والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة، ومن تدور عليه فتاوى الأمصار.
وذهب ابن عباس إلى إبطال العول، وإذا ازدحمت السهام، ولم يرَ فيها حاجباً ولا محجوباً، فأصل مذهبه إدخالُ النقص على أربعة أصنافٍ، إذا ضاقت المسألة عن سهامها، وهم: البناتُ، وبنات الابن، والأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب. تابعه على مذهبه محمدُ بنُ الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين، وعطاء، وأهلُ الظاهر.
واختلفت الرواية عن ابن عباس في إدخال النقص على الإخوة والأخوات من الأم، فالمشهور من طريق الرواية أنه لا يدخل الضرر عليهم.
وروي عنه من طريق شاذ: إدخال النقص عليهم. وهذه الرواية وإن كانت غريبة، فهي اللائقة بقياس أصله. فإنا نقول في مسألة [فيها] (1) .
زوج، وأم، واثنان من أولادِ الأم:
لا بد لابن عباس من أحد أقوالٍ ثلاثة: إمّا أن يقول فيها: للزوج النصف، وللأم (2) الثلث، ولولدي الأم الثلث، فيكون أعال المسالة من ستة إلى سبعة، وهذا خلاف أصله.
وإما أن يقول: للزوج النصف وللأم السدس ولولدي الأم الثلث، فيكون قد حجب الأم من الثلث إلى السدس بالاثنين من الإخوة، وذلك خلاف أصله؛ فإنه لا يحجبها بأقل من ثلاثة.
وإما أن يقول: للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي لولدي الأم، وهو السدس، فيكون قد أدخل النقص على أولاد الأم.
وهذا هو الأشبه بأصله.
__________
(1) زيادة من جميع النسخ غير الأصل.
(2) للأم الثلث: لأن ابن عباس لا يحجبها من الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة على
الأقل. كما تقدم، وسيأتي قريباً جداً.(9/138)
6336- واختلف الفرضيون على قياس قول ابن عباس في البنت وبنت الابن إذا اجتمعتا، مع ذوي الفروض. وفي الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، إذا اجتمعتا مع ذوي الفروض، وكان الباقي من المال بعد الفروض- أقلَّ من النصف.
فمنهم من قال: قياس قوله يقتضي أن يكون الباقي كلُّه للبنت خاصّة، وتسقط بنت الابن. أو الأخت من الأب والأم خاصة، وتسقط الأخت من [الأب] (1) .
وقيل: هذه رواية يحيى بن آدم.
وروى الباقون عنه: أن الباقي من المال بعد الفروض التي وصفناها، يقسم بين البنت، وبنت الابن. وبين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب على أربعة أسهم: للبنت منها ثلاثة، وكذلك للأخت من الأبِ والأم. ولبنت الابن سهمٌ، وكذلك للأخت من الأب.
6337- وأجمع الفرضيون في نقل مذهبه على أن الباقي من المال إذا كان نصف المال، أو أكثر، أنه يجب توفير النصف على البنت، أو الأخت من الأب والأم، وتخصيص بنت الابن، والأخت من الأب بالنقص، والإسقاط. مثال ذلك:
زوج، وأبوان، وبنت، وبنت ابن.
فعلى رواية يحى بن آدم (2) : للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي للبنت.
وعلى الرواية الثانية: الباقي بين البنت، وبنت الابن، على أربعة أسهم:
__________
(1) في الأصل: الأم، وهو سبق قلم لا شك.
(2) يحيى بن آدم بن سليمان، أبو زكريا الأموي، مولاهم، الكوفي. صاحب كتاب الخراج.
ت 203 هـ (تهذيب الأسماء واللغات: 2/150، سير أعلام النبلاء: 9/522) .(9/139)
ثلاثةُ أرباعه للبنت، وربعُه لبنت الابن.
والمثال في الأختين أن يكون الميت خلّف:
امرأته، وأماً، وأختاً لأب وأم، وأختاً لأبٍ.
فعلى رواية يحيى: للمرأة الربع، وللأم الثلث (1) ، والباقي للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب.
[و] (2) على رواية غيره: الباقي بعد الربع، والثلث، على أربعة أسهم: للأخت من الأب والأم منها ثلاثة، وللأخت من الأب سهم.
وبالجملة لا يجد ابن عباس بداً من إدخال النقص على بعض أصحاب السهام. ثم إنه يدخل النقص في رواية على صنفٍ، وفي روايةٍ على صنفين، وسنذكر علّة مذهبه بعد الفراغ عن تمهيد المذهب، إن شاء الله عز وجل.
6338- واختلف الفرضيون على قياس مذهبه في مسألةٍ:
زوج وثلاث أخوات متفرقات.
فروى يحيى عنه: للزوج النصف، وللأخت من الأم السدس، والباقي للأخت من الأب والأم.
وروى غيره: للزوج النصف، وللأخت من الأم السدس، والباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على أربعة أسهم: ثلاثة للأخت من الأب والأم، وواحد للأخت من الأب.
وروى أيوبُ بنُ سليمان الفرضي (3) مذهباً ثالثاً عن ابن عباس في هذه
__________
(1) تذكر أن الكلام في مذهب ابن عباس، فلا تظن أن الثلث للأم هنا خطأ.
(2) في الأصل: " على " بدون الواو.
(3) أيوب بن سليمان الفرضي، لم نجد ترجمة له في طبقات الفقهاء، وإنما وجدنا في طبقات الحفاظ: أيوب بن سليمان بن بلال، أبو يحيى المدني، إمام ثقة روى عنه البخاري وأصحاب السنن. ت 224 هـ. فلعله هو (تهذيب التهذيب: 1/404) .(9/140)
المسألة، وهو أنه قال: للزوج النصفُ، والباقي بين الأخوات على خمسة أسهم: ثلاثة أخماسه للأخت من الأب والأم، وخمسُه للأخت من الأب، وخمسُه للأخت من الأم. وقيل هذا قياسٌ، وليس بنقلٍ.
6339- ومما اختلف الفرضيون في قياسه على مذهب ابن عباس.
زوج، وأم، وأختان لأب وأم، وأختان لأم.
قال يحيى ابنُ آدم: قياسُه، للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، وتسقط الأختان من الأب والأم.
وقيل: قياسه أن يقال: للزوج النصف وللأم السدس، والباقي بين الأختين من الأم، والأختين من الأب والأم بالسوية، لاستوائهن في قرابة الأم. وهذا يناظر التشريكَ في مسألة المشركة.
6340- أما تفصيل مذهب القائلين بالعول، فسيأتي في رسم المسائل.
ومن قال بالعول استمسك بإجماع الصحابة رضي الله عنهم قبل أن أظهر ابنُ عباسٍ خلافَه، لما قال ابن عباس: " إن الذي أحصى رمل عالج عدداً، لم يجعل في مالٍ نصفاً، وثلثين " قيل له: " هلا ذكرت ذلك لعمر "، فقال: " كان رجلاً مهيباً، فهبته " (1) ، ولا تخرج مفرداتُ ابن عباس في الفرائض إلا على مذهب من يشترط في الإجماع انقراضَ عصر المجمعين.
وعلةُ القولِ بالعول بيّنةٌ؛ فإن أصحاب الفروض إذا ازدحموا، ولم يكن بعضهم حاجباً، وبعضهم محجوباً، وضاقت أجزاء المال عن مبالغ الفروض، فالتحكّم بإسقاط بعضهم لا معنى له، وتخصيص البعض بإدخال النقص عليه لا حاصل وراءه، فلا وجه إلا أن نجعل القسمة من مبالغ الفروض، ونجعل
__________
(1) أثر ابن عباس: " إن الذي أحصى رملَ عالج " قطعة من حديث طويل، رواه البيهقي (6/253) ، ورواه الحاكم مختصراً دون ما ذكره الإمام (4/340) ، وعبد الرزاق (19022) (ر. التلخيص: 3/192، إرواء الغليل: 6/145) .(9/141)
أصحابها كمزدحمين بالديون على تركة تضيق عن الوفاء بها، فكلٌّ يضرب في التركة بمقدار حقّه.
فأما ابن عباس، فإنه خصّص بالنقص طوائفَ يتطرق إليهم التعصيبُ، وهم البنات، وبناتُ الابن، الأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب، فإن الذكور يعصبونهم، فإذا عُصّبن، نقصت حقوقُهن عن المفروض.
ثم اضطرب رأيه في أولاد الأم؛ من حيث إنهن لا يعصَّبْن، ولكنهن أخوات كأولاد الأب والأم، وأولاد الأب.
فهذا متعلَّقُ كل فريق.
وقد غلّظ ابنُ عباسٍ في هذه المسألة قولَه على مخالفيه، فروي أن عطاء قال له: لا يُغني عني وعنك ما تقول شيئاً ولو متَّ ومتُّ، لقُسِّم ميراثُنا على ما عليه القوم من خلاف [رأيك] (1) فقال ابن عباس: إن شاؤوا، فلندْع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا، ونساءهم، وأنفسنا، وأنفسهم، ثم نبتهل، فنجعل لعنةَ الله على الكاذبين (2) .
ولهذه القصة سمّيت هذه المسألة (3) مسألة المباهلة.
الفصل الثاني
في ذكر الأصول العائلة، ومنتهى عول كل أصل،
وضرب الأمثلة، وبيان الأجوبة فيها
6341- فنقول على سبيل التمهيد: الأصول العائلة على قول أصحاب العول ثلاثة: الستة، والاثنا عشر، والأربعة والعشرون. وما سوى هذه الأصول
__________
(1) في الأصل: ذلك.
(2) أثر عطاء عن مباهلة ابن عباس رواه سعيد بن منصور في سننه: ح 37، وأخرج عبد الرزاق نحوه من حديث طاووس، ح 19024.
(3) المسألة: المراد بها قضية العول.(9/142)
لا تعول على مذهب عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، وغيرهم.
وعلى قول معاذ قد تعول مسألة أصلها من ثلاثة؛ لأصلٍ قدمناه في عدد من يحجب الأم من الإخوة والأخوات. والثلاثةُ تعول عنده إلى أربعة.
وأما الستة، فإنها تعول إلى عشرة، في قول الجمهور، وفي قول معاذ قد يبلغ عولُها إلى أحدَ عشرَ، على ما سنذكر أمثلةَ ذلك.
وأما الاثنا عشر، فإنها تعول على قول الجمهور بالأفراد إلى سبعة عشر، فتعول إلى ثلاثةَ عشرَ، وإلى خمسةَ عشرَ، وإلى سبعة عشر، ولا تعول إلى أربعةَ عشرَ، ولا إلى ستة عشرَ.
وعلى قول معاذ: تعول إلى تسعة عشر.
وأمّا الأربعة والعشرون، فقد قال الجمهور منتهى عولها سبعةٌ وعشرون.
وقال عبد الله بن مسعود: إنها قد تعول إلى أحدٍ وثلاثين. وألْجأه إلى ذلك أنه كان يحجب الأم إلى السدس، والزوجَ إلى الربع، والزوجة إلى الثمن بمن لا يرث: من كافرٍ، أو قاتل، أو مملوكٍ.
واختلفت الرواية عنه في حجب الإسقاط بهؤلاء، فروي أنه كان يحجب بهم الإخوةَ، والأخوات من الأم، وروي أنه كان يحجب بهم حجب النقصان، ولم يحجب بهم حجبَ الإسقاط.
ولم تختلف الرواية عنه في أن الأب الكافرَ لا يحجب الجدَّ، وإنما اختلفت الرواية عنه في حجب الفروع بالأصول.
ثم قال الفرضيون: متى عالت المسألة من ستة إلى عشرة وإلى تسعة وإلى ثمانية وإلى سبعة (1) ، كان الميت فيها امرأة، لا محالة.
__________
(1) في الأصل: من ستة إلى عشرة، إلى سبعة، وإلى ثمانية. وفي باقي النسخ: من ستة إلى عشرة، وإلى تسعة، وإلى ثمانية. والمثبت تصرف من المحقق، حيث جمع بين السبعة والتسعة، وقد فرقت بينهما النسخ. مع أنهما في معنىً واحد.(9/143)
وإذا عالت اثنا عشر إلى سبعة عشر، كان الميت رجلاً لا محالة، ومتى عالت إلى خمسةَ عشرَ، أو إلى ثلاثة عشر، فربما كان الميت رجلاً، وربما كان امرأة.
والأربعةُ والعشرون، فلا بدّ وأن يكون الميت فيه رجلاً لمكان الثمن، عالت، أو لم تعل.
6342- مسائل الباب:
زوج، وأختان لأبٍ.
في قول أصحاب العول: للزوج النصف، وللأختين الثلثان، والفرضان
عائلان. أصلها من ستة، وتعول إلى سبعة.
وعلى قول ابن عباس: للزوج النصف، والباقي للأختين. أصلها من اثنين، وتصح من أربعة.
زوج، وأخت لأب وأم، وأخت لأب.
للزوج النصف عائلاً، وللأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت من الأب السدسُ: تكملةَ الثلثين، والنقص داخلٌ على الفرائض. المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة.
وعلى قول ابن عباس: للزوج النصف، وكذلك للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب.
أم، وأختان لأم، وأختان لأبٍ وأمٍ.
في قول علي وزيد وابن مسعود، ومن تبعهم: للأم السدس، وللأختين من الأم الثلثُ، وللأختين من الأب والأم الثلثان. أصلها من ستة، وتعول إلى سبعة.(9/144)
وفي قول معاذ بن جبل: للأم الثلث، ولولدي الأب والأم الثلثان، ولولدي الأم الثلث. المسألة عنده من ثلاثة، وتعول إلى أربعة. فإنه لا يرى الحجب بالأخوات، وإن كثرن، ما لم يكن فيهن ذكر.
وفي قول ابن عباسٍ: للأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب والأم، أصلها من ستة، وتصح من اثني عشر.
زوج، وأم، وأختان لأبٍ وأمٍ.
في قول علي، وزيد، وابن مسعود: تعول من ستة إلى ثمانية.
وفي قول معاذ تعول إلى تسعة.
وفي قول ابن عباس: للأم الثلث، وللزوج النصف، والباقي للأختين.
زوج، وأم، وثلاث أخوات مفترقات.
في قول علي وزيد وابن مسعود تعول من ستة إلى تسعة.
وفي قول معاذ: تعول إلى عشرة.
وفي قول ابن عباس: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخت من الأم السدس وفي الباقي عنه روايتان: إحداهما - أنه للأخت من الأب والأم خاصة.
والثانية - أن الباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على
أربعة أسهم: ثلاثة منها للأخت من الأب والأم، وواحدٌ للأخت من الأب.
زوج، وأم، وأختان لأب، وأختان لأم، في قول علي، وزيد، وابن مسعود: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأب الثلثان، وللأختين من الأم الثلث. المسألة من ستة، وتعول إلى عشرة.
وفي قول معاذ: للأم الثلث، فتعول إلى أحد عشرة.
فهذه الأمثلة في عول الستة. وليس في الأصول أكثر عولاً منها؛ فإنها تعول عند الجمهور بثلثيها وعند معاذ بخمسة أسداسها.(9/145)
6343- وأمّا أمثلة عول الاثني عشر، فمنها:
امرأة، وجدة، وأختان لأب وأم.
فللمرأة الربع، وللجدة السدس، وللأختين الثلثان. أصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر.
وفي قول ابن عباس: الباقي بعد الربع، والسدس، للأختين.
امرأة، وأم، وأختان لأب.
فعلى قول علي، وزيد، وابن مسعود: جوابها كالجواب في التي قبل هذه؛ لأن نصيب الأم كنصيب الجدة في تلك.
وفي قول معاذ: تعول إلى خمسة عشر؛ لأنه يفرض للأم فيها الثلث.
وفي قول ابن عباس: للمرأة الربع، وللأم الثلث، والباقي للأختين.
امرأة، وأختان لأم، وأختان لأبٍ.
في قول أهل العول تعُول المسألة من اثني عشر إلى خمسةَ عشرَ.
وفي قول ابن عباسٍ: للمرأة الربع، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب.
ولو كان فيهما بدل الأختين من الأب أخت لأب وأم، وأخت لأب، وباقي المسألة على حالها، فلا يخفى جواب من يُعيلُ. وفي الباقي روايتان عن ابن عباس: إحداهما - أن الباقي بعد الربع، والثلث، للأخت من الأب والأم، والرواية الثانية - أن الباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على أربعة أسهم. كما تكرّر.
امرأة، وأم، وأختان لأم، وأختان لأب:
في قول علي وزيد وابن مسعود: للمرأة الربع وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، وللأختين من الأب الثلثان، وتعول إلى سبعة عشر.(9/146)
وفي قول معاذٍ: للأم الثلث، فتعول إلى تسعة عشر، وفي قول ابن عباس: للمرأة الربع، وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب.
ولو فرضنا بدل الأختين من الأب أختاً من أب وأم، وأختاً من أب، لكان الجواب على ما مضى إلا أن الرواية تختلف عن ابن عباس فيما يبقى بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، كما تكرر.
6344- وأما أمثلة الأربعة والعشرين:
امرأة، وأبوان، وبنتان.
في قول أهل العول: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وللبنتين الثلثان.
أصل المسألة من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعةٍ وعشرين.
وكذلك لو كان بدل الأبوين فيها أب، وجدة.
وكذلك لو كان بدل الأبوين أم، وجدّ.
وكذلك لو كان بدل الابنتين بنتا ابن.
وفي قول ابن عباس: يكون الباقي بعد الثمن والسدسين للبنتين.
فإن كان بدلهما بنت وبنت ابن، لكان للبنت النصف كاملاً، والباقي لبنت الابن، وهو أقل من السدس.
وأما مثال العول إلى أحدٍ وثلاثين في قول ابن مسعود، فهو فريضة فيها.
امرأة، وأم، وأختان لأم، وأختان لأب وأم.
وولدٌ كافر، أو قاتل، أو رقيق. والتفريع على أن المحجوب بهذه الأسباب يحجب حجب النقصان، ولا يحجب حجب الإسقاط، فيحجب الابن المرأة من الربع إلى الثمن، ولا يحجب الأخوات، فإنه لا يحجب حجب الحرمان، على هذه الرواية التي عليها التفريع.(9/147)
فللأم السدس: أربعة، وللزوجة الثمن؛ ثلاثة، وللأختين من الأم والأب الثلثان: ستة عشر، وللأختين من الأم الثلث: ثمانية فتبلغ المسألة إحدى وثلاثين.
وقد نجزتْ مسائل العول. وقواعده.
***(9/148)
باب ميراث المرتد
6345- لم يختلفوا في أن المرتد لا يرثُ المسلمَ، والخلافُ في أن المسلمَ هل يرثُه؟ فمذهب الشافعي أن المسلمَ لا يرثه، ولا فرق بين ما اكتسبه في الإسلام، وبين ما اكتسبه في الردة.
وقال أبو حنيفة (1) : يرثه المسلم ما اكتسبه في الإسلام، ولا يرثه ما اكتسبه في الردة، وعبر عما اكتسبه في الإسلام بالتليد، وعما اكتسبه في الردة بالطريف.
وفي العلماء (2) من قال: يرثه التليدَ والطريفَ جميعاً.
والكفار عندنا يتوارثون، وإن اختلفت مللهم، واختلف قول الشافعي في أن الذمي هل يرث الحربيَّ؟ والحربيُّ هل يرث الذميّ؟ فأحد القولين - أنهما يتوارثان؛ لأن الكفر يجمعهما، والثاني - لا يتوارثان لانقطاع الموالاة بينهما.
والمرتد لا يرث مرتداً عندنا، كما لا يرث مسلماً.
__________
(1) ر. مختصر الطحاوي: 261، وشرح معاني الآثار: 3/268. وما أشار إليه إمامنا هو قول أبي حنيفة، وقد خالفه أبو يوسف ومحمد، فأثبتا الإرث في الكل.
(2) العلماء: منهم أبو يوسف ومحمد، كما أشرنا آنفاً، وكذا الأوزاعي، وإسحاق، والحسن البصري، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وروي عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وهو رواية عن أحمد (ر. معالم السنن: 3/327، والمغني: 7/174) .(9/149)
والأصل المعتبر أن المرتد فيه عُلقةُ الإسلام، والأمر مغلّظٌ فيه. فإذا طالب المرتد ميراث مرتدٍ، قلنا: لا نورثك منه، كما لا نورثك من مسلم. وهذا كما أن المرتد لا ينكح مرتدة ابتداءً، وإن كانا متساويين في الردة. وسيأتي في كتاب المرتد [قولٌ: إن ولد المرتد من المرتدة مرتدٌّ، فكان لا يبعد على هذا أن نورث المرتدَّ من المرتد] (1) .
والقول الظاهر أن ولد المرتد من المرتدة مسلم، فعلى هذا يتجه قطعُ ميراث المرتد عن المرتد.
وسنذكر في كتاب الجراح [قولاً أنّ] (2) المرتد يستوجب القصاص بقتل المرتد، وهذا يتضمن الحُكم بتساويهما. ولا يدفع ما ذكرناه من الاحتمال قولُ القائل: مال المرتد مستحَقٌّ بجهة الفيء، فإن ذاك الاستحقاق إنما يسلّم إذا لم توجد جهةٌ خاصة في الوراثة.
نعم، إن قلنا: ملكُ المرتد يزول بالردّة إلى أهل الفيء، وإذا مات مرتداً نتبيّن أن ملكه زال إلى أهل الفيء من وقت ردّته، فلا وجه للتوريث منه؛ فإن ملكه زال قبل الموت [تحقُّقاً، وتبيُّناً] (3) فأمّا إذا قلنا: يزول ملكه (4) بالموت، ففيه التردد الذي ذكرته.
والذي رأيته للأصحاب أن المرتدَّيْن لا يتوارثان.
6346- ثم أجرى الشافعي في الاحتجاج على أبي حنيفة كلاماً، وقال: المرتد لا يرث المسلم، فلا يرثه المسلم. وهذا قد يرد عليه في القرابات
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) في الأصل: " قولان ". وهو تحريف ظاهر.
(3) في الأصل: تحقيقاً أو تبيناً.
(4) (ت 2) : لا يزول بالموت.(9/150)
مسائلُ، منها: ابن الأخ مع العمة، فإنه يرثها، ولا ترثه، ولكن إذا قُرّر طريانُ الردة، واعتراضُه وأبينَ أن اختلاف المسلم والمرتد في الدّين الحق والباطل أمرٌ شملهما على قضيةٍ واحدة، فإذا تضمن قطعَ الميراث من جانب، وجب أن يتضمن قطعَه من الجانب الثاني، فهذا يتقرّر. ويخرّجُ عليه. انقطاعُ ميراث المبتوتة في مرض الموت (1) ؛ فإن الزوج لا يرثها لو ماتت، فلا ترثه؛ فإن البينونة شملتهما.
6347- ولما أشار الشافعي (2) إلى هذا الكلام ولم يحرره، تعلق [المزني (3) به فيمن] بعضه حرّ وبعضه عبد، ومذهبه أنه يرث ويورث، والكلام في توريثه والتوريث منه عند الفرضيين قطبٌ من أقطاب هذا العلم. فلو أردت الاقتصارَ على مذهب الشافعي، لاكتفيت بما تقدَّم، فإني أوضحت من أصله أنه لا يرث، وهل يورث؟ فعلى قولين. ثم فرعت على القولين بما فيه بيان كافٍ، ولكن لستُ أوثر أن أخلي هذا المجموع عن ذكر هذا الأصل على مذهب الغير، مع أنه من الأركان، ونحن نعقد في ذلك باباً نوضح فيه مذهبَ من يقول بتوريث من بعضه حر وبعضه عبد، ونجعل مضمون الباب في فصول تحوي الغرض، ونطرح المكررات وتكثيرَ المسائل.
__________
(1) ميراث المبتوتة في مرض الموت: المراد بهذا أن أصل الشافعي: (أن الناس يرثون من حيث يورثون) فإذا قلنا: المرتدّ لا يرث، فينبني عليه أنه لا يورث، وعلى هذا أيضاً أن من طلق زوجته في مرض الموت، وبت طلاقها، فلا ترثه (بحجة أنه طلقها فراراً من ميراثها إياه) حيث الإجماع على أنه لا يرثها. وقد روي عن الشافعي قولان، وقياس أصله أنها لا ترثه. (ر. المختصر: 3/150-151) .
(2) حكى المزني في المختصر، هذا الذي أشار إليه الشافعي، فقال: " قد زعم الشافعي أن نصف العبد إذا كان حرّاً يرثه أبوه إذا مات، ولا يرث هذا النصفُ من أبيه إذا مات أبوه، فلم يورّثه من حيث ورّث منه. والقياس على قوله: أنه يرث من حيث يورث. (ر. المختصر: 3/150) .
(3) في الأصل: المرتد به في.(9/151)
القول فيمن بعضه حر وبعضه مملوك
6348- وهذا موضوعٌ على من يسلِّم تبعُّضَ الرق والحرية؛ فإن في العلماء من يكمل الحرية في كل صورة، فإذا صورنا شخصاً بعضه رقيق، وبعضه حر، فمذهب زيد: أنه لا يرث ولا يورث. وافقه الشافعي في أنه لا يرث، وردَّد قوله في أنه هل يورث كما تقدم (1) شرحه.
وقال عليٌّ بن أبى طالب: إنه يرث ويورث، وبه قال الشعبي، وعطاء والمزني، وأبو ثور.
واختلفت الرواية عن ابن مسعود، فروي عنه مثلُ قول علي، وروي عنه مثل قول زيد.
وغرضنا الآن تفريع مذهب علي في توريثه. وقد اختلف العلماء في قياس مذهبه، ونحن نذكر أصناف الورثة في فصولٍ، ونذكر الطرق في كل فصلٍ، إن شاء الله عزوجل.
فصل
في ميراث البنات اللائي بعضهن حر
6349- إذا مات الرجل، وخلّف بنتاً نصفُها حر، أو ثلثها، أو ربعها، فلا اضطراب، ولا إشكال في مذهب علي إذا كانت البنت واحدة، فنقول: لو كانت حرة كاملة، لأخذت نصفَ المال، فإذا كان نصفها حراً، تأخذ نصف النصف، وإن كان ربعها حراً، فلها ربع النصف، وكذلك القول في جميع الأجزاء.
فإن ترك بنتين نصفُ كل واحدةٍ منهما حر، فقد اختلف الفرضيون في قياس
__________
(1) كما تقدم شرحه: المراد شرح توريث من بعضه حر، وبعضه عبد، وقد سبق في باب (من لا يرث) .(9/152)
قول علي، فقال أبو يوسف، ومحمد، واللؤلؤي (1) ، وابن أبي ليلى، ويحيى ابن آدم: قياس قوله: أن يجمع ما فيهما من الحرية، فتكون حريةَ بنت كاملة الحرية، فنقول: لهما بذلك النصف، وهو بينهما، لكل واحدة منهما الربع.
وهذه الطريقة ليست مرضية عند الفرضيين.
وقال سفيان الثوري: قياس قوله أن يقسم المال بينهما وبين العصبة، على تقدير كمال الحرية، فتصيب كلُّ واحدةٍ منهما ثلثَ المال لو كانتا حرتين، فنقول بعد هذا التقدير: لكل واحدة من الثلث بقدر حريتها، وهو نصف الثلث، فلكل واحدة السدس إذاً، والباقي مصروف إلى العصبات.
وعبّر البصريون عن هذا المذهب بعينه بعبارة أخرى، تؤدي إليه، فقالوا: ننظر إلى جزء الحرية، ونأخذ مثلَ ذلك الجزء من المال، فيقسم بينهما وبين العصبة على ثلاثة: الثلثان لهما، والباقي من النصف مع النصف الآخر للعصبة، وجزء الحرية النصف، فينقسم على النسبة التي ذكرناها: النصفُ، ثم يضم الفاضل من النصف إلى النصف الباقي، ونسلمه إلى العصبة.
وهذا وإن كان غيرَ مذهب سفيان، فهذا يؤدي إليه بالحساب، ومذهب سفيان مشتمل على الفتوى. وطريقة سفيان عند الفرضيين مرضية، وسنبيّن أثرَهَا.
6350- صورة أخرى:
أربع بنات نصف كل واحدة حر
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد، ومن تبعهما: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية بنتين كاملتين، فلهن الثلثان، والباقي للعصبة.
__________
(1) اللؤلؤي، الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي، قاضٍ، فقيه من أصحاب أبي حنيفة، له كتب منها: الفرائض، والوصايا، والنفقات، والخراج ت 204 هـ (الأنساب للسمعاني، وأعلام الزركلي) .(9/153)
وهذا فيه خبطٌ؛ من جهة أنهن لو كن حرائر، لما ورثن أكثر من الثلثين، فإذاً الرق لم ينقصهن شيئاً، وقد يتجه لهم أن يقولوا: الثلثان يكملان لبنتين حرتين، ثم لا يزيد بزيادتهن، فلو كن أربع حرائر، فلا حاجة إلى عدّتهن لاستحقاق الثلثين.
وأما على طريقة سفيان، فنقول: لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، لكل واحدة منهن السدس. فنقول: لكل واحدة السدس لو كانت حرة، فإذا كان النصف منهما رقيقاً، نقصها الرقُّ نصفَ ما كانت تستحق لو كانت حرة، فلهن إذاً ثلثُ المال، لكل واحدةٍ منهن نصفُ السدس، والباقي للعصبة.
وعبر البصريون فقالوا: جزء الحرية نصفٌ، فنقسم النصف بينهن وبين العصبة، ثلثين وثلثاً، فلهن ثلثا النصف، وهو ثلث المال، وباقي النصف مع النصف الآخر مصروفٌ إلى العصبات.
6351- صورة أخرى:
ثلاث بناتٍ ثلثُ كل واحدة حرّ.
فعلى طريق أبي يوسف ومحمد: نجمع الحريةَ فتكون حريةً كاملة (1) ، لهن بذلك النصف، لكل واحدة ثلث النصف.
وعلى طريقة سفيان لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، وإذا قسمنا على ثلاثة، تقع القسمة بالأتْساع لكل واحدة منهن تسعان لو كانت حرة، فلكل واحدة منهن ثلث التسعَين، والباقي للعصبة.
والبصريون يقولون: جزء الحرية ثلث، فنأخذ ثلث المال ونقسمه بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ثلثاها، وهو ستة أسهم، والباقي من الثلث مع ثلثي المال للعصبة. وهذا مذهب سفيان.
__________
(1) المراد حرية بنت كاملة.(9/154)
6352- صورة أخرى
بنتان نصف إحداهما، وثلث الأخرى حر.
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد: نجمع حريتَهما فتبلغ خمسة أسداس حرية، لهما بذلك خمسة أسداس النصف، يقسمانها على نسبة الحريتين.
6353- وعلى طريقة سفيان دقيقةٌ لا بد من التنبه لها، وهي حسنةٌ مستقيمة.
فإن استويا في ثلث الحرية، فلكل منهما من هذا الحساب ثلث الثلث، وهو التّسع. ثم التي نصفها حر لها زيادة حرّية وراء الثلث، وهو السدس، فلها سدس النصف.
والذي يجب مراعاته في ذلك أنا لا ننسبها في حصة هذه الزيادة إلى صاحبتها؛ إذْ لَوْ نسبناها إلى صاحبتها، لقلنا: للتي نصفها حر في أصل الوضع نصف الثلث، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإن التثنية تتحقق في الجزء الذي استويا فيه، ففي ذلك [يعتبر] (1) حساب التثنية، فإذا انفردت بجزء اعتبر في ذلك الجزء حسابُ الانفراد، وهو النصف، فيجتمع لها من حساب التثنية والانفراد ما ذكرنا.
وعبّر البصريون فقالوا: نقسم ثلثَ المال بينهما، وبين العصبة على ثلاثة، لاستوائهما في ثلث الحرية، فيكون لكل واحدةٍ منهما ثلث الثلث، وهو التسع، ثم نأخذ سدس المال لأجل السدس الزائد في حرية إحداهما فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين؛ فيحصل لها نصف سدس المال ضماً إلى التسع، وهو سدس النصف.
6354- صورة أخرى:
بنت نصفها حر، وأخرى ثلثها حر، وثالثة ربعها حر.
فعلى قول أبي يوسف، ومحمد: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية ونصف
__________
(1) في الأصل: بغير.(9/155)
سدس حرية، فلهن بالحرية الكاملة نصف المال، وبنصف السدس الزائد نصف سدس السدس؛ فإن هذا يعتبر من حساب العدد، فيجمع ذلك إلى النصف، فيكون سبعة وثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، وهذا يقسم على ثلاثةَ عشرَ [للتي] (1) نصفها حر ستة، وللتي ثلثها حر أربعة، وللتي ربعها حرّ ثلاثة، والباقي للعصبة.
وعلى طريقة سفيان قد استوين في ربع الحريّة، فلكل واحدة منهنّ ربع التسعَيْن، ثم نُخرج التي ربعها حر، فلا حساب معها.
ثم التي ثلثها حر والتي نصفها حر اشتراك (2) في نصف سدس، فلكل واحدة منهما نصف سدس الثلث، وحسابهما من اثنين، فنخرج التي ثلثها حر، ثم يكون للتي نصفها حرّ سدس النصف، وما بقي للعصبة.
قال البصريون: يؤخذ ربع المال، فيقسم بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ستة، ثم يؤخذ نصف سدس المال، فيقسم بين التي نصفها حر، وبين التي ثلثها حر، وبين العصبة على ثلاثة: لهما سهمان منها، ثم يؤخذ سدسُ المال، فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين.
فصل
في ميراث البنين
6355- اثنان نصف كل واحد منهما حُرّ، فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: المال بينهما نصفين؛ لأنه قد اجتمع فيهما حريةُ ابنٍ كامل، ويلزم على طريقتهم ألا يكون للرق أثر، وجوابه ما ذكرناه في الباب الأول.
__________
(1) في الأصل: إلى.
(2) كذا. وهي سائغة، والمعنى واضح.(9/156)
وعلى طريقة سفيان نقدِّر قسمةَ المال بينهما نصفين، ثم نسترد من كل واحدٍ منهما نصفَ حصته، ونسلّمُهُ إلى العصبة.
صورةٌ أخرى:
ابنان ثلث كل واحدٍ منهما حرّ
على قياس من جَمَعَ الحريةَ: لكل واحدٍ منهما ثلث المال.
وعلى قياس سفيان لكل واحد منهما ثلث النصف.
وعبارة البصريين تؤدي أبداً إلى مذهب سفيان.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين نصفُ كلِّ واحدٍ منهم حُرّ
فعلى رواية من جمع الحرية: المال بينهم أثلاثاً.
وعلى رواية سفيان: لكل واحد منهم نصف الثلث، وهو السدس. وعلى هذا البابُ وقياسُه.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين: نصف أحدهم، وثلث الثاني، وربع الثالث حرّ
فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: لهم جميع المال، على ثلاثة عشر سهماً، لصاحب النصف ستة، ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة.
وعلى رواية سفيان: نقسم المال بينهم بالسويّة، فيصيب كل واحد منهم الثلث، فيأخذ كلُّ واحد منهم ربعَ الثلث، فإنهم اشتركوا في حرية الربع، وربع الثلث نصف سدس المال، ونخرج الذي ربعه حر، ثم نقسم المال بين الباقيين نصفين: فيأخذ كل واحد منهما نصف سدس النصف، وهو ربع السدس، ونخرج صاحب الثلث. ثم يأخذ صاحب النصف سدس المال، فيحصل لصاحب الربع نصف سدس المال، ولصاحب الثلث ثمن المال، ولصاحب(9/157)
النصف سدس المال، وثمنه. والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين: نقسم ربع المال بينهم أثلاثاً، ثم نقسم نصف سدس المال بين الآخرين نصفين، ثم يكون لصاحب النصف سدس المال.
فصل
في ميراث البنين والبنات إذا تبعضت الحرية فيهما
6356- فنقول:
ابن وبنت، نصف كل واحد منهما حر
على رواية أبي يوسف ومحمد: نضم نصفَ حرية البنت إلى حرية الابن، وإنما يفعلون ذلك، لأن بنتين بابن، فنجعل ثلاثة أرباع حرية، فلهم بذلك ثلاثة أرباع المال، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6357- وانفرد عنهما يحى بن آدم في هذا الباب بمذهبٍ آخر، فقال: معنا نصف حرية ابن، ونصف حرية بنت، وحرية الابن لو كانت كاملةً مع رق البنت، لتعلق بها استحقاق جميع المال، ومع حريتها يتعلق بها (1) استحقاق ثلثي المال، فحرية البنت تحجبه عن ثلث المال، فنصف حريتها يحجبه عن نصف الثلث، وهو السدس، فللابن على هذا التقدير خمسة أسداس المال لو كان حراً كاملاً، والبنت نصفها حر.
فإذا كان نصف الابن حراً، فله نصف ذلك وهو ربعٌ وسدسٌ.
ثم قال: البنت تستحق بحريتها الكاملة مع كمال رق الابن نصفَ المال، وتستحق مع حريته ثلثَ المال، فحرية الابن تحجبها عن سدس المال، فنصف حريته يَحجبها عن نصف السدس، فيبقى لها ثلث، ونصف سدس، لو كانت
__________
(1) بها: أي بحرية الابن.(9/158)
حرة، والابن مبعَّضاً. فإذا كان نصفها حراً، كان لها نصف ذلك، وهو سدس، وربع سدس.
6358- وحكى عنه الفرضيون عبارةً أخرى تؤدي إلى هذا المذهب، وهي أنه قال: نقسم حرية الابن على حرية البنت ورقها، فما أصاب [رقُّها من حريته، ورث به من جميع المال بقسطه، وما أصاب حريتُها] (1) من حريته ورث به بقسطه من ثلثي المال؛ لأنه يرث مع رقها جميع المال، ومع حريتها ثلثي المال.
فإذا قسمنا على هذا الاعتبار حريةَ الابن على رق البنت وحريتها، أصاب حريةُ البنت ربع حرية الابن، فله بذلك ربع الثلثين وهو السدس. وأصابَ رقُّ البنت ربعَ حرية الابن، فله بذلك ربعُ (2) جميع المال، فيحصل له ربع وسدس.
وكذلك البنت ترث مع حرية الابن ثلثَ المال، ومع رقِّه نصفَ المال، فنقسم حريتها على حرّية الابن ورقِّه، فتصيب حريتُه ربعَ حريتها، لها بذلك ربع الثلث، ونصفُ رقه ربعُ حريتها، لها بذلك ربعُ النصف، وجملتها: سدس وربع سدس، وهو ربع النصف، وربع الثلث، وربع النصف ثُمُن الكل، فيخرج ذلك من أربعة وعشرين، فثمنه ثلاثة، ونصف سدسه اثنان: الجملة خمسة، والخمسة سدس، وهو أربعة، وربع سدس، وهو واحد. فقد أدّت هذه العبارة إلى ما أدى إليه الاعتبار الأول.
واستحسن الحُسَّاب هذه العبارة الثانية من يحيى.
6359- فأما سفيان؛ فإنه يقسّم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين: للابن الثلثان، وللبنت الثلث، ثم نقول يأخذ كل واحد منهما نصفَ ما أصابه، فيكون
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) عبارة (د 1) : فله بذلك ربع السدس، وكذلك البنت ...
وعبارة (ت 3) : فله بذلك ربع جميع المال، فيحصل له ربع السدس.(9/159)
ثلث المال للابن، والسدس للبنت والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين يقسم نصف المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فيؤدّي إلى مذهب سفيان.
فصل
في ميراث البنات وبنات الابن اللائي بعضهن حُرُّ
6360- هذا الفصل تقطعت فيه مذاهب العلماء كما نصفه في المثال:
بنت وبنت ابن نصف كل واحدة منهما حُرّ
قال أبو يوسف: يدفع إلى البنت الربع، ويقال لبنت الابن: لو كانت بنت الصلب مملوكة، وأنت حرة، لكان لك النصف، ولو كنتما حرتين، لكان لك السدس، فحريتها تحجبك عن الثلث، فنصف حريتها يحجبك عن نصف الثلث، فيحصل لك الثلث: السدس باعتبار كمال حرية البنت، والسدس الآخر باعتبار حرية نصفها. ثم أنت في نفسك مبعَّضة: نصفك حُر، ونصفك رقيق، فلك مما [تجمع] (1) نصفه، وهو السدس. [فيخرج من هذا] (2) الاعتبار أن للبنت الربع، ولبنت الابن السدس، لأن البنت أخذت بحساب انفرادها؛ فإن للبنت الواحدة النصف، سواء كان معها بنت الابن، أو لم يكن. وبنت الابن أخذت بحسابين أحدهما بحساب الانفراد، ولها فيه النصف، والآخر بحساب الاجتماع مع بنت الصلب، فخرج من الاعتبارين السدس.
6361- وقال محمد بن الحسن في قياسه: تضافُ حرية بنت الابن إلى حرية بنت الصلب، فيحصل في المسألة بنتٌ كاملة، فيكون لهما النصف بينهما
__________
(1) في الأصل: يخرج.
(2) عبارة الأصل: فيخرج منه أن ...(9/160)
بالسوية، لكل واحدة منهما الربع، فأدى اعتباره إلى التسوية بين بنت الصلب، وبنت الابن، والسبب فيه أن بنت الابن تقول لبنت الصلب: ليس لك إلا الربع، فخذي ربعَك، واتركيني مع العصبة، ولي لو انفردت مع العصبة النصف، كما لك لو انفردت النصف. فآخذ بعد نصيبك بحساب الانفراد.
وإذا قيل لمحمّد بن الحسن: قد أبطلت أثر حجب بنت الصلب لبنت الابن [قال: لو كانتا حرتين، لقيل: الثلثان بينهما لبنت الصلب النصف منها، فكانت بنت الابن] (1) مزحومة في بعض نصيبها لو انفردت ببنت الصلب، والآن هي تقول: ليس لكِ لو انفردت إلا الربع، وقد أخذتِ الربعَ، فلا زحمة بيني وبينك، فآخذ بحساب الانفراد كما أخذتِ.
فهذا مذهب محمد.
وذكر بعض الكوفيين أن قياس محمد أن نأخذ النصف ونقسمه بين البنت وبنت الابن على أربعة: ثلاثة أرباعها لبنت الصلب، وربعها لبنت الابن على نسبه قسمة الثلثين بينهما لو كانتا حرتين.
6362- وأما يحيى بن آدم، فإنه وقع في مذهب أبي يوسف، فإن ما ذكرناه من اعتبار أبي يوسف، هو بعينه اعتبارُ يحيى في الفصل الذي قبل هذا، وهو النوع الذي سمّاه الفرضيون المخاطبةَ والدعوى.
6363- وأما سفيان، فإنه يقسم المال بينهما وبين العصبة على تقدير كمال الحرية، فللبنت النصف، ولبنت الابن السُّدُسُ، ثم تردُّ كلُّ واحدة نصفَ حصتها لو كانت حرة: فلبنت الصلب الربع، ولبنت الابن نصفُ السدس.
وإذا ضمت حصتها إلى حصة البنت، فالحصتان ثلث المال، وهو مقسوم
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.(9/161)
بين البنت وبنت الابن على نسبة الأرباع: سدس ونصف سُدسٍ، لبنت الصلب وهو ربع. ونصف سدس لبنت الابن.
فهذا بيان المذاهب في هذا الصنف، والمثال الذي ذكرناه كافٍ في غيره من الأمثلة.
فصل
في ميراث البنين وبني البنين مع تبعّض الرق والحرية
6364- وخاصّية هذا الفصل أن الابن لو كان حراً، حجب ابنَ الابن حَجْب حرمان، لا حجبَ نقصان، فإذا تبعَّضت الحريةُ والرق، فنذكر مثالاً، فنقول:
ابنٌ نصفه حر، وابن ابن ثلثاهُ حر
قال أبو يوسف: نبدأ بالابن الأعلى، فندفع إليه ما يستحقه لو انفرد، فإن ابن الابن لا يُزاحمه، فنسلِّم له نصفَ المال، ونقول: لابن الابن الثلث؛ فإن الابن الأعلى يحجبه عن الجميع، بكمال الحرية لو كانا حرَّين، فيحجبه عن النصف بنصف الحرّية، فله من النصف ثلثاه؛ فإن ثلثيه حُرّ، وهو ثلث جميع المال.
6365- وعلى رواية محمد بن الحسن: نضم حرية الأسفل إلى حرية الأعلى، فيحصل معنا حرية وسدس، فسدس الحرية ساقط لا حاجة إليه؛ فإنا نستوعبُ المالَ بحريةٍ، فالمال إذاً [بينهما] (1) نصفان، وتعليل ذلك أن الحجب الذي يقع بين الأشخاص يرجع حقيقةً إلى الزحمة: فلو كانا حرّين، فالابن الأعلى يزحَم بجميع المال، فيقدّمُ به، وينتج هذا سقوطَ ابن الابن. فإذا أخذ الابن الأعلى النصفَ، فقد سقطت منه زحمتُه؛ فإنه لا يستحق إلا هذا القدر لو
__________
(1) في الأصل: فيها.(9/162)
انفرد. فيقول ابن الابن: اخرج أنت من [البين] (1) ، واتركني مع العصبة، ولو انفردت معهم لأخذتُ النّصف، فإن قيل: ثلثاه حرّ؟ قلنا: نعم. ولكنا أبطلنا سدسَ الحرية في وضع المسألة.
6366- وعلى طريقة سفيان: للابن الأعلى النصف، ثم بين الابن وابن الابن لو كانا حرين حجْبُ الحرمان، فإذا كان الابن يحجب ابن الابن، فنصفه يحجب نصفَه، فيسقط بهذا السبب أثر الحرية في نصف ابن الابن؛ فإن أثر الحرية في نصف الابن الأعلى يعارض النصف في الأسفل، فيسقط النصفُ بالنصفِ، ويبقى في الأسفل سدس الحرية، لا يعارضه حريةُ الأعلى، ففيه سدس حرية لا يعارضه حجبٌ، فله سدس المال بذلك السبب.
ولو كان في المسألة ابنُ صلب، وابن ابنٍ نصف كلِّ واحدٍ منهما حرٌّ، فللابن نصف المال، ويسقط ابن الابن على رأي سفيان؛ فإن الحرية بنصف الأعلى تعارض كمال الحرية في نصف الأسفل، فيسقط كما تسقط كل حرية لو كملت ابنَ الابن.
وإنّما فرضنا المال في ابن ابن ثلثاه حر، وابنٍ نصفه حُرّ، حتى لا يسقطَ ابنُ الابن على رأي سفيان.
فحاصل الأجوبة في المال الذي ذكرناه أن لابن الصلب النصف في كل مذهب، وفي ابن الابن ثلاثة أجوبة: أحدها - له النصف، والثاني - له الثلث، والثالث - له السدس.
