود الإيمان بهود، مع توحيد الله، وفي عهد صالح الإيمان بصالح، مع توحيد الله وهكذا في عهد كل رسول لا بد من توحيد الله، والإيمان بأنه لا إله إلا الله ولا بد من الإيمان بالرسول الذي بلغ الرسالة في عهده إلى آخرهم عيسى عليه الصلاة والسلام، آخر الأنبياء بني إسرائيل، ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل، ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء جميعا، ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الرسل، وهو إمامهم، وهو خاتمهم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 163
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5(1/14)
فلا بد في حق الأمة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - جنها وإنسها، عربها وعجمها، ذكورها وإناثها، أغنيائها وفقرائها، حكامها ومحكوميها، لا بد أن يؤمنوا بهذا النبي، فمن لم يؤمن به فلا إسلام له، ولا دين له، فلا بد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا إله بحق إلا الله، ولا بد من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله حقا، إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم، إذ لا بد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما، وأن معنى لا إله إلا الله؛ معناها لا معبود حق إلا الله فلا يجوز أن يدعى مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم، فإذا قال: يا رسول الله انصرني. بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: يا سيدي البدوي انصرني. أو: اشف مريضي. أو: يا سيدي الحسين. أو: يا سيدي عبد القادر. أو: المدد المدد. صار هذا شركا بالله عز وجل، يبطل معنى لا إله إلا الله؛ لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده، بل أشركت مع الله غيره، ودعوت مع الله غيره، والله يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ويقول جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ويقول:
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الإسراء الآية 23(1/15)
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة (2) » . ويقول جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) . فلا بد من إخلاص العبادة لله وحده، ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم: أغنني، انصرني، اشف مريضي، المدد المدد. صار شركا بالله، وصار نقضا لقول: لا إله إلا الله. وهكذا من كذب الرسول محمدا - صلى الله عليه وسلم -، وشك في رسالته، أو قال: إنه للعرب دون العجم - أو قال: إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي. كل هذا كفر وضلال، ونقض للإسلام، نسأل الله العافية. فلا بد من الإيمان بأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولا بد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس بعده نبي، وأن من ادعى النبوة بعده كافر بالله كذاب؛ كمسيلمة، والأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية، وطليحة الأسدي، وجميع من ادعوا من بعده، فأجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم؛ لأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (4) . وقد تواترت الأحاديث عن
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) أخرجه الإمام أحمد في أول مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 17888
(3) سورة غافر الآية 60
(4) سورة الأحزاب الآية 40(1/16)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي (1) » .
فهذه الشهادة التي هي شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين، لو صلى وصام وحج، وصام النهار وقام الليل، وذكر الله كثيرا، ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، لا يؤمن بأن: لا إله إلا الله، بل يرى أنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، لا يرى مانعا من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب، أو غيرهم، إذا اعتقد أنه يجوز هذا؛ يدعوهم من دون الله، يستغيث بهم، ينذر لهم، صار مشركا بالله عز وجل، وصار كلامه هذا وعقيدته ناقضة لقول: لا إله إلا الله. وهكذا لو قال: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - ليس بخاتم الأنبياء. أو: ليس مرسلا للثقلين بل هو للعرب خاصة. كان كافرا بالله عز وجل، فلا بد أن يؤمن بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولا بد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي ولا رسول. هذا هو الأصل الأصيل.
ثم بعد هذا يطالب المسلم بعد هذا بالصلاة، يطالب بالزكاة بالصيام بالحج، ببقية الأوامر، وترك النواهي بعد ما يثبت هذا الأصل، بعد إيمانه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار، ومن حديث ثوبان رضي الله عنه، برقم 27703.(1/17)
يعني: إيمانه بأن الله سبحانه هو المعبود الحق، وأن العبادة حقه وحده، وأنه لا يعبد معه سواه؛ لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا صنم، ولا غير ذلك. ولا بد من الإيمان بأن محمدا رسول الله، مع التصديق بجميع الأنبياء الماضين، وأنهم أدوا الرسالة، وبلغوها عليهم الصلاة والسلام، مع الإيمان بجميع ما تقدم؛ بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. لا بد من هذا وهذا، ولا بد مع هذا كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله عما كان وما يكون، فالله صادق في خبره، ورسوله صادق عليه الصلاة والسلام. فمن كذب الله أو كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر، ولو صلى وصام، نسأل الله للجميع الهداية.
***(1/18)
3 - بيان مراتب دين الإسلام
س: يسأل المستمع من الرياض ويقول: ما هي مراتب الدين، مع ذكر أركان كل مرتبة؛ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: مراتبه ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان. كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
المرتبة الأولى: الإسلام؛ المرتبة العامة، وأركانها خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. وكل عمل مما شرعه الله داخل في الإسلام.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (433) .(1/18)
والمرتبة الثانية: الإيمان: وأركانها ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
المرتبة الثالثة: الإحسان؛ وهو ركن واحد، ومعناه: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وجميع الأعمال الصالحة داخلة في الإسلام والإيمان، فإذا جمع المؤمن بين الأعمال كلها الظاهرة والباطنة صار مسلما مؤمنا، وإذا عبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، صار مسلما مؤمنا محسنا نسأل الله للجميع التوفيق.
***(1/19)
4 - العقيدة الصحيحة هي أصل الدين وأساس الملة
س: الأخ\ س. ع. م. ل. من الحبشة، مقيم في مدينة جدة، يسأل ويقول: لقد تعلمت في بلدي الحبشة بعض العلوم الدينية، ولكني لا أعلم صحتها خاصة فيما يتعلق بالعقيدة، إذ تتخللها بعض التوهيمات الصوفية، أدركت هذا بعد قدومي إلى هذا البلد. أرجو توجيهي جزاكم الله خيرا (1) .
ج: العقيدة أهم الأمور، وهي أصل الدين وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أممهم، وبدأ بها نبينا - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (165) .(1/19)
أمته، فمكث في مكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة، وكانت العرب تعرف أن الله رب العالمين، وأنه خالقهم ولكنهم يتخذون معه الأنداد والآلهة؛ من الشجر والحجر والأصنام وبني آدم والجن، وغير ذلك. فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن العبادة حق الله وحده، وأن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده، وقال: «يا قومي قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1) » . فلما قال لهم هذا استنكروا ذلك، وأنزل الله في حقهم قوله تعالى عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2) .
فالعقيدة هي أهم الأمور، وهي أساس الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بها حتى يتقنها على بصيرة، وحتى يعلمها على بينة.
والخلاصة في ذلك أن الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي بعث الله به الرسل وبعث به خاتمهم نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام؛ هو الإيمان بالله وحده، وإخلاص العبادة له جل وعلا، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، ولا يدعى إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يتقرب بالذبائح والنذور إلا له سبحانه وتعالى. إلى غير هذا من العبادات كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة ص الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5(1/20)
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) .
وهذه العبادة خلق الله من أجلها الثقلين، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) . المعنى ليخصوني بالعبادة وبالدعاء، وبالخوف والرجاء والتوكل، والصلاة والصوم، والذبح والنذر، ونحو ذلك.
وبعث الله الرسل بذلك سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (5) . والطاغوت: كل ما عبد من دون الله، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (6) .
فالتقرب إلى أصحاب القبور؛ بالذبائح أو بالنذور أو بالدعاء، أو طلب الشفاء أو المدد، هذا من الشرك بالله عز وجل، ويناقض قول: لا إله إلا الله. فالواجب على المسلمين أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم، ورجائهم وذبحهم ونذرهم، وصلاتهم وصومهم، ونحو ذلك، أما الأموات المسلمون فيدعى لهم بالمغفرة
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الذاريات الآية 56
(5) سورة النحل الآية 36
(6) سورة الأنبياء الآية 25(1/21)
والرحمة، تزار قبورهم للذكرى؛ لذكر الآخرة، وذكر الموت، وللدعاء لهم: اللهم اغفر لهم واللهم ارحمهم. فقد كان النبي يزور القبور عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (1) » . وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) » .
فعلم أصحابه أن يدعوا للأموات، ويستغفروا لهم، ويترحموا عليهم، لا أن يدعوهم مع الله، ولا أن يستغاث بهم، ولا أن يطلب منهم المدد، فإنهم عاجزون عن ذلك، هذا بيد الله سبحانه وتعالى؛ هم في حاجة إلى الدعاء لهم، في حاجة إلى أن يدعو لهم أخوهم المسلم، وأن يستغفر لهم. كان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام، ويقول: «السلام عليكم أهل الديار من القوم المؤمنين، غدا مؤجلون وأتاكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال في دخول القبور، برقم 974.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.(1/22)
وهذا هو المشروع في زيارة الموتى؛ الدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم. أما أن يطلب منهم المدد، ويقول: المدد المدد يا فلان. فإن هذا من الشرك الأكبر، أو: يا سيدي، اشف مريضي، يا سيدي البدوي يا سيدي الحسين. أو: يا فلان، أو يا فلانة. أو: اشف لنا مرضانا. أو: المدد المدد. أو: انصرنا. أو ما أشبهه، فهذا لا يجوز، بل هذا من أنواع الشرك الأكبر، وهكذا إذا فعلها مع الأصنام أو مع الأشجار أو مع الجن، كله شرك بالله سبحانه وتعالى، أما الحي فلا بأس أن يطلب منه ما يقدر عليه من الأمور العادية، الحي الحاضر، القادر، تقول: يا أخي، ساعدني على كذا، أقرضني كذا، امنعني من خادمك؛ لأنه آذاني، أو ولدك، أو زوجتك، انههم عني، لا تؤذني بكذا. حتى يمنعه من الأذى، الشيء المعتاد لا بأس به بين الناس، وليس من الشرك، إنما الشرك طلب الأموات، والاستغاثة بالأموات أو بالغائبين، يعتقد أن فيهم سرا وأنهم يسمعونه من بعيد، يدعوهم يطلبهم المدد، هذا هو الشرك الأكبر، أما حي حاضر قادر تخاطبه في أمور يقدر عليها، أو تكتب إليه، أو بالهاتف بالتليفون، تقول: أقرضني كذا. أو ساعدني في مزرعتي في كذا. أو: بعني كذا. أو: ماذا ترى في كذا. تشاوره في كذا، هذه أمور عادية بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأحياء سواء كان من طريق المشافهة، أو من طريق المكاتبة، أو من طريق الهاتف - التليفون - أو البرقية، أو ما أشبه ذلك. هذه أمور عادية ليس فيها بأس، إنما المنكر والشرك أن تدعو الأموات، أو الأصنام أو(1/23)
الأحجار أو الأشجار، تدعوهم تسألهم الشفاعة، تسألهم الغوث، المدد، أو الغائبون عنك الذين لا يسمعونك، تعتقد فيهم أنهم يسمعونك، وأن لهم سرا، أو تدعو الجن، أو ما أشبه ذلك، هذا هو المنكر، هذا هو الشرك الذي أنكرته الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنكره نبينا عليه الصلاة والسلام، وبعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يبصر المسلمين بما فيه رضاه، وأن يهدي جميع المسلمين للفقه في الدين.
***(1/24)
5 - حكم إطلاق كلمة العقيدة
س: السائل يقول: بأن اسم العقيدة ليس صحيحا وليس له أصل وإنما الصحيح أن يقول الإنسان: اسم الإيمان بدل العقيدة فهل هذا صحيح؛ (1) .
ج: ليس بصحيح، بل درج العلماء على أنهم يسمون ما يتعلق بالقلوب: عقيدة. وما يتعلق بالتوحيد والصفات: عقيدة؛ يعتقدها في قلبه: يعني: يعقد عليها قلبه، يعتقد عليها قلبه. فلا بأس بالتسمية، ولا حرج فيها؛ أن يقال: عقيدة فلان عقيدة أهل السنة والجماعة. وهو ما يعتقدونه ويؤمنون به، وهو يسمى عقيدة؛ لأنهم يعتقدونه ويجزمون
__________
(1) السؤال الثالث عشر، من الشريط رقم (374) .(1/24)
به، ويقولون به فلهذا سمي عقيدة من عقد القلب عليه وإيمانه به.(1/25)
6 - بيان كيفية تصحيح المرء عقيدته
س: يقول السائل: كيف يصحح المسلم العقيدة الإسلامية، وكيف يحافظ عليها؟ (1) .
ج: يتفقه في الدين، ويتبصر ويتعلم؛ حتى يعلم العقيدة، ويحافظ عليها، يسأل أهل العلم، وإن كان طالب علم يتأمل القرآن والسنة، حتى يعرف العقيدة الصحيحة التي دل عليها القرآن ويتمسك بها، ويستقيم عليها، وإذا كان عنده إشكال يسأل أهل العلم الذين يثق فيهم ويطمئن إليهم عما أشكل عليه؛ حتى يكون على بصيرة.
***
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (432) .(1/25)
7 - أصح كتب العقيدة
س: أرشدني - وفقكم الله - عن أصح كتاب في العقيدة الإسلامية الصحيحة؟ (1) .
ج: أصح كتاب وأشرف كتاب وأعظم كتاب في العقيدة وفي غيرها هو كتاب الله القرآن، هذا أعظم كتاب وأشرف كتاب، وأصدق
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (125) .(1/25)
كتاب؛ وهو كتاب الله؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فالوصية لك أيها السائل، ولكل مسلم ولكل مسلمة التمسك بكتاب الله، والعناية بكتاب الله، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، والحرص على حفظ ما تيسر منه، فهو الكتاب العظيم المنزل الذي نزله الله على عباده؛ ليحفظوه ويستقيموا عليه ويعملوا به، وفيه الحق الواضح والهدى المستبين؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) ، وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (2) {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (3) وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (4) .
فالوصية: العناية بهذا الكتاب العظيم، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، والمذاكرة فيه مع زملائك ومع إخوانك، ومراجعة كتب التفسير المأمونة؛ مثل: كتاب أضواء البيان، وتفسير البغوي، وتفسير ابن كثير رحمة الله عليهم، وأشباههم من أئمة الهدى؛ لأنهم أوضحوا معاني الآيات، وأوردوا ما جاء فيها من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. فعليك يا أخي أن تقبل على كتاب الله، وأن تعتني بكتاب الله، ثم سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففيها الهدى والنور أيضا: صحيح البخاري، صحيح مسلم، وبقية الكتب الستة، وهكذا كتب أخرى،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة فصلت الآية 41
(3) سورة فصلت الآية 42
(4) سورة النحل الآية 89(1/26)
التي فيها بيان للحق: كموطأ مالك رحمه الله، وسنن الدارمي رحمه الله، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، والحاكم، وغيرها من الكتب التي فيها الخير الكثير. وإذا كنت من أهل العلم بالحديث، أمكنك أن تميز بين الصحيح والسقيم من الأحاديث التي في الكتب المذكورة، ما عدا الصحيحين فإنهما قد تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على ذلك، فعليك أن تسير على نهج الأخيار من أئمة الحديث وأئمة السنة، فالصحيحان كل أحاديثهما معتمدة، وهي محل اعتماد أهل السنة والجماعة، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، فعض عليهما بالنواجذ، وتمسك بهما مع كتاب الله سبحانه، وهكذا بقية الكتب الستة، وما ذكرنا من الكتب، عليك بها والاستقامة على ما فيها، وما وجد فيها من ضعيف فقد بينه أهل العلم، وأوضحوا أسباب ضعفه.
أما الكتب المؤلفة في العقائد فهي كثيرة؛ من أحسنها كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، للرد على المعتزلة وأهل البدع، وكتاب زاد المعاد لابن القيم، فيه خير كثير من جهة العقيدة والأحكام، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، للرد على أهل البدع، الصواعق المرسلة لابن القيم، للرد على أهل البدع، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ كتاب مختصر عظيم مفيد على طريقة أهل السنة والجماعة، أوصي بحفظه، وأن يحفظه طالب العلم؛ لما فيه من الخير العظيم، ولما فيه من بيان عظيم عن مذهب أهل السنة والجماعة، وله أيضا كتاب الرسالة الحموية؛ أجاب فيه على أهل حماة(1/27)
في أسئلتهم فيما يتعلق بالصفات والأسماء والعقيدة، وهو أيضا جواب عظيم ومفيد، وهكذا له رسالة أخرى سماها: التدمرية؛ عندما جاء أهل تدمر، وهي رسالة عظيمة أيضا في بيان العقيدة الصحيحة، وهكذا عقيدة الطحاوي رحمه الله، ولها شرح عظيم للإمام العز، شرح جيد، وهي جيدة في نفسها، مفيدة سوى كلمات يسيرة نبه عليها الشارح، وهي عقيدة مهمة ولها شرح عظيم مفيد، وهكذا كتاب التوحيد، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، كتاب طيب مهم، والثلاثة الأصول له رحمه الله؛ إجابة مختصرة، وهكذا كشف الشبهات له أيضا، رسالة مختصرة مفيدة في العقيدة، وهكذا فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو كتاب مفيد وعظيم، وهكذا شرح هذا الكتاب ومؤلفه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فسماه: تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد، وهو كتاب مفيد عظيم.
فهذه الكتب وأشباهها من الكتب الطيبة المؤلفة في العقيدة، وهي مفيدة وننصح بمراجعتها، والاستفادة منها، لكن أعود وأبين أن أعظم كتاب، وأشرف كتاب، وأصدق كتاب؛ هو كتاب الله سبحانه وتعالى؛ فيه الكفاية العظيمة لمن استشفى به ولمن استند عليه. كان السلف الصالح ليس عندهم هذه الكتب الجديدة، وإنما عندهم كتاب الله، وعندهم سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكفتهم والحمد لله؛ عند الصحابة والتابعين القرآن العظيم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففيهما الكفاية والهدى، ولكن لا مانع من الاستعانة بكتب أهل العلم، المعروفين بالخير مثل ما تقدم،(1/28)
لا مانع من الاستعانة بكتبهم والاستفادة منها، ودعوة الناس إلى الاستفادة منها؛ لأن بعض الناس قد لا يثق بفهمه، من الكتاب والسنة ولا يطمئن إلى فهمه. فإذا استعان بكتب أهل العلم المعروفين؛ ووافق ما عندهم ما فهمه من الكتاب والسنة؛ ازداد نورا، وازداد بصيرة؛ واطمأن قلبه؛ والله ولي التوفيق.
***(1/29)
8 - أفضل الكتب في بيان العقيدة
س: ما هي أفضل الكتب في العقيدة (1) .
ج: أفضل الكتب وأصحها: القرآن العظيم، فقد بين العقيدة الصحيحة، فالقرآن هو كتاب الله، وأصدق كتاب، وأفضل كتاب، وأعظم كتاب في بيان العقيدة الصحيحة؛ بيان أسماء الله وصفاته، وتوحيده وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، هو أعظم كتاب، ثم يليه بعد ذلك من السنة: البخاري ومسلم الصحيحان، هما أعظم الكتب المفيدة من كتب الحديث بعد القرآن؛ لأن فيهما أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، الصحيحان: صحيح البخاري وصحيح مسلم، هما أصح الكتب وأنفعها بعد كتاب الله عز وجل، ثم بقية الكتب المعروفة في الحديث: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني، ومسند الإمام أحمد، وسنن الدارمي، كتب جيدة ومفيدة،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (299) .(1/29)
وإن كان فيها بعض أحاديث ضعيفة لكنها كتب مفيدة عظيمة، وكتب العقيدة كثيرة لكن منها ما ألفه السلف الصالح؛ مثل: عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية، مثل كتاب عبد الله بن أحمد في اعتقاد أهل السنة والرد على البدع، ومثل كتاب التوحيد لابن خزيمة في التوحيد والرد على أهل البدع، وأشباهها من الكتب المفيدة؛ مثل الطحاوية وشرحها، ومثل لمعة الاعتقاد للموفق، والعقيدة الواسطية، والتدمرية والحموية؛ كتب ابن تيمية كلها في العقيدة، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو كتاب عظيم مفيد، وكشف الشبهات في العقيدة كذلك للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وثلاثة الأصول: كتاب مختصر في العقيدة للشيخ محمد رحمه الله.
***
س: هذا يسأل سماحتكم عن مجموعة من الكتب خاصة الكتب التي تبحث في العقيدة؟ (1) .
ج: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن، تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله، التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضا، العقيدة الواسطية له أيضا، زاد المعاد لابن القيم رحمه الله، إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله، الصواعق المرسلة لابن القيم رحمه الله، اجتماع الجيوش الإسلامية
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (301) .(1/30)
لابن القيم رحمه الله، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثلاثة الأصول، كشف الشبهات له أيضا رحمه الله، كل هذه كتب عظيمة ومفيدة، الطحاوية وشرحها لابن أبي العز الحنفي، كلها طيبة في العقيدة، وأعظم ذلك وأكبره القرآن العظيم هو أعظم وأكبر، وهو أفضل كتاب وأعظم كتاب، كتاب الله القرآن، هو كتاب عقيدة، وكتاب فقه، وكتاب أحكام. فنوصي كل مسلم ومسلمة بالعناية بالقرآن، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، ففيه العلم العظيم بالعقيدة، والأحكام الشرعية، وهكذا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب الحديث الشريف؛ كالصحيحين البخاري ومسلم، ومثل رياض الصالحين، ومنتقى الأخبار لابن تيمية، بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، كتب جيدة عظيمة في الحديث، وعمدة الحديث للشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، كتاب عظيم.
***
س: السائل من سوريا يقول: أنا أريد أن أتفقه في أمور ديني، وخصوصا في العقيدة، فما الكتب التي توصونني وزملائي بقراءتها في كتب العقيدة مأجورين؟ (1) .
ج: أوصيك وكل مسلم بالقرآن؛ هو كتاب العقيدة الأصل العظيم؛ والإكثار من تلاوته؛ وتدبر معانيه وحفظه إذا تيسر؛ وهو أعظم
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (411) .(1/31)
كتاب وهو أصدق كتاب، وهو فيه بيان العقيدة التي أمر الله بها عباده؛ من التوحيد والأسماء والصفات، وغير ذلك، فعليكم بالإكثار من تلاوة القرآن، والإكثار من تدبره، والسؤال عما أشكل عليك، فهو كتاب الله فيه الهدى والنور، وهكذا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا تيسر؛ مثل كتاب الأربعين النووية مع تكملتها لابن رجب خمسين حديثا، إذا تيسر لك حفظها فهي أحاديث جيدة، كذلك عمدة الحديث للشيخ عبد الغني، فيها أحاديث صحيحة تحفظونها، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب طيب عقيدة طيبة ملخصة من الكتاب والسنة، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ثلاثة الأصول للشيخ محمد، والقواعد الأربعة كلها هذه كتب طيبة، كشف الشبهات للشيخ محمد أيضا كتاب طيب.
***
س: السائل ص. س. من اليمن، يقول كثيرا يا سماحة الشيخ ما نسمع عن العقيدة الواسطية، فلا ندري ما معنى الواسطية، فهل يعني بذلك العقيدة الصحيحة أم ماذا يعني؟ وجهونا في ضوء سؤالنا فنحن مجموعة من طلاب العلم. (1) .
ج: العقيدة الواسطية كتاب ألفه أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، الملقب بشيخ الإسلام ابن تيمية،
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (401) .(1/32)
والملقب بتقي الدين، المولود سنة (661 هـ) إحدى وستين وستمائة، والمتوفى سنة (728 هـ) ثمان وعشرين وسبعمائة، وهو من الأئمة المجتهدين، ومن أهل السنة والجماعة، ومن أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله، وله المؤلفات الكثيرة، منها منهاج السنة في الرد على المعتزلة والرافضة، ومنها كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ومنها كتاب العقيدة الواسطية، سميت الواسطية؛ لأنه كتبها إلى جماعة سألوه من أهل واسط في العراق: فقيل لها: الواسطية، وله رسالة أخرى في العقيدة، يقال لها: الحموية، كتبها إلى أهل حماة بالشام، وله رسالة أخرى ثالثة في الصفات تسمى: التدمرية، كتبها إلى أهل تدمر في بلاد الشام، هذه أسباب التسمية، وهي كتب ثلاثة عظيمة في عقيدة أهل السنة والجماعة، مفيدة، نوصي بقراءتها والاستفادة منها.(1/33)
9 - شروط ومعنى لا إله إلا الله
س: ما هو مدلول لا إله إلا الله؟ وما هي شروطها، وما هو معناها؟ (1) .
ج: لا إله إلا الله، هي أفضل الكلام بعد القرآن، هي أحب الكلام
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (309) .(1/33)
إلى الله، وأفضل الكلام، وهي كلمة الإخلاص، وهي أول شيء دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن قال لقومه: «قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1) » ، هي كلمة الإخلاص كلمة التوحيد. ومعناها لا معبود حق إلا الله، هذا معناها، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) وهي نفي وإثبات، (لا إله) نفي، و: (إلا الله) إثبات، (لا إله) تنفي جميع المعبودات، وجميع الآلهة بغير حق، و (إلا الله) تثبت العبادة بالحق لله وحده سبحانه وتعالى، هي أصل الدين وأساس الملة، والواجب على جميع المكلفين من جن وإنس، أن يأتوا بها رجالا ونساء، مع إيمانهم بمعناها واعتقاد له، وإخلاص العبادة لله وحده، وشروطها ثمانية جمعها بعضهم في بيتين فقال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
فإن تعلموا هذه الأمور فالحمد لله، وإلا يكفي معناها، وإن لم يتعلم المرء هذه الشروط، إذا أتى بمعناها وعبد الله بالحق، أخلص له العبادة، وترك عبادة ما سواه، واستقام على دين الله كفى، وإن لم يعرف الشروط، والشروط معناها واضح، (علم) يعني: أن تعرف معناها، وأن معناها لا معبود بحق إلا الله. (يقين) وأن تكون موقنا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة الحج الآية 62(1/34)
بذلك، وليس عن شك، عن يقين أنه لا معبود حق إلا الله، (وإخلاص) لا بد من الإخلاص في العبادة لله وحده، صلاتك، صومك، صدقاتك، كلها لله وحده، مع المحبة، تحب الله محبة صادقة، تحب رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بد من محبة الله جل وعلا، وهكذا الصدق لا بد أن تكون صادقا في ذلك، بخلاف المنافقين يكذبون، أما أنت تقولها صادقا أنه لا معبود حق إلا الله. (والانقياد) : تنقاد بما دلت عليه، من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأداء الشرائع التي شرعها الله لك، من الأوامر وترك النواهي، عن محبة وانقياد، وهكذا القبول؛ تقبل ما جاء به الشرع ولا ترده، تقبل ما دلت عليه من العبادة والتوحيد والإخلاص، ولا ترده، ولا بد من الكفران بما يعبد من دون الله كما قال سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) . والمعنى أنك تتبرأ من كل ما ينافي لا إله إلا الله، وتعتقد بطلانه، تؤمن بأن الله هو المعبود الحق، وأن ما عبده الناس من دون الله باطل، وتكفر به وتبرأ منه، هذه معنى الشروط الثمانية:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
أي دون الله، فإذا عرفها طالب العلم طبقها، والذي لا يعرفها
__________
(1) سورة البقرة الآية 256(1/35)
يكفيه المعنى، إذا أتى بهذه الكلمة عن إيمان وإخلاص لله، ويقين وصدق في ذلك، وتبرأ من عبادة غير الله، وانقاد للشرع، فقد أتى بالمقصود، مع محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة دينه.
س: ما هي شروط (لا إله إلا الله) كلمة التوحيد؟ وهل من قال: (لا إله إلا الله) فقط دون أن يعمل يدخل الجنة؟ (1) .
ج: قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن من أتى بالتوحيد ومات عليه دخل الجنة، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت علي دمائهم، وأموالهم إلا بحقها (2) » ، ومنها حديث عبادة بن الصامت: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (3) » .
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (380) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام برقم 2946.
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: '' يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ''، برقم 3435، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 28.(1/36)
والأحاديث في هذا كثيرة تدل على أن من قال: لا إله إلا الله صادقا موحدا يتضمن كلامه براءته من الشرك، وإيمانه بأن الله مستحق العبادة، فإنه يدخل الجنة، ويكون من المسلمين، مع الإيمان بشهادة أن محمدا رسول الله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما بلغه ذلك الوقت، ثم يطالب بعد ذلك بشرائع الإسلام، فإذا أدرك الصلاة، وجب عليه أن يصلي، وهكذا الزكاة وهكذا الصيام، وهكذا الحج، وإن مات في الحال بعد التوحيد دخل الجنة؛ يعني: لو أسلم ومات في الحال دخل الجنة؛ لأنه ما أدرك العمل، ولا فعل شيئا من السيئات، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها، فإن عاش حتى أدرك الصلاة لزمته الصلاة، فإن أبى وجحدها كفر، وإن لم يصل كفر، وهكذا إذا أدرك الزكاة يجب عليه الزكاة، فإن أبى صار عاصيا يستحق دخول النار، وهكذا إذا أدرك الصيام ولم يصم صار عاصيا يستحق دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه، وهكذا إذا زنا، أو سرق، أو ما أشبه ذلك، صار عاصيا يستحق دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه، وصار تحت مشيئة الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) .
المقصود أنه متى دخل في الإسلام، ووحد الله، وتبرأ من الشرك كله، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله يكون مسلما، ثم يطالب بحقوق الإسلام من صلاة وغيرها، وترك المعاصي، فإن ترك المعاصي وأدى
__________
(1) سورة النساء الآية 48(1/37)
الحقوق تم إسلامه وإيمانه، وإن مات في الحال قبل أن يدرك شيئا من الأعمال فله الجنة؛ لأن إسلامه جب ما قبله من الشرور، فإن عاش فباشر بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات هو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، كما تقدم في قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، وهذا بإجماع المسلمين، بإجماع أهل السنة والجماعة، والعاصي تحت المشيئة، لا يكفر خلافا للخوارج، ولا يخلد في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة، بل هو تحت مشيئة الله، إذا مات على الزنى، على السرقة، على عقوق الوالدين، على شرب المسكر، على أكل الربا، لكن لم يستحلها، يرى أنها معاص، غير مستحل، ولكن غلبه الهوى والشيطان، وإلا هو يعرف أنها معاص، تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وبعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار بإجماع أهل السنة والجماعة، ما يخلد في النار إلا لكفره؛ خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن العاصي إذا مات على المعصية يخلد في النار. وتقول الخوارج: إنه يكفر. وقولهم باطل عند أهل السنة والجماعة، من أبطل الباطل، والآية الكريمة ترد عليهم، وهي قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) .
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة النساء الآية 48(1/38)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الزاني: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن (1) » . فالمعنى الوعيد والتحذير؛ يعني: ليس مؤمنا الإيمان الكامل، عنده نقص في إيمانه، وليس معناه أنه كافر؛ لأن الآيات يصدق بعضها بعضا، والأحاديث يصدق بعضها بعضا، وكتاب الله لا يكذب بعضه بعضا، والسنة لا تخالف القرآن، فوجب أن تفسر النصوص بالنصوص، يفسر النص بالنص، فقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ؛ يعني: الإيمان الواجب الكامل، لو كان عنده إيمان كامل ما زنى، لكن عنده نقص، فلهذا وقع في الزنى، وقع في الخمر، مع نقص إيمانه، ليس معناه أنه كافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في حق الزاني أن يحد، يقام عليه الحد، ويكون الحد كفارة له، وصاحب الخمر كذلك، يقام عليه الحد كفارة له، وإذا مات الزاني على الزنى بعد الحد دخل الجنة، وصار الحد كفارة له، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في حق عباد الله الصالحين، لما ذكر المعاصي، قال: «فمن أدركه الله في الدنيا - يعني: بالحدود الشرعية - كان كفارة له، ومن أجله الله في الآخرة فأمره إلى الله (2) » .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: '' إنما الخمر والميسر والأنصاب ''، برقم 5578، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، برقم 57.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم 18، بلفظ: ومن أصابه من ذلك شيء فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. . .(1/39)
كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) .
فأهل السنة والجماعة يقولون: إن صاحب المعاصي تحت المشيئة إذا كانت معصية دون الشرك ولم يستحلها فهو تحت المشيئة؛ كالزاني وشارب الخمر، وآكل الربا، والعاق لوالديه، ونحو ذلك.
أما من استحل المعاصي، واستحل الزنى، قال: الزنى حلال. تقام عليه الحجة، فإذا بين له الدليل وأصر على أن الزنى حلال كفر، صار كافرا كفرا أكبر. وهكذا من يقول: الخمر حلال، ويبين له الدليل ويصر، يكون كافرا. وهكذا من يقول: السرقة حلال. أو: الربا حلال. تبين له الأدلة، فإذا أصر على أن الربا كله حلال كفر، وهكذا من قال: عقوق الوالدين حلال. يبين له الأمر، فإذا أصر بعد الأدلة كفر، وهكذا من يقول: إن اللواط حلال. وهكذا من استحل المعاصي المعروفة من الدين بالضرورة، استحلها وبين له الدليل وأصر كفر، أما من مات على المعصية، وهو يعرف أنها معصية لم يستحلها، يعرف أنه عاص، مات وهو زان، مات وهو شارب الخمر، مات وهو يرابي، وهو يعرف أنه عاص، مات تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار، يخرجهم الله من النار، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من العصاة يدخلون النار
__________
(1) سورة النساء الآية 48(1/40)
ويعذبون فيها، ثم يخرجهم الله من النار، وقد امتحشوا، قد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم، أدخلهم الله الجنة، وقد تواترت بهذا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع على هذا أهل السنة والجماعة، ولا يبقى في النار مخلدا إلا الكفرة، نسأل الله العافية، أما العصاة فلا، قد يبقى فيها وقد تطول إقامته، ويسمى خلودا، لكنه خلود مؤقت ينتهي، فإذا تمت المدة التي قدرها الله عليه يخرج من النار، وصار إلى الجنة بتوحيده وإسلامه. والتوحيد له شروط ذكرها بعض أهل العلم، وهي سبعة. قال بعضهم: ثمانية. وقد جمعها بعضهم في بيتين:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
فإذا فهمها طالب العلم وأتقنها وأداها كان هذا كمالا لتوحيده وإيمانه، وإن كان عاميا لا يعرف هذه الشروط، ولكنه تبرأ من الشرك، وآمن بالله ووحده كفى، وإن لم يعرف الشروط، متى تبرأ من الشرك، وتبرأ من الكفر، واعتقد بطلانه وآمن بالله ووحده كفى.
فقوله: (علم) يعني يعلم أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة، وأن معنى لا إله إلا الله؛ معناها لا معبود حق إلا الله، وقوله: (يقين) يقولها عن يقين، بدون شك، يوحد الله عن يقين، وقوله: (وإخلاص) يعني ما أشرك بالله غيره، بل أخلص لله مع الصدق، خلاف المنافقين(1/41)
يقولونها وهم كاذبون، هذا كافر إذا قالها ظاهرا، وهو يكذب في الباطن هذا كافر.
(مع محبة) مع محبة الله، ومحبة توحيده، الذي لا يحب الله كافر، أو يكره التوحيد، ويكره الإيمان كافر: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (1) ، هكذا القبول كونه يقبل الدين، يقبل الحق ينقاد له، أما إذا رد الحق ولم يقبله، ولم ينقد للحق، بل آذاه ولم يوحد الله، ولم يترك الشرك، يكون كافرا، ولا بد من الكفران بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (2) ؛ يعني: يكفر بعبادة غير الله، يعني ينكرها، يعتقد بطلان عبادة غير الله، وينكرها يتبرأ منها، هذا معنى قول الشاعر:
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
المقصود أن المؤمن يعلم الحق ويعتقده، ويصدق في ذلك ويتبرأ من الشرك وأهله، وينقاد إلى الحق، ويطمئن إليه، ويحب الله ورسوله، هكذا المؤمن ولو ما عرف الشروط، متى قبل الحق، وانقاد لتوحيد الله، وأخلص لله، وأحب الله، وانقاد لشرعه، ولم يكن كاذبا كالمنافقين، صار إيمانه صحيحا.
__________
(1) سورة محمد الآية 9
(2) سورة البقرة الآية 256(1/42)
س: يسأل السائل ويقول: كلمة التوحيد ما هي شروطها (1) ؟
ج: كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، فلا بد أن يقولها عن علم ويقين: لا إله إلا الله. يقول الله جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3) ، ويقول الله عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4) ، ويقول عز وجل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (5) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله صدقا من قلبه (6) » ، قال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة (7) » ، لا بد من علم، وتصديق وبصيرة.
ومعناها: لا معبود حق إلا الله؛ هذا معنى لا إله إلا الله؛ فالذي يقول: لا إله إلا الله. وهو يعبد الأولياء فكأنه ما قالها، لأن وجودها كعدمه؛ لا بد أن يقولها وهو يعلم معناها ويعمل، فالذي يقول:
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (423) .
(2) سورة محمد الآية 19
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة آل عمران الآية 18
(5) سورة الزخرف الآية 86
(6) أخرجه البخاري في كتاب العلم؛ باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، برقم 128.
(7) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 26.(1/43)
لا إله إلا الله. ويدعو الأموات ويستغيث بالنبي، أو بالبدوي، أو بالحسين، أو بعلي بن أبي طالب، أو بعبد القادر الجيلاني، أو بغيرهم من الأموات، هذا ما قالها حقا، وقوله لها باطل، لا ينفع حتى يقولها عن علم وعن يقين، وعن صدق وعن محبة.
ذكر بعضهم شروطها سبعة:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
فلا بد من العلم: يعني معناها لا معبود حق إلا الله، ولا بد من اليقين؛ يتيقن أنه لا معبود حق إلا الله، ما عنده شك؛ لا بد أن يكون يعلم، ولا بد من صدق، يقول وهو صادق أنه لا معبود حق إلا الله، لا كالمنافقين، بل يصدق يقول عن علم ويقين وصدق أنه لا معبود حق إلا الله.
(مع محبة) يحب الله جل وعلا محبة صادقة تقتضي الإخلاص له وطاعته واتباع شريعته.
كذلك القبول يقبلها ويرضاها، ولا يردها، وينقاد للعمل بما دلت عليه الكلمة، بتوحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره، وترك نواهيه، ولهذا قال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
والإخلاص معناه: أن يتوجه إلى الله بأعماله. ويخصه بها سبحانه دون كل ما سواه، فلا يعبد إلا الله، ولا يصلي إلا لله، ولا يزكي(1/44)
إلا لله، ولا يصوم إلا لله، وهكذا يكون في أعماله مخلصا لله وحده، فلا بد من هذه الشروط:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
قال بعضهم شرطا ثامنا:
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
هذا الشرط الثامن قاله شيخنا الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله، وهذا معنى قوله سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (1) ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله (2) » .
فلا بد أن يقول: لا إله إلا الله. ويتبرأ من عبادة غير الله؛ يكفر بعبادة غير الله، ينكرها، يعتقد بطلانها، وهذا ظاهر من الشروط السبعة أيضا.
فإن الإخلاص يقتضي الكفر بعبادة غير الله، وإنكارها، واعتقاد بطلانها، فالصادق هو الذي يخص الله بالعبادة، ويعتقد بطلان عبادة غير الله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.(1/45)
والثامن داخل في الإخلاص، لكن ذكر الثامن من باب الكمال والتمام، وإلا فهو داخل في الإخلاص، فإن المخلص هو الذي يخص الله بالعبادة، ويعتقد بطلان عبادة غير الله، ويكفر بها.(1/46)
10 - تحقيق معنى لا إله إلا الله
س: ما هي مقتضيات لا إله إلا الله؟ (1) .
ج: هذه الكلمة أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد، ولا يدخل العبد في الإسلام إلا بتحقيقها، والإيمان بها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وهي أول كلمة دعا إليها الرسل: (لا إله إلا الله) .
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) .
ونبينا محمد لما بعثه الله أول كلمة دعا إليها: (لا إله إلا الله) . مع الإيمان به وأنه رسول الله، وهي تقتضي إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه المعبود بالحق، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (186) .
(2) سورة الأنبياء الآية 25
(3) سورة النحل الآية 36(1/46)
وأنه المستحق أن يعبد ويطاع أمره، وتقتضي أن يؤمن العبد بأن الله هو خالق العبد، وأنه أعد له جنة ونارا، وأنه لا بد من لقائه ربه، فإما الجنة وإما النار، هذه الكلمة هي أصل الدين، وأساس الملة، وهي العروة الوثقى، فلا بد من الإيمان بها واعتقاد معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وهذا الاعتقاد يقتضي طاعة الأوامر، وترك النواهي، وطاعة الإله الحق الذي آمنت بأنه معبود بحق، هي تقتضي أن تؤدي حقه، بأن تعبده بصلاتك وبصومك وزكاتك وحجك وصيامك وغير ذلك؛ لأن التأله: التعبد؛ لا إله إلا الله؛ يعني: لا مألوه حق إلا الله، يعني: لا معبود حق إلا الله، فالواجب عليك أن تؤلهه وتعبده في صلاتك وصومك وزكاتك وحجك وجهادك وسائر عباداتك، وتعبده وحده، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه سبحانه وتعالى. وهكذا من مقتضياتها أن تؤمن بما حرم الله عليك من الشرك والمعاصي، وأن تبتعد عن ذلك وتحذر ذلك.(1/47)
11 - بيان معنى الطاغوت
س: ما معنى الكفر بالطاغوت؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: معناه البراءة منه، واعتقاد بطلانه، قال الله سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (2) ، معنى الطاغوت: المعبود من دون الله. يعني: يتبرأ من عبادة غير الله؛ عبادة الأوثان والأصنام والجن، يتبرأ منها، ويعتقد بطلانها، ويؤمن بأن المعبود بحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، فمن لم يؤمن بهذا فليس بمسلم، لا بد أن يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، وأن عبادة الطواغيت؛ عبادة الجن، عبادة الأصنام، عبادة من دعا إلى نفسه، كل هذا باطل، لا بد أن يتبرأ منها. والطواغيت: كل ما عبد من دون الله وهو راض. وهكذا الأصنام تسمى طواغيت، والأشجار والأحجار المعبودة تسمى طواغيت، أما الأولياء والأنبياء والملائكة فليسوا طواغيت، لكن الطاغوت الذي دعا إلى عبادته، الطاغوت الذي دعا إلى الشرك به وعبادته من الشياطين؛ شياطين الإنس والجن، هم الطواغيت، أما الأولياء المؤمنون فيبرؤون إلى الله من ذلك، ما يرضون أن يعبدوا من دون الله، وهكذا الأنبياء وهكذا الملائكة، وهكذا الجن المؤمنون ما يرضون، فالطاغوت الذي يدعو
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (299)
(2) سورة البقرة الآية 256(1/48)
إلى عبادة غير الله، أو يرضى بها كفرعون وأشباهه. فالبراءة من ذلك معناها البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانه، يعني أن يتبرأ من عبادة غير الله، وأن يعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بالحق لله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل في كتابه العظيم في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1)
__________
(1) سورة الحج الآية 62(1/49)
12 - تفسير معنى الشهادتين
س: يسأل المستمع من الرياض ويقول: ما معنى شهادة أن لا إله إلا لله، وأن محمدا رسول الله؟ (1)
ج: معنى الشهادة أن يشهد بلسانه وبقلبه، أنه لا معبود حق إلى الله، يشهد بلسانه ويؤمن بقلبه أنه لا إله إلا الله، يعني لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس من دون الله من أصنام أو أموات أو أشجار أو أحجار أو ملائكة أو غيرهم كله باطل، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) .
هذا معنى شهادة أن لا إله إلا لله، أن تشهد عن علم ويقين وصدق أنه لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس من دون الله كله باطل.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (433) .
(2) سورة الحج الآية 62(1/49)
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: أن تشهد عن علم ويقين وصدق أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله حقا إلى جميع الثقلين؛ جنهم وإنسهم، وأنه خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام.(1/50)
13 - حكم التلفظ بالشهادتين
س: هل مجرد التلفظ بالشهادتين يعصم الإنسان ويعصم دمه وماله، وإذا انتفى عنه العلم بمدلول (لا إله إلا الله) وهو يردده ليل نهار هل تكفيه؟ وهل تدخله الجنة وتنجيه من النار؟ (1)
ج: لفظ (لا إله إلا الله) ولفظ شهادة (أن محمدا رسول الله) هاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، فمن أتى بهما وهو لا يقولهما قبل ذلك عصم دمه وماله وحكم بإسلامه، ثم ينظر ويعلم ويفقه، فإن قبل الحق واستقام عرف صدقه، وإن أبى واستمر على كفره وشركه وعبادته الأصنام والأشجار والأحجار وأصحاب القبور، أو استمر على استهزائه بالدين أو سبه للدين أو غير هذا من نواقض الإسلام لم تنفعه هذه الشهادة، يكون مرتدا، يحكم بإسلامه أولا، ثم بمجيئه بما يخالف الإسلام بما يوجب الردة يحكم بردته؛ كما قال
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (152)(1/50)
النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » فالشخص إذا نطق بالشهادتين وهو لا ينطق بهما سابقا حكم بإسلامه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة من حديث أسامة وفي غيره من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وغير ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (2) » وفي لفظ آخر: «إلا بحق الإسلام (3) » .
فالمقصود أنه إذا أتى بحق الشهادة فإنه يعصم دمه وماله إذا كان لم يأت بهما قبل ذلك، ثم ينظر في أمره، فإن استقام على دين الله صار له حكم المسلمين، وإن أبى وبقي على كفره وضلاله لم تنفعه الشهادة بمجرد القول، فالمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوها ولم يعملوا بها؛ كفروا بها، كذبوا الله ورسوله، أو شكوا في دين الله، وهكذا الذين قال الله سبحانه فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (4) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 21.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: '' فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ''، برقم 25.
(4) سورة التوبة الآية 65
(5) سورة التوبة الآية 66(1/51)
هناك أناس أظهروا الإسلام وشاركوا المسلمين في أعمالهم، ولكن ظهر منهم الاستهزاء بالرسول وبالإسلام، فلهذا أنزل الله في حقهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (2) .
وقد أجمع العلماء على أن من أتى بناقض من نواقض الإسلام يحكم عليه بذلك الناقض وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإن صلى وصام؛ لأن هذه الشهادة تنفع إذا أدى حقها، أما إذا ضيع حقها لم تنفع قائلها، والله المستعان.
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66(1/52)
14 - النطق بالشهادتين يكفي لدخول الإسلام
س: هل يكفي النطق والاعتقاد بالركن الأول من أركان الإسلام، أم لا بد من أشياء أخر حتى يكتمل إسلام المرء ويكتمل إيمانه؟ (1)
ج: هذا الركن يدخل به في الإسلام، إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، عن صدق وعن يقين وعن علم وعمل بذلك، يدخل في الإسلام، ثم يطالب بالصلاة وما سواها من الأحكام، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: «ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (2) » . فلم يأمرهم بالصلاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهم مطالبون أولا بالتوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل الكافر في ذلك وأسلم، صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين، فإذا امتنع من ذلك صار له أحكام أخرى،
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (74) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19.(1/53)
إذا امتنع من الصلاة يستتاب إن تاب وإلا قتل، وإذا امتنع من الزكاة وكابر عليها وقاتل دونها كذلك يقاتل كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة، والصيام كذلك، إذا امتنع يعزره الإمام ويؤدبه الإمام بما يردعه عن ترك الصيام، وهكذا الحج مع الاستطاعة، إذا تركه وهو يستطيع، يؤدب حتى يحج، وهكذا بقية المعاصي، الذي فيه حد يقام عليه الحد، والذي ما فيه حد بالتعزير والتأديب. فالحاصل أن الأصل هو الشهادتان، متى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، دخل في الإسلام، وصار له حكم المسلمين، فلو مات في الحال صار من أهل الجنة، فإن جاء وقت الصلاة وقد أسلم مثلا بعد طلوع الشمس، ثم مات قبل الظهر، هذا مات على الإسلام، وهو ما صلى شيئا، ولا فعل شيئا، كما كان قد وقع لبعض الصحابة أسلموا وقتلوا في الحال، فصاروا من أهل الجنة، من دون أن يعملوا عملا سوى التوحيد والشهادة بالرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله ورسوله، فإن أدرك الصلاة يؤمر بالصلاة، ثم إذا جمع مالا وحصل عنده مال تجب فيه الزكاة يؤمر بالزكاة، وإذا أدرك رمضان يؤمر بالصيام، وإذا استطاع الحج يؤمر بالحج، وهكذا أصبح له حكم المسلمين من جميع الأحكام في الدنيا والآخرة، فيطالب بأمور الإسلام وحق الإسلام، ولو مات على حاله قبل أن يأتي وقت الصلاة، مات على الإسلام الكامل، ودخل الجنة، لكن لو عاش وأبى أن يصلي، حينئذ هذا محل نظر، يطالب بالصلاة، فإذا أصر على تركها كفر عند جمع من أهل العلم، وقال آخرون من أهل العلم: يكون كفرا دون(1/54)
كفر، فيستحق القتل، ولكن لا يكون كفرا أكبر. كما لو ترك الزكاة والصيام، ولكن القول الصحيح: أنه متى ترك الصلاة بخصوصها؛ لأنها لها منزلة عظيمة، الصلاة إذا تركها عمدا تهاونا تكاسلا، صار حكمه حكم من جحدها، يقتل كافرا على الصحيح. وأما جمهور الفقهاء فقالوا: يقتل عاصيا وحدا، وكفرا دون كفر. هذا قول أكثر الفقهاء المتأخرين، أما الصحابة فقد نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماعهم على أن من تركها كفر.(1/55)
15 - حكم من وفق للتلفظ بالشهادتين قبل وفاته
س: السائل أبو أحمد يقول: هل الإنسان الذي لم يصل أبدا في حياته، ثم وفق إلى التلفظ بالشهادتين قبل وفاته، هل يصبح هذا مسلما، ويعامل في الآخرة معاملة المسلمين؛ ويحشر مع المسلمين؟ (1) .
ج: إذا كان أتى بها توبة ودخولا في الإسلام، يمحو الله بها ما مضى، إذا كان لا يقولها سابقا ثم جاء بها تائبا موحدا مخلصا لله، عارفا لمعناها، وترك الشرك، وترك المعاصي، والعزم على ترك الجميع، فهذا معناه توبة يمحو الله بها ما سلف، أما إذا كان يقولها كالعادة ما تنفعه، إذا كان مات على الشرك، هو يقولها في حياته وعند وفاته إذا كان يقولها وهو يعبد القبور ويستغيث بالأموات، ويأتي المعاصي، لم يقلها عن توبة وعن رجوع، فهي مثل قوله لها في حياته وصحته، لا تؤثر شيئا، كالمنافقين يقولونها وهم على كفرهم ونفاقهم؛ ومثل عباد القبور اليوم يقولونها في المجالس وفي المكان وهم يعبدون أصحاب القبور، يستغيثون بهم وينذرون لهم، ويذبحون لهم كعباد البدوي، وعباد الحسين، وعباد الشيخ عبد القادر، وعباد غيرهم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (394) .(1/56)
16 - وجوب النطق بالشهادتين على القادر عند دخول الإسلام
س: ما مصداقية النطق بالشهادة سماحة الشيخ وفقكم الله؟ (1) .
ج: أولا لا بد من النطق بها، ومن لم ينطق بها وهو يقدر كفر، حتى ينطق بالشهادتين، ثم مع النطق لا بد من العقيدة والإيمان بأن معنى لا إله إلا الله؛ أنه لا معبود بحق إلا الله، فلو قالها وهو يكذب كالمنافقين، يقولها بلسانه وهو يعتقد أن مع الله آلهة أخرى، لم تنفعه هذه الكلمة، كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (2) وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (3) {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (4) .
فلا بد من التصديق بالقلب واليقين بأنه لا معبود حق إلا الله، ولا بد من إخلاص العبادة لله؛ والمحبة لما دلت عليه من توحيد الله؛ وكراهية الكفر وبغضه؛ ولا بد أيضا من قبول شرع الله، والانقياد له؛ فان استكبر عن ذلك ولم ينقد لشرع الله كفر، نسأل الله العافية؛ وهذا معنى النفي والإثبات؛ (لا إله) معناها نفي ما يعبد من دون الله؛ يعني: الاعتقاد بأن جميع ما يعبد من دون الله باطل، و: (إلا الله) معناها
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (74) .
(2) سورة النساء الآية 145
(3) سورة البقرة الآية 8
(4) سورة البقرة الآية 9(1/57)
إثبات العبودية لله وحده، وأنه مستحق لها، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1) الآية من سورة الحج.
__________
(1) سورة الحج الآية 62(1/58)
17 - مصداقية الشهادة القيام ببقية الأركان
س: هل مصداقية الشهادة وهذا الركن من أركان الإسلام هي العمل ببقية أركان الإسلام الظاهرة والباطنة التي تفضلتم ببيانها؟ (1) .
ج: نعم لكنها متفاوتة بعضها إذا تركها كفر، وبعضها من تركها لا يكفر، يكون ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، إلا إذا جحد ما أوجب الله، أو جحد ما حرم الله، إذا جحده كفر عند الجميع، لو جحد وجوب الصلاة كفر عند الجميع، ومن جحد وجوب صيام رمضان كفر عند الجميع، ومن جحد وجوب الزكاة مع توفر شروطها كفر عند الجميع. ومن جحد وجوب الحج مع الاستطاعة كفر عند الجميع، ومن جحد تحريم الزنى يكفر عند الجميع، ومن جحد تحريم الخمر، وقال: ما هو بحرام. كفر عند الجميع، من جحد عقوق الوالدين، قال: ليس عقوقهما
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (74) .(1/58)
بحرام، يجوز عقوق الوالدين. كفر بالإجماع، نسأل الله العافية، وهكذا ما يشبهه من أمور الدين الظاهرة المعروفة بالوجوب أو التحريم.(1/59)
18 - الشهادتان اعتقاد بالقلب وعمل بأداء الفرائض
س: هل (لا إله إلا الله) قول باللسان أم قول يحتاج إلى عمل؟ (1) .
ج: هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس، وأفضل الكلام وهي قول وعمل، ولا يكفي مجرد القول، ولو كان مجرد القول يكفي لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها وهم مع ذلك كفار، بل في الدرك الأسفل من النار - نعوذ بالله من ذلك - لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب، وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله، ولا بد أيضا من أداء حقها بأداء الفرائض وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله (2) » ، وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (160) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام برقم 2946.(1/59)
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل (1) » . متفق على صحته.
فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل لا مجرد القول باللسان، فاليهود يقولونها والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم لما لم يأتوا بالعمل والعقيدة، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس؛ من أصنام وأشجار أو أحجار، أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم، أنه باطل وأن هذا شرك بالله عز وجل، والعبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى لا إله إلا الله؛ فإن معناها لا معبود بحق إلا الله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (6) .
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (22) .
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3(1/60)
وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله. وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (1) » ، واللفظ الآخر عند مسلم: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه (2) » . فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن معلما ومرشدا وأميرا وقاضيا، قال له: «ادعهم إلى أن يوحدوا الله - وفي اللفظ الآخر - ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (3) » الحديث.
فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولا وعملا مع النطق، فيشهد أنه لا إله إلا الله: عن علم ويقين وإخلاص، وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها وقبول لذلك، وبراءة وكفر لما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى، هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة، يقولها عن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 23.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث طارق بن أشيم، برقم 15448، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس، برقم 23.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19.(1/61)
يقين، وأنه لا معبود بحق إلا الله، مع العلم ليس فيه جهل ولا شك، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص وعن صدق، لا كالمنافق يقولها باللسان ويكذب بالباطن، وعن قبول لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لذلك وعن محبة لذلك، والتزام به، مع البراءة من كل ما يعبد من دون الله، والكفر بكل ما يعبد من دون الله، كما قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) .
ومعنى الكفر بالطاغوت البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانها، هذا معنى الكفر بالطاغوت، وهي أن تتبرأ من عبادة غير الله، وأن تعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالى، ليس له شريك، لا ملك ولا نبي ولا شجر ولا حجر ولا ميت ولا غير ذلك.
__________
(1) سورة البقرة الآية 256(1/62)
19 - بيان أقسام التوحيد
س: ما هي أقسام التوحيد؟ وهل المسلم المطلوب منه أن يؤمن بجميع هذه الأقسام؟ وإذا أقر المسلم بالشهادتين فقط، هل يكفي ذلك؟
ج: أقسام التوحيد ثلاثة معروفة بالاستقراء، وهي الإيمان بتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عن صدق كفى ذلك، ويبين له ما قد يجهل، والرسول صلى الله عليه وسلم قبل من الناس من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصدق عمله قوله، وانقاد للشرع ووحد الله جل وعلا، فهو مسلم؛ لأن في معنى الشهادة الإيمان بأن الله ربه وخالقه، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، والإيمان بأسمائه وصفاته، لأن الشهادة بأنه لا إله إلا الله، وأنه المعبود الحق، يتضمن توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فإنه سبحانه هو الإله الحق، ومن كان بهذه المثابة فهو رب الجميع، وخالق الجميع، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
فتوحيد الربوبية: الإيمان بأنه خلاق، رزاق، وتوحيد الألوهية: الإيمان بأنه مستحق العبادة جل وعلا، وأن الآلهة المدعوة معه باطلة، سواء كانت جمادا أو حيوانا، وسواء كان المدعو ملكا أو نبيا أو غير(1/63)
ذلك، كل من يدعى من دون الله فعبادته باطلة، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (1) فجميع من يدعى من دون الله معبود باطل، سواء كان المعبود رسولا أو ملكا أو جنيا أو حجرا أو شجرا أو غير ذلك.
وهكذا الإيمان بأسماء الله وصفاته، إذا آمن بأن الله سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأنه الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله كفى ذلك.
فتوحيد الأسماء والصفات: الإيمان بأنه سبحانه موصوف بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأنه لا شبيه له ولا نظير له ولا مثل له، والإيمان بالربوبية بأنه هو الخلاق الرزاق مدبر الأمور ومصرف الأشياء، ولا خالق غيره، ولا رب سواه.
وتوحيد الألوهية معناه: الإيمان بأنه مستحق أن يعبد ويدعى ويستغاث به وينذر له ويذبح له، إلى غير هذا، هو المستحق للعبادة: من صلاة وصوم ودعاء وذبح وغير ذلك، لا يستحقها سواه، فإذا أقر بالشهادتين فقد دخل هذا في ضمن الشهادة، فإنه إذا شهد أن لا إله إلا الله، معناه أنه هو المعبود بالحق، وأنه الخلاق الرزاق، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، هذا داخل في ضمن الشهادة.
__________
(1) سورة لقمان الآية 30(1/64)
20 - بيان الحكمة من خلق الدنيا
س: لقد أصبح من المتعارف عليه وشائع على ألسنة الناس، وكأنما هو شيء بديهي أن الدنيا بما فيها خلقت لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولاه لم تكن ولم تخلق ولم توجد. نرجو من فضيلة الشيخ الإجابة على سؤالي مع الدليل، إن كان كما قيل، وجزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: هذا من كلام بعض العامة الذين لا يعرفون ولا يفهمون، قول بعض الناس: إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس هذا باطل ولا أصل له، وهذا كلام فاسد، والله خلق الدنيا ليعرف ويعلم وجوده سبحانه وتعالى، وليعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليعرف بأسمائه وصفاته، وبفضله وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له. خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعظم ويعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه هو القادر على كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) فبين سبحانه أنه خلقهم ليعبدوه، لا من أجل
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (28) .
(2) سورة الذاريات الآية 56(1/65)
محمد عليه الصلاة والسلام، ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه، يقول سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1) ، وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} (3) .
والله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقه للحق وبالحق ليعبد ويطاع ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأن كل شيء من شأنه سبحانه وتعالى.
فأيها السائل، هذه الأشياء التي سمعتها باطلة لا أساس لها، لم يخلق الله الخلق، لا الجن، ولا الإنس، ولا السماء، ولا الأرض، وغير ذلك لم يخلق ذلك من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا لغيره من الرسل، وإنما خلق الخلق أو خلق الدنيا ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته. هذا هو الحق، وهذا الذي دلت عليه الأدلة، وإن كان محمد عليه الصلاة والسلام هو أشرف الناس، وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد، وإن كان أفضل الناس، فافهم هذا وبلغه لغيرك أيها السائل؛ لأن
__________
(1) سورة الحجر الآية 99
(2) سورة الطلاق الآية 12
(3) سورة ص الآية 27(1/66)
هذه مسألة مهمة، وقد وقع فيها من ينتسب إلى العلم، من الجهلة ومن الغلاة، الذين ليس عندهم من العلم الحقيقي نصيب، وهذا يشبه على العامة الذين ليس عندهم علم، أما أهل العلم والبصائر فهم يعلمون أن هذا باطل، وأن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم، وأنه السميع المجيب، وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى.(1/67)
21 - ذكر بعض من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب
س: هل هناك من يدخل الجنة بغير حساب؟ (1)
ج: نعم، أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد حتى قال في آخره إنه: أبلغ أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب فسأله الصحابة عنهم فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (2) » .
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (141) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.(1/67)
والمقصود من هذا: أن المؤمن الذي استقام على أمر الله وترك محارم الله ومات على الاستقامة فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم هؤلاء الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم " لا يسترقون " يعني: لا يطلبون من الناس أن يرقوهم، يعني: لا يطلبون الرقية، أما كونهم يرقون غيرهم فلا بأس؛ لأنه محسن، الراقي محسن إذا رقى غيره، ودعا له بالعافية والشفاء هذا محسن. في الحديث الصحيح: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه (1) » .
أما الاسترقاء فهو طلب الرقية، وهو أن يقول: يا فلان اقرأ علي. ترك هذا أفضل، إلا من حاجة، إذا كان هناك حاجة فلا بأس أن يطلب الرقية، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «استرقي من كذا (2) » فأمرها بالاسترقاء، كما أمر أسماء بنت عميس أن تسترقي لأولاد جعفر لما أصابتهم العين، قال عليه الصلاة والسلام: «لا رقية إلا من عين أو حمة (3) » فالاسترقاء عند الحاجة لا بأس به،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم 2199.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم 2195.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 220.(1/68)
لكن تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر، وهكذا الكي تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شربة عسل، أو شرطة محجم، وما أحب أن أكتوي (1) » .
وفي اللفظ الآخر قال: «وأنا أنهى أمتي عن الكي (2) » . فدل ذلك على أن الكي ينبغي أن يكون هو آخر الطب عند الحاجة إليه، فإذا تيسر أن يكتفى بغيره من الأدوية فهو أولى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا كراهة، وإن استغنى عنه بدواء آخر مثل شربة عسل أو شرطة محجم، يعني الحجامة أو قراءة أو دواء آخر، كان أفضل من الكي، فالمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يسترقون ولا يكتوون (3) » لا يدل على التحريم وإنما يدل على أن هذا هو الأفضل، عدم الاسترقاء يعني عدم طلب الرقية وعدم الكي، هذا هو الأفضل، ومتى دعت الحاجة إلى الاسترقاء أو الكي فلا حرج ولا كراهة في ذلك.
" ولا يتطيرون ": التطير هو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات، والتطير الشرك من عمل الجاهلية، فهؤلاء السبعون يتركون ما حرم الله عليهم من الطيرة وما كره لهم من الاسترقاء والكي عند عدم الحاجة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5680.
(3) صحيح البخاري الطب (5752) ، صحيح مسلم الإيمان (220) ، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2446) ، مسند أحمد بن حنبل (1/271) .(1/69)
إليه، وعلى ربهم يتوكلون، يتركون ذلك ثقة بالله واعتمادا عليه وطلبا لمرضاته، والمعنى أنهم استقاموا على طاعة الله، وتركوا ما حرم الله، وتركوا بعض ما أباح الله، إذا كان غيره أفضل منه، كالاسترقاء والكي يرجون ثواب الله ويخافون عقابه، ويتقربون إليه بما هو أحب إليه سبحانه وتعالى عن توكل وعن ثقة به، واعتماد عليه سبحانه وتعالى.
وجاء في الرواية الأخرى، «أن الله زاده مع كل ألف سبعين ألفا (1) » . وفي بعض الروايات الأخرى: «وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل (2) » وهذه الحثيات لا يعلم مقدارها إلا الله سبحانه وتعالى، والجامع في هذا أن كل مؤمن استقام على أمر الله وعلى ترك محارم الله ووقف عند حدود الله هو داخل في السبعين، داخل في حكمهم بأنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برقم 22.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي، برقم 21800.(1/70)
س: هذا سائل يقول: سماحة الشيخ ورد حديث يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة سبعون ألفا من غير حساب ولا عذاب، ولما سأل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم من هم، وما هي صفاتهم، خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما جرى بينهم وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، نرجو من سماحتكم - كما يقول السائل - أن تفسروا لنا هذه الصفات، لعلنا نتمسك بها (1) .
ج: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية: «مع كل ألف سبعون ألفا (2) » ، وسئل عليه الصلاة والسلام عن صفاتهم قال: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (3) » يعني: هم الذين استقاموا على دين الله من أهل التقوى والإيمان، وعبدوا الله وحده، وأدوا فرائضه
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (400) .
(2) أخرجه الترمذي في سننه في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه، برقم 2437، وابن ماجه في سننه في كتاب الزهد. باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 4286.
(3) أخرجه البخاري في كتاب لطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو. برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.(1/71)
وتركوا محارمه؛ واجتهدوا في أنواع الخير؛ حتى تركوا بعض ما يستحب تركه كالاسترقاء والكي وهذا من كمال إيمانهم، لا يسترقون يعني لا يطلبون من يرقيهم، ولا يكتوون؛ لأن الكي تركه أفضل؛ إلا عند الحاجة؛ والاسترقاء تركه أفضل، إلا عند الحاجة هذا من كمال إيمانهم، وإذا احتاج الإنسان للاسترقاء لا بأس، يسترقي كما أمر النبي عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لأولاده، لما أصابتهم العين، فدل على أنه لا بأس بالاسترقاء عند الحاجة، ولكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر واستغنى عنه، وهكذا الكي إذا تيسر دواء يقوم مقامه فهو أفضل، وإن دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس؛ قد كوى الصحابة كما كوى خباب بن الأرت وغيره، وقد كوى النبي بعض أصحابه للحاجة، هذا من الكمال ولا يخرجهم عن السبعين إذا استرقى أو كوى، لكن هذه من أعمالهم الحسنة؛ ترك الكي إذا استغنى عنه؛ ترك الاسترقاء إذا استغنى عنه؛ وإلا فالسبعون ألفا هم أهل الاستقامة. أهل الخير والاستقامة في طاعة الله، وترك معصيته والمحافظون على الخير.(1/72)
س: السائل \ أمجد يستفسر عن معنى الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه عن أولئك الناس، فقال: هم أولئك الذين لا يرقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (1) .
ج: هذا جاء في حديث السبعين، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنه عرضت عليه أمته، وكان فيهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وخاض الناس في أولئك من هم؟ لما حدث بهذا الحديث، وقام عليه الصلاة والسلام، خاضوا فقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، وقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني من الصغر ولم يكفروا، وخاضوا في غير هذا، ثم خرج عليهم صلى الله عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فأخبروه، فقال لهم: «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، (2) » .
هذه من صفاتهم، مع تقواهم لله، وإيمانهم بالله، واستقامتهم على دينه، هم مع هذا لا يسترقون، يعني لا يسألون الناس أن يرقوهم، ولا يتطيرون.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (405) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.(1/73)
الطيرة: التشاؤم بالمرئيات والمسموعات، هذه الطيرة ما أمضاك أو ردك بسبب التشاؤم. ولا يكتوون: يعني إذا مرضوا لا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون. هذه من صفاتهم العظيمة، ولكن يجوز الكي، الرسول صلى الله عليه وسلم رخص بالكي، ويجوز الاسترقاء، رخص بالاسترقاء أيضا لعائشة وأم أولاد جعفر، لا حرج في الاسترقاء، كونه يطلب من يرقيه لا حرج، لكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر غير الاسترقاء أفضل، وهكذا الكي لا بأس به عند الحاجة إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي (1) » .
أما الطيرة فلا تجوز وهي محرمة؛ لأنها تشاؤم لا يجوز، أما رواية: " لا يرقون " فهي رواية ضعيفة، رواها مسلم ولكنها ضعيفة، وغلط من بعض الرواة، لا يرقون؛ لأن رقية الإنسان لأخيه مطلوبة، كونك ترقي أخاك هذا مشروع، النبي عليه السلام قال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (2) » .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5681، ومسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي برقم 2205.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.(1/74)
وقد رقى النبي بعض أصحابه، ورقي عليه الصلاة والسلام، رقته عائشة رضي الله عنها لما مرض، والصحابة رقى بعضهم بعضا، لا بأس بالرقية.
أما الاسترقاء كونه يقول: اقرأ علي يا فلان، هكذا تركه أفضل إلا عند الحاجة، إذا احتاج للاسترقاء فلا حرج؛ لقوله لعائشة: " استرقي "، ولقوله لأم أولاد جعفر: " استرقي "، فلا حرج في ذلك. أما الاسترقاء فتركه أفضل؛ لأنه سؤال للناس، وتركه أفضل، فإن دعت الحاجة إليه كالكي، إذا دعت الحاجة إليه لا بأس، لا بأس أن يقول: يا فلان اقرأ علي جزاك الله خيرا، أو يذهب إلى الراقي يرقي عليه لا بأس، أو يكوي عند الحاجة إذا ظن أن الكي مفيد في هذا الشيء. فلا بأس.
س: يسأل السائل ويقول: من هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ هل الذين هم لا يرقون ولا يسترقون يدخلون الجنة؟ أرجو التوضيح في ذلك مأجورين (1) .
ج: من استقام على دينه، وأدى ما فرض الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم السبعون ألفا الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (412) .(1/75)
تركوا الطيرة لأنها محرمة، وتركوا الكي والاسترقاء استحبابا؛ لأن الرسول ذكر أنها من صفات السبعين ألفا، فإذا ترك الكي واستعمل دواء آخر فلا بأس. النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الشفاء في ثلاث: كية نار، وشرطة محجم، وشربة عسل، وما أحب أن أكتوي (1) » وقد كوى بعض أصحابه، فإذا ترك الكي فهذا أفضل، إذا تيسر دواء آخر وإلا فلا بأس بالكي، ولا يمنعه ذلك من كونه من السبعين؛ لأن السبعين ألفا هم الذين استقاموا على دين الله، وتركوا محارم الله، وأدوا ما أوجب الله، ومن صفاتهم الطيبة: عدم الاسترقاء، ولكن الاسترقاء لا يمنع كونه من السبعين، والاسترقاء: طلب الرقية، وإذا دعت الحاجة إلى هذا فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولادها، فلا حرج في ذلك.
وإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس أن يكتوي، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار وشرطة محجم، وشربة عسل (2) » . يدل على أن الكي لا بأس به، لكن تركه أفضل، إذا تيسر غيره.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.(1/76)
22 - بيان تحقيق التوحيد
س: كيف يحقق المسلم التوحيد؟ (1) .
ج: يحققه باجتناب المعاصي ووسائل الشرك، يحذر وسائل الشرك، ويحذر المعاصي، هذا من تحقيق التوحيد، تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي هذا تحقيقه، الحذر من المعاصي والبدع ووسائل الشرك، هذا هو التحقيق.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (428) .(1/77)
23 - بيان الطريق لإخلاص العمل لله عز وجل
س: الأخت \ م. ح. من مكة المكرمة، تقول: ما الطريق الصحيح لإخلاص العمل لله عز وجل؟ وكيف يكون العمل خالصا لوجهه الكريم؟ (1) .
ج: الطريق لذلك ولإخلاص العمل هو الإقبال على الله، وإحضار القلب بين يديه، وأن تعمل العمل تريد وجهه، تريد النجاة من النار، تريد رحمته وإحسانه، سواء كان العمل صلاة أو صوما، أو صدقة أو حجا أو عمرة، أو غير ذلك، هذا هو الإخلاص أن تقصد وجه ربك، تريد التقرب إليه، تريد رحمته، تريد قبوله منك، تريد
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (429) .(1/77)
النجاة من النار؛ تريد الفوز بالجنة؛ لا تفعله رياء ولا سمعة؛ ولكن تفعله تريد وجه الله، تريد دار الآخرة، تريد النجاة، تريد براءة الذمة، هكذا المؤمن.
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يكون عمله لله، وأن يقصد بهذا العمل وجه ربه، والقربة لديه لعله يرضى عنه ولعله يتقبله منه.
س: تسأل المستمعة وتقول: كيف يكون الفرد المسلم من المتقين، ومن عباد الله الصالحين؟ (1) .
ج: إذا اتقى ربه، إذا أدى فرائض الله؛ وترك محارم الله، إخلاصا لله، ومحبة لله؛ يكون من المتقين، ويكون من المؤمنين؛ إذا أخلص لله صادقا؛ وأدى فرائضه؛ وابتعد عن محارمه؛ ووقف عند حدوده، هذا يكون من عباد الله الصالحين، ومن المتقين الموعودين بالجنة والكرامة.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (431) .(1/78)
24 - عدد الأنبياء والرسل
س: كم عدد الأنبياء والرسل وعن الفرق ما بينهم؟ (1) .
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (351) .(1/78)
ج: لم يثبت في عددهم حديث صحيح، لم يثبت في عدد الرسل والأنبياء حديث صحيح، ويروى أن الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، ولكن الحديث ليس بثابت، بل هو ضعيف، لكن الأنبياء كثيرون، والرسل أخص وأقل، والرسول هو الذي يوحى إليه ويؤمر بالبلاغ، يرسل للأمة يبلغها، والنبي هو الذي يوحى إليه في نفسه، لكن لا يؤمر بتبليغ الناس، هذا أحد التعريفين، والتعريف الثاني للعلماء: أن الرسول هو الذي يبعث إلى الأمة مستقلا، والنبي هو الذي يبعث تابعا لغيره، كأنبياء بني إسرائيل بعد موسى تابعين له، والصواب في هذا أن الأمر واسع، النبي يسمى رسولا، والرسول يسمى نبيا حتى النبي يسمى رسولا، قال الله جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} (1) .
سمى كليهما رسولا، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (2) . الآية من سورة الحج فسماهم جميعا رسلا، فالنبي يسمى رسولا، والرسول الذي يبلغ الناس يسمى رسولا؛ لأن النبي الذي أوحي إليه قد أرسل إلى نفسه، لكن ما أمر أن يبلغ الناس، فقد أرسل إلى نفسه يأمرها وينهاها.
__________
(1) سورة الحج الآية 52
(2) سورة الحج الآية 52(1/79)
25 - أول رسول بعث
س: يقول السائل: من هو أول الأنبياء إدريس أم نوح عليهم السلام؟ (1) .
ج: أول الأنبياء بعدما وقع الشرك نوح، بعد ما وقع في الأمة، وأما قبل ذلك فهو آدم، هو أول الرسل وأول الأنبياء، آدم أبونا عليه الصلاة والسلام، وهو أول رسول وأول نبي، وكانت ذريته على الإسلام، عشرة قرون، ثم وقع الشرك في قوم نوح، فأرسل الله عليهم نوحا فصار نوح أول الرسل بعد وقوع الشرك.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (428) .(1/80)
26 - تعريف النبي والرسول
س: إذا كان هناك فرق بين النبي والرسول، فمن هو أول رسول بعث؟ وما هو الفرق بين النبي والرسول جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: المشهور عند العلماء أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع، لكن لا يؤمر بتبليغه بل هو وحي لنفسه، يعني أمر في نفسه بالعمل، فهذا يقال له: نبي، فإذا أمر بتبليغ الناس، يقال له: نبي رسول، قال آخرون
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (350) .(1/80)
من أهل العلم: إن النبي هو الذي يكون مبعوثا بشريعة سبقه إليها نبي مثله، كالأنبياء بعد موسى الذين يحكمون بالتوراة، فيقال لهم أنبياء ورسل، أما الرسول المستقل كموسى ونوح وهود، فهؤلاء يقال لهم رسل وهم أنبياء أيضا.
وبكل حال فالأمر في هذا واسع، والأقرب أن الرسول يسمى نبيا، والنبي يسمى رسولا؛ ولهذا قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (1) . فالنبي يسمى رسولا؛ لأنه أوحي إليه بشرع، وإن كان لنفسه، وإذا أمر بالتبليغ صار رسولا لنفسه ولغيره، فالأمر في هذا واسع.
__________
(1) سورة الحج الآية 52(1/81)
27 - الفرق بين النبي والرسول
س: ما هو الفرق بين النبي والرسول (1) ؟.
ج: المشهور عند العلماء أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع ولكن لا يؤمر بتبليغ الناس، يوحى إليه أن يفعل كذا ويفعل كذا يصلي كذا ويصوم كذا لكن لا يؤمر بالتبليغ، هذا يقال له نبي؛ أما إذا أمر بالتبليغ أن يبلغ الناس صار نبيا رسولا، كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وموسى، وعيسى،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (221) .(1/81)
ونوح، وهود، وصالح وغيرهم، وقال قوم آخرون من أهل العلم: إن النبي هو الذي يبعث بشريعة تابعة لغيره تابعة لنبي قبله، يقال له نبي، أما إذا كان مستقلا فإنه يكون نبيا رسولا، فالذين بعثوا بعد موسى بشريعة التوراة يسمون أنبياء؛ لأنهم تابعون للتوراة، والصواب الأول: أن الرسول هو الذي يبعث ويؤمر بالتبليغ وإن كان تابعا لمن قبله، كما جرى من داود وسليمان، وغيرهم من الأنبياء بعد موسى؛ لأنهم دعوا لما دعا إليه موسى وهم أنبياء ورسل عليهم الصلاة والسلام، فالرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ مطلقا وإن كان تابعا لنبي قبله، كمن كان على شريعة التوراة، والنبي هو الذي لا يؤمر بالتبليغ يوحى إليه بصيام أو بصلاة أو نحو ذلك، لكنه لا يقال له بلغ الناس.
س: السائل أ. أ. من السودان؛ يقول: ما هو الفرق بين النبي والرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي فائدة علم النبي للبشر؟ (1) .
ج: المشهور أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع لنفسه يعمل بنفسه ولا يؤمر بالتبليغ؛ والرسول الذي يؤمر بالتبليغ؛ مثل النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: اقرأ هذا نبي، فلما قيل له: {قُمْ فَأَنْذِرْ} (2) صار رسولا نبيا جميعا.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (396) .
(2) سورة المدثر الآية 2(1/82)
فالرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ، يوحى إليه ويؤمر بتبليغ الناس ودعوتهم، كمحمد صلى الله عليه وسلم، وموسى وعيسى وداود وسليمان ونوح، ونحوهم، والنبي هو الذي يوحى إليه بشرع ولكن لا يؤمر بالتبليغ، ككثير من أنبياء بني إسرائيل، أوحي إليهم ولم يؤمروا بالتبليغ، ولكن لأنفسهم.(1/83)
28 - القول بأن أصل الإنسان قرد باطل
س: دائما اقرأ وأسمع أن الإنسان قد كان قردا في البداية، ثم مر بمراحل وتحول إلى الإنسان العادي المعروف اليوم هل هذا من المعقول أم لا؟ وهل عناصر القرد، أي عناصر تكوين جسمه هي نفس العناصر المكونة لجسم الإنسان؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا؟. (1) .
ج: هذا القول الذي ذكره السائل قول منكر وباطل ومخالف لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولإجماع سلف الأمة. وقد اشتهر هذا القول عن المدعو (داروين) وهو كاذب فيما قال. بل أصل الإنسان هو الإنسان على حاله المعروف؛ ليس أصله قردا ولا غير قرد، بل هو إنسان سوي عاقل خلقه الله من الطين من التراب؛ وهو أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، خلقه الله من تراب كما قال
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (140) .(1/83)
الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (1) . فهو مخلوق من هذا التراب خلقه الله على صورته، طوله ستون ذراعا في السماء ثم لا يزال الخلق ينقص حتى الآن، فهو مخلوق على الصفة التي نشاهدها، فأولاده كأبيهم مخلوقون على خلقة أبيهم، لهم أسماع ولهم أبصار ولهم عقول ولهم القامة التي تعرف لهم الآن، يقومون على أرجلهم ويتكلمون ويسمعون ويبصرون ويأخذون بأيديهم ويعطون، وليسوا على شكل القردة، وليس تكوينهم تكوين قردة، بل لهم تكوين خاص، وللقردة تكوين خاص، وهكذا كل أمة، فالقردة أمة مستقلة، والخنازير أمة مستقلة، وهكذا الكلاب والحمير، وهكذا القطط وهكذا غيرها أمم، كما قال الله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (2) . هذه الأمم كلها تحشر إلى الله، تجمع يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني ترابا فتكون ترابا، ما عدا الجن والإنس، فلهما شأن آخر يحاسبون ويجزون بأعمالهم، فمن أطاع ربه فإلى الجنة، ومن كفر به فإلى النار، أما هذه الحيوانات الأخرى فهي أمم مستقلة فالقردة أمة مستقلة، لها خلقتها ونشأتها وخصائصها، والخنازير كذلك والكلاب كذلك، والحمر كذلك والإبل كذلك والبقر كذلك، والغنم كذلك وهكذا كل أمة من الأمم لها خلقتها، وميزتها
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 12
(2) سورة الأنعام الآية 38(1/84)
التي أنشأها الله عليها سبحانه، وهو الحكيم العليم وهو أبصر بدقائق أمرها؛ ودقائق تكوينها هو أبصر بهذا سبحانه وتعالى، لكن يجب أن يؤمن العبد أن خلق آدم غير خلق القردة، وأن أصل آدم هو أصله الذي هو عليه الآن وليس أصله قردا ولا غيره؛ بل هو إنسان سوي على خلقته المشاهدة، فالقول إن أصله قرد قول منكر، قول باطل، بل لو قيل بكفر صاحبه لكان وجيها، فالأظهر والله أعلم أن من قاله مع علمه بما جاء به الشرع أنه يكون كافرا؛ لأنه مكذب لله ورسوله ومكذب لكتاب الله في خلق آدم.(1/85)
29 - ليس قبل آدم عليه السلام إنسان آخر
س: الأخ م. م. ي. من الجمهورية العربية اليمنية لواء الجديدة يسأل ويقول: سمعت من بعض الناس أنه كان يوجد قبل آدم إنسان بدائي واختفى قبل ظهور آدم، فهل هذا صحيح؟ (1) .
ج: ليس لهذا أصل، بل هذا من الخرافات؛ ليس قبل آدم إنسان آخر.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (179) .(1/85)
30 - الحكمة في اختلاف اللغات والألوان
س: لماذا تعددت اللغات في العالم مع العلم أن جميع الأمم من أصل واحد هو أبونا آدم وأمنا حواء؟ (1) .
ج: الله أعلم سبحانه، ربك هو الحكيم العليم، ليس عندنا يقين بالحكمة في هذا، ولكننا نعلم أن ربنا حكيم عليم، يقول جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (2) ، ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (3) .
فمن حكمته البالغة جعل اللغات متعددة، وجعل الناس ألوانا كذلك؛ كما قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (4) ، فقد يكون من الحكمة الدلالة على قدرة الله العظيمة، وأنه سبحانه قادر أن يجعل لهؤلاء لغة ولهؤلاء لغة، فإن هذا أبين في القدرة العظيمة، وقد يكون من الحكمة أشياء أخرى لا نعقلها ولا نفهمها ويفهمها غيرنا من أهل العلم، فالحاصل أن من أوضح الحكم في ذلك أنه سبحانه وتعالى قدير، ولهذا جعل لغات الناس متعددة، وأخبر أنها من آياته:
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (57) .
(2) سورة الأنعام الآية 83
(3) سورة النساء الآية 11
(4) سورة الروم الآية 22(1/86)
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (1) (2) .
كما جعلهم ألوانا فيهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك، وجعلهم أيضا مختلفين في الأحجام؛ هذا طويل وهذا قصير وهذا بين ذلك، وجعلهم مختلفين في الأخلاق والعقول، وهكذا مسألة اللغة كلها تدل على قدرته العظيمة وأنه يتصرف كما يشاء، سبحانه وتعالى، وقد تكون هناك حكم كثيرة لا نفهمها.
__________
(1) سورة الروم الآية 22
(2) يعني: لغاتكم.(1/87)
31 - لا يعرف مكان نزول آدم عليه السلام ولا قبره
س: هل صحيح أن آدم عليه السلام نزل في سيريلانكا، وخاصة في منطقة سرندبب، هل هذا صحيح أم لا؟ (1) .
ج: لا أصل لهذا ولا أساس لهذا، لا تعرف صحته ولا أصل له. فلا يعرف قبره ولا في أين نزل، ولا في أي بقعة أين دفن آدم عليه السلام، المقصود أن قبر آدم لا يعرف في أي بقعة من الأرض.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (198) .(1/87)
32 - بيان ارتباط العقل بالروح
س: نحن بنو البشر، نملك العقل والروح، والسؤال: هل عندما يفكر العقل في شيء، يمكن أن تعارضه الروح على هذا الشيء أو توافقه، أو هل هناك ارتباط بين العقل والروح، أم كلاهما يعملان باختلاف عن الآخر؟ (1) .
ج: العقل والنفس شيء واحد؛ لأن العقل إنما يفكر ينظر ويتأمل بواسطة النفس (الروح) ، فإذا ذهبت الروح بطل كل شيء، فإذا كانت الروح فيه فكر بنفسه، الذي معه هي روحه يفكر بما أعطاه الله من العقل، والتمييز في الصالح والضار، والطيب والخبيث وهكذا، فهو يفكر بما أعطاه الله من العقل بواسطة الروح التي هي نفسه وحياته، فما زالت الروح موجودة أمكنه التفكير والنظر والإعداد لما يريد، والعزم على ما يريد، فإذا ذهبت الروح بطل التفكير.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (181) .(1/88)
باب فيما يتحقق به الإسلام(1/89)
باب فيما يتحقق به الإسلام
33 - بيان ما يتحقق به الإسلام
س: كم هي شروط الإسلام؟ (1)
ج: شروط الإسلام شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله، وأن تكون قاصدا بإسلامك ودخولك في دين الله وأعمالك وجه الله عز وجل، هذا لا بد منه؛ في كل عمل تعمله وكل عمل تعمله وليس لوجه الله سواء كان صلاة أو صدقة أو صياما أو غير هذا لا يكون لله، حتى الشهادتين لو فعلتهما رياء أو نفاقا لا تنفعك تكون من المنافقين. فلا بد أن تنوي بقولك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صدقا، من قلبك تؤمن بالله وحده وأنه المعبود بحق وأن محمدا رسول الله صادقا ورسول الله حقا وأنه خاتم الأنبياء، فإذا كان ذلك صدقا إخلاصا نفعك ذلك، وهكذا في صلاتك تعبد الله بها وحده، وهكذا صدقاتك، وهكذا قراءتك، تهليلك، صومك، حجك يكون لله وحده.
الشرط الثاني: الموافقة للشريعة، لا بد أن تكون أعمالك موافقة
__________
(1) السؤال الثالث عشر، من الشريط رقم (63) .(1/91)
للشريعة، ما هو من عند رأيك ولا من اجتهادك، لا بد تتحرى موافقة الشريعة تصلي كما شرع الله، تصوم كما شرع الله، وتزكي كما شرع الله، وتجاهد كما شرع الله وتحج كما شرع الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » والله يقول في كتابه العظيم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) . يعيبهم الله بهذا، ويقول سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3) {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (4) .
فالواجب اتباع الشريعة التي شرعها الله على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الخروج عنها في جميع العبادات التي قضى الله بها سبحانه وتعالى، هذه هي شروط الإسلام، شرطان: الأول: الإخلاص لله في العمل، والثاني: الموافقة للشريعة، هذا هو الذي به تنتفع بعباداتك، ويقبل الله منك عباداتك إذا كنت مسلما.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، برقم 24944.
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الجاثية الآية 18
(4) سورة الجاثية الآية 19(1/92)
34 - حمل من أظهر الإسلام على ظاهره
س: هل يحكم بالإسلام لمن أظهر شيئا من أمور الإسلام، أم يتوقف إلى أن تعرف عقيدته؟ (1) .
ج: الواجب هو الحكم بالإسلام لمن أظهر ما يدل على إسلامه؛ كالشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وكصلاته مع المسلمين، فإن هذا يدل على أنه مسلم حتى يتبين ما يخالف ذلك، فإذا تبين منه ما يخالف ذلك وجبت نصيحته، ووجب إرشاده ودلالته على ما قد يخفى عليه، فإن ظهر منه الردة عن الإسلام، وما يحكم به عليه بذلك فإن على ولي الأمر أن يستتيبه، فإن تاب وإلا وجب أن يقتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (2) » رواه البخاري في صحيحه.
والخلاصة أن الواجب حمل من أظهر الإسلام على الإسلام وتوجيهه إلى الخير وتعليمه ما جهل، وإرشاده إلى ما قد يخفى عليه حتى يتبين منه ما يدل على كفره وضلاله، فيعامل كما يعامل غيره من الكفرة المرتدين. نسأل الله السلامة والعافية.
__________
(1) السؤال الثاني عشر، من الشريط رقم (155) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.(1/93)
35 - بيان ما يتم الدخول به في الإسلام
س: فيه شيء يتردد بين أوساط الناس يقولون مثلا: الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج أيضا يشترط له الإسلام، فإن الإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. نريد تجلية هذا الموضوع. (1) .
ج: واضح أن المسلم من أتى بالشهادتين، متى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر الصيام قال: ليس واجب صيام رمضان صار مرتدا، أو قال: الزكاة ليست واجبة زكاة الإسلام ليست واجبة صار مرتدا، أو قال: الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الرسول صار مرتدا. هذا ينبغي أن يكون واضحا، فهو إذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإذا استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، من جحد لما أوجب الله من صلاة أو صوم، من جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، يرتد عن الإسلام ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. لو قال: إن الزنا حلال، وهو
__________
(1) السؤال الحادي عشر، من الشريط رقم (26) .(1/94)
يعلم بالأدلة التي تقيم عليه الحجة، أنه يكون كافرا كفرا أكبر أعوذ بالله.
أو قال: الخمر حلال، وقد بين له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: الخمر حلال، يكون كافرا كفرا أكبر، وردة عن الإسلام نعوذ بالله.
أو قال مثلا: إن العقوق، كونه يعق والديه حلال، يكون ردة عن الإسلام نعوذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون ردة عن الإسلام بعد أن يبين له الأدلة الشرعية. كذلك إذا قال: الصلاة ليست واجبة، الزكاة ليست واجبة، صيام رمضان ليس واجبا، الحج مع الاستطاعة ليس واجبا، يكون ناقضا من نواقض الإسلام ويكون كافرا إنما الخلاف إذا قال: الصلاة واجبة، ولكن لا أصلي، هذا محل الخلاف، هل يكفر أو لا يكفر؟ هو يقول الصلاة واجبة، لكن أتساهل ما أصلي، فإن جمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا. وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بها كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1) ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (2) ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 11(1/95)
36 - حكم تغيير الاسم والختان بعد الإسلام
س: إذا أسلم الكافر هل يلزم تغيير اسمه، وإذا كان رجلا كبيرا ولم يطهر وهو صغير؛ لأنه كان كافرا ماذا يفعل به في هذه الحال؟ (1) .
ج: إذا كان اسمه ليس بحسن شرع له تغيير اسمه بعد الإسلام؛ ولأن تغييره أيضا يعطي انطباعا واضحا وظاهرا عن انتقاله للإسلام، وأنه انتقل إلى الإسلام؛ لأنه يسأل عن أسباب التغيير فيعرف الناس أنه أسلم، وأيضا في الغالب أن أسماءهم في الكفر قد لا تكون مناسبة، فتغير بأسماء إسلامية كصالح وأحمد وعبد الله وعبد الرحمن ومحمد ونحو ذلك، أما إذا كان اسمه معبدا لغير الله كعبد المسيح أو عبد الزهرة أو عبد موسى أو عبد عيسى هذا يجب تغييره، فلا يعبد إلا لله سبحانه وتعالى، فإذا كان اسمه معبدا لغير الله يجب أن يغير بعبد الله وبعبد الرحمن، ونحو ذلك، أما إذا كان ما عبد لغير الله ولكن أسماء معروفة عند الكفرة ومن عادات الكفرة فالأولى تغييرها والأفضل تغييرها بأسماه إسلامية.
وأما الختان فالأفضل أن يختتن ولو كان كبيرا، لكن بواسطة، الطبيب الحاذق العارف، ينبغي له أن يختتن، وجمع من أهل العلم
__________
(1) السؤال الخامس؛ من الشريط رقم (30) .(1/96)
يقول: يجب عليه أن يختتن إذا كان ما فيه خطر، أما إن قال الطبيب: إن فيه خطرا - فيسقط، لكن إذا قال الطبيب: إن اختتانه لا بأس به، ولا حرج فيه، ولا خطر فيه - فإنه يختتن. هذا هو الذي ينبغي له.
وهو سنة مؤكدة، أو واجب عند جمع من أهل العلم. فإذا تيسر له الختان، وهو كبير من غير خطر - هذا هو الأولى والأفضل والأحوط. أما إن كان فيه مشقة، وقال بعض الأطباء: إن فيه خطرا - فلا حاجة إلى ذلك، ويسقط.
وإن كان تختينه يسبب تنفيره من الإسلام فلا يذكر، ولا يبين له ذلك. أو يترك؛ لأن دخوله في الإسلام نعمة عظيمة، ولو ما اختتن فلا ينبغي أن يعارض بشيء ينفره من الإسلام.
لكن إذا دخل في الإسلام، واستقر في الإسلام - ينظر بعد ذلك إن تيسر اختتانه بدون مشقة، وبدون خطر فهذا أولى وأحوط، وإن لم يتيسر يترك.(1/97)
باب ما جاء في الأسماء والصفات(1/99)
باب ما جاء في الأسماء والصفات
37 - فضل تعلم أسماء الله وصفاته
س: هناك سؤال - سماحة الشيخ - الحقيقة يتعلق بالعقيدة من السائل ق. س. من محافظة حضرموت، يقول في هذا السؤال: هل تعلم صفات الله عز وجل واجب؟ أم مستحب؟ أم أنه سواء تعلم ذلك أم لم يتعلم هذه الصفات؟
وماذا تقولون في الذين يقولون بأن تعلم هذه الصفات لا ينبغي؛ لأنه يجعل الإنسان يدخل أو يوسوس له كلمة: كيف وماذا؟ وما الكتب التي تنصحوننا بتعلمها في هذا الباب مأجورين؟ (1) .
ج: تعلم أسماء الله وصفاته من القرآن العظيم والسنة المطهرة من أفضل القربات؛ لأن هذا يعين على تعظيم الله وتقديسه، وسؤاله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، والله يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2)
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (400) .
(2) سورة الأعراف الآية 180(1/101)
دل على أنه يشرع أن نعرفها حتى ندعوه بها.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة (1) » . دل على أنه وتر يحب الوتر، ودل على أنه ينبغي لأهل العلم ولأهل الإيمان تعلم أسماء الله وصفاته، حتى يسألوه بها، وحتى يثنوا عليه بها، وحتى يعملوا بمقتضاها، وتحصل لهم الجنة.
هكذا ينبغي للمؤمن أن يعلم أن الله جل وعلا ذو الأسماء الحسنى، وأنه لا شبيه له، ولا كفو له ولا ند له. وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يشبه الله بخلقه؛ لأنه سبحانه يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) .
وهو الرحمن رحمة لا كرحمتنا، وهو العلي علوا لا كعلونا، وهو المستوي على العرش لا كاستوائنا، رحيم لا كرحمتنا، يغضب لا كغضبنا، ويضحك لا كضحكنا، إلى غير هذا من صفاته سبحانه وتعالى.
أما الكتب التي ننصح بقراءتها في هذا المجال فإن أعظم كتاب هو القرآن، ننصحك بالقرآن العظيم، ننصح جميع المسلمين بالعناية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، برقم 7392. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) سورة الشورى الآية 11(1/102)
بالقرآن، والإكثار من تلاوته؛ فهو كتاب الله، فيه الهدى والنور، كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) ، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (2) ، وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3) ، وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (4) .
فنوصي جميع المسلمين رجالا ونساء، نوصيهم بالقرآن، نوصيهم بالإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، وحفظه، أو ما تيسر منه؛ فهو كتاب الله، فيه الهدى والنور، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فيه الدعوة إلى ما أوجب الله، وترك ما حرم الله. فيه قصص الأنبياء والمرسلين، فيه قصص الأخيار؛ حتى يتأسى بهم المؤمن، فيه قصص الأشرار؛ حتى تجتنب أعمالهم.
ثم كتب الحديث الشريف، كالصحيحين: البخاري، ومسلم. والسنن الأربعة، لمن كان عنده علم يقرأ فيهما.
وأما المبتدئ، طالب العلم المبتدئ - فنوصيه بمثل المختصرات التي يستطيع حفظها، مثل بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، ومثل كتاب التوحيد، وثلاثة الأصول، والأربع القواعد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. كشف الشبهات كذلك له رحمه الله. والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعمدة الحديث للشيخ
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة فصلت الآية 44
(3) سورة ص الآية 29
(4) سورة محمد الآية 24(1/103)
الحافظ عبد الغني المقدسي. هذه كتب ينبغي حفظها، تفيد وتنفع، من الكتب المهمة.(1/104)
38 - فضل حفظ أسماء الله الحسنى
س: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة (1) » أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. هل كل من حفظ أسماء الله يضمن دخوله الجنة؟ (2) .
ج: هذا من أحاديث الوعد، ومن أحاديث الفضائل، وفيه غيره من أحاديث الفضائل، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (3) » . وفيه لفظ آخر: «من حفظها دخل الجنة (4) » متفق على صحته.
هذا فيه حث على العناية بأسماء الله، وتدبرها، وحفظها، وإحصائها، حتى يستفيد من هذه المعاني العظيمة، وحتى يكون هذا من أسباب الخشوع لله، وطاعته له، والقيام بحقه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (321) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.(1/104)
سبحانه وتعالى.
ومن أسباب دخول الجنة لمن حفظها، وأدى حق الله، ولم يغش الكبائر. أما من غشي الكبائر من المعاصي فهو معرض لوعيد الله، وتحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة. لكن حفظ هذه الأسماء وإحصاؤها من أسباب دخول الجنة، لمن سلم من الموانع الأخرى؛ فإن دخول الجنة له أسباب، وله موانع كالإقامة على المعاصي من أسباب منع دخول الجنة، مع أول من دخلها، مع الداخلين أولا، فيعذب ثم بعد ما يطهر ويمحص إذا كان مات على المعاصي يدخل الجنة.
وقد يعفو الله عنه، ويدخل من أول وهلة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تغش الكبائر (1) » يعني: كبائر الذنوب، وهي المعاصي التي فيها وعيد أو غضب أو لعن، مثل الزنى، ومثل شرب الخمر، ومثل عقوق الوالدين، أو أحدهما، ومثل أكل الربا، ومثل الغيبة، والنميمة، وأشباهها من المعاصي.
هذه الأشياء خطيرة، وأمرها خطير، وصاحبها إذا مات عليها تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده وإسلامه، وإن شاء عذبه على قدرها، ثم بعد ما يطهر ويمحص في النار يخرجه الله من النار إلى الجنة. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرا من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.(1/105)
العصاة يدخلون النار بمعاصيهم، ويعذبون فيها على قدر معاصيهم.
ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجهم الله من النار؛ بعضهم بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم بشفاعة غيره من الملائكة والأنبياء والأفراط، وبعضهم بمجرد عفو الله عنه؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) .
هذه المعاصي تحت مشيئة معلقة؛ إن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم على قدر معاصيهم، ثم يخرجون من النار بعد التطهير، ولا يخلدون، فيدخلون الجنة بعد ذلك. ولا يخلد في النار إلا صاحب الكفر بالله والشرك، فهم الذين يخلدون لا يغفر لهم.
أما أهل المعاصي فمن دخل النار لا يخلد عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم الباطل، فإنهم يرون أن العصاة يخلدون في النار، فمذهبهم باطل. أما أهل السنة والجماعة فيقولون: العصاة تحت المشيئة إذا ماتوا على التوحيد والإسلام وعندهم معاص فهم تحت المشيئة إذا لم يتوبوا. . وفق الله الجميع.
س: هل من حفظ الأسماء الحسنى دخل الجنة؟ (2)
ج: جاء في الحديث الصحيح، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال الثاني من الشريط رقم (241) .(1/106)
وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (1) » . وفي لفظ: «من حفظها دخل الجنة (2) » ، ولم يبينها - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة. لكن لو وفق الإنسان فأحصاها وحفظها، وصادف أنها تسعة وتسعون - فهو موعود بهذا الخير.
هذا من أحاديث الفضائل إن لم يمت على كبيرة من كبائر الذنوب، فالذي مات على كبيرة، والكبائر من أسباب حرمان دخول الجنة، من أسباب دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه.
والقاعدة الشرعية أن الآيات المطلقة والأحاديث المطلقة يجب أن تحمل على المقيدة وتفسر بها؛ لأن القرآن لا يتناقض، والسنة لا تتناقض. والأحاديث يصدق بعضها بعضا، والآيات يصدق بعضها بعضا، فوجب حمل المطلق من الآيات والأحاديث على المقيد، وتفسر بذلك، تفسير هذا بهذا.
وقد قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3) . فاشترط في تكفير السيئات ودخول الجنة اجتناب الكبائر. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تؤت الكبائر (4) » .
فإذا حفظ الأسماء الحسنى التسعة والتسعين، وهو مقيم على الزنى أو الخمر - فهو معرض للوعيد. وهو على خطر من دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه أو يتوب. لكن إن دخلها
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، برقم 7392. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
(3) سورة النساء الآية 31
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.(1/107)
وهو موحد مسلم بسبب بعض الكبائر لا يخلد فيها، خلافا للخوارج والمعتزلة، بل يعذب على قدر الجريمة، ثم يخرجه الله من النار فضلا منه وإحسانا، ولا يخلد في النار إلا الكفار، الذين حكم عليهم القرآن بأنهم كفار أو السنة.
أما العصاة فلا يخلدون إذا دخلوا النار كالزاني والسارق والعاق لوالديه، ونحو ذلك من أهل المعاصي لا يخلدون إذا دخلوا النار، إذا ماتوا عليها ولم يتوبوا، هم متوعدون بالنار. فإن عفا الله عنهم فهو أهل الجود والكرم سبحانه وتعالى، وإن لم يعف عنهم عذبهم على قدر الجريمة التي ماتوا عليها، ثم بعد ذلك يطهرون، ثم بعد ذلك يخرجون من النار.
وقد أخبر النبي بهذا - عليه الصلاة والسلام - في أحاديث كثيرة متوافقة، أن العصاة يخرجون من النار، ويشفع فيهم - صلى الله عليه وسلم - عدة شفاعات، ويشفع الملائكة، ويشفع المؤمنون، ويشفع الأفراط. هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلاف الخوارج والمعتزلة. ويدل على هذا قوله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) ، فجعل المعاصي تحت مشيئته سبحانه وتعالى، وجعل الشرك لا يغفر إذا مات عليه.
من مات على الشرك فإنه لا يغفر، بل صاحبه مخلد في النار، نعوذ بالله! إذا مات عليه، وهو ليس من أهل الفترة، ولا من في حكمهم - فإنه يخلد في النار، نعوذ بالله!
أما من مات على شيء من المعاصي، ولم يتب - فإنه تحت مشيئة الله سبحانه؛ إن شاء الله عفا عنه
__________
(1) سورة النساء الآية 48(1/108)
فضلا منه وإحسانا، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها. ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار، فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى، خلافا للخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون بخلود العاصي في النار، وقولهم باطل عند أهل الحق.
س: أسأل سماحتكم عن حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» . هل كلمة "أحصاها" الواردة في الحديث معناها حفظها؟ أم قراءتها فقط؟ وجهوني، جزاكم الله خيرا! (1) .
ج: هذا الحديث مخرج في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وله لفظان: أحدهما: " أحصاها "، واللفظ الثاني: «من حفظها دخل الجنة (2) » . معنى " أحصاها " أي حفظها وأتقنها دخل الجنة. وإحصاؤها يكون بحفظها، ويكون بالعمل بمقتضاها.
أما لو أحصاها، وما عمل بمقتضاها، ولا يؤمن بهاء - فإنها لا تنفعه، فالإحصاء يدخل فيه حفظها، ويدخل فيه العمل بمعناها. فالواجب على من وفقه الله لإحصائها وحفظها أن يعمل بمقتضاها، فيكون رحيما، ويكون أيضا عاملا بمقتضى بقية الأسماء. يؤمن بأن الله عزيز حكيم، رءوف رحيم، قدير عالم بكل شيء.
يؤمن بذلك، ثم يراقب الله، ويخاف الله، فلا يصر على المعاصي التي يعلمها
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (289) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.(1/109)
ربه، بل يحذر المعاصي، ويبتعد عنها وعن الكفر بالله كله بأنواعه، إلى غير ذلك.
فهو يجتهد في حفظها مع العمل بمقتضاها، مع الإيمان بالله ورسوله، وإثبات الصفات والأسماء لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. يعلم أنها حق، وأنها صفات لله وأسماء لله، وأنه سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. لا شبيه له ولا مثل له، كما قال عز وجل في كتابه العظيم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) .
يؤمن بهذا، وأنه صمد لا شبيه له، تصمد إليه الخلائق، وتحتاج إليه سبحانه وتعالى. هو الكامل في كل شيء، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا كفو له، لا في صفاته ولا في أفعاله. ليس له كفء ولا مثل ولا سمي، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (6) ، وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (7) .
فهو سبحانه لا سمي له ولا شبه له، ولا كفو له ولا ند له، هو الكامل في كل شيء سبحانه في علمه وفي ذاته، وفي حكمته وفي رحمته وفي عزته وفي قدرته. وفي جميع صفاته سبحانه وتعالى، فمن أحصاها علما وعملا وحفظها علما وعملا أدخله
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة الشورى الآية 11
(6) سورة مريم الآية 65
(7) سورة النحل الآية 74(1/110)
الله الجنة.
أما إذا أحصاها وحفظها، لكن قد أقام على المعاصي والسيئات - فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بمعاصيه. ثم بعد تطهيره من المعاصي يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات على التوحيد والإسلام، كما قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1) .
والكبائر تشمل الشرك وأنواع الكفر، وتشمل المعاصي التي حرم الله وجاء فيها اللعن، والغضب والوعيد من الكبائر. فعلى العبد من العباد الرجال والنساء أن يجتنبوها؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (2) يعني الصغائر {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3) .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (4) » وفي لفظ: «ما لم تغش الكبائر (5) » ، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين أو أحدهما، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، والغيبة والنميمة، والتولي يوم الزحف، والسحر، إلى غيرها مما حرمه الله من الكبائر.
__________
(1) سورة النساء الآية 31
(2) سورة النساء الآية 31
(3) سورة النساء الآية 31
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8498.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233.(1/111)
والمقصود أن إحصاء الأسماء الحسنى وحفظها من أسباب السعادة، ومن أسباب دخول الجنة لمن أدى حقها، واستقام على طاعة الله ورسوله، ولم يصر على الكبائر.
س: سائل من سوريا يقول: كيف أفرق بين الأسماء والصفات، جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: الأسماء واضحة إذا كان المقصود أسماء الله وصفاته؛ لأن السؤال مجمل، فأسماء الله ما سمى به نفسه كالعزيز والحكيم والقدير والسميع والبصير، هذه يقال لها أسماء. والصفات: السمع، البصر، العلم، القدرة، وما أشبه ذلك. هذا الفرق بينهما.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (411) .(1/112)
39 - أسماء الله تعالى كلها حسنى
س: ماذا يجب على المؤمن أن يعتقده في صفات الله سبحانه وتعالى، حتى يكون سليم الاعتقاد، كما كان عليه سلفنا الصالح؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (346) .(1/112)
ج: الواجب على المؤمن أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأن أسماءه كلها حسنى كما قال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) . . وهكذا يعتقد أنها كاملة، وأنه لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3) ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (4) ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} (5) . .
هذا هو الواجب على كل مؤمن ومؤمنة، أن يعتقد أن الله جل وعلا، له الأسماء الحسنى الكاملة وله الصفات الكاملة، التي ليس فيها نقص ولا عيب، ولا خلل. الرضا والغضب والرحمة والإحسان، والجود والكرم والعزة. وكونه مستحق العبادة، وكونه الحكيم، وكونه العليم، إلى غير هذا.
هذه الصفات كاملة يوصف بها على أنها كاملة، من كل الوجوه، ويسمى بها. العليم الحكيم، القدير على ما سمى بها نفسه، سبحانه وتعالى! فهو سبحانه له الأسماء الحسنى كما سمى نفسه، وله معانيها العظيمة، كل معانيها كاملة، ليس له نظير ولا شبيه، ولا مثيل. له الأسماء الحسنى، وله المثل الأعلى في جميع الصفات، سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة الشورى الآية 11
(4) سورة مريم الآية 65
(5) سورة البقرة الآية 22(1/113)
40 - بيان عقيدة الصحابة في الأسماء والصفات
س: سماحة الشيخ بينوا لنا كيف كانت عقيدة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفات الله سبحانه وتعالى، وفي توحيد الله، وفي القرآن، وفي البعث والجزاء؟ جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه! أما بعد: هذا سؤال عظيم جدير بالعناية. عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، وفي البعث والنشور، وفي غير ذلك - هي ما دل عليه القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهم - رضي الله عنهم - تلقوا عن نبيهم العقيدة التي دل عليها القرآن العظيم، وهي الإيمان بالله أنه ربهم ومعبودهم الحق سبحانه وتعالى الذي لا تجب العبادة إلا له سبحانه وتعالى. هو الذي يصلى له، ويدعى ويستغاث به، وينذر له، ويصلى له ويسجد ويذبح له، إلى غير ذلك، العبادة حقه سبحانه وتعالى. فعقيدتهم أن العبادة حق الله وحده، وأنه لا يصرف منها شيء إلى غير الله، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.
وقد كانوا في الجاهلية يعبدون الأصنام، ويدعونها ويستغيثون بها، والأشجار والأحجار. فلما بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - هداهم للإسلام وعرفوا أن ما هم عليه هو الباطل، وأنه الشرك الأكبر، وأن العبادات كلها يجب أن تكون لله وحده.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (380)(1/114)
وعقيدتهم في أسماء الله وصفاته الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت وعدم التكييف والتمثيل، فهم يؤمنون بأن الله هو السميع البصير، الحكيم العليم، الرحمن الرحيم، وأنه على العرش استوى فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم سبحانه وتعالى.
وأنه الحي القيوم، وأنه المتصرف في عباده كيف يشاء، مدبر الأمور وخالق الخلق، ورازق العباد. لا شبيه له ولا مثل له ولا كفء له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) ، ويقول سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) .
فهذه عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، يؤمنون بأنه سبحانه فوق العرش فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم، وأن الأعمال الصالحة ترفع إليه، كما قال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6) ، وقال جل وعلا: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (7) . والعروج: الصعود من أسفل إلى أعلى.
وقال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (8) ، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (9) . .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة الشورى الآية 11
(6) سورة فاطر الآية 10
(7) سورة المعارج الآية 4
(8) سورة غافر الآية 12
(9) سورة البقرة الآية 255(1/115)
وقال سبحانه في حق عيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (1) ، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (2) . .
فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، فهو العلي الأعلى، هو ذو العرش، كما قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} (3) . فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، قد استوى عليه. والاستواء هو العلو والارتفاع فوق العرش، استواء يليق بجلال الله، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا في كلامهم، ولا في غير ذلك، فهو سبحانه وتعالى العلي الأعلى، فوق العرش بلا كيف.
أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي وأتباعهم - لا يكيفون، لا يقولون: استوى، كيف استوى؟ بل يقولون: استوى على العرش بلا كيف، على الكيف الذي يعلمه سبحانه، لا نعلم كيفية صفاته جل وعلا، بل نقول: استوى بلا كيف، وهو الرحمن الرحيم، وهو العزيز الحكيم، وهو السميع البصير، بلا كيف.
لكن نعلم يقينا أن صفاته كاملة، وأنه لا شبيه له ولا مثل له، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4) ، فلا يجوز لأحد أن يكيفها ولا أن يمثلها، فالمشبهة كفار، من شبه الله بخلقه فقد كفر، وكذب قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5) ومن عطل صفاته وأنكرها كالجهمية كفر، أو عطل معانيها كالمعتزلة كفر. فالواجب إثبات أسمائه وصفاته لفظها ومعناها، يجب
__________
(1) سورة آل عمران الآية 55
(2) سورة النساء الآية 158
(3) سورة غافر الآية 15
(4) سورة الشورى الآية 11
(5) سورة الشورى الآية 11(1/116)
إثبات الأسماء والصفات لفظا ومعنى لله عز وجل، فهو موصوف بها.
وهو سبحانه وتعالى له معناها، فهو العلي له العلو، رحمن له الرحمة، سميع يسمع، بصير يبصر، إلى غير ذلك. كله حق، على وجه لا شبيه له في ذلك، ولا كفء له، ولا ند له سبحانه وتعالى.
وكلام الله منزل غير مخلوق، تكلم بالقرآن، وكلامه منزل غير مخلوق، وهكذا كلم موسى، كلم محمدا - صلى الله عليه وسلم -. يكلم الملائكة، كلامه حق. يسمع، ليس كمثله شيء. كلامه نقول فيه كسائر الصفات: كلام صحيح حقيقي، لا يشبه كلام المخلوقين، صفة من صفاته كالسمع والبصر، والرضا والغضب والرحمة، وغير ذلك من صفاته جل وعلا.
فالواجب على جميع المكلفين الإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ومن دون زيادة أو نقص، بل يجب إثبات ما أثبته الله ورسوله، ونفي ما نفاه الله ورسوله.
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وأما الذين غيروا وبدلوا فليسوا من الصحابة في شيء، وليسوا من أهل السنة في شيء كالجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم.
أهل السنة والجماعة يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحد لا شريك له، ويعتقدون معنى قول: لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهم يؤمنون بأنه سبحانه المعبود الحق، وأنه لا إله غيره، ولا شريك له، ويؤمنون بأنه سبحانه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا.
لا يشبهه شيء(1/117)
من خلقه سبحانه وتعالى في شيء من صفاته، والواجب على جميع المكلفين الإيمان بذلك، والسير على منهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهو توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأنه يستحق العبادة والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنها حق، وأنه سبحانه لا شبيه له، ولا مثل له ولا كفء له. ولا يقاس بخلقه عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) ، سبحانه وتعالى، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) ، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (3) . .
هذا هو دين الله، هذا هو الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة النحل الآية 74(1/118)
41 - مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته
س: مجموعة من طلاب العلم بعثوا بهذا السؤال يقولون: نود من سماحة الشيخ أن يتحدث عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؛ لأننا اختلفنا كثيرا مع الإخوان في ذلك حول هذا الموضوع، وجهونا سماحة الشيخ. (1)
ج: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته أنهم
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (399)(1/118)
يؤمنون بها، ويثبتونها كما جاءت في القرآن والسنة، ويمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. هكذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سلك سبيلهم. يؤمنون بأسماء الله وصفاته الواردة في القرآن الكريم أو في السنة الصحيحة، ويثبتونها لله على وجه لائق بالله، من غير تحريف لها، ومن غير تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
يعني لا يحرفونها ويغيرونها، ولا يعطلونها كما تفعل الجهمية والمعتزلة، ولا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفون. ويقولون: كيفيتها كذا، كيفيتها كذا، لا، بل يمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، مثل الرحمن، نقول: هو موصوف بالرحمة على وجه لائق بالله، ليست مثل رحمة المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها، ولا نزيد ولا ننقص.
وهكذا نقول: إنه موصوف بالاستواء {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) . . أما كيف استوى، الله أعلم. ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه استولى. لا، نحن نقول: استوى، يعني ارتفع وعلا فوق العرش، الاستواء هو العلو والارتفاع، لكن على وجه لائق بالله، لا يشابه استواء المخلوقين على دوابهم أو في سطوحهم. لا، استواء يليق به ويناسبه، لا يماثل صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى.
كذلك كونه يغضب، هو يغضب جل وعلا على من عصاه وخالف أمره، لكن ليس
__________
(1) سورة طه الآية 5(1/119)
مثل غضبنا، ولا نكيف ونقول: كيفيته كذا وكذا. لا، نقول: يغضب غضبا يليق بجلاله، لا يشابه صفات المخلوقين، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) ، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) ، وقال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} (3) ، يعني أشباها ونظراء.
وهكذا نقول: إنه يعطي ويمنع، وإنه يحب وإنه يكره، لكن على وجه لائق بالله، لا يشابه صفات المخلوقين في محبتهم وكراهيتهم وبغضهم وسخطهم. لا، صفاته تليق به. وهكذا نقول: له وجه، وله يد، وله قدم وسمع، وله بصر. لكن ليس مثل أسماعنا، ولا مثل أبصارنا، ولا مثل أيدينا، ولا مثل وجوهنا.
وجه يليق بالله، يد تليق بالله، سمع يليق بالله، عين تليق بالله. لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4) . . وقد أخبر عن نفسه أنه سميع بصير، وأنه عزيز حكيم، بل يداه مبسوطتان. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه، فيلتوي بعضها إلى بعض، ثم تقول: قط قط (5) » ، يعني حسبي حسبي.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة البقرة الآية 22
(4) سورة الشورى الآية 11
(5) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: [وهو العزيز الحكيم] برقم 7384، ومسلم في كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2848.(1/120)
وهكذا بقية الصفات نمرها كما جاءت مع الإيمان بها، وإثباتها لله على وجه لائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. نقول: إنها ثابتة، وإنها حق. ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) . .
ولما سئل مالك بن أنس - رحمه الله - عن الاستواء، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن ذلك بدعة (2) ، يعني عن الكيفية.
وهكذا قال سفيان الثوري وابن معين والأوزاعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام إسحاق بن راهوية، وغيرهم من أئمة السلف. وهكذا الصحابة والتابعون على هذا الطريق، لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفونها ولا يقولون: كيف كيف، بل يقولون: نثبتها لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نقول كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3) . .
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) الأسماء والصفات للبيهقي ج 2 ص 410 برقم 836، الاعتقاد للبيهقي ج 1 ص 67، برقم 55
(3) سورة الشورى الآية 11(1/121)
س: السائل من جمهورية مصر العربية، يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما الفرق بين الأسماء والصفات؟ (1) .
ج: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثباتها وإمرارها كما جاءت على وجه لائق بالله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ عملا بقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) ، وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3) . .
فقد سمى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات، فالواجب إثباتها وإمرارها كما جاءت. الرحيم، والعزيز، والقدير، والسميع، والبصير، والرءوف، والغفور، والعليم، إلى غير ذلك. يجب إثباتها لله، على وجه لائق بالله، من غير تحريف للفظها، ولا تعطيل لمعناها، ولا تكييف.
ما يقول: كيفيتها كذا، أو كيفيتها كذا، ولا إنها مثل كذا، ولا مثل كذا، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4) . . وقال رجل للإمام مالك بن أنس رحمه الله: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فقال
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (412)
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الأعراف الآية 180
(4) سورة الشورى الآية 11(1/122)
رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن ذلك بدعة.
وهكذا جاء هذا المعنى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك، وجاء معناه عن أم سلمة رضي الله عنها: معنى: الاستواء معلوم. يعني معروفا معناه، أنه العلو فوق العرش. هذا الاستواء، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) . . وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) . في سبعة مواضع من القرآن، صرح فيها سبحانه أنه استوى على العرش، يعني ارتفع عليه، وعلا عليه جل وعلا.
استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا يكيف، ما يقال: كيفيته كذا، كيفيته كذا، بل يقال: الله أعلم بالكيفية، الاستواء حق ومعلوم، وهو العلو فوق العرش، أما الكيفية فلا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. وهكذا قال جميع أهل السنة من الصحابة، ومن بعدهم، كلهم يقولون هذا المعنى.
فالاستواء والرحمة والعلم والقدرة كلها معلومة، أما الكيف غير معلوم، والإيمان بهذا واجب. نؤمن بأن الله سميع، عليم، حكيم، رءوف، رحيم، قدير، بصير، لطيف، إلى غير ذلك من أسمائه، ولكن لا نكيفها، بل نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3) . .
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة الشورى الآية 11(1/123)
معناها حق، والرحمن اسم والرحمة صفة، والعليم اسم والعلم صفة، والقدير اسم والقدرة صفة. هذا هو الفرق بينهما، فتقول: اللهم، إني أسألك بقدرتك، أسألك بعلمك كذا وكذا، هذه صفة.
اللهم، إني أسألك بأنك العليم، بأنك الرحمن - توسل بالأسماء، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) . . والصفة هي المعنى، والاسم هو اللفظ المشتمل على الذات والمعنى، يقال له: اسم. أما المعنى فقط يقال له: وصف. الرحمن هذا يسمى علما اسما؛ لأنه دال على الذات وعلى الصفة، وهي الرحمة.
العليم اسم؛ لأنه دال على الذات وعلى العلم، السميع اسم؛ لأنه دال على الذات وعلى السمع، البصير اسم دال على الذات والبصر. هذه يقال لها: أسماء. أما الصفات فالعلم صفة، والرحمة صفة، والقدرة صفة، السمع صفة.
وهكذا يجب إمرار الجميع كما جاءت، وإثباتها لله، كما قال أهل السنة والجماعة على الوجه اللائق بالله سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. صفات الله تليق به، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، كما قال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) ، وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (3) . وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4) ، سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة النحل الآية 74
(4) سورة الشورى الآية 11(1/124)
42 - بيان الكلام في أفعال الله وصفاته
س: السائل من تشاد، يقول: هل أفعال الله عز وجل قديمة؟ أم حادثة؟ وكيف نوفق بين ذلك؟ جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء (1) .
ج: أفعال الله سبحانه جل وعلا أصلها قديم، وأنواعها تحدث شيئا بعد شيء، فهو الخلاق لم يزل خلاقا، سبحانه وتعالى. لم يزل فعالا لما يريد سبحانه وتعالى، لكن أفعاله تتجدد بحسب حال الواقع. فخلق آدم وقع بعد أن كان عدما، وهكذا خلق الملائكة، وهكذا خلق السماوات، وهكذا خلق الأرض، وهكذا خلق شيء بعد ذلك.
وهكذا رضاه عمن مضى، ورضاه عمن يأتي من المؤمنين، وغضبه على من مضى، وغضبه على من يأتي من الكفار، وهكذا. سبحانه وتعالى، فجنس أفعاله وصفاته قديمة.
والصفات قسمان:
قسم ذاتي، كعلمه وسمعه وبصره. فهذا لم يزل سبحانه سميعا بصيرا عليما قادرا على كل شيء، جل وعلا. وأفعال متعددة تتعلق بالمخلوقين، تتجدد بفعل المخلوقين. فخلق السماوات وخلق الأرض وقع بعد أن كانت عدما، وخلق آدم وقع بعد أن كان عدما. وهكذا خلق الجنة والنار، وهكذا غير ذلك.
كلها تقع شيئا بعد شيء، وهو سبحانه موصوف بأنه الخلاق القادر على كل شيء، ولكنه يفعل ما يشاء، كما قال تعالى:
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (417)(1/125)
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (1) {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} (2) {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (3) {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (4) {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (5) ، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (6) ، فهو سبحانه يفعل ما يشاء قديما وحديثا جل وعلا، لم يزل خلاقا، لم يزل قادرا، لم يزل عالما، لم يزل حيا، قيوما سميعا بصيرا، إلى غير هذا سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة البروج الآية 12
(2) سورة البروج الآية 13
(3) سورة البروج الآية 14
(4) سورة البروج الآية 15
(5) سورة البروج الآية 16
(6) سورة الحج الآية 18(1/126)
43 - وجوب الإيمان باستواء الله تعالى على العرش
س: سألني أخ مسلم أين الله؟ فقلت له: في السماء. فقال لي: فما رأيك في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (1) .؟ وذكر آيات كثيرة، ثم قال: لو زعمنا أن الله في السماء لحددنا جهة معينة، فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل هذه الأسئلة من الأمور التي نهينا عن السؤال عنها؟ (2) ؟
ج: قد أصبت في جوابك، وهذا الجواب الذي أجبت به هو الذي أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فالله جل وعلا في السماء، في العلو سبحانه
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (118)(1/126)
وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (1) {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (2) ، وقال جل وعلا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3) . . وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (4) . .
فهو سبحانه وتعالى فوق العرش في جهة العلو، فوق جميع الخلق عند جميع أهل العلم من أهل السنة. قد أجمع أهل السنة والجماعة - رحمة الله عليهم - على أن الله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى. وهذا هو المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه رضي الله عنهم، وعن أتباعهم بإحسان. كما أنه موجود في كتاب الله القرآن.
وقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جارية جاء بها سيدها ليعتقها، «فقال لها الرسول: " أين الله "؟ قالت: في السماء، قال: "من أنا"؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة (5) » رواه مسلم في الصحيح. فالرسول أقر هذه الجارية في الجواب الذي قلته أنت، «قال لها: " أين الله "؟ قالت: في السماء. قال: " من أنا "؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة» .
وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن
__________
(1) سورة الملك الآية 16
(2) سورة الملك الآية 17
(3) سورة طه الآية 5
(4) سورة الأعراف الآية 54
(5) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، برقم 537.(1/127)
الله في السماء يدل على إخلاصها لله، وتوحيدها لله، وأنها مؤمنة به سبحانه وبعلوه، فوق جميع خلقه وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قالت: أنت رسول الله.
أما قوله جل وعلا: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (1) . فهذا لا ينافي ذلك، الكرسي فوق السماوات، والعرش فوق الكرسي، والله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى.
وتحديد الجهة لا مانع منه، جهة العلو؛ لأن الله في العلو، وإنما يشبه بهذا بعض المتكلمين، وبعض المبتدعة ويقولون: ليس في جهة. وهذا كلام فيه تفصيل، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة، وأنه ليس في داخل السماوات، وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح.
أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل، وخلاف ما دل عليه كتاب الله، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وما دل عليه إجماع سلف الأمة، فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء، فوق العرش، فوق جميع الخلق، والجهة التي هو فيها هي جهة العلو، وهي ما فوق جميع الخلق.