__________
(1) في الأصل: البنين، وهو تحريف.
والبين من ألفاظ إمام الحرمين، في هذا الكتاب وفي غيره، وهو يستعمله -كما ترى- في معانٍ، لم أر لها ذكراً في المعاجم.(9/163)
فصل
في ميراث البنت وابن الابن
6367- فنقول:
بنتٌ، وابن ابن، نصف كل واحدٍ منهما حر
فأبو يوسف يرى أن يدفع إلى البنت بقدر حرّيتها، ثم نورث ابن الابن على المخاطبة والدعوى.
وقاعدته في ذلك أنه إذا اجتمع شخصان وتبعَّضت الحرية فيهما، وكان أحدهما لا يؤثر في الثاني، فالذي لا يتأثر منهما بالاجتماع والانفراد، فيعطَى بقدر حريته. والذي يتأثّر منهما بسبب صاحبه، فتكونُ حاله عند الانفراد على وجه، وعند المزاحمة على وجه، فحصَّته تبين بالمخاطبة والدعوى، عند أبي يوسف.
ومحمد: يبدأ بالبنت فيدفع إليها بقدر حريتها، كما ذكرنا، ويدفع إلى ابن الابن بقدر حرَّيته من جميع المال. فإن كان قدر ما فيه من الحرية يزيد على ما بقي من المال، دفع إليه ما بقي.
وسفيان يقسم المال بينهما على كمال الحرية فيهما، ثم يأخذ كلُّ واحد منهما ممّا أصابه بقدر حريته.
وبيان ذلك بالمثال، صوّرنا:
بنتاً، وابنَ ابن نصف كل واحد منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف: للبنت الربع، ثم يقال لابن الابن: أنت تستحق مع رق البنت جميعَ المال، ومع حريتها النصف، فهي تحجبك عن نصف النصف، فيبقى لك ثلاثة أرباع المال، ولكن نصفك حر ونصفك عبدٌ، فلك نصف هذا(9/164)
المبلغ وهو ثلاثة أثمان، ويدخل عليه نوعان من النقص: أحدهما - من رقّه، والآخر - من الحرية في بعض البنت.
وعلى رواية محمد: للبنت ربع المال، ولابن الابن نصف المال، والباقي للعصبة.
وعلى طريقة سفيان: يقسم المال بينهما على تقدير كمال الحرية نصفين، ثم يأخذ كلُّ واحدٍ مقدارَ حريته، وهو نصف النصف، فيخرج من ذلك أن النصف بينهما مقسوم نصفين، فلكل واحدٍ ربعُ جميع المال.
فصل
في ميراث البنين وبنات الابن
6368- والمثال:
ابنٌ وبنت ابن نصف كل واحدٍ منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف: للابن نصف المال، ثم يقال لبنت الابن: أنت تستحقين مع رقّ الابن نصف المال، ولا تستحقين مع حريته شيئاً، فهو يحجبك عن النصف، فنصفه يحجبك عن نصف النصف، فحصل لك الربع. ولكن نصفك رقيق، فلك بهذا السبب نصفُ الربع، وهو الثمن.
وعلى رواية محمد: للابن نصف المال، وحق بنت الابن في نصفٍ من الباقي لتبعض الرق والحرية، وهو الربع.
ثم الذي وجدناه في الكتاب (1) أن الابن بنصف حريته يحجبها عن نصف
__________
(1) الكتاب: لعله (الأصل) لمحمد بن الحسن، وقد وجدنا ابن المنذر (في الأوسط) يشير في أكثر من مسألة إلى (كتاب محمد بن الحسن) ثم نجدها في (الأصل) ، انظر -مثلاً- (1/456) (3/219) (4/225) . كما وجدنا في (المبسوط) للسرخسي مثل هذا =(9/165)
الربع، فترجع إلى الثمن. وهذا يخالفُ قياسَ محمد.
والذي لا يجوز غيره أن يقال: لا يحجب الابن (1) بنتَ الابن؛ فإنه فاز بنصفه، ولا يثبت له إلا هذا، وإن لم يكن بنتُ ابن، فقياسه في المسائل المقدمة أن تستحق بنت الابن الربع من غير نقصان، وقد حكينا عنه: أنه إذا كان في المسألة ابنٌ وابنُ ابن نصف كل منهما حر: للابن النصف، ولابن الابن النصف. وهذا يقتضي لا محالة أن يكون للابن النصف، ولبنت الابن نصفُ النصف.
وأما سفيان، فإنه يقول: للابن النصف كما ذكرناه، وتسقط بنت الابن؛ فإنّ نصفها حر، فيسقط بالحرية في نصف الابن، فإن الكل إذا أَسقطَ الكلَّ أسقطَ النصفُ النصفَ.
فصل
في ميراث الإخوة والأخوات
6369- أصل الباب أن الأخوات متى كنّ لأبٍ وأمٍّ، أو لأبٍ، فميراثهن كميراث البنات، وإذا تمحّض الإخوة ذكوراً من أب وأم، أو من أبٍ، فهم كالبنين.
وإذا كانوا ذكوراً وإناثاً من أبٍ وأم، أو من أبٍ، فهم كالبنين مع البنات.
والأخت من الأب والأم، مع الأخت من الأب، كالبنت وبنت الابن.
والأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب، كابن الصلب مع ابن الابن.
والأخت من الأب والأم مع الأخ من الأب، كبنت الصلب مع ابن الابن.
__________
= (3/11) . وفي نتائج الأفكار تكملة فتح القدير قال في (8/37) : " وإطلاق محمد رحمه الله في الكتاب يدل عليه ... ".
(1) في (د 1) ، (ت 3) : ابن الابن.(9/166)
والأخ من الأب والأم مع الأخت من الأب، كابن الصلب مع بنت الابن.
ولا يختلف القياس في ذلك كله.
6370- ومقصود الفصل بعد هذا التنبيه الكلامُ في الإخوة من الأم، والأخوات من الأم، إذا تبعض الرقُّ والحريةُ فيهم.
فعلى رواية أبي يوسف ومحمد، ومن تابعهما: نجمع أجزاء الحرية، فإن بلغت حرّيةً كاملة، فلهم السدس بينهم على قدر أجزائهم.
وإن نقص عن حرّيةٍ، كان لهم بقدر ذلك من السدس.
وإن زاد على حريةٍ كاملة، فللحرية الكاملة سدس المال، ولما زاد عليها بقدره من السدس.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم، وبين العصبة على كمال الحرية، فما أصاب كلّ واحدٍ منهم أخذ بقدر حريته منه.
ومثاله:
أخ، وأخت من أم، نصف كل واحدٍ منهما حر
فمن جمع أجزاء الحرية، دفع إليهما سدسَ المال بينهما نصفين.
وعلى رواية سفيان: نقول: لو كانا حرّين، لكان لكل واحدٍ منهما السدس، فلكل واحد منهما نصف السدس.
وقد اتفقت الأجوبة في هذه المسألة.
فإن كانُوا ثلاثة نصف كل واحد منهم حر، فمن جمع أجزاء الحرية دفع إليهم سدساً، ونصفَ سدس.
وسفيان يقول: الثلث بينهم أثلاثاً، لكل واحد منهم التُّسع، فلكل واحدٍ نصف التسع بسبب تبعُّض الحرية فيهم.
فإن كانوا أربعة نصف كل واحد حر(9/167)
فمن جمع أجزاء العتق، دفع إليهم الثلث، لكل واحدٍ منهم نصفُ السدس، والباقي للعصبة.
وعلى قول سفيان: لكل واحدٍ نصف نصف السدس، وهو ربع السدس، والباقي للعصبة؛ فإنه [يَفُضُّ] ، (1) الثلثَ عليهم، فيخصُّ كلَّ واحد نصفُ سدس، ثم نسترد نصف حصته.
صورة أخرى: أخ من أم كُلّه حر، وآخر ثلثاه حر
فمن جمع أجزاء العتق، دفع إليهما سدساً وثلثي سدس، وقسمه بينهما على خمسة: للكامل ثلاثة، وللناقص سهمان.
وعلى طريقه سفيان: يأخذ كل واحد منهما ثلثي السدس؛ لأنهما اشتركا في هذا القدر من الحرية، ويخرج الناقص، ثم ياخذ الآخرُ ثلثَ السدس أيضاً. والباقي للعصبة.
فصل
في ميراث الأم مع الولد
6371- والولد قد يكون عصبة، وقد يكون ذا سهمٍ، ونحن نضرب مثالين في الجنسين: أحدهما -
أم، وبنت، نصفُ كل واحد منهما حر.
فعلى رواية أبي يوسف للبنت ربع المال، ثم يقال للأم: أنت ترثين مع رقِّ البنت الثلث، ومع حريتها السدس، فحريتها الكاملة تحجبك عن السدس، فنصف حريتها يحجبك عن نصف السدس، ويحصل لك الربع (2) 2/12، ولكن نصفك حر، فلك بهذا السبب نصف الربع، وهو الثمن.
__________
(1) في الأصل: نقص.
(2) اجتمع لها الربع من نصف الثلث، ونصف السدس، هكذا (1/3 × 1/2) + (1/6 × 1/2) = 1/6 + 1/12 = 2/12 + 1/12 = 3/12 =1/4.(9/168)
وهذا مذهب محمد أيضاً، (1 لأنه يقول: لها السدس مع حرية البنت، والثلث مع رق البنت، فتأخذ نصف الثلث، ونصف السدس، وهو ربعٌ، فلها نصف الربع 1) .
وعلى طريقة سفيان: لو كملت حريتهما، لكان للبنت النصف، وللأم السدس، فلكل واحدةٍ منهما نصف ما كان يصيبها.
ومثال الجنس الثاني:
ابنٌ، وأم، نصف كل واحدٍ منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف يقال للأم: أنت ترثين مع رق الابن الثلث، ومع حريته السدس، فهو يحجبك عن السدس فنصفه يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك الربع (2) ، فلك نصف ذلك، وهو الثمن.
ثم يقال للابن: أنت ترث مع رقِّ الأم جميعَ المال، ومع حريتها خمسة أسداس المال، فهي تحجبك عن السدس فنصفها يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك خمسة أسداس المال، ونصف سدس، فإذا كان نصفك حراً، فلك نصف ذلك، وهو ثلثٌ وثمنٌ.
وعلى رواية محمد: للأم نصف نصف الثلث، ونصف نصف السدس، وذلك ثمن المال.
وللابن نصف المال كاملاً، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهما على ستة، فيكون للأم السدس، والباقي للابن، فيأخذ كل واحد منهما نصفَ ما أصابه، والباقي للعصبة.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من جميع النسخ عدا الأصل.
(2) حصل لها الربع -مثل الحالة الأولى- من نصف الثلث، ونصف السدس.(9/169)
فصل
في ميراث الأب مع الابن
على رواية أبي يوسف.
يورّث كل واحدٍ منهما على المخاطبة والدّعوى.
ومذهب محمد في الأب يأتي في التفصيل. [ويختلفان في العبارة] (1) .
المثال:
أب، وابن، نصف كل واحدٍ منهما حر.
فعلى رواية أبي يوسف: يقال للأب: أنت ترث مع رق الابن جميعَ المال، ومع حريته السدس، فحريته تحجبك عن خمسة أسداس المال، فنصفها يحجبك عن نصفه، فيحصل لك ثلث، وربع (2) . فإذا كان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك وهو سدس وثمن.
ثم يقال للابن: أنت ترث مع رق الأب جميع المال، ومع حريته خمسةَ أسداس المال، فهو يحجبك عن السدس، فنصفه يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك خمسة أسداس، ونصف سدس، فإذا كان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك، وهو ثلث وثمن.
وأمّا محمد؛ فإنه يقول: الأب عصبة إذا انفرد، والابن عصبة؛ فتضاف حرية الأب إلى حرية الابن، فيحصل ابن كامل، فيكون المال بينهما نصفين.
ولو كان ثلثا الابن حراً، فضممنا الحرية، فيحصل ابن وسدس، فيستحقان جميع المال. للابن ثلثاه، والباقي للأب.
__________
(1) زيادة من النسخ الثلاث غير الأصل.
(2) حصل له الثلث والربع؛ لأن نصف حرية الابن حجبته عن نصف الخمسة أسداس، فكأنه
حصل على 1/6 + نصف الـ 5/6، أي 1/6 + 5/12 = 2/12 + 5/12 = 7/12 = 14/24 أي 8/24، 6/24 أي 1/3، 1/4.(9/170)
ثم قال: لو كان ثلثا الأب حراً، ونصف الابن حرّاً، فيكون لهما المال: للابن النصف، وللأب النصف. ولا نجعل لزيادة الحرية في الأب أثراً.
ولعله راعى فيه قوة عصوبة الابن.
وعلى الجملة ليس لقوله في هذا الباب ثَبَتٌ. إلا أن يقال: ليس من مذهبه الحجب إذا كان الوارثان عصبتين، وإن كان أحدهما يحجب الثاني عند كمال الحرية، كما ذكرناه في الابن، وابن الابن.
ثم إذا كانت حرية الأب أكثر، لم نبالِ بها، لاستحالة أن يتقدم الأبُ في العصوبة على الابن. فصرف إلى الابن النصف -وإن كان ثلثا الأب حراً- ثم صَرَف الباقي إلى الأب. فهذا منهاجه.
وعلى قول سفيان: المال بينهما على كمال الحرية للأب السدس، والباقي للابن، فلكل واحد منهما نصف ما أصابه.
فصل
في ميراث الأبوين مع الولد
6372- من أحاط بما مهدناه من الأصول في ميراث أحد الوالدين مع الولد، هان عليه مُدرك القياس في اجتماعهما. فنقول:
أب نصفه حر، وأم ثلثها حر، وبنت ربعها حر
فعلى رواية أبي يوسف: للبنت ربع النصف، وهو الثمن. ثم يقال للأم: أنت ترثين مع حرية البنت السدس، ومع رقِّها الثلث، فهي تحجبكِ عن السدس، فربعها يحجبك عن ربع السدس، فالحاصل لكِ سدسٌ، وثمن. فإذا كان ثلثكِ حراً، وجب لكِ ثلثُ ذلك.
ثم يقال للأب: أنت ترث مع حرّيّة الأم والبنت ثلث المال، ومع رقِّهما جميع المال، فهما يحجبانك عن ثلثي المال أما البنت، فتحجبك عن نصف(9/171)
المال، والأم تحجبك عن السدس، فإذا كان ربع البنت حراً، حجبتك عن ربع نصف المال، وإذا كان ثلث الأم حراً، حجبتك عن ثلث السدس، (1 فيحصل لك ما بقي من المال بعد أن ينقص منه ربع النصف، وثلث السدس 1) .
فإذا عرفت ذلك، وكان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك.
وتصح القسمة من اثنين وسبعين سهماً، للأم سبعة، وللبنت منها تسعة، وللأب [تسعة وعشرون ونصف] (2) ، والباقي للعصبة.
وعلى رواية محمّد للبنت ربع النصف.
وللأم عنده ما لها عند أبي يوسف، ولكنهما يختلفان في العبارة.
ويكون للأب عند محمد نصف المال كاملاً، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم على أنهم أحرار، فيكون للأب الثلث، وللأم السدس، وللبنت النصف، فيأخذ كل واحد ربعَ نصيبه وهو القدر الذي اشتركوا به في الحرية، فتأخذ البنت ربعَ النصف، والأم ربع السدس، والأب ربع الثلث، ثم نقسم نصف سدس المال بين الأم والأب على ثلاثة، ثم للأب بعد ذلك سدس جميع المال ضمّاً إلى ما تقدم.
6373- ولأصل سفيانَ معتبر نرمز إليه هاهنا، ونحققه بعد ذلك: [فمن] (3) أصله أنه إذا كان في المسألة تقدير حجبٍ، لو كملت الحرية، فإذا كانت الحرية في الأجزاء، وشابه جزءُ حريةِ الحاجب جزءَ حرية المحجوب في المقدار، حصل الحجب به، فإذا كان الحجب كلياً، سقط من يسقط لو كملت الحرية في الحاجب والمحجوب.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من غير الأصل. أما (ت 2) ، ففيها اضطراب وتكرار لا داعي
لتسويد الأوراق بذكره.
(2) في الأصل: ثمانية وعشرون.
(3) في الأصل: من.(9/172)
وإن كان الحجب بعضاً واستوى جزءُ الحريتين في الحاجب والمحجوب، أخذ المحجوبُ من الفرض الأدنى بحصته من الحرية.
وإن كان المحجوب ذا فرضَيْن، كما ذكرناه، وكان جزء حرية المحجوب أكثرَ، فالقدر الذي يساوي فيه جزءُ الحاجبِ جزءَ المحجوب يعتبر فيه الفرضُ الأدنى، ويثبت بزيادة الحرية من الحساب الذي لا حجب فيه.
وهذه المسألة (1) فيها اختلافٌ في الحرية؛ فإن نصف الأب حرٌّ، وربع البنت حر، فجرى بين الثلث والربع ما ذكرناه، وانفرد الأب بسدس الحرية، فكان له بذلك السدس سدسُ جميع المال؛ ضمّاً إلى ما تجمع له.
وسنوضح هذا بعد ذلك.
فصل
في ميراث أحد الزوجين مع الولد
6374- الولد يفرض أنثى، وذكراً. ونحن نضرب المثال أوّلاً في الأنثى، فنقول:
زوجة ثلاثة أرباعها حرة، وبنت نصفها حر
فللبنت الربع على قول الجميع.
وأمّا الزوجة، فيقال لها على رواية أبي يوسف: لك مع حرية البنت الثمن، ومع رقها الربع، فهي تحجبك عن الثمن، فنصفها يحجبك عن نصف الثمن، فيحصل لك ثمن، ونصف ثمن، فلك ثلاثة أرباع ذلك، وهي تسعة أجزاء من أربعة وستين جزءاً.
وهذا مذهب محمد في الزوجة كذلك.
__________
(1) المسألة: المراد بها المثال الذي كان موضع التفصيل آنفاً.(9/173)
6375- وعلى رواية سفيان يقسم بينهما وبين العصبة على ثمانية ثم يكون للبنت نصف النصف، وللزوجة نصف الثمن. ثم يكون للزوجة مع ذلك أيضاً ربع الربع وتصح القسمة من ستةَ عشرَ.
وتحقيق هذا أن البنت ساوت [الزوجة] (1) بنصف الحرية، فردّتها في هذا المقدار إلى اعتبار الثمن، وثبت للزوجة ربع آخر من الحرية، فأخذت بذلك الربع من حساب الفرض الأكمل. فهذا بابُه وقياسه.
وعلى مذهبه لو كان نصف الزوجة حرّاً، ونصف البنت حراً، فليس للزوجة إلا نصف الثمن، وصارت محجوبة عن الربع بالكلية. ولو كانت الزوجة حرّةً بكمالها، ومعها بنت نصفها حرٌ، فللبنت الربع، وقد ساوت الزّوجة في نصف الحرية، فتأخذ الزوجة من هذه الجهة نصف الثمن، وقد انفردت بنصف آخر في الحرية، فتأخذ نصف الربع، والمجموع ثمن ونصف ثمن.
ومذاهب العلماء متفقة في هذه الصورة وقياسهم فيها لائحٌ.
ولو كانت البنتُ حرةً بكمالها، وكان معها زوجة نصفها حر: للبنت النصف، وللزوجة نصف الثمن باتفاق علماء الباب.
6376- صورةٌ أخرى:
زوجة ثلثاها حر، وابنٌ نصفه حر
فعلى رواية أبي يوسف يقال للزوجة: أنت ترثين مع حرية الابن الثمن، ومع رقه الربع، فهو يحجبك عن ثمن، فنصفه يحجبك عن نصف الثمن، فيحصل ثمنٌ ونصف ثمن، فلك ثلثا ذلك.
ويقال للابن: أنت ترث مع حرّية الزوجة سبعة أثمان المال، ومع رقِّها جميعَ
__________
(1) في الأصل: الزوجية.(9/174)
المال، فهي تحجبك عن الثمن، وثلثاها يحجبك عن ثلثي الثمن، فتصير لك سبعة (1) أثمان المال، و [ثلث] (2) ثمنه، فلك نصف ذلك.
وعلى رواية محمد: للزوجة مثل ما ذكره أبو يوسف وبينهما اختلاف العبارة.
وللابن نصف جميع المال، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهم على ثمانية، ثم يأخذ كل واحدٍ منهما نصف ما أصابه، ثم للزوجة بعد ذلك سدسُ الربع، لمكان زيادة الحرية، فإن ثلثيها حر، فحريتها زائدة على حرية الابن بسدس، فتأخذ به من أكمل الفرضين، وهو سدس الربع.
ولو كان بدل الزوجة في هذه المسائل كلِّها زوجٌ، فهو مقيس عليها، غيرَ أن للزوج الربع، في محل ثمن الزوجة، والنصف في محل ربعها، وباقي القياس كما مضى.
فصل
في ميراث الزوجين مع الأبوين
6377- فنقول:
زوجة، وأبوان نصف كل واحد منهم حر
فللزوجة الثمن، باتفاقهم، وهو نصف الربع؛ إذ ليس في المسألة من يحجبها، غيرَ أن نصفها رقيق، فسقط نصف الربع، وبقي نصفه، وهو الثمن الذي ذكرناه.
__________
(1) في غير نسخة الأصل: خمسة أسداس المال، ونصف سدسه.
(2) في الأصل: وثمن ثمن.(9/175)
ثم أبو يوسف يقول للأم: أنت ترثين مع رق الزوجة في هذه المسألة الثلث الكامل، ومع حريتها الربع، وهو ثلث ما يبقى، فهي تحجبك [عن] (1) نصف السدس، فنصفها يحجبك عن نصف ذلك، فيحصل لك سدس وثمن، فلك نصف ذلك.
ويقال للأب: أنت ترث مع رقهما جميعاً جميعَ المال، ومع حريتهما نصفَ المال، فهما يحجبانك عن النصف، كل واحدةٍ عن الرّبع، فنصف كلّ واحدةٍ يحجبك عن نصفه، يبقى لك ثلاثة أرباع المال، فلك نصف ذلك لمكان الرق وهو ثلاثة أثمان المال.
وعلى رواية محمد: فرض الزوجة كفرضها على رواية أبي يوسف، ولا خلاف في فرضها عند علماء الباب.
وللأم عند محمد ما لها عند أبي يوسف، غيرَ أنه يخالفه في العبارة، فيقول: للأم نصفُ نصفِ الثلث، ونصف نصف الربع، وهذا هو الذي يسلم للأم على رأي أبي يوسف؛ فإن أبا يوسف قدّر للأم السدس والثمن، ثم أسقط نصفَ ذلك. ونصف السدس، والثمن هو نصفُ نصف الثلث، ونصف نصف الربع؛ فإن نصف الثلث سدس، ونصفُ نصفه نصف السدس، ونصف الربع ثمن، ونصف نصفه نصفُ الثمن.
وللأب (2) عند محمد نصف جميع المال.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم على أربعة: للزوجة الربع، وللأم ثلث ما يبقى، والباقي للأب. ثم يأخذ كل واحد نصفَ ما أصابه.
__________
(1) في الأصل: غير.
(2) (د 1) ، (ت 3) : الأم.(9/176)
فصل
في ميراث الأم مع الإخوة والأخوات
6378- والغرض منه القول في حرية الإخوة والأخوات، والنظرُ في حجب الأم من الثلث إلى السدس.
وقياس مذهب أبي يوسف، ومحمد ومن تابعهما في جمع الحرية في هذا الباب كقياسهم في أبواب البنات وغيرهن.
فنقول:
أخوان، وأم نصف كل واحدٍ منهم حر
فمن يجمع الحرية، يقول: نجمع نصفي الأخوين، فيكون بمثابة أخٍ، فلا يحجب الأم، فللأم بحساب الثلث نصفُه، وهو السدس.
وفي قول سفيان: للأم نصف السدس، فإنه يرى حجب نصفٍ بنصفين، كما يرى حجب شخص بشخصين.
ثم قال أبو يوسف: للأم نصف الثلث والباقي للأخوين.
وعبارة سفيان، بعد العلم بما ذكرناه من أصله: إن الفريضة تقسم من ستة: يقدر للأم السدس وللأخوين خمسة الأسداس، ثم تردُّ الأمُّ نصفَ السدس، وكلُّ أخٍ نصفَ ما أخذه، ويصرف إلى العصبة.
6379- صورة أخرى:
ثلاثة إخوة، وأم، نصف كل واحد حرُّ
فالذين جمعوا الحرية، وجدوا في هذه المسألة أخاً ونصفاً، ثم لهم مذهبان في هذا الباب: منهم من يقول: لم تُحجب الأم من حساب الثلث إلى السدس(9/177)
بنصفي أخوين في الصورة الأولى، ولكن دخلها النقص، من جهة رقها، فاستحقت السدس، وهو نصف الثلث.
وفي هذه المسألة زادت الحرية، فمعنا حريةُ أخٍ ونصف، فهذا النصف الزائد يقع الحجبُ به، ولا يقع بغيره، فللأم السدس من غير (1) حجب، ولها من السدس الآخر الذي هو تكملة الثلث نصفه لمكان النصف الزائد؛ إذ معنا ثلاثة أنصاف إخوة، فيحصل لها سدس، ونصف سدسٍ. ثم إنها تستحق نصفَ ذلك، وهو الثمن.
هذا مذهب.
ومنهم من قال: إذا زادت الحرية على أخٍ كامل، فإنا نجعل جميع الحرية مؤثراً في الحجب، فإن الأخ إذا لم يحجب، فلو فرض أخٌ آخر، فالحاجب الأخوان، لا الأخ الزائد، فإذاً تُحجب الأم بثلاثة أنصاف إخوة، فالسدس لا حجب فيه، وإنما الحجب في السدس الثاني الذي هو تكملة الثلث، فتحجب الأم عن ثلاثة أرباع هذا السدس، فيبقى سدس وربع سدس، فللأم نصف ذلك، وهو نصف سدس، وثمن سدس.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهم من ستة، ثم للأم نصف السدس وللإخوة نصف خمسة أسداس.
__________
(1) من غير حجب: أي لا تحجب عنه، والعبارة قد يبدو فيها شيء من الغموض للنظرة العجلى، ولكن عند التأمل نجدها صحيحة واضحة. فالمعنى أن الأم بغير حجب لها الثلث، وهذا الثلث: سدس، وسدس، فتستحق السدس كاملاً أولاً، ثم يدخل الحجب بنصف الاخ على السدس الثاني، فتستحق منه نصف سدس، فتجمع لها سدس ونصف. ثم هي أصلاً ترث بنصف حرّيتها، فترث نصفَ هذا الذي تجمع لها (سدس ونصف سدس) فيصير لها: ثمن.
ولو وضحنا ذلك بالحساب نجعل المسألة من 24 لها 1/6= 4 و 1/2 سدس= 2 المجموع: 4+2=6 لها النصف من هذا= 6/2=3. والثلاثة= 3/24= 1/8.(9/178)
6380- صورة أخرى
أربعة إخوة، وأم، نصف كل واحد منهم حر
فمن جمع الحرية ردّ الأم إلى السدس ثم إلى نصف السدس، والباقي للإخوة عنده.
وعلى رواية سفيان: للأم نصف السدس، وللإخوة نصف خمسة أسداس؛
فإنه لا يرى جمع أجزاء الحرية، كما تمهّد أصله.
6381- صورة أخرى:
أختان، وأم، نصف كل واحدة منهن حر
فللأم مع الأختين ما لها مع الأخوين عند الجميع، وقد بان ما لها مع الأخوين، وذكرنا الاختلاف فيه بين سفيان وغيرِه.
فأمّا الأختان، فمن جمع الحرية، قال: لهما النصف لكل واحدةٍ الربع، وسفيان يقول: لهما نصف الثلثين.
فصل
في ميراث الإخوة والأخوات مع الأولاد
6382- فنقول:
ابنٌ وأخٌ نصفُ [كلِّ] (1) واحد منهما حرٌّ.
فعلى رواية أبي يوسفَ بالمخاطبة والدّعوى، يكون للابن النصف، وللأخ الربع.
وعلى رواية محمد لكل واحد منهما النصف.
وعلى قول سفيان: للابن النصف ويسقط الأخ.
__________
(1) سقطت من الأصل.(9/179)
صورةٌ أخرى:
ابنٌ نصفه حرّ، وأخٌ كله حر
المال بينهما نصفان باتفاق علماء الباب، وقياسهم لائح.
صورةٌ أخرى:
ابنٌ، وأخت لأب، نصف كل واحد منهم حر
للابن النصفُ، وللأخت الثمن، على رواية أبي يوسف بالمخاطبة والدّعوى.
وعلى رواية محمد: للأخت مثل ما لها على رواية أبي يوسف.
وعلى قول سفيان: للابن النّصف، وتسقط الأخت، والباقي للعصبة الأحرار.
فإن كانت الأخت كلّها حرة، والابن نصفه حر، فللأخت الربع على رواية أبي يوسف ومحمد، وعلى رواية سفيان كذلك أيضاً، وقياسه بيِّن.
صورة أخرى:
ابنٌ نصفُه حر، وأخ (1) لأم كلّه حر
فللابن النصف، ولولد الأم نصف السدس، في قول الجميع على الأصول المختلفة.
صورةٌ أخرى:
بنت، وأخت لأبٍ، نصف كل واحدة منهما حر
فالبنت مع الأخت من الأب كالبنت مع ابن الابن؛ فإن الأخوات مع البنات عصبة. وقد مضى ذلك.
__________
(1) في غير نسخة الأصل: أخت لأم كلها حر.(9/180)
فصل
في ميراث الجدّات إذا تبعض فيهن الرق
6383- فأمّا أبو يوسف ومحمد، ومن تابعهما؛ فإنهم يجمعون الحرية، فإن بلغت حريةً كاملة، أو زادت، فليس إلا السدس، وهو مقسومٌ بينهن على أجزاء حريتهن. وإن لم يبلغ حريةً كاملة، ورثن بقدر ذلك من السدس، مقسوماً بينهن على قدر أجزاء الحرية فيهن.
وعلى رواية سفيان: السدس بينهن كيفما كن، زادت الحرية، أو نقصت، فما أصاب كلّ واحدةٍ، أخذت منه بقدر حريتها، والباقي للعصبة.
وإن اتفقت:
أم، وجدة
فالأم حاجبة، والجدة محجوبة، وتعود التفاصيل على المذاهب.
وقد نجزت مسائل الباب على أوجز وجهٍ وأبينها (1) . ومن أحاط بها، لم يخف عليه القياس فيما لم نورده.
وقد اختار الفرضيون طريقةَ سفيان؛ فإنه [منقاس] (2) حسن مُطرد، لا يخلو في قياسه صورة عن أثر نقص الرّق بخلاف سائر المذاهب، ولعل المزني يختار طريقه.
6384- ثم مما يجب التنبُّه له أن من منع توريثَ مَنْ بعضُه حر يحتج بأنا لو ورّثناه، لصرفنا ما يرثه إلى جهة الرق والحرية، ويلزم منه صرفُ حصةٍ إلى مالك رقِّه، وهذا توريث أجنبي من حميمه، من غير نسب ولا سبب.
__________
(1) كذا في جميع النسخ، فالضمير يعود على المسائل.
(2) في الأصل: مقياس.(9/181)
وهو ليس بشيءٍ؛ فإن من يورث الشخص إنما يُورِّث الجزءَ الحرَّ منه، ويحصر الاستحقاقَ فيه، ويقطع بأنه لا حظ لمالك الرق فيه.
وليس كما إذا احتش، أو احتطب أو اتّهب؛ فإن اكتساب الرقيق بهذه الجهات غيرُ ممتنعٍ، والإرث بالرق ممتنعٌ محالٌ، وما طردنا على مذهب المورثين مسألةً إلا حططنا حظ الرق فيها، والله المستعان.
***(9/182)
باب المشرّكة
6385- صورة المشرّكة:
زوجٌ، وأمٌّ، واثنان من أولاد الأم، وأخٌ، أو إخوة من أبٍ وأم
فللزوج النصف، وللأم السدس، ولأولاد الأم الثلث، ثم الإخوة من الأب والأم يشرَكون أولادَ الأم في الثلث، وينزلون معهم منزلتهم، لأجل مشاركتهم إياهم في قرابة الأم، ويجعل كأنهم ليسوا مدلين بالأب. ثم لا تفضيل لهم على أولاد الأم الذين لا يدلون بغير قرابتها، ولا تفضيل لذكرٍ على أنثى.
والقول الوجيز ما ذكرناه من تنزيلهم منزلة أولاد الأم، فالثلث إذن مفضوضٌ على كافتهم بالسويّة.
وهذا مذهب زيد، ومعظم الصحابة رضي الله عنهم.
6386- واختلفت الرواية عن علي: فأظهر الروايتين عنه أن أولاد الأب والأم يسقطون؛ فإنهم عصبة، وقد استغرقت الفرائض أجزاء المال.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
ورويت روايةٌ عن زيد مثل ذلك، وهي شاذة، ولم يمِل الشافعيُّ إليها، وقطع جوابه بالتوريث والتشريك.
واختلف قضاء عمر فيها، فروي أنّه قضى بالتشريك أوَّلاً، ثم قضى بالإسقاط بعد ذلك، فقيل له: قضيت بالتشريك في العام الأول، فقال: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي. وقيل: إنما شرك في العام الأول لما شرك(9/183)
بسبب كلامٍ صدر من أولاد الأب والأمّ، وذلك أنه لما هم بإسقاطهم، قالوا: يا أمير المؤمنين هَبْ أن أبانا كان حِمَاراً، ألسنا بني أمٍّ واحدة. والمسألة تلقب بالمشرّكة لما ذكرنا فيها من التشريك، وتلقب بالحِمارية لما نقلناه من قول أولاد الأبِ والأمَ.
6387- ثم المشركة لها أركان: أحدها - أن يكون فيها زوج، ولا تتصور المسألة دونه. وإذا نظر النّاظر في أصحاب النصف، تبين له هذا.
ومن أركان المسألة - أن يكون فيها أمٌّ أو جدة، لمكان السدس.
ومن أركانها - أن يكون فيها اثنان من أولاد الأم، فصاعداً حتى يحصل الاستغراق بالفرائض.
فلو كان في المسألة:
زوج، وأم، وأخت من أم، وإخوة من أب وأم
فللزوج النصف، وللأم السدس [وللأخت] (1) من الأم السدس، والباقي لأولاد الأب والأم، على قياس العصوبة، وإن كان ما يخص كل واحدٍ منهم أقلَّ مما أخذه ولدُ الأم.
ومن أركان المسألة - أن يكون فيها ذكرٌ من أولاد الأب والأم؛ إذ لو كان فيها أختٌ من أبٍ وأمٍّ، فرضنا لها النصف، وأعلنا المسألة، ولو كن أخواتٍ، فرضنا لهن الثلثين، وأعلنا.
ولو كان بدل الإخوة من الأب والأم، إخوة من أبٍ، سقطوا؛ فإنهم لا يشاركون أولاد الأم في قرابتهم.
هذا بيان المسألة تصويراً، وحُكماً، وتعليل المذهب مذكور في كتاب الأساليب ومسائل الخلاف.
__________
(1) في الأصل: وللإخوة.(9/184)
ولو كان في المسألة أخت أو أختان من أبٍ، فرضنا لهن فرضهن، وأعلنا المسألة، ولو كان معهن أخ من أبٍ، يسقطن بسقوطه، وكان مشؤوماً (1) عليهن.
***
__________
(1) مشؤوماً: أي شؤماً: غير مبارك، بل هو مصدر شر. (المعجم والمصباح) .(9/185)
باب ميراث ولد الملاعنة
6388- ولد الزنا لا يرث الزاني [ولا يرثه الزاني] (1) ، إذ لا نسب بينهما، وهو يرث أمَّه، لم يختلف العلماء فيه، وترثه الأم. والقول في ولدها من الزنا في حقها كالقول في ولدها من النكاح، فلا يختلف جانبها بوقوع العلوق عن حِلٍّ، أو تحريم، أو شبهة، أو نكاحٍ، أو سفاحٍ.
وإذا تعرّض [نسبٌ] (2) للثبوت لوقوع الولادة على فراشٍ، وكان لا يَنْتَفي إلا باللعان، فإذا لاعَنَ الزوجُ، ونفى النسبَ، انتفى، وانقطع الميراث بينه وبين المنفي، حسَب انقطاعه بين الزاني وولد الزنا، ثم لو عاد، فاستلحقه، لحقه، ويعود الميراث. وتفصيل ذلك يُستقصى في اللعان، إن شاء الله عز وجل.
6389- ثم إذا انقطع الميراث بين النافي والمنفي، فكل من يدلي بالنافي، فلا يرث المنفي كبنيه وإخوته وأبيه، فإنه الأصل، فاذا انقطع، انقطع بانقطاعه إرث الفروع.
ثم أمه ترثه بالفرض، كما ترثه به لو لم يُنفَ باللعان.
وكل من يدلي بالأم، فإنه يرثه إذا كان الإدلاء بجهة الوراثة، فالإخوة من الأم يرثون المنفيَّ باللعان، وولد الزنا، وكذلك أمُّ الأم على الترتيب المبيّن في الورثة.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) في الأصل: سبب.(9/186)
والسبب فيه أنها إذا ورثت، وثبت أصل الإرث فيها، ترتب على توريثها توريثُ المدلين بها.
ثم إذا ثبت أنها ليست ترث بالعصوبة، فعصباتها لا يرثون المنفيَّ، وولدَ الزنا، ولا يرثه أبوها (1) ، وهو أقرب مُدْلي بها، فما الظن بمن سواه؟
نعم. قد يرث المنفيَّ وولد الزنا مولى الأم إذا ثبت الولاء؛ فإن ولاء أولاد المعتَقة [لمولاها] (2) ، وليس له أبٌ حتى ينجرّ الولاء إليه، على ما سنفصل في باب الولاء، إن شاء الله عز وجل.
فيخرج ممّا ذكرناه أن الأم ترثه الثلث، ويرثه أولادها؛ فإنهم إخوته من الأم، والاثنان منهم يحجبان الأمَّ من الثلث إلى السدس، وإن كان إدلاؤهم إلى الميت بالأم.
ويرثه مولى الأم إن كان عليها ولاء، ولا يورث بالتعصيب إلا من جهة الولاء، والقول في تفصيله محالٌ على باب الولاء.
وهذا فيما يتعلق بالأم، وهو في نفسه إذا خلّف أولاداً، ورثوه على القواعد البينة.
6390- وقال ابن مسعود: أمّ الولد الذي لا ينسب إلى أبٍ عصبةٌ له تستغرق ميراثَه، وهذا مذهب أبي حنيفة (3) في روايةٍ، ولم تختلف الروايةُ عنه في أن عصبات الأم عصبةٌ له. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أم ولد الملاعَنه عصبتُه، وعصبتُها عصبتُه " (4) . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:
__________
(1) ولا يرثه أبوها: لا يقال: إنه لا يرثه ولو كان ثابت النسب، فإنه جدٌ لأم. لا يقال هذا؛ فإنه ذكر تمثيلاً للإدلاء بغير جهة الوراثة، لا تمثيلاً بخصوص ولد الزنا والملاعنة.
(2) في الأصل: لمواليها.
(3) ر. المبسوط: 29/198، مختصر اختلاف العلماء: 4/479 مسألة رقم 2148.
(4) حديث " أم ولد الملاعنة عصبته ... " رواه سعيد بن منصور، والدارمي، والحاكم، =(9/187)
" تحوز المرأة ثلاثة مواويث: ميراث عتقها، ولقيطها، والذي لاعنت عنه " (1) ، ولم يصحح الشافعيُّ الحديثين (2) .
6391- ومما يتعلق بالباب أن الرجل إذا لاعن، ونفى ولدين عن امرأةٍ واحدةٍ، فهما يتوارثان بكونهما أخوين من أم، وهل يتوارثان بأخوة الأب؟ ظاهرُ المذهب أنهما لا يتوارثان بها؛ فإن الأبوة غيرُ ثابتة، والأخوة من جهة الأب مفرّعة على ثبوت الأبوّة.
ومن أصحابنا من قال: يتوارثان في أنفسهما بالأخوة من الأب والأم؛ فإن الزنا لم يثبت عند التلاعن بدليل تصوّر الاستلحاق بعد النفي، فليتوارثا بأخوة الأب على الإبهام، إذا لم يثبت زنا الأم.
ولا خلاف أن المرأة لو علقت بتوأمين من وطء شبهة، ثم جُهل ذلك الواطىء، فهما يتوارثان بأخوة الأب. وهذا الخلاف يقرب من تردد الأصحاب في أن من نفى نسباً متعرضاً للثبوت باللعان، فهل يحل لابن الملاعن أن ينكح تلك المنفية، وإنما فرضنا فيه؛ لأن الملاعِن نفسَه لا ينكحها؛ إذ هي ربيبتُه، ولا يتوارث ولدَا زنا بأخوة الأب باتفاق الأصحاب، والله أعلم.
***
__________
= والبيهقي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما (ر. سنن سعيد بن منصور، ح 117-120، الدارمي: الفرائض، باب ميراث الملاعنة، ح 2961، 2962، 2963، الحاكم: 4/341، البيهقي في الكبرى 6/258، والمعرفة: 5/74، 75) .
(1) حديث: " تحوز المرأة ثلاثة مواريث " رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من حديث واثلة بن الأسقع (المسند 3/495، أبو داود: الفرائض، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 2906، الترمذي: الفرائض، باب ما يرث النساء من الولاء، ح 2115، ابن ماجه الفرائض باب تحوز المرأة ثلاثة مواريث، ح 2742، الدارقطني 4/89، الحاكم 4/340، البيهقي 6/259) .
(2) ر. الأم 4/82، وتفصيل ذلك في معرفة السنن والآثار 5/74، 75.(9/188)
باب ميراث المجوس
6392- إذا اجتمع في الشخص جهتا قرابة لا يجوز التسبب إلى تحصيلهما، فلا يقع التوريث بهما جميعاً عند الشافعي، وإنما يقع التوريث بإحداهما على ما سنفصِّل المذهبَ، إن شاء الله تعالى.
وذهب علي، وابنُ مسعود إلى التوريث بالقرابتين، والقراباتِ إذا اجتمعت إذا كان لا يحجب بعضُ الوجوه بعضاً.
وإنما نفرض البابَ في المجوس؛ فإنهم قد ينكحون الأمهات والبنات، ومن هذه الجهات تتركب القرابات التي لا يحلّ التسبب إلى تحصيلها.
وقد يتأتى فرضها من المسلم على سبيل وطء الشبهة.
والرواية الصحيحة عن زيد توافق مذهب الشافعي.
6393- ثم إذا لم يرَ الشافعيُّ التوريثَ بالقرابتين والقرابات؛ فإنه يورّث بأقواها. فإن كان بعض الوجوه يحجب بعضاً لو فرضت الوجوه في أشخاص، فلا شك، ولا إشكال، وإن كان بعضها لا يحجب بعضاً، فالتوريث يقع بأثبتها، ولا نظر إلى كثرة الفرض وقلّتِه، والمعنيُّ بالثبوت أن يكون سقوط إحدى الجهتين أقلَّ من سقوط الأخرى: فإذا كانت المرأة أمّاً وأختاً، ورثت بالأمومة؛ فإن الأم لا تسقط أصلاً بخلاف الأخت، وإذا كانت بنتاً وأختاً، ورثت بالبنوة، وإذا كانت جدة وأختاً، ورثت بالجدودة.(9/189)
وصورة الأم التي هي أخت: أن يستولد المجوسي أو الواطىء بالشبهة ابنته، فإذا ولدت، فالوالدة أخت المولود، وأمُّه، والمولود ابنتها وأختها.
وإذا استولد بنت بنته، فالعليا جدة المولود، وأخته.
وإذا استولد أمَّه فهي جدة المولود وأمه، والمولود ابنتها وحفيدتها، والمستولد أبُ المولود، وأخوه لأمه.
وقد وافق أبو يوسف، ومحمد، الشافعيَّ، واتفق على مذهبه عُلماءُ المدينة.
6394- واختلفت الروايةُ عمّن يورث بالقرابتين فيه إذا كان في الفريضة أم هي أخت، وأخت أخرى، فهي مع الأخت الأخرى هل تحجب نفسها من الثلث إلى السدس، ومذهب أبي حنيفة أنها لا تحجب.
6395- وقد انتهى القول في الأبواب التي مقصود مسائلها فتاوى الفرائض، وأحكامها، ولم يبق منها إلا ميراث الخناثى، والحمل، والقول في الردّ، وتوريث الأرحام، ونحن نرى أن نقدم القول في توريث الأرحام والرد، ثم نذكر بعد نجاز الغرض منه [فنَّ] (1) الحساب، وما يتعلق بتصحيح المسائل، بالضرب، والقسمة، ثم نذكر ميراث الخناثى، والحمل، ثم نختم الكتاب بمسائل من المعاياة، والملقبات. والله المستعان.
__________
(1) في الأصل: في.(9/190)
القول في التوريث بالرحم
مضمون هذا الأصل يحويه بابان: أحدهما - في الرد، والثاني - في توريث الأرحام، فلتقع البداية بالرّدّ (1) .
***
__________
(1) إلى هنا انتهت نسخة (د 1) . وجاء في خاتمتها ما نصه:
يتلوه في الثامن بحمد الله وعونه وحسن توفيقه باب الرد، وبيان الخلاف فيه.
كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الله بن جبريل بن أرسلان، بالمدرسة الفاضلية ( ... ) غفر الله لنا وله، ولمستنسخها وللناظر فيها. ولجميع المسلمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد (......) .(9/191)
باب الرّدّ وبيانُ الخلاف فيه
6396- قال الفرضيون: مسائل الفرائض ثلاثة أقسام: مسالة عادلة، ومسألة عائلة، ومسالة ناقصةٌ غيرُ كاملة.
فالعادلة: هي التي تستوعب فيها الفرائض الأجزاءَ، أو تشتمل على عصبة خاص، أو على فرائضَ وعصبة.
والفريضة العائلة: هي التي تزيد فيها مبالغُ المقدَّرات على أجزاء المال.
وقد شرحنا هذا، وما فيه من الخلاف.
وأما الفريضة الناقصة: فهي المشتملة على فرائضَ تنقص عن أجزاء المال، وليس فيها عصبة [خاص] (1) ، وفيها يقع الكلام في الرد.
6397- وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الباقي من المال إذا لم يكن في المسالة عصبة، فقال زيد بن ثابت: إذا لم تكن عصبةُ نسب ولا مولى، فالباقي مصروفٌ إلى مصالح المسلمين. وقيل: ذهب إلى ذلك أبو بكر الصديق، وعبدُ الله بنُ الزبير، وهو مذهبُ مالكٍ، والشافعي، وأبي ثور، وداود، وأهل الظاهر، وعُلماء المدينة.