وهذه الأسئلة ليست بدعة، ولم ينه عنها، بل هذه الأسئلة مأمور بها، يعلمها الناس كما سأل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أين الله؟ " وسأله رجل، فقال: أين ربنا؟ فأخبره أنه في العلو سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى في العلو في جهة العلو، فوق السماوات، فوق العرش، فوق
__________
(1) سورة البقرة الآية 255(1/128)
جميع الخلق، وليس في الأرض ولا في داخل الأرض، ولا في داخل السماوات، ومن قال: إن الله في الأرض، إن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، في إخبارهما بأن الله سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا، فلا بد من الإيمان بالله، فوق العرش فوق جميع الخلق، وأنه في السماء في العلو معنى السماء يعني العلو، فالسماء يطلق على معنيين أحدهما: السماوات المبنية، يقال لها: سماء، والثاني العلو يقال له: سماء فالله سبحانه في العلو في جهة العلو، فوق جميع الخلق، وإذا أريد السماء المبنية معناه عليها (في) يعني على، على السماء وفوقها كما قال الله سبحانه: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} (1) ، يعني: عليها، وكما قال الله عز وجل عن فرعون إنه قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (2) ، يعني على جذوع النخل فلا منافاة بين قول من قال: في السماء، وبين قول من قال: إنه في العلو؛ لأن السماء المراد بها العلو، فالله في العلو فوق السماوات فوق جميع الخلق وفوق العرش سبحانه وتعالى، ومن قال: إنه علا يعني فوق السماوات المبنية، ولا شك أنه فوقها فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى.
فأنت على عقيدة صالحة وأبشر بالخير والحمد لله الذي هداك لذلك، ولا تلتفت لأقوال المشبهين والملبسين؛ فإنهم في ضلال وأنت
__________
(1) سورة التوبة الآية 2
(2) سورة طه الآية 71(1/129)
الحمد لله ومن معك على هذه العقيدة، أنتم على الحق في إيمانكم بأن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وعلمه في كل مكان جل وعلا، ولا يشابه الخلق في شيء من صفاته سبحانه وتعالى، وليس في حاجة إلى العرش، ولا إلى السماء بل هو غني عن كل شيء سبحانه وتعالى، والسماوات مفتقرة إليه والعرش مفتقر إليه، وهو الذي أقام العرش، وهو الذي أقام الكرسي، وهو الذي أقام السماوات وهو الذي أمسكها سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} (1) ، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} (2) ، فالله الذي أمسك السماوات وأمسك العرش، وأمسك هذه المخلوقات، فلولا إمساكه لها وإقامته لها لاندك بعضها على بعض، ولكنه جل وعلا هو الذي أقامها وأمسكها حتى يأتي أمر القيامة إذا جاء يوم القيامة صار لها حال أخرى، فهو سبحانه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وهو العالي فوق جميع خلقه، وصفاته كلها علا، وأسماؤه كلها حسنى.
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل بل مع الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
__________
(1) سورة الروم الآية 25
(2) سورة فاطر الآية 41(1/130)
س: تسأل أم مجاهد سودانية تقول: قال زوجي في إحدى خطب الجمعة: إن الله في السماء مستو على العرش، بائن من خلقه وهو فوق السماء السابعة، فذهب أحد الناس يستنكر عليه وشنع به، ونطلب من سماحتكم القول الواضح في هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: قد أحسن زوجك فيما قال، وأصاب الحق فيما قال، والله سبحانه وتعالى فوق العرش، فوق جميع السماوات، فوق جميع الخلق؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) . والاستواء معناه: العلو والارتفاع، يعني ثم علا على العرش وارتفع عليه سبحانه وتعالى. فهو فوق العرش وعلمه في كل مكان عند أهل السنة والجماعة، وهذا هو الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو قول أصحاب النبي جميعا رضي الله عنهم، كلهم درجوا على أن الله في العلو، فوق العرش فوق جميع الخلق، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى؛ كما قال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3) . وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (4) . فله العلو الكامل
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (104) .
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة غافر الآية 12
(4) سورة البقرة الآية 255(1/131)
سبحانه وتعالى من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والشرف، وعلو السلطان والقهر سبحانه وتعالى، وهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته؛ كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) . قال هذا في سبعة مواضع من كتابه العظيم.
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الإيمان بذلك، والإمرار للصفات كما جاءت بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وإنكار الاستواء من مذهب الجهمية، مذهب أهل البدع، فالواجب على أهل الإسلام ذكورا وإناثا أن يؤمنوا بذلك؛ كما جاء في القرآن العظيم، وأن يسيروا على نهج أهل السنة في إثبات علو الله فوق جميع الخلق، فوق السماء السابعة، فوق جميع الخلق، فوق العرش؛ فإن العرش فوق الكرسي، ثم هناك بعد الكرسي بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء والأرض، فالعرش فوق الكرسي وفوق الماء، والعرش هو سقف المخلوقات. وهو أعلاها والله فوق العرش سبحانه وتعالى، فوق جميع الخلق جل وعلا، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) ، وقال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3)
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة طه الآية 5(1/132)
وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (1) . في آيات سبع، كلها دالة على علوه وفوقيته واستوائه على العرش سبحانه وتعالى، فالذي أنكر على زوجك هو الذي أخطأ وغلط ووافق أهل البدع، وخالف أهل السنة، وأما زوجك في إخباره بأن الله فوق العرش فوق السماء، فوق جميع الخلق فقد أصاب، ووافق أهل السنة ووافق الكتاب والسنة، وخالف أهل البدع، فنسأل الله لنا ولكم ولزوجك ولجميع المسلمين التوفيق والهداية، والاستقامة على الحق.
__________
(1) سورة الفرقان الآية 59(1/133)
44 - معنى عرش الرحمن
س: ما المقصود بعرش الرحمن؟ (1) .
ج: العرش عند أهل العلم وفي اللغة العربية هو السرير العظيم، سرير الملك والمراد بعرش الرحمن سرير عظيم هو أعظم المخلوقات، له قوائم وله حملة من الملائكة يحملونه، والله فوق العرش سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) ، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (3)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (140) .
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة الأعراف الآية 54(1/133)
، فهو سرير عظيم ومخلوق عظيم لا يعلم مدى عظمته وسعته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، وهو كالقبة على العالم، هو سقف العالم كله، وهو سقف الجنة أيضا وليس فوقه شيء سوى الله سبحانه وتعالى، هذا هو العرش السرير العظيم الذي تعرفه العرب، كما قال الله سبحانه في قصة بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (1) ، فكراسي الملوك يقال لها عروش، لكن عرش الله سبحانه لا يشابهه شيء من عروش المخلوقين، ولكنه في الجملة يعرف من حيث اللغة، وهو سرير عظيم لا يعلم سعته وعظمته وكنهه ومادته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، إلا إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بذلك، إذا صح عن رسول الله شيء من كنهه فذلك مقدر، ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا أعلم شيئا صحيحا معتمدا يبين مادة هذا العرش، لكنه عرش عظيم ومخلوق عظيم له حملة من الملائكة، كما قال الله جل وعلا: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (2) ، يوم القيامة.
والمشهور أنه في الدنيا يحمله أربعة، كما قال أمية بن أبي الصلت في شعره المعروف الذي أنشده فأقره النبي صلى الله عليه وسلم:
رجل وثور تحتمي بيمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد
يعني أربعة أملاك في صور ما ذكر، أحدهم في صورة رجل،
__________
(1) سورة النمل الآية 23
(2) سورة الحاقة الآية 17(1/134)
والثاني في صورة ثور، والثالث في صورة نسر، والرابع في صورة أسد. فهذه مخلوقات تسمى ملائكة خلقهم الله لحمل هذا العرش، وجاء في حديث العباس بن عبد المطلب أنه في يوم القيامة يحمله ثمانية أوعال، وأنهم يحملون العرش في صورة أوعال، ولهم خلق عظيم وطول عظيم، لكن في إسناده بعض المقال، ونص القرآن أن هذا يكون يوم القيامة كما قال سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (1) ، يومئذ يوم القيامة، فدل ذلك على أنه في الدنيا أربعة، ويوم القيامة يكون ثمانية، والله المستعان وهو سبحانه أعلم.
__________
(1) سورة الحاقة الآية 17(1/135)
45 - مذهب أهل السنة والجماعة في صفة العلو
س: السائل إ. أ. أ. من الحوطة، يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في العلو؟ (1) .
ج: مذهب أهل السنة والجماعة: الإيمان بعلو الله، وأنه سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، كما قال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (2) وقال جل وعلا: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (3) ، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (4)
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (404) .
(2) سورة غافر الآية 12
(3) سورة البقرة الآية 255
(4) سورة الأعراف الآية 54(1/135)
، وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) ، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، أهل السنة والجماعة يؤمنون إيمانا قطعيا بأنه سبحانه في العلو فوق العرش، فوق جميع الخلق، ليس بينهم خلاف في هذا والحمد لله.
س: السائل من تشاد، يقول: أين الله؟ هل هو على عرشه؟ أم في كل مكان؟ وما حكم من يقول بأن الله في كل مكان؟ (3) .
ج: الله سبحانه فوق العرش في العلو فوق جميع الخلق، عند أهل السنة والجماعة، هكذا جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، كل الرسل جاءوا بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) ، وقال سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (5) ، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6) ، وقال جل وعلا: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (7)
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة فاطر الآية 10
(3) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (417) .
(4) سورة طه الآية 5
(5) سورة الملك الآية 16
(6) سورة فاطر الآية 10
(7) سورة المعارج الآية 4(1/136)
، وقال جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1) ، في سبعة مواضع، صرح فيها سبحانه بأنه فوق العرش، قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا في غير ذلك من صفاته جل وعلا، قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) ، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (4) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6) ، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (7) ، استفهام إنكاري يعني لا سمي له، ولا كفو له سبحانه وتعالى، وجاء رجل من الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية يريد أن يعتقها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ "، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة (8) » ، أخرجه مسلم في صحيحه، «لما سألها عن الله؟ قالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة» ، دل على أن ربنا في السماء في العلو، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهذا معنى قوله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (9) أم {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (10)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 54
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 2
(5) سورة الإخلاص الآية 3
(6) سورة الإخلاص الآية 4
(7) سورة مريم الآية 65
(8) أخرجه مسلم في كتاب المساجد مواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، برقم 537.
(9) سورة الملك الآية 16
(10) سورة الملك الآية 17(1/137)
، هكذا جاء في سورة الملك، وهذا إجماع أهل السنة والجماعة، أجمع الصحابة كما أجمعت الرسل عليهم الصلاة والسلام أن الله فوق العرش، وأن الله في العلو جل وعلا، ومن هذا قوله جل وعلا: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (1) {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (2) ، دل على أن موسى أخبره أن الله في العلو، وأنه فوق العرش، ولهذا قال فرعون ما قال.
ومن قال: إن الله في كل مكان أو ليس في العلو فهو كافر، مكذب لله ورسوله، ومكذب لإجماع أهل السنة والجماعة، كالجهمية وأشباههم والمعتزلة هؤلاء من أكفر الناس، لإنكارهم أسماء الله وصفاته.
__________
(1) سورة غافر الآية 36
(2) سورة غافر الآية 37(1/138)
46 - بيان الواجب على من سئل: أين الله
س: البعض من الناس حينما يسأل أين الله؟ يقول: في كل مكان، فما هو الجواب الصحيح من الأدلة الشرعية؟ (1) .
ج: الواجب على من سئل: أين الله؟ أن يجيب بما أجابت به الجارية لما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم، جيء للرسول صلى الله عليه وسلم بجارية يريد صاحبها
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (389) .(1/138)
أن يعتقها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للذي أتى بها: أعتقها فإنها مؤمنة» . وهذا هو الواجب، من قيل له: أين الله؟ يقول: في السماء، فوق العرش؛ كما قال الله جل وعلا: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (1) ، وقال: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (2) ، يعني في جهة العلو فوق العرش، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (3) وقال سبحانه: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (4) الآية. والله جل وعلا قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) ، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (6) ، يعني استوى ارتفع وعلا، في سبعة مواضع من القرآن، ذكر فيها أنه استوى على العرش سبحانه وتعالى، وأهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان يؤمنون بهذا ويقرون بأنه سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وأنه استوى على العرش، فوق جميع الخلق، وأنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته سبحانه وتعالى.
فمن سئل: أين الله؟ يقول: في السماء فوق العرش، هكذا قال
__________
(1) سورة الملك الآية 16
(2) سورة الملك الآية 17
(3) سورة فاطر الآية 10
(4) سورة المعارج الآية 4
(5) سورة طه الآية 5
(6) سورة الأعراف الآية 54(1/139)
أهل السنة والجماعة، كما دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة.
ومن قال: إنه في كل مكان، فقد كذب الله ورسوله، وهو بهذا يكون كافرا، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وعلى ولي الأمر: السلطان أن يحيله إلى المحكمة، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن معناه إنكار كون الله في العلو كونه فوق العرش، معناه تكذيب الله، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيكون كافرا مرتدا، يستتاب فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي الأمر، يحال إلى المحكمة الشرعية حتى يستتاب.(1/140)
47 - حكم قول: الله في كل مكان
س: السائل ل. ع. ل. من السودان، يقول سماحة الشيخ: الإيمان بالأسماء والصفات من أهم شروط اكتمال العقيدة الصحيحة، ومنها الاستواء على العرش، ولكن نجد في بعض البلاد بأنهم يقولون بأن الله في كل مكان، بماذا تنصحونهم، وإن ماتوا على هذا، هل هم خارج الملة، أفتونا بالتفصيل جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: هذا سؤال مهم عظيم يجب على كل مسلم أن ينتبه له، قد أوضحه الرب جل وعلا في كتابه العظيم أوضح الجواب في كتابه
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (396) .(1/140)
العظيم سبحانه وتعالى، وهو الإيمان بعلو الله واستوائه على عرشه، فقد دل كتاب الله العظيم في سبعة مواضع على أنه سبحانه فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من ذلك سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) ، ومنها قوله جل وعلا في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) . فالذي عليه أهل السنة والجماعة: الإيمان بذلك، وأنه سبحانه فوق العرش في علو، قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، كما قال تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3) ، وقال سبحانه: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (4) ، وقال سبحانه: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (5) ، وقال سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6) ، إلى آيات كثيرات تدل على علوه سبحانه، وأنه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وهو الذي جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا،
__________
(1) سورة الأعراف الآية 54
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة غافر الآية 12
(4) سورة البقرة الآية 255
(5) سورة المعارج الآية 4
(6) سورة فاطر الآية 10(1/141)
وهو الذي دل عليه القرآن العظيم، ودلت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم المتواترة، وأجمع عليه المسلمون: الصحابة ومن بعدهم.
ومن زعم أن الله في كل مكان فقد كفر؛ لأنه مكذب لله ورسوله، ومكذب لجماعة المسلمين، فالواجب على كل من يعتقد هذا الاعتقاد أن يتوب إلى الله، وأن يقلع من ذنبه العظيم، وأن يؤمن بأن الله سبحانه في العلو فوق العرش، فوق جميع الخلق جل وعلا.(1/142)
48 - بيان معنى معية الله تعالى مع خلقه
س: قرأت كثيرا في كتب التوحيد، فما إرشادكم في الكتاب الجامع للأسماء والصفات، واعتقاد أهل السنة والجماعة؟ وهل يصلح إطلاق كلمة: إن الله سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه وبقدرته وإرادته، وأقصد بذلك الباء، لأني أقول الباء تقتضي الملاصقة، أرجو التوجيه في هذه القضايا؟ (1) .
ج: أحسن كتاب وأشرف كتاب، وأعظم كتاب في بيان أسماء الله وصفاته، وحقه على عباده هو كتاب الله، هو القرآن العظيم ليس بعده كتاب، هو أشرف كتاب وأعظم كتاب وخير كتاب، وأعلى كتاب لمن أراد الحق وليس فوقه كتاب، وفيه الهداية وفيه البيان، وفيه الدلالة على
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (87) .(1/142)
كل خير، ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، مثل ما في الصحيحين وما ثبت في السنن وغيرها من الأحاديث الصحيحة، فهي أيضا العمدة في هذا الباب، ثم الاستعانة بكتب أهل العلم، التي فيها خير كثير من السلف ككتب الأئمة المعروفين، وموطأ مالك ومسند أحمد وغيرها؛ لأنها كتب تروي الأحاديث الصحيحة تروي الآثار عن السلف الصالح، ثم ما ألفه بعدهم العلماء في الأسماء والصفات مثل كتاب التوحيد لابن خزيمة، كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، كتاب الدارمي عثمان بن سعيد للرد على بشر المريسي، وما أشبه ذلك من الكتب التي ألفت في السنة، كتب البيهقي وإن كان فيها بعض التأويل، الذي وافق فيه الأشاعرة لكنها في الجملة كتب مفيدة، لكن يجب التنبه لما فيها من بعض الخلل والتأويل، ومن أحسن الكتب المتأخرة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، كتب ابن القيم والذهبي، هؤلاء من خيرة العلماء في القرن الثامن، وشيخ الإسلام أيضا من أعيان القرن السابع، فقد جمع بين القرنين فهو من أعيان السابع والثامن جميعا، أما ابن القيم والذهبي وأشباههم، فهم من أعيان القرن الثامن، وهم من أئمة الهدى وكتبهم فيها خير كثير، وهكذا أشباههم من أهل السنة كالحافظ ابن كثير وغيره، وابن رجب، ومن المتأخرين شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، فإنه من أهل السنة وممن ألف في السنة في القرن الثاني عشر، هكذا تلاميذه وأتباعه، كالشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب فتح المجيد، والشيخ سليمان بن عبد الله صاحب تيسير(1/143)
العزيز الحميد، وكلاهما حفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهكذا كتب أئمة الدعوة الذين سلكوا مسلك الشيخ محمد في الدعوة إلى الحق وفي إثبات أسماء الله وصفاته.
والقاعدة في هذا أن كل من عرف باتباع السنة، وتعظيم السنة والسير على منهج السلف الصالح، فهو الذي ينبغي السير على منهاجه، والاستعانة بكتبه والثناء عليه، وحث الناس على الاستفادة من كتبه هكذا، لا يقتصر على أحد معين، كل من عرف أنه يعتني بالسنة ويعظم كلام الله، وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، ويحذر كلام أهل البدع، ويحذر منه ويسير على منهاج السلف الصالح، فهو جدير بالاتباع، وجدير أن يعض على كتبه بالنواجذ سواء كان شافعيا أو مالكيا أو حنفيا، أو حنبليا أو ظاهريا أو لا ينتسب لأحد.
وعن المعية نعم المعية حق، وهذا الكلام هو كلام أهل السنة، بأن الله مع عباده بالمعية، كما قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1) وهو مع أوليائه أيضا بالمعية، لكنها معية خاصة تقتضي نصره لهم، وحفظه لهم وكلاءته لهم، كما قال سبحانه في حق موسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (2) يعني بالنصر والتأييد والكلاءة، وحمايتهما من شر فرعون، وقد فعل سبحانه لقد تكلما على
__________
(1) سورة الحديد الآية 4
(2) سورة طه الآية 46(1/144)
فرعون وناظراه، وبينا له الحق ولم يخافا في الله لومة لائم، والله حماهما من كيده.
وهكذا قوله سبحانه في حق محمد صلى الله عليه وسلم {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (1) ، لما كان في الغار مع صاحبه أبي بكر، وهكذا قوله سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) إلى غير هذا من آيات المعية، وليس في الباء شبهة، الله معنا بقدرته بعلمه ليس بشبهة.
المعنى: أنه فوق العرش، فوق السماوات السبع، بائن من خلقه وهو معنا سبحانه، بقدرته يعني قادرا علينا، معنا يعني أنه قادر علينا، عالم بأحوالنا يرانا ولا يخفى عليه مكاننا، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، وهو معنا أيضا بإحسانه إلينا وبكلاءته لأوليائه، وبحفظه لهم كما أنه مع الناس كلهم بالعلم والإحاطة والقدرة والتصرف سبحانه وتعالى، واعتقاد الباء ملاصقة غير لازم؛ لأن كل مقام له مقال، سرت مع زيد، لا يلزم منه الملاصقة معه، يعني جنبه، لكن لا تلزم الملاصقة، سافرت مع زوجتي كذلك، سافرت مع فلان كذلك، أو سافرت بفلان مثل مع فلان، لا يقتضي الملاصقة، كل شيء بحسبه، سرت مع القمر أو سرت والقمر، أو سرت بالشمس، يعني بالاستمتاع بها والانتفاع بها.
__________
(1) سورة التوبة الآية 40
(2) سورة الأنفال الآية 46(1/145)
كما هي في حق المخلوق إذا قال أحد: أنا معك حيثما كنت، فالله أولى وأجل، ويقول الناس مثلا في العهد الأول: فلان مع معاوية، يعني مع مناصرة معاوية، ولو كان في الشرق أو الغرب، وفلان مع علي يعني مع مناصرة علي، وإن كان ليس في الكوفة ولا معه في جيشه، ويقال: فلانة مع زوجها وفلان معه فلانة، وإن كان بينهما مسافات طويلة، يعني في عصمته، كذلك الراعي مع الرعية والرعية مع الراعي، كلها معية نسبية إذا جاز هذا في المخلوقين، مع قرب بعضهم من بعض، فيجوز في حق الخالق مع عظيم البينونة، البينونة عظيمة، الله سبحانه لا يشابهه شيء، والله سبحانه لا يخالط خلقه، ولا يكون في خلقه شيء منه ولا في خلقه شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من خلقه سبحانه وتعالى.(1/146)
49 - الكلام على صفة نزول الله تعالى
س: يسأل المستمع ويقول: حديث النزول قول: ينزل ربنا في الثلث الأخير، هل ينزل ربنا عز وجل؟ أم تنزل الرحمة؟ (1)
ج: تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أن الله جل وعلا ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (417) .(1/146)
ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ (1) » . أخبر عن نفسه أنه ينزل، لكن لا يعلم كيف النزول إلا هو، كما لا يعلم كيف الاستواء إلا هو سبحانه وتعالى، ينزل كما يشاء وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو، فنقول: ينزل ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نزيد ولا ننقص، بل نقول: ينزل ربنا كما قال: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له (2) » وفي لفظ: «هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له (3) » وفي اللفظ الآخر: «هل من تائب فيتاب عليه؟ (4) » .
يجب على كل مسلم أن يؤمن بهذا النزول إيمانا قاطعا يقينا على الوجه اللائق بالله، لا يكيف، كما نقول في الاستواء، الاستواء معلوم والكيف مجهول، فهكذا نقول: النزول معلوم والكيف مجهول. هكذا قال أئمة السلف كمالك، وربيعة بن أبي عبد الرحمن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم 758.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم 758.
(3) مسند أبي يعلى ج 10 ص 342 برقم 5936.
(4) مسند أبي يعلى ج 10 ص 342 برقم 5936.(1/147)
عن شيخه، وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الإسلام، قالوا في الاستواء وهكذا في النزول، استوى كما يليق بجلاله، استواء بلا كيف فالاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال - يعني عن الكيف - بدعة.
فهكذا نقول: يغضب ويرضى، سبحانه وتعالى غضبا يليق بجلاله لا يشابه غضب المخلوقين، وهكذا يسمع ويبصر لا كسمع المخلوقين، ولا كبصر المخلوقين، سمعا يليق بجلاله، وبصرا يليق بجلاله لا يشابه صفات المخلوقين، وهكذا بقية الصفات، بابها واحد، نثبتها لله على الوجه اللائق بجلال الله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) هذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11(1/148)
50 - صفه الصبر والحلم
س: السائلة \ أم تماضر تسأل: ما الفرق بين الحلم والصبر الذي من صفات الله عز وجل؟ (1) .
ج: الحلم هو عدم معاجلة العاصي بالعقوبة فهو سبحانه موصوف بالحلم جل وعلا، وهو أيضا موصوف بالصبر كما في الحديث الصحيح: «لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم (2) » ، الصبر يعني عدم العجلة بالعقوبة، كونه يصبر لا يعاجل عباده بالعقوبة مع شرك الكثير وظلمهم وعدوانهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (3) ، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (4) ومع هذا يمهلهم، كما قال عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (5) ففي هذا الحلم والصبر جميعا.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (394) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) ، برقم 7378، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، برقم 2804.
(3) سورة يوسف الآية 103
(4) سورة الأنعام الآية 116
(5) سورة إبراهيم الآية 42(1/149)
51 - تكليم الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام
س: كم مرة كلم الله موسى؟ وهل كلمه في نفس المكان الذي كلمه به أول مرة إن كان كلمه مرة أخرى؟ (1) .
ج: الله أعلم، الله قال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) أما عدد الكلمات فالله أعلم، لم يبلغني في هذا عدد.
س: يسأل المستمع ويقول: ما هي اللغة التي يتكلم بها الله عز وجل يوم القيامة لعباده؟ وضحوا لنا ذلك مأجورين (3) .
ج: ظاهر النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه يكلم الناس باللغة العربية، والله أعلم جل وعلا.
ولا أعلم مانعا من أنه يتكلم بغيرها، هو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى؛ يعلم كل شيء؛ ويعلم جميع اللغات، ولا تخفى عليه خافية جل وعلا، لكن ظاهر النصوص أنه يخاطب الناس يوم القيامة باللغة العربية؛ وأن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية، يتخاطبون بهذه اللغة المعروفة - أهل الجنة - والله يخاطبهم بذلك، كما هو ظاهر
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (175) .
(2) سورة النساء الآية 164
(3) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (432) .(1/150)
النصوص، وهو سبحانه يعلم كل شيء، ويقدر على كل شيء وعلى جميع اللغات سبحانه وتعالى؛ ويعلم أحوال أهلها؛ ويجازيهم على أعمالهم بما يستحقون سبحانه وتعالى.(1/151)
52 - القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق
س: رسالة من أحد المستمعين أخونا طالب علم من جدة، له عدة قضايا من بينها هذه القضية، يقول: من المعلوم عند أهل السنة أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ولكن هذه الحروف التي كتب بها القرآن، هل هي غير مخلوقة، أم أنها حروف عربية؛ أي هل كان القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ بهذه الحروف، أم أن هذه الحروف وجدت مع العرب؟ أرجو بيان مذهب السلف فيما سبق، والرد على الإشكالات إن كان هناك إشكالات (1) .
ج: هذا الكلام الذي سأل عنه السائل قد أجاب عنه أهل السنة والجماعة، وأجمعوا أن هذا القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، حروفه ومعانيه، فالقرآن هو كلام الله، حروفا ومعاني، تكلم الله به جل وعلا وسمعه جبرائيل وبلغه محمدا عليه الصلاة
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (321) .(1/151)
والسلام. فالقرآن كله حروفه ومعانيه هو كلام الله، ومن قال: إنه مخلوق، فقد كفر عند أهل السنة والجماعة، فهو كلام الله حروفا ومعاني، وهو موجود في اللوح المحفوظ، بحروفه ومعانيه، كما قال سبحانه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (1) {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (2) ، فالقرآن كله كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، بحروفه ومعانيه جميعا، كما نص عليه أهل السنة والجماعة، وكما نص على ذلك أيضا أبو العباس، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، منها العقيدة الواسطية التي ذكر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة، فالقرآن كلام الله، حروفا ومعاني جميعا، فكلام الله حروف ومعان. نزل به جبرائيل على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وأثبته الله في اللوح المحفوظ، كما بين الله في كتابه سبحانه وتعالى، ومن قال خلاف ذلك فقد خالف الشرع، وابتدع في الدين، وخالف أهل السنة والجماعة.
س: هذا السائل من اليمن، رمز لاسمه، بـ س. و. ت. يقول: هل قال البخاري - رحمه الله - بأن القرآن ليس مخلوقا، وهو كلام الله، ولكن التلفظ به مخلوق؟ (3) .
ج. القرآن هو كلام الله، والبخاري وغيره يقولون: هو كلام الله،
__________
(1) سورة البروج الآية 21
(2) سورة البروج الآية 22
(3) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (406) .(1/152)
منزل غير مخلوق، ولكن إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ هذا فيه احتمال، ولهذا رأى الأئمة ترك ذلك، وإذا أراد صوته فصوته مخلوق، أما إذا أراد لفظي يعني ملفوظي. والذي يتكلم به هو القرآن، هذا غلط، ولهذا كره بعض أهل العلم من يقول: هذا الكلام؛ لأنه يوهم، إذا قال: صوتي مخلوق، أما القرآن فهو كلام الله، وأوضح الأمر فلا حرج، ولهذا كره إطلاق هذه الكلمة بعض أهل العلم لأنه يوهم، وبعضهم أجاز ذلك على نية الصوت، أما المتلفظ به وهو القرآن فهو كلام الله، منزل غير مخلوق، سواء في قلبك أو تلفظت به أو كتبته هو كلام الله غير مخلوق.(1/153)
53 - حكم من قال: إن القرآن مخلوق
س: تقول: ما حكم من ينتسب إلى مذهب يؤمن بأن القرآن مخلوق، وأن الناس لا يرون الله يوم القيامة، مع العلم أن من ينتسبون إلى هذا المذهب أغلبهم لا يقرون بخلق القرآن، ولا يؤمنون به، ويقولون: إنا لا نؤمن بأن القرآن مخلوق، لكننا ننتسب إلى هذا المذهب؛ لأن آباءنا كانوا ينتسبون إليه فقط، وما حكم من يؤمن بخلق القرآن؟ أيعتبر خارجا عن ملة الإسلام؟ وجهونا في هذا، جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (443) .(1/153)
ج: نعم الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، معناه إنكار أنه كلام الله، وهذا كفر أكبر، وهكذا من قال: إن الله لا يرى، فمن أنكر رؤية الله في الآخرة، رؤيته في الجنة فهذا كفر أكبر؛ لأنه كذب الله وكذب رسوله عليه الصلاة والسلام، فكل طائفة أو شخص يقول: إن القرآن مخلوق، معناه أنه ليس كلام الله بل هو كلام مخلوق، والله صرح بأنه كلامه سبحانه وتعالى؛ لقوله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1) وقال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (2) .
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس: «ألا رجل يؤمنني حتى أبلغ كلام ربي (3) » يطوف عليهم في مكة قبل الهجرة يطلب منهم أن يؤووه حتى يبلغ كلام الله، المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم صرحوا بأن القرآن كلام الله، والقرآن دل على أنه كلام الله، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه ليس كلام الله، فيكون كافرا بذلك، مكذبا لله ولرسوله ولإجماع المسلمين، وهكذا من أنكر صفات الله، وأنكر رؤيته ومن قال: إنه ليس بحكيم ولا حليم، ولا عزيز ولا قدير، فهو كافر كالجهمية، وكذلك من أنكر رؤية الله، وأن المؤمنين لا يرونه في
__________
(1) سورة التوبة الآية 6
(2) سورة الفتح الآية 15
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، برقم 14770.(1/154)
الآخرة ولا في الجنة، هذا كافر كفرا أكبر، أعوذ بالله؛ لأنه كذب الله ورسوله، والله يقول جل وعلا في حق الكفرة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (1) فإذا حجب الكفار، معناه أن المؤمنين يرون ربهم، سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (2) ، ناضرة أي بهية جميلة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) تنظر إلى الله سبحانه وتعالى، وقال جل وعلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4) ، جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله (5) » وجاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون في رؤيته (6) » ، وقال في حديث آخر: «كما ترون الشمس في صحراء ليس دونها سحاب (7) » وكما قال في ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، يعني رؤية واضحة بارزة ظاهرة، ليست فيها شبهة ولا شك، فالمقصود أن
__________
(1) سورة المطففين الآية 15
(2) سورة القيامة الآية 22
(3) سورة القيامة الآية 23
(4) سورة يونس الآية 26
(5) السنة لعبد الله بن أحمد ج 1 رقم 443.
(6) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) برقم 7434
(7) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.(1/155)
المؤمنين يوم القيامة يرون ربهم رؤية ظاهرة كما ترى الشمس صحوا، ليس دونها سحاب رؤية بارزة، وهكذا في الجنة يرون ربهم جل وعلا، فمن أنكر هذا، وقال: إنه لا يرى فقد كذب الله ورسوله، فيكون كافرا نسأل الله العافية.(1/156)
54 - الأحاديث القدسية كلام الله غير مخلوقة
س: هل تعتبر الأحاديث القدسية أنها غير مخلوقة لأنها كلام الله، وكلام الله غير مخلوق؟ (1) .
ج: نعم الأحاديث القدسية هي كلام الله، هي غير مخلوقة، كالقرآن؛ كقوله جل وعلا، فيما رواه النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه يقول قال الله سبحانه: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. (2) » الحديث وغيره من الأحاديث القدسية الثابتة، كلها كلام الله.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (321) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم، برقم 257.(1/156)
55 - رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة
س: هناك جدل في مسألة الرؤية؛ أي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وقد كثر الخصام فمن الناس من يقول: إن الله لن يرى، ومنهم من يقول: إنه سيرى، وكل منهم يأتي بالأحاديث وبعض الآيات الكريمة لنفي أقوال الطرف الآخر، أفتونا جزاكم الله خيرا حول هذا الموضوع (1) .
ج: قول أهل السنة والجماعة، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع أهل السنة بعدهم: أن الله سبحانه يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون ويرونه في الجنة أيضا، أجمع أهل العلم على هذا، أجمع علماء الصحابة والمسلمون الذين هم أهل السنة والجماعة على هذا، وقد دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة الصحيحة، يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (2) ، ناضرة يعني: بهية جميلة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) تنظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى، وقال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4) ، صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله (5) » وقال عز وجل في الكفرة. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (6)
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (350) .
(2) سورة القيامة الآية 22
(3) سورة القيامة الآية 23
(4) سورة يونس الآية 26
(5) السنة لعبد الله بن أحمد ج 1 رقم 443.
(6) سورة المطففين الآية 15(1/157)
فإذا حجب الكفار علم أن المؤمنين غير محجوبين، بل يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة، وفي الجنة يقول صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترون ربكم يوم القيامة، كما ترون القمر ليلة البدر، لا تمارون في رؤيته (1) » . وفي لفظ: «لا تضارون في رؤيته (2) » وفي اللفظ الآخر: «كما ترون الشمس صحوا، ليس دونها سحاب (3) » كلام بين واضح، يبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين يرون ربهم رؤية ظاهرة جلية، كما ترى الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما يرى القمر ليلة البدر، ليس هناك سحاب، وهل بعد هذا البيان بيان؟ ما أوضح هذا البيان وما أبينه وما أكمله، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه في الجنة أيضا، من أنكر الرؤية فهو مبتدع ضال، من أنكر رؤية الله للمؤمنين، كونهم يرونه يوم القيامة في الجنة، فهو ضال مبتدع نسأل الله العافية.
س: هذا سائل لم يذكر الاسم في هذه الرسالة، ويقول فيها: أريد من سماحة الشيخ الإجابة على هذا السؤال، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن
__________
(1) مسلم الإيمان (183) ، ابن ماجه المقدمة (179) ، أحمد (3/16) .
(2) الترمذي صفة الجنة (2557) ، أبو داود السنة (4730) ، أحمد (2/389) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.(1/158)
استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا (1) » والسؤال هو: لماذا قرن في هذا الحديث بين رؤية الله عز وجل، وبين صلاة الفجر وصلاة العصر؟ هل المحافظة على هذه الصلاة في هذين الوقتين سبب لرؤية الله عز وجل؟ جزاكم الله خيرا (2) .
ج: رؤية الله سبحانه في الجنة ويوم القيامة حق يراه المؤمنون وهي أعلى نعيم أهل الجنة، إذا كشف الحجاب عن وجهه ورأوه ما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه، وقد أخبر جل وعلا أنهم يرونه يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس صحوة ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، عند أهل السنة والجماعة، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا (3) » يعني: صلاة العصر وصلاة الفجر،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 554، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633.
(2) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (397) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 554، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633.(1/159)
ذكر أهل العلم أن السر في ذلك أن من حافظ عليهما يكون ممن ينظر إلى الله، بكرة وعشيا في الجنة، يعني هي مقدار البكرة والعشي، الجنة ليس فيها ليل كلها نهار مطرد، لكن هي مقدار البكرة والعشي كما قال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (1) ، يعني هي مقدار البكرة والعشي في الدنيا وهكذا في الرؤية في مقدار البكرة والعشي يعني خواص أهل الجنة لهم رؤية ما بين البكرة والعشي يعني رؤية كثيرة بسبب أعمالهم الطيبة وإيمانهم الصادق، ومن أسباب ذلك محافظتهم على صلاة العصر وصلاة الصبح؛ لخصوصيات أهل صلاة العصر وصلاة الصبح والمحافظة عليهما، مما يدل على قوة الإيمان وكمال الإيمان مع بقية الصلوات، الواجب أن يحافظ على الجميع، ولكن يخص العصر والفجر بمزيد عناية؛ لأنها ضد ما يفعله المنافقون وضد ما عليه الكسالى.
__________
(1) سورة مريم الآية 62(1/160)
56 - رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا
س: تسأل السائلة وتقول: هل هناك دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل؟ وهل هناك دليل على رؤية الناس يوم القيامة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ (1) .
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (207) .(1/160)
ج: أما في الدنيا فلم ير ربه - عليه الصلاة والسلام، وقد طلب موسى أن يرى ربه فقال. {لَنْ تَرَانِي} (1) ، وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: «واعلموا أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت (2) » ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، سئل عن هذا، قال لما سأله أبو ذر، قال «يا رسول الله: هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نورا (3) » ، وفي لفظ قال: «نور أنى أراه (4) » ، رواهما مسلم في الصحيح.
فبين لنا أنه لن يرى أحد منا ربه حتى يموت، فعلم بهذا أنه لا يرى في الدنيا سبحانه وتعالى، وإنما يرى في الآخرة، قد يرى في النوم كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يرى بالعين في اليقظة إلا في الآخرة، فقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يرى في الآخرة، يراه المؤمنون في القيامة، ويراه أهل الجنة في الجنة، وهذا إجماع أهل السنة والجماعة، وقد أنكر ذلك بعض أهل البدع، وقالوا: إنه لا يرى
__________
(1) سورة الأعراف الآية 143
(2) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة. باب ذكر ابن صياد، برقم 2931.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: '' نور أنى أراه ''، برقم 178.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: '' نور أنى أراه ''، برقم 178، والإمام أحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم 20987.(1/161)
حتى في الآخرة، وهذا قول باطل، بل من عرف الأحاديث الصحيحة المتواترة عرف أنه حق، أنه يرى في الآخرة ويرى في الجنة، يراه المؤمنون، وأن من أنكر ذلك فقد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا نرى ربنا، قال في بعض الروايات في الصحيحين عليه الصلاة والسلام: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، وكما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب (1) » فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يرى جل وعلا رؤية واضحة ظاهرة، يراه المؤمنون في القيامة، ويراه المؤمنون في الجنة كما يرى القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يعني لا يزاحمون في رؤيته ولا يتضامون أيضا ولا يشكون برؤيته سبحانه وتعالى، هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم، بل جاءت به الأخبار عن رسول الله المتواترة، اليقينية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كلهم أجمعوا على أن الله سبحانه - يرى في الآخرة، ويراه أهل الجنة، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) يعني: الكفار، لا يرونه في القيامة محجوبون عنه، وأما المؤمنون فيرونه في القيامة ويرونه في الجنة كما يشاء سبحانه وتعالى، هذا هو قول أهل الحق وهو قول أهل السنة والجماعة، وقد ذهب جمع من أهل العلم على أن من أنكر ذلك فهو كافر، ذهب جمع من أهل السنة والجماعة على من أنكر رؤية الله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.
(2) سورة المطففين الآية 15(1/162)
في الجنة وفي القيامة يكون كافرا، لأنه مكذب للرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام من الأحاديث المتواترة الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين ممن يراه، ومن يفوز بذلك يوم القيامة وفي دار الكرامة، ونسأل الله العافية من طاعة الهوى والشيطان.
س: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج، علما أني سمعت رجلا يقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (2) {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} (3) : إن جبريل عليه السلام لا يستطيع الوصول إلى هذا المكان، إنما هو الله سبحانه؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا (4) .
ج: الصواب أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة الإسراء والمعراج، وإنما رأى جبرائيل، هذا هو الصواب، كما قال الله سبحانه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (5) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (6) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (7) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (8) {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (9) هذا جبرائيل عليه السلام: {ذُو مِرَّةٍ} (10) يعني: ذا قوة {ثُمَّ دَنَا} (11) يعني: جبرائيل،
__________
(1) سورة النجم الآية 13
(2) سورة النجم الآية 14
(3) سورة النجم الآية 15
(4) السؤال الرابع من الشريط رقم (125) .
(5) سورة النجم الآية 1
(6) سورة النجم الآية 2
(7) سورة النجم الآية 3
(8) سورة النجم الآية 4
(9) سورة النجم الآية 5
(10) سورة النجم الآية 6
(11) سورة النجم الآية 8(1/163)
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} (1) {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (2) يعني: من محمد عليه الصلاة والسلام، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} (3) يعني: أوحى جبرائيل إلى عبد الله، هو محمد عليه الصلاة والسلام يعني معروفا من السياق، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (4) {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (5) {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (6) {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (7) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (8) كل هذا في جبرائيل هذا هو الصواب، إنه السياق كله في جبرائيل لا في حق الله عز وجل، هذا هو الحق، وقد وقع في رواية شريك بن عبد الله بعض الأغلاط، وذكر ما يدل على أنه الله سبحانه وتعالى، ولكن أهل الحق من أئمة الحديث غلطوا شريكا في ذلك، فالصواب أن الآية في جبرائيل، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (9) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (10) هذا جبرائيل عليه الصلاة والسلام، وكان رآه مرتين في صورته التي خلقه الله عليها، رآه في مكة ورآه عند السدرة، وله ستمائة جناح، كل جناح منها مد البصر، وهذا من آيات الله العظيمة سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: «سألت النبي عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رأيت نورا (11) » وفي لفظ آخر «نور أنى أراه (12) » فبين عليه الصلاة والسلام أنه لم ير ربه وإنما رأى نورا، سئلت عائشة
__________
(1) سورة النجم الآية 8
(2) سورة النجم الآية 9
(3) سورة النجم الآية 10
(4) سورة النجم الآية 10
(5) سورة النجم الآية 11
(6) سورة النجم الآية 12
(7) سورة النجم الآية 13
(8) سورة النجم الآية 14
(9) سورة النجم الآية 13
(10) سورة النجم الآية 14
(11) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: '' نور أنى أراه ''، برقم 178.
(12) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: '' نور أنى أراه ''، برقم 178، والإمام أحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم 20987.(1/164)
عن ذلك؛ فأفادت أنه لم ير ربه، وتلت قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (1) يعني: في الدنيا أما في الآخرة فيراه النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون يرونه يوم القيامة، ويرونه في الجنة كما يشاء، سبحانه وتعالى، هذا بإجماع أهل السنة والجماعة، المؤمنون يرونه يوم القيامة في عرصات القيامة، ويرونه في الجنة كما تواترت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال للصحابة: «هل تضارون في رؤية الشمس صحوا من دون سحاب؟ ، قالوا: لا. قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم سترون ربكم كذلك، ترونه كما ترون هذه الشمس وهذا القمر (2) » يعني: رؤية حقيقية. هذا واضح في مسألة الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا، يوم القيامة وفي دار الكرامة كما ترى الشمس، وكما يرى القمر وهذا تشبيه للرؤية، لا للمرئي، ربنا لا شبيه له سبحانه وتعالى، ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه الرؤية في وضوحها، وإنها يقين كرؤية الشمس والقمر، يعني: أنها رؤية واضحة ثابتة، يقينية لا شبه فيها.
أما المرئي سبحانه فليس له شبيه، ولا نظير، جل وعلا. وهذا هو قول أهل الحق، قول أهل السنة والجماعة، وقد ثبت هذا في الصحيحين، من حديث أبي هريرة وحديث جرير بن عبد الله البجلي،
__________
(1) سورة الأنعام الآية 103
(2) البخاري الرقاق (6204) ، مسلم الإيمان (183) ، أحمد (2/276) .(1/165)
ومن أحاديث أخرى كثيرة متواترة، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في إثبات رؤية الله جل وعلا، المؤمنون يرونه يوم القيامة، ويرونه أيضا في الجنة، أما الكفار فإنهم محجوبون عن الله عز وجل، كما أخبر بهذا سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1) {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) فهم محجوبون عن رؤية الله عز وجل، لا يرونه أما أهل الإيمان فيرونه، وهذا معنى قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (3) وجوه ناضرة يعني من البهاء والحسن، ناضرة من النضارة من البهاء والحسن والجمال، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (4) ، تنظر إليه سبحانه وتعالى كما يشاء، فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى، وكما قال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (5) المعنى للذين أحسنوا في الدنيا الحسنى في الآخرة، وهي الجنة وزيادة وهي النظر إلى ربنا سبحانه وتعالى، فالواجب على كل مؤمن وكل مؤمنة أن يعتقد ذلك، وأن يؤمن بذلك وأن يبرأ إلى الله من طريقة أهل البدع، الذين أنكروا الرؤية ونفوها كالجهمية والمعتزلة، ومن سار في ركابهم، هذا القول من أبطل الباطل، وأضل الضلال، وجحدان لما بينه الله في كتابه، وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة المطففين الآية 14
(2) سورة المطففين الآية 15
(3) سورة القيامة الآية 22
(4) سورة القيامة الآية 23
(5) سورة يونس الآية 26(1/166)
نسأل الله أن لا يحجبنا عن رؤيته، وأن يوفقنا وجميع إخواننا المؤمنين لرؤيته سبحانه وتعالى، والتنعم بذلك في القيامة وفي دار الكرامة؛ إنه جل وعلا جواد كريم، ونسأل الله العافية من هذه البدع، الذين حرموا هذا الخير، وحرموا هذا التوفيق، نسأل الله العافية. وحرموا أن يقروا بالحق الذي أقر به المؤمنون، وهم جديرون بأن يمنعوا من هذا يوم القيامة؛ لجحدهم إياه، نسأل الله العافية.(1/167)
57 - معنى قول: عز وجل، ورب الأرباب
س: تقول السائلة: دائما نقول: الله عز وجل، الله رب الأرباب، ما معنى عز وجل ومعنى رب الأرباب؟ (1)
ج: معنى عز وجل يعني: متصفا بالعزة والجلال والعظمة، فله العزة الكاملة، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ولرسوله} (2) يعني: القهر، والغلبة، والقوة، وكذلك جل أي: متصف بالجلال والعظمة، والكبرياء سبحانه وتعالى، فهو الجليل العظيم، وهو العزيز الذي هو أعز شيء وأجل شيء سبحانه وتعالى، وهو القاهر لعباده والعزيز الغالب لهم، وهو الذي يتصف بالجلال الكامل، يعني العظمة الكاملة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (87) . .
(2) سورة المنافقون الآية 8(1/167)
وأما رب الأرباب يعني رب المخلوقات، فإن الدار لها رب، والأرض لها رب، والنخل لها رب، والأنعام لها رب، يعني مالكا، وهكذا يسمى رب الدار، رب الأنعام، رب الأرض، يعني: صاحبها فهو رب هذه الأرباب، يعني: رب هذه المخلوقات، التي لها أتباع: صاحب الغنم يقال: رب الغنم، صاحب الدار يقال: رب الدار، صاحب الإبل يقال: رب الإبل، فالمعنى أن الله هو رب الجميع وإن سموا أربابهم، لكنهم مملوكون له سبحانه، فهم عبيده فهو رب الأرباب، يعني: رب المخلوقات جميعا، مربوبها ورابها، عبيدها وأحرارها، جمادها وعاقلها إلى غير ذلك.(1/168)
58 - معنى حديث " إن الله خلق آدم على صورته "
س: ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله خلق آدم على صورته، فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟ (1)
ج: الحديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته (2) » ،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (89) . .
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن ضرب الوجه، برقم 2612.(1/168)
وفي لفظ آخر: «على صورة الرحمن (1) » وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل. فالمعنى عند أهل العلم: أن الله خلق آدم سميعا بصيرا، متكلما إذا شاء، وهذا هو وصف الله عز وجل، فإنه سميع بصير متكلم، ذو وجه جل وعلا، وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير ذو وجه ومتكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم، سميعا بصيرا، ذا وجه وذا يد وذا قدم، ويتكلم إذا شاء، لكن ليس السميع كالسميع، وليس البصير كالبصير، وليس المتكلم كالمتكلم، وليس الوجه كالوجه، بل لله صفاته سبحانه وتعالى، لا يشابهه فيها شيء، بل تليق به سبحانه، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص والضعف، أما صفات الله سبحانه، فهي كاملة لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا فناء ولا زوال، ولهذا قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) ويقول سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (3) فلا يجوز ضرب الوجه، ولا تقبيح الوجه.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج 12، برقم 1358.
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الإخلاص الآية 4(1/169)
59 - حكم الثناء على الله تعالى بالشعر والنثر
س: هل يجوز مدح الله سبحانه وتعالى بالشعر بنية القربة ونيل المقصود من الله؟ (1)
ج: نعم، يمدح بالشعر وبالنثر كما فعل الصحابة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (156) . .(1/170)
60 - معنى تمجيد الله
س: ما معنى تمجيد الله؟ (1)
ج: تمجيد الله معناه: تكثير الثناء عليه. أنت الرحيم، وأنت الرحمن، وأنت الجواد، وأنت الكريم، وأنت المحسن، وأنت صاحب الخيرات، أنت الذي أحسنت إلى العباد، أنت المرجو لكل كرب، ولكل شدة. بيدك الخير ولك التصرف في الأمر كله. أثني عليه كثيرا. هذا التمجيد، التوسع في الثناء على الله سبحانه وتعالى
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (254) . .(1/170)
س: يقول السائل: اسم الله الأعظم، هل من ضمن الأسماء الحسنى التسعة والتسعين؟ (1)
ج: كل أسماء الله يقال لها: الأعظم؛ كلها عظمى، وكل أسماء الله عظمى.
س: تسأل المستمعة وتقول: هل لكل اسم من أسماء الله الحسنى سر إذا ردده المسلم لعدد معين من المرات، كما نسمع من بعض العلماء؟ (2)
ج: لا نعرف لهذا أصلا المشروع الإكثار من ذكر الله، لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله اكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، هكذا شرع لنا الله، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. يقول صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم (3) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (432) .
(2) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (432) . .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6406، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2694.(1/171)
ولا إله إلا الله، والله أكبر (1) » ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر.
ويقول: «الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله (2) » ويقول: «الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله (3) » ويقول: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل (4) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا منه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأدب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، برقم 2137.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة؛ مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 515.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، برقم 35.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2693.(1/172)
عمله (1) » هذا فضل عظيم.
وقال: «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده حين يصبح، أو حين يمسي مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (2) » يعني: إذا اجتنبت الكبائر بشرط اجتناب الكبائر؛ كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2691.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6405 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2691.
(3) سورة النساء الآية 31(1/173)
باب ما جاء في احترام أسماء الله تعالى(1/175)
باب ما جاء في احترام أسماء الله تعالى
61 - حكم تسمية المخلوق بالبصير والعزيز
س: حكم التسمية على البشر مثل البصير والعزيز وغيرهم (1) .
ج: أسماء الرب قسمان: قسم يجوز التسمي به وقسم لا يجوز، لا يقال: فلان خلاق ولا رزاق ولا رب العالمين، لكن مثل عزيز، بصير لا بأس: لأن الله سبحانه سمى بعض مخلوقاته كذلك، فقال سبحانه: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2) وفي قصة يوسف عن امرأة العزيز، فمثل هذه الأشياء تطلق على المخلوق، عزيز قومه، كذا البصير المنظور أو بصير بمعنى مبصر، كذلك حكيم بمعنى الحكمة، لا بأس بهذه الأسماء؛ لأن هذه مشتركة: للمخلوق نصيبه منها، والله له الأكمل منها سبحانه وتعالى، لكن الأسماء المختصة بالله لا تطلق على غيره، لا يقال: (الله) لابن آدم، ولا الرحمن، ولا الخلاق ولا الرزاق، ولا خالق الخلق ولا أشباهه مما يختص بالله سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (32) .
(2) سورة الإنسان الآية 2(1/177)
62 - حكم التسمي برحمة
س: يسأل المستمع ويقول: هل يجوز التسمي بالأسماء التي تعتبر من صفات الله عز وجل؟ فإن بعض الناس يتسمى برحمة، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: ما أعلم فيه شيئا، رحمة، ما أعلم في هذا شيئا، اسمه الرحيم، ما هو برحمة، اسم الله: الرحيم، والرحمن، أما الرحمة فما هي من أسمائه، لكن من صفاته.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (428) . .(1/178)
63 - حكم التسمي باسم محسن
س: الأخ م. ع. ع، من جمهورية مصر العربية وهو مقيم في العراق، يقول: أنا اسمي محسن، وأحد طلبة العلم قال: إن هذا الاسم غير جائز، ونصحني بتغيير اسمي، فما هو رأيكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم، قد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على تسمية الله سبحانه بأنه المحسن، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، قد جاء فيه حديث جيد فلا بأس به بإطلاق اسم المحسن على الله جل وعلا فهو
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (124) . .(1/178)
المحسن سبحانه وتعالى، هو المحسن إلى جميع العباد جل وعلا، فعبد المحسن لا بأس به، هذا هو الصواب.
أما من كان اسمه المحسن فانه لا بأس به؛ لأن هذه الأسماء التي تسمى بها، مثل العزيز والسميع مثل الحميد وشبهها؛ لأن أسماء الله ليست تمنع بالنسبة للمخلوقين، إلا ما يختص به سبحانه كالخلاق والرزاق ومالك الملك والرحمن الرحيم، والرحمن كذا وما أشبه ذلك، أما ما يشترك فيه غيره، فللعبد ما يناسبه، ولله ما يناسبه، فيقال لشخص: حليم ويقال: رءوف ويقال: رحيم، كما قال الله في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1) عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في السميع والبصير في قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2) وقوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (3) {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (4) سماه سميعا بصيرا، فالحاصل أن المخلوق يسمى ببعض أسماء الله، التي لا تختص به سبحانه كالسميع والبصير، والقدير والحليم والرءوف والرحيم، ونحو ذلك، فالمحسن كذلك.
__________
(1) سورة التوبة الآية 117
(2) سورة النساء الآية 58
(3) سورة الإنسان الآية 1
(4) سورة الإنسان الآية 2(1/179)
64 - حكم العملات الورقية المكتوب عليها لفظ الجلالة
س: الأخ أ. د. من المدينة المنورة، يسأل عن العملة الورقية التي تكتب عليها كلمة التوحيد. كيف نتصرف تجاهها جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: تحفظها معك في جيبك، ولا حرج عليك إذا دخلت بها الحمام أو غير الحمام، لأنك مضطرا إلى ذلك. والحكم في هذا عند بعض أهل العلم، كراهة الدخول بشيء فيه ذكر الله للحمام، ولكن إذا احتاج الإنسان إلى ذلك وخاف على نقوده، أو نسيها في جيبه أو خاف عليها فلا كراهة. لأن إخراج النقود ووضعها خارج الحمام قد تسرق أو قد ينساها أو يأخذها بعض الأطفال، المقصود أنه لا حرج إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (139) . .(1/180)
65 - حكم كتابة البسملة على الملابس الداخلية
س: رأيت بعض الشركات لديها مجموعة من الفلبينيين من غير المسلمين، وهم يعملون لدى بعض هذه الشركات، وقد كتب على الفنيلة الداخلية لدى كل منهم اسم الشركة، وكتب على الفنيلة أيضا: بسم الله الرحمن الرحيم، فما حكم ذلك؟ . (1)
ج: قد يقال في هذا: إن الكتابة على الفنيلة بسم الله الرحمن الرحيم غير جائز؛ لأنها عرضة لأن تلقى في المحلات، التي لا يتوقى فيها القذر، وقد تلقى في محلات ليست نظيفة، فالحاصل أنه لا ينبغي أن يكتب على الفنيلة وشبهها أسماء الرب عز وجل، ولا بسم الله الرحمن الرحيم، والآيات من القرآن؛ لأن هذا قد يمتهن، ويداس في بعض الأحيان إذا اخلولق، فالمقصود أن هذا لا يجوز، لا في حق النصارى ولا في حق غيرهم. وبهذه المناسبة فإنه لا يجوز استقدام الكافرات للعمل في الجزيرة، بل يجب أن يمنع ذلك، حتى لا يستخدم إلا المسلمات؛ لأن هذه الجزيرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى منها، وبإخراج المشركين منها، حتى لا يكون فيها إلا دين الإسلام، فالذي أوصي به إخوتي في هذه البلاد، أن يحذروا استيراد الكافرات والكافرين للعمل أو غيره، بل يجب أن يكون الاستيراد من المسلمين خاصة؛ لأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يبقى فيها دينان، ولا يجوز أن يبقى فيها يهودي أو نصراني أو وثني، بل يجب أن تطهر من ذلك تنفيذا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (11) . .(1/181)
66 - حكم الأوراق والخطابات المكتوب عليها البسملة بعد الانتهاء منها
س: الأوراق المكتوب فها بسم الله مثل الخطابات والأوراق والجرائد، هل لنا أن نرميها في أي مكان أم لا بد من رميها في مكان معين؟ (1)
ج: لا بد من رميها في مكان محترم أو تحريقها أو دفنها في محل طيب لا توضع بالقمامة؛ لأن فيها بسم الله أو آيات من القرآن.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (336) . .(1/182)
67 - حكم كتابة أسماء الله الحسنى على المسبحة
س: لي خالة تصلي وتصوم، ولكنها تصدق بسبحة اليسر، وهذه السبحة يكتب عليها أسماء الله الحسنى، ولذلك تحلف بالرسول وببعض المشايخ وقبر أخيها، فهل مثل هذه الأشياء تمنعنا من زيارتها أو الجلوس معها إذا زارتنا هي أيضا؟
ج: يجب أن تنصحوها، وأن تعلموها أن هذا لا يجوز، كونها تجعل في حبات السبحة أسماء الله هذا نوع امتهان لأسماء الله، فلا(1/182)
يجوز وضعها في حبات السبحة، وكذلك الحلف بالرسول صلى الله عليه وسلم والحلف بقبر أخيها، أو بالمشايخ، كله لا يجوز منكر، من المحرمات الشركية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (2) » .
فلا يجوز الحلف بغير الله كائنا من كان، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالكعبة ولا بالأمانة، ولا بغير ذلك. فهذه المرأة تنصحونها وتوجهونها إلى الخير وتعلمونها ما شرع الله، وإذا لم تقنع تطلبون من بعض أهل العلم بأن يعلمها ذلك بأن يكتب لها أو يكلمها بالهاتف حتى تقتنع؛ لأن المرأة الجاهلة تعلم، فأنتم تقنعونها فإن أبت تطلبون بعض أهل العلم يقنعونها بالهاتف أو بالكتابة لعل الله يهديها وتدع هذا المنكر، والتسبيح في الأصابع أولى من السبحة، كونها تسبح بأصابعها والتهليل بالأصابع هذا أفضل وأولى، ولكن لا يجوز الوضع في أحجار تكتب عليها أسماء الله ولا شيء من الآيات القرآنية، ولا ذكر الله جل وعلا؛ لأن هذا يكون فيه امتهان. في وضع الأسماء على هذه الأحجار.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف؟ برقم 2679، ومسلم في كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم 1646.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.(1/183)
68 - معنى حديث " من سأل بالله فأعطوه "
س: سائل يقول: بعض الناس يحرجوننا بكلمة: أسالك بالله أن تعطيني كذا، أو أسالك بالله أن تبيعني كذا أو أسالك بالله أن تخبرني بكذا. وفي بعض المرات نرفض تلبية طلبهم عندما لا يكون الطلب في محله. هل الرفض رغم كلمة أسالك بالله يعرضنا للإثم، أم أنه ليس علينا شيء في ذلك؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كان السائل بالله لا حق له في هذا الشيء فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ إن كان يقول: أسالك بالله أن تعطيني دارك، أو تعطيني سيارتك، أو تعطيني كذا وكذا من المال، هذا لا حق له. أما إذا كان يسأل حقا له، أسالك بالله أن توفيني ديني، أسالك بالله أن تعطيني من الزكاة، وهو من أهلها، تعطيه ما تيسر؛ لأن الرسول قال: «من سأل بالله فأعطوه (2) » اللهم صل وسلم عليه. فإذا كان له حق كالفقير يسأل من الزكاة أو حق عليك له دين، يقول: أسالك بالله أن توفيني ديني، أسالك بالله أن تنصرني على هذا الظالم، وأنت تستطيع تنصره على الظالم، أسالك بالله أن تعينني على كذا، وكذا من إزالة
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (208) . .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة؛ مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ برقم 5670.(1/184)
المنكر، لا بأس بهذا، هذا أمر مطلوب عليك أن تعينه، وأن تستجيب له؛ لأنه سأل حقه، والرسول عليه السلام قال: «من سأل بالله فأعطوه» أما أن يسأل شيئا لا حق له فيه، أو يسأل معصية، هذا لا حق له في ذلك، وليس عليهم حرج إذا رفضوا طلبه؛ لأنه طلب ما ليس له.(1/185)
69 - حكم التسمية باسم رزاق
س: هل لكم من كلمة حول الاسم (رزاق) يا سماحة الشيخ؟ وأم رزاق؟ (1)
ج: هذا الاسم لا ينبغي لأن الرزاق هو الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (2) فينبغي أن يقال: عبد الرزاق، هذا هو الذي ينبغي، ولا يقال: أم رزاق ولا أم خلاق؛ لأن هذين الاسمين من خصائصه سبحانه وتعالى، وتقول لمن يكلمها: أنا أم عبد الرزاق، وإذا كان لها حفيظة النفوس تغيرها إذا استطاعت.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (232) . .
(2) سورة الذاريات الآية 58(1/185)
70 - حكم التسمية والتعبيد لغير الله تعالى
س: نجد بعض الناس يسمون أولادهم مثل عبد النبي وعبد الحسين، وهذه منتشرة كثيرا عندنا، فما رأي فضيلة العلماء في هذه الأسماء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: التعبيد لغير الله لا يجوز، لا يجوز أن يقال: عبد النبي ولا عبد علي، ولا عبد الحسين هذا منكر لا يجوز إنما التعبيد لله وحده، عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد الملك، عبد القدوس، هذا هو التعبيد ولا يعبد لغير الله.
قال ابن حزم أبو محمد المشهور: اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمر وعبد الكعبة ونحو ذلك، ما عدا عبد المطلب فليس فيه اتفاق، المقصود أنه حكى اتفاق العلماء على تحريم هذا الشيء، فلا يجوز التعبيد لغير الله كائنا من كان، فلا يقال: عبد الحسين ولا عبد عمر، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا أشباه ذلك بل يجب التسمي بالتعبيد لله، أو بأسماء أخرى كصالح، ومحمد، وأحمد وزيد، وخالد، وبكر، وأشباه ذلك.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (32) . .(1/186)
71 - حكم التسمي بعبد الرسول
س: أخونا يقول: يسمع أن هناك أناسا سموا أبناءهم بعبد الرسول وعبد النبي وعبد الحسن، وما أشبه ذلك، يرجو التوجيه في حكم ذلك (1) .
ج: هذا لا يجوز، التعبيد لا يكون إلا لله وحده سبحانه، لا يجوز التعبيد لغير الله. قال ابن حزم؛ أبو محمد وهو إمام مشهور: أجمع العلماء على أنه لا يجوز التعبيد لغير الله، فلا يجوز أن يقال: عبد الحارث، ولا عبد علي ولا عبد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبد الكعبة كل هذا لا يجوز، هذا من أسماء الجاهلية، وكذلك ما يفعل بعض الشيعة: عبد الحسين، عبد الحسن، عبد العلي، كل هذا لا يصلح ولا يجوز، التعبيد لله وحده سبحانه وتعالى، فيقول: عبد الله، عبد الرحمن، عبد العزيز، عبد القدير، عبد الكريم، وما أشبه ذلك، أو يأتي بأسماء أخرى غير معبدة، كصالح، ومحمد، وسعد، وسعيد، ومالك، وأشباه ذلك من الأسماء التي يعرفها المسلمون وقد تسموا بها والأمر بحمد الله واسع، ليس الناس في حاجة إلى التعبيد لغير الله.
__________
(1) (السؤال التاسع من الشريط رقم (80) .(1/187)
س: كثيرا ما يسمي الناس عندنا في مصر: حسن عبد النبي، ونحو هذه الأسماء، هل هذه التسمية حرام، أم لا؟ وهل يجب علينا تغييرها جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم هذه التسمية حرام، لا يجوز التسمية بعبد الرسول ولا عبد النبي، ولا عبد عمر، ولا عبد الحسين، ولا عبد الحسن، ولا عبد علي، كل هذا منكر، التعبيد يكون لله وحده سبحانه وتعالى، عبد الله، عبد الرحمن، عبد القدوس، عبد الكريم، لا بأس، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله، ما عدا عبد المطلب، فالحاصل أن التعبيد لغير الله محرم بالإجماع، فلا يقال: عبد النبي أو عبد الحسين، ولا عبد علي، وعبد عمر ونحو ذلك، بل عبد الله، عبد الرحمن، عبد الكريم، عبد القدوس، عبد الملك، عبد السلام، وأشباه ذلك من التعبيد لأسماء الله سبحانه وتعالى، وإذا كان قد وقع يغير إذا كان موجودا له أولاد سماهم بهذه الأسماء، عبد النبي أو عبد الحسين أو عبد الحسن، أو عبد عمر، أو شبه ذلك تغير الأسماء إلى أسماء شرعية، بدل عبد النبي يقول: عبد رب النبي، عبد الرسول يقول: عبد رب الرسول عليه الصلاة والسلام. وعبد الحسين يقول: عبد رب الحسين، أو عبد الله أو عبد الرحمن يغير بأسماء تجوز شرعا.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (95) . .(1/188)
72 - حكم إطلاق كلمة سيدنا للنبي صلى الله عليه وسلم
س: ما هو حكم إطلاق كلمة سيدنا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين، وحكم التسمية باسم الجلالة على البشر، مثل البصير والعزيز وغيرها؟ (1)
ج: إطلاق لفظ سيدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنه سيد ولد آدم عليه السلام، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (2) » فهو سيد العباد من المسلمين، إذا قال الرجل في حقه: اللهم صل على سيدنا محمد فلا بأس بهذا، هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق، وإنما كره ذلك على الناس في حياته؛ لأنه خاف عليهم من الغلو لما قالوا: أنت سيدنا قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3) » سدا للذريعة، خاف عليهم أن يغلوا فيه عليه الصلاة والسلام، والآن قد توفي عليه الصلاة والسلام، وقد أخبرنا أنه سيد ولد آدم، فلا بأس أن تقول: سيدنا عليه الصلاة والسلام، وهو
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (32) . .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم 10604، ومسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم 2278.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/189)
خيرنا وسيدنا، وإمامنا وهو خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، أما بقية الناس فالأولى ألا يقال: سيدنا، ولا يخاطب بهذا، لكن لو قيل: آل فلان سيدهم فلان، يعني رئيسهم، سيدهم فلان يعني أميرهم، شيخ قبيلتهم لا بأس، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن: «إن ابني هذا سيد (1) » ، وقال: " من سيد بني فلان؟ من سيد بني فلان؟ وقال للصحابة لما جاء سعد بن معاذ يحكم في بني قريظة: «قوموا إلى سيدكم (2) » هذا لا بأس به، لكن إذا قاموا وقالوا: يا سيدنا، أو هذا سيدنا هذا تركه أولى؛ لأن الرسول قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3) » ولأن من قال هذا قد يفضي إلى التكبر، إذا قيل له هذا الكلام، قد يفضي إلى التكبر، والغلو فيه، فالأولى ألا يقال: سيدنا، يعني ينصحهم يقول: لا تقولوا: سيدنا، قولوا: يا أخانا يا أبا فلان يكفي، أما إذا قيل على سبيل الإضافة، من سيد بني فلان؟ أو هذا فلان سيد: لأنه من بيت النبوة، أو لأنه فقيه أو عالم أو شريف في نفسه في أخلاقه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما '' ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين، برقم 2704.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم 3043، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، برقم 176.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/190)
في أعماله، أو جواد كريم لا بأس، لكن إذا خيف من إطلاق سيد خيف أن يتكبر أو يتعاظم في نفسه، يترك ذلك ولا يقال هذا للكافر، ولا للمنافق ولا للعاصي، لا ينبغي أن يقال له: سيد، بل يقال هذا للشيخ الكبير للفقيه، للعالم للرئيس المعروف بالإصلاح والخير، المعروف بالحكم والفضل والجود، فهذا إذا قيل له: سيد لا بأس، أما أن يقال لغير من ذكر: يا سيدنا فإن ترك هذا أولى.
لكن لو قال: يا سيد قومه لا بأس، أو يا سيد بني فلان، يا سيد بني تميم، يعني رئيسهم لا بأس، إذا كان رئيسهم.(1/191)
73 - حكم إطلاق كلمة مولانا
س: تقول السائلة: أسمع بعض الناس يقولون: مولانا سيدنا، هل لذلكم من حكم؟ (1)
ج: نعم ترك مولانا أولى؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث النهي عن ذلك، وجاء في بعضها في حق العبد: " يقول: سيدي ومولاي ". فالأحوط والأولى للمؤمن ألا يقولها، إلا إذا كان مملوكا يقولها لسيده، وإلا فالأفضل والأحوط ترك ذلك، ولا يقول: سيدي ولا يقول: مولاي، ولما ذهب بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أنت
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (145) . .(1/191)
سيدنا. قال عليه الصلاة والسلام: «السيد الله تبارك وتعالى، يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستفزنكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل (1) » . مع أنه عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، وقد صح عنه أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (2) » هذا معروف.
وبعد وفاته لا بأس أن يقال: هو سيدنا؛ لأنه غير مخاطب بها عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، لو قيل: هو سيد ولد آدم، أو سيدنا محمد لا بأس في ذلك، أما الشخص الذي يخاطب يا سيدي فينبغي ترك ذلك؛ لأن العلة في ذلك التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وفي حق غيره، وقد يجر هذا إلى الغلو في الشخص، وقد يضره هو أيضا فيعجب بنفسه، فيتكبر فلا ينبغي أن يستعمل معه سيدنا أو أنت مولانا، وليستعمل معه شيء آخر، أبا فلان أو يا فلان بلقبه أو بكنيته، يكفي، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، أما أن يقال: فلان سيد بني فلان فلا بأس، كما يقال: فلان سيد تميم، فلان سيد قحطان، فلان سيد قريش، يعني رئيسهم كبيرهم، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ لما جاء في الحكم في بني قريظة، قال: «قوموا إلى سيدكم (3) » .
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم 10604، ومسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم 2278.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم 3043، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، برقم 176.(1/192)
«وكان عليه الصلاة والسلام: يسأل الناس، ويسأل القبائل: من سيدكم؟ (1) » من سيد بني فلان؟ يعني: من رئيسهم؛ وقال في حق الحسن رضي الله عنه: «ابني هذا سيد (2) » ؛ الحسن بن علي رضي الله عنه، هذا لا بأس به، إنما المكروه أن يخاطب بها مثل أن يقال: أنت سيدنا أو يا سيدي؛ لأن هذا قد يكسبه شيئا من الترفع والعجب والتعاظم، وقد يكسب القائل شيئا من الذل، والغلو ولهذا كره النبي ذلك من الناس، وهو معصوم أن يرضى بالشرك عليه الصلاة والسلام، لكن خاف عليهم من الغلو.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث وفد عبد القيس رضي الله تعالى عنه، برقم 15559.
(2) أخرجه البخاري في كتاب، الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن على رضي الله عنهما - ''ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين، برقم 2704.(1/193)
74 - حكم إطلاق كلمة مولاي وسيدي
س: هناك من يسمون اسم مولاي أو سيدي فلان، فما الحكم في هذه التسمية؟ ولمن يمكن أن نقول له: مولاي فلان أو سيدي فلان؟ (1)
ج: هذه التسمية لا تنبغي، لا مولاي ولا سيدي ينبغي ألا يسمى بهذا؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقل: مولاي؛ فإن مولاكم الله (2) » وإنما يقال هذا في حق السيد من عبده ومملوكه، كما في الحديث الصحيح: «وليقل: سيدي ومولاي» وفي الحديث الأخر: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك. وليقل: سيدي ومولاي (3) » يقول العبد المملوك لمالكه: سيدي ومولاي لا بأس، أما أن يقول الإنسان لأخيه: يا مولاي أو يا سيدي؛ فينبغي ترك ذلك، ولما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنت سيدنا قال: «السيد الله تبارك وتعالى (4) » . خاف عليهم أن يغلوا عليه الصلاة والسلام، فقال: «السيد الله تبارك
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (179) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم 2249.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، برقم 2552 ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم 2249.
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/194)
وتعالى (1) » . مع أنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لكن خشي عليهم من هذه المواجهة أن يقعوا في الغلو.
فلا ينبغي لك أن تقول: يا سيدي فلان، أو أنت سيدنا لزيد أو عمرو لا. تقول: يا أبا فلان، يا فلان، تدعوه باسمه أو بكنيته أو نحو ذلك من الأسماء المشهورة، التي يتسمى بها، لكن ليس فيها سيدي ولا مولاي، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، التأدب مع ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بالآداب الشرعية في الألفاظ والأعمال جميعا.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/195)
75 - حكم المناداة بكلمة سيد فلان
س: تكثر عندنا المناداة بكلمة سيد فلان، وذلك لكونه يرجع في النسب إلى أسر معينة، هل يصح هذا؟ (1)
ج: إذا عرف بذلك فلا بأس. السيد فلان، السيد فلان؛ لأن كلمة السيد تطلق على رئيس القوم، وعلى الفقيه والعالم وعلى من كان من ذرية فاطمة، من أولاد الحسن يقال له: سيد، كل هذا اصطلاح بين الناس معروف، وكانت العرب تسمي رؤساء القبائل والكبراء سادة: سيد بني فلان فلان، وسيد بني فلان فلان. مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، «لما
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (153) .(1/195)
سأل بعض العرب: " من سيدكم يا بني فلان، من سيدكم يا بني فلان؟ (1) » يعني من رئيسكم؛ ومثل ما قال صلى الله عليه وسلم في الحسن: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين (2) » ، إنما يكره أن يخاطب الإنسان سيدي، يا سيدي، يا سيدنا، يكره هذا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أنت سيدنا، قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3) » . ولأن هذا قد يكسبه غرورا وتكبرا وتعاظما، فينبغي ترك ذلك، بل يقال: يا أبا فلان، يا فلان، بالأسماء والألقاب التي تعرف، وأما التعبير عند المخاطبة له بسيد، يا سيدي، يا سيدنا؛ ترك هذا هو الأولى.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين حديث وفد عبد القيس رضي الله تعالى عنه، برقم 15559.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما '' ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين) ، برقم 2704.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/196)
باب ما جاء في الولاء والبراء(1/197)
باب ما جاء في الولاء والبراء
76 - حكم التشبه بالكفار
س: تعلمون أنه يجب على المسلم أن يكون ذا شخصية مميزة، تابعة لتعاليم ديننا الحنيف، من المحافظة على هيئته ولباسه، وتمسكه بالسنة المطهرة، وعدم التقليد المقيت لعادات مجتمعه، بل يتبع شرع الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وحيث إنه جاءت في العالم الإسلامي عادات قادمة من الغرب، والبلاد النصرانية، بل ودخلت في بعض الأنظمة كالنظم العسكرية ونظام الخدمة المدنية، وحيث إن الرسول قد أمر بمخالفة اليهود والنصارى بكل شيء، وفي الحديث: «لا تشبهوا باليهود فمن تشبه بقوم حشر معهم» أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وحيث إن هناك حديثا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:(1/199)
، فمن؟ (1) » . فهل يأثم المسلم بهذا التشبه؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير (2) .
ج: نعم الواجب على المسلم أن يستقل بنفسه، وأن يتباعد عن مشابهة أعداء الله، كما أمره الله بذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر الأمة من اتباع سنن من كان قبلها، الأمم الكافرة اليهود والنصارى والمجوس أو غيرهم من الكفرة، فدل ذلك على وجوب استقلال المسلمين بزيهم الخاص، وطاعاتهم التي أوجب الله عليهم، وشرعها لهم إلى غير ذلك، وأن لا يتشبهوا بأعدائهم لا في أخلاقهم، ولا في أعمالهم ولا في أقوالهم، ولا في أعيادهم، ولا في أزيائهم، ولهذا روى الإمام أحمد رضي الله عنه ورحمه، بإسناد جيد عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: «ومن تشبه بقوم فهو منهم (3) » . . أوله: «بعثت بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم (4) » .
فالواجب على المؤمنين والمسلمين أن يبتعدوا عن التشبه بأعداء الله في جميع الأمور، وأن يستقلوا بأنفسهم في جميع أمورهم حتى
__________
(1) البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6889) ، مسلم العلم (2669) ، أحمد (3/84) .
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (57) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر، برقم 5094.
(4) أحمد (2/92) .(1/200)
يتميزوا عن عدوهم وحتى يعرفوا أينما كانوا بزيهم وطرائقهم وعاداتهم الإسلامية، وأعمالهم الإسلامية.
لكن لو وجد شيء مشترك، فعله المسلمون والكافرون، فلا يسمى هذا تشبها كما وقع الآن في ركوب الطائرات، وركوب السيارات كانت هذه أولا عند أعدائنا ثم يسر الله لنا الانتفاع بها، هذا صار الآن مشتركا ليس فيه تشبه بأعداء الله، ولا يمنع استعمالهم هذه الطائرات، أو لهذه القطارات، أو السيارات أن نستعملها وهكذا ما حدث من القوات التي يستعان بها في الحرب للمسلمين، أن يأخذوها ليدافعوا بها عن دينهم، وعن بلادهم وحتى يعملوا بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1) .
فالأمور التي للمسلمين فيها نفع يجوز لهم أن يأخذوها من عدوهم، ولا يسمى تشبها، لما فيه من الإعداد والنفع العام للمسلمين، وهكذا الأشياء التي اشترك فيها المسلمون، وصارت من عادة الجميع لا يكون فيها تشبه، وإنما التشبه يكون فيما اختصوا به، وصار من زيهم الخاص، المقصود أن الأشياء التي فيها نفع لنا ولا يختص فيها المشركون، أما ما كان خاصا بالمشركين، ليس لنا فيه نفع لا نتزين به، لكن الذي فيه نفع نأخذه منهم ونحتج بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2) والله سبحانه يقول:
__________
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2) سورة الأنفال الآية 60(1/201)
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1) ، والحذر من أمور الدين التي هي من زيهم وأخلاقهم، وليست من ديننا، وإذا كان من ديننا نستعمله، ولو تشبهوا بنا فيه ولو شاركونا كما لو أجمعوا على إرخاء اللحى، نرخيها نحن، ولو أرخوها لا نخالفهم في ذلك، بل نرخيها لأننا مأمورون بإرخائها وهكذا لو بنوا المساجد وصلوا في المساجد لا نهدم مساجدنا ما كان من ديننا نلزمه ولو شاركونا فيه، وكذلك الأنظمة التي تنفعنا نأخذ بها، كنظام المرور والشرطة ونظام كذا وكذا الذي ينفع الأمة.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 32(1/202)
77 - حكم توريد البطاقات الخاصة بأعياد الكفار
س: هل يجوز توريد البطاقات الكروت الخاصة بأعياد المسيحيين وما شابهها، مثل الكرسمس وأشكاله، هل يجوز توريدها أو حملها أو الاعتناء بها؟ (1)
ج: الذي يظهر لي أن هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه إشاعة لها، وربما اغتر بها بعض الناس فظن أنها جائزة، وربما أفضت إلى تقليدهم، والتشجيع على تقليدهم في هذه الأعياد المبتدعة، فلا ينبغي
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (311) .(1/202)
أن تروج هذه البطاقات، ولا ينبغي أن تتداول بين الناس بل ينبغي إتلافها.(1/203)
78 - حكم الصلاة على والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
س: نعلم أن هناك مجلسا لذكر الله، وعندنا أصبح مجلس اسمه مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى والديه وسلم، أو اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ على حسب الإمام. فهل هذا المجلس جائز؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الصلاة على والدي النبي لا تجوز؛ لأن والدي النبي ماتا على الجاهلية، فلا يصلى عليهما، ولا يدعى لهما، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي (2) » وقال لرجل سأله عن أبيه: «إن أبي وأباك في النار (3) » فلا يجوز الصلاة عليهما، ولا الدعاء لهما، ولكن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (اللهم صل على محمد، اللهم صل على نبينا محمد، على سيدنا محمد) هذا طيب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (311) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، برقم 976.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.(1/203)
«من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا (1) » في أي وقت.
أما جعل مجالس خاصة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي وبلفظ جماعي، فهذا لا أصل له، لكن إذا سمعت من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام فصل عليه، وإذا سمعت من يذكر النبي فصل عليه، عليه الصلاة والسلام، وأنت في طريقك، وفي بيتك في المسجد تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه السلام يقول: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا» والله يقول في كتابه العظيم القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، وإذا قلت: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه، أو اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته؛ كله طيب، والمقصود الصلاة عليه وعلى آله، كله طيب، أما ذكر والديه فلا، ولا يدخل والديه في الدعاء والصلاة المخصوصة بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما لم يسلما، فهما غير داخلين في آله؛ آله يعني أهل بيته من المسلمين وأتباعه هم آله، وأهل بيته الطيبون، كفاطمة وكزوجاته وكعلي وكالحسن والحسين وغيرهم، ممن أسلم من بني هاشم، هم من آله، أما أبواه فليسا من آله، الذين يصلى عليهم، ويدعى لهم؛ لأنهما ماتا على دين الجاهلية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 408.
(2) سورة الأحزاب الآية 56(1/204)
79 - حكم مشاركة الكفار في أعيادهم
س: يلاحظ أن بعضا من المسلمين يشاركون المسيحيين في عيد الميلاد والكرسمس كما يسمونه، ويرجو التوجيه في ذلك (1) .
ج: لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، وأن لا يساعد في إقامة هذه الأعياد بأي شيء؛ لأنها أعياد مخالفة لشرع الله، ويقيمها أعداء الله فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بأي شيء من الأمور كالأواني ونحوها وأيضا يقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) .
فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان، فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة ترك ذلك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك، الواجب أن ينظر في الشرع الإسلامي وما جاء
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (73) .
(2) سورة المائدة الآية 2(1/205)
به وأن يمتثل أمر الله ورسوله، وأن لا ينظر إلى أمور الناس، فإن أكثرهم لا يبالي بما شرع الله، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (2) فالعوائد المخالفة للشرع لا يجوز الأخذ بها، وإن فعلها الناس، والمؤمن يزن أقواله وأفعاله، ويزن أقوال وأفعال الناس بالكتاب والسنة، كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما أو أحدهما فهو المقبول، وإن تركه الناس، وما خالفهما أو أحدهما، فهو المردود ولو فعله الناس، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 116
(2) سورة يوسف الآية 103(1/206)
80 - حكم الإحسان إلى الكافر الذمي والمستأمن
س: نحن - الحمد لله - مسلمون، ولدينا أخ مسيحي هل يجوز الأكل والشرب معه أو لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: المسيحي ليس أخا لك، إذا كنت مسلما، إلا إذا كان أخا لك من النسب، الكافر ليس أخا لك، يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (209) .
(2) سورة الحجرات الآية 10(1/206)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم (1) » ، فالمسلم هو أخو المسلم، وليس أخا للكافر، وإن كان أخا لنسبه، لكن ليس أخا في الدين، سواء كان يهوديا أو نصرانيا، أو مجوسيا أو شيوعيا أو قاديانيا أو وثنيا كل هؤلاء الكفرة ليسوا إخوة لنا بل بيننا وبينهم البغضاء والعداوة، وإن أحسنا إليهم، إذا كانوا فقراء ليسوا محاربين، لا مانع أن نحسن إليهم، إذا كانوا أهل ذمة أو مستأمنين، نحسن إليهم لفقرهم، وندعوهم إلى الإسلام لا بأس، لكن ليسوا إخوة لنا، وليسوا أحبابا لنا، بل نبغضهم في الله حتى يهتدوا، ومع هذا نحسن إليهم وندعوهم إلى الله، ونسأل الله لهم الهداية، كل هذا مطلوب، أما إذا كانوا حربا لنا، بيننا وبينهم القتال، ليس لهم ذمة ولا أمان، فهؤلاء نبغضهم في الله ونقاتلهم، ولا نعطيهم شيئا ولا نساعدهم على المسلمين، بل نبغضهم في الله ونحاربهم ونقطع الصلة بيننا وبينهم، ولا نساعدهم بشيء أصلا، بل إعانتهم على المسلمين كفر وردة، وهذا المسيحي لا تتخذوه صاحبا ولا تواكلوه، لكن إذا بليت به، ساكن معك، أو ضيف لا مانع أن تأكل معه، لكن لا تتخذه صاحبا ولا بطانة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم 2442، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 2580.(1/207)
بل اتخذه عدوا وبغيضا في الله عز وجل حتى يهتدي وأما مواكلته العارضة، بسبب الضيافة أو بسبب أنه نزل معك في محل السكن، لعارض فإنك تأكل معه إذا دعت الحاجة، ولكن تسعى في الخلاص من صحبته ومساكنته؛ لئلا يجرك إلى بلائه، ولئلا تتساهل فيما أوجب الله عليك من شأنه، والله المستعان.(1/208)
81 - حكم النداء بالألفاظ التي تسبب الكبر
س: عندنا مدرسون غير مسلمين، وغالبا ما نناديهم بكلمة " سير " باللغة الإنجليزية، وهذه الكلمة تعني سيدي بالعربي فهل هذا يجوز؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء (1) .
ج: إذا كان معناها يا سيدي فالذي ينبغي تركها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له أنت سيدنا، قال: «السيد الله تبارك وتعالى (2) » ، ولأن لفظة سيدي قد تسبب عظمة في نفسه وكبرياء، وتجره إلى الكبرياء والغلو، والتكبر ونحو ذلك، فالحاصل أن الأولى عدم نداء الأستاذ أو الأخ بسيدي أو ما يدل على معناها، ولكن يقول: يا أبا فلان، يا فلان بالألقاب الأخرى التي يرتضيها، وليس فيها غلو أو بكنيته أو باسم معروف.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (32) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.(1/208)
82 - معنى الحب في الله والبغض في الله
س: أبو أحمد من الرياض يقول: علمنا أن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فما معنى الحب في الله؟ وما معنى البغض في الله؟ (1)
ج: الحب في الله أن تحب من أجل الله جل وعلا؛ لأنك رأيته ذا تقوى وإيمان، فتحبه في الله وتبغضه في الله: لأنك رأيته كافرا عاصيا لله فتبغضه في الله أو عاصيا، وإن كان مسلما فتبغضه بقدر ما عنده من المعاصي، هكذا المؤمن يتسع قلبه لهذا أو هذا، يحب في الله أهل الإيمان والتقوى، ويبغض في الله أهل الكفر والشرور والمعاصي، ويكون قلبه متسعا لهذا وهذا وإذا كان الرجل فيه خير وشر كالمسلم العاصي أحبه من أجل إسلامه، وأبغضه من أجل ما عنده من المعاصي ويكون فيه الأمران، الشعبتان، شعبة الحب والبغض، أهل الإيمان والاستقامة يحبهم حبا كاملا وأهل الكفر يبغضهم بغضا كاملا وصاحب الشائبتين صاحب المعاصي يحبه على قدر ما عنده من الإيمان والإسلام، ويبغضه على قدر ما عنده من المعاصي والمخالفات.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (356) .(1/209)
باب ما جاء في أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس(1/211)
باب ما جاء في أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس
83 - أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس
س: من هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل هم الجيل الذي بعث فيهم إلى قيام الساعة، أم هم الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوه؟ (1)
ج: أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين، الجن والإنس هم أمته، لكن يقال لهم: أمة الدعوة، كلهم مدعوون، كلهم مكلفون، مأمورون بتوحيد الله، وطاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى عنه، كلهم مأمورون جنهم وإنسهم، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (3) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة عليه الصلاة والسلام (4) » .
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط (33) .
(2) سورة الأعراف الآية 158
(3) سورة سبأ الآية 28
(4) أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) برقم 335.(1/213)
الأمة الثانية أمة الإجابة، وهم الذين أجابوه واتبعوه، وهم الأمة التي أثنى الله عليها ومدحها الذين أجابوه واتبعوا شريعته، كما في قوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) هؤلاء الذين آمنوا به، لهم الفضل العظيم، أما أولئك الذين لم يؤمنوا فيقال لهم: أمة الدعوة، ولهم النار يوم القيامة؛ لعدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا من لم تبلغه دعوته، فلم يعلم به عليه الصلاة والسلام، لكونه في أطراف بعيدة، فهذا يمتحن يوم القيامة، ويسمون أهل الفترة، يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب ما طلب منه صار إلى الجنة، ومن عصى دخل النار، أما الذين سمعوا به وعلموا به، ولم يستجيبوا فإنهم يكونون من أهل النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار (2) » رواه مسلم في الصحيح، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} (3) فهو رسول الله إلى الجميع عليه الصلاة والسلام، فمن اتبعه وسار على منهجه، بتوحيد الله وطاعته، فهو من أمة الإجابة وله الجنة يوم القيامة، ومن أبى
__________
(1) سورة آل عمران الآية 110
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 153.
(3) سورة هود الآية 17(1/214)
كاليهود والنصارى والشيوعيين والوثنيين وسائر الملحدين، من أبى عن الدخول في دينه فهو من أهل النار إلا الذين لم يبلغهم أمره، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة ويقال لهم: أهل الفترة، والله يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم يأمره أن يبلغ الناس، يقول جل وعلا يأمر نبيه أن يقول ذلك: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) ويقول سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (2) فالله جعل القرآن بلاغا وهكذا ما أخبر به النبي بلاغ عليه الصلاة والسلام، والقرآن والأحاديث كلها بلاغ، فمن اتبع القرآن والسنة، ووحد الله، واتبع الشريعة فهذا هو المؤمن، وهؤلاء هم أهل الجنة، وهم أمة الإجابة، إلى يوم القيامة، ومن حاد عن السبيل، ولم يستجب للدعوة كاليهود والنصارى أو غيرهم، فهو من أهل النار يوم القيامة، لكن من كان بعيدا في أطراف الدنيا لم يسمع عن القرآن، ولا عن محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يقال له: من أهل الفترة، يسمى من أهل الفترة، ليس عنده علم، فهذا يمتحن يوم القيامة، جاءت الأحاديث بأنه يمتحن يوم القيامة، ويبعث إليه جزء من النار فإن أجابه دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) سورة إبراهيم الآية 52(1/215)
84 - بيان أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الجن والإنس كافة
س: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس كافة، والسؤال: هل كان هذا شأن الرسل قبله عليهم السلام، أم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أول رسول إلى هؤلاء الخلق (الجن) ؛ وجهونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: كان الأنبياء والرسل مأمورين كل واحد يرسل إلى قومه، والجن لهم نذر ينذرونهم، من قومهم، من جماعتهم، أما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل للجميع لجميع الجن والإنس هذه خاصة عليه الصلاة والسلام، لم يبعث رسول إلى الجن والإنس جميعا إلا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل رسول يبعث إلى قومه من جن وإنس، قومه في جهته أو مكانه من جن وإنس هو المبعوث إليهم، وإن كان لا يعرف تفاصيل الجن ولا أسماء الجن، لكن هو مبعوث إليهم، عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وينتفعوا برسالته، ويعملوا بها إذا كانوا من قومه من بلده، من قومه الذين بعث إليهم، فإنهم يلزمهم أن يتبعوا هذا الرسول؛ لأنه أرسل إلى قومهم، والله أعلم سبحانه بحقيقة ذلك.
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (295) .(1/216)
85 - الجن مخاطبون بما خوطب الإنس من الشرائع
س: من المعلوم أن الجن والإنس مكلفون، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وكما في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (2) {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} (3) على أي طريقة كان يتعبد الجن، ذلك أنهم خلقوا قبل آدم؟ فكيف كانت عبادتهم قبل أولي العزم من الرسل؟ (4)
ج: الذي نعلمه من الشرع أنهم مخاطبون بما خوطب به الإنس من الشرائع، إلا ما استثني مما لا نعلمه، فلهم أشياء تخصهم لا نعلمها، والنبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بهم، وبلغهم أشياء فلا نعلم شيئا يخصهم دوننا، فالأصل أنهم مكلفون بما كلف به الإنس، من صلاة وغيرها إلا ما استثناه الشارع في حقهم، مما لا نعلم ونقول ما كلفوا به، وخصهم الله به مما لا نعلمه، الله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، وهو سائلهم عنه جل وعلا، أما ما كلفنا به جميعا فهم مسئولون عنه أيضا، وقد أنزل الله سورة الرحمن وخاطبهم فيها جميعا مع الإنس، بعد كل آية يقول: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (5) ، فهم مسئولون ومكلفون وموعودون
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الجن الآية 1
(3) سورة الجن الآية 2
(4) السؤال الرابع عشر من الشريط (57) .
(5) سورة الرحمن الآية 13(1/217)
بالجنة والنار مطيعهم في الجنة وعاصيهم في النار، كما قال عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (1) {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (2) ، وقال قبل ذلك: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (3) ، فهم فيهم الصالحون وفيهم المبتدعة، وفيهم الكفار وفيهم الفساق، كالإنس؛ فليس لنا أن نقول على الله بغير علم، فالأصل أنهم مكلفون بما كلفنا به، إلا ما استثناه الشارع فيما بينه وبينهم، وأعلمهم به مما لا نطلع عليه، فعلمه إلى الله سبحانه وتعالى، وعليهم أن يؤدوا ما أوجبه الله عليهم، ومن قصر منهم فله حكم المقصرين، من كفر أو عصيان إن كان كفرا فكفر وإن كان عصيانا فعصيان، وهو أيضا مجزي بعمله يوم القيامة، كما دلت عليه سورة الرحمن، وسورة الجن والله سبحانه أعلم.
س: الأخ هـ. هـ يقول: هل يدخل المؤمنون من الجن الجنة مع الإنس؟ وأين تكون منازلهم في الجنة؛ وهل يلتقون مع الإنس أيضا؟ (4)
ج: الكفار من الجن والإنس في النار والمؤمنون من الجن والإنس في الجنة، قال الله تعالى في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (5) . .
__________
(1) سورة الجن الآية 14
(2) سورة الجن الآية 15
(3) سورة الجن الآية 11
(4) السؤال الأول من الشريط رقم (426) .
(5) سورة الرحمن الآية 46(1/218)
يعني: من الجن والإنس، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (1) ، وقال جل وعلا في سورة الرحمن: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (2) {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (3) ، فالجن والإنس سواء سواء، من آمن منهم ومات على الإيمان دخل الجنة، ومن مات على الكفر دخل النار سواء جنا أو إنسا.
__________
(1) سورة الرحمن الآية 13
(2) سورة الرحمن الآية 43
(3) سورة الرحمن الآية 44(1/219)
86 - بيان أصل الجن
س: من المعلوم أن الجن والإنس من مخلوقات الله تعالى، وقد أمرهم بالعبادة في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ، هل الجن يؤذون الإنس؛ وكيف؟ وبأي طريقة؟ وما أعراض الشخص المصاب؟ وكيف الشفاء إذا وقع؟ (2)
ج: الجن ثقل عظيم، خلقهم الله لعبادته، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) ، والصحيح أنهم أولاد إبليس يقال لهم
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) السؤال الثالث من الشريط (13) .
(3) سورة الذاريات الآية 56(1/219)
الجن، هو أبوهم، كما أن آدم أبو الإنس وهم فيهم الكافر وفيهم المسلم وفيهم العاصي مثل بني آدم فيهم الطيب والخبيث، والله كلفهم بعبادته وطاعته، وفرض عليهم فرائض، فالواجب عليهم أن يسمعوه ويطيعوه، وأن ينقادوا لأمر الله، وأن يعظموا حرماته، وهم أصناف وأشكال، يأكلون ويشربون وينكحون ويتناسلون، هم أصناف وأشكال وقد يؤذون بني آدم، كما يؤذي بنو آدم بعضهم بعضا، قد يؤذي الجن الإنس في بعض الأحيان بالحجارة، أو بشب النار في بعض أمتعتهم، أو بكلام مزعج، أو بغير ذلك، وقد يؤذون أيضا في تلبس الجن بالإنس، وفي الغالب أن يكون هذا بأسباب من الإنس، إما بطرح شيء ثقيل ولم يسم، أو صب ماء حار ولم يسم، أو ما أشبه ذلك مما قد يؤذيهم هو فيتسلطون بسبب الأذى الذي حصل من الإنس، فيتلبس به الجن، ولكن متى قرئ عليه من آيات الله جل وعلا الكريمة، وطولب بالخروج وخوف من الله سبحانه وتعالى، وقرأ عليه من لديه قوة في دين الله، وإيمان قوي فإنه يخرج، إذا كان فيه دين، إذا كان فيه خير ويتعظ ويتذكر، وقد لا يخرج إذا كان فاسقا أو كافرا، مثل فسقة الإنس، قد يظلمون ويتعدون ولا يبالون بالنصيحة، لكفرهم أو فسقهم، فهم كالإنس فيهم الفاسق وفيهم الكافر وفيهم الظالم وفيهم الطيب، وفيهم الخبيث، والله شرع لنا أن نتقي شرهم بالتعوذات، الإنسان مشروع له صباحا ومساء أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات، (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في(1/220)
الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، صباحا ومساء كل هذا من أسباب السلامة من الجن وغيرهم، كذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقراءتها عند النوم من أسباب حفظ الله من الشياطين، وهكذا قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة، وقراءتها ثلاث مرات بعد المغرب والفجر، كل هذا من أسباب السلامة من شياطين الإنس والجن، والمؤمن ينبغي له أن يكون بعيدا عن أسباب الأذى للإنس والجن جميعا، ومن كان معتصما بالله، وأخذ بالأسباب الشرعية وقاه الله شر الإنس والجن جميعا، ومن تساهل فقد يسلط عليه الإنس والجن، بسبب تساهله أو عدوانه أو ظلمه نسأل الله السلامة.(1/221)
87 - بيان معنى شياطين الجن والإنس
س: ما الفرق بين الشيطان والجن؛ وهل الشيطان يتناسل من ذكر وأنثى؛ وإذا كان أبوهم طرد من الجنة؛ لأنه عصى ربه، ووعده الله بالنار، فلماذا لا ينصح أولاده لينجوا من النار؟ هل الشيطان يتعامل مع الإنسان بأنه يخدمه، مقابل عصيان الإنسان لربه؟ وهل هناك جن مسلمون يخدمون المسلمين، كخدمتهم لسيدنا سليمان عليه السلام؟ وإذا كان الشيطان أو الجن في استطاعته خدمة الإنسان أو ضره، فلماذا لا يساعد(1/221)
المسلمون من الجن المسلمين من الإنس في حربهم مع الكفار، ونقل أسرارهم ونصرة الإسلام؟ ولماذا ما يساعد الكفار منهم كفار الإنس على المسلمين بأي شكل من الأشكال؟ أرجو التوجيه حفظكم الله. وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان، ويحاول صرفي عنه؟ وإذا كان هذا كله يوجد فهل هناك دليل من الكتاب والسنة؟ وهل حصلت أمثلة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان يوجد كتاب فيه مثل هذه المسائل دلوني عليه لأستطيع أن أنجو من شر الشياطين، نجاني الله وإياكم وجميع المسلمين. والسلام عليكم (1) .
ج: الشياطين من الجن، وهم متمردوهم وأشرارهم، كما أن شياطين الإنس هم متمردو الإنس وأشرارهم، فالجن والإنس فيهم شياطين، وهم متمردوهم وأشرارهم، من الكفرة والفسقة، وفيهم المسلمون من الأخيار الطيبين، كما في الإنس الأخيار الطيبون، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (2) ، والشيطان هو أبو الجن عند جمع من أهل العلم، وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود، وقال آخرون من أهل
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط (166) .
(2) سورة الأنعام الآية 112(1/222)
العلم: إن الشيطان من طائفة من الملائكة، يقال لهم: الجن استكبر عن السجود فطرده الله، وأبعده وصار قائدا لكل شر، ولكل خبيث ولكل كافر أو ضال، وكل إنسان معه شيطان، ومعه ملك كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فالشيطان يملي عليه الشر ويدعوه إلى الشر، وله لمة بقلبه، وله اطلاع بتقدير الله على ما يقوم به العبد ويلهي العبد بين الخير والشر، والملك كذلك فهذه أشياء مكنهم الله منها، مكن القرينين: القرين من الجن، والقرين من الإنس، وهو شيطان، قرين الجن مع الإنسان، كما قاله عليه الصلاة والسلام، لما قال: «ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة "، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (1) » .
المقصود أن كل إنسان معه قرينه من الملائكة وقرينه من الشياطين، فالمؤمن بطاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله يقهر شيطانه، ويذل شيطانه ويهين شيطانه، حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يغالب، ويمنع المؤمن من الخير. والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل، وعلى تشجيعه على الباطل، وعلى تثبيطه عن الخير، فعلى المؤمن أن يتقي الله، وأن يحرص على جهاد شيطانه، بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان، وعلى أن يحرص
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، برقم 2814، وأخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 3792.(1/223)
في مساعدة ملكه على طاعة الله ورسوله، والقيام بأمر الله سبحانه تعالى، والمسلمون يعينون إخوانهم من الجن، على طاعة الله ورسوله كالإنس، وقد يعينون الإنس في بعض المسائل، وإن لم يعلم الإنس قد يعينونهم على طاعة الله ورسوله، وقد يسمع الإنس منهم بعض الشيء، وقد يوقظونه للصلاة، وقد ينبهونه على أشياء تنفعه، وأشياء تضره، كل هذا واقع وإن كانوا لا يتمثلون له، وقد يتمثل الجني لبعض الناس في دلالته على الخير، وفي دلالته على الشر، قد يقع هذا ولكنه قليل، والغالب أنهم لا يظهرون للإنسان، وإن سمع صوتهم في بعض الأحيان، يوقظونه للصلاة أو يخبرونه ببعض الأخبار، فالحاصل أن الجن من المؤمنين لهم مساعدة للمؤمنين، وإن لم يعلم المؤمنون، ويحبون لهم كل خير، وهكذا المؤمنون من الإنس يحبون لإخوانهم من الجن المؤمنين الخير، ويسألون الله لهم التوفيق، ويحضرون الدروس ويحبون سماع العلم، فالمؤمنون من الجن يحضرون دروس الإنس في بعض الأحيان وفي بعض البلاد ويستفيدون من دروس الإنس، كل هذا واقع ومعلوم، وقد صرح به كثير ممن اتصل به الجن، وسألوه عن بعض المسائل العلمية وأخبروه أنهم يحضرون دروسه، كل هذا أمر معلوم، وفيه كتب كثيرة كتبت في هذا الباب، وابن القيم رحمه الله في كتبه قد ذكر كثيرا من هذا، وفيه كتاب لبعض العلماء سماه آكام المرجان في بيان أحكام الجان، لشخص يقال له: الشبلي، وهو كتاب مفيد، ولا بد أن هناك كتبا أخرى قد صنفت في هذا الباب، في إمكان الإنسان أن(1/224)
يلتمسها، ويسأل عنها في المكتبات التجارية، وفي إمكانه يستفيد من كتب التفسير، على سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (1) ، والآيات الأخرى التي فيها أخبار الجن، بمراجعة التفاسير ليستفيد الإنسان من ذلك، مما قاله المفسرون رحمهم الله، في أخبار الجن من أشرارهم وأخيارهم.
س: يقول بعض الناس: إن هناك شيطانا قد أسلم وشيطانا كفر. هل هذا صحيح؟ (2)
ج: الجن فيهم المسلم وفيهم الكافر، والشيطان هو المتمرد، شياطين الجن متمردوهم، وشياطين الإنس متمردوهم، فذرية الشيطان من الشياطين، هم على حالهم شياطين، يصدون الناس عن الهدى، ومن هداه الله من الجن ما يسمى شيطانا، الشيطان هو الذي يتمرد عن الحق والهدى، ويتبع جده الشيطان في الباطل، ومن هداه الله منهم، كان من جنسنا له فضله، وله ما وعد الله به من الجنة والخير، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (3) فإذا أسلم من تشيطن منهم، ورجع إلى الإسلام وتمسك
__________
(1) سورة الجن الآية 1
(2) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (131) .
(3) سورة الجن الآية 11(1/225)
بالإسلام، هو مثل الإنس الذي كان كافرا ثم رجع إلى الإسلام، وهداه الله، فالجن والإنس فيهم الكافر، وفيهم المسلم، وفيهم المبتدع، وفيهم العاصي، وفيهم الجهمي، وفيهم الرافضي، وفيهم غير ذلك، كما قال سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (1) ثم قال بعده: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (2) يعني أقساما متفرقة، وفرقا متنوعة، فيهم الطيب والخبيث، فيهم الصالح والطالح، فيهم صاحب السنة وصاحب البدعة، وقال في الآية التي بعدها: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (3) {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (4) القاسط العادل عن الحق، يقال: قسط إذا جار، أما أقسط فهو العادل، ومنه قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5) أهل العدل والفضل والبصيرة، فالمقسط صفة مدح، وهو الذي التزم الحق واعتدل، وأخذ بالعدالة، والقاسط المائل عن الحق الذي جار عن الحق، وأبى اتباع الحق، ولهذا قال سبحانه: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} (6) يعني الجائرين المنحرفين عن الحق {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (7) فهكذا يقال في الجن والإنس، فهم سواء: من ترك شركه وباطله، ودخل في الإسلام فله ما للمسلمين، من الجن والإنس، وعليه ما عليهم، ومن بقي في شيطنته وكفره وضلاله، فله ما لأصحابه من جن أو إنس، ومن استقر على الهدى ومضى على الهدى، وسار على الهدى، فله ما وعد الله به المهتدين، والله المستعان.
__________
(1) سورة الجن الآية 11
(2) سورة الجن الآية 11
(3) سورة الجن الآية 14
(4) سورة الجن الآية 15
(5) سورة المائدة الآية 42
(6) سورة الجن الآية 15
(7) سورة الجن الآية 15(1/226)
88 - حكم مصاحبة الجان للإنس
س: يوجد في منطقتنا شخص يسكن في بيت وحده، ويدعي وجود الجان في بيته، ولا يستطيع حسب قوله إشعال النور ليلا، ويغمض عينيه في أغلب الأحيان، وقد زار منزله بعض ممن يدعي معرفة الجان، وقالوا: إن البيت فعلا يسكنه الجان يأكلون معه، وهناك جنية تصحبه دائما. فهل حقيقة أن الجان تتحكم في بعض الناس بهذه الطريقة؟ وهل في شريعتنا الغراء ما يتم به طرد الجان من مثل هذا البيت؛ أرجو الإفادة؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: نعم، قد يقع هذا لبعض الناس، وقد يصحبه الجان وقد يضلونه، وقد يغرونه بأشياء تضر الناس، وقد يعطونه بعض العلوم المغيبة التي اطلعوا عليها باستراق السمع، أو بمجيء من بلدان لأخرى، كأن يخبروه بأنه مات أمير البلد، أو مات فلان في البلد الفلاني؛ لأن الشياطين يخبر بعضهم بعضا، وهم سريعو التنقل من بلد إلى بلد، وقد يسترقون السمع، ويسمعون شيئا من الملائكة في السماء، أو في سماء الدنيا أو في العنان فيبلغون أولياءهم من الإنس، فالإنسي قد يكون له صاحب من الجن، يسمونه الرئي، ويسمى صاحبه الكاهن، هذا واقع من قديم الزمان، وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك قرين.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط (135) .(1/227)
وقد يكون الشيطان الذي مع الإنسان يصحب هذا ويدعوه إلى الحضور. وقد يتعاون معه على مقاصدهم الخبيثة، مع هذا الرجل، أو مع هذه المرأة. هذا واقع من الناس، صحبة الجن واتخاذهم أولياء، والاستعانة بهم على ضرر بعض الناس، أو نفع بعض الناس، كل هذا واقع. ولكنه منكر لا يجوز، بل محرم، لا يجوز للمسلم أن يتخذهم أصحابا، من طريق الكهانة، أو طريق السحر، حتى يضر بهم الناس، بل يجب أن يحذرهم، ويجب على المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء بما يزيل شرهم، وولي الأمر يبعث لهم من يستتيبهم فإن تابوا ورجعوا إلى الحق والصواب، وإلا عذبهم وعاقبهم بالضرب والسجن، حتى يتركوا هذه الشعوذة وهذا الفساد.
وإذا علم منهم أنهم يدعون الجن ويستغيثون بالجن، ولهم ينذرون صار هذا شركا أكبر، يستحقون معه القتل. أو علم منهم أنهم يدعون الغيب، بسبب شياطينهم وأنهم يعلمون الغيب، وأنه سوف يكون كذا وسوف يكون كذا، فهم يستتابون أيضا، فإن تابوا وإلا قتلوا كفارا: لأن دعوى علم الغيب كفر. كما قال الله سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (1) ، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (2) ، وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة النمل الآية 65
(2) سورة هود الآية 123(1/228)
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1) ، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق، وسيد ولد آدم لا يعلم الغيب، فغيره من باب أولى.
فالواجب القضاء على هذه الشعوذة، وعلى هذا الشخص الذي يفعل ما ذكرت من الجلوس وحده، ودعواه أنه له جنية، وأنه لا ينور في بيته في الليل، وأنه يغمض عينيه، هذا كله من باب إيهام الناس، وأخذ أموالهم بالباطل، حتى يقول لهم: افعلوا كذا وافعلوا كذا، وسوف يكون كذا وسوف يكون كذا، هذا لا يجوز إقراره على حاله عند من له أدنى تمسك بالشرع من الولاة، بل الواجب على ولاة الأمور الإسلاميين، أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، وأن يقضوا على خرافاتهم وشعوذتهم وإفكهم.
ومعلوم إذا كان صادقا أنه يزول عنه هذا، إذا تاب إلى الله ورجع إلى الحق، وتاب إلى ربه من هذه الأشياء فإنها تبتعد عنه؛ لأنها تنزل على كل أفاك أثيم، والكذاب الأثيم على أصحابهم. فإذا تاب ورجع إلى الله، وصدق واستعاذ بالله من شرهم كفاه الله شرهم.
ومن أسباب الوقاية كثرة قراءة القرآن، والتعوذ بكلمات الله التامات إذا دخل المنزل، وأن يقول صباحا ومساء: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السمع العليم
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188(1/229)
ثلاث مرات، فإنه لا يضره شيء، وهكذا إذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات إذا دخل المنزل، كل هذا من أسباب العافية والسلامة من هؤلاء الأشرار، من الشياطين، شياطين الإنس والجن. فلا يجوز أن يقر هذا الشخص وأشباهه على هذا الباطل، وهذه الشعوذة المنكرة التي يضل بها الناس، ولا سيما الجهال، والله المستعان.(1/230)
89 - إمكانية ظهور الجن لبعض الناس ومصادقتهم
س: هل يظهر الجن لبعض الناس ويعقد صداقات معهم؟ وهل الجني هو الشيطان؟ (1)
ج: قد يظهر الجن لبعض الناس. والجن ثقل مستقل غير الإنس، والمشهور عند العلماء أنهم أولاد الشيطان، كما أن الإنس أولاد آدم، فالشيطان الذي هو الجان، الذي امتنع من السجود لآدم هو أبو الجن، فمنهم طيب، وكافرهم مثل كافر الإنس خبيث، فيهم الفاسق وفيهم الكافر وفيهم المؤمن الطيب، وفيهم العاصي، فهم أقسام مثل الإنس قد يتصل بعض الناس بهم، وقد يكلمهم ويكلمونه، قد يراهم بعض الناس، لكن الأغلب أنهم لا يرون كما قال جل وعلا:
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط (193) .(1/230)
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (1) .
يعني يروننا من حيث لا نراهم، وليس معناه أننا لا نراهم، قد نراهم، لكن من حيث لا نراهم قد يروننا، من جهات يروننا فيها ولا نراهم فيها، لكن الجني قد يبدو لبعض الناس في الصحراء، وفي البيوت، وقد يخاطب، وقد حدثنا جماعة من العلماء عن وقائع كثيرة من هذا، أن بعض الجن حضروا مجالس العلم، وسألوا عن بعض العلم وإن كانوا لا يرون، وبعض الناس قد يراهم يتمثلون في الصحراء وغير الصحراء، لكن لا تجوز عبادتهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم، ولا الاستعانة بهم على إضرار المسلمين، ولا سؤالهم عن علم الغيب، بل يجب أن يحذروا، أما دعوتهم إلى الله إذا عرفتهم، وتعليمهم ما ينفعهم، ونصيحتهم، ووعظهم، وتذكيرهم، فلا بأس بذلك. أما الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم، أو النذر لهم، أو التقرب إليهم بالذبائح خوف شرهم، كل هذا منكر، قال الله جل وعلا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (2) يعني زادوهم شرا وبلاء. والآية فيها تفسيران: أحدهما زادوهم، يعني الجن زادوا الإنس ذعرا وخوفا، يعني فزاد الجن الإنس ذعرا وخوفا منهم. والمعنى الثاني فزادوهم رهقا، زاد الإنس الجن رهقا، يعني طغيانا وكفرا وعدوانا عليهم، لأنهم لما رأوا الإنس يخافونهم تكبروا عليهم، وزادوا في إيذائهم. وبكل حال فلا يجوز سؤالهم ولا الاستغاثة بهم
__________
(1) سورة الأعراف الآية 27
(2) سورة الجن الآية 6(1/231)
ولا النذر لهم، ولا نداؤهم لطلب حاجة، أو شفاء مريض، أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كلمهم ينصحهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الله ويعلمهم ما ينفعهم، فلا حرج في ذلك، كالإنس.(1/232)
90 - بيان أن الشيطان يتكلم على ألسنة البشر
س: هل الشيطان يتكلم على ألسنة البشر؟ (1) .
ج: قد يتكلم على السنة البشر، ويكذب عليهم وقد يغر الناس في أشياء كثيرة يكذبها.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط (188) .(1/232)
91 - حكم تلبس الجن بالإنس
س: هل يجوز للجن الصالحين أن يسكنوا في أجساد المسلمين من الإنس، مع الدليل؟ مع العلم أن بعض الجن الصالحين لا يلحقون أذى بالإنس، بل ينزلون ويتلبسون؛ لكي يستمعوا الذكر والقرآن، وبعض الجن الصالحين يقرأ القرآن ويخرج مردة الجن من بعض الإنس بلسان صاحبه الإنسي الذي يسكن فيه، جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط (191) .(1/232)
ج: لا شك أنه لا يجوز للجن أن يسكن في أجسام الإنس، ولا أن يتعدى عليهم، ولا أن يؤذيهم، ومن أعظم الظلم، ومن أعظم الأذى، أن يخالط الجني الإنسي، وأن يسكن في جسمه وأن يتلبس به، لما في ذلك من إفساد عقله، وجعله في حكم المجانين، ومع ما في ذلك من الشرور الأخرى، والأذى الآخر، والله يقول سبحانه: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (1) ويقول جل وعلا في كتابه العظيم: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2) ويقول: {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} (3) فلا يجوز للجني أن يؤذي الإنسي المسلم، ولا يجوز للإنسي أن يؤذيهم ويضرهم، كل منهم عليه الحذر من الآخر، والحذر من ظلمه، ومعلوم ما في حلول الجني في الإنسي من أضرار كثيرة، وفساد كبير سواء كان مسلما أو كافرا، ليس له أن يسكن في الإنسي، وليس له أن يؤذيه، ولا يضره، ومعلوم أيضا ما يحصل للناس من النفرة من هذا الذي داخله الجني، وما يحصل عليه من المضرة، والأذى في ذلك.
فالواجب على الجن أن يحذروا ظلم الإنس، وأن يبتعدوا عن أذاهم. وإذا أراد سماع القرآن يسمعه في حلقات العلم، وحلقات القرآن من غير تلبسه بالإنسي، في إمكانه سماع القرآن وسماع
__________
(1) سورة الفرقان الآية 19
(2) سورة الشورى الآية 8
(3) سورة الفرقان الآية 37(1/233)
الأحاديث، بحضور حلقات العلم في المساجد، وغيرها. أما احتجاجه على ذلك أنه يحب أن يسمع منه القرآن هذا غلط، ودعوى خاطئة لا وجه لها. والله المستعان، وعلى الإنسي أن يتعوذ بالأعواذ الشرعية، التي يعيذه الله بها من الجن، ومن ذلك آية الكرسي عند النوم، ومن ذلك قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين عند النوم ثلاث مرات، ومن ذلك أن يقول مساء وصباحا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. يقول صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك (1) » . وقال: «من قالها ثلاثا في ليلة لم تصبه حمة (2) » . يعني: سما من ذوات السموم، ومن ذلك أن يقول: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ". ثلاث مرات يقول صلى الله عليه وسلم: " من قالها ثلاث مرات لا يضره شيء. صباحا ومساء (3) » .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 7838، والترمذي في كتاب الدعوات، باب الاستعاذة، برقم 3966.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 476.(1/234)
ومن ذلك أن يقول: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1) » كان المصطفى عليه الصلاة والسلام يعوذ بهما الحسن والحسين كل ليلة، هذه التعوذات الشرعية مما يحفظ الله بها العبد من أذى الجن وغيرهم، ومن ذلك: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ينزل في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن (2) » ، وفي الحديث: «"إن العبد إذا دخل بيته مساء، وقال: بسم الله قال الشيطان لغيره: لا مبيت، وإذا سمى عند أكله قال: لا مبيت ولا عشاء (3) » .
تسمية الله والتعوذ به من أسباب السلامة من الشياطين، فينبغي له أن يحافظ على ذلك، وأن يأخذ بالأوراد الشرعية، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك حفظ من الله عز وجل، وسلامة العبد من أذى الجن والإنس جميعا. والله المستعان.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} برقم 3371.
(2) أخرجه أحمد في مسند المكيين، حديث عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه برقم، 15460.
(3) أخرجه مسلم في كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم 2018.(1/235)
92 - قتال علي رضي الله عنه للجن لا أصل له
س: الأخ ع. ع. م. ق، من الجمهورية العربية اليمنية، يسأل ويقول: هل صحيح أن الإمام عليا رضي الله عنه حارب الجن؟ حيث ورد في كتاب غزوات الإمام علي ذلك، وأنه حاربهم حتى أوصلهم الأرض السابعة، ثم ما هو رأيكم في هذا الكتاب؟ (1) .
ج: كل هذا لا أصل له، لم يحارب الجن ولم يقع شيء من ذلك، بل هذا باطل، ومن الموضوعات والكذب التي كذبها الناس، وقد نص أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك، وقال: إنه شيء لا أصل له، بل هو من الأباطيل التي كذبها الكذابون.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط (167) .(1/236)
93 - الجن مثل الإنس في تعدد اللغات
س: يسأل عن لغات الجن؟ (1) .
ج: الذي يظهر أنهم مثل الإنس لهم لغات متعددة، فيهم الإنجليزي وفيهم الفرنسي، والعجمي والعربي وهكذا، فهم أجناس! لأن الله قال عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (2) فهم
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (106) .
(2) سورة الجن الآية 11(1/236)
على طرائق، وقال سبحانه عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} (1) يعني أقساما، وفرقا فيهم الطيب، وفيهم الخبيث، وفيهم الجهمي، وفيهم السني، وفيهم الرافضي، وفيهم النصراني، وفيهم اليهودي، وفيهم غير ذلك، أقسام وفرق شتى، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (2) فقوله دون ذلك يعم الفرق الأخرى.
__________
(1) سورة الجن الآية 14
(2) سورة الجن الآية 11(1/237)
باب ما جاء في العذر بالجهل(1/239)
باب ما جاء في العذر بالجهل
94 - حكم العذر بالجهل في أمور التوحيد
س: هل يوجد عذر بالجهل في أمور التوحيد؟ وهل ينطبق هذا على من يدعون وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟ (1) .
ج: لا يعذر بذلك من أقام في بلد التوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر والشام ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره.
فالواجب على علماء الإسلام أن ينبهوا الناس، وأن يحذروهم من هذا الشرك، وأن يعظوهم ويذكروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره، بل
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (200) .(1/241)
يسأل، والله يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشرك! لأنه رأى الناس على ذلك، ولا يسأل ولا يتبصر. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لمن سأله عن أبيه: «إن أباك في النار، فلما رأى تغير وجهه قال: إن أبي وأباك في النار (2) » وأبوه مات في الجاهلية، رواه مسلم في الصحيح؛ لأنهم كانوا على شريعة تلقوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي التوحيد، وأمه عليه الصلاة والسلام ماتت في الجاهلية، واستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على كفر لا يستغفر له ولا يدعى له، وإن كان في الجاهلية، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر وله حكم الكفار. وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم،
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.(1/242)
عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) .
س: ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أمر العقيدة؟ (2) .
ج: العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله يشهد المؤمن بأنه لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمدا رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهو من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعا، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أمر الله به ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو بالشمال، ووزن الأعمال، إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فالجهل بهذا لا يكون عذرا، بل يجب على المؤمن أن يعلم هذا وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله: إني جاهل في هذه الأمور،
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (155) .(1/243)
وهو بين المسلمين، وهو قد بلغه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا يسمى معرضا، ويسمى غافلا ومتجاهلا لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن ولا السنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة، حكمه حكم أهل الفترات، الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيه بالجهل. ولا حرج في ذلك؛ لأنها تخفى على كثير من الناس، وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها، هذه المسائل أمرها أسهل. والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم: «ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3) » .
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، برقم 336.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71.(1/244)
فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل.
س: هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أم لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف حسب الزمان والمكان؟ (1) .
ج: ليس في العقيدة عذر في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ليس فيها عذر بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المنفرد بالربوبية، ليس هناك خالق سواه، وأنه مستحق العبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا لا شبيه له، ولا كفء له، الذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (294) .(1/245)
جوابا صحيحا دخل الجنة وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار، فالمقصود أن هذا يختلف فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة فهذا حكمه حكم أهل الفترة، حكمهم عند أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار، وأما كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسنة ثم يبقى على الشرك وعلى إنكار الصفات فهو غير معذور، نسأل الله العافية، وليس العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف من زمان إلى زمان ومكان إلى آخر؛ لأن الجهل ليس بعذر بالنسبة للعقيدة، إلا إذا كان في محل لم تبلغه الدعوة: القرآن ولا السنة، أما في الأحكام فهو عذر: يعني جهل بالحكم الشرعي في بعض الأحكام التي تخفى، أو في دقائق الصفات، وبعض الصفات التي قد تخفى فهذا عذر، أما في الأمور الواضحة، الأمور التي تعد بالضرورة كالإيمان بتوحيد الله، وأنه الخلاق العليم، وأنه مستحق للعبادة، وأنه الكامل في أسمائه وصفاته، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة من أسماء الله وصفاته، هذا ليس محل عذر إذا كان ممن بلغه القرآن والسنة، نسأل الله السلامة.(1/246)
95 - التفصيل في مسألة العذر بالجهل
س: ما موقف السلف رحمهم الله كالإمام ابن تيمية والإمام ابن عبد الوهاب من قضية العذر بالجهل؟ وهل هي واردة؟ وهل(1/246)
تطرق إليها السلف أم أنها باطلة ولا أصل لها في قضية التوحيد؟ (1) .
ج: الجهل بالجملة قد يكون عذرا، وقد لا يكون عذرا، فإذا كان الشخص المكلف بعيدا عن أهل الإسلام وعن أهل العلم، كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن بلاد المسلمين، ولم تبلغه الرسالة ولا القرآن ولا السنة هذا يكون معذورا بالجهل، وله حكم أهل الفترات يوم القيامة يمتحنون، فإن أجاب دخل الجنة، وإن عصى دخل النار. وقد يكون معذورا أيضا في الأشياء الخفية في الفروع التي قد تخفى على مثله، كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الجبة لما تضمخ بالطيب وقد أحرم بالعمرة، قال له عليه الصلاة والسلام: «انزع عنك الجبة، واغسل عنك الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك (2) » ولم يأمره بفدية عن لبسه الجبة ولا عن تضمخه بالطيب للجهل.
فالحاصل أن الجهل عذر في الأمور التي قد يخفى مثلها في المسائل الفرعية، أو في حق من كان بعيدا عن المسلمين وعن سماع القرآن والسنة، كأهل البلاد التي تبعد عن المسلمين في أطراف الدنيا
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (152) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج برقم 1789، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، برقم 1180.(1/247)
ومثل أهل الفترة الذين ما بلغتهم الرسالات، هؤلاء يعذرون بالجهل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب الأمر دخل الجنة ومن عصى دخل النار، أما من بين المسلمين يسمع السنة ويسمع القرآن هذا غير معذور لا في العقيدة ولا في غيرها، قال الله جل وعلا: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) فالله جعل القرآن نذيرا، ومحمدا جعله نذيرا، فالقرآن نذير ومحمد نذير، فالذي يبلغه القرآن والسنة ويعيش بين المسلمين فهذا غير معذور، عليه أن يسأل وعليه أن يتفقه في الدين، وعليه أن يتعلم، والله المستعان.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19(1/248)
96 - حكم العذر بالجهل فيمن يستغيث بالأموات
س: لقد أجبت يا سماحة الشيخ على أحد الأسئلة المطروحة، من أحد السائلين فيما يتعلق بالعذر بالجهل، متى يعذر ومتى لا يعذر، وذكرت بأن الأمر فيه تفصيل، ومما ذكرت، بأنه لا يعذر أحد بالجهل في أمور العقيدة، أقول: يا سماحة الشيخ، إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات، ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة - فيما أعلم - حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم أن ذلك حرام(1/248)
وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن، حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك، ولو مرة واحدة وإذا مات وهو يجهل ذلك، هل يعتبر مشركا؟ نرجو التوجيه والتوضيح جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه وتعالى، واستغفر من ذلك زال حكم ذلك، وثبت إسلامه، أما إن كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله، ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام، حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك، وهكذا لو أن إنسانا يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، في أنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم، إذا وجد الناقض من نواقض الإسلام، بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (4) ، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (154) .
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة الزمر الآية 66(1/249)
الجاهلية، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لها فلم يؤذن له، وهي ماتت في الجاهلية وقال: «إن أبي وأباك في النار (1) » لمن سأله عن أبيه، وأبوه مات في الجاهلية، المقصود أن الذي مات على الشرك لا يستغفر له، ولا يدعى له ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة المعروفة عند أهل العلم، أما الأشياء التي قد تخفى على الناس، مثل ما جرى للشخص الذي قال لأولاده: «إذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر في يوم عاصف، فإنه إن قدر علي الله ليعذبني، أو كما قال، وسأله الله عن ذلك بعدما مات، فقال: حملني على هذا مخافتك، فغفر الله له (2) » ، قال العلماء إن هذا خفي عليه كمال القدرة، كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وجهل هذا الأمر، وظن أنه بهذا الحرق والسحق، والذر في البحر أنه يفوت الله ويضيع، فهذا الجهل الذي جهل الشيء الدقيق، عفا الله عنه سبحانه وتعالى؛ لأنه حمله عليه خوف الله والحذر من عقابه سبحانه وتعالى، أما إنسان يستغيث بالأموات، وهذا جاءت الرسل بالنهي عنه، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه، والله يقول سبحانه وتعالى:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(2) البخاري أحاديث الأنبياء (3294) ، مسلم التوبة (2756) ، النسائي الجنائز (2079) ، ابن ماجه الزهد (4255) ، أحمد (2/269) ، مالك الجنائز (568) .(1/250)
{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (1) ويقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) هذه أمور معلومة من الدين بالضرورة، ومشهورة بين المسلمين فلا يعذر من قال: إني أجهل وهو بين المسلمين، لو كان في بلاد بعيدة عن المسلمين، في أطراف الدنيا بين أهل الكفر بالله، ما عندهم من يعلمهم، هذا يكون حكمه حكم أهل الفترة، أمرهم إلى الله يوم القيامة، إن شاء عذبهم وإن شاء رحمهم، فهو سبحانه يمتحنهم يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، هذا هو الصواب فيهم! إنهم يمتحنون ويؤمرون بشيء، فإن أجابوا وأطاعوا، دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار.
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة غافر الآية 60(1/251)
97 - حكم العذر بالجهل فيمن يعبد القبور
س 1: في بلادنا ضل الكثير بسبب الطرق الصوفية، حيث يعبدون القبور، ويدعون غير الله، ومنهم حفظة لكتاب الله وأئمة للمساجد. السؤال يتكون من فقرات - سماحة الشيخ -:
هل هؤلاء كفار بسبب ارتكابهم للشرك ولعدم معرفتهم للتوحيد، إذا كانوا يجهلون معنى لا إله إلا الله؟
وهل يعذرون بالجهل، أم هم كفارا وجهونا على ضوء هذا السؤال جزاكم الله خيرا (1) .
ج 1: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد؛ لقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على بيان توحيد الله جل وعلا، وعلى أنواع الشرك الأكبر، فمن تلبس بالشرك من سائر الناس وهو بين المسلمين فيمن بلغه القرآن والسنة فإنه يحكم عليه بالشرك، قال الله جل وعلا: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2) ، وقال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (3) ، وقال جل وعلا: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (4) ، فمن بلغه القرآن العظيم
__________
(1) السؤال الأول والثاني والثالث من الشريط رقم (382) .
(2) سورة الأنعام الآية 19
(3) سورة المائدة الآية 67
(4) سورة الرعد الآية 40(1/252)
والسنة المطهرة، ثم تعاطى الشرك يحكم عليه بالشرك؛ لتساهله وعدم عنايته بما أوجب الله عليه من التفقه في الدين والبصيرة، فإذا كان يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، أو بالنجوم أو بالأشجار والأحجار أو بالأصنام أو بالجن، يدعوهم يستغيث بهم، ينذر لهم، فهذا شرك أكبر، يستتاب من ذلك، يستتيبه ولي الأمر، فإن تاب وإلا وجب قتله على شركه بالله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » ، والله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، وجهاد المشركين، فإذا كان الرجل بين المسلمين وفي بلاد المسلمين أو بين قوم بلغهم القرآن والسنة، ثم تساهل واستمر على ما هو عليه فإنه يحكم عليه بالشرك، إذا كان يدعو الأموات، أو يستغيث بالأموات، وينذر لهم، أو بالجن أو بالملائكة، أو بالأنبياء يقول: يا سيدي فلان، أو يا نبي الله فلان، اغفر لي أو أنجني من النار، أو أغثني أو اشف مريضي، أو رد غائبي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك، يقول هذا لميت أو لجن أو للملائكة، أو لغيرهم هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) ، ويقول جل وعلا:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم؛ باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، برقم 6922.
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117(1/253)
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2) ، ويقول عن المشركين وهم جهال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) ، ويقول جل وعلا عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4) ، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) ، فسماهم كذبة بزعمهم أن أصنامهم تقربهم إلى الله زلفى، وسماهم كفرة بعبادتهم إياها، وشركهم إياها.
س 2: هل يعذر عباد القبور بالجهل، رغم وجود دعاة التوحيد بينهم؟
ج 2: تقدم أنهم لا يعذرون، بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم، هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا واستمروا على عبادة الأموات أو الأشجار،
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة الزمر الآية 3(1/254)
أو الأحجار أو الأنبياء أو الملائكة أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم الشفاعة أو شفاء المريض أو رد الغائب أو ما أشبه ذلك.
س 3: هل تصح الصلاة خلف من عرف بدعاء غير الله؛ وما حكم من يصلي خلفه؟
ج 3: من صلى خلف من يشرك بالله لا تصح صلاته، ما دام يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله، لا يصلى خلفه عند أهل العلم، لا يصلى خلف الكافر، ولا تصح الصلاة خلف الكافر، إنما الخلاف في الفاسق أما الكافر فلا.
س: الأخ م. أ. ع. من القاهرة، يسأل ويقول: هل يعذر الإنسان بجهله؟ مثلا: رجل زار قبور الأولياء بنية التبرك بهم مع أنه لا يعلم أن ذلك الفعل من الشرك الأكبر، مع بيان وتوضيح الأدلة من الكتاب والسنة، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: أمور العقيدة التي تتعلق بالتوحيد والشرك لا يعذر فيها بالجهل وهو بين المسلمين، ويسمع القرآن والأحاديث، ويستطيع أن يسأل، ما
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (240) .(1/255)
يعذر بدعوة القبور، والاستغاثة بالأموات وأشباه ذلك. بل يجب عليه أن يتعلم، وأن يتفقه، وليس له أن يتساهل في هذا الأمر. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يستغفر لأمه، وهي ماتت في الجاهلية، فلم يؤذن له. وقال: «إن أبي وأباك في النار (1) » لما سأله رجل عن أبيه قال: «إن أبي وأباك في النار (2) » . وقد مات في الجاهلية. قال جمع من أهل العلم: إنما ذلك لأنهما ماتا على علم بشريعة إبراهيم، وشريعة إبراهيم النهي عن الشرك! فلعل أمه بلغها ذلك، فلهذا نهي عن الاستغفار لها، ولعل أباه بلغه ذلك، فلهذا قال: «إن أبي وأباك في النار (3) » . فإذا كان أبوه صلى الله عليه وسلم وأمه لم يعذرا وهما في حال الجاهلية، فكيف بالذي بين المسلمين وعنده العلماء ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث.
فالحاصل أن هؤلاء الذين يعكفون على القبور، ويستغيثون بالأموات غير معذورين، بل يجب عليهم أن يتفقهوا في الدين، وأن يسألوا أهل العلم، وألا يبقوا على حالهم السيئة. والآيات تعمهم والأحاديث.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.(1/256)
98 - بيان أن أصول الدين لا يعذر فيها بالجهل
س: الأخ ج. م. ع. من جمهورية مصر العربية، سيناء، يسأل ويقول: وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر ويستغيث به، فمنهم من يقول: إن هذا الفعل فعل شرك ولا خلاف، ولكن يعذر صاحب هذا الفعل لجهله بأمور التوحيد. والآخر يقول بكفر ذلك الشخص الذي يستغيث بغير الله، ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التوحيد، ولكن يعذر في الفرعيات والأمور الفقهية. والسؤال هو: أي الرأيين صواب؟ وأيهما خطأ؟ جزاكم الله خيرا. (1) .
ج: الصواب قول من قال: إن هذا لا يعذر؛ لأن هذه أمور عظيمة وهي من أصول الدين، وهي أول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قبل الصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك، فأصول الدين لا يعذر فيها بالجهل لمن هو بين المسلمين، ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث. فالاستغاثة بأصحاب القبور والنذر لهم ودعاؤهم، وطلبهم الشفاء والمدد كل هذا من أعظم الشرك بالله عز وجل، والله سبحانه يقول في كتابه العظيم: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) . فسماهم كفارا بذلك. وقال عز وجل:
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (156) .
(2) سورة المؤمنون الآية 117(1/257)
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2) ، سبحانه وتعالى فسمى دعاءهم إياهم شركا، والله يقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ويقول سبحانه {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4) والظالمون هم المشركون، إذا أطلق الظلم فهو الشرك، كما قال عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (5) .
وهكذا الطواف بالقبور، إذا طاف يتقرب بذلك إلى صاحب القبر، فهو مثل إذا دعاه واستغاث به، يكون شركا أكبر. أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله، قصده التقرب إلى الله كما يطوف الناس بالكعبة، يتقرب إلى الله بذلك وليس يقصد الميت، هذا من البدع ومن وسائل الشرك المحرمة الخطيرة، ولكن الغالب على من طاف بالقبور أنه يتقرب إلى أهلها بالطواف، ويريد الثواب منهم والشفاعة منهم، وهذا شرك أكبر، نسأل الله العافية، كالدعاء.
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة يونس الآية 106
(5) سورة لقمان الآية 13(1/258)
س: السائل ج. س. ط. من مصر يقول: ما حكم الشرع في نظركم في رجل مسلم ارتكب الشرك الأكبر، فهل يعذر بجهله أم لا؟ ومتى يعذر الإنسان بالجهل؟ وما الدليل في كلا الحالتين؟ جزاكم الله خيرا. (1) .
ج: من ارتكب الشرك الأكبر فقد أتى أعظم الذنوب، والواجب عليه البدار بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) ، ويقول سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (3) يعني: بالشرك والمعاصي {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (4) هذه الآية أجمع العلماء على أنها في التائبين، فالواجب على من فعل شيئا من الشرك أو المعاصي أن يبادر بالتوبة، وألا يقنط ولا ييأس؛ لأن الله سبحانه وعد من تاب إليه بالتوبة عليه وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى، والرءوف الرحيم سبحانه وتعالى، وكل من كان بين المسلمين أو بلغه القرآن أو السنة فقد قامت عليه الحجة، فالواجب عليه التفقه والسؤال والتعلم حتى تبرأ ذمته، وحتى يكون على بصيرة، أما من كان في بلاد بعيدة لم يبلغه القرآن ولا السنة، فهذا يقال له: من أهل الفترة، حكمه حكم أهل الفترة، ليس بمسلم ولا كافر، بل هو من
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (394) .
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة الزمر الآية 53
(4) سورة الزمر الآية 53(1/259)
أهل الفترة، موقوف أمره إلى يوم القيامة، يمتحن يوم القيامة فإن أجاب دخل الجنة، وإن عصى دخل النار؛ لأنه لم تبلغه الدعوة، وأما من كان بين المسلمين، قد سمع القرآن وسمع السنة وعنده العلماء ثم يعرض ولا يسأل ولا يتبصر فهذا غير معذور، نسأل الله العافية.
س: ما حكم من مات على الشرك - والعياذ بالله - ولكنه لم يكن يعرف خطورة ذلك الأمر؟ وهو من جهل أهل القرى في ذلك الوقت، ولا يعرفون أن الشرك من أكبر الكبائر، ومات على ذلك الحال، سؤالي: هل يجب علينا أن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة وأداء الحج والعمرة؟ وهل ينفعهم ذلك العمل؟ (1) .
ج: الشرك هو أعظم الذنوب وهو أكبر الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يا رسول الله. قال: " الإشراك بالله (2) » .
ويدل على هذا قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) ،
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (376) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 4976، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 87.
(3) سورة النساء الآية 48(1/260)
فالشرك أعظم الذنوب وأقبح السيئات، فمن مات عليه لم يغفر له، وهو من أهل النار المخلدين فيها، ولا يحج عليه ولا يصلى عنه، ولا يتصدق عنه ولا يدعى له؛ لقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) ، وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ، وقال في المشركين: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (3) .
والشرك هو صرف العبادة أو شيء منها لغير الله، كالذي يدعو الأموات أو النجوم أو الملائكة، أو الأنبياء يستغيث بهم أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، هذا هو الشرك، وهكذا من جحد شيئا مما أوجبه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مما أجمع عليه المسلمون؛ كالذي يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو يجحد وجوب صوم رمضان، أو يجحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو يستحل ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وأجمع المسلمون على تحريمه: كالزنى والخمر، فيقول: الزنى حلال أو الخمر حلال، أو يقول: عقوق الوالدين حلال، هذا كافر كفرا أكبر لا يصلى عليه، ولا يستغفر له ولا يحج عنه ولا يتصدق عنه؛ لأنه مات على غير الإسلام،
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة البقرة الآية 167(1/261)
ما دام بين المسلمين: قد سمع القرآن، ورأى المسلمين، ورأى أعمالهم، هذا غير معذور، قد قامت عليه الحجة؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال الله سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} (2) ولأنه معرض، ما تعلم ولا سأل، وأمره إلى الله لكن هذا حكمه في الدنيا، مثل عامة كفار قريش، الذين قتلوا يوم بدر وفي غيره، أو ماتوا في مكة، ومثل عامة كفار اليوم، عامة كفار النصارى، كفار اليهود كلهم جهال، لكن لما رضوا بما هم عليه ولم ينقادوا لما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، ولم يلتفتوا إليه صاروا كفارا، نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) سورة إبراهيم الآية 52(1/262)
99 - بيان المقصود بأهل الفترة
س: السائل يقول: من هم أهل الفترة؟ وهل صحيح بأنه يوجد منهم أحد الآن؟ (1)
ج: أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الرسالة هؤلاء هم أهل الفترة، لا سمعوا بالقرآن ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء يقال لهم: أهل الفترة؛ أما من بلغه القرآن؛ أو بلغه خبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله بعثه إلى الناس، يدعوهم ولم
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (405) .(1/262)
يبال ليس من أهل الفترة، لكن من لم يبلغه ذلك يقال له: من أهل الفترة، والصواب فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، يمتحنهم الله يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، نسأل الله العافية.(1/263)
100 - حكم العذر بالجهل في اقتراف المعاصي
س: هل يعذر الشخص بالجهل إذا فعل فعلا مكفرا، وهو كبيرة من الكبائر بل من أكبرها؟ وجهونا حول هذا الموضوع، وكيف نقارن بين هذا وبين قوله وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) (2) .
ج: لا يعذر في اقتراف المعاصي وهو بين المسلمين، في إمكانه أن يسأل أهل العلم ويتبصر، لا يعنى بالتساهل، وعليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويبادر بالتوبة من المعصية، والمعصية تختلف إن كانت كفرا كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أو سب الدين أو ترك الصلاة هذا عليه التوبة إلى الله جل وعلا منها والمبادرة بالتوبة، والله يتوب على التائبين. أما إن كانت معصية ليست كفرا مثل التدخين وشرب المسكر وأكل الربا هذه معاص، فالواجب عليه البدار بالتوبة والاستغفار والندم والإقلاع والعزم ألا يعود في ذلك، وإن مات عليها فهو تحت المشيئة مثل ما قال
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (364)(1/263)
سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) إذا مات على المعصية، مات وهو يأكل الربا، أو مات وهو يشرب الخمر، لكنه مسلم يصلي، مسلم، هذا تحت مشيئة الله، أو مات وهو عاق لوالديه، أو مات وهو قد زنا، أو ما أشبه ذلك، تحت مشيئة الله. إن شاء الله سبحانه غفر له، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها، إذا كان غير تائب، ما تاب، أما إذا كان تائبا فالتوبة تجب ما قبلها - والحمد لله - التائب لا ذنب له، أما لو مات على الزنى ما تاب، أو على العقوق وما تاب، أو على شرب مسكر ما تاب، أو نحو ذلك، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء الله جل وعلا غفر له، فضلا منه، وإحسانا منه، جل وعلا، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها؛ وبعد التعذيب والتطهير يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات مسلما موحدا، لا يخلد في النار إلا الكفار، لكن هذا الذي دخل النار بمعصيته إذا عذب التعذيب الذي أراده الله يخرجه الله من النار إلى الجنة بتوحيده، وإيمانه الذي مات عليه، لا يخلد في النار إلا الكفرة؛ هذا والله أعلم.
س: متى يعذر الإنسان بالجهل، لو تكرمتم؟ (2) .
ج: يعذر بالأشياء الخفية، لا سيما في بعض الأحكام الشرعية،
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (240) .(1/264)
قد تخفى على العامي حتى يتعلم، أما الذي بين المسلمين وقال: لا أدري عن الزنى، ما يعذر وهو بين المسلمين. الزنى معروف عند المسلمين أنه حرام، فلو قال: ما عرفت أن الزنى حرام، لا يعذر بهذا، أو قال: ما عرفت أن الخمر حرام وهو بين المسلمين، لا يعذر. لكن في بعض المسائل التي قد تخفى في مسائل الأحكام الدقيقة قد يعذر فيها الإنسان، لأجل كونه ليس من أهل العلم. كذلك لو قال: ما أعلم أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ممنوع، لا يعذر بهذا؛ لأن هذا هو أصل التوحيد وأصل الدين. والله أنزل القرآن للنهي عن هذه الأمور والقضاء عليها وبين حال المشركين، وحذر من أعمالهم.
س: السائلة م. هـ مقيمة بالسعودية، تقول: أرجو توضيح هذه العبارة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال رحمه الله: (إن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر؛ لكن الشخص المعين لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها) . هل هذا عام في الأقوال والأفعال الاعتقادية والعملية؟ أفتونا في ضوء هذا السؤال (1) .
ج: نعم هذا هو الصواب، فإذا سب الله، أو سب الرسول عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (430) .(1/265)
والسلام، أو استهزأ بالدين فهذا كفر، لكن إذا كان في بلاد يجهل هذا، ولا يعلم أن هذا لا يجوز؛ وأن هذا كفر إذا كان يظن أنه جائز وهذا ليس بين المسلمين، بل في بلاد الكفرة، بلاد غريبة عن الإسلام؛ يظن أنه يخفى عليه الأمر؛ يبين له؛ فإذا عاد إلى هذا بعد ما يبين له أن هذا حرام وأن هذا لا يجوز، يكفر؛ إذا سب الله؛ أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الدين أو سب الإسلام، يكون كفره أكبر، وهكذا لو سجد لغير الله، سجد للقبور وهو ما عنده مسلمون يرشدونه، في بلاد الكفرة، يعلم حتى يفهم أن هذا منكر وأنه لا يجوز؛ كما قال الله جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1) .
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15(1/266)
باب ما جاء في الخوف من الشرك(1/267)
باب ما جاء في الخوف من الشرك
101 - بيان الشرك وأنواعه
س: يسأل عن الإشراك الذي لا يغفره الله، فيقول: الإشراك الذي لا يغفره الله، هل هو في العبودية فقط؟ أو حتى في الطاعة؟ وهل هناك إشراك في الطاعة، أم لا يوجد إشراك إلا في العبودية؛ ثم ما هو الإشراك؟ وكيف التخلص منه في أعمالنا ومعاملاتنا ومع بعضنا؟ ثم إذا أطعنا أشخاصا فيما فيه الخير، وما فيه طاعة الله فهل هذه الطاعة إشراك بالله؟ ، والعياذ بالله من كل عمل فيه شرك - أجيبوني عن هذه الأسئلة جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم. (1) .
ج: الشرك بالله بينه الله في كتابه العظيم وهو صرف العبادة لغير الله، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أو الملائكة أو الجن أو الأصنام أو نحو ذلك، أو الصلاة لهم أو السجود لهم أو الذبح لهم تقربا إليهم، يرجو شفاعتهم، يرجو أنهم ينصرونه، يشفون مريضه تقربا
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (283) .(1/269)
إليهم، أما إذا ذبح الذبيحة يتقرب إلى الله كالأضحية يضحي عن أبيه، أو عن أخيه أو يتصدق بها عنه يرجو ثواب الله، لا يتقرب له، يتقرب إلى الله بالذبيحة في الضحية، هذا قربة إلى الله ليست للميت، أما إذا ذبح يريد التقرب لغيره، يشفع له الميت حتى ينصره حتى يشفي مريضه، هذه العبادة لغير الله، وهكذا النذر يقول: إن شفى الله مريضي، أو شفيت مريضي يا فلان فلك علي ذبيحة كذا وكذا، هذا الشرك بالله، أو يقول: يا سيدي فلان، أو يا فاطمة أو يا سيدي البدوي، انصرني أو اشف مريضي، أو يا سيدي عبد القادر أو يا شيخ عبد القادر، أو يا أبا ذر أو يا رسول الله، أو يا أبا بكر الصديق أو يا عمر أو عثمان، انصرني أو اشف مريضي، أو يا ابن عباس أو غيرهم من الناس، أو يا ملائكة الله انصروني، أو يا أيها الجن انصروني أو الجني فلان انصرني أو اشف مريضي، أو يا الشخص الفلاني أو الشجرة الفلانية، كل هذا شرك بالله، وعبادة لغيره، وهكذا إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالأدلة الشرعية، إذا أنكره يكون كافرا مشركا، كالذي ينكر أن الله أوجب الصلاة، يقول: الصلاة ليست واجبة، هذا كافر كفرا أكبر، أو قال: صلاة الفجر ما هي بواجبة، أو العصر ما هي بواجبة أو الظهر ما هي بواجبة، أو المغرب ما هي بواجبة أو الجمعة ما هي بواجبة على الناس، كل هذا كفر أكبر أو يقول: الزكاة ما هي بواجبة، أو شهر رمضان ما هو بواجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة ما هو بواجب، هذا كفر أكبر، أو يقول: الزنى حلال، أو الخمر حلال(1/270)
إذا كان جاهلا يبين له الأمر الشرعي، فإذا أصر على أن الزنى حلال، والخمر حلال صار كافرا كفرا أكبر، أو قال: مساعدة المشركين على المسلمين واجبة، كونه يساعد الكفار على إخوانه المسلمين حتى يذبحوهم حتى يعذبوهم، هذه ردة، يقول الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (1) يعني يتولى الكفار، ينصرهم على المسلمين يكون ردة، وهكذا من يستحل السجود لغير الله، والصلاة لغير الله، ولو لم يفعله يقول: ما يخالف كونه يصلي للملائكة، يصلي للجن أو يصلي للأموات، أو يسجد لهم، ولو ما فعله يكفر بهذا الاعتقاد، وهكذا من يطيع غير الله في الشرك بالله، إذا أطاعه في الشرك بالله والسجود لغير الله صار مشركا؛ لأنه أطاعه فيما هو شرك بالله عز وجل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2) » فإن أطاعه في المعصية صار معصية، وإن أطاعه في الشرك صار مشركا، فإذا أطاعه في أن يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله صار شركا أكبر، وإذا أطاعه أنه يقتل بغير الحق، يقتل إنسانا بغير حق، أو يجلد بغير حق، يكون عاصيا ظالما، أو أطاعه في الظلم والمعصية، أو إن أطاعه في معصية الرسول فإن طاعته طاعة لله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3) ،
__________
(1) سورة المائدة الآية 51
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومن مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم 1098.
(3) سورة النساء الآية 80(1/271)
طاعة الرسول واجبة، تطيع الرسول فيما أمر به وما نهى عنه، والله قال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1) ، وقال سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2) كذلك طاعة العلماء في الحق وطاعة الأمراء في الحق طاعة لله، إذا أمرك الأمير تصلي في الجماعة، وأمرك أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأمرك أن تحكم بالحق، وأن تحكم بما أنزل الله، يجب أن يطاع في ذلك؛ لأنه أمر بطاعة الله، أمرك ببر والديك، عليك أن تطيعه؛ لأن طاعته طاعة لله في هذا، نهاك عن السرقة، نهاك عن الظلم تطيعه؛ لأن الله أمر بهذا، فولي الأمر إذا أطعته في هذا أنت مطيع لله؛ لأنه أمرك بطاعة الله ورسوله، لكن إذا قال لك: اضرب والديك لا تطيعه، إذا قال: اشرب الخمر! لا، لا تطيعه. إذا أطعته في هذا أنت عاص مثله؛ لأن الرسول يقول: «إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (3) » سبحانه وتعالى، فإذا أطعته في الشرك صرت مشركا، وإذا أطعته في معصية صرت عاصيا، وإذا أطعته في طاعة الله فأنت مأجور، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة المائدة الآية 92
(2) سورة النساء الآية 80
(3) أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ: (إنما الطاعة في المعروف) ؛ في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم 7145 ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، برقم 1840 وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: '' لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق '' ج 18 برقم 381.(1/272)
س: سائلة من جمهورية مصر العربية، من ضمن أسئلتها سؤال في العقيدة، وتذكر سماحة الشيخ فتقول: هل هناك فرق بين شرك الاعتقاد وشرك العبادة؟ وما هو الشرك؟ وما هي أنواعه؟ (1) .
ج: شرك الاعتقاد هو شرك العبادة، لكن الاعتقاد قد يكون بالقلب، وقد يكون بشيء في العبادة كإحداث بدعة يعبد بها غير الله، فالاعتقاد كأن يعتقد في أهل القبور، أو في الأنبياء أو في غيرهم أنهم يتصرفون في الكون، وأنهم يعلمون الغيب، هذه بدعة في الاعتقاد وشرك أكبر وكفر أكبر، وقد يفعل ما هو كفر أكبر، ليس من جنس هذا بل يدعو الميت أو يستغيث به أو يسجد له أو يذبح له، هذه أيضا كفر أكبر، نسأل الله العافية، وهكذا اعتقاده أن الميت يعلم الغيب أو أنه يشفي من المرض، ولو ما دعاه، إذا اعتقد أن فلانا يعلم الغيب، الحي أو الميت أو الأنبياء أنهم يعلمون الغيب، أو أن فلانا يعلم الغيب، أو فلانة أو يشفي المرضى أو ما شابه ذلك هذا كفر أكبر، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (406) .(1/273)
102 - توضيح أنواع الشرك
س: أرجو من سعادتكم توضيح أنواع الشرك، وهل الحلف بغير الله شرك يخرج صاحبه من الملة أم لا؟ (1) .
ج: الشرك نوعان: شرك أكبر وشرك أصغر، الشرك الأكبر صرف العبادة لغير الله، أو بعضها: كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم أو الجن أو الملائكة، أو غيرهم؛ لأن الأموات من الغائبين، هذا هو الشرك الأكبر كما كانت قريش وغيرها من العرب يفعلون ذلك عند أصنامهم وأوثانهم، ومن ذلك أيضا إذا جحد الإنسان أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبا أو تحريما، من جحده كان كافرا أو مشركا شركا أكبر، أو قال: إن الصلاة لا تجب على المكلفين من المسلمين، أو قال: إن الزكاة لا تجب على من عنده أموال زكاة، أو قال: إن صوم رمضان لا يجب على المسلم المكلف؛ هذا يكون كافرا مشركا شركا أكبر، أو أحل ما حرمه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون، كأن يقول: الزنى حلال أو شرب المسكر حلال أو عقوق الوالدين حلال أو السحر حلال أو ما أشبه ذلك؛ يكون كافرا أو مشركا شركا أكبر. والقاعدة أن من صرف العبادة أو بعضها لغير الله من أصنام أو أشجار أو أموات أو جن أو غيرهم من الغائبين؛ هذا مشرك شركا أكبر، وهكذا من جحد ما أوجب الله
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (297) .(1/274)
أو ما حرم الله بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومما أجمع عليه المسلمون، هذا يكون كافرا كفرا أكبر، ومشركا شركا أكبر، وكل من أتى ناقضا من نواقض الإسلام يكون مشركا شركا أكبر، كما أسلفنا، أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضا، مثل الحلف بغير الله، بالنبي بالأمانة برأس فلان، هذا شرك أصغر لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء غير الله فقد أشرك (1) » ، وهكذا الرياء كونه يقرأ يرائي أو يتصدق يرائي هذا شرك أصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم من الشرك الأصغر. فسئل عنه، فقال: الرياء (2) » .
وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان بالواو، أو لولا الله وفلان، أو من الله ومن فلان، من الشرك الأصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان (3) » ، ولما قال رجل: يا رسول الله: ما شاء الله وشئت! قال: «أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده (4) » .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 22754.
(4) أخرجه الإمام أحمد، مسند بني هاشم، بداية مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، برقم 1842.(1/275)
وقد يكون الأصغر شركا أكبر إذا اعتقد صاحبه أنه والحالة هذه أي مع الله، أو قال فيه: ما شاء الله وشاء فلان، أنه له تصرف في الكون، وأن له إرادة تحول عن إرادة الله، وعن مشيئة الله، أو القدرة فيضر وينفع دون الله، أو اعتقد أنه يصلح أن يعبد من دون الله، وأن يستغاث به، يكون شركا أكبر بهذا الاعتقاد، أما إذا كان مجرد حلف بغير الله، من غير اعتقاد آخر، لكن جرى على لسانه الحلف بغير الله تعظيما لهذا الشخص، يرى أنه أهل لأن يحلف به: نبي أو صالح، أو حياة أبيه أو أمه أو ما أشبه ذلك، فهذا من الشرك الأصغر لا من الشرك الأكبر عند أهل العلم.(1/276)
103 - بيان بعض أنواع الشرك التي توجب الخلود في النار
س: تسأل أختنا وتقول: ما هي الأعمال أو الكبائر التي تجعل الإنسان خالدا في النار؟ وهل صحيح أن كل شخص غير مسلم لا يدخل الجنة وهو خالد في النار؟ (1) .
ج: نعم، الأعمال التي توجب الخلود في النار أبد الآباد هي أعمال الكفر، من مات كافرا بالله عز وجل فهو مخلد في النار، أبد الآباد. كاليهود والنصارى والشيوعيين، وهكذا كل من أتى بمكفر،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (147) .(1/276)
ومثل ذلك من ترك الصلاة، أو من سب الدين أو استهزأ بالدين، أو استهزأ بالجنة أو بالنار، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تنقص الرسول أو سب الله، أو تنقصه وطعن في دينه، كل هذا ردة عن الإسلام، إذا مات عليها الإنسان صار مخلدا في النار، أبد الآباد، كسائر الكفرة. أما العصاة، المسلم العاصي هذا لا يخلد في النار، إذا دخل النار لا يخلد فيها، مثل من مات وهو على الزنى، وما تاب من الزنى، أو مات وهو يشرب الخمر، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يسب الإسلام ولا يسب الدين، بل هو مسلم، ولكنه أطاع الهوى في بعض المعاصي، كشرب الخمر، كالعقوق للوالدين، أو أحدهما. كأكل الربا، كالزنى. هذه وأشباهها من المعاصي إذا مات عليها وهو مسلم يعبد الله وحده، وليس بكافر، فهذا تحت مشيئة الله جل وعلا، إن شاء الله غفر له وعفا عنه بتوحيده وإسلامه وإيمانه الذي معه، وإن شاء سبحانه عذبه على قدر الجرائم والذنوب التي مات عليها، ثم بعد ما يمحص في النار ويعذب ما شاء الله، يخرجه الله من النار إلى الجنة، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأبان سبحانه أن الشرك لا يغفر، من مات على شرك لا يغفر له، نعوذ بالله. أما من مات على ما دون الشرك من المعاصي فهذا تحت مشيئة الله. وقد أجمع العلماء، علماء المسلمين على أن العاصي
__________
(1) سورة النساء الآية 48(1/277)
الذي هو مسلم موحد مؤمن. لكنه عنده معصية لا يخلد في النار أبد الآباد، بل متى دخل النار بهذه المعصية، فإنه لا يخلد؛ بل يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة. هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الحق. أما من مات على كفره بالله فهذا يخلد في النار، أبد الآباد. نسأل الله السلامة والعافية. ومن الكفرة اليهود والنصارى المعروفون، والشيوعيون المعروفون وعباد الأوثان، عباد أصحاب القبور؛ ومن ذلك من يسب الدين أو يستهزئ بالدين، أو يسب الله؛ أو يسب رسوله عليه الصلاة والسلام؛ هؤلاء إذا ماتوا على ذلك، ولم يتوبوا فهم من أهل النار المخلدين فيها أبد الآباد؛ نعوذ بالله.(1/278)
104 - بيان بعض ظواهر الشرك القولية والعملية
س: ما هي ظواهر الشرك القولية والعملية الموجودة في أي مجتمع؟ نرجو منكم الإفادة (1) .
ج: ظواهر الشرك تارة تكون بالكلام؛ وتارة تكون بالفعال، إذا كان في محل تدعى فيه القبور من دون الله؛ ويجتمع الناس لدعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات، هذه مظاهر الشرك؛ وإذا كان الناس يجهرون بدعاء الأموات، أو بدعاء الأنبياء، أو الأولياء، أو الأصنام،
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (372) .(1/278)
أو الجن، هذه مظاهر الشرك: يستغيثون بهم، ينذرون لهم، يذبحون لهم، هذه مظاهر الشرك، فالواجب الحذر من ذلك.
المقصود أن الشرك له مظاهر، تارة عند دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات عند القبور، وتارة بعبادة الأشجار، أو الأحجار، وتارة أصنام مصورة توضع في محلات معينة، يدعونها من دون الله، تارة بدعاء الجن والاستغاثة بالجن، إلى غير ذلك، تارة بدعاء الأموات، وإن كان في بيته أو في السيارة أو في الطائرة يا سيدي فلان يا رسول الله انصرني، أو يا سيدي البدوي انصرني أو يا حسين أو يا حسن انصرني أو اشف مريضي، ويا شيخ عبد القادر الجيلاني أو يا فلان أو يا فلان، كل هذا شرك أكبر، ولو في السيارة، ولو في الطريق، ولو في الطائرة، ولو عند قبر كذلك. نسأل الله العافية.(1/279)
105 - توضيح الفرق بين الشرك والكفر
س: السائل ح. م. ح. من الرياض يقول: ما الفرق بين الشرك والكفر؟ (1)
ج: كل شرك يسمى كفرا، دعوة غير الله والاستغاثة بغير الله، وصرف العبادة لغير الله يسمى شركا، ويسمى كفرا، وقد يسمى كفرا،
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (394) .(1/279)
وشركا أيضا، كمن جحد وجوب الصلاة، أو قال: الزنى حلال، يسمى كافرا ويسمى مشركا، ولكن الغالب على ما كان جحدا لواجب، وجحدا لمحرم يسمى كفرا، والغالب ما كان دعوة لغير الله، والاستغاثة بغير الله، والنذر لغير الله، يسمى شركا، وإلا فكل شرك يسمى كفرا، وكل كفر أكبر يسمى شركا.(1/280)
106 - بيان معنى النفاق
س: ما هو النفاق؟ وكيف الخلاص منه؟ (1)
ج: النفاق نفاقان: نفاق أكبر ونفاق أصغر، النفاق الأكبر كون الإنسان يتعاطى الدين، ويتظاهر بالدين وهو يكذب، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يؤمن بالدين، ولكن يصلي مع الناس، أو يذكر الله مع الناس رياء كفعل المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لا يؤمن بالدين، ولا يؤمن بالجنة، ولا بالنار، ولا بتوحيد الله، هذا كافر كفرا أكبر، أعظم من الكفار من اليهود والنصارى، قال الله في حقهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2) نسأل الله العافية، وهناك نفاق أصغر وهو من صفات المنافقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (427) .
(2) سورة النساء الآية 145(1/280)
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان (1) » ، هذه من خصال المنافقين، وقال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا (2) » نفاقا عمليا معنى إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، هذه من أعمالهم التي تجعله نفاقا أصغر، كذلك التكاسل عن الصلاة، وعدم الإكثار من ذكر الله من خصال المنافقين: كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (3) ، هذه خصالهم، لكن هذا يسمى النفاق الأصغر، ما يخرج من الإسلام، مسلم، لكن ناقص الإيمان، ناقص التوحيد، فهو مسلم لكن يعتبر بهذه الخصال منافقا نفاقا أصغر، نسأل الله العافية، ويخشى عليه من النفاق الأكبر.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم 33، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، برقم 59.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم 34، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، برقم 58.
(3) سورة النساء الآية 142(1/281)
صفحة فارغة(1/282)
باب ما جاء في الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله(1/283)
باب ما جاء في الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
107 - بيان أهمية الدعوة إلى توحيد الله تعالى
س: نريد من سماحتكم أن توجهوا نداء للناس، تبينوا فيه أهمية الدعوة إلى الله وتبصير الناس بمعنى لا إله إلا الله (1) .
ج: في كتاب الله العظيم الكفاية العظيمة والدعوة إلى هذا الحق العظيم، فقد دعاهم مولاهم سبحانه في كتابه العظيم في آيات كثيرة إلى أن يعبدوه وحده، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى ذلك في مكة والمدينة مدة ثلاث وعشرين سنة، يدعو إلى الله ويبصر الناس بدينهم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وقال جل وعلا:
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (156) .
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة الإسراء الآية 23(1/285)
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (2) وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3) وقال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (4) ، في آيات كثيرات قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (6) » متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: «من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار (7) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار (8) » .
فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يشهدوا أن محمدا رسول
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة محمد الآية 19
(5) سورة البينة الآية 5
(6) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار برقم 856، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم: 30.
(7) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} برقم: 4497.
(8) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، برقم 129، ومسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، برقم 93.(1/286)
الله، وأن يخصوا الله بدعائهم وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، وهكذا طوافهم بالكعبة يطوفون بالكعبة تقربا إلى الله وعبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذروا دعوة غير الله من أصحاب القبور أو الأصنام أو الأنبياء وغير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز أن يصرفها لغيره سبحانه وتعالى، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والصلاة عبادة والصوم عبادة والصدقة عبادة والحج عبادة وخوف الله عبادة ورجاؤه عبادة، والنذر عبادة والذبح عبادة، وهكذا يجب أن تكون كلها لله وحده، فلا يذبح المسلم إلا لله ولا يصلي إلا لله، ولا يسجد إلا لله، ولا يخاف خوف السر خوف القلوب إلا من الله سبحانه وتعالى، وهكذا لا يستغيث إلا بالله، ولا يطلب المدد إلا منه سبحانه وتعالى؛ لأنه خالقه وربه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل كلهم بذلك، من أولهم إلى آخرهم من أولهم نوح إلى آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، كلهم يدعون الناس إلى توحيد الله كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) ،
__________
(1) سورة النحل الآية 36
(2) سورة الأنبياء الآية 25(1/287)
وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة: «يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (1) » هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، من العجم والعرب، من الجن والإنس، في جميع أرض الله، يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يخصوه بالعبادة سبحانه وتعالى وأن لا يعبدوا معه سواه لا صنما ولا نبيا ولا ملكا ولا جنيا ولا شجرا ولا غير ذلك، العبادة حق الله وحده: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (4) لكن خوف الإنسان ما يضره واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، وخوفه من اللص حتى يغلق الباب ويتخذ الحرس لا حرج في ذلك، كما قال الله عن موسى لما خاف فرعون قال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (5) يعني خائفا من شر فرعون، فخوف الأمور الحسية، وخوف الظلمة واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، فإذا خاف من اللصوص وأغلق بابه أو جعل حارسا على ماله، أو خاف حين سفره من اللصوص أو من قطاع الطريق وحمل السلاح وسلك الطريق الآمنة، كل هذا لا بأس به، وهكذا إذا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة القصص الآية 21(1/288)
خاف الجوع أكل، وخاف الظمأ شرب، وخاف البرد لبس ما يدفئه وما أشبهه، هذه كلها أمور حسية معروفة لا حرج فيها، وهكذا إذا استعان بأخيه في مزرعته، في إصلاح سيارته، في بناء بيته، هذه أمور عادية، غير داخلة في العبادة، كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) يعني موسى، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق، فالتصرف مع المخلوق الحي الحاضر في أشياء يقدر عليها من تعاون في بناء، في مزرعة، في جهاد، وفي غير ذلك، هذا غير داخل فيما يتعلق بالعبادة، لكن دعاؤه وهو ميت، دعاء الشجر، دعاء الصنم، دعاء الجن، دعاء الملائكة، دعاء الأنبياء؛ يستغيث، هذا هو الشرك الأكبر، أو دعاء الحي في أمور لا يقدر عليها، يعتقد فيه أنه له تصرف في الكون، كما يفعل بعض الصوفية مع مشايخهم يدعونهم مع الله، ويعتقدون أن لهم تصرفا في الكون، وأن لهم سرا يستطيعون معه أن يعلموا الغيب، أو ينفعوا الناس بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، هذه أمور شركية حتى مع الأحياء. نسأل الله السلامة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة القصص الآية 15(1/289)
108 - الواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك
س: أنا أعيش في مكان يوجد فيه أناس يدعون أنهم من المسلمين، يصلون ويزكون ويصومون ويحجون، ولكنهم يعتقدون في الأموات، ويقولون: إن الولي الميت أو الشيخ واسطة عند الله، ويتبركون به، ويستغيثون بهذا الميت الولي ويزورونه وينذرون له النذر ويشدون إليهم الرحال، وإذا نصحتهم قالوا: هؤلاء أولياء يجب التقرب إليهم، ويكرهون من يمنعهم وينصحهم بأن لا يعبدوا الأموات والأولياء، ماذا نفعل؟ وهل نتركهم على ما هم عليه؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذه مصيبة عظيمة، واقعة في بلدان كثيرة، والواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، حتى يعلم هؤلاء العوام بطلان ما هم عليه، فكونه يصلي ويحج ويصوم، ويزكي ثم يعبد غير الله، هذا يبطل عمله، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) .
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (63) .
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65(1/290)
فدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، والذبح لهم، هذا شرك أكبر، ينافي التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، وينافي ما دلت عليه الآيات من وجوب إخلاص العبادة لله، كما في قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ، وقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) .
وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3) . وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وقوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6) وقوله عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7) وقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (8) وقال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (9) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (10) سبحانه وتعالى. فجعل دعاءهم للأموات والأصنام والأشجار والأحجار شركا بالله عز وجل، فالواجب تنبيه هؤلاء وتحذيرهم وحث العلماء على
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة البقرة الآية 21
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3
(7) سورة الجن الآية 18
(8) سورة المؤمنون الآية 117
(9) سورة فاطر الآية 13
(10) سورة فاطر الآية 14(1/291)
تنبيههم وتحذيرهم، حتى يتبصروا ويعلموا أنهم على باطل، وعلى شرك، وأن صلاتهم تحبط بذلك، وهكذا صومهم، وزكاتهم، وحجهم، وأعمالهم الأخرى، حتى يخلصوا العبادة لله وحده، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخلصهم من هذا الشرك، فأقام في مكة عشر سنين يدعوهم إلى توحيد الله وترك دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والأصنام، والأشجار والأحجار ويقول: «يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1) » قبل أن تفرض الصلاة، ثم فرضت الصلاة في مكة، ومكث بعد ذلك مدة يدعوهم إلى توحيد الله، ثم هاجر إلى المدينة ولم يزل يدعو إلى الله، وإلى توحيده سبحانه وتعالى.
فالواجب عليك يا أخي أن تحرص على دعوة هؤلاء وإرشادهم بالحكمة والصبر والأسلوب الحسن، لعل الله يهديهم بأسبابك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (3) » ، فدعوة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، برقم 1893.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل برقم 3009، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي رضي الله عنه، برقم 2406.(1/292)
الأموات، كأن يقول: يا سيدي فلان، اشف مريضي، انصرني أو المدد المدد يا فلان، أو النذر لهم أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة، كله شرك بالله، وهكذا الذبح لهم، ذبح البقر أو الدجاج أو غير ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (1) » ، والله يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) . فالذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، والذي يذبح للأموات يتقرب إليهم مثل الذي يصلي لهم، وهكذا من ينذر لهم القرابين إن شفى الله مريضي للسيد فلان كذا، أو يا سيدي البدوي اشف مريضي، أو المدد المدد، أو يا سيدي الحسين أو يا شيخ عبد القادر، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو انصرنا، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر، والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس ذلك، وأن ينصحوهم وأن يرشدوهم إلى الحق وإلى الصواب، وأن يصبروا على جهلهم وأذاهم حتى يتعلموا ويستفيدوا، هكذا كان الرسل عليهم السلام يصبرون وهم أفضل الخلق عليهم السلام، وآذاهم أقوامهم، وربما قتلوهم على ذلك ومع هذا صبروا عليهم الصلاة والسلام، وبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة حتى قبضهم الله، عليهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، برقم 1978.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163(1/293)
الصلاة والسلام، وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أفضلهم قد صبر على قومه ثلاثا وعشرين سنة، وهو يدعوهم إلى الله حتى هدى الله على يديه من هدى، وحتى أكمل الله به الدين وأتم عليه النعمة، فالواجب التأسي به في ذلك، عليه الصلاة والسلام، والصبر على الدعوة والتوجيه والإرشاد، رجاء ما عند الله من المثوبة.(1/294)
109 - كيف نبدأ الدعوة إلى الإسلام؟
س: إذا أردنا دعوة إنسان ما إلى الدين الإسلامي كيف نبدأ معه الدعوة؟ وما هي الخطوات الرئيسية حتى يستجيب هذا الإنسان ويدخل في الدين الإسلامي الحنيف؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الخطوة الأولى: تبيين فضل الإسلام، وأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي بعث به الأنبياء الماضين، والرسل كلهم. تبين له أن هذا هو دين الحق، وأن الله بعث محمدا بالحق وأن على العاقل أن يجتهد في أسباب السلامة والحيطة لدينه حتى إذا مات مات على طريقة سليمة، وعلى دين مستقيم، فيفوز بالجنة والنجاة من النار، تشرح له الدين الإسلامي وأنه طريق النجاة وأنه الصراط المستقيم، وأن جميع
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (352) .(1/294)
الأديان الأخرى يهودية أو نصرانية كلها باطلة، وليس هناك دين حق إلا دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1) لكن بالأسلوب الحسن، باللطف والكلام الطيب، وترغبه في ذلك، وتحرص على أنه بحمد الله ميسر ليس فيه صعوبة، ولا آصار ولا أغلال، بل هي أعمال صالحة ميسرة بحمد الله، حتى يقبل منك إن شاء الله، ويدخل في الإسلام، أما إن كان مسلما لكن عنده معاص، تبين له شر المعاصي، وأخطارها وأنها من أسباب قسوة القلب، وموت القلب من أسباب غضب الله عليك، ومن الأسباب التي تبقى عليها حتى تموت، وتحذره من البقاء عليها، تحرضه على التوبة، يعني توصيه بالتوبة والمسارعة إليها قبل أن يموت؛ لأن بقاءه على المعاصي من أسباب غضب الله، ومن أسباب سوء الخاتمة، ومن أسباب العذاب يوم القيامة إلا من رحمه الله.
الخطوة الثانية: أن يشرح له الإسلام، إذا كان كافرا يشرح له الإسلام، بأن يقال له: الإسلام هو كذا وكذا، الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، تبين له معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن معناها أن لا يعبد إلا الله وحده، وأن لا يدعو معه صنما ولا نبيا ولا قبرا ولا شجرا ولا حجرا، بل يخلص العبادة لله وحده، صلاته ودعاءه وذبحه ونذره وصومه، إلى غير ذلك، وكذلك أن يشهد أن محمدا رسول الله، يعني يشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 19(1/295)
الهاشمي القرشي هو رسول الله حقا، بعثه الله إلى الناس عامة وختم به الأنبياء، وأنزل عليه شريعة كاملة من تمسك بها فله الجنة، ومن ضيعها وتركها فله النار، يبين له بقية أركان الإسلام: الصلاة والزكاة والصيام والحج وأركان الإيمان، ويوصيه بأن يبادر إلى هذه الأشياء، ويستقيم على طاعة الله ورسوله، وإذا مات على هذا فله الجنة.
الخطوة الثالثة: أن يجتهد بتوصيته في الأعمال الصالحات، والحرص على الحفظ للوقت عن النقص وعن الأشياء التي لا نفع فيها، والحرص على عمارة الوقت بذكر الله، بالأعمال الصالحة، بالتطوع حتى تكون هذه الأعمال الصالحة جبرا، لما قد يقع من النقص في الفرائض، ومن أسباب علو الدرجات، وكثرة الحسنات، تكون أوقاته معمورة بالخيرات، وبالصلوات وبالذكر وقراءة القرآن، وصحبة الأخيار، إلى غير ذلك، والدعوة إلى وجوه الخير.(1/296)
110 - الضابط الشرعي لتعليم وإرشاد المسلم الجديد
س: بعض الناس تستعجل في بعض الأمور في توضيحها لمن يسلم مجددا، فربما ذكروا مثلا أمورا، ربما تكون فرعية كالالتزام بالحجاب الكامل بالنسبة للنساء وكالالتزام بإعفاء اللحية، من أول وهلة وكالختان، وما أشبه ذلك. هل لسماحتكم من كلمة حول هذا الموضوع؟ (1) .
ج: هذه فروع إن بينها له فلا بأس، وإن أخرها إلى وقت آخر فلا بأس، المهم الأصول حتى يدخل في الإسلام، أما الفروع الأخرى: حلق اللحية أو قصها، وكذلك الحجاب، وكذلك ما يتعلق بالختان وما أشبه ذلك، هذه لو أجلت لئلا ينفر من الإسلام، ويكون التعليم بأصول الإسلام ومبانيه العظام، فإذا دخل بالإسلام بعد ذلك يرغب في بقية أعمال الإسلام.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (352) .(1/297)
111 - ما يشرع البدء به في دعوة وإرشاد المجتمعات الإسلامية
س: نحن نعيش في مجتمع يكثر فيه الدجل والشعوذة والشركيات، كبناء القباب على القبور، وكذلك دعاء(1/297)
الأموات لتفريج الكروب. هل يشرع أولا في مجتمع كهذا الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقائد من أدران الشرك والاهتمام بتربية الفرد تربية دينية، حتى يصبح عضوا صالحا في المجتمع، أم يشرع المناداة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما يفعل الكثير من الجماعات الإسلامية؟ (1) .
ج: إذا كنت في بلد إسلامي وبين المسلمين، تعلمهم ما جهلوا من الشرك وغيره من المعاصي، أما إذا كنت في بلد كافرة بين النصارى أو بين اليهود، بين الوثنيين الذين لا يعرفون الإسلام، ولا يدعون الإسلام، فإنك تبدأهم بالتوحيد، تدعوهم إلى توحيد الله، فإذا أسلموا ودخلوا في دين الله، تعلمهم الصلاة والزكاة وغير ذلك، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا بذلك، لما بعثه إلى اليمن عليه الصلاة والسلام، أما إذا كنت بين المسلمين، في مصر، في الشام، في الأردن، في السعودية، في أي مكان، فإنك تنكر عليهم ما وقع منهم من شرك أو غيره، وتعلمهم دينهم، وتعلمهم ما جهلوا، وتبصرهم بالحق الذي جهلوه. سواء كان شركاء أو تهاونا بالصلاة، أو عقوقا للوالدين، أو تعاطيا للربا، أو غير ذلك مما يقع من بعض المسلمين.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (182) .(1/298)
112 - الصفات الواجب توافرها في الداعية المسلم
س: ما هي الصفات الواجب توفرها في الداعي المسلم، لدعوة ملحد أو يهودي أو نصراني؟ أي هل باستطاعة أي مسلم أن يكون داعيا إلى الله؟ (1) .
ج: ليس في استطاعة كل مسلم الدعوة إلى الله إلا بعد التعلم، الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم، وتحتاج إلى لغة المخاطب أيضا، والله يقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (2) يعني على علم، فمن أراد أن يدعو الناس إلى الله، فليتعلم ويتفقه في الدين، وليعتن بالقرآن الكريم وتفسيره، ومعرفة معانيه، وليحضر عند أهل العلم، يحضر حلقات العلم ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، حتى يصلح للدعوة، فإذا وجد من نفسه قوة على ذلك، واستشار من يطمئن إليه من أساتذته ليبين له، حتى يصلح للدعوة وحتى يوجهه إلى ما ينبغي وحتى يشير عليه بما ينبغي أن يستعمل، فإذا وجد من نفسه القدرة، لأن عنده حصيلة من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، في أي موضوع من الموضوعات التي يريد أن يدعو إليها، أو يناقش فيها فليتكلم، وإذا كانت اللغة غير العربية، فلا بد أن يستعين بمن يفهم اللغة من الثقات، حتى يكون واسطة بينه وبينه في توجيه الخير، وإرشاده إلى
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (173) .
(2) سورة يوسف الآية 108(1/299)
الحق باللغة التي يفهمها بواسطة من يعرف اللغة المذكورة، من الثقات المعروفين بالعلم والفضل، وإذا كان الداعي يعرف اللغة هذا نعمة كبيرة، يدعو إلى الله باللغات التي يفهمها ويعرفها المخاطب، وبكل حال فالصفات التي يجب توافرها في الداعي: أن يكون عنده علم وعنده حلم وبصيرة، حتى يدعو إلى الله على بينة ورفق ولين، وبأسلوب يؤثر على المدعو، وأن يكون في نفسه صالحا، حتى لا يحتج عليه المدعو، يقول: أنت تدعونا إلى كذا وأنت فاسد تخالف أقوالك أعمالك، وأعمالك أقوالك، ينبغي له أن يكون حريصا بأن يعمل بما يدعو إليه، وأن يحذر ما ينهى عنه، فالداعي يمثل دعوته بأفعاله وأخلاقه، وسيرته مع الناس، وينبغي أيضا أن يكون عنده حصيلة محفوظة من الأحاديث الصحيحة، ومن آثار السلف الصالح الذين قاموا بالدعوة، حتى يتأسى بهم مع كتاب الله عز وجل، والعناية بحفظه وتدبر معانيه، والاستعانة بكلام أئمة التفسير المعروفين بالعلم والفضل والعقيدة الصالحة، كالإمام ابن جرير والبغوي وابن كثير، وغيرهم من أئمة التفسير الذين يستفاد من كلامهم في تفسير كلام الله عز وجل، فالحاصل أنه لا بد من بصيرة ولا بد من أخلاق فاضلة، وأن يكون ذا خلق كريم في حلمه، وقوله وعمله وأساليبه، حتى لا يجد المدعو ثغرة يدخل منها عليه، لينتقصه أو ليهجن دعوته، ويقول: إنك لست كما تقول.(1/300)
113 - الفروق بين دعوة الملحد والكتابي
س: سماحة الشيخ، كأن السائلة تفرق بين دعوة الملحد ودعوة اليهودي، ودعوة النصراني، هل فيها فروق معينة؟ (1)
ج: نعم لا شك أن اليهودي والنصراني عندهم إيمان بالآخرة، وعندهم إيمان بالرسل وإن كان إيمانهم مدخولا، وإن كان لا ينفعهم لأنهم خلطوا كفرا وإيمانا، لكن دعوتهم أسهل لأنهم يخاطبون بالكتب التي نزلت على الأنبياء، يخاطبون بالإيمان باليوم الآخر، وأن الواجب الإعداد لليوم الآخر، وأن الواجب طاعة الرسل، هم يعرفون أن طاعة الرسل لازمة، وأن محمدا من الرسل عليه الصلاة والسلام، وتقام الحجج على رسالته عليه الصلاة والسلام، ويدعون إلى الإيمان به، واتباع شريعته وأنه ليس هناك نجاة إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، فالحجة قائمة على اليهود والنصارى، لما عندهم من العلم السابق، من عهد الأنبياء، وإنما حملهم على الترك الهوى والحسد والبغي، ولا سيما اليهود فإنهم أمة الحسد، وأمة البغي وأمة الغضب، وأمة العناد، وهكذا أئمة النصارى الذين عرفوا الحق، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة، فصاروا مشابهين لليهود في عنادهم، وفي جحدهم الحق، وهم يعلمون. نسأل الله العافية، لكن الغالب على النصارى الضلال والجهل، وهم يحتاجون إلى التعليم والتوجيه، بالأدلة الشرعية
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (173) .(1/301)
حتى يدخلوا في الحق، وعندهم أصل الإيمان بالآخرة، وأصل الإيمان بوجود الله، وإن كان إيمانا فاسدا مشوشا لا ينفعهم في الآخرة؛ لأن اليهود اعتقدوا عزيرا ابن الله، والنصارى اعتقدوا المسيح ابن الله، ثالث ثلاثة، وعندهم أيضا غلو في أحبارهم ورهبانهم، كلهم عندهم غلو في أحبارهم ورهبانهم، وعندهم أنواع من التحريف والشر، لكنهم أسهل في الدعوة، من دعوة الملحد الشيوعي، أما الملحد فيحتاج لإقامة الأدلة على وجود الله، وعلى صحة ما جاء به الرسل من العقل الذي يفهمه هو، فدعوتهم تحتاج إلى مزيد من البصيرة والحكمة والتجارب، وبيان ما فطر الله عليه العباد حتى يخاطبه بمقتضى الفطرة والعقل. والله المستعان.(1/302)
114 - الواجب على جميع أهل الأرض الدخول في الإسلام والالتزام به
س: إذا أردنا دعوة إنسان إلى الدين الإسلامي، كيف نبدأ هذه الدعوة؟ وجهونا حول هذا الموضوع جزاكم الله خير (1)
ج: البداءة: تبدأ بترغيبه في الإسلام. والبيان له أن الإسلام هو دين الله الذي بعث به الرسل؟ وأنزل به الكتب، وبعث به آخر الأنبياء،
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (352) .(1/302)
وخاتمهم محمدا عليه الصلاة والسلام، وأنه واجب على جميع أهل الأرض الدخول في الإسلام والالتزام به، هذا الواجب على جميع أهل الأرض، من اليهود والنصارى، والشيوعيين وغيرهم. جميع أهل الأرض رجالا ونساء، يجب عليهم الدخول في الإسلام واعتناقه، والتمسك به والثبات عليه، لأن الله خلق الخلق ليعبدوه، وهذه العبادة التي خلقوا لها هي الإسلام الذي بعث الله به الرسل، وبعث به محمدا عليه الصلاة والسلام، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ناسخة لشريعة التوراة، والإنجيل، وجميع ما في الأرض من تعبدات، شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لذلك، يجب الأخذ بها، والتمسك بها على جميع أهل الأرض، فتبين له أن الإسلام هو دين الله، وأنه هو الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو دين الأنبياء قبله جميعا وأصله وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فتعلمه الشهادتين أولا وتعلمه معناهما، ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج وأركان الإيمان الستة، وتفهمه معناها، وتعلمه أن عليه البراءة من جميع الأديان المخالفة للإسلام، من دين النصارى وغيرهم، عليه أن يتبرأ من كل دين يخالف الإسلام، وأن يؤمن بأن عيسى هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، إذا كان نصرانيا، تعلمه أن عيسى هو عبد الله ورسوله، خلقه الله من أنثى بلا ذكر، قال الله له كن فكان، فالواجب الإيمان بأنه عبد الله ورسوله، وليس هو الله، وليس هو ابن الله، وليس هو ثالث ثلاثة، بل هو عبد الله ورسوله، خلقه الله من(1/303)
أنثى، وهي مريم البتول الصديقة رضي الله عنها، وليس له أب، قال الله له: كن فكان، فعلى العبد أن يؤمن بهذا، ويصدق بهذا، ويتبرأ من طريقة اليهود والنصارى في ذلك.(1/304)
115 - الإسلام يدعو للعقيدة الصحيحة
س: إذا كان الإسلام قد أقر حرية العقيدة، فلماذا يحارب الوثنية والارتداد والإلحاد؟ (1) .
ج: الإسلام لا يقر حرية العقيدة، وإنما الإسلام يأمر بالعقيدة الصالحة، ويلزم بها ويفرضها على الناس، ولا يجعل الإنسان حرا يختار ما شاء من الأديان، لا، القول بأن الإسلام يجيز حرية العقيدة، هذا غلط، الإسلام يوجب توحيد الله، والإخلاص له سبحانه، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها: توحيد الله، والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب: الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، والله سبحانه يقول: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (2) ، ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (3)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (37) .
(2) سورة النساء الآية 36
(3) سورة الإسراء الآية 23(1/304)
ويقول سبحانه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ويقول عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) ويقول سبحانه {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل (4) » متفق على صحته.
وبين الرب عز وجل، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العقيدة، ووجوب الالتزام بشرع الله، وأن لا حرية للإنسان في هذا، فليس له أن يختار دينا آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه ويفترض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وأن لا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة البينة الآية 5
(4) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب '' فإن تابوا وأقاموا الصلاة ''، برقم 25، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 21.(1/305)
على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، ويؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله، وهكذا يلتزم، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: «يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزني بحليلة جارك (1) » . فأنزل الله بهذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (2) {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (3) {إِلَّا مَنْ تَابَ} (4) الآية. فدل ذلك على أن توحيد الله، والإخلاص له وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتحريم القتل وتحريم الزنى؛ أمر مفترض لا بد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، ليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفسا بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر، صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر، بل يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك، فلا حرية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب إثم الزناة، برقم 6811، ومسلم في كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب؛ برقم 86.
(2) سورة الفرقان الآية 68
(3) سورة الفرقان الآية 69
(4) سورة الفرقان الآية 70(1/306)
في الإسلام بين العقائد، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة، ويذر ما حرم الله، نعم له حرية في الأمور المباحة التي أباح الله له، وإنما له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب إذا شاء تركها فلا بأس، والمباح إن شاء فعله وإن شاء تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية ولا النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك، بل متى ما اعتنق النصرانية أو اليهودية، أو المجوسية أو الشيوعية صار كافرا، حلال الدم والمال، يجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر الذي هو في بلده، ولي الأمر المسلم يستتيبه، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » رواه البخاري في الصحيح، من بدل دينه دين الإسلام بالكفر، يجب أن يقتل إذا لم يتب، فلهذا يعلم أن ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يدخل الباطل أبدا، بل يلزمه الاستقامة على الحق، ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو لله عز وجل، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليه، كل هذا أمر مفترض حسب الطاقة، النفس فيها حركة، إن لم تلتزم بالحق دعته إلى الباطل، واللسان كذلك إن لم يتكلم بالحق تكلم بالباطل، وهكذا الجوارح فالعبد إن لم يلزمها ويأخذ عليها بالحق،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.(1/307)
وإلا انقاد لهواها وباطلها وللشيطان، فوقع فيما حرم الله عليه، فالواجب أن يلتزم ما أوجب الله عليه بلسانه، وأفعاله وفي سائر شئونه، وأن لا يدع للشيطان مجالا، ولا لنفسه الأمارة بالسوء مجالا، بل يحارب ذلك ويستعين بالله، بترك الباطل وعلى أداء الحق.(1/308)
116 - حكم اقتناء وقراءة التوراة والإنجيل
س: هل يجوز إذا وقع كتاب الإنجيل في يدي أن أقرأه؟ وإذا كان جائزا فأين أجده (1)
ج: ما يتعلق بالإنجيل والتوراة مثلا، فلا ينبغي قراءتها ولا اقتناؤها، إلا لطالب علم يريد الرد على ما فيها من أباطيلهم وأكاذيبهم، فإن التوراة والإنجيل قد غيرتا، وبدل منها شيء كثير، وحرف كثير منهما أولئك الضالون من اليهود والنصارى. فهذان الكتابان لا ينبغي اقتناؤهما؟ لأنه ربما تشوش بقراءتهما، وربما اشتبه عليه شيء من ذلك، فيضر بدينه، أما طالب العلم فيحتاج إليهما لرد شبه، أو لإنكار منكر أو لبيان حق، أو للرد على اليهود والنصارى، فهذا كله لا بأس به، إذا كان من أهل العلم، يأخذ منهما ما يحتاج إليه عند الحاجة لرد باطل وإنكار منكر، كما فعل هذا كثير من أهل العلم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (18) .(1/308)
رحمة الله عليهم، وأما العامة فلا حاجة لهم في ذلك، ولا ينبغي لهم اقتناؤهما، ولا التماسهما في أي مكان، لأن الله سبحانه قد أغنانا - وله الحمد والمنة - بكتابه العزيز القرآن، أغنانا عن جميع الكتب الماضية، فلا حاجة لنا بها بل علينا أن نعنى بكتاب الله، وأن نتدبر كتاب ربنا، وفيه الكفاية، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على عمر لما رأى في يده شيئا من ذلك، يعني من التوراة، وقال: «أفي شك يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي (1) » يروى هذا عنه عليه الصلاة والسلام، المقصود أن التوراة والإنجيل ليس لنا حاجة إليهما، ولا إلى اقتنائهما، ولا إلى مراجعتهما، ولا سيما عامة المسلمين، أما أهل العلم فقد يحتاجون إلى شيء من ذلك في بعض الأحيان عند رد شبه يوردها النصارى، أو اليهود، أو يوردها غيرهم ممن يحتجون بالتوراة والإنجيل، أو يزعمون أن في التوراة والإنجيل كذا وكذا، فيريد طالب العلم أن يوضح الأمر، وأن يبطل شبهتهم هذه التي شبهوا بها، كما طلب النبي التوراة لما ترافع إليه اليهود في شأن الرجم، طلبها وأحضروها، ووجد بها آية الرجم، ليحتج عليهم بذلك.
فالحاصل أنه لا ينبغي لعامة المسلمين شراؤهما، ولا اقتناؤهما
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، برقم 14736.(1/309)
ولا مراجعتهما، بل ذلك منكر بحق عامة الناس، وقد كفى الله وشفى بإنزال كتابه العزيز القرآن الكريم، الذي فيه نبأ ما قبلنا، وحكم ما بيننا، وفيه الكفاية، وهو أفضل كتاب وخير كتاب. والحمد لله. أما أهل العلم فقد يحتاجون شيئا من ذلك، لكن لهم شأنهم في ذلك.(1/310)
باب ما جاء في أن لبس الحلقة أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه شرك(1/311)
باب ما جاء في أن لبس الحلقة أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه شرك
117 - حكم تعليق الخيط لرفع البلاء أو دفعه
س: ما حكم الذي يعلق خيطا لرفع البلاء أو دفعه؟ (1)
ج: هذا ينكر عليه؛ لأنه من الشرك الأصغر، من جنس التمائم، قال عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » . وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » . ولما دخل حذيفة رضي الله عنه على رجل، قد علق عليه خيطا قطعه حذيفة وأنكر عليه، وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (4)
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (38) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16951.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه؛ برقم 16969.
(4) سورة يوسف الآية 106(1/313)
بين له أن هذا من الشرك، فتعليق الخيوط والتمائم من الودع، أو من العظام أو من شعر الذئب، أو من عظام الذئب أو أسنانه كل هذا من خرافات الجاهلية، وهو من المنكرات. وهكذا تعليق الحجب، من القرآن يسمونها حجبا، يسمونها حرزا، يسمونها جامعات، كل هذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم النهي ولم يستثن من القرآن ولا غيره، ولأن استعمال القرآن يفضي إلى استعمال غيره، يعني فتح باب الشرك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (1) » يعني الرقى المجهولة التي ليست على الطريقة الشرعية، هكذا التمائم ما يعلق على الأولاد عن العين، أو يعلق على النساء عن العين، كل هذا منكر ومن عمل الجاهلية، والتولة الصرف والعطف، وهو السحر، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من الشرك؛ لأنه يستعان فيه بالجن والشياطين، فالساحر والساحرة إنما يتم لهما ما يتعاطيانه من السحر بواسطة عبادتهم للجن والشياطين، وتقربهم إليهم بما يرضيهم، والخيوط من جنس التمائم، إذا علق على يده خيطا، أو على رقبته يزعم أنه من أسباب الشفاء، هذا من المنكرات يجب أن يقطع.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/314)
118 - حكم تعليق رجل الذئب على من به مس
س: وجدت بعض الناس إذا أصيب أحدهم بجني يعلق رجل ذئب على يد المصاب، فما مدى صحة ذلك؟ وما رأي فضيلتكم فيه. وفقكم الله؟ (1)
ج: تعليق رجل الذئب أو شعر الذئب على المريض، الذي يظن به مس من الجن أو غير ذلك هذا لا يجوز، بل هذا من التمائم التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، «من علق تميمة فقد أشرك (3) » فلا يجوز تعليق التمائم، سواء كانت عظاما أو ودعا أو شعرا أو حلقات من حديد أو غير ذلك أو من أي جنس، كل هذا لا يجوز، ولا يختص بالذئب. بل قد يكون ذئبا أو أسدا أو كلبا أو فهدا أو غير ذلك كل هذا لا يجوز، وكل هذا يعتبر من التمائم التي نهى الرسول عن تعليقها. ولكن يعالج بالقرآن الكريم بالقراءة وبالأدوية الطيبة النافعة. أما التعليق على الأطفال، وعلى المريض، تعليق التمائم من عظام، أو من رجل الذئب، أو يد الذئب، أو شيء من شعر
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (31) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/315)
الذئب، أو الكلب، أو الأسد أو غير ذلك، كل هذا لا يجوز، وهكذا مثل ما يفعل بعض الناس من كونه يضع آيات في قرطاس، أو يضع معها بعض الدعوات أو بعض المسامير أو بعض الطلاسم، ثم يجعلها في جلد أو في غير ذلك، يعلقها على الطفل أو على المريض، كل هذا لا يجوز، التعليق التي يراد بها دفع المرض أو دفع الجن أو دفع العين، كل هذا لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على أعرابي حلقة فقال: «انزعها فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (1) » . وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2) » . فالرقى يعني المجهولة أو التي فيها أشياء منكرة، وهكذا التمائم كلها لا تجوز، وما يعلق على الأولاد والمرضى عن العين، وعن الجن كل هذا لا يجوز، وهكذا التولة وهي الصرف والعطف، وهي ما يفعله بعض النساء لتحبيب الأزواج إلى نسائهم وتحبيب المرأة إلى زوجها، كل هذا لا يجوز وهو من السحر، هذه كلها محرمة نبه عليها النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما الرقى الجائزة، الرقى الشرعية بالقرآن، وبالدعوات الطيبة، وبما جاء في الأحاديث، الرقى الطيبة يرقى بها المريض، ويدعى له وينفث عليه ويدعى له، أما يعلق عليه شيء فهذا لا يجوز.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/316)
119 - حكم تعليق رجل الذئب أو ضرسه على رقاب الأولاد
س: بعض الناس يعلقون رجل الذئب على رقاب أبنائهم أو ذويهم، ويعتقدون أنه يذهب الجنون. فما رد فضيلتكم على هذا وفقكم الله؟ (1)
ج: هذا من الخرافات تعليق رجل الذئب أو أذنه، أو ضرسه أو شيء من شعره على المريض، أو على غير المريض للصيانة والحفظ، كل هذا منكر كله خرافات لا أصل له، وهذا من التمائم التي حرمها الله جل وعلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق شيئا فقد أشرك (2) » فتعليق التمائم لا يجوز، سواء كانت التمائم من رجل الذئب، أو من شعره أو من عظامه، أو من غير هذا من الحيوانات الأخرى، أو حديدة أو شيء مقروء فيه في ورقة، أو رقعة أو غير ذلك، معلق على الطفل أو على المرأة أو على المريض، كل هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى عن هذا - عليه الصلاة والسلام - وحذر منه، وأخبر أنه من الشرك، وقال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (3) » . وكان في الجاهلية تعلق التمائم، يسمونها الحرز يسمونها الحجب، يسمونها الجوامع، تعلق على المريض وعلى الأطفال يزعمون أنها تدفع العين عنهم، أو تدفع الجن، وهذا لا يجوز بل هو منكر، يجب إزالته،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (30) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/317)
فلا يجوز تعليق تميمة من عظام الذئاب، أو من شعر الذئاب أو من رجل الذئب أو الضبع أو الأسد أو النمر أو غير ذلك، ولا يجوز أيضا تعليق تمائم من القرآن، كأن تجعل ورقة يكتب فيها شيء، ويعلقها في قطعة جلد، أو غير ذلك، أو مسامير أو غير ذلك، مما يفعله بعض الناس أو طلاسم وحروف مقطعة، يجعلونها في وريقات ثم يجعلونها في جلد أو غيره تعلق، كل هذا لا يجوز. ويجب الحذر من ذلك.(1/318)
120 - حكم لبس الخاتم لقصد الشفاء
س: المستمع أ. ع. م. وحرمه بعثوا برسالة يقولون فيها: إن والدهم توفي وقد كان يلبس خاتما يعتقد أنه يشفي من العقم، وحينئذ كان يلبسه وهو لا يدري أن هذا العمل محرم، ويسألون كيف يتصرفون الآن، بعد أن توفي ذلك الرجل، وهو على ذلكم الجهل؟ وبماذا توصونهم؟ (1)
ج: يدعى له بالعفو والمغفرة؛ لأن هذا جاهل يحسب أن هذا التعلق ينفع، التعلق بالخاتم، وأنه ينفع من باب الدواء ومن باب الطب، لو كان حيا نبه عليه، وأخبر بما في تعليق التمائم والخواتم، لمن يعتقد فيها أنها من أسباب الشفاء، ولا تجوز على ما هو معروف عند أهل
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (345) .(1/318)
العلم، المقصود أن تعليق خرقة أو ورقة أو خاتم، أو حلقة لقصد الشفاء لا يجوز، والنبي نهى عنه - عليه الصلاة والسلام - لكن ما دام جاهلا فإنه يدعى له بالمغفرة والرحمة، ويصلى عليه والحمد لله.(1/319)
باب ما جاء في الرقى والتمائم(1/321)
باب ما جاء في الرقى والتمائم
121 - بيان معنى العزائم والرقى
س: جاء في فتح الباري أن العزائم والرقى لها آثار عجيبة، ما هي العزائم والرقى؟ وما هي آثارها العجيبة؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: العزائم والرقى هي القراءة على المرضى بأن يقرأ على المريض، قرأ يعني عزم عليه، يقرأ من الآيات ومن الدعوات الطيبة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغير هذا من الدعوات الطيبة، لها أثر عجيب في شفاء المريض، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المريض وكان الصحابة كذلك، فالرقية للمريض والدعاء له من أسباب الشفاء، من الدعوات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أسباب الشفاء، وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما (2) » هذا الدعاء من أنفع الدعاء، ومن
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (277) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم برقم 5742.(1/323)
ذلك رقية جبرائيل للنبي بهذه الرقية: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك (1) » هذه من الرقى العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ألم بأحدكم شيء من جسده فليضع يده على محل الألم، وليقل: بسم الله، ثلاثا، أعوذ بعزة الله وقدرته، من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات (2) » هذا من أسباب الشفاء، وهكذا قوله: اللهم اشفني، اللهم عافني اللهم من علي بالعافية، اللهم ارزقني العافية، يدعو ربه بالكلمات الطيبة، اللهم اشفني من هذا المرض، اللهم اشفني من كل داء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، برقم 2186.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند القبائل، حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، برقم 26638.(1/324)
122 - بيان الرقية الشرعية
س: السائل مصري ومقيم بتبوك يقول: ما هي الحدود والضوابط في الرقية الشرعية؟ وهل يجوز للراقي أن يرقي مجموعة من الأشخاص في وقت واحد؟ وبماذا تنصحون المرضى مأجورين؟ (1) .
ج: الرقية تكون بالقرآن وبالدعوات الطيبة، هذه الرقية مع رجاء أن
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (431) .(1/324)
الله يتقبل وينفع بها، فينفث عليه بريقه ويقرأ الفاتحة أو بعض الآيات، أو آية الكرسي، أو قل هو الله أحد والمعوذتين، القرآن كله شفاء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1) ، فالرقية تكون بالقرآن، وبالدعوات الطيبة على محل الألم، ينفث على محل الألم: في صدره، أو رأسه، أو يده، أو رجله، ويقرأ الفاتحة وما تيسر معها من القرآن، ويدعو: اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، ويقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك، هذه الرقية الشرعية، مع رجاء أن الله ينفع بذلك، وسؤاله أن يتقبل وأن ينفع وأن يشفي المريض، يكون عنده إيمان بأن الله هو الشافي، وأن هذه أسباب، فهو يسأل الله أن يشفي المريض، ويقرأ عليه، ويرجو من الله أن ينفع برقيته، يجوز له أن يرقي أشخاصا: اثنين، ثلاثة، قدامه، ينفث على هذا، وهذا وهذا، يقرأ، لا بأس إذا استطاع ذلك، يكون اثنين أو ثلاثة قدامه، ينفت عليهم، على صدورهم، أو في أيديهم، أو على رءوسهم، على حسب المرض، لا بأس، ما هو بشرط واحد، لو كانوا اثنين قدامه، أو ثلاثة، نفث على هذا وهذا لا حرج فيه، ولا أعلم في هذا حرجا.
__________
(1) سورة فصلت الآية 44(1/325)
س: يسأل هذا المستمع ويقول: ما هي الآيات التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرقي بها المرض؟ وكيف تكون؟ وهل يرقي بها عند بداية المرض، أو تكون دائمة حتى يزول المرض؟ وما نصيحتكم للقراء؟ مأجورين (1)
ج: كل القرآن مبارك كله رقية، ومن الرقية الفاتحة، وآية الكرسي، قل هو الله آحد والمعوذتين، مما كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم ويحث عليه، والفاتحة لأنها أم القرآن، وهي أفضل السور، وآية الكرسي، فالرسول أرشد إلى قراءتها بعد كل صلاة، وعند النوم، وكذلك قل هو الله، والمعوذتين، كان يقرؤها صلى الله عليه وسلم عند النوم ثلاث مرات، عند النوم وينفث في يديه ويمسح بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، كل هذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وقال: من قرأ هذه السور الثلاث في أول الليل، أو في أول النهار لم يمسه شيء، أو لم يصبه شيء، فهذا كله مما يشرع، وثبت أن بعض الصحابة رقى بعض المرضى بالفاتحة فقط فشفاه الله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (429) .(1/326)
س: سماحة الشيخ يستفسر الكثير من الناس عن كيفية الرقية الشرعية؟ (1)
ج: الرقية الشرعية هي الرقية بالآيات والدعوات الطيبة، هذه الشرعية، الرقية بالقرآن أو بالدعوات الطيبة، يرقي بالفاتحة، بآية الكرسي بغيرها من الآيات: قل هو الله أحد المعوذتين، بغيرها، هذه الرقية الشرعية، أو بالدعاء، يدعو له: اللهم رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك، أو: اللهم اشفه وعافه، اللهم أنزل عليه الشفاء اللهم أبرئه من مرضه، وما أشبه ذلك من الدعوات الطيبة.
س: السائل أبو عبد الله يقول: القرآن فيه شفاء للناس ورحمة، نرجو أن تذكروا الآيات التي يشرع قراءتها على المريض وعدد المرات، وكيفية النفث، جزاكم الله خيرا؛ لأن عندنا شخصا مصابا بمرض ونريد أن نقرأ عليه (2) .
ج: كل القرآن شفاء من أوله إلى آخره، وإذا قرأ الفاتحة فهي أعظم سورة في القرآن، كررها، كما قرأها الصحابة على اللديغ، لما
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (405) .
(2) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (409) .(1/327)
مروا عليه في بعض أحياء العرب قرأ عليه بعض الصحابة سورة الفاتحة، وكررها فشفاه الله، فإذا قرأ سورة الفاتحة، وقرأ معها آية الكرسي، أو بعض الآيات الأخرى كله طيب، وإذا قرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات، كان حسنا أيضا من أسباب الشفاء، وكل القرآن شفاء، إذا قرأ منه ما يسر الله من البقرة، من آل عمران، من النساء من المائدة، من بقية القرآن، كله شفاء كما قال الله جل وعلا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1) وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2) يعني كله شفاء، فإذا تحرى بعض الآيات وقرأها كله طيب، ولكن من أهم ما يقرأ: الفاتحة وآية الكرسي وقل هو الله أحد، وسورتا المعوذتين، كل هذه من أهم ما يقرأ على المريض.
س: الأخ يسأل ويقول: هل يجوز في الرقية أن يقرأ المسلم القرآن الكريم وبعض الأدعية النبوية على الماء أو الزيت، ويقوم المريض بشرب ذلك الماء والاغتسال به، وإذا كان لا يجوز فما الرقية الشرعية، والشروط التي يجب أن تتوفر في الرقية، ويجوز أن يستعملها المسلم بعد ذلك (3) .
__________
(1) سورة فصلت الآية 44
(2) سورة الإسراء الآية 82
(3) من ضمن أسئلة الشريط رقم (425) .(1/328)
ج: لا حرج في الرقية في الماء ثم يشرب منه المريض أو يغتسل به، كل هذا لا بأس به، الرقية تكون على المريض بالنفث عليه، وتكون في ماء يشربه المريض أو يتروش به، كل هذا لا بأس به، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رقى لثابت بن قيس بن شماس في ماء ثم صبه عليه، فإذا رقى الإنسان أخاه في ماء ثم شرب منه، أو صبه عليه يرجى فيه العافية والشفاء، وإذا قرأ على نفسه على العضو المريض: يده أو رجله، أو صدره، ونفث عليه ودعا له بالشفاء، فهذا كله حسن.
س: يسأل المستمع ويقول: ما كيفية الرقية بالدعاء يا سماحة الشيخ؟ وما هي الأدعية التي تقرأ؟ (1)
ج: ينفث على المريض على محل المرض ويدعو له، ينفث عليه من ريقه، ويقرأ الفاتحة ويكررها سبع مرات، يقرأ آية الكرسي ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويقرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين يكررها ثلاثا، هذه الرقية، وينفث معها ويدعو الله ويقول: اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما؛ كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك (2) » . هكذا رقى جبريل النبي عليه الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، كل
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (430) .
(2) مسلم السلام (2186) ، الترمذي الجنائز (972) ، ابن ماجه الطب (3523) ، أحمد (3/56) .(1/329)
هذا حسن، وإذا قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم يسر له العافية، والدعوات المناسبة لا بأس، لكن هذا الدعاء الثسرعي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رقى بدعوات آخرى للمريض، بطلب العافية فلا بأس.(1/330)
123 - بيان علاج العين
س: السائل أخوكم أبو سعد الدين، مقيم في هذا البلد الطيب، يقول: سماحة الشيخ، المشكلة ملخصها: ذهبت زوجتي لزيارة إحدى جاراتها من باب المودة والصلة والرحمة، وبعد يومين فوجئنا بدعوة من هذه الجارة التي زارتها زوجتي تقول لزوجتي: نريد منك أن تتوضئي، ونأخذ منك ماء الوضوء؛ لأنني مصابة بورم في ساقي، وأظنه حسدا، فقامت زوجتي في الحال، وتوضأت وهي لا تعلم عن هذا الأمر شيئا، وجاءتني وهي تبكي من هذا الأمر، ولأول مرة يحصل لها هذا الأمر، فذهبت إلى جاري وقلت له: يا أخي ما الأمر؟ قال لي: لأن زوجتي محسودة، وأخذنا ماء من كل من دخل عليها، وقال بأن هذا الأمر وارد، وذكر لي حادثة سهل بن حنيف عندما صرعه عامر بن ربيعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. السؤال: هل من علاج الحسد أن نأخذ ماء الوضوء من الحاسد؟ مع العلم(1/330)
بأن الحاسد غير معلوم؟ وهل الأسلوب الذي تعاملت به هذه الجارة مع زوجتي صحيح بدون علمي؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: العين حق كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قد تقع العين من المرأة والرجل، إذا رأت المرأة ما يعجبها من جارتها، أو من غيرها، قد تقع العين، وهكذا الرجل قد تقع منه العين لأخيه ولجاره ولغيرهما، فإذا طلب الرجل أو المرأة من الشخص الآخر أن يتوضأ له فلا حرج في ذلك والحمد لله، قد تقع العين بغير اختيار الإنسان، فلا ينبغي له أن يتكدر من هذا، فإن العين حق وليست باختيار الإنسان، قد تقع منه من غير اختياره، ينظر إلى شخص فيعجبه فتقع العين، يعجبه وجهه يعجبه مشيه، يعجبه غير ذلك، فتقع العين، إما مرض في رجل، أو في رأس أو ينصرع أو ما أشبه ذلك، قد يقع، فإذا قال الرجل لأخيه: توضأ لي أو اغسل وجهك أو يديك، أو قالت المرأة لأختها في الله: أصابني كذا، وأخشى من شيء وقع منك بغير اختيارك، بأسلوب حسن، توضئي لي، أو اغسلي وجهك ويديك وأعطنيه لعل الله يشفيني بذلك، كما وقع لسهل بن حنيف وعامر بن ربيعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر عامرا أن يتوضا لسهل، فصب عليه وشفاه الله، فالمقصود أن العين حق ولا حرج أن يقول الإنسان لأخيه، أو المرأة لأختها في
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (397) .(1/331)
الله: اغسلي يديك أو وجهك، أو توضئي، حتى يصب على من يظن أنه أصابته العين فلا حرج في ذلك، وينبغي أن لا يتكدر من قيل له ذلك، فإنه ليس باختياره، العين تقع بغير الاختيار، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.(1/332)
124 - حكم قول: الفاتحة، بنية الشفاء لطالب الشفاء
س: يقول السائل: ما حكم من يقول بعد الصلاة: الفاتحة، بنية الشفاء لطالب الشفاء؟ (1)
ج: هذا بدعة لا أصل له، وإنما المشروع أن يقرأ على المريض، إذا قرأ عليه الفاتحة أو غيرها لا بأس، أما أن يقول: الفاتحة، بهذا الشكل هذا بدعة.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (431) .(1/332)
125 - الأسباب المعينة على إزالة الهموم التي تصيب الإنسان
س: ما هي الأمور التي تساعد على إزالة الهموم والغموم التي تصيب المسلم؟ وهل يشرع أن يرقي المسلم نفسه من أجل ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: من أعظم الأسباب التي يزيل الله بها الهموم والغموم، الإكثار من ذكر الله سبحانه، والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام، والإكثار من قراءة القرآن، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر وزوال الهم والغم، فأكثر من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، ومن الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع الاستغفار والتوبة من المعاصي والحذر منها، فاحذر المعاصي كلها وتب إلى الله من سالفها، وأكثر من الاستغفار، وأبشر بالانشراح وزوال الهموم والغموم، فطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم سبب في شرح الصدر وزوال كل ما يضرك ويسوؤك، ولا بأس أن ترقي نفسك؟ تقرأ على نفسك بالفاتحة، أو آية الكرسي أو قل هو الله أحد والمعوذتين، أو بكلها، هذه رقية طيبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم يجمع كفيه ويرقي نفسه، يقرأ فيهما، قل هو الله أحد والمعوذتين، ثلاث مرات، ثم يمسح بهما ما أقبل من جسده، رأسه ووجهه وصدره، فإن رقيت نفسك بما
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (308) .(1/333)
يسر الله، يعني قرأت على نفسك بما يسر الله من القرآن فذلك من أحسن الأسباب، ومن ذلك الرقية بالفاتحة، وآية الكرسي وقل هو الله أحد، والمعوذتين، كل هذا طيب، والنبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم كان يرقي نفسه، قل هو الله أحد، والمعوذتين ثلاث مرات، يقرؤها في كفيه عند النوم عليه الصلاة والسلام، ويمسح بكل مرة ما أقبل من جسده على رأسه ووجهه وصدره.(1/334)
126 - بيان علاج ضيق الصدر
س: الشخص الذي بشتكي من ضيق في الصدر، هل يقرأ عليه؟ (1)
ج: ينبغي له أن يكثر من ذكر الله ومن قراءة القرآن، وإذا قرئ عليه لا بأس، لكن الأفضل له أن يكثر من قراءة القرآن ومن ذكر الله؛ لأن هذا يشرح الصدر: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2) يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده سبحان الله
__________
(1) من ضمن أسئلة الشريط رقم (423) .
(2) سورة الرعد الآية 28(1/334)
العظيم، يكثر من قراءة القرآن إذا كان يحفظ، أو من المفصل إذا كان ما يحفظ إلا القليل، أو يردد السورة التي يحفظها، كل هذا من أسباب شرح الصدر، مع دعاء الرب، يقول: اللهم اشرح صدري اللهم يسر أمري، اللهم اشرح لي صدري اللهم أزل عني كل بأس، اللهم اشفني من كل سوء.(1/335)
127 - حكم كتابة آيات القرآن على ورق وشرب مائه
س: يقول السائل: هل كتابة القرآن في لوح وشرابه، أو التمسح به مشروع، أم به بدعة؟ وهذا العمل كثير في بلادنا (1) .
ج: لا حرج في ذلك، أن يكتب في لوح أو قرطاس آيات أو دعوات بالزعفران، ثم يغسلها ويشربها لا بأس، فعله أهل العلم وأجازه أهل العلم والتحقيق، فلا حرج في ذلك، لكن أفضل من ذلك أن يقرأ على نفسه، أو يقرأ عليه غيره وينفث عليه، أو في ماء ويشربه، وهذا أحسن من الكتابة والله أعلم.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (181) .(1/335)
128 - حكم القراءة على المرأة بلا خلوة
س: يقول السائل: هل تجوز القراءة والنفث على المرأة المصروعة أو الملدوغة بحية أو عقرب، مع وجود جمع من النساء ولا محرم هناك؟ (1)
ج: نعم لا بأس إذا حصل عدم الخلوة، إذا حصل وجود شخص ثالث كأبيها أو أخيها أو امرأة أخرى، المقصود لا يخلو يكون معهم ثالث أو أكثر فلا حرج وإن كان الحاضر من النساء ليس بشرط المحرم، المحرم في السفر فقط.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (331) .(1/336)
129 - حكم كتابة القرآن وشربه للعلاج
س: هل يجوز كتابة القرآن وشرابه للعلاج؟ (1)
ج: لا نعلم مانعا من ذلك، وإن كان الأفضل أن يقرأ على المريض وينفث المريض على نفسه، أو يقرأ عليه أخوه، على يده أو رجله أو موضع الألم منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، لكن إذا قرأ في ماء وشربه، أو رش به أو كتب آيات ودعوات في إناء بالزعفران أو في ورقة وغسله وشربه لا بأس، فعله جمع من السلف وذكره ابن القيم وغيره عن السلف فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل والأولى والأنفع
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (57) .(1/336)
هو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، كان يقرأ على المريض وينفث على المريض، وكان يقرأ على نفسه وينفث على نفسه إذا أحس بشيء عليه الصلاة والسلام، وكان إذا أراد النوم نفث في يديه ومسح بهما ما أقبل من جسده، ولما مرض مرضه الأخير عليه الصلاة والسلام صارت عائشة تفعل ذلك، تأخذ يديه وتقرأ فيهما وتمسح بهما على ما أقبل من جسده عليه الصلاة والسلام؛ عملا بما كان يعمله في صحته عليه الصلاة والسلام، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ماء لثابت بن قيس بن شماس ثم صبه عليه، عليه الصلاة والسلام.(1/337)
130 - حكم كتابة آيات من القرآن بالزعفران وشرب مائه
س: هذا سؤال من مستمعة من الرياض، تقول: سماحة الشيخ جاء لمنزلنا رجل لمعالجة إحدى قريباتي، وذلك بأن يقرأ عليها آيات من القرآن، وعندما دخلت لأستمع فقط لقراءته، وأنا ألبس الحجاب الشرعي طلب أخي من الشيخ أن يقرأ علي، مع العلم بأنني لم أكن أريد ذلك، ولكنه قرأ علي ووضع يده على أنحاء متفرقة من جسدي، مثل الرأس وأيضا الأيدي وأعلى الساق، ولكن من وراء الحجاب، وأعطاني بعض الأوراق التي كتب عليها آيات من القرآن الكريم،(1/337)
وطلب مني التبخر بها، والسؤال: هل هذا العمل مشروع؟ وهل يجوز؟ وهل علي إثم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا قرأ على المرأة ونفث عليها من القرآن، أو قرأ على الرجل، هذا مشروع، أو في ماء وتشرب منه، أو تتروش به، أو كتب لها قرآنا بزعفران ونحوه، وغسله وشربته، فلا بأس، لكن لا يضع يده على شيء من جسدها! لأنها عورة، ولكن من دون ذلك، يقرأ على محل الألم، محل اليد محل الرأس، محل القدم، يقرأ على محل الألم من غير لمس، وإذا تيسر أن يكون الراقي امرأة فهذا أولى وأحسن، المرأة للمرأة والرجل للرجل، ولكن إذا دعت الحاجة للرجل يقرأ من غير مس، وأما كونه يكتب ذلك في ورقة تغسل بالزعفران فلا بأس أيضا، أو في صحن ونحوه، يكتب آيات بالزعفران ثم يغسل ويشرب كل هذا لا بأس به.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (411) .(1/338)
131 - بيان حكم التمائم
س: ما حكم الشرع في التمائم والرقى؟ (1)
ج: التمائم ممنوعة وهي ما يعلق على الإنسان سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، والصواب منعها إذا كان من غير القرآن
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (372) .(1/338)
فلا خلاف، تمنع كالطلاسم أو أشياء منكرة عن كتابات منكرة أو عظام أو أشياء غير ذلك هذا منكر، أما إن كانت من القرآن فاختلف فيها العلماء والصواب أنها أيضا تمنع لأمرين: الأمر الأول: عموم الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » ، هذا عام. والأمر الثاني: أنه وسيلة لتعليق التمائم الأخرى، صار وسيلة لتعليق التمائم الأخرى فإن التمييز بين هذا وهذا فيه صعوبة، فالواجب سد الباب ومنع التمائم كلها.
س: ما حكم الشرع في التمائم والرقى؟ (3)
ج: التمائم لا تجوز الحروز لا يجوز وتعليق التمائم لا يجوز، الرسول نهى عنها، قال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (4) » ، «من تعلق
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16951.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) السؤال الرابع من الشريط رقم (427) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/339)
تميمة فقد أشرك (1) » فلا يجوز تعليق التمائم، لا من الحديد ولا من غيره، ولا من الرقى، أما كونه يرقى عليه، ينفث عليه إن كان مريضا فلا بأس، رقية شرعية، أما كونه يكتب كتابا يعلقه عليه، أو معضدا يعلقه عليه، أو حديدة يعلقها عليه، كل هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى من هذا، قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/340)
132 - حكم تعليق التمائم والحلف بغير الله تعالى
س: عندنا في العراق عندما يمرض شخص يذهب إلى السادة، ويكتبون له أوراقا يعلقونها في رءوسهم، فهل يجوز هذا أم لا؟ كذلك الحلف هناك من يحلف بغير الله أو يحلفون بهؤلاء السادة فما حكم ذلك؟ (1)
ج: تعليق التمائم على الأولاد خوف العين، أو خوف الجن، أمر لا يجوز، وهكذا تعليق التمائم على المرضى، وإن كانوا كبارا لا يجوز! لأن هذا فيه نوعا من التعلق على غير الله، فلا يجوز لا مع السادة المنسوبين إلى الحسن والحسين، أو غيرهما ولا مع غيرهم من العلماء ولا مع غيرهم من العباد، لا يجوز هذا ابدأ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (42) .(1/340)
قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » . وفي رواية عنه أنه قال: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » .
والتميمة هي ما يعلق على الأولاد، أو على الكبار عن العين أو عن الجن من خرز أو ودع أو عظام ذئب أو ذيله، أو أوراق مكتوب فيها كتابات، حتى ولو من القرآن الكريم، على الصحيح، حتى ولو آية الكرسي أو غيرها، لا يجوز التعليق مطلقا ولو كان من القرآن؛ لأن الأحاديث عامة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمم وأطلق، ولم يستثن شيئا فدل ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة، وأن ما يعلق على الأولاد عن العين أو عن الجن، أو يعلق على المرضى الكبار كله لا يجوز، والمشروع في هذا أن الإنسان يسأل ربه العافية، ولا بأس أن يقرأ عليه المؤمن العارف بالقراءة يقرأ عليه آيات، يدعو له بدعوات شرعية، ينفث عليه برقية طيبة، هذا لا بأس، أما أن يعلق في قرطاس، أو في رقعة في عضده، أو في رقبته هذا لا يجوز، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر إذا اعتقد صاحبه أنها تدفع عنه وأنها تكفيه الشرور، هذا يكون من الشرك الأكبر، أما إذا اعتقد أنها من الأسباب فهذا شرك أصغر، والواجب قطعها وإزالتها.
وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز ومن الشرك الأصغر أيضا، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بغير الله أن هذا المحلوف به مثل الله، أو أنه يصلح أن يتصرف من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/341)
هذا يكون شركا أكبر، نعوذ بالله، الحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، وقال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر (3) » وفي لفظ: «فقد أشرك (4) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (5) » . وقال ذات يوم لبعض أصحابه في السفر وهم يحلفون بآبائهم: قال لهم عليه الصلاة والسلام: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (6) » . وقال ابن عبد البر - الإمام المغربي المعروف - المتوفى سنة 463 هـ: (إن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بغير الله) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات؛ باب كيف يستحلف، برقم 2679، ومسلم في كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله، برقم 1646.
(2) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 6036.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 4886.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.(1/342)
هذا يفيدنا أن الحلف بالأمانة أو بالنبي أو بالكعبة أو بحياة فلان أو شرف فلان، هذا لا يجوز، وإنما يكون الحلف بالله وحده، يقول: بالله، تالله، والله، هذا هو المشروع، أما الحلف بغير الله كائنا من كان فلا يجوز.(1/343)
133 - حكم تعليق الحجب والحرز
س: تعليق الحجاب على الجسم بقصد أنه ينفع، هل هو حلال أم حرام، وهي آية من الآيات، وعليها بعض المربعات. إذا كانت حراما فهل أدفنها أم أقوم بحرقها؟ (1)
ج: تعليق الحجب أمر لا يجوز، سواء من الآيات أو من غير الآيات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3) » .
التمائم هي الحجب التي تعلق على الناس، والرقى الشركية التي
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (213) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 3604.
(3) أبو داود الطب (3883) ، ابن ماجه الطب (3530) ، أحمد (1/381) .(1/343)
لا نعرف معانيها، أو بلسان مجهول، أو فيها إثم، وتوسلات منكرة، أما الرقى الشرعية التي ليس فيها منكر فلا بأس أن يرقي أخاه بالآيات، أو بالدعوات الطيبة، وأما التمائم فهي الحجب، لا يجوز تعليقها مطلقا، لا على الرقبة ولا في العضد، ولا في غير ذلك، ويجب إتلافها بإحراقها أو دفنها في أرض طيبة، إذا كانت آيات.(1/344)
134 - الحكمة التشريعية من تحريم التمائم والحروز
س: الأخ ش. ك. ع. من جمهورية السودان، يسأل ويقول: ما حكم التمائم مع ذكر الدليل لكي تتضح المسألة؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: تعليق التمائم من المحرمات الشركية، والتمائم هي ما يكتب في الرقاع من خرق أو قراطيس أو رقاع من الجلد، أوغير ذلك، يكتب فيها طلاسم لا تعرف معناها، وربما يكتب فيها بأسماء لبعض الشياطين، بعض الجن، وربما كتب فيها دعوات أو آيات، ثم تعلق على المريض أو على الطفل، يزعمون أنها تدفع عنهم الجن، وبعضهم يعلقها لدفع العين، وكانت الجاهلية تفعل ذلك، تعلق التمائم على الأولاد والأوتار
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (148) .(1/344)
على الإبل، ويزعمون أنها تدفع عنهم البلادة وهذا من الجهل بالله وقلة البصيرة، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع التمائم، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » . «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » ونهى عن تعليق الأوتار على الدواب، وبعث في الجيوش من يزيل ذلك، ويقطع الأوتار التي تعلق على الإبل أو الخيل، المقصود أن تعليق الأوتار والتمائم أمر كان معروفا في الجاهلية، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله، والتعليق للتمائم والأوتار عند أهل العلم من الشرك الأصغر، إذا كان قصد المعلق أنها سبب، أما إذا كان قصد المعلق أنها تدفع بنفسها، وأنها تصرف السوء بنفسها فهذا شرك أكبر نعوذ بالله، وهناك مسألة اختلف فيها العلماء؛ وهي ما إذا كانت التمائم من القرآن أو من الدعوات الطيبة، وليس فيها طلاسم ولا شركيات ولا أشياء منكرة، هل تجوز أم لا تجوز؟ أجازها بعض السلف، وقالوا: إنها من جنس الرقية، وأجازوا تعليق التمائم التي من القرآن، أو من دعوات لا بأس بها. وقال آخرون من أهل العلم: لا تجوز بل جوازها فتح لباب الشرك، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وأطلق ولم يخص شيئا دون شيء، بل قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (3) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (4) » ، هذا عام. وقال:، «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (5) » فإذا أجزنا التمائم من القرآن فقد خالفنا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/345)
هذه الأحاديث العامة، والعموم حجة يجب الأخذ به، ثم إذا أجزنا هذه التمائم من القرآن صار فتحا لباب الشرك؛ لأنها تلتبس الأمور وتختلط هذه بهذه، ويلبس الناس هذه بهذه فيقع الشرك، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع بأدلة كثيرة، كل شيء يفضي إلى الشرك أو إلى المحرمات يمنع، ولا شك أن تعليق التمائم من القرآن، أو من الدعوات المباحة يخالف الأحاديث العامة والنهي العام، ويسبب فتح باب الشرك واختلاط الأمور، فلهذا كان الصواب منع الجميع، الصواب منع التمائم كلها من القرآن وغير القرآن؛ أخذا بعموم الأحاديث وسدا لباب الشرك، والله المستعان.(1/346)
135 - حكم تعليق الحجب من القرآن
س: هل يجوز لبس الورقة (الحجاب) ؛ وهي عبارة عن ورقة من دفتر عادي، ويكتب عليها الشخص الذي يدعونه؛ يكتب عليها آية الكرسي وسورة الفاتحة والمعوذتين؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: تعليق التمائم لا يجوز لا أوراق ولا خرق ولا غير ذلك؛ وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولم يرشد إلى هذا عليه الصلاة والسلام
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (335) .(1/346)
وإنما أرشد إلى القراءة، قراءة القرآن والعلاج بالقرآن بالنفث بحيث ينفث الإنسان على نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث في كفيه وقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات، ثم مسح بذلك ما أقبل من جسده من رأسه ووجهه وصدره، أما ما يكتب فيها أوراق تعلق فهذا لا يجوز، بل هذا من وسائل الشرك والاعتماد على غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » .
هذه يقال لها: التمائم، ويقال لها: الحروز ويقال لها: الحجب، وليس منها شيء من المباحات فكل هذا لا يجوز، لا يجوز تعليق قرآن ولا غير قرآن، وإذا كان من غير القرآن صار أشد في الإنكار؛ كالطلاسم أو العظام أو الحديد أو ما أشبه ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم على إنسان حلقة فقال: «ما هذا؟ " قالوا: من الواهنة، فقال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا (3) » .
فالمقصود أن المؤمن يتجنب هذه الأشياء، ولا يعلق تميمة ولا ورقة ولا خرقة ولا غير ذلك، مما يرى أنها حرز ينفع من الجن أو ينفع من العين أو ما أشبه ذلك، ويسمونها الحروز ويسمونها التمائم
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.(1/347)
ويسمونها الحجب كل هذا لا يجوز، والصواب أنها لا تجوز حتى ولو كانت من القرآن، والصواب منعها سدا للذريعة وعملا بالأحاديث عامة، في منع التمائم والتعليقات، وهي من الشرك الأصغر، فإن كان صاحبها يعتقد أنها تدفع عنه الشر بنفسها صار ذلك من الشرك الأكبر، أعوذ بالله من ذلك.(1/348)
136 - حكم تعليق الحرز من القرآن
س: يقول السائل: أرى بعض الناس يكتبون آيات من القرآن، ويربطونها في أعناقهم، ويقولون: هذا حجاب من كذا وكذا. هل هذا مشروع؟ وهل الصحابة فعلوا شيئا من هذا؟ (1)
ج: هذا ليس بمشروع، هذا يسمى التميمة ويسمى الحرز، يسميه بعض الناس الجوامع، هذا لا يجوز فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، فلا يجوز تعليق التمائم وهي الحروز، وهي أن يكتب آيات أو دعوات أو أحاديث، ويعلقها في عنقه أو في عضده، هذا لا يجوز والواجب الحذر من ذلك، أما كونه يتعاطى الورد الشرعي يقرأ على
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (181) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/348)
نفسه عند النوم، ويتعاطى الأوراد الشرعية، هذا مطلوب مأمور به شرعا، وعند النوم يقرأ آية الكرسي، ويقرأ قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات عند النوم، كل هذا من أسباب العافية والسلامة، كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي لا يزال معه من الله حافظ، ولا يقريه شيطان حتى يصبح (1) » .
فأنت استعمل هذا، تقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) تقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات، (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، صباحا ومساء، تقرأ: قل هو الله أحد ثلاثا وقل أعوذ برب الفلق ثلاثا وقل أعوذ برب الناس ثلاثا، بعد المغرب، وعند النوم، وبعد صلاة الفجر؛ كل هذا من أسباب السلامة، والحمد لله، والله يغنيك بهذا عن التميمة المكتوبة المعلقة.
__________
(1) أخرجه الدارمي في كتاب فضائل القرآن، باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي برقم 3386.
(2) سورة البقرة الآية 255(1/349)
137 - حكم لبس القلائد من القرآن
س: يقول السائل: ما رأي سماحتكم في القلائد؛ أي كتابة الآيات القرآنية، ووضعها في قطعة قماش، وتعليقها على جسم الشخص أو تحت الوسادة؟ (1)
ج: تعليق التمائم ويقال لها: الحروز، ويقال لها أيضا: الجوامع، لا يجوز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من علق تميمة فقد أشرك (3) » . وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4) » . فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على منع التمائم، وأنه لا يجوز تعليقها على المريض ولا على الطفل، ولا جعلها تحت الوسائد كل ذلك لا يجوز! لأنه من عمل الجاهلية، ولأنه يسبب تعلق القلوب بهذه القلائد وصرفها عن الله عز وجل، ولأنه أيضا يفضي إلى التعلق بها والاعتقاد فيها، وأنها تصرف عنه البلاء وكل شيء بيد الله ليس بيد التمائم شيء، بل الله هو النافع الضار وهو الحافظ لعباده، وهو مسبب الأسباب، فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى شيئا من الأسباب التي يظن أنها أسباب إلا بإذن الشرع كالقراءة على المريض، والتداوي بالأدوية المباحة، هذه أذن فيها الشرع، أما التمائم
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (154) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/350)
فلم يأذن فيها الشرع، وتعليقها على الأطفال لم يأذن به الشرع، بل نهى عنه للأسباب التي سبق ذكرها، واختلف أهل العلم فيما يتعلق بالتمائم التي تكون من القرآن أو من الدعوات المباحة، هل تجوز أم لا؟ والصواب أنها لا تجوز؛ لأمرين: أحدهما أن الأدلة التي تمنع التمائم مطلقة عامة، ليس فيها استثناء بخلاف الرقى، فإنه يجوز منها ما ليس فيه شرك، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1) » . وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2) » . هذا عام لكن جاءت الأحاديث باستثناء الرقى التي ليس فيها بأس، وهي ما يكون من القرآن ومن الدعوات الطيبة، تقرأ على المريض هذه لا بأس بها! لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3) » ولأنه رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، فلا بأس بذلك، أما التمائم فلم يأت فيها استثناء فتبقى على العموم والمنع، وهكذا التولة وهي نوع من السحر يتعاطاه النساء وتسمى الصرف والعطف، صرف الرجل عن زوجته إلى غيرها، أو عطفه عليها دون غيرها، وهو من السحر وهو منكر لا يجوز بل من المحرمات الشركية، سواء الصرف أو العطف كله من السحر لا يجوز، وأما التمائم التي من العظام أو من الودع أو من شعر
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(2) أبو داود الطب (3883) ، ابن ماجه الطب (3530) ، أحمد (1/381) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.(1/351)
الذئب أو من حيوانات أخرى، هذه كلها محرمة لا تجوز وليس فيها نزاع بل هي ممنوعة، وإنما النزاع والخلاف إذا كانت التمائم من القرآن، أو من دعوات معلومة لا بأس بها، هذه هي محل الخلاف، والصواب أنها ممنوعة أيضا، لما تقدم من كون الأحاديث عامة في منع التمائم ولم يستثن منها الرسول عليه الصلاة والسلام شيئا.
والأمر الثاني سد الذرائع التي تفضي إلى الشرك، فإنه متى سمح للتمائم التي من القرآن، أو الدعوات المباحة التبس الأمر وعلقت هذه وهذه، ولم يتميز الممنوع من الجائز وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع، والنهي عن وسائل الشرك كلها، فوجب منع التمائم كلها لهذين المعنين والسببين: لعموم الأدلة وسد الذرائع.
وذكر بعض أهل العلم مانعا ثالثا، وهو: أن تعليقها وسيلة إلى أن يدخل بها صاحبها إلى محلات قضاء الحاجة، ولا يبالي وفيها آيات قرآنية، فيكون ذلك من أسباب امتهانها، وعلى كل حال فهذا وجه من المنع، لكن المعنيين الأوليين أبلغ في الحجة وأبين في المنع وهما عموم الأدلة، وليس هناك استثناء لشيء من التمائم، والمعنى الثاني سد الذرائع التي تفضي إلى الشرك، ولا ريب أن إجازة التمائم التي من القرآن، أو من الدعوات المباحة والأسباب المباحة لا شك أنها وسيلة إلى تعليق النوعين، ولا حول ولا قوة الا بالله.(1/352)
138 - حكم صلاة من صلى بالحجب والحرز
س: السائل يقول: بأنني كنت مريضا، وكتب لي أحد الإخوان حجابا، ولبسته، هل تصح صلاتي في ذلك وأنا أرتدي الحجاب؟ وهل الحجاب محرم يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: الصلاة صحيحة والحجاب يقطع ويزال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وهذا من التمائم، يقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » والتميمة يسمونها الحجاب، يسمونها الجوامع، جامعة ويسمونها أسماء أخرى، فالمقصود أنه لا يعلق، لا خيط ولا خرقة ولا شيء يقرأ فيه ويعلقه، كل هذا يسمى حجابا، ويسمى تميمة لا يجوز تعليقها، والواجب قطع ذلك. أما الصلاة فهي صحيحة.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (359) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/353)
139 - بيان الحكم في تعليق القرآن على المرضى
س: سائل يقول: إن إمام المسجد متفرغ للإمامة، ويقوم بكتابة القرآن وإعطائه للمرضى؛ ليلبسوه بما يسمى بالحجاب، وهذه الإمامة متوارثة، أي عن جد وأب، ونفس العمل - أقصد الرقى وكتابة القرآن - هو مصدر كسبهم، فما هو.(1/353)
تعليق سماحتكم على هذا؟ أرجو أن توجهونا، وكيف أتصرف فيما إذا كان من قرابتي؟ (1)
ج: تعليق القرآن الكريم على المرضى، أو على الأطفال كل ذلك لا يجوز في أصح قولي العلماء، وبعض أهل العلم أجاز ذلك، ولكن لا دليل عليه، والصواب أنه لا يجوز تعليق القرآن، ولا غيره من الدعوات أو الأحاديث لا على الطفل، ولا على غيره من المرضى، ولا على كبير السن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، والتمائم: هي ما يعلق على الأولاد أو على الكبار، وتسمى الحروز وتسمى الحجب، والصواب أنها لا تجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (2) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » ، ويقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4) » . ولم يستثن شيئا، فما قال: إلا القرآن، بل عمم عليه الصلاة والسلام، فوجب الأخذ بالعموم، ولأن تعليق القرآن وسيلة إلى تعليق غيره؛ لأن الناس يتوسلون بالمباحات إلى ما حرم الله، فكيف بشيء فيه شبهة، وإن أفتى بذلك بعض أهل العلم، فهذا يسبب التساهل؛ فالواجب الحذر من ذلك أخذا بالعموم، وسدا للذرائع؛ ذريعة الشرك، فإن تعليق التميمة من القرآن وسيلة إلى تعليق تميمة أخرى، هكذا الناس لا يقفون عند حد في الغالب، والواجب الأخذ بالعموم، وليس هناك.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (443) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/354)
دليل يخص الآيات القرآنية أو يستثنيها، والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح الناس وأنصح الناس، ولو كان يستثني من ذلك شيء لقال: إلا كذا وكذا، أما الرقية فلا بأس، فيرقي بالقرآن وبالدعوات الطيبة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يرقي، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1) » ، وقوله: «الرقى والتمائم والتولة شرك (2) » يعني: الرقى المجهولة، أو الرقى الشركية التي فيها التوسل بغير الله، أو دعاء غير الله، فالرقى المذكورة في هذا الحديث هي الرقى المخالفة للشرع، أما الرقى الشرعية فلا بأس بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3) » .
أما التمائم فكلها ممنوعة سواء كانت من القرآن، أو من غير القرآن، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
أما التولة فهي السحر، ويسمى العطف والصرف، والسحر لا يجوز كله، ولا يجوز لأحد أن يتعاطى السحر، بل يجب الحذر منه، والسحر في الحقيقة لا يتوصل إليه إلا بالشرك، إلا بعبادة الجن والاستغاثة بهم وخدمتهم، وبطاعتهم بمعاصي الله؛ ولهذا قال الله سبحانه في حق الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (4) بين أن الملكين يخبران أن تعلم السحر كفر، والله يقول جل وعلا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (5) . فتعليم السحر وتعلمه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 102(1/355)
منكر عظيم، ومن الشرك الأكبر؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن، والاستغاثة بهم والتقرب إليهم، وما يهديهم من الذبائح والنذر، نسأل الله السلامة والعافية.(1/356)
140 - حكم كتابة بعض آيات القرآن على جسم المريض
س: مريض يكتب له رجل صالح القرآن يعالجه به من أي مرض، هل يمكن أن يحدث العكس، لو استعمل آيات القرآن واستغفز الله على صورة معكوسة، وأقصد بذلك قول العامة: فلان حب فلانا، فإذا كان العلاج عكسه ممكنا حدوثه؟ أرجو شرح ذلك وذكر كيفية التحصن من العبث، ثم شرح أسبابه (1) .
ج: كتابة الآيات لعلاج المريض هذا غير مشروع لا تعلق عليه ولا تكتب على جسده، كل هذا غير مشروع، إنما المشروع أن يقرأ عليه، ينفث عليه ويدعو له بالشفاء والعافية، يقرأ عليه بعض الآيات على بعض من جسده على يده، على رأسه يدعو له هذا لا بأس، الرقية مشروعة، كونه يرقي المريض فيدعو له يقرأ عليه القرآن حتى يشفيه الله، فالنبي رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (39) .(1/356)
تكن شركا (1) » الرقى الشرعية، كونه يقرأ على المريض من القرآن يدعو له بالشفاء، هذا كله مشروع، كله سنة، أما أن يكتب الآيات وتعلق برقبته، أو في عضده فهذا ليس من الشرع، أو يكتب له أحاديث أو كلمات أخرى دعوات أو مسامير أو طلاسم أو حروف مقطعة، أو أشباه ذلك كل هذا لا يجوز، حتى القرآن لا يعلق؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » فالحجب والحروز والأشياء التي يفعلها بعض الناس، يعلقونها على المرضى في أعناقهم، أو يعلقونها في أعضدهم أو في غير ذلك، هذا لا يجوز، لكن الرقية لا بأس بها، كونه يرقي المريض يدعو له، يقرأ عليه آيات هذا طيب، هذا يسمى الرقية لا بأس بها، أو يرقيه في ماء يشرب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا أيضا، كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ في ماء لثابت بن قيس، هذا لا بأس به، وأما التعليق فلا يعلق لا قرآن ولا غيره، لا يعلق في الرقبة ولا في اليد؛ كل هذا ليس بعلاج وليس مشروعا، بل منهي عنه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/357)
141 - حكم حمل المصحف في الجيب للوقاية من العين
س: أريد أن أحمل مصحفا صغيرا في جيبي؛ ليحميني من نظرات السوء وخواطر الشيطان، فهل يجوز ذلك، علما بأن الإنسان لا يستطيع أن يبقى متوضئا دائما؟ فهل يصح حمله بدون وضوء، وبدون مسه باليد؟ (1) .
ج: حمله بهذه النية لا يجوز؛ لأن هذا معناه أنك جعلته تميمة، جعلته حجابا ليقيك العين وغيرها، وهذا باطل، ليس حمله مما يقي العين، ولكن تحمله للقراءة لا بأس، تحمله في جيبك حتى تقرأ إذا تيسر في المسجد أو في بيتك لا بأس، وتحمله بالغلاف إذا كنت على غير طهارة، يكون له غلاف تحمله به، أما أن تحمله ليقيك شر العين بزعمك، أو الآفات هذا غلط، هذا باطل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (2) » وهذا يعم كل شيء؛ فليس لك أن تحمل المصحف بهذه النية وهذا القصد، ولكن تحمله لتقرأ فيه لا بأس بهذا، تقرأ فيه إذا كنت على طهارة، وإذا كنت على غير طهارة تبقيه في جيبك حتى تتوضأ، وتقرأ لا بأس وتحمله بعلاقة أو بغلاف.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (215) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/358)
142 - حكم وضع المصحف في السيارة خشية العين
س: السائل أحمد أ. أ. يقول: بالنسبة لبعض الشباب يضعون في السيارة المصحف؟ وذلك خشية من العين (1) .
ج: هذا لا أصل له بل بدعة من جنس التميمة، من جنس الحروز، ولكن يقرأ إذا ركب يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يسأل ربه العافية، أما وضع المصحف أو آيات؛ بناء على الحرز هذا لا أصل له، بل هذا من البدع، وهذا من جنس تعليق التمائم لا يجوز.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (404) .(1/359)
143 - حكم وضع المصحف عند الطفل لقصد الحرز
س: يقول السائل: هل يجوز وضع مصحف عند الطفل، أو تعليقه في السرير؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا لا أصل له، إذا كان المقصود من ذلك أن يكون حرزا له، فهذا لا أصل له، ثم أيضا وضعه عنده قد يعبث فيه، ويستهين به؛ لأنه طفل، فلا ينبغي وضعه عنده، إذا كان يستهين به أو يلعب به فلا يوضع عنده، إذا كان القصد من ذلك أن يكون حرزا له من
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (242) .(1/359)
الشياطين أو الجن كل هذا لا أصل له، وإنما أهله يعيذونه بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في الليل يعوذ الحسن والحسين عند النوم، يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1) » ، فوالده أو أمه تقول له عند النوم: أعيذك بكلمات الله التامة من شر ما خلق، أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة. أما جعل المصحف عند رأسه، أو عند سريره لأجل أن يكون حرزا له، أو كتابة أوراق تعلق عليه، كل هذا لا يجوز. والله المستعان
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، برقم 3371.(1/360)
144 - حكم تعليق حرز الحصن الحصين
س: السائلة س. م. ص. من الأردن، تقول: كثير من الناس يشترون كتابا صغيرا اسمه (الحصن الحصين) ، وتوجد في هذا الكتاب آيات قرآنية وأدعية، ومكتوب في أوله أنه من قرأ هذا الحصن، إذا كان مدانا انقضى دينه، وإذا كان مسجونا خرج من سجنه، وإذا كان مريضا شفي من مرضه، وأنه دواء لكل داء، وأنه نافع للطفل إذا مرض، فعلى والدته أن تعلقه على صدره، وأنه نافع للفتيات البكر،(1/360)
اللائي لم يتزوجن، فإنها تضعه في قطعة حرير خضراء، وتعلقه على رأسها، حتى تتزوج مبكرا، فما حكم ذلك بارك الله فيكم؟ (1)
ج: كل هذا غير صحيح، بل منكر والتمائم نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر منها، فلا تعلق على المرأة ولا على الرجل ولا على الطفل، لا هذا الحصن الحصين، ولا غيره ولا آية ولا حديث ولا دعاء، لا يعلق، الصواب أنه ينهى عن التعليق، ولكن يفعل المسلم ما شرع الله من التعوذات الشرعية، كأن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق صباحا ومساء، يكررها ثلاثا، وإذا دخل المنزل يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2) » ، «وقال له بعض الصحابة في بعض الليالي: ما رأيت الليلة من مرض أو أذى من عقرب لدغتني؟ قال: " أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك (3) » .
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (273) .
(2) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709.
(3) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2709) ، أحمد (2/375) ، مالك الجامع (1774) .(1/361)
الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحا، لم يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساء لم يضره شيء حنى يصبح (1) » .
هذه الأذكار الشرعية والتعوذات الشرعية مستحبة، وفيها خير عظيم، وهكذا آية الكرسي، إذا قرأها عند النوم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) .
إذا قرأها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية العظيمة، وهي أعظم آية في القرآن، آية الكرسي من قرأها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فنوصي بقراءتها عند النوم، وبعد كل صلاة كما جاء في الحديث أيضا، كذلك قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة مستحبة، ويستحب تكرارها ثلاثا بعد المغرب والفجر، هذه السور الثلاث وعند النوم كذلك، نوصي بهذه الأشياء.
أما تعليق آيات أو أحاديث أو دعوات أو حرز الحصن الحصين،
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 529.
(2) سورة البقرة الآية 255(1/362)
هذا كله لا أصل له، بل هو من البدع ومن التمائم المنكرة، وهكذا أن من قرأه أنه ما يضره شيء كل هذا لا دليل عليه، بل هو من خرافات بعض من ينتسب إلى العلم.(1/363)
145 - حكم تعليق الأدعية على الجسم
س: هل يجوز تعليق بعض الأدعية الواردة في الكتاب والسنة على صدر الرجل أو المرأة؛ لتكون حرزا لهم من الجن والشياطين؟ (1)
ج: هذا لا يجوز، لا من القرآن ولا من السنة ولا من غيرهما، وتسمى التمائم، وتسمى الجامعات، وتسمى الحجب، لا يجوز تعليقها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له. ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3) » . فالرقى هي الرقى المجهولة، التي لا تعرف أو فيها شرك، وفيها منكر فهي ممنوعة! والتمائم ممنوعة كلها وهي ما يكتب في الرقع والقراطيس ونحوها، ثم يجعل في رقعة. أو كيسة تعلق على الطفل أو على المريض كل هذا لا يجوز بل هذه التمائم حتى
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (195) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/363)
ولو كانت من القرآن، حتى ولو كانت من الأدعية المباحة، فإن الصحيح أن التمائم تمنع مطلقا، لكن من غير القرآن أشد في التحريم، أما القرآن فهو من باب سد الذرائع، يجب على المؤمن أن يمتنع من ذلك؛ لئلا يقع فيما حرم الله جل وعلا، فالله سبحانه شرع لعباده ما فيه سعادتهم، وفيه نجاتهم وفيه صلاحهم، ولم يشرع لهم ما فيه ضررهم، بل شرع لهم سبحانه ما فيه الصلاح والسعادة في العاجل والآجل، فليس للإنسان أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى؛ لأنها من البدع فليس له أن يعلقها ولو كانت من القرآن، أو من السنة كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من التمائم وتوعد من تعلقها بأن الله لا يتم له، ومن تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، فالواجب على المؤمن والمؤمنة التحرز بالأدعية الشرعية لا لتعليقه، فالمريض يدعى له بالشفاء والعافية، والطفل يدعى له بالشفاء، والعافية ويعوذ يقال: «أعيذك بكلمات الله التامات، من شر ما خلق (1) » عند النوم، كما «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين، يقول لهما:، أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (2) » ، ويعود أن يعتاد الذكر والدعاء، والتعوذ بالله إن كان يعقل حتى يتعوذ بنفسه عند نومه، وعند دخوله، وفي خروجه، المقصود ليس
__________
(1) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708) ، الترمذي الدعوات (3437) ، ابن ماجه الطب (3547) ، أحمد (6/409) ، الدارمي الاستئذان (2680) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم 3371.(1/364)
هناك حاجة إلى تعليق التمائم، وقد أجاز بعض العلماء تعليق التميمة التي من القرآن أو من الأدعية المباحة وقال: إنها من جنس الرقية، كما أن الرقية تجوز إذا كانت من القرآن والدعوات الطيبة كذلك التميمة إذا كانت من القرآن، والجواب: إن هناك فرقا بين هذا وهذا، الرقية جاء فيها أن النبي رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1) » فدل على استثناء الرقية الجائزة، وأنها مستثناة من قوله: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2) » ؛ لأن الرسول رقى ورقي.
أما التمائم فلم يرد فيها استثناء ولم يرد أنه علق تميمة على أحد، فلا يجوز أن تلحق التمائم بالرقى، بل التمائم ممنوعة مطلقا، ولأن تعليق التمائم من القرآن ومن الأدعية المباحة وسيلة إلى تعليق التمائم الأخرى، ومن يدري أن هذا سليم وهذا ليس بسليم، فينفتح باب الشرك والتعليق للتمائم الأخرى، والشريعة الكاملة جاءت بسد الذرائع التي توصل إلى الشرك، فالأحاديث عامة في تعليق التمائم والنهي عن ذلك، وسد الذرائع أمر لازم واجب، فتعين من هذا وهذا منع جميع التمائم مطلقا، حتى ولو كان من القرآن أو من الدعوات المباحة؛ سدا لذريعة الشرك، وعملا بالعموم وحتى يعتاد المؤمن الثقة بالله، والاعتماد عليه وسؤاله والضراعة إليه، أن يعيذه من شر ما يضره، وأن يكفيه شر ما يهمه، وأن لا يعتمد على شيء يعلقه في رقبته، أو عضده، فالذي جاء به
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/365)
الشرع فيه الخير كله والصلاح كله، للصغار والكبار والمريض وغير المريض، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.(1/366)
146 - حكم تعليق الأدعية على الميت
س: هناك بعض الأدعية تعلق على الميت؛ لتكون في قبره مذكرة ومعينة على سؤال منكر ونكير، ما حكم مثل هذا؟ (1)
ج: هذا أيضا لا أصل له، بل منكر وبدعة إن مات على استقامة لقنه الله، وأجاب منكرا ونكيرا، وإن مات على غير الاستقامة ما نفعته هذه الأشياء التي معه، إنما هو تثبيت الله جل وعلا، من ثبته الله بالقول الثابت أجاب ومن لم يثبت لم يجب، من مات على هدى واستقامة أجاب: ربي الله والاسلام ديني، ومحمد نبيي، وإذا مات على غير هدى قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان؛ فليست التعليقات التي تعلق عليه بنافعة له، ولا قيمة لها؛ بل هذه من البدع التي أحدثها الناس، والله المستعان.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (195) .(1/366)
147 - حكم وضع الحجب والحروز تحت فراش النوم
س: يقول السائل: لي والدان على قيد الحياة والحمد لله، ولكنهم يكتبون لي حجبا عند العرافين، ويضعونها تحت فراشي الذي أنام عليه، وعندما قمت بتنظيف ذلك الفراش وجدت حجابا، وهو عبارة عن قطعة من القماش بها خيط معقود وكزبرة وشبة وغيرها من الحبوب الأخرى، فقمت بحرقه ولم أخبرهم بهذا العمل، فهل عملي هذا معصية لهم؟ وبماذا توجهون الآباء جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد أحسنت فيما فعلت في إتلاف هذا الحجاب، ووضع الحجب منكر لا يجوز، لا تحت الفراش ولا تحت الوسادة، ولا وضعه في الرقبة أو في العضد كل ذلك منكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك (2) » فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما نهى الله عنه ومن ذلك الحروز وهي التمائم، والحجب التي تعلق على الصبيان أو على المرضى أو توضع تحت الوسائد كل هذا لا يجوز، وإنما المشروع القراءة على المريض، كونه يقرأ عليه يرقيه ينفث عليه بالفاتحة وغيرها من السور، من الآيات بالدعاء، هذا أمر مشروع، وأما
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (329) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/367)
الحجاب المسمى الحرز، وما أشبه ذلك مما يعلق فهذا لا يجوز سواء سمي حجابا أو حرزا أو غير ذلك من الأسماء، هو التميمة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وسواء كانت تحت الوسادة أو مربوطة في العنق أو في العضد أو في غير ذلك.