وقال عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود بالرد على ذوي
السهام، كما سنفصل مذهبَهم، إن شاء الله تعالى، وبه قال سفيان الثوري
__________
(1) ساقطة من الأصل.(9/192)
وشَريك (1) ، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأصحابُه، وكل من قال بتوريث ذوي الأرحام قال بالرد.
ثم اختلفوا في كيفية الرد.
6398- فقال جماهيرُ الأئمة القائلين بالرد: التوريثُ بالولاء مقدّم على الرد، فإن كان في المسألة فرضٌ مِمن يُردّ عليه -كما سنذكره، إن شاء الله عز وجل- ومولى، فلصاحب الفرض فرضه، والباقي للمولى، ولا رَدَّ.
وعن عبد الله بن مسعود: إن صاحب الفرض إذا كان ممن يرد عليه، فالباقي بعد الفرض مردود عليه، غيرُ مصروف إلى صاحب الولاء.
6399- ثم الذين صاروا إليه قالوا: إنه لا يرد على الزوج بالزوجيّة، وإنما الرد على ذوي الفروض من أهل القرابة، وروى جابرُ بن زيد (2) أن عثمان رضي الله عنهم أجمعين كان يرى الردَّ على الزوج والزوجة، وهذه رواية غريبة، لم يعوِّل عليها الفرضيون.
6400- فإذا تبيّن ذلك، فمذهبُ علي أن الباقي بعد المقدّرات إذا لم يكن في المسألة مولىً، ولا عصبةُ المولى، مردود على ذوي السهام على أقدار سهامهم، إلا على الزوج والزوجة.
قال ابن عباس: يرد على جميع ذوي الفروض إذا لم يكن في المسألة مولىً، ولا عصبة، ولا عصبةُ مولى، إلا الزوج والزوجة، فلا ردّ عليهما قط، وزاد، فقال: الجدة لا يرد عليها مع كل ذي فرضٍ يرث بالرحم، فإن انفردت، أو كانت مع أحد الزوجين، يرد عليها حينئذ.
__________
(1) شَرِيك النَّخَعي، شريك بن عبد الله بن الحارث، محدث، فقيه قاضٍ، اشتهر بالذكاء وسرعة البديهة. ت 177 هـ (ر. تاريخ بغداد: 9/279، والأعلام للزركلي) .
(2) جابر بن زيد الأزدي البصري أبو الشعثاء. تابعي، فقيه من الأئمة، من بحور العلم، ت 93 هـ (الأعلام للزركلي، البداية والنهاية: 9/93-95) .(9/193)
وقال ابن مسعود: الرد مقدّم على المولى وعصباته، كما تقدم، ولم ير الردَّ على الزوج والزوجة بحالٍ، وكان لا يرد على أربعة مع أربعة، ويرد عليهم دونهم، وكان لا يرد على بنات الابن مع بنت الصلب، ولا يرد على الأخوات من الأب مع الأخت من الأب والأم، ولا يرد على الأخت من الأم مع الأم، وكان لا يرد على الجدة وفي المسألة أحد من ذوي الفروض المتعلقين بالرحم، كما حكيناه عن ابن عباس.
فهذا بيان قواعد المذهب.
6401- ونحن نفصّلها بالمسائل، ونذكرها صنفاً صنفاً.
فإذا خلّف الميت صنفاً واحداً من أصحاب السهام المتعلّقين بالرحم، و [لا] (1) عصبة، كما فصّلنا، فله فرضه، والباقي مردودٌ عليه.
فأما إذا كان في المسألة جدّة مفردة، أو مع أحد الزوجين، فلها فرضها إذا انفردت، والباقي مردود عليها.
وإن كانت مع أحد الزوجين، فلكل واحد منهما فرضُه، والباقي مردود على الجدة، على الرواية التي عليها العمل.
ثم ما ذكرناه يجري في جميع أصناف ذوي الفروض المتعلّقين بالرحم.
6402- ولو كان في المسألة:
أم، وبنت
فالمال بينهما على أربعة أسهم: للأم الربع فرضاً وردَّاً، وللبنت ثلاثة أرباع فرضاً وردّاً.
وكذلك الأم وبنت الابن.
__________
(1) ساقطة من الأصل.(9/194)
أخٌ لأمٍ، وأخت لأب وأم
المال بينهما على أربعة، على مذاهبهم: للأخ من الأم سهم، وللأخت من الأب والأم ثلاثة أسهم.
بنت وبنت ابن
في قول علي، وابن عباس: المال مقسوم بينهما على أربعة، كما ذكرنا رُبْعُه لبنت الابن، وثلاثة أرباعه لبنت الصلب. وفي قول ابن مسعود: لبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي لبنت الصلب خاصّة.
وإن اختصرت، قلت: لبنت الابن السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً.
زوج (1) ، وجدة، وبنت
في قول علي للزّوج الربع، وللجدة السدس، وللبنت النصف، والباقي مردود على الجدة والبنت: بينهما على أربعة أسهم.
وإن اختصرت قلت: للزوج الربع والباقي بين الجدة والبنت على أربعة: رُبْعُه للجدة وثلاثة أرباعه للبنت، وتصح القسمة من ستة عشر.
وعن ابن مسعود: للزوج الربع، وللجدة السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً.
جدة، وبنت، وبنت ابن
في قول علي: المال بينهم على خمسة بالفرض والردّ، للجدة سهم، وللبنت ثلاثة أسهم، ولبنت الابن سهم.
وفي قول ابن عباسٍ: للجدة السدس، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة.
__________
(1) (ت 3) ، (ت 2) : " الزوجة " ومن ثمَّ تغير الفرض، كما تغير الأصل الذي تصح منه
المسألة. فلا حاجة إلى التنبيه على هذه الفروق.(9/195)
وفي قول ابن مسعود: للجدة السدس ولبنت الابن سدس، والباقي لبنت الصلب فرضاً ورداً.
أم، وبنت، وبنت ابن
في قول علي وابن عباسٍ المال بينهن على خمسة، للأم سهم، ولبنت الابن سهم، ولبنت الصلب ثلاثةُ أسهم. وفي قول ابن مسعود (1) : لبنت الابن السدس، والباقي بين الأم والبنت على أربعة.
ولا يصح الرد قط عند ابن مسعود على ثلاثة أصناف، وإنما يصح ذلك على أصل علي وابن عباس (2) .
أم، وأخت لأم، وأخت لأب
في قول علي: المال بينهن على خمسةٍ فرضاً ورداً: للأم سهم، وللأخت من الأم سهم، وللأخت من الأب ثلاثة (3) أسهم.
وفي قول ابن عباس: للأم الثلث، وللأخت من [لأم] (4) السدس، وللأخت من الأب النصف. وليست من مسائل الردّ.
وفي قول ابن مسعود:
للأخت من الأم السدس، والباقي بين الأم، والأخت من الأب على أربعة. زوجة، وجدة، وبنت، وبنت ابن
في قول علي للزوجة الثمن، وللجدة السدس وللبنت النصف، ولبنت الابن
__________
(1) (ت 3) : ابن عباس. وهو سبق قلم واضح.
(2) (ت 3) ، (ت 2) : " عبد الله " والمراد عبد الله بن مسعود، وهو مبني على الخطأ
المشار إليه في التعليق السابق.
(3) (ت 3) : " النصف ". وهو خطأ واضح، فقد صار النصف منسوبا إلى أصل المسألة، وهو يساوي 3/5 من هذا الأصل.
(4) في الأصل: " الأب ". وهو تكرار بيّن الخطأ.(9/196)
السدس، والباقي مردود على الجدة، والبنت، وبنت الابن، على خمسة، فإن اختصرت قلتَ للزوجة الثمن، والباقي بعد الثمن بين الجدة والبنت، وبنت الابن على خمسة. وتصح من أربعين.
وفي قول ابن عباس: للزوجة الثمن، وللجدة السدس، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة.
وفي قول ابن مسعود: للزوجة الثمن، وللجدة السدس، ولبنت الابن السدس، والباقي للبنت.
وإن أردنا استيعاب المذاهب قلنا في قول زيد ومن تبعه: الباقي بعد الفروض لبيت المال.
فقد وقع الرد على ثلاثة أجناس في المسألة على مذهب علي.
وعلى جنسين على مذهب ابن عباس.
وعلى صنفٍ واحد على مذهب ابن مسعود.
6403- وفيما قدمناهُ من تمهيد المذاهب أولاً استقلال، وكفاية، ولكنا أوضحناه: بالمسائل التي ذكرناها.
ولم نفرعّ على الرواية الشاذة عن عثمان (1) ؛ فإنها لم تصح عند الفرضيين، وهي مردودة من جهة المعنى؛ فإنَّ تَعلُّقَ أصحابِ الرد بأن صاحب الفرض بعد استيفاء فرضه يتعلق بالرحم، وهو سبب الرد عليه، وهذا لا يتحقق في الزوجين. ونحن نستعين بالله تعالى ونخوض في التوريث بالرحم، إن شاء الله تعالى.
***
__________
(1) الرواية الشاذة عن عثمان: يعني بها: الرد على الزوجين بالزوجية.(9/197)
بابٌ في توريث ذوي الأرحام
6404- اختلف أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في توريثهم: فذهب أبو بكر الصديق، وعثمان بنُ عفان، وزيدُ بنُ ثابت، وعبدُ الله بنُ الزبير إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون بالرحم شيئاً، وجعلوا مالَ من لم يخلِّف غيرَهم لبيت المال، وبه قال سعيد بنُ المسيب، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وعلماء المدينة، وداود، وأهل الظاهر.
وذهب علي، وابنُ عباس، وابن مسعود، ومُعَاذ بنُ جبلٍ، وأبو عبيدة، وأبو الدرداء، وعائشة إلى توريث ذوي الأرحام، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق (1) بن راهْوَيْه، وأبو حنيفة، وأصحابُه، ويحى بنُ آدم، وطائفة.
واختلفت الرواية في ذلك عن عمرَ، فروى عاصمُ عن زِرِّ بن حُبَيش، أنه قال: " كان عمر بن الخطاب يورّث العمةَ والخالة " (2) .
وروى الأعمش: " أن عُمرَ ورّث الخالَ المالَ كفَه " (3) .
__________
(1) إسحاق بن رَاهْوَيْه، يأتي غالباً مطلقاً (إسحاق) بغير وصفٍ ولا إضافة، فحيثما وجدتَ (إسحاق) ، فإياه يعنون.
وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي، اجتمع له الحديث والفقه، وعنه ينقل الإمام أحمد كثيراً. ت 238 هـ (الأعلام للزركلي، وتاريخ بغداد: 6/345) .
(2) رواية عاصم عن زِرّ بن حبيش أخرجها ابن أبي شيبة (11/259 ح 11160) وسندها صحيح متصل كما قال ابن التركماني في الجوهر النقي (6/217) .
(3) رواية الأعمش عن عمر أخرجها سعيد بن منصور في سننه (1/69 ح 159) .(9/198)
وعن مالك بن أنس عن محمد بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع أباه يقول: " كان عمر لا يورث بالرحم "، وكان يقول عمر: " عجباً للعمة تورَثُ ولا ترث " (1) وقال للعمة: " لو رضيك الله، لذكرك " (2) .
فهذا بيان أقاويلهم على الجملة.
ومذهب من لا يورث بالرحم مضبوطٌ لا حاجة إلى تفصيله.
6405- وأما المورِّثون بالرحم، فلهم في كيفية توريثهم اختلافٌ عظيم، وقد اختلفت أجوبتُهم في فروع ذوي الأرحام، لاختلافهم في أصولها، ولا يتأتى ذكرُ ضابطٍ لمذهب كل واحد من المورّثين يعمُّ جميعَ الباب، فلا بد من ذكر تفاصيلهم في أبوابٍ يشتمل كل باب على تفصيلِ مضمونه، وذكرِ ما يليق به.
6406- وممَّا اتفق عليه المعتبرون المورثون لذوي الأرحام، أن قالوا: لا يرث من يتعلق بالرحم المحض، مع ذي فرض يرث بالفرض والقرابة، فالرد عندهم مقدّم على التوريث بالرحم المحض.
وروي على شذوذٍ عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورّثا الخالَ مع البنت. وقيل: إنما فعلا ذلك؛ لأنهما صادفَا الخالَ عصبةً بالولاء. أوْ من جهةٍ أخرى على ما سنبينه؛ فلا تعويل إذاً على هذه الرواية، ولا تفريع عليها.
6407- واختلفوا في توريثهم مع مولى النعمة وعصبته، فذهب ابنُ عباس، ومعاذ ابنُ جبل، وأبو عبيدة إلى تقديم مولى النِّعمة وعصبته على ذوي الأرحام،
__________
(1) أثر عمر " عجباً للعمة تورث ولا ترث " رواه مالك في الموطأ: الفرائض، باب ما جاء في العمة (2/517) ، وابن أبي شيبة (11/262 ح 11171) ، والبيهقي في الكبرى (6/213) ، والصغير (3/266 ح 2303) ، والمعر فة (5/84 ح3900) .
(2) أثر عمر " لو رضيك الله لذكرك " رواه مالك في الموطأ: الفرائض، باب ما جاء في العمة (2/516) ، والبيهقي في الكبرى (6/213) ، والمعرفة (5/84 ح 3899) .(9/199)
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وإليه صار أكثر من يورِّث بالرحم.
وذهب ابنُ مسعود إلى أن ذوي الأرحام أولى بالميراث من المعتِق وعصبتِه، وهو مذهب شريح وعطاء وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وجماعة من البصريين.
6408- ثم أصنافُ المورِّثين اختلفوا في كيفية التوريث، ولقَّبهم الفرضيون بثلاثة ألقاب، فقالوا: فرقة منهم تُعرَف بأهل القرابة منهم أبو حنيفة، وأبُو يوسف، ومحمد، وعيسى ابن أبان.
وإنما سمُّوا أهلَ القرابة، لأنهم رتَّبوا ذوي الأرحام قريباً من ترتيب العصبات، فورّثوا الأقرب، فالأقرب.
والفرقة الثانية تعرف بأهل التنزيل، وهم الشعبي، وشَرِيك، وابن أبي ليلى، والثوري، والقاسم (1) بن سلاّم، ومحمد بن سالم (2) ، وأبو نُعَيْم ضرار بنُ صُرَد (3) ، ونُعَيم بن حمّاد (4) ، ويحى بنُ آدم، والحسن بن زياد اللؤلؤي. وقد صح عند هؤلاء من مذهب عليّ وابن مسعود المصيرُ إلى التنزيل، وسُمّي هؤلاء منزِّلين؛ لأنهم نزّلوا كلَّ واحدٍ من ذوي الأرحام بمنزلة الوراث الذي يُدلي به. وكان أحمدُ بنُ حنبل يقول بقول المنزِّلين إلا في موضعٍ
__________
(1) القاسم بن سلاّم الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء، أحد الأئمة الكبار في علومٍ شتى، وبخاصة: الحديث، والفقه. ت 224 هـ (ر. الأْعلام للزركلي، تاريخ بغداد: 12/403) .
(2) محمد بن سالم الهمداني، أبو سهل، الكوفي، مختلف في توثيقه، كان معروفاً بالفرائض، وله كتاب فيها، والذين ضعفوه قالوا: إنه كان في الفرائض أحسن حالاً (تهذيب التهذيب: 9/176، وميزان الاعتدال: 3/556) ولم أصل إلى تاريخ وفاته.
(3) ضرار بن صُرد التيمي أبو نعيم الطحان الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق، صاحب قرآن وفرائض، ت 229 هـ (تهذيب التهذيب: 4/456) .
(4) نعيم بن حماد المروزي، نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، كان
من أعلم الناس بالفرائض. ت 228 هـ (الأعلام للزركلي، تاريخ بغداد: 13/306) .(9/200)
واحدٍ، وهو أنّه كان يقدّم الخال على جميع [ذوي] (1) الأرحام. فإن لم يكن خالٌ، فقوله كقول أهل التنزيل في كل تفصيل.
والفرقة الثالثة ذهبوا إلى التوريث بالرحم من غير ترتيب، ولا تنزيلٍ، وقسموا المال بينهم بالسوية سواء اختلفوا في القرابة، أو استوَوْا فيها، وبه قال نوحُ بنُ درّاج (2) ، وحُبيش (3) ، وشرذمة قليلة.
6409- وأصحاب الشافعي وإن كانوا لا يرَوْن التوريث بالرحم؛ فإنهم اليومَ قد يميلون إلى صرف المال إلى ذوي الأرحام لاضطراب أمر بيت المال، ثم ميلُهم إلى قول المنزِّلين؛ لأنه أقيس على الأصولِ، وآثارُ المورِّثين من الصحابة رضي الله عنهم تشهد لأهل التنزيل.
6410- والقول في توريث الأرحام في حكم افتتاح قسمةٍ أخرى، وتأسيس ورثةٍ سوى الذين استقر الشرع فيهم، وهم ينقسمون إلى من ثبت له فرض بالتقريب القياسي، وإلى من يقام مقام العصبات، ولا ذكر لهم في أبواب العصبات، ولا في أبواب ذوي السهام.
فإذا مست الحاجة إلى النظر فيهم، اقتضى ذلك اهتماماً بالغاً بعد الاستعانة بالله تعالى، وقد كثر فيه خبط العُلماء واختلافهم، وقد رأيت أن أذكر في كل صنفٍ منهم باباً مشتملاً على ذكر أصول العُلماء المورِّثين، ثم على تَبْيين الأصول بالمسائل بتخريجها على الأصول، فإذا نجز القول في أفراد أصنافهم، ذكرنا بعد
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) نوح بن دراج النخعي مولاهم أبو محمد الكوفي القاضي محدث فقيه، مختلف في توثيقه، والأكثرون على تضعيفه. ت 182 هـ (تهذيب التهذيب: 10- 482) .
(3) حبيش: أرجِّح أنه: حبيش بن مبشر بن أحمد بن محمد الثقفي، أبو عبد الله الفقيه الطوسي نزيل بغداد ت 258 هـ (ر. تهذيب الكمال: 5/415، تهذيب التهذيب: 2/195، وتاريخ بغداد: 8/272) .(9/201)
ذلك كلاماً بالغاً في اجتماعهم، وفيمن يقدّم منهم، ومن يؤخر، وإذا انتهى هذان النوعان، اختتمنا الكلام بجوامع في مذاهب العلماء تحل محل التراجم، ولو ذكرتُ الجملَ، كانت مبهمة على من يبتدىء النظر فيها، وقد يعتريه ملالٌ من استبهامها، فبندأ بأبواب الأفراد من الأصناف الوارثين بالرّحم.
***(9/202)
باب في توريث أولاد البنات
6411- أصل هذا الباب على قول أهل القرابة أن تنظر في أولاد البنات، فإن اختلفت درجاتُهم، وكان فيهم من هو أقرب، وفيهم من هو أبعد -وهذا هو المراد باختلاف الدرجات- فيقدم من هو أقرب في الدرجة، وإن كان الأبعد يتصل إلى الوارث من غير واسطة، [كالأقرب] (1) مثل:
بنت بنت، وبنت بنت ابن
فكل واحدة منهما مُدلية بوارث، ولو كان في المسألة بنت، وبنت ابن، لورثتا، ولكن بنت البنت مقدمة عند أهل القرابة على بنت بنت الابن؛ فإنها اختصت بقوة القرب. وهذا قاعدة اعتبار القرابة.
وإن استوت الدرجتان، نظر: فإن سبق أحدهما إلى الوارث قبل اتصال الثاني بالوارث، قدِّم من سبق إلى الوارث. وهذا
كبنت بنت ابن، بنت بنت بنت
فبنت بنت الابن أولى؛ لأنها سبقت إلى الوارث في الدرجة الأولى، وبنت بنت بنت الصلب تتصل بالوارثة بدرجتين.
وإن شئت قلت: إذا استوت الدّرجتان في القرب، فإن كان الأصل بنتين، فلا يتصور التفاوت في السبق إلى الوارث.
__________
(1) في الأصل: كالأبعد.(9/203)
وإن كان أصل إحدى الدرجتين ابناً، وأصل الدرجة الأخرى بنتاً، فمن هو على درجة الابن أسبقُ إلى الوارث لا محالة.
وإن كان السابق إلى الوارث أبعد بالدرجة والقريبُ بالدرجة أبعد عن الوارث، مثل أن يكون في المسألة:
بنت بنت بنت الابن ومعها بنت بنت البنت، فالبعيدة بالدرجة تتصل بالوارثة بنفسها، والقريبة بالدرجة تتصل بالوارثة وهي بنت الصلب بدرجة، فقد وُجد في إحدى الدرجتين بُعدٌ وسبْقٌ، وفي الدرجة الثانية قربٌ مع واسطةٍ. وقد ثبت أن المقرِّبين يقدّمون القربَ على السبق، والمنزِّلون يقدمون السبقَ على القُرب، فإن تحقق الاستواء في الدّرجة قرباً وبعداً، ووجد الاستواء في السبق إلى الوارث، ورثوا جميعاً.
6412- ثم اختلف أبو يوسف، ومحمد في كيفية القسمة: فاعتبر أبو يوسف أبدان ذوي الأرحام عدداً وصفةً، فإن كانوا إناثاً سوّى بينهن، ولم ينظر إلى الأصول؛ وإن كانوا ذكوراً، فكذلك، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا يلتفت أبو يوسف إلى ما تقدم من الدرج والوسائط أصلاً، وإنما نظره إلى الوارثين بالرحم في أنفسهم.
وأمّا محمد؛ فإنه ينظر إلى أول درجة وأعلى بطنٍ وقع فيه الخلاف، من آباء هؤلاء الذين يورّثهم وأجدادِهم، وأمهاتهم، وجدّاتهم، فيجعل كلَّ ذكرٍ في ذلك البطن بعدد أولاده الأحياء الذين تقع القسمةُ عليهم، فيثبت ذلك العدد في الدرجة العليا، ويقدِّرُهم ذكوراً، وكل أنثى في الدرجة العليا يجعلها بعدد أولادها الأحياء إناثاً؛ سواء كان الأولاد الأحياء ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً، فالعدد مأخوذ من الأولاد الأحياء، والذكورة والأنوثة مأخوذتان من الدرجة العليا.
وإذا فعل ذلك، قسّم المالَ في الدرجة العليا للذكر مثلُ حظ الأنثيين، إن(9/204)
كانوا ذكوراً وإناثاً. وإن كانوا ذكوراً، فالقسمة على الذّكور، وإن كانوا إناثاً، فالقسمة عليهن. ثم يُفرد نصيبَ الذكور على حدة، ونصيبَ الإناث على حدة، وينظر إلى كل واحدٍ من الصنفين. فإن لم يقع في أولاده الذين بينه وبين أولاده الأحياء اختلاف، قسّم ما أصابه بين أولاده الأحياء على اعتبار أبدانهم.
وإن وقع فيهم اختلافٌ، قسم ما أصابه في البطن الذي وقع فيه الاختلاف، واعتبر في ذلك ما اعتبره في البطن الأول، ثم لا يزال يفعل ذلك حتى تنتهي القسمة إلى الأولاد الأحياء، فإذا انتهت القسمة إليهم، قسم ما أصابهم بينهم على اختلاف أبدانهم.
هذا قولُ محمد. وأكثر أهل الرأي يقولون: هو قول أبي حنيفة، ولا يتّضح هذا الأصلُ إلا بضرب الأمثلة وإيراد المسائل.
6413- فأما المنزّلون، فإنهم ينزّلون كلَّ واحدٍ من أولاد البنات منزلة آبائه، وأمهاته، ويرفعونه بطناً بطناً، فأيّهم سبق إلى وارثٍ، كان أولى.
وإن استوَوْا في السبق، قُسِّم المالُ بين الورثة الذين صاروا إليهم، ثم يقسّم ما يصيب كلّ واحد من الورثة تقديراً بين من يدلي به على حسب ما يستحقون فيه لو كان الميت ذلك الوارث.
ثم إن كانوا في أنفسهم ذكوراً، أو إناثاً، قسم بينهم بالسوية، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإن استحقاقَهم كذلك يقع، وهذا سبيل التوريث بالبنوة.
هذا مذهب جمهور المنزّلين.
6414- فأما أبو عبيد القاسم بن سلاّم وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وغيرُهما ممن تابعهما قالوا: إذا كان فيهما ذكور وإناث، فالحصة مقسومة عليهم بالسوية لا يفضُل ذكرٌ أنثى؛ فإنهم لا يرثون بالعصوبة، وإنما يرثون بالرحم.(9/205)
وهذا فاسد؛ فإن المنزّلين يُحلّون ذوي الأرحام محلَّ أصولهم، وهذا حقيقةُ التنزيل.
والتوريث بالرحم المطلق يرفع اعتبارَ القُرب والبعد، والنظرَ إلى الأصول.
فهذا تمهيد قاعدة الباب.
مسائله:
بنت بنت، وثلاث بنات بنت أخرى
بهذه الصورة: (1)
°...... °
° ... ° ° °
على قول أهل القرابة: يقسم المال بينهم أرباعاً، لا غير.
ولو قدّر محمد هذا العدد في الأصلين، لكان الجواب هكذا.
وعلى قول أهل التنزيل: نقسم المال بين بنتي الصلب تقديراً نصفين فرضاً وردّاً، ثم نجعل نصيب كل بنت لولدها، فيخص بنت البنت الفردة نصفٌ ويخصّ بنات البنت الأخرى نصف.
ابن بنت مع أخته وبنت بنتٍ بهذه الصورة:
° ... °
|° ... °
فعلى قول أهل القرابة المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على أربعة،
__________
(1) بهامش الأصل شرح لهذه الرسوم هذا نصه:
الدائرة علامة الإناث، والألف علامة الذكور. وإذا اتصلت الألف بدائرة فوف الألف، فذلك علامة ذكر يتصل بأنثى. وإذا اتصلت الألف بدائرة تحت الألف فعلامة أنثى تتصل بذكر.(9/206)
فيعتبرون ذوي الأرحام بأنفسهم في هذه الصورة.
ومحمد يوافق أصحابه لأن أصولهم ورثة، وهو إنما يعتبر تعديدَ الأصول بعدد الأولاد إذا كانوا أرحاماً، ولهذا [قيدنا] (1) الكلامَ، وقلنا: ننظر إلى البطن الأعلى الذي فيه الخلاف، وأردنا البطنَ الأول من الأرحام.
ومذهب جمهور المنزِّلين أن النصف لبنت البنت المفردة، والنصف لولدي البنت الأخرى: بينهما للذكر مثل حظ الأثثيين.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: النصف الذي لولدي البنت بينهما بالسوية.
ابن بنت، وبنت بنت أخرى، وثلاث بنات بنت ثالثةٍ:
° ... °....... °
| ... ° ... ° ° °
على قول أهل القرابة: المال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، كما تقدم.
وعلى قول المنزِّلين: لولد كل بنتٍ الثلث، ويقسم الثلث الذي يصيب البنت الثالثة بينهن على ثلاثة.
بنت بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
° ... |
° ... °
..... °
أهل القرابة يقولون: المال لبنت البنت لقربها في الدرجة.
وفي التنزيل: المال بينهما على أربعة بالفرض والرد، كما يكون كذلك بين بنت الصلب وبنت الابن.
__________
(1) في الأصل: مهدنا.(9/207)
بنت ابن بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
° ... |
| ... °
° ... °
ْفالمال لبنت بنت الابن عند الفريقين؛ لأنها أسبق إلى الوارث، مع استواء الدرجتين؛ فإن المنزّلين يعتبرون السبق إلى الوارث، ولا يعتبرون الدرجة قربت، أو بعدت، وأهل القرابة يعتبرون السبق إلى الوارث عند استواء الدرجتين، فلا خلاف بين الفريقين إذاً: نعني أهل التنزيل وأهل القرابة.
وأما نوح وحُبَيش ومن تابعهما من المورثين بالرحم المطلق، يسوّون بين القريب والبعيد، والسابق إلى الوارث والمسبوق، ويقولون: المال بينهما نصفين. وهذا المذهب يجري في كل صورة، ولكنا نذكره عند اتفاق
الفريقين، حتى يتبين خلافهم لهما، ويحصل بتكرير ذكرهم إبانة مذهبهم.
بنت ابن بنت، وبنت بنت بنت
بهذه الصورة
° ... °
| ... °
° ... °
فعلى قول المنزِّلين المال بينهما بالسوية، وتعليله بيّن؛ فإنهم يقسمون المال نصفين، بين بنتي الصلب، ثم يحطّون النصفين إلى الواسطة، ثم منهما إلى الدرجة التي نتكلم فيها، وهذا مذهب أبي يوسف من أصحاب القرابة؛ فإنه ينظر إلى صفة من يقسم عليه.
وعلى قول محمد: يقسّم المال في الدرجة الوسطى التي فيها الخلاف؛ فإن أهل الدرجة الوسطى أرحام، فللذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة، فإن ما أصاب الذكر، وهو الثلثان يسلّم إلى ولده، وهي بنت ابن البنت، وما أصاب بنت(9/208)
البنت في الواسطة، وهو الثلث يسلّم إلى ولدها، وهي بنت بنت البنت.
بنتا بنت بنت، وثلاث بنات ابن بنت أخرى
بهذه الصورة
. °...... °
. °...... |
° ° ... ° ° °
فعلى التنزيل: النصف بين بنتي بنت البنت بالسويّة، والنصف الآخر بين بنات ابن البنت الأخرى على ثلاثة بالسوية.
وعلى قول أبي يوسف: المال بينهن على خمسة بالسوية، فإنه ينظر إلى أعداد من يقسم عليهم وصفاتهم، وهي خمسة.
وعلى قول محمد: نجعل الذكر الذي في الوسط ثلاثة ذكور بعدد أولاده ونجعل الأنثى التي في الدرجة الوسطى اثنتين بعدد أولادها فنقسم المال في الدرجة الوسطى بين ثلاثة ذكور وأنثيين على ثمانية، فنصيب الذكر ستة، فتدفع إلى أولاده، لكل واحدة منهن سهمان.
ونصيب الأنثى سهمان يكون ذلك لولديها لكل واحدةٍ منهما سهم.
وقد اتضح الآن مذهب محمد بن الحسن للناظر، وسيزداد وضوحاً، إن شاء الله عز وجل.
بنتا بنت بنت، وابن، وثلاث بنات ابن بنت
بهذه الصورة
. °........ °
. °........ |
° ° ... | ° ° °
فعلى قول المنزلين نسلّم نصفاً إلى أولاد ابن البنت، وهم أربعة ثلاثة إناث، وواحد ذكر، والنصف مقسوم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والنصف الآخر لبنتي بنت البنت بينهما بالسوية.(9/209)
وعند أبي يوسف من المقرِّبين: المال مقسومٌ بين الذين نورّثهم للذكر مثل حظ الأنثيين على سبعة أسهم، ولا نظر إلى من قبله.
وعلى قول محمد نجعل الذكر الذي في الوسط بمنزلة أربعة ذكور، والأنثى التي في الوسط بمنزلة الأنثيين، ويقسم المال في الدرجة الوسطى، بين أربعة ذكور وأنثيين: على عشرة، فيصيب الذكر ثمانية، والأنثى اثنان، والنصيبان [يتفقان] (1) بالنصف (2) ، فنرد كلَّ واحدٍ منهما إلى نصفه اختصاراً، فتعود المسألة على خمسة للذكر أربعة، وللأنثى سهم، فالأربعة التي هي نصيب الذكر بين أولاده: للذكر مثل حظ الأنثيين، على خمسة والأربعة لا تصح عليها، ولا توافق الواحد الذي هو نصيب الأنثى بين ولديها: ينكسر على اثنين، ولا يصح، ولا يوافق، وليس بين الاثنين والخمسة موافقة، فنضرب اثنين في خمسة يكون عشرة، ثم نضرب العشرة في الخمسة التي أردنا قسمتها فيكون خمسين منه تصح المسألة وهذا تمامُ بيان مذهب محمد في هذا الباب.
***
__________
(1) في الأصل: ينقصان.
(2) بالنصف: المراد هنا نصف الثمانية والاثنين، وليس نصف التركة، فتنبه.(9/210)
باب في كيفية توريث بنات الإخوة وأولاد الإخوة والأخوات
6415- أصل هذا الباب على مذهب المنزِّلين أن يُنزَّل كلُّ واحد منهم بمنزلة أبيه أو أمه، وإذا تسفّلوا، رُفِّعوا كذلك بطناً بطناً، فإن سبق بعضُهم إلى وارث، كان أولى بالميراث، وإن استوَوْا في السبق، قدّرنا قسمة المال بين الورثة الأصليين، فما أصاب كلُّ واحدٍ منهم، قُسّم بين أولاده، ورُوعيت صفتهم في الذكورة والأنوثة في الاختلاف والاتفاق.
6416- ثم مما يجب التنبه له في قاعدة الباب من مذهب المنزِّلين أنا نقسم حصة أولاد الأخت من الأب والأم، وحصة أولاد الأخت من الأب بينهم بعد التنزيل الذي ذكرناه مع مراعاة صفاتهم في الذكورة والأنوثة، فإن كانوا ذكوراً [قسم عليهم بالسوية، وكذلك الإناث الممحّضات، وإن كانوا ذكوراً] (1) وإناثاً، فالمذهب الذي عليه التعويل أن حصتهم مقسومةٌ عليهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا فيما أصاب أولاد الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب.
فأما أولاد الأخ والأخت من الأم، فحصتهم مقسومة عليهم بالسويّة، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً: لا يفضَّل ذكرٌ على أنثى، كما لا يفضل الأخ من الأم على الأخت.
وهذا فيه مجال للفكر، من طريق العلة، وإن كان الحكم متفقاً عليه؛ فإن
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.(9/211)
قياس المنزّلين يقتضي أن تقسم حصةُ أولاد الوارث على نسبة قسمة تركة ذلك الوارث لو مات، وسيأتي مصداق ذلك في الأبواب والمسائل، إن شاء الله عز وجل.
وهذا يقتضي أن يقال: لو مات الأخ من الأم، وله ابنٌ، وبنت، فما يخلّفه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن لم يصر إلى ذلك أحد من المنزِّلين، في هذا المقام. وقطعوا بأن أولاد الأخ من الأم يستوون، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً.
6417- وأصل الباب على قول أهل القرابة أن ننظر: فإن كان في أولاد الأخوات وبنات [الإخوة] (1) من هو أقرب بالدرجة، فهو أولى من أي جهةٍ كان، سواء كان من أولاد الأب، أو من أولاد الأم.
وإن استوت الدرجات، فأيّهم سبق إلى الوارث، فهو أولى من أي جهة كان السابق.
وإن [استوَوْا] (2) في الدرجة والسبق، فقد اختلف فيه أهل القرابة، فأمّا أبو حنيفة، وأبو يوسف، فإنهما جعلا من كان من قِبل الأب والأم أولى، ثم من كان من قبل الأب، ثم من كان من قِبل الأم، وراعى هؤلاء قوة القرابة، ولم يلتفتوا إلى الأصول، وإلى من يسقط منهم أو يبقى. ثم قال هؤلاء: أولاد من كان من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب يتفاضلون إذا كانوا ذكوراً وإناثاً: للذكر مثل حظ الأنثيين. فأما إن كانوا من أولاد الأخ من الأم، أو الأخت من الأم، فلا يفضّل الذكر منهم على الأنثى، على حسب ما ذكرناه على مذهب المنزِّلين.
فأما محمد بن الحسن، فإنه يأخذ حكمَ كل فريق من آبائهم، ويأخذ العدد من
__________
(1) في الأصل: الأخ.
(2) في الأصل، (ت 3) : استوت.(9/212)
الأولاد، كما ذكرناه في أولاد البنات [وسيتضح مذهبه بالمثال، فلينظر الناظر حتى ينتهي إليه، وإذ ذاك نبينه بياناً] (1) شافياً.
6418- مسائل الباب:
بنت أخت، وابنا أختٍ أخرى.
في قول المنزّلين: لولد كلّ أختٍ النصفُ، ثم أحد النصفين بين ابني الأخت نصفين، والنصف الآخر لبنت الأخت الأخرى.
وعلى قول أهل القرابة المال بين بنت الأخت وابني الأخت الأخرى: للذكر مثل حظ الأنثيين على خمسة.
والأختان من جهة واحدة: إما من أبٍ وأم، أو من أب.
ثلاث بنات ثلاثة إخوة مفترقين
على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: السدس (2) لبنت الأخ من الأم، وهو نصيب أبيها لو كان هو الوارث، والباقي لبنت الأخ من الأب والأم؛ وذلك أن الأخ من الأب يَسقُط بالأخ من الأب والأم، فكذلك يسقط ولدُه.
هذا حكم التنزيل، وهذا بعينه مذهبُ محمد بن الحسن.
ثلاث بنات ثلاث أخوات متفرقات
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف: المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول المنزِّلين وقول محمد بن الحسن: المال بينهن على خمسة، كما يكون بين أمهاتهن كذلك، بالفرض والرّد.
وكذلك الجواب في
ثلاثة بني ثلاث أخوات مفترقات عند الفريقين.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) (ت 3) : المال. وسقطت من (ت 2) .(9/213)
ثلاثة بنين، وثلاث بنات ثلاث أخواتٍ مفترقات
مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف: أن المال بين ولدي الأخت من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول محمد نجعل كأنه خلَّف ست أخوات مفترقات، فأخذ العدد من الأولاد، والحكم من الأصول. وهذا موضع التنبيه الموعود؛ فإنا [ذكرنا] (1) من أصله في باب أولاد البنات أنه يأخذ في هذا الاعتبار من الدرجة الأولى التي فيها الخلاف، وهي أعلى الدرجات من الأرحام، ولا يعتبر هذا في الأصول الوارثين. وفي هذا الباب اعتبر في العدد الأصول في الصفة، وأقام كلَّ أصل على عدد أولاده، حيث قال: نجعل كأنّ في المسألة ست أخواتٍ مفترقات، فإذاً للأخت من الأم الثلث بتقديرها أختين، وللأخت من الأب والأم الثلثان؛ لأنها بمنزلة الأختين لأب وأم، ثم الثلث الذي أضيف إلى الأخت من الأم يكون بين ولديها نصفين، والثلثان الذي قدرناه للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة.
ومذهب المنزلين: أن المال يقدّر بين أمهاتهن على خمسة، فما أصاب الأختَ من الأم، وهو سهمٌ من خمسة، فهو بين ولديها: بالسوية لما مهدناه من التسوية بين أولاد الأخ من الأم، والسهم الذي يصيب الأخت من الأب بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. والثلاثة التي للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يكاد يخفى طريق التصحيح.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: نقسم المال بين الأمهات، كما ذكرناه على خمسة، وما أصاب كلّ واحدة منهن بين ولديها: نصفين من غير تفضيل ذكر على أنثى.
__________
(1) في الأصل: نذكر.(9/214)
ابن أخت لأم معه أخته، وابن ابن أخت لأبٍ وأم
فالمال لولدي الأخت من الأم بينهما نصفين على قول الفريقين.
وفي قول نوح وحُبيش (1) : المال بين الثلاثة بالسويّه.
بنتا أخٍ، وخمس بنات أخٍ آخر
عند أهل القرابة: المال بينهن على سبعة، وهذا مذهب محمد أيضاً؛ فإنه إذا نقل عددَ الأولاد إلى الأخوين، وقعت القسمة كذلك.
وعند المنزِّلين يقدّر لكل أخٍ نصف المال، ثم يقسم نصفٌ على اثنين، ونصفٌ على خمسة، ولا يخفى التصحيح.
ابنا أخٍ لأمٍ، وبنتُ أخت لأبٍ:
في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: المال لبنت الأخ من الأب.
وقال محمد بن الحسن: المال بينهم على خمسة، فإنه يقدر الأخ من الأم على عدد الأولاد، ففي المسالة على هذا التقدير: أخت لأبٍ، وأخوان لأم، فتقع القسمة من خمسة.
وعلى قول المنزلين: يقسم المال بينهم على أربعة، ويقدر في المسألة أخٌ لأم، وأخت لأبٍ. ولو كانا، لقسمنا المال بينهما بالفرض والرد على هذه النسبة.
ثم الربع الذي يقع لولدي الأخ من الأم بينهما نصفين.
ابنا أختٍ لأبٍ، وبنت أخت لأبٍ وأم
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول محمد كانه خلف أختاً لأبٍ وأم، وأختاً لأبٍ، فالمال على هذا
__________
(1) نوح وحبيش: يورثان بالرحم مطلقاً، من غير نظر إلى قرابة ولا إلى تنزيل، فيسوون بينهم (انظر ما سلف ص 201) .(9/215)
التقدير بينهن على أربعة بالفرض والرد، فما أصاب الأختَ من الأب -وهو سهم- لولديها نصفين.
وهذا مذهبُ المنزِّلين.
وقد أجرينا بعضَ الصور المقدمة على قول علي في الرد؛ فإنه رضي الله عنه يرد المال على الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب على آربعة. ومن قال بقول ابن مسعود، فإنه يجعل السدس لولدي الأخت من الأب، والباقي لولد الأخت من الأب والأم؛ فإنه لا يرى الردَّ على الأخت من الأب [مع الأخت من الأب] (1) والأم.
فهذا اعتبار الباب، وبيان أصول العلماء بالمسائل، وضرب الأمثلة.
***
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/216)
باب في كيفية توريث الأخوال والخالات والأعمام والعمات من الأم
6419- قاعدة الباب على رأي أهل القرابة أن الخالات لو كن منفردات، ننظر: فإن كان جميعهن من جهةٍ واحدة، بأن كن أخوات الأم من أبٍ وأم، أو أبٍ، أو أمٍ، فالمال بينهن بالسوية، وإن اختلفت جهاتهن: بأن كنّ ثلاث أخوات مفترقات لأم الميت، فأَوْلاهن من كان من قبل الأب والأم، ثم من كان من قبل الأب، ثم من كان من قبل الأم.
وحكم الأخوال إذا انفردوا، كحكم الخالات المنفردات؛ فإن اجتمع الأخوال والخالات، وكانوا من جهةٍ واحدةٍ، فالمال بينهن: للذكر مثل حظ الأنثيين، سواء كانوا من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب، أو من قبل الأم. ولم يفصّلوا في تفضيل الذكر على الأنثى بين جهةٍ وجهةٍ، ولم يقولوا إخوة الأم من جهة الأم، وهم أخوال الميت: لا يفضل ذكرهم على أنثاهم.
وقد مهدنا في باب أولاد الأخوات أن أولاد الأخت والأخ من [الأم] (1) يستوون، وإن كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً، فليعلم الناظر هذا فصلاً بين البابين.
هذا قول المُقرِّبين في الأخوال والخالات.
فأمّا العمات المنفردات على رأيهم، فحكمهن حكم الخالات، فإن اجتمع
__________
(1) في الأصل: الأب.(9/217)
مع العمات من الأم أعمام من الأم، ولم يكن في المسألة غيرهم، قسم المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6420- وإذا اجتمع الخالات والعمات جميعاً، فالمذهب المشهور من قول أصحاب أبي حنيفة أنه يُدفع إلى الخالات الثلث، وإلى العمات الثلثان، ثم يعتبر في ثلث الخالات والثلثين للعمات ما كان يعتبر في جميع المال لو صرف إلى أحد الصنفين عند انفراده.
وروى ابنُ سماعة (1) عن أبي يوسف أنه قال: إنما نجعل المال ثلثاً، وثلثين بين العمات والخالات، إذا استوت جهة العمات، والخالات، فأمّا إذا اختلفت الجهتان، فالمال كلّه لأقواهما، خالاتٍ كنّ أو عمات.
وكان بشر (2) يقول: المال مصروفٌ إلى العمات على أية جهة كُنَّ، دون الخالات.
وهذا مذهب شاذ، ولا يعدّ خلاف بشر.
6421- فأما أهل التنزيل فقد قالوا: إذا كانت الخالات منفردات، قسّم المال بينهم على حسب ما يرثن من الأم لو كانت هي الميتة، وكذلك الأخوال المنفردون، والأخوال والخالات إذا اجتمعوا قسّم المال بينهم على حسب استحقاقهم من أم الميت لو كانت هي الميتة.
فأمَّا العمات المنفردات، فلأهل التنزيل في العمة مذاهبٌ: منهم من قال: العمة بمنزلة الأب؛ فإنها تدلي إلى الميت بالأب؛ إذ هي أخت أب الميت.
__________
(1) ابن سماعة، محمد بن سماعة بن عبد الله التميمي، أبو عبد الله، ولى القضاء لهارون الرشيد، وكان يقول بالرأي على مذهب أبي حنيفة، وله كتاب (النوادر) عن أبي يوسف ت 233 هـ. (ر. الأعلام للزركلي، وتاريخ بغداد: 5/341) .
(2) بشر: أبو الوليد بشر بن الوليد بن خالد بن الوليد الكندي، أخذ العلم عن أبي يوسف خاصة، وولي القضاء ت 238 هـ (طبقات الفقهاء: 138، الجواهر المضية 1/452) .(9/218)
ومنهم من قال: هي بمنزلة العم من الأب والأم، سواء كانت عمة من أب، أو عمة من أم، أو عمة من أبٍ وأم.
فهذا القائل ينزلها منزلة العم من الأب والأم.
وهذه روايةٌ عن علي.
ومن المنزّلين من نزّل العمات المفترقات منزلةَ الأعمام المفترقين.
ومن المُنَزِّلين من نزلهن منزلة الجد؛ من جهة أنها تدلي بالجد أب الأب.
وهذا إنما يستقيم في العمة من الأب والأم، والعمة من الأب، فأمَّا العمة من الأم، فينبغي أن تكون كالجدة أم الأب؛ فإنها على هذا الطريق تدلي بالجدّة.
ونحن نعود إلى شرح هذه المذاهب في آخر توريث الأرحام عند نجاز الأبواب المعقودة في أفراد أصناف ذوي الأرحام، إن شاء الله تعالى.
6422- فمن نزل العمةَ منزلة الأب، أو منزلة العم من الأب والأم؛ فإنه يقول في العمات المفترقات: إنهن يستحققن الميراث على حسب استحقاقهن من الأب لو كان هو الميت.
وهذا موضع تدبر؛ فإن العمة لو انفردت جعلناها كالأب من أي جهةٍ كانت، فقد يخطر للناظر أن يجعلهن وإن اختلفت جهاتهن كالمستويات، ولكن ليس الأمر كذلك عند المنزِّلين؛ فإنهم يعتبرون تقدير ميراثهن من الأب، كما اعتبروا في الخالات المفترقات تقدير ميراثهن من الأم.
ومن نزل العمات المفترقات منزلة الأعمام المفترقين، قدم العمة من الأب والأم، ثم العمة من الأب، فإن لم تكونا، فإذ ذاك ترث العمة من الأم.