نسأل الله للجميع الصلاح والهداية، وعلى والديك أن يتوبا إلى الله ويستغفراه، وعليك أن تنصحهما بالرفق والكلام الطيب، أو تأتي لهما بطالب علم فينصحهما ويوجههما، أو ترشدهما إلى سؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الطيبة والبصيرة حتى يعلم والداك العقيدة الصحيحة والعمل الذي يرضاه الله.(1/368)
148 - تحريم تعليق التمائم والحروز لدفع العين
س: سائلة تقول: عند زيارتي لبيت جدتي أرى أنهم يعلقون خنجرا على الحائط؛ ظنا منهم أنه يمنع الحسد، ويسمى لدينا صبايون، ولقد أوضحت لجدتي أن هذا شرك بالله، وإنه يجب أن يكون التوكل على الله وحده ولا نستعين بغيره، إلا أنها لم تأخذ بنصيحتي، وبعد فترة وبدون علم منها أخذته وحطمته، وهي حتى الآن لا تعلم من أخذه، فهل علي إثم في عدم إخبارها بأني أنا فعلت ذلك، مع(1/368)
علمي بأنها ستغضب علي لو قلت لها: أنا فعلت ذلك، هل لي أجر فيما فعلت؟ (1)
ج: قد أحسنت في هذا وجزاك الله خيرا ولا تخبريها، وقد أحسنت في نصيحتها والحمد لله، قد أفهمتيها ونصحتيها، ولا حاجة إلى إخبارها بمن أزاله، وهو يشبه التميمة التي تعلق على الأولاد، أو غير الأولاد من باب الشرك الأصغر؛ لأنهم يعتقدون أن الحرز يدفع عنهم العين أو الحسد، فهذا شيء لا أصل له، بل هو من جنس تعليق التمائم على الأولاد من حروز، واعتقاد أنها تدفع العين أو تدفع الجن، وهذا من الشرك الأصغر، فهو من المنكر وهذا يشبهه وقد أحسنت بإزالته، أما لو اعتقد الإنسان أن هذا الحجر أو هذه التميمة تتصرف بغير إذن الله عز وجل فهذا شرك أكبر، لكن في الغالب على الناس أنهم يقصدون أنها خير، فهو باطل لا أصل له، لا في التميمة ولا في الأشياء التي تعلق على الأولاد أو غيرهم، ولا في الحجر أو الخنجر الذي يعلق على باب أو جدار، نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (303) .(1/369)
149 - حكم لبس الحجب والتمائم لدفع الشر والمرض
س: السائلة من السودان تقول: أمي ترتدي التمائم، مع أنها مؤمنة بأن ما يريده الله عز وجل سيقع، ولكن حسب ما تقول: الإنسان مطالب أن يبحث من عافيته وصحة نفسه. ولقد نصحناها بأن التمائم شرك وحرام، فنهرتني وغضبت. علما بأن التمائم منتشرة بين أقاربي ونساء القرية، فما رأيكم بذلك يا مساحة الشيخ؟ (1)
ج: تعليق التمائم لا يجوز بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصيتي لك ولأمك ولجميع أهل البلد أن يتقوا الله، وأن يحذروا تعليق التمائم لا من القرآن ومن غيره، يجب قطع التمائم وإزالتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك (2) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3) » .
فالرقى يعني المجهولة أو الرقى بغير الشرع، أما الرقى الشرعية فهي مستثناة غير داخلة في الحديث، والتمائم جمع تميمة: وهي ما يعلق على الأولاد وغيرهم، من الحروز من القرآن وغير القرآن، أو من الودع أو من خرزات أو من طلاسم، كل ذلك منكر لا يجوز. وهكذا التولة وهي تسمى الصرف والعطف، نوع من السحر لا يجوز فعله، لا من النساء
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (373) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/370)
ولا من الرجال، فالسحر من المحرمات بل من الشرك؛ لقوله جل وعلا في السحرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (1) فجعله كفرا. فالواجب الحذر من التمائم كلها من القرآن وغير القرآن؛ لأن تعليقها منكر عمته الأحاديث، ولأن تعليق التميمة من القرآن وسيلة لتعليق غيرها أيضا فالذين أجازوا تعليق التمائم من القرآن قد غلطوا في هذا، والصواب المنع لأمرين أحدهما: عموم الأحاديث الدالة على تحريم تعليق التمائم؛ لأن الرسول لم يستثن، ما قال: إلا إذا كانت من القرآن، بل عمم.
والمعنى الثاني: أن تعليق التمائم من القرآن لو أجيز لكان وسيلة لتعليق التمائم الأخرى؛ لأنه ما كل أحد سيفتش على هذا وعلى هذا؛ وسدا للذرائع صار الترك أمرا لازما وواجبا.
__________
(1) سورة البقرة الآية 102(1/371)
150 - حكم تعليق الحرز لدفع الأمراض
س: يوجد أشخاص يقومون بتعليق الخرز على عيونهم ورقابهم وآذانهم، بسبب الأمراض كما يقولون، فهل هذا شرك يخرج من الملة أم ماذا؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا من الشرك الأصغر وهر من تعليق التمائم، والحروز سواء أكان خرزا أو أوراقا أو ودعا أو غير ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، وفي حديث آخر: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » . فالتمائم هي الحروز التي يعلقها بعض الناس، ويقال لها: الحجب سواء أكان من خرز أو من ودع أو من عظام، أو من أوراق يكتب فيها آيات أو أحاديث، والصواب حتى الآيات والأحاديث لا يجوز تعليقها، بل العلاج يكون بالقراءة على المريض، والدعاء له، أما أن يعلق عليه أوراق أو خيوط أو عظام، أو خرز أو غير هذا فهذا لا يجوز وهو من الشرك الأصغر، لا يخرج من الملة، ولكنه ينافي كمال التوحيد، مثل قول: ما شاء الله وشاء فلان، هذا من الشرك الأصغر، ومثل الحلف بالنبي والأمانة من الشرك الأصغر، ويجب الحذر منه، وقد يكون شركا أكبر، إذا اعتقد صاحبه أن هذه الأمور تنفع بعينها دون الله، فهذا شرك أكبر نعوذ بالله.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (342) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/372)
151 - حكم اتخاذ الحجب والحرز لتحقيق المصالح الدنيوية
س: سائل من سوريا يقول: يقوم بعض الناس بحمل الحجب للدخول على المسئولين والقضاة؛ بحجة أن هذه الحجب تنفعهم في أغراضهم، ولا يرد لهم طلب، أو ينتصر على خصمه، ما صحة ذلك مأجورين وما حكمه؟ (1)
ج: هذا باطل ليس له أصل، واتخاذ الحجب لا يجوز، وهي الحروز ويقال لها: التمائم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » وفي لفظ آخر: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4) » فالرقى التي لا تعرف لا تجوز، أما الرقى الشرعية فلا بأس بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (5) » ، والتمائم هي الحروز وهي الحجب، لا تجوز سواء كانت من القرآن أو غير القرآن أو مخلوطة كلها لا تجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها وحذر منها، وأخبر أنها من الشرك سواء كان المتخذ لها رجلا أو امرأة لا يجوز اتخاذها أبدا، بل يجب الإنكار على من فعل ذلك.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (367) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(5) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.(1/373)
152 - حكم كتابة بعض آيات القرآن لجلب الرزق
س: يقول السائل: عندي خالة تعمل بالتجارة في السوق، وذهبت للذين يكتبون القرآن للناس، ويقول: هذا يجلب للرزق ويزيد البيع، وكتب لها ورقة فيها آيات قرآنية، وقال لها: هذه ورقة للمال والأرزاق، هل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: هذا ليس بصحيح، هذا غلط ولا يجوز فعل هذا، ولا تصديق فاعله، بل هذا من المنكرات والبدع.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (181) .(1/374)
153 - حكم تعليق آيات القرآن على جدران الغرف
س: تقول السائلة: ما حكم من يعلق آيات من القرآن الكريم على جدران غرفة النوم، وهذه الآيات منقوشة بفصوص لامعة، معمولة باليد على قطعة قماش؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كان المقصود التذكير بها والأنس بقراءتها فلا بأس، وإذا كان تعليقها لدفع الجن هذا لا أصل له، وإنما تعلق للذكرى وقراءتها وما فيها من الخير لا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (174) .(1/374)
154 - حكم تعليق آيات القرآن والأحاديث في المنزل
س: ما حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟ وما حكم تعليقها في المنزل؟ (1)
ج: أما العناية بحفظ القرآن فهذا شيء مطلوب ومن السنة، وهكذا حفظ الأحاديث وكتابتها، يكتب الأحاديث الصحيحة؛ ليحفظها، والأحاديث الضعيفة ليعرفها، فكونه يكتب ذلك ويعتني به هذا طيب، ولا سيما الأحاديث الصحيحة حتى يعمل بها، أما تعليقها على المريض، أو الصبيان فهذا لا يجوز، لا أحاديث ولا آيات، لا على المرضى ولا على الصبيان ولا على غيرهم، هذه هي التمائم التي حرمها الرسول ونهى عنها، وقال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (2) » . ويقول: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » . ولا يجوز تعليق التمائم لا من الآيات ولا من الأحاديث، ولا من الدعوات الأخرى ولا من أي مادة، فهو أمر منكر ولا يجوز.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (321) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/375)
155 - حكم تعليق السور القرآنية على الحائط
س: الأخ ع. ر. من بلاد زهران، يقول: يا سماحة الشيخ، هناك من يقول بأن تعليق السور القرآنية أو الآيات على الحائط حرام، مع العلم أن هذه الآيات أو السور لم توضع إلا لفضائلها، مثل سورة يس وآية الكرسي وغيرها، لذا نأمل من سماحتكم بيان حكم ذلك. جزاكم الله خيرا (1) .
ج: تعليق الآيات أو السور في الجدران في المكتب، أو في المجلس للتذكير والعظة لا بأس بذلك على الصحيح، قد كره بعض علماء العصر وغيرهم تعليق ذلك، ولكن لا حرج فيه إذا كان للتذكير بذلك، والعظة فلا بأس بذلك، إذا كان المحل محترما، كالمجلس والمكتب ونحو ذلك، أو علق حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحاديث، كل ذلك فيه مواعظ وذكرى، أما إذا كان القصد غير ذلك؛ القصد أنها تحفظه من الجن، أو تحفظه من العين أو كذا، فلا يجوز بهذا القصد وبهذا الاعتقاد؛ لأن هذا لم يرد في الشرع، وليس له أصل يعتمد عليه.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (136) .(1/376)
س: هل يجوز تعليق الآيات في البيوت، أم أن ذلك بدعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا حرج في تعليق الآيات والأحاديث في المكاتب والمجالس ونحو ذلك للفائدة والذكرى، وأما تعليقها على الإنسان كالمريض أو الصغير كتميمة لحفظه من الجن أو كذا فهذا لا يجوز، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، وفي رواية أخرى: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » ، فالتمائم هي التي تعلق على الأولاد وعلى المرضى، إما لقصد حفظهم - بزعم المعلق - من الجن أو من العين، كل هذا لا يجوز أما تعليق آيات أو أحاديث في المكاتب أو نحوها، لقصد الفائدة والذكرى فلا بأس بذلك.
س: ما هو رأي سماحتكم في تعليق السور القرآنية على الحائط؟ (4)
ج: إذا علقها للفائدة ليقرأها أو علق أحاديث أو كلاما طيبا فلا بأس بذلك، أما أن يعلقها كحرز فهذا لا يجوز.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (143) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) السؤال السادس من الشريط رقم (338) .(1/377)
156 - حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث للتذكير
س: هل يجوز تعليق السور من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة على جدران المنازل، مثل آية الكرسي أو المعوذات أو أي شيء من القرآن، والقصد من ذلك المحبة للقرآن والأحاديث النبوية هل يجوز ذلك، علما بأن هذه الظاهرة منتشرة في كثير من الأماكن؟ (1)
ج: لا مانع من تعليق الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في المجالس والمكاتب كل ذلك لا بأس به؛ للتذكير والعظة والفائدة، لا اتخاذها حروزا تمنع من الجن، ونحو ذلك، وإنما تعلق للفائدة والذكرى.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (177) .(1/378)
157 - حكم استعمال الساعات والتحف التي كتب عليها آيات من القرآن الكريم
س: ما حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدران، أو ما كتب على الساعات أو التحف وغير ذلك؟ (1)
ج: أما تعليق الآيات في المجالس فلا حرج فيه إذا كان لقصد
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (304) .(1/378)
القراءة والاستفادة منها فلا بأس بها، أو تعليق أحاديث أو كلمات طيبة أو أشعار طيبة لا بأس في ذلك، أما جعلها في الساعة فهذا خطأ؛ لأنها قد تمتهن وقد تطرح في محل غير مناسب، فلا ينبغي أن يكون لا في الساعة ولا في الحلي شيء، من ذلك، لا ذكر الله ولا آيات! لأنها قد تطرح على وجه يقتضي الامتهان، ولكن المعلق في الجدار في المكتب أو في المجلس من أحاديث أو آيات أو أشعار طيبة فلا بأس في هذا.(1/379)
158 - حكم الاستشفاء بمياه الآبار
س: هل الذهاب إلى بعض الأماكن التي بها مياه، يقال: إنها تشفي من الأمراض الجلدية بإذن الله، هل هذا جائز أو لا؟ (1)
ج: إذا كان شيء مجربا فلا حرج، وقد أخذ منه مثل ما يأخذ الناس من ماء زمزم، ماء مبارك، فإذا وجد ماء مجرب لعلاج بعض الأمراض، فلا بأس أن يأخذ منه.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (325) .(1/379)
159 - حكم الذبح عند المياه التي تقصد للاستحمام والشفاء
س: توجد في جنوب الأردن المياه المعدنية، والتي يطلق عليها برك سليمان بن داود، فيقصدها الناس للاستحمام والشفاء، ويحضرون معهم الذبائح لذبحها حال وصولهم، فما حكم ذبح مثل هذه الذبائح؟ (1)
ج: إذا كان الماء المذكور مجربا معروفا ينفع في بعض الأمراض فلا بأس بذلك؛ لأن الله جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض، فإذا عرف بالتجارب أن هذا الماه ينفع من بعض الأمراض المعينة، كالروماتيزم أو غيره فلا بأس في ذلك.
أما الذبائح ففيها تفصيل: فإن كانت عندما تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك، وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك، أما إن كانت تذبح لأجل شيء آخر، لأجل التقرب إلى الماء أو التقرب إلى الجن، أو التقرب إلى الأنبياء أو ما أشبه ذلك من الاعتقادات الفاسدة فهذا لا يجوز؛ لأن الله يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ} (3) . ويقول سبحانه:
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (69) .
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163(1/380)
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) . فالذبح لله والنسك لله والصلاة لله، فليس لأحد أن يذبح للجن أو للكوكب الفلاني، أو النجم الفلاني أو الماء الفلاني، أو النبي الفلاني، أو أي شخص، بل التقرب كله لله وحده سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات وسائر العبادات، يقول الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) . ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4) ، ويقول سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6) .
والذبح من أهم العبادات ومن أفضل العبادات، فإذا كان المقصود من هذه الذبائح الأكل؛ لأنهم جالسون هناك فيذبحونها للأكل والحاجة فلا بأس، وأما إن كان الذبح لأمر آخر ولقصد آخر؛ إما لأجل المكان، أو مسألة الماء من أجل الماء، أو من أجل الجن أو من أجل ملك من الملائكة يقصدونه، أو نبي من الأنبياء يقصدونه، ويتقربون إليه أو أي شخص كان، أو أي كوكب أو أي صنم، أو أي وثن هذا كله شرك بالله، فيجب الحذر والله المستعان، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (7) »
خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث علي أمير المؤمنين رضي الله عنه.
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3
(7) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، برقم 1978.(1/381)
160 - حكم لبس السوار لقصد النفع أو دفع الضر
س: تقول السائلة: مشكلتي كما يأتي: أنا امرأة محجبة بحمد الله وأداوم على الصلاة في أوقاتها، وأخاف الله عز وجل، وأومن بأن الأعمار بيد الله، وكنت عندما أنجب طفلا يموت، فأشار علي بعض الناس بشيء متعارف هنا في ليبيا، وهذا الشيء هو أن أجمع قطعة نقود من كل بيت، يوجد فيه شخص يسمى باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه يسمى محمدا سواء كان هذا الشخص طفلا أو صبيا أو رجلا، وتجمع النقود ويشترى بثمنها سوارة تضعها المرأة التي عندما تنجب طفلا يموت تضعها في يدها، السوارة عادة تكون من الحديد، وفعلت ذلك فعلا، فشاء الله عز وجل أن يعيش الأطفال الذين أنجبتهم بعد ذلك، فلما رأت أختي السوارة وعرفت لماذا وضعتها أنا، وعرفت كذلك قصة السوارة، قالت لي: اخلعيها فورا من يدك؛ إن هذا شرك صريح بالله عز وجل، ولو توفاك الله وأنت تلبسينها باعتقادك أنها تفيدك وتضرك فإنك تموتين وأنت مشركة، فهل هذا صحيح؟ أي: هل يعتبر لبسي لها على هذا، الأساس شركا بالله عز وجل أم لا؟ وإن كان شركا فكيف أكفر عن ذنبي العظيم هذا؟ وهل صلاتي وصيامي وحسناتي السابقة ذهبت هباء منثور أم لا؟ ثالثا: إذا مكنكم الله من(1/382)
إذاعة رسالتي هذه فأرجو أن تكون الإجابة واضحة مفصلة! لكي أستفيد ويستفيد من يسمعها جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إن هذا الذي فعلتيه أيتها السائلة وأرشدك إليه بعض الناس؛ رجاء أن يعيش الولد شيء لا أصل له، ولا أساس له، بل هو منكر وبدعة، ولا دليل عليه، ويسمى مثل هذا تميمة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأمر بقطعها، يقول عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » .
وبعث عليه الصلاة والسلام في بعض غزواته من يقطع القلائد التي تعلق على الدواب؛ خشية العين وهي الأوتار، وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4) » . وهي الرقى التي لا توافق الشرع، والتمائم ما يعلق على الإنسان، خشية العين أو خشية الجن، والتولة نوع من الصرف، والعطف نوع من السحر. فبين صلى الله عليه وسلم أنها كلها من الشرك، وفي مسند أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: " ما هذا؟ فقال: من الواهنة - يعني: علقتها من أجل الواهنة - قال: " انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (96) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.(1/383)
أبدا (1) » . فهذا وعيد عظيم في جعل هذه الحلقة الذي يزعم أنه جعلها من أجل الواهنة، مرض باليد يقال له: الواهنة. وجاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه دخل على رجل قد علق خيطا في يده، فسأله فقال: من أجل الحمى، فقطعه حذيفة وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2) .
وجاء عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها، من القرآن ومن غير القرآن يحرمونها، وقال سعيد بن جبير - تابعي جليل رحمه الله -: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة. كأنه أعتق رقبة؛ لأنه خلصه من رق الشرك.
وبهذا تعلمين - أيتها السائلة - الذي قيل لك: تجمعين نقودا من كل بيت فيه اسم محمد، ثم يشترى بها حاجة كالسوار، ويعلق لعله يعش الولد، هذا شيء لا أصل له، وهذا باطل، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وهذا الذي يسره الله من كون الأطفال عاشوا بعد ذلك، هذا من فضل الله صادف قدرا، لا من أجل السوارة هذه، بل صادف قدر الله الماضي، وأن أولادك يعيشون بعد الأولاد الذين ماتوا سابقا، وليس من أجل السوارة، لكنه أمر الله الماضي في قدره السابق؛ فإنه سبحانه وتعالى قدر ما يكون من أولاد ومن عقم، ومن موت طفل ومن حياة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(2) سورة يوسف الآية 106(1/384)
طفل إلى غير ذلك، كله مقدر كما في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1) » ، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن العبد إذا أكمل في الرحم - يعني الإنسان، إذا اكمل في الرحم - مائة وعشرين يوما - ثلاثة أطوار - يرسل إليه ملك، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد (2) » ، فالعمر بيد الله جل وعلا فقد سبق في علم الله وفي قدره السابق، أن أولادك يعيشون بعد الذين ماتوا، وليس من أجل السوارة، ولكنه ابتلاء وامتحان وقع لك، فعليك التوبة إلى الله جل وعلا، والرجوع إليه والندم على ما مضى، وهذا شرك أصغر، تعليق التمائم من الشرك الأصغر لا تحبط معه صلاتك ولا صومك ولا عبادتك السابقة، أعمالك الطيبة السابقة التي لله فعلتيها، لا تبطل بهذا! لأنه شرك أصغر لا تبطل به الأعمال، وإن كنت أردت بهذا السوار وقصدت أنه ينفع ويضر دون الله، فهذا شرك أكبر، لكن ليس المسلم يقصد هذا، ولا يظن هذا ولا يعتقد هذا، وإنما يعتقد أنها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم 3208، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم 2643.(1/385)
أسباب، كما يكفي عن المرض، وكما يتعاطى الأدوية من الحبوب والإبر، كلها أسباب، وهكذا تعليق السوار، الذي نعتقد فيك أنك ظننتيها أسبابا، أنها من الأسباب فبكل حال عليك التوبة من ذلك، وإن كنت تعتقدين فيها أنها تنفع وتضر فعليك التوبة إلى الله من ذلك أيضا، والرجوع إليه بالتوبة النصوح، ولعل جهلك بذلك يكون شافعا في سلامة أعمالك الصالحة، والعبد متى تاب أيضا إلى الله، ورجع عن شركه وباطله، فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تبطل إلا إذا مات على الكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا لما أسلم حكيم بن حزام، وذكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سبق منه عتاقة في الجاهلية، وصدقة في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت على ما أسلفت من خيرا (1) » .
والله سبحانه قال عن الكفار إنما أعمالهم تحبط إذا ماتوا على الكفر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (2) ، الآية. وقال سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (3) . فقيد فيمن مات وهو كافر، فدل ذلك على أن من لم يمت كافرا، بل مات على الإسلام فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تفوت عليه والحمد لله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، برقم 1436، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم، برقم 123.
(2) سورة البقرة الآية 161
(3) سورة البقرة الآية 217(1/386)
ونوصيها بتقوى الله عز وجل، والأخذ بالأسباب التي أباحها الله، كعرض الطفل على الطبيب، وتعاطي الأدوية المباحة، والقراءة على المريض والنفث عليه، والكي إذا دعت الحاجة إليه، وأشباه ذلك من الأدوية النافعة، والأسباب المباحة، أما الشيء الذي حرمه الله كتعليق التمائم، أو دعاء غير الله، أو الاستغاثة بالجن، أو إتيان الكهان والمنجمين، كل هذا باطل لا يجوز، وإنما يجوز للمؤمن الأسباب المباحة، والوسائل المباحة فقط، والله سبحانه جعل لكل داء دواء، كما في الحديث الصحيح: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله (1) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله (2) » .
والمؤمن إذا أصابه شيء يعرضه على أهل الخبرة من الأطباء، أو غيرهم من أهل العلم والبصيرة، فإن كان هناك طبيب يعرف هذا الداء عالجه، وإن كان يحتاج إلى قراءة قرأ عليه بعض إخوانه المسلمين وعالجوه بالقراءة والدعاء هكذا المشروع، أما أن يعلق حديدة، أو قرطاسة أو خشبة أو شيئا يقرأ فيه، يقرأ ويعلق كل هذا ما يجوز حتى ولو من القرآن على الصحيح، وإن كان بعض السلف خالف في ذلك، فإن الصحيح الذي عليه المحققون أن تعليق التمائم لا يجوز، ولو كان من القرآن، لسد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء، برقم 2204.
(2) مسلم السلام (2204) ، أحمد (3/335) .(1/387)
الذريعة، وعملا بالعموم الوارد بالأحاديث التي فيها النهي عن التمائم، والتحذير منها، ولم يفصل عليه الصلاة والسلام. والله المستعان.(1/388)
161 - بيان خرافة أم الصبيان من الجان
س: تقول السائلة: إنها قرأت كلاما طويلا عن أم الصبيان، مروي عن سليمان عليه السلام، وترجو من سماحة الشيخ التوجيه، وهل لهذه المسميات تأثير على الإنسان؟ (1)
ج: فهذه الأشياء التي يقولها الناس عن أم الصبيان، كلها لا أصل لها ولا تعتبر، وإنما هي من خرافات العامة، يزعمون أنها جنة مع الصبيان، وهذا كله لا أصل له، وهكذا ما ينسبون إلى سليمان، كله لا أساس له ولا يعتبر، ولا يعتمد عليه، فكل إنسان معه ملك وشيطان، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، كل إنسان معه قرين، ليس خاصا بزيد ولا بعمرو، فمن أطاع الله واستقام على أمره كفاه الله شر شيطانه، كما قال النبي - لما قيل له: وأنت يا رسول الله معك شيطان؟ قال: «نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (2) » .
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (174) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه، برقم 2814.(1/388)
أما أم الصبيان فلا أساس لها، ولا صحة لهذا الخبر ولا لهذا القول، ولا يجوز اتخاذ الحجاب من أجلها، يعني كأن يضع الإنسان على ولده أو على بنته كتابا، يكتب فيه كذا وكذا تعوذا بالله من أم الصبيان، أو طلاسم أو أسماء شياطين أو شيوخ شياطين أو غير ذلك، لا يجوز اتخاذ ذلك ولا تعليقه على الصبية ولا الصبي، كل هذا منكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وهي الحجب، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » . وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة من الشرك (2) » .
فالتمائم هي ما يعلق على الأولاد ذكورهم وإناثهم، أو على المرضى لدفع المرض أو لدفع الجن، يسمى تميمة ويسمى حجابا قد يكون من طلاسم، وقد يكون من أسماء شياطين وقد يكون من حروف مقطعة، لا يعرف معناها، وقد يكون من آيات معها غيرها، فلا يجوز اتخاذ هذه الحجب لا مع الصبي ولا مع الصبية، ولا مع المريض، لكن يقرأ عليه الرقى الجائزة.
والرقى الممنوعة هي رقى مجهولة أو يرقى فيها بمنكر؛ أما الرقى بالقرآن العظيم والدعوات الطيبة فهي مشروعة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي أمته، وقد رقاه جبرائيل عليه السلام، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3) » . كون الصبي يقرأ عليه إذا أصابه مرض، أو الصبية يقرأ
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.(1/389)
عليها أبوها أو أمها، أوغيرهما بالفاتحة وبآية الكرسي، قل هو الله أحد، المعوذتين، ويدعون له بالعافية، أو على المرضى يقرأ عليهم ويدعى لهم بالعافية، أو على اللديغ، كما قرأ الصحابة على اللديغ، كل هذا لا بأس به، هذا مشروع، أما أن يقرأ عليه برقى شيطانية، لا يعرف معناها أو بأسماء شياطين، أو بدعوات مجهولة؛ هذا لا يجوز، وكذلك الحجب التي يسمونها الحروز، وتسمى الجوامع ولها أسماء، هذه لا يجوز تعليقها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التمائم، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » .
وروي عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا بيده خيط من الحمى فقطعه، يعني خيط علقه في يده عن الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2) ، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه، أن «النبي صلى الله عليه وسلم وجد في يد إنسان حلقة صفر، فقال: " ما هذا؟ " قال: من الواهنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا وضعفا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (3) » .
وهذا وعيد وتحذير من تعليق الحجب والحلقات وأشباه ذلك، مما يعلقه الجهلة أو الخيوط تعلق على المريض، أو على غيره كل ذلك
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) سورة يوسف الآية 106
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.(1/390)
ممنوع ولا يجوز تعليقه، لا ما يدعونه عن أم الصبيان ولا غير ذلك، ولكن الإنسان يتحرز بما شرع الله من التعوذات، فإذا أصبح الإنسان وقرأ آية الكرسي بعد صلاة الفجر، وقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين، ثلاث مرات، هذا من التعوذات الشرعية، وهكذا إذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحا ومساء، هذا من التعوذات الشرعية، وهكذا بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقولها صباحا ومساء، وهكذا: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1) » ، يقولها.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بها الحسن والحسين، فإذا استعمل الإنسان هذه التعوذات الشرعية، وهكذا إذا قال: أعيذ نفسي وذريتي وأهل بيتي بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامات، من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون هذا أيضا جاء، وهكذا: «أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم 3371.(1/391)
كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن (1) » ، هذا أيضا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذ به عندما هجم عليه بعض الشياطين، وأعاذه الله من شرهم، هذه تعوذات شرعية، ينبغي للمؤمن أن يفعلها في صباحه ومسائه، وعند نومه وهكذا قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة، هي من التعوذات الشرعية مع آية الكرسي، ولكنها تكرر بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، قل هو الله أحد والمعوذتين تكرر ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب، وتقال عند النوم ثلاث مرات، كل هذا جاءت به السنة.
هذه حروز شرعية، ليس فيها تعليق شيء، لكنه يقولها المؤمن والله جل وعلا ينفعه بها، ويحفظه بها من الشر الكثير من شر الدنيا والآخرة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكيين، حديث عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه برقم 15460.(1/392)
162 - حكم الذهاب إلى المشعوذين والتداوي بالمحرم
س: يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه: «إن الله عز وجل لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» ، وبعض الناس عندما يصاب ببعض الأمراض المزمنة يذهبون لبعض المشعوذين؛ أي من(1/392)
يسمون أنفسهم بالأطباء العرب، فينصحونهم إما بأكل لحم الخنزير، أو بشرب الخمر، وقد حدث هذا كثيرا، ويستدل هؤلاء المشعوذون بالقاعدة الثسرعية التي تقول: (إن الضرورات تبيح المحظورات) ؛ ما حكم التداوي بما ذكرت؟ وهل القاعدة تتعارض مع معنى الحديث السابق؟ (1)
ج: هذا غلط من بعض الناس، فإن الله جل وعلا لم يجعل شفاء الناس فيما حرم عليهم، وليس داخلا في القاعدة، وليس هناك شفاء، الشفاء فيما أباح الله جل وعلا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما «سأله سائل قال يا رسول الله: إني أصنع الخمر للدواء، قال علية الصلاة والسلام: " إنها ليست بدواء، ولكنها داء (2) » ، وفي الحديث: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم (3) » .
فلا يجوز للمريض أن يأتي للمشعوذين الذين يتهمون باستخدام الجن ودعوى علم الغيب ونحو ذلك، أو يتهمون بأنهم يعالجون بالحرام أو كلحم الخنزير، أو شرب الخمر أو غير هذا مما حرم الله، فهو منكر لا يجوز، بل يجب على المريض أن يبتعد عما حرم الله، وأن لا يتعاطى إلا ما أباح الله في علاجه، فلا يأتي السحرة
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (168) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر برقم 1984.
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 23 برقم 749.(1/393)
والكهان والمشعوذين، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، ولا يجوز أن يتعالج بما حرم الله من خمر أو خنزير أو دخان أو غير هذا مما حرم الله، وفيما أباح الله غنية عما حرم الله، والحمد لله، نسأل الله السلامة.(1/394)
163 - حكم رش المريض بالدم المسفوح
س: ما حكم من مرض عندنا يدعون له الشيخ ليداويه وهو يعمل حرزا؟ وذلك إذا كان المرض من جنون أو من سحر، ويرش عليه الدم المسفوح؟ وهل كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: هذا منكر - نعوذ بالله - رشه بالدم المسفوح منكر؛ لأنه نجس فلا يجوز هذا، ولا أن يكتب له حروزا ويعلقها في رقبته، أو في عضده أو في غير ذلك هذا كله لا يجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » .
المقصود أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن تعليق الحروز وهي التمائم؛ في أوراق أو في خرق أو في جلود فيها دعوات أو آيات
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (317) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.(1/394)
أو طلاسم، كل هذا لا يجوز، ولا يعلق لا في يد المريض ولا في رقبته، ولا في غير ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1) » ، وفي لفظ: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » ، فالواجب على أهل الإسلام ترك هذه الأشياء المنكرة؛ لأن الرسول نهى عنها عليه الصلاة والسلام، أما صب الدم المسفوح فهذا منكر ظاهر، والمسفوح هو المراق الذي يخرج من البهيمة عند الذبح، هذا نجس محرم، فالواجب على المسلم أن يحذر ما حرم الله عليه، أما إذا قرأ عليه القرآن، الفاتحة، آية الكرسي، ونفث عليه ودعا له، فإن هذا طيب، وهكذا لو أخذ له دواء من بعض الأطباء العارفين، وعالجه ببعض الطب لا بأس، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء (3) » ، فالدواء لا بأس به.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الطب، باب: ما أنزل الله داء، برقم 5678.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) البخاري الطب (5354) ، ابن ماجه الطب (3439) .(1/395)
164 - حكم تبخير المنزل لطرد الشياطين
س: هل صحيح من بخر منزله باللبان السحري يذهب الشياطين من المنزل؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟ لأن كثيرا ممن حولنا يبخرون منازلهم عند الغروب؛ اعتقادا منهم أنه يذهب الشياطين، وأنا لست مقتنعا بعملهم هذا (1) .
ج: هذا شيء لا أصل له، وإنما يذهب الشياطين ذكر الله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2) » ؛ وقال: «إذا دخل الإنسان منزله مساء وقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت، وإذا سمى عند الأكل، قال: لا مبيت ولا عشاء (3) » . فالتسمية بالله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق هذه من أسباب الحفظ من الشياطين، وهكذا قراءة القرآن كل ذلك من أسباب السلامة، فينبغي للمؤمن أن يفعل ما شرعه الله من التعوذ بكلمات الله التامات من شر
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (190) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب في التعوذ من سوء القضاء، برقم 2708.
(3) أخرجه مسلم بنحوه في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب، برقم 2018.(1/396)
ما خلق، ومن التسمية عند الدخول، يقول: بسم الله عند دخول المنزل، والتسمية عند الأكل وعند الشرب، هكذا السنة، وإذا كرر أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، كان أولى وأفضل، كذلك يقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، صباحا ومساء، هذا من أسباب السلامة من كل شر، وهكذا أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، إذا قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك، وإن كرر ثلاث مرات أولى وأكمل، كما جاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالحاصل أنه هذه التعوذات وهذه الأذكار هي التي يقي الله بها العبد من شر الشياطين، ومن كل ما يضره، أما البخور الذي ذكره السائل فلا أصل له.(1/397)
165 - حكم من ادعى لقاءه بالخضر وتعلم منه علاج المرضى
س: في قريتي رجل يدعي أنه قابل الخضر عليه السلام في المدينة المنورة وأعطاه تمرة، كما يدعي أنه يعالج المرضى، ولهذا فالناس يتوافدون عليه ليل نهار ليعالجهم عن طريق المسح على مكان الألم مقابل بعض النقود، فهل(1/397)
هذا صحيح، أم أنه نوع من الشعوذة، واستغلال السذج والبسطاء؟ (1)
ج: أما الخضر فالصحيح أنه مات من دهر طويل، قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وليس لوجوده حقيقة، بل هو كله باطل وليس له وجود، هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم، فالخضر عليه الصلاة والسلام قد مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بل قبل أن يرفع عيسى عليه الصلاة والسلام، والصحيح أن الخضر نبي، كما دل عليه ظاهر القرآن الكريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي (2) » .
هكذا يقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إنه أولى الناس بابن مريم، ليس بينه وبينه نبي، فدل على أن الخضر قد مات قبل ذلك، ولو فرضنا أنه ليس بنبي وأنه رجل صالح لكان اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو فرضنا أنه لم يتصل لكان مات على رأس مائة سنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: «أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (167) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم) ، برقم 3442، ومسلم في كتاب: الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، برقم 2365(1/398)
سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد (1) » . فدل ذلك على أن من كان موجودا في ذلك الوقت، لا يبقى بعد مائة سنة على نص النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم يموتون قبل انخرام المائة.
فالحاصل أن الخضر قد مات وليس بموجود، والذي يزعم أنه رآه إما أنه كاذب، وإما أن الذي قال: إنه الخضر قد كذب عليه، وليس بالخضر إنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن، أما هذا الذي يعالج الناس بأن يمسح على محل المرض فهذا ينظر في أمره، إذا كان من الناس الطيبين المعروفين بالاستقامة والإيمان، وأنه يقرأ عليه مثل الفاتحة، ومثل غيرها من القرآن، يدعو الله لهم فلا بأس، وإن أخذ شيئا من الأجرة فلا بأس، أما إن كان لا يعرف بالخير بل يتهم بالسوء فإنه يمنع ولا يؤتى ولا يمكن من ذلك، يمنع بواسطة المسئولين في البلد؛ لأن هذا في الغالب يكون خرافيا أو مشعوذا، أو يستخدم الجن، أو كذابا يأخذ أموال الناس بالباطل. نسأل الله السلامة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: '' لا تأتي مائة '' برقم 2537.(1/399)
166 - حكم طاعة الوالدين فى المحرم
س: لي والد يكتب للناس من كتب عديدة، منها كتاب الرحمة في الطب والحكمة، وكذلك كتب فيها طلاسم، ثم إنه يكتب آيات من القرآن الكريم ليتعلقها الناس على أجسامهم، ما هو توجيهكم؟ وهل إذا لم يطع والده في هذا الموضوع يعتبر عاقا أو لا؟ (1)
ج: الواجب نصيحة والدك، وإخباره أنه لا يجوز تعليق الطلاسم، ولا تعليق ما حرم الله عز وجل، ولا تعليق الآيات؛ لأن هذه من التمائم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2) » ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3) » . فلا يجوز تعليق الحروز على المريض ولا على الأطفال، لا من الطلاسم ولا من الحرز أو الودع، ولا من الآيات القرآنية ولا غير ذلك، الواجب على المؤمن أن يستعمل ما شرعه الله من التعوذات الشرعية، مثل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وإذا كان صغيرا عوذه أهله، أمه، وأبوه بالقول له عند النوم: أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (163) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.(1/400)
وهامة ومن كل عين لامة، أما تعليق التمائم على الأطفال، أو على المرضى هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا تعليق الطلاسم والأشياء التي لا تعرف، لا يجوز ذلك ولا يجوز لوالدك أن يفعل ذلك، وليس لك أن تطيعه فيما حرم الله، إنما الطاعة في المعروف، نسأل الله للجميع الهداية.(1/401)
بسم الله الرحمن الرحيم(2/3)
باب ما جاء في الذبح لغير الله(2/5)
باب ما جاء في الذبح لغير الله
1 - حكم الذبح والنذر لغير الله تعالى
س: ما رأي سماحة الشيخ في العائلة التي عندما يولد لها مولود تقوم بذبح شاة لأحد الأئمة دون الله، وذلك لنذر قد نذروه، علما أنهم يذبحون للذكر فقط، ولا يذبحون للأنثى، وهل على المولود بعد بلوغه من ذنب؟ ماذا عليه أن يفعل جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: هذا من الشرك الأكبر، والواجب على من فعله التوبة إلى الله، والندم وعدم العودة إلى ذلك، كونه ينذر ذبيحة للولي فلان إذا جاءه ولد هذا شرك أكبر، نعوذ بالله؛ فالنذر عبادة لله سبحانه وتعالى، فالذي يفعل هذا عليه التوبة إلى الله، وعدم العودة إلى مثل هذا، وأما الطفل فليس عليه شيء، لأنه ليس من عمله، والله يقول سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) . لكن الذي فعل من رجل أو امرأة عليه التوبة
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط، رقم 201.
(2) سورة فاطر الآية 18(2/7)
والرجوع إلى الله والندم على ما مضى، وألا يعود إلى ذلك، والله يقول سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2) .
فدعاء غير الله والاستغاثة بغير الله من الأولياء والأنبياء من أصحاب القبور، أو الاستغاثة بالجن أو بالملائكة، أو بالنجوم والكواكب، كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وهكذا النذر لهم والذبح لهم، كونه ينذر للأموات أو للملائكة أو للجن، أو للكواكب ليشفعوا له، أو يخلصوه من النار أو يشفوا مريضه، أو يردوا غائبه أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، يقول الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (3) (4) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6) ؛ ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (9) ، ويقول عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (10) .
فالنذر عبادة، التزام بعبادة الله: من صدقة أو صلاة أو غير ذلك، لا تجوز إلا لله وحده سبحانه وتعالى، فالذي ينذر ذبيحة إن رزقه الله مولودا ذكرا للبدوي، أو للشيخ عبد القادر أو للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو للحسن أو
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة التحريم الآية 8
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) '' ونسكي ''، يعني: ذبحي.
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) سورة الكوثر الآية 3
(10) سورة البقرة الآية 270(2/8)
للحسين، أو لعلي بن أبي طالب أو لغيرهم، فهذا يعتبر من الشرك الأكبر، وهكذا لو قال: يا علي انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين أو الحسن، أو يا رسول الله أو يا سيدي البدوي، أو يا سيدي عبد القادر أو ما أشبه ذلك، انصرني أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك وحسبك، أو المدد المدد؛ كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، والله يقول جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1) ، ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، ويقول عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3) ، ويقول عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ، ويقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5) ، ويقول عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (6) ، يعني: المشركين.
والآيات في هذا كثيرة ويقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة (7) » . والله يقول سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (8)
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الجن الآية 18
(6) سورة يونس الآية 106
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.
(8) سورة غافر الآية 60(2/9)
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع المكلفين الحذر من ذلك، وأن تكون العبادة لله وحده كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1) ، وقال: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) .
هو الذي يدعى هو الذي يرجى سبحانه وتعالى، هو الذي يتقرب إليه بالذبائح والنذور، دون غيره سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعيذهم من كل ما يخالف شرعه، والله المستعان.
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الجن الآية 18(2/10)
2 - حكم الذبح عند قبور الأولياء
س: رسالة من المستمع م. ص. أ. من أرتيريا يقول: في بلدنا بعض الناس يذبح عند قبور الأولياء، وإذا سألتهم أليس الذبح يجب أن يكون لله، وأن يكون خالصا لله، وأن هذا العمل من الشرك، لا يستمعون إليك، وجهودهم لعلهم يستمعون رأي الشرع في ذلك، وفقكم الله وجزاكم خيرا؟ (1) .
ج: الذبح لغير الله من الشرك بالله، سواء كان عند القبور، أو بعيدا عن القبور، إذا نوى بالذبيحة التقرب للمخلوقين، أو إلى النجوم،
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 307.(2/10)
أو إلى الأصنام، أو إلى الجن، أو الأولياء أو الملائكة، صار بذلك شركا بالله، لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (1) (2) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) ؛ ويقول سبحانه في كتابه العظيم مخاطبا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6) ، والنحر عبادة مثل الصلاة، كما أنه لا يحل الذبح لغير الله، فلا يحل أن يصلي لغير الله، فمن صلى للمخلوقين، أو سجد لهم أشرك، وهكذا إذا ذبح للأولياء؛ ليتقرب إليهم، أو للأصنام، أو للجن أو للملائكة، أو للنجوم أو لغير ذلك من المخلوقين، فذبح لهم أو صلى لهم، أو سجد لهم أو نذر لهم القرابين، ينذر للولي الفلاني أنه يذبح كذا أو يتصدق بكذا، أو يسجد أو يصلي أو يصوم، المقصود النذر لغير الله، من أولياء أو من الجن، أو الأصنام كأن يقول: نذر علي للقبر الفلاني، أو الولي الفلاني، أن أتصدق بكذا، أو أن أصوم كذا، أو أصلي كذا، أو أذبح كذا، كل هذا من النذور الشركية، فالصلاة لغير الله، والسجود لغير الله، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، كله من الشرك بالله، فإن صلى لله عند قبر، ما قصد صاحب القبر، يصلي لله، ولكن ينذر للصلاة عند القبر بأن فيها فائدة، وأنها أفضل، يعني ما قصده أن يصلي للمخلوقين
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) '' ونسكي ''، يعني: ذبحي.
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2(2/11)
ولا قصده الذبح لهم، قصده الذبح لله والصلاة لله، ولكن يظن أنها عند هذا القبر فيها فائدة، فيها ثواب أكثر، هذه بدعة، فلا تجوز فهي وسيلة للشرك، ولكن لا تكون شركا إذا كان قصد به وجه الله، والتقرب إلى الله فتكون بدعة؛ لأنه فعلها في محل لا يجوز التعبد فيه كالصلاة أو الذبح، بل هذا يفضي إلى الشرك، ووسيلة إلى أن يذبحها للمخلوق صاحب القبر.(2/12)
3 - حكم الدعاء والصدقة عن الميت إذا شك في صلاح عقيدته
س: سائل يقول: إن والده كان يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في تلك المعصية إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، ويرجو التوجيه يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: إذا كان والدك أيها السائل، معروفا بالخير والإسلام والصلاة، فلا تصدق القائلين إنه يذبح لغير الله، إلا على بصيرة، فعليك الدعاء له والصدقة عنه ونحو ذلك، حتى تعلم يقينا أنه قد أتى بالشرك، أما مجرد قيل وقال من دون بصيرة لا يكفي، إلا إذا ثبت لديك بشهادة الثقات اثنين فأكثر من الثقات، أخبروك بأنهم رأوه
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 78.(2/12)
وشاهدوه يذبح لغير الله، من أصحاب القبور أو يدعو غير الله، فعند ذلك تمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يستغفر لأمه لم يأذن الله له لأنها ماتت في الجاهلية على دين الكفار، فاستاذن ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له، لأنها ماتت على ظاهر الكفر، وإن كانت في جهل، فأنت كذلك، إذا بلغك من طريق الثقات أنه مات على ظاهر الشرك، من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم والنذر لهم، فإنه حينئذ لا يستغفر له ولا يدعى له، لكن لا يدعى عليه، ولا يسب ولكن يمسك عنه، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن كانت قامت عليه الحجة استحق ما وعد الله به أمثاله، وإن كانت لم تقم عليه الحجة امتحن يوم القيامة.(2/13)
4 - حكم أكل الذبائح التي تذبح عند القبور
س: يسأل المستمع ويقول: هل يجوز أكل لحم البهائم أو الغنم التي تذبح على القبر، وهذا الشخص متعمدا الذبح لمن في القبر، وجهونا في ضوء السؤال؟ (1)
ج: ما يذبح لغير الله لا يؤكل، يكون ميتة، ما يذبح لأصحاب القبور، أو للأصنام، أو للجن هذا يكون ميتة، لا يحل أكله، قال الله
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 428.(2/13)
جل وعلا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) ، ما ذبح لغير الله يكون ميتة نسأل الله العافية، وصاحبه مشرك عليه التوبة إلى الله جل وعلا، الذبح لغير الله من الشرك، فعليه التوبة إلى الله، والرجوع إليه، والذبيحة حرام، نسأل الله العافية.
س: تسال المستمعة وتقول وهي من اليمن: هناك قبور تزار من قبل بعض الناس، فهل يجوز لهم ذلك، حيث إنهم يذبحون عندها، وهل يجوز أن يأكلوا اللحم عند هذه القبور؟ (2)
ج: الذبح عند القبور لا يجوز، ولا الجلوس عندها للقراءة والدعاء، بل يجب الحذر من ذلك، بل هذا من وسائل الشرك، وإذا ذبح يتقرب إلى أصحاب القبور، أو دعاهم، أو استغاث بهم، أو نذر لهم، فإن هذا شرك أكبر، والعياذ بالله.
أما زيارة القبور للسلام عليهم، والدعاء لهم فلا بأس، سنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » ، فإذا زارها المؤمن ليدعو لهم، ويسلم عليهم ويستغفر لهم فلا بأس، أما أن يزورهم للذبح
__________
(1) سورة المائدة الآية 3
(2) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 433.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.(2/14)
عندهم، أو للقراءة عندهم، أو للدعاء عند قبورهم، فهذا منكر لا يجوز، هو من وسائل الشرك، فإذا ذبح لهم، أو دعاهم، أو استغاث بهم، أو نذر لهم، فقد صار هذا شركا أكبر، نعوذ بالله، أما النساء فلا يزرن القبور، يدعين لأمواتهن في البيوت، لا حاجة إلى زيارة القبور.(2/15)
5 - حكم البقاء بين من يذبح لغير الله لقصد دعوتهم لتوحيد الله تعالى
س: أنا أعيش في قرية يعم فيها الشرك والجهل، وكلما نصحت لأهلها لا يسمعون لنصحي، فهم يقومون بالذبح والنذر لغير الله سبحانه وتعالى، ويقولون لي عندما أمنعهم أو أنصحهم: أنت مشرك بالله، ماذا أفعل؟ وهل أنا على حق، وهل أبتعد عنهم، أم أبقى في القرية مع مجاهدتي لنفسي ولهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ننصحك أيها الأخ بالبقاء معهم، والجهاد لنفسك ولهم بالتعليم والتوجيه والإرشاد والنصيحة؛ لعل الله أن يهديهم بأسبابك، ولك مثل أجورهم إذا هداهم الله على يديك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » فاصبر واحتسب ولا تعجل وادع الله
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 324.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، برقم 1893.(2/15)
لهم بالهداية فأنت على خير عظيم، هكذا صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام، فتأس بالرسل عليهم الصلاة والسلام، والله يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) ، وقد أوذي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأوذي الأنبياء، فصبروا، فكن أنت متأسيا بهم عليهم الصلاة والسلام، فإذا كان أهل هذه القرية يتعاطون الشرك، ودعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات وأصحاب القبور، أو النذر لهم أو الذبح لهم، فهذا شرك أكبر، هذا دين المشركين؛ فالواجب عليهم ترك ذلك، والتوبة إلى الله من ذلك، وعليك أن تنصحهم دائما، وأن تصبر حتى يهديهم الله بأسبابك، فأنت على خير عظيم، فلا تجزع ولا تمل ولا تغادر القرية، إلا إذا وجد من يقوم مقامك، ويحصل به المقصود، وإلا فابق في القرية، واجتهد في الدعوة، واحرص على أن تلتمس من يساعدك ويعينك على هذه الدعوة العظيمة، يسر الله أمرك وبارك في جهودك وهدى أصحابك.
__________
(1) سورة الزمر الآية 10(2/16)
6 - حكم الادعاء بمعرفة قبور الأنبياء عليهم السلام
س: لدينا من يدعي بأن قبور الأنبياء: عمران وصالح وأيوب وهود عليهم السلام موجودة عندنا في سلطنة عمان، وخاصة في المنطقة الجنوبية صلالة حيث توجد قبور بهذه الأسماء، فهل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: لا يعرف قبر نبي من الأنبياء سوى نبينا عليه الصلاة والسلام، أما من ادعى أن هناك قبورا في عمان أو في غير عمان، معروفة للأنبياء فهو كاذب، وليس بصحيح إلا قبر نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - في المدينة، وهكذا قبر الخليل في فلسطين معروف هناك محل القبر، وأما بقية الأنبياء فلا تعرف قبورهم: لا نوح ولا هود ولا صالح ولا غيرهم، ما عدا إبراهيم في الخليل، المقصود أن جميع الأنبياء ما عدا النبيين الكريمين عليهما الصلاة والسلام، محمد وإبراهيم لا تعرف قبورهم، محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهذا معروف بإجماع المسلمين، وهكذا إبراهيم الخليل معروف أيضا بالمغارة بالخليل، وأما من سواهما من الأنبياء فقد نص أهل العلم أنه لا تعرف قبورهم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط، رقم 198.(2/17)
7 - حكم التقرب للأولياء والطواف حول قبورهم
س: الأخ م. م. خ من مصر، يقول: هل يجوز الذبح لأولياء الله الصالحين، وإقامة الموالد لهم والطواف حول قبورهم، أم لا؟ (1)
ج: التقرب للأولياء والأنبياء بالذبائح والنذور، هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الاستغاثة بهم والنذر لهم ودعاؤهم بطلب تفريج الكروب أو شفاء المرضى، أو صلاح الأولاد أو صلاح المال كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بقبورهم والتقرب إليهم بالطواف هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، ويقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ، ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) ، ويقول عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5) ، ويقول جل وعلا: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (6) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (7) » .
فالذي يدعو الأموات أو الملائكة أو الأنبياء قد عبدهم، فلا يجوز
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 210.
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة الفاتحة الآية 5
(5) سورة البينة الآية 5
(6) سورة يونس الآية 106
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.(2/18)
للمسلم أن يتقرب للأولياء بالذبائح والنذور، أو بالدعاء والاستغاثة، أو بالطواف حول قبورهم، كل هذا من المنكرات الشركية، ومن عمل الجاهلية، ومن عمل عباد الأوثان والأصنام، فالواجب الحذر من ذلك.
أما كونه يضحي لأخيه، لأبيه، أضحية يذبحها أيام عيد النحر، ينويها عن أبيه أو عن أخيه، أو عن رجل صالح يحبه في الله، يضحي له حتى يثيبه الله على ذلك، يقصد بها وجه الله، التقرب إلى الله، حتى يثيبه على ذلك، ويثيب من ذبحها له أجرا، فقد كان النبي يضحي عن أهل بيته عليه الصلاة والسلام، فلا بأس.
أما أن يذبح الذبائح يتقرب إلى القبور، حتى يشفعوا له، حتى يشفوا مريضه، هذا الشرك الأكبر؛ لأن الله سبحانه يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (1) يعني: قل يا محمد للناس {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني: ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) ويقوله سبحانه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (7) » ، رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2
(7) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، برقم 1978.(2/19)
فالمقصود أنه لا يجوز للمسلم أن يتقرب إلى القبور وأصحاب القبور بالذبح أو النذر، نذر الذبائح أو نذر الصدقات، أو ما أشبه ذلك، أو يستغيث بأهل القبور، أو يسألهم قضاء الحاجة، أو شفاء المريض، أو النصر على الأعداء أو حصول الولد، أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز، كله من عبادة غير الله، والله سبحانه أنكر ذلك، وأمر عباده أن يعبدوه. قال سبحانه {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) .
فالواجب على كل مكلف أن يتفقه في الدين وأن يتعلم، وعلى كل مسلم أن يصون دينه عن الشرك بالله، وأن يعبد الله وحده ويتوجه إليه في كل حاجاته، بالدعاء والخوف والرجاء والنذر والاستغاثة، والذبح وغير هذا، كله لله وحده.
أما الأولياء فحقهم أن يدعى لهم، المؤمنون يدعى لهم بالمغفرة، الأولياء هم المؤمنون سواء كانوا ذكورا أو إناثا، هم المؤمنون بالله، هم المسلمون، يقال لهم أولياء لطاعتهم لله، كما قاله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (5) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (6) ،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة يونس الآية 62
(6) سورة يونس الآية 63(2/20)
وقال سبحانه: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (1) . فأولياء الله هم أهل التقوى والإيمان، المطيعون لله ورسوله، فحقهم أن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ويحبون في الله. أما أن يعبدوا من دونه فلا، لا يجوز أن يعبدوا من دون الله، لا بالدعاء ولا بالطواف بقبورهم، ولا بالذبح لهم ولا بالنذر، كل هذا لا يجوز، وهكذا الرسل، وهكذا الجن، وهكذا الملائكة، لا يعبدون مع الله سبحانه وتعالى، العبادة حق الله وحده، ليس لأحد أن يصرفها لغيره جل وعلا.
يقول سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) ، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3) . نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 34
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة البقرة الآية 21(2/21)
8 - حكم تسييب البهائم للقربى للزار أو غيره
س: يسأل ويقول: بقرة معتقة للزار، لا يحرثون بها ولا يبيعونها، ولا يذبحونها لأي ضرورة. أفيدونا عن حكم الشرع فيها؟ مأجورين جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذا من جنس عمل المشركين الأولين، والله أبطل هذا بقوله:
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 183.(2/21)
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (1) فلا يسيب البقر لا للزار ولا للميت فلان، ولا للجني فلان، ولا لغير ذلك. فالتسييب للزار تقرب للشياطين، الزار شيطان. فالتقرب للشياطين بتسييب البقر أو الإبل شرك بالله وتشبه بالجاهلية. فلا يتقرب إلى الجن لا بتسييب ولا بذبح، ولا بدعاء واستغاثة، كل هذا من الشرك الأكبر؛ فإذا قال: يا الجني فلان، أو يا سبعة، أو يا تسعة، خذوا فلانا اذبحوه، اقتلوه، انصرونا على فلان، اشفوا مرضانا من كذا، كل هذا من الشرك الأكبر، كما لو قال: يا سيدي عبد القادر انصرني، أو يا سيدي الحسين انصرني، أو يا سيدي البدوي انصرني، أو المدد المدد، أو يا سيدي سفيان الثوري، أو يا سيدي أبا حنيفة، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر. وهكذا لو قال: يا رسول الله، أو يا نوح أو يا هود، أو يا عيسى، أو يا داود انصرنا، أو اشف مرضانا، أو يا عائشة أم المؤمنين، أو يا صفية أم المؤمنين، أو يا فاطمة بنت رسول الله انصرينا أو أغيثينا، أو المدد المدد، أو ما أشبه ذلك مما يفعله المشركون، كل هذا من الشرك بالله، كله كفر وشرك أكبر، لا يجوز لا مع الصالحين ولا مع الطالحين، لا مع الإنس ولا مع الجن. نسأل الله السلامة.
__________
(1) سورة المائدة الآية 103(2/22)
9 - حكم تلطيخ الرأس بدم الدجاجة أو نحوها
س: في قريتنا إمام يصلي بهم، وهو يتعاطى أمرا، كثيرا ما حيرهم، وهو عندما يتزوج أحد في القرية لم يجعله يتم الزواج الكامل، حيث إن العروسين يحصل بينهما غضب شديد، ويقال: اذهبوا إلى هذا الشيخ لكي يعمل لهما ورقة وهما يرضيان على بعض، وعندما يحضر الشيخ يأتي بكتب من الإنس والجن ويقرأ فيها، ويمسح على رأس العروسين بزيت الطيب ويحضر معه حبرا أحمر، ويقول: هذا الحبر تدفعه هكذا في الماء وتشربه، وبعد هذا يقول ايتوني بدجاجة كي أذبحها، فيأخذ دمها ويضعه على رأس العروسين، بعد ذلك ينصرف الغضب، ما هو توجيه سماحتكم على هذا السؤال؟ (1)
ج: هذا العمل الذي يعمله هذا الرجل تخريف وغلط وتلبيس على الناس، لا وجه له ولا أساس له من الصحة، بل الواجب على من أحس بشيء من الغضب أن يتعوذ بالله من الشيطان، حتى يهدأ غضبه، ويشرع له الوضوء الشرعي، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيطان خلق من النار، والنار تطفئ بالماء، والغضب من الشيطان، فالمؤمن يفعل الأشياء الشرعية، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتوضأ، هذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 72.(2/23)
مشروع كذلك، ومن أسباب إطفاء الغضب أن يجلس إن كان قائما، ويضطجع إذا كان قاعدا، أو يخرج من المحل حتى يهدأ الغضب، أما ما يعمله هذا الشيخ من تلطيخ رؤوسهم بالزيت، أو بدم الدجاجة أو بغير ذلك مما يقول، كل هذا لا أصل له، كله غلط وكله تلبيس وخداع لا وجه له، وإذا كان قصده ذبح الدجاجة للجن صارت شركا أكبر، ففي الحديث الصحيح: «لعن الله من ذبح لغير الله (1) » ، والله يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) (3) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (5) ، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (6) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (7) ، والنحر هو الذبح؛ المقصود أن هذا العمل الذي يعمله هذا الرجل غلط وينبغي أن يعرضوا عنه، ولا يقبلوا منه وينصحوه، فإن لم ينتصح ينبغي أن يتفقوا على رجل غيره يصلي بهم، ولا يصلي بهم هذا؛ لأن هذا متهم بالشركيات، عمله لذبح الدجاج هنا يوهم شرا كبيرا، فالحاصل أن مثل هذا لا ينبغي أن يكون إماما لهم إن لم يتب، فإن تاب فالحمد لله، وإلا فليزيلوه ويلتمسوا إماما آخر لمسجدهم، ولا يلتفتوا إليه في مسألة، إذا حصل بين العروسين شيء من الغضب، أو من الجفوة لا يلتفت إليه، بل يعالج ما بين العروسين بالطرق الأخرى، بالنصيحة، بالتوجيه، بقراءة القرآن،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) يعني: ذبحي.
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 163
(6) سورة الكوثر الآية 1
(7) سورة الكوثر الآية 2(2/24)
بأن يقرأ لهم إذا كان نوع المرض الذي أصابهم، بتوقف الزوج عن زوجته، هذا يقرأ له القرآن، يقرأ له: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وآية الكرسي، وآيات السحر من سورة الأعراف ويونس وطه، ويشرب من ذلك ويغتسل من ذلك، ويزول ما قد يصيبه من المنع والحبس، الحاصل أنه قد يقع لبعض الناس حبس عن زوجته فيعالج بالقرآن والأدوية الشرعية، أما عمل هذا الرجل فهو عمل باطل.(2/25)
10 - حكم الذبح لله في أماكن مخصوصة
س: عندنا في قريتنا حصن ريمان، الناس يذهبون إلى جبل ويأخذون معهم ذبيحة، ويذبحونها في الجبل، من أجل الله سبحانه وتعالى، ولعل الله يرحمهم وينزل عليهم المطر، هل هذا يحل أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله؟ (1)
ج: هذا العمل فيه تفصيل، إذا كان الذبح لله وحده، وليس هناك مقصد آخر، ليس هناك قبر يذبحون عنده، وليس هناك اعتقاد آخر في الجبل، وإنما فعلوه كذا صدفة، من غير قصد فلا حرج، والذبيحة لله وحده، ولكن لا حاجة إلى مجيء الجبل؛ لأن هذا يوهم أن هناك أشياء تنفع وتضر من دون الله، بل يذبحونها في بيوتهم أو في أي مكان تذبح فيه الدواب، ويكفي لله سبحانه تقربا إلى الله جل وعلا، ثم يوزع
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 63.(2/25)
هذا اللحم على الفقراء، والمساكين أو يأكلونه إذا أرادوا أكله، أو إن كانوا أرادوا الفقراء قسموا بين الفقراء، أو أعطوا الفقراء منه ما شاءوا، المقصود أن قصدهم الجبل فيه شيء من الإيهام، فإذا كان المقصود من الجبل إظهار الذبيحة وأنها تذبح لله على رؤوس الأشهاد فلا حاجة إلى قصد الجبل، يذبحونها في مكان بارز، ويقسمونها بين الفقراء، في قريتهم ويكفي ولا يقصدون الجبل، هذا الذي يوهم أن وراءه شيئا أما إن كانوا أرادوا في الجبل أن هناك ميتا مدفونا هناك، أو أن هناك محلا لرجال صالحين جلسوا فيه أو غارا جلس فيه رجال صالحون يتبركون به، هذا لا يجوز ويجب التنبيه لهذا، وإذا كان المقصود فقط إظهار الذبيحة، فإظهارها يكون في كل مكان، سواء الجبل أو غيره ولا حاجة إلى الجبل، ولو في بيوتهم، يذبحونها في محل الذبح، أو في حوش عندهم فيه محل للذبح، أو في محل حول الطريق يراه الناس، ولا يؤذي أحدا من الناس، لا بأس المقصود إظهارها بأي طريق، لكن لا يكون إظهارا يوهم أن هناك قصدا كقصد جبل معين، أو شجرة معينة، حتى لا يتهموا بالشرك، أو بالبدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.(2/26)
11 - حكم الدوران بالدواب حول الجبال والوديان وذبحها للاستسقاء
س: سماحة الشيخ يحكي لنا الآباء عن شيء في منطقتنا قبل أن تنتشر الدعوة من جديد بعد حكم آل سعود، يقولون: كانوا يقودون الأبقار ويلفون بها حول الجبال، وحول الأودية، وبعد ذلك يذبحون واحدة منها، وهم بذلك يريدون الاستسقاء، فهل هذا شبيه بالصدقة سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا غلط لا أصل له، بل هذا من البدع، المقصود التقرب إلى الله بصلاة الاستسقاء والدعاء فيستغيثون الله ويصلون الصلاة الشرعية، وإذا ذبحوا ذبائح وتصدقوا بها، أو صاموا أو تصدقوا بنقود، أو بأطعمة من الحبوب، أو من التمور كل هذا طيب، لكن لا يقصدون مكانا يوهم أنهم يتعبدون فيه لأنه قد سكنه رجل صالح، أو أقام به رجل صالح، أو دفن فيه رجل صالح لا يوهمون هذه الأشياء، ولا يقصدون هذه الأشياء، أما كونهم يدورون بها في الوادي، أو في الجبال هذا لا أصل له، هذه بدعة ولا حاجة إلى هذا، المقصود التقرب إلى الله، في أي مكان ذبحوها كفى، بقرة أو ناقة أو غنما، كل هذا طيب، إذا قصدوا به الصدقة والتقرب إلى الله؛ رجاء أن يرحمهم الله، كما رحموا الفقراء، وأحسنوا إليهم، الصدقة في وقت الاستسقاء مطلوبة؛
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 63.(2/27)
لأن الله جل وعلا يرحم عباده الرحماء، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء (1) » ، «من لا يرحم لا يرحم (2) » فإذا تصدقوا على الفقراء بالنقود، أو بالذبائح أو بالملابس، أو بالأطعمة وقت الحاجة، وقت الجدب هذه من أسباب رحمة الله لهم لما رحموا عباده.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب، برقم 1284، ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، برقم 5997، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم 2318.(2/28)
12 - حكم الذبح لأجل بناء المنزل
س: توجد في بلدنا عادة وهي أن المرء إذا شرع في بناء منزل له، يذبح ذبيحة عندما يصل البناء إلى العتاب، أو تؤجل هذه الذبيحة حتى اكتمال البناء وإرادة السكن في المنزل، ويدعى لهذه الذبيحة الأقارب والجيران، فما رأي فضيلتكم في هذا العمل، وهل هناك عمل مشروع يفضل عمله قبل السكن في المنزل الجديد، أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 58.(2/28)
ج: هذا التصرف فيه تفصيل، فإن كان المقصود من الذبيحة اتقاء الجن أو مقصدا آخر يقصد به صاحب البيت أن هذا الذبح يحصل به كذا ويحصل به كذا في البيت، سلامة البيت أو كذا أو كذا، هذا لا يجوز، بل هو من البدع، وإن كان للجن فهو شرك أكبر؛ لأنه عبادة لغير الله، أما إن كان من باب الشكر لنعم الله، لما من الله عليه بالوصول إلى السقف، أو بإكمال البيت من باب شكر الله على النعم، يجمع أقاربه وجيرانه ويدعوهم لهذه النعمة، فلا بأس بهذا، وهذا يفعله كثير من الناس، من باب الشكر لنعم الله، حيث من عليه بتعمير البيت، وسكن البيت بدلا من الاستئجار، هذا من باب الشكر لا بأس بذلك، شكرا لله عز وجل، أما إذا كان لقصد آخر كاتقاء شر الجن، أو مقاصد أخرى جاهلية فلا تجوز.
والذي يعمل هذا من باب شكر النعم، حيث من الله بتعميره وسكناه للبيت، فهذا مثل ما يسمى النزالة لإكرام الأقارب والجيران، والشكر لله على ما من به من تمام البناء، ومثل ما يفعله الناس في العرس، ومثل ما يفعلونه في مسائل أخرى إذا قدموا من السفر، قد ينحرون أشياء ويدعون الأقارب، وكان النبي إذا قدم من سفر نحر جزورا، ودعا الناس عليه الصلاة والسلام.(2/29)
13 - حكم من أظهر الإسلام ويذبح لغير الله
س: الأخ خ. م. س. يسأل ويقول: ما حكم الإسلام فيمن يشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصوم ويصلي، ولكنه يقرب الذبائح لغير الله، ويحلف بغير الله، ويشد الرحال إلى قبور الصالحين، ويدعوهم ويستغيث بهم، المطلوب بيان هوية من يفعل ذلك، هل هو مسلم، وهل صلاته صحيحة، أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذه مسألة قد وقع فيها جمع غفير ممن ينتسب إلى الإسلام، جهلا منهم وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، فالذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلي ويصوم، ولكنه مع ذلك يتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح ويستغيث بهم وينذر لهم، أو إلى الجن، أو إلى الأصنام، هذا مشرك وصلاته باطلة، وشهادته باطلة؛ لأنه نقضها بأفعاله الشركية، مثل المنافقين الذين يصلون مع الناس ويصومون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكن يقولون: محمد ما هو بصادق في باطنهم، وينكرون البعث والنشور في الباطن، هؤلاء في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2) ، وقال عنهم سبحانه:
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 235.
(2) سورة النساء الآية 145(2/30)
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2) لا مع المسلمين ولا مع الكفار.
وقال في الآية الأخرى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (3) .
فسماهم كفرة ولم يقبل منهم أعمالهم مع أنهم يصلون، لماذا؟ لأنهم في الداخل والباطن قد كذبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنكروا البعث والنشور، فلهذا صاروا كفارا لاعتقادهم الباطل، فلا ينفعهم صلواتهم وشهاداتهم الظاهرة؛ لأن باطنهم يخالف ذلك.
فهكذا الذي يتقرب للقبور بالذبائح والنذور ويستغيث بهم ويذبح لهم هذا ليس بمسلم، يكون كافرا، وإن صلى وصام، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عند أهل العلم، عند جميع أهل السنة والجماعة، ليس في هذا خلاف بحمد الله؛ لأن نواقض الإسلام متى وجد منها ناقض بطلت أعمال العبد، ومن ذلك مما يبين هذا الأمر: لو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويصوم، ولكنه يسب الله ويلعن الله ويلعن الرسول، هذا كافر
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة النساء الآية 143
(3) سورة التوبة الآية 54(2/31)
عند جميع العلماء ولو شهد، لو لعن الله أو لعن الرسول كفر بإجماع المسلمين. أو قال: إن الرسول بخيل، ذمه، قال: بخيل، أو قال: جبان، كفر عند جميع العلماء ولو شهد أن محمدا رسول الله، وهكذا لو سب الله كفر إجماعا، أو قال كما قالت اليهود: إن الله بخيل، كفر إجماعا، أو قال: يداه مغلولتان كفر بإجماع المسلمين، لو صلى وصام، أو قال: في باطن الأمر إنه ما هناك جنة ولا نار، هذا كذب، كما يقول المنافقون، كفر بالإجماع، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذه مسألة مهمة عظيمة.
وهكذا لو أن إنسانا يصلي ويصوم ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول: إن الزنى حلال، ليس فيه حرج أن الإنسان يزني، أو لا حرج أنه يشرب الخمر، أو لا حرج أنه يعق والديه، لا بأس لا حرج، صار كافرا بإجماع المسلمين، فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، وهكذا كل مسلم ومسلمة، فيجب الانتباه لهذا الأمر، والتقرب للقبور بالذبائح والنذور والاستغاثة بأهل القبور شرك أكبر، كما يفعله بعض الناس عند قبر ابن علوان في اليمن أو عند العيدروس في اليمن، أو عند ابن عربي في الشام، أو عند الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، أو عند قبر أبي حنيفة في العراق، أو يفعله مع البدوي في مصر، أو مع الحسين في مصر، أو مع غيرهم، كل هذا كفر وشرك أكبر، فالذي يستغيث بهؤلاء وينذر لهم ويذبح لهم ويسألهم الغوث والنصر والشفاء كافر عند جميع أهل السنة والجماعة، ولا تنفعه صلاته(2/32)
ولا صومه ولا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، كالمنافقين الذين يقولونها وهم يسبون الرسول ويكذبون الله في الباطن.
هذه المسائل عظيمة يجب التنبه لها من جميع المسلمين، ويجب على العلماء في أي قطر وفي أي مكان أن ينبهوا الناس على هذا الأمر، حتى يتبصر المسلمون وحتى يتبصر عباد القبور وغيرهم، وحتى يكونوا على بينة، وحتى يقلعوا من هذا العمل السيئ وحتى يتوبوا إلى الله من ذلك، هذا هو واجب العلماء أينما كانوا، في هذه المملكة وفي الشام، وفي مصر، وفي إفريقيا وفي العراق وفي كل مكان يجب على علماء الشريعة علماء السنة أن يبينوا للناس أحكام هذه الأمور، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله والإخلاص له؛ كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ، وقال عن الكفار من قريش وغيرهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (4) جعل طلبهم الشفاعة من آلهتهم كفرا وشركا أكبر، فكيف بالذي يذبح لهم وينذر لهم ويستغيث بهم؟ أعظم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع من وقع في هذه الأمور
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة يونس الآية 18(2/33)
أن ينتبه وأن يتوب إلى الله وأن يخلص العبادة لله وحده، وألا يذبح إلا لله، وألا يستغيث إلا بالله، وألا ينذر إلا لله، يقول سبحانه في سورة الأنعام في آخرها: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (1) يعني: قل يا محمد للناس {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني: ذبحي. {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) ، ويقول سبحانه يخاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6) الصلاة لله والذبح لله جل وعلا، ويقول جل وعلا: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (7) ، قال جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (8) . هذا يعم الأنبياء وغيرهم: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (9) . يعني: المشركين. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (10) » .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2
(7) سورة غافر الآية 14
(8) سورة الجن الآية 18
(9) سورة يونس الآية 106
(10) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، برقم 2856، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 30.(2/34)
ويقول لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (1) » ؛ فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يستعان به ويستغاث به، أما المخلوق إذا كان حيا فلا بأس أن يستعان فيما يقدر عليه الحي الحاضر تقول له: أعني على إصلاح سيارتي، لا بأس، أعني على تعمير بيتي لا بأس، حاضر يسمع كلامك ويعينك، أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، أو بالأحجار، أو بالأصنام، أو بالأشجار أو بالجن فهذا كفر أكبر وشرك أعظم، نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، باب منه، برقم 2516.(2/35)
14 - حكم الذبح عند المنزل بعد الانتهاء من بنائه
س: سائلة تقول: لدينا عادة، إذا بنى الإنسان منزلا جديدا وأراد أن يسكنه، لا بد أن يذبح ذبيحة يسمونها فتحة الدار، هل هذا الكلام صحيح، وهل له أصل؟ (1)
ج: إذا كان المقصود شكر الله جل وعلا على نعمته، فيدعو إخوانه وأحبابه وجيرانه، فلا بأس؛ أما إذا كان عن اعتقاد أنه يذبح من أجل الجن، أو من أجل خوف الجن، هذا لا يجوز. وهذه عادة معروفة عند بعض الناس إذا نزلوا بيتا جديدا، عمروه، أو اشتروه، في الغالب يدعون إخوانهم، وأقاربهم ويدعون جيرانهم، يكرمونهم شكرا لله على
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 243.(2/35)
نعمة السكن، فإذا كان بهذه المثابة فلا شيء في ذلك، هذا من شكر الله، أما إن كان عن اعتقاد سيئ، يذبحها من أجل الجن أو خوف شر الجن، فلا يجوز.
س: الأخ أ. م. ب. من السودان. يسأل ويقول: في قريتنا عادات، أنا أشك كثيرا في صحتها شرعا، فمثلا عندما يبني الرجل منزلا جديدا، وحين وضع العتب، لا بد أن يذبح ذبيحة يجعلونها كشيء واجب، ويقولون: الليلة يوم العتب؛ والعتب هو عبارة عن الأعواد التي توضع للشبابيك والأبواب، فهل هناك شيء إذا لم أقم بهذا العمل من الناحية الشرعية؟ (1) .
ج: هذا العمل منكر ولا يجوز، وكثير من الناس في بلدان كثيرة يقصد به الذبح للجن، والسلامة من شرهم، ويقول: إن هذا يتقى به شر الجن، فلا يجوز فعل ذلك، ولو زعم صاحبه أنه ما قصد الجن؛ لأن تعاطي هذا الأمر على هذا الوجه عند التأسيس، يدل على قصد سيئ؛ فالواجب الحذر من ذلك وترك ذلك، ولكن يستعين بالله ويسأله التوفيق ويدع العادات الجاهلية التي يفعلها أهل الجهل، كانت هذه عادة قديمة في الذبح عند تأسيس البيوت للجن، يتقون بهذا شرهم
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 197.(2/36)
بزعمهم، فإذا كان قصد الجن، فهذا شرك أكبر وعبادة لغير الله، نعوذ بالله. أما إذا كان فعله تقليدا لغيره ولم يقصد الجن، فهذا بدعة ومنكر، لا يجوز.(2/37)
باب ما جاء في النذر لغير الله(2/39)
باب ما جاء في النذر لغير الله
15 - حكم النذر لغير الله
س: ورد في بعض المجلات الناطقة باسم الإسلام، مقالا جاء فيه: إن بعض المسلمين ينذرون، إن حصل لهم كذا وكذا، فسوف يقدمون بعض الأموال لصناديق النذور الموضوعة في المساجد، المقامة على أضرحة الأولياء والصالحين، وهذه الأموال تجرد كل عام، وتقسم على العاملين بهذه المساجد كالإمام وغيره، ويرجو من سماحتكم التوجيه في هذا الموضوع؟ (1)
ج: هذه النذور التي يتقرب بها الناس إلى أصحاب القبور، والسدنة التي على القبور كلها باطلة، وكلها شرك بالله عز وجل، لأن النذر عبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن ينذر لقبر البدوي أو الحسين، أو فلان أو فلان لا دراهم ولا شمعا ولا خبزا ولا غير ذلك، كل ذلك منكر لا يجوز، كما أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم منكر، وهكذا الذبح لهم والتقرب إليهم بالذبائح
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 109.(2/41)
منكر، فهكذا النذر. قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (1) والنسك العبادة، يعم النذر وغيره، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) وقال عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (4) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (5) وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (6) ، يعني فيجازيكم عليه، فالنذور قرب وطاعات، فإن كانت لله فلصاحبها ثوابها، مع أن الرسول نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير (7) » فلا ينبغي النذر، لكن لو فعل النذر طاعة لله، وجب عليه أن يفعل الطاعة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (8) » . أخرجه البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها. فإذا نذر طاعة لزمه الوفاء، وأجره على الله سبحانه وتعالى، ولكن ينصح ألا يعود إلى ذلك، فإذا قال: لله علي أن أصلي ركعتين، هذه الليلة، أو لله علي أن أصوم يوم الاثنين، أو يوم الخميس، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا على الفقراء، أو لله علي أن أحج هذا العام أو عام كذا، أو عام كذا فهذه كلها نذور عبادة وطاعة، فعليه أن يوفي
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(4) سورة الكوثر الآية 1
(5) سورة الكوثر الآية 2
(6) سورة البقرة الآية 270
(7) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.
(8) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/42)
بها، أما إذا نذر أن يتصدق بكذا وكذا للشيخ البدوي، أو للسيد حسين أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو لفلان أو لفلان هذه نذور باطلة، نذور شركية باطلة، وهذا المال الذي يوضع في الصناديق يجب أن يفرق على الفقراء، ولا يعطى إمام مسجد ولا خدم المسجد، ولا السدنة لأنهم أعانوا على الشرك، ودعوا إلى الشرك، فهم بدعائهم إلى الشرك ورضائهم بالشرك، يكونون مشركين بهذا العمل، فإن من دعا إلى الشرك ورضي بالشرك فهو مشرك، نسأل الله العافية، وهؤلاء السدنة الذين يدعون الناس إلى التقرب إلى أصحاب القبور، معناه أنهم يضلونهم ويدعونهم إلى الشرك بالله عز وجل، فلا يجوز أن تدفع إليهم هذه الأموال، بل يجب أن تؤخذ من الصناديق، يأخذها ولي الأمر وتدفع إلى الفقراء والمساكين، الذين لا تعلق لهم بهذه القبور، وعلى ولي الأمر وعلى الدعاة إلى الله، وعلى العلماء أن ينصحوا الناس وأن يعلموهم، أن هذه النذور باطلة، وأنه لا يجوز لهم أن يتقربوا إلى هذه الصناديق بشيء، وأن ترفع هذه الصناديق وتقفل، وأن يمنع السدنة من أعمالهم الخبيثة، وهكذا أئمة المساجد التي فيها القبور، ويبين لهم أن هذا باطل، وعلى ولاة الأمور أن يزيلوا القبور من المساجد، وأن ينقلوها إلى مقابر المسلمين، وإذا كان المسجد مبنيا على القبر وجب هدم المسجد، وألا يصلى فيه ويبقى القبر على حاله من دون مسجد، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأرشد الأئمة والعلماء والأمراء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ومنح الجميع الفقه في الدين والثبات(2/43)
عليه، وهدي العامة لما فيه صلاحهم ونجاتهم، وأعاذهم من كل ما يغضبه سبحانه، ويوقعهم في الهلاك والعذاب، في العاجل والآجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(2/44)
16 - بيان حكم النذر للأولياء والصالحين
س: يسأل السائل ويقول: هل النذر للأولياء والصالحين محرم، وكيف يكون حلالا، وكيف يكون حراما، وما حكمه مأجورين؟ (1)
ج: النذر للصالحين والتقرب إليهم بالذبائح أو النذور أو بالدعاء شرك أكبر من الشرك الأكبر، فالذي ينذر الصلاة أو الذبيحة للصالحين أو للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو لعبد القادر الجيلاني أو للصديق، أو لعلي بن أبي طالب، أو يستغيث بهم أو يذبح لهم أو يسجد لهم يكفر بالله كفرا أكبر، أو يستغيث بهم، يا سيدي علي أو يا نبي الله، أو يا رسول الله اغفر لي، أو انصرني، أو يا سيدي البدوي اغفر لي أو انصرني، أو يا علي أو يا أبا بكر أو يا عمر، أو يا فلان كل هذا من الشرك الأكبر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم، والاستنصار بهم، كل هذا من الشرك الأكبر، هذا دين المشركين، نعوذ بالله من ذلك، وهكذا السجود لهم، وهكذا الذبح لهم، وهكذا طلب الغوث منهم،
__________
(1) من ضمن أسئلة الشريط، رقم 423.(2/44)
وهكذا الغائبون، ولو كانوا أحياء، إن كانوا غائبين يعتقد أنهم يسمعونه ويجيبونه وهم في البلاد البعيدة، يستغيث بهم، يستعين بهم، يسألهم قضاء الحاجات؛ لأنه يعتقد فيهم أنهم يعلمون الغيب أو أنهم يغيثونه من بعيد هذا الشرك الأكبر كالاستغاثة بالأموات نسأل الله العافية، أما من طريقة الكتابة، كونه يكتب كتابا يقول لفلان: اشتر لي كذا، أو أعطني كذا، أو أقرضني كذا، يكتب له كتابا لا بأس، وهو حي، أو بالتلفون يكلمه بالتلفون، هذا لا بأس، أما أن يعتقد في الغائب في بلاد بعيدة، لا يسمع كلامه، ويعتقد فيه أنه يسمعه، أو يعلم الغيب أو يسمع كلامه من بعد لاعتقاده السر فيه فيستغيث به، أو يطلب قضاء الحاجة، أو العون على كذا، هذا شرك أكبر، كالميت، كسؤال الميت نسأل الله العافية.(2/45)
17 - حكم نذر الذبائح للأئمة والصحابة
س: بعض الناس ينذرون النذور من الذبائح وغيرها للأئمة والصحابة، فهل هذا جائز، وهل من الصحيح أن يأخذوا من النذور لأنفسهم أفيدونا؟ (1)
ج: النذور والذبائح التي تنذر للأموات أو الأنبياء أو غيرهم، هذه النذور والذبائح من المحرمات الشركية، كما ينذر لغير الله ذبيحة، أو شمعا أو صدقات أو ما أشبه ذلك سواء كان المنذور له نبيا أو وليا،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 27.(2/45)
إماما أو غير إمام، لا يجوز النذر إلا أن يكون لله، والذبيحة تكون لله، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) ، وثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «لعن الله من ذبح لغير الله (5) » خرجه مسلم في الصحيح، وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (6) يعني يجازيكم عليه، وقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (7) » ، فالنذور عبادات فيها تعظيم الله، وفيها تعظيم المخلوق إذا نذر له، كما أن الذبح عبادة يعظم بها الرب، ويعظم بها المخلوق، فلا تليق إلا لله سبحانه وتعالى، فليس له أن يذبح للجن ولا للأنبياء يتقرب إليهم بذلك، يريد شفاعتهم أو شفاء مريضه أو رد غائبه أو قضاء دينه أو ما أشبه ذلك، لا للأنبياء ولا للملائكة ولا للجن ولا للأولياء ولا لغيرهم، بل يكون الذبح لله وحده يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا النذر كما يقول بعض الجهلة: إن شفى الله مريضي، فللشيخ كذا وكذا، وللولي الفلاني كذا وكذا، ويقول: إن شفى الله مريضي فلك يا شيخ فلان كذا وكذا يتقرب إليه لأنه واسطة بزعمه في
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(6) سورة البقرة الآية 270
(7) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/46)
الشفاء، هذا من الشرك الأكبر، لا يجوز بل يجب على من فعل هذا أن يتوب إلى الله، وأن يقلع عن هذا العمل السيئ، وأن يندم على ما مضى منه، ومن تاب تاب الله عليه سبحانه وتعالى، وهذا غير الذبيحة التي يذبحها الإنسان كرامة للضيف أو لأهله ليأكلوا، هذا لا بأس به إذا ذبح ذبيحة للضيف الذي نزل به لإكرامه فإكرام الضيف حق، كالذي ذبح ذبيحة ليأكلها هو وأولاده أو يجعلها موزعة على أيام، كل هذا لا بأس به، وهذا غير الضحية التي تذبح أيام النحر، هذه ذبيحة لله، الضحية يتقرب بها الذابح إلى الله سبحانه وتعالى فإن ذبحها عنه أو عن أبيه أو أمه فلا يقال: إنه ذبحها لغير الله، هذه ذبحها لله يتقرب بها إلى الله يريد ثوابها له أو لأهل بيته، أو له ولأهل بيته، هذا لا حرج فيه، وإنما المنكر أن يتقرب بالذبيحة لغير الله، يذبحها للنبي أو الولي أو للجن أو للملائكة يقصد أنه بهذه الذبيحة يتوسط بهم في قضاء حاجاته في شفاعتهم به إلى الله ليشفي مريضه، ليرد غائبه ليشفيه هو من مرضه، يرى أن هذه العبادة تكون سببا لوساطتهم وتقريبهم له إلى الله سبحانه وتعالى.
س: يسأل المستمع من السودان ويقول: هل يجوز لي أن أمنع الهبة كالنخيل التي وهبها جدي تقربا للسيد أو الولي، وإرشادي إلى بعض الكتب التي تنهى عن البدع؟ (1)
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط، رقم 413.(2/47)
ج: إذا كان جدك أو أبوك وقف نخلات أو بيتا على الضريح الفلاني يبنى منه عليه، أو ينفق منه على تطييب المحل، أو البناء عليه، أو تجصيصه، أو ما أشبه ذلك، فالوقف باطل ويكون للورثة، ولا يلتفت إلى الهبة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، فلا بد أن تكون الأوقاف على الوجه الشرعي، فالوقف الذي لا يوافق الشرع يكون باطلا.
وعن طلب إرشادك إلى الكتب التي تنهى عن البدع وهل هناك بدع حسنة، فنرشدك إلى كتاب فتح المجيد، وشرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفتح المجيد لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والبدع والنهي عنها للشيخ ابن وضاح رحمه الله، والاعتصام للشاطبي رحمه الله، كل هذه فيها التحذير عن البدع، ويكفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » ، كل بدعة ضلالة، فما أحدث
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة برقم 1718.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم 867.(2/48)
الناس في الدين من عبادة لم يشرعها الله اجتنبها واحذرها، ولكن تستعين بالكتب التي ذكرنا وغيرها من الكتب المعروفة في بيان السنة وبيان البدعة، وإذا أشكل عليك شيء تسأل أهل العلم من أهل السنة والجماعة.(2/49)
18 - حكم الأموال التي تنذر للأولياء
س: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء، وتوضع في صناديق، هل لأحد حق فيها لانتسابه إلى هذا الولي؟ (1)
ج: النذر من العبادات التي يجب إخلاصها لله، وحده، لأنها التزام المكلف ما ليس لازما له، من جهة الشرع، هي تعظيم للمنذور له وتقربا إليه، وهذا لا يصلح إلا لله وحده، فليس لأحد أن يلتزم صلاة ولا صوما، ولا صدقة ولا غير ذلك، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، ولا لنجم ولا لشجر ولا لحجر، ولا لجني ولا لغير ذلك، فهذه النذور التي يقدمها بعض الجهال، إلى الأولياء من أصحاب القبور، تعتبر شركا أكبر، كالذبح لغير الله، والاستغاثة بالأموات، كل ذلك من قسم الشرك الأكبر قال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) وقال عز وجل:
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 131.
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5(2/49)
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (2) . المعني فيجازيكم عليه سبحانه وتعالى، فالنذور عبادات وقرب، يجب أن تكون لله وحده، ومع ذلك فالرسول نهى عن النذر، قال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل (3) » ؛ فلا ينبغي للمؤمن النذر، ولكن متى نذر فليكن لله وحده، لا لغيره سبحانه وتعالى، فإذا قال: لله علي أن أصلي كذا، أو أصوم كذا، أو يتصدق بكذا، لزمه الوفاء لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (4) » خرجه البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فإذا قال: لله علي أن أصلي الضحى ركعتين وجب عليه الوفاء، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا درهما، أو بكذا وكذا صاعا من بر أو شعير أو أرز أو غير ذلك وجب عليه الوفاء، أو قال: لله علي أن أحج وجب عليه الحج، أو لله علي أن أعتمر وجب عليه العمرة، وهكذا لقوله عليه الصلاة والسلام: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» . أما أن ينذر للأولياء، لأصحاب القبور للجن، للكواكب، للرسل عليهم الصلاة والسلام، أو لغيرهم من المخلوقين فهذا شرك بالله، كما لو ذبح لغير الله، أو استغاث بغير الله، من الأموات أو من الجن أو من الكواكب أو ما أشبه ذلك، كله شرك بالله بإجماع أهل
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البقرة الآية 270
(3) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/50)
العلم، وإنما وقع هذا من المتأخرين الذين جهلوا توحيد الله، وجهلوا أحكام شريعته ووقعوا في الشرك، وقد يقع في هذا بعض من ينتسب إلى العلم، لعدم بصيرته في العقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة، وهذه النذور التي تكون من الأموال، وتجمع في الصناديق حول القبور، هذه حكمها حكم الأموال التي لا رب لها، تؤخذ لبيت مال المسلمين، أو يأخذها ولي الأمر يصرفها في مصالح المسلمين، كمساعدة الفقراء والمساكين أو إصلاح الطرق، أو دورات المياه أو ما أشبهها من المصالح العامة، ولا ترد على أهلها، وليس لأحد أن يأخذها من الناس، بل هذه ترجع لولي الأمر، إذا كان ولي الأمر صالحا، ينفذ شرع الله، وإلا فلأصحاب البصيرة من أهل العلم أن يأخذوها، ويوزعوها في وجوه البر والخير، على الفقراء والمحاويج ونحو ذلك، يبصرون الناس ويحذرونهم منها، وأنها منكر، وأنها من الشرك حتى لا يعودوا إليها، وتزال هذه الصناديق وترفع من المساجد وغيرها، لأنها منكر ولأنها دعوة للشرك بالله، عز وجل فالواجب إزالتها والتحذير منها، وتوعية الناس وتبصيرهم، بأن هذا من الشرك الأكبر، وما وجد فيها حين إزالتها، من نقود وغيرها تصرف في أعمال الخير كما تقدم، مع إزالتها من المساجد، ومع تنبيه العامة وتحذيرهم من مثل هذا، وأنه لا يجوز التقرب إلى غير الله، لا بالصلاة ولا بالنذور ولا بالصدقات ولا غير هذا، لا لأصحاب القبور، ولا للأصنام، ولا للكواكب ولا للجن ولا لغير هذا، العبادة لله وحده(2/51)
سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) ، وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) والعبادة كل ما أمر الله به ورسوله، قال بعض أهل العلم: معناها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وتكون قولية وتكون عملية، وتكون بالقلب، وتكون باللسان، وتكون بالجوارح، خوفا لله وتعظيمه ومحبته، هذه عبادات قلبية وهكذا رجاؤه سبحانه، ونحو ذلك من سائر العبادات القلبية، وهناك عبادات عملية: كالصلاة والزكاة والصدقات والذبح، والنذر هذه عبادات عملية وتكون قولية، كالنذر من جهة القول، فالنذر عبادة قولية، وما يحصل به من صدقات ونحو ذلك، عبادات مالية، فالحاصل: أن جميع العبادات قولية أو عملية أو قلبية أو لسانية يجب أن تكون لله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز لأي أحد أن يصرفها لأي مخلوق، من ولي أو رسول أو ملك، أو جني أو صنم أو غير ذلك، نسأل الله للجميع الهداية والسلامة.
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة البينة الآية 5(2/52)
19 - بيان حكم النذر
س: هل النذر الذي يعود أجره للأئمة حلال، أم حرام وصفته أن يقول صاحب النذر لتأديته له، يقول: النذر لله وثوابه للإمام الفلاني مثلا؟ (1)
ج: هذا السؤال فيه إجمال، والنذور قسمان: قسم شرعي وقربة إلى الله عز وجل، وإن كان أصله ينهى عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2) » ، لكن جنس النذر ينبغي أن يدعه المؤمن، لقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن النذور قال: «لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل (3) » متفق على صحته. وفي اللفظ الآخر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل (4) » هذا يدل على أن جنس النذر لا ينبغي، لأن فيه إلزاما، وقد يشق على المسلم أداؤه، فينبغي له أن يدع النذر، لكن متى نذر نذر طاعة وجب عليه
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 42.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه برقم 7167.
(3) البخاري الأيمان والنذور (6316) ، مسلم النذر (1640) ، الترمذي النذور والأيمان (1538) ، النسائي الأيمان والنذور (3805) ، أبو داود الأيمان والنذور (3288) ، ابن ماجه الكفارات (2123) ، أحمد (2/314) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.(2/53)
الوفاء؛ لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذر، فقال عز وجل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2) . وقال عليه الصلاة والسلام: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (3) » . فإذا قال: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو يصوم شهر شعبان، أو يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، أو ما أشبه ذلك هذا كله نذر طاعة، يجب عليه الوفاء، أو قال: لله عليه أن يصلي الضحى، أو هذه الليلة ركعتين، أو أربع ركعات، أو ما أشبه ذلك، هذا نذر طاعة، أو قال: لله علي أن أتصدق بكذا وكذا، على الفقراء والمساكين هذا نذر طاعة، وإذا كان نوى بذلك أن هذا النذر صدقة، عن أبيه أو أمه أو نفسه، فهو على ما نوى من نيته، أو نواه عن الإمام مالك، أو عن فلان أو فلان من أهل العلم هو على نيته، لكن هنا أمر آخر ينبغي التنبه له، وهو أنه قد يقصد بالنذر غير الله، والتقرب إلى غير الله، كما يفعله بعض عباد القبور، أو عباد الأموات، فيقول: إن شفى الله مريضي، فللشيخ البدوي كذا من الطعام، وللشيخ عبد القادر الجيلاني كذا وكذا من النقود أو من الشمع، هذا شرك بالله، لأن هذا نذر لمخلوق، والنذور عبادة،
__________
(1) سورة الإنسان الآية 7
(2) سورة البقرة الآية 270
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/54)
والعبادة لله وحده، كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ؛ وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) . فالنذر للمشايخ وأصحاب القبور، أو للجن أو للكواكب، والتقرب إليهم هذا من عبادة غير الله، هذا لا يجوز بل نص العلماء أنه من الشرك بالله عز وجل، لأنه تقرب بهذه العبادة لغير الله، من الأموات أو من الجن، أو من المشايخ الأموات أو غيرهم، ممن يتقرب إليهم بالنذور، هذا لا يجوز، أما إذا تقرب به لله، قال: لله علي كذا وكذا، صدقة بكذا دراهم، بكذا من الطعام، ينويها عن نفسه أو عن أبيه أو عن أمه، أو عن بعض أحبائه، صدقة لله يتقرب بها إلى الله وحده سبحانه وتعالى هذا لا بأس به، ولكن تركه أولى لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر فينبغي تركه، ويكره النذر مع كونه لله يكره، أما إذا أراد به النذر لغير الله يعتقد أن هذا الشيخ يشفي مريضه، يرد الغائب بما أعطاه الله من الولاية، أو من الكرامة فلهذا ينذر له، ينذر للبدوي بالطعام، ينذر له عجل، ينذر له شاة، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني أو للدسوقي، أو لفلان أو لفلان، ممن يغلو فيهم الصوفية، وغيرهم هذا كله من الشرك بالله عز وجل، أو ينذر للجن أو يسألهم، أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يستغيث بالأموات، يقول: يا سيدي
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الذاريات الآية 56(2/55)
فلان انصرني، أو اشف مريضي، أو رد غائبي أو أنا في حسبك، أو أنا في جوارك، كما يفعله عباد الأموات، أو عباد القبور، هذا لا يجوز هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، ومن النذور البطالة أيضا التي تحرم، كأن ينذر أن يشرب الخمر، أو يزني أو يتعامل بالربا، هذه نذور معصية والنبي عليه السلام قال: «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (1) » . واختلف العلماء هل فيه كفارة أم لا على قولين، والأرجح أن نذر المعصية فيه كفارة، إنه لا يعصي ولكن فيه كفارة يمين، لأنه جاء في بعض الروايات أنه لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين، فينبغي لمن فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وعليه كفارة يمين، إذا قال: لله عليه أن يشرب الخمر، أو يزني أو يسرق أو يضرب فلانا بغير حق، هذا نذر باطل منكر ومعصية، ولا يجوز له فعله، وعليه كفارة يمين على الصحيح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/56)
20 - حكم التبرع للمساجد التي حولها قبور
س: يوجد عندنا مسجد بجانبه قبران خارج المسجد، أحدهما يوجد داخل حجرة مبنية له، بحجة أنه ولي صالح، ويوجد بداخل الحجرة صندوق مخصص للتبرعات، يضع فيه الزوار النقود وتنفق هذه النقود فيما ينقص المسجد، السؤال ما الحكم في إنفاق هذه النقود، وما الحكم بالنسبة للصلاة فيه، وبماذا تنصحوننا أفتونا أثابكم الله؟ (1)
ج: إذا كان القبر خارج المسجد، فلا حرج من الصلاة في المسجد، لأنه مستقل حينئذ والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اتخاذ المساجد على القبور، قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » . فإذا كان القبر خارج ذلك المسجد، في حجرة خارج المسجد فلا حرج، لكن هذا القبر يجب أن يبعد إلى مقابر المسلمين، حتى لا يغلى فيه وحتى لا يعبد من دون الله، وهذا الصندوق يجب أن يزال، لأن الجهلة يسلمون الأموال تقربا إلى صاحب القبر، لأنه بزعمهم ولي، فكونهم يتقربون إليه بالنذور والصدقات، هذا شرك أكبر
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط، رقم 119.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور برقم 1330، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم 529.(2/57)
لا يجوز، فالواجب على المسؤولين في البلد أن يتصلوا بالعلماء، وأن يزيلوا هذا القبر، ويزيلوا رفاته إلى مقابر المسلمين، مع المقابر وتزال هذه الحجرة التي قد يفتن بها الناس، ويزال الصندوق وهذه الأموال التي في الصندوق تصرف في مصالح المسلمين، في مصالح المسجد أو مصالح المدارس، أو يعطاها الفقراء ونحو ذلك، لأنها أموال ضائعة ليس لها مالك في الحقيقة، فتصرف في المصالح العامة، ويزال هذا الصندوق ويخبر الناس بأنه لا يجوز التقرب لأهل القبور، لا بالذبائح ولا بالنذور، ولا يصلى عند القبور ولا يصلى لهم، ولا يدعون من دون الله، ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، لأن هذا لا يجوز، النذر لهم شرك بالله، ودعاؤهم من دون الله، كأن يقول يا سيدي أنا بجوارك، يا سيدي المدد المدد هذا شرك أكبر من جنس عمل المشركين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة وغيرهم، الميت يدعى له ويستغفر له، ويترحم عليه، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به، ولا ينذر له ولا يذبح له، فمن فعل هذا مع الأموات فقد أشرك، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) ، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، عن علي رضي الله عنه - أمير المؤمنين - أنه قال:
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2(2/58)
«لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا - يعني مبتدعا أو غيره ممن يحدثون حدثا في الدين، وينصرون ويجارون - لعن الله من غير منار الأرض (1) » . يعني مراسيمها وحدودها. والشاهد قوله: «لعن الله من ذبح لغير الله (2) » . فالذبح لغير الله تقرب لغير الله، كالصلاة لغير الله، فلا يجوز أن يذبح لفلان أو فلان، تقربا إلى الميت الفلاني، والنبي الفلاني أو للجن أو للملائكة، يتقربون إليهم أو للأنبياء يعبدونهم، بهذا من دون الله هذا لا يجوز، الذبيحة لله وحده والدعاء كذلك لا يدعى مع الله أحد.
__________
(1) مسلم الأضاحي (1978) ، النسائي الضحايا (4422) ، أحمد (1/118) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/59)
21 - حكم الأموال التي يتبرع بها للقبور
س: سؤال يقول سماحة الشيخ: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء، وتوضع في صناديق أضرحتهم، وهل لأحد فيها حق لانتسابه إلى هذا الولي؟ (1)
ج: هذه الأموال التي تنذر للموتى، ويتقرب بها إليهم، هذه نذور شركية باطلة، وعلى من فعلها أن يتوب إلى الله، وأن ينيب إليه وأن يستغفره سبحانه، لأن النذر عبادة كالصلاة والذبح، كلها عبادات، فالذي ينذر لأصحاب القبور، أو للأصنام أو للجن كالذي يدعوهم
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 114.(2/59)
ويستغيث بهم، وكالذي يذبح لهم كله شرك بالله عز وجل، فالواجب الحذر من ذلك، وهذه الأموال التي توضع في الصناديق من النذور، يجب أن يأخذها ولي الأمر وأن تصرف في وجوه البر والخير، كالصدقة على الفقراء أو في مشاريع خيرية، وأن تمنع منعا باتا إذا عثر عليها ولي الأمر المسلم، يزيلها ويمنع الناس من هذا الأمر، ويعلمهم أن هذا لا يجوز، وما كان موجودا فيها يوزع بوجوه الخير كما تقدم، ولا يجوز أن يقر هذا الصندوق، بل يجب أن يمنع وتمنع السدنة الذين يدعون إلى ذلك، ويعاقبوا بما يردعهم وأمثالهم، وينادي في الناس في المساجد والخطب والصحف المحلية أن هذا شرك وأنه لا يجوز حتى يرتدع الناس، وحتى يعلم الناس بذلك، والواجب على العلماء أن يفعلوا ذلك، الواجب على أهل العلم في كل مكان أن يرفعوا هذا اللبس عن الناس بالكلام الطيب في الإذاعة وفي الصحافة وفي التلفاز، حتى يكون الناس على بينة وعلى بصيرة، والله يقول جل وعلا في كتابه العظيم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) ، ويقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (2) ، ويقول عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3) ؛ فالدعوة إلى الله من أهم الأمور وهي فرض على المسلمين فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقي، فإن
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) سورة يوسف الآية 108
(3) سورة فصلت الآية 33(2/60)
تركها العلماء والدعاة أثموا جميعا، فالواجب على أهل كل بلد وكل قرية من أهل العلم أن ينشروا العلم وأن يبينوا للناس ما أوجب الله عليهم من الدعوة ومن الإخلاص لله، وتوحيد العبادة وعدم صرفها لغير الله كائنا من كان، وتحريم الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، وهكذا بقية الأوامر والنواهي، يوضحوا للناس وجوب الصلاة وأدائها في الجماعة، وجوب الزكاة ووجوب صوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، بر الوالدين صلة الرحم، صدق الحديث، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير هذا مما أوجب الله، كما أنه يجب عليهم أن يبينوا للناس ما حرم الله عليهم من الشرك وترك الصلاة، أو التساهل بها أو العقوق للوالدين أو أحدهما، أو قطيعة الرحم أو أكل الربا أو الغيبة والنميمة، أو قتل النفوس بغير الحق أو شهادة الزور، أو غير هذا مما حرم الله، هذا واجب العلماء والله سائلهم سبحانه وتعالى، عما كتموا وعما لديهم من العلم، وهذا أوان نشر العلم، هذا وقت الغربة الآن، وقبل هذا العام بأزمان كثيرة، فالغربة للإسلام عظيمة ومنتشرة والعلماء قليل، العلماء بالله ودينه، أهل البصائر قليلون، الواجب عليهم مع قلتهم أن ينشروا العلم، وأن يتقوا الله في جميع الدول، في الدول الإسلامية وفي الأقليات الإسلامية، وفي كل مكان يجب عليهم أن ينشروا العلم، وأن يعلموا الناس من طريق وسائل الإعلام، فقد يسر الله للناس اليوم وسائل الإعلام، طريق الإذاعة والصحافة والتلفاز، والخطابة ومن سائر الأمور الممكنة،(2/61)
كالنصيحة في المجتمعات والمحافل ونحو هذا، مما يتيسر لطالب العلم إذا اجتمع بإخوانه أو في حفلة وليمة، أو حفلة عرس أو غير هذا من أنواع الاجتماعات، المؤمن يستغل الفرص، العالم يستغل الفرص حتى ينشر العلم، وحتى يوضح للناس ما أوجب الله عليهم، وحتى يشرح للناس ما حرم الله عليهم، وبذلك تبرأ ذمته، وينتشر العلم وتقوم الحجة، ويحصل له من الأجور مثل أجور من هداه الله على يديه، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (1) » .
ويقول عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا (2) » . والعكس بالعكس لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (3) » . ويقول - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه - أمير المؤمنين - لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود، وقتالهم إن أبوا، قال له عليه الصلاة والسلام: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (4) » . هكذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام لابن عمه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم 1893.
(2) مسلم العلم (2674) ، الترمذي العلم (2674) ، أبو داود السنة (4609) ، أحمد (2/397) ، الدارمي المقدمة (513) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة برقم 2674.
(4) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 3701(2/62)
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والخليفة الراشد رابع الخلفاء، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه، يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فوالله " - يحلف وهو الصادق وإن لم يطلب منه الحلف، لكن للتأكيد - لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1) » ، فلا يليق بطالب العلم ولا بالعالم، بل يجب أن يشمر أينما كان، وأن يتقي الله وأن يراقبه، وأن ينشر العلم يريد ما عند الله من المثوبة، يريد أن يهدي الناس وأن يرشدهم، وأن ينقذهم مما هم فيه من الباطل، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعملا بأمره، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) البخاري الجهاد والسير (2847) ، مسلم فضائل الصحابة (2406) ، أبو داود العلم (3661) ، أحمد (5/333) .(2/63)
22 - حكم النذر لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله
س: ما حكم النذر على القبور والدعاء لأصحاب القبور، مثلا يدعو صاحب القبر، يا شيخ فلان ويا شيخ فلان، وما حكم هؤلاء الناس الذين يدعون أصحاب القبور؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، أما النذر للأموات والاستغاثة بهم ودعاؤهم، فهذا من الشرك الأكبر ومن العبادة لغير الله، فإذا قال: لله علي كذا وكذا من المال للبدوي أو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو للصديق أو للشيخ عبد القادر،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 97.(2/63)
أو عليه ذبيحة أو ذبيحتان للشيخ عبد القادر، أو للسيد الحسين أو للبدوي أو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، هذا من الشرك الأكبر، لأن النذر عبادة، لا ينذر إلا لله وحده سبحانه وتعالى، أو قال: يا رسول الله أغثني أو اشف مريضي، أو يا سيد الحسين أو يا علي أو يا فاطمة، أو يا سيدي البدوي أو يا فلان أو يا فلان، كل هذا من الشرك الأكبر، لأنه دعوة لغير الله، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، فقول سبحانه أحدا نكرة في سياق النهي، تعم الأنبياء وتعم الصالحين، وتعم الملائكة وتعم الأصنام عامة، ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) . يعني المشركين وجميع المخلوقات لا ينفعون ولا يضرون إلا بالله، هو الذي ينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) فسمى من دعا غير الله كافرا، فدل ذلك على أنه من الشرك الأكبر، وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4) ؛ القطمير: اللفافة التي على النواة، على عجمة التمر: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (5) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (6)
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(4) سورة فاطر الآية 13
(5) سورة فاطر الآية 13
(6) سورة فاطر الآية 14(2/64)
فسماه شركا، سمى دعاءهم إياهم شركا، ونفى أنهم يسمعون، لأنهم ما بين ميت لا يستطيع السمع، وما بين ملك مشغول بما هو فيه، أو جني مشغول أو لا يعرف شيئا من ذلك، ولا يدري عن شيء من ذلك، أو ميت أو صنم أو شجرة، كلها لا تجيب داعيها، كل هؤلاء لا يجيبون داعيهم، لا يسمعون ولا يستجيبون، وهم مع هذا لو قدر أنهم سمعوا، كالملك أو غيره، لا يستطيعون أن يجيبوا، لأن أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى، هو مالكهم ومالك غيرهم سبحانه وتعالى، فإذا كانوا أمواتا فلن يستطيعوا، وإذا كانوا جمادا لا يستطيعون وإذا كانوا ملائكة أو جنا فهم لم يشرع لنا أن ندعوهم من دون الله، وهم لا يتصرفون إذا كانوا ملائكة إلا بإذن الله، والله لا يأذن لهم أن يعبدوا من دون الله، ولا يرضوا بذلك وهكذا الجن المؤمنون، لا يرضون بذلك، والكافرون لا يجوز أن يعبدوا، فلا يعبد هؤلاء ولا هؤلاء، فالمؤمنون من الجن والإنس، لا يرضون بذلك ولو رضوا لكفروا بذلك، والجن لا يرضون بذلك، إذا كانوا مؤمنين، وأما كفار الإنس وكفار الجن، فليسوا أهلا لأن يعبدوا من دون الله، ولو عبدوا من دون الله، لكان عابدهم كافرا من باب أولى، ولهذا قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1) . هؤلاء المعبودون كلهم يكفرون بشرك العابدين، من جن وإنس وملائكة، كلهم يكفرون بعبادة عابديهم، فعلم بذلك أن عبادة غير الله
__________
(1) سورة فاطر الآية 14(2/65)
من جن أو إنس، أو ملائكة أو صنم أو شجر أو غير ذلك، كله كفر بالله، كله شرك بالله عز وجل، ولهذا يقول سبحانه: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} (1) {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (2) . قال سبحانه: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (3) . نسأل الله العافية، فالخلاصة أنه لا يجوز دعاء غير الله، ولا النذر لغير الله، ولا الاستغاثة بغير الله، ولا سؤالهم شفاءهم المرضى، ولا رد الغياب ولا الرزق ولا غير هذا، مما يحتاجه الناس سوءا كانوا أنبياء أو ملائكة، أو شجرا أو صنما أو جنا أو غير ذلك، يجب أن تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى، أما كونه يدعو للميت، ويستغفر له فلا بأس، إذا كان الميت مسلما قال: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر للحسين، اللهم ارض عن الحسين، اللهم اغفر لأبي بكر، اللهم ارض عن أبي بكر أو دعا لغيرهم، من الصالحين من المسلمين هذا مأجور عليه، دعاء المسلم لأخيه فيه أجر عظيم، وخير كثير قال الله تعالى عن الصالحين إنهم قالوا: {اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (4) ؛ فالدعاء للميت المسلم والاستغفار له، هذا طيب لكن المنكر أن يدعوه من دون الله، أن يستغيث به أن ينذر له أن
__________
(1) سورة سبأ الآية 40
(2) سورة سبأ الآية 41
(3) سورة الأحقاف الآية 6
(4) سورة الحشر الآية 10(2/66)
يسأله الشفاعة ويسأله شفاء المريض، هذا هو المنكر هذا هو الشرك، أما إذا دعا له قال: اللهم اغفر له، الله ارحمه، اللهم ارفع درجته في الجنة، اللهم اغفر سيئاته، هذا لا بأس به وهذا طيب مأمور به.(2/67)
23 - حكم النذر بالذبح عند القبر
س: يقول هذا السائل: مرضت وأنا صغير، فنذرت أمي إن شفيت وكبرت أن تذبح ماعزا عند قبر الولي، ويجتمع عليها الناس، وعندما كبرت أحضرت ماعزا لتفي بنذرها، فأخذت الماعز وبعتها في السوق، وقلت لها إن هذا شرك بالله، هل ما قمت به صحيح أم لا؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد أحسنت، هذا هو الصواب، ليس لها أن تذبح عند قبر الولي لا عن نذر ولا عن غير نذر، إذا كان الذبح للولي كان شركا أكبر، إذا كان القصد التقرب للولي، لفلان أو فلان، عند قبر البدوي، أو فلان أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو ابن عربي، أو فلان أو فلان، كل هؤلاء لا يجوز التقرب إليهم بالذبائح، ولا يدعى أحد من دون الله ولا يستغاث به، ولا ينذر له، كل ذلك من الشرك الأكبر،
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط، رقم 208.(2/67)
وهكذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لا يجوز للمسلم أن يذبح للنبي، يتقرب إليه، أو يسأله أن يغيثه أو ينصره، أو يشفي مريضه، لا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، هذا حق الله سبحانه وتعالى، والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1) ، ويقول عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3) ، ويقول عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4) والنبي عليه السلام يقول: «الدعاء هو العبادة (5) » فلا يدعى أحد مع الله، لا نبي ولا ملك ولا جن ولا إنس ولا ولي ولا غير ذلك. وهكذا الذبح، لا يذبح للأنبياء ولا للملائكة ولا للأولياء، ولا يتقرب إليهم بالنذور، ولا غير هذا من العبادات. يقول الله سبحانه: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6) ، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8) ، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله (9) » ، فالتقرب للأولياء بالذبيحة من الشرك الأكبر، كونه يذبح عند قبره أو في غير قبره، حتى ولو في مكان بعيد، ولو ببيت الإنسان، كونه يذبح ينوي الولي، فلانا أو فلانا، هذا شرك أكبر، مثل لو صلى له وسجد له فهو شرك، فهكذا إذا ذبح له، أو دعاه أو استغاث به أو نذر له، أو قال: يا سيدي اشف مريضي، أو
__________
(1) سورة البقرة الآية 21
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الجن الآية 18
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/68)
انصرني أو دلني على كذا، أو ما أشبه ذلك، سواء عند قبره أو بعيدا عن قبره، هذا كله لا يجوز، هذا حق الله، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى، هو الذي يسأل؛ أما الحي الحاضر كونه يذبح له ذبيحة، كرامة له لأنه ضيف، جاء من سفر، أو لأنه قريب له زاره وذبح له، من أجل الكرامة، ضيف، هذا لا بأس به، وهكذا لو قال لأخيه الذي عنده: ساعدني على كذا، الحي الحاضر، ساعدني على إصلاح سيارتي، على إصلاح مزرعتي، يتعاون هو وإياه في المزرعة، لا بأس؛ أما الأموات أو الغائبون أو الملائكة، أو الأنبياء، أو الجن يدعوهم مع الله، أو يستغيث بهم أو ينذر لهم هذا لا يجوز، هذا من الشرك الأكبر، لا يدعى الغياب ولا الموتى ولا الجمادات، كالأشجار والأحجار والأصنام ولا الملائكة كلهم ما يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، بل هذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك. أما إذا كان بالطرق الحسية مع الأحياء، مثل أن يكتب برقية، يقول: أقرضني كذا أو يكلمه بالهاتف، أقرضني كذا أو ساعدني على كذا، مع إنسان حي يكلمه، أو يكتب له رسالة، هذا مثل الحي الحاضر، مثل المشاهد، لا حرج في ذلك كما قال الله عز وجل في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) فالناس يتعاونون، الأحياء يتعاونون، لا حرج في ذلك، لكن دعاء الميت أو الغائب لأنه يعتقد فيه
__________
(1) سورة القصص الآية 15(2/69)
السر، أنه يسمع ولو بعد، أو دعاء الجمادات كالأصنام والكواكب هذا كله شرك أكبر، أو دعاء الملائكة والجن، هذا شرك أكبر؛ لأنهم غائبون عنك، مشغولون بشؤونهم، ليس من جنس الحاضر بين يديك، الذي تخاطبه، وتسأله أن يعينك على كذا، أو كذا. وبهذا ينبغي للمؤمن أن يحتاط ويبتعد عن أسباب الشرك، وعن ذرائعه وعن أعماله. وقد أحسنت أيها السائل في إخبار أمك، وإيضاح الحق لها، فقد أحسنت في ذلك، بارك الله فيك.(2/70)
24 - حكم أكل الذبيحة التي تذبح لغير الله
س: يسأل السائل ويقول: عندنا في القرية إذا حصل للإنسان مكروه يقول: إذا أزال الله عني هذا المكروه سوف أذبح ذبيحة على قبر الشيخ فلان، هل يصح الأكل من هذه الذبيحة؟ وهل يصح الوفاء بهذا النذر إذا زال المكروه؟ (1)
ج: النذر فيه تفصيل، فإذا كان النذر طاعة لله، كأن يقول: لله علي إن شفى الله مريضي فلانا أن أصلي كذا وكذا، أو أصوم أيام كذا وكذا، أو شهرا، أو ما أشبه ذلك، أو أتصدق بكذا، هذا نذر طاعة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه (2) » ، فإذا قال: إن شفى
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 252.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.(2/70)
الله مريضي، أو رد غائبي، أو شفيت من كذا، صمت لله خمسة أيام أو عشرة أيام، تصدقت بألف درهم، صليت كذا وكذا، كل هذا نذر طاعة متى حصل المطلوب وجب عليه الوفاء. أما إذا كان النذر معصية لله فالنذر لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يعصي الله فلا يعصه (1) » ، فلو قال: لله علي إن شفى الله مريضي أن أذبح للشيخ فلان ذبيحة للبدوي، أو للحسين، أو الشيخ عبد القادر، أو لغيرهم، هذا شرك أكبر، هذا لا يجوز، هذا لا يحل الوفاء به، وعليه التوبة إلى الله من ذلك، لأن هذا هو الشرك الأكبر، الذبح للأموات والتقرب إليهم بالذبائح، أو النذور، هذا الشرك الأكبر. العبادة حق الله وحده؛ يقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) . ويقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (3) يعني قل يا محمد للناس: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (4) يعني ذبحي، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6) ، ويقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (9) » فلا يجوز الذبح للجن ولا للمشايخ أصحاب القبور، ولا لغيرهم من أصنام أو أشجار أو أحجار أو ملائكة أو أنبياء، لا. الذبح يكون لله وحده، التقرب لله بالذبح، الضحايا والهدايا لله وحده سبحانه وتعالى. فيقول: لله علي إن شفى الله مريضي أن أذبح كذا وكذا، لله وحده ناقة أو بقرة أو ذبيحة
__________
(1) البخاري الأيمان والنذور (6318) ، الترمذي النذور والأيمان (1526) ، النسائي الأيمان والنذور (3807) ، أبو داود الأيمان والنذور (3289) ، ابن ماجه الكفارات (2126) ، أحمد (6/36) ، مالك النذور والأيمان (1031) ، الدارمي النذور والأيمان (2338) .
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/71)
من الغنم، لله وحده، هذا قربة وطاعة. عليه أن يوفي بذلك. أما أن يذبح للشيخ الفلاني يتقرب إليه، حتى يشفع له، أو يشفي مريضه، فهذا الشرك الأكبر وهكذا إذا قال: يا شيخ فلان اشف مريضي، أو انصرني، أو يا رسول الله اشفني، أو انصرني، أو يا شيخ عبد القادر انصرني، أو اشف مريضي، أو رد غائبي كل هذا من الشرك الأكبر، لا يجوز دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ولا النذر لهم، ولا سؤال الجن، ولا النذر لهم، ولا التقرب إلى الأصنام من الحجارة أو غيرها، كل هذا منكر عظيم، وشرك أكبر. الله يقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) يعني المشركين. قال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (3) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (4) ، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5) الواجب إخلاص العبادة لله وحده. ومن ذلك الدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر، كله عبادة، يجب أن تكون لله وحده، ولا يصرف منها شيء، لا للأصنام ولا للشيوخ ولا للأنبياء ولا للجن ولا للأشجار ولا للملائكة ولا لغيرهم العبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى. وهكذا لو قال: لله علي إن شفى الله مريضي أو رد غائبي أن أشرب الخمر، أو أزني هذه معصية لله لا يوفي
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة البينة الآية 5(2/72)
بها، هذا منكر عظيم. يتقرب لله بالمعاصي، هذا منكر عظيم، لا يجوز له الوفاء بذلك، وعليه كفارة يمين عن هذا النذر الباطل عن هذا النذر المعصية. والخلاصة أن النذر أقسام، فما كان لله وحده، إذا كان طاعة لله وجب الوفاء به، وما كان معصية أو شركا لا يوفى به. المعصية يجب التوبة منها والشرك يجب التوبة منه. أما إذا كان ليس شركا، ولا معصية، ولا طاعة مثل لله علي أن أزور فلانا، أو آكل طعام فلان، هذا مخير إن شاء زار فلانا وإن شاء كفر عن نذره ولم يزره ولم يأكل طعامه، مخير؛ لأن هذا مباح أو لله علي أن أعزم فلانا، أو أصنع له طعاما، هو مخير، إن شاء عزمه ودعاه وإن شاء ترك. لكن إذا لم يعزمه ولم يوف بنذره عليه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذا كفارة اليمين، كما نص على ذلك ربنا عز وجل في سورة المائدة.(2/73)
25 - حكم النذر بذبح الدجاج بناء على نصائح المشعوذين
س: بعض الناس إذا مرض نذر أن يذبح بعض الدجاج بناء على نصائح بعض المشعوذين الذين يحددون لهم ألوانه، هل هذا جائز أم لا؟ (1)
ج: إذا كان على طريقة المخرفين والدجالين والكهنة ونحو هذا
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط، رقم 208.(2/73)
فلا يجوز، أما إذا أراد التقرب إلى الله إن الله شفاه أن يذبح دجاجا أو ناقة، أو شاة للفقراء والمحاويج هذا قربة إلى الله، ولكن النذر مكروه، ما ينبغي النذر، لكن لو نذر عليه أن يوفي بنذره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه (1) » ، ولقول الله سبحانه: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (2) ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، قال: إنه لا يأتي بالخير، فينبغي له ألا ينذر، لكن إذا نذر طاعة لله كصلاة وصوم وصدقة يوفي بنذره إذا حصل الخير، أما أن ينذر دجاجا على رأي المخرفين الذين قد يجرونه إلى الشرك، ويقول له: إذا نذرت دجاجة صفتها كذا، أو دجاجة صفتها كذا أو كذا يشفى مرضك، هذا كله باطل لا أصل له، هذا منكر فلا يطيعهم في ذلك، وإنما الذبح صدقة، وإذا نذر على أنه صدقة لله، لعل الله ينفعه بهذه الصدقة لا بأس، أما على اعتقاد أن هذا الشيء يحصل به الشفاء بأسباب قول المخرفين هذا لا يجوز.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2) سورة الإنسان الآية 7(2/74)
باب ما جاء في دعاء غير الله تعالى(2/75)
باب ما جاء في دعاء غير الله تعالى
26 - حكم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره
س: نسمع الكثير من بعض الحجاج وغيرهم، إذا دخلوا المسجد النبوي، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: يا رسول الله أتيتك من بلاد كذا وكذا، فاشف مريضي واقض حاجتي، وارزقني كذا وكذا إلى آخره فما هو توجيه سماحتكم لهؤلاء؟ (1)
ج: الزيارة للمسجد النبوي سنة، وقربة وطاعة ويشد لها الرحال، لقول صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (2) » . فهذه الثلاثة المساجد أفضل مساجد الدنيا ولهذا شرع الله شد الرحال لها، للعبادة في المسجد
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 90.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب حج النساء، برقم 1864، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم 1397.(2/77)
الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، والقراءة والاعتكاف، والمسجد النبوي للصلاة فيه والقراءة والذكر، والاعتكاف والتعلم والتعليم كما في المسجد الحرام، لكن يختص المسجد الحرام بالطواف، لأن الله شرع الطواف فيه، ويقصد بأداء الحج والعمرة، أما المسجد النبوي فيقصد للعبادة، لا يقصد من أجل القبر بل من أجل المسجد من أجل الصلاة فيه، والقراءة فيه، والذكر والاعتكاف ونحو ذلك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا، خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام، أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة (1) » ؛ هذا فضل عظيم، والسنة للزائر إذا زار المسجد أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه يقف على قبره وقبر صاحبيه، ويسلم على الجميع عليه الصلاة والسلام، فيقف على القبر الشريف ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء، وأحسنه وإن اكتفى بالسلام فقط وانصرف فلا بأس ثم يأخذ عن يمينه قليلا، فيسلم على الصديق، فيقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرا، ورضي الله عنك، فلقد نصحت وأديت الأمانة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المدنيين، حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، برقم 15685.(2/78)
ونحو ذلك، وهكذا ينحرف قليلا عن يمينه أيضا، ويسلم على عمر الفاروق - رضي الله عنه - كما سلم على الصديق، ويدعو لهم رضي الله عن الجميع، هذا السنة. أما أن ينادوا من قريب، أو من بعيد يقول: يا رسول الله أغثني أو اشف مريضي، أو جئت من بلاد بعيدة لتشفيني أو لتعطيني كذا وكذا، هذا هو الشرك الأكبر، هذا لا يجوز لا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مع غيره، ولا مع الصديق ولا مع عمر ولا مع أي أحد من الناس، لأن العبادة حق الله وحده، والدعاء هو العبادة فلا يجوز صرفه لغير الله، كائنا من كان.
والأموات لا يسألون ولا يدعون ولا يستغاث بهم، سواء كانوا من الأنبياء أو من غير الأنبياء، فالواجب إخلاص العبادة لله وحده كما قال الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) . فقوله سبحانه أحدا نكرة في سياق النهي، تعم الأنبياء وتعم الصالحين، وتعم الأصنام والأشجار والملائكة وغير ذلك، فلا يدعو مع الله أحدا، يعني كائنا من كان. وهكذا قوله سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4) يعني: المشركين، وكل ما سوى الله لا ينفع ولا يضر، الله سبحانه هو النافع الضار، وهو الذي يجعل المنفعة فيمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء،
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة يونس الآية 106(2/79)
ويجعل العزة فيمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء، وهو سبحانه النافع الضار، المعطي المانع القوي العزيز جل وعلا، فهو الذي يسأل ويطلب، سبحانه وتعالى، فإذا جئت للرسول - صلى الله عليه وسلم - للسلام عليه، أو إلى أي مقبرة للسلام على القبور والدعاء لهم، فاحذر أن تدعوهم مع الله لا تقول يا سيدي فلان اشف مريضي، أو اقض حاجتي، أو أنا في حسبك أو أنا في جوارك، أو قد جئت قاصدا لك لتغفر لي، أو لترحمني أو لتشفي مريضي، أو لتسهل كربتي، لا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مع غيره، هذا حق الله سبحانه وتعالى، ولكن تسلم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبيه، وتترضى عنهما، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتشهد له أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، هذا حق. أما الزيادة على هذا الوضع: بأن تقول يا رسول الله اشفع لي في كذا أو انصرني، أو اشف مريضي أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك، أو أنا مظلوم، فانصرني، أو أمتك قد أصابها ما أصابها فانصرها، أو اشفها مما أصابها، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز. هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولكن هذا يطلب من الله، تطلب في صلاتك في المسجد النبوي وغيره، أو في بيتك تقول: يا رب انصرني، يا رب أصلح أمة محمد، يا رب وفقهم يا رب اجمع كلمتهم على الحق، يا رب احمهم من شر أعدائهم، يا رب اغفر لي، يا رب اشف مريضي، هذا بينك وبين الله سبحانه وتعالى في المساجد في الصلاة في غير ذلك، أما المخلوق وإن كان نبيا لا يملك هذا، كله بيد الله عز وجل، يقول الله سبحانه(2/80)
لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لما قنت مدة من الزمن يدعو على أحياء من العرب، أنزل الله في حقه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (1) .