ومن نزلهن منزلة الجدّ، فإنه يُسقط من كان من قبل الأم؛ فإنها ليست مدلية بالجد. ويقسم ما أصاب بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأب بالسوية،(9/219)
ولا يعتبر غيرَ ذلك؛ فإن المتبع عنده الإدلاء بالجد، وقرابة الأم غير معتبرة.
وهاهنا موقف للناظر؛ إذْ كان يحتمل أن يقال: العمة من الأم كالجدة أم الأب، كما ذكرناه، والجدة أم الأب ترث مع أب الأب. ولكن لم يفعل المنزّلون ذلك، وغلّبوا العمةَ المدلية بالجد، وأسقطوا بها العمة المدليةَ بالجدة وزادوا، فلم يرجحوا العمة من الأب والأم على العمة من الأب.
6423- وكان أحمد بن حنبل يجعل الخال أولى من جميع ذوي الأرحام لخبرٍ فيه، سنذكره بعد نجاز الأبواب، إن شاء الله تعالى. فإن لم يكن خال، فمذهبه مذهب المنزّلين في كل معنىً. وهذه الأصول تُهذَّب بالمسائل.
مسائل الباب
ثلاث خالات مفترقاتٍ
في قول أهل القرابة: المال للخالة من الأب والأم.
ومذهب المنزّلين أن المال بينهن على حسب استحقاقهن من أم الميت، لو كانت هي الميتة، ثم الصحيح مذهبُ عليّ في الرّد، فالمال إذن بين الخالات على خمسة كما لو ورثن أمَّ الميت بالفرض والرد.
وعلى أصل ابن مسعود في الرد: السدس للخالة من الأم، والباقي بين الخالة من الأب والأم، والخالة من الأب على أربعة.
ثلاثة أخوال مفترقين.
عند أهل القرابة: المال للخال من الأب والأمّ.
وعلى رأي المُنَزِّلين: المالُ بين الخال من الأم، والخال من الأب والأم على ستة: للذي هو من الأم السدس، والباقي للخال من الأب والأم، على قياس توريثهم من أم الميت.(9/220)
ثلاثة أخوال مفترقين، وثلاث خالات مفترقات
مذهب المُقَرِّبين: أن المال بين الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
[وعند المُنَزِّلين: الثلث بين الخال والخالة من الأم للذكر مثل حظ الأنثيين] (1) .
6424- وهذا مشكل بالإضافة إلى ما قدمناه في أولاد الأخوات؛ فإنّا جعلنا المال بين أولاد الأخ من الأم مقسوماً بالسوية على الذكور والإناث، وهاهنا فضلنا الذكر على الأنثى في أُخُوَّة الأم من قبل أمهما، وإن كانوا يرثونها لو ماتت بالسوية؛ ومبنى التنزيل في هذه الأبواب على اعتبار الإرث من الأم لو كانت هي الميتة، والذي يحقق ذلك أنا قدرنا الثلث للخال والخالة من الأم، وما ذلك إلا لاعتبار التوريث من الأم، فيجب اعتبار قياس التوريث منها.
وقال المُنَزِّلون: الباقي بعد هذا الثلث للخال والخالة من الأب والأم:
للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا سديد في إخوة الأم من أبيها وأمها؛ فإنهم على هذا القياس يرثونها لو ماتت.
وعند أبي عبيدٍ ومن تابعه: الثلث بين الخال والخالة من الأم نصفين، والثلثان بين الخال والخالة من الأب والأم نصفين، وهذا أصله المطّرد في التسوية بين الذكور والإناث.
6425- ثلاث عماتٍ مفترقات
عند أهل القرابة: المال بين العمة من الأب والأم
وعند المنزلين: تختلف المسالك، فمن نزل العمات منزلة الأعمام، جعل
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل، (ت 3) ، وأثبتناه من (ت 2) .(9/221)
العمة من الأب والأم أولى، كما ذهب إليه المقربون.
ومَنْ نزلهن منزلة الأب، قسم المال بينهن، كما يرثن من الأب لو كان هو الميت، فعلى أصل عليٍّ في الرّدّ: المال مقسوم على خمسة، وعلى أصل ابن مسعود في الرد (1) السدس للعمة من الأب، والباقي بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأم على أربعة.
خالة لأم، وعمة لأب
على مذهب القرابة في الرواية المشهورة: الثلث للخالة، والثلثان للعمة.
وعلى رواية ابن سماعة عن أبي يوسف: المال كله للعمة من الأب، فإن الجهتين قد اختلفتا، وروايته أن الجهتين إذا اختلفتا، قدمت [أقواهما] (2) .
وعلى مذهب المنزلين: الثلث للخالة، والثلثان للعمة، وتنزلان منزلة الأم والأب.
خالة لأب وأم، وعمة لأب
فمذهب الجمهور من المقرّبين: أن المال بينهما على ثلاثة، كما ذكرنا: [الثلث للخالة من الأب والأم، والثلثان للعمة.
وعلى رواية ابن سماعة المال للخالة.
ثلاثة أخوال مفترقين، وثلاث عمات مفترقات
عند أهل القرابة] (3) الثلث للخال من الأب والأم، والثلثان للعمة من الأب والأم.
__________
(1) نذكّر بأن أصل عليٍّ في الرد الرّدُّ على جميع أصحاب الفروض ما عدا الزوجين.
وأما ابن مسعود، فلا يرد على بنت الابن إذا كان معها صلبية، ولا على الأخت لأب إذا كان معها شقيقة، ولا على أخت لأم إذا كان معها أم، ولا على الجدة إذا كان معها صاحب فرضٍ متعلقه الرحم. وأما الزوجان فلا يرد عليهما أصلاً، وعلى أية حال.
(2) في الأصل: أبوهما. وهو من غرائب التصحيف.
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.(9/222)
وعلى قول المنزِّلين: الثلث، بين الخال من الأم، والخال من الأب والأم، على ستة: للخال من الأم سهم، وللخال من الأب والأم [خمسة] (1) ، والثلثان الذي للعمات يخرّج على اختلاف المنزّلين في تنزيل العمات، فمن نزل العمات منزلةَ الأعمام جعل الثلثين للعمة من الأب والأم.
ومن نزلهن منزلة الأب، قسم الثلثين بين العمات على خمسة في قول علي، كما يرثن الأب كذلك، لو كان هو الميت، فأمَّا على أصل ابن مسعود في الردّ، فسدس الثلثين للعمة من الأب، والباقي بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأم، على أربعة: رُبْعُه للعمة من الأم، وثلاثة أرباعه للعمة من الأب والأم (2) .
عمتان من أبٍ، وعمّ وعمّةٌ من أم، وخالة من أب وخالة من أم
في قول أهل القرابة: الثلث للخالة من الأب، والثلثان للعمتين من الأب.
وعلى قول المنزلين: الثلث بين الخالة من الأم، والخالة من الأب على أربعة أسهم للخالة من الأم الربع، وللخالة من الأب ثلاثة أرباع المال. وللعمتين من الأب ثلثا الثلثين، وللعمّ والعمة من الأم الثلث من الثلثين بينهما نصفين.
وهذا الآن يخالف ما قدمناه، من قسمة المال، والحصة بين الخال والخالة من الأم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما نبهنا عليه في أثناء الباب. فإن صح ذلك الذي تقدم نقلاً، فيجب هاهنا قسمة ثلث الثلثين بين العم والعمة من الأم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن صح قسمة ثلث الثلثين بين العم والعمة نصفين، وهذا
__________
(1) في الأصل: سهمان.
(2) لأن العمة من الأب هنا لا يرد عليها مع وجود العمة لأب وأم، فهي أختٌ لأبٍ مع أختٍ شقيقة، ولو عبرنا عن المسألة بعبارة أوضح، لقلنا: الثلث للخال من الأب والأمً، والخال من الأم......... والثلثان للعمات: للعمة للأب والأم النصف، وللعمة من الأب السدس، وللعمة من الأم السدس، والباقي -من الثلثين- يُردُّ على العمة من الأب والأم، والعمة من الأم، دون العمة من الأب؛ فليس لها هنا إلا سدسها.(9/223)
هو القياس المنطبق على أصل التنزيل، وجب على مقتضاه لا محالة قسمة المال والحصة بين الخال والخالة من الأم نصفين بالسوية. ومن نزّل العمات بمنزلة الأعمام، جعل الثلثين كلَّه للعمتين من الأب.
فهذا ما نقلناه على ثَبَتٍ من كتاب الأستاذ أبي منصور رحمه الله.
***(9/224)
باب في توريثهم لأولاد الأخوال والخالات والعمّات
6426- أصل هذا الباب على قول أهل القرابة أن أولاد الأخوال والخالات، إذا كانوا منفردين، يُنظر فيهم: فإن استَوَوْا في الدرج وكانوا من جههٍ واحدة، ورثوا جميعَ المال.
ثم أبو يوسف يعتبر أبدانهم عدداً، وصفةً، ويقسم بينهم على اختلافهم في أنفسهم، ولا ينظر إلى أصولهم في الذكورة والأنوثة.
ومحمد يعتبرهم بأصولهم في الذكورة، ثم يعدّد الأصول بعدد الأولاد، كما تمهّد ذلك من أصله في أولاد الأخوات، وبنات الإخوة.
فإن اختلفت جهاتهم، فكان بعضهم أولاد الخال أو الخالة من الأب والأم، وبعضهم أولاد الخال أو الخالة من الأب، وبعضهم من الأم. فإن كان فيهم قريبٌ بالدّرجة، فهو أولى على رأي المقرِّبين. وإن استوَوْا في القرب يقدم أسبقهم إلى الوارث، وليس ذلك لاختيار التنزيل، وإنّما هو لقوة القرابة المدانية لقرب الدرجة، فإن استوَوْا في السبق إلى الوارث، اعتُبر بعد ذلك قوةُ القرابة، فقرب الدرجة، مقدّم على السبق، وقوة القرابة، والسبقُ بعده، مقدَّم على [قوة] (1) القرابة. فإن حصل الاستواء في قرب الدرجة، والسبقِ إلى الوارث، اعتبر بعدهما قوةُ القرابة، فإن استوَوْا في القرب، والسبق، وقوة القرابة، اشتركوا. والمعتبر أبدانُهم على رأي أبي يوسف.
__________
(1) في الأصل: قرب.(9/225)
وأمّا محمد يعتبر آباءهم، كما تقدم. والآباء في هذا الباب الأخوالُ، والخالات، وهم مختلف فيهم. وقد ذكرنا أنّه يعتبر صفات الآباء إذا كانوا أرحاماً في الدرجة الأولى، ويعتبر الأعدادُ من الأولاد. وقد تكرر ذلك.
ونحن نُفرد (1) في صدر هذا الباب أولادَ الأخوال والخالات، ثم نذكر بنات الأعمام وأولاد العمات، ثم نذكر اجتماع بنات الأعمام وأولادَ العمات، وأولادَ الأخوال والخالات.
فأمَّا الفصل الأول، فقد مهدنا فيه أصلَ المقرِّبين.
فأما أهلُ التنزيل، فأصلهم يطرد في الأبواب، ولا يكاد يختلف، فيُنزِّلون أولادَ الأخوال والخالات درجةً درجة: إذا نزّلوا واحداً درجةً، نزّلوا الآخر؛ فإن سبق أحدهم إلى وارثٍ للميت، كان أولى من غيره، ولا نظر عندهم إلى قرب الدرجة.
وإن استوَوْا في السبق إلى الورثة، قسّم بين الورثة الذين صاروا إليهم، وانتهَوْا إلى وراثتهم، على حسب استحقاقهم من الميت، فإذا بانت حصةُ كل واحدٍ من ورثة الميت، فُضَّت حصتُه على من انتهى إليه بالتنزيل، على حسب استحقاقهم منه، لو كان هو الميت.
وهذا الأصل لاطراده يذكر في صدر كل باب، فيستقيم أصلاً فيه.
مسائل هذا النوع:
6427- ثلاث بنات أخوال مفترقين
في قول أهل القرابة: المال لبنت الخال من الأب والأم؛ لقوة القرابة.
وعند المنزِّلين السدسُ لبنت الخال من الأم، والباقي لبنت الخال من الأب والأم.
__________
(1) (ت 3) : نقرر.(9/226)
وكذلك الجواب في ثلاثة بني أخوال مفترقين.
ثلاث بنات خالات مفترقات
على أصل أهل القرابة: الميراث لبنت الخال من الأب والأم، وعند المنزِّلين على رأي عليٍّ في الردّ المالُ بينهن على خمسة: لبنت الخالة من الأم سهم، ولبنت الخالة من الأب سهم، ولبنت الخالة من الأب والأم ثلاثة أسهم.
[ومن قال بقول ابن مسعود في الردّ، وكان من المنزّلين] (1) ، قال: لبنت الخالة من الأب السدسُ، والباقي بين بنت الخالة من الأم، وبنت الخالة من الأب والأم على أربعة.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاثة بني (2) خالات مفترقات
في قول أبي يوسف: المال بين ولدي الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول محمد: يقسم المال بين الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، فما أصاب كلّ واحد منهما، دفع إلى ولده، فيكون سهمان لبنت الخال من الأب والأم وسهمٌ لابن الخالة من الأب والأم.
وأما على مذهب المنزلين، فالأخوال والخالات إخوةٌ لأم، فيقسم المال بينهم، فيخص الخالَ والخالةَ من الأم ثلثُ المال، ويكون الباقي للخال والخالة من الأب والأم، ويسقط الخالة والخالُ من الأب.
فأمّا ما خص الخال والخالة من الأم، فيقسم بين ولديهما بالسوية، كما ذكرناه في أولاد الأخ من الأم في بابه.
__________
(1) عبارة الأصل: " وعلى قول ابن مسعود في الرد، ومن يقول بالتنزيل ".
(2) (ت 3) : بنات.(9/227)
وأما ما يخص الخالَ والخالةَ من الأب، فمسلمٌ إلى أولادهما للذكر مثلُ حظ الأنثيين إلا في قول أبي عُبيد من المنزِّلين، فإنه لا يفضل الذكر على الأنثى.
6428- فأما بنات الأعمام وأولاد العمات، فأصل المقرِّبين على ما تمهّد.
والمبتدىء في هذا العلم ينتفع بالتكرير ويألف المذاهبَ به.
فإن اختلفت الدرجات، فالأقرب أولى، وإن استوت، فالأسبق إلى الوارث أولى، وإن لم يكن فيهم أسبق، فالأقوى أولى.
وبيان ذلك قبل المسائل أنه إذا كان في المسألة:
ابنة ابن عمٍّ لأبٍ وأم، وبنت عمة من أم، فالمال لبنت العمة عند المقرِّبين، لأنها أقرب، فإنْ ترك بنتَ بنت عمّة، وبنت ابن عم لأب وأم، فالمال لبنت ابن العم؛ لأنها أسبق، فإن ترك بنت عمة لأب وأم، وبنت عمة لأب أو لأم، فالمال لبنت العمة من الأب والأم؛ لأنها أقوى، فإن ترك بنت عمّة، وبنتَ عم لأبٍ وأم، أو لأبٍ، فبنت العم أولى؛ لأن أباها عصبة، فهذا أصل المقربين، وأصل المنزِّلين ما سبق.
- مسائله
6429- ثلاث بنات عمّات مفترقات
عند أهل القرابة: المال لبنت العمّة من الأب والأم.
وأما المنزِّلون: فمن نزل العمات منزلة الأعمام، قدم بنتَ العم من الأب والأم، ومن نزل العمات منزلة الأب قسّم المالَ بينهن على خمسة، على قول عليٍّ في الرد: لبنت العمة من الأم سهم، ولبنت العمة من الأب سهم، ولبنت العمة من الأب والأم ثلاثة أسهم.(9/228)
ومن فرّع على رأي ابن مسعود جعل السدس [لبنت] (1) العمة من الأب، والباقي بين بنت العمة من الأم، وبنت العمة من الأب والأم على أربعة أسهم.
ثلاث بنات أعمام مفترقين
المال لبنت العم من الأب والأم عند الجميع، إلا على قول نوح وحُبيش، فإن المال بينهن أثلاثاً.
ثلاث بنات أعمام مفترقين، وثلاثة بني عمات مفترقات
فالمال لبنت العم من الأب والأم عند الفريقين.
فأما إذا اجتمع
بنات الأعمام، وأولادُ العمات، وأولادُ الأخوال والخالات، فمذهب المقرِّبين أن من كان أقرب منهم بالدرجة، فهو أولى، وإن استوَوْا في الدرجة، فالأسبق إلى الوارث أولى. وإن استوَوْا في السبق إلى الوارث، فالثلثان لجهة بنات الأعمام وأولاد العمات.
ثم النظر فيه على ما قدمناه في أفرادهم (2) .
والثلثان في حقهم كجملة المال لو انفردوا، والثلث لجهة أولاد الأخوال والخالات، ثم يعتبر في الثلث ما يعتبر في جميع المال لو انفردوا.
وأهل التنزيل ينزِّلون الأخوال كما قدمنا في انفرادهم، ويختلفون في تنزيل العمَّات، وأولادهم على ما نبين في المسائل.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاث بنات أعمام مفترقين، وثلاثة بني عمات مفترقات، وثلاث [بني] (3) خالات مفترقات، فبنت العم من الأب والأم أوْلى
__________
(1) في الأصل: لابن.
(2) (ت 3) ، (ت 2) : أولادهم.
(3) في الأصل: بنات.(9/229)
على رأي الفريقين [إلا نوح وحُبيش] (1) ، لأنها أسبق إلى الوارث، مع الاستواء في الدرجة.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاث بنات عماتٍ مفترقات
عند أهل القرابة الثلث لبنت الخال من الأب والأم، والثلثان لبنت العمة من الأب والأم.
وعند المنزّلين: الثلث بين بنت الخال من الأم، وبنت الخال من الأب والأم، على ستة أسهم: سهمٌ لبنت الخال من الأم، وخمسة أسهم لبنت الخال من الأب والأم، وتسقط بنت الخال من الأب.
وأمَّا بنات العمات، فمن نزل العمات منزلة الأعمام، جعل الثلثين لبنت العمة من الأب والأم، ومن نزّلهن، منزلة الأب أو نزّلهن منزلة العم من الأب والأم، وإن اختلفت قراباتهن، تصدّى له مذهب عليٍّ وابنِ مسعود في الرد، فإن قال بقول عليٍّ، قسمَ الثلثين بينهن على خمسة: سهم لبنت العمة من الأم، وسهمٌ لبنت العمة من الأب، وثلاثة أسهم لبنت العمة من الأب والأم.
ومن فرع على مذهب ابن مسعود في الرد، جعل لبنت العمة من الأب سدسَ الثلثين، وقسم خمسة أسداس الثلثين بين بنت العمة من الأم، وبنت العمّة من الأب والأم، على أربعة أسهم.
كما تكرر ذكره مراراً.
بنت ابن خال من الأب والأم، وبنت ابن عمة من الأب والأم، وبنت بنت عم لأب
المال لبنت بنت العم عند الفريقين. وعند نوح وحبيش هو بين الثلاث بالسوية.
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/230)
بنت عمة من أم، وبنت ابن عم من أب، وبنت خالٍ من أب وأم
عند المنزلين: المال لبنت ابن العم، فإنها أسبق إلى الوارث.
وعند أهل القرابة: الثلث لبنت الخال، والثلثان لبنت العمة، وتسقط بنت ابن العم، فإنها وإن كانت أسبق إلى الوارث، فبنت العمة أقرب، والقرب على مذهب القرابة، مقدم على السبق إلى الوارث.
***(9/231)
باب في كيفية توريث قرابات الأبوين: مثل أخوالهما وخالاتهما وأعمامهما وعماتهما
6430- فنذكر قرابات الأم، ثم نذكر قرابات الأب، ثم نذكر اجتماعهم.
فأما أخوال الأم وخالاتها على رأي المقرِّبين، فهم بمنزلة أخوال الميت، وخالاته يعتبر فيهم ما يعتبر فيهم.
وعمّاتها إذا انفردن، وأعمامها، يعتبر فيهم ما يعتبر في عمات الميت وأعمامه من الأم.
فإن اجتمعت عمةُ الأم، وخالُها، فقد اختلفت الرواية عن المقرِّبين، فروى أبو سليمان الجوزجاني (1) أن الثلث للخالة والثلثين للعمة. وإن تعددت، فالثلث للخالات، والثلثان للعمات، والأخوال كالخالات، على قياس خالات الميت وعماته.
وروى عيسى بن أبان أن المال كلَّه للعمّة.
وذكر بعض الفرضيين أن هذا مرويٌّ عن أبي يوسف، وقيل: هو مذهب أبي حنيفة، ومحمد.
فإن اجتمع أعمام أم الميت، وعماتها، فالرواية المشهورة أن المال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
__________
(1) أبو سليمان الجوزجاني: أبو سليمان موسى بن سليمان، أخذ عن أبي يوسف ومحمد وروى كتبهما، فقيه محدث. ت بعد المائتين (طبقات الفقهاء: 137) .(9/232)
وروى بعض الفرضيين عنهم أن المال كلَّه للعم إن كان من أبٍ وأمٍّ، أو أبٍ.
فإن كان لأم، وكانت العمة كذلك لأم، فالمال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
6431- وهذا مضيقٌ اضطروا إليه؛ فإنهم يعتبرون القرابةَ والقربَ، وقد اطّرد لهم في عمة الميت وخالة الميت الثلث والثلثان، وهو في التحقيق قُربٌ من مذهب التنزيل؛ فإنهم نزّلوا الخالة منزلةَ الأم، والعمة منزلة الأب، ثم ذلك إن احتُمل، فلا اطراد له في عمّة الأم، وخالة الأم، فإنهما جميعاً من جهة الأم، وعظم عليهم الكلامُ في ذلك.
والأقيس اعتبارُ الثلث والثلثين؛ فإن عمة الأب كأبيها، وخالةَ الأم كأمها.
والمذهب على الجملة مضطرب في الباب على أصحاب القرابة.
6432- وأما أهل التنزيل، فإنهم نزّلوا أخوال الأم وخالاتها بمنزلة (1 الجدة أم الأم، ونزلوا أعمامها وعمّاتها 1) بمنزلة الجد أب الأم (2) ، ثم جرَوْا على قياسهم في التوريث، كما نبين في المسائل.
6433- مسائله:
ثلاث خالات الأم مفترقات
عند أهل القرابة: المال لخالة الأم من الأب والأم.
وعند المنزّلين: كأن الجدّة أم الأم ماتت عن ثلاث أخواتٍ مفترقات، فالمال بينهن على خمسة، بالفرض والرد، على مذهب عليٍّ، ولا يخفى مذهبُ ابن مسعود في الرد.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (ت 3) .
(2) (ت 3) : بمنزلة الجدات للأب، (ت 2) : بمنزلة الجد أب الأب. وكلاهما خطأ واضح.(9/233)
ثلاثة أخوال الأم مفترقين.
في قول أهل القرابة: المال للخال من الأب والأم.
والمنزلون يقولون: كأنّ أم الأم ماتت عن ثلاثة إخوة مفترقين، فسقط الذي للأب، ويكون المال بين الآخرين على ستة: سدُسُه للخال من الأم، والباقي للخال من الأب والأم.
ثلاث عمات الأم مفترقات
عند أهل القرابة: المال لعمتها من الأب والأم.
والمنزلون قالوا: نجعل كأن أب الأم مات عن ثلاث أخواتٍ مفترقاتٍ، ولا يخفى التفريع على المذهبين في الردّ.
ثلاثة أعمامٍ الأم مفترقين
عند أهل القرابة: المال لعمها من الأب والأم.
وعند المنزلين: نجعل كأنّ أب الأم مات، وخلف ثلاثة إخوة مفترقين.
ثلاثة أعمام الأم، وثلاث عماتها مفترقين
المذهب المشهور لأهل القرابة أن المال بين عمها وعمتها لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى رواية لهم غريبة: المال لعمتها من الأب والأم، رواها حمدان الجنابي (1) .
__________
(1) حمدان الجنابي: لم نجد له ذكراً في تهذيب التهذيب، ولا لسان الميزان، ولا ميزان الذهبي، ولا سيره، ولا الشيرازي، ولا السبكي، ولا الإسنوي ولا ابن الملقن في طبقاتهم، ولا الخطيب البغدادي في تاريخه ولا في موضح الأوهام، ولا الوافي للصفدي، ولا توضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي، ولا الأنساب ولا في كتب تراجم الأحناف، الجواهر، التاج، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري، الفوائد البهية، طبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، الطبقات السنية، ولا في الإكمال لابن ماكولا، ولا الأعلام للزركلي.
هذا مع تقديرنا لتصحيف الاسم، فبحثنا في كل الصور الممكنة بالإعجام أو =(9/234)
وعند المنزلين: كأن الجد أب الأم خلّف ثلاثة إخوة، وثلاث أخواتٍ مفترقين، فالثلث بين الذين لأم بالسوية، والثلثان بين الذين لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا على قول أبي عبيد ومن تابعه، فالمال بينهما بالسوية؛ فإن هؤلاء لا يفضلون الذّكر على الأنثى.
أما خالة الأم وعمة الأم إذا اجتمعتا، فسنذكر مذهب المنزلين في ذلك آخر الباب، إن شاء الله عز وجل؛ فإن إيضاح الغرض يستدعي تقديم مسائل.
6434- فاما أخوال الأب، وعماته، فمسائله:
ثلاثة أخوال الأب مفترقين
[عند أهل القرابة: المال لخال الأب من الأب والأم.
وعند المنزلين: كأن أم الأب ماتت عن ثلاث أخوات مفترقاتٍ] (1) ولا يخفى التفريع.
ثلاث خالات الأب مفترقات
عند أهل القرابة: المال للخالة من الأب والأم.
وعند المنزلين: كأنّ أم الأب ماتت عن ثلاث أخواتٍ مفترقاتٍ، ولا يخفى حكمُ التفريع على مذهبي الردّ.
ثلاثة أخوال الأب، وثلاث خالاته مفترقين
المال على مذهب القرابة للخال والخالة من الأب والأمّ: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي التنزيل على القاعدة الممهدة: ثلث المال بين الخال والخالة من الأم
__________
= الإهمال، على سبيل المثال: الجناني، الحناني، الحنائي، الجبائي ... إلخ الصور.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل.(9/235)
بالسوية، والثلثان بين اللّذَيْن لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا على مذهب أبي عبيدٍ ومتابعيه.
ولا يخفى [تفصيل] (1) العمات من جانب الأب، ولا يتأتى مزجهن بالأعمام، فإن عمَّ الأب من الأب والأم، ومن الأب عصبة، يحجب الأرحام.
ولا يخفى تخريج العم من الأم.
6435- فأما ذكر قرابات الأبوين من الجانبين
خالة أم، وخالة أب
في القرابة: لخالة الأم الثلث، ولخالة الأب الثلثان.
وفي التنزيل خالة الأم بمنزلة أم الأم، وخالة الأب بمنزلة أم (2) الأب، فهما كجدتين لهما السدس، والباقي ردٌّ عليهما، فالمال بينهما نصفين.
عمة أم، وعمة أب
في القرابة لعمة الأم الثلث، ولعمة الأب الثلثان.
وفي التنزيل العمة على الرأي الظاهر بمنزلة الأب (3) ، كما أن الخالة بمنزلة الأم، فعمة الأب بمنزلة أب الأب، وعمة الأم بمنزلة أب الأم، فالمال لعمة الأب، وتسقط عمة الأم؛ فإن أب الأب وارثٌ، وأب الأم من الأرحام.
خالة الأم، وعمة الأب
في القرابة: لخالة الأم الثلث، ولعمة الأب الثلثان.
وفي التنزيل: لخالة الأم السدس؛ لأنها بمنزلة أم الأم، والباقي لعمة
__________
(1) في الأصل، (ت 2) : تفضيل.
(2) (ت 3) ، (ت 2) : أب الأب. وهو خطأ واضح.
(3) (ت 3) ، (ت 2) : بمنزلة أب الأب. وهو وهم أيضاً.(9/236)
الأب؛ لأنها بمنزلة أب الأب، أو عم الأب، وكيفما قدّرنا، فالأمر كذلك.
ثلاث عمات الأب، وثلاث خالاته، كلّهن مفترقات، وثلاثة أعمام الأم، وثلاث عماتها مفترقات، وثلاث خالاتها مفترقات
فعلى الرواية المشهورة لأهل القرابة: ثلث الثلث لخالة الأم من الأب والأم، وثلثا الثلث لعمها وعمتها من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين. وثلث الثلثين لخالة الأب من الأب والأم وثلثا الثلثين لعمته من الأب والأم.
وعلى رواية عيسى (1) : الثلثُ لعم الأم وعمتها من قبل الأب والأم، والثلثان لعمة الأب من الأب والأم.
وعند المنزلين: نصف السدس بين خالات الأم على مذهبي الردّ لعلي وابن مسعود، والنصف الآخر من السدس يقسم بين خالات الأب على هذين القياسين في الرد، فأما خمسة الأسداس، فهي لعمّات الأب خاصّة يدار عليهن على قياس الردّ لعلي وابن مسعود.
وعلى قول نوح وحُبَيش المال بين الكل بالسوية.
6436- وقد تبيّن من مذهب المنزلين أن خالة الأم تقدم على عمة الأم؛ لأن خالة الأم كأم الأم، وهي وارثة، وعمة الأم كأب الأم، وهو جدّ فاسد من الأرحام.
وإذا تمهد هذا، لم يخف تخريج أخوال الأبوين، وخالاتهما، وأعمامهما، وعماتهما.
وأخوالُ الأجداد، وخالاتهم، وعماتُهم، تخرج على القياس المقدّم.
وأصل التنزيل أن ينزّل كل خال وخالة بمنزلة الجدّة التي هي أختها.
__________
(1) عيسى: أي ابن أبان.(9/237)
وينزل كل عم وعمة بمنزلة الجد الذي هو أخوها، ثم نجري على قياس هذا التقدير.
وأصل أهل القرابة على القانون المقدم لا يختلف منه شيء مع اعتبار القرب، ثم السبق، ثم القوة، وبعد ذلك اختلافُ الروايات في العمات والخالات، من جانب الأب، ومن جانب الأم.
***(9/238)
بابٌ في كيفية توريث الأجداد والجدات الذين هم من ذوي الأرحام
6437- هؤلاء سماهم المورثون بالرحم الأجداد الفاسدة، والجدات الفاسدة، وراموا بإطلاق هذا اللفظ الفصلَ بين الجد الوارث بالجدودة، وبين الجد الوارث بالرحم، وكذلك القول في الجدتين.
6438- فأصل الباب على قول أهل التنزيل: أن ينزل كل واحد من الأجداد والجدات بطناً بطناً، وننظر؛ فإن سبق بعضُهم إلى وارث، فله المال كله، وإن استوَوْا في السبق، قسم المال بين الورثة الذين صاروا إليهم، فما أصاب كلُّ وارث، قُسم بين من يدلي به، على حسب الاستحقاق.
6439- وأما أهل القرابة، فلهم خبطٌ عظيم في هذا الباب، ونحن نصفه، ونذكر اختلافهم فيه، ونشير إلى أقيس (1) المذاهب على طريق القرابة، إن شاء الله عزوجل.
فإن كان فيهم من هو أقرب، قُدّم من أي جهةٍ كان، وهذا أصل لا يناقضون فيه، وإن استوَوْا في القرب، واختلفوا في السبق، فنذكر صورةً، ونخرّج عليها خبطَهم نقلاً، ونوضِّح وجه القياس، وهي:
أب أب الأم، وأب أم الأم
قال عيسى بن أبان، ومعظم المعتَبرين: المال لأب أب الأم، ولا شيء لأب
__________
(1) (ت 3) ، (ت 2) : أقيسة.(9/239)
أم الأم. هذا هو الذي قطع به القاضي أبو محمد (1) في تصنيفه.
وقال بعض المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة كأبي الفضل (2) الخفاف، وأبي سهل الفرائض (3) وعلي بن عيسى البصري (4) : المال كله لأب أم الأم، ولا شيء لأب أب الأم.
__________
(1) القاضي أبو محمد، لم نستطع القطع بمن هو القاضي أبو محمد، أي اجتمع فيه لقب القاضي= والكنية بأبي محمد، ولعله: أبو محمد سهل بن إبراهيم القاضي، ذكره القرشي في الجواهر (ترجمة رقم 629) ولم يذكر له كتاباً، ولم يؤرخ لوفاته. ثم وجدنا الصيمري في أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص 167) يذكره مع أبي عمرو الطبري (أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى سنة 340) أي أنه من رجال القرن الرابع.
(2) أبو الفضل الخفاف، ذكره القرشي في الجواهر ولم يزد على ذكر كنيته ولقبه ولم يذكر من أخباره شيئاً، إلا أنه مذكور في نص سراج الدين الفرضي في مختصره كما في الجواهر (2/585) : " قال الإمام سراج الدين الفرضي في مختصره في فصل في الصنف الثاني، أولاهم بالميراث أقربهم إلى الميت من أي جهة كان، وعند الاستواء، فمن كان يُدلي بوارث فهو أولى عند أبي سهل الفرائضي، وأبي الفضل الخفاف، وعلي بن عيسى البصري ". ولم نجد مزيداً في ترجمة أبي الفضل الخفاف مع بحثنا في باقي كتب تراجم الأحناف كالتاج والفوائد البهية وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، وكذا في المراجع المذكورة آنفاً عند البحث عن ترجمة حمدان الجناني، وقد ذكر محقق الجواهر عبد الفتاح الحلو رحمه الله أن للخفاف ترجمة في الطبقات السنية برقم 2897، لكن لم يتسنّ الاطلاع عليها، لأن الجزء الذي فيه هذه الترجمة لم يطبع بعد. (ر. الجواهر المضية: 4/75 ترجمة 1963، 2/285، 4/71) .
(3) أبو سهل الفرائضي، ويذكر تارةً بالغزالي، وتارة بالزُّجاجي، من تلاميذ أبي الحسن الكرخي، ومن شيوخ الجصاص، تفقه به أهل نيسابور، وبها توفي، ولم تذكر المصادر سنة وفاته أو ولادته، كما لم تذكر اسمه. وأخباره في: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري: 165، طبقات الشيرازي: 144، الجواهر 4/51-52 وقال إنه وجد ضبط الزجاجي بضم الزاي في نسخة عتيقة من طبقات الشيرازي، التاج: 335، الفوائد البهية: 81، طبقات الفقهاء لطاش كبري زاده: 68.
(4) علي بن عيسى البصري، ذكره القرشي في الجواهر (2/585 ترجمة 988) و (4/71) ولم يزد على ذكر اسمه، وما ذكرناه في التعليق قبل السابق في ترجمة أبي الفضل الخفاف يعود هنا، غير أنه لم يشر محقق الجواهر أن لعلي بن عيسى البصري ترجمة في الطبقات السنية.(9/240)
وقال أبو سليمان الجُوْزجَاني: المال بينهما على التفاضل ثلثاه لأب أب الأم، وثلثُه لأب أم الأمّ.
وقال أبو علي محمد بن موسى البُسْتي (1) : إذا استوَوْا في الدرجات، فالمال بينهم بالسوية.
فهذا بيان اضطرابهم.
6440- ونحن نذكر لكل مذهبٍ من هذه المذاهب وجهاً، ثم نوضّح القياس: فأمّا ما رواه عيسى بنُ أبان، فوجهه أن أب أب الأم قرابته قوية من الأم؛ فإنه عصبتها، وصاحب فرضها. وهي بنت ابنه، فإذا قويت القرابة بين هذا الجد وبين الأم، اقتضى دْلك تقديمَه، وأب أم الأم ليس يرثها بالجدودة، وهو جدّ فاسد في حقها، وهي منه بنت بنته، فكانت هذه القرابة ضعيفة، واعتبار السبق إلى الوارث بعيدٌ على رأي أهل القرابة، وتأويله -حيث تعتبر [آثاره] (2) - قوة في القرابة، وليس مأخذه مأخذ مذهب المنزلين. فإذا وجدنا قوةً في القرابة أولى من اعتبار السبق، لم يُعتبر السبق.
وأما من راعى الثلث والثلثين، فهو بناءٌ منه على قرابة الأم والأب، كما ذكرنا التفصيل في قرابات الأبوين.
ومن راعى التسوية، التفت على مذهب أبي يوسف في القسمة على الأبدان، وتَرْكِ النظر إلى الأصول.
__________
(1) أبو علي محمد بن موسى البستي، ذكره القرشي في الجواهر (4/71 ترجمة 1957) مثلما ذكر أبا الفضل الخفاف تماماً، غير أن أبا علي البستي يمتاز بأن إمام الحرمين ذكر اسمه (محمد بن موسى) ، على حين لم يذكر صاحب الجواهر إلا لقبه وكنيته، وقد ذكر محقق الجواهر رحمه الله أن له ترجمة في الطبقات السنية برقم 2897 وهي في الجزء الذي لم يطبع من الكتاب.
(2) في الأصل، (ت 2) : إثارته.(9/241)
ومن قدم أب أم الأم على أب أب الأم، اعتبر السبقَ إلى الوارث، فأم الأم جدة صحيحة ترث بالجدودة.
والأقيس عندنا هذا المذهب، فإن قوة القرابة ينبغي أن تُرعى بين الوارث والميت، ومن يسبق إلى وارث الميت أقرب إليه ممن يتأخر عن السبق.
وأهل التنزيل يستغنون عن هذا التطويل.
ولو اجتمع في المسألة:
أب أم الأب، وأب أم الأم
فهما يستويان في السبق والقرب، ولا يتأتى فيها الاختلاف الذي تقدم، وإنما تنقدح روايةُ الجوزجاني في صرف ثلث المال إلى الجد من جانب الأم، وصرف ثلثيه إلى الجد الذي من جانب الأب، ويجري فيه رواية البستي في التسوية.
هذا بيان قاعدة الباب.
6441- مسائله
أب أب أم، وأب أم أب
عند المنزلين: المال لأب أم الأب، لأنه أسبق إلى الوارث.
وقد ذكرنا خبط أصحاب القرابة في ذلك.
أب أم الأم، وأب أم الأب
عند المنزلين المال بينهما نصفين؛ فإن أب أم الأم بمثابة أم الأم، وأب أم الأب بمثابة أم الأب ولو كانتا موجودتين، لاقتسمتا المال بينهما فرضاً ورداً.
والمذهب المشهور الذي به يُفتي أصحابُ أبي حنيفة، أن الثلث لأب أم الأم والثلثان لأب أم الأب.(9/242)
جدَّا أم الأم وجدَّا أم الأب
عند المنزلين يختلف جدَّا أم الأم؛ فإن أحدهما أب أم [أم] (1) الأم. والثاني أب أب أم الأم. وأب أم أم الأم أسبق إلى الوارث، فهو الوارث.
ومن جانب الأب الوارثُ أب أم أم الأب؛ فإنه أسبق من أب أب أم الأب إلى الوارث، فإذاً المال بين أب أم أم الأم وبين أب أم أم الأب نصفين، على رأي التنزيل، ونجعلهما كجدتين.
وعلى رواية الجوزجاني من أهل القرابة: الثلث بين جدي أم الأم ثُلثُه للذي هو من قبل الأم، وثلثاه للذي هو من قبل الأب.
والثلثان بين جدي أم الأب ثلثُهُ للذي من قبل الأم، وثلثاه للذي هو من قبل الأب.
وعلى رواية عيسى: الثلث لأب أب أم الأم والثلثان لأب أب أم الأب.
وعلى مذهب المتأخرين: الثلث لأب أم أم الأم، والثلثان لأب أم أم الأب تعويلاً على توريث الأسبق.
6442- ومما يتعلق بهذا الباب ويليق به بيان توريث الأجداد، والجدات، من ذوي الأرحام مع الأخوال، والخالات، والعمات، وأولادهم.
أصل الباب على قول أهل التنزيل: أن ننزلهم بطناً بطناً، فمن سبق إلى وارث، فهو أولى، فلا يبعد أن نُورِّث عمّةً قريبةً، ونُسقط جداً بعيداً.
وكذلك القول في الخالات، والجدات.
__________
(1) في الأصل: أب، وهو خطأ كما يظهر من الشرح، والمثبت الموافق للمعنى من (ت 2) وفي (ت 3) خطأٌ وسقطٌ، لا فائدة في تسويد الصحائف بذكره.(9/243)
وإن لم يسبق بعضهم، قُسم المال بين الورثة الذين انتهَوْا إليهم، فما أصاب كلُّ وارثٍ، قُسّم بين من يدلي به، على ما يقتضيه الشرع.
وأما أصحاب القرابة: فمذهب أبي حنيفة أن الأجداد، والجدات أولى، وإن بعدوا، فأصل الباب على قول أبي يوسف ومحمد: أن ننظر إلى الخالات، والعمات، فإن كُنّ مِنْ وَلَدِ جدٍّ أو جدة في طبقة الجدِّ والجدّة المذكورين في المسألة، فالجد والجدة المذكورون في المسألة أولى بالمال. وإذا كان كذلك، فما الظن إذا كان أصول الخالات والعمات أبعد.
وإن كنّ من ولد جدٍّ أو جدة [هما] (1) أقرب من الجد أو الجدة المذكورين في المسألة، فالخالات والعمات أولى بالمال. ومتى جُعلت الخالاتُ والعماتُ أولى من الأجداد والجدات، كان أولادهم، وإن سفلوا أولى منهم على ترتيب العصبات، فإنا إذا قدمنا ابنَ الأخ على العم، قدمنا بنيه، وإن سفلوا على العم.
6443- المسائل:
أب أم، وخال
عند الجميع المال لأب الأم، إلا عند نوحٍ وحُبَيش.
أب أب أم، وخالة، وعمة
عند أبي حنيفة: المال لأب أب الأم.
وعند أبي يوسف ومحمد: الثلث للخالة، والثلثان للعمة، وكذلك عند المنزّلين، لأنهما أسبق إلى الوارث.
أب أب أم، وخال أم
عند أهل القرابة: المال لأب الأم.
__________
(1) في الأصل: هذا.(9/244)
وعند المنزلين: المال لخال الأم، فإنه أخ أم الأم.
أب أب أم، وخال أم، وعمة أم، وخال أب، وعمة أب
عند أهل القرابة المال لأب [أب] (1) الأم.
وعند المنزلين السدس بين خال الأم، وخال الأب نصفين، والباقي لعمة الأب. وقد أوضحنا هذا الأصلَ فيما مضى.
أم أب الأم، وخالة
عند أبي حنيفة: المال للجدة.
وعند أبي يوسف ومحمد: المال للخالة.
وعند المنزِّلين: يقول: ماتت الأم، وخلفت أم أب، وأختاً، فالمال بينهما أرباعاً: بالفرض، والرد: لأم الأب الربع، وللخالة ثلاثة الأرباع.
6444- وهذا فيه نظر؛ لأن الخالة أخت الأم، فتنتهي إلى الأم، وهي وارثة الميت. وأمّ أب الأم ينزل إلى أب الأم، وليس وارثاً للميت الذي يقسم ميراثه، والمنزِّلون حقهم أن يعتبروا السبقَ إلى من يرث الميت، وهذا القياس يقتضي أن يصرف المال إلى الخالة، ولا يصرف إلى أم أب الأم شيئاً، ولكن أخت الأم هي الخالة بعينها، فتوريثها بأخوة الأم، وتوريثها بالخؤولة واحد. وإنما معنى توريث الخالة أن نُميتَ الأمَّ تقديراً، وننظر من يرثها، فعلى هذا يرثها أم أبيها، كما يرثها [أختها] (2) وذلك التنزيل إنما هو تنزيل الولادة، بأن تنزل أصلاً إلى فرع، أو فرعاً إلى أصل، وتنظر كيف السبق إلى الوارث. وهذا موقف لا يحيط بمذهب التنزيل من لم يحط به. والذي يُظهر ذلك، ويوضّحه أن أخ الأم ابن أبيها، وجدتها أم أبيها، فاتصالهما جميعاً بها بواسطة، ونحن نجري التنزيل
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: أخوها.(9/245)
على معنيين نذكره ونريد [حط] (1) البطون، كما ذكرناه في (2) حط (3) الأصول والفروع، ونذكره ونريد به قيام شخص، كقولنا الخالة تنزل منزلة الأم.
6445- أب أم، وعمة
في القرابة: المال للجدّ.
وفي التنزيل للجد الثلث، وللعمة الثلثان.
أم أب الأم، وخالة، وعمة
عند أبي حنيفة الجدة أولى، وعند أبي يوسف ومحمد الثلث للخالة، والثلثان للعمة.
وعند المنزلين للعمة الثلثان، والباقي بين الجدة والخالة على أربعة: للجدة ربعه وللخالة ثلاثة أرباعه، على قياس توريثنا الخالة وأم أب الأم لو انفردتا.
ولو كان في المسألة بدل الخالة خال، فللعمة الثلثان كما ذكرناه، وللجدة سدس ما بقي، والباقي للخال. ونميت الأم، ونقول: خلّفت أم أب، وأخاً، وليقع الكلام في خالٍ من أبٍ وأمٍ، أو من أبٍ. فهذا بيان المذاهب في تقديم الأجداد والجدات، والعمات والأخوال، والخالات، ذكرته هاهنا لشدة اتصاله بالباب، وسأذكر بعد ذلك جمل المذاهب في تقديم الأصناف، بعضَهم على بعضٍ، إن شاء الله تعالى.
***
__________
(1) (ت 3) ، (ت 2) : حق.
(2) (ت 3) ، (ت 2) : من.
(3) (ت 3) : حظ.(9/246)
باب في كيفية توريث من يُدلي من ذوي الأرحام بقرابتين
6446- اجتماع القرابتين والقرابات تتفق في أولاد البنات، وأولاد الإخوة والأخوات، والعمات، والخالات، والأجداد والجدات.
فأمَّا وجه اتفاقه في أولاد البنات أن يزوّج الرجل بنت بنته من ابن ابنته فيولد لهما ولد، فهو ولد بنت بنته، وولد ابن بنته.
وكذلك يفرض في أولاد الأخوات، وبنات الإخوة.
6447- أمّا أهل التنزيل، فإنهم نزّلوا وجوهَ القرابة، فإن سبق بعضُ الوجوه إلى وارث، فصاحب ذلك الوجه أولى من غيره، وإن استوت الوجوه في السبق، قدّروا الوجوه أشخاصاً، وورثوا بها على ما يقتضيه الحال.
وأما أهل القرابة: فقد قال أبو يوسف: إن اتفق ذلك في أولاد الإخوة والأخوات، فنورّث بالأقوى.
ومن أصل محمد أنه يورث بالوجهين، على قياس التقريب والترتيب فيه.