فالأمر لله سبحانه وتعالى، هو الذي بيده الهداية والإضلال، والضر والنفع والعطاء والمنع، وغير ذلك، كله بيده، سبحانه وتعالى، وهو المالك لكل شيء والشفاعة حق الله سبحانه وتعالى، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (2) هي ملك له سبحانه وتعالى، يعطيه من يشاء وقد أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أن الله يشفعه يوم القيامة، ليس هناك حاجة أن تسأله أنت، وهو في قبره، إذا كان يوم القيامة، إن كنت من أهل الجنة، دخلت بشفاعته، وكذلك يشفع لأهل الموقف ليقضى بينهم، وأنت منهم، فلا حاجة إلى أن تسأله إياها، تسأل الله وتقول: اللهم شفع في نبيك، اللهم اجعلني من أهل شفاعته، اللهم اجزه عنا خيرا، وما أشبه ذلك، أما أن تطلبها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا. أما في حياته فلا بأس، إن كان حيا بين الناس عليه الصلاة والسلام، تقول: يا رسول الله اشفع لي أن الله يهديني، أن الله يرزقني. كان يشفع لأصحابه، ولما أصابهم الجدب (القحط) في بعض السنوات، أتى بعضهم إليه وهو يخطب يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع يديه عليه الصلاة والسلام، وقال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا (3) » ؛ فأنشأ الله السحاب ثم أمطر فخرج الناس في مطر كل قد
__________
(1) سورة آل عمران الآية 128
(2) سورة الزمر الآية 44
(3) البخاري الجمعة (968) ، مسلم صلاة الاستسقاء (897) ، النسائي الاستسقاء (1518) .(2/81)
ابتل قبل أن يصل البيت، ولم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم جاء ذلك الرجل أو غيره في الجمعة الأخرى، وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا فرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر (1) » فانقشع السحاب ووقف المطر عن المدينة، وأجاب الله دعوته في الحال في الأولى والأخرى عليه الصلاة والسلام، وذلك من علامات نبوته، وأنه رسول الله حقا، عليه الصلاة والسلام، ففي حياته لا مانع أن يطلب منه أن يستغيث للمسلمين، فيشفع لهم وهكذا يوم القيامة، وهو بين أظهرهم يوم القيامة، يتوجه إليه المؤمنون ويسألون: أن يشفع حتى يريح الله الناس من هول الموقف، وحتى يقضي بينهم، ثم يطلب من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا الجنة، يشفع إلى الله بدخول أهل الجنة الجنة، هذا حق جاءت به النصوص، فإنه لا يطلب منه شيء، بل يصلى عليه، عليه الصلاة والسلام، وتتبع سنته ويعظم أمره ونهيه، أما أن يسأل شفاء المرضى، أو قضاء الحاجات عند قبره، أو في أي بلد، هذا الذي لا يجوز، هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله على عباده، بقوله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (2) ، وفي قوله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (3) ، وفي قوله
__________
(1) البخاري الجمعة (968) ، مسلم صلاة الاستسقاء (897) ، النسائي الاستسقاء (1518) ، أبو داود الصلاة (1174) ، أحمد (3/194) .
(2) سورة لقمان الآية 13
(3) سورة المائدة الآية 72(2/82)
سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وفي قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) ، فالواجب على كل مكلف، وكل إنسان أن ينتبه لهذا الأمر، سواء كان حاجا أو غير حاج، فليحذر الاستغاثة بالأنبياء أو بالصالحين، أو بالملائكة أو بالجن في أي مكان، بل يجعل دعاءه لله وحده، ويخص ربه بالدعاء والاستغاثة، ويلجأ إليه سبحانه ويسأله قضاء حاجاته، وتفريج كروبه، فهو سبحانه القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، أما الأنبياء والملائكة والجن وسائر الخلق، فليس في أيديهم شيء، الملك لله وحده سبحانه وتعالى، هو المالك لكل شيء جل وعلا: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) فاتق الله يا عبد الله، واحذر ما حرم الله عليك، وانصح من معك وبين لهم ما شرع الله لهم في الحج وفي غيره، وحذرهم مما حرم الله عليهم، وهكذا النساء يعلمن ويوجهن إلى ما يرضي الله، ويقرب إليه ويبين لهن أيضا ما شرع الله لهن في الحج حتى يكون الجميع على بصيرة في حجهم، وفي زيارتهم للمسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) سورة النساء الآية 48
(3) سورة المائدة الآية 120(2/83)
27 - حكم دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغاثة به
س: لي جدة تدعو الله وتدعو معه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض الأشخاص؛ وإني لأغضب لذلك بشدة، مع أن جدتي قليلة السمع، لا تسمع إلا برفع الصوت. كيف أتصرف معها لو تكرمتم؟ (1)
ج: عليك أن تعلمها ولو برفع الصوت، لأنها لا تسمع، هذا الرفع لا يضر؛ لأنك إنما رفعت لتسمعها، لا لإهانتها ولا لإدخال السوء عليها. والنهي الذي جاء في القرآن: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} (2) هذا إذا كان على سبيل الإيذاء والإهانة. أما إذا كان على سبيل التفهيم لأنها ضعيفة السمع، فلا حرج في ذلك. المقصود أنك تفهمها وتعلمها، أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاستغاثة بالنبي شرك أكبر، وأنه لا يجوز لها أن تستغيث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أن تدعوه مع الله، ولا تقول المدد المدد، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو عافني يا رسول الله، أو رد علي كذا وكذا. هذا من خصائص الله، لا يجوز طلبه من الموتى لا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من غيره. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى عليه ويدعى له، أما أنه يطلب منه شفاء المرضى، أو يطلب منه النصر على الأعداء، أو ما أشبه ذلك، هذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 193.
(2) سورة الإسراء الآية 23(2/84)
شرك أكبر. لا يجوز معه، ولا مع غيره من الناس. وهكذا طلب المدد، أو شفاء المرض، أو الرزق، أو طول الأجل، أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يطلب إلا من الله سبحانه، لا يطلب من غيره، لا من الأنبياء ولا من غيرهم.(2/85)
28 - بيان أن قبر الخضر عليه السلام لا يعرف مكانه
س: يوجد عندنا مقام ويدعي الناس أنه موجود فيه قبر الخضر عليه السلام فيأتون إلى هذا المقام ويأخذون معهم الشموع والحلوى، وعندما يدخلون فيه يضيئون الشموع، ويبدءون بالدعاء والنذر عند هذا القبر، فهل هذا بدعة؟ (1)
ج: الخضر مات من دهر طويل، والصواب أنه مات قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو رجل صالح، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه نبي، وهو الأرجح لظاهر القرآن الكريم، ولكن لا يعرف قبره، الذي يقال عندكم إنه قبر كذب لا صحة له ولو عرف ما جاز أن يغلا فيه ولا ينذر له، ولا يدعى من دون الله، ولا يتبرك به، ولا يبنى عليه، بل هذا منكر عظيم، بل النذر للخضر أو دعاؤه من دون الله من الشرك الأكبر، كدعاء الأنبياء والصالحين، والاستغاثة بهم، كله شرك أكبر،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 274.(2/85)
الله يقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فلا يجوز للرجل ولا للمرأة دعاء الخضر ولا الاستغاثة به، ولا النذر له ولا الطواف بما يدعى أنه قبر له، كل هذا لا يجوز بل من الشرك الأكبر، الدعاء والنذر له والاستغاثة به من الشرك الأكبر، والطواف بالقبر الذي يدعى أنه قبر الخضر أو غيره، الطواف بالقبور طلبا للثواب من أهلها أو الفائدة من أهلها شرك أكبر؛ فالواجب على جميع من يأتي هذا القبر أن يترك ذلك وأن يحذره، والواجب على الدولة إن كانت مسلمة أن تهدم هذا وتزيله؛ لأنه كذب لا صحة له.
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة المؤمنون الآية 117(2/86)
29 - حكم دعاء غير الله تعالى
س: إذا كان المسلم قد وقع في محنة أو ضيق، فدعا الله عز وجل ومن ثم دعا أحد الصالحين، مثال الشيخ عبد القادر الجيلاني، قدس الله سره أو غير ذلك من الصالحين، فهل هذا جائز أم لا، فقد دار جدال بيننا حول هذا الموضوع، وذكر أحد الإخوة بأنه سمع بأذنه، بأن إحدى الإذاعات ذكرت بأن المؤمن إذا وقع في ضيق يجب عليه أن يقول: يا عبد القادر ثلاث مرات، ويقول: يا ساكن بغداد يا راعي الحمراء، وحينئذ يفرج كربه في هذه الحالة، أو يدعو أحد الرجال الصالحين دون ذكر الله، أفيدونا أفادكم الله وشكر الله لكم؟ (1)
ج: الواجب على المسلم إذا وقع في ضيق وحاجة، أن يضرع إلى الله سبحانه، ويتوجه إليه جل وعلا، ويسأله حاجته وكشف كربته، كما قال الله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (2) ، فهو سبحانه يجيب المضطر، والقائل عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (3) ، وهو القائل سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (4)
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 123.
(2) سورة النمل الآية 62
(3) سورة البقرة الآية 186
(4) سورة غافر الآية 60(2/87)
فالواجب على المؤمن في هذه الحال إذا اضطر: أن يضرع إلى الله، وأن يفزع إليه سبحانه وتعالى، وأن يسأله تفريج كربته، وتيسير أمره، أما الفزع إلى عبد القادر أو إلى غيره من الناس، فهذا هو الشرك الأكبر، هذا شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك، فلا يجوز أن يفزع الإنسان إلى عبد القادر، أو إلى السيد البدوي أو إلى الحسين أو إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو إلى غيره من الناس، بل يجب الفزع إلى الله وحده، وهو القائل سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) وهو القائل عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) فهو جل وعلا الذي يجيب المضطر، ويكشف السوء ويجود على عباده سبحانه وتعالى، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بما يفعله بعض الناس، من الفزع إلى الشيخ عبد القادر، أو إلى غيره، أو أنها تقضى حاجته في بعض الأحيان، هذا من باب الاستدراج، وقد يقضيها له بعض الجن، يستدرجه بذلك حتى يوقعه في الشرك الأكبر دائما، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر، فكون حاجته قضيت لما دعا الشيخ عبد القادر أو غيره قد تقضى الحاجة بأسباب قدرها الله سبحانه وتعالى صادفت وقت دعائه لعبد القادر، وقد تكون حاجة يستطيعها بعض شياطين الجن، فيقضيها لك لأجل يستدرجك في الشرك، ويوقعك في الشرك مرة أخرى،
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106(2/88)
والمقصود أن الواجب على المكلف أن يخلص لله عبادته، وأن لا يدعو معه أحدا سبحانه وتعالى، لا نبيا ولا غيره وهو يقول جل وعلا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ، ويقول عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (3) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (4) .
وبهذا تعلم أيها السائل أن هذا الذي قيل لك، قول باطل ومنكر ومن الشرك الأكبر، وأن الواجب على جميع المسلمين، وعلى جميع المكلفين الإخلاص لله في العبادة، وألا يدعى أحد معه جل وعلا، لا ملك ولا نبي ولا صالح ولا غيرهم، ولا يدعى إلا الله وحده سبحانه وتعالى، لكن الأحياء لا بأس أن تدعو الحي القادر، يساعدك في شيء من الزكاة أو غيره لا بأس تقول لأخيك الحاضر: يا أخي ساعدني على إصلاح سيارتي، أو على عمارة بيتي، أو على قضاء الحاجة الفلانية، وهو حي حاضر يسمع كلامك، هذا لا بأس به كما قال الله عز وجل في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (5) ، وكما هو معلوم بين المسلمين أنهم يتساعدون في أمور دنياهم، وفي أمور دينهم والله يقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (6) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «والله في عون
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة القصص الآية 15
(6) سورة المائدة الآية 2(2/89)
العبد ما كان العبد في عون أخيه (1) » فالتعاون بين المسلمين فيما يقدرون عليه مشافهة، أو من طريق الكتابة أو من طريق الهاتف: (التلفون) ، أو من غيره من الطرق الحسية المعروفة لا بأس بهذا، هذا شيء معروف جائز، لأنه طلب من مخلوق ما يقدر عليه، وهو حي حاضر يسمع كلامه، أو تكاتبه بذلك مكاتبة أو من طريق الهاتف، ونحو ذلك أما دعاء الأموات أو دعاء الغائبين من الملائكة والجن، أو دعاء الأحجار والأصنام والأشجار، هذا شرك أكبر. نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا دين المشركين الأولين، دين أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبي لهب ونحوهم، هذا دينهم، يعبدون الأنبياء والأولياء ويستغيثون بهم، وينذرون لهم ويذبحون لهم، فكفرهم الله بهذا وقاتلهم نبيه محمد عليه السلام حتى أسلم من أسلم منهم، حتى ظهر دين الله عز وجل، فالواجب على كل مكلف أن يخص ربه بالعبادة، أينما كان يفزع إليه في جميع الشؤون، وجميع الحاجات وجميع الكربات، دون كل ما سواه سبحانه وتعالى، ولكن مثل ما تقدم لا بأس أن تستعين بأخيك الحاضر الحي، تستعين به في مزرعتك تحط عمالا في مزرعتك تستعين بهم في شؤونك، تستعين بإخوانك وهم أحياء يسمعون كلامك، أو بالكتابة أو بالبرقية أو بالهاتف أو بالتلكس، هذه أمور عادية غير داخلة في الشرك، إذا صارت في أمور يقدر عليها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، برقم 2699.(2/90)
المستعان به. أما دعاء الأموات كالشيخ عبد القادر، والشيخ البدوي أو الحسين أو علي رضي الله عنه أو الأنبياء أو غيرهم من الصالحين. فهذا لا يجوز هذا من الشرك الأكبر، وهكذا دعاء الجن أو دعاء الملائكة، أو دعاء الأصنام والأشجار والأحجار، هذا هو الشرك الأكبر، هذا دين أهل الشرك، هذا الدين الذي بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بإنكاره، والتحذير منه.(2/91)
30 - حكم دعاء الأولياء
س: قال شيخ لمريده، الذي يريد أن يدرس في أوربا، قال له وهو يودعه: يا بني إذا سولت لك نفسك بالمعصية، هناك فتذكر شيخك؛ يصرف الله عنك هذا السوء وهذه الفاحشة، فهل هذا شرك بالله؟ (1)
ج: هذا منكر عظيم وشرك بالله جل وعلا، لأنه فزع إلى الشيخ لينقذه من هذا الشيء، والواجب أن يقول: فاذكر الله واسأل ربك العون والتوفيق، واعتصم بالله ونحو ذلك، فأما أن يوصيه بأن يذكر شيخه، هذا من شأن الصوفية، يوجهون مريديهم وتلاميذهم على أن يعبدوهم من دون الله، ويلجأوا إليهم ويتوكلوا عليهم، ويسألوهم قضاء
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 98.(2/91)
الحاجات، وتفريج الكروب وتعليمهم الشرك، نعوذ بالله من ذلك، فالواجب على هذا الشخص أن يتقي الله، وأن يفزع إلى الله فيما يهمه، ويسأله العون والتوفيق، لا إلى شيخه الذي علمه أن يفزع إليه، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.(2/92)
31 - حكم من يدعو أصحاب القبور
س: ما حكم أولئك الذين يدعون أصحاب القبور؟ (1)
ج: حكمهم أنهم مشركون، إذا دعوا أصحاب القبور، أو دعوا الأصنام أو الأشجار، أو الأحجار أو الملائكة أو الجن، كلها طريقها واحد، كله كفر بالله عز وجل، يستثنى من هذا شيء واحد، وهو أنه لا بأس أن يستعين المؤمن بأخيه الحاضر، أو بغير المؤمن كما لو اشترى سلعة من كافر، أو قال له يبني له المحل، أو يصلح السيارة وهو يسمع كلامه، ويقدر هذا أمر مستثنى ليس من الشرك، مثل ما قال الله سبحانه في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) ، فإذا قال الإنسان لأخيه الحاضر، أو لغير أخيه من كافر، قال له: اصنع لي كذا أو اعمل لي كذا، أو اعمر لي هذا البيت، أو أصلح لي هذه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 97.
(2) سورة القصص الآية 15(2/92)
السيارة، أو احرث لي هذه الأرض بكذا وكذا، اتفق معه على شيء لا بأس، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق الحي الحاضر، المنكر هو أن يدعو غائبا أو ميتا، أو إنسانا حيا لكن يعتقد فيه السر، أمورا ما يقدر عليها بطبيعته يعتقد أنه سر، وأنه إذا دعي مع الله، إذا سئل أن يغفر الذنوب، أو سئل أن يدخل الجنة، أنه يستطيع هذه الأمور لسر فيه، هذا هو المنكر ولو كان حيا، فكمن يعبد من بعض الصوفية شيوخهم، وكبارهم الموتى ويستغيثون بهم، ويطلبونهم شفاء المرضى، هذا من الشرك الأكبر ولو كان حيا، لأنه سأله شيئا ليس من طاقته، وليس من قدرته، بخلاف إذا قال: سلفني كذا أقرضني كذا، اعمر لي هذه الدار بكذا أصلح هذه الأرض، أصلح هذه السيارة، ناولني هذا المتاع الذي في السيارة، أمور بين الناس عادية لا بأس بها.(2/93)
32 - حكم الاستعانة والاستغاثة بالأموات
س: هناك جماعة من الناس يستعينون بالأموات والمشايخ، وهناك بعض الإخوة يقولون لهم: إنكم مشركون بهذا العمل، ويقاطعونهم بالرد، فما هو توجيهكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم الاستعانة بالأموات والاستغاثة بالأموات أو بالأشجار
__________
(1) السؤال السادس من الشريط، رقم 270.(2/93)
والأحجار أو بالأصنام أو بالجن أو بالملائكة، كله شرك أكبر، أو بالرسل كله شرك أكبر، كله من الشرك بالله عز وجل، وهكذا بالمشايخ إذا كانوا أمواتا أو غائبين، يعتقد فيهم أنهم ينفعونه أو يشفعون له، يدعونهم من دون الله، يستغيث الإنسان بهم، كل هذا من الشرك الأكبر، وقد أنزل الله في ذلك كتابه العظيم، وبعث به رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، قال عز وجل في كتابه العظيم: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، وقال جل وعلا: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) يسمي دعاءهم شركا، فلا يجوز للمسلم أن يدعو الأموات أو يستغيث بهم أو ينذر لهم أو يذبح لأئمتهم، يتقرب إليهم بالذبائح أو يستغيث بهم عند الشدائد، كل هذا من الشرك الأكبر، وهذا عمل كفار قريش وغيرهم، هذا عمل الكفار عند قبور الأموات، وعند أصنامهم وأشجارهم التي يعبدونها من دون الله، والقريب والغائب مثل الميت، الغائب عنك مثل الميت، يدعو غائبا يعتقد أنه يسمع دعاءه في السر، يدعوه مثلا في مصر أو في مكة، أو في أي مكان يدعوه من بعيد، هذا من دعاء الميت وهو شرك أكبر،
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14(2/94)
أما الحاضر الذي يسمع كلامك تقول له عبد الله أعني على كذا، أقرضني كذا، ساعدني على إصلاح السيارة، أعني على رفع الحجر، ارفع هذا الباب علي، ارفع هذه الخشبة لا بأس حاضرا يسمع كلامه، ويقدر على أن يعينك لا بأس بهذا، كما قال الله في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ؛ لأن موسى يسمع الكلام ويستطيع فلا بأس، وهكذا خوفكم من العدو تغلق الباب، أو تخرج من بلد إلى بلد، تخاف من العدو لا بأس كما قال الله جل وعلا في قصة موسى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (2) خرج من مصر خائفا من شيعة آل فرعون، لما قتل قتيلا، الشيء الذي يفعله الإنسان مع الحاضر، أو مع الجماعة الحاضرين أو خوفا من العدو الحاضر، يبتعد عنه لئلا يعاقبه، ويهرب إلى جهة بعيدة حتى يكون أسلم له، كل هذا لا بأس به، هذه أمور عادية وأمور متعلقة بالأسباب، حسية معروفة لا حرج فيها، أما دعاء الأموات والغائبين عنك، والأصنام والأشجار والأحجار هذا هو الشرك الأكبر، هذا عمل المشركين الأولين، من عباد اللات والعزى ومناة، ومن عمل قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم من الكفرة، هذه أعمالهم، فالواجب على العاقل أن يميز بين الأمرين، وأن يكون على بصيرة، فإذا قلت لأخيك يا أخي ناولني هذه السجادة، أو ناولني هذا الإناء، أو أقرضني كذا، حاضرا يسمع كلامك لا بأس بإجماع المسلمين، لا حرج
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة القصص الآية 21(2/95)
في ذلك، أو في البناء، أو في الحرب، أو الجهاد تستعين به تقول بعد السلام: تقدم إلى المحل الفلاني، أمسك المحل الفلاني، احرس المحل الفلاني، كل هذا لا بأس فيه، هذه أمور عادية مشروعة، مأمور بها ليس صاحبها عبدا لغير الله، بل أمور حسية مقدورة يتعامل بها الناس.
س: ما حكم من قال: إن من يدعون الأولياء الصالحين هم مسلمون؟ (1)
ج: حكمه أنه يبين له أن هذا كفر وضلال، إذا أصر صار كافرا مثلهم يبين له كفرهم وضلالهم، والأدلة على ذلك يقول الله جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) سماهم كفرة؛ قال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (5) سمى دعاءهم شركا يبين لهم، أن دعاءهم واستغاثتهم بالأموات، هذا شرك المشركين، هذا شرك قريش مع اللات مع غيرهم من الصالحين ومع الملائكة، نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 372.
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(4) سورة فاطر الآية 13
(5) سورة فاطر الآية 14(2/96)
33 - حكم كتابة أسماء بعض الأولياء على السيارة لقصد سلامة الرحلة
س: ما هو رأي الشرع في الذين يكتبون على جنبات عرباتهم بعض العبارات - وما أكثرهم في بلدي - مثل أن يقولوا يا الشيخ التوم ودنباقا، يا الشيخ الياقوت، يا الشيخ المكاشفي. علما بأن هؤلاء كما يقولون أولياء الله، وهم ميتون، وقبورهم عليها قباب وتزار للتبرك على حد زعمهم. وجهونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا العمل لا يجوز، بل هو منكر، بل هو شرك، لأن قصدهم التوجه إلى هؤلاء ليحفظوا سياراتهم، وليحفظوا ركابهم، ولهذا يكتبون عليها يا فلان، يا فلان، أو يا رسول الله، أو يا علي، أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز، وكله من الشرك الأكبر؛ لأنه استغاثة بغير الله، ولجوء إلى غير الله، ودعاء لغير الله، يقصدون من هذا أن يمدهم بما يسبب سلامة رحلتهم، وسيرهم في الداخل أو في الخارج، فلا يجوز مثل هذا العمل.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 197.(2/97)
34 - حكم التلفظ بكلمة (أرجو منك)
س: تقول هذه السائلة: هل كلمة أرجو أو الرجاء لغير الله جائزة، أم إن الرجاء لا يكون إلا لله عز وجل؟ (1)
ج: لا بأس أن تقول لأخيك: أرجو منك يا أخي أن تعطيني كذا، أو أرجو من والدي أن يعطيني كذا أو أرجو من والدتي أو أرجو من فلان صاحب له أن يعطيني أو أن يقرضني أو يعينني على كذا وكذا، لا بأس بهذا، لكن الشخص الذي لا يستطيع أو ليس من شأن الإنسان، لا يرجى منه، إنما هذا فيما يستطاع أرجو منه أن يقرضني كذا أرجو منه أن يعينني وهو يستطيع، أما أن تقول أرجو من الميت، فلا. هذا شرك أن رجوت أنه يعينك بكذا أو رجوت من الغائب الذي لا يسمع كلامك، ولا تخاطبه، إنما تعتقد فيه أنه يساعدك، وهو ميت؛ إذا رجوته أو خفته هذا من الشرك لا يجوز. أما إذا رجوته بمكاتبة وهو غائب، بالهاتف التليفون وهو غائب، أو خاطبته وهو حاضر، تقول: أرجو أن تقرضني كذا، أرجو أن تعينني على كذا وكذا؛ هذا لا حرج فيه، لأن دعاء الحاضر السامع فيما يقدر عليه، لا حرج فيه. كما قال الله سبحانه في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) ؛ لأن موسى قادر حاضر، فاستغاثه شخص من بني إسرائيل، على خصم له من القبط، فأغاثه موسى، فالمقصود
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 372.
(2) سورة القصص الآية 15(2/98)
أن الاستغاثة بالحي الحاضر، القادر مشافهة أو بالمكاتبة، لا حرج في ذلك إذا كان قادرا.(2/99)
35 - حكم الغلو في محبة النبي صلى الله عليه وسلم
س: هذا السائل يقول: ما معنى الغلو في حب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ (1)
ج: الغلو: الزيادة بأن تفعل شيئا ما شرعه الله، هذا هو الغلو، يقال غلا القدر إذا ارتفع الماء بسبب النار. فالغلو: معناه الزيادة في غير المشروع. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (2) » ، والله يقول سبحانه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (3) ، فالغلو الزيادة في المحبة في الأعمال التي شرعها الله، يقال لها: غلو، مثلا تقول: الله شرع لنا خمس صلوات، أنا أجعل سادسة، الضحى أوجبها على الناس، أنت مثلا سلطان أو أمير تقول: أزيد - الزيادة خير - صلاة سادسة. هذا لا يجوز، الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. (4) » هذا غلو؛ أو تقول:
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط، رقم 367.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، رقم 3238.
(3) سورة النساء الآية 171
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718.(2/99)
أنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدعوه من دون الله، أقول: يا رسول الله، اشف مريضي، انصرني، بعد موته، هذا غلو. ادع الله لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «فليدع الله (1) » أمرك أن تدعو الله، ما أمرك أن تدعوه هو، أمرك أن تدعو الله، الله سبحانه الذي يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ؛ فعليك أن تدعو الله، لا تسأل الرسول، ويقول جل وعلا: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) ، فدعاء غير الله من الأموات والأشجار والأحجار حتى النبي كفر أكبر. هذا من الغلو، ومن الغلو أن تزيد فيما شرع الله في سائر العبادات، شرع الله أن تتوسل بأسمائه وصفاته والأعمال الصالحة، تزيد أنت التوسل بجاه النبي، أو ببركة النبي، أو بحق النبي. هذا بدعة وغلو، لكن توسل بالأعمال الصالحة، حبك للنبي، نعم، اللهم إني أسألك بحبي لنبيك، بإيماني بنبيك، هذا طيب، هذه وسيلة شرعية، لكن بجاه نبيك، هذا ما له أصل، بحق نبيك، هذا ما هو بمشروع، ببركة نبيك، هذا ما هو بمشروع. المشروع أن تتوسل بمحبته، بإيمانك به، باتباعك له، بطاعتك له، هذه الوسيلة الشرعية أو بأسماء الله وصفاته، أو بالإيمان بالله ورسوله.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب التطبيق، باب كيف التشهد الأول، برقم 1163.
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة المؤمنون الآية 117(2/100)
باب ما جاء في الشفاعة(2/101)
باب ما جاء في الشفاعة
36 - بيان أنه لا يشفع أحد عند الله تعالى إلا بإذنه
س: حدثونا عن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ إني سمعت عن هذا بعض الشيء وأريد أن أستدرك كثيرا مما فاتني حول هذا الموضوع، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: النبي - صلى الله عليه وسلم - له شفاعات، منها شيء يختص به، ومنها شيء يشترك معه الناس فيه، فأما الشفاعة التي تختص به، فهي الشفاعة العظمى لأهل الموقف يشفع لهم، يسجد عند ربه ويحمده محامد عظيمة، ويأذن الله له بالشفاعة، فيشفع لأهل الموقف حتى يقضى بينهم، وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المقام المحمود، الذي ذكر الله جل وعلا في سورة بني إسرائيل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (2) وهذا المقام هو مقام الشفاعة، يحمده فيه الأولون والآخرون، عليه الصلاة والسلام، فإنه
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط، رقم 216.
(2) سورة الإسراء الآية 79(2/103)
تتوجه إليه الخلائق يوم القيامة، المؤمنون يتوجهون إليه، بعدما يتوجهون إلى آدم ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، فكلهم يعتذرون، ثم يقول لهم عيسى: اذهبوا إلى عبد قد غفر الله له من ذنبه ما تقدم وما تأخر، يعني محمدا عليه الصلاة والسلام، فيتوجهون إليه فإذا طلبوا منه، تقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه، وسجد بين يدي العرش، وحمده سبحانه بمحامد عظيمة، يفتحها الله عليه، ثم يقال له: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، واسأل تعطه، واشفع تشفع، فيشفع عند ذلك، بعد إذن الله سبحانه وتعالى، لأنه يقول جل وعلا: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (1) ، فلا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
وهناك شفاعات أخرى خاصة به، عليه الصلاة والسلام، وهي الشفاعة في أهل الجنة ليدخلوا الجنة فإنهم لا يدخلون ولا تفتح لهم إلا بشفاعته، عليه الصلاة والسلام، هذه خاصة به عليه الصلاة والسلام، وهناك شفاعة ثالثة خاصة به لأبي طالب عمه وهو أن شفع له حتى صار في ضحضاح من النار، وهو قد مات على الكفر بالله، وصار في غمرات من النار، فيشفع له - صلى الله عليه وسلم - أن يكون في ضحضاح من النار، بسبب نصره إياه، لأنه نصره وحماه لما تعدى عليه قومه، فيشفع له - صلى الله عليه وسلم - أن يكون في ضحضاح من النار، وهذه شفاعة خاصة بأبي طالب، مستثناة من قوله جل وعلا: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (2) إلا في هذه الخصلة، مع أبي طالب خاصة
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) سورة المدثر الآية 48(2/104)
وأبو طالب مخلد في النار مع الكفرة، لكنه في ضحضاح من النار، يغلي منه دماغه، نسأل الله العافية، وهو أهون أهل النار عذابا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أهون الناس عذابا يوم القيامة، من له نعلان من نار، يغلي منهما دماغه (1) » ، نسأل الله السلامة. وفي رواية: «يوضع على قدميه جمرتان من نار، يغلي منهما دماغه، ويرى أنه أشد الناس عذابا، وهو أهونهم عذابا (2) » وأبو طالب من هذا الصنف نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 3885، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابا، برقم 213.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6562، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابا، برقم 213.(2/105)
37 - حكم طلب الشفاعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره
س: كثير من الناس يقولون: الشفاعة يا محمد، هل هي شرك؛ وإن كانت شركا ماذا يقولون؟ (1)
ج: طلب الشفاعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من غيره، من الأموات لا يجوز، وهو شرك أكبر عند أهل العلم، لأنه لا يملك شيئا بعدما مات عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (2)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط، رقم 35.
(2) سورة الزمر الآية 44(2/105)
الشفاعة ملكه سبحانه وتعالى، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأموات لا يملكون التصرف بعد الموت، بشفاعة ولا بدعاء ولا بغير ذلك، الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وإنما جاء أنها تعرض عليه الصلاة، عليه الصلاة والسلام، ولذا قال: «فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (1) » ؛ «صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (2) » ، وأما حديث أنها تعرض عليه الأعمال، فإن وجد خيرا حمد الله، وإن وجد شرا استغفر لنا، فهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو صح لم يكن فيه دلالة أن نطلب منه الشفاعة، فالحاصل أن طلب الشفاعة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من غيره من الأموات أمر لا يجوز، وهو على القاعدة الشرعية، من الشرك الأكبر، لأنه طلب من الميت شيئا لا يقدر عليه، كما لو طلب منه شفاء المريض، أو النصر على الأعداء، أو غوث المكروبين، وما أشبه ذلك، فكل هذا من أنواع الشرك الأكبر، ولا فرق بين طلب هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من الشيخ عبد القادر أو فلان أو فلان أو من البدوي، أو من الحسين أو من غير ذلك، طلب هذا من الموتى أمر لا يجوز، وهو من أقسام الشرك، وإنما الميت يترحم عليه إذا كان مسلما، ويدعى له بالمغفرة والرحمة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم عليه المسلم، يصلي عليه، عليه الصلاة والسلام، ويدعو له إما أن يطلب منه المدد، أو الشفاعة أو
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم 2042.
(2) أبو داود المناسك (2042) ، أحمد (2/367) .(2/106)
النصر على الأعداء، كل هذا لا يجوز، وهذا من عمل أهل الجاهلية، ومن عمل أهل الشرك، فيجب على المسلم أن ينتبه لهذا وأن يحذر من هذا.(2/107)
باب ما جاء في التوسل(2/109)
باب ما جاء في التوسل
38 - بيان معنى التوسل والوسيلة
س: حدثونا عن التوسل والوسيلة، ووضحوا لنا الشبه والرد عليها، ولا سيما أن هناك من يستدل بمثل قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (1) ويستدلون أيضا بالتوسل بالعباس رضي الله عنه، وما الفرق بين التوسل بالأنبياء والصالحين، والتوسل بالأعمال الصالحة؟ جزاكم الله خيرا (2) .
ج: هذا السؤال سؤال مهم، وجدير بالعناية، لأنه يشتبه الموضوع فيه على كثير من الناس، فالوسيلة وسيلتان: وسيلة جائزة، بل مشروعة مأمور بها، ووسيلة ممنوعة، أما الوسيلة المشروعة، فهي التوسل إلى الله بالإيمان، والعمل الصالح، وسائر ما شرعه الله جل وعلا، وهي المراد في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (3) يعني: القربة إليه بطاعته، كالصلاة والصوم والصدقة، والحج، وإخلاص
__________
(1) سورة المائدة الآية 35
(2) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 266.
(3) سورة المائدة الآية 35(2/111)
العبادة لله ونحو ذلك، فقوله سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (1) يعني: من دون الله، من أصنام ومن أشجار، وأحجار، وأنبياء وغير ذلك، {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (2) ، يعني: أولئك المدعوون لا يملكون كشف الضر عن داعيهم من مرض أو جنون أو غير ذلك، {وَلَا تَحْوِيلًا} (3) يعني: ولا تحويلا من حال إلى حال، ومن شدة إلى سهولة، أو من عضو إلى عضو، لا يملكون ذلك، بل هم عاجزون عن ذلك، وإنما هو بيد الله سبحانه وتعالى، ثم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} (4) ، يعني: أولئك الذين يدعوهم هؤلاء المشركون، من أنبياء وصالحين أو ملائكة: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (5) ، يعني: هم يبتغون يطلبون من الله الوسيلة، وهي القربة إليه بطاعته من صلاة وصوم وصدقات وغير ذلك، ويرجون رحمته، لهذا عملوا واجتهدوا بطاعته، ويخافون عذابه سبحانه وتعالى، فهذه الوسيلة هي القيام بحقه من توحيده وطاعته، بفعل الأوامر وترك النواهي، وهي الإيمان والهدى والتقوى، وهي ما بعث الله به الرسل، عليهم الصلاة والسلام، من قول وعمل، فهذه الوسيلة واجبة من الواجبات، ومستحبة من المستحبات، فالتوسل إليه بتوحيده، والإخلاص له وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت، هذا أمر لازم، وفريضة، في الحجة الأولى من العمر، وكذلك التوسل إليه بترك المعاصي أمر لازم،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 56
(2) سورة الإسراء الآية 56
(3) سورة الإسراء الآية 56
(4) سورة الإسراء الآية 57
(5) سورة الإسراء الآية 57(2/112)
فريضة، والتوسل إليه، بالنوافل من صلاة النافلة، وصوم النافلة وصدقة النافلة، والإكثار من ذكر الله، أيضا مستحب، وقربة وطاعة، وذلك جعله الله من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، أما الوسيلة الأخرى التي لا تجوز، فهي التوسل إليه بدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، هذه وسائل شركية، يسميها المشركون وسيلة، وهي شرك أكبر وهي المراد في قوله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ، ويقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) ، يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فاتخذوهم وسيلة بهذا المعنى، يعني بدعائهم وسؤالهم، وطلب الشفاعة منهم، والنصر على الأعداء وشفاء المرضى ونحو ذلك، وزعموا أنهم بهذا يكونون لهم وسيلة، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو دين المشركين، نسأل الله العافية، فإن المشركين يزعمون: أن عبادتهم للأنبياء، والملائكة والصالحين والجن، وسيلة إلى مقاصدهم، وأن هذه المعبودات تشفع لهم عند الله، وتقربهم من الله زلفى، فأبطل الله ذلك، وأكذبهم بذلك، قال تعالى في حقهم: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) ، بعد قوله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (4) .
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة يونس الآية 18(2/113)
وقال في آية الزمر: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) ؛ فأكذبهم الله سبحانه وتعالى، بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2) ، فسماهم كذبة في قولهم: إنها تقربنا إلى الله زلفى، كفرة بهذا العمل، بدعائهم إياهم واستغاثتهم بهم ونذرهم لهم ونحو ذلك، فالواجب على جميع المكلفين بل على جميع الناس، الحذر من هذه الوسيلة، فلا يفعلها المكلف ولا غير المكلف، يجب على المكلف أن يحذرها، وعليه أن يحذر غير المكلفين، من أولاده أن يفعلها أيضا، فالله هو الذي يعبد سبحانه وتعالى، وهو الذي يدعى، وهو الذي يرجى وهو الذي يسأل النصر على الأعداء، والشفاء للمرضى، وغير ذلك من حاجات العباد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (4) {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (5) ، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (6) ، ويقول عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (7) . ونذير وبشير، ليس بمعبود من دون الله، وليس بإله مع الله، سبحانه وتعالى، وقال
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة الذاريات الآية 56
(4) سورة الذاريات الآية 57
(5) سورة الذاريات الآية 58
(6) سورة البقرة الآية 21
(7) سورة الأعراف الآية 188(2/114)
جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (2) قل يا محمد للناس: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} (3) ، {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (4) {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (5) {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} (6) بل ذلك بيده سبحانه وتعالى، هو الذي يملك النفع والضر، والعطاء والمنع والشفاء من الأمراض، والنصر على الأعداء، بيده سبحانه وتعالى، وهناك نوع ثان: من الوسيلة الممنوعة، هو التوسل بجاه فلان، وحق فلان، هذه الوسيلة ممنوعة، لكنها ليست شركا أكبر، بل هي من وسائل الشرك، كأن يقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد، بجاه فلان وحق أنبيائك، هذا لا يجوز، هذه بدعة ليس عليها دليل، الله يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (7) يدعى بأسمائه وصفاته، وما كان يتوسل إلا بالأعمال الصالحة، بالصلاة والصوم، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والعفة عن الفواحش، هذه وسائل شرعية، كما في قصة أصحاب الغار، الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه، فانطبقت عليهم صخرة، سدت عليهم فم الغار، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فاسألوا الله وتوجهوا إليه بصالح أعمالكم، فأحدهم: دعا وسأل ربه ببره لوالديه، والآخر توسل إلى الله بعفته عن الزنا بعد قدرته على المرأة، والثالث توسل إلى الله
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة الجن الآية 19
(3) سورة الجن الآية 20
(4) سورة الجن الآية 21
(5) سورة الجن الآية 22
(6) سورة الجن الآية 23
(7) سورة الأعراف الآية 180(2/115)
بأداء الأمانة، بأجير كان له أجر عنده، نمى أجره، فلما جاء أعطاه إياه كاملا فانفرجت عنهم الصخرة، بهذه الوسيلة الصالحة، العملية، وهذا من لطف الله وإحسانه، وآياته العظيمة، أن فرج عنهم وجعل انطباق هذه الصخرة، سببا لتوسلهم بهذه الأعمال، وليعلم الناس فضل الأعمال الصالحة، وأنها من أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، وأن الواجب على العبد، أن يحذر غضب الله، وأسباب عقابه، متى أقام على المعصية فليحذر، وليبتعد عنها، ومتى قدر على البر والخير فليفعل، أما توسل عمر رضي الله عنه بالعباس، فهذا توسل بدعاء العباس، فإنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أجدب الناس كان يسأل الله عز وجل الغيث، وكان الناس يفزعون إليه ويقولون: يا رسول الله استغث لنا، هلكت الأموال وانقطعت السبل، يعني بسبب الجدب فيستغيث الله، ويسأله سبحانه أن يغيث العباد، فيغيثهم سبحانه وتعالى، فلما أجدبوا في عهد عمر، قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا حين كان بين أيدنا، فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله لنا، فقام العباس ودعا لهم واستغاث فسقاهم الله، والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا توسل بدعاء العباس، مثلما كان يتوسل بدعاء النبي في حياته، - صلى الله عليه وسلم -، فدل ذلك على أنه بعد وفاته، لا يستغاث به ولا يطلب منه الغوث، عليه الصلاة والسلام، لأنه لا يستطيع ذلك، انقطع عمله المتعلق بالدنيا، ولهذا طلب عمر رضي الله عنه من العباس، أن يدعو الله أن يغيث الناس، فقام العباس ودعا الله فأغاث الله الناس، وهكذا فعل معاوية رضي الله عنه في الشام طلب من يزيد بن(2/116)
الأسود، الصحابي الجليل أن يسأل الله الغوث، فقام يزيد وسأل الله، فأغاث الناس، هذا لا بأس به شرعي، أن يقول ولي الأمر، أو خطيب المسجد لعالم من العلماء، أو بعض الأخيار: ادع الله يا فلان للمسلمين، أن الله يغيثهم فلا بأس، كما فعل عمر مع العباس، وكما فعل معاوية مع يزيد بن الأسود، وهكذا الإنسان يقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، أن تغيثنا وأن ترحمنا، وأن تغفر لنا، الله يقول سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) فأنت تسأل، وهكذا غيرك يسأل يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، ويدعو الله للمسلمين، في الجدب وفي غيره، وبهذا يتضح أن الوسيلة: ثلاثة أقسام: قسم مشروع، وهو التوسل إلى الله بتوحيده، والإيمان به وبالأعمال الصالحة، وبأسمائه وصفاته، وقسم شرك، وهو التوسل إلى الله بدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، والذبح لهم، والتوسل بالأصنام، أو بالأشجار والأحجار، أو بالجن هذا شرك أكبر، القسم الثالث بدعة لا يجوز، وليس بشرك، وليس مشروعا، بل هو بدعة، وهو التوسل بحق فلان، أو بجاه فلان، أو حق الأنبياء، هذا منكر وبدعة، ومن وسائل الشرك، أما الوسائل الشرعية، فكما تقدم: التوسل بالأعمال الصالحات، وبأسماء الله وصفاته، هذا كله من التوسل الشرعي.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180(2/117)
39 - بيان بعض شبه المتوسلين بالمخلوقين والرد عليها
س: هل يتعرض سماحتكم لشبه أولئك، الذين يتوسلون بالمخلوقين؟ (1)
ج: هذه الشبه لا أساس لها، بل هي باطلة، بعضهم يشبه يقول: إذا جاز التوسل بجاه فلان، وحق فلان، دل على أنه يدعى ويسأل، هذا باطل لأن هذا التوسل بدعة، ثم لو جاز ما صلح أن يكون دليلا على أن يستغاث بالإنسان، لأن التوسل بالجاه، سؤال لله، يسأل الله بجاه فلان، وهذا سؤال لله، ليس سؤالا للمخلوق، لكن الوسيلة هي التي منكرة وبدعة بجاه فلان وحق فلان، أما لو سأل الله بأسمائه وصفاته، أو سأل الله ولم يتوسل بشيء، قال: اللهم أنجنا من النار، اللهم أغثنا كله طيب، أو اللهم أغثنا بفضلك، أو بأسمائك وصفاتك ورحمتك، هذا طيب أما الشبهة بأن الأنبياء لهم جاه ولهم عند الله منزلة، فندعوهم حتى يشفعوا لنا، هذا باطل، لأن جاههم ومنزلتهم، التي عند الله لم يجعلها الله مسوغة للمشركين أن يعبدوهم بل أنكر عليهم لما استغاثوا بهم، وطلبوا منهم الشفاعة، أنكر عليهم ذلك، وسماهم كذبة كفرة، وذكر أن ما فعلوه باطل يتنزه الله عنه، بقوله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) ، ثم قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3)
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 266.
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 3(2/118)
هذه الوسيلة التي فعلها المشركون مع الأصنام، ومع الأنبياء ومع الجن استغاثوا بهم ونذروا لهم، وزعموا أنهم يشفعون لهم، هذه باطلة، أبطلها الله وأبطلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحذر منها الأمة، وأمرهم أن يخلصوا العبادة لله، وحده سبحانه وتعالى.(2/119)
40 - حكم قول: (بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -) في الدعاء
س: الأخ ع. ع. من مصر يقول: ما حكم الوجاهة؟ وهل يصح أن نقول: بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - اغفر لي، أو اغفر لوالدي، وما أشبه ذلك؟ (1)
ج: السؤال بالجاه بدعة، لا يجوز، ولكن تسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وبإيمانك، وأعمالك الصالحة، هذا المشروع. أما أن تقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد - صلى الله عليه وسلم - أو بجاه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو بجاه الأنبياء، أو بجاه الصالحين، هذا منهي عنه، ليس من الوسائل الشرعية. الله يقول جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) ما قال فادعوا بجاه الأنبياء، أو بجاه الصالحين. فتقول اللهم إني أسألك
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط، رقم 258.
(2) سورة الأعراف الآية 180(2/119)
بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، وأن ترحمني، وأن تعلمني العلم النافع، وأن تفقهني في الدين، وأن تغنيني عن خلقك، وما أشبه ذلك، اللهم إني أسألك: لأنك الرحمن الرحيم، ولأنك العزيز الحكيم أن تغفر لي وترحمني، اللهم إني أسألك برحمتك وفضلك وإحسانك، أن تغفر لي وترحمني، اللهم إني أسألك لأنك الجواد الكريم، ولأنك العفو الغفور، إلى غير هذا من الأدعية مثل ما في الحديث الصحيح؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال للصديق رضي الله عنه لما قال الصديق: «يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي؟ قال: " قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (1) » . هكذا علم الصديق، رواه الشيخان في الصحيحين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه، يقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (2) » . ويدعو الله بأسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، فلا ينبغي لأحد أن يدعو الله بغير ما شرع، لا بجاه فلان ولا بحق فلان؛ لا بحق الأنبياء والصالحين، ولا بجاه الأنبياء والصالحين، ولا بأس أن تتوسل بالإيمان، تقول:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب الدعاء قبل السلام برقم 834، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب استحباب خفض الصوت برقم 2705.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود برقم 483.(2/120)
اللهم إني أسألك بإيماني بك وبنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - أن تغفر لي، أو تعطيني كذا وكذا؛ اللهم إني أسألك بمحبتي لك، ومحبة نبيك وعبادك الصالحين أن تغفر لي وترحمني، لا بأس. التوسل بالإيمان والمحبة لله ولرسوله أو بالتوحيد، أو تقول: اللهم إني أسألك، بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: اللهم إني أسأل بتوحيدي لك وإيماني بك، وهكذا بالأعمال الصالحة الأخرى، تقول: اللهم إني أسألك ببري لوالدي، وبأدائي الأمانة، وبعفتي عما حرم الله، تسأل بأعمالك الطيبة، كله طيب. أما أن تسأله بجاه فلان، ليس عملك هذا، حق فلان ليس عملك، ولا هو من أسماء الله وصفاته، فلا تسأل به.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن ثلاثة ممن قبلنا آواهم مبيت ومطر إلى غار، فدخلوا فيه، من أجل المبيت والوقاية من المطر، فأراد الله جل وعلا أن أنزل عليهم صخرة، انحدرت عليهم بإذن الله، فغطت عليهم باب الغار، عظيمة ما استطاعوا دفعها؛ فقالوا فيما بينهم لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم (1) » ؛ الله جل وعلا قدر سقوط هذا الحجر على الغار، ليتوسلوا بهذه الوسائل وليعلم الناس فضل البر وفضل العفة عن الفواحش وفضل أداء الأمانة حتى يتأسوا بهؤلاء، ويستفيدوا من عمل هؤلاء، هذه نعمة من الله، فضل من الله. والنبي - صلى الله عليه وسلم - خبرنا بهذا، حتى نستفيد من هذه القصة، وأن بر الوالدين والعفة عن الفواحش، وأداء الأمانة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب وتيسير الأمور، ومن
__________
(1) البخاري الإجارة (2152) ، مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743) ، أحمد (2/116) .(2/121)
أعظم الأسباب في النجاة من النار، لأن الكربة يوم القيامة، أعظم من كربة الدنيا، فالإنسان إذا اتقى الله وابتعد عن محارم الله وأدى ما أوجب الله عليه، فهذا من أسباب التفريج في الدنيا والنجاة في الآخرة، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3) ، فأنت يا عبد الله وأنت يا أمة الله تذكرا جميعا في هذه القصة، قصة هؤلاء الثلاثة، واستفيدا من هذه القصة الفائدة العظيمة، وليتيقن كل واحد منا أن بر الوالدين من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات، ومن أسباب تفريج الكروب، وتيسير الأمور. وهكذا العفة عما حرم الله، عن الزنى والفواحش من أفضل القربات ومن أعظم أسباب تيسير الأمور، وتفريج الكروب والنجاة من النار. وهكذا أداء الأمانة والعناية بالأمانة، وعدم الخيانة، كل ذلك من أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور ومن أسباب رضا الله سبحانه، وتيسير أمرك وإدخالك الجنة وإنجائك من النار. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 3
(3) سورة الطلاق الآية 4(2/122)
41 - بيان أقسام التوسل الجائز والممنوع
س: السائل من السودان ع. م. ط. يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ ما هو التوسل، وهل يصح العمل به عندما يقول العبد طالبا من ربه: اللهم ارحمني وارزقني بجاه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وربما البعض من الإخوة في الإسلام يذهب للشيخ يقول له مثلا: اسأل لنا الله عز وجل في بعض الأمور، فما حكم الشرع في نظركم سماحة الشيخ في هذه القضية؟ (1)
ج: التوسل أقسام: منها أقسام ممنوعة، وأقسام جائزة، فالأقسام الممنوعة: التوسل الذي هو الشرك يسميه المسؤول توسلا وهو دعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، هذا يسميه المسؤول توسلا وهو الشرك الأكبر، فالواجب الحذر منه، دعوة الميت والاستغاثة به، والنذر له ونحو ذلك، هذا كله من الشرك الأكبر، وإن سماه توسلا، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2) ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) .
والنوع الثاني: شرك أصغر وهو التوسل بجاه فلان وبفلان، كأسألك بجاه نبيي محمد أو بجاه الأنبياء أو بجاه الشيخ عبد القادر
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط، رقم 400.
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 3(2/123)
أو بجاه أبي بكر أو عمر أو بذواتهم، أسألك بعمر أو عثمان هذه من التوسل الذي هو منكر ويسمى شركا أصغر وهو من وسائل الشرك الأكبر، هذا من وسائل الشرك الأكبر.
وهناك توسل ثالث جائز: وهو التوسل بدعاء الحي والاستغاثة وطلب أن يدعو لك، مثلما قال الرجل لرسول الله: يا رسول الله ادع الله لي أن يرد علي بصري، تقول لأخيك ادع الله لي أن يشفيني، هذا توسل بدعائه هو، ما هو بدعائك أنت، بدعائه هو لك، وهو حي موجود، جائز، توسل جائز، تقول: يا أخي ادع الله لي أن يشفيني، ادع الله يرزقني ولدا، ادع الله أن يغنيني من الفقر، مثلما ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر لما ذهب إلى العمرة: «لا تنسنا من دعائك (1) » رواه الترمذي والجماعة وفي سنده ضعف، ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - للصحابة: «إنه يقدم عليكم رجل من اليمن يقال له أويس القرني، كان بارا بأمه، فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له (2) » .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 196 واللفظ له، والترمذي في كتاب الدعوات، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3562، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم 1498، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج، برقم 2894.
(2) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أويس القرني رضي الله عنه، برقم 2542.(2/124)
أما التوسل الشرعي فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به، هذا توسل شرعي، تقول: اللهم إني أتوسل بتوحيدك واتباع نبيك وطاعتي لك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، بأنك رب كريم، بأنك خالق كل شيء، فالتوسل بالله وبأسمائه وصفاته هذا مشروع، ومن هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد (1) » ، هذا كله من التوسل الشرعي، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبة نبيك أن تغفر لي، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام في تعليمه لبعض الصحابة، لما علمهم أن يتوسلوا، علمهم أن يقولوا: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت (2) » ، وفي لفظ آخر: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم (3) » . كل هذا توسل بأسمائه وصفاته، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الصحابة على ذلك، وذكر أن هذه توسلات من أسباب الإجابة في بعضها: «لقد سأل الله باسمه الأعظم (4) » . . فالتوسل بتوحيد الله، والإيمان بالله، وبأسماء الله، وبصفات الله توسل شرعي من أسباب الإجابة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22442، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3475.
(2) الترمذي الدعوات (3475) ، أبو داود الصلاة (1493) ، ابن ماجه الدعاء (3857) ، أحمد (5/349) .
(3) النسائي السهو (1300) ، أبو داود الصلاة (1495) .
(4) أخرجه النسائي في كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1300.(2/125)
س: هل يجوز للإنسان يا سماحة الشيخ أن يدعو في دعائه اللهم بحق محمد عندك، لأني سمعت بعض الناس يقولون بأن آدم عليه السلام عندما أذنب دعا وقال لربه بجاه محمد عندك اغفر لي؟ (1)
ج: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
التوسل لا يجوز لأن المسائل توقيفية عبادة لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع والله يقول سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) ، فلا يدعى إلا بأسمائه وصفاته والإيمان به وتوحيده جل وعلا ولا يدعى بما يراه الإنسان من توسلات ولا بجاه فلان ولا بحق فلان ولا بحق محمد ولا بجاه محمد ولا بجاه الأنبياء ولا بحق الأنبياء أو الملائكة، كل هذا لا يجوز هذا هو الصواب؛ لأن التوسل عبادة والعبادة توقيفية لا تثبت بالرأي المجرد والاختيار. لا، لا بد من الدليل على ذلك قال جل وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3) أنكر عليهم الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (4) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 359.
(2) سورة الأعراف الآية 180
(3) سورة الشورى الآية 21
(4) سورة الجاثية الآية 18(2/126)
عليه أمرنا فهو رد (1) » ؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد (2) » ؛ والشريعة جاءت بالتوسل بأسماء الله وصفاته والإيمان به وتوحيده: اللهم إني أشهد بإيماني بأني أؤمن بك، بتوحيدي لك بإخلاص عبادتك إلى غير ذلك بأسمائك وصفاتك وبصلاتي وبصومي وبحجي ببري والدي إلى غير ذلك، فالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والإيمان به أو بالأعمال الصالحات كل هذا لا بأس به فهو وسيلة شرعية.
ومن هذا حديث الغار أن أصحاب الغار الثلاثة كانوا في سفر فيمن قبلنا فأخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فآواهم "المبيت" إلى غار، وفي رواية " المطر"، فلما دخلوا الغار انحدرت الصخرة فسدت عليهم الغار وكانت عظيمة لم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم الصخرة، الأول توسل ببر والديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم، هذه وسيلة شرعية، أسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به وعمل الصالحات.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ومحدثات الأمور، برقم 1718.(2/127)
أما التوسل بجاه النبي أو بحق النبي أو بجاه الأنبياء أو بحق الأنبياء أو بجاه المؤمنين كل هذا غير مشروع، بل هو بدعة. وأما حديث أن تتوسل بمحمد وبحق محمد فهذا حديث موضوع غير صحيح، بل نبه العلماء على أنه موضوع لا صحة له ولا أساس له.(2/128)
42 - حكم التوسل بحق الأنبياء وذوات الملائكة
س: ما حكم من يصلي بالناس الجمعة ويقول في خطبته: اللهم ربنا عليك توكلنا وبنبيك إليك توسلنا؟ وما حكم هذا التوسل؟ أفيدونا بارك الله فيكم (1) .
ج: هذا التوسل بدعة عند جمهور أهل العلم لكن الصلاة صحيحة التوسل بجاه نبينا أو بنبينا، أو بحق نبينا، أو بحق الأنبياء أو بحق الملائكة، أو بذات الملائكة أو بحق فلان، أو بحق أبي أو ما أشبه ذلك كلها ليس من الشرع، الوسيلة تكون بأسماء الله وصفاته والأعمال الصالحات كما قال الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) ، فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن ترحمنا وتغفر لنا وأن تسقينا الغيث، إلى غير ذلك أو اللهم إني أسألك بإيماني بك وطاعتي لك واتباعي نبيك، يتوسل بأعماله الطيبة، أما التوسل بجاه
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط، رقم 230.
(2) سورة الأعراف الآية 180(2/128)
فلان أو بنبينا أو بجاه نبينا أو بحق نبينا أو بحق الأنبياء والملائكة هذا كله بدعة عند أهل السنة. وليس عليه دليل، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال عليه الصلاة والسلام «لما سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قال - صلى الله عليه وسلم -: " لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب (1) » . لأنه توسل بصفات الله وأسمائه.
وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة آواهم المبيت والمطر، إلى غار في البرية فدخلوا فيه، ليبيتوا فيه ويتقوا المطر، فانحدرت عليهم صخرة من الجبل، فسدت عليهم فم الغار بإذن الله عز وجل ليسن لعباده ويشرع لعباده ما فعله أهل الغار وليعلم الناس علاج الكروب بما شرعه الله، فما انطبقت عليهم الصخرة أرادوا دفعها فلم يستطيعوا فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوا فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون بأسباب هذه الوسيلة العظيمة على أعمال صالحة فعلوها لله فنفعتهم عند الحاجة توسلوا بها عند الحاجة فنفعتهم، هذا يدل على أن التوسل بالأعمال
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22443، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3857، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم 1493.(2/129)
الصالحة من أعظم الوسائل، ولا سيما عند الحاجة والشدة، وهو القائل جل وعلا: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (1) سبحانه وتعالى، وهو القائل جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، فهو سبحانه قدر هذه الصخرة ليتوسل هؤلاء، وليعرفوا فضل أعمالهم، وليعرف الناس أيضا فضل أعمالهم، وليتوسلوا كما توسل هؤلاء إذا وقعت عليهم الشدائد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قص علينا هذه القصة لنعلمها ونعمل بها ونستفيد منها، وهو حديث صحيح متفق على صحته عند البخاري ومسلم، رحمة الله عليهما والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النمل الآية 62
(2) سورة غافر الآية 60(2/130)
43 - بيان الفرق بين التوسل والوسيلة
س: ما الفرق بين التوسل والوسيلة؟ (1)
ج: التوسل دعاء الشخص، فالتوسل دعاء، قال: أسألك بأسمائك، هذا التوسل أسألك بالإيمان بك، هذا توسل، والوسيلة هي الإيمان والتقوى، والأسماء الحسنى وسيلة إلى الله جل وعلا، الدعاء بها وسيلة، وأنت المتوسل، التوسل دعاؤك، والوسيلة ما دعوت به، إذا قلت اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، أن تغفر لي،
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط، رقم 307.(2/130)
فأنت بدعائك متوسل، وهذا الدعاء يسمى توسلا، والمدعو به بأسمائه وصفاته، هذا يقال له وسيلة، يعني الدعاء بالأسماء والصفات وسيلة، وهذا نص الدعاء يسمى توسلا، وهو توسل بالإيمان، أو الأسماء والصفات أو أعمالك الأخرى الصالحة.(2/131)
44 - حكم التوسل بصفة من صفات الله تعالى
س: ما حكم التوسل بجاه الله سبحانه وتعالى؟ (1)
ج: التوسل بجاه الله إلى الله سبحانه وتعالى كأن تقول: أسألك بجاهك العظيم، بعلمك العظيم، برحمتك بإحسانك، بجبروتك بعزتك، كله طيب، جاهه عظمته سبحانه وتعالى.
فإذا سأل الله بذلك فلا بأس، يقول: اللهم إني أسألك بجاهك العظيم، بعلمك العظيم، بقدرتك بعزتك، أن تغفر لي وأن ترحمني.
أما سؤال الناس بالله، فإن تركه أولى، لا يسأل الناس بالله، لا بجاه الله، لا يقول: أسألك بالله، وبجاهه سبحانه أن تفعل كذا إن ترك هذا أولى وأحوط.
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط، رقم 325.(2/131)
45 - بيان ما يجوز من التوسل وما لا يجوز
س: أرجو أن تفيدنا كثيرا عن حقيقة التوسل، وما يجوز وما لا يجوز، لأن عندنا أكثر الدعاء بالتوسل، إما بالأنبياء، أو بالأولياء، أو أهل بدر، وأنا بنفسي لست أحبها، فأنا بحاجة إلى المساعدة والإرشاد؟ أرجو الإجابة جزاكم الله خيرا (1)
ج: التوسل قسمان: قسم شرعي مأمور به، وقسم منكر منهي عنه. فأما التوسل الشرعي فهو أنواع أربعة:
النوع الأول: التوسل بتوحيد الله والشهادة له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة كما في حديث بريدة، عند أهل السنن بإسناد صحيح، «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب (2) » ، هذا أفضل التوسل، تسأله بتوحيدك إياه، تقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وتوحيدي لك وشهادتي، بأنك الواحد الأحد، وبأنك المستحق
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط، رقم 184.
(2) الترمذي الدعوات (3475) ، أبو داود الصلاة (1493) ، ابن ماجه الدعاء (3857) ، أحمد (5/349) .(2/132)
للعبادة، اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، اللهم إني أسألك بإيماني بك وإيماني بجميع المرسلين، أن تغفر لي وأن ترحمني أو ترزقني، كذا أو تمنحني العلم النافع والعمل الصالح، أو ترزقني زوجة صالحة، أو ذرية طيبة أو ما أشبه ذلك.
النوع الثاني: التوسل بالعمل الصالح، بأن تسأل الله بصلاتك وصيامك وبر والديك، وصلة أرحامك كفعل أهل الغار، الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار، فلما دخلوه قدر الله عليهم بصخرة فانحدرت عليهم، فسدت عليهم باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج، فقالوا فيما بينهم لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.
النوع الثالث: التوسل إلى الله سبحانه بحبه له وحبه لأنبيائه، وحبه لعباده الصالحين، وهو نوع من العمل الصالح، فإن الحب عمل صالح، فالتوسل إلى الله بقولك: اللهم إني أسألك بحبي لك، وحبي لأنبيائك، أن تفعل بي كذا وكذا، فهذا أيضا توسل شرعي من جنس التوسل بالتوحيد والعمل الصالح.
النوع الرابع: التوسل بالدعاء، دعاء الحي كأن تقول: يا عبد الله ادع الله لي، بأن الله يشفيني، بأن الله يصلحني، كما كان الصحابة يقولون: يا رسول الله ادع الله لنا، ادع الله أن يغيثنا، ادع الله أن يصلحنا، هذا أيضا توسل شرعي، تقول لأخيك: ادع الله لي أن(2/133)
يشفيني، ادع الله أن يغفر لي أن يهب لي ذرية صالحة، ومن هذا استغاثة المسلمين بالرسول، في حال حياته لما أجدبوا، خطب الناس يوم الجمعة، واستسقى ومرة خرج إلى الصحراء، وصلى ركعتين واستسقى عليه الصلاة والسلام، فهذا توسل شرعي، بدعاء أخيك الحي الحاضر، يطلب الله لك شيئا معينا.
أما القسم الثاني: التوسل المنكر البدعي، فهذا توسل بجاه الناس، وأسمائهم، تقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد، عليه الصلاة والسلام أو بجاه آل البيت، أو بجاه فلان، هذا لا يجوز، فهو بدعة، أو اللهم إني أسألك بحق فلان، هذا بدعة وأعظم من ذلك أن نسأله بدعاء الأموات، أو بالاستغاثة بالأموات، هذا من الشرك الأكبر كما فعله المشركون، فإنهم يسمونه توسلا وتشفعا، فيقولون: يا فلان أغثنا، يا فلان انصرنا، اشف مرضانا، المدد المدد، وهذا من الشرك الأكبر وإن سموه توسلا، هذا من الشرك الأكبر؛ والتوسل بالجاه والحظ من البدع ومن وسائل الشرك وليس من الشرك، لكن من وسائل الشرك، وبهذا تعلم الفرق بين التوسل الشرعي، والتوسل البدعي المنكر. فالتوسل الشرعي أقسام وأنواع، أعظمه التوسل بتوحيد الله، الذي هو دين الله، التوسل بتوحيد الله والإخلاص له، والإيمان به وبرسله ثم التوسل بالأعمال الصالحات ثم التوسل بحبك لأنبيائه ورسله، وعباده الصالحين كحب آل البيت المؤمنين، وحب الرسل وحب الصحابة كل هذا من الوسائل الشرعية؛ الرابع: التوسل بدعاء أخيك لك، أن تقول(2/134)
له: ادع الله لي يا أخي، ومنه دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس واستسقاؤه بالناس واستغاثته عليه الصلاة والسلام للناس لما أجدبوا.
أما القسم الثاني: المنكر فهو، التوسل بالشرك، ودعاء الأموات والاستغاثة بالأصنام، هذا شرك أكبر، وهذا معنى قوله جل وعلا في حق المشركين: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ، ومعنى قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) . هذا توسل بالشرك وعبادة غير الله، نعوذ بالله، وهذا شرك أكبر، ومنه التوسل البدعي وهو التوسل بجاه الأنبياء أو جاه الصالحين، أو حق الأنبياء أو حق الصالحين، أو ذوات الأنبياء أو ذوات الصالحين، اللهم إني أسألك بنبينا، أو بعمر أو بأبي بكر، هذا من البدع وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة الزمر الآية 3(2/135)
س: السائل من جمهورية مصر العربية يقول: اختلط على كثير من الناس مفهوم التوسل الجائز والتوسل الممنوع، نرجو من سماحة الشيخ أن يبين لنا ما هو التوسل، وما هو الجائز منه، وما هو الممنوع، وأمثلة على ذلك مأجورين؟ (1)
ج: التوسل كما ذكر ابن القيم وغيره رحمة الله عليه، بأن التوسل أقسام ثلاث: توسل هو الشرك الأكبر، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والذبح لهم والنذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، يقول المشركون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) ، ويقولون: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3) ، يتوسلون بدعائهم واستغاثتهم بهم، وهذا هو الشرك الأكبر.
التوسل الثاني: التوسل بذواتهم، تقول: اللهم إني أسألك بذات فلان، أسألك بنبيك فلان، اللهم إني أسألك بعبادك الصالحين، اللهم إني أسألك بمحمد، بموسى، هذا توسل ممنوع، بدعة، لأنه وسيلة للغلو والشرك.
التوسل الثالث: الجائز المشروع: وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، التوسل بأعمالك الصالحة بإيمانك، هذا التوسل المشروع،
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 412.
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة يونس الآية 18(2/136)
مثل ما قاله الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) ، ومثل ما كان النبي يدعو الله بأسمائه وصفاته، هذا يقال له التوسل المشروع، مثل ما في الحديث: «أعوذ بعزتك أن تضلني (2) » ، فالتوسل بصفات الله أمر مشروع، أسألك برحمتك، أسألك بعلمك، أسألك بإحسانك، أسألك بقدرتك أن تغفر لي، ومنه حديث الدعاء الذي سأله عثمان بن أبي العاص واشتكى إليه مرضا، قال: «ضع يدك على ما تشتكي، وقل: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (3) » ، فتوسل بعزة الله وقدرته من شر ما يجد ويحاذر، استعاذ بذلك، ومنه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أما التوسل بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى لله، فهذا هو التوسل الشرعي، فالتوسل بصفات الله وبأسماء الله، وبإيمانك وتقواك هذا التوسل الشرعي.
أما التوسل بالذوات، ذات فلان، وذات فلان، أو جاه فلان، أو حق فلان، هذا توسل بدعي، ولا يتوسل بجاه فلان، ولا بحق فلان، ولا بالنبي فلان، ولا بذات فلان، هذا توسل بدعي.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم 2717، والإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، برقم 3743.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم 2202.(2/137)
أما التوسل بعلم الله، بطاعة الله، باتباع شرع الله، هذا كله لا بأس به، توسل بصفات الله، وتوسل بأسماء الله وصفاته: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) .
ومنه التوسل بالأعمال الصالحة، كأن يقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبتوكلي عليك، وبثقتي بك، وببري لوالدي، وبأدائي الأمانة، وما أشبه ذلك، هذا توسل شرعي، ومنه حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فسألوا الله بصالح أعمالهم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء ذات ليلة، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فوقفت على رؤوسهما، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما، ولم أستحسن استيقاظهما حتى برق الصبح، فلما استيقظا شربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه، وقال آخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها على نفسها فأبت، فألمت بها سنة - يعني حاجة شديدة - فجاءت إلي تقول يا ابن العم أعني، فقال: لا حتى تمكينيني من نفسك، فطاوعته من أجل حاجتها، فلما جلس بين رجليها قالت له: يا عبد الله اتق الله
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180(2/138)
ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها خوفا منك، وهي أحب الناس إلي، وتركت لها المال، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجير حقه، إلا واحدا ترك أجره، فنميته له وثمرته له، حتى صار منه إبل وبقر وغنم وعبيد، فجاء إلي بعد ذلك وقال: يا عبد الله أعطني أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر، والغنم، والعبيد، قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، قلت: إني لا أستهزئ بك إنه من أجرك نميته لك فخذه فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة حتى خرجوا. (1) هذا توسل من هؤلاء الثلاثة بأعمالهم الطيبة التي فعلوها لله عز وجل، فنفعهم الله بها عند الشدة.
س: السائل عبد الرءوف من الجزائر يقول: ما هو التوسل، وأيهما الجائز، وأيهما الممنوع، وما حكم الشرع في نظركم سماحة الشيخ في التوسل ببركة رمضان؟ (2)
ج: التوسل أقسام، توسل كفري، وهو أن يتوسل بدعاء الأموات،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا برقم 2272.
(2) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 405.(2/139)
والاستغاثة بالأموات، كونه يأتي الميت يسأله أن يغيثه، أو أن ينصره، أو أن يقضي حاجته، أو يفرج كربته، هذا شرك، ويسميه بعض الناس توسلا، يسمون شركهم توسلا، هذا شرك أكبر، إذا دعا الأموات أو استغاث بالجن، أو بالأموات، أو بالغائبين يطلبهم الغوث، أو العون، أو النصر على الأعداء، هذا الشرك الأكبر، والتوسل الثاني: التوسل بجاههم وحقهم، يقول: اللهم إني أسألك بجاه فلان، أو بحق فلان، أو بفلان، هذا بدعة، من وسائل الشرك، لا يجوز.
التوسل الثالث: التوسل بالإيمان، أو بالعمل الصالح أو بالأسماء والصفات، هذا سنة، مطلوب، اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بإيماني بك ومحبتي لك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك ببر والدي وصلة رحمي أن تغفر لي، كل هذا وسيلة شرعية، هذا توسل بالإيمان، والتوحيد، أو بالأعمال الصالحات، كله طيب، كله مشروع، ومن هذا الحديث: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت (1) » توسل شرعي. ومن هذا توسل أصحاب الغار لما انطبقت عليهم الصخرة توسلوا إلى الله بأعمالهم الطيبة، أحدهم توسل ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم الصخرة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22442، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3475.(2/140)
46 - الصحابة كانوا يتوسلون به - صلى الله عليه وسلم - لنزول الغيث، وبعد وفاته توسلوا بعمه العباس أن يستغيث لهم
س: يوجد حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصحابة كانت تتوسل به لنزول الغيث، وعندما مات - صلى الله عليه وسلم - كانت الصحابة تتوسل بالعباس رضي الله عنه، لنزول الغيث، فلماذا لا يجوز لنا التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليشفع لنا وغير ذلك من الأمور؟ (1)
ج: كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون به في حياته، يعني بدعائه وشفاعته، لا بالذات، يتوسلون بدعائه وشفاعته إلى الله عز وجل، فكان يخطب ويدعو ويستغيث، فيغيث الله المسلمين أو يدعو للشخص بدعوات صالحة ينفعه الله بها، وهكذا يوم القيامة يطلب الناس منه الشفاعة فيشفع لهم في الموقف حتى يريحهم الله من هول الموقف ويشفع في أهل الجنة، حتى يدخلوا الجنة، بعدما يتقدم الناس إلى آدم، ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، كلهم يعتذرون كل واحد يقول: اذهبوا إلى غيري لست لها، حتى يقول لهم عيسى وهو الأخير منهم: اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتوني يعني يأتيه الناس، يأتيه المؤمنون فيقول: أنا لها أنا لها، عليه الصلاة والسلام، ثم يتقدم إلى ربه فيسجد بين يديه، ويحمده بمحامد عظيمة يفتحها الله
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط، رقم 333.(2/141)
عليه، ثم يقول له الرب جل وعلا: ارفع رأسك فقل يسمع واسأل تعط، واشفع تشفع، فبعد الإذن يشفع عليه الصلاة والسلام، في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، ثم يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة، وفي حياته - صلى الله عليه وسلم -، يطلب منه المسلمون أن يستغيث لهم، أن يدعو لهم، وأن يستشفعوا بدعائه، لا بذاته؛ فلهذا لما توفي - صلى الله عليه وسلم - تركوا ذلك واستسقى عمر بالعباس وقال: عمر رضي الله عنه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا.
ولو كان التوسل بذاته جائزا لتوسلوا به بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولم يحتاجوا إلى العباس، فلما عدل عمر والصحابة إلى العباس، ليدعو لهم دل على أن التوسل بالدعاء والشفاعة لا بالذوات، فالمسلمون اليوم يتوسلون إلى الله بالدعاء يسألون الله ويدعونه، أن يسقيهم وأن يرحمهم وأن يغفر لهم، لا بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بغير ذات النبي، وإذا رأى المسلمون أن يدعو لهم فلان أو فلان، لما فيه من الصلاح والخير، فقالوا له: تقدم فادع الله لنا، أو وجدوا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من هو معروف بالخير والفضل والعلم، وطلبوا منه أن يدعو الله لهم، كله طيب كما فعله عمر مع العباس.(2/142)
47 - حكم طلب الإنسان من شخص أن يدعو له
س: الأخت \ أم البراء من أبها تقول: طلب الإنسان من شخص أن يدعو له، كأن يقول: ادع لي في سفرك، أو لا تنسنا من الدعاء، أو غير ذلك، هل هذا من التوسل بغير الله، وجهونا في ضوء هذا الدعاء مأجورين؟ (1)
ج: طلب الدعاء من الأخ في الله أو الأخت في الله لا حرج فيه، وليس من التوسل المذموم، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في بعض أيامه لأصحابه: إنه يقدم عليكم شخص من اليمن يقال له أويس القرني كان بارا بأمه، فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمر لما أراد العمرة: «لا تنسنا من دعائك (2) » .
فالمقصود أن كون الإنسان يقول لأخيه: ادع الله لي في سفرك، أو في سفري، ادع الله لي بأن يرزقني الولد الصالح، أو الزوجة الصالحة، أو تقول له أخته أو أمه أو غيرهم ادع الله لي، كل هذا لا بأس به، المقصود أن الإنسان إذا طلب من أخيه أو من أخته في الله الدعاء لا حرج.
__________
(1) من ضمن أسئلة الشريط، رقم 423.
(2) سنن الترمذي الدعوات (3562) ، سنن أبي داود الصلاة (1498) ، سنن ابن ماجه المناسك (2894) ، مسند أحمد (1/29) .(2/143)
48 - حكم التوسل بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
س: ما حكم التوسل بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء؟ (1)
ج: من أسباب الإجابة: حمد الله، والصلاة على النبي من أسباب الإجابة، شيء مشروع.
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط، رقم 298.(2/144)
49 - حكم التوسل بحق فلان
س: ما حكم من يقول: أسألك بجاه فلان، أو حق فلان، هل يكون هذا كفرا أم لا؟ (1)
ج: السؤال بالجاه والحق، ليس بكفر، لكنه وسيلة من وسائل الكفر، إذا قال: أسألك يا ربي بجاه فلان، بجاه الأنبياء، بجاه محمد، بحق الأنبياء، بحق محمد، أو بحق فلان، هذا من وسائل الشرك، بدعة ولا يجوز، لعدم الدليل عليه، والعبادات توقيفية، لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، والله سبحانه قال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) ندعوه بأسمائه، نتوسل بالإيمان، كما قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} (3) .
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط، رقم 308.
(2) سورة الأعراف الآية 180
(3) سورة آل عمران الآية 193(2/144)
فالتوسل بالإيمان، مثل: اللهم إني أسألك بإيماني بك بمحبتي لك، بمحبتي لنبيك، هذا طيب لأن هذه أعمال صحيحة، يتوسل بها إلى الله، وهكذا أهل الغار، الذين انطبقت عليهم الصخرة، لما آواهم المبيت إلى غار، وآواهم المطر أيضا مع المبيت، انحدرت صخرة من فوق الجبل، وسدت عليهم باب الغار، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا فيما بينهم، لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، فأحدهم توسل ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل إلى الله بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم، سبحانه وتعالى. فالمقصود أن التوسل إلى الله يكون بأسمائه الحسنى، وبالإيمان ومحبة الله ورسوله، ويكون بالأعمال الصالحة، هذه الوسيلة الشرعية، أما التوسل بجاه فلان، وحق فلان بدعة لا تجوز.(2/145)
50 - حكم التوسل بشرف فلان
س: رجل يقول أحيانا في بعض دعواته: اللهم بشرف الرسول اشفني، ويسر أموري بجاه محمد - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته أن هذا لا يجوز، وأن الدعاء يكون لله عز وجل، بعظمته ومقدرته وبجاهه، وإذا أردت أن تقول بدلا من هذا، فافعل وقل: اللهم شفع في نبيك محمدا - صلى الله عليه وسلم - هل ما قلت للرجل صحيح؟ وما حكم الدعاء بشرف وجاه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وماذا أفعل إذا كنت مخطئا في قولي؟ هذا وجهوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: كلامك طيب، وأنت مصيب فيما فعلت، فلا يشرع التوسل بشرف الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا بحق الرسول ولا بجاهه، ولا بجاه فلان ولا بحق الأنبياء، ولا بشرف الأنبياء لأن الله تعالى ما شرع ذلك، وإنما شرع لنا التوسل بأسمائه، وصفاته، وبالأعمال الصالحات، هذا الوسيلة في الدعاء، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) وشرع لنا التوسل بصفاته، فعند السؤال تقول: اللهم إني أسألك برحمتك، وبجودك وكرمك أن تغفر لي، وبعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أن تغفر لي وأن ترحمني، أو تتوسل بأعمالك الصالحة،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط، رقم 220.
(2) سورة الأعراف الآية 180(2/146)
بتوبتك إليه، وإيمانك به، سبحانه وتوحيدك له، ومحبتك له، أو بطاعتك للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومحبتك للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بأدائك الصلاة لله وحده، وما أشبه ذلك من الأعمال الصالحات، أما التوسل بجاه فلان أو شرف فلان، أو حق فلان، هذا لا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، والأصل في هذا قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) وهكذا ما صح عن رسول الله من تعليم الناس التوسل إلى الله بصفاته وأسمائه، ومن الأعمال الصالحات، وقد وقع لثلاثة في غار انسد عليهم الغار، بصخرة عظيمة لم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لا يخلصكم من هذه المصيبة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوا الله وسألوه بصالح أعمالهم، ففرج الله عنهم، وأزاح عنهم الصخرة، أحدهم توسل ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة ففرج الله عنهم سبحانه وتعالى، فهذه الوسيلة الشرعية.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180(2/147)
51 - حكم التوسل ببركة رمضان
س: ما حكم التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وببركة رمضان؟ (1)
ج: التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعة، إذا توسل يقول: اللهم إني أسألك بإيماني بنبيك، بمحبتي له، هذا طيب، هذه وسيلة شرعية،
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط، رقم 405.(2/147)
اللهم إني أسألك باتباعي نبيك - صلى الله عليه وسلم -، بمتابعته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بإيمانه بالنبي، هذا كله طيب، كله وسيلة شرعية، أما بجاه نبيك أو بحق نبيك هذا ليس بوسيلة شرعية.
أما التوسل ببركة رمضان فلا، لا يتوسل بذلك، يتوسل بصيامه لرمضان، هذا بالعمل، أما بركة رمضان ما هو بعمل له، بركة رمضان شيء جعله الله في رمضان، لكن يقول: اللهم إني أسألك بصيامي وبقيامي أن تغفر لي، أو بحجي لبيتك، أو بطاعتي لك، أو باتباعي لشريعتك، يتوسل بأعماله الطيبة هو.(2/148)
52 - حكم التوسل بالقرآن الكريم
س: هل يجوز الدعاء بجاه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أو بجاه القرآن أو بجاه الإنجيل، والتوراة، أو بجاه رمضان، أو بجاه الصالحين من الناس؟ (1)
ج: ليس للمسلم أن يدعو متوسلا بجاه فلان، أو حق فلان كجاه الأنبياء أو جاه الصالحين، أو جاه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو جاه جبرائيل أو حق فلان، ليس هذا بمشروع عند جمهور أهل العلم، بل هو من البدع ومن وسائل الشرك، أما التوسل بالقرآن الكريم، أن يقول: أسألك
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 152.(2/148)
يا ربي بكلامك، أو بكتابك العزيز، فلا بأس، أو أسألك بكلامك المنزل على موسى وعلى عيسى، فلا بأس، لكن التوسل بأسماء الله وصفاته أكمل، مثل: أسألك بأسمائك يا ربي بصفاتك، والقرآن من كلامه والتوراة من كلامه والإنجيل من كلامه المنزل، لا المحرف الكلام المنزل على موسى من كلام الله، والكلام المنزل على عيسى من كلام الله، فإذا توسل المؤمن بكلام الله المنزل على أنبيائه فلا بأس، أو بالقرآن نفسه فلا بأس، لأنه من صفاته سبحانه وتعالى، وإذا قال أسألك بأسمائك الحسنى، أو بصفاتك العلا مجملا فهذا كله طيب، وكلها وسائل شرعية كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) وهكذا التوسل بالإيمان بالله ورسوله، ومحبة الله ورسوله، والتوسل بأعمالك الصالحة، كالتوسل ببرك لوالديك، وبعفتك عما حرم الله، وبأدائك الأمانة التي عليك، فالتوسل بالأعمال الصالحة لا بأس به.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180(2/149)
53 - حكم التوجه إلى الله بالدعاء عند قبور الصالحين
س: يقول أحد الأشخاص: الذي يتوجه بالدعاء إلى الله عند قبور الصالحين فهذا هو التوسل بالأولياء والصالحين والتوسل جائز شرعا، وهو يطلب من الله متوسلا إليه بهذا الولي عسى أن يكون هذا الدعاء أو دعاء السائل مقبولا، وليس في ذلك ما يتنافى مع العقيدة، لا فرق في ذلك بين الحي والميت، والدليل على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعمى فقال له: يا رسول الله اطلب من الله أن يرد علي بصري فقال له: اذهب فتوضأ وصل لله ركعتين ثم قل: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا سيدي يا رسول الله توسلنا بك إلى ربي ليرد علي بصري، فرد الله عليه بصره، ويقول أيضا: بأنه يجوز الاستعانة بالأحياء والأموات؛ لأن السائل يسأل الله ببركة هذا الصالح من نبي أو ولي وليس طالبا من ذات الشخص أن تفعل شيئا، نرجو من سماحتكم الإفادة عن هذا الموضوع؟ (1)
ج: هذا السؤال جدير بالعناية وفيه تفصيل: فالحي الحاضر لا بأس أن يسال بأن يشفع للسائل، كما كان الصحابة يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لهم إذا أجدبوا ويستغيث لهم، وكما سأله الأعمى، فأمره أن
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط، رقم 381.(2/150)
يسأل ربه أن يقبل شفاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يتوضأ ويسأل ربه، هذا لا بأس به سؤال الأحياء أن يشفعوا لك فتقول: يا أخي ادع الله لي، اسأل الله لي، اشفع لي أن الله يشفيني، اشفع لي أن الله يرزقني، أن الله يمنحني زوجة صالحة وذرية طيبة لا بأس، تقول لأخيك هو يدعو ربه، يرفع يديه ويدعو ربه: اللهم اشف فلانا، اللهم يسر أمره، اللهم ارزقه الزوجة الصالحة، اللهم ارزقه الذرية الطيبة، لا بأس، كما كان الصحابة يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما كان الصحابة أيضا فيما بينهم، كل هذا لا بأس به، «والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: إنه يقدم عليكم رجل بر بأمه يقال له: أويس القرني، كان برا بأمه، فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له، (1) » فهذا شيء لا بأس به، أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات، فهذا شرك أكبر، هذا عمل الجاهلية، عمل قريش في جاهليتها، وعمل غيرهم من الكفرة، سؤال الأموات وأصحاب القبور والاستغاثة بهم والاستعانة بهم هذا الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله، التي قال فيها جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) ومن دعا الأنبياء أو دعا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو استغاث بالصديق أو بعمر أو بعثمان أو بعلي أو بغيرهم فقد اتخذهم
__________
(1) مسلم فضائل الصحابة (2542) ، أحمد (1/39) .
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117(2/151)
آلهة، جعلهم آلهة مع الله، قال الله جل وعلا: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1) ، سماه شركا، وقال جل وعلا: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (2) ، فأخبر سبحانه أنه لا أضل من هؤلاء دعاة غير الله.
المقصود أن الواجب على المؤمن أن يحذر دعاء الأموات أو الغائبين كالملائكة والجن، يدعوهم يسأل جبرائيل أو إسرافيل، أو جن البلاد الفلانية، أو جن الجبل الفلاني، هذا شرك أكبر، قال جل وعلا: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} (3) {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (4) ، قال جل وعلا في سورة الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (5) .
فالواجب الحذر فلا يسأل الأموات ولا الغائبين من الملائكة ولا غيرهم، ولا يسألون الأصنام ولا الجمادات من الأشجار والأحجار والنجوم، بل يسأل الله وحده، يسأل الله، يستعين بالله، يستغيث بالله، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (6) ، وقال سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (7) ، وقال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (8)
__________
(1) سورة فاطر الآية 14
(2) سورة الأحقاف الآية 6
(3) سورة سبأ الآية 40
(4) سورة سبأ الآية 41
(5) سورة الجن الآية 6
(6) سورة الإسراء الآية 23
(7) سورة غافر الآية 60
(8) سورة البينة الآية 5(2/152)
وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1) ، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) (3) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (5) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (6) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (7) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله (8) » ؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله (9) » .
فهذه أمور عظيمة خطيرة، والجلوس عند القبور، يدعو ربه عند القبور، هذه وسيلة للشرك، كونه يجلس عنده يقرأ أو يدعو هذه وسيلة ما يجوز من وسائل الشرك، أما إذا دعا المقبور واستغاث به هذا
__________
(1) سورة البقرة الآية 186
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) (ونسكي) ، يعني: ذبحي.
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 163
(6) سورة الكوثر الآية 1
(7) سورة الكوثر الآية 2
(8) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، برقم 2664، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، باب: منه، برقم 2516.
(9) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/153)
الشرك الأكبر، هذا الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة، أما الحي الحاضر، يقول: ادع الله لي، أو يسأل منه أن يعينه على كذا لا بأس، إذا كان حيا حاضرا قادرا، لا بأس، مثلما كان الصحابة يسألون النبي وهو حاضر أن يعينهم، وأن يواسيهم مما أعطى الله من المال، وأن يدعو لهم لا بأس، ومثلما قال الله عن موسى في قصة موسى مع القبطي: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ، فأغاثه موسى وقتل القبطي، لأن موسى حي حاضر، يسمع الكلام.
وهكذا في الحرب، الإنسان مع إخوانه، في الحرب، في الجهاد يتعاونون في قتال الأعداء، هذا يعين بالسلاح، وهذا يعين بالسوط، وهذا يعين بفرس، وهذا يعين بالدرقة إلى غير ذلك، وهكذا في الدنيا يتعاونون في المزرعة يعينه في مزرعته، يعينه في بيعه وشرائه، حي قادر حاضر، يتعاونون في المزرعة، في البيع والشراء في بناء البيت لا بأس، حي قادر حاضر، لا بأس، أما ميت أو غائب فلا يستعان به، هذا من الشرك الأكبر، والمشركون ما كانوا يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون بل المشركون يبعدونهم لأنهم بزعمهم يشفعون لهم، يقربونهم إلى الله زلفى - هذا زعمهم - ما كانوا يعتقدون فيهم أنهم يخلقون أو يرزقون، قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (2) ، قال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ} (3) يعني قل لهم يا محمد:
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة الزخرف الآية 87
(3) سورة يونس الآية 31(2/154)
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (1) يعترفون بهذا.
وقال جل وعلا: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2) ما قال يقولون هؤلاء خلقونا، أو رزقونا، لا، يقولون: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3) ، هم يعلمون أن الخلاق الرزاق هو الله سبحانه، وإنما يعبدون الأصنام لأنها تشفع لهم بزعمهم، وقد أبطلوا في هذا، وقال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4) ، وقال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) ، سماهم كذبة، وسماهم كفرة، كذبة فيما قالوا: {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (6) ، وهم كفرة بهذا بدعائهم إياهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، هم كفرة بهذا سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو ملائكة، من عبدهم كفر، بالشفاعة لهم، بنذره لهم، بذبحه لهم، يقول: إنهم يقربونه إلى الله زلفى، إنهم يشفعون له، هذا دين المشركين، هذا دين عباد الأصنام، يزعمون أنها تقربهم إلى الله، وتشفع لهم، لا أنها تخلق، وترزق، فالذي يأتي البدوي، أو السيد الحسين، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو يأتي غيرهم يسألهم، يستغيث بهم، هذا قد
__________
(1) سورة يونس الآية 31
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة الزمر الآية 3
(6) سورة الزمر الآية 3(2/155)
جعلهم آلهة مع الله، وهذا هو الشرك الأكبر، وهكذا إذا أتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوه، يستغيث به، هذا من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر، الواجب على السائل وعلى غير السائل الحذر من هذه الشركيات، وعدم الالتفات إلى دعاة الشرك من علماء السوء، وقادة السوء، نسأل الله العافية والسلامة.(2/156)
54 - حكم الاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -
س: هل تجوز الاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ (1)
ج: أما في حياته فيما يقدر عليه، فلا بأس، كأن يقال يا رسول الله أغثنا من هذا الأمير، الذي ظلمنا، أو من هذا الشخص الذي ظلمنا، فالرسول يستطيع بأن يأمر بعض الصحابة، أن يزيل الشر وأن يغيثه من ذلك، أما بعد الوفاة فلا. لا يستغاث بأحد، لا الرسول ولا غيره، بعد الوفاة لا يستغاث بالأموات، لا الرسول ولا غيره عليه الصلاة والسلام، ومن باب الجواز قوله سبحانه: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) استغاث الإسرائيلي بموسى على القبطي، لأن موسى حي يسمع كلامه ويستطيع إغاثته، ومن هذا استغاثة الإنسان بإخوانه في الحرب، في قتال الأعداء، هذا لا بأس به.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط، رقم 204.
(2) سورة القصص الآية 15(2/156)
أما طلب الأموات، والاستغاثة بالأموات أو بالأصنام، أو بالجمادات أو بالأشجار والأحجار أو بالنجوم، هذا كفر بالله شرك أكبر. وهكذا الاستغاثة بالحي، فيما لا يقدر عليه، كأن يستغيث به في أن يصلح قلبه، بأمر سري في نفسه يرى أن له سرا، أو بأن ينقذه من النار… لسر فيه، أو يدخله الجنة لسر فيه، هذا كفر بالله. أما إذا قال: أعني على أسباب دخول الجنة، يعلمه ويتفقه في الدين، أو على إصلاح قلبي، بالتذكير والوعظ والتوجيه إلى الخير، هذا أمر مطلوب، يعظه ويذكره وينصحه، أما أن يعتقد أن هذا الولي، وإن كان حيا يعتقد أنه يستطيع إدخال الجنة، وإنجاء الناس من النار، وشفاء المرضى بسره بشيء فيه، هذا كفر بالله، نعوذ بالله.(2/157)
باب ما جاء في التبرك(2/159)
باب ما جاء في التبرك
55 - تبرك الصحابة بآثاره عليه الصلاة والسلام من خصائصه
س: رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه صلى الله عليه وسلم، واقتسموا شعره يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه صلى الله عليه وسلم لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله فقال لها: صحة يا أم أيمن، فما صحة ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال، إن كان ما ورد صحيحا؟ (1)
ج: لا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره عليه الصلاة والسلام، وببصاقه عليه الصلاة والسلام وبنخامته، كل هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 120.(2/161)
وعن الصحابة، وقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين، في حجة الوداع، أنه لما خرج بلال بوضوئه صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يتناولون منه ما تيسر، هذا يأخذ قليلا وهذا يأخذ كثيرا من وضوئه عليه الصلاة والسلام، وثبت في صلح الحديبية، أنه إذا تنخع نخاعة أو بصق تلقاها الصحابة وجعلوا يدلكون بها أجسادهم، لما جعل الله فيها من البركة، ولما حلق في حجة الوداع، قسم نصف الشعر بين الصحابة، والنصف الثاني أعطاه أبا طلحة رضي الله عنه، كل هذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وليس هناك شك عند أهل العلم في بركة جسمه صلى الله عليه وسلم، وشعره وما مس جسمه ووضوئه، وعرقه عليه الصلاة والسلام.
لكن لا يقاس عليه غيره، إذ إن الصحابة رضي الله عنهم، ما فعلوا هذا مع الصديق ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي، وهم أفضل الصحابة هم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلو كان هذا مشروعا أو جائزا، مع غير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله المسلمون، مع هؤلاء الأخيار، ولأن ذلك قد يكون وسيلة للشرك والغلو، فلهذا منعه أهل العلم في الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يقاس على الرسول صلى الله عليه وسلم أحد بل خاص به صلى الله عليه وسلم، لما ثبت وعلم من بركته صلى الله عليه وسلم، في جسمه وعرقه وشعره، وسائر أجزائه عليه الصلاة والسلام، ولأنه أقر الصحابة على ذلك، فلولا أنه جائز لما أقرهم، فلا يقاس عليه غيره لأمور كثيرة، أما التبرك بالعلماء والعباد، الذي يفعله بعض الناس، فهذا غلط ولا يجوز، لأنه خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يفعله المسلمون مع فضلائهم ولا كبارهم، كالخلفاء الراشدين ولم يفعله مع بقية الصحابة،(2/162)
ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولأن العبادات توقيفية، ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلو، ولهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي عليه الصلاة والسلام، أما شرب ابن الزبير دمه، وأم أيمن بوله، فهذا محل نظر، وقد ورد هذا ولكن في صحته نظر، فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر في أسانيد القصة، والأصل تحريم الدم وتحريم البول، الله حرم علينا البول لأنه نجس، وحرم الدم لأنه من الخبائث، وهو نجس، فإن صح فهذا يستثنى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له خصائص، كما قلنا في العرق ومسألة الشعر، ومسألة البصاق هذا خاص به، فهكذا إذا صح حديث أم أيمن، وصح حديث ابن الزبير، صار من الخصائص، وسوف نبحثه إن شاء الله، ونعتني به ويكون في حلقة أخرى إن شاء الله.(2/163)
56 - قياس التبرك بآثار الصالحين بما فعله الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم باطل ولا يصح
س: يقيس الذين يرون التبرك بالصالحين، يقيسون عملهم بما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وشعره وملابسه، وفضلات جسمه، فبينوا لنا المعتقد الصحيح، في هذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا القياس باطل، النبي صلى الله عليه وسلم شرع الله لنا أن نقتدي به ونتأسى
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 266.(2/163)
به صلى الله عليه وسلم، وشرع الله جل وعلا التبرك بما مس جسده من شعر وعرق ونحو ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه في حجة الوداع، وزعه على الصحابة، هذا يدل على أنه هذا جائز بالنسبة إليه، عليه الصلاة والسلام، وهكذا ملابسه التي تلي جسده، فيها بركة، لأن الله جعله مباركا وجعل ما أصاب جسده فيه بركة، أما غيره فلا يقاس عليه، ولا يدعى من دون الله، ولكن نفس العرق، أو نفس الشعر من النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لا بأس أن يجعل في طيب الإنسان، أو يلبسه على جسده، يرجو أن الله يجعل فيه بركة له، كما جعل ماء زمزم مباركا، سبحانه وتعالى، هذا فضل منه جل وعلا.
وكما جعل في الأطعمة واللحوم بركة للمسلمين، فليس هذا بمستنكر أما أن يتبرك بفلان، أو شعر فلان، أو عرق فلان فلا، لأنه لا يقاس عليه غيره، عليه الصلاة والسلام، القياس لا بد أن يكون الفرع مساويا للأصل، وليس أحد يساوي النبي صلى الله عليه وسلم، هو أفضل الخلق وسيد الخلق، وله خصائص، ولهذا لم يفعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هذا التبرك مع الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان، ولا مع علي، ولا مع غيرهم من سادات الصحابة وكبارهم لعلمهم أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لا بغيره صلى الله عليه وسلم، وهم القدوة والأسوة، وهم أعلم الناس، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم.(2/164)
57 - حكم التبرك بتراب قبور الأولياء
س: يسأل أخونا ويقول: هل يجوز التبرك بالتراب الموجود على ضريح الولي المتوفى؟ وهل هذا التراب يفيد شيئا؟ وما هو رأي سماحتكم في هذا؟ (1)
ج: التبرك بتراب القبور منكر ومن المحرمات الشركية لأنه لا يجوز التبرك بتراب الولي ولا غير الولي لأن البركة من الله عز وجل إنما التبرك بالشيء الذي شرعه الله مثل التبرك بماء زمزم لأن الله قد جعل فيه البركة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مبارك أو كونه مثلا يسأل ربه أن الله يجعل هذا المال مباركا يدعو ربه أنه يبارك فيه له أو أن الله يبارك له في هذا الولد، فالبركة من الله عز وجل ولم يكن الصحابة يتبركون لا بالصديق ولا بعمر ولا بعثمان ولا بعلي إنما هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتبركون بعرقه وريقه عليه الصلاة والسلام، أما من بعده فلا يتبرك بهم، وجميع الأولياء لا يتبرك بهم، إنما هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالتبرك بالأشخاص ترابهم أو آثارهم كله منكر لا يجوز، بل من وسائل الشرك الأكبر.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط، رقم 338.(2/165)
58 - التعريف بأولياء الله تعالى
س: أرجو تعريفا كاملا لأولياء الله، ومن هم؟ وهل عندهم علامات مميزة؟ وهل تصح زيارتهم للتبرك، وقضاء الحوائج سواء كانوا أحياء أم أمواتا؟ جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: أولياء الله هم أهل التقوى والإيمان هم أهل الصلاح والاستقامة على دين الله، وعلى ما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، هؤلاء هم أولياء الله، وهم أهل التقوى، وهم أهل الإيمان، كما قال الله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) ، ثم فسرهم فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3) ، هؤلاء هم أولياء الله، هكذا في سورة يونس. وقال في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (4) ، فأولياء الله هم أهل التقوى، هم أهل الإيمان، هم الذين أطاعوا الله ورسوله، واستقاموا على دين الله وتركوا الشرك والمعاصي، هؤلاء هم أولياء الله، يجب حبهم في الله، ولكن لا يجوز دعاؤهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم، ولا البناء على قبورهم، هذا منكر، ولا البناء على قبور الأنبياء أيضا، يقول
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 197.
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63
(4) سورة الأنفال الآية 34(2/166)
النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم - يعني: من الأمم - كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح فنهى الناس عن اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، وحذرهم من ذلك، ولعن من فعل هذا.
وروى مسلم في الصحيح، عن جابر رضي الله عنه، قال: «نهى رسول الله أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، (3) » فلا يبنى عليه قبة ولا غرفة ولا مسجد، بل يجب الحذر من ذلك، بل تترك القبور بارزة شامسة، كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وفي غيره، في الأرض الواضحة التي ليس فيها بناء، يكون القبر بارزا عن الأرض قدر شبر ونحوه، حتى يعرف أنه قبر، ولا يبنى عليه، ولا يجصص، ولا يبنى عليه قبة ولا مسجد، كل هذا لا يجوز وهذه القباب والمساجد التي توضع على القبور من أسباب الشرك، إذا رآها العامي معظمة بالقباب والمساجد، وربما فرشوها، وربما طيبوها صار هذا من أسباب الشرك، بدعة يترتب عليها شرك أكبر، نسأل الله العافية، فإن العامة إذا رأوا هذا العمل، دعوها من دون الله واستغاثوا بها، وتمسحوا بها إلى غير ذلك؛ أما زيارة
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، برقم 532.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(3) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) ، النسائي الجنائز (2027) ، أبو داود الجنائز (3225) ، أحمد (3/339) .(2/167)
المؤمن، أن يسلم على أخيه، يعني على قبره، إذا كان ظاهرا، بارزا، ليس فيه قبة ولا مسجد، فلا بأس، بل سنة النبي عليه السلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » ، فإذا زار القبور ليسلم عليهم، ويدعو لهم، فهذا مشروع، وهذا سنة؛ أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، أو يستغيث بهم، أو يطلبهم المدد، فهذا شرك أكبر، لا يجوز، فالذي يقول لصاحب القبر: المدد المدد، أو يا سيدي فلان أغثني، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حمايتك، هذا دعاء لغير الله، وشرك بالله سبحانه وتعالى هذا من جنس عمل الجاهلية الأولى، أبي جهل وأشباهه.
الواجب على المسلمين أن يحذروا هذه الأمور، وأن يتواصوا ويتناصحوا بتركها أينما كانوا، وأما الأحياء منهم إذا زارهم يسلم عليهم لحبهم في الله، فلا بأس يزورهم لحبهم في الله، لا للتبرك بهم، والذي يزورهم يسلم عليهم ويعرف أحوالهم، ويتذاكر معهم في الخير، أو في العلم، كل هذا طيب، أو ليدعوا ويستغفروا له، لا بأس، إذا قال: ادعوا لي أو استغفروا لي، لا بأس أما أن يزوره لأجل الاعتقاد فيه، أنه يدعى من دون الله، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله حيا أو ميتا، لأنه ينفع أو يضر، أو أنه يتصرف في الكون، أو ما أشبه هذا من اعتقاد الجهلة، فهذا لا يجوز يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.(2/168)
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1) ، فإذا كان صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، وأفضل الخلق، لا يملك لغيره نفعا ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، فكيف بغيره من الناس، فعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، هو النافع الضار، المعطي المانع، جل وعلا، فليس لأحد أن يدعو غير الله من الأموات أو الغائبين، أو الأشجار أو الأحجار أو الجن، أو الملائكة، بل هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، وليس له أن يعتقد في أحد من أنه ينفع ويضر دون الله، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله، ويدعى من دون الله، كل هذا اعتقاد باطل وكفر، نسأل الله العافية؛ أما الحي الحاضر، القادر، يقول: يا أخي أعني على كذا، لا بأس. الحي الحاضر، تقول له: ساعدني على إصلاح سيارتي، على عمارة بيتي، على مزرعتي، وهو قادر يسمعك ويستطيع أن يساعدك بما يسر الله، لا بأس. هذه أمور جائزة فيما بين الناس، قال تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) ؛ لأنه حي يسمع كلامه، وموسى يقدر أن يغيثه، فلا بأس بهذا أما دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، أو الغائبين يعتقد فيهم أنهم يسمعون دعاءه وينفعون ويضرون، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عمل الجاهلية الأولى، نسأل الله العافية ولو قال: إني ما قصدت أنهم ينفعون ويضرون، ولو قال: أقصد أنهم شفعاء عند
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188
(2) سورة القصص الآية 15(2/169)
الله، هذا شرك المشركين، المشركون ما قصدوا أنهم ينفعون ويضرون، بل أرادوهم شفعاء عند الله، وأرادوهم أن يقربوهم إلى الله، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ، قال الله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) ، فسمى عملهم هذا شركا، وقال سبحانه وتعالى في سورة الزمر: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) ما قالوا لأنهم ينفعون ويضرون، لا، قالوا: يقربونا إلى الله زلفى، هذه عقيدتهم، يعلمون أن النافع الضار هو الله وحده، ولكنهم يطلبون من الأولياء أو من الأنبياء، أو من الملائكة الشفاعة إلى الله، ليعطيهم مطالبهم، ويزعمون أنهم شفعاء وأنهم يقربون إلى الله، ولا يعتقدون أنهم يتصرفون في الكون، أو ينفعون أو يضرون، لا، ليس هذا من اعتقاد الجاهلية، ومع هذا كفرهم الله وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على شركهم هذا، فالواجب على كل من يدعي الإسلام أن يتبصر ويتفقه في دينه، وأن يحذر التعلق بأهل القبور ودعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم، وأن هذا هو شرك الجاهلية، كما يفعل هذا بعض الناس عند قبر السيد البدوي، أو السيد الحسين، أو الشيخ عبد القادر في العراق، أو غيرهم كل هذا شرك بالله لا يجوز لا مع الحسين، ولا مع البدوي، ولا مع
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 3(2/170)
الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولا مع غيرهم من الناس، ولا مع ابن عربي في الشام، ولا مع غيرهم؛ الواجب الإخلاص لله في العبادة؛ لأنه حقه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1) ، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، يعني أمر وأوصى ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3) ، وقال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) هذا أصل الدين وأساس الملة، وهذا أعظم واجب وأهم واجب، أن تعبد الله وحده، بدعائك ونذرك وذبحك وصلاتك وصومك وغير ذلك، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6) ، والنسك يطلق على الذبح وعلى العبادة، فكما أن الصلاة لله، هكذا الذبح لله، فالذي يذبح للجن، أو يتقرب لأصحاب القبور، أو الأشجار والأصنام بالذبائح، هذا شرك بالله عز وجل. وهكذا دعاؤهم والاستغاثة بهم وطلبهم المدد، الذي يقف على قبر ويقول: المدد، أو يدعوهم من قريب، يا سيدي البدوي، أو يا سيدي الحسين المدد المدد، أو يا سيدي عبد القادر المدد المدد، هذا الشرك الأكبر، هذا شرك بالله عز وجل وعبادة لغيره. قال سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7) ،
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البقرة الآية 21
(4) سورة الذاريات الآية 56
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الجن الآية 18(2/171)
(أحدا) عام يعم الأنبياء وغيرهم، نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء والملائكة والجن والإنس، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) ، يعني: المشركين، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فسمى دعاة غير الله: كفارا، ولو قالوا: ما نسميه إلها، ولو قالوا: نسميهم سادة، أو نسميهم أولياء، متى دعوهم واستغاثوا بهم، فقد جعلوهم آلهة، وإن لم يسموهم آلهة، فلا عبرة بالأسماء، العبرة بالحقائق، فالذي يعبده من دون الله ويستغيث به، قد جعله إلها، وإن لم يسمه إلها، وإن قال: هو السيد، أو هو الولي، أو هو كذا، أو كذا بأسماء أخرى، الاعتبار في الأمور بالحقائق، والمعاني، لا بالألفاظ. نسأل الله أن يهدي إخواننا جميعا المسلمين، ونسأل الله أن يرشد الجاهل للحق على الهدى، وأن يكثر في المسلمين علماء الحق، وعلماء الهدى، حتى يبصروا الناس، وحتى يرشدوهم إلى توحيد الله، وإلى الحق الذي بعث الله به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، ونسأل الله أن يهدي الجاهل إلى أن يتعلم، ويسأل، ويتبصر، ولا يرضى بالتقليد الأعمى، ونصيحتي لجميع من يتصل بالقبور، أو يدعو القبور، أو يجهل أحكام الله، نصيحتي
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة المؤمنون الآية 117(2/172)
للجميع أن يسألوا العلماء، علماء الحق، علماء السنة، أهل البصيرة، يسألوهم، مثل أنصار السنة في مصر، مثل علماء السنة في الشام، في الأردن، في أي مكان، علماء الحق المعروفين بالسنة والتوحيد، والإخلاص، والبصيرة، وهكذا في كل مكان، في إفريقيا، وفي أوروبا، وفي أمريكا، في كل مكان. الواجب على من جهل الحكم أن يسأل، ولا يقدم على شيء على غير بصيرة، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) .
وروي عنه عليه السلام أنه قال لقوم أفتوا من غير علم: «ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال (2) » وكان الصحابة يسألونه عليه الصلاة والسلام، ويعلمهم ويجيبهم، حتى النساء يسألونه ويجيبهم. وقال له بعض النساء: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا يوما نسألك ونتحدث إليك، فوعدهن وجمعهن في مكان، وأتاهن وسألنه عن حاجاتهن، عليه الصلاة والسلام. فالواجب على العلماء أن ينبسطوا للجهلة حتى يعلموهم، وأن يعتنوا بالكتاب والسنة، وأن تكون الفتاوى من الكتاب والسنة، لا من التقليد الأعمى، بل من كتاب الله العظيم، وسنة رسوله
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند ابن عباس رضي الله عنهما، برقم 3048، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب: في المجروح يتيمم، واللفظ له، برقم 337، وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه، برقم 572.(2/173)
الأمين، على العالم أن يتبصر من طريق الكتاب والسنة، وأن يعلم الناس على ضوء الكتاب والسنة، ويرشدهم إلى أحكام الله التي دل عليها كتابه العظيم، وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، وأن يحذر التساهل في هذه الأمور. رزق الله الجميع الهداية التوفيق.(2/174)
59 - حكم الطواف بالقبور
س: ما حكم من يطوف بالقبور للتبرك، ولا يدعو أصحابها من دون الله، هل يعذر بالجهل أم لا؟ (1)
ج: إذا طاف بالقبور يتقرب إلى الميت، ويرجو شفاعته عند الله بذلك، فهذا كفر أكبر، مثل إذا دعاه واستغاث به، أما إذا طاف يحسب أن هذا مشروع، وهو يتقرب إلى الله، لا إلى الميت، وهو يحسب أنه مشروع، فهذا من الكبائر ومن البدع العظيمة، والواجب تعليمه حتى يبتعد عن هذا الأمر، والغالب على عباد القبور، التقرب إلى أهلها بالطواف، والدعاء والاستغاثة، وهذا هو الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك، وهذه هي عبادة المشركين، وهذه حالهم يتصرفون هذا التصرف، حول القبور، يرجون شفاعة أهلها عند الله، وهذا هو الشرك الأكبر، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يعذرهم الله سبحانه بل قال: {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2)
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط، رقم 308.
(2) سورة يونس الآية 18(2/174)
فسماه شركا، وقال في سورة الزمر في حق عباد غير الله، قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) ، ثم قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2) ، فسماهم الله كذبة كفرة، بقولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، هم كذبة في قولهم: {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) وهم كفرة بهذا الفعل، بدعائهم إياهم واستغاثتهم بهم، ونذرهم لهم، وذبحهم لهم، وطوافهم بقبورهم، والتقرب إليهم إلى غير هذا من العبادات، كله كفر بالله، وكله شرك أكبر، نعوذ بالله من ذلك، ومن كان بين المسلمين لا يعذر بالجهالة بل هو مشرك، لأن عليه أن يسأل ويتبصر، أما إذا كان في بلاد لا يبلغها الإسلام، ولم يبلغها دعاة الإسلام، فهو كسائر أهل الفترات، الذين تبلغهم الدعوة، هؤلاء أمرهم إلى الله، يوم القيامة، والصواب فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون بأي شيء، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، ولكن إذا كانوا أحياء في هذه الدنيا، يعاملون معاملة الكفرة، لا يصلى عليهم، ولا يغسلون إذا ماتوا على الكفر بالله على عبادة الأصنام ونحوها، أما إذا كانوا بين المسلمين يسمعون القرآن، يسمعون السنة هؤلاء لا يعذرون، بل هم كفار بهذا العمل، نعوذ بالله، ويعاملون معاملة الكفرة.
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة الزمر الآية 3(2/175)
60 - حكم التبرك بقبور الأولياء
س: سماحة الشيخ لدينا أشخاص يحافظون على الصلوات في أوقاتها، ويتصدقون ويصومون، ولكنهم يتبركون بأناس يدعون بأنهم أولياء، ويذبحون عند قبورهم، ما الحكم في هؤلاء، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الذي يتعاطى الشرك تبطل أعماله ولو صلى وصام، فالذي يتصل بأهل القبور، يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم أو يتبرك بقبورهم ويتمسح بها ويقبلها؛ يرجو بركتها هذا كفر أكبر والعياذ بالله، وهكذا من يتمسح بمن يظن أو يقول: إنهم صالحون، يعتقد فيهم البركة، وأنه إذا تمسح بهم جاءته بركة من عندهم، أو أنهم يشفعون له عند الله، أو يقربونه إلى الله، مثل فعل الكفار هذا لا يجوز، قال الله جل وعلا في الكفرة: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2) ، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) ، هم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4) ، {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) سماهم الله كذبة كفرة،
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 377.
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة الزمر الآية 3(2/176)
فالواجب الحذر من هذا، فلا يذبح عند القبور، ولا يتمسح بالقبور، أما إذا أراد الذبح، الذبح لله ولكن يحسب أن الذبح عند القبور طيب، وهو أراد لله هذه بدعة، تصير بدعة ما يصير كفرا، أما إذا ذبح يتقرب لأصحاب القبور، يريد أنهم يشفعون له أو ينفعونه يوم القيامة بهذه الذبيحة هذا هو شغل المشركين، والله يقول: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1) ، ويقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ} (3) المقصود به الذبح.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (4) » .
الخلاصة: أن الواجب إخلاص العبادة لله وحده: في الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والذبح والنذر، وغير ذلك يكون لله وحده، فلا يذبح لصاحب القبر ولا للصنم ولا للنجوم ولا للجن، ولا يستغيث بهم ولا ينذر لهم، ولا يلجأ إليهم عند الملمات، بل يستغيث بالله وحده، وينذر لله وحده سبحانه وتعالى هو المستحق أن يعبد جل وعلا، وهكذا لا يتبرك بالقبور، ولا يتمسح بها يرجو بركتها، ولا بالناس بفلان وفلان، يرجو بركته، كل هذا لا يجوز، وإذا ظن أن هذا الرجل بنفسه يحصل له البركة منه صار شركا أكبر، أما إذا ظن أن
__________
(1) سورة الكوثر الآية 2
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/177)
هذا مناسب وأنه مستحب يكون بدعة، ما كان يفعل إلا مع النبي خاصة، هذا لا يجوز إلا مع النبي خاصة لأنه أقرهم على التبرك بوضوئه، وبشعره وبعرقه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله جعله مباركا، أما غيره فلا، ولهذا لم يفعله الصحابة مع الصديق، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي ولا مع غيرهم، لعلمهم أن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره: التبرك بشعره، التبرك بعرقه وبوضوئه هذا خاص به صلى الله عليه وسلم، أما غيره فبدعة لا يجوز، وإذا اعتقد أنه يحصل له البركة من هذا الشخص صار كفرا أكبر، نسأل الله العافية.(2/178)
61 - حكم الدعاء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
س: السائل يقول: ما رأي فضيلتكم فيمن يقول في دعائه: نسأل الله التوفيق والسداد والنجاح ببركة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يعد ذلك من التبرك بجاه النبي (1) .
ج: هذا من الوسائل غير الشرعية، هذه بدعة من وسائل الشرك إذا قال: اللهم إني أسألك ببركة النبي أو بجاه النبي أو بحق النبي أو بحق الأنبياء، هذه بدعة، ولكن يسأل الله بأسمائه وصفاته؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) ، فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط، رقم 367.
(2) سورة الأعراف الآية 180(2/178)
بأنك الرحمن الرحيم بأنك العزيز الحكيم وما أشبه ذلك، أو يسأله بإيمانه وتوحيده، اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك وبإخلاص العبادة لك، يسأل بتوحيده وإيمانه أو بالأعمال الصالحة بإقامتي الصلاة بأدائي للزكاة، بحبي لله ولرسوله، كل هذه وسائل شرعية، ومن هذه قصة أهل الغار الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة وهي قصة غريبة عظيمة ثابتة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وهي «أن ثلاثة كانوا في البرية، فاضطرهم الليل والمطر إلى غار، بجبل فدخلوا فيه للمبيت وأثناء المطر انحدرت صخرة عظيمة من أعلى الجبل فسدت عليهم الغار ابتلاء وامتحانا، فأرادوا زحزحتها فلم يستطيعوا لأنها عظيمة فقالوا فيما بينهم: إنه لا ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما لا أهلا ولا مالا - الغبوق اللبن الذي يشرب بعد العشاء - الحليب - فجئت ذات ليلة بغبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أسقي قبلهما أهلا أو مالا فوقفت بالقدح أنتظر لعلهما يستيقظان فلم يزل ذلك بي حتى طلع الفجر فلما استيقظا أسقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء حتى رأوا السماء لكن لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء وإني أردتها على نفسها ذات يوم - أراد الزنا منها - فأبت فألمت بها سنة، ألمت بها حاجة وجاءت(2/179)
إليه تطلبه الرفد فقال: لا حتى تمكنيني من نفسك، فعند الضرورة وافقت، فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وكان قد أعطاها مائة وعشرين دينارا - يعني مائة وعشرين جنيه ذهب - فلما قالت هذا الكلام له خاف الله وقام ولم يجامعها وترك لها الذهب كله، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم إني فعلت هذا ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء أيضا لكن لا يستطيعون الخروج؛ ثم قال الثالث: اللهم إنه كان عندي أجراء فأعطيتهم أجورهم إلا واحدا بقي أجره عندي فنميته وثمرته حتى صار منه إبل وبقر وغنم ورقيق وإن كان طعاما فهو مثلا: قمح أو شعير أو أرز فجاءه الرجل يقول: يا عبد الله أعطني مالي، جاءه بعد مدة يقول: يا عبد الله مالي عندك أجرتي. فقال له هذا الذي ترى كله مالك، الإبل والبقر والغنم والرقيق كلها من مالك، فقال الرجل يا عبد الله لا تستهزئ بي أعطني مالي أجرتي. قال كل هذا من أجرتك فأخذه واستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا (1) » . هذا كله يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الإجابة، أما التوسل بجاه محمد وببركات النبي أو بحق النبي محمد أو بحق الأولياء أو بحق الأنبياء هذا بدعة ليس من الشرع إنما التوسل بأسماء الله وبصفاته وبالأعمال الصالحات.
__________
(1) البخاري الإجارة (2152) ، مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743) ، أحمد (2/116) .(2/180)
63 - حكم سؤال الأشخاص الذين يتنبئون بأشياء مستقبلية
س: يقول: يوجد لدينا أشخاص، يقال عنهم أناس صالحون، يزورهم الناس في بيوتهم، للتعرف على أشياء معينة، مثل أن يذهب إليهم الشخص، فيقول له: أنت ناجح في دراستك، أو إذا أراد إنسان أن يحفر بئرا يأتي به فيقول: احفر في هذا المكان، وبالفعل يحفر ويخرج الماء، مع أنه حفر قبل ذلك في نفس المنطقة وعلى بعد أمتار قليلة ولم يجد ماء، ونجد أن هؤلاء الأشخاص يتنبئون بأشياء مستقبلية، فيقول مثلا: لن يعمر هذا المبنى كثيرا، أو أن هذا العام سيكون خصبا، ويسألون عن الأحكام في مثل هذه القضايا، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هؤلاء فيهم تفصيل. إن كانوا يدعون هذا من دون أسباب فهؤلاء مخرفون ومن جنس الكهنة والمنجمين، لا يصدقون ولا يسألون، وينكر عليهم، ويجب على ولاة الأمور أن يستتيبوهم وأن يعاقبوا من فعل هذه الأمور، لأن هؤلاء ظاهرهم دعوى علم الغيب، ودعوى ما يعظمهم عند الناس، فيغرون الناس ويشبهون عليهم، بأن عندهم معلومات غيبية. أما إذا كان أسباب ذلك واضحة، مثل إنسان يتعاطى علم مواضع الماء وقد جرب، ويذهب إلى المحل وينظر فيه، ويتأمل
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 258.(2/181)
الأسباب، مما حوله من الأودية والأشجار، والنباتات، ويقول: هذا محل ماء، هذا لا بأس به، يعرف بالقرائن، لأن لمعرفة الماء أسبابا، كذلك إذا كان يقول له: ناجح في دراستك، إذا اختبره وسأله عن مسائل وظهر له من حاله أنه جيد، فقال: إن شاء الله إنك تنجح، هذا له وجه. أما أن يقولها على الغيب، وهو ما اختبره ولا عرف ما عنده، هذا باطل، ودعواه باطلة. الله هو الذي يعلم الغيب سبحانه وتعالى، لا يعلمه سواه جل وعلا.
المقصود أن هؤلاء يدعون علم الغيب ويتنبئون بأشياء بدون أسباب هؤلاء مخرفون ضلال، يجب القضاء عليهم بالتأديب، ومنعهم من هذا الأمر، إلا إنسان يتعاطى ذلك بأسبابه الشرعية، مثل ما تقدم، يختبر الولد ويعرف قوته في الدراسة، وفي الدرس الذي يقرأ فيه، يقول له: إن شاء الله تنجح، لأنه ظهر له نوع من النبوغ والحذق، أو إنسان ذهب به إلى محل الماء، إلى الأرض التي يحفر فيها وتأمل موضع الماء وما حوله من الجبال، وما حوله من الأشجار، وظهر له أن المحل فيه ماء، لأنه قد جرب هذه الأمور، وعرف أمرها، هؤلاء قد يصيبون كثيرا، وقد يغلطون ولا يصيبون، وهذا واقع، لكن هذا ممكن كما ذكر ابن القيم وغيره، من أهل العلم أن الماء له علامات. أما إنسان يدعي هكذا من دون أن يذهب، ومن دون أن يراجع، هذا كذاب.(2/182)
باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين(2/183)
باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين
63 - تعريف الولي
س: يسأل عن الأولياء في بلدهم وعن طرقهم، ويرجو التوجيه من سماحة الشيخ؟ (1)
ج: الأولياء هم المؤمنون، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأتباعهم بإحسان هم الأولياء هم أهل التقوى هم أهل الصلاح المطيعون لله ورسوله، هؤلاء هم أولياء الله سواء كانوا عربا أو عجما بيضا أو سودا، أغنياء أو فقراء، حكاما أو محكومين، هم أولياء الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم من سورة يونس: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3) هؤلاء هم أولياء الله الذين أطاعوا الله ورسوله واتقوا غضبه فأدوا حقه، وابتعدوا عما نهى عنه سبحانه وتعالى، هؤلاء هم الأولياء، وهم المسلمون الصالحون، وهم المهتدون، وهم أهل الإيمان والتقوى،
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم82.
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63(2/185)
ليسوا أهل الشعوذة ودعوى الخوارق الشيطانية، أو الكرامات المكذوبة، لا. هم المؤمنون، سواء أعطوا كرامة، أو ما أعطوا كرامة، أكثر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم أتقى الناس، وأفضل الناس بعد الأنبياء وهم أولياء الله ليس لهم كرامات خارقة؛ لأن إيمانهم قوي لا يحتاجون معه إلى خوارق، فليس من شرط الولاية أن يعطى خارقا يخرق العادة بأن يعطى طعاما من طريق لا يعرف أو شرابا من طريق لا يعرف أو أموالا أو غير ذلك لا، العلامة والصفة هي تقوى الله والإيمان بالله هذا هو الولي، إذا اتقى الله جل وعلا وأطاع أوامره وترك نواهيه، هؤلاء هم أولياء الله.
وقال سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (1) إن نافية معناه: ما أولياؤه إلا المتقون، هؤلاء هم أولياء الله أهل التقوى، الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبسائر المرسلين وصدقوا بكل ما أخبر به الله ورسوله، وانقادوا لشرع الله فأدوا ما فرض عليهم، وتركوا ما حرم عليهم، هؤلاء هم أولياء الله، ولكن مع ذلك ليس لأحد أن يعبدهم مع الله، فهم مخلوقون، ليس لهم تصرف في الكون، بل هم عبيد من عبيد الله كالملائكة كما قال سبحانه في الملائكة: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (2) هؤلاء كذلك من الإنس عباد مكرمون، لا يجوز أن يعبدوا مع الله، فلا ينذر لهم ولا يتمسح بقبورهم ولا يطاف بهم، ولا يدعون مع الله، كأن يقول: يا سيدي
__________
(1) سورة الأنفال الآية 34
(2) سورة الأنبياء الآية 26(2/186)
اشفع لي أو اشف مريضي، أو أنا في حسبك، أو أنا بالله وبك أو ما أشبه ذلك، أو يقول: المدد المدد عندما يقف على قبره أو من بعيد ويتوجه إلى جهة بلده ويقول: المدد المدد يا سيدي، أو يا فلان كل هذا من الشرك الأكبر، لا يجوز لأي إنسان أن يعبد الأولياء، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يطلب منهم المدد والعون والغوث، هذا لا يجوز، هذا لله وحده سبحانه وتعالى، يطلب من الله ويجوز طلبه من المخلوق الحي القادر لا بأس يكون حيا حاضرا قادرا، تقول يا أخي أغثني في هذا الأمر، أنا عندي عائلة كبيرة، وعلي دين أغثني بقرض أقرضني بكذا وكذا، أو ساعدني بكذا وكذا أو ساعدني على إصلاح السيارة تعطلت السيارة ساعدني إذا كان عنده قطع غيار، عنده معرفة يساعدك في إصلاحها، أو في المزرعة يساعدك على حصد أو على بذر، أو في عمارة بيت يساعدك على تعمير بيتك، وما أشبه ذلك من الأمور الحسية فلا بأس بهذا كان الصحابة يتعاونون يستغيث بعضهم ببعض في الحرب، يقول: أعني على كذا إذا تجمع عليهم جند من المشركين، تجمعوا وتعاونوا بصده، هكذا يتعاونون فيما ينوبهم من الحاجات والديون والحاجات الأخرى، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (1) » هكذا يقول صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه برقم 6951، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم برقم 2580.(2/187)
في الحديث الصحيح المتفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الآخر: «كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (1) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه؛ فالتعاون بين المسلمين أمر مطلوب كما قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) هذا ليس من الشرك أما إذا دعوت الميت أو الغائب الذي تعتقد أن فيه سرا أو الجبل أو الصنم أو الشجر أو الملائكة أو إنسانا حيا، ولكن تعتقد فيه أن له تصرفا ليس من جهة الأمور الحسية لا؛ وأنك لو دعوته ولو في ظهر الغيب، سمع كلامك ونفعك، وأن له خصوصية في قضاء الحاجات وأنه يعلم الغيب وأن له سرا يقضي به الحاجات، هذا هو الشرك الأكبر، هذا اعتقاد أهل الشرك في معبوداتهم من دون الله.
فالواجب التنبه لهذا الأمر، وأن يكون المؤمن عنده ميزة، عنده فرق يفرق بين حال الميت وبين حال الحي، حال الشجرة والحجر والصنم، وحال الحي القادر الذي يسمع كلامك، أو تكاتبه مكاتبة، أو تكلمه بالهاتف تقول: ساعدني على كذا، أو بالتلكس من هذه الوسائل الجديدة، كأنه حاضر، أما أن تقول للميت أو للشجر أو للحجر أو
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم 2699.
(2) سورة المائدة الآية 2(2/188)
للجن، وتطلبهم وتسألهم هذا هو شرك المشركين، هذا لا يجوز؛ لأنه يقع عن اعتقاد وعن سر فيهم، ترى أنهم أهل لأن يتصرفوا في الكون وأنه عندهم مزية خاصة يستطيعون بها كذا وكذا، وإن لم تباشرهم بالكلام وإن لم يحصل لهم قوة حسية، هذا يقع لكثير من المشركين يعتقدون في معبوداتهم أنها تتصرف في الكون، وأن لها كرامات بحيث تقضي لهم حوائجهم وتسعفهم بطلباتهم، وإن كانوا أمواتا وإن كانوا غائبين لا يسمعون ولا يعون، وهذا من الشرك الأكبر، الذي قال الله فيه سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، وقال فيه سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (4) ، تبين أن دعاء الأموات من دون الله ودعاء الأصنام ودعاء الأشجار والأحجار كله شرك وفي الآية الأخرى قال كفر: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5) .
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117(2/189)
فوجب على كل من له أدنى بصيرة، وكل مكلف وكل عاقل أن يحذر الشرك بالله بجميع أنواعه وصوره وألا يدعو إلا ربه سبحانه وتعالى، ويخصه بالعبادة دون سواه جل وعلا، وأما الأمور العادية التي تقع بين الناس من طريق الأسباب الحسية، فقد عرفت أيها المستمع أن هذه لا حرج فيها، هذه أمور حسية تقع بين الناس، في أمور يحتاجون إليها، فيقول الإنسان لأخيه، وهو يسمع كلامه، يقول: يا أخي أقرضني كذا، ساعدني على كذا، أو يكتب له أو يكلمه هاتفيا أنك تساعدني بكذا أو تشتري لي كذا، هذه أمور عادية حسية لا حرج فيها.(2/190)
64 - مذهب أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء
س: هناك بعض من الناس لا يعترفون بكرامة الأولياء، فهل من توجيه حولهم جزاكم الله خيرا، وكيف يكون الاعتراف بكرامة الأولياء؟ (1)
ج: الأولياء هم أهل الإيمان، هم المؤمنون بالله ورسوله، والرسل وأتباعهم هم أولياء الله؛ قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) ثم قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3) ، فأولياء الله هم أحباؤه، هم الرسل وأتباعهم
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 341.
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63(2/190)
المستقيمون على الحق، ولهم كرامات هي في حق الأنبياء تسمى معجزات، وفي حق الأولياء تسمى كرامات، يعني خرقا للعادة لحجة أو حاجة، إما لإقامة حجة لإظهار الحق، وإما لحاجة أصابتهم لفقر أو غيره، فيسهل الله لهم ما يعينهم بأسباب خارقة للعادة، مثل قصة أهل الكهف لما أنامهم الله النومة الطويلة ثم أحياهم، وكفاهم شر أعدائهم، ومثل عباد بن بشر وأسيد بن حضير، لما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، ثم خرجا منه في ليلة ظلماء أضاءت لهما أسواطهما نورا، حتى وصلا إلى بيوتهما هذه من آيات الله. وقصة الطفيل بن عمرو الدوسي، لما أسلم وطلب من النبي آية لقومه لعلهم يهتدون دعا الله له، وجعل الله له آية، نورا بين عينيه، فقال يا رب في غير هذا فجعله الله في سوطه، إذا رفعه صار له نور عظيم، آية لقومه لعلهم يهتدون، فهداهم الله بأسبابه ولهذا أمثال.
س: هذا السائل يقول: هل صحيح أن الأولياء تحدث لهم كرامات خارقة للعادة، كالمشي على الماء، والمكاشفات كالنظر إلى اللوح، وظهور الملائكة وغير ذلك؟ (1)
ج: نعم الأولياء لهم كرامات خرقا للعادة، إذا كانوا مستقيمين على طاعة الله ورسوله، قد تقع لهم كرامات عند حاجتهم، أو عند
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 401.(2/191)
إقامة الحجة على غيرهم، قد يخرق الله لهم العادة بكرامة، ومن ذلك ما وقع لعباد بن بشر، وأسيد بن حضير، كانا زارا النبي في ليلة مظلمة، فلما خرجا من عنده أضاءت لهما أسواطهما كالسراج في الطريق حتى وصلا إلى أهلهما، كرامة من الله لهما، ومن هذا قصة الطفيل الدوسي رئيس دوس، لما أسلم وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له آية حتى يصدقه قومه، فصار له نور في وجهه مثل السراج لما أتى أهله، فقال يا ربي في غير وجهي فجعلها الله في سوطه، إذا رفعه استنار كالسراج، فأسلم قومه على يديه، وهداهم الله بأسبابه، وهناك وقائع أخرى لأولياء الله، عند الشدائد مثل ما وقع لجريج، لما ظلمته البغي، قالت: إنه زنى بها وأنها حملت منه، وهي كاذبة، فجاءه أهل بلده، وهدموا عليه صومعته، فقال: ما بالكم؟ قالوا: زنيت بهذه، فقال: سبحان الله ما زنيت بها، هاتوا الغلام؟ فجاءوا بالغلام، ووضع إصبعه على الغلام، وهو لتوه مولود، فقال: من أبوك يا هذا؟ فقال: أبي فلان الراعي، الذي زنى بالمرأة، فلما أنطقه الله وهو صغير، قالوا: نعيد لك صومعتك من الذهب؟ فقال: لا، ردوها طينا كحالها الأولى، المقصود براءتي مما رميتموني به، الحمد لله؛ والقصص كثيرة في هذا.(2/192)
س: ماذا عن الكرامات التي وهبها الله سبحانه وتعالى لأوليائه الصالحين، وهل هناك ما يثبت أن لبعض الناس كرامة معينة، وأن هناك أدلة تثبت أن لهذا المرء كرامة وإلا لما حصل ما هو كذا وكذا؟ (1)
ج: الكرامات للأولياء ثابتة عند أهل السنة والجماعة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وأنها حق، وهي خوارق العادات التي يخرقها الله لبعض أوليائه إما لحاجة أو لإقامة حجة على أعداء الله، لنصر الدين وإقامة أمر الله عز وجل، فتكون لأولياء الله المؤمنين، تارة لحاجتهم كأن يسهل الله له طعاما عند جوعه، أو شرابا عند ظمئه، لا يدري من أين أتى، أو في محل بعيد عن الطعام والشراب أو نحو ذلك، أو بركة في طعام تكون واضحة، أو غير ذلك من الخوارق للعادة، والميزان في ذلك أن يكون مستقيما على الكتاب والسنة لا تكون كرامة خارقة إلا إذا كان الشخص معروفا بالاستقامة على دين الله ورسوله، أما إذا كان منحرفا عن الشريعة فليست كرامة، ولكنها من خوارق الشياطين، ومن فتن الشياطين، وإنما تكون الكرامة لأولياء الله المؤمنين، الذين عرفوا بالاستقامة على دين الله، واتباع شريعته، فما خرق الله لهم من العادات تسمى كرامة، ومن ذلك قصة الصديق، والطعام الذي قدمه لأضيافه، فصاروا كلما أخذوا لقمة ربا
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 304.(2/193)
من تحتها ما هو أكثر منها، حتى فرغوا من الأكل، وبقي الطعام أكثر مما كان، فهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك ما جرى لعباد بن بشر، وأسيد بن الحضير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لما خرجا من عنده في ليلة ظلماء، أضاءت لهما أسواطهما في الظلمة، فلما انصرف كل واحد منهما إلى بيته، أضاء له سوطه حتى وصل إلى بيته، فهذا من كرامات الله لأوليائه سبحانه وتعالى، وهكذا ما أشبه ذلك مما يقع لأولياء الله.
س: السائل: أ. أ. من السودان يقول: هل هناك أشخاص يعلمون الغيب بعد ارتضاء الله لهم غير الرسل والأنبياء؟ وما الفرق بين ذلك؟ وأيضا عن كرامات الأنبياء التي يجريها الله عز وجل على ألسنتهم، وهي في الحقيقة غائبة عن النظر، كتلك التي قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " يا سارية الجبل " وغير ذلك؟ (1)
ج: الغيب لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه الرسل ولا غيرهم، وإنما يعلم الرسول ما أوحي إليه، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2) ، وقال: عالم {الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (3) {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (4)
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط، رقم 396.
(2) سورة النمل الآية 65
(3) سورة الجن الآية 26
(4) سورة الجن الآية 27(2/194)
فقد يخبره بعض المغيبات، كما أخبر الله نبينا عن أشراط الساعة، وعن بعض أمور الجنة والنار إلى غير ذلك، فالغيب لا يعلمه إلا الله، لكنه سبحانه يطلع بعض أنبيائه ورسله على بعض الغيب، والأنبياء لهم معجزات وهي كرامات ومعجزات تدل على صدقهم وأنهم رسل الله كالعصا لموسى واليد التي أظهرها موسى لفرعون تخرج يده بيضاء من غير سوء والعصا، بينما هي عصا صارت حية تسعى، آيتان من آيات الله، ومعجزتان لموسى على أنه نبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما وقع لنبينا عليه الصلاة والسلام، ينبع الماء بين أصابعه يراه الناس في الإناء ويشربون ويأخذون في أوعيتهم، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم تبوك وكانت العين تبض ماء قليلا، فتوضأ وصب الماء، رمى سهمه في البئر حتى جاشت بالماء عليه الصلاة والسلام.
كل هذه من معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والأولياء الصالحون لهم كرامات، أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم كرامات يكرمهم الله بها، تخرق العادة، لكنها ليست معجزة إنما هي كرامة للولي الذي هو من الصالحين، وليس نبيا، كما جرى لعباد بن بشر وأسيد بن حضير في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لما سريا من عند النبي في آخر الليل، قاما من عنده صلى الله عليه وسلم بعد ما سمرا عنده، وخرجا على بيوتهما في(2/195)
ليلة مظلمة، فأضاءت لهما أسواطهما كالسراج كل واحد سوطه صار سراجا له، هذه من آيات الله ومن كرامات أوليائه، وهكذا الطفيل الدوسي لما طلب من النبي آية يدعو بها قومه، سأل الله أن يعطيه آية، فصار نور له في جبهته في وجهه، فقال: يا رب في غير وجهي، فجعله الله في سوطه، إذا رفعه استنار فدعا قومه، فأسلموا.(2/196)
65 - أولياء الله هم أهل التقوى
س: هناك بعض الذين يدعون أنهم أولياء، وهم يقومون بأعمال غريبة، وبعض الناس يصدقونهم، فأرجو منكم توضيح حقيقتهم؟ (1)
ج: ولي الله هو المؤمن الذي يطيع الله ورسوله، هذا هو ولي الله، يقول الله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) ، ثم قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3) ، هؤلاء هم أولياء الله، وقال سبحانه في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (4) ، فأولياء الله هم أهل التقوى، أهل
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 299.
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63
(4) سورة الأنفال الآية 34(2/196)
طاعة الله ورسوله، هؤلاء هم أولياء الله، أما الخرافيون المشعوذون، الذين يأتون بالمعاصي أو يلبسون على الناس بأنهم أولياء، بأشياء مبتدعة أو بدعوة أصحاب القبور، أو بالصلاة عند القبور وما أشبه ذلك، هؤلاء ليسوا من الأولياء، أولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى، المطيعون لله ورسوله، هؤلاء هم أولياء الله.
أما أهل الخرافات والشرك بالله، وأهل البدع أو المتصوفة الذين يأتون بالبدع المخالفة لشرع الله، هؤلاء ليسوا بأولياء الله؛ إنما أولياء الله الملتزمون بطاعة الله ورسوله، التاركون لما حرم الله ورسوله من البدع والمعاصي.
س: هناك من يخلط بين الكرامة وشعوذة المشعوذين ومعجزات الأنبياء، فهل من توجيه في هذا، بارك الله فيكم؟ (1)
ج: القاعدة لا تكون كرامة إلا إذا كان العبد مستقيما على دين الله معروفا بالخير والاستقامة على طاعة الله، وطاعة رسوله ومن أهل التوحيد والإيمان، فهذه كرامة وإلا فهي من الشعوذة ومن تزيين الشيطان، ومن أعمال الشياطين يغر بها الناس، فإذا كان الرجل غير مستقيم فهذه علامة أن ما جرى على يديه من الشعوذة وليست بكرامة.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط، رقم 341.(2/197)
66 - حكم التقرب للأولياء بالذبائح
س: هل يصح زيارة الولي في المسجد للرجل أو للمرأة؟ وحينئذ يكون هناك شرك بالله، إذا وضعت أو حملت له في مرة قادمة خروفا لهذا الولي ومبلغا معينا من المال؟ (1)
ج: الولي علمه عند الله عز وجل، والمؤمنون كلهم أولياء الله، فما يظنه بعض الخرافيين من أن الولي يكون له صفة أخرى زائدة على صفات أهل الإيمان، من بعض الخرافات وخرق العادات ونحو ذلك، فهذا ليس بصحيح، فكثير من الأولياء لا يجري على أيديهم خرق للعادات، فأولياء الله هم أهل الإيمان، وإن لم توجد لهم كرامات خاصة، قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (2) .
فالمؤمن ولي الله، سواء كان عربيا أو عجميا، ذكرا أو أنثى، عالما أو غير عالم، فأولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى؛ فزيارتهم في الله للمحبة في الله في المسجد، أو في بيوتهم، التزاور بين المؤمنين سنة، قربة وطاعة. جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عز وجل: وجبت محبتي للمتزاورين في والمتجالسين في
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط، رقم 176.
(2) سورة يونس الآية 63(2/198)
والمتحابين في والمتباذلين في (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «يقول الله جل وعلا يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي (2) » .
فالمؤمن يزوره أخوه في الله في بيته أو في المسجد، وتزوره أخته في بيته أو في المسجد، وتزوره أخته في الله إذا كانت الزيارة ليس فيها ريبة، كأن تزور أخاها أو عمها أو خالها أو قريبا لها أو جارا لها مريضا تعوده، أو تسأله عن علم، مع التحجب ومع عدم الخلوة، لا بأس بذلك. فالمؤمن يزوره إخوانه المؤمنون وتزوره أخته المؤمنة، على وجه شرعي ليس فيه ريبة ولا فتنة، مع التستر والحجاب وعدم الخلوة لمصلحة شرعية من عيادة مريض أو سؤاله عن علم أو غير هذا من المقاصد الشرعية.
أما أن يذبح له من دون الله، أو يدعى من دون الله، لظن بعض الخرافيين أنه يتصرف في الكون، هذا باطل، هذا من الشرك الأكبر سواء كان حيا أو ميتا، فالذي يتقرب لقبور الأولياء يزعم أنهم يقضون حوائجه أو أنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يتصرفون في الكون هذا شرك أكبر، حتى ولو ما تقرب لهم، هذا الاعتقاد نفسه شرك
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه برقم 21497.
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب: في فضل الحب في الله، برقم 2566.(2/199)
أكبر، نسال الله العافية، فإذا ذبح لهم إبلا أو بقرا أو غنما أو دجاجا أو غير ذلك، هذا شرك أكبر أيضا، وإذا استغاث بهم، قال: يا سيدي فلان المدد أو اشفع لي، أو اقض حاجتي أو أغثني، يقوله عند قبره أو بعيدا عنه، كل هذا من الشرك الأكبر، أما إذا كان يقول لحي حاضر قادر، يقول: ساعدني على كذا، اشفع لي عند فلان، أو ساعدني على قضاء ديني، أو ساعدني على كف شر فلان ابن فلان، حتى يشفع له، حتى يتصل به، ويقول له: دع فلانا لا يؤذ فلانا، هذه أمور عادية لا بأس بها كما قال الله جل وعلا في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) .
فالناس ما داموا أحياء فيما بينهم يطلب بعضهم من بعض الرفد أو العون أو المساعدة، بالمشافهة أو بالمكاتبة أو من طريق الهاتف أو من طريق البرق " البرقية " أو ما أشبهه، لا بأس بهذا. أما أنه يدعوه من دون الله، يعتقد أنه ولي لله وأنه يتصرف في الكون، يدعوه من بعيد أو يدعوه عند قبره، أو يقدم له الذبائح، أو يستغيث به أو ينذر له وهو ميت أو غائب هذا شرك أكبر؛ فيجب الحذر من هذه الأمور التي يقع فيها العامة لجهلهم، أما الأمور الحسية العادية التي يفعلها الناس فيما بينهم، كأن تقول لأخيك الحاضر: يا فلان أقرضني كذا أو ساعدني على كذا أو عاوني في إصلاح سيارتي أو في بناء بيتي، وهو حاضر
__________
(1) سورة القصص الآية 15(2/200)
يسمع كلامك، أو من طريق المكاتبة أو من طريق الهاتف، يعني التليفون، أو من طريق البرق، أو من طريق حسي، أو طرق أخرى تكلمه منه، هذا كله لا بأس به؛ لأنها أمور عادية، وقد جرى بين الناس الآن اتصالات هاتفية واتصالات رسمية، كانت لم تكن قبل ذلك وقد وقعت الآن، فإذا كان الاتصال بالشيء الحسي المعروف، سواء سمي هاتفا أو سمي باسم آخر، تلكس أو غير ذلك، كل ذلك من الأمور الحسية فيما يقدر عليه الإنسان؛ أما أن يعتقد فيه أنه يتصرف في الكون، أو أنه يعلم الغيب فهذا كفر وشرك أكبر، أو يتقرب لقبره إلى الميت يتقرب إليه بالذبائح أو يستغيث به أو ينذر له أو يذبح له قرابين، كل هذا شرك أكبر، فيجب التفريق بين ما جاز شرعا وما حرم الله شرعا. نسأل الله للجميع الهداية.(2/201)
67 - حكم التقرب للأولياء بالهدايا
س: يوجد لدينا مقابر أولياء توفوا من قديم الزمان ويعتقد الكثير من الناس عندنا بأن لهم كرامات، فهم يأتون بالحلوى والأرز، والقهوة والتمر من بلد آخر ويقولون: إن هذه من كرامات هؤلاء الأولياء، ويؤكدون بأن ما كانت معجزة النبي كانت كرامة لولي، فهل هذا الاعتقاد صحيح، وهل من المعقول أن يحصل من هؤلاء الأولياء مثل هذه الأشياء، نرجو الإفادة والتوجيه. جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: كونهم يعتقدون أن الأولياء يأتونهم بكذا وكذا من الحلوى وغيرها هذا باطل، وهذا من لعب الشياطين، أما كونهم يتقربون إلى الأولياء بالحلوى إلى قبورهم، أو بالذبائح أو بغير هذا يرجون بركتهم أو شفاعتهم، هذا من الشرك الأكبر نسأل الله العافية.
فالواجب على المؤمن أن يحذر هذه الخرافات التي يفعلها كثير من الناس، فلا يجوز له أن يعتقد في المقبورين، سواء سموا أولياء أم لم يسموا أولياء، لا يجوز أن يعتقد فيهم أنهم يشفعون لمن ذبح لهم، أو دعاهم من دون الله، بل هم يشفعون لأولياء المؤمنين، المؤمن يوم القيامة، يشفع للمؤمن لا للمشرك، فالأنبياء يشفعون والملائكة
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 212.(2/202)
يشفعون، والمؤمنون يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون لكن لمن رضي الله قوله وعمله، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (1) ، فالشفاعة تكون لأهل التوحيد والإيمان، لا لأهل الشرك، والذي يظن أن الأولياء أو الأنبياء يشفعون للمشركين، الذين يعبدونهم مع الله ويدعونهم مع الله، فهذا غالط واعتقاده باطل، فلا يجوز أن يدعوا مع الله، ولا يسألوا الشفاعة ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم، كل هذا من الشرك بالله عز وجل، وإذا أردت شفاعة الأنبياء والمؤمنين فعليك بطاعة الله وتوحيده، واتباع شريعته والاستقامة على دينه.
فالأنبياء والأولياء والمؤمنون يشفعون لأهل التوحيد والإيمان، كما أن الملائكة تشفع والأفراط تشفع أيضا، لكن لمن رضي الله قوله وعمله، لأهل الإيمان، لأهل التوحيد، لا لأهل الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولكن الشياطين تلعب بكثير من الناس، وتزين لهم أن هؤلاء الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم ينفعون ويضرون، ويشفون مرضى الناس، إذا تقربوا إليهم بالذبائح أو النذور، هذا من الشرك الأكبر وهذا من ألاعيب الشيطان، وهذا من فعل الجاهلية، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2) ويتقربون لقبورهم وللأصنام التي صورت على صورهم، بقرابين من السجود والذبح وغير ذلك يزعمون أنهم بهذا
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 28
(2) سورة يونس الآية 18(2/203)
يشفعون لهم عند الله، وهذا عين الكفر، وهكذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) يعني عبدوهم مع الله، معتقدين أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، بذبحهم لهم، وسجودهم لهم ودعائهم إياهم واستغاثتهم بهم، وهذا هو الشرك الأكبر، فيجب الحذر من هذه الخرافات والضلالات، التي هي من أعمال الشياطين، ومن أعمال المشركين فلا يدعى مع الله أحد، لا ولي ولا غيره، ولا نبي ولا غيره، ولا ملك ولا غيره، بل يدعى الله وحده، ويسأل ويطلب منه قضاء الحاجات، وتفريج الكرب سبحانه وتعالى، أما المؤمن الميت، يدعى له بالمغفرة والرحمة، والحي يدعى له بالثبات على الحق، والأنبياء يصلى عليهم، عليهم الصلاة والسلام، ويدعى الله لهم، أن يجزيهم عما قاموا به خيرا، ولا يعبدون مع الله سبحانه وتعالى، العبادة حق الله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ، وقال تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) سماه شركا.
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة فاطر الآية 13(2/204)
فالواجب الحذر، وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) ومن زعم أن الولي يأتي بحلوى، أو يأتي بكسوة أو يأتي بذبيحة، أو يأتي بلحم، فهو غلطان، هذا من عمل الشيطان، الشياطين هي التي تأتي بهذه الأمور، حتى تشجعهم على الشرك، وعبادة غير الله سبحانه وتعالى، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 117(2/205)
68 - تحريم أجساد الأنبياء على الأرض خاص بهم دون غيرهم من الصالحين
س: الأخ: ع. ي. من المملكة الأردنية الهاشمية، عمان من دائرة التربية والتعليم، يقول: نعرف جميعا: أن الأرض قد حرمها الله على أجساد الأنبياء والشهداء، فهل حرمت أيضا على الصالحين؟ ومن هم الصالحون في التقييم الإسلامي وعند الله سبحانه وتعالى، وهل يعتبر سيف الله المسلول خالد بن الوليد من الصالحين؟ وهل حرمت الأرض على جسمه رغم أنه لم يمت شهيدا، ولكن قيمته بأكثر من قيمة الشهيد، وأيضا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 130(2/205)
وفي موضع آخر من القرآن الكريم قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2) {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (3) {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4) صدق الله العظيم، هنا ذكر الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين أن إبراهيم عليه السلام كان من الصالحين، فهل كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبيا، كما نعلم جميعا أم صالحا كما ذكر الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز، أرجو التوضيح تجاه هذه القضايا، جزاكم الله خيرا وعن المسلمين؟ (5)
ج: قد صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (6) » ، أما الشهداء الصالحون فلم يرد فيما نعلم ما يدل على تحريم أجسادهم على الأرض، وإنما ذاك في الأنبياء خاصة، كما جاء به الحديث، ولا ريب أن أصحاب
__________
(1) سورة النحل الآية 120
(2) سورة النحل الآية 121
(3) سورة النحل الآية 122
(4) سورة النحل الآية 123
(5) السؤال الأول من الشريط، رقم 112.
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسند المدنيين، حديث أوس بن أبي أوس الثقفي برقم 15739.(2/206)
النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الصالحين، وهكذا خالد بن الوليد هو من أصلح الصالحين رضي الله عنه وأرضاه، وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين كلهم من الصالحين وإن كانوا أنبياء فوصف الصالح يعم الجميع، وإذا أطلق الصالحون فهو يعم الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله المؤمنين الذين استقاموا على دينه، وأدوا حقه وحق عباده، يقال لهم صالحون كلهم، وهكذا قال الله جل وعلا في شأن إبراهيم سماه وأدخله في الصالحين لكونه ممن قام بحق الله وحق عباده؛ ولهذا قال جل وعلا: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (1) .
فهو مصطفى مختار، وهو خليل الرحمن وهو أفضل الأنبياء وأكملهم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ونبينا هو سيد ولد آدم، وهو خليل الله الثاني، فإبراهيم ومحمد هما الخليلان، وإبراهيم هو جده ومحمد حفيد إبراهيم، وهو أفضل الأنبياء ويليه في الفضل جده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام جميعا، وعلى سائر أنبياء الله ورسله، والصالحون إذا أطلقوا عموا الأنبياء والصالحين والشهداء، وجميع من اتقى الله وأدى حقه وحق عباده يقال له صالح، وإذا أضيفوا إلى الأنبياء والصديقين والشهداء صاروا غيرهم، كما في قوله جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (2) ، فجعل
__________
(1) سورة البقرة الآية 130
(2) سورة النساء الآية 69(2/207)
الصالحين في المرتبة الرابعة وهم غير الأنبياء وغير الصديقين وغير الشهداء، والمرتبة الأولى مرتبة الأنبياء والرسل، ثم يليهم مرتبة الصديقية، ثم يلي ذلك مرتبة الشهداء ثم عم الصالحين، والصالح من عباد الله هو الذي أدى حق الله وحق عباده، يقال له: صالح، أدى حق الله يعني أدى أوامره واجتنب نواهيه وأدى حق العباد فلم يظلمهم، بل أدى حقوقهم مثل حق الجوار، وحق المؤمن على أخيه، وحق الوالدين، وحق الرحم، إلى غير ذلك.
فالصالح من عباد الله هو الذي أدى حق ربه رغبة فيما عنده، وإخلاصا له سبحانه، وأدى حق العباد ولم يظلمهم، ولم ينقصهم حقوقهم، فهذا يقال له: صالح ويقال له: مؤمن، ويقال له: مسلم ويقال له: تقي؛ ويقال: له بر، فالصالحون هم الأبرار وهم الأتقياء وهم المتقون، وهم المؤمنون وهم المسلمون وهذه الأوصاف تشمل الأنبياء والصالحين، الأنبياء يقال لهم مسلمون، ويقال: صالحون، ويقال: مؤمنون ويقال: متقون، ويقال: أبرار. لكنهم يمتازون بالنبوة والرسالة فهم في المرتبة العليا أعلى المراتب، وأفضلها مرتبة الأنبياء والرسل، والرسل أعلى مرتبة ثم يليهم النبيون، ثم يلي ذلك مرتبة الصديقين الذين كمل تصديقهم، وكمل إيمانهم حتى صارت منزلتهم فوق منزلة الشهداء والصالحين، بسبب كمال صدقهم وكمال تصديقهم وكمال إيمانهم، وكمال تقواهم لله سبحانه وتعالى، ثم يليهم الشهداء الذين باعوا نفوسهم على الله، وقدموها طاعة لله، واستشهدوا في سبيله، ثم(2/208)
يليهم عموم المؤمنين وهم الصالحون، وبذلك يتضح لك أيها السائل أن الصالح يوصف به جميع المؤمنين، من أنبياء وغيرهم عند الإطلاق وعند ضمه إلى الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء، يكون الصالح في المرتبة الرابعة، يعني الذي أدى حق الله وأدى حق عباده، ولكنه ليس نبيا ولا صديقا ولا شهيدا، ومنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ورحمه، وبقية الصحابة الذين لم يستشهدوا ولم يكونوا من الصديقين هم من هذه المرتبة.
وكون إبراهيم الخليل عليه السلام من الصالحين، لا يخرجه عن كونه نبيا، فالأنبياء صالحون، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخليل إبراهيم هما أفضل الناس، وهما أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ أما خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد مات على فراشه، كما روي ذلك، وقد يقال إنه أفضل من كثير من الشهداء، أما كونه أفضل من الشهداء على العموم فلا يقال هذا، بل يقال: أفضل من كثير من الشهداء لما أعطاه الله من الفضل العظيم والبسالة في الجهاد، والصبر على الجهاد والقوة في دين الله، وما حصل على يده من النفع العظيم، في قتال أهل الردة وغيرهم، ومن قتال الروم وقتال الفرس، والله جل وعلا جعل له مراتب كبيرة، ومزايا عظيمة، فهو لا شك من الصالحين وهو لا شك أفضل من كثير من الشهداء.(2/209)
69 - حكم مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بشعر فيه غلو
س: الأخ أبو محمد، يقول: هل يجوز مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بمثل هذا الشعر وإنشاده بالمجالس:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم (1)
ج: هذه أبيات منكرة شرك، هذه من أبيات البردة للبوصيري لا تجوز، بل هذه من الشرك الأكبر، أعوذ بالله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من جوده الدنيا وضرتها، ضرتها الآخرة، هذا من جود الرب جل وعلا، ما يملكه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم ما في اللوح والقلم عليه الصلاة والسلام، ما يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام، وفي قوله:
ما لي من ألوذ به سواك،
هذا معناه جعله المعاذ والملاذ، وهذا شرك أكبر، نعوذ بالله
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا...........................،
يعني يوم القيامة، معناه: أنه هو الذي يجير من النار، وهذا شرك أكبر نعوذ بالله، الذي يجير من النار هو الله وحده، ولكن اتباع النبي من أسباب السلامة من النار؛ أما النبي فلا يملك الدنيا
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط، رقم 434.(2/210)
والآخرة، ولا يجير من النار بل هو عبد مأمور عليه الصلاة والسلام.(2/211)
70 - حكم تقبيل القبور والاستغاثة بها
س: أسألكم عن زيارة قبور الصالحين وتقبيل الحجر، يعني النصايب، هل هذا يجوز أم لا، وعن مديح المشايخ، هل هذا يجوز أم لا؛ وعن المدد أو الاستمداد من غير الله، مثل مدد يا شيخ الفلاني، هل هو في قبره يمدني أم لا؟ أفيدونا إننا غشماء عن هذه ولا ندري، هل هذا القول يجوز أم حرام؟ (1)
ج: زيارة القبور للصالحين وللمسلمين عموما سنة، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور وحث عليها وقال: «إنها تذكر الآخرة (2) » وتزهد في الدنيا وتذكر الموت، وقال عليه الصلاة والسلام. «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » ؛ وكان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام إذا زاروا القبور أن
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 37.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه برقم 22496.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.(2/211)
يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (1) » ، وفي حديث عائشة يقول: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2) »
وعلينا معشر المسلمين أن نعلم هذا الحكم ويشرع لنا أن نفعل ذلك بأن نزور القبور للذكرى والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا والإحسان للموتى بالدعاء لهم، الإنسان يزورهم ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة والعافية وليتذكر الآخرة؛ لأنه صائر إلى ما صاروا إليه من الموت حتى يستعد للآخرة، أما تقبيل القبور فلا. ما يقبل النصايب ولا التراب ولا الجدران إن كان عليها جدران ولا القضبان إن كان هناك قضبان، كل هذا منكر لا يجوز ومن الغلو، ولا يجوز البناء على القبور.
القبور يجب أن تكون مكشوفة ليس عليها بناء، واتخاذ القباب عليها من البدع، وهكذا بناء المساجد عليها من البدع التي أنكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عنها قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » ، وقال
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور.. برقم 529.(2/212)
جابر رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المشي والقعود عليها والبناء عليها والكتابة عليها، فليس لأحد أن يبني على القبور، لا قبابا ولا مساجد ولا غير ذلك وليس له أن يقبلها ولا يتبرك بترابها ولا أن يطلب من الشيخ المدد كما سيأتي، ولا يجوز أن يقول: يا رسول الله مدد مدد؛ ولا يا فلان للشيخ عبد القادر أو يا شيخ سيد بدوي أو يا حسن أو يا حسين أو يا فلان أو يا أبا حنيفة أو يا أبا فلان، كل هذا لا يجوز، المدد لا يطلب من الميت بل يطلب من الله جل وعلا ويقول: يا رب أغثني يا رب ارحمني، يا رب اشف مريضي، يا رب ارزقني، أما طلب المدد من الموتى فهو من الشرك بالله عز وجل، من الشرك الأكبر، من عمل الجاهلية فلا يقبل الحجارة ولا النصايب ولا التراب ولا أخذ التراب للبركة.
ولا يطلب المدد من المخلوق من الميت أم الحي الحاضر، تقول: يا أخي ساعدني في كذا، أعني على كذا، وتعني الحي الحاضر القادر، لا بأس لكن الميت لا نقل: المدد المدد؛ ولا نقل: اشف مريضي، انصرني على عدوي، لا يقول هذا للميت، الميت انقطع عمله، وليس له التصرف في الكون، بل التصرف لله وحده سبحانه وتعالى، وهو المتصرف في كل شيء، وهو القادر فوق عباده، هو النافع الضار، هو المعطي المانع سبحانه وتعالى.
أما الميت فهو مرتهن بعمله ليس له تصرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية (مثل الأوقاف التي يوقفها في حياته) ، أو علم ينتفع به (كتب ألفها أو طلبة علمهم، له أجر(2/213)
ذلك) أو ولد صالح يدعو له (1) » .
أما كونه يتصرف في الكون، أو يمد هذا أو يضر هذا فهذا منكر لا حقيقة له، ولا صحة له؛ فالاستغاثة بالأموات والنذر لهم والتقرب إليهم بالذبائح الطلب منهم المدد والغوث كل هذا من فعل الجاهلية، من عمل أهل الشرك، وهو شرك أكبر يجب الحذر منه، ولذلك أيها السائل عليك أن تبلغ من يفعل هذا بأنه منكر وشرك يجب ترك ذلك، والتوبة إلى الله من ذلك لأن هذا من عمل الجاهلية، كذلك مديح المشايخ، المديح فيه تفصيل: ترك المديح أولى لأنه قد يسبب الغلو، وقد يعجب الممدوح بنفسه وربما أكسبه الكبر والخيلاء، ترك المديح أولى، النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب (2) » .
فالمدح فيه خطر، قال سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله (3) » ، نهى عن الزيادة في مدحه، والإطراء والغلو؛ لأن هذا قد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته برقم 1631.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح برقم 3002.
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت..) برقم 3445.(2/214)
يفضي إلى الشرك، ولهذا خاف على أمته عليه الصلاة والسلام نهاهم عن إطرائه كما فعلت النصارى حتى قالت في ابن مريم: إنه ابن الله، وحتى عبدوه من دون الله، بسبب الغلو والإطراء، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإطراء، وأن لا يمدح إلا بحق، يمدح بصفاته أنه رسول الله، أنه عبد الله ورسوله، أنه الأمين أن الله بعثه رحمة، أنه يشفع للناس يوم القيامة، أنه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، يمدح بما وصفه الله سبحانه به عليه الصلاة والسلام، لكن لا يجوز الغلو فيه أن يعبد من دون الله أو يستغاث به أو يطلب منه المدد أو النصر على الأعداء بعد موته عليه الصلاة والسلام، لا، هذا غلو هذا إطراء منكر، والمشايخ يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، بكراهة المدح، وأن لا يتساهلوا في هذا؛ لأن إطلاق المديح لهم من أتباعهم أو من طلبتهم، قد يفضي إلى شر وإلى عجب، وإلى خيلاء وكبر.
فينبغي للعلماء أن يكرهوا المدح وأن لا يسمحوا لأتباعهم ولا طلبتهم بالتوسع في هذا، أما المدح القليل، مما فيه التشجيع على الخير، والتقوية على الخير، والتنشيط عليه فلا بأس قد مدح النبي بعض الصحابة، وقال لعمر: الفاروق: «ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك (1) » يعنيه رضي الله عنه، فالمدح القليل الذي
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الأدب، باب التبسم والضحك برقم 6085.(2/215)
لا يخشى منه شر، لا بأس به للتشجيع على الخير، والدعوة إليه، أما التوسع في المديح والإكثار فيه، فالأولى تركه، ولو كان بحق لأنه يخشى منه الفتنة إذا كان الممدوح حيا يخشى عليه الفتنة.
س: يسأل المستمع ويقول: ما هو حكم زيارة قبور من يقال بأنهم من الصالحين، أو الأولياء أو الأقطاب، أو الأسياد، أو المشايخ، ويقدم لهم الحلوى والمأكولات عند تلك القبور للزوار، بعضهم البعض، والدعاء بجاه أولئك السادة، أن يشفع الله للزائر ويقضي حاجته؟ (1)
ج: زيارة القبور سنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (2) » ، لكن كونه يستشفع بهم أو يتوسل بهم، لا يجوز، أو يقرأ عندهم، أو يزورهم ليطعم الطعام هناك، ويتصدق وغيره فلا، هذا ما هو بمشروع، هذا بدعة؛ ولكن يزورهم للسلام فقط، والدعاء لهم فيقول: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » ، كما أمر النبي الصحابة قال: «زوروا القبور فإنها
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط، رقم 434.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر برقم 1053.
(3) مسلم الجنائز (975) ، النسائي الجنائز (2040) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547) ، أحمد (5/353) .(2/216)
تذكركم الآخرة (1) » ، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (2) » ، وكان يقول في دعائه لهم: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين،» هذا هو السنة.
أما أن يزورهم للصدقة عند قبورهم، أو لدعائهم من دون الله، أو للتوسل بهم، أو للطعام عندهم، كل هذا لا يجوز، ودعاؤهم والاستغاثة بهم شرك أكبر، إذا دعا أهل القبور قال: انصروني، أو أغيثوني من كذا، أو اشفعوا لي هذا منكر من المنكرات الشركية لا يجوز، أو قال: اللهم إني أسألك بجاههم، أو بفلان أو فلان، كل هذا منكر، ولكن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته وبأعماله الصالحة، كما توسل أهل الغار لما انطبقت عليهم الصخرة، توسلوا بأعمالهم الصالحة.
أما التوسل بأسماء فلان وفلان فلا يجوز، ولكن يسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، كما قال جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3) ، وهكذا التوسل بالأعمال الصالحة، وبالدين وبمحبة الله ورسوله، كأن يقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك، اللهم إني أسألك بمحبتي لك وبمحبتي لرسولك، اللهم إني أسألك ببري لوالدي، واجتنابي ما حرمت علي، يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، وبالأعمال الصالحة، والثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(3) سورة الأعراف الآية 180(2/217)
توسلوا، واحد ببر والديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم.(2/218)
71 - حكم التبرع بالأموال لقبور الأولياء
س: يقوم بعض الناس بوضع نقود ليست بسيطة على القبور، بما يسمونها قبور الأولياء ثم تجمع هذه النقود ويصرفونها لتعمير القباب وزخرفتها ووضع الأنوار عليها واستعمال مكبرات الصوت على تلك القباب لمثل دعايات ذلك الولي، كما يؤدون هناك صلاة الفريضة أحيانا داخل المقابر حول ذلك الولي، فما حكم الدين الإسلامي في مثل هذه الأفعال حفظكم الله؟ (1)
ج: أولا: التقرب بالنقود أو بالطعام، أو بالخبز إلى القبور هذا منكر، ومن الشرك الأكبر؛ لأنها تقرب إليهم، وعبادة لهم بالصدقات يتقرب إليهم، يرجو بهذا فضلهم وثوابهم وبركتهم مثل لو ذبح لهم، ومثل لو صلى لهم؛ لأن من تقرب بذلك يرى أنهم يصلحون لهذا الأمر، وأنه يتقرب إليهم بالصدقات، أو بالذبائح أو بغير ذلك حتى ينفعوه وحتى يشفعوا له، وحتى يبرئوا مريضه، وحتى يعطوه الولد أو إلى غير ذلك.
ثانيا: اتخاذ القباب على القبور أيضا منكر، لا يجوز البناء عليها
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 74.(2/218)
مطلقا، بل يجب أن تبقى مكشوفة ليس عليها بناء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، ولما ثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، (2) » فالرسول نهى عن البناء عليها، ونهى عن الكتابة عليها.
فالواجب أن لا يكتب عليها، وأن لا يبنى عليها لا قبة ولا غيرها.
ثالثا: الصلاة عند القبور لا تجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3) » ، رواه مسلم في الصحيح فنهاهم أن يتخذوها مساجد، ومن صلى عند القبر فقد اتخذه مسجدا، ولو ما بنى عليه قبة، ولو ما بنى عليه مسجدا، ما دام يصلي عند القبور وبين القبور، فإنه بهذا يتخذها مسجدا؛ لأن الرسول عليه الصلاة قال: «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (4) »
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) ، النسائي الجنائز (2028) ، أبو داود الجنائز (3225) ، أحمد (3/339) .
(3) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور.. برقم 532.
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا برقم 438.(2/219)
فمن صلى في محل اتخذه مسجدا، ولهذا لا يصلى في المحل النجس، ولو صلى بين القبور، فإذا صلى عند القبور أو إلى القبر، أو في طرف المقبرة كل هذا من الاتخاذ لها مساجد، فالواجب الحذر من ذلك.(2/220)
72 - حكم الاعتكاف وإقامة حلقات الذكر عند القبور
س: الأخ: ع. ي. يسأل ويقول: يأتي ناس لأحد القبور لدينا من جميع البلدان، ويقفون عند القبر، بل ويقيمون لفترة لا تقل عن أسبوع ويعملون حلقات الذكر، فكيف نوجه هؤلاء وبما توجهونهم؟ جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم (1)
ج: هذا بدعة، من وسائل الشرك يوجهون بأنه لا يجوز لهم هذا، والمشروع أن يأتوا للسلام والزيارة، ويسلمون على أهل القبور ويدعون لهم، ثم ينصرفون.
أما الجلوس عندهم لإقامة دروس، أو قراءة القرآن، أو لأجل الدعاء يوما أو يومين أو أقل أو أكثر فهذا لا يجوز، ليس من سنته عليه الصلاة والسلام، إنما يسلم ويدعو لهم ثم ينصرف، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط، رقم 292.(2/220)
العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » ، وهكذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم، يزور القبور ويسلم عليهم ويدعو لهم ثم ينصرف.
أما الجلوس عندهم أسبوعا أو أسبوعين أو يوما أو يومين، للصلاة أو للدعاء أو للقراءة، أو للصدقات، هذا لا أصل له، بل هو من وسائل الشرك والغلو، فإن دعوا الأموات واستغاثوا بهم صار شركا أكبر، دعوهم أو نذروا لهم أو ذبحوا لهم، يتقربون إليهم بذلك أو استعانوا بهم هذا هو الشرك الأكبر، كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) فسماه شركا ثم دعاؤهم إياهم شرك بهم، فدل ذلك على أنه لا يجوز دعاء الأموات ولا الأصنام ولا الأحجار ولا الكواكب، ولا الملائكة ولا غيره، بل يدعى الله وحده، هو الذي يدعى جل وعلا، هو الذي يسأل سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5) ، فالمؤمن يجتهد في دعاء ربه والضراعة إليه وسؤاله، ولا يدعو معه لا ملكا ولا نبيا، ولا شجرا، ولا حجرا، ولا صنما، ولا جنا ولا كوكبا، ولا غير ذلك. العبادة حق الله وحده.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة الجن الآية 18(2/221)
أما الحي الحاضر الذي يسمع كلامك، أو من طريق المكاتبة، أو الهاتف تقول له: افعل كذا، وتأمره بكذا، لا بأس عن طريق الهاتف، عن طريق المكاتبة، أو حاضر عندك، تقول له افعل كذا، أصلح سيارتي، اسق نخلي، أرسل لي كذا وكذا لا بأس بهذا، هذه أمور عادية لا بأس بها، ولهذا قال الله سبحانه في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) يعني حاضرا عنده، يقدر على إغاثته، بخلاف دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات أو الغائبين، أو الجن، أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار، هذا كله من الشرك الأكبر.
__________
(1) سورة القصص الآية 15(2/222)
73 - الصلاة في المساجد التي فيها قبور
س: في مدينة دنقلا بالسودان، مسجد كبير وبه ضريحان لشخصين، يعتقد الناس أنهما من الصالحين، وهذه الأضرحة تزار وتقدم لها القربان، والمقابر من جهة القبلة، ويفصل بينها وبين المصلين حائط المصلى فقط؛ هل يجوز لي أن أصلي في هذا المسجد، لتبليغ الدين، علما بأن المسجد يجمع ناسا كثيرين، من مناطق مختلفة وإذا صليت ما حكم صلاتي، هل أعيدها أم ماذا أفعل؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 199.(2/222)
ج: بناء المساجد على القبور منكر عظيم، وهو من وسائل الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، فلا يجوز البناء على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا جعلها مصلى، فالمسجد الذي فيه قبر أو أكثر، لا يصلى فيه والصلاة فيه غير صحيحة؛ لأن الرسول نهى عنها، ولعن من فعل ذلك، عليه الصلاة والسلام.
وقال في الحديث الآخر الذي رواه مسلم، في الصحيح: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » ، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، قال: إنه ينهى عنها، ولعن من فعلها وذمه، فلا يجوز للمسلمين أن يصلوا في المساجد، التي فيها القبور بل يجب نبشها، فعلى الدولة وعلى أهل الحل والعقد، أن ينبشوها ويجعلوها في مقابر المسلمين؛ لتبقى المساجد ليس فيها قبور على الدولة إذا كانت تدين بالإسلام، أن تنبش هذه القبور التي في المساجد، وأن تجعلها مع المسلمين في مقابرهم، حتى تخلو المساجد من القبور، هذا إن كانت القبور بعد المسجد، أما إن كان المسجد بني عليها وهي قديمة، فالواجب أن يهدم المسجد، ولا يصلى فيه ويلتمس
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور.. برقم 532.(2/223)
أهل الحي أرضا أخرى، ليس فيها قبور فيعمرون فيها مسجدا، ويصلون فيه، أما المسجد الذي بني على القبور، فالواجب هدمه لأنه أسس على معصية الله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها والبناء عليها (1) » ، رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه، والخلاصة أن القبر إن كان جديدا، والمسجد هو الأسبق، وجب نبش القبر، ونقل الرفات إلى المقابر الأخرى، تجعل في حفرة ينصب ظاهرها كالقبر، وهكذا لو كان أكثر من قبر، قبرين أو ثلاثة، كلها تنقل كل رفات قبر تجعل في حفرة وحدها في المقابر العامة، يجعل ظاهرها كظاهر القبور، حتى لا تمتهن ويبقى المسجد خاليا.
أما إن كانت القبور هي الأصل، والمسجد هو الحادث بني عليها فيهدم؛ لأنه أسس على غير التقوى، على المعصية فيهدم ويبنى لأهل الحي مسجد في محل آخر ليس فيه قبور، طاعة لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وعملا بما دلت عليه النصوص، وتحذيرا للمسلمين من الشرك وقطعا لوسائله؛ لأن وجود القبور في المساجد من وسائل الشرك، من وسائل الغلو فيها، ووسائل دعائها والاستغاثة بها، والطواف بها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيجب الحذر من ذلك، أما
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.(2/224)
إن كان القبر خارج المسجد، عن يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه وليس في داخله، فالصلاة صحيحة، لكن لو تيسر إبعاده في المقابر، يكون أولى حتى لا يغلو فيه أحد، إذا كان خارج المسجد خارج بناء المسجد، عن يمين أو شمال أو أمام أو خلف، الأولى والأفضل أن ينقل لا يبقى القبر عند المسجد، لئلا يغلى فيه وينقل للمقابر العامة، ولكن الصلاة صحيحة؛ لأن المسجد سليم من القبور ليس في داخله قبور، ونسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لتطهير بلادهم من آثار الشرك ووسائله وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يوفق العلماء للقيام بما يجب من النصيحة لولاة الأمور، وإرشادهم إلى الخير وإعانتهم عليه.
فإن واجب العلماء عظيم في كل مكان، في السودان وفي غير السودان، وواجب العلماء عظيم، يجب عليهم أن يرشدوا الناس إلى أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أمر منكر، بل شرك أكبر، فإنه لا يجوز الطواف بالقبور، ولا دعاء أهلها، والاستغاثة بهم ولا أن يطلب منهم المدد، هذا منكر عظيم وشرك أكبر. فالواجب على أهل العلم في السودان، وفي مصر وفي الشام والأردن وفي كل مكان، وفي هذه الجزيرة كلها، في اليمن والخليج في كل مكان؛ الواجب على العلماء أن يبينوا أمر الله، ويرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعة الله، وأن ينكروا عليهم المنكرات، حتى يعرف الناس المنكر وحتى يحذروه، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وعليهم واجب عظيم هو واجب الدعوة والبلاغ، والأمر(2/225)
بالمعروف والنهي عن المنكر، في كل بلد وفي كل دولة، وعلى العلماء إذا كانت الدولة كافرة، أن يرفعوا إليها ويبينوا لها أن هذا الأمر كذا وكذا، حتى تسمح لهم بعمل ما شرع الله، لأنه لا بد من قوة تعين على إزالة المنكر؛ لأن العامة الجهلة قد يعترضون على أهل العلم، فلا بد من الاستعانة بالله ثم بالدولة، حتى تعينهم على هدم المساجد التي بنيت على القبور، وحتى تعينهم على نقل القبور التي وضعت في المساجد تنقل رفاتها إلى المقابر العامة، وليس لأحد أن يفعل ما يحصل به التشويش، بل عليه أن يستأذن من ولاة الأمور، حتى تجري الأمور على طريقة حسنة مضبوطة من جهة ولاة الأمور.
وإذا كان ولي الأمر قد جعل الأمر لأمير البلد، وعلماء البلد قاموا بالواجب: العلماء يرفعون لأمير البلد، وأمير البلد ينفذ ويتعاون الجميع على البر والتقوى، كما قال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) ؛ ولا يجوز للعالم السكوت عن هذا الأمر العظيم، والخطر الكبير يجب على أنصار السنة في مصر والشام والسودان وفي كل مكان، وعلى العلماء جميعا في كل مكان أن يبينوا للناس أمر الله، وأن يشرحوا لهم حقيقة الدين، وأن يوضحوا لهم أنواع الشرك الأكبر والأصغر، وسائر المعاصي حتى يجتنبوها، وحتى يحذروها، ويجب على العلماء أن ينكروا على الناس دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات والنذر للأموات، والذبح لهم وأن يجعل صناديق للنذور، هذا منكر عظيم
__________
(1) سورة المائدة الآية 2(2/226)
وشر وخيم، يجب على العلماء أن ينكروه بغاية النشاط، وبالأساليب الحسنة التي يحصل بها إنكار المنكر، فلا يحصل بها تشويش مع ولاة الأمور، بل يتصلون بولاة الأمور، ويخبرونهم بما يجب حتى تتفق الكلمة مع ولاة الأمور في إنكار المنكر، والقضاء على أسباب الشرك والفساد والشرك، فالعلماء واجبهم عظيم، وهم مسئولون أمام الله يوم القيامة، مسئولون عما قصروا فيه، وعما لم يقوموا به من الواجب، هم ورثة الرسل، هم خلفاؤهم، يقول الله سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (1) {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة والشرك والتوحيد، هي أعظم من غيره.
وأصل الدين وأساس الملة عبادة الله وحده، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3) ؛ وقال سبحانه في سورة لقمان: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (4) فدعوة الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم وطلب المدد منهم هذا من الشرك الأكبر، سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، هذا حق الله، العبادة حق الله وحده لا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به، الأموات قد انقطعت أعمالهم، إلا مما شرع الله من صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لأبيه وأمه،
__________
(1) سورة الحجر الآية 92
(2) سورة الحجر الآية 93
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة لقمان الآية 30(2/227)
المقصود أنهم لا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، ولا يذبح لهم، ولا يطلب منهم المدد، ولو كانوا عظماء في الدين كالعلماء والرسل، لا يجوز هذا أبدا، بل دين الله سبحانه إخلاص العبادة لله وحده؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ؛ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) ، هكذا يقول سبحانه، ويقول عز وجل: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4) ؛ {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) ، أما الحي القادر، لا بأس أن يستعان به، الحي القادر، تقول لأخيك: أعني على كذا يسمع كلامك، أو من طريق الكتابة تقول: يا أخي ساعدني على كذا، أعني على مزرعتي على إصلاح سيارتي، اشتر لي كذا، لا بأس بالتعاون بين الأحياء، أما دعاء الأموات أو دعاء الغائبين يسمعون وهم غائبون بدون واسطة، هذا شرك أكبر، أو دعاء الجن أو دعاء الملائكة، أو الاستغاثة بهم هذا هو الشرك الأكبر، بعث الله الرسل لإنكاره والنهي عنه والتحذير منه، وهو مصادم لقوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (6) ؛ ولقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (7) ؛ ولقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (8) نسأل الله أن يوفق ولاة الأمور، من الأمراء والعلماء لكل ما فيه صلاح
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الذاريات الآية 56
(4) سورة غافر الآية 65
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الفاتحة الآية 5
(7) سورة الإسراء الآية 23
(8) سورة الذاريات الآية 56(2/228)
العباد والبلاد، وأن يعينهم على كل خير ويصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وإيانا وسائر إخواننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا كان القبر في هذا المسجد لا يصلي معهم، إنما يجلس وينبههم أو في أوقات أخرى، في غير هذا المسجد، جماعات أخرى، أما إذا كان القبر خارج المسجد لا بأس يصلي معهم، ويذكرهم بالله، ويعلمهم دينهم، أما إذا كان القبر في داخل المسجد، فلا يصلي فيه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، ولكن المؤمن يتحرى الأوقات المناسبة، فإذا جاء وقد صلوا ذكرهم، أو ذكرهم قبل الصلاة، وقال: أحب أن أصلي معكم لولا هذا القبر، والمساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها، ويرشدهم أو بعد الصلاة يرشدهم ويعلمهم لا حرج في ذلك والحمد لله.
س: ما حكم البناء على القبر بما في ذلك المسجد؟ (2)
ج: أما البناء على القبور فهو محرم سواء كان مسجدا أو قبة أو أي بناء لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود، قال: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » فعلل اللعنة
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 10.
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/229)
باتخاذهم المساجد على القبور، فدل ذلك على تحريم البناء على القبور، وأنه لا يجوز، واتخاذها مساجد من أسباب الفتنة بها، لأنها إذا وضعت عليها المساجد افتتن بها الناس، وربما دعوها من دون الله واستغاثوا بأهلها فوقع الشرك، وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي عند مسلم في صحيحه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (1) » ، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اتخاذ المساجد على القبور، فينبغي لأهل الإسلام أن يحذروا ذلك، بل الواجب عليهم أن يحذروا ذلك، وفي حديث جابر عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها أو البناء عليها، فالبناء عليها منهي عنه مطلقا واتخاذ القباب والمساجد عليها كذلك؛ لأن ذلك من وسائل الشرك إذا بني على القبر المسجد أو القبة ونحو ذلك عظمه الناس، وفتن به الناس، وصار من أسباب الشرك به، ودعاء أصحاب القبور من دون الله عز وجل، كما هو واقع في دول كثيرة وبلدان كثيرة عظمت القبور، وبنيت عليها المساجد وصار الجهلة يطوفون بها، ويدعونها ويستغيثون بأهلها، وينذرون لهم ويتبركون بقبورهم ويتمسحون بها، كل هذا وقع بأسباب البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وهذا من باب الغلو الذي حرمه الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين فإنما
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.(2/230)
أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (1) » ، وقال: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون (2) » ، يعني: المتشددين الغالين.
والخلاصة أنه لا يجوز البناء على القبور لا مسجد ولا غير مسجد ولا قبة وأن هذا من المحرمات العظيمة، ومن وسائل الشرك، فلا يجوز فعل ذلك، وإذا وقع فالواجب على ولاة الأمور إزالته وهدمه وأن لا يبقى على القبور مساجد، ولا قباب بل تبقى ضاحية مكشوفة كما كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم والسلف الصالح، ولأن بناء المساجد على القبور من وسائل الشرك، كذلك القباب والأبنية الأخرى كلها من وسائل الشرك فلا تجوز بل الواجب إزالتها وهدمها؛ لأن ذلك هو مقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، هو أمر عليه الصلاة والسلام بأن تزار القبور للذكرى والعظة ونهى عن البناء عليها، واتخاذ المساجد عليها؛ لأن هذا يجعلها آلهة يجعلها أوثانا تعبد من دون الله، فوجب امتثال أمره بالزيارة يعني شرع لنا أن ننفذ الأمر بالزيارة المشروعة فالزيارة مستحبة، يشرع لنا أن نزورها للذكرى والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، لكن لا نبني عليها لا مساجد ولا قبابا ولا أبنية أخرى؛ لأن البناء عليها من وسائل الشرك، والفتنة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس رضي الله عنه برقم 1854.
(2) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون برقم 2670.(2/231)
بها من الجهة الأخرى، وهي وضع القبور في المساجد يدفن الميت في المسجد، هذا لا يجوز أيضا بعض الناس إذا مات قال: ادفنوني في المسجد هذا لا يجوز دفنه في المسجد بل يجب أن ينبش وينقل إلى المقبرة إذا دفن أحد في المسجد ينبش وينقل إلى المقبرة ولا يجوز بقاؤه في المسجد أبدا، هذا هو الواجب على أهل الإسلام ألا يدفنوا في المساجد يعني ليس لأحد أن يدفن في المسجد ينبش ينقل إلى المقبرة العامة.
س: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (1) » ، وله أحاديث تنهى عن بناء المساجد على القبور، فإذا وجد القبر، فعلينا التسوية، والمسجد النبوي أسأل الله أن يطعمني زيارته، ولكن من زار المسجد النبوي، وجد أن قبر النبي بارز غير مسوى مع الأرض، ويصلى عليه أحيانا، أنا أسأل مع السائلين هل هناك رخصة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فقط وهذا غير وارد. أفتونا جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته، والصحابة رأوا دفنه في البيت حتى لا يتخذ قبره مسجدا، هذا هو الأصل لكن لما وسع أمير المؤمنين في وقته الوليد بن عبد الملك في المائة الأولى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل
__________
(1) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(2) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط، رقم 306.(2/232)
الحجرة في المسجد، ومن ذلك الوقت دخلت في المسجد، وإلا فهو مدفون في بيته عليه الصلاة والسلام، فلا حجة فيه لأحد من الناس؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يدفن في المسجد، وإنما دفن في بيته، ودخلت الحجرة برمتها في التوسعة.
أما الناس فلا يجوز لهم أن يدفنوا في المساجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك، قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، فلا يجوز الدفن في المساجد، ولا يجوز بناء مساجد على القبور، فكل هذا منكر، لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، والواجب الحذر من ذلك، أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدفن في المسجد، بل دفن في بيته، ولكن عند التوسعة أدخل البيت في المسجد، وكان هذا من أخطاء الوليد عفا الله عنه.
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/233)
74 - حكم من يقصد قبور الأولياء للغوث والشفاعة
س: السائل من الجزائر يقول: تعلق بعض الناس بالصالحين وهم موتى، فترى هذا الإنسان يذهب إلى هؤلاء الموتى يطلب منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات مع أن هؤلاء ماتوا، ويزعم أنهم صالحون، ما حكم عمل هؤلاء مأجورين؟ (1)
ج: ما يفعله بعض الناس من الذهاب إلى قبور الصالحين، أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويستغيث، هذا من الشرك الأكبر، هذا شرك المشركين، هذا شرك الجاهلية نعوذ بالله، كان في الجاهلية، يطلبون من الموتى، كما كانوا يسألون اللات ويتقربون إليه وهو رجل صالح، يزعمون أنه كان يلت سويق الحاج فمات فعكفوا على قبره وصاروا يسألونه من دون الله يستغيثون به، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » .
فالواجب على كل مكلف أن يتقي الله وأن يراقب الله، وأن يخص الله بالعبادة، فلا يدعو إلا الله ولا يستغيث إلا به، ولا يستجير إلا به هو سبحانه الذي يدعى ويرجى، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)
__________
(1) السؤال من الشريط، رقم 419.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(3) سورة الجن الآية 18(2/234)
قال سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ، قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3) ، يعني: المشركين، فالذي يقصد أصحاب القبور وإن كانوا صالحين، ويسألهم الغوث أو الشفاعة أو غفران الذنوب، أو السلام من شر الأعداء كل هذا شرك بالله، شرك أكبر، وهكذا دعاء الجن والاستغاثة بالجن، أو بالأصنام والأوثان كل هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر من ذلك، هذا هو دين المشركين، دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وبالأصنام وبالجن والنجوم هذا شرك المشركين، هذا دينهم الباطل، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة يونس الآية 106(2/235)
75 - حكم الصلاة عند القبور
س: يوجد عندنا في العراق، بدع وهي أن بعض الناس يقصدون إلى قبور أولياء الله والصالحين من مكان بعيد وعند زيارة القبر يخلعون أحذيتهم، والقبور مبني عليها شبه المساجد، هل هذا جائز، وعند دخولهم يصلون ركعتين وهي صلاة الزيارة، تقال سنة هل هذا جائز أم لا؟ (1)
ج: هذا سؤال مهم وله شأنه العظيم وهو تعظيم القبور للزيارة البدعية، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها هذه مسائل ذات أهمية، فينبغي أن يعلم أن الزيارة للقبور سنة؛ لأن النبي عليه السلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، ولكن ليس المقصود بهذه الزيارة أن يدعى الميت أو يستغاث به أو يطلب منه المدد أو يتمسح بالقبر أو ما أشبه ذلك، المقصود من الزيارة ذكر الآخرة ذكر الموت والدعاء للميت والترحم عليه إذا كان مسلما، هذا المقصود؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » ، وفي
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 26.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.(2/236)
لفظ آخر: «تذكركم الموت (1) » ، فالسنة للزائر إذا زار المسلم أن يسلم على المقبورين وأن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (2) » ، وفي لفظ: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » ، وكان يقول إذا زار البقيع: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (4) » ؛ السنة إذا زار القبور هكذا أن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة يسلم عليهم ويدعو لهم، هذا هو المشروع، أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، ويطلب منهم المدد ليستغيث بهم لينذر لهم، هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا من عمل الجاهلية، أبي جهل وأصحابه عند القبور، هذا لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر، وهكذا الصلاة عند القبور لا تجوز، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (5) » ، بل لعن الله
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين برقم 1572.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(5) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.(2/237)
اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا يجوز الصلاة في القبور، ولا العكوف عندها ولا سؤال أهلها ولا الاستغاثة بهم ولا النذر لهم كما تقدم، ولما رأت أم حبيبة وأم سلمة كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور أخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروه بتلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (1) » ، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب تعظيمهم للقبور بالبناء عليها واتخاذ المساجد عليها ونحو ذلك، فالذي يغفله بعض الناس من اتخاذ المساجد على القبور أو اتخاذ القباب على القبور المزينة بالذهب والفضة وغير ذلك كل هذا منكر.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها وعن البناء عليها، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور المساجد ولا القباب ولا غيرها من الأبنية بل تبقى ضاحية مكشوفة في الجبانة في المقابر إذ يأتي إليها الزائر ويسلم عليهم وهو واقف ثم ينصرف ولا يجوز الصلاة عندها ولا بين القبور ولا التمسح بالتراب، ولا الجلوس عندها للقراءة أو الدعاء كل هذا منكر، وإنما يسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعله أصحابه، وكما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، والصلاة عند القبور من البدع، ومن وسائل الشرك أيضا، النبي صلى الله عليه وسلم قال:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة برقم 434، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور. برقم 528.(2/238)
«اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا (1) » ، دل ذلك على أن القبور لا يصلى فيها ولا يصلى عندها، إنما الصلاة في المساجد، في البيوت، أم القبور فلا؛ لأن الصلاة عندها من وسائل الشرك، من وسائل العبادة من دون الله، وهكذا البناء عليها وهكذا اتخاذ المساجد عليها، وهكذا اتخاذ القباب عليها وفرشها وتطييبها، كل هذا من وسائل الشرك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يفعله الناس الجهلة من هذا الشيء كما في بلاد كثيرة يعظمون القبور ويبنون عليها المساجد والقباب، وهذا من المنكرات العظيمة ومن وسائل الشرك كما لا يخفى عند أهل العلم.
فوصيتي ونصيحتي للسائل أن يحذر هذا وإذا زار القبور يزورها زيارة شرعية، يسلم عليهم ويدعو لهم إذا كانوا مسلمين وينصرف، أما الصلاة في مسجد على القبر أو عند القبور، فهذا منكر، كذلك الجلوس عندها للدعاء أو القراءة كذلك لا يجوز، وهكذا أعظم وأكبر دعاؤها والاستغاثة بها والنذر لها وطلبها المدد هذا يفعله بعض الجهلة وهو من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، وكثير من المسلمين عندهم
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصلاة؛ باب كراهية الصلاة في المقابر برقم 432، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.. برقم 777.(2/239)
جهل كثير في هذه المسائل يفعلون ما يرون العامة يفعلونه عند القبور ولا يعلمون أحكام الشرع في ذلك.
والواجب على العلماء في كل البلاد أن يعلموا الناس، ويرشدوا الناس إلى سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام وأن يحذروهم من الشرك والبدع، هذا هو الواجب على أهل العلم، في كل مكان ولكن بسبب قلة العلماء وقلة أهل التحقيق، كثر هذا الشر في بلدان كثيرة وظنوه دينا وظنوه شيئا مشروعا وصاروا يسارعون إليه، يحسبون أنهم على هدى وعلى حق في ذلك، وهذه مصيبة، يجب التنبيه عليها ويجب على كل مسلم أن يسأل عما أشكل عليه، وألا يتساهل في الأمور العادية التي يرى عليها آباءه وأسلافه لا بل يسأل، فإن الكفار كان من عاداتهم اتباع أسلافهم على غير بصيرة كما حكى الله عنهم أنهم يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1) ؛ فلا ينبغي التأسي بالكفرة في ذلك، بل تسألون أهل العلم إن كانوا عندكم، فالمسلم مأمور بالسؤال أو تكتب إليهم في أي بلاد تسألهم عما أشكل عليك من أمور دينك حتى تكون بصيرة؛ لأن الله قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) .
فالواجب على أهل الإسلام إذا كان ما عندهم علم أن يسألوا، كل إنسان ما عنده علم يسأل عما أشكل عليه في أمور القبور في أمور صلاته في زكاته في صيامه في معاملاته في كل شيء.
__________
(1) سورة الزخرف الآية 23
(2) سورة النحل الآية 43(2/240)
76 - الرد على شبهة جواز الاستغاثة من الأموات
س: لقد استمعنا إلى برنامجكم في السعودية كثيرا والبرنامج هو نور على الدرب وأحسسنا على تركيزكم الكبير على زيارة القبور، والتبرك بما فيها من أهل الخير وهم بلا شك فيهم الخير الكثير، وخاصة أنهم يعيشون في كنف الله سبحانه وتعالى، وهم أقرب إليه من غيرهم؛ لأنهم في حضرته، لكن كثرة كلامكم عن عدم جدواهم، جعلتنا نضع عدة أسئلة عندما نريد أن نقوم بزيارة هؤلاء، نرجو منكم أن تصدقونا القول، وفقنا الله وإياكم؛ لأننا نريد إذا لم نكن على صواب، أن نتجنب ما نحن عليه؟ (1)
ج: السائل مشكور في طلبه الحق، وهذا هو الذي ينبغي لكل مؤمن أن يسأل عما أشكل عليه، وأن لا يبقى على الجهل؛ لأن الله يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) ، والموتى في القبور أقسام: منهم ما هو قريب من الله، وفي كنف الله ومرحوم ومن أهل التقوى والإيمان، ومنهم معذب لما غلب عليه من الكفر، والفسق فليسوا على حد سواء، المؤمن الطيب الذي مات على طاعة الله ورسوله على خير عظيم، وموعود بالجنة، وقبره روضة من رياض
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 23.
(2) سورة النحل الآية 43(2/241)
الجنة، أما الذي مات على الكفر بالله، كالذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالأموات، ويطلبونهم المدد، فهذا كفر يبطل الأعمال، هذا على خطر عظيم، وهو متوعد بالنار والعذاب الأليم لكفره بالله وشركه بالله، وهكذا من مات على المعاصي غير تائب، كالذي يموت على الزنا، وعقوق الوالدين أو على أكل الربا، أو على شهادة الزور، أو على شرب الخمور، وسرقة أموال الناس ونحوها، هؤلاء على خطر عظيم من دخول النار، وعلى خطر أن تكون قبورهم حفرة من حفر النار، نعوذ بالله، فليسوا الموتى على حد سواء.
فينبغي أن تعلم أيها السائل أن الأموات أقسام: منهم المرضي عنه، المستقيم الذي مات على تقوى وإيمان، فله الجنة والكرامة، وقبره روضة من رياض الجنة، ومنهم من مات على الكفر والضلال، كالذي يستهزئ بالدين، ويسب الدين، أو يدع الصلاة، أو يسأل الموتى ويستغيث بهم، وينذر لهم ويطلبهم المدد، وما أشبه ذلك، هذا هو الكفر بالله عز وجل، وهم متوعدون بالنار، إذا ماتوا على كفرهم، ومنهم مسلم، لكن مات على المعاصي، مات على شرب الخمر، مات على الربا، مات على الزنا، مات على السرقة، مات عاقا لوالديه، هذا على خطر من دخول النار وإن كان لا يخلد في النار إذا دخلها، لكن على خطر من العذاب في قبره، بسبب معاصيه. فينبغي لك أن تحذر، وأن تكون على بينة، أما زيارة القبور فهي أقسام: إن كانوا مسلمين يزارون للدعاء لهم، والترحم عليهم والاستغفار لهم، ويتذكر الزائر الآخرة والزهد في الدنيا، وقد(2/242)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » ، وكان يقول: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (2) » ، فأنت تسأل الله لهم المغفرة والرحمة والعافية، إذا زرتهم، أما دعاؤهم، فتقول: يا سيدي فلان، اقض حاجتي، اشف مريضي، المدد المدد، فهذا شرك بالله، ولا يجوز هذا من عمل الجاهلية، من عمل أبي جهل وأشباهه من كفار الجاهلية كفار قريش وأشباههم، وأنت لا تطلب منهم شيئا فلا يقال لهم المدد، ولا يسألون ولا يطلبون الشفاء، هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، لا منهم، هو القادر على كل شيء جل وعلا، أو يقال: ألا تشفعون لنا، لا يطلب منهم هذا، أيضا، وإنما يستغفر لهم، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، فينبغي أن تعلم ذلك، وأن تكون على بينة، أما الكفار فلا يزارون مثل قبور اليهود، وقبور النصارى، وقبور المشركين الذين يعبدون غير الله ويستغيثون بالأموات، وينذرون لهم، هؤلاء لا تزار قبورهم، ومن زارها لقصد الاعتبار فلا بأس، مثل زيارة النبي للاعتبار، يعتبر، يتذكر الآخرة، لكن لا يدعى لهم، ولا يترحم عليهم، فقد زار النبي قبر أمه التي ماتت على الجاهلية، واستأذن أن يستغفر لها، فلم يؤذن له أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام، لكن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.(2/243)
زارها للاعتبار للذكرى فقط، فإن زيارة القبور، قبور الكفار، من النصارى وغيرهم للذكرى والاعتبار، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فلا بأس لكن لا تسلم عليهم ولا تدعو لهم؛ أما المسلمون فتزار قبورهم، ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم ولا يسألون عن الشفاعة، ولا يذبح لهم ولا يطلب منهم النصر ولا المدد كل هذا لا يجوز، كل هذا من الشرك الذي حرمه الله، وهو من عمل أهل الجاهلية.
فينبغي لك أيها السائل أن تحفظ هذا، وأن تبلغه لمن وراءك من الإخوان، ينبغي لك أن تحفظ هذا جيدا، وأن تبلغه من حولك، من جيرانك ومن أصحابك وجلسائك، حتى تكونوا على بينة وعلى بصيرة، لأن الله يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) سبحانه وتعالى، فالموتى لا يدعون، وهكذا الملائكة، وهكذا الأنبياء بعد موتهم، وهكذا الكواكب وهكذا الأشجار والأحجار، وهكذا الأصنام كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها ولا ينذر لها، ولا يتمسح بها، أما النبي الحي، والصالح الحي، الذي يسمع كلامك لا بأس أن تقول له: اشفع لي ادع الله لي، كان الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، يقولون: اشفع لنا يا رسول الله، هذا في حياته صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت، كان الصحابة يطلبونه الدعاء والشفاعة صلى الله عليه وسلم، ولا بأس بذلك؛ لأنه في حياته، أما بعد موته فلا، وهكذا إخوانك
__________
(1) سورة الجن الآية 18(2/244)
إذا كان فيهم رجل صالح، صاحب صلاة وصاحب تقوى، تقول: ادع الله لي يا أخي، وهو يسمع كلامك، حي، يطلب الله لك أن يصلح حالك، يصلح ذريتك لا بأس، المقصود أن الحي الحاضر القادر، لا بأس أن تطلبه بما يستطيعه، كأن يدعو لك، كأن يقرضك شيئا من ماله لحاجتك، كأن تعامله في شيء، لا بأس بهذه الأمور التي بينك وبين الحي الحاضر القادر، أما الموتى، فلا، الموتى لا يطلب منهم شيء ولا يسألون ولا يستغاث بهم، وهكذا الجمادات كالأزلام والأصنام، وكالكواكب وأشباه ذلك، لا تسأل ولا يستغاث بها، وهكذا الغائبون من الجن والملائكة، لا يسألون ولا يستغاث بهم، كل هذا من الشرك بالله عز وجل، لا يجوز فعله مع الملائكة، ولا مع الجن ولا مع الأموات ولا مع الجمادات ولكن تطلب ربك حاجتك، تسأله سبحانه وتعالى أن يشفي مريضك، وأن ينصرك على عدوك، وتسأله المدد من فضله، والعون والتوفيق والهداية، كل هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، وفقنا الله وإياك إلى الاستقامة والبصيرة.(2/245)
س: سؤال عن أولئك الذين يزورون القباب وقبور بعض الصالحين كما يسميهم، ما هو توجيهكم شيخ عبد العزيز ? (1)
ج: يعلمون الزيارة الشرعية، يعلمون زيارة القبور الزيارة الشرعية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور، أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (2) » ، وفي حديث آخر قال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » ، وفي حديث آخر عليه الصلاة والسلام: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (4) » ، هذا وأشباهه يدعى به للموتى، أما وضع القباب على القبور أو بناء المساجد عليها، فهذا لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (5) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لا تدع صورة
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 151.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(3) مسلم الجنائز (974) ، أحمد (6/180) .
(4) أخرجه الإمام الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر برقم 1053.
(5) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/246)
إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته (1) » ، وصح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث جابر عند مسلم في صحيحه، أنه نهى عليه الصلاة والسلام عن تجصيص القبور والقعود عليها، والبناء عليها. فالقبور لا يبنى عليها بنص النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يتخذ عليها مساجد ولا قباب، ولا تجصص ولا يقعد عليها ولا تمتهن، كل هذا ممنوع ولا تكسى بالستور، كل هذا ممنوع؛ وإنما يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبا، ليعرف أنه قبر حتى لا يمتهن ولا يوطأ.
فالمؤمن يبلغ إخوانه ويعلمهم، وهكذا طالب العلم وهكذا العلماء، يعلمون الناس ما شرعه الله، والمؤمن يتعلم من العلماء ويعلم من يأتي القبور، يقول لهم: إن الزيارة الشرعية كذا وكذا، أما البناء على القبور، أو سؤال الميت، والتبرك بتراب القبر، أو تقبيل القبر، أو الصلاة عنده كل هذه بدع، لا يصلى عند القبور ولا تتخذ محلا للدعاء، تقصد للدعاء عندها، ولا القراءة عندها، كل هذا من البدع كذلك طلب البركة، منها أو الشفاعة منها أو الشفاء، هذا من أنواع الشرك الأكبر، إذا قال: يا سيدي فلان اشفع لي إلى الله، ويقول للميت: انصرني أو اشف مريضي، هذا لا يجوز؛ لأن الميت انقطع عمله بعد موته إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، أما أنه يطلب منهم شفاء المرضى، أو النصر على الأعداء أو الشفاعة إلى الله
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر برقم 969.(2/247)
في كذا، أعماله قد انقطعت فلا يجوز طلبهم، بل يطلب من الله سبحانه وتعالى، يقول: اللهم اشفني، اللهم أعطني كذا، اللهم شفع في أنبياءك، اللهم شفع في نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم اللهم شفع في أفراطي، اللهم شفع في الملائكة والمؤمنين، هذا لا بأس به، تطلب من الله جل وعلا.
فالخلاصة أن المسلمين ينصح بعضهم بعضا، ويعلم بعضهم بعضا بأمر الشرع، والعلماء عليهم بيان ذلك وتوجيه العامة، لما شرع الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أن يعلموا الزيارة الشرعية للقبور، التي جاءت في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي تقدم بيانها ويعلمون أنه لا يجوز البناء على القبور، لا قباب ولا مساجد ولا أبنية أخرى، ولا تجصص ولا يقعد عليها، ولا تتخذ محلا للدعاء عندها، أو الصلاة عندها، والقعود عندها للدعاء أو القراءة، هذا من وسائل الشرك من البدع، أما دعاء الميت والاستغاثة بالميت والنذر له والذبح له، هذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من عمل الجاهلية.(2/248)
س: السائل من أديس أبابا، إريتريا يقول: التعلق بقبور الصالحين، وتعظيمها وزيارتها ما حكمه في الشرع جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، أما زيارة القبور فمشروعة، للدعاء لأهلها والترحم عليهم، والاستغفار لهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، زيارة قبور الصالحين والأخيار والأقارب والدعاء لهم، والاستغفار لهم هذا قربة وطاعة. أما التعلق بالقبور ودعاء أهلها، والاستغاثة بها، هذا شرك أكبر، كونه يدعوهم يا سيدي أغثني، انصرني أنا في جوارك، أنا في حسبك، اقض ديني، أو أصلح ذريتي، أو اشف مريضي، كل هذا من الشرك الأكبر، هذا من دعاء غير الله، فإذا فعل هذا مع قبور الصالحين، أو مع الجن، أو مع الغائبين، أو مع الملائكة، فإن هذا الشرك الأكبر، نسأل الله العافية؛ لقوله جل وعلا: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) ، وقوله جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (4) ، وقوله سبحانه:
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط، رقم 416.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة المائدة الآية 72(2/249)
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (2) فسمى دعاءهم شركا، قال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) ، هذا محل إجماع بين أهل السنة والجماعة، ليس فيه نزاع، الذي يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، أو بالجن أو بالملائكة، أو بالأنبياء أو ما أشبه ذلك، هذا كله شرك أكبر؛ لأن الأنبياء كلهم قد ماتوا، ولم يبق منهم إلا عيسى، مرفوع غائب في السماء والملائكة غائبون، فلا يجوز دعاؤهم ولا الاستغاثة بهم، وهكذا الغائبون من الناس لا يدعون ولا يستغاث بهم، إلا من طريق حسي، كالمكاتبة، أو التليفون وهو في بلد أخرى، يقول: أقرضني كذا، أو أرسل لي كذا، لا بأس مثل الحاضر، إذا كلمه بالتليفون أو بالمكاتبة، لا بأس كالحاضر.
أما من يعتقد أن هذا الغائب له سر وأنه يعلم الغيب فيخاطبه من بعيد، اقض حاجتي، انصرني يعتقد فيه أنه يعلم الغيب، ويسمع دعاءه أو يدعو الملائكة، أو يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، كل هذا شرك أكبر، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة المؤمنون الآية 117(2/250)
77 - حكم شد الرحال لزيارة قبور الصالحين
س: في حضرموت يذهب الناس في وقت محدود من كل سنة إلى زيارة أحد القبور، يقولون: إنه قبر النبي هود، الكائن في شعب هود، وهناك تتم الصلاة، وتتم الزيارة والقراءة، والبيع والشراء فما حقيقة ذلك، وهل قبر النبي هود هناك أم لا؟ (1)
ج: لا شك أن هودا عليه الصلاة والسلام كان في الأحقاف، كان منزلهم هناك، بعثه الله إلى قومه هناك، ولكن لا يعلم قبره ولا يدرى عنه، وليس هناك ما يدل على وجوده، فالذين يقصدون قبرا هناك، ليس معهم حجة على أنه قبر هود، ولا يحفظ قبر معلوم للأنبياء سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو المحفوظ في المدينة، وهكذا قبر إبراهيم في المغارة التي في الشام في محله المعروف هناك، من دون أن يعلم عينه، لكنه موجود في المغارة المعروفة هناك في الخليل، وأما بقية الأنبياء فلا تعلم قبورهم، لا هود ولا صالح ولا نوح ولا غيرهم كلهم لا تعلم قبورهم، فمن زعم أن قبر هود في بقعة معينة هناك، وأشار إليه بأنه في المحل المعين، فليس حجة، وليس معه دليل، فقبور الأنبياء لا تعرف، ما عدا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم وقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم لو فرضنا أنه صحيح، وأنه قبر هود فإنه لا يجوز شد الرحال إليه، للسلام عليه أو الصلاة عنده أو غير ذلك، لكن لو مر إنسان به وهو
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 22.(2/251)
يعلم أنه قبره، وسلم عليه فلا بأس كما يسلم على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما أن يزار بشد الرحال فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (1) » ، فلا يشد الرحال لقبر أي أحد، لا قبر هود ولا غيره، ثم لو فرض أنه مر عليه وزاره، فليس له أن يصلي عند قبره؛ لأن الصلاة لا تجوز عند القبور، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » ، فالصلاة عند القبر اتخاذ له مسجدا فلا يجوز الصلاة عند القبور، ولا اتخاذها مساجد، لو فرضنا أنه علم قبر هود أو غيره، فلا يجوز للمسلمين أن يشدوا الرحال من أجل زيارة القبور، لا قبر هود ولا غيره، وليس للمسلمين أيضا أن يصلوا عند القبور، ولا أن يتخذوا عليها مساجد؛ لأن الرسول زجر عن ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم 1189.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الحج، باب حج النساء برقم 1864، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد برقم 1397.(2/252)
ما صنعوا، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (1) » ، فصرح صلى الله عليه وسلم أنه ينهى عن اتخاذ القبور مساجد، والصلاة عندها اتخاذ لها مساجد، فلا يجوز لأي مسلم أن يفعل ذلك، فلا يشد الرحل إلى قبر أيا كان ولا يصلي عنده، أما إذا مر عليه أو صار في البلد وزاره للسلام على القبور هذا سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، لكن من دون شد رحل، ومن دون أن تتخذ مساجد ويصلى عندها، أو تتخذ محل القراءة والدعاء، لا، بل يزورها ويسلم على المقبورين، ويدعو لهم وينصرف.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » ، وفي لفظ: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » ، هذه هي السنة أن تزار القبور، من دون شد رحل ويدعى لهم، ويسلم عليهم، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، ولك معهم وفي زيارة القبور ذكرى وعظة، فإن الزائر يتذكر الموت، وما بعد الموت ويعتبر ويدعوه هذا إلى إعداد العدة والتأهب إلى الآخرة، أما اتخاذها مساجد أو اتخاذها محلا للدعاء والقراءة، فهذا لا يجوز، وليست محلا للدعاء ولا القراءة، ولا الصلاة، ولكن يسلم
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.(2/253)
عليهم ويدعو لهم في عرض السلام، ويكفي ذلك، كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين لنا وحذرنا من خلاف ذلك، فشد الرحال إلى القبور منكر، ولا يجوز، وهكذا الصلاة عندها واتخاذها مساجد، والبناء عليها واتخاذ القباب عليها، كل هذا منكر، ولا ينبغي لك أيها السائل، ولا لغيرك أن يغتر بالناس، فإن أكثر الناس اليوم ليس عندهم بصيرة، وإنما تحكمهم العادات وما ورثوه عن الآباء والأجداد، فاتخاذ المساجد على القبور اليوم في بعض الدول الإسلامية، واتخاذ القباب عليها كله منكر، هو من وسائل الشرك، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، يحذر من أعمالهم، وكذلك نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها، والبناء عليها، فلا يجوز أن تجصص ولا أن يبنى عليها، لا قبة ولا غيرها ولا يتخذ عليها مسجد، لأن هذا كله مصادم لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، ولأنه أيضا وسيلة من وسائل الشرك، والغلو في القبور، فالواجب على رؤساء الدول الإسلامية أن يزيلوا ما على القبور من أبنية من قباب ومساجد، وأن تكون القبور بارزة ليس عليها قبة وليس عليها مسجد، هذا هو الواجب في جميع الدول الإسلامية، الواجب عليهم جميعا أن يبرزوا القبور، وأن يزيلوا ما عليها من مساجد وقباب وأبنية، طاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثالا لأمره، وعملا بشرعه عليه الصلاة
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/254)
والسلام، وأيضا في ذلك سد ذرائع الشرك وحسم موادها؛ لأن الناس إذا رأوا قبرا مشيدا معظما بالقباب والبناء والفرش غلت فيه العامة، وظنت أنه ينفع ويضر، وأنه يستجيب الداعي، وأنه يشفي المريض، وأنه يتوسط بينه وبين الله، فيقع الشرك بالله نعوذ بالله، كما قد وقع لعباد القبور في الزمن الأول، فإنهم عظموا القبور، وزعموا أنها لهم شفعاء عند الله، ودعوهم واستغاثوا بهم، وهذا هو الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.
وهذا واقع اليوم في كثير من البلاد الإسلامية، واقع فيها هذا الغلو في القبور، كما يقع في مصر عند قبر البدوي والحسين وغيرهما، وكما يقع في الشام عند قبر ابن عربي وغيره، وكما يقع في العراق عند قبر موسى الكاظم، وأبي حنيفة وغيرهما، وكما قد يقع من بعض الجهال عند قبر النبي في المدينة عليه الصلاة والسلام، بعض الجهال من الحجاج والزوار، قد يقع منهم الشرك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يا رسول الله اشف مريضي، انصرني، المدد المدد، اشفع لي، وهذا لا يجوز لا مع النبي ولا مع غيره من الأموات، عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا في حياته، في حياته يقال: اشفع يا رسول الله، يعني ادع لنا، وهكذا، يوم القيامة إذا قام الناس من قبورهم يأتيه المؤمنون ويسألونه أن يشفع لهم إلى الله حتى يحكم بينهم وحتى يدخلوا الجنة. أما بعد الموت وقبل البعث في حال البرزخ فلا يطلب منه شفاعة، ولا يجوز أن يطلب منه المدد، ولا غوث ولا نصر على الأعداء؛ لأن هذا بيد الله سبحانه وتعالى، ليس بيد الأنبياء ولا غيرهم، بل النصر(2/255)
والشفاء للمرضى والغوث، والمدد كله بيد الله سبحانه وتعالى، وهكذا قد يقع من بعض الجهلة عند قبر خديجة في المعلاه في مكة المكرمة إلا إذا لوحظوا ووجهوا وبين لهم ما يجب عليهم، فأنت أيها السائل ينبغي لك أن تحذر هذه المسائل، وأن تكون على بينة وأن تعلم أن القبور، لا قبر هود ولا غيره، لا يجوز أن تتخذ معابد ولا مصلى ولا مساجد، ولا أن تدعى مع الله، ولا يستغاث بأهلها ولا يطاف بقبورهم، ولا أن يبنى عليها قبة، ولا أن تفرش ولا أن تطيب، كل هذا لا يجوز؛ لأنه من وسائل الشرك، ودعاء الميت وطلب الغوث منه، والمدد وشفاء المريض، وهذا كله شرك بالله عز وجل.(2/256)
س: الأخ: م. هـ. ع. ق. من حضرموت يقول: تقام في شهر شعبان في بلدتنا حضرموت زيارة لقبر النبي هود عليه السلام، المعتقد أن قبره بالأحقاف، حضرموت، إذ تشد الرحال إلى هناك بمسافة خمس ساعات بالسيارة، حيث يفد إلى هناك جمع غفير من الناس، تعد بالألوف المليئة بالاعتقاد الباطل، كما نعتقد؛ حيث يقومون بصعود جبل، ويصلون إلى غرفة في أعلاه بها قبران أو ثلاثة، وينكبون عليها تمسحا وبكاء ودعاء وتبركا، ثم ينزلون ويفعلون ذلك كل يوم لمدة أربعة أيام تقريبا، وهذا ما يشبهونه بالسعي، وجعلوا أماكن شخصوا فيها جسد النبي هود عليه السلام، فهناك حصاة يقال لها نخرة النبي، أي أنفه، وأخرى ملساء فيها أثر لقدمه وتسمى الدحقة، يبلغ طولها حوالي ثلاثة أذرع، وثالثة يقال لها: قدمية، تعلق فيها النساء اللاتي يردن أزواجا حصيات لكي تحصل على زوج، وكذلك تفعل الأم التي تريد أولادا، ويقولون من الوعظ في هذه الزيارة، إن السلف من الأولياء قد قاموا بتأسيس هذه الزيارة، وإنهم دعوا إليها مثل الفقيه المهاجر أحمد بن عيسى، وهكذا، ويستمرون على هذا المنوال، في شرح هذه الصفة يا شيخ عبد العزيز، في النهاية يرجو توجيهكم ونصحكم، وماذا عليهم أن يعملوا لو تكرمتم؟ (1)
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط، رقم 147.(2/257)
ج: أولا: نبي الله هود عليه الصلاة والسلام، لا يعرف قبره وما يزعمون أنه قبر هود في الأحقاف هناك، ليس له أصل ولا يعرف من القبور التي تنسب للأنبياء، سوى قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقبر الخليل في المغارة المعروفة في الخليل في الشام، فلسطين؛ وأما قبر هود وصالح ونوح وغيرهم من الأنبياء، فلا تعرف قبورهم، وما يدعى أن قبر هود موجود هناك في الأحقاف، وأنه في الغرفة التي أشار إليها السائل، كل هذا لا أصل له وليس بصحيح، ولا يعرف قبر هود ولا غيره من الأنبياء سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسوى قبر الخليل.
المقصود أن هذا الذي يفعلونه منكر ولا يجوز، بل هو من المحرمات الشركية، فإن دعاء نبي الله هود والتبرك بالحصى، الذي ينسب إلى أنه قبره، وأنه من جسده كل هذا شرك أكبر، فالتماس البركة من ذلك، أو الأزواج أو الذرية كل هذا منكر، وكله من المحرمات الشركية، فطلب الأولاد يكون من الله هو الذي يعطي الأولاد سبحانه وتعالى، وهكذا يطلب من الله تيسير الأزواج لا من أحجار تنسب إلى هود أو قبر ينسب إلى هود، بل لا يطلب من هود نفسه عليه الصلاة والسلام، لا يقال لهود: أعطنا أولادا أو بارك لنا في الأولاد. هذا إلى الله سبحانه وتعالى، وما يفعله الجهلة من هذه الأمور كله منكر، يجب إنكاره ويجب على العقلاء نهيهم عن ذلك، وعلى أهل العلم أن يحذروهم من ذلك، وأن لا يغتروا بفعل الجهلة، وما يقوله بعض الصوفية أو بعض عباد الأوثان في هذه المسائل، كل هذا غلط.(2/258)
فالعبادة حق الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) وهو سبحانه المبارك والذي تطلب منه البركة جل وعلا، ولا تطلب البركة من أحجار ولا من قبور ولا من أشجار، ولا من نبي الله هود ولا من غير ذلك. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، سأله جماعة من الصحابة لما رأوا شجرة يتعلق بها المشركون ويعلقون بها أسلحتهم، يرجون بركتها، «قالوا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال عليه الصلاة والسلام: " الله أكبر إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى، اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (2) » ، شبه قولهم " اجعل لنا ذات أنواط " بقول بني إسرائيل " اجعل لنا إلها "؛ ومعلوم أن اتخاذ الآلهة مع الله كفر أكبر، فلا يجوز أن يتخذ مع الله إلها، لا من الأصنام ولا من الأشجار، ولا من الملائكة ولا من الرسل، ولا من سائر الناس ولا من الجن، بل حق الله أن يعبد سبحانه وتعالى، حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وهو القائل سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ، وهو القائل عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ، وهو القائل سبحانه:
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه برقم 21390.
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الإسراء الآية 23(2/259)
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1) ، وهو القائل عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لما سأل معاذا عن حق الله على العباد، قال له معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (3) » ، فحق الله على العباد أن يعبدوه وحده في دعائهم وسؤالهم، وصلاتهم وصومهم وذبحهم ونذرهم وطلب البركة، كل ذلك إلى الله وحده سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (4) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (5) » ، وهكذا ما يفعله بعض الجهلة، عند قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من دعائه أو الاستغاثة به أو طلبه النصر أو المدد، كل ذلك من المحرمات الشركية وهكذا ما يفعله بعض الناس عند قبر البدوي، أو الحسين بن علي رضي الله عنه أو عند قبر ابن عربي في الشام، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، فما يفعله الجهلاء من دعائهم والاستغاثة بهؤلاء وطلب المدد منهم، كل هذا من الكفر بالله، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة غافر الآية 14
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، برقم 2856، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 30.
(4) سورة البقرة الآية 163
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس رضي الله عنهما برقم 2664.(2/260)
فالواجب: إخلاص العبادة لله وحده، وأن لا يدعى سواه جل وعلا، وأن لا يطلب النصر من الأموات، ولا من الأشجار والأحجار، ولا المدد ولا الشفاء كل ذلك يطلب من الله وحده سبحانه وتعالى، أما المخلوق فيطلب منه ما يقدر عليه، إذا كان حيا حاضرا ما هو الميت، الميت ما يطلب منه شيء، ولا الغائب، إنما يطلب من الحي الحاضر، إذا كان يقدر يقال: يا أخي ساعدنا في كذا، أعنا على كذا فيما يقدر عليه، أقرضنا كذا، أو ساعدني علي إصلاح البيت، على إصلاح السيارة، يقوله له مشافهة أو من طريق المكاتبة أو الهاتف، لا بأس.
أما الأموات والأشجار والأحجار والأصنام والنجوم، هذه كلها لا تسأل ولا تطلب منها شيء، بل ذلك من الشرك الأكبر نعوذ بالله، بل ذلك من عبادتها من دون الله سبحانه وتعالى، فيجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يتثقفوا في دينهم، وأن يسألوا العلماء المعروفين بالسنة، والمعروفين بالعقيدة الصحيحة، على العامة أن يسألوهم عن دين الله، وعما أشكل عليهم، وألا يعملوا بمجرد العادات، والآراء التي يفعلها الجهلة، يقول الله سبحانه: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (1) ، ويقول عز وجل {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (2) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (3) ، الصلاة لله والذبح لله، وهكذا الدعاء،
__________
(1) سورة الأنعام الآية 163
(2) سورة الكوثر الآية 1
(3) سورة الكوثر الآية 2(2/261)
يقول سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، فهو الذي يدعى ويرجى سبحانه وتعالى، وهو الذي يتقرب إليه بالنذور، والذبائح والصلاة والصوم ونحو ذلك، نسأل الله أن يوفق المسلمين للبصيرة في دينهم، وأن يصلح علماء المسلمين، وأن يوفقهم لتبصير إخوانهم وتعليمهم ما أشكل عليهم.
__________
(1) سورة الجن الآية 18(2/262)
78 - حكم غسل قبور الأولياء والتمسح بها
س: في حضرموت وفي مدينة سيئون يذهب الناس في وقت محدد من كل سنة إلى زيارة قبة علي حبشي يقال: إنه أحد الأولياء وفي هذه القبة قبره، والطريقة المتبعة هي غسل وتلبيس القبر ثم ثاني يوم وقفة مع خطبة لأحد العلماء، وذلك قبل شروق الشمس، نرجو أن تفتونا بذلك مع الدليل، وما حكم زيارة القبور والتمسح بالقبر أو الشخص العالم الولي؟ (1)
ج: هذا القبر المسئول عنه لا نعلم له أصلا، ثم لو عرف فإن البناء على القبور وتخصيص يوم معين لزيارتها واتخاذها أعيادا أمر منكر، النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا تتخذوا قبري عيدا
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط، رقم 11.(2/262)
ولا بيوتكم قبورا (1) » ، فلا يجوز أن تعظم القبور بالبناء عليها ولا اتخاذها مساجد، ولا باتخاذها أعيادا يجتمع إليها في السنة مرة أو مرتين، كل هذا مما أحدثه الناس، وإنما المشروع أن تزار فيما يسر الله من الأيام، من غير تحديد يوم معين تزار ويدعى للميت، ويترحم عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، وفي لفظ: «تذكر الموت (3) » ، فيزورها المؤمن، يزورها الرجال، أما النساء منهيات عن زيارة القبور، لكن يزورها الرجل، ويسلم على المقبورين، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو المشروع من دون شد رحل، أما شد الرحال إلى القبور فلا يجوز، وإنما تشد الرحال للمساجد الثلاثة فقط، المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، هكذا بين النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (4) » .
أما شد الرحال لقبر معين أو لقبور معينة، فهذا منكر وخلاف السنة، ثم قصد القبور للدعاء عندها، أو الصلاة عندها، أو القراءة عندها أمر منكر، ومن وسائل الشرك فلا تتخذ محلا للدعاء، والصلاة والقراءة، بل هذا من نوع اتخاذها مساجد، فلا يجوز ولا يجوز البناء
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه برقم 8804.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين برقم 1572.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم 1189.(2/263)
عليها لا بقبة ولا بسقف، لا يتخذ القبر مصلى، ولا يبنى عليه قبة، ولا يفرش ولا يطيب؛ لأن هذا من وسائل الشرك، من وسائل الغلو فيه، فلا يجوز هذا العمل، الذي ذكره السائل من قصد القبر وتغسيله وتعظيمه، والاجتماع عنده والتبرك به كله من المنكرات التي حرمها الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، وقال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (2) » ، فلا يجوز أن تتخذ مساجد ولا يبنى عليها ولا يصلى عندها، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» ، فدل ذلك على أن القبور ما هي محل مساجد، ولا محل قراءة، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام، فيما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها (3) » ؛ رواه مسلم في الصحيح؛ فالقبور لا يبنى عليها لا قبة ولا غيرها، ولا يبنى عليها مسجد، ولا تتخذ محلا للدعاء والصلاة والقراءة، ولكن تزار في البلد من دون شد رحل، يزورها في البلد، أو المار عليها فيسلم عليهم، ويدعو لهم ويستغفر لهم، وفيها
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته… برقم 780.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(3) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) ، النسائي الجنائز (2029) ، أبو داود الجنائز (3225) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1562) ، أحمد (3/332) .(2/264)
عبرة وذكرى للزيارة يذكر الموت ويذكر الآخرة، ويذكر ما صاروا إليه هؤلاء الأموات؛ فيستعد للقاء الله عز وجل، هذا هو المشروع، فينبغي الحذر مما أحدثه الجهال ومما يفعله الجهال من الغلو في القبور ودعاء أهلها والاستغاثة بهم، والنذر لهم وطلبهم المدد فإن هذا من الشرك الأكبر، بأن يقول: يا سيدي فلان المدد المدد الغوث الغوث، اشف مريضي انصرنا على أعدائنا، هذا من الكفر والشرك الأكبر، وإنما يطلب من الله، هو الذي يمد العباد وهو الذي ينصرهم، وهو الذي يشفي المرضى سبحانه وتعالى، أما الميت فليس عنده قدرة، لا يشفي نفسه ولا يشفي غيره، فدعاؤه والاستغاثة به، والنذر له والذبح له وطلبه المدد، كل هذا من عمل الجاهلية، ومن الشرك الأكبر، فيجب الحذر من ذلك، والله المستعان.(2/265)
79 - حكم نصب القباب على قبور الصالحين
س: ما حكم نصب القباب على قبور الصالحين بقصد تشريفهم وتكريمهم، وما حكم التبرك بها والاستشفاء بها، والصلاة عندها وخاصة صلاة الأعياد، وبماذا تنصحون الناس جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نصب القباب على القبور منكر، ومن وسائل الشرك، وهكذا
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط، رقم 291.(2/265)
البناء عليها من مساجد، كله منكر من عمل اليهود والنصارى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » .
فالواجب الحذر من ذلك، وعدم التشبه بهم؛ لأنهم فعلوا ما يسبب الشرك، والرسول ذمهم على هذا ولعنهم عليه، والواجب هدمها، الواجب على ولاة الأمور إذا كانوا مسلمين أن يهدموها أو يزيلوها وتبقى القبور مكشوفة ليس عليها قباب ولا مساجد، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة وكما كانت عند أهل السنة في مقابرهم، وكما في المملكة العربية السعودية بحمد الله فإنها مكشوفة وليس عليها بناء ولا يجوز التبرك بها، ولا دعاء أهلها ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم بل هذا من الشرك الأكبر، دعاؤهم والاستغاثة بهم والنذر لهم وطلب البركة منهم كله من الشرك الأكبر، نعوذ بالله، وهكذا الذبح لهم، فيجب على المسلم أن يحذر هذه الأمور وأن يحذر غيره.
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/266)
80 - حكم ذبح الذبائح عند القبور وأكل لحمها
س: السائل يقول: يوجد مقابر بجوارها مقام يذبح عند هذا المقام ذبائح نذرت لله، ولكن لا تذبح إلا في هذا المكان وإذا نهاهم أحد قالوا: إنما نذبح لله ولكن بجوار الأولياء علما بأنهم يأتون من أماكن متفرقة وأماكن بعيدة للذبح في هذا المكان ثم يجلسون لتناول الطعام بنفس المكان، فهل هذا حلال أم حرام أفيدونا بذلك؟ (1)
ج: هذا بدعة ووسيلة للشرك، مجيئهم للذبح عند القبور بدعة ولو قالوا: إنها لله، أما إن كانت لأصحاب القبور فشرك أكبر والعياذ بالله قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (4) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (5) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (6) » ، فإذا ذبحوا للأموات يتقربون لهم صار شركا أكبر، كما يذبحون للأولياء يرجون شفاعتهم، أو شفاء مرضاهم، أو ما أشبه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 367.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(4) سورة الكوثر الآية 1
(5) سورة الكوثر الآية 2
(6) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله برقم 1978.(2/267)
ذلك أو يدعونهم أو يستغيثون بهم، أو ينذرون لهم أو يطوفون بالقبور، كل هذا شرك أكبر؛ أما إن كان الذبح لله ولكن يرون أن هذا المحل مناسب أنه محل مبارك، هذا غلط، هذا بدعة لا يجوز لأنه وسيلة للشرك وبدعة في الدين؛ ولأنه كثيرا ما يرد مثل هذه الأسئلة؛ نوصي الدعاة أن يوجهوهم إلى الخير وأن يعلموهم ويرشدوهم حتى يكونوا على بينة وعلى بصيرة؛ يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) ، ويقول جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (3) ، هكذا أتباع النبي صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة يعلمون الناس ويرشدون الناس لا يغفلون، ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث علي: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (4) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (5) » .
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) سورة فصلت الآية 33
(3) سورة يوسف الآية 108
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 2942، والإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 2406.
(5) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره برقم 1893.(2/268)
س: يسأل ويقول: ما حكم زيارة الأضرحة والتبرك عن الأضرحة؟ (1)
ج: الزيارة تقدم الكلام فيها، والأضرحة هي القبور، والسنة الزيارة للدعاء لهم، والترحم عليهم والاعتبار والذكرى، أما للتبرك فلا يجوز فهذا شرك، التبرك بهم، ودعاؤهم من دون الله شرك أكبر، كونه يتبرك بقبورهم أو بترابهم، أو يستغيث بهم أو ينذر لهم أو يقول: يا سيدي فلان اقض حاجتي، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك، أو أنا أرجو بركتك، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر عند أهل العلم، ولكن يزور القبور للذكرى والدعاء لهم، يدعو لهم اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، يتذكر الموت، مثل ما قال صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » .، وفي اللفظ الآخر: «تذكركم الموت (3) » .
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 292.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين برقم 1572.(2/269)
81 - حكم زيارة قبور الصالحين لجلب النفع ودفع الضر
س: يوجد عندنا قبور يقال: إنها قبور بعض الصالحين، ويقوم بعض الناس بزيارتها، لكي تبعد عنهم الشر، وتجلب لهم الخير وتشفي مرضهم بزعمهم؛ لأنهم يقولون: إن هذا الصالح له شأن في هذا الشيء، وعن نهاية زيارتهم يضعون بعض النقود على هذا القبر ما حكم عملهم هذا؟ (1)
ج: الحمد لله وبعد: فإن الله شرع لعباده زيارة القبور للذكرى والاستغفار للميتين والدعاء لهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، ويقول لأصحابه عليه الصلاة والسلام، وكان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (3) » ، ويقول عليه الصلاة والسلام إذا زار البقيع: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (4) » ، ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (5) » ، ثم يقول: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» ، هذه السنة أن يدعى لهم عند الزيارة ويترحم عليهم؛ لأنهم في حاجة إلى الدعاء، أما زيارتهم لطلب الشفاء للمرضى، أو لطلب المدد والنصر على الأعداء
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 277.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.(2/270)
أو ما أشبه ذلك فهذا من الشرك الأكبر هذا كفر بالله هذا لا يجوز، هذه حال عباد الأوثان يعبدون الموتى والأصنام والأشجار والأحجار والكواكب ويسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب، وشفاء المرضى ويسألونهم المدد لكل ما يعينهم، هذا كله من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من هذا العمل السيئ، قبور الصالحين تزار للدعاء لهم، والترحم عليهم لا للدعاء من دون الله، ولا فرق بين العيدروس ولا ابن علوان، وغيرهما، جميع القبور حتى قبور الأنبياء، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر الصديق وعمر وأهل البقيع، كلهم لا يدعون مع الله، لا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، حتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول الزائر له: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه، ولا يدعى من دون الله، ولا يقال له: المدد، ولا اشف مرضانا ولا انصرنا، هذا شرك أكبر، وهكذا عند الصديق، وهكذا عند عمر، وهكذا عند عثمان وهكذا عند علي، وهكذا عند قبور آل البيت جميعا، لا يدعون مع الله، لا يقال: انصرونا أو اشفوا مرضانا، أو أنتم تعلمون حاجاتنا، هذا كله من الكفر الأكبر، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1) ، هو الذي يعلم الغيب جل وعلا ولما سقط عقد لعائشة في بعض الأسفار أناخ النبي عليه الصلاة والسلام وطلب العقد، وأرسل
__________
(1) سورة النمل الآية 65(2/271)
من يطلبه ويلتمسه، ولم يعرف أين مكانه عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وأفضلهم، فلما أقام البعير الذي عليه عائشة وجدوه تحته، فلو كان يعلم الغيب لقال: انظروه تحت البعير، ولم يحتج إلى من يطلبه، ولما قذف المنافقون عائشة، وبعض الناس قلدهم وقذفها، لم يعلم الحقيقة، وتوقف حتى جاءه الوحي بسلامتها وبراءتها، رضي الله عنها وأرضاها؛ فالغيب لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه نبي ولا ملك ولا غيرهما، إلا من علم الله عباده مثل ما أوحى الله إلى أنبيائه، وعلمهم إياه، هكذا لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم وهم أنبياء، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) هذا عام، نكرة في سياق النهي يعم الأنبياء وغيرهم، قال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فسمى دعاة غير الله كفرة، دعاة الأموات والأنبياء والأشجار والأصنام ونحو ذلك. قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3) ، يعني المشركين، المقصود تحذيره صلى الله عليه وسلم وتحذير الأمة، هو صلى الله عليه وسلم لا يشرك، بل عصمه الله من هذا، لكن المقصود تحذير الأمة، وبيان أن هذا الأمر خطير، وأنه لا يجوز لأحد أن يفعله وهكذا، وقوله
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة يونس الآية 106(2/272)
سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) ، أوحى الله إليه هذا الأمر ليعلم الناس أن الشرك محرم وأنه أعظم الذنوب وأنه محرم على الأنبياء وعلى غيرهم، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (3) سبحانه وتعالى فجعل دعاء غير الله كائنا من كان من الشرك وأخبر أن المدعوين لا يسمعون دعاء الداعين وأنهم لو سمعوا ما استجابوا.
فالواجب الحذر من هذا الشرك الوخيم، وتحذير الناس من ذلك، والواجب على العلماء في كل مكان أن يبينوا للناس هذا الأمر العظيم، وأن يحذروهم من التعلق على القبور، والتعلق على الأموات والاستغاثة بهم، والنذر لهم وطلبهم المدد والعون، كل هذا من المحرمات الشنيعة، بل من الشرك الأكبر؛ وإذا كان هذا لا يجوز مع النبي ولا مع الخلفاء الراشدين فكيف يجوز مع العيدروس، أو مع ابن علوان أو مع الشيخ عبد القادر، أو مع علي أو مع الحسن أو فاطمة أو غيرهم، لا يجوز أبدا مع أحد، العبادة حق الله وحده، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4)
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة الذاريات الآية 56(2/273)
وقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ؛ فهو المعبود بالحق، وهو المستعان جل وعلا فلا يدعى مع الله أحد، لا ملك ولا نبي ولا صنم ولا شجر ولا حجر ولا ميت، فالعبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) ، وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) ، وقال جل وعلا: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (6) ، أما الحي فلا بأس يقال له: يا عبد الله أعني على كذا، الحي الحاضر، أعني على إصلاح سيارتي، أقرضني كذا وكذا، حي يسمعك ويقدر، تقول له: أعني على تعمير بيتي، أعني على إمساك دابتي، هذا لا بأس به، كما قال الله في قصة موسى عليه السلام: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (7) ؛ لأنه حي قادر، أما الأموات فلا يدعون مع الله وهكذا الأصنام، وهكذا الأشجار، والأحجار، وهكذا النجوم، كل ذلك من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.
فنصيحتي لكل مسلم أن يحذر هذا، وعلى العلماء أن يحذروا
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة غافر الآية 14
(7) سورة القصص الآية 15(2/274)
الناس من هذا الشرك الوخيم، وعليهم أن يتقوا الله وأن يعنوا بهذا الأمر، بالكتابة وفي خطب الجمعة، وفي غير ذلك، وهكذا زيارة القبور حتى ينبه الناس، القبر الذي يدعى من دون الله يزوره العالم ويقول: يا ناس هذا لا يجوز سلموا وادعوا له بالمغفرة والرحمة، أما أن تدعوه من دون الله، المدد، يا سيدي فلان اشفع لنا انصرنا، هذا ما هو من شأنه، هذا الشرك الأكبر. نعوذ بالله فيجب الحذر.(2/275)
82 - حكم الصلاة إلى القبور والتبرك بها
س: يوجد لدينا في القطر عادة ذلك بأنهم يصلون إلى قبر ويزورونه ويتبركون به، ويقولون: إنه من قبور الصحابة، نرجو أن توجهوا الناس، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: القبور فتن بها كثير من الناس فيما مضى وفي هذه الأمة كانت اليهود والنصاري فتنت بذلك، وعبدوا القبور، واتخذوها أوثانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته اثنتان من نسائه، في الحبشة أنهما رأتا كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور قال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط، رقم 224.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/275)
الصور أولئك شرار الخلق عند الله (1) » فجعلهم بهذا العمل شرار الخلق؛ لأنهم يعظمونهم بالتصوير والبناء ويسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب، ويتبركون بتراب قبورهم إلى غير هذا من أعمالهم القبيحة، ولهذا استحقوا اللعنة على ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في الصحيح: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (2) » ، وقال في حديث ابن مسعود: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء واللذين يتخذون القبور مساجد (3) » .
فالواجب الحذر من هذه الخصلة الذميمة التي سار عليها اليهود والنصارى، وهي تعظيم القبور بالبناء عليها، واتخاذ المساجد عليها والقباب، والتبرك بها، ودعاء أهلها، والاستغاثة بهم والذبح لهم، والنذر لهم، وطلبهم المدد، وهذا بلاء عظيم، بعضه بدعة وبعضه شرك، فاتخاذ المساجد على القبور بدعة، واتخاذ القباب وتجصيصها كل ذلك من البدع، ومن أسباب الشرك ووسائله، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه؛ لأن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة برقم 434.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برقم 4330.
(3) أحمد (1/405) .(2/276)
تجصيصه والبناء عليه وسيلة للشرك والتعظيم، وهكذا اتخاذ القبة فوقه والمسجد فوقه كل هذا من أسباب الشرك، وهكذا القراءة عنده والصلاة عنده من البدع، أما السؤال بالمدد وطلبه الغوث هذا شرك أكبر، هذه عبادة لغير الله سبحانه وتعالى.
فالواجب على الأمة الحذر من ذلك، والواجب على العلماء بيان ذلك للأمة، وتحذيرهم من هذا الشرك، ومن هذه البدع لعلهم يسلمون منها، وهكذا كل من لديه علم يبثه في الناس ويعلمه الناس يقول الله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1) ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «بلغوا عني ولو آية (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه (3) » ، وكان إذا خطب عليه الصلاة والسلام يقول للناس: «فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع (4) » ، وهذه
__________
(1) سورة فصلت الآية 33
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل برقم 3461.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه برقم 12871.
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى برقم 1741.(2/277)
البلية انتشرت في العالم في البلاد الإسلامية وغيرها وهي التعلق على القبور، والبناء عليها والتمسح بها وسؤالها الحاجات وتفريج الكروب والمدد، وهذا بلاء عظيم وشر كبير، يجب الحذر منه، والبدعة دائما تكون وسيلة للشرك، فأسباب هذا الشرك تعظيم القبور بالبناء عليها واتخاذ المساجد عليها والقراءة عندها، فلما وجدت هذه البدع جرت الناس إلى الشرك والغلو في القبور وعبادتها من دون الله بالدعاء والاستغاثة، والذبح لها، والنذر لها، وطلبها المدد، وهذا هو الشرك الأكبر. فيجب الحذر من ذلك والتوبة إلى الله من ذلك ويجب هدم البناء الذي على القبور، من المساجد وغيرها أن تكون القبور بارزة، ليس عليها بناء كما كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع، وهكذا في البلاد الإسلامية السليمة من هذه الفتنة وعلى العلماء وعلى الأمراء أمراء المسلمين أن يعالجوا هذه الأوضاع، وأن يزيلوها من بينهم، وأن يحذروا الناس منها وأن تكون القبور بارزة ليس عليها بناء لا قبة ولا مسجد، ولا غير ذلك. رزق الله الجميع الهداية والبصيرة.(2/278)
83 - حكم من يعتقد النفع والضر في أهل القبور
س: يقول السائل: لدينا أناس يعظمون القبور، ويرجون من أهلها النفع والضر، هل يكون هؤلاء كفارا مع أنهم يصلون ويقومون بباقي العبادات، وجهونا في ضوء هذا السؤال سماحة الشيخ؟ (1)
ج: التعلق بالقبور ورجاء نفعها، ودفع الضر منها بدعائها أو التمسح بها أو الاستغاثة بها أو الطواف بها كلها كفر أكبر، هذا شرك المشركين هذا ضلال الأولين، لا يجوز التعلق بالقبور لا بقبور الصالحين ولا بقبور الأنبياء ولا غيرهم، فالذي يتعلق بها ويطوف بها يرجو نفعها، أو يستغيث بأهلها أو ينذر لهم أو يتمسح بقبورهم يرجو منهم النفع أو يستعين بهم أو يذبح لهم أو يسجد لهم كل هذا من الكفر بإجماع أهل السنة والجماعة، بإجماع أهل العلم، هذا شرك المشركين الأولين، الله يقول جل وعلا: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، سماهم كفارا، قال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ، وقال سبحانه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) سماه شركا وهو دعاؤهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط، رقم 375.
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة فاطر الآية 14(2/279)
«الدعاء هو العبادة (1) » ، فالذي يدعوهم قد عبدهم، فإذا قال يا سيدي انصرني واشف مريضي أو اشفع لي أو أنا في جوارك أو أنا في حسبك أو أنا متوكل عليك أنا أرجوك أنا أخافك، هذا كله شرك أكبر، هذا ما يفعل إلا لله جل وعلا يخاطب الله سبحانه: يا رب انصرني اشف مريضي، أنا أخافك وأرجوك هذا مع الله سبحانه وتعالى، أما مع المخلوق فهذا شرك أكبر أو مع النجوم أو مع الجن أو مع الأصنام كل هذا كفر أكبر، هذا شرك المشركين وهكذا ما يفعله عباد الحسين أو عباد الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، أو عباد العيدروس أو السيدة زينب أو غير ذلك، كل هذا كفر أكبر إذا دعا العيدروس أو دعا الحسين أو الحسن أو استغاث بعلي رضي الله عنه أو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استعان بهم أو قال: يا رسول الله انصرني أو اشفع لي أو اشف مريضي أو ثبتني على الدين، كل هذا كفر أكبر.
الشفاعة تطلب منه بوم القيامة بعد البعث والنشور وفي حياته قبل الموت، يقال: اشفع لي يا رسول الله لا بأس، أما بعد الموت فلا يطلب منه لا شفاعة ولا غيرها ولكن إذا كان حيا يقول: يا رسول الله اشفع لي، استغث لنا لا بأس؛ لأنه قادر. ويوم القيامة كذلك عندما يبعث الله الناس، وعند شدة الهول يذهبون إلى آدم يقولون: اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 17888.(2/280)
كرب الموقف يقضي بيننا، فيعتذر آدم ويحيلهم إلى نوح، ويعتذر نوح ويحيلهم إلى إبراهيم، ويعتذر إبراهيم ويحيلهم إلى موسى، ويعتذر موسى ويحيلهم إلى عيسى ويعتذر عيسى ويقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال صلى الله عليه وسلم: «فيأتونني؛ يأتيه الناس، فأقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب عليه الصلاة والسلام فيسجد بين يدي ربه، تحت العرش، ويحمد الله بمحامد يفتحها الله عليه ويثني عليه كثيرا حتى يقال له: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط واشفع تشفع (1) » ، لا يشفع إلا بعد الإذن؛ لأن الله تعالى يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2) ؛ فإذا أذن له شفع في الناس فيقضي بينهم، ويشفع في أهل الجنة فيدخلون الجنة ويشفع في أناس من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها شفاعات كثيرة عليه الصلاة والسلام، وكذلك يشفع المؤمنون في العصاة، وتشفع الملائكة، ويشفع الأفراط، كل هذا جاءت به النصوص عنه صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) ، برقم 4712، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم 193.
(2) سورة البقرة الآية 255(2/281)
84 - حكم الاستغفار لمن مات وهو يدعو أصحاب القبور
س: هل يجوز يا سماحة الشيخ الاستغفار لشخص من أحد أقاربي مات وأنا لا أدري أهو مات حسن الختام أم لا، علما بأنه كان يقدس الأولياء وأصحاب القبور والأضرحة، ويعتقد بأن هذا من الدين؟ (1)
ج: إذا كان ظاهره الشرك، والغلو في الأموات والدعاء بالأموات والاستغاثة بالأموات لا يدعى له، ولكن إذا كان ظاهره الإسلام، ولا تعلم عنه إلا الإسلام، فلا بأس تدعو له وتستغفر لأخيك، هذا مشروع، فالمؤمن يدعو لإخوانه ويستغفر لهم، كما قال أتباع المهاجرين وأصحاب عيسى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (2) ، فأنت تستغفر لإخوانك، تدعو لهم بالرحمة، إذا كان ظاهرهم الإسلام، أما من كان ظاهره الشرك وهو الغلو في القبور، ودعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، فهذا لا يدعى له؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، وطلب الحوائج منهم، هذا من الشرك الأكبر، هذا دين المشركين، نسأل الله العافية، وهكذا دعاء الجن، ودعاء الأصنام، ودعاء الكواكب، كل هذا من الشرك الأكبر، يقول الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (3)
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 411.
(2) سورة الحشر الآية 10
(3) سورة التوبة الآية 113(2/282)
ولما مات أبو طالب على دين قومه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرن لك، ما لم أنه عنك (1) » ؛ فأنزل الله في ذلك هذه الآية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (2) من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم، المقصود أن من كان معروفا بدعاء الأموات، والاستغاثة بأهل القبور، أو بالأصنام أو بالجن، أو بالكواكب أو بالملائكة، أو بالأنبياء، هذا كله شرك أكبر، داخل في قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (3) ، وداخل في قوله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (4) ، وداخل في قوله سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (5) ؛ وفي قوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6) ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (7) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (8)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك لا إله إلا الله.. برقم 1360، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت… برقم 24.
(2) سورة التوبة الآية 113
(3) سورة النساء الآية 48
(4) سورة لقمان الآية 13
(5) سورة المائدة الآية 72
(6) سورة الأنعام الآية 88
(7) سورة الزمر الآية 65
(8) سورة الزمر الآية 66(2/283)
، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) ، وقال جل وعلا: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2) ، القطمير: اللفافة التي على النواة: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (3) ، هذا يعم الجميع، يعم الغائبين، ويعم الموتى من الأنبياء وغيرهم، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم، لو قدرنا أنهم سمعوا لم يستجيبوا، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ينكرونه ويتبرؤون منكم، يقول سبحانه: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} (4) ، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة القصص الآية 63(2/284)
س: يقول هذا السائل من السودان، سماحة الشيخ: في الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » ؛ البعض من الناس يذهب لقبر أحد الأشخاص كأن يكون شيخا ويطلب منه كذا وكذا، هل يجوز ذلك، وما حكم من يفعل ذلك في الشرع، وكيف ندعو للميت من منطلق هذا الحديث: ابن صالح يدعو له، كيف ندعو بعد الممات، جزاكم الله خيرا؟ (2)
ج: يقول: اللهم اغفر لأبي أو أمي، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم نجه من النار ونحو ذلك، هذا الدعاء له، أما دعاء الميت التوجه للميت، تقول: يا فلان انصرني أو أنا في حسبك، أو أغثني، هذا الشرك الأكبر، أو اشفع لي، أو أنا في جوارك أو ما أشبه ذلك، هذا الشرك الأكبر هذا فعل المشركين، مع اللات والعزى، ومع أصنامهم وهذا فعل المشركين مع الشيخ عبد القادر الجيلاني، ومع البدوي ومع الحسين لا يجوز هذا، لا يقول: سيدي فلان انصرني أو أنا في حسبك أو أنا في جوارك، أو اشفع لي هذا ما يقال للميت، يقال للحي، يقول للحي: اشفع لي، ادع الله لي، لا بأس الحي تقول له: ادع الله لي أن يغفر لي، ادع الله أن يرحمني هذا لا بأس، أما
__________
(1) مسلم الوصية (1631) ، الترمذي الأحكام (1376) ، النسائي الوصايا (3651) ، أبو داود الوصايا (2880) ، أحمد (2/372) ، الدارمي المقدمة (559) .
(2) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 400.(2/285)
الميت تقول له: يا فلان يا شيخ عبد القادر، أو يا حسين أو يا ست زينب، أو يا فلان وهو ميت ادع الله لي، هذا لا يجوز؛ لأنه غير قادر، هذا لا يستطيع شيئا، أو اشفع لي، هذا توسل بميت، لا يقدر كالذي يقول للصنم: انصرني أو اشفع لي من الجماد، لا قدرة له على شيء، فسؤال الأموات والاستغاثة بالأموات والتشفع بالأموات هذا هو عمل المشركين، وهذا هو المنكر، ولا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية. ومثله الغائبون: يا ملائكة الله يا جبريل، يا ميكائيل أو الجن الفلانيون، يا جن الظهران، يا جن الحساء، يا جن أمريكا، يا جن مصر، أو يا جن الفلاني، كل هذا من الشرك الأكبر، وقد ذم الله بعض المشركين، في هذا وقال عنهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (1) ، يعني: زادوهم شرا وبلاء؛ فنسأل الله العافية.
__________
(1) سورة الجن الآية 6(2/286)
85 - حكم من مات وهو يسأل أصحاب القبور شفاء المرضى وتفريج الكرب
س: الأخ: ط إ. إ. يسأل ويقول: أرجو منكم التعليق على ما يقع فيه الكثير من الناس من عابدي القبور والأضرحة من صرف العمل لها وسؤال أصحابها شفاء المرضى وتفريج الكرب، فهل من مات وحالته هذه يكون خالدا في جهنم؟ وهل يعذر جاهل بهذه القضية؟ (1)
ج: هذا سؤال عظيم، وجدير بالعناية؛ لأنه واقع في كثير من البلدان الإسلامية، وهو سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات وطلبهم شفاء المرضى، أو النصر على الأعداء، وهذا من الشرك الأكبر، وهذا دين الجاهلية، دين أبي جهل وأشباهه من عباد القبور وعباد الأصنام، يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) ؛ كما حكى الله عنهم سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3) ؛ وقال سبحانه في سورة الزمر: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4) ، فالحاصل أن هذا العمل من الشرك الأكبر، وصاحبه إذا مات عليه يكون من أهل النار مخلدا
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط، رقم 243.
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة الزمر الآية 3(2/287)
فيها، نسأل الله العافية، إلا إذا كان لم تبلغه الدعوة، كان من أهل الفترات الذين ما بلغتهم الدعوة، وما بلغهم القرآن، ولا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا حكمه إلى الله جل وعلا يوم القيامة، يمتحن يوم القيامة، فمن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنة، ومن أجاب جوابا غير صحيح دخل النار. فالمقصود أنه يمتحن يوم القيامة، فمن أجاب بما طلب منه دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. أما من كان في الدنيا وقد بلغه القرآن وبلغته السنة ويعيش بين المسلمين فهذا لا يعذر بدعواه الجهل، هو قد أسرف على نفسه وتساهل، ولم يسأل أهل العلم ولم يتبصر في دينه فهو مؤاخذ بأعماله السيئة الشركية، نسأل الله السلامة.