وإن اتفق ذلك في أولاد البنات، أو في الجدّات، فعند أبي يوسف يجعل الوجوه كلها كوجهٍ واحد، وعند محمّد يورث بالوجوه.
6448- مسائله:
ابنا أخ لأم أحدهما ابن أخت من أب
عند المنزّلين: المال في الأصل بين الأخ من الأم، والأخت من الأب على(9/247)
أربعة بالفرض والرد، ثم نصيب الأخ، وهو سهم واحد بين ابنيه، ونصيب الأخت، وهو ثلاثة أسهم لابنها، فيحصل للذي هو ابن أخت ثلاثة أسهم من أمه، ونصف سهم من أبيه. ولأخيهِ نصفُ سهم من أبيه. وتصح المسألة من ثمانية: لصاحب القرابة الواحدة سهم، ولصاحب القرابتين سبعة أسهم.
وعند أبي يوسف المال كله للذي هو ابن أختٍ.
وعند محمد يجعل ولد الأخ أخوين لأم، وولد الأخت أختاً، فيكون كأختٍ لأب، وأخوين لأم، فالمال بينهم على خمسة بالفرض والردّ، فيصير في يد كلِّ واحد منهما سهم بقرابة الأب، وفي يد أحدهم ثلاثة أسهم بقرابة الأم فيحصل لصاحب القرابة الواحدة سهم واحد، ولصاحب القرابتين أربعة أسهم.
بنتا أختٍ من أم إحداهما بنت أخ من أبٍ، وابن أختٍ من أب وأم
في قول المنزّلين: تصح من اثني عشر سهماً، لأن للأخت من الأب والأم النصف ستة، فهو لابنها، ولبنت الأخت من الأم التي هي بنت أخٍ لأبٍ أربعة أسهم بقرابة أبيها، وسهم آخر بقرابة أمها، ولأختها سهم واحد.
وفي قول محمد: لابن الأخت من الأب والأم النصف ستة، وللتي هي بنت أخ لأب سدس بأمها وسدس بأبيها ولأختها سدس.
وفي قول أبي يوسف: المال لابن الأخت من الأب والأم.
بنتا ابن خالة إحداهما بنت بنت خال
عند المنزلين: للتي هي بنت بنت خال الثلثان بأمها، وسدس بأبيها، ولأختها السدس.
وعند محمد للتي هي بنت بنت خال [النصف بأمها، والربع بأبيها] (1) ، ولأختها الربع.
__________
(1) في الأصل: النصف بأبيها، والربع بأمها.(9/248)
وعند أبي يوسف للتي هي بنت بنت خال ثلثٌ بأبيها، وثلث بأمها، ولأختها الثلث.
6449- هكذا أورده الأستاذ (1) ، وهو مصرِّح بأنه يورّث بالقرابتين، ولكنه يجعل القرابات الثلاث في هذه المسألة ثلاث بناتٍ، ولا ينظر إلى صفة الأصل، فيقسم المال على القرابات الثلاث، كما يقسم على ثلاثة أشخاص مستوين. وقد أورد القاضي أبو محمد (2) في كتابه أن أبا يوسف لا يورّث بقرابتين، ونحن نقول: الرجوعُ إلى ما نقله الأستاذ أولى؛ فإنه إمام الصناعة مُطلقاً، وكل الصّيد في جوف الفَرَا (3) . وقد قال الأستاذ في أول الكتاب: إن أبا يوسف يورّث بأقوى القرابتين، ثم حقق أصله في الصورة التي تقدمت، على هذه، وهي: ابنا أخٍ من أم، أحدهما ابن أختٍ من أبٍ.
فقدّم الذي هو ابن أختٍ، لأن قرابة الأخت من الأب أقوى في الأرحام عند أبي يوسف، فرأى التقديمَ بالأقوى، وإذا لم تكن إحدى القرابتين أقوى من الأخرى، فلا وجه للتقديم بالقوة، والقرابتان ليستا ممتزجتين حتى يكون اجتماعهما قوة، بل هما بمثابة قولنا في ابني عم أحدهما أخ لأم.
وأبو يوسف ومحمدّ وإن [وافقا الشافعيَّ في مواريث المجوس: في أنه] (4) لا يجمع بين القرابتين، فالسبب فيهما أنهما قرابتان لا يقصد جمعهما في
__________
(1) الأستاذ: المراد هنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، وليس الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني، الذي يلقبه في (البرهان) بالأستاذ مطلقاً.
(2) القاضي أبو محمد وكتابه انظر تعليقاً بشأنه مضى قريباً (ص:240) .
(3) مثلٌ سائر: مجمع الأمثال للميداني: 3/11.
(4) عبارة الأصل: وإن كان سواء، فقال الشافعي رضي الله عنه في مواريث المجوس في أنا لا نجمع ...(9/249)
الإسلام، وهذه القرابات في الأرحام تجتمع في الإسلام، فليس لما أطلقه القاضي أبو محمد من أن أبا يوسف لا يورث بالجهتين وجه، ولكن لا يترجح قرابة الخال على قرابة الخالة، حتى يقال: تقوى إحدى القرابتين، فلا وجه إلا تقدير القرابات الثلاث أشخاصاً في الخؤولة.
ثم أبو يوسف لا ينظر إلى الأصول ويقسم المال أثلاثاً، على القرابات للتي هي بنت ابن خالة ثلثٌ بأبيها، وثلثٌ بأمها، ولأختها الثلث.
6450- بنتا بنت خال إحداهما بنت ابن خالة
ففي التنزيل، وقولِ أبي يوسف: للتي هي بنت ابن خالة ثلث بأبيها، وثلث بأمها، ولأختها الثلث.
وفي قول محمد بن الحسن: للتي هي بنت ابن خالة خمسان بأمها، وخمس بأبيها، ولأختها خمسان؛ فانه يقدِّر الخال خالَيْن بعدد بنتيه، والخالة واحدة، فتقع القسمة كذلك، ثم يسلَّم إلى الولدين على هذا الترتيب.
عمتان من أبٍ إحداهما خالة من أم، وخالة من أب وأم
عند المنزِّلين تصح المسألة من اثني عشر: للعمتين الثلثان بكونهما عمتي الميت، وهو ثمانية، والثلث للخالتين مقسوم بين الخالة من الأم، والخالة من الأب والأم، على أربعة للتي هي من الأم سهم، والتي هي من الأب والأم ثلاثة، فإذاً للعمة التي هي خالة من أم خمسة أسهم: أربعة بأنها عمة، وسهم بأنها خالة وللخالة من الأب والأم ثلاثة أسهم.
وفي قول المقرِّبين: للخالة من الأب والأم الثلث، وللعمتين الثلثان بينهما نصفين.
خالتان من أم إحداهما عمة من أب، وعم من أم وهو خال من أب
في قول أهل التنزيل المسألة من ثمانيةَ عشرَ: للخالة التي هي عمة من الأب(9/250)
تسعة أسهم بالعمومة، وسهم بأنها خالة، ولأختها سهم، وللعم ثلاثة أسهم، بأنه عم من أمٍ، وله أربعة أسهم بأنه خال من أبٍ. وعند أهل القرابة للخال الثلث، والباقي للعمة.
***(9/251)
باب كيفية توريث ذوي الأرحام مع أحد الزوجين
6451- لا شك أن ذوي الأرحام لا يحجبون الزوجين، ولا ينقصون نصيبَهما بالعول، والمذهب الذي عليه التعويل لأهل القرابة والتنزيل أنا نبتدىء فنخرج نصيب أحد الزوجين نصفاً كاملاً، أو ربعاً كاملاً، ولا يعتد ذلك من التركة، ويقسم الباقي بين ذوي الأرحام على القواعد التي مهدناها، ويقدر كأن نصيب الزوج مأخوذٌ من رأس التركة، كما يؤخذ الدّين.
والسبب فيه أن الأرحام لا يعادلونهم، فلا ردّ على الزوجين؛ إذ لا رحم لهما، فلا وجه إلا ما ذكرناه.
مسائله:
زوج، وبنت بنت، وخالة، وبنت عم
للزوج النصف ستة، ولبنت البنت نصف ما بقي: ثلاثة، وللخالة سدس ما بقي (1) : سهم، ولبنت العم سهمان.
هذا هو المشهور من مذهب الجمهور. والصائرون إليه يسمَّوْن أصحاب اعتبار ما بقي.
6452- وذهب يحيى بنُ آدم وضرار بن صُرد، ومن تبعهما من أهل التنزيل إلى أنا ننزّل كلَّ واحدٍ من ذوي الأرحام بمنزلة الوارث الذي يدلي به، ونقسّم المال بينهم، وبين الزوج، أو الزوجة على حسب استحقاقهم، فإن كان منهم
__________
(1) ما بقي: أي بعد الزوج.(9/252)
من يحجب الزوج أو الزوجة، حُجِبا، ثم تقام سهام الفريضة على ذلك، ويحفظ مبلغ السهام، ثم يسقط من ذلك نصيبُ الزوج، أو الزوجة، فما بقي من السهام يُحفظ.
ثم يدفع إلى الزوج أو الزوجة نصيبهما [كَمَلاً] (1) من أصل المال، ونقسم ما بقي من المال بين ذوي الأرحام على ما بقي من السهام المحفوظة.
والعبارة الوجيزة عن هذا: أن يقال: يقسم باقي المال عن فرض الزوج والزوجة على مقادير سهام من يدلون به مع الزوج والزوجة.
وهذه الفرقةُ تعرف بأصحاب اعتبار الأصل، فقالوا في
زوجٍ، وبنت بنت، وخالة، وبنت عم
يقسم المال بين زوج، وبنت، وأم، وعم، فللزوج الربع، وللبنت النصف، وللأم السدس، وللعم ما بقي
المسألة من اثني عشر، فاجمع سهام من في المسألة غير الزوج، تكون تسعة، فاجعل للزوج نصف المال، واقسم الباقي بين ذوي الأرحام في هذه المسألة على تسعة، وتصحّ من ثمانية عشر: للزوج منها تسعة، والتسعة الباقية تقسم على مقادير سهام الورثة الذين يُدلي هؤلاء بهم، مع الزوج، أو الزوجة، فإذاً لبنت البنت من التسعة الباقية ستة، وللخالة سهمان، وللعم ما بقي، وهو سهم.
فنصيب الزوج لا ينتقص على مذهب الفريقين، ولكن يُغَيِّر الزوج حصصَ ذوي الأرحام.
والذي يُظهر ذلك أن الفرقة الأولى، جعلوا لبنت البنت ثلاثة من اثني عشر،
__________
(1) في الأصل: " على التمام " وأثبتنا (كملاً) كما في (ت 3) ، (ت 2) مؤئرين إياها،
لأنها من ألفاظ الإمام المعهودة، وما أظن (على التمام) إلا تصرفاً من الناسخ.(9/253)
وهي ربع المال، وهؤلاء جعلوا لها ستة من ثمانية عشر، وهي ثلث المال، فتختلف الحصص على هذا النسق.
قال الأستاذ: إنما يختلف اعتبار ما بقي في هذا الباب، متى كان ذوو الأرحام يرثون المال بينهم على مثال الفرض والتعصيب، فأمّا إذا ورثوه على مثال الفرض والردّ، أو على طريق العَوْل، أَوْ ورث الكل عن طريق التعصيب، فيستوي الاعتباران.
***(9/254)
باب في تشابه النسب في ذوي الأرحام
6453- الخالة إذا كانت من قبل الأم والأب، فخالتها خالة الأم، وإذا كانت الخالة من قبل الأم، فخالتها خالة الأم أيضاً، وإن كانت الخالة من قبل الأب، فخالتها ساقطة، وعمة الخالة من الأب والأم عمة الأم، وعمة الخالة من الأب عمة الأم، وعمة الخالة من الأم ساقطة؛ والعمة إذا كانت من قبل الأب والأم، فعمتها عمةُ الأب، وإن كانت من قبل الأب، فعمتها عمّة الأب، وإن كانت من قبل الأم، فعمّتها ساقطة.
وخالة [العمة] (1) من قبل الأب والأم خالةُ الأب، وخالة العمة من قبل الأم خالة الأب، وخالة العمة من الأب ساقطة.
ولعلنا نذكر طرفاً من ذلك في فصول المعاياة، وإن كانت قليلةَ الفائدة.
6454- وقد نجز أحد النوعين من الكلام في توريث الأرحام، وهو ذكر تفاصيل مذاهب المورّثين في أفراد ذوي الأرحام، ونحن نذكر الآن تفاصيلَ المذاهب في اجتماع ذوي الأرحام وتقديم من يُقدم منهم إذا اجتمعوا، ودركُ المذاهب في هذه الجمل سهلٌ على من أحاط بالتفاصيل.
ولو صدَّرنا توريثَ ذوي الأرحام بهذه الجمل قبل الإحاطة بالتفاصيل، لكانت مبهمة لا تتبين للمنتهي إليها في مفتتح هذا الفن.
__________
(1) في الأصل: العم.(9/255)
القول في ترتيب ذوي الأرحام
على قول الفريقين: أهل القرابة، وأهل التنزيل
6455- أما أهل القرابة، فقد اختلفوا، فالظاهر من مذهب أبي حنيفة أن أَوْلى ذوي الأرحام أولادُ البنات، ثم الأجداد والجدات، الذين هم من ذوي الأرحام، ثم بنات الإخوة، وأولاد الأخوات، ثم الخالات، والعمات.
وروى محمد بنُ الحسن، والحسنُ بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة أن الجدات من جانب الأم أولى من أولاد البنات، وألحق أهل هذه الروايةِ، جميعَ الأجداد والجدات، فقالوا: هؤلاء أولى، ثم أولاد البنات، ثم أولاد الأخوات وبنات الإخوة، ثم الخالات والعمات.
وقال أبو يوسف ومحمد: أَوْلى ذوي الأرحام بالميراث أولادُ البنات، ثم بنات الإخوة وأولاد الأخواتِ، ثم الجدات، ثم الخالات والعمات. ولهم تفصيلٌ في الخالات، والعمات، والجدّات، قد قدمنا ذكرَه موضَّحاً في آخر باب الأجداد والجدات.
ومن حقيقة مذهب المقرّبين، أن الجهة إذا قُدّمت على الجهة، كتقديم بنات البنت على بنات الإخوة، وأولاد الأخوات [فأولاد] (1) البنات، وإن بعدوا وتسفّلوا مقدّمون على بنات الإخوة وإن قَرُبْن؛ على قياس ترتيب العصبات؛ فإنّ ابن الأخ من الأب لما قُدِّم على العم، قدّم حافده وإن بعد في تسفّله على العم. وكذلك بنات الإخوة، وأولاد الأخوات لمّا قدموا على الخالات والعمات، فأولادهنّ وإن تسفلوا مقدّمون على الخالات والعمات وإن قربن.
__________
(1) في جميع النسخ: وأولاد. (بالواو) . وهذا تصرف من المحقق، نرجو أن يكون
صواباً.(9/256)
وإنما تردّد المقرِّبون في الأجداد والجدات، والخالات والعمات، إذا قرب البعض، وبعُد البعض، على ما قدمنا إيضاح مذهبهم.
6456- وأما أهل التنزيل؛ فإنهم ينزِّلون كلَّ واحدٍ منزلةَ الوارث الذي يُدلي به، ثم يُنظر في الورثة لو قدر اجتماعُهم، فإن كانوا يرثون، ورث المدلي بهم؛ وإن كانوا لا يرثون، ويحجب البعض منهم البعضَ، جرى الأمرُ كذلك في ذوي الأرحام المدلين بهم.
واعتماد المنزِّلين بعد هذا الاعتبار على السبق إلى الوارث، كما مهدناه في أبواب التفاصيل.
واعتماد المقرِّبين إذا اتحدت الجهة على ثلاثة أشياء: أولها - القرب، وهو مقدّم على كل شيء، فإن فرض الاستواء في القرب، فالاعتبار بعده بالسبق إلى الوارث، فإن استَوَوْا في ذلك، فالاعتبار بقوة القرابة، وقد تقدم ذلك.
فأولاد البنات عند المنزّلين بمنزلة البنات، وأولاد الأخوات بمنزلة الأخوات، وبنات الإخوة عند الجمهور المعتبرين بمنزلة الإخوة، فيكون ثلاث بنات إخوة مفترقين، كثلاثة إخوة مفترقين.
وذهب ضرار بنُ صُرَد إلى أن بنات الإخوة كبني الإخوة.
وهذا المذهب شاذّ، لا فتوى به، ولا عبرة به.
وروي عنه روايةٌ أخرى مفصّلة، لسنا لها.
والخالة والخال عند الجمهور بمنزلة الأم، في التقدير الأول، وإذا اجتمع الأخوال والخالات، صرفنا إلى الخؤولة ميراث أمٍّ، إذا كان معهم من الأرحام من يرث، ثم حصّةُ الأم تقسم على الأخوال والخالات، بأن نُقدِّرَها ميّتةً، وقد خلّفت هؤلاء.(9/257)
واختلف الرواية عن مسروق (1) ، فروي عنه أنه نزّل الخالَ والخالة منزلةَ الجدة أم الأم، وروي أنه نزَّلها منزلةَ الأم، كمذهب الجمهور، وهو الذي عليه التعويل.
وأما العمةُ، فقد قدمنا اختلافَ المنزّلين في تنزيلها، وفرّعنا على الطرق مفصّلةً.
6457- وأما نوح وحُبيش، فإنهم لا ينزّلون، ولا يقرّبون، ويسوّون بين القريب والبعيد، ولا يفضّلون أحداً من ذوي الأرحام على أحدٍ.
ونُقل في المبسوطات مذاهبُ شاذّة، لا تفريعَ عليها، فلم نذكرها.
6458- ونحن نذكر الآن مسائل تهذّب هذه الجملَ، ضمّاً إلى تهذيب التفاصيل، التي تقدمت في الأبواب المشتملةِ على الأفراد.
بنت بنت، وبنت أختٍ لأبٍ
عند أهل القرابة: المال لبنت البنت.
وعند المنزّلين المال بينهما نصفين.
خمسة بني بنت، وبنت أخت
عند أهل القرابة: المال بين بني البنت: على خمسة.
وعلى مذهب التنزيل: النصف بين بني البنت على خمسة، والنصف لبنت الأخت.
ابني بنتين، وبنت أخت لأب
عند المقرّبين: المالُ بين ابني البنتين: نصفين.
__________
(1) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، تابعي، ثقة، فقيه، مفتٍ. ت 63 هـ.
(الأعلام للزركلي، وتهذيب التهذيب: 10/109، والإصابة: ترجمة رقم 8408) .(9/258)
وعند المنزِّلين: لابني البنتين الثلثان، ولبنت الأخت الثلث.
بنت بنت، وثلاث بنات أخوات مفترقات
في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: لبنت البنت النصف، والباقي لبنت الأخت من الأب والأم،
على قياس الأخوات مع البنت.
بنت بنت بنت، وثلاث بنات أخوات مفترقاتٍ
ففي القرابة المال لبنت بنت البنت.
وفي التنزيل: المال بين بنات الأخوات على خمسة؛ فإنهن أسبق من بنت بنت البنت [إلى الوارث] (1) .
ثم يختلف مذهب علي وابن مسعود في الردّ كما تقرّر.
بنت بنت ابن، وبنت أخ
في القرابة: المال لبنت بنت الابن.
وفي التنزيل: بينهما نصفين؛ فإنهما بمثابة بنت ابن، وأخ.
بنت بنتٍ وثلاث بنات أخوات مفترقاتٍ، وثلاث بنات إخوة مفترقين في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: النصف لبنت البنت، والباقي بين بنت الأخ من الأب والأم، وبنت الأخت من الأب والأم، على ثلاثة.
بنت بنت، وابن أخٍ، أو أختٍ من أم
المال لبنت البنت عند الفريقين؛ فإن الأخَ من الأم محجوب بالبنت.
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/259)
بنت بنت، وخالة
في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: المال بينهما، على أربعة للخالة الربع، ولبنت البنت ثلاثة أرباع، بالفرض والرد.
بنت بنت ابن، وخالٌ، وخمالة
في القرابة: المال لبنت بنت الابن.
وفي التنزيل: الربع بين الخال والخالة على ثلاثة، والباقي لبنت بنت الابن [بالفرض والردّ] (1) .
بنت بنتٍ، وعمةٌ
في القرابة: لبنت البنت.
وفي التنزيل: بينهما نصفين.
بنت بنت، وبنت عمة
المال عند الفريقين لبنت البنت.
بنت بنتٍ، وخالة لأم، وخالة لأب، وعمة لأم، وعمة لأب في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: لبنت البنت النصف، وللخالتين السدس بينهما على أربعة، الربع للخالة من الأم، وثلاثة الأرباع للخالة من الأب. وللعمّتين الثلث بينهما على أربعة، كما ذكرناه في الخالتين.
بنت أختٍ، وخالة
عند المقرِّبين: المال لبنت الأخت.
__________
(1) سقط من الأصل ما بين المعقفين، وبدون قوله: " بالفرض والردّ " قد تغمض المسالة، فإن سدس الأم صار بالردّ (ربعاً) وهو ما قسم بين الخال والخالة. والباقي مفهوم.(9/260)
وفي التنزيل: المال بينهما على خمسة: للخالة خمسان، ولبنت البنت ثلاثة الأخماس، كأنهما أخت وأمّ.
بنتا أختين، وخال، وخالة
في القرابة: المال لبنتي الأختين.
وعند المنزلين: لبنتي الأختين أربعة أخماس المال، وللخال والخالة خمس المال بينهما: للذكر مثل حظ الأنثيين [بالفرض والردّ] (1) .
بنت بنت، وبنت أخت، وعمة
في القرابة: المال لبنت البنت.
وعند المنزلين: في العمة خلافٌ، فمن نزّلها منزلة الأب، قال: النصف لبنت البنت، والنصف للعمة. وكأن في المسألة بنتاً، وأختاً، وأباً.
ومن نزلها منزلة العم، قال: النصف لبنت البنت، والنصف لبنت الأخت. بنت أختٍ وجدّ هو أب أم
عند أبي حنيفةَ: الجد أولى، وعند أبي يوسف ومحمد: بنت الأخت أولى.
وعند المنزِّلين: المال بينهما على خمسة: للجد خمساه، ولبنت الأخت ثلاثة أخماسه.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
وقد نجزت مسائل ذوي الأرحام، معللةً، موضَّحة، على أحسن وجهٍ، وحذفنا منها رواياتٍ شاذّة لا مبالاة بها، وقد حان أن نفتتح القولَ في الحساب، وتصحيحِ المسائل.
__________
(1) زيادة في النسختين غير الأصل.(9/261)
القول في حساب مسائل الفرائض
6459- علم الحساب فنٌّ برأسه، يشد الطلبةُ الرحالَ في تحصيل المهارة فيه، ولو أثبتنا ما حصّلناه في هذا المجموع، لطال الكتاب. والاقتصارُ على مراسم الفقهاء لا يُفيد الاستقلالَ، ونحن نسلك مسلكاً وسطاً ننبه على القواعد الحسابية التي تَمَسُّ الحاجة إليها في تصحيح مسائل الفرائض، ثم نتُبعها بالأبواب، ونذكر تصحيح الكسور، وكيفيةَ القسمة، وتقريبَ الطرق، وتسهيل المسالك.
ومن أحاط بها، لم يخف عليه مُدرك، ولم يبق عليه إلا طلبُ المهارة بالدُّرْبة واعتياد العمل.
وقد رأيت الحاجةَ تمس إلى تبيين ثلاثة أصول:
أحدها - باب الضرب، وما يتعلق به.
والثاني - باب القسمة.
والثالث - استخراج الكسور، ووضعُ الأعداد الصحيحة المشتملة عليها، فنبدأ بباب الضرب.
***(9/262)
باب في أقسام الضرب
6460- الضرب ينقسم إلى ضربٍ لا كسر فيه، وإلى ضربٍ يشتمل على الكسر.
[الفصل الأول]
فأما ضربُ الأعداد الصحيحة، بعضِها في بعض، فمعنى الضرب أولاً أن تعُدّ العددَ المضروبَ فيه بآحاد عدد المضروب، وتجمعها، فما اجتمع فهو الخارج بالضرب، ثم كلُّ عددين أردتَ ضرْبَ أحدهما في الثاني فسواء ضربت الأقلَّ في الأكثر، أو الأكثر في الأقل، فالمردود واحد، فضرب الثلاثة في الأربعة، كضرب الأربعة في الثلاثة.
ثم ضرب العدد في العدد، مأخوذٌ من ضرب أحد ضلعي المربع في الضلع الثاني، والضلعان محيطان بزاوية قائمةٍ، فإذا تقدر الضّلعان بالدُّرْعان، فرُمْتَ أن تعرف تكسير السطح، فاضرب أحد الضلعين في الثاني، كما وصفناهما، فالمردود تكسير السطح. فإذا كان أحد الضلعين أربعة، والثاني ثلاثة، فمعنى الضرب أن ترسُم خطوطاً على الضلع الذي هو [أربعة على الدُّرعان، ثم ترسم خطوطاً على الضلع الذي] (1) هو ثلاثة، وتصل الخطوطَ إلى الضّلعين الباقيين الموازيين للضلعين المقدّمين، فيتشكل السطح على عِدَّة المردود من ضرب أحد الضِّلْعين في الثاني.
6461- ثم مما يجب الإحاطة به أن المراتب التي هي الأصول للأعداد أربعة: الآحاد، وهي من الواحد إلى منقرض التسعة.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.(9/263)
والمرتبة الثانية - العشرات إلى مائة.
والمرتبة الثالثة - المئات إلى الألف.
والمرتبة الرابعة - الألوف.
ثم تتكرر المراتب بعد ذلك، وتنقسم إلى آحاد الألوف، وعشراتها، ومئات الألوف، وألوف الألوف، ثم هكذا إلى غير نهاية.
ثم إذا ضربت الآحاد في الآحاد، فواحد المردود واحد، وعشرته عشرة، وهذا هو المعنيُّ بقول الحُسّاب: ضربُ الآحاد في الآحاد آحاد. والمراد بذلك أن المردود من الضرب ليس مقدَّراَّ، ولا معتبراً بغيره، وإنما هو آحاد من غير مزيدٍ، أو آحاد وعشرات.
وضرب الآحاد في العشرات عشرات، وواحدها عشرة، وعشرتها مائة.
وبيان ذلك أنك إذا ضربت ثلاثة في ثلاثين، فإنما أنت ضاربٌ ثلاثة في ثلاث عشرات، فالمردود تسعة، وكل واحد منهما عشرة.
وضرب الآحاد في المئات مئات واحدها مائة، وعشرتها ألف.
وضرْب الآحاد في الألوف ألوف، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف.
وضرب العشرات في العشرات مئات، واحدها مائة وعشرتها ألفٌ.
فإذا أردت ضرب خمسين في خمسين، فاضرب خمسة في خمسة، واحسب كلَّ واحد [مائة] (1) فالمردود ألفان ومائتان وخمسون.
وضربُ العشرات في المئات ألوفٌ، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف.
وضرب العشرات في الألوف عشرات ألوف، وواحدها عشرة آلاف، وعشرتها مائة ألف، وضرب المئات في المئات عشرات ألوف، واحدها عشرة
__________
(1) في الأصل: عشرة.(9/264)
آلاف، وعشرتها مائة ألف. وضرب المئات في الألوف مئات ألوف، واحدها مائة ألفٍ، وعشرتها ألف ألف.
وضرب الألوف في الألوف ألوف الألوف، واحدها ألف ألف، وعشرتها عشرة آلاف ألف.
وعلى هذا القياس، فاعتبر المراتب بعدها.
6462- فإذا سئلت عن ضرب جنس من هذه المراتب في جنسٍ، وأردت أن تعرف أن المضروب في أي مرتبة يقع، فخذ سميّ الجنسين من الآحاد، واجمعهما، وانقص مما بلغ واحداً أبداً، فما بقي فمنتهاه مرتبة المردود من الضرب.
مثاله: إذا أردت أن تعرف ضربَ المئات في الألوف، فالمائة في المرتبة الثالثة، فخذ لها ثلاثة، والألوف من المرتبة الرابعة، فخذ لها أربعة، ثم اجمع الثلاثة والأربعة، تكون سبعة، فانقص منها واحداً، يبقى ستة، فتعلم أن مبلغ ضرب المئات في الألوف يكون من المرتبة السادسة، وهي مئات الألوف، فيكون واحدها مائة ألف، وعشرتها ألف ألف.
وليعلم الطالب أن الشرط الأول على من يبغي المهارة أن يحفظ ضربات الآحاد بحيث لا يحتاج إلى الفكر فيها، [وهي طريحة ساعده] (1) .
6463- ثم ذكر الحُسَّابُ طُرقاً في علم الضرب يتعلق بعضها بتسهيل الضرب والاختصار، وبعضها يتعلق بخواص الضرب.
ونحن نذكر من كل فن ما نراه كافياً.
__________
(1) عبارة الأصل: وهو طريحة ساعة. وعبارة (ت 2) : وهي صريحة ساعده، والمثبت من (ت 3) .
وطريحة ساعده. كناية عن قربها ويسرها على من يريدها.(9/265)
فمن طرق الاختصارات والتسهيلات أنك إذا أردت أن تضرب عدداً في عدد، فانظر إلى نسبة أحد العددين من العقد الذي يليه، فما كان، فخذ مثل تلك النسبة من العدد الآخر، فما كان فابْسُطْه من جنس ذلك العدد الذي نسبت إليه، فيكون كل واحد منه واحداً من جنس ذلك العقد، وكسر الواحد منه يكون كسراً مضافاً إلى ذلك العقد.
مثاله إذا أردت أن تضرب ثمانين في خمسة وعشرين، فانظر إلى نسبة الخمسة والعشرين إلى المائة، فنجدها ربعَ المائة، فخذ ربع الثمانين، وذلك عشرون، وخذ لكل واحدٍ من العشرين مائة، فيكون المبلغ ألفين.
وإن أردت أن تضرب خمسين في أحد وأربعين، فنجد الخمسين نصف المائة، فخذ نصف أحد وأربعين، وذلك عشرون ونصف، فابسطها مئاتٍ، فيكون للعشرين ألفين، وللنصف نصف المائة وهو خمسون، فالمبلغ ألفان وخمسون.
6464- واختار الحسّاب للاختصار مسلكين: أحدهما - النسبة، والآخر القسمة، وهما جاريان طرداً في ضرب العدد في العدد، سواء كان العدد من مرتبة واحدة، أو من مراتب.
ونحن نذكرهما، ونوصي الطالب بالاعتناء بهما، فإنهما متلقيان من النسبة التي منها تلقِّي أصل الباب.
فإذا أردت أن تضرب مائة وخمسة وعشرين في أربعة وثمانين، نسبت المائة والخمسة والعشرين، إلى العقد الذي [يليه] (1) وهو الألف، فتصادفه ثمن الألف، فخذ ثمن الأربعة والثمانين، تكن عشرة ونصف: ثمن الثمانين عشرة، وثمن الأربعة النصف، فخذ لكل واحدٍ ألفاً، وللنصف نصف الألف، وهو المردود.
__________
(1) في الأصل: ثلثة. وهو تصحيف عجيب.(9/266)
هذه طريقة النسبة.
6465- وإن أردت القسمة، فاقسم المائة والخمسة والعشرين على مائة فيخصّ كلَّ واحد درهمٌ وربع، فاضرب الدرهم والربع في الأربعة والثمانين، فدرهم في أربعة وثمانين، أربعة وثمانون، والربع في هذا المبلغ أحد وعشرون، فضمه إلى الأربعة والثمانين، فالمجموع مائة وخمسة، فاحسب لكل واحدٍ عقداً عليه قسمتَ، وهو المائة، فالمبلغ عشرة آلاف وخمسمائة.
وهذا يطّرد في كل عددٍ يُضرب في عدد إذا كان يشتمل على مراتب.
والمرتبة الواحدة لا يُشكل إدراكها. والطريقان جاريان فيها.
وإذا أردت أن تضرب مائة وثلاثة وعشرين في الأربعة والثمانين، فاضرب مائة وخمسة وعشرين على النسبة التي ذكرناها، واضبط المبلغ، ثم اضرب ما زدت، وهو اثنان في أربعة وثمانين، وحُطّ هذا المبلغ مما معك، والباقي بعد الحطّ مردودك.
وإن أردت أن تضرب مائة وسبعة وعشرين في الأربعة والثمانين، أو فيما أردت، فاضرب مائة وخمسة وعشرين، واضبط المبلغ، ثم اضرب الزائد، وهو اثنان في الأربعة والثمانين، وضمّه إلى ما معك، والمبلغان مطلوبك، والقسمةُ تُساوق النسبةَ أبداً.
ثم قد يكون أحد الطرفين أسهلَ على الناظر، فليختر الأسهل عليه.
6466- ثم أصل الضرب أنك إن أردت ضربَ مرتبة في مرتبة، كفتك ضربة واحدة، ثم تأخذ مقصودَك من المراتب التي قدمناها، فإن ضربت الآحاد في الآحاد، لم يخف، وإن أردت ضرب العشرات في العشرات، فاضرب عدد العشرات، في عدد العشرات، وخذ لكل واحدٍ من المردود مائة، مثل أن تضرب تسعين في تسعين، فاضرب التسعة في التسعة، فيخرج من الضرب أحدٌ(9/267)
وثمانون، فخذ لكل واحد مائة، فالمبلغ ثمانية آلاف ومائة. وإن أردت ضرب مرتبتين في مرتبتين، فاضرب اثنين في اثنين تردُّ عليك أربعة، واعتقد أن عليك أربع ضربات في الأصل إلا أن تستعمل طريقة في الاختصار.
وبيان ذلك أنك إذا أردت ضربَ خمسة عشر في ستة عشر، فإنما تطلب ضرب مرتبتين في مرتبتين، فتحتاج إلى أربع ضربات، فتضرب العشرة في العشرة، والخمسة في العشرة، ثم تضرب العشرة في الستة، ثم تضرب الخمسة في الستة، وتجمع مردودَ الضربات، والمبلغ مطلوبك.
وإن أردت ضرب مائة وخمسة وعشرين، في مثله فأنت تبغي ضرب ثلاث مراتب في ثلاث مراتب؛ فتحتاج إلى تسع ضربات.
وإن أردت ضرب مائة وخمسة وعشرين في أربعة وثمانين، فأنت تطلب ضربَ ثلاث مراتب في مرتبتين، فنحتاج إلى ست ضربات.
هذا هو الأصل في التفصيل.
وإذا أردت امتحان طريقة في الاختصار أتصدق أم تكذب، فاعتبرها بهذا الأصل.
6467- ومما ذكره الحُسّاب في ضرب أعدادٍ من جنسين، كضرب الآحاد والعشرات في الآحاد والعشرات وهذا يكثر الابتلاء به، فضم الآحاد من أحد الجانبين إلى جميع العدد الثاني، واحسب الكل عشراتٍ، ثم اضرب الآحاد من أحد الجانبين في الآحاد من الجانب الثاني، والمجموع مطلوبك.
مثاله: إذا أردت أن تضرب خمسة عشر، في سبعةَ عشرَ، فضم الخمسة إلى السبعة عشر، فيكون المجموع اثنين وعشرين، فاحسب بكل واحد عشرة، ثم اضرب الخمسة في السبعة فيردّ عليك خمسة وثلاثين، فاضممه إلى المائتين والعشرين، والمجموع مطلوبك.(9/268)
6468- ومن خواص الضرب أنك إذا أردت ضربَ عددٍ في عددٍ، وهما مختلفان، فضمَّ أحدهما إلى الثاني، ثم خذ نصفَ المبلغ، واضربه في نفسه، واحفظ المردودَ، ثم خذ نصفَ فَضْل ما بين العددين، فاضربه في نفسه، فما كان، فانقصه من المبلغ المحفوظ، فما بقي، فهو المراد.
مثاله: إذا أردت أن تضرب عشرين في أربعة عشر، فاجمع بينهما فتكون أربعة وثلاثين، فخذ نصفها، وهو سبعةَ عشرَ، فاضربها في مثلها بالطريقة التي ذكرناها قبل هذا، فيردّ عليك مائتين وتسعة وثمانين، فاحفظها، ثم خذ نصفَ فضل ما بين العشرين والأربعة عشر، والفضل ستة، ونصفها ثلاثة، فاضرب الثلاثة في نفسها، فتردُّ عليك تسعة، فانقصها من المحفوظ، وهو مائتان وتسعة وثمانون، فيبقى مائتان وثمانون، وهو مبلغ ضرب العشرين في أربعةَ عشرَ.
6469- مسلك آخر من الخواصّ
إذا أردت أن تضرب عدداً في عدد، فخذ بُعْدَ أحد العددين من العقد الذي
يليه، [فألقه من العدد الآخر] (1) ، فما بقي، فاضربه في ذلك العقد، واحفظ
المبلغ، ثم اضرب بُعد أحد العددين من ذلك العقد في بُعد العدد الآخر من ذلك
العقد، فما بلغ فتردّه على المبلغ المحفوظ معك، والمجموع مطلوبك.
مثاله: إذا أردت ضربَ أربعةَ عشرَ في ستةَ عشرَ، فألق من الأربعةَ عشرَ البُعْد
الذي بين ستةَ عشرَ وبين العشرين، فيرجع إلى عشرة، فاضربها في عشرين،
فتبلغ مائتين، ثم اضرب أحدَ البُعدين وهو أربعة في البعد الثاني، وهو ستة
فيبلغ أربعة وعشرين، فردّها على المائتين، وهو مطلوبك.
هذا القدر كاف فيما نريده من ضرب الأعداد في الأعداد.
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/269)
الفصل الثاني في ضرب الكسور في الكسور، وضرب الصحاح في الكسور
6470- فنبدأ بضرب الكسور في الكسور، فنقول: هي ثلاثة أقسام: كسر
مفردٌ له اسم فرد - كالنصف، والثلث، والربع.
وكسور معطوفة - مثل نصفٍ وثلثٍ وربعٍ.
وكسور منسوبة - مثل نصف ثلث ربع، وما زاد، إذا نسب بعضها إلى بعض.
فأمَّا الكسور المفردة، فقد تقسم إلى كسر له اسم، وإلى كسر ليس له اسم.
وإنما تبين [بالنسبة] (1) بالجزئية إلى عددٍ، فأما الكسر الذي له اسم مختص مشعرٌ بمخرجه، ويدخل تحته ما يسمّيه الحُسَّابُ الكسورَ الطبيعية، وهي ناشئة من الاثنين إلى العشرة، وهي تسعة: النصف، والثلث، والربع، والخمس، والسدس، والسبع، والثمن، والتسع، والعشر.
والكسر الذي ليس له اسم، وإن كان مفرداً، فهو كجزءٍ من أحدَ عشر جزءاً من درهم، إذا كسَّرتَ الدرهمَ على هذه النسبة.
6471- فإذا أردت أن تضربَ كسراً مفرداً من غير عطفٍ، ولا نسبة في كسر مفرد، ولهما جميعاً اسمان، فأضف (2) أحد الكسرين إلى الآخر، فما كان، فهو المبلغ.
مثاله: إذا أردت أن تضرب نصفاً في ثلث، فقل: مبلغه نصف الثلث، وإن شئت قلت: ثلث النصف.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) المراد هنا الإضافة النحوية، وليست الإضافة الحسابية، كما يظهر من عبارته في المثال الذي ضربه.(9/270)
وإذا جمعت من جنس واحد كسرين أو أكثر، فالجواب كذلك، فضرب ثلثي درهم في ثلاثة أرباع درهم، ثلثي ثلاثة أرباع درهم، وهو نصف درهم وإن شئت قلت: ثلاثة أرباع ثلثي درهم، وهو نصف درهم، وإن ضربت كسراً من هذا في عددٍ صحيح، فأضف الكسر إلى العدد، وهو المراد.
وقد يتعجب المبتدىء من حكم ضرب الكسور؛ فإنه إلى انتقاصٍ، وضربُ العدد في العددِ تضعيفُ أحد العددين بآحاد العدد الثاني، وقد ذكرنا أن ضرب العدد في العدد مأخوذ من تكسير السطح بضرب أحد الضلعين المحيطين بزاوية قائمة في الضلع الثاني. وضربُ الكسر مبرهن بتكسير السطح أيضاً، فنفرض سطحاً مربعاًَ كل ضلع من أضلاعه ذراعٌ، ثم نعمد إلى ضلع، ونأخذ منه نصفَ ذراع، ونعلم عليه، ثم نأخذ من الضلع الآخر الذي يحيط بتلك الزاوية نصف ذراع، ونخط من موضعي العلامتين خطين موازيين للضلعين المحيطين بالزاوية، ونصل الخطوط، فيكسر السطح أربع مربعات يحيط بكل مربع أربعة أضلاع متوازية كل ضلع نصف ذراع بهذه الصورة
........ 1/2
1/2 × 1/2 = 1/4 ... ذراع
نصف ذراع ـ 1/2
ذراع كامل × ذراع كامل = ذراع
فيستبين أن النصف في النصف ربع.
6472- وإن أردت أن تضرب جزءاً، هو كسرٌ، لا اسمَ له إلا الجزئية في كسرٍ، له اسم مخصوص، أو في جزءٍ لا اسمَ له، فطريقه أن تضرب أجزاء أحدهما في أجزاء الثاني، إن لم يكن لهما اسمان، فتحفظ المبلغ، ثم تضرب مخرج أحد الكسرين في مخرج الكسر الآخر، ثم أضف مبلغ الكسور إلى مبالغ المخارج.
مثاله: إذا أردت أن تضرب ثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم في أربعة(9/271)
أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من درهم، فاضرب أحد الكسرين في عدد الكسر الآخر، وقل ثلاثة في أربعة تكون اثني عشر، فاحفظ ذلك، ثم اضرب أحد المخرجين في الآخر، وذلك أحد عشر في ثلاثةَ عشرَ، فيكون مائة وثلاثة وأربعين، فأضف (1) إليها الاثني عشر، فالمردود اثنا عشر جزءاً من مائة وثلاثة وأربعين جزءاً من درهم.
6473- وأما ضرب الكسر المعطوف في الكسر، فلا بد فيه من جمع كل واحد منهم، ثم ضرب مجموع أحدهما في مجموع الآخر.
مثاله: إذا أردت أن تضرب نصفاً وثلثاً في ربع وثلث، فتجمع النصف والثلث، فيكون خمسة أجزاء من ستة أجزاء من درهم، وذلك خمسة أسداس درهم، وتجمع الربع والسدس من مخرجهما، فتكون خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من درهم. وقد رجع الأمر إلى قول القائل: اضرب خمسة أجزاء من ستة أجزاء، في خمسة من اثني عشر جزءاً من واحد، فتضرب الأجزاء في الأجزاء، فتقول: خمسة في خمسة، فالمبلغ خمسة وعشرون، ثم تضرب أحدَ المخرجين، وذلك ستة في اثني عشر، فيبلغ اثنين وسبعين، فتضيف إليها الخمسة والعشرين فتكون خمسة وعشرين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من واحد، وهو المطلوب.
6474- وأما ضرب الكسور المنسوبة في أمثالها، فمثل ضرب ثلث ربع في خُمس سدس، فيجب في هذا أن ينسب كل واحد منهما إلى المخرج الذي يخرج منه؛ فنقول: ثلث الربع جزء من اثني عشر؛ لأن أقلَّ عدد ربعه ثلاث اثنا عشر، ثم نقول: خمس السدس جزء من ثلاثين جزءاً من واحد؛ لأن أقل عدد له سدس، ولسدسه خُمسٌ ثلاثون، وقد رجع الأمر إلى قول القائل: اضرب
__________
(1) الإضافة هنا هي الإضافة النحوية، فتنبه.(9/272)
جزءاً من اثني عشر جزءاً في جزء من ثلاثين جزءاً من واحد، فنضرب الجزء في الجزء، فيكون واحداً، ثم نضرب أحد المخرجين في الآخر، فيبلغ ثلثمائة وستين، فنضيف إليها الجزء الواحد، فالمردود جزء من ثلثمائة وستين جزءاً من واحد.
فإن قيل: كم يكون ضرب نصفٍ في ثلثٍ، في ربع، في خمسٍ؟ فمبلغه جزءٌ من مائة وعشرين جزءاً من درهم.
ووجه العمل أن تضرب النصف، وهو واحد في الثلث، وهو واحد، فيكون واحداً، ثم تضرب ذلك في الربع، وهو واحد، فيكون واحداً، ثم تضرب ذلك في الخمس، وهو واحد، فاحفظه، ثم اضرب مخرج النصف، وهو اثنان في مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فيكون ستة، فتضربها في مخرج الربع، وهو أربعة فيكون أربعة وعشرين، فتضربها في مخرج الخمس، وهو خمسة، فتبلغ مائة وعشرين، فتضيف إليها الواحد المحفوظ، فيكون جزءاً من مائة وعشرين جزءاً من واحد.
فإن قيل: كم يكون ضرب ثلثين في ثلاثة أرباع، في خمسة أسداس؟ فقل: تكون ثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من واحد.
ووجه العمل أن تضرب الثلثين وهو جزءان في عدد الأرباع، وهو ثلاثة، فتكون ستة، فتضربها في عدد الأسداس، وهو خمسة فتكون ثلاثين، فتحفظها، ثم تضرب مخرج الثلثين، وهو ثلاثة في مخرج الأرباع، وهو أربعة، فيكون اثني عشر، فتضربها في مخرج الأسداس وهو ستة، فالمبلغ اثنان وسبعون، فتضيف إليها الثلاثين المحفوظة، فتكون ثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً.
وقد يتأتى اختصاره، فيقال: هو خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من واحد، وهو المطلوب.(9/273)
وسر الباب أن تبسط غاية البسط، و [لا] (1) تنظر في طلب المخارج إلى الأوفاق، كما سنصف ذلك في بيان المخارج.
6475- وإذا أردت أن تضرب صحيحاً معه كسر في صحيح، أو في كسر، فاضرب الصحيح الذي مع الكسر في مخرج كسره، ورد عليه كسره، فيؤول الأمر إلى ضرب كسرٍ في صحيح، أو في كسر. وإن أردت أن تضرب صحيحاً معه كسر في صحيح معه كسر، فاضرب كلَّ واحدٍ من الصحيحين في مخرج كسره، ورد عليه كسره، فيؤول الأمر إلى ضرب كسر في كسرٍ.