العقائد التي هي أصل الإسلام ليس فيها عذر بالجهل؛ الله جل وعلا قال عن الكفار: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (1) ما عذرهم بحسبانهم أنهم مهتدون ما عذرهم بجهلهم وقال في النصارى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (2) {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (3) ، فالحاصل أنهم بهذا كفروا، قال بعد هذا سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (4) {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} (5)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 30
(2) سورة الكهف الآية 103
(3) سورة الكهف الآية 104
(4) سورة الكهف الآية 105
(5) سورة الكهف الآية 106(2/288)
ما عذرهم بالجهل لتساهلهم وعدم عنايتهم بطلب الحق، قال سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (2) » . رواه مسلم في صحيحه، ولم يقل: " وفهم عني " أو " تبصر " أو " علم " بل علق بالسماع.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم برقم 153.(2/289)
86 - حكم من يسأل أصحاب القبور الرحمة والخير
س: يقول السائل: رأيت بعض الناس يزورون القبب التي فيها مقابر الأولياء ويطلبون منهم الرحمة والخير والعافية، ما حكم الإسلام في هؤلاء؟ (1)
ج: إن الله جل وعلا شرع لعباده ما فيه صلاحهم وما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن كل ما يضرهم في الدنيا والآخرة وبعث الرسل مبشرين ومنذرين عليهم الصلاة والسلام مبشرين من أطاعهم واستقام على ما دعوا إليه بالجنة والسعادة والنصر في الدنيا والنجاة في
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 234.(2/289)
الآخرة، ومنذرين من عصاهم بالذل في الدنيا والشقاء في الآخرة وأعظم ما بعث الله به الرسل وأهمه وأفرضه توحيد الله والإخلاص في العبادة له صرف العبادة له وحده جل وعلا، هذا أهم دعوة الرسل، هذا زبدتها إخلاص العبادة لله وحده كما قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1) ، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (2) فهذه أعظم دعوة الرسل وأهمها، وهذا أساسها توحيد الله والإخلاص له وألا يعبد معه سواه لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا حجر ولا صنم ولا غير ذلك، واتخاذ القباب على القبور والمساجد على القبور من وسائل الشرك، لأن هذا من تعظيم القبور، فإذا بني عليها القباب وبني عليها المساجد قصدها العامة ودعوها من دون الله، واستغاثوا بها ونذروا لها وهذا هو الشرك الأكبر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم هذا هو الشرك الأكبر هذا ضد دعوة الرسل، ضد التوحيد الذي بعث الله به الرسل فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم قال لقومه: «يا قومي قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (3) » نهاهم أن يعبدوا مع الله سواه نهاهم أن يعبدوا مع الله العزى أو مناة أو
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 25
(2) سورة النحل الآية 36
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.(2/290)
اللات أو غير ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3) {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) .
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ولا يجوز اتخاذ القباب على القبور ولا المساجد عليها بل يدفن الميت ويرفع قبره قدر شبر عن الأرض حتى يعرف أنه قبر ميت حتى لا يمتهن، ولا يجوز أن يدعى من دون الله ولا أن يبنى عليه قبة ولا مسجد ولكن يترك ضاحيا بارزا كما كانت قبور الصحابة في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ولا يجوز أن يدعى الميت مع الله ولا يستغاث به، ولا يقال يا سيدي يا فلان أغثني أو انصرني أو أنا في حسبك وجوارك أو يطلب منه الرحمة أو المغفرة أو شيئا من أمور الخير كالرزق أو الزواج أو النجاة من النار أو دخول الجنة أو ما أشبه ذلك كل هذا كفر بالله من الشرك الأكبر، قال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (6) معنى يعبدون أي: يوحدوني بالعبادة يقصدونه بالعبادة وحده سبحانه وتعالى، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (7) أي: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه:
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة الفاتحة الآية 5
(6) سورة الذاريات الآية 56
(7) سورة الإسراء الآية 23(2/291)
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1) ، وقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) يعني المشركين، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) سماهم كفارا، وقال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) ، فأمر الله سبحانه بعبادته وحده جل وعلا وإخلاص العبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأخبر أن المشركين اتخذوا من دونه أولياء يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، هم يعبدون اللات والعزى والأصنام ويدعونها ويستغيثون بها ويقولون: ما نقصد إلا أنهم يقربونا إلى الله زلفى، يشفعون لنا عند الله كما في آية يونس، ويقول سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (6) فكذبهم الله سبحانه، بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (7) وفي آية الزمر يقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} (8) أي:
__________
(1) سورة النساء الآية 36
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة الزمر الآية 3
(6) سورة يونس الآية 18
(7) سورة يونس الآية 18
(8) سورة الزمر الآية 3(2/292)
يقولون: ما نعبدهم {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) فكذبهم الله سبحانه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2) ، فبين أنهم لا يقربون إلى الله، بل هم كفار بهذا كاذبون، القرب من الله بدعوته سبحانه وعبادته وحده وسؤاله، هذا هو الذي يقربهم إلى الله، وينجيهم بفضله سبحانه، يا رب أغثني يا رب يسر لي الزواج بالمرأة الصالحة يا رب اقض ديني، يا رب أدخلني الجنة يا رب اغفر لي يا رب ارحمني هذا هو الذي شرعه الله، وهذا هو العبادة لله والتوحيد، أما تقول: يا سيدي البدوي ارحمني أو أنا في جوارك أو أغثني هذا هو الشرك الأكبر أو يا سيدي الحسين أو يا سيدي علي بن أبي طالب أو يا سيدي الحسن أو يا فاطمة أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله التي أنكرها الرسل وأنكرها نبينا محمد عليه السلام.
ولما خطبهم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في بعض الأيام قال: «يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب أنقذ نفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا (3) » . فأخبرهم
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب برقم 2753، ومسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) برقم 206(2/293)
عليه الصلاة والسلام أنه لا يغني عنهم من الله شيئا بل لا بد من شراء أنفسهم من الله بالتوحيد والإيمان والطاعة هؤلاء أقرب الناس إليه بنته وعمه وعمته وأخبرهم أنه لا يخلصهم من الله ولا ينجيهم من عذاب الله ولا يغني عنهم من الله شيئا إلا أن يوحدوا الله ويعبدوه وحده حتى فاطمة بنته قال: «سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا (1) » .
فالواجب على الجميع عبادة الله وحده وسؤاله وحده سبحانه والاستغاثة به وحده وأداء حقه في صلاة وزكاة وصيام وحج وبر الوالدين وصلة الرحم وترك ما حرم الله من سائر المعاصي من جنس الزنا وشرب الخمر واللواط وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشهادة الزور إلى غير هذا من المعاصي، يجب تركها طاعة لله وتعظيما لله وتقربا له سبحانه هذا هو الدين، وهذا الذي بعث الله به الرسل وأنزل به من الكتب، وبعث به خاتم الرسل محمدا عليه الصلاة والسلام بعثه يدعو الناس إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى طاعة أوامره التي أمر بها عباده من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك، ونهاهم عما حرم الله عليهم، ولهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى (2) » من أطاع الرسول واتبع الشريعة فله الجنة ومن عصاه فله النار نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب برقم 2753، ومسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) برقم 206
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 7280.(2/294)
فنصيحتي لكل من يخاف الله، لكل من يرجو الله: أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بدعائه واستغاثته ونذره وذبحه وغير ذلك، كما يخصه بصلاته وصومه وسائر عباداته، لله وحده، هذا هو التوحيد، وهذا هو الإيمان، وهذا معنى قوله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ، ومعنى قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) أي وحدوه أي خصوه بالعبادة بدعائكم وخوفكم ورجائكم وذبحكم ونذركم وصلاتكم وصومكم.
أما من يأتي أصحاب القباب ويدعوهم مع الله فعمله هذا هو الشرك الأكبر سواء كانوا أنبياء أو غيرهم، إذا قالوا: يا رسول الله أغثني؛ هذا شرك أكبر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أما في حياته يقول: أعطني كذا، أعطني من مال الله الذي عندك ساعدني من كذا لا بأس في حياته صلى الله عليه وسلم كما يقال للملوك وغيرهم: ساعدونا، في حياتهم، لكن بعد وفاته يقول: أغثنا يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا هذا لا يجوز بل يطلب من الله يقول: يا رب اشفع في نبيك يا رب أغثني يا رب أنجني من النار، وهكذا لا يدعى عمر ولا الصديق ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم، وهذا من بعد الصحابة من باب أولى لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم هذا حق الله، الأموات يترضى عنهم ويدعى لهم والأنبياء يتبعون ويدعى لهم لا يدعون
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 21(2/295)
مع الله بل العبادة حق الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ؛ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ؛ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (4) » ؛ نده شبيهه أي نظيره يدعوه مع الله، يستغيث به وينذر له، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار (5) » .
فالواجب الحذر من هذا الشرك والواجب البصيرة والتفقه في الدين هذا الواجب على جميع المسلمين في كل مكان وعلى جميع المكلفين في كل مكان في البلاد العربية وغيرها في أوربا في أمريكا في أفريقيا في آسيا في كل مكان يجب على المكلفين أن يعبدوا الله وحده، يجب أن يخصوه بدعائهم ونذرهم واستغاثتهم ونحو ذلك؛ لأنهم لهذا خلقوا، خلقهم ليعبدوه ويعظموه ويخصوه بالعبادة وبه أمروا، وبهذا تعرف أيها السائل أن اتخاذ القباب منكر ومن وسائل الشرك وهكذا بناء المساجد على القبور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) برقم 4497.
(5) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. برقم 92.(2/296)
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، يحذر ما صنعوا، متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جندب بن عبد الله البجلي: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس السابقين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد يعظمونها يصلون عندها يدعون عندها يقرأون عندها فنهاهم عن هذا، نهاهم أن يفعلوا هذا الفعل، فوجب على العباد أن يتركوا هذا الفعل؛ لأنه وسيلة إلى الشرك إذا بني عليه المسجد أو القبة جاء الجاهل والعامي قال: هذا ولي، هذا ينفع، هذا يشفع؛ يدعوه من دون الله يستغيث به، وهذا هو الشرك الأكبر نعوذ بالله، وهكذا البناء على القبور حتى غير المساجد؛ يقول جابر رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه (3) » رواه مسلم في الصحيح زاد الترمذي وغيره وأن يكتب عليه، فالرسول نهى عن تجصيص القبر، وأن يبنى عليها وهذا يشمل القباب وغير القباب لا يبنى عليها شيء، نهى أن يجلس عليها؛ لأنه امتهان له فلا يجلس عليه لأنه امتهان ولا يبنى عليه ولا يجصص؛ لأن التجصيص والبناء عليه من وسائل التعظيم، فإذا جصص وبني عليه عظمه الناس حتى يقع الشرك ويدعونه من دون الله ويعظمونه.
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.(2/297)
فالواجب أن يكون مكشوفا كسائر القبور ولو كان قبر نبي أو صالح حتى لا يدعى من دون الله أو يخص بشيء من العبادة لكن لما خاف الصحابة أن يدعى وأن يعبد دفنوه في حجرة عائشة لئلا يعبد من دون الله ولكن أهل الغلو ما تركوا ذلك، عبدوه خارج الحجرة وفي كل مكان يستغيثون به، وينذرون له عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الشرك الأكبر الذي نهى عنه وحذر منه وقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (1) » لا يجوز لأحد أن يغلو فيه بالدعاء ويدعوه من دون الله أو ينذر له أو يستغيث به أو يذبح له كل هذا شرك أكبر. وهكذا غيره من الأنبياء والصالحين لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم؛ لأن ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى.
فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على غاية من الحذر من هذا الشرك دقيقه وجليله قد عمت به البلوى في بلدان كثيرة في البلاد العربية وغيرها كما لا يخفى، على من له أدنى دراية بأحوال الناس ما يقع عند قبر البدوي والحسين والست زينب ونفيسة في مصر، وعند العيدروس في الجنوب اليمني وعند غيرها من القبور وعند قبور كثيرة، عند قبر ابن عربي في الشام وعند قبور كثيرة في العراق وغيرها، تدعى من دون الله ويستغاث بها، يجب الحذر، وهكذا من يأتي من الحجاج عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت.)(2/298)
أو عند قبور البقيع أو الصحابة يدعوهم من دون الله هذا منكر، وشرك أكبر، يجب الحذر من ذلك ويجب على أهل العلم أن يبينوا ما يجب، على العلماء في كل مكان وفقهم الله، أن يبينوا للناس؛ لأن الناس قد يغلب عليهم الجهل يحسبونه دينا.
فالواجب على العلماء أن يوضحوا للناس أن الواجب عبادة الله وحده إخلاص العبادة لله وحد وأن أصحاب القبور لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم ولا يبنى على قبورهم ولا يتخذ عليها مساجد، فالناس في ذمة العلماء يجب على العلماء أن يبينوا وأن يوضحوا للناس شرع الله ولا سيما ما يتعلق بالتوحيد، فهو أعظم الأمور وأهمها، كما أن الشرك أعظم الذنوب، وعلى العلماء البلاغ، مثل ما على الرسل، والله يهدي من يشاء، وعلى ولاة الأمور التنفيذ، على الحكام والرؤساء والملوك ورؤساء الجمهوريات ومن له قدرة التنفيذ أن يمنع العامة من الشرك بالله ويدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ويبين لهم أن هذا لا يجوز وأن الواجب عبادة الله وحده والاستغاثة بالله وحده لا بالقبور، النذر لله وحده لا لأهل القبور، فأهل القبور الدعاء لهم هم محتاجون للدعاء، يزورهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يدعو لهم؛ كان النبي يزور القبور ويدعو لهم عليه الصلاة والسلام وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور(2/299)
يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (1) » ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور المدينة، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) » ، وكان يعلم أصحابه هذا عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم في الصحيح. كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » ، وفي الحديث الآخر: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (4) » .
فالواجب على أهل الإسلام التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسير عليه في زيارة القبور وفي غيرها في جميع الأمور، كما قال الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (5) ، وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (6) .
فلذلك تجب طاعته عليه الصلاة والسلام، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وقال سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (7)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم 1053
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.
(5) سورة الحشر الآية 7
(6) سورة النور الآية 54
(7) سورة النساء الآية 80(2/300)
وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) فالخير كله في طاعة المصطفى عليه الصلاة والسلام واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، وذلك بتعظيم كتاب الله القرآن والتمسك به والأخذ بما فيه، وتعظيم السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله أعطاه القرآن ومثله معه السنة.
فالواجب على أهل الإسلام التفقه في كتاب الله والتفقه في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بهما في جميع الأحوال ولا سيما في أصل التوحيد وأصل الدين وأساسه وأعظم الأمور وهو رأس المال، نسأل الله لجميع المسلمين ولنا التوفيق والهداية والفقه في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) سورة النور الآية 63(2/301)
87 - التفصيل بين زيارة القبور الشرعية والزيارة الشركية
س: عندنا أناس يزورون القبور، وخاصة قبور الأولياء ويذبحون عندها الذبائح، فإذا قلت هذه بدعة يقولون: ليست بدعة نحن نعملها لله؛ هل هذا العمل وارد في السنة وهل هو صحيح، أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: زيارة القبور على الوجه الشرعي سنة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ، فإذا زار قبرا ليدعو له وليتذكر الآخرة والموت، فهذا كله طيب، فقد زار النبي القبور عليه الصلاة والسلام ودعا لأهلها وأمر الناس فقال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3) » وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية (4) » ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان يقول: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (5) » .
أما زيارتها لغير ذلك زيارتها لدعاء الموتى والاستغاثة بهم وطلب الشفاعة منهم أو النصر على الأعداء، فهذه يقال لها: زيارة شركية، هذه زيارة منكرة، بل هي شرك أكبر؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم شرك أكبر، وهكذا الذبح لهم كأن يذبح بقرة أو
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 250.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 974.(2/302)
بعيرا أو شاة أو دجاجة يتقرب بها إلى الميت يرجو شفاعته أو يرجو بركته هذا شرك أكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، والنسك يطلق على الذبح والعبادة، يقول جل وعلا: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (5) » ، فليس لأحد أن يذبح للأصنام أو للأولياء أو الجن لقصد التقرب إليهم لطلب شفاعتهم أو نصرهم على الأعداء أو لطلب إغاثتهم أو ليشفوا مريضه أو يردوا غائبه أو ليعطوه الولد أو ما أشبه هذا مما يفعله عباد القبور، وعباد الأولياء وعباد الأصنام، أما الذبح عند القبور لله لا للأولياء، لله يتقرب إلى الله، فهذه بدعة، فالقبور ليست محلا للذبح عندها، وإنما هو توسيخ لها وتقذير وإيذاء. الذابح يذبح في بيته أو المجزرة ويوزع على الفقراء والتقرب إلى الله، مثلما يذبح الضحية والهدية في منى والضحية في بيته هذا لا بأس، أما يأتي بالذبيحة عند القبور فهذا بدعة، وتلويث للقبور وإيذاء لها، وإيذاء للزوار أيضا، والغالب على هؤلاء أنهم ما يأتون بها للقبور إلا لاعتقادهم في أهل القبور وقصد التقرب إليهم بهذا، فإذا كانوا صادقين وأنهم ما قصدوا
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/303)
إلا التقرب إلى الله والذبح لله لا للأموات هذا يكون بدعة، أما إن أرادوا بالذبيحة التقرب للميت ليشفع لهم أو ليشفي مريضهم أو ليعطيهم كذا، فهذا الشرك الأكبر والعقيدة فاسدة والذبح شرك كله، نسأل الله السلامة.(2/304)
88 - حكم زيارة الأضرحة في الإسلام
س: سائل من المغرب يقول: ما حكم الأضرحة في الإسلام، وهل تجب الزيارة لغير الأماكن المقدسة كزيارة ضريح مثلا، ما حكم الشرع في ذلك؟ (1)
ج: الأضرحة فيها تفصيل، الأضرحة هي القبور، والسنة أن ترفع عن الأرض قدر شبر، حتى يعلم أنها قبور، حتى لا تمتهن، لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه رأى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قد رفع قدر شبر وأوصى أن يفعل بقبره مثل ذلك من حديث عثمان بن أبي سالم، أما ما يتعلق بالبناء عليه واتخاذ المساجد عليها والقباب فهذا لا يجوز، هذا منكر عند أهل العلم وبدعة ومن وسائل الشرك.
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » .
__________
(1) السؤال السادس من الشريط، رقم 306.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/304)
وفي صحيح مسلم جاء في حديث عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (1) » ، فلا يجوز البناء على القبور لا مسجد ولا قبة، ولا يجصص أيضا؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ومن وسائل أنه يعظم ويدعى من دون الله ويستغاث به من دون الله فيقع الشرك، فالبناء على القبور واتخاذ القبب على القبور وبناء المساجد عليها من الوسائل المحرمة من وسائل الشرك، ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام ولعن أهلها، فالواجب على كل مسلم أن يحذر ذلك، وألا يبنى على القبر، لا مسجد ولا غيره ولا قبة، ولا يجصص ولا يتخذ عليه حجب ولا ستور، كل هذا لا يجوز، بل هو من وسائل الشرك؛ لأن اتخاذ البناء والستور أو السرج، أو المساجد أو القبة على القبور كل هذا من وسائل التعظيم والشرك، وإذا دعا الميت بقوله: أنجدني، أو يا فلان أغثني، أو انصرني أو اشف لي مريضا أو أنا في حفظك وجوارك، كل هذا من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من ذلك، وكذلك الطواف بالقبور، يطوف عليها، يرجو بركة أهلها ونفعهم، وفضل أهلها كل هذا من الشرك الأكبر، أما إذا كان الجاهل يظن أن الطواف سنة، ويتقرب بها إلى الله، فهذا بدعة ومنكر، ويكون من وسائل الشرك، أما إذا طاف
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.(2/305)
يتقرب إلى القبر فهذا من الشرك الأكبر، مثل إذا دعاه أو استغاث به، أو نذر أو ذبح له، كل هذا من الشرك الأكبر. فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك، وإنما الزيارة الشرعية، أن للتسليم عليهم، والدعاء لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » فيأتيها فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله منا المستقدمين والمستأخرين (2) » ، هكذا علم النبي الصحابة، إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله منا المستقدمين والمستأخرين (3) » ، هذه هي الدعوة الشرعية ثم ينصرف، لا يصلي عند قبر ولا يقرأ عنده، ولا يطوف به ولا يسأل قضاء حاجة، كل هذا لا يجوز.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) مسلم الطهارة (249) ، النسائي الطهارة (150) ، أبو داود الجنائز (3237) ، ابن ماجه الزهد (4306) ، أحمد (2/300) ، مالك الطهارة (60) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.(2/306)
89 - حكم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين
س: إن كثيرا من الناس يشدون الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين، سائلين أهلها من الأموات شفاء مرضاهم، أو قضاء حوائجهم، ويقدمون لأصحاب هذه الأضرحة النذور والذبائح، ويدعونهم ويستغيثون بهم، وما شابه ذلك من أعمال، وهذه القضية اختلفت فيها الآراء، فالذين يقومون بهذا العمل يقولون: إن لله في الأرض عبادا يستجيب الله الدعاء من أجلهم، والذين يعارضون هذا العمل قالوا: إن هذا شرك صريح، ومخرج لصاحبه من الملة، نرجو أن تلقوا مزيدا من الضوء على جوانب وزوايا هذا الموضوع، مع بيان هل يجوز الصلاة خلف مرتكبيه أو لا يجوز؟ وفقكم الله (1) .
ج: إن هذا السؤال مهم جدا وعظيم جدا، وهو شد الرحال إلى الأضرحة لطلب الحاجات وشفاء المرضى من أصحاب القبور، لدعائهم والاستغاثة بهم، والنذر لهم وتقديم الذبائح ونحو ذلك، أما شد الرحال لمجرد الزيارة للقبور، فهذا لا يجوز على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأنه منهي عنه؛ ولأنه وسيلة إلى الشرك، والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لا تشد الرحال
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 5.(2/307)
إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا - يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة - والمسجد الأقصى (1) » هذه الثلاثة تشد لها الرحال للعبادة فيها، بنص النبي عليه الصلاة والسلام، وما سواها لا تشد إليه الرحال للعبادة فيها، فيدخل في ذلك بقية المساجد، ويدخل في ذلك أيضا الأضرحة من باب أولى؛ فإنه إذا كان لا تشد الرحال إلى المساجد غير الثلاثة، وهي أفضل البقاع، فغيرها من البقاع التي تشد لها الرحال، من أجل فضل المدفون بها، أو نحو ذلك المنع من ذلك من باب أولى، ولهذا أصح أقوال العلماء في هذا الباب تحريم شد الرحال لزيارة القبور، وإنما تزار من دون شد الرحال، فزيارتها سنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » . فالسنة زيارة القبور، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، للرجال خاصة دون النساء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور، وقال إنها تذكر الموت، تذكر الآخرة، وكان يعلم أصحابه ذلك، يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » وكان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام، ويترحم عليهم
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. برقم 1189، ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.. برقم 837.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.(2/308)
ويدعو لهم بالمغفرة، أما بشد الرحال فلا، لا تشد الرحال لزيارة القبور، كما لا تشد لأجل زيارة المساجد الأخرى غير الثلاثة، أما إذا قصد بشد الرحال دعاء الميت، والاستغاثة بالميت فهذا منكر وحرام بالإجماع إجماع المسلمين ولو فعل هذا من دون شد الرحال، لو أتى القبور التي في بلده من دون شد رحل، يستغيث بها أو ينذر لها أو يذبح لها، أو يسألها قضاء الحاجات، شفاء المرضى، تفريج الكروب، كان هذا منكرا عظيما وشركا ظاهرا، وهذا هو شرك الأولين من الجاهلية كانوا يفعلون هذا مع الأموات، كانت الجاهلية، تشرك بالأموات، وتستغيث بهم وتنذر لهم: {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (2) كما حكى الله عنهم ذلك سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه قال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3) ، فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (4) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (6) يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى،
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة يونس الآية 18
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3(2/309)
فرد الله عليهم بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1) فبين سبحانه وتعالى أن عبادتهم إياهم بالدعاء والضراعة والاستغاثة، والذبح والنذر والسجود على القبور أو نحو ذلك أن هذا هو الشرك بالله، وأن هو الكفر والضلال، وأن هذا لا ينفعهم بل يضرهم وإن زعموا أنهم شفعاء عند الله وإن زعموا أنهم يقربون إلى الله زلفى، فهو زعم باطل؛ لأن دعاء الأموات، أو الاستغاثة بالأموات، أو الأصنام أو الأشجار لا يقرب إلى الله ولا يدني من رضاه، بل يباعد من رحمته، ويوجب غضبه، ويوجب النار، وحرمان الجنة كما قال الله في كتابه الكريم: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2) ، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) فبين سبحانه أنه لا يغفر الشرك، ولكن ما دونه لمن يشاء، فما دون الشرك معلق بمشيئة الله سبحانه وتعالى إن شاء غفر، وإن شاء عذب أصحابه إن ماتوا قبل التوبة، وأما الشرك فلا يغفر، إذا مات عليه صاحبه، وكذلك الشرك يحبط الأعمال، كما قال الله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) ، والشرك معناه صرف بعض العبادة لغير الله، من دعاء أو خوف أو رجاء، أو توكل أو ذبح أو نذر، أو صلاة أو صوم أو نحو ذلك، فالذي يدعو الأموات
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة المائدة الآية 72
(3) سورة النساء الآية 48
(4) سورة الأنعام الآية 88(2/310)
ويستغيث بهم، وينذر لهم ويزعم أنهم يشفعون له، أو يقربونه إلى الله زلفى، قد فعل فعل المشركين الأولين سواء بسواء، وهكذا إذا تقرب إليهم بالذبائح والنذور، فهذا كله شرك بالله عز وجل، ومنكر يجب على أهل العلم إنكاره، وبيان بطلانه، وتحذير العامة من ذلك، وهذا هو نفس الشرك الذي فعله أبو جهل وأشباهه، في الجاهلية مع اللات والعزى ومناة، وهذا هو شرك الأولين مع أصنامهم وأوثانهم في كل مكان، ومن المصائب أن يظن العامة أن هذا دين وأن هذا قربة ويسكت على ذلك من ينسب إلى العلم، ويتساهل في هذا الأمر، فإن هذا يضر العامة ضررا عظيما، إذا سكت من ينسب إلى العلم، ولم ينكروا هذا الشرك، فيظن العامة أنه جائز وأنه دين وأنه قربة فبقوا عليه واستمروا عليه.
فالواجب على أهل العلم إنكار الشرك بالله، وإنكار البدع، وإنكار المعاصي والتحذير من ذلك، وتنبيه العامة على كل ما حرم الله عليهم، حتى يحذروه من الشرك فما دونه، ولا شك ولا ريب أن دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، وطلب شفاء المرضى وطلب المدد أن هذا شرك بالله عز وجل، وهذا يفعله كثير من الناس عند بعض القبور، كما يفعله بعض الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أيام الحج من بعض الجهلة، وكما يفعله كثير من الناس عند قبر السيد البدوي في مصر، وعند قبر الحسين في مصر وعند قبور أخرى، وهكذا يفعل عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، ويفعله بعض الناس وهم بعيدون عن هذه القبور، يدعونها من بعيد، ويسألونها قضاء الحاجات،(2/311)
وشفاء المرضى من بعيد، وهكذا يفعل عند قبور أهل البيت من بعض من يزورها من الشيعة وغير الشيعة وهكذا عند قبر ابن عربي في الشام، وهكذا عند قبور أخرى في بلدان لا يحصيها إلا الله عز وجل، وهذه بلية عمت وطم شرها وعظم ضررها؛ لأسباب قلة العلم وقلة من ينبه على هذا الأمر الخطير، وإني أهيب بجميع أهل العلم في كل مكان أن يتقوا الله، وأن ينذروا الناس من هذا الشرك، وأن يحذروهم منه، وأن يبينوا لهم أن العبادة حق الله وحده، كما قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ، وقال عز جل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، قال سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (3) وقال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5) ؛ قال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (6) ، في آيات كثيرات تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأنه لا يجوز أبدا أن يعبد أحد من دونه، من الأشجار أو الأحجار أو الأموات أو الأصنام، أو الكواكب أو غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده ليس لأحد فيها حق، لا الملائكة ولا الأنبياء، ولا الصالحون ولا غيرهم، أما العبادة فهي حق الله وحده، الرسل بعثوا ليعلموا الناس دينهم، ولينذروهم من الشرك بالله، وليوجهوهم إلى عبادة الله وحده،
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة النساء الآية 36
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة الزمر الآية 3
(6) سورة الجن الآية 18(2/312)
كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) ، في آيات كثيرة أخرى، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ: «أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم؛ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا (3) » ، فهنا حقان: حق الله على عباده، وحق العباد على الله، أما حق الله على عباده فهو مفترض، حق عظيم، وعليهم أن يؤدوه وقد خلقوا من أجله، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) والله أرسل الرسل من أجله كما تقدم فوجب على العباد أن يعبدوا الله وحده هذا حقه عليهم، حق فرضه عليهم، فعليهم أداؤه، وعليهم أن يؤدوا كل ما أمرهم به الله ورسوله وأن ينتهوا عن كل ما نهاهم عنه الله ورسوله، كل هذا من عبادته سبحانه وتعالى، أداء الفرائض وترك المحارم، ابتغاء وجه الله وإخلاصا له سبحانه، كل ذلك
__________
(1) سورة النحل الآية 36
(2) سورة الأنبياء الآية 25
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7373، ومسلم في كتاب التوحيد، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.
(4) سورة الذاريات الآية 56(2/313)
من عبادته ومن طاعته وتعظيمه، أما حق العباد على الله فهو حق تفضل، وإحسان وجود وكرم، فمن جوده وكرمه وإحسانه، أن من لقيه بالتوحيد والإيمان والهدى، فإن الله يدخله الجنة ولا يعذبه في النار، هذا فضله وإحسانه جل وعلا، كما يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} (1) ، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (2) ، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (3) .
فالواجب على أهل الإسلام أن يعبدوا الله وحده، وأن يخلصوه بالعبادة، وأن يتفقهوا في دين الله، وأن يحذروا الشرك بالله عز وجل، فإن دعوى الإسلام مع وجود الشرك، لا تنفع، بل ينتقض إسلامه بشركه بالله، فالشرك ينقض الإسلام ويبطله، فوجب على من ينتسب للإسلام أن يحقق إسلامه وأن يتفقه في دين الله، وأن يحفظ دينه من أنواع الشرك بالله عز وجل، حتى يبقى له إسلامه، وحتى يبقى له دينه، وهكذا يجب على كل أهل الأرض من المكلفين من جن وإنس، وعرب وعجم يجب عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده، وأن ينقادوا بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فهو رسول الله حقا، وهو خاتم الأنبياء؛ لأن الله بعثه إلى أهل الأرض جميعا، من الجن والإنس، ومن العرب
__________
(1) سورة لقمان الآية 8
(2) سورة الطور الآية 17
(3) سورة الحجر الآية 45(2/314)
والعجم، ومن سائر الأمم، يجب عليهم أن يعبدوا الله وأن ينقادوا لما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال الله سبحانه آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام، أن يبلغ الناس: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (2) ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3) ، فهو رسول الله إلى الجميع، إلى الجن والإنس، إلى العرب والعجم، إلى اليهود والنصارى والفرس، وجميع أهل الأرض من الجن والإنس، عليهم جميعا أن يعبدوا الله ويوحدوه، ويخصوه بالعبادة وألا يعبدوا معه لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا شجرا ولا ميتا ولا صنما ولا وثنا ولا غير ذلك، بل عليهم أن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه، وعليهم أيضا أن ينقادوا لما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يحكموه بينهم وألا يخرجوا عن هديه وطريقه، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) ، وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (5) ، ويقول
__________
(1) سورة الأعراف الآية 158
(2) سورة سبأ الآية 28
(3) سورة الأنبياء الآية 107
(4) سورة النساء الآية 65
(5) سورة النور الآية 54(2/315)
عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) ، المفلحون: هم هؤلاء، هم أتباع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أما الذين خرجوا عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقادوا لشرعه، ولم يصدقوه فهؤلاء هم الخاسرون هم الهالكون هم الضالون هم الكافرون من أي جنس كانوا، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2) ، فجعل الهداية في اتباعه فدل ذلك على أن من خرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو الخاسر وهو الضال غير المهتدي، فالهداية والفلاح والنجاة في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إخلاص العبادة لله وحده وبتحكيم شريعة الله التي جاء بها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وبهذا يعلم أن الواجب على جميع الأمم توحيد الله والإخلاص له، وعلى جميع الدول أن تعبد الله وأن تلزم شعوبها بعبادة الله وأن تدع ما هي عليه من الشرك والباطل، هذا عام لجميع الدول، لجميع الناس، ولكن المسلمين المنتسبين للإسلام الواجب عليهم أخص وأكبر؛ لأنهم انتسبوا إلى دين الله فوجب عليهم أن يحققوا دين الله وأن يعظموا دين الله وأن يصونوه عما حرم الله وأن يخلصوا
__________
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2) سورة الأعراف الآية 158(2/316)
العبادة لله وحده حتى يتحقق إسلامهم، وحتى يكونوا مسلمين حقا لا بالانتساب، فالانتساب لا يفيد ولا ينفع بل يجب أن يكون إسلامهم حقا بعبادة الله وحده والإخلاص له، وتعظيم أمره ونهيه واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام. ويجب على الأمم الأخرى التي لا تنتسب للإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من جميع الأمم التي لا تتبع محمدا عليه الصلاة والسلام، عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده، وعليهم جميعا أن ينقادوا للشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، عليهم جميعا ذلك؛ لأنهم مأمورون بذلك مخلوقون لذلك، فالله بعث محمدا إلى الجميع عليه الصلاة والسلام إلى جميع أهل الأرض من الجن والإنس، فلا يجوز لأحد منهم أن يخرج عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام كائنا من كان، فنسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والفقه في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن عرف أنه من عباد الأضرحة، من عرف بأنه يأتي القبور ويستغيث بأهلها ويسألهم شفاء المرضى ونحو ذلك، فهذا لا يصلى خلفه؛ لأن ظاهره الشرك، والمشرك لا يصلى خلفه، والصلاة خلفه باطلة، فلا يجوز أن يصلى خلف هؤلاء، بل يجب أن ينبهوا وأن يحذروا من الشرك وأن ينصحوا، فإذا تابوا ورجعوا عن الباطل ووحدوا الله سبحانه وتعالى وقبلوا النصيحة يصلى خلفهم، أما ما داموا يعبدون غير الله، ما داموا يتعلقون بالقبور ويسألونها شفاء المرضى والمدد(2/317)
وقضاء الحاجات، فهؤلاء لا يصلى خلفهم، بل شركهم ظاهر وكفرهم ظاهر، وإن كان بعضهم قد غره الجهل وغره سكوت العلماء فإن هذا لا يعذره، بل يجب عليه أن يسأل وأن يتفقه في دين الله وأن يسأل أهل العلم ويتبصر في ذلك ولا يتساهل.
س: ما حكم أولئك الذين يسافرون إلى القبور، وللطواف بها ويعملون الاحتفالات وما شابه ذلك؟ (1)
ج: هؤلاء الذين يتوجهون إلى القبور، سواء كانت القبور في بلادهم، أو كانت في بلاد أخرى يسافرون إليها لسؤالها أو الاستغاثة بها، أو الطواف في قبورهم يدعوهم ويسألهم حاجاته، كل هذا من الشرك الأكبر وإن كانوا سافروا إليها لعبادة عندها، فقد شبهوا قبورهم بالكعبة المشرفة التي أمر الله بالسفر إليها لعبادته عندها، وهؤلاء صرفوا عباداتهم لهم دون الله عز وجل، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ، ويقول عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5) ، ويقول سبحانه:
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط، رقم 144.
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة الزمر الآية 3(2/318)
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1) ، ويقول عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، إلى أمثال هذه الآيات الكريمات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الدعاء هو العبادة (3) » ، فالذي يدعو الأموات أو الأشجار أو الأحجار أو القبور، قد أشرك بالله سبحانه وتعالى، وهكذا إذا استغاث بهم، أو طاف في قبورهم يسألهم حاجته أو ما أشبه ذلك، أو يتعبد بالطواف ويتقرب به إليهم، كل هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.
س: هل يجوز أن يذهب الفرد من بلد إلى بلد ليصلي صلاة الجمعة في مسجد يقال له مسجد الشيخ فلان (4)
ج: إذا كانت الصلاة لأجل أنه يقال مسجد فلان، فلا يشد الرحل لأجل مسجد فلان، ولا لأجل أنه ينسب إلى الشيخ فلان، وإن كان يقصد الصلاة خلف إمام ذلك المسجد الذي في بلده، فالعمدة على الإمام الحاضر، إذا كان إماما طيبا والصلاة خلفه جيدة، لأجل خشوعه، وحسن تلاوته، هذا إذا قصده من شأن أن يصلي خلفه، من أجل حسن تلاوته، ومن أجل إقامته للصلاة، هذا حسن، أما شد الرحل لأجل فضل
__________
(1) سورة غافر الآية 14
(2) سورة الجن الآية 18
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم… برقم 17888.
(4) السؤال، رقم 32 من الشريط، رقم 220.(2/319)
المسجد؛ لأنه منسوب لفلان هذا لا يجوز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» (1) هكذا قال عليه الصلاة والسلام، أما المساجد الأخرى فلا يشد الرحل لها، ولو كان صاحبها معروفا بالخير، أما شد الرحل للتعلم أو للصلاة خلفه لا من أجل المسجد للإقامة عنده للتعلم عليه ويستفيد منه، لا بأس هذا من أجل طلب العلم.
__________
(1) سبق تخريجه.(2/320)
90 - حكم توزيع الأطعمة عند الأضرحة وسؤالها قضاء الحوائج
س: سائل يقول: تقوم بعض النساء عندنا بزيارة القبور والمساجد ومن خلال الزيارة يقمن بجمع الأطفال داخل المسجد أو على القبور، ويفرقن عليهم خبزا وبعض الأشياء، ويقلن لوجه الله ثم يقمن بدعاء الولي الذي زرن لأجله ويقلن يا ولي عافني، واحفظ أولادي؟ (1)
ج: هذا عمل خطير يجب الحذر منه، النساء ممنوعات من زيارة القبور، وإنما الإذن للرجال، يقول صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (2) » ولعن زائرات القبور من النساء؛ لأنهن فتنة وصبرهن قليل.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 200.
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.(2/320)
أما إذا كان مع ذلك دعوة الموتى والاستغاثة بالموتى صار شركا أكبر، وهكذا الذبح لهم، طلبهم المدد، هذا شرك أكبر من الرجال والنساء جميعا، فالذي يأتي القبور ليدعوها من دون الله، ويطلبها النصر والمدد والعون، هذا أتى شركا عظيما من الرجال والنساء جميعا، وهذا شرك المشركين، هذا شرك عباد القبور كأبي جهل وأصحابه من عباد القبور، وهكذا توزيع الصدقات إذا كان يقصد بهذا التقرب إلى الموتى بذلك، وأنه إذا تصدق ينوي التقرب بالصدقة لهم، يعتقد أنهم ينفعونه إذا تصدق عند قبورهم، وأنهم بهذه الصدقة التي يتقرب بها إليهم ينفعونه مثل لو صلى لهم، فهذا الشرك أكبر. أما إن كان فعل الصدقة عند القبر يطلب من الله ثوابها، ولكن يظن ويعتقد أنها عند القبور أفضل هذه بدعة، ما هي عند القبور أفضل، الصدقة يتصدق في بيته في أي محل، وإذا كانت عن طريق السر كانت أفضل، إلا إذا دعت الحاجة إلى الجهر، ولكن ليس محلها القبور، وإنما في الأسواق، في البيت، في أي مكان في المسجد لمن سأل، لا بأس.
والخلاصة أن زيارة النساء للقبور لا تجوز، وكونهن يذبحن للأموات أو يطلبن منهم المدد، أو الغوث أو شفاء المرضى هذا شرك أكبر، سواء وقع من امرأة أو من رجل، حتى ولو فعله في بيته ما هو عند القبور، يا سيدي فلان، يا عبد القادر يا حسين، يا علي، يا رسول الله، ولو في بيته ولو في أي مكان بعيد عن المدن والقبور، هو شرك أكبر ولو أنه في الصحراء، ما عنده أحد إذا قال: يا رسول الله:(2/321)
انصرني، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو ما أشبه ذلك، فقد عبده من دون الله بهذا الدعاء، أو قال يا سيدي الحسين أو يا سيدي الحسن، أو يا سيدي علي، أو يا سيدي عبد القادر هذا من الشرك الأكبر، وهكذا إذا تقرب بالذبائح سواء عند قبره، أو بعيدا عن قبره، يذبح من أجل التقرب إليه، يرى أنه إذا ذبح له يمده بأشياء أو يعطيه أشياء أو يحصل له أشياء، فالذبح لغير الله شرك أكبر، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) ، فأمر بالصلاة والنحر لله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله من ذبح لغير الله (5) » والذبح عبادة عظيمة كالصلاة، فإذا ذبح لأصحاب القبور، وتقرب إليهم بذلك، يرجو شفاعتهم ويرجو أنهم يقربونه إلى الله زلفى، أو تصدق يطلب الأجر منهم، والثواب منهم، أو حج لقبورهم أو ما أشبه ذلك من المقاصد التي يفعلها يتقرب بها إلى أصحاب القبور، هو يكون بهذا قد عبدهم وجعلهم آلهة، يعبدهم مع الله بصلاته لهم، أو دعائه لهم، أو ذبحه لهم أو نذره لهم أو غير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله برقم 1978.(2/322)
91 - الرد على شبهة من أجاز دفن الميت في المسجد بحجة دفنه عليه الصلاة والسلام في مسجده
س: ما هي العلاقة بين كل من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بما فيه قبره وقبر صاحبيه، ومسجد من المساجد التي توجد بها قبور، حيث إنه بعد سماعي للشيخ: عبد العزيز في هذه المسألة، فقد أوضح بأن ذلك كان خطأ عند توسعة المسجد، في عهد عبد الملك بن مروان، ولكن كثيرا من المسلمين يتساءلون، إذا كان هذا خطأ فإنه من الممكن تدارك الخطأ وعلاجه، وذلك بأن يفصل القبر عن المسجد تماما، حيث إنه لا يكفي السور؛ لأن باقي المقابر في المساجد الأخرى حولها أيضا سور، وبذلك من الصعب إقناعهم لاختلاف المسجد النبوي عن غيره، إن هذه المسألة إذا تفضلتم بحسمها، سوف تقضي قطعا على افتتان المسلمين، وسوف تمنع وتساعد على نبش القبور التي استجدت على المساجد، وندعو الله لكم بالتوفيق في بحث هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: لا شك أن إدخال القبر الشريف في المسجد الشريف كان سببا لفتنة بعض الناس، من وضع القبور في المساجد والبناء على القبور، وسبق في حلقات مضت بيان الواقع وهو أن الوليد بن عبد الملك وليس
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 75.(2/323)
عبد الملك، بل الوليد في خلافته لما وسع المسجد النبوي، رأى إدخال الحجرة النبوية في المسجد، بسبب التوسعة وأنكر ذلك عليه بعض الناس، وبعض التابعين، ولكنه رأى أن التوسعة تدعو إلى ذلك، فلهذا أدخله وصار ذلك الإدخال فتنة لبعض الناس في البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وليست العلاقة بين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته، مثل العلاقة التي بين المساجد والقبور الأخرى، الفرق عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته بيت عائشة، ودفن معه صاحباه: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يدفن في المسجد عليه الصلاة والسلام ولا صاحباه بل كلهم دفنوا في البيت، وأما القبور الأخرى غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فهي تدفن في المساجد قصدا، ويظن أهلها أن هذا قربة، وأن هذا طاعة، وربما حدث المسجد بعد ذلك، يوجد قبر ثم يبنى عليه مسجد، كل هذا واقع فليس هذا كهذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بل في الأحاديث الصحيحة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا. وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم. ولما قالت له عليه الصلاة والسلام أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما: إنهما رأتا
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.(2/324)
في أرض الحبشة كنيسة، وذكرتا ما فيها من الصور، قال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور (1) » ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «أولئك شرار الخلق عند الله (2) » فأخبر عن الذين يبنون على القبور مساجد، ويصورون عليها الصور، أنهم شرار الخلق؛ لأنهم فعلوا أمرا يجر الناس إلى الشرك، ويوقعهم في الشرك؛ لأن البناء على القبور وبناء المساجد عليها واتخاذ الصور عليها، كل هذا من وسائل الشرك، ولهذا حذر من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وأبدى وأعاد في ذلك، والوليد حين أدخل الحجرة النبوية، لم يكن على باله هذا الأمر، ولم يظهر له أن الناس يشتبه عليهم الأمر، ويعتقدون أن هذا مثل هذا، وأن إدخال الحجرة برمتها من جنس إدخال القبور في المساجد، أو من جنس إقامة المساجد على القبور، وليس هذا كهذا، فالحاصل أن إدخال الحجرة النبوية في المسجد ليس من جنس عمل الغلاة في القبور الذين بنوا عليها المساجد، أو أحدثوها في المساجد، هذا غير هذا، فإحداث القبر في المسجد أمر لا يجوز، ومنكر ووسيلة للشرك بصاحب القبر، وهكذا كون المسجد يبنى عليه كما فعلت بنو إسرائيل، هذا أيضا لا يجوز، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتفق عليه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة برقم 434.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة برقم 434.
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/325)
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا في كل مكان ألا يبنوا على القبور مساجد، وألا يبنوا عليها قبابا، ولا غيرها وأن يجعلوها ضاحية بارزة، كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في البقيع وغيره ليس عليها بناء، وكما هو الحال في البقيع والحمد لله، قد أزيلت عنها المباني، وهكذا في مكة، المقصود أن الواجب أن تكون بارزة ظاهرة ليس عليها بناء، هذا هو الواجب ولا يبنى عليها قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، وأما إدخال الوليد بن عبد الملك الحجرة النبوية، فكان لأجل التوسعة، وإن كان هذا غلطا ينبغي أنه لم يقع، حذرا من هذه الفتنة التي وقعت لبعض الناس، لكنه رحمه الله وعفا الله عنا وعنه، لم يتنبه لهذا الأمر الذي حصل للناس الآن، ولعل أسباب عدم إخراجه من المسجد بعد ذلك، أن كل وال يتولى المدينة يخشى أنه إن فعل ذلك أن يقام عليه الاحتجاج من الجهال وأن ينكر عليه، وأن يقال: أنت تبغض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت وأنت، فيتهم، فلهذا ترك الناس الحجرة بعدما أدخلت، لعل هذا هو السبب والله أعلم فيما أعتقد أن الولاة الذين تولوا الإمارة بعد الوليد، لعلهم خشوا إذا أخرجوا الحجرة من المسجد، أن يقال فيهم: إنهم كيت وكيت، إنهم ليسوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، أو إنهم مقصرون في حق النبي عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك من الأقاويل التي يخشى منها، فلهذا ترك هذا الأمر ولم يخرج من المسجد، من أجل خوف قالة الناس، وفتنة الناس، في القيل والقال، في إخراجه من المسجد بعدما أدخل، ثم أيضا مثل ما تقدم، ليس هذا(2/326)
من جنس ما يفعله الناس، بل هذه حجرة برمتها بيت برمته، أدخل فليس من المسجد وليس من أرض المسجد، وليس مدفونا في المسجد، وليس المسجد مقاما عليه، بل المسجد قائم مستقل، قبل إدخال الحجرة، فالمسجد قائم، وإنما جاءت التوسعة فقط، اليسيرة التي جاءت من جهة الشرق، هذا هو الواقع فلا يجوز لأحد أن يحتج بهذا، على البناء على القبور أو إدخال القبور في المساجد، لا حجة له في هذا، بل الواجب أن تكون القبور بعيدة عن المساجد، ليست في المساجد، كما تكون في أرض مستقلة وضاحية، شامسة مكشوفة ليس عليها بناء، وليس عليها مساجد، هذا الواجب على جميع المسلمين في كل مكان، طاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وامتثالا لأمره واتباعا لسنته، وحذرا من وسائل الشرك، ولهذا أبدى وأعاد عليه الصلاة والسلام، وأكثر في ذلك لئلا يقع الناس في الشرك، ومن ذلك ما تقدم في الأحاديث الصحيحة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان من قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » رواه مسلم في الصحيح من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وهكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » .
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/327)
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وألا يحتجوا بما فعله الوليد بن عبد الملك من إدخال الحجرة النبوية، فإنه أدخل بيتا ولم يدفن في المسجد، ولم يحدث الوليد قبرا في المسجد، وإنما أدخل الحجرة اجتهادا منه للتوسعة للمسلمين، فليس هذا مثل ما أحدثه الناس، ولا ينبغي أن يقاس هذا على هذا، بل الواجب الحذر مما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعن أهله الفاعلين له، ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تجصص القبور، وعن القعود عليها والبناء عليها.
فالرسول نهى أن يجصص القبر، ونهى أن يقعد عليه، أو يبنى عليه، وهذا يشمل القبر والمسجد وغيرها، فالواجب على جميع المسلمين طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وامتثال أمره والحذر مما نهى عنه في القبور وغيرها، فلا يبنى عليها، ولا يتخذ عليها قبة ولا مسجد ولا تجصص، كل هذا مما نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، والمقصود من هذا كله سد الذرائع للشرك، والنهي عن وسائله؛ لأن الناس إذا رأوا قبرا معظما بالقبة، والفراش ونحو ذلك، عظموه بالدعاء والاستغاثة، دعوه واستغاثوا بصاحبه فوقع الشرك.
فالواجب على المسلمين في أي مكان أن يتقوا الله، وأن يحذروا الدفن في المساجد، أو إقامة مسجد على القبر، وإن كان قبرا عظيما وإن كان صاحبه صالحا، فالأنبياء هم أصلح الناس، ولا يجوز البناء على قبورهم، فبقية الناس من باب أولى.(2/328)
فالواجب هو امتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتقيد بما قاله عليه الصلاة والسلام، والحذر مما نهى عنه عليه الصلاة والسلام، والحكمة في هذا واضحة، والحكمة ظاهرة وهي سد الذرائع الموصلة للشرك، فإن وجود المسجد على القبر، أو وجود القبر في المسجد، كل ذلك من وسائل الشرك بصاحب القبر نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، ونسأل الله أن يبصر المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يعيذهم من أسباب الشرك، ووسائله وذرائعه.
أما قوله: لماذا لا يعالج الخطأ الذي وقع فيه الوليد بن عبد الملك بإدخال الحجرة النبوية في المسجد، فقد بينا أن أسباب ذلك أن كل دولة تخشى أنها إذا قامت بهذا الأمر، تتهم وأن يقال فيها إنها قصرت في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنها تبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنها جاهلة بالإسلام، قد يتحاشون الدخول في هذا الأمر، يقولون: ما دام قد سكت من قبلنا، فنتركه، ولأن الحكمة في ذلك والعلة في ذلك واضحة، فإنه لم يدفن في المسجد عليه الصلاة والسلام، وإنما أدخلت الحجرة برمتها، فليست هذه المسألة مثل المسائل التي وقع فيها الناس في بلدان كثيرة حيث دفنوا في المساجد، وأوجدوا قبورا في المساجد، وبنوا مساجد على القبور، هذا هو الواقع، وهذا غير ما فعله الوليد، هذا فرق عظيم، وخوف الفتنة بين المسلمين هذا هو السبب الذي جعل الناس يتركون الأمور على حالها، خشية من فتنة تقوم بين الناس، بسبب ظنهم(2/329)
بمن أخرجه السوء، وأنه أراد بهذا تنقصا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أو أنه أراد بذلك شيئا آخر، قد لا يحمل على المعنى الشرعي، وقد يظن به خلاف ذلك، فلعل هذا السبب الذي من أجله تركته الدول السابقة، وقد يقوم حرب فكرية وغير فكرية من أعداء الإسلام، وقد يكون هذا من أسباب بعض الفتن، التي يوجدها بعض الناس، لأتفه الأسباب، وكيف هذا وهذا مما يتعلق بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه وأكثر الخلق ليس عنده العلم الكافي، والبصيرة الكافية بهذه الأمور بل يعتقدون أن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها أنه دين وقربة، بل بعضهم وكثير منهم يرى أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات دين وقربة نسأل الله العافية، ولما قيل له - صلى الله عليه وسلم - في حجر إسماعيل قال: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر، لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم (1) » فترك نقض الكعبة وإدخال الحجر فيها خوفا من الفتنة عليه الصلاة والسلام فأبقاها على حالها، وهذا من جنس هذا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب فضل مكة وبيانها برقم 1583، ومسلم في كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها برقم 1333.(2/330)
92 - بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام
س: قد عرفنا من كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن البناء والقباب على القبور لا يجوز، فما حكم القبة الخضراء على قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة؟ (1)
ج: لا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البناء على القبور ولعن اليهود والنصارى على اتخاذ المساجد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه مسلم في الصحيح، عن جابر أنه: نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها، والبناء عليها وفي رواية للترمذي وغيره والكتابة عليها (3) .
فالبناء على القبور، واتخاذ مساجد عليها من المحرمات التي حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وتلقاها أهل العلم بما قاله - صلى الله عليه وسلم - بالقبول، ونهى أهل العلم عن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، تنفيذا للسنة المطهرة، ومع ذلك فقد وجد في كثير من الدول والبلدان، البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، واتخاذ القباب عليها أيضا، وهذا كله
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 40.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(3) سبق تخريجه.(2/331)
مخالف لما جاءت به السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو من أعظم وسائل وقوع الشرك، والغلو في أصحاب القبور، فلا ينبغي لعاقل ولا ينبغي لأي مسلم أن يغتر بهؤلاء وأن يتأسى بهم فيما فعلوا؛ لأن أعمال الناس تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة، أو وافق أحدهما قبل، وإلا رد على من أحدثه، كما قال الله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) ؛ وقال عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2) .
أما ما يتعلق بالقبة الخضراء التي على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا شيء أحدثه بعض الأمراء في المدينة المنورة، في القرون المتأخرة في القرن التاسع وما حوله. ولا شك أنه غلط منه، وجهل منه، ولم يكن هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد أصحابه ولا في عهد القرون المفضلة، وإنما حدث في القرون المتأخرة التي كثر فيها الجهل، وقل فيها العلم وكثرت فيها البدع، فلا ينبغي أن يغتر بذلك، ولا أن يقتدى بذلك، ولعل من تولى المدينة من الملوك والأمراء، والمسلمين تركوا ذلك خشية الفتنة من بعض العامة، فتركوا ذلك وأعرضوا عن ذلك، حسما لمادة الفتن؛ لأن بعض الناس ليس عنده بصيرة، فقد يقول: غيروا وفعلوا بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كذا، وهذا كذا، فيثير إلى فتن لا حاجة
__________
(1) سورة الشورى الآية 10
(2) سورة النساء الآية 59(2/332)
إلى إثارتها وقد تضر إثارتها، فالأظهر والله أعلم أنها تركت لهذا المعنى خشية رواج فتنة يثيرها بعض الجهلة، ويرمي من أزال القبة أنه يستهين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بأنه لا يرعى حرمته عليه الصلاة والسلام هكذا يدعي عباد القبور، وأصحاب الغلو إذا رأوا من يدعو إلى التوحيد، ويحذر من الشرك والبدع، رموه بأنواع المعايب، واتهموه بأنه يبغض النبي عليه الصلاة والسلام، أو بأنه يبغض الأولياء، أو لا يرعى حرمته - صلى الله عليه وسلم -، أو ما أشبه هذه الأقاويل الفاسدة الباطلة، وإلا فلا شك أن الذي عملها قد أخطأ، وأتى بدعة وخالف ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها.
وأما البناء الأول فهو بيت عائشة؛ كان دفن عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم خافوا على دفنه في البقيع من الفتنة، فجعلوه في بيت عائشة ثم دفنوا معه صاحبيه: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يكن الدفن في المسجد بل كان في بيت عائشة، ثم لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في التوسعة، فظن بعض الناس الذين لا يعلمون أن الرسول دفن في المسجد وليس الأمر كذلك بل هو عليه الصلاة والسلام دفن في بيت عائشة في خارج المسجد، ولم يدفن في المسجد فليس لأحد حجة في ذلك أن يدفن في المساجد، بل يجب أن تكون المساجد خالية من القبور، ويجب ألا يبنى أي مسجد على قبر،(2/333)
لكون الرسول حذر من ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. (1) » أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، وروى مسلم في صحيحه رحمه الله، عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه يقول: قبل أن يموت بخمس يقول: «إن الله اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » فذم من اتخذ المساجد على القبور، ونهى عن ذلك بصيغتين إحداهما: قوله فلا تتخذوها مساجد، والثانية: فإني أنهاكم عن ذلك، وهذه مبالغة في النهي والتحذير منه عليه الصلاة والسلام، من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: ذم من اتخذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين قبلنا، والثاني: نهى عن ذلك بصيغة لا تتخذوا، والثالث: أنه نهى عنه بصيغة وإني أنهاكم عن ذلك، وهذه مبالغة في التحذير، وسبق في حديث عائشة أنه نهى عنه باللعن، قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » ، هذا يبين لنا ويبين لكل مسلم ولكل ذي فهم أن البناء على القبور، واتخاذ
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور. برقم 532.
(2) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/334)
القباب عليها والمساجد أنه مخالف لشريعة الله التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه منكر وبدعة في الدين، وأنه من وسائل الشرك، ولهذا لما رأى العامة والجهلة هذه القبور المعظمة، بالمساجد والقباب وغير ذلك، والفرش ظنوا أنها تنفعهم، وأنها تجيب دعاءهم، وأنها ترد عليهم غائبهم، وتشفي مريضهم، فدعوها واستغاثوا بها، ونذروا لها ووقعوا في الشرك، بسبب ذلك.
فالواجب على أهل العلم والإيمان أين ما كانوا أن يحذروا الناس من هذه الشرور، وأن يبينوا لهم أن البناء على القبور من البدع المنكرة، وهكذا اتخاذ القباب والمساجد عليها من البدع المنكرة وأنها من وسائل الشرك، حتى يحذر العامة ذلك، ليعلم الخاص والعام أن هذه الأشياء، حدثت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعد أصحابه رضي الله عنهم، وبعد القرون المفضلة، حتى يحذروها وحتى يبتعدوا عنها والزيارة الشرعية للقبور هي أن يزوروها للسلام عليهم، والدعاء لهم والترحم عليهم، لا لسؤالهم، ودعائهم، وقضاء الحاجات وتفريج الكروب، فإن هذا شرك بالله، ولا يجوز إلا مع الله سبحانه وتعالى، ولكن الجهلة والمشركين بدلوا الزيارة الشرعية، بالزيارة المنكرة الشركية، جهلا وضلالا؛ ومن أسباب هذا الشرك والبدع وجود هذه البنايات، والقباب والمساجد على القبور، ومن أسباب ذلك سكوت كثير من العلماء عن ذلك، إما للجهل بالحكم الشرعي لذلك، من بعضهم وإما(2/335)
يأسهم من قبول العامة، وعدم الفائدة من كلامه منهم لما رأوه من إقبالهم عليها، وإنكارهم على من أنكر عليهم، وإما لأسباب أخرى.
فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا للناس ما حرم الله عليهم، وأن يبنوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروهم من الشرك وأسبابه ووسائله، فإن العامة في ذمتهم، والله أوجب عليهم البلاغ والبيان، وحرم عليهم الكتمان.
س: إنني أعلم أن بناء القباب على القبور لا يجوز، ولكن بعض الناس يقولون: إنها تجوز ودليلهم قبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون: إن محمد بن عبد الوهاب أزال كل القباب، ولم يزل تلكم القبة، أي قبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالمفروض أن تزال ما دام الناس غير متشككين، فيما يبدو فكيف نرد على هؤلاء أفيدونا بارك الله فيكم؟ (1)
ج: لا شك أن القباب على القبور بدعة ومنكر، كالمساجد على القبور كلها بدعة وكلها منكر؛ لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ألا وإن من
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط، رقم 109.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/336)
كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (1) » رواه مسلم في الصحيح، ولما ثبت أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فنص - صلى الله عليه وسلم - على النهي عن البناء على القبور والتجصيص لها، أو القعود عليها ولا شك أن وضع القبة عليها نوع من البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نوع من البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء.
فالواجب أن تبقى مكشوفة على الأرض مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في البقيع وغيره مكشوفة، يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبا، ليعلم أنه قبر لا يمتهن، أما أن يبنى عليه قبة أو غرفة أو عريش أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تبقى القبور على حالها مكشوفة، ولا يزاد عليها غير ترابها، فيؤخذ القبر من ترابه، الذي حفر منه يرفع قدر شبر ويكفي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه: الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال في رواية: فرفع قبره عن الأرض قدر شبر، يعني قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالحاصل أن القبور ترفع قدر شبر، للعلم بأنها قبور، ولئلا تمتهن
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.(2/337)
وتوطأ أو يجلس عليها، أما أن يبنى عليها فلا، لا قبة ولا غيرها، للأحاديث السابقة حديث جابر وحديث عائشة وغيرهما، وفي حديث جابر التصريح بالنهي عن البناء على القبور، وتجصيصها، أما قبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه حادثة أحدثها بعض أمراء الأتراك، في بعض القرون المتأخرة في القرن التاسع أو الثامن وترك الناس إزالتها لأسباب كثيرة، منها جهل الكثير ممن يتولى إمارة المدينة ومنها خوف الفتنة؛ لأن بعض الناس يخشى الفتنة، لو أزالها لربما قام عليه الناس، وقالوا: هذا يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كيت وكيت، وهذا هو السر في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبة؛ لأنها لو أزالتها لربما قال الجهال، وأكثر الناس جهال: إن هؤلاء إنما أزالوها لبغضهم النبي عليه الصلاة والسلام ولا يقولون: لأنها بدعة، وإنما يقولون لبغضهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا يقول الجهلة وأشباههم، فالحكومة السعودية الأولى والأخرى إلى وقتنا هذا، إنما تركت هذه القبة المحدثة خشية الفتنة، وأن يظن بها السوء، وهي لا شك أنها والحمد لله تعتقد تحريم البناء على القبور، وتحريم اتخاذ القباب على القبور، والرسول - صلى الله عليه وسلم - دفن في بيت عائشة لئلا تقع الفتنة به، ولئلا يغلى فيه، فدفنه الصحابة في بيت عائشة حذرا من الفتنة والجدران قائمة من قديم، دفنوه في البيت حماية له من الفتنة عليه الصلاة والسلام لئلا يفتن به الجهلة، وأما هذه القبة فهي موضوعة متأخرة من جهل بعض الأمراء، فإذا أزيلت فلا بأس بذلك، بل هذا حق لكن قد لا يتحمل هذا بعض الجهلة، وقد يظنون بمن أزالها بأنه(2/338)
ليس على حق، وأنه مبغض للنبي عليه الصلاة والسلام، فمن أجل هذا تركت الدولة السعودية هذه القبة على حالها؛ لأنها من عمل غيرها ولا تحب التشويش والفتنة التي قد يتزعمها بعض الناس من عباد القبور وأصحاب الغلو في الأموات من المشركين فيرمونها بما هي بريئة منه، من البغض للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الجفاء في حقه والعلماء السعوديون منهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وغيره من العلماء كلهم بحمد الله على السنة، وعلى طريق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان في توحيد الله، والإخلاص له والتحذير من الشرك والبدع، أو وسائل الشرك، وهم أشد الناس تعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه كالسلف الصالح هم من أشد الناس تعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم مشيا وسيرا على الطريق السلف الصالح، في محبته - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم جانبه: التعظيم الشرعي، الذي ليس فيه غلو ولا بدعة بل تعظيم يقتضي اتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والذب عن سنته ودعوة الناس إلى اتباعه وتحذيرهم من الشرك به أو بغيره، وتحذيرهم من البدع المنكرة، فهم على هذا الطريق أولهم وآخرهم، يدعون الناس إلى اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى تعظيم سنته وإلى إخلاص العبادة لله وحده، وعدم الشرك به سبحانه ويحذرون الناس من البدع التي كثرت بين الناس من عصور كثيرة، ومن ذلك بدعة هذه القبة التي وضعت على القبر النبوي، وإنما تركت من أجل خوف القالة والفتنة، والله ولي التوفيق.(2/339)
93 - بيان مكان قبر الحسين رضي الله عنه
س: كثر كلام الناس، واختل حول قبر سيدنا الحسين أين مكانه، وهل يستفيد المسلمون من معرفة مكانه بالتحديد؟ (1)
ج: الصواب أنه كان بالعراق جسده؛ لأنه قتل في العراق، أما رأسه فاختلف فيه فقيل في الشام، وقيل في مصر وقيل غير ذلك، والصواب: أن الذي في مصر ليس قبره، إنما هو غلط وليس رأس الحسين، وقد ألف في هذا بعض أهل العلم، وبينوا أنه لا أصل لوجود رأسه في مصر، ولا وجه لوجوده في مصر، وإنما الأغلب أنه في الشام؛ لأنه نقل إلى يزيد بن معاوية وهو في الشام، فلا وجه للظن أنه في مصر، بل إما أنه في الشام؛ في مخازن الشام؛ وإما أعيد إلى جسده في العراق، وبكل حال فليس للناس حاجة في هذا، ليس للناس حاجة أن يعرفوا رأسه أين دفن، وأين كان، إنما الدعاء له بالمغفرة والرحمة، غفر الله له ورضي الله عنه قتل مظلوما، فيدعى له بالمغفرة والرحمة ويرجى له خير كثير، هو وأخوه الحسن، سيدا شباب الجنة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فهو مظلوم له الأجر العظيم، وترجى له الشهادة، مع أنه وأخاه كما تقدم جاء فيهما الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنهما سيدا شباب أهل الجنة (2) » ومن عرف
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 95.
(2) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - برقم 10616.(2/340)
قبره وسلم عليه، ودعا له فلا بأس، كما تزار القبور الأخرى إنما يزار قبره إذا عرف، مثل بقية قبور المسلمين بالدعاء لهم، والترحم عليهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1) » فمن زار قبر الحسين أو الحسن، أو فلان أو فلان للدعاء لهم، والترحم عليهم والاستغفار لهم، كما يفعل مع بقية القبور هذا سنة، أما زيارة القبور لدعائها من دون الله، أو الاستغاثة بها أو التمسح بترابها، هذا من المنكرات لا يجوز ولا يبنى عليها، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » وروى جابر في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها وعن البناء عليها (3) » فالرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تجصيص القبر، وعن القعود عليه وعن البناء عليه، فلا يبنى عليه قبة ولا مسجد، ولا غير ذلك ولا يجوز أيضا أن يجصص أو يطيب، أو توضع عليه الستور، كل هذا ممنوع ولا يصلى عنده، يقول عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (4) » خرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي، وهذا يدل على أنه لا تجوز الصلاة عند القبور، ولا اتخاذها مساجد، لماذا؟ لأنه وسيلة للشرك ووسيلة لأن يعبد من
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.
(4) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.(2/341)
دون الله، بدعائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم، والتمسح بقبورهم، فلهذا حذر النبي من هذا عليه الصلاة والسلام، وإنما تزار القبور فقط بالسلام عليهم والدعاء لهم، والترحم عليهم: الدعاء لهم لا دعاؤهم من دون الله، وإنما يدعى لهم غفر الله لك يا فلان، رحمك الله رضي الله عنك، كفر الله سيئاتك. أما إذا قال يا سيدي أنا بجوارك، أنا في حسبك اشفع لي، انصرني اشف مريضي، هذا منكر لا يجوز هذا من دعاء غير الله، من أنواع الشرك الأكبر نسأل الله السلامة.
الزيارة الشرعية جائزة، أما الزيارة البدعية التي تقصدها بالتمسح بالقبور أو دعائهم أو الاستغاثة بهم، هذا منكر لا يجوز مطلقا، والزيارة الشرعية تجوز لكن من دون سفر، من دون شد الرحل إذا كان في البلد نفسه زاره في البلد، أما أن يشد الرحل يسافر لأجل زيارة القبر، هذا لا يجوز؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (1) »
س: هل جثة الحسين في العراق أو في الشام أو في مصر؟ (2)
ج: المعروف أن جثة الحسين في العراق وليست في مصر، وليست في الشام، وإنما دفن في العراق والذي في مصر، ليس له
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم 1189.
(2) السؤال الحادي والعشرون من الشريط، رقم 143.(2/342)
أصل، وإنما هي دعوى لا حقيقة لها وأقبح من ذلك وأشد من ذلك دعاؤه والاستغاثة به والطواف بقبره، هذا من أعظم المنكرات والقبائح ومن الشرك الأكبر، فإن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم والتقرب إليهم، بالذبائح كل ذلك من المنكرات العظيمة، ومن الشرك الأكبر سواء كان المدفون الحسين، أو غير الحسين، وهكذا ما يفعل عند قبر البدوي، أو الست زينب، أو غير ذلك كله يجب تركه، وإنما تجوز الزيارة فقط، للميت ويدعى له بالمغفرة والرحمة، سواء كان الحسين أو غير الحسين.
أما أن يدعى الأموات من دون الله ويستغاث بهم وينذر لهم، ويطلب منهم الشفاء أو النصر على الأعداء هذا كله من عمل الجاهلية، ومن عمل المشركين الأولين، من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بقبورهم، رغبة فيما عندهم من السر، كما يقول عبادهم من دون الله، كل هذا منكر عظيم، والطواف عبادة عظيمة لله، ولا يجوز إلا حول الكعبة المشرفة، القبور لا يطاف بها، ولا يسأل أهلها شفاء ولا نصرا على الأعداء، ولا غير هذا وإنما يزارون إذا كانوا مسلمين، ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، وفي ذلك عبرة وذكرى للزائر يذكر الموت ويذكر الآخرة، أما العبادة فحق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1) ، وقاله سبحانه:
__________
(1) سورة البينة الآية 5(2/343)
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) ، وقال عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وأنه هو الذي يدعى سبحانه، ويرجى ويخاف وهو الذي يتقرب إليه بالذبائح والنذور، وغير هذا من العبادات كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (3) يعني: قل يا محمد للناس، قل يا أيها الرسول للناس: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (4) يعني ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6) ، وقال سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8) ، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه علي رضي الله عنه: «لعن الله من ذبح لغير الله (9) » .
فالواجب على جميع المسلمين التفقه في الدين وتبصير الجاهل وتعليمه، وهذا من حق العلماء ومن واجب العلماء، أن يبصروا الناس سواء كان ذلك فيما يتعلق بقبر الحسين، أو غيره في مصر وغير مصر. الواجب على العلماء: علماء الحق، أن يبصروا الناس، وأن يعلموهم أن دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات والنذر للأموات أمر منكر، بل من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بقبورهم، أمر منكر، الطواف عبادة لله،
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.(2/344)
ولا تفعل إلا عند الكعبة عند البيت الشريف في مكة المكرمة، فالقبور لا يطاف بها، ولا يدعى أهلها من دون الله، ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، ولا يذبح لهم إلا إذا كانوا مسلمين، فإنه يسلم عليهم ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور البقيع ويدعو لأهله بالمغفرة والرحمة، ويقول لأصحابه يعلمهم إذا زاروا القبور، أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (1) » .
هكذا كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة في زيارة القبور، أما قبور الكفار فلا يسلم عليهم إنما تزار للعظة والذكرى إذا زارها يتذكر الآخرة، يتذكر الموت لكن لا يسلم عليهم، ولا يدعو لهم، فقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه، فلم يستغفر لها، نهاه الله أن يستغفر لها؛ لأنها ماتت على دين الجاهلية، فاستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يأذن له سبحانه وتعالى، وإنما أذن في زيارتها للعبرة والاتعاظ، وبهذا يعلم السائل أن ما يدعى من وجود الحسين، في مصر ليس له أصل عند أهل العلم، وإنما جثته كانت في العراق، وهو قتل في العراق، ويقال إن رأسه نقل إلى يزيد في الشام فلا يدرى أين هذا الرأس، هل دفن في الشام أو أعيد إلى محله في العراق، مع جثته الحاصل أن وجود جثة الحسين في مصر أمر لا أساس له.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم 975.(2/345)
94 - حكم الاحتفال والذبح عند القبور
س: أسألكم عن قبور الأولياء، أولياء الله الصالحين مثل مسجد الحسين والسيد البدوي، وهم كثيرون جدا وكل واحد يقام له الاحتفالات، وتنذر له النذور ولا أحد ينكر على الناس، أرجو من سماحة الشيخ توجيه الناس على ما فيه الخير، وإذا أمكن أيضا أن يكون التوجيه مكتوبا فلعله يكون مفيدا؟ (1)
ج: لا شك أن هذا الأمر واقع في الناس، وهو من أعظم المصائب ومن أعظم الكبائر، بل هو الشرك الأعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن الغلو في أصحاب القبور ودعاءهم من دون الله، والاستغاثة بهم والتقرب إليهم بالطواف بقبورهم كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الذبح لهم والنذر لهم كله من الشرك الأكبر.
أما الاحتفالات بمواليدهم فهذه من البدع التي يجب تركها، لكن لو وقع فيها دعاؤهم والاستغاثة بهم صار ذلك من الشرك الأكبر، وكثير من الناس في الاحتفالات قد يدعون المحتفل به ويستغيثون به، كما يفعل هذا بعض الناس عند احتفالهم بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، فالبدع تجر إلى الشرك وهي بريد له، وهي أعظم المنكرات بعد الشرك، فإن المنكرات مراتب أعظمها الشرك بالله عز وجل، وأنواع الكفر به
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 94.(2/346)
سبحانه وتعالى، ثم يلي ذلك البدع؛ لأنها زيادة في الدين، واعتراض على الله فهي وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل.
فالواجب الحذر منها ومن ذلك البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها وإقامة الموالد والاحتفال بها، كل هذا من وسائل الشرك، فإن القبر متى عظم بالبناء واتخاذ القبة عليه والمسجد، فإن العامة يظنون أن هذا يدل على أنه يدعى من دون الله، فيستغيثون به وينذرون له، ويظنون أنه يقضي حوائجهم، وأنه يشفع لهم عند الله، بهذا العمل السيئ وهذا هو عمل المشركين الأولين هو دينهم دين قريش وأشباههم، الغلو في الأموات والاستغاثة بأصحاب القبور، ودعاؤهم من دون الله والنذر لهم هذا هو دين قريش، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ، فرد الله عليهم بقوله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) وبين سبحانه أنه لا يعلم له شريكا لا في السماء ولا في الأرض، وأنكر عليهم عملهم هذا، فليس المشركون على حق بل هم على باطل، وليست آلهتهم التي دعوها من دون الله بالتي تشفع لهم، قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) ، وهكذا قوله سبحانه في الآيات الأخرى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (5) .
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة المدثر الآية 48
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة الزمر الآية 3(2/347)
يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا زلفى إلى الله فأخبر عن المشركين أنهم اتخذوا آلهتهم التي عبدوها من دون الله، يزعمون أنها تقربهم إلى الله زلفى، ولم يزعموا أنها تخلق أو ترزق، لا، وإنما أرادوا تقريبها لهم عند الله، وشفاعتها لهم عند الله، ومع هذا حكم الله عليهم بالشرك والكفر، قال تعالى في هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1) ، سماهم كذبة في دعواهم، أنها تقربهم وكفرة في هذا العمل.
فالواجب الحذر من هذا الغلو، وهذه البدع التي أحدثها الناس عند القبور، فإنها شر عظيم وفساد كبير، ووقوعها يجر إلى الشرك، فإنه متى عكف على القبر، وبنى عليه وعظمه بالستور والأطياب، فإن ذلك يجره إلى أن يدعوه من دون الله، وإلى أن يستغيث به، وهذا هو الشرك الأكبر عند جميع أهل العلم.
فيجب الحذر من هذا البلاء العظيم، ويجب على العلماء أن يبينوا للناس هذه الشركيات، وهذه المنكرات وأن يرشدوهم إلى الحق، حتى يدعوا هذا الباطل، وحتى يدعوا هذا الشرك، وقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة عشر سنين، يدعو الناس إلى توحيد الله، وينكر عليهم الشرك بالله
__________
(1) سورة الزمر الآية 3(2/348)
وعبادة الأوثان، والأصنام وأصحاب القبور، ثم فرض الله عليهم الصلوات الخمس، فبقي بعدها في مكة نحو ثلاث سنين، يدعو إلى توحيد الله، والإخلاص له ثم هاجر إلى المدينة، عليه الصلاة والسلام ولم يزل يدعو إلى الله ويعلم الناس ما شرع الله لهم حتى توفاه الله عليه الصلاة والسلام، ونقله إلى الرفيق الأعلى عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
فالواجب على الخلفاء وهم العلماء، أن يتقوا الله وأن يبينوا للناس دينهم على الوجه الذي لا خفاء فيه، ولا ريب أن سكوت العلماء ومن ينسب إلى العلم، عند العامة وهم يفعلون هذه الأفعال التي هي التعلق بالأموات والاستغاثة بالأموات، لا شك أن سكوتهم يشجع هؤلاء على هذا الشرك، ويعتقدون أن هذا السكوت دليل على أن هذا جائز، وأنه لا حرج فيه.
فالواجب الحذر والواجب على العامة، أن يسألوا أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصالحة، وتعظيم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. والواجب على العلماء أن يتقوا الله ويتبصروا، وأن ينكروا ما أنكره الله ورسوله من الشرك وسائر المعاصي، والله المستعان.(2/349)
95 - حكم الطواف بالقبور
س: ما حكم من يطوف بالقبر ويدعو الله عنده؟ وهذا ألاحظه كثيرا في بعض الأماكن؟ (1)
ج: الطواف عبادة لله عز وجل، من أفضل العبادات ولكنه يختص بالكعبة، لا يطاف بغير الكعبة، ومن طاف بالقبور يريد التقرب إلى أهلها فقد أشرك، مثل من يدعوها ويستغيث بها وينذر لأهلها.
أما إذا طاف بالقبر يقصد التقرب إلى الله يحسب أنه جائز فهذا بدعة ومنكر، وعليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأنه ما قصد صاحب القبر، وإنما قصد التقرب إلى الله يظن أنه يجوز، فهذا بدعة ومنكر وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يكون بهذا مشركا، إلا إذا قصد التقرب بالطواف للميت، ليشفع له، فهذا يكون مثل قوله يا سيدي أغثني، أو اشف مريضي، أو المدد المدد، كل هذا من الشرك الأكبر، أو ينذر له؛ أو يذبح له.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 193.(2/350)
96 - حكم إيقاد السرج على القبور وذبح النذور لها
س: الأخ م. ش. ع. من محافظة مطروح، برج العرب، يسأل ويقول: بجوارنا الكثير من الأضرحة والقبور المرتفعة، التي أوقدت عليها السرج وتذبح لها النذور من دون الله، ويحلف بأصحابها والعياذ بالله. فإذا ما تحدثنا للناس وبينا لهم بأن هذا شرك، وأن عليهم أن يتوبوا إلى الله، قالوا بأنهم وجدوا آباءهم على هذه الحال التي وصفت فماذا تفعل إزاءهم؟ وجهونا ووجهوهم، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الواجب عليكم وعليهم السعي عند ولاة الأمور في إزالة الأبنية التي على القبور وتركها ضاحية شامسة كما كانت القبور في بلاد أهل السنة والجماعة، من قديم الزمان ولا يجوز البناء عليها، ولا اتخاذ المساجد عليها؛ لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ، وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها (3) » ولا يجوز لأحد من الناس أن يدعوها من دون الله أو يستغيث بأهلها، أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، أو يطلبهم المدد، أو يتبرك بتراب قبورهم، كل ذلك منكر
__________
(1) السؤال السادس من الشريط، رقم 182.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.(2/351)
ومن الشرك الأكبر نعوذ بالله.
الواجب تنبيههم، وليس لهم حجة في تقليد آبائهم. هذه حجة المشركين، قال الله جل وعلا عن المشركين لما نهاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عبادة الأصنام: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1) ، هذه حجة باطلة، حجة ملعونة خبيثة، فلا يجوز الاحتجاج بها، هذه حجة الكفرة، إذا وجدت أباك على باطل فلا تتبع أباك، أما إذا كان على حق، فالواجب الأخذ بالحق سواء كان عليه أبوك أو غير أبيك، وأما ما يفعله الناس اليوم عند القبور، من الدعاء والاستغاثة بأهلها، والذبح لهم والطواف بقبورهم، كل هذا منكر عظيم، كل هذا من عمل أهل الشرك من عباد الأوثان.
فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك، وأن يحذره إخوانه وينذرهم، والواجب على العلماء في كل مكان أن يحذروا الناس وأن يرشدوهم وأن يوضحوا لهم حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك وأنه لا يجوز لأحد أن يدعو الميت من دون الله، ولا أن يستغيث به، ولا أن يذبح له، ولا أن يطلبه المدد، ولا أن يطوف في قبره، كل ذلك من الشرك الأكبر، كونه يطوف يتقرب إلى الميت بالطواف، هذا شرك أكبر. أو يقول: يا سيدي المدد المدد، أو الغوث الغوث، هذا من الشرك الأكبر، هذا من جنس عمل أبي جهل وأشباهه من عباد القبور،
__________
(1) سورة الزخرف الآية 23(2/352)
عباد الأصنام. فالواجب عليكم أيها السائل أن تستمروا في النصيحة والإنكار، وأن تطلبوا من العلماء أن ينبهوهم ويوضحوا لهم ويرشدوهم حتى يتركوا هذا الشرك وحتى يزيلوا هذه الأبنية التي على القبور، وتبقى القبور ضاحية شامسة ليس عليها بناء. نسأل الله للجميع الهداية.
س: والدي سمع من العلماء أنه لا يجوز البناء على القبور، وفي مقبرة قريبة منا توجد فيها قبور عليها بناء من الذين يدعون بالصوفية، وأنهم يقولون: إنهم يضرون وينفعون، ولا يضر ولا ينفع إلا الله سبحانه وتعالى، ويزورها الناس يوم الجمعة، وأيام الأعياد، هل ما فعل والدي على حق، أم ننهاه عن ذلك جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: البناء على القبور لا يجوز، والواجب إزالته وعلى الدولة والحكام أن يزيلوه، أما الأفراد فليس لهم أن يزيلوه، إلا بإذن حتى لا يكون اصطدام وفتنة بينهم وبين المسؤولين، بل على ولاة الأمور، من الأمراء والقضاة، وعلى العلماء أن ينكروا هذا المنكر، وأن يزال؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن من بنى المساجد على القبور، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » ؛ ونهى عن تجصيص
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 195.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/353)
القبور والبناء عليها.
فالواجب أن يزال البناء حتى تكون شامسة بارزة، كقبور المدينة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وحتى لا يغلى فيها، فإذا بني عليها صار من أسباب الغلو فيها، وعبادتها من دون الله وتعظيمها التعظيم غير الشرعي، فلا يبنى عليها لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، وإذا وجد بناء يرفع الأمر إلى ولي الأمر المسلم، وإلى العلماء حتى يزال بطريقة شرعية، ليس فيها فتنة ولا تعرض لمشكلات تضر المجتمع، والله المستعان.(2/354)
97 - حكم قطع الأشجار التي على القبور
س: يوجد مقابر في اليمن، وعلى هذه المقابر أشجار، وقد مر عليها مئات السنين لا أحد يأخذ منها؛ لأنهم يدعونها حق الأولياء المقبورين في هذه المقابر، وأنه من أخذ منها تتصور له حنش كما يقولون، وأنه يعضه بنابه، ويخرج عليه من هذه الأشجار التي على القبور، هل هذا صحيح، وما مدى صحة قطع الأشجار من على القبور؟ (1)
ج: لا بأس أن تؤخذ الأشجار يقطعها، ولا بأس أن يأخذ من ثمارها
__________
(1) السؤال السابع من الشريط، رقم 9.(2/354)
إذا كان فيها ثمرة كالسدر ونحوه، ولا بأس أن يقطعها ويستفيد منها، إذا كانت ليس ملكا لأحد، ولا هي في أرض مملوكة لأحد، إنما نبتت على المطر مثلا، فلا بأس أن تقطع وينتفع بها، ولكن إذا كان هناك فتنة تقع بهذا الشيء فينبغي ألا يقدم على هذا إلا بمشاورة ولاة الأمور حتى لا تقع فتنة بينه وبين الناس، ولاة الأمور: لهم التصرف، يشاورهم في قطعها لمصلحة المسلمين، أو الفقراء أو ما أشبه ذلك.
أما إذا كان لا يترتب على قطعها فتنة، ولا قتال ولا شرور، وأحب الإنسان أن يقطعها ليستفيد منها، وينتفع بها، فلا بأس بذلك، أما قوله إنها لحرمة القبور، أو كرامات الأولياء أو لكذا أو لكذا هذا لا أصل له، أو عندما يأخذ منها يصيبه حنش، هذا من تلبيس الملبسين، ولا أصل لهذا الشيء فلا بأس أن تؤخذ الأشجار وتقطع، ولا بأس أن تؤكل ثمارها إذا كان فيها ثمر، ولكن إذا كان قطعها يترتب عليه شيء من النزاع بينه وبين الناس، أو القتال أو شيء من الفتن.
فينبغي له ألا يعجل في الأمور، حتى يستشير أهل العلم، أهل البصيرة، أهل الهدى والاستقامة وحتى يتفق مع ولاة الأمور، أمير بلد أو قاضي بلد، حتى يكون هذا على بصيرة وحتى لا تقع فتن بينه وبين الناس.(2/355)
98 - حكم اعتقاد النفع والضر في الأولياء
س: أختنا تقول: عندما استمعت لهذا البرنامج استفدت الكثير والكثير، وخاصة عندما عرفت أن الأولياء والموتى لا يفيدون الإنسان، وعندما أخبرت أهلي بذلك اتهموني بأنني كافرة، وأن الأولياء سيضرونني، وأنهم يرونني في المنام، بأن هؤلاء الرجال الصالحين يلومونني، بماذا تنصحون مثل هؤلاء الذين تشبعت عقولهم بالخرافات، والتي تكاد في كل البلدان العربية تنتشر؟ (1)
ج: ننصح الجميع بأن يتقوا الله عز وجل ويعلموا أن السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، فهو سيد الأولياء وأفضل الأولياء، فالأنبياء هم أفضل الناس وهم أفضل الأولياء وأفضل الصالحين ثم يليهم بعد ذلك الأتقياء من عباد الله من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالأولياء هم أهل الصلاح والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فحبهم دين، حبهم في الله والتأسي بهم في الخير والأعمال الصالحات هذا هو المطلوب، ولكنه لا يجوز التعلق بهم وعبادتهم من دون الله، لا يجوز أن يدعوا
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 80.(2/356)
مع الله فلا يستغاث بهم ولا يطلب منهم مدد، كأن يقول: يا سيدي عبد القادر أغثني، أو يا رسول الله أغثني، أو يا علي أغثني، أو انصرني أو يا حسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب أو كذا، هذا لا يجوز. الدعاء لله وحده، الله يقوله سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (2) ويقول سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (3) ، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (4) فسماهم كفرة بدعائهم غير الله، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5) ، وقال جل وعلا: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (6) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (7) سبحانه وتعالى فبين سبحانه أن من يدعونه من دون الله من الأولياء وغير الأولياء، لا يسمعون دعاءهم ما بين ميت وما بين مشغول بشأنه مع الله فلا يسمعون دعاءهم في موتهم أو غيبتهم، ولو سمعوا ما استجابوا لهم ولا يستطيعون أن يستجيبوا لهم؛ لأن غفران الذنوب وتفريج الكروب
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة البقرة الآية 186
(3) سورة النمل الآية 62
(4) سورة المؤمنون الآية 117
(5) سورة الجن الآية 18
(6) سورة فاطر الآية 13
(7) سورة فاطر الآية 14(2/357)
بيد الله سبحانه وتعالى، ثم قال {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1) سمى دعاءهم لأوليائهم شركا بالله سبحانه وتعالى كما سماه في الآيات الأخرى كفرا، فطلب المدد والغوث من الأموات والغائبين للاعتقاد أن لهم سرا وأنهم يسمعون مع البعد كل هذا باطل كله من الشرك بالله سبحانه وتعالى.
فالواجب على كل مسلم أن ينتبه لهذا الأمر، وأن يعرف أن اعتقاد الجهلة في الأولياء أو في الأنبياء، أنهم ينفعون أو يضرون وأنهم يغيثون من استجار بهم واستغاث بهم بعد الموت، وأنهم يعطونه مطالبه من غفران الذنوب وشفاء المرضى وغير هذا، كل هذا جهل كله شرك بالله عز وجل، فيجب الحذر من ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله لإنكار هذا، بعثه الله إلى العرب والعجم إلى الجن والإنس، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وكانت العرب تعبد الأصنام والأولياء والأشجار والأحجار، فدعاهم إلى ترك هذا وحذرهم من هذا، وأمرهم بأن يعبدوا الله وحده، فتلا عليهم قوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) إلى غيرها من الآيات.
فعلى المسلمين جميعا وعلى المكلفين وعلى كل من له أدنى بصيرة
__________
(1) سورة فاطر الآية 14
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5(2/358)
أن ينتبه لهذا الأمر، وألا يغتر بالمشركين وعباد الأوثان وعباد القبور، يجب أن يحذر من شبههم الباطلة، ويجب عليه أن يحذر من دعوتهم إلى الشرك، ويجب أن يلتزم بما شرعه الله لعباده، وما علمه عباده على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما أوضحه في كتابه العظيم، من وجوب العبادة لله وحده، وإخلاصها له وحده دون كل ما سواه، كما قال عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1) وأنت أيتها السائلة اشكري الله الذي علمك وأنقذك وبصرك حتى عرفت الحق، الذي جهله الناس، ولا تبالي بعيبهم لك أو وعيدهم لك، بالأولياء فإن هذا لا يضرك فهم جاهلون، ومتى اهتدوا عرفوا الحق الذي عرفته، وصاروا عونا لك إن شاء الله على الخير، نسأل الله أن يهدي الجميع.
__________
(1) سورة غافر الآية 14(2/359)
99 - حكم تقديم النذور لمزارات الأولياء
س: في مدينة الموصل يوجد مزار يسمى مزار الشيخ فتحي أبي عبد الله، وهذا الشيخ له أثر كبير عند أهالي الموصل، وخاصة النساء وحيث إذا مرضن أو أصبن بأذى يذهبن إلى زيارة الشيخ فتحي، ويحصل لهن الشفاء العاجل، كما يدعين، وينذرن النذور للشيخ فتحي، عند شفائهن من المرض، والعبارات اللآئي يقلنها، هي النذر لوجه الله، والثاني لأبي عبد الله، أو يقول: نذر لله والشيخ فتحي، أو لله وثوابها لأبي عبد الله؛ وسؤالي هذا هل هو حرام أم حلال، أفيدونا أفادكم الله؟ (1)
ج: هذا القبر الذي ذكره السائل لا أعرف صاحبه، ولكن بكل حال فلا يجوز إتيان القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها والنذر لهم سواء كان هذا القبر أو غيره، لا قبر فتحي ولا غيره لا يجوز للمسلمين ذكورا أو إناثا أن يأتوا القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها أو النذر لهم أو التمسح بقبورهم أو ما أشبه ذلك بل هذا منكر ولا يجوز ودعاء الميت والاستغاثة به شرك من أنواع الشرك الأكبر.
فعلى أهل العلم أن يوضحوا للنساء وغير النساء أن هذا لا يجوز وأن عليهن أن يسألن الله جل وعلا، إذا نزل بهن بأس من مرض أو
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 19.(2/360)
غيره أن يسألن الله ويتضرعن إليه في سجودهن وفي آخر الصلاة، وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، يسألن الله جل وعلا الشفاء والعافية، ومن ذلك استعمال الرقية كونهن يرقي بعضهن بعضا بالرقية الشرعية وهي: اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، ويقرأ: قل هو الله أحد، والمعوذتين والفاتحة، وآية الكرسي وغير هذا من الآيات القرآنية؛ المقصود أن إتيان القبور وسؤال أهلها الشفاء أو النصر أو ما أشبه ذلك، هذا منكر ومن الشرك الأكبر ومن عمل الجاهلية؛ وإنما تزار القبور للسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، (1) » ويدعو لهم يقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم ونحو هذا، هذه الزيارة الشرعية، وقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبور البقيع، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) » ، هذه الزيارة الشرعية، أما الزيارة لدعاء الميت، أو الاستغاثة بالميت، فهذا من الشرك الأكبر، أو الطواف لقبر يرجو شفاعته، يرجو نفعه يرجو أنه يشفي مرضه، هذا كله من الشرك الأكبر، وهكذا التمسح بتراب القبر، والاستشفاء بتراب القبر هذا من عمل الجاهلية وهو من الشرك الذي حرمه الله عز وجل.
__________
(1) البخاري صلاة التراويح (1920) ، مسلم الاعتكاف (1174) ، الترمذي الصوم (796) ، النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1639) ، أبو داود الصلاة (1376) ، ابن ماجه الصيام (1768) ، أحمد (6/68) .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم 1053(2/361)
فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا العامة وأن يوضحوا لهم أن هذا لا يجوز وأن الله هو الذي يسأل سبحانه وتعالى ويرجى لشفاء المرض والنصر على الأعداء وغير ذلك سبحانه وتعالى، وهو القائل جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) وهو القائل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، كما قال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة (4) » فلا يجوز أن يدعى غير الله، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل الدعاء لله وحده، هو الذي يرجى ويدعى سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يقول: يا رسول الله: اشف مريضي، وانصرني، أو يا شيخ أبا عبد الله انصرني أو يا شيخ عبد القادر الجيلاني انصرني، أو اشف مريضي أو يا سيدي البدوي، أو سيدي الحسين، أو ما أشبه ذلك، كل هذا منكر وكله من الشرك الأكبر.
فالواجب التنبه لهذا الأمر، من الإخوان في العراق وغيرها، والواجب على أهل العلم وفقهم الله أن يوضحوا للناس حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، وأن ينكروا على العامة ما يقعون فيه من الشرك بالله عند قبور ما يسمونهم بالأولياء، فالحاصل أن هذه الأمور العظيمة يجب على أهل العلم أن يهتموا بها وأن يعنوا بها حتى يدرك العامة الشرك
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة يونس الآية 106
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.(2/362)
وحتى يوجهوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ودعائه سبحانه ورفع الأيدي له جل وعلا، فهو الذي يشفي ويكفي سبحانه وتعالى، هو الشافي لعباده وهو المالك لكل شيء وهو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأما ما قد يقع لبعض الناس من كونه يدعو الميت، ويشفي، هذا قد يقع استدراجا وابتلاء وامتحانا، والله سبحانه وتعالى هو الشافي، وقد يكون المرض من أسباب الشياطين تسبب المرض للإنسان حتى إذا دعا الميت كفوا عنه، ما قد فعلوه به، الحاصل أن هذا ليس بحجة كونه يأتي المريض إلى الميت، فيدعوه ويستغيث به، فيشفى سريعا.
هذا قد يكون استدراجا وابتلاء وامتحانا، حتى يمتحن صبره وإيمانه، فلا يغتر بهذا عاقل، وقد يصادف القدر الذي قدره الله بالشفاء فيظنه من أسباب الميت، وقد يكون بشيء من أسباب الشيطان، قد يقع من الشيطان للإنسان شيء، يعني يعمل معه عملا يؤذيه ويضره ويمرض منه، فإذا ذهب إلى الميت ودعاه وسأله كف عنه هذا الشيطان حتى يغريه بالشرك وحتى يوقعه بالشرك وحتى يظن هذا الجاهل أن هذا من عمل الولي وأنه هو الشافي، وهذا من أقبح الغلط والمنكر، والله هو الذي يشفي ويعافي سبحانه وتعالى، والولي وغير الولي لا يجلب لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، مملوك لله سبحانه وتعالى، فالله هو النافع الضار عز وجل، فينبغي التنبه لهذا الأمر.(2/363)
س: يوجد لدينا مساجد ونجد في بعض المساجد قبورا من قبور الصالحين أو الأولياء ليس داخل المسجد بل بالقرب منه، على ساحة واحدة، وحوش واحد، أفيدونا إن كان هذا صحيحا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: المساجد التي تبنى على القبور فإنه لا يصلى فيها، أو المساجد التي فيها موتى لا يصلى فيها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) » فكل مسجد بني على قبر أو على قبور تحرم الصلاة فيه، ويجب هدمه، يجب على ولاة أمور المسلمين هدمه وإزالته، أما إذا وضعت القبور في المسجد وهو قائم، لكن وضعت فيه القبور، فإنها تنبش وتنقل إلى محلات القبور، فلا يبقى في المساجد قبور أبدا هذا هو الحق، وهذا هو دين الله عز وجل، الذي يجب العمل به، وهو ما جاء به نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.. أما إذا كان القبر خارج المسجد عن يمينه أو شماله، أو خلفه أو أمامه، أو على خارج الحيطان فلا تضر الصلاة، ولكن إبعاد القبور عن المسجد إذا تيسر، يكون أفضل وإلا فلا تضر ما دامت خارج المسجد عن يمين أو شمال، أو أمام أو خلف أخرجتها جدران المسجد، أو حائط المسجد أخرجتها عنه فلا تضر.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 306.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(2/364)
100 - حكم الأكل من الذبائح التي يتقرب بها إلى أصحاب القبور
س: سائلة تقول: إن لوالدتنا أقارب، يتقربون إلى ذوي القبور وتأكل من ذبائحهم، وطلبنا منها أن تتبرأ منهم، ولكنها لم تستجب، فما هو توجيه سماحتكم، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالدعاء أو الاستغاثة، أو الذبائح مشركون، لا تؤكل ذبيحتهم.
فالواجب ترك ذبيحتهم، والإنكار عليهم، ودعوتهم إلى الله وتوجيههم إلى الخير لعلهم يهتدون، الله سبحانه وتعالى حرم ذبيحة الكافر إلا أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى إذا ذبحوها لغير آلهتهم، وإنما ذبحوها للحم، وذكروا اسم الله عليها. أما عباد القبور، ودعاة الأموات، المستغيثون بالأموات، هؤلاء ذبيحتهم حرام. فالواجب الحذر من أكلها مع دعوتهم إلى الله وإرشادهم وتعليمهم لعل الله يهديهم بأسبابكم.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 335.(2/365)
س: تسأل عن علاقة والدتها بأولئك الذين يتقربون بالموتى، وبوالدهم الذي ذكرت صفته ثم تقول: هل يؤثر ذلك على معتقدها؟
ج: على كل حال الواجب عليها الإنكار والتعليم ولا يضرها، إذا أنكرت عليهم وعلمتهم فقد أدت ما عليها، والحمد لله.
س: أما الوالدة فكيف يكون معتقدها؟
ج: عليها تعليمها وإرشادها، وتعليم الوالد والاستعانة بأهل الخير الذين عندهم علم، حتى يساعدوها في دعوتهم إلى الله، والإحسان إليهم كما قال جل وعلا في حق ولد الكافرين: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (1) ، فعليها أن تحسن إليهما وأن ترفق بهما، وأن تخاطبهما بالتي هي أحسن، مع الجد في دعوتهما إلى الخير، والاستعانة بالناس الطيبين في دعوة والديها إلى الخير، من العلماء والأخيار لعلهما يهتديان.
__________
(1) سورة لقمان الآية 15(2/366)
س: إذا كان والدها متوفيا، فكيف يكون تصرفهم حينئذ؟
ج: لا يدعون له ولا يستغفرون له، إذا مات على الكفر، لا يدعى له، ولا يستغفر له؛ لأنه مات على الكفر، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (1) ، المقصود أنهم لا يستغفرون لهم، ولا يدعون لهم، ولا يتصدقون عنهم؛ لأنهم ماتوا على عبادة القبور، والاستغاثة بالأموات ونحو ذلك، نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة التوبة الآية 113(2/367)
101 - حكم اتخاذ قبور الأولياء أعيادا
س: الأخ: م. هـ. ع. ق. من حضرموت، يسأل ويقول: تقام زيارة لقبر أحد الأولياء كما يزعم العامة والله أعلم واسمه علي بن محمد الحبشي، وتسمى هذه الزيارة بزيارة الحول، ويمكثون على قبره الموجود تحت قبة إحدى عشرة ليلة، يصلون على المقابر حيث الإمام داخل المقبرة المحيطة بالقبة، ويمتد الجمع وخاصة المغرب والعشاء إلى مساحة خارج المقبرة، ويأمر الإمام من يصلي على المقبرة بفرش ردائه، وفي اليوم الثامن يجتمع الناس من الرجال والنساء، حيث الاختلاط وانتهاك الأعراض حاملين ثوبا على(2/367)
النعش، من بيت أهل الولي إلى تابوت قبر الولي بالقبة بالطبول والأناشيد ثم يلبسون ذلك التابوت، مع العلم بأن التابوت مرتفع بقدر متر تقريبا، ويتمسحون بالثوب والتابوت والقبة، سائلين الولي قائلين يا علي، يا علي، بما يسأل الله به، وفي اليوم العاشر تكون الوقفة تشبها بالحج، يقفون في ذلك المكان، وتلقى الكلمات عن ذلك الولي وكراماته، وإذا نصحنا بعدم فعل ذلك، وأنه من البدع والشرك، قالوا أنتم أهل البدع الخارجين عن اتباع السلف، وأنتم تكرهون الأولياء، ما رأي الشرع في ذلك؟ وبم تنصحون هؤلاء جزاكم الله خيرا، ومتع بوجودكم. (1)
ج: فينبغي أن يعلم أن شد الرحال للقبور من المنكرات، التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام، فالرحال لا تشد إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيت المقدس، هذه هي المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (2) » . ثم الذهاب إلى ما يسمونهم بالأولياء، للجلوس عند قبورهم وطلب المدد منهم، أو الشفاء أو
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 148.
(2) مسلم الحج (1397) ، النسائي المساجد (700) ، أبو داود المناسك (2033) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409) ، أحمد (2/234) .(2/368)
النصر على الأعداء، كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يجوز سؤال المخلوق، سواء سمي وليا أو ما سمي وليا، لا يجوز سؤاله ولا طلب شفاء المرضى منه، ولا طلب المدد؛ لأن هذا إلى الله سبحانه وتعالى ليس إلى الأولياء، ولا إلى الرسل ولا يطلب منهم مثل هذا الطلب، ولا يجوز التمسح بقبورهم، ولا التبرك بها ولو سموا أولياء، ولو كانوا صالحين ولو كانوا أنبياء، لا يجوز هذا في القبور، وهذا هو عمل المشركين الأولين، وعمل أهل الجاهلية مع القبور.
فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه الأمور، وألا يفعلوها وأن ينكروها على من فعلها من العامة، وألا يغتروا بما درج عليه الأسلاف والآباء من الشرك الأكبر، فالبناء على القبور واتخاذ القباب عليها منكر لا يجوز، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بتسوية القبر إذا رفع، يأمر بتسويته، قال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته (2) » . معنى سويته، يعني نقضته وهدمته حتى يستوي بالأرض، ما يبقى إلا علامة القبر قدر شبر ونحوه. هكذا شرع الله القبور أن ترفع قدر شبر من الأرض، حتى يعرف أنها قبور، لا توطأ ولا تمتهن ولا يبنى عليها،
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر برقم 969.(2/369)
قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، يقول جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها وعن البناء عليها (1) » .، فلا فرق بين قبر ولي أو نبي أو غيرهما، ولا يجوز لأحد أن يتبرك بالقبور، أو يتخذها أعيادا أو يسألها شفاء المرضى، أو المدد والعون أو النصر على الأعداء، أو البركة في الأولاد أو في الطعام أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز. وهذه الإقامة عند قبر هذا الشخص منكرة وبدعة، ومن أسباب الشرك، سواء كان أحد عشر يوما أو أقل أو أكثر، إنما المشروع للمسلم أن يزور القبور، ويسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف إذا كانوا مسلمين يزورهم للسلام عليهم، والدعاء لهم، وليس لطلب دعائهم من دون الله، أما الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، فإنهم محتاجون للدعاء، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية (2) » ، وكان إذا زار القبور عليه الصلاة والسلام يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غدا مؤجلون وأتاكم ما توعدون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3) » ، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه زار قبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه وقال:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم 970.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.(2/370)
«السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (1) » ، هكذا الزيارة الشرعية، سلام على المقبورين ودعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعافية. أما أنهم يدعون مع الله يقول: اشفعوا لنا، انصرونا، المدد المدد، هذا منكر لا يجوز، هذا نفس الشرك الذي فعلته قريش وغيرها.
فالواجب على المسلم الانتباه واليقظة والحذر من أعمال الشرك، ثم النساء لا يزرن القبور، الرسول نهى عن زيارة القبور للنساء، ولعن زائرات القبور من النساء، إنما الزيارة للرجال للقبور خاصة، يزورونها ويدعون لأهلها بالمغفرة والرحمة، أما النساء فلا يزرن القبور، والحكمة في ذلك والله أعلم؛ لأنهن قد يفتن أو يفتن، ولقلة صبرهن أيضا، فمن رحمة الله أن نهاهن عن زيارة القبور، ويكفي أن يدعين لأمواتهن في بيوتهن، يدعين لأمواتهن ويترحمن عليهم وهن في البيوت، لا حاجة إلى زيارة القبور، إنما الزيارة للرجال، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «لعن رسول الله زائرات القبور (2) » . فلا يجوز للنساء أن يذهبن إلى القبور، ولا يجوز للرجال أن يتوجهوا للقبور لقصد التبرك بالمقبورين، أو دعائهم أو الاستغاثة بهم، أو طلب منهم
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، برقم 1053
(2) أخرجه أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس برقم 2031.(2/371)
المدد أو الصلاة عند قبورهم، هذا منكر، بل هو من المحرمات الشركية، والصلاة عند القبور بدعة، وإذا كان يصلي للميت ويطلبه من دون الله، صار شركا أكبر، نسأل الله العافية.
فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه الأمور الشركية ومن هذه البدع التي أحدثها الجهال الذين ما فهموا الشريعة ولا فقهوا فيها، ونسأل الله للجميع الهداية.(2/372)
102 - جميع قبور الأنبياء لا تعرف سوى قبري نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام
س: عندنا في سلطنة عمان وخاصة في المنطقة الجنوبية يوجد مسجد وقبر في الجبل، أي جبل ظفار يدعي أهل ظفار بأنه قبر النبي أيوب، ومما لفت انتباهي أنهم يزورنه، ويتوافدون إليه، وكذلك قبر مماثل يوجد في صلالة، يدعون أنه قبر عمران، ويتجهون إليه مثل الذي في الجبل، أرجو من سماحتكم التكرم بالإجابة على هذا السؤال، ونشره في الإذاعة، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا شيء لا صحة له، فجميع قبور الأنبياء لا تعرف ما عدا
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط، رقم 177.(2/372)
قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وقبر إبراهيم في الخليل، وما سوى ذلك فهو غير معروف عند أهل العلم، ولا يصدق من قال ذلك، لا قبر أيوب ولا غير أيوب عليه الصلاة والسلام، ثم لو فرضنا أنه موجود قبر أيوب أو غير أيوب، وعمران أو غير عمران لم يجز لأحد أن يعبدهم من دون الله، ولا أن يدعوهم من دون الله، حتى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق، لا يجوز لأحد أن يدعوه من دون الله أو يستغيث به أو ينذر له، أو يذبح له أو يتقرب إليه بالذبائح؛ لأن هذا من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من ذلك، فالقبور لا يجوز عبادتها من دون الله فلا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بأهلها ولا ينذر لهم، ولا يذبح لهم ولا يطلب منهم المدد كل هذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر؛ فالواجب الحذر من ذلك، قال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) ، وقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3) وقال سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (5) سبحانه وتعالى، فبين سبحانه أن دعاء غير الله، من الأموات والأصنام
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة يونس الآية 106
(4) سورة فاطر الآية 13
(5) سورة فاطر الآية 14(2/373)
والأشجار والأحجار، كله شرك بالله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1) يعني يتبرؤون منكم، وينكرون عليكم ما فعلتم، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فسمى دعاة غير الله من الأصنام والأموات، سماهم كافرين.
فالواجب الحذر من هذه الشركيات، والواجب التواصي بإنكارها وإبلاغ الجهلة ذلك، حتى يكونوا على بينة وعلى بصيرة، فالله سبحانه وتعالى أوجب على عباده التواصي بالحق، والدعوة إلى الله عز وجل، قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (3) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) ، وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (6) رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة فاطر الآية 14
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة العصر الآية 1
(4) سورة العصر الآية 2
(5) سورة العصر الآية 3
(6) سورة النحل الآية 125(2/374)
103 - التحذير ممن يغالون في الأولياء
س: إذا كنت قد حذرت بعض الناس من الأشخاص الذين يقولون: نحن أبناء مشايخ، أو أبناء أولياء، ويعتقدون أنهم أبناء الصالحين وهم أحياء، هل أكون مغتابا أو نماما؛ لأن الآية تقول: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (1) (2)
ج: على كل حال الدين النصيحة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة (3) » ، فإذا رأيت من بعض الناس ميلا عن الحق، ودعوة إلى الباطل، سواء كانوا يسمون مشايخ، أو يسمون أولياء أو كانوا ينسبون إلى مشايخ، وأولياء فإنك تحذر إخوانك من هؤلاء لئلا يضلوهم، وهذا ليس من باب الغيبة ولا من باب النميمة لكنه من باب النصيحة لله ولعباده، فالناصح لا يسمى مغتابا، «والنبي - صلى الله عليه وسلم - جاءته فاطمة بنت قيس، تقول: يا رسول الله إنه خطبني فلان، وخطبني فلان، نصحها، وقال لها: أما فلان فلا يضع عصاه عن عاتقه - أي ضراب للنساء - وأما فلان فصعلوك لا مال له (4) » ، فنصحها ولم يكن هذا غيبة مع أنه سماهم، قال: فلان وفلان، معاوية وأبو جهم.
__________
(1) سورة الحجرات الآية 12
(2) السؤال التاسع من الشريط، رقم 40.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة برقم 55.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصداق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها برقم 1480.(2/375)
فالمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصحها وبين أن هذين الرجلين لا يصلحان لها، وأشار عليها بأسامة بن زيد، فدل ذلك على أن الناصح لا يسمى مغتابا ولا نماما يقول لك: لا تقرب فلانا ولا تجالس فلانا؛ لأنه يفعل كيت وكيت، وأخشى عليك منه فلا حرج في هذا، وإذا كان المقصود النصيحة والخوف عليه من الشر؛ والمشايخ والأولياء لا يقدسون، ولو ظهر منهم الصلاح أو الخير يدعى لهم ويترحم عليهم ويقتدى بهم في الأفعال الطيبة، مثل المحافظة على الصلاة مثل الإكثار من الصوم، مثل الإكثار من ذكر الله وفي طلب العلم، يقتدى بهم في الخير، وهؤلاء الذين يسمون أولياء ويسمون مشايخ، ويعتقد فيهم، هذا غلط حتى الأنبياء وهم أفضل الناس، لا يعتقد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون، أو يدعون من دون الله، أو يستغاث بهم، لكن الرسل يتبعون فيما أمروا به ينتهي عما نهوا عنه ويطاع أمرهم وينتهى عن نهيهم، كما قال جل وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (2) ، فالرسل وهم أفضل الناس، والأنبياء لا يقدسون تقديس العبادة، ولكن يعظمون التعظيم الذي شرعه الله، من محبتهم وتعظيم أوامرهم، والمسارعة إلى ما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه، وهكذا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الناس، وأفضل الرسل، لا يعبد من دون الله، ولكن يحب، يجب أن
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة المائدة الآية 92(2/376)
تكون محبته فوق محبة النفس، والمال والولد والناس أجمعين، ولكن لا يغلى فيه لا يعبد من دون الله، لا يستغاث به بعد موته، لا يدعى بعد موته، لا يقال إنه يعلم الغيب، كل هذا منكر وهذا من الشرك؛ وفي حياته لا بأس أن تقول: ادع الله لي يا رسول الله، أغثني بكذا يغيثك بشيء يستطيعه، وهذا يوم القيامة يطلب الناس منه عليه الصلاة والسلام، أن يشفع إلى الله أن يريحهم من كرب الموقف، هذا لا بأس به، أما بعد الموت في حال البرزخ، فلا يدعى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، ما يسمون بالأولياء والمشايخ ولا غيرهم، العبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} (2) ، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3) والعبادة حق الله وهي التذلل في طاعته، وترك نواهيه كالصلاة والصوم، والصدقة والحج والعمرة والصيام، ونحو ذلك من العبادات كلها لله، وهكذا الذبح لا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، فلا يذبح للمشايخ، ولا للأنبياء ولا للأولياء ولا يتقرب إليهم بالذبائح، ولا يدعون من دون الله، ولا ينذر لهم ولا يستغاث بهم، ولا يدعى أنهم يعلمون الغيب، كل هذا باطل ولا يجوز، ولكن يترحم على الأولياء الصالحين المعروفين بالخير،
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة البقرة الآية 21(2/377)
يترحم عليهم ويدعى لهم، يتأسى بهم في الطيب، ولكن العبادة حق الله وحده وهكذا الرسل يتبعون ويطاعون ولكن لا يغلى فيهم ولا يعبدون مع الله، فيجب أن تفهم هذا أيها السائل، وأن تكون على بصيرة، فالعبادة حق الله، والرسل حقهم الطاعة والاتباع، والمحبة والأولياء والمشايخ الطيبون، هؤلاء يدعى لهم ويترحم عليهم، لا يقدسون بعبادة من دون الله ولا يستغاث بهم، ولا يتمسح بهم وهم أحياء ولا يتمسح بقبورهم ولا بترابها، ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم، ولكن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ويتبع طريقهم الطيب في طاعة الله ورسوله، ويتأسى بهم في المحافظة على الخير، وحفظ الأوقات من الشر، والإكثار من ذكر الله، والولي هو المؤمن من اتقى الله واستقام على أمره، فهذا ولي من أولياء الله قال الله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (2) بين أنهم أهل الإيمان والتقوى، وقال سبحانه في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (3) .
فالمتقي لله هو المؤمن، وهو الولي أما ما يذهب إليه الصوفية من أن الولي يعبد من دون الله، أو أنه يعلم الغيب، أو أنه يتصرف في الكون، فهذا باطل، وكفر وضلال، نعوذ بالله، ليس هذا بولي الذي يدعي
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63
(3) سورة الأنفال الآية 34(2/378)
أنه يعلم الغيب، أو يقول: ادعوني من دون الله، أو اذبحوا لي، هذا ليس بولي، هذا ضال، هذا كافر نعوذ بالله، والذي يدعي فيه بهذا المعنى، أنه يدعى من دون الله أو أنه يعلم الغيب، هذا يكون كافرا نعوذ بالله؛ لأنه ادعى دعوى كفرية، وبين الشرع أنها كفر، نسأل الله السلامة والعافية، فينبغي التنبه لهذا الأمر.(2/379)
104 - حكم العذر بالجهل في عباد القبور والأضرحة
س: إنني من صعيد مصر، وأقيم في قرية صغيرة تكثر فيها المعتقدات الفاسدة، في أصحاب القبور والأضرحة والمقامات، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ويلجئون إليهم عند الملمات، وينذرون لهم النذور، ويعتقدون فيهم النفع والضر، ويحلفون بأسمائهم، فهل تصح الصلاة خلف إمام مسجد يعتقد في تلك القبور، ويعتقد النفع والضر في أصحابها، ويهتف بأسمائهم، وهو أيضا يحلف بغير الله، وهل تصح صلاة الجمعة خلفه ولو لم يوجد من يصلى خلفه غيره، إلا من هو مثله، فهل صلاة الفرد تكون في مثل هذه الحالة أفضل، أم الصلاة خلفه، وهل يعذر أولئك القبوريون بجهلهم، أم لا يعذرون، فالجاهل منهم يحكم عليه بالإسلام، أم يحكم عليه بالكفر، وهو يصلى على ميتهم ويدفن في مقابر المسلمين، أم لا، أجيبوني عن هذه القضايا، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: هذا سؤال عظيم وله شأن كبير؛ لأنه يتعلق بالكفر والإيمان والإسلام والشرك، فهؤلاء الذين ذكرت أيها السائل عقيدتهم وأعمالهم هؤلاء يعتبرون كفارا مشركين وثنيين، مثل كفار قريش وأشباههم،
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 106.(2/380)
لا يصلى عليهم ولا يصلى خلفهم؛ لكونهم يستنجدون بأهل القبور، ويسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكروب هذا شرك أكبر، فليس لأحد أن يصلي خلفهم، أو يصلي عليهم إذا ماتوا، فحكمهم حكم أهل الشرك، وإذا كان بعض الناس يعتقد في الأولياء النفع والضر صار شركا آخر كونه يدعوهم ويسألهم ويستغيث بهم، هذا شرك أكبر، وكونه يعتقد فيهم النفع والضر والتصرف بالعباد شرك آخر زائد على شرك المشركين الأولين، فإن قريشا وأشباههم في جاهليتهم لا يعتقدون النفع والضر في الأموات ولا في الأصنام، وإنما يعتقدون أنهم شفعاء عند الله، وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى فقط، كما قال الله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (1) ، فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) فسماهم مشركين بهذا، مع أنهم قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فدل ذلك على أنهم لم يعتقدوا فيهم النفع والضر، وإنما اعتقدوا أنهم وسطاء، وقال سبحانه في سورة الزمر: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (3) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (4) .
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3(2/381)
فبين سبحانه أنهم ما عبدوهم؛ لأنهم يضرون وينفعون وإنما عبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى قال سبحانه عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) ، فعلم بذلك أن كفار قريش وغيرهم من كفار العرب في عهده - صلى الله عليه وسلم - لم يعتقدوا أن أصحاب القبور أو أن الأصنام أو الأشجار أو الأنبياء والصالحين ينفعونهم أو يضرونهم، وإنما اعتقدوا أنهم وسطاء ينفعونهم بالوساطة، ويقربونهم إلى الله زلفى، فلهذا عبدوهم وسألوهم واستغاثوا بهم، وذبحوا لهم ونحو ذلك، فهؤلاء كفار ما داموا على هذه الحال، وليس لك أن تصلي خلف أحد منهم، ولو صليت وحدك، فالجمعة تصلى ظهرا وحدك إلا أن تجد من الموحدين من يصلي معك، جمعة في مسجد إن تيسر في المسجد، أو في بيت أحدكم إن لم يتيسر في المسجد، أما أن تصلي خلف هؤلاء فلا؛ لأن هؤلاء شركهم مضاعف وكفرهم مضاعف، نسأل الله العافية.
والواجب على الدعاة إلى الله أن يدعوهم إلى الله، وأن يوضحوا لهم الحق وأن يرشدوهم، والواجب عليهم أن يتعلموا ويسألوا ويستفيدوا وألا يصبروا على باطلهم، الواجب على من كان في هذه المثابة أن يسأل أهل العلم في بلاده، أو في غير بلاده بالمكاتبة أو بالهاتف (التليفون) أو بغير ذلك من الوسائل، يسأل الله سبحانه يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) فالحريص على دينه
__________
(1) سورة الزمر الآية 3
(2) سورة النحل الآية 43(2/382)
يسأل عنه ولو بالسفر ولو يرتحل من مكان إلى مكان كما فعل السلف الصالح يرتحلون من بلد إلى بلد، لطلب العلم وهذه أعظم مسألة، مسألة التوحيد والكفر هي أعظم مسألة، وأكبر مسألة.
فالواجب على كل مكلف أن يسعى في خلاصه ونجاته، وأن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه، وألا يرضى بالعوائد التي درج عليها أسلافه، كما قال الله عن الكفرة: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (1) ما يصلح هذا، لا يصلح، بل يجب التعلم والتبصر والتفقه في الدين، والسؤال عما أشكل حتى تعبد ربك على بصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (2) ، فنسأل الله لك أيها السائل ولمن ذكرت عنهم هذه الأعمال، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق للعلم النافع والعمل الصالح، إنه سبحانه جواد كريم.
__________
(1) سورة الزخرف الآية 23
(2) سورة يوسف الآية 108(2/383)
س: سماحة الشيخ: من خلال ما عرض على سماحتكم من الرسائل، التي تصل إلى هذا البرنامج، ظهر ظهورا واضحا أن عالمنا الإسلامي مليء بأشياء وأشياء مخالفة للدين، من ذلك هذا التصوف، ومن ذلك هذا التبرك بالقبور، وبما يسمونهم بالأولياء، وما أشبه ذلك، يبدو أن الأمر يحتاج من جديد إلى مثل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب. (1)
ج: لا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى مصلحين، يحتاج إلى دعاة الهدى الذين يتصدون لهذه الأمور بالدعوة إلى الله وتبصير الناس وتوجيههم، وإلى أئمة وقادة يزجرونهم عن الباطل بالقوة، ويقبضون على أيدي السفهاء، ويلزمونهم بالحق كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك في هجرته - صلى الله عليه وسلم - وفي مكة عليه الصلاة والسلام، وهكذا قام خلفاؤه الراشدون وهكذا دعاة الإصلاح في كل زمان، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه، وابن القيم في زمانه وأشباههم من دعاة الهدى، ثم جاء دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في القرن الثاني عشر، فقام بهذا الواجب، ودعا إلى الله وأرشد الناس إلى توحيد الله، وأنكر الشرك الذي يوجد في نجد ثم في الحجاز، أنكر ذلك ودعا إلى الحق وهكذا أنصاره من العلماء والأخيار، ومن دعاة الهدى في نجد والحجاز وفي اليمن، قاموا بهذا الواجب ودعوا إلى
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 148.(2/384)
الله سبحانه وتعالى وأرشدوا الناس إلى توحيد الله وحذروهم من عبادة القبور والأشجار، والأحجار والجن، وهكذا كل مصلح يجب عليه أن يفعل هذا العمل، بالدعوة إلى الله والتوجيه وبالجهاد الشرعي والقوة التي تردع المجرم، إذا لم يرتدع بالكلام والدعوة، فإنه يحتاج إلى الردع بالقوة، بالتأديب بالسجن بقتل المرتد إلى غير ذلك، مما قام به نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقام به خلفاؤه الراشدون والأئمة المهديون بعدهم، والله المستعان.(2/385)
بسم الله الرحمن الرحيم(3/3)
باب ما جاء في ذم البدعة(3/5)
باب ما جاء في ذم البدعة
1 - بيان معنى البدعة
س: سائلة تقول: ما معنى بدعة؟ وهل هي حرام، أم مكروهة؟ (1)
ج: البدعة معناها المحدث في الدين الذي أحدثه الناس، ولم يكن شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم للناس، هذا يسمى بدعة. فالمحدثات في الدين هي البدع. وقد قال فيها المصطفى عليه الصلاة والسلام: «كل بدعة ضلالة (2) » وكان يقول في خطبة الجمعة: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » فالبدعة محرمة وممنوعة، لأنها ضلالة، مثل بدعة
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 183.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم 867.
(3) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما برقم 13924.(3/7)
الاحتفال بالموالد، في أي يوم كان، أو بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وإن فعلها كثير من الناس، لكنها بدعة. لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.
فالواجب تركها، ومثل بدعة: " حي على خير العمل " في الأذان، أو أشهد أن عليا ولي الله في الأذان كل هذا بدعة، لا يجوز فعلها. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلها، ولا أصحابه. بل هي مما أحدثه الناس. والواجب في هذا التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يؤذن الناس كما أذن، وكما أقر على ذلك عليه الصلاة والسلام، وهناك بدع كثيرة أحدثها الناس، ضوابطها أنها غير موافقة لما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أمر به عليه الصلاة والسلام، بل هي شيء ما شرعه الله ولا رسوله. والله يقول سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ويقول عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (2) » ومن هذا كون الجماعة يذكرون الله جماعيا، بصوت واحد، بعد الصلاة. هذا من البدع أيضا، أو يكبرون في الأعياد بصوت جماعي، الله أكبر كبيرا، أو: الله أكبر ولله الحمد بصوت جماعي يتعمدونه، أو ما أشبه ذلك مما أحدثه الناس.
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/8)
س: ما هو الفرق بين الاتباع والابتداع؟ (1)
ج: الاتباع هو ما جاء به الشرع، اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأوامر والنواهي يقال له اتباع، لأن الله قال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (2) ، وقال جل وعلا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3) فنحن مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وباتباع القرآن، فالتمسك بالقرآن بما قال الله، والتمسك بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أو فعل، هذا هو الاتباع، السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقه في الأوامر والنواهي، هذا يسمى الاتباع وهو واجب في الواجبات، مستحب في المستحبات.
وأما الابتداع: فهو إحداث شيء في الدين لم يأذن به الله، مثل إحداث عبادة ما شرعها الله، هذه يقال لها ابتداع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4) » ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (5) » فلو أن الإنسان صلى صلاة
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم 228.
(2) سورة الأعراف الآية 3
(3) سورة الأعراف الآية 158
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم 867.(3/9)
زائدة عن الصلوات الخمس، وقال نصلي ستا نحن نريد الخير، نصلي ستا إذا جاءت الساعة الرابعة من النهار، أو الخامسة من النهار بعد طلوع الشمس قبل الظهر، نصلي سادسة هذه بدعة باطلة، ولا يجوز أن يفعلها، ولا أن يدعو الناس إليها، بنية أنها فريضة، أما أنها بنية صلاة الضحى، لا بأس مستحبة، أو يقول: السجدتين ما تكفي، نجعل سجدة ثالثة في الركعة. هذه بدعة، إذا تعمدها تبطل الصلاة، أو قال: نجعل ركوعا ثانيا في الركعة، لتكون بركوعين. هذا بدعة إلا في صلاة الكسوف، وهكذا لو قال: نجعل ليلة من الليالي محل عبادة، نصلي فيها عشر ركعات، عشرين ركعة، ليلة الجمعة أو ليلة الخميس، من كل أسبوع. هذه بدعة، ما يخص ليلة من الليالي، بشيء ما شرعه الله، أو ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ليلة مولد فاطمة أو الحسين، أو البدوي أو الصديق أو عمر، بدع الاحتفال يصلي فيه، يتحدث فيه، يذكر فيه هذه بدعة، لأنها ما شرعها الله ورسوله، فالابتداع هو إحداث عبادة ما شرعها الله، قولية أو فعلية يقال لها بدعة، لأن الله ما شرعها سبحانه وتعالى، ومن هذا ما فعله الناس، بالبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب، يزعمون أنها قربة ودين، هذه بدعة لأن الرسول نهى عن البناء على القبور، فالبناء عليها بدعة من وسائل الشرك، كذلك تجصيصها بدعة إذا جصصت القبر تقربا إلى الله بذلك، هذا بدعة لأن الرسول نهى عن التجصيص، لأنه من وسائل الشرك، وهكذا من يتوسل بأصحاب القبور، يقول: أسألك بأصحاب القبور، أو أسألك بجاه النبي، أو حق النبي بدعة، أو أسألك بجاه الصالحين بدعة،(3/10)
أما لو قال: أسألك بحبي لك، أو بإيماني بك أو بإيماني برسولك، أو بأسمائك الحسنى هذا طيب، الأسماء هذه وسيلة شرعية فالبدع ما أحدثه الناس في الدين، وهو ما لم يشرعه الله ولا رسوله، هذا يقال له بدعة. والاتباع هو السير على المنهج، الذي شرعه الله لعباده، وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا يقال له اتباع.(3/11)
2 - بيان أقسام البدعة
س: يسأل أيضا ويقول: هل هناك بدعة حسنة لا إثم علينا إن عملناها أم كل البدع سواء، فلقد استشهد لي بعضهم أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد حفظه لسورة البقرة غيبا، ذبح عدة نوق لوجه الله، أو أنه صام عدة أيام، لا أعلم بالضبط، أي أنه ابتدع من عنده بدعة، وهذه قال بأنها بدعة حسنة، فإذا فعلنا مثل فعله، ووزعنا اللحم لوجه الله، نكون عملنا عملا حسنا، فهل تكون هذه البدعة ضلالة، والضلالة في النار، أجيبونا أفادكم الله؟ (1)
ج: البدعة كلها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في خطبة الجمعة:
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 311.(3/11)
«أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1) » ، رواه مسلم في الصحيح، زاد النسائي: «وكل ضلالة في النار (2) » بإسناد حسن. وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (3) » ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا (أي في ديننا) ما ليس منه فهو رد (4) » أي مردود. متفق على صحته. ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (5) » ، فالبدع كلها مردودة، كلها غير حسنة، كلها ضلالة وما ذكرته عن عمر ليس له أصل، فلا نعلم أحدا رواه يعتمد عليه، نعم ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه لما رأى الناس أوزاعا في المسجد، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافته، يصلون في رمضان أوزاعا، جمعهم على إمام واحد، على أبي بن كعب، يصلي بهم، ثم إنه مر عليهم بعض الليالي، وهو يصلي بهم، فقال: نعمت البدعة هذه. سماها بدعة من جهة اللغة؛ لأن البدعة في اللغة: ما أحدث على غير مثال سابق، يقال له
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب صلاة العيدين، باب كيف الخطبة، برقم 1578.
(2) النسائي صلاة العيدين (1578) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/12)
بدعة، وإلا فليست بدعة في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل التراويح، صلاها بالناس، فليست بدعة وكان يقرهم على فعلها في المساجد، عليه الصلاة والسلام ولهذا جمعهم عمر عليها، واستقر الأمر على ذلك، إلى يومنا هذا فالتراويح ليست ببدعة، وإن سماها عمر بدعة، من جهة اللغة، وإلا فهي سنة وقربة وطاعة، أما الصدقة على الميت، فمن أراد أن يتصدق، فليس لها حد محدود، ولا وقت معلوم، يتصدق متى تيسر، بدراهم أو بإطعام، يعطيها الفقراء أو ذبيحة يذبحها يوزعها على الفقراء كل هذا طيب، لا حرج في ذلك، سواء في رمضان أو في غير رمضان، ليس لها حد محدود، ولا كيفية محدودة، بل متى تيسر له الصدقة بدراهم أو بملابس، أو بطعام أو بلحم كله طيب، ينفع الميت إذا كان مسلما ينفعه ذلك.
س: السائل أبو أسامة من جمهورية مصر العربية، يقول: ما هي البدعة، وما هي أقسامها؟ وهل يجوز أن أصلي خلف إمام مبتدع، عنده بعض البدع؟ (1)
ج: البدعة هي العبادة المحدثة، التي ما جاء بها الشرع، يقال لها بدعة، وكل بدعة ضلالة، ما فيها أقسام، كلها ضلالة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (2) » ، وكان يقول هذا في خطبه، يقول
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط رقم 409.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/13)
صلى الله عليه وسلم: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها (1) » ، ويقول: «كل بدعة ضلالة (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » ، «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » ، فالبدعة ما أحدثه الناس في الدين، من العبادات التي لا أساس لها، يقال لها بدع، وكلها منكرة، وكلها ممنوعة.
أما تقسيم بعض الناس البدعة، إلى واجبة، ومحرمة ومكروهة ومستحبة، ومباحة، فهذا تقسيم غير صحيح، والصواب أن البدع كلها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت بدعة الإمام مكفرة، لا يصلى خلفه، كبدعة الجهمية والمعتزلة وأشباههم، أما البدعة غير المكفرة، كرفع الصوت بالنية: نويت أن أصلي، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بالصلاة خلفه، لكن يعلم، يوجه إلى الخير، يعلم فلا يرفع صوته بل ينوي بقلبه، والحمد لله نية القلب تكفي، وهكذا بدعة الاجتماع للموالد، إذا ما كان فيها شرك، هذه ليست بمكفرة، أما إن كان فيها
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718.
(2) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(3) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/14)
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعاء صاحب المولد أو الاستغاثة به، سواء مولد علي أو مولد الحسن أو الحسين، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو فاطمة، إذا كان فيه دعاء لصاحب المولد أو استغاثة أو نذر له، أو ذبح له، هذا شرك أكبر. أما إذا كان مجرد اجتماع لقراءة القرآن، أو أكل الطعام، فهذه بدعة صاحبها لا يكفر.
س: ما هو الحد أو القول الفصل بين البدعة والأمور الحديثة الجديدة، ومتطلبات العصر، أو بمعنى آخر كيف نميز بين الأمور الحديثة الموجودة في عصرنا الحاضر، وبين البدعة التي وردت في الأحاديث الشريفة، بينوا لنا هذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الأشياء الجديدة الحادثة قسمان: قسم يتعلق بأمور الدنيا، من ملابس ومآكل ومشارب، وأوان وأسلحة، هذه لا بأس بها، ولا تسمى بدعا كالطائرات والمدافع والصواريخ وغير ذلك، هذه ما تسمى بدعا هذه أمور دنيوية، والملابس والأواني وتنوع الأكل، هذه ما هي ببدع، البدع ما كان يتعلق بالدين، من المحدثات التي يراها أهلها دينا وقربة، وعبادة مثل إحداث الموالد والاحتفال في الموالد، ومثل إحياء ليلة الإسراء والمعراج، ومثل إحياء ليلة الرغائب، أول ليلة من رجب، وليلة أول جمعة من رجب، هذه يقال لها بدع، إحداث أشياء ما شرعها
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم 352.(3/15)
الله، تعبد يتعبد بها، مثل إحياء ليلة النصف من شعبان، كل هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان، يعني التعبد بأشياء ما شرعها الله، قولية أو فعلية، هذه: البدع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا - يعني في ديننا هذا - ما ليس منه فهو رد (1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » فالمراد به العبادات. فالذي يحدث من العبادات يسمى بدعة، الذي لا أصل له في الشرع يسمى بدعة، وكما قلنا: إن ما يتعلق بمتطلبات العصر كما سماها السائل ليس فيها بدع، وهذه من أمور الدنيا، ما تسمى بدعا، ولو سميت بدعة فهي بدعة لغوية، لا يتعلق بها منع. أنواع المآكل والمشارب، والأواني والملابس والسلاح، كل هذه أمور عادية.
س: ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام سماحة الشيخ؟ (3)
ج: كل قربة تخالف الشرع بدعة، كل من يتقرب بشيء لم يشرعه الله يقال له بدعة مثل الاحتفال بالموالد، مثل الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، مثل الاحتفال في أول ليلة من رجب يسمونها الرغائب كل هذه بدعة، وهكذا ما أحدثه الناس من البناء على القبور بدعة، اتخاذ المساجد عليها بدعة، اتخاذ القباب عليها بدعة، منكر من أسباب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم 358.(3/16)
الشرك من وسائله، وكلها ضلالة ما فيها أقسام. الصحيح كلها ضلالة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة (1) » ، هذا الصواب جميع البدع ضلالة.
س: يقول السائل: ما حكم من أتى إليه أناس وقال لهم بالسنة عيدان وهذا الثالث؟ (2)
ج: ما نعلم فيه شيئا، معناه أن هذا عيد لنا نفرح بكم هذه عبارة يتساهل فيها ليس معناه أنه يقيم عيدا ثالثا، المقصود أننا نفرح بكم كأنه عيد عندنا ليس فيه شيء.
س: يسأل البعض ويقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ (3)
ج: الصواب كل البدع ضلال، بعض الفقهاء قال: بدعة حسنة مثل جمع المصحف، مثل صلاة التراويح، والصواب أن البدع كلها ضلالة ما فيها حسن، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل بدعة ضلالة (4) » ولم يفرق عليه الصلاة والسلام. أما جمع المصحف فليس بدعة بل جمعه الصحابة؛ لأنهم مأمورون بحفظ كتاب الله فهذا مأمور به واجب حفظ المصحف والعناية به حتى لا يضيع منه شيء، وكذلك التراويح فعلها
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(2) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 236.
(3) السؤال السابع من الشريط رقم 356.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم.(3/17)
النبي صلى الله عليه وسلم وليست بدعة، وقول عمر: نعمت البدعة لما جمعهم على إمام واحد يعني صورة ما فعله بدعة لغوية لما جمعهم على إمام واحد، ولم يكن هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سماه بدعة من حيث اللغة وإلا فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وصلى بالصحابة ليالي، وكانوا يصلون في المسجد أوزاعا، يصلي الرجل والرجلان والثلاثة فلم ينكر ذلك عليه الصلاة والسلام، ولكنه خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك، فلما توفي صلى الله عليه وسلم واستخلف عمر رأى جمعهم على إمام واحد، لما رآهم أوزاعا في المسجد رأى جمعهم على إمام واحد، لأن الرسول قد فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، فهي بدعة لغوية، لما قال عمر نعمت البدعة يعني: جمعهم على إمام واحد لما رآهم أوزاعا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
س: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ (1)
ج: ليس هناك بدعة حسنة، كل البدع ضلالة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (2) » فالتقسيم إلى بدعة حسنة غلط وبدعة سيئة غلط لا يجوز، بل كل البدع ضلالة، والبدع هي ما خالف الشرع، كل عبادة تخالف الشرع فهي بدعة، قول عمر: " نعمت البدعة " يعني بها اللغة، سمى التراويح خلف
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم 355.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/18)
إمام واحد من جهة اللغة (بدعة) ؛ لأنها حدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهي سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها أصحابه، فالعبادات المحدثة كلها بدعة، وكل بدعة ضلالة.
س: يقول السائل: كيف نعرف البدعة وأقسامها يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: البدعة ما أحدثه الناس في الشرع ويخالف الشرع، هذا يقال له بدعة، ما أحدث في الدين يقال له بدعة، مثل ما مثلنا، مثل بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وبدعة بناء المساجد على القبور واتخاذ القبب عليها، هذه بدعة كلها بدعة منكرة، ومثل بدعة الجهمية في الصفات والأسماء، وبدعة المعتزلة في الصفات، وقول المعتزلة إن صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، هذه البدع التي أحدثها المبتدعة.
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم 374.(3/19)
3 - حكم الذبح في المواسم كالنصف من شعبان
س: جرت العادة في بلدنا الذبح في المواسم مثل النصف من شعبان وأول رمضان، وسبعة وعشرين من رجب. فهل يجوز الأكل من مثل هذه الذبائح؟ (1)
ج: أما الذبح في النصف من شعبان أو في سبعة وعشرين من رجب فهذه بدعة ما لها أصل، لا يجوز فعلها ولا الأكل منها لعدم الدليل بل ذلك من البدع، أما كونه سيتقرب في رمضان بالذبائح ويتصدق بها، فرمضان شهر مبارك، مشروع فيه التوسع فيه بالصدقة والنفقة على الفقراء، فإذا ذبح لذلك في رمضان أو في شهر ذي الحجة، أو في غيرها من الأوقات، وتصدق فهذا كله طيب، أما تخصيص النصف من شعبان أو ليلة سبع وعشرين من رجب، كما يفعل بعض الناس من الاحتفال في هذه الليلة فهذا لا أصل له، بل هو بدعة.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 226.(3/20)
4 - حكم إطلاق لفظ البدعة على المخترعات الدنيوية
س: سماحة الشيخ لا بد أن هناك حدا فاصلا وحدا دقيقا للفرق بين البدعة وبين السنة، بين ما هو في الدين وبين ما هو في الدنيا؟ (1)
ج: أمور الدنيا ليس فيها بدع، وإن سميت بدعا، اختراع الناس السيارات أو الطائرات، أو الحاسب الآلي، أو شبه ذلك مما اخترعه الناس، أو الهاتف أو البرقية، كل ذلك لا يسمى بدعا وإن سمي البدع من حيث اللغة، فهو غير داخل في بدع الدين، لأن البدعة في اللغة في الشيء الذي لم يكن له مثال سابق اخترع، يسمى في اللغة بدعة؛ لقوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (2) يعني مخترعهما سبحانه وتعالى. هذا في اللغة يطلق على ما كان ليس له مثال سابق، وإذا كان في الدنيا لا يسمى بدعة، ما يذم وإن سمي بدعة من حيث اللغة، لكن ما ينكر، لأنه ليس في الدين، ليس في العبادات، فإذا سمي مثلا اختراع السيارة أو الحاسب الآلي أو الطائرة أو ما أشبه ذلك سمي بدعة، هذا من حيث اللغة وليس بمنكر ولا ينكر على الناس، وإنما ينكر على الناس ما أحدثوه في الدين من صلوات مبتدعة، أو عبادات أخرى مبتدعة، هذا هو الذي ينكر في الدين، لأن الشرع يجب أن ينزه عن البدع،
__________
(1) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم 176.
(2) سورة البقرة الآية 117(3/21)
فالشرع ما شرعه الله ورسوله لا ما أحدثه الناس في دين الله من صلاة أو صيام أو غير ذلك مما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، لأن الدين قد كمل يقول سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) .
__________
(1) سورة المائدة الآية 3(3/22)
5 - الأسباب التي تقضي على البدع
س: سماحة الشيخ متى بدأت البدع؟ وهل هناك من أمل في استئصالها؟ (1)
ج: بدأت البدع من العهد الأول، فهي قديمة الوجود، من القرن الأول، نسأل الله السلامة. أما عن استئصالها فليس لها طريق إلا الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، وقوة ولاة الأمور في إنكارها، وتعزير من يفعلها، فإذا قوي السلطان والوازع السلطاني في بلد، وبين العلماء حقيقة البدع، في الغالب أنها تنتهي في البلد وتزول، وإن بقيت في بلاد أخرى أو في بلدة أخرى، فعلى حسب قوة السلطان وقوة الوازع، وببيان أهل العلم تقل البدع، وإذا قل أهل العلم أو قل الوازع السلطاني، كثرت الخرافات والبدع في البلاد والمناطق، وكلما زادت
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 76.(3/22)
الجهالة وزاد الخرافيون في البلد، وقل الوازع السلطاني وقل العلماء، تكثر البدع وتنتشر، فإذا وجد العلماء أهل البصيرة في الدين، ووجد الوازع السلطاني في إنكار البدع، قلت البدع حتى تزول من البلد.(3/23)
6 - الفرق بين البدعة الاعتقادية والعملية
س: ما هي البدعة الاعتقادية، وما هي البدعة العملية؟ (1)
ج: كل ما خالف الشرع فهو بدعة، إن كان في الاعتقاد يسمى بدعة مثل دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والاستغاثة بالجن أو بالملائكة، يظنها دينا، يعتقد أنها دين، يحسب أنها جائزة، هذه بدعية شركية: كفر أكبر، وتسمى بدعة، لأنه يظن أنها دين، كذلك البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها بدعة لكنها دون الكفر، وهي وسيلة للكفر، إذا بنى مسجدا على القبر، يحسب أنه دين أو بنى قبة على قبر، يحسب أن هذا جائز، هذه بدعة منكرة، من وسائل الشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » .
أما دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم فهذه بدعة شركية، يكون صاحبها كافرا كفرا أكبر، ولو زعم أنه جاهل، لأن هذا
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم 322.
(2) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الحج، باب حج النساء برقم 1864.(3/23)
أمر معروف من الدين بالضرورة، معروف بين المسلمين، فهو كافر بذلك، فعليه التوبة إلى الله من ذلك، يستتاب فإن تاب وإلا قتل من ولي الأمر أي الحاكم الشرعي، وهناك بدع كثيرة، مثل بدعة المولد، تسمى إحياء مناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو مولد غيره، ومثل بدعة ليلة الإسراء والمعراج 27 رجب الاحتفال بها هذه بدعة أيضا، عملية منكرة لا تجوز، ولكن ليست من الشرك الأكبر، إلا إذا كان فيها شرك، إذا كان في المولد، أو في الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة به يكون ذلك شركا أكبر، أما إذا كان مجرد احتفال، على الأكل والشرب، والقهوة والشاي، وليس فيه دعاء ولا استغاثة بالنبي، فهذه بدعة منكرة، يمنعها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا -يعني ديننا- ما ليس منه فهو رد (1) » فهو مردود، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (3) »
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/24)
والبدعة هي الشيء المحدث في الدين الذي أحدثه الناس يتقربون به إلى الله، والله ورسوله ما شرعه، ما شرعه الله ولا رسوله يسمى بدعة مثل الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الاحتفال بمولد الصديق أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو الحسين أو غيرهم، أو الاحتفال بمولد أبي حنيفة، أو الشافعي أو مالك، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو السيدة نفيسة أو السيدة زينب، أو ما أشبه ذلك، كلها بدع منكرة لا تجوز ومن وسائل الشرك، نعوذ بالله من ذلك، فبعض الناس في المولد يشرك بالله، في مولد النبي يدعو النبي، ويستغيث به هذا من الشرك الأكبر، وبعضهم في مولد علي يستغيث بعلي، وينذر له ويدعوه من دون الله، هذا شرك أكبر، وهكذا في الموالد الأخرى، يدعون صاحب المولد، يستغيثون به، هذا شرك أكبر، نعوذ بالله من ذلك، ربنا يقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) ، ويقول سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2) القطمير: اللفافة التي على النواة نواة التمر، {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} (3) يعني: الأموات والأصنام ونحوهم، {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (4) ما عندهم قدرة يعطونك ما طلبت، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (5) يسمى شركا، يسمى
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة فاطر الآية 14(3/25)
دعاؤهم والاستغاثة بهم شركا أكبر، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1) والشرك إذا أطلق هو الأكبر، وقال سبحانه في آخر سورة المؤمنون: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) فسمى دعاة غير الله من الأموات، والأشجار والأحجار سماهم كفرة، قال: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) والنبي صلى الله عليه وسلم حكم على دعاة القبور والأموات، والاستغاثة بهم، حكم عليهم بأنهم كفار، وقاتلهم، قاتل أهل الطائف الذين يدعون اللات، ويعبدون اللات، وهو قبر أو صخرة يعبدونها، وقاتل عباد الشجر، عباد العزى، وعباد الحجر، وعباد المناة لأنهم كفار، حتى يدعوا ذلك، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وحتى يدعوا الشرك ويتبرأوا منه، وهكذا سائر البدع، إن كان فيها دعاء لغير الله، والاستغاثة بغير الله، أو الذبح لغير الله صارت شركا أكبر، وإن كان مجرد عمل لكن ما شرعه الله، تكون بدعة دون الشرك منكرة، ومن هذا الصلاة عند القبور، كونه يصلي عندها يقول: لعلها أفضل وهي عند القبر، يصلي في المقبرة، ويقول لعلها أفضل، هذه بدعة من وسائل الشرك، وهكذا الجلوس عند القبور للدعاء، يعني أن الأفضل الجلوس عند القبور للدعاء بدعة، كذلك وكقول بعضهم: نويت أن أصلي لله أربع ركعات، أو ثلاث ركعات، هذه بدعة التلفظ بالنية إذا
__________
(1) سورة فاطر الآية 14
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(3) سورة المؤمنون الآية 117(3/26)
قام للصلاة، وإنما ينوي بقلبه ويكفي، ينوي بقلبه أنه قام للظهر، للعصر، للمغرب، للعشاء، وهكذا جميع الصلوات النافلة ينوي بقلبه ويكفي، أما أن يقول بعد وقوفه: نويت أن أصلي لله أربع ركعات، يعني الظهر أو العصر أو ثلاث ركعات يعني المغرب، أو ركعتين يعني الفجر أو الجمعة، فهذه بدعة ما كان يبيح لهم الرسول ذلك، ولا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن تقف خاشعا ناويا بقلبك الصلاة، والحمد لله يكفي فلا حاجة أن تقول نويت أن أصلي كذا وكذا، أو نويت أن أطوف أو أن أسعى، بل تأتي بنية الطواف وتبدأ بالحجر الأسود، ناويا الطواف وعند السعي كذلك، تبدأ بالصفا ناويا السعي ويكفي.
س: سائل من مصر، هـ. أ. س. يقول: ما الفرق بين البدعة في العبادة، والبدعة في العقيدة؟ (1)
ج: كلها بدعة، من أحدث شيئا في العقيدة كأن يحدث الأعياد البدعية، والاحتفال بها، أو البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، كل هذا بدعة، وهذه تتعلق بالعقيدة أيضا، تسبب شرا كثيرا، وهكذا البدعة في الصلاة، أو في الصيام، أو في الحج كلها منكرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا - يعني الإسلام - ما ليس منه فهو رد (2) »
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم 406.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718.(3/27)
متفق على صحته. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » فالاعتقاد في الصالحين أو في أهل القبور، ودعاؤهم من دون الله، أو الاستغاثة بهم هذا كفر أكبر في العقيدة، والبناء على القبور. واتخاذ المساجد عليها، كذلك بدعة، لكنه دون الشرك، من وسائل الشرك. وتجصيصها كذلك، ومن وسائل اختلال العقيدة، والبدع الأخرى كونه يبتدع صلاة ما شرعها الله، أو اجتماعا ما شرعه الله، كبدعة الاحتفال بالمولد، أو ما أشبه ذلك من القرب التي يحدثها الناس، هذا يسمى بدعة، وهو من البدع في الفروع. أو يحدث في الصلاة بدعة، أو في الصيام أو في الحج، المقصود أن البدعة ضابطها: أن يأتي بعبادة ما شرعها الله كأن يصلي في الركعة ثلاث سجدات متعمدا، أو ركوعين هذا بدعة منكرة وباطلة، كذلك يحدث صوما ما شرعه الله، كأن يقول الصائم يصوم من الليل كذا، لا يفطر إلا بعد مضي كذا من الليل، أو يتقدم في الصوم بجزء من الليل، يأخذ قطعة من الليل قبل طلوع الفجر فهذه بدعة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/28)
س: يقال: إن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة، فما حقيقة ذلك مع الدليل، وإن صحت هذه العبارة. نرجو تطبيقها على الأسئلة السابقة؟ (1)
ج: هكذا يقول بعض الناس: إن البدعة تنقسم إلى أقسام خمسة، تدور على أحكام التكليف: بدعة حسنة، بدعة محرمة، بدعة مكروهة، بدعة مندوبة، بدعة مباحة، وهذا التقسيم فيه نظر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كل بدعة ضلالة (2) » . ولم يقسمها بل قال: «كل بدعة ضلالة (3) » والحق الذي لا ريب فيه أن البدع المخالفة للشرع كلها ضلالة، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الناس، ولهذا قال: «إياكم ومحدثات الأمور (4) » وقال: «وشر الأمور (5) » يعني: محدثات الأمور: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (6) » هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، فالمحدثات التي تخالف شرع الله فإنها ضلالة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (7) » ، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (8) » ، فكل بدعة ضلالة، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ومن ذلك الاحتفال بالموالد، فإنها بدعة ضلالة، وهكذا تعظيم القبور بالبناء عليها واتخاذ القباب عليها والاجتماع عندها، للنوح أو لدعائها والاستغاثة بها، كل هذا من البدع والضلالة، وبعضها من البدع الشركية، لكن بعض الناس قد
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم 11.
(2) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(3) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.
(5) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(6) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(7) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(8) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/29)
تلتبس عليه بعض الأمور، فيرى أن ما وقع في المسلمين من بعض الأشياء، التي لم تقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أنها بدعة حسنة، وربما يتعلق بقول عمر رضي الله عنه، في التراويح نعمت البدعة، لما جمع الناس على إمام واحد، وهذا ليس مما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ما يحدثه الناس، مما تدل عليه الشريعة، وترشد إليه الأدلة، لا يسمى بدعة منكرة، وإن سمي بدعة من حيث اللغة، لكون المسلمين نقطوا المصاحف، وشكلوا القرآن، حتى لا يشتبه على القارئ، وجمعوه في المصاحف، هذا وإن سمي بدعة لغوية، لكن هذا شيء واجب، شيء يحفظ القرآن، ويسهل قراءته على المسلمين، فهذا نحن مأمورون به، مأمورون بما يسهل علينا القرآن، وبما يحفظه على المسلمين، وبما يعين المسلمين على حفظه وقراءته قراءة مستقيمة، فليس هذا من باب البدعة المنكرة، بل هذا من باب الأوامر الشرعية، من باب الحفظ للدين، ومن باب العناية بالقرآن، فليس مما نحن فيه بشيء، وكذلك قول عمر: نعمت البدعة، يعني كونه جمعهم على إمام واحد، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا بدعة من حيث اللغة، لأن البدعة في اللغة، هي الشيء الذي على غير مثال سابق، ما يحدثه الناس على غير فعل سابق، يسمى بدعة في اللغة، فهذا من حيث اللغة لا من حيث الشرع، فإن التراويح فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى بالناس بعض الليالي، وأرشد إليها وحثهم عليها، فليست التراويح بدعة، ولكن لكونه جمعهم على إمام واحد، قال في ذلك: نعمت البدعة، من حيث اللغة فقط، فالحاصل أن ما أوجده المسلمون، مما يدل عليه(3/30)
الشرع، ويرشد إليه الشرع، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لا يسمى بدعة، بل هو مما دعا إليه الشرع، ورغب فيه الشرع، من جنس جمع المصحف، وشكله ونقطه ونحو ذلك، هذا ليس من البدع في شيء، بل من جنس التراويح، وفعل عمر لها، رضي الله عنه وأرضاه، ليس في هذا الباب من شيء، وإنما الذي أنكره العلماء، وقصده النبي صلى الله عليه وسلم، هو ما يحدثه الناس مما يخالف شرع الله، مما يخالف أوامر الله ورسوله، مثل البناء على القبور، مثل اتخاذ المساجد عليها، مثل الغلو فيها، بدعائها والاستغاثة والنذر لها ونحو ذلك، هذه من البدع الشركية. مثل الاحتفال بالموالد، هذه من البدع المنكرة، التي هي من وسائل الشرك، وما أشبه ذلك مثل: بدعة إحياء مناسبة الإسراء والمعراج، يحتفلون بليلة سبع وعشرين من رجب، باسم الإسراء والمعراج، هذه بدعة لا أصل لها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بالإسراء والمعراج، ولا أصحابه ولأنها غير معلومة على الصحيح، بل أنسيها الناس، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها، ولا أصحابه رضي الله عنهم، فدل ذلك على أنه بدعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » أي هو مردود.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.(3/31)
7 - بيان معنى حديث: " من سن في الإسلام سنة حسنة "
س: لي زملاء يحتجون بما ابتدع في الدين، بأنها سنة، محتجين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة (1) » إلى آخر الحديث الشريف، ويكررون دائما قول عمر بن الخطاب، عندما جمع الناس أن يصلوا التراويح على إمام واحد، بقوله: نعم البدعة. من صحيح البخاري. هل يثبت ذلك حجة لزملائي أم لا؟ (2)
ج: هذا غلط ومغالطة، ولا يجوز أن يحتج على إيجاد البدع، وعلى إقرار البدع بهذا الحديث الصحيح، من سن في الإسلام سنة حسنة. يعني من سن في الإسلام والمراد بذلك إظهارها وإبرازها. والدعوة إليها بعد ما أميتت أو جهلها الناس ليس المراد بذلك الابتداع والإحداث؛ لأن هذا يناقض قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » وقوله: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » وقوله: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة (5) » ، فالأحاديث الصحيحة واضحة في منع البدع، والتحذير منها، وأنها من المنكر فلا يجوز لأحد أن يحكم على البدع بأنها حسنة لأجل فهمه السيئ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة (6) »
__________
(1) مسلم الزكاة (1017) ، النسائي الزكاة (2554) ، ابن ماجه المقدمة (203) ، أحمد (4/362) ، الدارمي المقدمة (514) .
(2) السؤال السادس من الشريط رقم 15.
(3) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة، برقم 1017.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.
(6) مسلم الزكاة (1017) ، النسائي الزكاة (2554) ، أحمد (4/359) .(3/32)
هذا غلط في فهم السنة، وتحريف للمعاني فإن المراد إبراز السنن وإظهارها، فالذي أظهرها وأبرزها، وبينها للناس حتى اقتدوا به فيها، وحتى ساروا خلفه فيها، بعد ما جهلوها وبعدما غفلوا عنها، أما إحداث البدع فلا يجوز بل يجب على الناس أن يسيروا على ما رسمه الله لهم في كتابه، وعلى ما رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وليس لهم أن يحدثوا، في الدين ما لم يأذن به الله، قال الله جل وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم «شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (2) » ، وقال: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (3) » ، وتقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » يعني فهو مردود على صاحبه، أما قول عمر: نعمت البدعة. فقد وضح أهل العلم أن مراده في ذلك من حيث اللغة العربية؛ لأنه رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد، وكانوا متفرقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصديق، فلما كان عهده رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، ومر عليهم ذات ليلة وهم يصلون فقال: نعمت هذه البدعة، يعني: جمعه لهم على إمام واحد مستمر منتظم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جمعهم وصلى بهم في ليالي ثم ترك ذلك خوفا أن تفرض عليهم - عليه الصلاة والسلام - فأصل التراويح سنة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليها، وحث عليها لكن خاف أن تفرض على
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) مسلم الجمعة (867) ، النسائي صلاة العيدين (1578) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/311) ، الدارمي المقدمة (206) .
(3) أبو داود السنة (4607) ، أحمد (4/126) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/33)
الناس، فتركها بعد ما صلاها ليالي - عليه الصلاة والسلام - بالناس جماعة ثم استمر الترك إلى عهد عمر، وكانوا يصلون في المسجد أوزاعا يصلي الرجل لنفسه. ويصلي معه الاثنان والثلاثة إلى أشباه ذلك، فلما رآهم عمر ذات ليلة قال: لو جمعناهم على إمام واحد. ثم جمعهم فلما رآهم بعد ذلك يصلون جميعا قال: نعمت هذه البدعة، يقصد جمعهم على إمام واحد بصفة مستمرة، هذا من حيث اللغة؛ لأن البدعة ما كان على غير الشرع. هذا من حيث اللغة العربية، وليس مقصوده أن هذه البدع، الأساس والأصل، فإنه رضي الله عنه لا يمكن أن يوجد البدع، ولا يقر البدع، هو يعلم أن رسول الله نهى عن البدع، عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة وقربة، وطاعة معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.(3/34)
8 - بيان معنى قول: العبادات توقيفية
س: ما معنى العبادات التوقيفية؟ (1)
ج: معناها أنها لا تثبت إلا بالشرع، لا بآراء الناس، لا يكون القول عبادة، ولا الفعل عبادة، إلا بنص من الله، أو من رسوله، من القرآن أو السنة، أما قول الناس هذه عبادة توقيفية يعني لا بد أن يكون
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم 307.(3/34)
فيها نص شرعي، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » أي مردود. وقال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أي مردود. وكان يقول في خطبه عليه الصلاة والسلام في الجمعة وغيرها: «أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » فليس لأحد أن يأتي بتشريع جديد، بل لا بد من الوقوف مع شريعة الله، فلو قام الإنسان ليشرع للناس بأن يصلوا صلاة سادسة في أثناء النهار، في الساعة العاشرة ضحى، لا يجوز، أو قال: يلزمهم أن يصوموا شهرا آخر غير رمضان، أو يشرع لهم أن يصوموا شهرا ما شرعه الله، كل هذا بدعة، أو يقول: إنه يشرع لهم أن يصلوا صلاة خاصة، مقدارها ثلاث ركعات، أو خمس ركعات، في النهار بنية كذا أو بنية كذا، يتعبد بها، هذا باطل، الله شرع لعباده اثنتين أو أربعا المقصود شفعا، والسنة اثنتان اثنتان، في النهار والواجب اثنتان اثنتان في الليل، إلا ما شرعه الله في الوتر، ثلاثا أو خمسا، كما جاء في الحديث، المقصود ليس الحديث عن شيء جديد، وليس الحديث عن شيء لم يذكر في الكتاب والسنة ليقال: إنه مشروع سواء كان قوليا أو عمليا، فهذا لا أساس له ولا يعتد به، لأنه لم يأت عن الله، ولا عن رسوله، ولا يسمى توقيفا.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) مسلم الجمعة (867) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/311) .(3/35)
9 - بيان معنى الغلو في الدين
س: ما هو التشدد المنهي عنه في الدين؟ (1)
ج: التشدد: هو الغلو والتنطع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون (3) » ، قالها ثلاثا عليه الصلاة والسلام، ومعناه الزيادة على ما شرعه الله، هذا هو التشدد يزيد على ما شرعه الله، ومن ذلك البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، هذه زيادة على ما شرع الله، الذي شرعه الله زيارتها، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، ولا يبنى عليها مساجد أو قباب، هذه الأعمال من وسائل الشرك، وهذا محرم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، ولعن اليهود، والنصارى على فعل ذلك، والصلاة عند القبور من وسائل الغلو فيها والشرك، وهكذا الزيادة على ما شرعه الله، كأن يتوضأ أكثر من ثلاث مرات، هذا زيادة على ما شرعه الله، كذلك كونه يستعمل في صلاته ما لم يشرعه الله، غير الزيادة على الوضوء بل يستعمل أشياء ما شرعها الله في صلاته، بأن يركع الركوع الذي يضره أو يضر المأمومين، أو يسجد سجودا يضره
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 321.
(2) أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى برقم 3057.
(3) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، برقم 2670.(3/36)
ويضر المأمومين، فالواجب أن يقتصد ويتحرى الاقتصاد، القصد في العبادة هو المطلوب، وعدم التشديد لا على المأموم، ولا على نفسه كذلك كونه يصوم دائما ولا يفطر، أو يصلي الليل كله ولا ينام، كل هذا من التشدد. والنبي نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام قال: «هلك المتنطعون» ونهى عن التبتل كل ذلك منهي عنه لما في التبتل والتشدد من المضرة العظيمة.(3/37)
10 - حكم هجر المبتدع
س: متى تجوز مقاطعة المبتدع؟ ومتى يجوز البغض في الله؟ وهل تؤثر المقاطعة في هذا العصر؟ (1)
ج: المؤمن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان ونظر الشرع، ونظر التجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم، فإن هجره حق وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا من أعلن المعاصي وأظهرها، أقل أحواله أن هجره سنة، فإن كان عدم الهجر أصلح، لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين وإرشادهم إلى السنة، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم، أن ذلك يؤثر فيهم وأنه يفيدهم، فلا يعجل في الهجر، ومع ذلك يبغضهم في الله، كما يبغض
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 82.(3/37)
الكافر في الله، ويبغض العصاة في الله، على قدر معاصيهم وعلى قدر البدعة، وبغض الكافر أشد، وبغض المبتدع على قدر بدعته، إذا كانت بدعته غير مكفرة، على قدرها، وبغض العاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه، أما الهجر ففيه تفصيل يقول ابن عبد القوي رحمه الله، في قصيدته المشهورة:
وهجران من أبدى المعاصي سنة ... وقد قيل إن يردعه أوجب وآكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلنا ... ولاقه بوجه مكفر ملبد
وقيل على الإطلاق يعني يجب الهجر مطلقا، فالحاصل أن الأرجح والأولى النظر في المصلحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هجر قوما وترك آخرين لم يهجرهم، مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر هجرهم خمسين ليلة فتابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي بن سلول، وجماعة من المتهمين بالنفاق لأسباب شرعية اقتضت ذلك، فالمؤمن ينظر في الأصلح وهذا لا ينافي بغض الكافر في الله، وبغض المبتدع في الله، وبغض العاصي في الله، ومحبة المسلم في الله، ومحبة العاصي على قدر إسلامه، ومحبة المبتدع الذي لم يعلن بدعته على قدر ما معه من الإسلام لا ينافي ذلك، أما هجرهم فينظر للمصلحة، فإذا كان هجرهم يرجى فيه خير لهم، ويرجى أن يتوبوا من البدعة ومن المعصية، فإن السنة الهجر، وقد أوجب ذلك(3/38)
جمع من أهل العلم، قالوا: يجب، وإن كان هجرهم وتركه سواء، لا يترتب عليه لا شر ولا خير، فهجرهم أولى أيضا، إظهارا لأمر مشروع، وإبانة لما يجب من إظهار إنكار المنكر، هجره بأي حال أولى وأسلم، وحتى يعلم الناس خطأهم وغلطهم. الحالة الثالثة: أن يكون هجرهم يترتب عليه مفسدة، وشر أكبر، فإنه لا يهجرهم في هذه الحالة، إذا كان هذا المبتدع إذا هجر زاد شره على الناس وانطلق في الدعوة إلى البدعة، وزادت بدعه وشروره، واستغل الهجر في دعوة الناس إلى الباطل، فإنه لا يهجر بل يناقش ويحذر الناس منه، ولا يكون الناس عنه بعيدين، حتى يراقبوا عمله وحتى يمنعوه من التوسع في بدعته، وحتى يحذروا الناس منه، وحتى يكرروا عليه الدعوة، لعل الله يهديه حتى يسلم الناس من شره، وهكذا العاصي المعلن، إذا كان تركه وهجره قد يفضي إلى انتشار شره، وتوسع شره وتسلطه على الناس، فإنه لا يهجر بل يناقش دائما وينكر عليه دائما ويحذر الناس من شره دائما، حتى يسلم الناس من شره، وحتى لا تقع الفتن بمعصيته.
س: بم تنصحوننا في كيفية التعامل مع المبتدعة الذين نراهم ونتكلم معهم، ونتعامل معهم كل يوم؟ (1)
ج: الواجب هجرهم على بدعتهم، إذا أظهروا البدعة فالواجب
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 185.(3/39)
هجرهم بعد النصيحة والتوجيه، فإن المسلم ينصح أخاه، ويحذرهم مما حرم الله عليهم من البدع والمعاصي الظاهرة فإن تاب وإلا استحق أن يهجر ولا يعامل لعله يتوب لعله يندم لعله يرجع إلى الصواب، إلا إذا كان الهجر يترتب عليه ما لا تحمد عقباه فإنه يتركه إذا كان تركه أصلح في الدين، وأكثر للخير وأقرب إلى النجاح، فإنه لا يهجره بل يداوم على نصحه وتحذيره، من الباطل ولا يهجره قد يهديه الله بسبب ذلك، فالمؤمن كالطبيب إذا رأى العلاج نافعا فعله، وإذا رآه ليس بنافع تركه، فالهجر من باب العلاج، فإن كان الهجر يؤثر خيرا وينفع هجر، وكان ذلك من باب العلاج، لعله يتوب ولعله يرجع عن الخطأ، إذا رأى من إخوانه أنهم يهجرونه، أما إن كان الهجر يسبب مزيدا من الشر، وكثرة أهل الشر وتعاونهم، فإنه لا يهجر ولكن يديم النصح له، والتوجيه وإظهار الكراهة لما عمل، ويبين له عدم موافقته على باطله، ولكن يستمر في النصيحة والتوجيه.(3/40)
11 - المبتدعة ليسوا من الطائفة الناجية
س: هل المبتدع خارج عن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟ (1)
ج: المبتدعون ليسوا من الطائفة الناجية، كالرافضة والجهمية، والمعتزلة والكرامية، وأشباههم، الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة، هم أتباع الكتاب والسنة، الذين لم يبتدعوا في دين الله، ما لم يكن من أمر الله. لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم قال: «هم مثل ما أنا عليه وأصحابي (2) » ، وهم الجماعة، وهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وهم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، الذين لم يحرفوا أو يغيروا، أو يبتدعوا بل تمسكوا بالكتاب والسنة، وساروا على منهج سلف الأمة، من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، بالقول والعمل والعقيدة، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة، فهم وحدوا الله، وعبدوه وحده، واستقاموا على شريعته، وعملوا بأسمائه وصفاته، وأمروها كما جاءت على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل، واعتمدوا في أعمالهم ما جاء في الكتاب والسنة، في الأقوال والأفعال.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم 307.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم 2641.(3/41)
12 - حكم الاحتفال بالمواليد
س: بعض العلماء يقولون: إن الموالد ليست صحيحة، فهل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: نعم الاحتفال بالموالد بدعة، فلا يجوز الاحتفال بالموالد، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: في خطبة يوم الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » والاحتفال بالموالد بدعة، ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ويكفي المؤمن التأسي بسنته صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاجه وعدم الإحداث فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست بالبدع، ولكن باتباع طريقه عليه الصلاة والسلام، وامتثال أوامره، وترك نواهيه والصلاة والسلام عليه عند ذكره، عليه الصلاة والسلام في كل وقت، أما إحداث البدع فذلك مما يغضبه، عليه الصلاة والسلام، ومما نهى عنه وأنكره، عليه الصلاة والسلام، وهو مما يغضب الله عز وجل، الله سبحانه أنكر على أهل البدع، قال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (4) .
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم 215.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) سورة الشورى الآية 21(3/42)
فالواجب على كل مسلم أن يتبع ولا يبتدع، عليه أن يتبع الشريعة ويكفي والحمد لله، أما الابتداع فهو شر وبلاء، فالدين كامل بحمد الله، فليس لأحد أن يحدث شيئا ما شرعه الله، لا الاحتفال بالموالد ولا غيرها، ومن ذلك البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، هذه بدعة ومن وسائل الشرك، ومن ذلك تجصيصها واتخاذ القباب عليها والستور هذا بدعة أيضا، ومن أسباب الشرك ووسائله، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا البدع، وأن يبتعدوا عنها، حتى لا يخالفوا نبيهم عليه الصلاة والسلام، وحتى يتبعوه فيما أمر به وفيما نهى عنه عليه الصلاة والسلام.(3/43)
13 - حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
س: يوجد لدينا في جميع البلاد في مصر أنهم يحتفلون بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: هذه المسألة قد وقعت في بلدان كثيرة من بلدان المسلمين، كثير من المسلمين يحتفلون بالمولد النبوي، ورغم وجود ذلك في بلاد كثيرة فهو بدعة، فالبدع لا تنقلب سننا لكثرة الفاعلين لها، سواء كان في المغرب أو في المشرق، أو في مصر أو في غير ذلك، الاحتفال
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 8.(3/43)
بالموالد من البدع التي أحدثها الشيعة، وتبعهم عليها بعض أهل السنة، وذكر بعض المؤرخين أن أول من أحدثها الفاطميون، بنو عبيد بن القداح، المعروفون الذين ملكوا مصر والمغرب، في القرن الرابع والخامس، هم أول من أحدثوا في القرن الرابع موالد للنبي صلى الله عليه وسلم، وللحسن والحسين وفاطمة ولحاكمهم، ثم وقع بعد ذلك الاحتفال بالموالد بعدهم، فهو بدعة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وأصحابه هم أفضل الناس بعد الأنبياء، وهو قد بلغ البلاغ المبين، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا أرشد إلى ذلك، ولا احتفل به أصحابه، وهم أفضل الناس، وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا التابعون لهم بإحسان، في القرون المفضلة الثلاثة، فعلم أنه بدعة، وهو وسيلة للغلو والشرك، ووسيلة للغلو في الأنبياء والصالحين، فإنهم قد يعظمونهم بالغلو والمدائح، التي فيها الشرك بالله، الشرك الأكبر كوصفهم لهم بأنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يدعون من دون الله أو يستغاث بهم أو ما أشبه ذلك، فيقعون في هذا الاحتفال في أنواع من الشرك، وهو لا يشعرون أو قد يشعرون، فالواجب ترك ذلك، وليست الاحتفالات بالمولد دليلا على حب المحتفلين للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى اتباعهم له، وإنما الدليل والبرهان على ذلك، هو اتباعهم لما جاء به عليه الصلاة والسلام، هذا هو الدليل على حب الله ورسوله، الحب الصادق، كما قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31(3/44)
فمن كان يحب الله ورسوله، فعليه باتباع الحق بأداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله والمسارعة إلى مراضي الله والحذر من كل ما يغضب الله عز وجل، هذا هو الدليل وهذا هو البرهان، وهذا هو الذي كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، أما الاحتفالات بالموالد للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو للبدوي أو لفلان وفلان، فكله بدعة وكله منكر يجب تركه؛ لأن الخير في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع أصحابه والسلف الصالح، والشر في الابتداع والاختراع، ومخالفة ما عليه السلف الصالح، هذا هو الذي يجب وهذا هو الذي أفتي به، وهذا هو الحق الذي عليه سلف الأمة، ولا عبرة لمن خالف ذلك وتأول في ذلك، فإنما هدم الدين في كثير من البلدان، والتبس أمره على الناس، بسبب التأويل والتساهل وإظهار البدع، وإماتة السنة ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان. اهـ.(3/45)
14 - حكم الاحتفال بمولد الحسين رضي الله عنه
س: لقد سمعت لكم إجابة عن سؤال في برنامج نور على الدرب: بخصوص إقامة الموالد والاحتفال بها. مثل المولد النبوي الشريف، وقد تفضلتم بالإجابة، بعدم إقامة مثل هذه الموالد وغيرها بما ورد في الكتاب والسنة. وعلينا أن نتبع ما أمر به ونهى عنه الله ورسوله، وأنا في نفسي مقتنع بذلك تمام الاقتناع. ولكن نشاهد بمصر الإسلامية أن أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ يحضرون هذه الاحتفالات والموالد، أمثال الحسين، والسيدة زينب، والبدوي وغيرهم بل حتى عندنا في صعيد مصر كثير والسؤال الأول هو: ما هو الصواب في هذا الموضوع؟ (1)
ج: الصواب هو ما سمعت فيما نقلت عن جوابي السابق، وأن هذه الموالد التي يحتفل بها الناس بدعة لا أصل لها، ولا ينبغي للعاقل وطالب العلم، أن يغتر بالناس، فإن فعل الناس لا يقاس عليه، ولا يحتج به، إنما يحتج بما قاله الله ورسوله، فأقوال الناس، وأعمال الناس، واحتفالاتهم كلها تعرض على الكتاب والسنة، وما وافق كتاب الله، أو سنة رسوله الصحيحة، عليه الصلاة والسلام فهو المتبع وهو الحق. وما خالفهما وجب رده، وإن فعله الناس، قال الله تعالى:
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم 12.(3/46)
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (1) ، وقال عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (2) ، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3) فالحاصل أن أفعال الناس، وأقوال الناس ليست ميزانا توزن بها الأحكام، وتعرف بها الأحكام الشرعية، وإنما الميزان هو ما قال الله جل وعلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (4) . وفيما قال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (5) . هذا هو الميزان، الميزان هو ما قاله الله ورسوله، فالاحتفالات بالموالد ليس لها أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقد مضى على المسلمين قرون كثيرة لم يحتفلوا فيها بالموالد، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهو خاتم النبيين ليس بعده نبي يعلمنا، هو خاتم النبيين، وهو أنصح الناس عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الناس وأخشى الناس لله وأتقاهم لله عليه الصلاة والسلام. فلو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أو بالموالد الأخرى أمرا مشروعا لبينه للأمة عليه الصلاة والسلام، أو فعله بنفسه حتى يقتدى به، ثم لو تركه بنفسه عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) سورة يوسف الآية 103
(2) سورة الأنعام الآية 116
(3) سورة سبأ الآية 20
(4) سورة النساء الآية 59
(5) سورة الشورى الآية 10(3/47)
لأنه غير واجب ولكن هو سنة في نفسه لفعله الصحابة أخذا من فعله أو من قوله عليه الصلاة والسلام، فلم يفعله صلى الله عليه وسلم. ولم يدع إليه ولم يأمر به ولم يفعله صحابته، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم جاء القرن الثاني، قرن التابعين وكبار أتباع التابعين، فلم يفعلوه ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فلم يفعلوه، فدل ذلك على أنه بدعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، وكان يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام: أما بعد: «فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » ، هكذا كان يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام في الجمعة اللهم صل عليه، فلو كانت الاحتفالات بالموالد أمرا مطلوبا أو أمرا مشروعا لما فات على أولئك الأخيار السادة، ثم حظي به ووفق له من بعدهم، فإن القرون السابقة قد اشتملت على الحق. ولا يمكن أن يكون الحق في غيرها وتحرم هي من الحق، بل قال عليه الصلاة والسلام، لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، وأولى القرون بهذه الطائفة القرون الأولى، القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث، بل قال عليه الصلاة والسلام: «خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (4) » الحديث.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم…، برقم 3533.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) البخاري الشهادات (2509) ، مسلم فضائل الصحابة (2533) ، الترمذي المناقب (3859) ، ابن ماجه الأحكام (2362) ، أحمد (1/434) .(3/48)
فلا يجوز أبدا أن يعتقد أحد أن الحق يفوت هذه القرون المفضلة العظيمة، ثم يدركه ويحوزه من بعدهم، هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر. فالحاصل أن الاحتفالات بالموالد: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مولد الحسين، مولد فلان، مولد البدوي، إلى غير ذلك كلها بدع لا أصل لها، وإنما أحدثها من أحدثها في القرن الرابع وبعده، كما ذكر ذلك صاحب كتاب الإبداع في مضار الابتداع، وذكر أن الذين بدأوا بإحداثها هم حكام مصر الفاطميون، حكام المغرب الذين انتسبوا لآل البيت كذبا، وليسوا منهم في شيء بل قال أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام رحمة الله عليه: إن ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، فالحاصل أنهم هم الذين أحدثوا هذا في القرن الرابع ثم أحدثه بعدهم أناس آخرون، من الشيعة ومن غير الشيعة ممن ينتسب إلى السنة غلطا وجهلا، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بهذا الأمر، الذي فعله كثير من الناس. فهذه أيضا المساجد تبنى على القبور، والقباب توضع على القبور، فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر، إن هذا شرع، وإنه سنة، وإنه قربة، بل هو بدعة منكرة، ومع ذلك وجد في الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390.(3/49)
مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (1) » خرجه مسلم في الصحيح، وقال جابر رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، وأن يقعد عليها وأن يبنى عليها (2) » فأخبر جابر أن الرسول نهى عن تجصيص القبور، وعن البناء عليها، وهي الآن تجصص ويبنى عليها وتوضع عليها القباب والمساجد فهل يقول من يعرف الحق: إن هذا جائز أو إنه مشروع لأن الناس فعلوه، بل هو بدعة ومن وسائل الشرك، ولو فعله الناس، اتخاذ المساجد على القبور، والبناء عليها واتخاذ القباب عليها، وتجصيصها كل هذا محرم كله من وسائل الشرك. ولو فعله الناس وكذلك كثير من الجهلة يأتون القبور المعظمة، ويدعونها ويستغيثون بأهلها، ويطلبون منها المدد، فهل يقول قائل: إن هذا جائز، لأن الناس فعلوا هذا، أو لأن كثيرا من الناس فعلوا هذا، لا يقول هذا من يعرف الدين، فإن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، وطلب المدد من الأموات هو فعل الجاهلية الأولى، هو فعل أهل الشرك المعروف سابقا، هو من الشرك الأكبر، ومع ذلك فعله كثير من الجهال عند القبور، عند قبر الحسين، وعند قبر غير الحسين، وعند قبر البدوي، وربما فعله بعض الجهال، عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: إن هذا جائز، أو إن هذا قربة، أو إنه لا بأس به، بل هو من الشرك ومن عبادة غير الله، ومن عمل الجاهلية الأولى وإن فعله كثير من الناس، فينبغي لكل مسلم أن يعقل هذا وينتبه لهذا الأمر.
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 532.
(2) مسلم الجنائز (970) ، الترمذي الجنائز (1052) .(3/50)
س: أيضا يقول هذا السائل: نشاهد في مصر أصحاب الفضيلة العلماء يحضرون هذه الاحتفالات فما رأي سماحتكم؟ (1)
ج: كون بعض العلماء يشهد بعض البدع فلا يستنكر هذا، وهل أهلك الناس إلا علماء السوء؟ وعلماء الجهل، وهل هلكت اليهود إلا بعلماء السوء فيها، وهل هلكت النصارى إلا بعلماء السوء فيها وأغلاطهم، وهذه الأمة كذلك إنما هلك أكثرهم بسبب علماء السوء وعلماء الجهل، والعالم وإن كان كبيرا وعظيما قد يغلط، فيغتر بغلطه بعض الناس، وزلة العالم لها خطر عظيم، كما حذر الصحابة وغيرهم من زلة العالم، فإذا زل عالم بفعله أو بقوله، وإن كان يشار إليه بالعلم، لكن غلطه في مسألة من المسائل في حضور الاحتفالات، تأول في ذلك المكان، أو قصد أن ينصحهم، أو يبين شيئا من أمور الدين، فحضر وغاب عنه أن حضوره قد يحتج به، فلا يكون هذا حجة، إذا حضر العالم بعض الاجتماعات المنكرة، أو حضر بعض الاحتفالات المنكرة لا يكون هذا حجة على جوازها، فقد يكون له عذر، وقد يكون جهل هذا الأمر وقت حضوره، وإن كان عنده علوم، وعنده فضل، فلا ينبغي أن يغتر بأغلاط العلماء ولا زلات العلماء لا قولا ولا فعلا نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 12.(3/51)
س: أرجو منكم أن تخبروني عن حكم المولد النبوي، وعن حكم من يقوم به، وخاصة إذا كان إماما وخطيبا لمسجد؟ وهل تجوز الصلاة خلفه، حيث إني إذا قلت لأحدهم إن هذا الأمر بدعة منكرة، انزعج كثيرا واحتج بحديث في مسلم، في فضل صيام يومي الخميس والاثنين، والشاهد من الحديث: «وهو يوم ولدت فيه (1) » الحديث؟ فماذا نفعل تجاه هؤلاء الناس، وخاصة أنهم من أصحاب المساجد وإنا لله وإنا إليه راجعون؟ (2)
ج: الاحتفال بالموالد من البدع التي حدثت في الناس ومنها مولد النبي صلى الله عليه وسلم، الاحتفال به من البدع التي حدثت في المسلمين ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، وهكذا لم يفعله المسلمون في القرون المفضلة الثلاثة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » يعني فهو مردود، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4) » أي فهو مردود.
فالواجب على المسلم ترك ذلك، وأن يعتني بسنته صلى الله عليه وسلم واتباع سيرته والاستقامة على هديه عليه الصلاة والسلام. أما الاحتفال بالمولد
__________
(1) مسلم الصيام (1162) .
(2) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم 271.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.(3/52)
فلا وجه له فهو بدعة من البدع التي يجب تركها والمطلوب من المسلم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شرعه وتعظيم سنته والسير على منهاجه كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) .
فالواجب محبته واتباعه والأخذ بما جاء به والحذر مما نهى عنه هذا هو واجب المسلم. أما البدع فلا، المولد وغير المولد، لا تجوز البدع في الدين. بل يجب تركها فالاحتفال بالموالد والبناء على القبور، واتخاذ المساجد على القبور والصلاة عند القبور كل هذه من البدع التي أحدثها الناس وهكذا بدعة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب والاحتفال بها هذه من البدع أيضا لا أصل لها في الشرع.
وينبغي أن ينصح الإمام الذي يصلي بالناس أن يدع هذا، والصلاة خلفه صحيحة، إذا كان ليس عنده إلا بدعة المولد، فالصلاة خلفه صحيحة؛ لأنها بدعة وليست كفرا، لكن إذا كانوا في المولد يدعون الرسول ويستغيثون به، فهذا كفر أكبر إذا كانوا يدعون الرسول ويستغيثون به، وينذرون له هذا كفر أكبر.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة الحشر الآية 7(3/53)
أما مجرد الاحتفال بالمولد وجمع الطعام، والاجتماع على الطعام وتلاوة القصائد التي ليس فيها شرك فهذه بدعة.
أما القصائد التي فيها الشرك، مثل البردة إذا أقروا ما فيها من الشرك، مثل قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
من يعتقد هذا فهو كافر. نسأل الله العافية.
فالمقصود أن الواجب على المسلمين، أن يحذروا الشرك والبدع جميعا، وأن يتواصوا بتركها ويتفقهوا في الدين ويتعلموا ويسألوا أهل العلم، أهل السنة، يسألوهم عن هذه البدع.
أما حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه (1) » هذا لا حجة فيه، إنما يدعو إلى شرعية صومه، صوم يوم الاثنين، ويوم الاثنين يصام؛ لأنه يوم ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه فيه، ولأنه تعرض فيه الأعمال على الله مع الخميس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس ويقول:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر برقم 1162.(3/54)
«إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم (1) » فصوم يوم الاثنين لا بأس به، طيب مثلما صامه النبي صلى الله عليه وسلم، ما قال: احتفلوا به واجعلوا فيه عيدا. إنما شرع صومه فقط، فمن صامه فقد أحسن ومن أحدث المولد بالاحتفال وجمع الناس على الطعام وقراءة القصائد فإن هذه هي البدعة، وفرق بين هذا وهذا.
س: لماذا لا يحدث اجتماع مثلا بين العلماء جميعا وشرح وجه الحقيقة حتى يغير ما يحدث في جميع البلدان الإسلامية من هذه العادات؟ (2)
ج: قد جرى اجتماعات كثيرة، وبحث هذا الموضوع في اجتماعات كثيرة، ولكن لا تزال العقول تختلف في فهمها، ولا يزال من ينظر في المسائل العلمية يحصل بينهم خلاف لوجه النظر، بعضهم يستحسنها لأن فيها دراسة السيرة، للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول لأن فيها فرصة لتوعية الناس وتعليمهم بعض أمور الدين، وبعضهم يحتج بأشياء أخرى، ولكن من نظر في الأدلة الشرعية عرف أن هذه الأمور التي يحتج بها لا وجه لها، وأن الواجب منع هذه الاحتفالات، وفي
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أسامة بن زيد، برقم 21246.
(2) السؤال الرابع من الشريط رقم 12.(3/55)
الإمكان أن يعلم الناس أحكام الشرع في المجالس العلمية والحلقات العلمية، وبدراسة السيرة النبوية من دون حاجة إلى هذه الاحتفالات فليست هذه الاحتفالات هي الوسيلة للتعليم، بل هناك وسائل أخرى كالإذاعة والصحافة والحلقات العلمية التي توضح فيها أحكام الشرع، وتوضح فيها سيرة النبي عليه الصلاة والسلام من دون حاجة إلى هذه البدع.(3/56)
15 - الاحتفال بالمولد ليس له أصل
س: ما رأيكم في الاحتفال بمولد النبي الشريف، ولقد تكرر في قول الناس إن بعض العلماء أجازوه، ويقومون به أفيدونا عن هذا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الاحتفال بالمولد ليس له أصل، لكونه من البدع التي أحدثها الناس في القرن الرابع وما بعده، ومشهور أن أول من أحدثه الطائفة المشهورة الذين يقال لهم الفاطميون، وهم حكام المغرب ومصر في المائة الرابعة والخامسة، أحدثوه في المائة الرابعة باسم علي والحسن والحسين وفاطمة واسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم حاكمهم ثم انتشر بعدهم، ولم يكن هذا في القرون المفضلة، ولا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا ذكر
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 100.(3/56)
المحققون من أهل العلم أنه بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » يعني فهو مردود، ولا عبرة بمن يفعلونه اليوم وكثرتهم، لأنهم توارثوا هذا عن أسلافهم، والقاعدة التي درج عليها العامة والكفرة، قبل النبي صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (3) فليس في اتباع الآباء حجة، إذا كان عملهم ليس على أساس متين ليس على دليل، كما أن أعمال الكفار ليست حجة، ولهذا أنكر الله عليهم ذلك، وأمرهم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل لهم عذرا في اتباع أسلافهم، بل عابهم على ذلك، فأنت أيها المؤمن كذلك ليس لك أن تتبع أباك ولا جدك، ولا أهل بلدك إلا فيما شرعه الله، أما ما نهى الله عنه فليس لك أن تتبعهم ولو كثروا، فلو أن أهل بلدك صاروا يشربون الخمر، فليس لك أن تفعله معهم، ولو كانوا يزنون كذلك، ولو كانوا يعقون والديهم، ليس لك أن تفعل مثلهم، فهكذا إذا فعلوا البدع ليس لك أن تتبعهم، بل تدعو لهم بالهداية، تنصحهم وتوجههم إلى الخير، ولا تفعل معهم ما حرم الله من البدعة، كما أنك لا يجوز لك أن تفعل معهم الزنى، أو الخمر أو العقوق أو الربا، أو ما أشبه ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) سورة الزخرف الآية 23(3/57)
16 - الرد على قول: إن المولد بدعة حسنة
س: نسألكم عن مولد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم هل هو بدعة وإني سمعت في بعض البلدان ومن بعض العلماء يقولون: إنها بدعة حسنة والله أعلم وفقكم الله؟ (1)
ج: الاحتفال بالموالد مما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة بعد القرن الأول والثاني والثالث وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس استحسانا وظنا منهم أنها طيبة، والصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة، الاحتفالات بالموالد كلها بدعة ومن جملة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، ولماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا القرون المفضلة كلها لم تفعل هذا الشيء، فالخير في اتباعهم لا في ما أحدثه الناس بعدهم، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إياكم ومحدثات الأمور (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 37.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 7277، ومسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم 867.
(3) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(3/58)
ما ليس منه فهو رد (1) » ، «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أي مردود، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضح الأمر وبين أن الحوادث في الدين منكرة، وأنه ليس لأحد أن يحدث في الدين ما لم يأذن الله وذم الله سبحانه هذا بقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3) والاحتفال أمر محدث لم يأذن به الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، والصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم وأسرع الناس إلى كل خير ولم يفعلوا هذا لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا بقية العشرة ولا بقية الصحابة وهكذا التابعون ما فعلوا هذا، وإنما حدث من بعض الشيعة الفاطميين في مصر في المائة الرابعة كما ذكر هذا بعض المؤرخين، ثم حدث في المائة السادسة في آخرها وفي أول السابعة، على يد من ظن أن هذا طيب ففعل ذلك، والحق أنه بدعة، لأنها عبادة لم يشرعها الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يكتم شيئا مما شرعه الله بل بلغ كل ما شرعه الله وما أمر به، وقال الله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) فالله قد أكمل الدين وأتمه وليس في ذلك الدين الذي أكمله الله الاحتفال بالموالد، فعلم بهذا أنه بدعة منكرة لا حسنة وليس في الدين بدعة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) سورة الشورى الآية 21
(4) سورة المائدة الآية 3(3/59)
حسنة، فكل البدع ضلالة كلها منكرة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «كل بدعة ضلالة (1) » فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يقول: إن في البدع شيئا حسنا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن كل بدعة ضلالة؛ لأن هذه مناقضة ومحادة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه أنه قال: «كل بدعة ضلالة (2) » فلا يجوز لنا أن نقول خلاف قوله عليه الصلاة والسلام وما يظن الناس أنه بدعة وقد جاء به الشرع فهو ليس بدعة مثل كتابة المصاحف، مثل التراويح ليست بدعة كل هذه مشروعة فتسميته بدعة لا أصل لذلك، وأما ما يروى عن عمر أنه قال في التراويح: نعمت البدعة فالمراد بهذا أنها بدعة في اللغة، ليست من جهة الدين، ثم قول عمر لا يناقض ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخالفه، وقول الرسول مقدم عليه، عليه الصلاة والسلام: «كل بدعة ضلالة (3) » ، وقال: «وإياكم ومحدثات الأمور (4) » ، وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» ، هذا حكمه، عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم في الصحيح فلا يجوز لمسلم أن يخالف ما شرع الله ولا أن يعاند ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام بل يجب عليه الخضوع لشرع الله والكف عما نهى الله عنه من البدع والمعاصي، نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(2) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(3) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(4) أبو داود السنة (4607) ، أحمد (4/126) .(3/60)
س: هل يجوز الاحتفال بالمولد النبوي نرجو منكم التوجيه؟ (1)
ج: لقد سبق منا جوابات كثيرة في هذا البرنامج وفي غيره وكتبنا في هذا كتابات كثيرة فهذا الاحتفال بالمولد بدعة، الاحتفال بالمولد بدعة عند أهل العلم، عند أهل التحقيق بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فلا يجوز الاحتفال بالموالد لا بمولده صلى الله عليه وسلم ولا بغيره من الأنبياء والأخيار فما يفعله الناس بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو البدوي أو الشيخ عبد القادر أو الحسن أو الحسين أو غيرهم كله بدعة لا يجوز.
والواجب الترضي عنهم واتباع طريقهم الطيب والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سبيله والحث على سنته وتعليم دينه والقيام بحقه من طاعة أمره وترك نهيه والسير على منهاجه صلى الله عليه وسلم هذا هو الواجب على المؤمن قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (2) ما قال: فاتخذوا مولدا لي احتفلوا بي قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3) فعلامة المحبة اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه، أما إقامة الموالد والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان فهذا لا يجوز بل هو من وسائل الشرك، كثير من هؤلاء الذين يتخذون الموالد يقعون في الشرك في دعاء النبي والاستغاثة به، وبعضهم يقع في بدعة التوسل بجاهه وبحقه وهذا لا يجوز أما التوسل بمحبته والإيمان به لا بأس
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 359.
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة آل عمران الآية 31(3/61)
اللهم إني أسألك بمحبة نبيك والإيمان بنبيك أن تغفر لي هذا لا بأس به، أما التوسل بجاه النبي أو بحق النبي هذا بدعة ليس عليه دليل بل هو من البدع والتوسل بمحبته والإيمان به والسير على منهاجه هذا توسل شرعي، فالمقصود أن الاحتفال بالموالد من البدع سواء كان ذلك بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو بمولد غيره من الأنبياء أو الصالحين أو الصحابة أو غيرهم كله من البدع، وهكذا الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بليلة تسع وعشرين من رجب يسمونها ليلة الإسراء والمعراج هذه بدعة أو الاحتفال بأول ليلة من رجب أول ليلة جمعة من رجب يسمونها صلاة الرغائب بدعة، المقصود أن الاحتفال بما لم يشرعه الله، يتقرب به إلى الله، هذا من البدع، ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم هو أصدق الناس وأنصح الناس، علم الأمة كل خير ودعاها إلى كل خير ولم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة عشر سنين وهو رئيس المؤمنين وأميرهم ليس له معارض ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام ثم الصديق بعده ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الخلفاء بعدهم ما احتفلوا بالمولد، ولو كان خيرا لسبقونا إليه فجميع القرون المفضلة لم يحدثوا الموالد إنما أحدثها الرافضة الفاطميون في القرن الرابع ثم تابعهم بعض المسلمين جهلا منهم وعدم بصيرة.(3/62)
17 - الرد على شبه تجويز إقامة الموالد
س: لقد سمعت منكم مؤخرا أن المولد الشريف من المنكر والبدع، وأود أن أقول وأسأل هنا، إن في المولد الشريف يجتمع الناس على الأخوة والتقوى، وقراءة شيء من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وقراءة شيء من الشعر الذي قيل قديما، إما بمدح الإسلام، أو الرسول العظيم، وهذا كل ما يحدث، وليس في ذلك ما يعارض الشريعة الإسلامية، أرجو توضيح ذلك ولكم كل تقديري واحترامي؟ (1)
ج: لا ريب أن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قد يقع فيه شيء مما ذكره السائل بالنسبة لأهل العلم وأهل البصائر، ولكن ينبغي أن يعلم أننا عبيد مأمورون لا مشرعون، علينا أن نمتثل أمر الله، وعلينا أن ننفذ شريعة الله. وليس لنا أن نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله، يجب أن نعلم هذا جيدا، الله سبحانه يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: «من أحدث في أمرنا هذا
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم 6.
(2) سورة الشورى الآية 21(3/63)
ما ليس منه فهو رد (1) » يعني: فهو مردود على من أحدثه، وفي لفظ آخر عند مسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة، تدل على تحريم البدع، وأن البدع هي المحدثات في الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » ، وتعلمون أيها المستمعون من أهل العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام، عاش بعد النبوة ثلاثا وعشرين سنة، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولم يقل للناس احتفلوا بالمولد، لدراسة السيرة أو لغير ذلك، ولا سيما بعد الهجرة؛ فإنها وقت التشريع، وكمال التشريع، فمات صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا من ذلك، وأما حديث أنه سئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: «ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه (4) » ، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد، كما يظن بعض الناس، وإنما يدل على فضل يوم الاثنين، وأنه يوم شريف، لأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولأنه ولد فيه عليه الصلاة والسلام، ولأنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل، فإذا صامه الإنسان، لما فيه من المزايا، فهذا حسن، أما أن يزيد شيئا غير ذلك، فهذا عمل ما شرعه الله، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولدت فيه "؛ لبيان فضل صومه، ولما سئل
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) مسلم الصيام (1162) .(3/64)
في حديث آخر عن صوم يوم الاثنين والخميس، أعرض عن الولادة، وقال في يوم الاثنين والخميس: «إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم (1) » ، وسكت عما يتعلق بالمولد، فعلم بذلك أن كونه يوم المولد، جزء من أسباب استحباب صومه، مع كونه تعرض فيه الأعمال على الله، وكونه أنزل عليه الوحي فيه، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد، ولكن يدل على فضل صيام يوم الاثنين، وأنه يصام لهذه الأمور، كونه ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكونه أنزل عليه الوحي فيه، ولأنه تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل، ولو كان الاحتفال بالموالد، أو بمولده عليه الصلاة والسلام، أمرا مشروعا أو مرغوبا فيه لما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله، وهو أنصح الناس، ولا يمكن الظن به أنه يسكت، عن أمر ينفع الأمة، وينفعه عليه الصلاة والسلام، وهو في طاعة الله عز وجل، وهو أنصح الناس، وهو ليس بغاش الأمة، وليس بخائن ولا كاتم، لقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وكل شيء لم يكن في وقته مشروعا، فلا يكون بعد وقته مشروعا، فالتشريع من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أوحى الله إليه جل وعلا، وصحابته المبلغون عنه، ويحملون عنه ما بلغه الأمة، فهو لم يبلغ الناس أن الاحتفال بمولده مطلوب، لا فعلا ولا قولا، وصحابته ما فعلوا ذلك، ولا أرشدوا إليه،
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أسامة بن زيد، برقم 21246.(3/65)
لا بأفعالهم ولا بأقوالهم وهم أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بالسنة، وهم أفقه الناس، وهم أحرص الناس على كل خير، فلم يفعلوه ثم التابعون لهم كذلك، ثم أتباع التابعين، حتى مضت القرون المفضلة، فكيف يجوز لنا أن نحدث شيئا ما فعله هؤلاء الأخيار، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أرشد إليه ولا فعله صحابته رضي الله عنهم، ولا أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، وإنما أحدثه بعض الشيعة، بعض الرافضة، أحدثه أول من أحدثه شيعة بني عبيد القداح، شيعة الفاطميين، الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض، هم الفاطميون الذين ملكوا المغرب ومصر والشام، على رأس المائة الثالثة، وبعدها إلى القرن الخامس، وأول السادس فالمقصود أن هؤلاء هم الذين أحدثوا الأعياد، بالاحتفال بالموالد كما ذكر جماعة من المؤرخين، أحدثوا ذلك في المائة الرابعة ثم جاء بعدهم من أحدث هذه الأشياء، أحدثوها لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وللحسن والحسين وفاطمة وحاكمهم، فالمقصود أنهم هم أول من أحدث هذه الموالد، فكيف يتأسى بهم المؤمن في بدعة أحدثها الشيعة، هذا من البلاء العظيم، ثم أمر آخر وهو أنه قد يقع في هذه الاحتفالات، في بعض الأحيان في بعض البلدان، شرور كثيرة، قد يقع فيها من الشرك بالله، والغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه من دون الله، والاستغاثة به ومدحه بما لا يليق إلا بالله، كما في البردة، فإن صاحب البردة قال فيها:(3/66)
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
فأي شيء أبقاه لله عز وجل بهذا الغلو العظيم؟! وكثير من الناس يأتون بهذه القصيدة في احتفالاتهم وفي اجتماعاتهم، وهي قصيدة خطيرة فيها هذا الشرك العظيم، المقصود أن كثيرا من الاحتفالات في بعض البلدان، يقع فيها الشرك الأكبر، بسبب الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في مدحه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله (1) » ، ويقع فيها في بعض الأحيان أيضا منكرات أخرى، من شرب الخمور ومن الفواحش والزنى، واختلاط الرجال بالنساء، هذا يقع في بعض الأحيان، وقد أخبرنا بهذا من لا نتهم، وإن كانت بعض الاحتفالات سليمة من هذا، والحاصل أنه بدعة مطلقا، حتى ولو كان على أحسن حالة، لو كان ما فيه إلا مجرد قراءة السيرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة بهذه الطريقة، أن يحتفل به في أيام مولده، ربيع الأول على طريقة خاصة، كل سنة أو في يوم يتكرر، يعتاد باسم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، هذا يكون بدعة لأنه ليس في ديننا هذا الشيء، وأعيادنا
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: (واذكر في الكتاب مريم) برقم 3445.(3/67)
عيدان: عيد النحر وعيد الفطر وأيام النحر ويوم عرفة، هذه أعياد المسلمين، فليس لنا أن نحدث فيها شيئا ما شرعه الله عز وجل، وإذا أراد الناس دراسة السيرة فيدرسوها بغير هذه الطريقة، يدرسونها في المساجد، وفي المدارس، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة، تجب دراستها والتفقه فيها في المدارس وفي المعاهد، وفي الكليات، وفي البيوت، وفي كل مكان، لكن بغير هذه الطريقة، وبغير طريقة الاحتفال بالمولد، هذا شيء وهذا شيء فيجب على أهل العلم التنبه لهذا الأمر، وعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا الأمر، وعلى محب الخير التنبه لهذا الأمر ففي السنة خير وسلامة، والبدعة كلها شر وبلاء. رزق الله الجميع العافية والهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س: ما قولكم فيمن يقول إن إقامة الموالد، وقراءة القرآن على الأموات وإهداء ثوابه إليهم جائز؟ (1)
ج: الصواب أنه بدعة، ما فعله الرسول ولا أصحابه، ولا أمر به ولا دعا إليه ولا أقره عليه الصلاة والسلام، ولا فعله السلف الصالح والقرون المفضلة، فهو بدعة من وسائل الشرك، فالاحتفال بالموالد بدعة منكرة، ولا فرق بين مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وهو من وسائل الشرك، لأن الناس إذا احتفلوا بالمولد يدعون صاحب المولد،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 227.(3/68)
يستغيثون به، كما يفعل الجهال في النبي عليه الصلاة والسلام وبعضهم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من قبره ويحضرهم، هذا من المنكر؛ لأن النبي لا يخرج من قبره إلى يوم القيامة، لكن روحه في الجنة في أعلى عليين عليه الصلاة والسلام، ترد إلى جسده إذا شاء الله ذلك، عند السلام عليه، عليه الصلاة والسلام كما في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يصلي علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام (1) » ، المقصود أن الاحتفال بالموالد، سواء كان للأنبياء أو بعض الصالحين أو غيرهم، أو للملوك كله بدعة، لا يجوز الاحتفال بالموالد، لأنه محدث، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » يعني هو مردود، «وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (4) » ، وهي أحاديث صحيحة، بعضها في مسلم وبعضها في الصحيحين، وبعضها في السنن فالواجب على علماء الإسلام إنذار الناس وتعليمهم، والواجب على العامة سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم، والتفقه في الدين، وسؤالهم يكون لأهل العلم، من أهل السنة، ليسوا علماء البدعة وأهل الخرافة، يكون لعلماء السنة الذين يعرفون
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم 2041.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/69)
سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحكمون القرآن والسنة ويعملون بهما، أما علماء السوء وعلماء البدع، فليسوا محل السؤال، وليسوا أهلا للسؤال، إنما السؤال يكون لأهل العلم الذين يحكمون كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعملون بهما يتأسون بالسلف الصالح باتباع السنة والحذر من البدعة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.(3/70)
18 - حكم توزيع الأطعمة في الموالد
س: تسأل الأخت وتقول: في يوم مولد النبي الشريف، يتم في بعض مناطق قطرنا توزيع الطعام والحلوى على الناس؛ إحياء لهذا اليوم العزيز، ويقولون: إن توزيع الطعام والحلوى وبالأخص الحلوى لها أجر كبير عند الله عز وجل، هل هذا صحيح؟ (1)
ج: الاحتفال بالمولد هذا مما اتخذه الناس وليس مشروعا، ولم يكن معروفا عند السلف الصالح، لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد التابعين، ولا في عهد أتباع التابعين، ولا في القرون المفضلة، ولم يكن معروفا في هذه العصور العظيمة، وهي القرون الثلاثة المفضلة، وإنما أحدثه الناس بعد ذلك، وذكر المؤرخون أن أول من أحدثه، هم
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 108.(3/70)
الفاطميون الشيعة حكام مصر والمغرب، وهم أول من أحدث هذه الاحتفالات، الاحتفال بالمولد النبوي، وبمولد الحسين ومولد فاطمة، وحكامهم جعلوا هناك احتفالات بعدة موالد، منها مولد النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشهور أنهم أول من أحدثه في المائة الرابعة من الهجرة، ثم حدث بعد ذلك من الناس الآخرين تأسيا بغيرهم، والسنة في ذلك عدم فعل هذا المولد، لأنه من البدع المحدثة في الدين، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) »
والاحتفال قربة وطاعة، فلا يجوز إحداث قربة وطاعة إلا بدليل، وما يفعله الناس اليوم ليس بحجة، ما يفعله الناس في كثير من الأمصار في اليوم الثاني عشر، من ربيع الأول، من الاحتفال بالموالد، مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وتوزيع الطعام أو الحلوى، أو قراءة السيرة في ذلك اليوم وإقامة الموائد، كل هذا ليس له أصل فيما علمنا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن السلف الصالح في القرون المفضلة، وهذا هو الذي علمناه من كلام أهل العلم، وقد نبه على ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام، ونبه على ذلك الشاطبي رحمه الله في (الاعتصام بالسنة) ، ونبه على ذلك آخرون من
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/71)
أهل العلم، وبينوا أن هذا الاحتفال أمر لا أساس له، وليس من الأمور الشرعية، بل هو مما ابتدعه الناس، فالذي ننصح به إخواننا المسلمين، هو ترك هذه البدعة وعدم التشاغل بها، وإنما حب النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه وطاعة أوامره، وترك نواهيه، كما قال الله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، فليس العلامة على حبه أن نحدث البدع، التي ما أنزل الله بها من سلطان، من الاحتفال بالمولد أو الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو الدعاء والاستغاثة به، أو الطواف بقبره أو ما أشبه ذلك، كل هذا مما لا يجوز وليس من حبه صلى الله عليه وسلم، بل هو من مخالفة أمره عليه الصلاة والسلام، فحبه يقتضي اتباعه وطاعة أوامره، وترك نواهيه والوقوف عند الحدود، التي حدها عليه الصلاة والسلام، هكذا يكون المؤمن، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (2) ، وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) ، وقال جل وعلا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (4) ولو كان الاحتفال بالمولد أمرا مشروعا، لم يكتمه النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ما كتم شيئا، فقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) سورة النور الآية 54(3/72)
فلم يحتفل بمولده ولم يأمر أصحابه بذلك، ولم يفعله الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ولا بقية الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعون وأتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، فكيف يخفى عليهم ويعلمه من بعدهم هذا مستحيل، فعلم بذلك أن إحداثه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن قال: إنه بدعة حسنة فهذا غلط لا يجوز، لأنه ليس في الإسلام بدع حسنة. الرسول عليه السلام قال: «كل بدعة ضلالة (1) » وكان يخطب بالناس يوم الجمعة، ويقول: «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (2) » ، فلا يجوز للمسلم أن يقول في بدعة: إنها حسنة، يعني يناقض النبي صلى الله عليه وسلم ويعاكسه، هذا لا يجوز للمسلم بل يجب عليه أن يتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحذر مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ومخالفة شريعته في هذا وغيره، فلما قال صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة (3) » . فهذه الجملة جملة عامة وصيغة عامة، تعم الموالد وغير الموالد من البدع، وهكذا ما أحدثه بعض الناس من الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ليلة سبع وعشرين من رجب، أو ليلة النصف من شعبان، هذه أيضا من البدع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلها ولا فعلها أصحابه، فتكون بدعة وهكذا جميع ما أحدثه الناس من البدع في الدين، كلها داخلة في هذا المعنى، فليس لأحد من المسلمين أن يحدث شيئا من العبادات، بغير
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(3) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(3/73)
ما شرعه الله بل يجب على أهل الإسلام الاتباع، والتقيد بالشرع أينما كانوا والحذر من البدعة، ولو أحدثها من أحدثها من العظماء والكبار، فالرسول صلى الله عليه وسلم فوقهم، فوق جميع العظماء هو سيد ولد آدم، وهو الذي أوجب الله علينا طاعته، واتباع شريعته، فليس لأحد أن يقدم على هديه هدي أحد من الناس، ولا طاعة أحد من الناس، ثم الله فوق الجميع سبحانه وتعالى، هو واجب الطاعة وهو إله الحق سبحانه وتعالى، هو الذي بعث الرسول يعلم الناس ويرشد الناس، والرسول هو المبلغ عن الله عز وجل، فلو كان الاحتفال بهذه الأمور مما أمره الله به لم يكتمه بل يبلغه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، وهكذا أصحابه، لو كان بلغهم وأعلمهم لبلغوا أيضا، فلما لم يأتنا هذا عنه، علمنا يقينا أنه من البدع التي أحدثها الناس، وأن الواجب على أهل الإسلام ألا يوافقوا على البدع، بل عليهم أن يسيروا على النهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار عليه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ثم أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.(3/74)
س: يقول السائل: س. ف. ك. من ليبيا: عندنا عادة في بلادنا وهي في اليوم الثاني عشر، من ربيع الأول نعمل وجبة إفطار منذ الصباح الباكر ونقوم بتوزيعها على الجيران، ونحن نهنئ الجيران والأقرباء بعضهم بعضا، بحجة الفرح بالمولد النبوي، فهل لنا أن نستمر في عمل هذه الأطعمة، والأكل منها ونعمل تلك الاحتفالات؟ (1)
ج: هذا العمل ليس مشروعا بل هو بدعة، ولو فعله كثير من الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوا ذلك، فلم يحتفل صلى الله عليه وسلم بمولده في حياته، ولم يأمر بذلك وهو أنصح الناس، عليه الصلاة والسلام وأعلم الناس، وأحرص الناس على الخير عليه الصلاة والسلام، فلو كان هذا العمل مشروعا وحسنا، لفعله صلى الله عليه وسلم، أو أرشد إليه، وهكذا الخلفاء الراشدون، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، لم يفعلوه ولم يأمروا به، وهكذا بقية الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوه ولم يأمروا به، وهكذا سلف الأمة في القرون المفضلة، لم يفعلوه وهم خير الناس بعد الأنبياء، كما قال عليه الصلاة والسلام: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (2) »
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 273.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور، برقم 2652، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رضي الله عنهم، برقم 2533.(3/75)
فالواجب عليكم ترك هذه البدعة، والحرص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، في أقواله وأعماله، هذا هو الواجب على المسلمين، أن يتبعوه وأن ينقادوا لشرعه، ويعظموا أمره ونهيه، ويسيروا على سنته ونهجه، عليه الصلاة والسلام، أما البدع فلا خير فيها، فهي شر، يقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » أي فهو مردود، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » متفق على صحته.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول في الخطبة خطبة الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (3) » ، هذا العمل الذي فعلته من إهداء الطعام، والاحتفال وغير ذلك، في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، بالطعام أو بالصلوات، أو بالتزاور كله بدعة لا أصل له، يقول الرب عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (4) ، فاتباع النبي هو دليل الحب الصادق، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من رغب عن سنتي فليس مني (5) »
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(4) سورة آل عمران الآية 31
(5) البخاري النكاح (4776) ، مسلم النكاح (1401) ، النسائي النكاح (3217) ، أحمد (3/285) .(3/76)
فنوصيكم وغيركم من إخواننا المسلمين، بترك هذه البدعة، وهي الاحتفالات بالمولد النبوي، أو بغير المولد النبوي، بالموالد الأخرى كلها غير مشروعة، ولكن نوصيكم باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم دائما، والتفقه في الدين وتعليم الناس السنة، والحرص على طاعة الله ورسوله، في كل شيء هذا هو الواجب، على جميع المكلفين أن يخلصوا لله العبادة، وأن يعظموه وأن ينقادوا لشرعه، وأن يسيروا على نهج نبيه، صلى الله عليه وسلم في القول والعمل، في جميع الأحوال، قال تعالى في كتابه العظيم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. (2) »
فالواجب طاعته واتباع هديه، عليه الصلاة والسلام، والحذر مما خالف هديه، عليه الصلاة والسلام في كل شيء.
__________
(1) سورة الحشر الآية 7
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به، برقم 2957، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء، برقم 1835.(3/77)
19 - حكم إلقاء القصائد التي فيها غلو وإطراء في حفلات الموالد
س: المولد في المساجد ليلة كل جمعة ما حكمه؟ ويوجد كتاب اسمه المولد الربيعي، جاء فيه قصائد عدة، تمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكثر فيه الصلاة على النبي والمدح، وسيرته من قبل مولده إلى وفاته، نرجو توضيح ذلك مع الدليل؟ (1)
ج: أما الاحتفال بالموالد فهذا لا أصل له، وليس عليه دليل ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ولا فعله خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، وهم أعلم الناس به وأحب الناس له عليه الصلاة والسلام، وهكذا بقية الصحابة لم يفعلوه، ولا التابعون في جميع القرون المفضلة، فدل ذلك على أنه بدعة، ولكن دراسة السيرة النبوية، كون العالم يدرس السيرة بين الناس في أي وقت في الليل أو النهار، في الأسبوع مرة أو مرتين أو أكثر أو أقل، هذا كله طيب درس السيرة وبيان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه في أسفاره وإقامته، وبيان أخلاقه وأعماله عليه الصلاة والسلام، هذا حق حتى يتأسى به الناس، أما العناية بالقصائد التي فيها غلو وإطراء، وجعل وقت معين لهذا المولد، في ربيع الأول في الثاني عشر أو في غيره، بقصد دراسة هذا المولد من حين ولد عليه الصلاة والسلام، ويؤتى في ذلك بالقصائد الشركية،
__________
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم 11.(3/78)
كالبردة وغيرها، فهذا منكر لا أصل له، وإنما المشروع أن يؤتى بالدروس الشرعية، التي يقرؤها الناس في البيوت، أو في المساجد، كسائر الدروس، لبيان سيرته صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه، كيف ولد وكيف عاش ثم بعد بعثته وهو المهم، أعماله بعد البعثة كيف أعماله، كيف سيرته حتى يتأسى به المؤمنون وحتى يستفيدوا، أما ما اعتاده الناس من إيجاد المولد، يحتفل به في ربيع الأول، وتذبح فيه الذبائح وتقام فيه الولائم، ويؤتى فيه بالقصائد التي فيها الإطراء والغلو، ويقوم الناس في وقت معين، يقولون: إنه حضر عليه الصلاة والسلام، ويقومون له، هذا كله لا أصل له، كله من البدع المنكرة ومن وسائل الشرك، لأنهم يقع عندهم في بعض الأحيان غلو كثير، وإطراء ويستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويسألونه المدد والنصر، إلى غير ذلك، وربما وقع في ذلك أحاديث موضوعة مكذوبة، لا أساس لها، وفي بعض البلدان يقع اختلاط بين الرجال والنساء، ويقع أشياء منكرة في الاجتماع والاحتفال، في بعض البلدان، فيجب الحذر من ذلك، ولا يجوز إقامة هذه الموالد، وهذه الاحتفالات لأنها خلاف ما شرعه الله عز وجل، ولأنها لو كانت خيرا، لسبقنا إليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، وإنما أحدثها الفاطميون، في القرن الرابع، ثم انتشرت بعدهم، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بالفاطميين، المعروفين بالرفض والتشيع، وأن يكونوا هم أئمته في هذا الشيء، نسأل الله للجميع الهداية، والسلامة من مضلات الفتن.(3/79)
20 - حكم إلقاء التواشيح والابتهالات الصوفية في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
س: يسأل م. ح. مصري ويقول: هناك ما يسمى بالتواشيح، والابتهالات الشرعية، وهي عبارة عن عبادات مدح للرسول صلى الله عليه وسلم، وشيء من الأدعية يؤديها بعض الأشخاص الذين يملكون صوتا حسنا، هذه التواشيح إذا صحبها شيء من المعازف، ما رأي سماحتكم فيها؟ وما حكم الاستماع إليها؟ (1)
ج: هذه التواشيح لا نعرف تفصيلها فإذا كانت قد توقع في الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بما لا يجوز وصفه به حرمت، أو كانت بألفاظ مبتدعة حرمت، وإنما السنة عند الدعاء، أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: لما سمع رجلا يدعو ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحمد الله، قال: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه ثم ليصل على النبي، ثم يدعو (2) » ، هذه خير من التواشيح، التواشيح لا حاجة إليها، قد يكون فيها شر، قد يكون فيها بدعة، النبي علمنا كيف الصلاة، قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم 401.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، مسند فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، برقم 23419.(3/80)
مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) »
فالمؤمن إذا أراد الدعاء يدعو بحمد الله، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد على كل حال، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة المشروعة ثم يدعو، ولا حاجة إلى تواشيح ما أنزل الله بها من سلطان كأشعار أو كلمات قد يكون فيها غلو، لا، بل يحمد الله، ويثني عليه ثم يصلي على النبي الصلاة الشرعية، ثم يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة.
س: نعلم أن في بعض الدول تقام حفلة بمناسبة مولد من الموالد، كمولد النبي أو كمولد علي كرم الله وجهه، ويقوم موظفو وزارة العدل بإحياء هذه الذكرى، هل إحياؤها يعتبر من البدع، وإذا كانت بدعا فكيف لهؤلاء أن يصدوا عنها وفقكم الله؟ (2)
ج: الاحتفال بالموالد ليس بمشروع، بل هو من البدع ولم يثبت
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: '' إن الله وملائكته يصلون على النبي. . . '' برقم 4797، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 406.
(2) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم 33.(3/81)
عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أنهم احتفلوا بالمولد، وهكذا القرون المفضلة، الأول والثاني والثالث، لم يوجد في هذه القرون المفضلة من يحتفل بالمولد النبوي، فهو من البدع التي أحدثها الناس، وقال بعض أهل العلم: إن أول من أحدثها حكام المغرب ومصر، وهم بنو القداح المسمون الفاطميين وهم من الشيعة، قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: إن ظاهرهم الرفض وإن باطنهم الكفر المحض. قال بعض الناس: إنهم أحدثوا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد علي رضي الله عنه والحسين وفاطمة. وهؤلاء ليسوا قدوة، فلا يقتدى بهم، ثم أحدث بعد ذلك عند ملك أربل، وهذا كله لا يجعل هذا الشيء سنة، بل هو حدث وبدعة، ولو فعله هؤلاء وليس هؤلاء بقدوة، إنما القدوة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وصحابته رضي الله عنهم وأرضاهم فهذا لم يقع منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تعظم سنته وأن يتأسى به المسلم دائما في جميع الأيام والليالي، لا في ربيع أول فقط، الواجب أن يعتنى بسنته وتدرس في كل زمان، وأن يتعلمها المسلمون وأن يدرسوا أوامره ونواهيه، وما كان عليه، حتى يعملوا بذلك، أما أن يحتفل بالمولد في ربيع الأول، في الثاني عشر منه أو قبل ذلك أو بعد ذلك، بالطريقة المعروفة، بجمع الناس وإقامة الولائم، وقراءة المولد، هذا بدعة لا أصل له، ولذا يجب تركه، أما تدريس سنته ومولده، بالدرس المعروف في المساجد والمدارس، هذا طيب وسنة، مطلوب حتى يعرف الناس مولده، وما جاء فيه، وسنته وسيرته عليه الصلاة والسلام،(3/82)
هذا هو الذي قرره المحققون من أهل العلم، ونبه عليه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، ونبه عليه أيضا الإمام الشاطبي رحمه الله، في كتابه الاعتصام ونبه عليه آخرون، ثم هذا المولد، وهذا الاحتفال يقع فيه بعض الأحيان من بعض الناس أمور شركية وأمور منكرة علاوة على أنه بدعة يقع فيه منكرات وغلو بعض الأحيان وربما وقع فيه شركيات ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، واستغاثة به كما في البردة التي ينشدها كثير من الناس في المولد، قصيدة فيها أنواع من الشرك، هذا كله من آفات هذا المولد ومن آفات هذه البدعة، فينبغي للمسلمين تركها والواجب عليهم عدم حضور هذا الاحتفال، وهكذا بقية الموالد: مولد علي رضي الله عنه والحسين وفاطمة أو غيرهم أو مولد البدوي أو عبد القادر الجيلاني أو غيرهم، كل هذه الموالد لا يجوز إحداثها ولا الاحتفال بها وهكذا غيرها من الموالد، كالذي يحتفل بمولد أمه أو أبيه تأسيا بالنصارى وغيرهم، كلها بدعة لا وجه لها، لا يجوز، وفيه تشبه أيضا بالنصارى وغيرهم والله المستعان.(3/83)
21 - الصحابة أكثر الناس حبا واتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحتفلوا بمولده
س: أسأل عن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نحن عندنا عندما يموت شخص، وبعد ثلاثة أيام يقوم أهل الميت، يعملون مولدا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو بعد شهر يعملون أو بعد سنة، يذبحون بقرة أو يشترون لحما ويعملون أكلا ويوزعونه على القرية، وبعد ذلك يعملون مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هل هذا جائز أو سنة، أو الصحابة فعلوا ذلك أو أحد من السلف نرجو توضيح ذلك جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين، ولا فرق بين مولد النبي عليه الصلاة والسلام وغيره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وهو المعلم والناصح، لم يحتفل بالمولد عليه الصلاة والسلام، وهكذا خلفاؤه الراشدون، لم يحتفلوا بالمولد، وهكذا بقية الصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم الناس، وأكثر حبا منا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأعلم بالسنة ومع هذا لم يحتفلوا بالمولد، فدل ذلك على أنه بدعة، والبدع كلها ضلالة كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة (2) » وقد مضت القرون المفضلة الثلاثة ولم يحتفل بالمولد ولا فعله من السلف الصالح فيما نعلم بذلك
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 31.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم.(3/84)
فهو بدعة وأن هذا مما أحدثه الناس من بعد القرون المفضلة، يقال: إن أول من أحدثه حكام مصر، من العبيديين وهم من الشيعة مما ذكره جماعة من المؤرخين، أحدثوه في المائة الرابعة، ويقال إنهم أول من أحدثه وعلى كل حال فهو محدث بدعة لا أصل له، وقد زعم بعض الناس في بعض القرون الماضية وفي عصرنا هذا زعموا أنه سنة. وأنه لا بأس به وأنه من البدع الحسنة، وهذا قول فاسد لا وجه له، بل هو فاسد وفي الحقيقة فيه اعتراض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وهم أعلم الناس، وأفضل الناس، ولم يفعلوا هذه البدعة، فالواجب ترك ذلك، وفي الإمكان أن تدرس السيرة في الحلقات العلمية، وفي الدروس اليومية والأسبوعية، فيتعلم الناس السنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من أعمال وأقوال، كما يتعلمون أحكام الشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام هذا هو المطلوب في الدروس المدرسية، في الحلقات العلمية في المساجد، في الوعظ والتذكير يتعلم فيها السنة والسيرة وإنكار المولد وما يحدث في المولد، كل هذا ممكن وهو شاف كاف، أما إيجاد موالد يحتفل بها ويقام بها موائد الطعام فهذا لا أصل له، وهو من البدع المحدثة، وكل بدعة ضلالة، ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بفعل الناس فإن فعل الناس ليس بحجة وأكثر الناس ليس على بصيرة في أمور الدين قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (1) ، فالعمدة: الحجة والدليل، وقد قال عليه الصلاة
__________
(1) سورة يوسف الآية 103(3/85)
والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » والدراسة لحال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، ومولده وفي هجرته كل هذا يفعله العلماء في المدارس وفي الحلقات العلمية وفي التذكير والمواعظ، من غير حاجة إلى إقامة الموالد التي ابتدعها المبتدعون، ويقع فيها بعض الأحيان شيء من الشرك والغلو ما لا يعلمه إلا الله يقع فيها أنواع من الشرك، ويقع فيها أنواع من الشرور، بعض الأحيان فيجب قفل هذا الباب، وسد هذا الباب، ويكتفى بالدروس الإسلامية في المساجد، وفي حلقات العلم، في التذكير والوعظ في جميع شئون الدين، وفي كل ما يتعلق بالسنة وأحكامها، هذا هو الحق، وما فعله بعض الناس اليوم، وقبل اليوم من احتفالات بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر أو فلان أو فلان كله بدعة كله لا أصل له، والواجب تركه عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «كل بدعة ضلالة (4) » .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(4) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(3/86)
س: ما حكم المولد النبوي؟ وما حكم الذي يحضره؟ وهل يعذب فاعله إذا مات وهو على هذه الصورة؟ (1)
ج: المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم، أن الاحتفال بالموالد بدعة، لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس، وأعلمهم لشرع الله، وهو المبلغ عن الله لم يحتفل بالمولد مولده صلى الله عليه وسلم، ولا مولد غيره، ولا احتفل أصحابه بذلك لا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقا وخيرا وسنة لما تركوه، ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلمه أمته وفعله بنفسه، ولفعله أصحابه وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك، علمنا يقينا أنه ليس من الشرع، وهكذا في القرون المفضلة، لم يفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » ، وفي أحاديث أخرى تدل على ذلك.
وبهذا يعلم أن هذه الاحتفالات بالمولد النبوي، في شهر ربيع الأول أو في غيره، وهكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى: كالبدوي، والحسين وغير ذلك، كلها من البدع المنكرة، التي يجب على أهل
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم 8.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/87)
الإسلام تركها، وقد عوضهم الله، بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد، واحتفالات منكرة مبتدعة، وليس حب النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالموالد، وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه، والامتثال بشريعته، والذب عنها والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب يقول سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، فحب الله ورسوله، ليس بالموالد ولا بالبدع، ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله، ورسوله والاستقامة على شريعة الله، والجهاد في سبيل الله بالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيمها والذب عنها والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون بالتأسي به في أقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه سبحانه، وأما كونه يعذب أو لا يعذب، هذا شيء آخر، هذا إلى الله جل وعلا، فالبدع والمعاصي من أسباب العذاب، لكن قد يعذب الإنسان بفعل معصيته، وقد يعفو الله عنه، إما لجهله، وإما لأنه قلد من فعل ذلك، ظنا منه أنه مصيب، أو لأعمال صالحة قدمها، صارت من أسباب العفو من الله، أو لشفاعة الشفعاء، من الأنبياء والمؤمنين أو الأفراط، فالحاصل أن المعاصي والبدع من أسباب العذاب، وصاحبها تحت مشيئة الله جل وعلا، إذا لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا كانت
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31(3/88)
البدعة مكفرة، مثل الشرك الأكبر، فصاحبها مخلد في النار، نعوذ بالله، لكن إذا كانت البدعة ليس فيها شرك أكبر، وإنما هي فروع فيها خلاف الشريعة، من صلوات مبتدعة، أو احتفالات مبتدعة، ليس فيها شرك، فهذا تحت مشيئة الله كالمعاصي.(3/89)
22 - بيان أن حفلات أعياد المواليد من البدع
س: ما حكم حفلات أعياد الميلاد وما توجيهكم فيها؟ (1)
ج: حفلات أعياد الميلاد من البدع التي بينها أهل العلم، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » ، خرجه الإمام مسلم في صحيحه، «وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (4) » ، خرجه مسلم في صحيحه، زاد النسائي بإسناد صحيح: «وكل ضلالة في النار (5) » ، فالواجب على المسلمين ذكورا كانوا أو إناثا، الحذر من البدع كلها، والإسلام
__________
(1) السؤال الواحد والثلاثون من الشريط رقم 149.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.
(4) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(5) النسائي صلاة العيدين (1578) .(3/89)
بحمد الله فيه الكفاية، وهو كامل، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) ، فقد أكمل الله لنا الدين بما شرع من الأوامر والعبادات، وما نهى عنه من النواهي، فليس الناس في حاجة إلى بدعة يبتدعها أحد، لا احتفال بالميلاد، ولا غيره، فالاحتفالات بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، أو بميلاد الصديق أو عمر أو عثمان، أو علي، أو الحسن، أو الحسين، أو فاطمة، أو البدوي، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو فلان أو فلان كل ذلك لا أصل له، كله منكر كله منهي عنه، وكله داخل في قوله عليه الصلاة والسلام: «وكل بدعة ضلالة (2) » ؛ فلا يجوز للمسلمين تعاطي هذه البدع، ولو فعلها من فعلها من الناس، فليس فعل الناس تشريعا للمسلمين، وليس فعل الناس قدوة، إلا إذا وافق الشرع، فأفعال الناس وعوائدهم، كلها تعرض على الميزان الشرعي: كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما قبل وما خالفهما ترك، كما قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (3) وفق الله الجميع، وهدى الجميع صراطه المستقيم.
__________
(1) سورة المائدة الآية 3
(2) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(3) سورة النساء الآية 59(3/90)
23 - الواجب عند النزاع وإحداث البدع الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله
س: هل من ذنب عليك إذا استمعت للمولد ملزما، أو مجبرا احتراما لأبيك، وإذا كان لا فماذا أعمل؟ أفيدوني أفادكم الله؟ (1)
ج: الاحتفال بالموالد من البدع، التي أحدثها الناس في القرن الرابع الهجري، فلا ينبغي لأحد أن يتأسى بمن أحدث البدع، وهكذا ما ذكر عن ملك إربل أنه أحدث ذلك، كل هذا لا يليق بأهل العلم أن يتأسوا بمن أحدث البدع، ولو كان معروفا ولو كان كبيرا كبعض الملوك والأمراء، أو بعض من يغلط من أهل العلم، فإن القاعدة التي يجب الالتزام بها ويجب السير عليها، أن ما تنازع فيه الناس، وما أحدثه الناس، يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما قبل وما خالفهما رد، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) ، قال العلماء رحمهم الله: الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن العظيم، والرد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، هو
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 3.
(2) سورة النساء الآية 59(3/91)
الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وفي آية أخرى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) .
فالواجب على أهل الإيمان عند النزاع وعند الاختلاف، وعند إحداث البدع أن يرد ما تنازع فيه الناس، وما اختلفوا فيه إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم فما شهدا له بالقبول قبل، وما لا فإنه يرد، وقد نظرنا وسبرنا ما وقع فيه الناس من هذه الموالد، ودرسنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه، فلم نجده صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده، لا في المدينة ولا في مكة، لا قبل الهجرة ولا بعد الهجرة، لا قبل الفتح ولا بعد الفتح، ولا شك أن الموالد التي أحدثها الناس يقع فيها منكرات متنوعة، منها ما تقدم من الاستغاثة بصاحب المولد، وطلبه المدد سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ومنها ما قد يقع من التوسل به أو بجاهه وحقه وهذا بدعة، ومنها ما يقع من بعضهم أنهم يقومون له، يقولون: حضر النبي صلى الله عليه وسلم، يقومون وهذا منكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحضرهم ولا يخرج من قبره إلى يوم القيامة، عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (2) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (3) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة (4) » .
__________
(1) سورة الشورى الآية 10
(2) سورة المؤمنون الآية 15
(3) سورة المؤمنون الآية 16
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برقم 16، والبخاري في كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، برقم 2412.(3/92)
، فهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، أول من يخرج من القبور يوم القيامة، فقولهم إنه يحضر ويقومون له، هذا من المنكر ومن الباطل ومن التلبيس على العامة، والواجب على أهل الإيمان اتباع سنته وتعظيم أمره ونهيه، لا إحداث الموالد. فما الفائدة من الموالد؟ التي فيها البدع والشر. الله يقول سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) ، ويقول سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3) ، ويقول جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4) . ويقول سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (5) الآية. فالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم صادقا يتبعه، ويستقيم على طريقته في أداء الأوامر، وترك النواهي والوقوف عند الحدود، والدعوة إلى سبيله وإلى سنته، والذب عنها والتحذير من خلافها، هكذا يكون المؤمن هكذا يكون طالب النجاة، هكذا يكون المعظم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعظم سنته ويدعو إليها ويستقيم عليها، قولا وعملا وعقيدة، وينهى الناس عن خلافها وعن الخروج عليها، هكذا المؤمن الصادق وهكذا العالم الموفق، يعظم السنة ويدعو
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة الحشر الآية 7
(3) سورة النساء الآية 80
(4) سورة النور الآية 56
(5) سورة الأحزاب الآية 21(3/93)
إليها، ويستقيم عليها ويحافظ عليها، ويمثلها بأخلاقه وأعماله، هكذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا الحب لله: توحيده وطاعته وخوفه ورجاؤه، والشوق إليه والمسارعة إلى مراضيه، والحذر من مناهيه والوقوف عند حدوده، هكذا يكون المؤمن الصادق في حبه لله ورسوله، أما إحداث البدع فليست من دلائل الإيمان، ولا من دلائل الصدق، ولكنها من تزيين الشيطان ومن تلبيسه على الناس، حتى يحدثوا ما لم يأذن به الله، ولهذا قال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ، والمحب له صلى الله عليه وسلم، يجتهد في اتباع شريعته واتباع طريقه، فيعلم الناس سنته وأخلاقه وأعماله، في المدارس، وفي المساجد، وفي البيوت، وفي السفر، وفي الحضر، وفي الطائرة، وفي السيارة، وفي القطار، وفي كل مكان، هكذا المؤمن الصادق، العالم يعتني بالسنة ويعلمها الناس، ويعمل بها وفي غنية عن إحداث البدع، المسلمون في غنية كاملة عن البدع: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) . ويقول سبحانه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (3) هكذا أمر الله نبيه، ليستقيم على الشريعة التي بينت له وأمر بها، وهكذا أمته عليهم أن يستقيموا على الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعليهم أن يلزموها ولا يزيدوا ولا ينقصوا.
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الجاثية الآية 19(3/94)
س: من أسئلة هذا المستمع يقول: هل الشيء الحسن بدعة مثل الموالد التي فيها ذكر الله، ومثل إقامة مولد كل سنة لمن مات أبوه، أو قريبه وكذلك الجلوس في المقبرة ثلاثة أيام يذكرون الله فيها إلى روح الميت؟ (1)
ج: العبادات تكون بالشرع، وليس بالرأي والاستحسان ما قاله الله ورسوله، وما شرعه الله ورسوله، أما ما أحدثه الناس فهو بدعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » ، والله يقول سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3) ، فالاجتماع للموالد بدعة، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وهكذا كونه يحدث بدعة لأبيه مولد لأبيه أو لأمه، هذا بدعة لا يجوز، وهكذا الجلوس عند القبور والدعاء والقراءة بدعة لا يجوز، لأنها من وسائل الشرك، فالقاعدة أن العبادة هي ما شرعها الله، توقيفية، أو شرعها رسوله صلى الله عليه وسلم، أما ما أحدث الناس فيقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا - يعني في ديننا - هذا ما ليس منه فهو رد (4) » ، ويقول عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (5) »
__________
(1) السؤال الأربعون من الشريط رقم 411.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) سورة الشورى الآية 21
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، برقم 16694.(3/95)
24 - حكم رفع الرايات للأولياء أثناء احتفالات الموالد
س: يقوم بعض الناس أثناء الأعياد برفع أعلام ملونة، ويكتبون عليها آيات قرآنية، وأسماء كثيرة منها: القطب والغوث الأعظم، الجبار العالم أحمد الرفاعي، أحمد البدوي، عبد القادر الجيلاني، ويرفع هؤلاء الناس هذه الأعلام، بأعمدة وهم يضربون الدفوف ويمشون في الشوارع، ويضربون أنفسهم بالسيوف، ولكن الأمر الغريب منهم، أن هذه الأعلام تتحرك كما تريد، أي أنها تطير في الهواء، ما حكم الإسلام في ذلك، وما هو مدى الضرر لتشويه الدين الإسلامي؟ (1)
ج: كل هذا منكر يجب على ولاة الأمور منعهم من ذلك، وهذا من تلبيس الشيطان، تعينهم الشياطين على هذه الأفعال القبيحة، المنكرة هذه التي يفعلونها، من ضرب الدفوف وتسمية هؤلاء، الذين يزعمون أنهم الأقطاب، وأنهم كبار، وكذلك ما يفعلونه من طعن أنفسهم، بالرماح أو بالسكاكين أو الخناجر أو غير ذلك، كله منكر ولا يجوز لأحد أن يتعاطى هذه الأمور، بل يجب على ولاة الأمور أن يمنعوهم من هذه الأشياء، ويبصروهم بدين الله، ويلزموهم بالحق، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وأحمد الرفاعي وغيرهم
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 146.(3/96)
لا يجوز أن يعبدوا من دون الله، ولا يغلى فيهم ولا يدعون من دون الله، ولا يستغاث بهم فهم من جنس غيرهم، عباد مخلوقون مربوبون لله عز وجل، لا يجوز أن يعبدوا من دون الله، ولا يستغاث بهم ولا يذبح لهم، ولا ينذر لهم، ولا يجعل لهم بيارق تكتب فيها أسماؤهم لتعظيمهم، وعبادتهم من دون الله، ودعوة الناس إلى الغلو فيهم، كل هذا من أعمال ضعفاء البصيرة، ضعفاء العقول من الصوفية، التي صارت أعمالها تنادي عليها، بأنهم أشباه المجانين، نسأل الله السلامة.
س: السائل محمد حسين يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ هل الموالد التي تقام للأولياء مثل السيد البدوي أو السيدة زينب أو الإمام الحسين رضي الله عنه أو الأضرحة التي بالقرى، أو الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك تدار الزفة بالمدن والريف والنجوع وتدق الطبول والدفوف والمزامير وعلى جميع الأشكال المخلة بالدين وما تجلبه هذه التجمعات من صبية ورجال واختلاط فما حكم الشرع في نظركم في هذا مأجورين؟ (1)
ج: هذه الأشياء بدعة ما أنزل بها من سلطان ولا يجوز الاحتفال بالموالد سواء مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد البدوي والحسين وغيرها كلها بدع
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم 357.(3/97)
لا يجوز الاحتفال بها، لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته رضي الله عنهم فهي من البدع وما يقع فيها من آلات الملاهي والطبول واختلاط الرجال بالنساء ومنكرات أخرى كلها يجب منعها والواجب أن يسعى الناس في عملهم مسعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيدعى للميت ويزار من غير احتفال بمولده، تزار القبور يدعى لأهلها بالمغفرة والرحمة، أما أن يوجد احتفال بالسنة أو بغير السنة أو بالشهر أو بالسنتين بمولد هذا كله منكر لا أصل له بل هو من البدع التي أحدثها الناس، ومن أسباب الشرك ومن أسباب الغلو في المحتفل به حتى يدعى من دون الله وحتى يستغاث به وربما تمسح الناس بقبره وطافوا به وهذا شر، ويجر إلى شرور كثيرة نسأل الله العافية.(3/98)
25 - حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
س: ما حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، وجميع المناسبات الإسلامية العظيمة، كالإسراء والمعراج وليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، أثابكم الله وحفظكم للإسلام والمسلمين؟ (1)
ج: القاعدة الشرعية أن العبادات توقيفية، ليس لأحد أن يحدث
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم 109.(3/98)
عبادة لم يأذن بها الشرع، والله جل وعلا يقول سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ، ويقول سبحانه وتعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (2) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا (يعني الإسلام) ما ليس منه فهو رد (3) » يعني فهو مردود، متفق على صحته. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » يعني مردود، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري رحمه الله في الصحيح جازما به، فالاحتفالات يتعبد بها، فلا يجوز منها إلا ما دل عليه الدليل، فالاحتفال بليلة القدر، في الليالي العشر من رمضان، أمر مشروع، شرع الله لنا أن نعظم هذه الليالي، وأن نقيم ليلها بالعبادة والذكر، والطاعة والقراءة ونصوم نهارها، لأنه من رمضان فهذه الليالي العشر، فيها ليلة القدر ومشروع للمسلمين أن يعظموها بالصلاة، والعبادة في المساجد وفي البيوت للنساء أيضا، كل هذا أمر مشروع أما الاحتفال بالمولد النبوي، أو بأي مولد كان كمولد البدوي، ومولد الحسين ومولد علي رضي الله عنهما، إلى غير هذا، فهذه الاحتفالات من البدع التي أحدثها الناس، وليست مشروعة وإن فعلها كثير من الناس في كثير من الأمصار، فإنها لا تكون سنة بفعل الناس، وليس في
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) سورة الجاثية الآية 18
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/99)
الإسلام بدعة حسنة، بل كل البدع منكرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة (1) » وكان يخطب يوم الجمعة عليه الصلاة والسلام، ويقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (2) » ، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، زاد النسائي رحمه الله بإسناد صحيح، «وكل ضلالة في النار (3) » فالبدع كلها ضلالة، وإن سمى بعض الناس بعض البدع بدعة حسنة، فهو قول اجتهادي لا دليل عليه، ولا يجوز أن يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم، بقول أحد من الناس فالرسول صلى الله عليه وسلم، حكم على البدع بأنها ضلالة، فليس لنا أن نستثني شيئا من هذا الأمر إلا بدليل شرعي، لأن هذه جملة عامة محكمة: «كل بدعة ضلالة (4) » وهكذا الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وبليلة النصف من شعبان، والاحتفال بالهجرة النبوية، أو بفتح مكة أو بيوم بدر، كل ذلك من البدع، لأن هذه الأمور موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحتفل بها، ولو كانت قربة إلى الله لاحتفل بها عليه الصلاة والسلام، أو أمر بها الصحابة أو فعلها الصحابة بعده، فلما لم يكن شيء من هذا علمنا أنها بدعة وأنها غير مشروعة، وهذه الاحتفالات، لا يبرر فعلها أن فلانا وفلانا فعلها، أو فعلها البلد الفلاني كل ذلك لا يبرر، إنما الحجة ما قاله الله ورسوله، أو أجمع عليه سلف الأمة أو فعلها الخلفاء الراشدون، رضي الله عنهم، وقد
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم 1401.
(3) النسائي صلاة العيدين (1578) .
(4) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(3/100)
ثبت أن هذا الاحتفال، إنما حدث في المائة الرابعة في القرن الرابع، أعني الاحتفال بالمولد النبوي، فعله الفاطميون حين ملكوا المغرب ومصر، وبعض البلاد الإسلامية وهم شيعة، ثم تبعهم بعض الناس بعد ذلك، فلا يليق بأهل الإسلام أن يتأسوا بأهل البدع في بدعهم بل يجب على أهل الإسلام وأصحاب السنة أن يحاربوا البدع وأن ينكروها، وألا يوافقوا على فعلها اقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وبخلفائه الراشدين وبصحابته المرضيين رضي الله عنهم، ثم بالسلف بعدهم في القرون المفضلة، هذا هو الذي نعتقده وندين به شرعا، وننصح إخواننا المسلمين به ونوصيهم به أينما كانوا، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، والثبات على السنة والحذر من البدعة إنه سميع عليم.(3/101)
26 - بيان الإسراء والمعراج
س: أخيرا يسأل سماحتكم ويقول أرجو إعطاءنا فكرة عن الإسراء والمعراج بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما مضى عليه عشر سنين في مكة، يدعو الناس إلى توحيد الله وترك الشرك أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم 315.(3/101)
به إلى السماء وجاوز السبع الطباق وارتفع فوق السماء السابعة عليه الصلاة والسلام، مع جبرائيل فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرض عليه الصلوات الخمس: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فرضها الله خمسين فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى جعلها خمسا سبحانه فضلا منه سبحانه وتعالى، فنادى مناد إني قد أمضيت فرضيتي وخففت عن عبادي، فنزل بها عليه الصلاة والسلام، في ليلة الإسراء وأنزل الله في هذا قوله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (1) ، هذه الآية العظيمة بين فيها سبحانه الإسراء، أسرى به من مكة على البراق، وهو دابة فوق الحمار، ودون البغل، خطوه عند منتهى طرفه، كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام، فركبه وجبرائيل حتى وصلا بيت المقدس، وصلى هناك بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء واستأذن له جبرائيل عند كل سماء فيؤذن له، فوجد في السماء الدنيا آدم أباه، عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، ثم لما أتى السماء الثانية وجد فيها عيسى ويحيى ابني الخالة فرحبا به، وقالا: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فرحب به، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الرابعة
__________
(1) سورة الإسراء الآية 1(3/102)
فوجد فيها إدريس عليه الصلاة والسلام فرحب به، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون عليه الصلاة والسلام فرحب به، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج إلى السادسة فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام فرحب به، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أباه عليه الصلاة والسلام، وهو من ذرية إبراهيم فرحب به إبراهيم، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، مثل ما قال آدم ثم عرج به إلى مستوى رفيع، فوق السماء السابعة سمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم صريف الأقلام التي يكتب بها القضاء والقدر، فكلمه الله عز وجل.(3/103)
27 - حكم تخصيص شهر رجب ببعض العبادات
س: يسأل المستمع ويقول: في شهر رجب تكثر البدع، هل من كلمة من سماحتكم للذين يحدثون بدعا، وعبادات في هذا الشهر؟ (1)
ج: شهر رجب ليس له سنن، لكن لا بأس بالعمرة فيه، فقد كان السلف يعتمرون في رجب، وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 428.(3/103)
«إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب (1) » ، فالعمرة في رجب لا بأس فيها، أما تخصيصه بعبادة أخرى فلا أصل لذلك، ولكن كسائر الشهور، إذا صلى فيه، أو صام منه ثلاثة أيام من كل شهر، أو صام الاثنين والخميس، مثل بقية الشهور، لا يخص منه شيء إلا إذا اعتمر فيه فلا بأس.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1776، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم 1255.(3/104)
28 - حكم الاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب وليلة النصف من شعبان
س: بالنسبة لليلة السابع والعشرين من رجب، من كل عام وليلة النصف من شعبان، تعود المسلمون الاحتفال بهما، وعمل الأكلات الدسمة، وما أشبه ذلك فما رأيكم في هذا؟ (1)
ج: هاتان بدعتان: الاحتفال بالنصف من شعبان، والاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، كلتاهما بدعة ليس عليهما دليل، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أن ليلة السابع والعشرين من رجب، هي ليلة الإسراء والمعراج، وما جاء فيها من بعض الأحاديث غير صحيح، عند أهل العلم ولو ثبت أنها ليلة المعراج، لم يجز الاحتفال بها، حتى لو ثبتت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يحتفل بها ولا أصحابه، وهم قدوة، والله سبحانه
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم 103.(3/104)
يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) . يعني في الفعل والترك، فما ترك نترك، وإذا فعل فعلنا، عليه الصلاة والسلام، فالاحتفال بليلة النصف من شعبان، أو بليلة سبع وعشرين من رجب، لأنها ليلة الإسراء والمعراج، أو بالمولد النبوي في اثني عشر ربيع الأول، أو بالموالد الأخرى، للبدوي أو للحسين أو لعبد القادر الجيلاني، أو لفلان أو فلان، كله لا يجوز، وكله تشبه باليهود والنصارى، في أعيادهم ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وقال: «من تشبه بقوم فهو منهم (2) » فلا يليق بالمسلمين أن يتشبهوا بأعداء الله، في هذه الأمور ولا في غيرها، ولو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أمرا مشروعا، لبادر إليه سيد ولد آدم، وأفضل خلق الله، وخاتم رسل الله عليه الصلاة والسلام، ولشرعه لأمته وعلمهم إياه، لأنه أنصح الناس، وهو الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام، ما ترك من خير إلا دل عليه، وما ترك من شر إلا نبه عليه، وحذر منه كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه، أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم (3) » ، ونبينا أكملهم وأفضلهم وخاتمهم،
__________
(1) سورة الممتحنة الآية 6
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 5093.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، برقم 1844.(3/105)
ليس بعده نبي، فهو أولى بهذا الوصف، فما ترك من خير إلا دلنا عليه، وما ترك من شر إلا حذرنا منه، فلو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بالمولد النبوي أو بليلة سبع وعشرين من رجب أمرا مشروعا لبادر إليه عليه الصلاة والسلام، قولا وفعلا ولعلمه أمته عليه الصلاة والسلام، ولو فعل لنقله الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم الأمناء وهم خير الناس بعد الأنبياء وهم الذين نقلوا لنا القرآن، ونقلوا لنا السنة الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، فهم الأئمة والقدوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن نخالفهم ونحدث شيئا لم يفعلوه من القربات والطاعات، ثم التابعون لهم بإحسان لم يفعلوا ذلك فلو كان الصحابة فعلوا لفعله التابعون، ثم أتباع التابعين فلما لم يفعلوا ذلك ومرت القرون الثلاثة المفضلة، لم يقع فيها احتفال بمولد، ولا ليلة النصف من شعبان، ولا في ليلة السابع والعشرين من رجب، علم أن ذلك من البدع التي أحدثها الناس، ثم لو أحدث بعض الناس شيئا من البدع في القرن الثاني أو الثالث، لم يكن حجة لأن الحجة فيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكن هذه البدعة - بدعة المولد - لم تفعل لا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في عهد القرن الأول، ولا في عهد القرن الثاني ولا الثالث، إنما جاءت في القرن الرابع، وهكذا القول في جميع البدع، الواجب تركها والحذر منها، ومن جملتها ما تقدم، بدعة المعراج بدعة السابع والعشرين من رجب، بدعة الاحتفال بها، كذلك بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، كذلك(3/106)
بدعة يقال لها صلاة الرغائب، يسمونها صلاة الرغائب يفعلها بعض الناس، في أول جمعة من رجب، وهي بدعة أيضا، والبدع كثيرة عند الناس، نسأل الله أن يعافي المسلمين منها، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفقهم للتمسك بالسنة، والاكتفاء بها والحذر من البدعة.(3/107)
29 - حكم إقامة الرجل عيد ميلاد لنفسه
س: ما حكم الاحتفال بعيد الميلاد، أي اليوم الذي يولد المرء فيه، وتكراره بالاحتفال كلما مر على هذا اليوم عام؟ (1)
ج: الاحتفالات بالموالد بدعة، لا أصل لها، وتشبه باليهود والنصارى، فلا يجوز ذلك لا بميلاد الأنبياء، كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بغير ذلك، ولا يجوز للإنسان أن يحتفل بمولده ولا بمولد أبيه ولا أمه، كل هذا من البدع المنكرة إذا تعبد بها فهي بدعة، وإذا فعلها استحسانا قد شابه المشركين من اليهود والنصارى في ذلك فهي ممنوعة للتعبد، وممنوعة للتشبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » أي مردود وليس هذا من عمله عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم 223.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718.(3/107)
والسلام وليس في دينه، هو أنصح الناس عليه الصلاة والسلام، وأكملهم بلاغا فلم يقل للناس احتفلوا بمولدي، ولم يفعله هو صلى الله عليه وسلم، ولا فعله الخلفاء الراشدون، ولا بقية الصحابة، ولا السلف في القرن الأول والثاني والثالث، فهو بدعة منكرة، وهو من أسباب الشرك، لأن بعض من يحتفل بالمولد يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو المحتفل به، يستغيث به ويطلبه المدد، وهذا شرك أكبر، وربما ظن بعضهم أن النبي يحضر، فيقومون له، ويقولون: حضر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضا من الجهل العظيم والباطل الواضح، فلاحتفال بالموالد إن كان على سبيل التعبد فهو بدعة منكرة، وإن كان على سبيل التشبه بأعداء الله اليهود والنصارى فهو أيضا منكر، فهو بين أمرين بين بدعة وتشبه بأعداء الله فلا يجوز مطلقا، لا بمولدك ولا بمولد أبيك ولا بمولد أخيك، ولا بمولد الأنبياء ولا بمولد الصالحين، بل هذا كله من البدع التي أحدثها الناس نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
س: بالنسبة للأشخاص، هناك أيضا من يجعل له عيدا لميلاد هذا الشخص ما حكم ذلك؟ (1)
ج: كل هذا منكر عيدا له أو لأمه، أو لبنته أو لولده كل هذا الذي أحدثوه الآن تشبها بالنصارى واليهود، لا أصل له ولا أساس له، عيد
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم 8.(3/108)
الأم، أو عيد الأب أو عيد العم، أو عيد الإنسان نفسه، أو عيد بنته أو ولده كل هذه منكرات، كلها بدع كلها تشبيه بأعداء الله، لا يجوز شيء منها أبدا بل يجب سد الباب والحذر من هذه المحدثات، ولكن بعض الناس كثرت عليه النعم واجتمعت عنده الأموال، فلا يدري كيف يتصرف فيها، لم يوفق لصرفها في طاعة الله، بتعمير المساجد أو مواساة الفقراء، وصار يلعب في هذه الأعياد وأشباهها، وإذا كان المراد إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس بالموالد، يحييها بدروس إسلامية، في المدارس والمساجد والمحاضرات، هذا ليس بدعة، بل مشروع ومأمور به، يدرس السيرة النبوية، ويبين ما جاء في الموالد من أخبار، في الدروس الإسلامية في المدارس، في المعاهد في المساجد في المحاضرات، أما أن يجعل لها وقتا مخصوصا، تقام فيه الاحتفالات في ربيع الأول أو في غيره، والمآكل والمشارب وغير ذلك، هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة.(3/109)
30 - حكم تعليق الصور الفوتوغرافية على الجدران
س: ما حكم تعليق الصور الفوتوغرافية على الجدران؟ وهل يجوز تعليق صورة الأخ أو الأب أو ما شاكلهما؟ (1)
ج: تعليق الصور ذوات الأرواح على الجدران أمر لا يجوز، سواء كان ذلك في بيت، أو في مجلس أو في مكتب، أو شارع أو غير ذلك، كله منكر وكله من عمل الجاهلية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون (2) » ، وقال: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم (3) » ، وبعث عليا رضي الله عنه، قائلا له: «لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته (4) » ونهى عن الصورة في البيت، وأن يضع ذلك، فالواجب طمسها ولا يجوز تعليقها، ولما رأى في بيت عائشة صورة معلقة في ستر غضب وتغير وجهه، وهتكها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم 8.
(2) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب عذاب المصورين، برقم 5950، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم صورة الحيوان، برقم 2109.
(3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) ، برقم 7557، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير الحيوان، برقم 2107.
(4) مسلم الجنائز (969) ، الترمذي الجنائز (1049) ، النسائي الجنائز (2031) ، أبو داود الجنائز (3218) ، أحمد (1/139) .(3/110)