ونذكر مثالاً جامعاً، فنقول: إذا قيل: كم يكون درهم ونصف، في درهم وثلث، في درهم وربع، في درهم وخمس، في درهم وسدس، في درهم وسبع، في درهم وثمن، في درهم وتسع، في درهم وعشر، في درهم؟ فقل: جملة ذلك خمسة دراهم ونصف، ووجه حسابه أن نبسط الواحد والنصف، فيكون ثلاثة، فاضربها في واحد وثلث، فما اجتمع في واحد وربع، إلى آخر المسألة، فتجعل الدرهم والنصف ثلاثة بأن نجعل الدرهم نصفين ونزيد عليهما النصف ونزيد على الثلاثة ثلثها لذكر الثلث، فتكون أربعة، وتزيد على الأربعة ربعها لذكر الربع. فتكون خمسة، ثم تزيد على الخمسة خمسها. فتكون ستة، ثم تزيد على الستة سدسها، فتكون سبعة، ثم تزيد عليها سبعها، فتكون ثمانية، ثم تزيد ثمنها، فتصير تسعة، فتزيد تسعها فتكون عشرة، فتزيد عليها عشرها فيكون الجميع أحد عشر، فاقسم ذلك على مخرج الأنصاف وهو اثنان، لأن أصل بسطك كان بالأنصاف فيخرج من القسمة خمسة ونصف، وهذا بابه وحسابه.
مثال آخر إذا قيل: درهم وثلثان في درهم وخمسين، في درهم وسبعين،
__________
(1) مزيدة من (ت 3) .(9/274)
في درهم وتسعين، فقل جملته ثلاثة دراهم وثلثا درهم.
ووجه العمل أن تبسط الدرهم والثلثين أثلاثاً فيكون خمسة، فتزيد عليها خمسيها لذكر الخمسين، فتكون سبعة، فتزيد عليها سبعين، فتكون تسعة، فتزيد عليها تسعيها، فتكون أحد عشر، فتقسمها على مخرج الأثلاث فتخرج ثلاثة دراهم وثلثان. وعلى هذا فقس، فهذه جملٌ مرشدةٌ كافية في قاعدة الضرب.
***(9/275)
[باب القسمة] (1)
6476- فأما القول في القسمة، فمقصود القسمة ومعناها بيان نصيب الواحد، فإن وقعت القسمة بين عددين، فحاصلها تفريق أحد العددين بقدر آحاد العدد الآخر المقسوم عليه، ثم الكلام يقع في فصلين:
أحدهما - في قسمة العدد على العدد.
والثاني - في قسمة الكسور على الكسور.
[الفصل الأول]
6477- فأما قسمة العدد على العدد، فهي تنقسم ثلاثة أقسام: أحدهما - قسمة الشيء على مثله في الكمية.
والثاني - قسمة الشيء على ما هو أكثر منه.
والثالث - قسمة الشيء على ما هو أقل منه.
فإن أردت قسمةَ العدد على مثله فيصيب الواحدُ واحداً أبداً.
وإذا أردت أن تقسم العدد على عدد أكثر منه، فانسب القليل إلى الكثير، فما كان، فهو نصيب الواحد.
مثاله إذا أردنا أن نقسم سبعة دراهم على ثلاثين رجلاً، نسبنا السبعة إلى الثلاثين، فكان [السهم] (2) سبعة أجزاء من ثلاثين جزءاً من درهم، فهو نصيب الواحد.
__________
(1) العنوان من عمل المحقق، أخذاً من كلام الإمام قبلاً حيث قال: إنه سيعقد باباً للقسمة.
(2) ساقطة من الأصل. وهي في (ت 2) ، (ت 3) : سهم.(9/276)
وإذا أردت أن تقسم على عدد أقل منه، فأسقط من العدد المقسوم ما فيه من أمثال العدد المقسوم عليه، وخذ لكل مرة تسقط واحداً، فما اجتمع، فاحفظه، فإن أفنيت العددَ الكثير بذلك، فالمحفوظ نصيب الواحد.
6478- وفي ذلك طريقة في النسبة اختصارية، فمهما قسمت عدداً كثيراً على عددٍ قليل، فانسب الواحد إلى العدد القليل المقسوم عليه، وقل: نصيب كل واحد مثل تلك النسبة من العدد المقسوم، وبيانه: أنك إذا أردت قسمة مائة على سبعة، فالواحد سبع السبعة، فلكل واحد من السبعة سُبُع مائةٍ.
وإن كنت تُسقط من الكثير مثلَ العدد القليل المقسوم عليه، ففضل شيء هو أقل من العدد المقسوم، فهو منسوب إلى المقسوم عليه، فذلك الجزء جزء من واحدٍ، فاضممه إلى ما معك، والكل نصيب واحدٍ.
مثاله: إذا أردنا أن نقسم ثمانية وعشرين على سبعة، فأسقطنا من الثمانية والعشرين ما فيه من أمثال السبعة أربع مرات، وأخذنا لكل مرة واحداً فاجتمع معنا من الآحاد أربعة، ولم يبق من الثمانية والعشرين شيء، فعلمنا أن نصيب الواحد أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثين على سبعة، فعلنا بالثمانية والعشرين ما ذكرناه، فيبقى اثنان ننسبهما إلى السبعة، ونقول: حصّة كل واحد أربعة وسبعان.
6479- وقد نجد مسلكاً آخر في الاختصار في الضرب والقسمة مأخوذاً من التناسب، يغني عن الضرب والقسمة: فإذا قيل: اضرب خمسين في ستين، واقسم هذا المبلغ على خمسة عشر، لتعلم كم نصيب الواحد، فينبغي أن تعلم أي نسبةٍ بين ما تضرب فيه، وبين ما يقسم عليه، فتجد الخمسة عشر ربع الستين، فتقول: الخمسين ربع العدد المطلوب، وهو مائتان، فنعلم بذلك أن نصيب الواحد مبلغُ رُبعه خمسون، وهو مائتان.
وهذا باب نافع في قسمة التركات والمعاملات.(9/277)
الفصل الثاني
من القسمة
في قسمة الكسور على الكسور والصحاح ونحوهما
6480- فإن أردت أن تقسم كسراً على كسرٍ، فاضرب كلّ واحد من الكسرين في مخرج الكسر الآخر، ثم اقسم مبلغ الكسر المقسوم على مبلغ الكسر المقسوم عليه، فما خرج من القسمة فهو نصيب الواحد.
وهذا هو الغرض من هذا الباب أيضاً.
مثاله: أردنا أن نقسم ثلاثة أرباع درهم على ثلثي درهم، فنضرب عدد الأرباع وهو ثلاثة في مخرج الأثلاث، وهو ثلاثة فبلغ تسعة، ثم نضرب عدد الأثلاث وهو اثنان في مخرج الأرباع، وهو أربعة فبلغ ثمانية، ثم نقسم التسعة على الثمانية فيخرج من القسمة واحدٌ وثمن، فذلك نصيب الواحد.
فالغرض أن يعلم أنه إذا أصاب ثلاثة أرباع ثلثين، فنصيب الواحد واحد وثمن.
ولو قيل: أردنا أن نقسم الثلثين على ثلاثة أرباع، لقسمت الثمانية على التسعة على القياس المقدم.
ويخرج من القسمة أن نصيب الواحد ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من درهم، وهو ثمانية أتساع درهم.
6481- فإذا أردت قسمة عدد صحيح على كسرٍ، فاضرب الصحيح في مخرج الكسر، فما بلغ، فاقسمه على الكسر، فما خرج فهو المراد.
مثاله: قسمة عشرة دراهم على ثلثين. فاضرب العشرة في مخرج الأثلاث،(9/278)
فيكون ثلاثين، فاقسمها على عدد أجزاء الكسر، وهو اثنان، فيخرج من القسمة خمسةَ عشرَ، فهو نصيب الواحد.
6482- فإذا أردتَ قسمة الكسور على عدد صحيح، فاضرب الصحيح في مخرج الكسر، فما بلغ، فاقسم عليه أجزاء الكسر.
مثاله: قسمة أربعة أخماس درهم على ثلاثة أنفس، فاضرب الثلاثة الصحيحة في مخرج الأخماس، وهو خمسة فيبلغ خمسة عشر، فاقسم عليها عدد الأخماس، وهو أربعة، فيكون الخارج من القسمة أربعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من درهم، فذلك نصيب الواحد.
6483- وإذا أردت قسمة عدد صحيح على صحيح مع كسر، فابسط الصحيح الذي معه الكسر من جنس كسره، وذلك بأن تضربه في مخرج كسره، وتزيد على ما بلغ من مثل كسره فيؤول الأمر إلى قسمةٍ صحيحة على كسر. وقد سبق العمل فيه.
وإذا أردت قسمة صحيح مع كسر على صحيح معه كسر، فابسط كل واحد منهما من جنس كسره، وذلك بأن تضربه في مخرج كسره، وتزيد على ما بلغ مثلَ كسره فيؤول الأمر إلى قسمة كسور على كسور.
وقد يقع في بعض هذه الأبواب اختصار من جهة التناسب.
مثال ذلك: أنا إذا أردنا أن نقسم ثلاثة دراهم وثلث على ثلثين، وأردنا أن نعلم نصيب الواحد، فقد علمنا أنا إذا زدنا على ثلثي الواحد مثلَ نصفه، تمَّ واحداً، فكذلك نزيد على الثلاثة والثلث نصفَه، فيصير خمسة دراهم، فهي نصيب الواحد.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثة أرباع درهم على ربع سهم، نسبنا المقسوم، فيزيد على الربع ما يكمله درهماً، وهو يُكمَّل درهماً بثلاثة أمثاله، فنزيد على(9/279)
المقسوم، وهو ثلاثة أرباع ثلاثة أمثاله، فيصير المجموع ثلاثة دراهم، فهو نصيب الواحد.
ويستعان بما ذكرناه في كثير من المسائل.
فهذا مقدار غرضنا في القسمة.
***(9/280)
[باب في استخراج الكسور] (1)
6484- فأما معرفة استخراج الأجزاء المفروضة وبيان مخارج الكسور، فهو قطب حساب الفرائض، وعليه يدور تصحيح الكسور، والضربُ والقسمة وسيلتان إلى هذا. وهو المقصود.
فاعلم أن كل جزءٍ مفرد مخرجه العدد الذي هو مشتق منه. وهذا جارٍ في الكسور التسعة، فمخرج النصف اثنان، ومخرج الثلث ثلاثة، ومخرج الربع أربعة، وهكذا إلى العشرة، ومخرج جزء من أحدَ عشرَ جزءاً، فهو أحدَ عشرَ، وعلى هذا القياس. وإذا أردت إخراج عدد يخرج منه جزءان مفروضان، فخذ مخرج الجزأين، وانظر فإن كانا متساويين، فاضرب أحدهما في الآخر، فما بلغ، فهو العدد الذي يخرج منه الجزءان المطلوبان. وإن كان المخرجان متفقين، فاضرب وَفْقَ أحدهما في جهة الآخر، فما بلغ، فهو مخرج الجزأين.
المثال: أردنا إخراج عدد له سبع وسدس، فنأخذ مخرجيهما، فهما سبعة وستة، فكانا متباينين، فضربنا أحدهما في الآخر، فبلغ اثنين وأربعين، فعلمنا أن أقل عدد له سبع وسدس اثنان وأربعون.
وإن أردنا عدداً يخرج منه ثمن وسدس، [فنأخذ مخرجيهما] (2) فأحدهما ستة والأخرى ثمانية، فنجدهما متوافقين بالنصف، فنضرب نصفَ أحدهما في جميع الثاني، فبلغ أربعة وعشرين، وهو العدد المطلوب.
__________
(1) هذا العنوان وضعه المحقق بناء على تقسيم المؤلف نفسه في أول الكلام على الحساب.
(2) ساقط من الأصل.(9/281)
وإن أردنا أقل عدد له نصف، وثلث، وربع، وخمس، وسدس، وسبع، وثمن، وتسع، وعشر، أخذنا مخارج هذه الأجزاء، وهي اثنان وثلاثة وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، ثم طرحنا الاثنين لدخولها في الأربعة، وطرحنا الثلاثة لدخولها في الستة، وطرحنا الأربعة لدخولها في الثمانية، وطرحنا الخمسة لدخولها في العشرة، تبقى ستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، ثم نظرنا فوجدنا الستة مباينة للسبعة، وضربنا الستة في السبعة تبلغ اثنين وأربعين، ثم هذه الاثنان والأربعون مشاركة للثمانية بالنصف، فضربنا نصف أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ مائة وثمانية وستين، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للتسعة بالثلث، فضربنا ثلث أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ خمسمائة وأربعة، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للتسعة بالثلث، فضربنا ثلث أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ خمسمائة وأربعة، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للعشرة بالنصف، فضربنا نصفَ أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ ألفين وخمسمائة وعشرين، فهذا المبلغ أقل عدد تخرج منه الكسور المفروضة التي ذكرناها. وعلى هذا يقاس استخراج مخارج جميع الأجزاء.
6485- وإذا أردت أن تجد عدداً يكون مخرجاً لجزء أو أجزاء معلومة، ويكون جزء منها مخرجاً لأجزاء معلومة، فخذ مخرج الأجزاء الأولى وسمّه الأول، ثم اجمع أجزاءه التي تريد أن تكون مخرجاً لأجزاء سواها، وسمّها الثاني، ثم خذ مخرج أجزاء الأجزاء وسمّه الثالث، ثم انظر، فإن كان الثالث مبايناً للثاني، فاضرب الثالث في الأول، فما بلغ، فهو أقل عددٍ يكون مخرجاً لما أردت. وإن كان الثالث موافقاً للثاني، فاضرب وَفْقه في جملة الأول، فما بلغ، فهو أقل مخرج لما أردت.
مثاله: أردنا أن نجد أقلَّ عددٍ يكون له ثلث وربع، ويكون لثلثه وربعه(9/282)
نصف وثلث، فأخذنا مخرج الثلث والربع، فكان اثني عشر سميناه الأول، ثم جمعنا ثلثه وربعه، فكان سبعة، فسميناها الثاني، ثم أخذنا مخرج الأجزاء وهو نصف وثلث فكان ستة، فسميناها الثالث، ثم وجدنا الثالث مبايناً للثاني، فضربنا الثالث في الأول، فبلغ اثنين وسبعين، فهذا أقل عدد له ثلث وربع، ولثلثه وربعه نصف وثلث.
مثال آخر: أردنا أن نجد أقل عددٍ له ثلث وخمس، ويكون لثلثه وخمسه سدس وثمن، أخذنا مخرج الثلث والخمس، وهو خمسة عشر، فسميناه الأول، ثم أخذنا ثلثه وخمسه، فكان ثمانية، فسميناه الثاني، ثم أخذنا مخرج السدس والثمن، فكان أربعة وعشرين، فسميناه الثالث، ثم نظرنا، فكان الثالث مشاركاً للثاني بالثمن، فضربنا ثمن الثالث وهو ثلاثة في جميع الأول، وهو خمسة عشر فيصير خمسة وأربعين [فنضربها في أربعة وعشرين، فيردّ ألفا وثمانين] (1) ، فهو أقل عدد يكون مخرجاً لما أردناه.
مثال آخر: أردنا أن نجد أقل عدد له ثلث وربع، ويكون لثلثه خمس وربع، ولربعه نصف وخمس، أخذنا مخرج الثلث والربع، وذلك اثنا عشر، ثم أخذنا ثلثه، وهو أربعة وهو الثاني، ثم أخذنا مخرج أجزاء الثاني وهو ربع وخمس، وذلك عشرون فسميناه الثالث، ثم وجدنا الثالث مشاركاً للثاني في الربع، فضربنا ربع الثالث، وهو خمسة في جميع الأول، وهو اثنا عشر، فبلغ ستين، ومن أجل ما بقي من العمل سمينا هذا الستين أولاً، وأخذنا ربعه خمسة عشر، وهو الثاني، ثم أخذنا مخرج أجزائه وهو نصف وخمس، وذلك عشرة، وهي الثالث، ووجدنا الثالث مشاركاً للثاني بالخمس، فضربنا خمس الثالث، وهو اثنان في الأول، وهو ستون فيبلغ مائة وعشرين، وذلك أقلّ عددٍ يكون مخرجاً لما ذكرناه.
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يصح المثال بدونها.(9/283)
وعلى هذا النسق نستخرج نظائر ما ذكرناه.
وقد نجز القول في الأصول الثلاثة التي قدّمناها على تصحيح مسائل الفرائض.
***(9/284)
باب تصحيح حساب مسائل الفرائض وبيان مبلغ السهام التي عليها تقسم التركة
6486- وهذا يستدعي تقديمَ أمر قريبٍ في النظر إلى العددين فصاعداً، فكل عددين لا يخلوان إمّا أن يكونا متماثلين، أو يكون أحدهما أقل. فإن كانا متماثلين: وكان آحاد أحدهما كآحاد الثاني، فالاكتفاء يقع بأحدهما إذا تعدد الكسر على هذا النسق.
فإن كان أحدهما أقلَّ من الثاني، لم يخل الأقل بالإضافة إلى الأكثر إمّا أن يفنيه إذا سُلِّط عليه لقطاً أو لا يفنيه ويُبقي منه شيئاً. فإن أفناه سمّي الأقل داخلاً في الأكثر، ويسمّيان متداخلين، ومعنى اللفظ أن أحدهما داخلٌ والثاني مدخول فيه.
وإن كان الأقل لا يُفني الأكثر بل يُبقي منه بعد اللقط أقلَّ من [نفسه] (1) ، سلّطنا ما يُفضله العددُ [الأقل] (2) من العدد الكثير على العدد القليل، فإن أفناه، فبين العدد القليل في الأصل، وبين العدد الكثير موافقة بأقلّ أجزاء المُفني.
ويقال عند ذلك: العددان متوافقان. وإن لم يفن ما فضل من العدد الكثير العددَ القليل، وأفضل منه شيئاً، سلطنا ما أفضله على المسلَّط الثاني، فإن أفناه فبين العدد القليل الأول وبين العدد الكثير موافقة بأقل أجزاء المُفني.
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) في الأصل: الأول.(9/285)
وإن انتهى المسلك الذي ذكرناه إلى أن يفضل واحد، فلا موافقة بين العددين بجزء وهما متباينان.
6487- وقد يعبر عمَّا ذكرناه في كتب المهرة من الحسّاب والمهندسين، فيقال: كل عددين أقل وأكثر لا يعدُّهما إلا واحد، فهما متباينان، وكل عددين يعدُّهما سوى الواحد عددان، فبينهما موافقة بجزأين. وكذلك القياس إن زاد.
والعددان المسميان متداخلين راجعان إلى التوافق بأقل الأجزاء، فالثلاثة توافق التسعة بأقلِّ أجزائها، وهو الثلث، فلو ضربنا ثلثَ الثلاثة في التسعة، لم يردّ إلا التسعة. فقيل فيما كان كذلك يُكتفى بالعدد الكثير (1) في العمل.
وكذلك القول في المثلين، فإن كل واحدٍ منهما يوافق الثاني بأقل أجزائه، ولا نستفيد بضرب وَفق (2) أحدهما في الثاني شيئاً، فنوجز ونقول: نكتفي بأحدهما.
6488- ومما لا بد منه وقد قدمنا ذكره أصول المسائل، وقد ذكرنا أنها سبعة على رأي [العلماء] (3) القدماء، وتسعة على رأي المتأخرين، وهو الصواب، فنبتدىء الآن ونقول: إن كان جميع الورثة عصبة، فالمسألة تقام من عدد رؤوسهم، فإن كانوا ذكوراً راعينا عددهم، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، تعرّفنا عددَ الإناث، وضعّفنا عدد الذكور، وقلنا: المسألة تصح من المبلغ، وهو عدد الإناث، وضعفُ عدد الذكور.
هذا إذا لم يكن في المسألة صاحب فرض، فإن كان فيها صاحب فرض أو أصحاب فروض، فنستخرج أصل المسألة من الأعداد التسعة، ونعطي من
__________
(1) (ت 3) : في العدد القليل.
(2) ساقطة من (ت 2) ، (ت 3) .
(3) مزيدة من (ت 2) ، (ت 3) .(9/286)
الأصل كلَّ صنف حقهم، فإن انقسمت سهام المسألة على أصناف الورثة، فقد صحت المسألة من أصلها، وقد تكون عائلة، وقد لا تكون.
6489- وإن وقع في قسمة السهام على مستحقيها كسر، وذلك يقع من عدد كل صنفٍ، وإلا فالمسألة صحيحة في نفسها، وافيةٌ بأجزائها، ولكن عددَ الورثة لا ينضبطون، وقد يقع الكسر على صنفٍ واحدٍ، وعلى صنفين [وعلى ثلاثة أصنافٍ] (1) ، وعلى أربعة أصناف، ولا مزيد على ذلك؛ فإن الورثة لا يزيدون على خمسة أصناف في مسألة، ولا بد إذا اجتمعوا أن يصح نصيب صنفٍ، فإن وقع الكسر على صنفٍ واحدٍ، وذلك بألا تنقسم سهام ذلك الصنف من أصل المسألة على رؤوسهم، فإن لم يكن بين سهامهم وبين عدد الرؤوس موافقة بجزء، فنضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة، أو في أصل المسألة وعولها، إن كانت عائلة، فما بلغ، فمنه تصح المسألة.
وإن كان بين سهامهم وبين عددهم موافقة بجزء، فنضرب وفقَ عدد الرؤوس في أصل المسألة أو في أصلها بعولها إن كانت عائلة.
6490- وإن وقع الكسر على صنفين أو ثلاثة أصناف، أو أربعة أصناف، لم يخل ذلك من أقسام: إما أن تكون سهام كل صنفٍ موافقةً لعدد رؤوسهم، أو مباينة لها، أو بعضها مباين وبعضها موافق.
فإن كانت موافقة، ردت أعداد رؤوس الأصناف إلى أوفاقها، ثم نرجع إلى ما حصل من أعداد الرؤوس، فإن كانت متماثلة، فاكتف بواحدة منها، فاضربه في أصل المسألة، ومن المبلغ تصح لا محالة.
وإن كان فيها عددان متماثلان، اكتفينا بأحدهما، وإن كان فيها عددان متداخلان، طرحنا الأقل، واكتفينا بالأكثر.
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/287)
وإن لم تكن متماثلة ولا متداخلة، نظرنا: فإن كانت متباينة، ضربنا أحد الكسور في الثاني، ثم ضربنا المبلغ في الثالث، ثم ضربنا المبلغ في الرابع، ثم ضربنا المبلغ في أصل المسألة، أو في أصلها وعولها إن كانت عائلة.
وإذا تباينت الكسور، فمضروب الأول في الثاني يباين الثالث لا محالة، وهذا المبلغ يباين الرابع لا محالة.
وإن وجدنا توافقاً في الأعداد التي [هي] (1) الكسور، أخذنا وَفْق أحد الكسور، وضربناه في الثاني، ثم ننظر هل بين المبلغ وبين الثالث موافقة، فإن لم يكن، ضربنا الكلَّ في الكل، وإن كانت موافقة، ضربنا وَفْقَ أحد المبلغين في جميع الثاني، ثم ناخذ هذا المبلغ، ونعتبره بالكسر الرابع، ونضرب الكلَّ في الكل، أو الوفقين في الكل.
وإن كانت السهام لا توافق أعداد رؤوس الأصناف في الأصل، [بقّينا] (2) تلك الأعداد، ونظرنا في بعضها مع بعض، وعرفنا تباينها وتوافقها، وأجرينا ما قدمناه من طريق الحساب، وإن توافق اثنان، وتباين اثنان، أجرينا في المتوافقين طريق التوافق، وضربنا وفق أحدهما في كل الثاني، ثم نجري في الباقيين طريقَ التباين.
ولا يخفى تصحيحُ المسائل على من أحكم ما قدمناه، ولكنا نضرب في كل باب أمثلةً لإيناس المبتدئين.
6491- مسائل الكسر على جنسٍ واحدٍ
بنت، وبنتا ابن، وعم
للبنت النصف: ثلاثة، ولولدي الابن سهم لا يصح عليهما، ولا يوافق
__________
(1) في الأصل: بين.
(2) في الأصل: نفينا، (ت 2) : أبقينا.(9/288)
واحد عدداً؛ فنضرب عددهما، وهو اثنان في أصل المسألة؛ فيصير اثني عشر، فمنها تصح المسألة، ثم إذا أردنا القسمة من هذا المبلغ، فكل من كانت له حصة من أصل المسالة قبل البسط والتصحيح، فنضرب حصته في المضروب في المسألة، والمردود حصته من المبلغ المبسوط: كان للبنت ثلاثة، فنضربها في الاثنين، وهو نصيبها. وكان لولدي الابن سهم، فنضربه في المضروب في المسألة، وهو اثنان، فتصح الاثنان عليهما. وإن لم تكن في المسألة عصبة، وقلنا بالرد، وفرعنا على مذهب علي (1) ، فالمال بين البنت وبنتي الابن مقسوم على أربعة: الربع واحد، لا ينقسم على اثنين، ولا يوافق؛ فنضرب اثنين في أربعة: للبنت منها ستة، ولبنتي الابن سهمان.
وعلى قول ابن مسعود (2) : أصلها من ستة لولدي الابن السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً. ولا يصح سهم على اثنين، فنضرب اثنين في أصل المسألة، فيبلغ اثني عشر: للبنت منها خمسة أسداسها عشرة ولولدي الابن سهمان: لكل واحد منهم سهم.
زوج، وجدتان، وثلاث بنات
أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للزوج الربع ثلاثة، وللجدّتين السدس سهمان، لكل واحدةٍ منهما سهم، وللبنات الثلثان: ثمانية، لا تصح على ثلاثة، ولا توافقها فنضرب ثلاثة في أصل المسألة وعولها، تبلغ تسعة وثلاثين، كان للزوج ثلاثة، فنضربها في ثلاثة، فيكون له تسعة، وكان للجدتين سهمان مضروبان في ثلاثة، فلهما ستة، وكان للبنات ثمانية مضروبة في ثلاثة، فتكون أربعة وعشرين: لكل واحدةٍ ثمانية.
__________
(1) بالرد على بنت الابن في هذه الحالة.
(2) بعدم الرد على بنت الابن في حالة ما إذا كان نصيبها السدس تكملة الثلثين.(9/289)
وهذه الطريقة التي تبيّن حصصَ الأصناف بعد البسط تسمى طريق العطاء، وهي مسهلة في المسائل التي لا عول فيها، واستعمالها محتومة في مسائل العول؛ فإن أقدار الفرائض عائلة عن مبالغها، فليس ما يسمى نصفاً فيها نصفاً؛ فيتعين اتخاذ طريقة العطاء أصلاً في تبيين الحصص.
أم، وأربعة أعمام
أصلها من ثلاثة: للأم الثلث سهم. والباقي للأعمام، وهو سهمان من ثلاثة، وبين الاثنين والأربعة موافقة بالنصف، فنأخذ النصف من عدد الرؤوس، ونضربه في أصل المسألة فيبلغ ستة، وتصح المسألة منها.
6492- مسائل الكسر على جنسين من غير موافقةٍ بينهما
أخوان لأم، وثلاثة إخوة لأب
المسألة من ثلاثة، ولا تصح سهام المسألة على الجنسين، ولا موافقة بين الكسرين، فنضرب أحدهما في الآخر، فيصير ستة، ثم نضرب هذا المبلغ في أصل المسألة، وهو ثلاثة فيبلغ ثمانية عشر، ومنه تصح المسألة.
ثلاث زوجات، وثلاث جداتٍ، وأربع بناتٍ، وأخوان لأبٍ
أصلها من أربعة وعشرين: للزوجات ثلاثة، وللجدات أربعة، لا تصح عليهن، وللبنات ستة عشر صحيحة عليهن، والباقي للأخوين، وهو سهم واحد، ينكسر عليهما، فقد وقع الكسر على ثلاثة واثنين، ولا موافقة بينهما، فنضرب أحدهما في الآخر، فيبلغ ستة، فنضربها في أصل المسألة، فيبلغ مائة وأربعة وأربعين، منها تصح المسألة.
كان للزوجات ثلاثة مضروبة في ستة، فتكون ثمانية عشر، لكل واحدة ستة. وكان للجدات أربعة نضربها في ستة، فلهن أربعة وعشرون. وهكذا إلى آخر المسألة.(9/290)
ثلاثة إخوة لأم، وأخوان، وأختان لأب
المسألة من ثلاثة أسهم: لولد الأم الثلث: سهم على ثلاثة لا تصح ولا توافق.
والباقي وهو سهمان لولد الأب على ستة لا تصح، ولكن توافق بالنصف، فنأخذ نصف عددهم وهو ثلاثة وهي مساوية لعدد أولاد الأم، فاكتفينا بأحدهما، وضربنا في أصل المسألة، فيبلغ تسعة، منها تصح المسألة.
جدة، وأربعة إخوة لأم، وأخوان، وأختان لأب
المسألة من ستة للجدّة سهم، ولولد الأم سهمان لا يصح على أربعة، ويوافقها بالنصف، فنرد عددهم إلى اثنين، والباقي وهو ثلاثة أسهم بين ولد الأب، على ستة لا تصح، ولكن يوافق بالثلث فرجع عددهم إلى اثنين، واستوى وفق الجنسين، فاكتفينا بأحدهما وضربناه في أصل المسألة، فبلغ اثني عشر، ومنه تصح القسمة.
6493- مسائل الكسر على ثلاثة أجناس وأربعة أجناس، من غير موافقة بين السهام والأجناس.
جدتان، وثلاثة إخوة لأم، وخمسة إخوة لأب
أصلها من ستة، وسهام كل جنس لا تصح على عدد المستحقين، ولا موافقة بين الأجناس، فنضرب اثنين في ثلاثة، تبلغ ستة، فنضربها في خمسة تبلغ ثلاثين، فنضرب ذلك في أصل المسألة، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح المسألة.
أربع زوجات، وثلاث جدات، وخمس أخوات لأم، وسبع أخوات لأب
أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى سبعةَ عشرَ، وسهام كل جنس غير صحيحة، ولا موافقة لأصحابها، والأجناس متباينة في نفسها، فنضرب أربعة في ثلاثة، ثم ما بلغ في خمسة، ثم ما بلغ في سبعة، فبلغ أربعمائة وعشرين،(9/291)
فضربناها في أصل المسألة بعولها، فتبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين، منها تصح المسألة.
كان للزوجات من أصل المسألة ثلاثة في أربعمائة وعشرين، فلهن ألف ومائتان وستون: لكل واحدة منهن ثلثمائة وخمسة عشر.
وكان للجدات سهمان مضروبان في أربعمائة وعشرين يكون لهن ثمانمائة وأربعون، لكل واحدة منهن مائتان وثمانون، وكان لولد الأم أربعة مضروبة في أربعمائة وعشرين فلهن، ألف، وستمائة وثمانون: لكل واحدة منهن ثلثمائة وستة وثلاثون، وكان لولد الأب ثمانية، مضروبة في أربعمائة وعشرين، فيخرج الباقي. والقسمة صحيحة.
6494- مسائل الكسر على ثلاثة أجناس
أو أربعة أجناس على موافقةٍ تقع بينهما
جدتان، وثلاثة إخوة لأم، وخمسة إخوة وخمس أخواتٍ لأبٍ
أصل المسألة من ستة: للجدتين السدس: سهم واحد، وللأولاد الأم الثلث: سهمان ولا يوافق عددَهم. والباقي وهو ثلاثة لأولاد الأب وهم خمسةَ عشرَ بالتقدير، وسهامهم توافقهم بالثلث، فنردهم إلى خمسة، فمعنا اثنان، وثلاثة، وخمسة، فنضرب اثنين في ثلاثة، ثم المبلغ في خمسة، تكون ثلاثين، فنضربها في أصل المسألة تكون مائة وثمانين، منها تصح القسمة.
أربع زوجات، وثمان جدّاتٍ، وستة عشر أخاً لأم، وعشرين أختاً لأب
أصلها من اثني عشر، وتعول إلى سبعةَ عشر: للزوجات الربع: ثلاثة، لا يصح عليهن، ولا يوافق، وللجدات سهمان، يوافقهن بالنصف، فيرجع إلى أربعة، ولولد الأم أربعة يوافق عددهم بالربع، فيرجع عددهم إلى أربعة وللأخوات ثمانية لا تصح عليهن، وتوافق بالربع فرجع إلى خمسة، فمعنا أعداد متماثلة، أربعة أربعة، نكتفي منها بواحد، ولا موافقة بين الأربعة والخمسة،(9/292)
فنضرب أربعة في خمسة، فتكون عشرين، نضربها في أصل المسألة بعولها، فتبلغ ثلثمائة وأربعين، فمنها تصح المسألة.
ومهما اجتمع في المسألة خمسة أجناس وهي أكثر ما يكون من أصناف الورثة، فلا بد أن تصح سهام صنفٍ والباقون قد تصح سهامهم عليهم، وقد تصح على بعضهم، وقد لا تصح على جميعهم، ومتى لم تصح سهام الأصناف عليهم ولم توافق، ولم يكن بين الأصناف موافقة ولا مماثلة، ولا مداخلة، فالمسألة تعرف بين الفرضيين بالصمّاء.
هذه أصول أبواب التصحيح، فقس عليها موفِّقاً، إن شاء الله.
***(9/293)
باب استخراج نصيب كل واحد من الورثة على التفصيل
6495- إذا صححتَ المسألة، وأردت أن تعرف نصيبَ كل واحد من الورثة، فقد ذكر الفرضيون في ذلك طرقاً: أشهرها - أن تنظر إلى كل جنس كان له من أصل الفريضة شيء، فتضرب سهامهم في العدد الذي ضربناه في أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب ذلك الجنس، فتقسمه على عدد رؤوسهم، على حسب الاستحقاق، فما خرج بالقسمة، فهو نصيب كل واحد منهم.
المثال: أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات (1)
أصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للزوجات الربع: ثلاثة لا تصح عليهن، ولا توافقهن، وللجدات السدس: سهمان، لا تصح، ولا توافق، وللأخوات الثلثان: ثمانية، لا تصح، وتوافق بالنصف، فرجع عددهن إلى ثلاثة، وحصل معنا أربعة وثلاثة، وثلاثة، إحدى الثلاثتين تُجزىء عن الأخرى، فيبقى أربعة وثلاثة، فنضرب إحداهما في الأخرى، تكون اثني عشر، فهذا العدد الذي يسميه الفرضيون عددَ المنكسرين، فاضربه في أصل المسألة بعولها، وهي ثلاثة عشر، فتبلغ مائة وستة وخمسين، فمنها تصح المسألة.
__________
(1) كذا في النسخ الثلاث: " ست أخوات " بدون قيد. وهي صحيحة؛ فإن الأخت عند الإطلاق تنصرف إلى الشقيقة. وقد علق أحد العلماء المطالعين لنسخة (ت 2) بأن الأولى التقييد بأنهن (أخوات لأب) ، وقطعاً للوهم أن يسبق أنهن أخوات (لأم) فلا تصح المسألة مثالاً.(9/294)
فإذا أردت إفرادَ نصيب كل جنس من الورثة، فقد كان للزوجات من أصل المسألة ثلاثة مضروبة في المضروب في المسألة، وهو اثنا عشر، فصار ستة وثلاثين، مقسومة بينهن على أربعة: لكل واحدةٍ منهن تسعة، إلى الآخر، فهذه الطريقة تعرفُ بها حصّة الصنف، ثم تعرف حصة كل واحدٍ منهم بالقسمة.
وذكر الفرضيون طرقاً يُعرفُ بها نصيب الواحد من كل صنف.
6496- طريقة أخرى: نقسم عدد المنكسرين على الصنف الذي نُريد أن نعرف نصيبَ كل واحد منهم، فما خرج نضربه في جملة سهام ذلك الصنف من أصل المسألة، إن كانت سهامهم مباينة لعددهم، وإن كانت موافقة ضربنا في وَفْق سهامهم، فما بلغ فهو نصيب كل واحدٍ من ذلك الصنف.
مثاله في المسألة التي ذكرناها: إنك قد علمت أن عدد المنكسرين اثنا عشر، فإذا أردت معرفة نصيب كل واحد من الزوجات، فاقسم الاثني عشر على عددهن، فيخرج ثلاثة، فاضربها في جملة ما كان لهن من أصل المسألة، وهو ثلاثة فتبلغ تسعة، فهو نصيب كل واحدةٍ.
ثم اقسم الاثني عشر على عدد الجدات، وهن ثلاث، فتخرج أربعة، فاضربها فيما كان لهن من أصل المسألة، وهو سهمان فتبلغ ثمانية، وهو نصيب كلّ واحدة منهن.
ثم انظر إلى الاثني عشر، وإلى الأخوات، وقد رددن إلى ثلاثة؛ لأن سهامهن وافقتهن، فاقسم اثني عشر عليهن، فتخرج أربعة، فاضربها في وَفْق ما كان لهن من أصل المسألة، وذلك أربعة، فتبلغ ستة عشر، فهو نصيب كل واحدة منهن.
6497- طريقة ثالثة: نقول: إن كان المنكسر على جنسٍ واحدٍ، ولم توافق سهامهم عددهم، فنصيب كل واحد منهم مثل عدد سهام جماعتهم من أصل المسألة.(9/295)
وإن وافقت سهامُهم عددَهم، فنصيبُ كل واحد منهم مثلُ وَفْق سهام جماعتهم من أصل المسألة. وإن كان الكسر على عددين، ولا موافقة بين السهام والعددين، فإن وافق أحدُ العددين الآخر، فخذ وفقَ أحدهما، واضربه في سهام العدد الآخر من أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب كل واحد من الذين ضربت سهامهم، ثم خذ [وفق العدد الآخر] (1) واضربه في سهام العدد الأول من أصل المسألة، فما بلغ فهو نصيب كل واحدٍ من المضروب في سهامهم.
وإن كان العددان قد وافقا سهامهما من أصل المسألة فوافِق بين وفق عدد كل واحد، وخذ ذلك الوفق، واضربه في وفق سهام العدد الآخر من أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب كل واحدٍ من المضروب في وفق سهامهم.
ومثاله في المسألة التي ذكرناها: أنّك إذا أردت معرفة نصيب الواحدة من الزوجات، قلتَ: عددهن أربعة، وقستَ عليها عددَ الجدات، وهن ثلاثة (2) ، فهما متباينان، ثم نظرت إلى عدد الجدّات، ووَفْق عدد الأخوات، فكانا متماثلين، فاجتزأت بأحدهما، وضربت ثلاثة في جميع ما كان للزوجات من أصل المسألة، وهو ثلاثة، فصار تسعة، فهو نصيب كل واحدة منهن، فإذا أردت نصيبَ كل جدّة، فتقفهن وتقيس إليهن عددَ الزوجات، فيكون مبايناً لهن، وتقيس إليهن وفقَ عدد الأخوات، فيكون مثلها فاجتزأت بأحدهما، وحصل معك أربعة، فضربتها في جميع ما كان للجدات من أصل المسألة، وهو اثنان، فتكون ثمانية، فهو نصيب كل جدّةٍ.
وإن أردت نصيب كل أختٍ، وقد رددت إلى الوفق، وهو ثلاثة، فقس إليهن الجدات، فالعدد مثل العدد، فأسقطت أحدهما، وقست إليها الأربعة،
__________
(1) في الأصل: عدد الوفق الآخر.
(2) كذا بالتأنيث في النسخ الثلاث. وهي صحيحة لغوياً، فمن المعروف أن المعدود إذا تقدم لا تجب المخالفة، بل يجوز الموافقة في التذكير والتأنيث.(9/296)
فكان مبايناً لهن، فاضرب الأربعة في وفق نصيبهن من أصل المسألة، وهو أربعة، فيكون ستة عشر، فهو نصيب كل واحدة منهن.
6498- طريقة أخرى: تقسم سهام الصنف الذين تريد معرفةَ نصيب كل واحدٍ منهم، من أصل المسألة على عدد رؤوسهم، فما خرج بالقسمة ضربته في عدد المنكسرين، فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم.
مثاله في المسألة التي ذكرناها: أن نصيب الزوجات من أصل المسألة ثلاثة، فنقسمها عليهن، فتصيب كلُّ واحدة منهن ثلاثة أرباع سهم، فتضربه في اثني عشر، فيرد ثلاثة أرباع اثني عشر، وهو تسعة، فهو نصيب كل واحدة منهن، ثم قسمنا نصيب الجدات، وهو سهمان عليهن وهن ثلاثة، فخرج نصيب كل واحدة ثُلثا واحدٍ، فضربناه في عدد المنكسرين، فبلغ ثمانية، [وهو نصيب الواحدة منهن] (1) وقسمنا نصيب الأخوات من الأصل وهو ثمانية على عددهن، وهو ستّة، فخرج من القسمة نصيب الواحدة واحد وثلث، فضربناه في عدد المنكسرين وهو اثني عشر، فبلغ ستة عشر، فهو نصيب كل أختٍ (2) .
***
__________
(1) زيادة من المحقق لإيضاح المسألة.
(2) إلى هنا انتهت نسخة (ت 2) ، وجاء في خاتمتها ما نصه:
" تم الجزء الخامس عشر بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه، وصلى الله
على محمد نبيه وعلى آله، وصحبه وسلم، وشرّف وكرّم.
يتلوه في الجزء السادس عشر إن شاء الله
باب في تصحيح حساب مسائل المناسخة ".(9/297)
باب في تصحيح حساب مسائل المناسخة
6499- صورة هذا الباب أن يموت إنسان فلا يقسم ميراثه حتى يموت بعضُ ورثته، وربما حتى يموت ثالث ورابع وخامس. ومطلوب الباب تصحيح مسألة الميت الأول من عددٍ ينقسم نصيب كل ميت بعده منه على مسألته. ولو أفرد مفردٌ كلَّ مسألة بحسابها، لم يكن وافياً بمقصود السائل؛ فإن غرضه قسمةُ المسائل على حسابٍ واحد؛ من جهة أن التركة واحدة في غرض السائل.
6500- والأصل في حساب الباب أن تنظر، فإن كان ورثة الثاني، والثالث، ومن بعدهم هم ورثة الميت الأول، وكان ميراثهم من كل واحدٍ منهم على سبيل ميراثهم من الميت الأول، وذلك بأن يكونوا عصبة لكل واحد منهم، فاقسم مال الميت الأول بين الباقين من ورثة الموتى، كأنه ما خلف غيرَهم، إن كانوا ذكوراً بالسوية، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
مثاله: رجل مات وخلف:
ثلاثة بنين، وثلاث بنات
فلم يقسم ماله حتى مات ابن، ثم ماتت بنت، ثم مات ابن آخر.
فاقسم مال الميت الأول بين من بقي، وهم:
ابن، وبنتان
للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن كان في جملة الورثة من يرث سهماً من الميت الأول، ولا يرث من مال(9/298)
الميت الثاني، والثالث، ومن بعده شيئاً، فأفرده بسهمه، واقسم ما بقي بين الباقين من الورثة، على ما تقدم.
مثاله: امرأة ماتت، ثم خلفت:
زوجاً، وثلاثة بنين، وثلاث بنات من غير هذا الزوج.
فلم تقسم تركتها حتى مات ابنان، وبنتان.
فادفع إلى الزوج ربعَ مالها، واقسم الباقي بين الابن والبنت: للذكر مثل حظ الأنثيين.
والمسألة من أربعة.
6501- وإن كان ميراثهم من الميت الثاني أو الثالث أو الرابع، ومن بعدهم على خلاف ميراثهم من الميت الأول، لو كان لكل واحد من الموتى وارث غير وارث الميت الذي قبله، واختلفت مقادير مواريثهم، فطريق الحساب في الباب أن تصحح مسألة الميت الأول، واعرف نصيب الميت الثاني منها، ثم صحح مسألة الميت الثاني، ثم اقسم نصيبه من مسألة الميت الأول على مسألته في نفسه، فإن انقسم عليها، فقد صحت المسألتان جميعاً فيما صحت منه المسألة الأولى.
وإن لم ينقسم نصيبه من الأولى على مسألته، فانظر، فإن لم يكن بين نصيبه وبين مسألته موافقة، فاضرب ما صحت منه مسألته فيما صحت منه المسألة الأولى، فمنه تصح المسألتان.
وإن كان بين نصيب الميت الثاني، وبين ما صحت منه مسألته موافقة، فخذ الوفقَ من مسألته لا من نصيبه، واضربه في المسألة الأولى، وتصح القسمة من المبلغ في المسألتين.
وإن كان في المسألة ميت ثالث، فصحح مسألته مفرداً، ثم خذ نصيبه مما صحت منه المسألتان الأوليان، وانظر: فإن انقسم نصيبه على مسألته، فقد(9/299)
صحت المسائل الثلاث مما صحت منه المسألتان الأوليان، فإن لم ينقسم نصيبه على مسألته، فانظر، فإن لم يكن بينهما موافقة، فاضرب مسألته فيما يصح منه المسألتان الأوليان، وإن كان بينهما موافقة، فاضرب وفق مسألته -لا وفق حصته - فيما صحت المسألتان الأوليان، فما بلغ، فمنه تصح المسائل الثلاثة.
وهذا طريق العمل، لو كان في المسألة ميت رابع وخامس وأكثر، فصحح مسألة كل واحد منهم على الانفراد، وخذ نصيبه من مسائل المتوفيين قبله كما تقدم.
6502- والمطلوب في هذا الباب إذا طال الحساب أن تعرف حصة كل واحد في البطون المتناسخة، فنقول: كل من ورث من مسألة الميت الأول شيئاً إذا كثر الضرب، أو جرى مرة واحدة، فخذ حصة من تريد في المسألة الأولى، واضربه في المضروب في مسألة الميت الأول إن جرى ضرب واحد، وإن [جرت ضربات] (1) ، فيكثر بها العدد المبسوط في كل حصة. فإذا تبينتَ الحصة في الضرب الأول، ثم ضربت ضرباً ثانياً بسبب بطن ثالث، فاضرب حصة الوارث من المسألة الأولى بعد الضرب الأول، واضربها في المضروب الثاني، وهكذا. كلما تناسخت البطون.
وكل من ورث من مسألة الميت الثاني، فاضرب نصيبه في المسألة الثانية فيما مات عنه الميت الثاني من السهام إن لم تكن سهامه منقسمة على مسألته، ولا موافقة لها.
وإن كانت سهامه موافقة لمسألته، فاضرب حصة الوارث الثاني من المسألة الثانية في وفق سهام ذلك الميت.
وإن كانت سهامه قد انقسمت على مسألته من غير كسر، فاضرب فيما يخرج
__________
(1) في الأصل: ضرب ضربان.(9/300)
من قسمة سهامه على مسألته، ثم اضرب ما اجتمع من ذلك في مسائل المتوفين بعده، مسألة بعد مسألة، كما ذكرنا في المسألة الأولى مع الثانية.
وكذلك تفعل في معرفة نصيب ورثة الميت الثالث والرابع، وما زاد.
ثم انظر، فإن كان بعض الورثة قد ورث من المسألتين، فاعرف نصيبه من كل واحدة بالضرب، ثم اجمع جميع ما ورثه من المسائل، فما كان فهو نصيبه مما تصح منه جميع تلك المسائل.
6503- فهذا أصل الباب وحسابه ولا بد من ذكر مثال في كل نوع من هذه الأنواع:
زوج، وأختان لأبٍ وأم
ماتت إحدى الأختين قبل قسمة الميراث، وخلفت بنتاً وأختها.
فالمسألة الأولى من سبعة (1) وللأخت الميتة منها سهمان، ومسألتها من اثنين. فالمسألتان تصحان من سبعة: للزوج منها ثلاثة، ولبنت الميت الثانية سهم وللأخت الباقية ثلاثة أسهم: سهمان عن الأول، وسهم عن الثاني.
ابنان، وبنتان.
المسألة من ستة. مات أحد الابنين، وخلف ابناً وبنتاً. المسألة من ثلاثة ونصيبه من الأولى سهمان لا تنقسم على مسألته، ولا توافق، فتضرب مسألته في المسألة الأولى. فتبلغ ثمانية عشر، فمنها تصح المسألتان. فمن كان له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في المضروب في تلك المسألة، وهي ثلاثة. ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً فيما مات عنه الميت الثاني، وهو سهمان.
__________
(1) المراد أنها من سبعة بعد عولها. وإلا فهي من ستة أصلاً، والسبعة ليست من أصول المسائل كما هو معروف.(9/301)
ابنان، وبنتان
مات أحد الابنين، وخلف امرأة، وبنتاً، وثلاثة بني ابن
المسألة الأولى من ستة، ونصيب الميت الثاني منها سهمان، ومسألته من ثمانية، ولا يصح نصيبه على مسألته، ولكن يوافقها بالنصف، فاضرب نصف مسألته في المسألة الأولى: أربعة في ستة، المردود أربعة وعشرون. منها تصح المسألتان. من له شيء من المسألة الأولى، أخذه مضروباً في نصف المسألة الثانية، وهو المضروب في المسألة الأولى. ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في نصف ما مات عنه، وهو واحد.
امرأة، وأم، وثلاث أخوات مفترقات (1)
المسألة من خمسة عشر، عائلة.
ماتت الأم عن: زوج، وعم، ومن خلفت من ورثة الميت الأول، وهما بنتان فمسألتها من اثني عشر. وقد ماتت عن سهمين توافق مسألتها بالنصف، فاضرب نصف مسألتها. في المسألة الأولى يكون تسعين، ثم ماتت الأخت للأب، وخلفت زوجاً، وأماً، وبنتاً، ومن خلفت في هذه المسألة الأولى، وهي أخت لأب.
ومسألتها من اثني عشر، ولها من المسألة الأولى سهمان مضروبان في وفق الثانية، وهو ستة، يكون اثني عشر، وذلك ينقسم على مسألتها، فصحت المسائل الثلاث من تسعين:
للمرأة من الأولى ثلاثة، مضروبة في ستة يكون ثمانية عشر.
وللأخت لأم من الأولى سهمان في ستة يكون اثني عشر، ولها أيضاً من الثانية أربعة في واحد، فجميع مالها ستة عشر.
__________
(1) ثلاث أخوات مفترقات: أي واحدة لأبٍ وأم، وواحدة لأب، والثالثة لأم.(9/302)
وللأخت للأب والأم من الأولى ستة مضروبة في ستة، ومن الثانية أربعة في واحد، ومن الثالثة واحد، وهو ما خرج من قسمة سهام الثالثة على مسألتها، فجميع ما لها أحد وأربعون سهماً.
ولزوج الثانية ثلاثة في واحد.
ولعمها سهم في واحد.
ولزوج الثالثة ثلاثة في واحد.
ولبنتها ستة في واحد.
ولأمها سهمان في واحد.
امرأة، وابن، وبنت، وأخ من أب
فمات الابن، وخلف من خلف، وهم: أمه، وأخته، وعمه.
ثم ماتت البنت، وخلفت: زوجاً، وبنتاً، ومن خلفت.
ثم ماتت المرأة، وخلفت زوجاً، وأماً، وست أخوات مفترقات.
فالمسائل الأربع كلها تصح من مائة وأربعة وأربعين. على ما ذكرنا في مراسم الحساب.
وقد نجز مقصود الباب، وتم بنجازه أبواب الحساب في الفرائض. وكنا قد وعدنا أن نذكر بعد نجازها بابين: أحدهما في ميراث الخناثى، والثاني في ميراث الحمل، ونذكر في كل بابٍ ما يتعلق بالفقه والفتوى، وما يتعلق بالحساب.
***(9/303)
باب الخناثى وكيفية ميراثهم (1)
6504- اعلم أن الخنثى على ضربين: أحدهما - أن يكون له آلة الرجال وآلة النساء.
والثاني - أن تكون آلته التي منها يبول بخلاف آلات الرجال والنساء، فلا يكون له ذكر كذكر الرجل، ولا يكون له قُبل، كقبل المرأة. فإن كان الخنثى على هذا الوصف، فهو مشكل إلى أن يبلغ، فيختار، ويُعرب عن نفسه.
فإن كان على الوصف الأول، اعتبر أمره أولاً بالبول. فإن بال من الذكر،
فهو رجل، فإن بال من فرج النساء، فهو أنثى، وإن بال بهما، فهو مشكل.
وقيل: أولُ من حكم بهذا الحكم عامرٌ العدواني (2) في الجاهلية. وكان حَكَمَ العرب، فأتَوْه في خنثى وميراثها، فأقاموا عنده أربعين يوماً، وهو يذبح لهم كلَّ يوم، وكانت له أمَةٌ يقال لها: خصيلة، فقالت له: إن مُقام هؤلاء عندك قد أسرع في غنمك، فقال: ويحك، لم يُشكل عليّ حُكومة قط، غيرُ هذه. قالت: " أتبع الحُكمَ المبالَ. فقال: فرَّجتِها يا خصيلة " (3) ، فأُرسل ذلك مثلاً، فاستقر الأمرُ عليه في الإسلام.
__________
(1) من هنا اقتصر العمل على نسختين (د 2) أصلاً، و (ت 3) نسخة مساعدة.
(2) عامر بن الظَّرب بن عمرو العدواني، من حكماء العرب في الجاهلية، كان يقال له: ذو الحِلْم، وهو أول من قرعت له العصا. (الأعلام) ، ومعنى " قرعت له العصا " أي وُكِّل به من ينبهه بقرع العصا بعدما كبر وصار يخطىء في حكمه. (اللسان) .
(3) راجع القصة في مجمع الأمثال للميداني عند (إن العصا قُرعت لذي الحِلْم) .(9/304)
وسئل معاويةُ في خنثى ولد بالشام، له ما للرجال، وله ما للنساء، فكتب معاوية إلى عليٍّ يسأله عن ميراثه، فقال: " يورّث من قِبل مباله ". ثم قال: " الحمد لله الذي جعل عدوَّنا يفزع إلينا في أمر دينه " (1) .
وسأذكر ما يتعلّق بعلامات الخناثى في كتاب الجراح. وقد ذكرنا طرفاً صالحاً منه في كتاب الطهارة.
والباب معقود لبيان الحكم مع دوام الإشكال في التوريث منه قبل ظهور أمره؛ إذ ليس في ورثته زوج، ولا زوجة، ولا ولد؛ إذ لو كان له زوج أو زوجة، أو ولد، لكان قد ظهر أمره قبل موته.
6505- وإن مات له موروث قبل ظهور أمره، فقد لا يختلف الميراث بالذكورة والأنوثة، وذلك بأن يكون الخنثى من أولاد الأم، أو كان ممن يرث بولاية على الميت من جهة العتق.
وإن كان ميراثه يختلف بكونه ذكراً أو أنثى، فقد اختلف العلماء حينئذ في كيفية توريثه على أقوال مختلفة: فقال الشافعي ومتبعوه: ينظر فيه، فإن ورث في حالٍ، ولم يرث في أخرى يوقف نصيبُه، ولم يدفع إليه شيء.
وإن كان يرث في الحالين، إلا أنه كان ميراثه في إحداهما أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، وهو المقدار المستيقن. ووُقف الفضل.
هذا حكمه في نفسه.
6506- فأما حكم غيره من الورثة معه، فإنه ينظر فيه، فكل من لا يتغير ميراثه بكون الخثى ذكراً أو أنثى، دفع إليه ميراثه كَمَلاً.
__________
(1) خبر علي " يورث من قبل مباله " رواه سعيد بن منصور في سننه، باب ما جاء في الخنثى حديث رقم 125، ورواه الدارمي: الفرائض، باب في ميراث الخنثى، ح 2970، والبيهقي: (6/261) دون ذكر سؤال معاوية.(9/305)
ومن كان يتغير ميراثه بذلك، نُظر: فإن كان يرث مع الخنثى في إحدى حاليه، ولا يرث معه في الأخرى، وُقف نصيبه. وإن ورث معه في حاليه جميعاً؛ إلا أنه كان ميراثه في إحدى الحالتين أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، ووُقف الفضلُ بينهما إلى أن نتبين أمر الخنثى.
هذا مذهب الشافعي وأصحابه.
6507- وذكر الأستاذ أبو منصور أن من أصحاب الشافعي من يدفع إلى الخنثى أقلَّ ما يصيبه، ويدفع الباقي إلى شركائه؛ لأنه لا إشكال فيهم، وسببُ استحقاقهم ثابت، وحجبهم مشكل، فلا ندفع أصلَ استحقاقهم بإشكالٍ.
وهذا لم أره لأحد من أئمتنا، وإنما وجدته في كتاب الأستاذ أبي منصور.
وفي كتابه عن أبي ثور عن الشافعي أنه قال: الوقف إلى موت الخنثى؛ فإذا
مات على إشكاله، رُدَّ الموقوف على ورثة الميت الأول، وهذا لم أره أيضاً.
وقال رضي الله عنه بعد ما نقل هذين المذهبين: " لا اعتبار بهذين التخريجين، ومذهب الشافعي، وما عليه أصحابه ما قدمناه ".
6508- وقال أبو حنيفة (1) : يورث الخنثى بأقل حاليه، فإن كان أقلُّ حاليه أن يكون ذكراً، دفع إليه ميراث ذكر، وإن كان أقلُّ حاليه أن يكون أنثى، دفع إليه ميراث أنثى؛ فإن بقي من المال شيء كان للعصبة، إن كان في الورثة عصبة، ولا يوقف شيء.
6509- وقال إسماعيل بن إسحاق: " لا أحفظ عن مالك في ميراث الخنثى شيئاً ". وحُكي عنه أنه جعله ذكراً، وليس بثابت عنه (2) .
__________
(1) ر. مختصر الطحاوي: 154، مختصر اختلاف العلماء: 4/456 مسألة: 2141.
(2) ر. شرح الحطاب: 6/424، 426.
وإسماعيل بن إسحاق: هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد
الأزدي، البغدادي إمام المالكية في عصره، ولد سنة 199 وتوفي سنة 282. وبفضله =(9/306)
6510- وقال قوم من البصريين إذا اجتمع فيه علامات الرجال والنساء، فهذا خلْقٌ، لا ذكر، ولا أنثى، وإنما فرضَ الله تعالى للذكور والإناث، ولم يفرض لهذا الشخص شيئاً، فلا شيء له إلا ألا يخلِّف القريبُ أحداً سواه، فيكون أحقَّ بماله من الأجانب.
6511- وقال ضرار، وجماعة من البصريين: يقسم المال بين الخنثى وشركائه على أكثر دعاويهم، فيضرب فيه كلُّ واحد منهم بأكثر ما يدّعيه، وقاسوه على عول الفرائض، والتضارب في ثلث المال عند ازدحام الوصايا وزيادتها على الثلث.
6512- وقال الشعبي: يُدفع إلى الخنثى نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وشَرِيك، ونعيم (1) ، ويحى ابن آدم، والعنبري (2) ، وجماعة من الكوفيين. وحُكي مثل هذا عن ابن عباس.
__________
= أصبح لمذهب مالك من الانتشار في بغداد ما لم يكن في وقت من الأوقات. (ر. طبقات الفقهاء للشيرازي: 167، ترتيب المدارك: 2/179، تاريخ بغداد: 6/284، الديباج: 1/282، سير أعلام النبلاء: 13/339) .
(1) هو نعيم بن حماد بن معاوية، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الإمام العلامة الحافظ الفرضي. كان من أعلم الناس بالفرائض، توفي سنة 228 هـ. (ر. تاريخ بغداد: 13/306، سير أعلام النبلاء: 10/595) .
(2) العنبري: هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري، قاضي البصرة وخطيبها، ولد سنة 100 وتوفي سنة 168 هـ. من العلماء الذين يعتد بخلافهم، حيث يتكرر ذكره في كتب الخلاف، كالأوسط لابن المنذر، واختلاف الفقهاء للطحاوي ومختصره للجصاص، والحلية للقفال، وكتاب الساجي في الفقه والخلاف -كما ذكر السبكي في طبقاته: 3/300- والانتصار للكلوذاني، والاستيعاب لابن عبد البر، (ر. تاريخ بغداد: 10/306، تهذيب الأسماء واللغات: 1/311، الوافي: 19/368، تهذيب التهذيب: 7/7) .(9/307)
6513- ثم اختلف الفرضيون في تأويل قول ابن عباس والشعبى ومن تبعهما: فقال أبو حنيفة: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين على طريق الدعوى.
وقال أبو يوسف: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين فى حالين فحسب، وبه قال أبو يوسف في آخر عمره، ولم ينزلهم أكثر من حالين.
وقال ابن أبي ليلى في روايةٍ وجماعة من الكوفيين: أرادوا بذلك نصف الميراثين على تنزيل الأحوال كلها.
وقيل: رجع محمد بن الحسن في آخر عمره إلى طريقة أصحاب الأحوال.
ثم اختلف أصحاب الأحوال في كيفية تخريج المسألة على الأحوال على حسب ما نبيّنه في جوابات الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
قال الأستاذ: هذا ما حفظنا من أقاويل العلماء، وأوضحُها وأقربها ما صار إليه الشافعي وأصحابه؛ فإنه مستند إلى اليقين، وما لا يقين فيه، فلا شيء فيه أحسنُ من الوقف.
6514- مسائل الباب:
رجل مات وخلّف أخاً لأبٍ وأمٍّ، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي للخنثى نصف المال، ويوقف الباقي حتى يتبين أمر الخنثى، وسأذكر في آخر الباب مسلكاً في القدر الموقوف.
وفي قول أبي حنيفة ومحمد: له النصف، والباقي للأخ.
ومن جعله ذكراً، أعطاه المالَ كلَّه.
ومن قال لا ميراث له: دفع المال كلَّه إلى الأخ.
ومن اعتبر قسمة المال بين الورثة على معظم دعاويهم، كما ذهب إليه ضرار، قال: إن الخنثى يدّعي جميعَ المال، والأخ يدعي النصف، فيقسَّم المال بينهما على ثلاثة أسهم: للخنثى سهمان، وللأخ سهم.(9/308)
ومن أوجب له نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى أعطاه ثلاثة أرباع المال، على جميع الروايات عنه.
أما على رواية أبي حنيفة في اعتبار الدعوى، فإنه يقول: له النصف باليقين، والنصف الباقي يدّعيه هو، ويدعيه الأخ، فيقسم بينهما نصفين، فيخرج منه ثلاثة أرباع.
وأما على اعتبار الأحوال، فلأن الخنثى له حالان: يرث في إحداهما جميع المال، وفي الأخرى نصفَ المال، فنجمع بينهما، يكون مالٌ ونصف، فله نصفهما، وهو ثلاثة أرباع.
والأخ يرث في أحد الحالين نصفَ المال، فله نصف النصف، وهو الربع.
فإن ترك ولدين خنثيين، وعماً لأب وأم
ففي قول الشافعي لهما الثلثان، والباقي موقوف.
وفي قول أبي حنيفة لهما الثلثان والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهما نصفين.
ومن قال: لا ميراث له جعل المال كلّه للعم.
ومن اعتبر قسمة المال بينهم على معظم دعاويهم، قال: إن كل واحد من الخنثيين يدعي لنفسه ثلثي المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحبي أنثى، والعم يدّعي ثلث المال، فنجمع دعاويهم، فيحصل مال وثلثا مال، فنبسطه أثلاثاً، فيكون خمسة، فنقسم المال بينهم على خمسة أسهم: لكل واحد من الخنثيين سهمان من خمسة وللعم سهم.
ومن اعتبر له نصفَ الميراثين، فقد اختلفوا فيما بينهم، فمن اعتبر طريقةَ الدعوى، كما رواه أبو حنيفة عنهم، قال: لهما الثلثان بيقين، والثلث الباقي يدعيانه، ويدعيه العم، فيكون بينهم نصفين: خمسة أسداس المال بينهما(9/309)
نصفين، وللعم السدس: أصلها من ستة، وتصحّ القسمة من اثني عشر سهماً.
ومن اعتبر تنزيل المسألة على حالين فحسب، كما ذهب إليه أبو يوسف، فقوله في هذه المسألة كقول من اعتبر الدعوى؛ لأنه يقول: لهما حالان: إما أن يكونا ذكرين، فيستحقان جميع المال، وإما أن يكونا أنثيين، فيكون لهما الثلثان، فجملة النصيبين، مال وثلثان، لهما نصف ذلك، وهو خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
وأما من اعتبر تنزيل المسألة على جميع الأحوال، فلهم طرق مختلفة ترجع إلى معنىً واحد، فمنهم من يقول: للخنثيين أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، وإما أن يكونا أنثيين، وإما أن يكون الأكبر ذكراً والأصغر أنثى، وإما أن يكون الأصغر ذكراً والأكبر أنثى. وهؤلاء يجعلون لثلاث خناثى ثمانية أحوال، ولأربعة ستةَ عشرَ حالاً، وللخمسة اثنين وثلاثين حالاً، وعلى هذا القياس: كلما زاد في عدد الخناثى واحدٌ، تضاعف عدد أحوالهم.
فإذا كان للاثنين أربعة أحوال، ففي ثلاث منها يستحقان جميع المال. وفي حالةٍ واحدة يستحقان ثلثي المال، فجملةُ ذلك ثلاثة أموال وثلثا مالٍ، لهما ربع ذلك؛ لأن لهما حالاً من أربعة أحوال: فيكون لهما ربع المبلغ، وهو خمسة أسداس المال ونصف سدسه، ويكون ما بقي للعم، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: يزاحمهم العم في واحدة منها، وإذا زاحمهم، أخذ ربع الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من اعتبر طريقةً في الحساب، نذكرها في آخر الباب. وطرق أصحاب الأحوال ترجع إلى معنىً واحد.
ثلاثة أولاد خناثى، وعم لأب.
ففي قول الشافعي: يدفع إليهم ثلاثة أخماس المال: لكل واحد الخمس،(9/310)
وهو الأقل المستيقن، [لجواز] (1) أن يكون أنثى وصاحباه ذكرين، ونوقف ما بين ثلاثة أخماس [المال] (2) إلى تمام الثلثين بين الخناثى، لا حظَّ للعم فيه؛ فإنه لهم، أو لأحدهم، أو لاثنين منهم، ويوقَف ثلث المال الباقي بين العم والخناثى.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهم على ثلاثة أسهم، لكل واحد منهم سهم.
ومن [أسقطهم] (3) ، جعل المال كلّه للعم، ومن اعتبر معظمَ [الدعاوى] (4) ، قال: كل واحد من الخناثى يدعي نصف المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحباي أنثيان. والعم يدعي ثلث المال، وجملة دعاويهم مالٌ وخمسةُ أسداس مال، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فنقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً، لكل خنثى ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
وعلى رواية أبي حنيفة على أصل الدعاوى يقال: لهم الثلثان بيقين، والثلث يدّعونه ويدّعيه العم، فهو بينهم نصفين، فيكون لهم خمسة أسداس المال، وللعم السدس، والقسمة من ثمانية عشر.
وإلى هذا يؤدي مذهب أبي يوسف واختياره، حيث يقول: إما أن يكونوا ذكوراً، فلهم المال، وإما أن يكونوا إناثاً، فلهن الثلثان، فقال: مال وثلثان، لهم نصفه، وهو (5) خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من (ت 3) .
(3) في الأصل: أسقطه.
(4) في الأصل: الدعوى.
(5) عبارة الأصل: لهم نصف وخمسة أسداس المال.(9/311)
ومن اعتبر تنزيل الأحوال، فمنهم من يعبّر، ويقول: لهم ثمانية أحوال في سبعةٍ منها يرثون المالَ كلَّه، وفي واحدٍ يرثون ثلثي المال، فجملة ذلك سبعة أموال وثلثان، لهم ثمن ذلك؛ لأنهم إنما يرثون بحالٍ من ثمانية أحوال، وذلك خمسة أسداس المال وثمنه، وهو ثلاثة وعشرون سهماً من أربعة وعشرين سهماً من المال، والباقي للعم.
ومنهم من يعبّر ويقول: لهم ثمانية أحوال، في واحدٍ منها يزاحمهم العم [في الثلث] (1) ؛ فللعم ثمن الثلث (2) وهو جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جزءاً من المال.
والباقي للخناثى وسيأتي طريقُ الحساب.
ترك ابناً، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للابن النصف، وللخنثى الثلث، والباقي وهو سدس المال موقوف بين الابن والخنثى.
وفي قول أبي حنيفة: يكون المال بينهما على ثلاثة أسهم: للابن سهمان، وللخنثى سهم، وأبو حنيفة في هذه الرواية يجعل للخنثى المستيقن، والباقي للعصبة، فلا تنقص درجة الابن عن عمِّ أو أخ.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: الابن يدعي ثلثي المال، والخنثى تدعي النصف، وجملة ذلك مال وسدس، فنبسطه أسداساً، فيكون سبعة أسهم، فيقسم المال بينهم على سبعة أسهم: للابن أربعة، وللخنثى ثلاثة.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى رواية أصحاب الدعاوى نقول: النصف للابن بيقين، والثلث للخنثى بيقين، وبقي سدس يدعيانه، فهو بينهما نصفين، فيحصل للابن ثلث المال وربعه، وللخنثى ربع المال وسدسه.1
__________
(1) في الأصل: بالثلث.
(2) (ت 3) : الثلثين.(9/312)
وعلى رواية أصحاب الأحوال: يكون للابن في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ الثلثان، وجملتهما مالٌ وسدس، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللخنثى في حالٍ نصفُ المال، وفي حالٍ الثلث، وجملة ذلك خمسة أسداس المال، وله نصف ذلك، وهو ربع وسدس، كما ذكرناه.
بنت، وولد خنثى، وعم لأب
ففي قول الشافعي: للولدين الثلثان بينهما نصفين، ويوقف الباقي بين العم والخنثى؛ لأنه لأحدهما، ولا حق فيه للبنت.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ولسنا نعود إلى التفريع على أنه ذكر، أو هو ساقط لا يرث.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، قال: الخنثى يدعي الثلثين، والعم يدعي الثلث، والبنت تدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وثلث، وهو أربعة أثلاث، فنقسم المالَ بينهم على أربعة: للخنثى سهمان، وللبنت سهم، وللعم سهم.
قال الأستاذ أبو منصور: هكذا يُحكى عنهم، وأنا أظن الحكايةَ غلطاً، والذي يقتضيه قياس قول هذه الطائفة ألا تنقص البنت عن الثلث، بل يُدفع إليها ثلث المال كاملاً، ثم يقال: الخنثى يدّعي جميعَ الباقي، والعم يدعي نصفَ الباقي، فيقسم الباقي بينهما على ثلاثة، فتصح القسمة من تسعة أسهم للبنت ثلاثة، والباقي -وهو ستة- بين الخنثى وبين العم على ثلاثة، فللخنثى أربعة، وللعم سهمان.
ومن قال بنصف الميراثين، فعلى اعتبار الدعوى يقال: للبنت الثلث بيقين، ولا دعوى لها، وللخنثى الثلث بيقين، بقي ثلث المال يدّعيه الخنثى، ويدّعيه العم، فهو بينهما نصفين، فيحصل للخنثى نصف المال، وللبنت الثلث، وللعم السدس.(9/313)
وعلى طريقة أهل الأحوال: يقال: للخنثى حالان في إحداهما يرث الثلث، وفي الثانية ثلثين، فنجمعهما، فيكون مالاً كاملاً، فله نصفه، وللبنت في كل واحدةٍ من الحالتين ثُلثه، وجملتها الثلثان، فلها نصف ذلك، وهو الثلث.
[فالعم إما أن يكون له الثلث، أو لاشيء له، فله نصف ذلك، وهو السدس] (1) .
6515- واعلم أن ولد الأب والأم، وولد الأب إذا كانوا خناثى، أو كان بعضهم خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في أولاد الميت سواء.
فإن ترك ولداً، وولد ابنٍ خنثيين، وعماً لأب
ففي قول الشافعي: يدفع إلى الولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثيين، لأنه لأحدهما، ويوقف الثلث بين العم والخنثيين.
وفي قول أبي حنيفة: للولد النصف، ولولد الابن السدس، والباقي للعم.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: ولد الصلب يدعي المال، وولد الابن يدعي النصف، والعم يدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وخمسة أسداس، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فيقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً: للولد منها ستة أسهم، ولولد الابن ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
ومن جعل له نصفَ الميراثين، فعلى اعتبار الدعاوى يقال: للأعلى منهما النصف، والسدس يدّعيه الأعلى والأسفل، فهو بينهما نصفين، وبقي ثلث المال يدّعيه الخنثيان، ويدعيه العم، فهو بينهما أثلاثاً.
وتصح المسألة من ستة وثلاثين سهماً: للأعلى من الخنثيين خمسة وعشرون، والأسفل سبعة أسهم، وللعم أربعة أسهم.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.(9/314)
فأما على قول أصحاب الأحوال، فمنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، أو أنثيين، أو يكون الأعلى ذكراً، والأسفل أنثى، أو يكون الأسفل ذكراً، والأعلى أنثى، فنجمع ما يصيب الأعلى في الأحوال، فيكون ثلاثة أموال، وله ربعها، وذلك ثلاثة أرباع المال.
ونجمع ما يصيب الأسفل في هذه الأحوال، [فيكون ثلثي مال، فله ربع ذلك، وهو السدس.
ونصيب العم في بعض هذه الأحوال] (1) الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف السدس.
ومنهم من يعبّر فيقول: لهما أربعة أحوال، والعم يدخل في واحدة منها في الثلث، فله ربع الثلث، وللأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي للأسفل، وهو السدس.
قال الأستاذ (2) : حكى أصحاب الرأي عن أصحاب الأحوال في هذه المسألة أقوالاً سوى ما ذكرتها، وهي غير صحيحة على أصل القوم، فحكى بعضُهم عنهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف ما بقي، وهو الثمن، والباقي للعم.
وحكى بعضُهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل ثلاثة أرباع ما بقي، والباقي للعصبة، وحكى بعضهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف سدس المال والباقي للعم.
وحكى بعضهم عن القوم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي موقوف بين هذا الأسفل، وبين العم.
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (ت 3) .
(2) الأستاذ: المراد به أبو منصور البغدادي.(9/315)
وكل هذه الحكايات قد غلط فيها ناقلوها. والصحيح على قول أهل الأحوال ما حكيناه عنهم أوّلاً.
فإن كان الأعلى ابناً على التحقيق، والأسفل خنثى، فالمال كله للأعلى، ولا إشكال في المسألة.
فإن كان الأعلى بنتاً، والأسفل خنثى
ففي قول الشافعي: للبنت النصف، وللخنثى السدس، والباقي [موقوفٌ بين الخنثى، والعم؛ لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للبنت النصف، وللخنثى السدس والباقي] (1) للعم من غير وقف.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قال: البنت لها النصف بيقين، والخنثى يدّعي النصف، والعم يدعي الثلث، فنقسم الباقي بعد النصف بين الخنثى والعم، على خمسة أسهم. وللعم سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين. فعلى رواية أهل الدعاوى: للبنت النصف، لا شك فيه، ولولد الابن السدس بلا شك، وبقي الثلث يدعيه ولد الابن، والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال: ولد الابن يستحق في حالٍ النصفَ، وفي حالٍ السدسَ، وجملة ذلك ثلثا المال، فله نصف ذلك، وهو الثلث. والعم يستحق في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك وهو السدس. ونصيب البنت معلوم، لا يتغير.
6516- وولد الأب والأم مع ولد الأب إذا كانوا خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في ولد الميت، وولد الابن إذا كانوا خناثى، فإن ترك:
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.(9/316)
أُمّاً، وولداً خنثى.
ففي قول الشافعي: للأم السدس، وللولد النصف، والباقي موقوف بينه وبين العصبة.
وفي قول أبي حنيفة: يكون الباقي للعصبة.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى قال: الخنثى يدَّعي خمسةَ أسداس المال، والعصبة تدعي الثلث، فللأم السدس، ويقسم الباقي بين الخنثى والعصبة على سبعة أسهم: للخنثى خمسة أسهم، وللعصبة سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى طريقة أهل الدعوى، يقال: للأم السدس لا شك فيه، وللولد النصف، لا شك فيه. وبقي ثك المال، يدّعيه الخنثى والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال يقال: الخنثى يرث في حالٍ النصفَ، وفي حال خمسةَ أسداس المال، فجملة ذلك مالٌ وثلث، له نصف ذلك، وهو ثلثا المال.
وللعصبة في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك، وهو السدس، ونصيب الأم لا يتغير.
فإن ترك
أبوين، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للأبوين السدسان، وللولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثى والأب، لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للأبوين السدسان، وللولد النصف، والباقي للأب.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، أعطى الأم السدس، وقسم الباقي بين الأب والخنثى على ثلاثة أسهم: للأب سهم، وللخنثى سهمان.(9/317)
ومن جعل له نصف الميراثين، فعلى طريقة الدعوى، يقال: للأبوين السدسان، وللخنثى النصف، وسدس المال يدعيه الأب والخنثى، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال، يقال: للخنثى في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ ثلثا
المال، وجملة ذلك مالٌ وسدسٌ، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللأب في حالٍ الثلث، وفي حالٍ السدس، وجملة ذلك نصف المال، فله نصف النصف وهو الربع.
ونصيب الأم لا يتغير.
فإن تركت
زوجاً، وأماً، وولد أبٍ خنثى.
ففي قول الشافعي: للزوج النصف عائلاً، وذلك ثلاثة أسهم من ثمانية أسهم، وللأم الثلث عائلاً، وهو في التحقيق الربعُ سهمان [من ثمانية] (1) ويدفع إلى الخنثى مثل السدس؛ لأنه يقين.
وتصح القسمةُ من أربعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللخنثى أربعة أسهم. ويوقف خمسة أسهم.
وفي قول أبي حنيفةَ للزوج النصفُ الكامل، وللأم الثلث الكامل، والباقي للخنثى، وهو السدس.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قسم المال بينهم على ثمانية أسهم.
ومن اعتبر نصف الميراثين، قال: للزوج في حالٍ النصف، وفي حالٍ ثلاثة أثمان المال، وجملة ذلك سبعة أثمان المال، فله نصف ذلك.
__________
(1) ساقط من الأصل.(9/318)
وللأم في حالٍ الثلث، وفي حالٍ الربع، وجملة ذلك ثلثٌ وربعٌ، فلها نصف ذلك، وهو سدس وثمن.
وللخنثى في حالٍ النصف عائلاً، وهو ثلاثة أثمان المال وفي حالٍ السدس، فله نصف كل واحد منهما.
وتصح القسمةُ من ثمانية وأربعين سهماً.
فهذا بيان أصول العلماء في الخناثى.
6517- وقد تمس الحاجة إلى ذكر طرفٍ من الحساب في الباب يسهل به درك المقصود، فنضرب مثالاً واحداً، ونذكر فيه [مسلك] (1) الحُسّاب، فنقول:
خلّف الميت
ثلاثة أولاد خناثى، وعصبة
فلهم ثمانية أحوال، فإن كانوا ذكوراً، فالمسألة تصح من ثلاثة.
وإن كانوا إناثاً، فالمسألة تصح من تسعة.
وإن كانوا ذكرين وأنثى، فالمسألة تصح من خمسة، وهذا التقدير يجري في ثلاثة أحوال على البدل.
وإن كانوا ذكراً وأنثيين، فالمسألة تصح من أربعة. ولهذا التقدير أيضاً ثلاثة أحوال على البدل.
فقد حصل معنا ثلاثة، وتسعة، وخمسة ثلاث مرات، وأربعة ثلاث مرات. فنجتزىء بواحدةٍ من الخمسات، وبأربعة، ثم الثلاثة داخلة في التسعة، فتطرح؛ فيبقى معنا أربعة، وخمسة، وتسعة، وهي متباينة، فنضرب بعضها في بعض، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح القسمة على جميع أحوال المسألة.
__________
(1) في الأصل: مسألة.(9/319)
وقد علمنا أن أهل الوقف يقسمونها على اعتبار أضرّ الأحوال بكل واحدٍ منهم، وأضرُّها بكل واحد أن يكون هو أنثى، وصاحباه ذكرين، فيكون نصيب الخنثى خمسَ (1) المال، فندفع إلى كل واحدٍ منهم الخمس، وذلك ستة وثلاثين سهماً، ويكون الباقي موقوفاً، وذلك اثنان وسبعون سهماً.
ثم ننظر بعد ذلك: فإن ظهر [أمر] (2) الأكبر، وبان أنه ذكر، أعطي أقلَّ أحواله، وهو أن يكون صاحباه -أيضاً- ذكرين، فندفع إليه إلى تمام الثلث، وهو أربعة وعشرون سهماً.
وإن ظهر الأوسط ذكراً، فالأمر كذلك.
وإن ظهر أمرُ الثالث، دفع إليه مثلُ ذلك.
وإن بان أن الثالث أنثى، فقد استوفى حقه، ورُد الموقوف على الأكبر والأوسط نصفين، وإن ظهر أن الأوسط أنثى، وقد ظهر الأكبر ذكراً، أعطي الأوسط أقلَّ حاليه، وهو أن يكون الثالث ذكراً. فيستحق الأوسط خمس المال، وفي يده الخمس، فلا يدفع إليه مزيد.
وإن بان الثالث ذكراً، دفع إلى كل واحدٍ من الذكرين تمامُ خمسي المال، وهو ستة وثلاثون، ليكمل لكل واحد اثنان وسبعون.
وإن ظهر الأول ذكراً، والأوسط والأصغر أنثيين، دفع إلى كل أنثى تمام الربع، ضمّاً إلى الخمس، وهو تسعة، والباقي للذكر، وهو تمام النصف.
فإن ظهر الأكبر أنثى أوّلاً، لم يدفع إليها أكثر مما في يدها؛ لأنه يجوز أن يكون صاحباه ذكرين.
وإن ظهر بعد ذلك أن الأوسط أنثى أيضاً، دفع إليها أربعة، وإلى الأنثى الأولى أربعة؛ لاحتمال أن يكون الثالث أيضاً أنثى.
__________
(1) (ت 3) : ثلث.
(2) ساقطة من الأصل.(9/320)
فإن ظهر بعد ذلك أن الثالث ذكرٌ، دفع إليه تمام التسعين، ودفع إلى كل واحدة من الأنثيين خمسة خمسة، ليتم لكل واحدةٍ خمسة وأربعون.
وعلى هذا فقس.
6518- وأما على قول أصحاب الأحوال، فإنك تُجري الحساب على النسق الذي تقدم، حتى ينتهي إلى المائة والثمانين، فإذا انتهيت إليها، فاضربها في عدد أحوال المسألة، وهي ثمانية، فيبلغ ألفاً وأربعمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
ثم نرجع، فنقول: كان لهم أربعة ثلاث مرات، فنضربها في خمسة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتبلغ خمسمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
وكان لهم خمسة ثلاث مرات فنضربها في أربعة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتكون أيضاً خمسمائة وأربعين، وكان لهم من التسعة ستة مضروبة في خمسة، ثم في أربعة مرة واحدة، فتبلغ مائة وعشرين، وكان لهم ثلاثة مرة واحدة، وهي داخلة في التسعة مداخلة الأثلاث، ومباينة الأربعة والخمسة، فنضرب الثلاثة في ثلاثة، ثم في أربعة، ثم في خمسة، فتبلغ مائة وثمانين. ثم نجمع ما حصل لهم في هذه الأحوال كلِّها، فتبلغ ألفاً وثلثمائة وثمانين، فهو ما يصيبهم من أجزاء المال.
وكان للعصبة من التسعة وحدها ثلاثة، فنضربها في أربعة، ثم في خمسة، فيكون له ستون سهماً، ثم إذا قسمت ما أصاب الخناثى، وهو ألف وثلثمائة وثمانون سهماً، أصاب كلَّ واحد منهم أربعمائة وستون.
وهذه الأنصباء كلها متفقة بنصف العشر، فيرد كلُّ واحدٍ منهم إلى نصف عشره، ونقطع الفريضة من نصف عشرها، فترجع الفريضة إلى اثنين وسبعين، فيرجع نصيب كل خنثى إلى ثلاثة وعشرين ويرجع نصيب العصبة إلى ثلاثة.
وعلى هذا فقس مسائل الخنثى، على هذين المذهبين.(9/321)
6519- وكنا وعدنا ذكرَ شيء على مذهب الشافعي يتعلق بفقه مذهبه؛ وذلك أنا إذا صرفنا المستيقنَ إلى كل واحدٍ، ووقفنا مقداراً، ففي هذا الموقوف نوعان من الكلام:
أحدهما - أن نفرض المسألة فيه إذا اعترف الورثة بالإشكال، وفي ذلك إجراء مسائل الباب.
وما أطلقناه من لفظ التداعي على مذهب القائلين به تقديراً، وليس المعنيُّ به أن يدّعي الخنثى كونَه ذكراً؛ فإنه لو ادّعى ذلك، فسنذكر حكمه. وهو الفصل الثاني. وإنما تيك ألفاظٌ تقديرية على فرض أحوال.
6520- فإذا بان ذلك، فالمال الموقوف كيف السبيل فيه؟ وإلى متى الوقف؟ وفيه قطعُ الموقوف عمّن ينتفع به، وقطع المنتفع به عنه. ويجتمع فيه تعطيل المال وهلاكُه.
وهذا الآن يستدعي ذكرَ مسألة من النكاح ستأتي مشروحة، إن شاء الله عز وجل، وهي أن الكافر إذا أسلم على ثمان نسوة وأسلمن معه، ومات المسلم على مكانته، ولم يختر، فتعلق طرف من أحكام هذه المسألة بالميراث.
وقد قال الشافعي: يوقف بينهن ميراث زوجة، وهو الربع، أو الثمن، على ما تقتضيه الفريضة، فهذا مصيرٌ منه إلى الوقف، حيث لا يتوقع فيه بيان؛ فإن الفرض وقع فيه إذا أسلموا، ومات الزوج على فوره، وتحققنا [انتفاء] (1) الاختيار منه.
وهذا يتطرق إليه نوعٌ من الاحتمال بسبب اطراد الإشكال ووقوع المسألة على صورة لا يتأتى أن يقال فيها: الوارثات أربعٌ منهن ملتبسات بأربع؛ فإن هذا إنما
__________
(1) في الأصل: وتحققنا عدم ابتداء الاختيار.(9/322)
يجري عند تعين [أربع] (1) في علم الله تعالى، مع التباسهن علينا، وليس الأمر كذلك.
وكان يليق بالقياس أن يقال: الربع والثمن الموقوف بينهن لا يعدوهن، وهن مستويات في علم الله تعالى، فليستوين في الحكم، وليقتسمن الموقوف بينهن على السوية [فليكن] (2) ذلك حكماً مبتوتاً. وهذا يناقض الوقف.
وقد صار إلى هذا الذي ذكرناه صاحبُ التقريب، في جوابٍ له، وهو محتمل واقعٌ، والنص على مخالفته.
فإذا تبين هذا، عدنا إلى القول في الخنثى.
6521- إن مات الخنثى، وانقطع توقع البيان، فيجوز أن يلتحق ذلك بما ضربناه مثلاً في نكاح المشركات، وهذا بعينه هو الذي حكى الأستاذ أبو منصور فيه قولاً [غريباً] (3) عن الشافعي في صدر باب الخناثى، ونسبه إلى نقل أبي ثور (4) .
وإن كان الخنثى بعدُ حيّاً، فلا يأس [من البيان] (5) ، فإنّ العلامات وإن تعارضت، فقد ذكرنا أنا نرجع إلى الخنثى، وإلى إعرابه عن نفسه، فإذا كان البيان ممكناً، فلا يتجه إلا التوقف.
ثم إن الشافعي وأصحابَه قالوا في مواضع التوقف: لو اصطلح الذين وُقف المال بينهم، جاز ذلك؛ فإن الحق لا يعدوهم، وهذا لم يختلف فيه الأصحاب.
__________
(1) في الأصل: وقع.
(2) في الأصل: ولكن كان.
(3) زيادة من (ت 3) .
(4) القول الغريب المشار إليه هو: الوقف إلى موت الخنثى، ثم يرد الموقوف على ورثة الميت الأول.
(5) ساقط من الأصل.(9/323)
وينشأ منه إشكال؛ من جهة أن المصطلحين لا يتواهبون، ولا يتهادَوْن، ولو فرض منهم تواهب، لكان مبناه على جهالة من الملك، وكل ذلك مشكل.
6522- والذي يقتضيه الفقه عندي أنهم إذا اصطلحوا، فلا بد وأن يتهادَوْا ويتواهبوا؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، بقي ما في يد كل واحد على حكم الوقف وصورتِه.
فإن قيل: إذا تواهبوا، فصَدَرُ (1) ذلك عن جهالة؟ قلنا: نعم. الأمر كذلك، ولكن الجهالة محتملة عند الضرورة، وإفضاءِ الأمر إلى التعطيل.
وعلى هذا بنى الشرعُ عدمَ اشتراط الاطّلاع على ما يعسر الاطلاع عليه في المبيع، مع أنا نشترط أكمل الإعلام فيه، وكلياتُ الشريعة دالّةٌ على أن الأحكام لا تبقى مشكلة (2) ، لا فيصل (3) فيها، فكان الصلح فَصْلاً للإشكال الواقع.
وإذا لم يكن صلحٌ، فالوقف إلى انتظار البيان غيرُ بعيد، وإن لم يكن انتظار بيان، فهذا الذي أشرت إليه في نكاح المشركات، وفيما يناظره في هذا الباب.
6523- ثم يخرج من مجموع ما ذكرناه: أنهم إذا اصطلحوا على استواءٍ وتفاوتٍ، فلا حجر؛ فالمال مالهم، والحق حقهم، وقد ذكرتُ أنه لا بد من التواهب، ويخرج منه أن واحداً منهم لو أخرج نفسه من البَيْن، وسمح بحقه على أصحابه، فلا بأس بذلك؛ بناء على ما تمهد، ولا بد للمخرج نفسَه من الهبة، كما قدمناه. وليس كالواحد من الغانمين يُعرض عن حقه من المغنم؛ فإن تعلّقه ينقطع بذلك؛ من جهة أنه لا يثبت للغانم ملكٌ محقق؛ فيسقط حقه بالإعراض،
__________
(2) (ت 3) : يصدر. وهو تحريف من الناسخ، فإن المعهود في استعمال إمام الحرمين لهذا المصدر أن يأتي به على صيغة (فعل) بفتحتين، فهو في موضع صدور.
(2) (ت 3) : لا تبقى ناسية مشكلة.
(3) (ت 3) : تفصيل.. تفصيلاً.(9/324)
والملك ثابت في الموقوف تحقيقاً، والمالك مشكلٌ.
فهذا بقية هذا الفصل.
6524- فأما
الفصل الثاني (1)
فمقصوده أن الخنثى في أثناء الأمر لو قال: تبيّن لي أنني رجل، فقد أوضحنا أن الرجوعَ إلى قوله، عند تعارض العلامات، فيجب القضاء بموجب قوله في المواريث، حتى نقضي له بميراث ذكر، وإن كان يؤدي هذا إلى حرمان العصبات.
فإن قيل: " إنه متهم فيما يذكره "، فلا معول على التهمة إذا كان يخبر عن نفسه، فيما لا يُطّلع عليه إلا من جهته. وإذا كنا نقبل قولَه مع تعارض العلامات، ولا يقدح تعارضها في قبول قوله، فلا نجعل للتهمة موضعاً.
وكيف يبعد هذا، وقد قال الشافعي: إذا استلحق الإنسان نسب منبوذٍ بعد موته وتخليفه المالَ الجمَّ، قُبل استلحاقُه ويورَّث منه.
وقال في الزوج: إذا لاعن، ونفى نسب مولودٍ، وهو إذ ذاك فقير، ثم تجمعت له أموالٌ، ومات: فإذا أكذبَ الزوجُ نفسه، واستلحقه، لحقه، وهو يرثه.
وخالف مالك (2) في هذا، لمكان ظهور التهمة.
وابن العَشر إذا زعم أنه بلغ بالحُلُم، صُدّق، وانقطعت عنه سَلْطنةُ الولي.
والسبب في ذلك كلِّه أنه لا مُطَّلع على هذه الصفات إلا من جهة المعربين عن أنفسهم فيها؛ فيتعين تصديقُهم.
__________
(2) (ت 3) : النوع الثاني.
(2) ر. عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب:3/1323 مسألة 926، الكافي لابن عبد البر: ص 290.(9/325)
ثم قال الأئمة: إذا ادّعى ابنُ العشر البلوغ، لم يُحَلّف؛ إذ في تحليفه ما يؤدي إلى الدَّوْر الحكمي؛ إذ الغرض من التحليف جلب غلبة الظن في صدق المحلَّف وإحلاله محلَّ التهمة، فيما هو مختلفٌ فيه. فإن كان المحلَّف على البلوغ طفلاً، فلا معنى لتحليفه، وإن كان بالغاً، فلا حاجة إلى تحليفه.
وقد قدمنا ذكرَ هذا في كتاب الحجر عند ذكرنا أسباب البلوغ.
فاذا أعرب الخنثى عن نفسه، وزعم أنه ذكر، فقد ذكرنا أن القول قولُه، ولكنه يحلَّف؛ إذ لا يمنع من تحليفه مانع، ويتعلق بتصديقه قطعُ استحقاقٍ، وإثبات استحقاق، يتعلق بحقوق الآدميين.
فهذا تمام البيان. ومضمون الباب.
***(9/326)
باب ميراث الحمل
6525- إذا مات الإنسان، وكان في بطن الأم جنينٌ، لو كان منفصلاً حالة موته، لورث، فإذا كان حَمْلاً يوم الموت، فتوريثه ثابت، وليس بين العلماء في هذا الأصل خلاف.
وإنما التردد في التفصيل.
6526- وإنما يثبت الميراث بشرطين: أحدهما - أن يكون موجوداً حالة موت المورث.
والثاني - أن ينفصل حياً.
وبيان الشرطين: أما الوجود، فإذا انفصل الحمل حياً لدون ستة أشهر، فقد تيقَّنا أنه كان موجوداً حالةَ موت الموروث.
ولو أتت به المرأة لأكثر من أربع سنين من وقت الموت، حكمنا بانتفاء وجوده حالة الموت، فلا ميراث له.
وأكثر مدة الحمل على رأي الشافعي أربع سنين. وهذا يذكر في اللعان، إن شاء الله عزوجل.
ولو أتت المرأة بالحمل لأكثرَ من ستة أشهر، ولأقلَّ من أربع سنين، فلسنا نقطع بوجوده حالة الموت، ولكنا نحكم بوجوده؛ فإن الشرع يُلحق النسبَ، وتثبت القرابة مع الاحتمال الذي أشرنا إليه، والإرث تبع القرابة، فإذا اقتضى وضعُ الشرع إثباتَ القرابة أتبعنا ثبوتَها حكمَ الإرث، وليس يناقض هذا(9/327)
ما [قدمنا] ، (1) من طلب اليقين في المواريث، فإن ذاك حيث لا نجد مستنداً شرعياً، كما ذكرناه في ميراث الخناثى، حيث لم تُعيَّن ذكورة ولا أنوثة. وكيف ننكر البناء على الشرع مع ظهور الظن، والأصلُ في الأنساب الإمكانُ والاحتمال، فخرج مما ذكرناه أنا وإن أطلقنا اشتراط وجود الحمل، فمعناه ما وصفناه.
6527- فأما اشتراط الحياة حالة الانفصال، فمتفق عليه، فلو انفصل الحمل الذي كنا نتوقعه ميتاً، لم نورِّثه، وفاقاً. وإذا انفصل حياً، تبيَّنا أنه ورث، ولم نذهب إلى مسالك الظنون في تقدير انسلاك (2) الروح بعد الموت (3) . ولكل حكمٍ في الشرع موقفٌ ومنتهى، لا سبيل إلى مجاوزته.
ثم إن صرخ الجنين واستهل، فهو حي، وكذلك إن طرف، وفتح عينه وتثاوب (4) ، أو امتص الثديَ، فكل ذلك علامات الحياة.
وفي العلماء من يأبى الحكمَ بالحياة إن لم يصرخ الصبيُّ، حتى لو انفصل، وطرف، ومات، لم نورثه، ويُعزى هذا إلى ابن عباس وطائفةٍ من الصحابة، رضي الله عنهم. ولم يُصحح الأئمةُ النقلَ في ذلك.
وليس ما ذكرناه من العلامات الظنيّة؛ فإنا على اضطرارٍ نعلم أن الصبي إذا صدر منه ما ذكرناه، فهو حيٌّ، وليس هذا مما ينساغُ الخلاف فيه، ولا يجري مجرى علامات الذكورة والأنوثة في الخناثى. نعم، اختلف قول الشافعي فيه إذا انفصل واختلج، فهل يكون مجرد الحركة والاختلاج دالاًّ على الحياة، حتى نحكم بها، ونقضي بثبوت الإرث، وغيرِه من الأحكام المشروطة بالحياة، فقال
__________
(1) في الأصل: مهدناه.
(2) في (ت 3) : انسلال.
(3) " بعد الموت ": المراد موت المورّث.
(4) تثاوب: تثاءب. قال في المصباح: " تثاوب عامّي ".(9/328)
في قول: الحركة بمثابة الاستهلال، وتقليبِ الطرفِ وغيره.
وقال في قولٍ: لا تثبت الحياة بالحركة المجردة.
وفي هذا مزيدُ نظرٍ وتأمل، فلو انفصل واختلجت عضلةٌ من عضلاته، بحيث يفرض مثله من تقلص عصبٍ، فليس هذا فيما أظن محلَّ القولين. ولو قبض بدّاً (1) ، أو ضمه إلى نفسه وبسطه، فهذا مما يجب القطع بكونه دلالة [على] (2) الحياة؛ فإن القبض والبسط في الأعصاب لا يقعان على هذا الحد، فمحل القولين بين الحركتين اللتين وصفناهما. فكأن حاصل القول في هذا يرجع إلى أن الحياة هل تثبت بغلبات الظنون، أم لا بد في ثبوتها من قاطعٍ؟ فيه القولان والاختلافُ.
6528- ولو انفصل بعضٌ من الجنين، ثم خمد، وانفصل الباقي منه، فالذي إليه صَغْوُ الأصحاب أثه لا يثبت له حكم الحياة، وسبيله كسبيل جنين ينفصل ميتاً.
وذهب طوائف من المحققين منهم القفال إلى أنا نحكم بالحياة، ويثبت الإرثُ؛ لأنا استيقنَّا الحياة، ولا نظر إلى وقوع ذلك قبل تمام الانفصال.
6529- ومما يليق بما انتهينا إليه أن جانياً لو جنى على الحامل، فأَجْهَضَت، والتزم الجاني الغرّةَ، فهي موروثة، وهذا يُشعر بتقدير الحياة في الجنين، [وطريان] (3) الموت بعدها. فلو قال قائل: هل تورثون الجنين المنفصل
__________
(1) بدّاً، مثلثة الباء: النصيب من كل شيء. وهو هنا بمعنى الجزء والعضو. (القاموس، والمعجم، والأساس) .
وكان من الممكن أن تقرأ (يداً) بالياء، لكن منع من ذلك وضوح صورة الباء ونقطها بالواحدة في النسختين، والأهم من ذلك عود الضمير عليه مذكراً.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: فطريان.(9/329)
بالجناية؟ قلنا: لا نورثه؛ فإنا لم نتحقق حياتَه، وتوريثُه موقوف على تحقق حياته عند الانفصال، فأما إيجاب الغرّة على الجاني، فليس يتعين له تقدير حياة الجنين؛ فإنا لو قدرناها، لأوجبنا الدية الكاملة، وقد أطلق الفقهاء أقوالهم بأن الغرة تجب بسبب منع ثبوت الحياة، مع تهيؤ الجنين لها، في كلامٍ، لسنا نخوض فيه الآن. ومبنى الباب الذي افتتحناه على تحقق الحياة عند الانفصال، وهذا غير ثابت في الجنين المنفصل بسبب الجناية.
فإن قيل: ألستم قدرتموه موروثاً، فقدِّروه وارثاً؟ قلنا: هذا تلبيسٌ، وسبب صرف الغرة إلى جهة الإرث أنا لم نجد مصرفاً أوْلى من الإرث، وقاعدة الإرث مبنية على هذا؛ فإن الشخص إذا انقطع ملكه، ولا سبيل إلى تضييع ما خلّفه، صرف الشرعُ تركتَه إلى جهة [يراها] (1) . وإذا ثبت أصل الباب في توريث الحمل، فلا يكاد يخفى الحكم إذا انفصل.
ولكن قال العلماء: نتوقف ولا نبُتّ (2) الرأي قبل انفصال [الحمل] (3) ، ونبني الأمرَ في توريث الورثة القائمين قبل انفصال الحمل على المأخذ الذي بنينا عليه قاعدةَ باب الخناثى، وهو طلب اليقين، على ما سنفصل ذلك، إن شاء الله عز وجل.
6530- ومما يتعيّن الابتداء به أن الرحم يشتمل على ولدٍ واحد، وأولاد، وقد يختلف التوريث باختلاف العدد، فكيف السبيل؟ وما وجه الضبط؟
هذا يستدعي بيانَ أمرين: أحدهما - في عدد الأجنة، والثاني - في صفتهم.
فأما القول في العدد، فقد ذهب الليث بن سعد إلى أنه لا يوقف إلا ميراثٌ
واحد يقدّر ذكراً أو أنثى، ونقسم الباقي بين الورثة.
__________
(1) في الأصل: رآها.
(2) (ت 3) : ينبت.
(3) في الأصل: الأمر.(9/330)
وقال أبو يوسف: يوقف للحمل نصيب ذكرين، ويقسم الباقي بين الورثة.
وقال بعض أهل الرأي: قياس قول محمد يقتضي أن يوقف له نصيب ثلاثة من الذكور، ويقسم الباقي بين الورثة.
وحكى عبد الله بنُ المبارك عن أبي حنيفة أنه قال: يوقف لأجل الحمل نصيب أربعة أولاد. وبه قال شريك، وعبدُ الله بنُ المبارك، وكان شيخي يقول: هذا مذهب الشافعي.
وذكر الأستاذ أبو منصور أن الفرضيين قالوا: هذا قياس قول الشافعي، وإنما قالوا ذلك؛ من جهة أن الشافعي تتبع في هذه الأشياء الوجودَ، وعليه بنى أبوابَ الأدوار في الحيض، كما قدمناه. وقد ثبت النقل في اشتمال الرحم على أربعة، ولم يثبت عن الأثبات مزيدٌ على هذا العدد.
قال يحيى بنُ آدم: سألت شريكاً عن ذلك، فقال: رأيت أربعةً وُلدوا في بطن واحد، محمد، وعلي، وعمر، وإسماعيل.
وذكر القفال، والناقلون عنه سوى شيخنا أن مذهب الشافعي أن لا ضبط لعدد الحمل يوقف عنده، وننتهي إليه.
وعلى هذا الوجه نقله الصيدلاني، والقاضي.
فهذا قولنا في العدد على الجملة.
6531- وأما الصفة، فقد عنينا بها الذكورة والأنوثة، ولا ضبط فيها، ولا اطلاع عليها، وكل ما يختلف بالذكورة والأنوثة، فلا بد من الوقف فيه، كما نفصله.
وأما ما يتعلق بالعدد، فإن كانت الحامل مشتملة على أولاد الميت، وكان للميت ولد وارث (1) ، فلا بد من التوقف في جميع الميراث إن لم نجعل للولد
__________
(1) (ت 3) : واحد.(9/331)
ضبطاً؛ فإنا لا ندري أن ما يخص هذا الولد كم؟ فلا بد من التوقف إلى الانفصال.
وإن فرعنا على أن أكثر الأولاد في الرحم الواحد أربعة، فنأخذ بهذا العدد، ثم نقدرهم ذكوراً، ونصرف حصّةَ الولد الثابت إليه؛ بناءً على المستيقن، فيخصه خمس المال، ونقف الباقي.
ونحن الآن في عقد الحمل والتفصيل بين أيدينا (1) .
ثم من رأى مذهب الشافعي محمولاً على أن أكثر العدد في الأجنة أربعة، فإذا صرف إلى الولد الثابت ما ذكرناه، فهل نأخذ منه ضميناً؟ تردد الأئمة فيه، وظاهر ما ذهب إليه هؤلاء أنه لا يطالب بضمين؛ فإن ما بني على الوجود يُحكم فيه بحسبه فنلحق الحكمَ فيه بالقضاء الثابت في الشريعة. وإن تطرق إليها إمكانٌ من طريق الخلقة، ولهذا ورّثنا الولد الذي تأتي المرأة به لأكثر من ستة أشهر بعد موت الموروث؛ فإن الشرع حاكم (2) بإثبات القرابة من الميت، وهذا يتضمن القضاء بإثبات وجوده عند الموت، فاتبعنا هذا الحكم؛ ولم نلتفت على خلافه، وإن كان ممكناً من طريق الخلقة، إذ لا بُعد في حصول العلوق بعد موت الميت من أجنبي، ولكن لا معوّل على هذا التقدير.
6532- ومما نذكره في قاعدة الباب أن الحامل إذا كانت حاملاً بجنين، أو بأجنة، لو انفصلوا أحياءً، لكانوا أصحاب فرض، ولا يختلف فرضهم بمزيد العدد، مثل أن يكونوا أولاد أم الميت، وكانت الأم هي الحامل، فللابنَيْن الثلث، ثم لا مزيد في الفرض، وإن زادوا، فإذا كان الأمر كذلك، فالذي ذهب إليه الأصحاب أجمعون أنا نقف للحمل ثلثَ المال إن لم يكن عوْلٌ،
__________
(1) بين أيدينا: أي سيأتي.
(1) (ت 3) : يحكم.(9/332)
ونصرف الباقي إلى الورثة؛ فإنا نستيقن استحقاقهم الثلثين. وإنما تردُّدنا في الثلث، وقد وقفنا محل التردد.
6533- وحكى الصيدلاني عن القفال أنه كان يقف جميع التركة إلى انفصال الجنين، ويذهب في ذلك مذهباً بِدعاً، ويقول: إذا سلطنا الورثةَ على أعيانٍ من التركة، ووقفنا للحمل ما وقفناه، فقد تعرض آفة في هذا الموقوف، ولو وقعت، لكان حق الحمل ثابتاً في المصروف إلى الورثة، فلا وجه لتسليطهم على شيءٍ من التركة، ونحن نجوّز من طريق الإمكان استرداده منهم، والوالي وإن كان يلي الطفل، فإنه لا يلي الحمل، حتى يحمل ما ذكرناه من إقرار مقدار الوقف على القسمة، بدليل أن الوالي لا يتصرف في الموقوف للحمل، فلا معنى لتسليطهم على التصرف من غير انفصال الجنين، هذا وللحمل أمد معلوم لا يفرض تعديه ومجاوزته.
وهذا الذي ذكره القفال مأخوذ عليه؛ فإن الوالي إن التُمِس منه تسليط الوارثين على القدر المستيقن، فلا وجه للتوقف في ذلك، مع استيقان الاستحقاق. وللإمام أن يقسم مالاً مشتركاً بين حُضَّر وغُيَّبٍ. وإن كان لا يلي أموال الغُيّب ولايته أموال الأطفال الذين لا أبا لهم، ولا أجداد. نحم، ما ذكره من التوقف يليق بالحمل، على أن عدد الأجنة لا ضبط فيه.
فإذا كان الأولاد لو انفصلوا عصباتٍ لو كانوا ذكوراً، أو بعضهم، فالوجه ألا يصرف إلى من يشاركهم شيئاً إذا كان عصبة مثلهم، وكان في درجتهم، وأما بناء الوقف على ما حكاه الصيدلاني عن القفال، فضعيفٌ لا أصل له، ولست أعده من المذهب.
6534- فإذا تمهدت الأصول، فالذي أراه ملتحقاً بها؛ وهو دائر في الخَلَد أن التوقف لأجل الحمل على الحد الذي ارتضيناه مذهباً، يثبت إذا بدت مخايل الحمل.(9/333)
وإن لم تبد مخايله، ولم تدّعه المرأة، وكان من الممكن أن يظهر حمل لأجل قرب عهدها بالوطء الذي يتوقع منه العلوق، فهذا فيه تردد عندي.
وكذلك إذا ادعت المرأة العلوق، ولا علامة، وقد يظهر التعويل على قولها: إنها قد تجد من نفسها علامات تختص هي بدركها، وقد يجوز أن يقال: لا تعويل على تلك العلامات، فإنها فيما يقال: غثيانٌ، وسدد، وخُبْث نفس، ولا تعويل على مثل هذا، وليس معنا في ذلك نقل نعزيه (1) إلى المذهب.
6535- فإذا ثبتت هذه المقدمات، خضنا بعدها في تفصيل طلب اليقين، وطريقُه ضرب (2) 1لأمثلة، وتخريج الأجو بة منها، فنقول.
إذا أردنا أن نعزل للحمل شيئاً، نظرنا، فإن كان نصيب الذكور أكثر من نصيب الإناث، وقفنا نصيبَ الذكور. وإن كان نصيب الإناث أكثرَ من نصيب الذكور، وقفنا نصيبَ الإناث. فأما الموجودون الذين نقدرهم ورثة، فإن كان فيهم من لا يرث لو انفصل الجنين حياً، أو لا يرث إن كان الحمل ذكراً، فلا نصرف إليه شيئاً، ونوقف نصيبه إلى أن يتبين أمر الحمل، وإن كان فيهم من يرث كيف فرض الحمل، ولا يختلف مقدار ميراثه باختلاف صفات الحمل، فندفع إليه تمامَ نصيبه، وإن كان فيهم من يرث على جميع الأحوال، لكن يقل نصيبه على تقدير، ويكثر على تقدير، فنصرف إليه الأقل المستيقن، ونوقف الباقي.
6536- مثاله: ميت خلف: ابناً وامرأةً حاملاً
والتفريع على حمل أكثر العدد على أربعة، فللمرأة الثمن، وللابن خمس الباقي، على القياس الذي ذكرناه للشافعي، وهو مذهب أبي حنيفة، فنقدر كأن الأجنة أربعةُ ذكور.
__________
(1) نعزيه، بالياء، وفعلها (عزى) بالياء، وبالواو أيضاً.
(2) في النسختين: " وضرب " وحذف الواو تصرف من المحقق.(9/334)
وعلى قول الليث: ندفع إلى المرأة الثمن، وللابن نصف الباقي، ويؤخذ منه ضمين.
وفي قول أبي يوسف: للمرأة الثمن، وللابن ثلث ما بقي، ويؤخذ منه ضمين، وفي قياس قول محمد: للمرأة الثمن، وللابن ربع ما بقي، والباقي موقوف.
امرأة ماتت، وتركت زوجاً، وعماً، وأماً حاملاً من أبيها.
فندفع إلى الزوج ثلاثة أثمان المال، وهو النصف عائلاً، وإلى الأم الثمن، وهو السدس العائل، ونوقف الباقي، لجواز أن تلد بنتين، هما أختا المتوفاة من [الأب والأم] (1) ، فتعول المسألة.
وإن كانت الأم حاملاً من غير الأب، فللزوج النصف، وللأم السدس، ونوقف ثلث المال لانتظار أولاد الأم؛ فإن ولدت ولدين أو أكثر، فلهم الموقوف، وإن ولدت واحداً، فله السدس، ونرد السدس على الأم، ليكمل لها ثلث المال. وإن أسقطته ميِّتاً، رُدَّ السدس على الأم، وكمُل ثلثُها، ودفع السدس الآخر إلى العم.
وعلى قول من لا يقدر إلا ولداً واحداً يدفع إلى الأم الثلث كاملاً، ويؤخذ منها ضمين بالسدس، ونوقف سدس المال إلى أن نتبين أمرَ الحمل.
ومن وقف للحمل نصيب ولدين أو ثلاثة، فمذهبه مثل المذهب الذي نسبناه إلى الشافعي.
خلّف الميت بنتاً، وبنت ابن، وأخاً، وأمةً حاملاً منه، وكانت امرأة لابن الميت حاملاً من الابن
فالبنت تعطى تسع المال، ويوقف الباقي لجواز أن تأتي الأمة الحامل بأربعة
__________
(1) في الأصل: من الأب، (ت 3) : من الأم. والصواب ما أثبتناه.(9/335)
بنين، وهذا تفريعٌ، على أنا لا نقدّر أكثر من أربعة.
فإن ولدت إحدى الحاملين ابناً والأخرى بنتاً في ليلةٍ، فأشكل، ولم يعلم أيهما ولدت الابن، كمّلنا للبنت ثلث المال، ودفعنا إلى الابن تسعي المال (1) ، وكان الباقي موقوفاً حتى يصطلح عليه المولود وبنت الابن، ولا حاجة إلى تخريج وجه الاحتمال.
وقد انتهينا إلى هذا الموضع.
فإن مات الذكر، ثم ماتت الأنثى قبل أن يصطلحوا، أعطينا البنت تمام سبعة وعشرين سهماً من أربعة وخمسين، وذلك نصف المال، وأعطينا الأخ خمسة أسهم، وأعطينا أم الولد ستة أسهم، وكان الباقي موقوفاً، وهو ستة عشر سهما، حتى يصطلحوا عليه، فالبنت تدّعي منه تسعة أسهم: تمامَ الثلثين (2) ، وأمُّ الولد تدعي منها ستة أسهم، والأخ يدعي سهماً واحداً، وبنت الابن تدعي اثني عشر سهماً، وامرأة الابن تدعي أربعة أسهم.
وإن كانت الأنثى هي التي ماتت أولاً، ثم مات الذكر بعدها، قبل أن
__________
(1) المراد طبعاً الابن المولود، الذي لم يُدْر أيتهما ولدته، ووجه إكمال الثلث للبنت الصلبية لأنه لا يتغير الحكم بكون الابن من الجارية أو من زوجة الابن، فإذا كان من الجارية، فهو ابن صُلبي للميت، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فحظها الثلث، وإن كان الابن المولود من زوجة الابن، فتكون البنت من الجارية، أي بنت صلبية، فلها معها الثلث أيضاً.
أما وجه تُسْعَي المال للابن، فهو على تقدير أنه من زوجة الابن -فهذا هو الأقل المستيقن بالنسبة له- فيرث الثلث الباقي بعد الصلبيتين تعصيباً مع بنت البنت، فيحصل له ثلثا الثلث، وهو تُسْعا المال.
(2) الأسهم التسعة التي تدَّعيها البنت هي نصف ميراثها بصفتها أختاً للابن الذي مات، واتفق أنها مع نصيبها الـ 27 سهماً تكمل الثلثين، فلا يسبق الوهم إلى أنها تطلب تكملة نصيبها إلى الثلثين، كما توهم العبارة ذلك؛ فإن البنت لا ترث الثلثين بحال من الأحوال.(9/336)
يصطلحوا دفعنا إلى البنت أربعة وخمسين سهماً من مائة وثمانية أسهم، وهو النصف؛ وأعطينا أم الولد اثني عشر سهماً، وهو [التسع] (1) ، وأعطينا الأخ خمسة أسهم، وكان الباقي موقوفاً، وهو سبعة وثلاثون سهماً، البنت تدعي منها ثمانية عشر سهماً، تمام الثلاثين، وأم الولد تدعي اثني عشر سهماً، وبنت الابن تدعي سبعة وعشرين سهماً، وامرأة الابن تدعي عشرة أسهم، والأخ يدّعي سبعة أسهم، والمبلغ موقوف حتى يصطلحوا.
وسنذكر وجه الحساب في آخر الباب.
عبد له ابن حر، وتحته امرأة حرة، فمات ابن العبد
فإن أتت زوجة العبد بولد لأقلَّ من ستة أشهر من وقت موت ابن العبد ورث أخاه؛ إذ الأب رقيق لا يرث ولا يحجب.
وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت موته، لم يرثه؛ لاحتمال أن تكون علقت من زوجها العبد بعد موت ابن العبد. فإن تصادق الورثة على أنها كانت حاملاً به يوم مات أخوه، أثبتنا الميراث بسبب التصادق. (2 وإذا كان الأمر كذلك، فالوجه أن يمسك العبد عن وطئها حتى يتأدى فرض التصادق 2) ؛ فإنه إذا كان يطؤها فيظهر حمل الولد على علوق جديد، ويعسر التصادق.
فإن قيل: أتوجبون الإمساك، وتحرّمون الوطءَ حتى لا يؤدي إلى اللبس، وإسقاطِ حقٍّ ثابت؟ قلنا: لسنا [نوجب] (3) هذا، ولا نحرم الوطء لأمرٍ موهومٍ؛ فإنها لو أتت بالولد لسبعة أشهر فصاعداً من غير وطء جديد، فالولد ينسب إلى الزوج، وليس يتضمن انفصالُ الولد بعد هذه المدة قطعاً بأن الولد
__________
(1) في الأصل: السبع. وهو خطأ واضح.
(2) ما بين القوسين ساقط من (ت 3) .
(3) في الأصل: نوجبها.(9/337)
حصل العلوقُ به من بعدُ، فلا سبيل إلى تحريم الوطء على العبد، بسبب تعذر تصادقٍ من غيره.
6537- ونحن نذكر الآن طريقَ الحساب في مسائل الحمل وبها يتبيّن مسلكُ الفتاوى.
ومسائل الباب في قياس الشافعي على أن أكثر عدد الأجنة أربعة، وللحساب مقدمة لا بد من معرفتها، وهي أن الحمل إن كان واحداً، فله حالان: إما أن يكون ذكراً أو أنثى، وإن كان الحمل ابنين، فله أربعة أحوال إما أن يكونا ذكرين، أو أنثيين، أو الذي يخرج أولاً ذكراً، والثاني أنثى، أو على العكس من ذلك.
وإن كان الحمل ثلاثة، فلهم ثمانية أحوال، وإن كانوا أربعة فلهم ستة عشر حالاً، على ما قدمناه في الخناثى.
6538- فإذا طلب الورثةُ المعلومون ميراثهم، وكانوا بحيث يرثون مع الحمل لا محالة، وأردت أن تدفع إليهم نصيبهم المستيقن، فأخرج فريضة كلِّ حالٍ من أحوال الحمل، ثم انظر في تلك الفرائض، فما يتماثل منها، فاكتف بواحدةٍ، وما دخل منها في غيرها فاطرحها، وما وافق غيرَها، فخذ وَفْقَها، واترك العددين المتباينين على حالهما، ثم اضرب الحاصل من الأعداد بعضَها في بعض، فما بلغ فمنها تصح القسمة، ثم ادفع إلى الوارث المعلوم ما يصيبه في أضرّ الأحوال به، مضروباً في جميع ما يقابلها من مسائل الأحوال الأخرى وفي وفقها، ويكون الباقي موقوفاً إلى أن يظهر أمر الحمل؛ فإذا ظهر على بعض الأحوال، فارجع إلى مسألة تلك الحالة، فكُلّ من كان له في تلك الحالة شيء أخذه، مضروباً فيما يقابلها من مسائل الأحوال الأخرى وفي وَفْقِها. فإن كان قد استوفى نصيبه، فهو المراد، وإلا فأعطه ما بقي له إلى تمام نصيبه من الموقوف.(9/338)
مثاله: رجل مات عن
أخ، وأمةٍ حامل
فلا ندفع إلى الأخ شيئاً، بل نقف المال لجواز أن يكون الحمل ذكراً، يحجب الأخ.
فإن ترك ابناً، وأمة حاملاً منه
قلنا: إن كان الحمل واحداً، فله حالان: تكون المسألة في إحداهما من اثنين، وفي الأخرى من ثلاثة.
وإن كان اثنين فأربعة أحوال، تكون المسألة في حالين من خمسة، وفي حال من أربعة، وفي حالٍ من ثلاثة.
وإن كان الحمل ثلاثة، فلهم ثمانية أحوال، ففي حال تكون المسألة من أربعة، وفي حالٍ من خمسة، وفي ثلاثة أحوالٍ من سبعة، وفي ثلاثة أحوال من ستة.
وإن كان الحمل أربعة، فلهم ستةَ عشرَ حالاً: في واحدة منها تكون المسألة من خمسة، وفي واحدةٍ من ستة، وفي أربعة أحوال من تسعة، وفي أربعةٍ من سبعة، وفي ستة أحوال من ثمانية.
فنطرح المتماثلات إلا واحدةً منها، فيحصل معنا، اثنان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، [فنطرح الاثنين والثلاثة والأربعة، لأنها داخلة في غيرها] (1) ، وما بقي ضربنا (2) بعضها في بعض بعد أخذ الموافقة، على قياس أجزاء المخارج، فيبلغ ألفين وخمسمائة وعشرين، فمنها تصح القسمة على جميع أحوال المسألة.
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) عبارة الأصل: ... وثمانية وتسعة، وهي متباينة، فضربنا بعضها في بعض.(9/339)
فإذا أردت القسمة على قول من وقف للحمل نصيبَ أربعة أولاد، فقد علمنا أن أقل أحوال الابن الظاهر المعلوم أن يكون الحمل أربعة أولاد ذكور، فيكون له الخمس، فادفع إليه خمسَ مبلغ السهام، وهو خمسمائة وأربعة أسهم.
ثم انظر بعد ذلك، فإن أسقطت الأمةُ سقطاً ميتاً، وخَلَت عن الحمل، أخذ الابن ما بقي، وإن وضعته على بعض تلك الأحوال، فارجع إلى تلك الفريضة، وانظر كم نصيب الابن الظاهر منها، فإن كان قد بقي له شيء إلى تمام حقه، فادفعه إليه.
وعلى قول من يقف للحمل نصيبَ ثلاثة يُدفع إلى هذا الابن الظاهر ربعُ المال، ثم ننظر.
وعلى قول من يقف نصيب ولدين ندفع إليه ثلث المال.
وعلى قول من يقف نصيب ولد يدفع إليه نصف المال.
وكيف ظهر الأمر، فالمسألة تصح من المبلغ الذي ذكرناه في جميع الأحوال.
فإن خلف الرجل ابناً، وامرأة حرة هي حامل منه
فإن كان الحمل واحداً، فله حالان: في إحداهما تصح المسألة من ستة عشر، وفي الأخرى من أربعة وعشرين.
وإن كان الحمل ولدين فأربعة أحوال: في إحداها تصح المسألة من أربعة وعشرين، وفي حالة من اثنين وثلاثين، وفي حالين من أربعين.
وإن كان الحمل ثلاثة أولاد، فثمانية أحوال: في واحدة تصح المسألة من اثنين وثلاثين، وفي واحدةٍ من أربعين، وفي ثلاثة أحوال من ثمانية، وفي ثلاثة من ثمانية وأربعين.
[وإن كان الحمل أربعة، فلهم ستة عشر حالاً في واحدة منها تصح المسألة من(9/340)
أربعين، وفي حالة من ثمانية وأربعين] (1) وفي أربعة أحوال من اثثين وسبعين وفي بعض أحوالها من أربعة وستين.
فيكتفى من المتماثلات بواحدة، ونطرح ما دخل في غيرها، فيحصل معنا بعد ذلك، وبعد أخذ الموافقة فيما بقي خمسة، وثمانية، واثنان وسبعون، فنضرب فيبلغ ألفين وثمانمائة وثمانين، فمنها تصح المسألة على جميع أحوالها، ونعلم أن نصيب الزوجة لا يتغير، فلها ثمن المبلغ، وهو ثلثمائة وستون سهماً، وعلمنا أيضاً أن أقل أحوال الابن المعروف أن يكون الحمل أربعة أولاد ذكور، فله خمس ما بقي بعد الثمن، فندفع إليه خمس سبعة أثمان المبلغ، وهي خمسمائة وأربعون، ويكون الباقي موقوفاً إلى أن يبين أمرُ الحمل.
وعلى هذا فقس مسائل الحمل.
مسائل تعرف بمسائل الاستهلال:
6539- ويقع فيها الإشكال من وجوهٍ نذكرها على الجملة، ونذكر عقدَ الباب، ثم نضرب المثال.
فإذا ترك الميت حوامل يرثه حملُهن، فولدن في حال واحدة، واستهل بعضُهم، وأشكل عينه، ثم وُجِدوا بعد ذلك موتى، وقد يتكرر الاستهلال، فلا يُدرَى أكان من واحدٍ، أو من اثنين، وقد تلد بعضهن قبل بعض، ويسمع الاستهلال، فلا يُدرى مَن الأول، ومن المستهل، وقد تلد امرأةٌ ولدين، يستهلّ أحدهما، ونجدهما ميتين.
والأصل في حساب مسائل الباب أن نصحح الفريضةَ على جميع وجوهها، ثم نجعل تلك المسائل عدداً واحداً، على الرسم الذي ذكرناه في حساب مسائل
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.(9/341)
الحمل الآن، ثم نجعل لكل واحد من الورثة المعلومين الأقلَّ المستيقن له، ونقف الباقي.
هذا قول أكثر الفرضيين، والوقفُ إلى أن يصطلحوا أو تقوم بينةٌ إن أمكن.
6540- وقال قوم يعرفون بأصحاب الدعاوى: يدفع إلى كل واحد منهم ما ينفرد بدعواه، وما اشتركوا في دعواه قُسّم بينهم على قدر دعاويهم.
ْ6541- وقال آخرون، يعرفون بأصحاب الأحوال: يدفع إلى كل واحد منهم من جميع ما يصيبه في جميع الأحوال بقدر حالٍ من تلك الأحوال. وسنوضح ذلك بالأمثلة.
رجل مات عن
ابنٍ، وامرأةٍ حامل، فولدت ابناً وبنتاً، واستهل أحدهما، ولم ندر من المستهل، وصادفناهما ميتين.
ففريضة الابن لو كان هو المستهل تصح من ستة عشر: للمرأة سهمان، ولكل ابن سبعة.
ثم مات الابن المستهل عن
أم، وأخ
فللأم الثلث، والباقي للأخ، وفي يده سبعة، وهي لا تصح على ثلاثة،
ولا توافق، فنضرب ثلاثة في أصل الفريضة الأولى، فتبلغ ثمانية وأربعين للمرأة الثمن ستة، ولكل ابن أحدٌ وعشرون.
مات أحدهما عن
أم، وأخ
فلأمه ثلث ما في يده، وهو سبعة، والباقي لأخيه، وهو أربعة عشر، فاجتمع للأم ثلاثة عشر، وللأخ خمسة وثلاثون، فنحفظ ذلك.(9/342)
ثم نقول: إن كانت البنت هي التي استهلت، ففريضة الميت الأول -وهو الأب- تصح من أربعةٍ وعشرين: للمرأة الثمن: ثلاثة، وللابن أربعة عشر، وللبنت سبعة. وقد ماتت عن أم وأخ ومسألتها من ثلاثة، وفي يدها سبعة، وهي لا تصح على ثلاثة، ولا توافق، فنضرب مسألتها وهي ثلاثة في المسألة الأولى، وهي أربعة وعشرون، فتبلغ اثنين وسبعين، فمنها تصح المسألة الأولى والثانية للمرأة الثمن: تسعة، وللابن اثنان وأربعون، وللبنت أحد وعشرون.
وقد ماتت عن
أم، وأخ
فللأم ثلث ما في يدها وهو سبعة، ولأخيها أربعة عشر فيجتمع للأم ستة عشر، وللأخ ستة وخمسون، والنصيبان يتفقان بالثمن، فيرد كلُّ واحدٍ منهما إلى ثمانية، ونقطع الفريضة في ثمنها، وهو تسعة: للأم منها سهمان وللأخ سبعة أسهم.
فمسألة استهلال الابن تصح من ثمانية وأربعين. ومسألة استهلال البنت تصح من تسعة، وهما متفقان بالثلث، فنضرب ثلث أحدهما في جميع الآخر، فتبلغ مائة وأربعة وأربعين، فمنها تصح المسألة في جميع أحوالها على جميع المذاهب.
6542- فأما على قول أهل الوقف، فإنا نقول: للأم في حال استهلال البنت اثنان وثلاثون سهماً من مائة وأربعة وأربعين، ولها في حال استهلال الابن تسعة وثلاثون سهماً، فندفع إليها اثنين وثلاثين سهماً؛ لأنه يقين، ونقف سبعة أسهم.
فأما الابن، فله في حال استهلال الابن مائة وخمسة، وفي حال استهلال البنت مائة واثنا عشر، فندفع الأقلَّ إليه، ويكون الباقي موقوفاً، وهو سبعة بينه(9/343)
وبين الأم حتى يصطلحا، أو تقوم البيّنة على المستهِلّ.
6543- وأما على طريقة أصحاب الدعوى، فالأم لها اثنان وثلاثون سهماً بيقين، وللابن مائة وخمسة أسهم بيقين، والسبعة الباقية يدعيان فيه، فتقسم بينهما نصفين، لكل واحد منهما ثلاثة ونصف. فإن أردت أن يزول الكسر، فاضرب اثنين في أصل المسألة، واستأنف القسمة.
6544- فأما على قول أصحاب الأحوال، فإنا نقول: كان للأم من مسألةٍ اثنان وثلاثون، ومن مسألة تسعة وثلاثون، فنجمع النصيبين، فيكون أحداً وسبعين، فلها نصف ذلك، وهو خمسة وثلاثون ونصف، وللابن من مسألةٍ مائةٌ واثنا عشر، ومن مسألة مائة وخمسة، فنجمع بينهما، فيكون مائتين وسبعة عشر، فله نصفها، وهو مائة وثمانية ونصف، أخذاً بإحدى الحالين. فإن أردت أن يزول الكسر، فاضرب ما صحت منه القسمة في اثنين، واستأنف القسمة.
6545- فإن كانت هذه المرأة قد ولدت ولدين: ابناً، وبنتاً، واستهلاّ جميعاً، ثم ماتا، وشككنا في تعيين من مات أولاً منها.
فمسألة الأب وهي الأولى تصح من أربعين للمرأة الثمن، خمسة، والباقي بين الابنين والبنت: لكل ابن أربعة عشر، وللبنت سبعة.
فإن كان الابن هو الذي مات أولاً، فقد مات عن
أمٍّ، وأخٍ، وأخت
وتصح فريضته من ثمانية عشر: لأمه منها ثلاثة، ولأخيه عشرة ولأخته خمسة، وفي يده أربعةَ عشرَ، وهي لا تصح على ثمانيةَ عشرَ، ولكن توافقها بالنصف، فنضرب نصف فريضته، وهي تسعة في فريضة الأب وهي أربعون، فتبلغ ثلثمائة وستين: للمرأة منها الثمن خمسة وأربعون، ولكل ابن مائة وستة وعشرون، وللبنت ثلاثة وستون.(9/344)
فمات أحد الابنين عن
أم، وأخ، وأخت
فلأمه سدس ما في يده، وهو أحدٌ وعشرون، ولأخيه سبعون، ولأخته خمسة وثلاثون، فيحصل في يد البنت من فريضتي أخيها وأبيها ثمانية [وتسعون] (1) . فماتت عن
أم، وأخ
فيكون ما في يدها بينهما على ثلاثة، وليس لثمانية وتسعين ثلث، فنضرب ثلاثة في أصل فريضة الأب وهو ثلثمائة وستون، فيبلغ ألفاً وثمانين، فكل من كان في يده شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في ثلاثة، وقد كان في يد الأم ستة وستون مضروبة في ثلاثة، فيكون لها مائة وثمانية وتسعون. وكان في يد الابن من جميع التركتين مائة وستة وتسعون. مضروبة في ثلاثة، فيصير معه خمسمائة وثمانية وثمانون، وكان في يد البنت ثمانية وتسعون، نضربها في ثلاثة، فيكون معها مائتان وأربعة وتسعون، فنقسم ذلك بين أمها وأخيها: لأمها من ذلك ثمانية وتسعون، ولأخيها مائة وستة وتسعون، فحصل في يد الأم من الفرائض الثلاث مائتان وستة وتسعون، وحصل للابن من الجميع سبعمائة وأربعة وثمانون، والنصيبان يتفقان بالثمن، فنردهما إلى ثمنهما، ونختصر الفريضة، ونقطعها من ثمنها، فنرجع بالفريضة إلى مائة وخمسة وثلاثين: للأم منها سبعة وثلاثون، وللابن ثمانية وتسعون فنحفظ ذلك، ثم نقول: إن كانت البنت هي التي ماتت بعد الأب، ثم مات بعدها الابن، فالفريضة أولاً تصح من أربعين: للمرأة خمسة، ولكل ابنٍ أربعةَ عشرَ، وللبنت سبعة. وقد ماتت عن:
__________
(1) في النسختين: " وسبعون " وهو تصحيف واضح؛ إذ هو حاصل جمع ثلاثة وستين، وخمسة وثلاثين.(9/345)
أم وأخوين
وفريضتها تصح من اثني عشر سهماً، والسبعة التي في يدها لا تصح على اثني عشر، ولا توافقه، فنضرب اثني عشر في أربعين، فتبلغ أربعمائة وثمانين، فنقسم منها فريضة الأب، للمرأة الثمن: ستون سهماً، ولكل ابنٍ مائة وثمانية وستون سهماً، وللبنت أربعة وثمانون. وقد ماتت عن:
أم وأخوين
فلأمها سدس ما في يدها أربعة عشر. ولكل أخ خمسة وثلاثون، فحصل مع الأم من المسألتين أربعة وسبعون، وفي يد كل ابن مائتان وثلاثة، ثم مات أحدهما عن أم وأخ، وما في يده لا ينقسم على مسألته؛ فإنه لا ثلث لما في يده، فنضرب ثلاثة في فريضة الأب، وهي أربعمائة وثمانون، فتبلغ ألفاً وأربعمائة وأربعين، فنقسم منها مال الأب، فكل مَنْ كان في يده من المسألة الأولى شيء، أخذه مضروباً في ثلاثة، فيحصل في يد الأم من الفرائض الثلاث أربعمائة [وخمسة وعشرون] (1) والباقي في يد الابن وهو ألف وخمسةَ عشرَ، والنصيبان يتفقان بالأخماس، فيرجع نصيب الأم إلى خمسة وثمانين، ونصيب الابن إلى مائتين وثلاثة، وتصح فريضة الأب على هذه الحالة من مائتين وثمانية وثمانين.
وقد كانت فريضته في الحالة الأولى تصح من مائة وخمسة وثلاثين، والفريضتان متفقتان بالأتساع، فنضرب تُسع أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ أربعة آلاف وثلثمائة وعشرين، فمنها تصح المسألة على جميع أحوالها.
فنقول على قول أهل الوقف: كان [للأم] (2) من المائة والخمسة والثلاثين سبعة وثلاثون سهماً مضروبة في تُسع الفريضة الأخرى، وهو اثنان وثلاثون،
__________
(1) في الأصل: " وخمسة عشر ". وهو خطأ ظاهر.
(2) في الأصل: الأب.(9/346)
فلها ألف ومائة وأربعة وثمانون، فكان لها من مائتين وثمانية وثمانين خمسة [وثمانون] (1) سهماً مضروبة في تسع الفريضة الأولى، وذلك خمسة عشر، فتكون ألفاً ومائتين وخمسة وسبعين. فيدفع إليها أقل النصيبين، ويكون الفضل الذي بينهما موقوفاً، وهو أحدٌ وتسعون.
ويعتبر أقل نصيبي الابن على هذا النسق، ونقف ما بينهما، وتخرّج المسألة على قول أهل الدعوى وأصحاب الأحوال على الترتيب المقدّم.
6546- والغرض تمهيد الأصول وتبيين الطرق، والاعتمادُ بعدها على [الدُّرْبة] (2) ، واعتياد العمل.
وهذه المسألة وضعها الأستاذ أبو منصور، وسبب وضعه لها ما فيها من تكرار قطع المسألة وردّها إلى أجزاء التوافق بين الفرضين.
وفي المسألة إشكال؛ فإن الولدين عمي موتُهما، فلم ندر من المتقدم.
وأصلنا ألا نورث ميتاً من ميت، وقد قدَّر في ترتيب الأخوات (3) موتَ الابن، وورّثَ البنت منه، ثم قدَّر موتَ البنت، وورّث الابنَ منها، وهذا غير مستقيم، فلعله فرض تعيُّنَ موت أحدهما، ثم فرض الالتباس بعده، وفرّع على أن الأمر إذا كان كذلك، لم يكن هذا من ميراث الغرقى، ومن عمي موتُه.
فهذا مما يجب التنبّه له، حتى إذا لم نر توريث أحدهما من الثاني، نقدر موت كل واحد منهما، ونورّث الأحياء منه. فأما أن نورث أحدهما من الثاني حيث التبس تاريخ الموت، فلا.
6547- ثم ذكر الأصحاب في آخر باب الحمل صوراً من المعاياة ليست عرية
__________
(1) في الأصل: " وسبعون " وهو خطأ واضح.
(2) في الأصل: الورثة.
(3) (ت 3) : الأحوال.(9/347)
عن فوائد وفيها تدرب (1) في استخراج المعضلات، ونحن نأتي منها بما نراه مفيداً.
فلو قالت امرأة لورثةٍ: لا تعجلوا بالقسمة، فإني حامل؛ فإن ولدتُ ذكراً ورث، أو ذكراً وأنثى، ورثا. وإن ولدت أنثى لم ترث.
فهذا رجل خلف
بنتين، وامرأة ابنٍ حامل
فللبنتين الثلثان. فإن كان الحمل أنثى، لم ترث، وإن كان الحمل ذكراً، فله الباقي، وإن كان ذكراً وأنثى، فالباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
6548- وكذا لو خلّف الميت
أختين لأب وأمٍّ، وامرأةَ أبٍ حاملاً
فالحمل هكذا.
6549- فإن قالت: إن ولدت أنثى، ورثت، وإن ولدت ذكراً، أو ذكراً وأنثى، لم يرثا.
فهذه امرأة خلَّفت
زوجاً، وأبوين، وبنتاً
فللزوج الربع ثلاثة من اثني عشر، وللبنت النصف ستة، وللأبوين السدسان أربعة والمسألة عائلة من اثني عشر إلى ثلاثة عشر. وهذه الحامل امرأة ابنها، فإن جاءت بأنثى، فرض لها السدس تكملة الثلثين، وتعول إلى خمسة عشر.
وإن جاءت بذكر، أو ذكرٍ وأنثى فلا شيء لهما.
__________
(1) (ت 3) : ترتيب.(9/348)
6550- وقد تفرض هذه المسألة في امرأة خلّفت
زوجاً، وأختاً لأبٍ وأمٍّ
فالمال نصفان بينهما. ولا نظير لهذه المسألة، فتأتي امرأة الأب فتقول ما ذكرناه، والجواب كما مضى.
6551- فإن قالت: لا تعجلوا؛ فإني حامل إن ولدت ذكراً، ورث، وإن ولدت أنثى لم ترث، وإن ولدت ذكراً وأنثى، ورث الذكر دون الأنثى.
فهذا رجل خلف
عماً أو ابن عم
والقائلة امرأة أخ الميت، فابن الأخ يرث، ولا شيء لبنت الأخ بحال.
وقد تقول في هذه المسألة: إن ولدت ذكراً ورث، ولم ترث يا عمُّ (1) .
وهو كذلك.
6552- فإن قالت: إن ولدت ذكراً، لم يرث، وإن ولدت أنثى، لم ترث، وإن ولدت ذكراً وأنثى، ورثا.
فهذا رجل خلف
جداً، وجدة، وأختاً لأب وأم، والحامل امرأة الأب
فإن جاءت بابنٍ، فللجدة السدس، والباقي وهو خمسة بين الجد والأخ والأخت، وهي من مسائل المعادّة. ولا يخفى تخريجها على من أحكم ما قدمناه.
6553- فإن قالت: إن ولدت أنثى، لم ترث، ولا أنا.
وإن ولدت ذكراً. ورث، وورثتُ.
__________
(1) هكذا تخاطب امرأةُ الأخ العمَّ.(9/349)
وإن ولدت ذكراً وأنثى ورث وورثتُ.
فهذا رجل خلف
ابنتين، وبنت ابن ابن ابن حاملاً من ابن ابن ابن آخر
فيكون ولدها في درجتها، أو من ابن ابن ابن ابن آخر ليكون ولدها أسفلَ منها.
فإن كان ولدها ذكراً، أو ذكراً وأنثى عصبها الذكر، وكان باقي المال بينهما.
والتنبيه كافٍ في هذه الأجناس.
6554- وإن قالت: إن ولدت ذكراً، لم يرث ولم أرث، وكذا إن ولدت ذكراً وأنثى، وإن ولدت أنثى ورثتْ وورثتُ.
فهذه امرأة خلفت
زوجاً، وبنتاً، وأبوين، كما ذكرنا، والحامل بنت ابن ابن ابن كانت حاملاً من ابن ابن ابن آخر.
فإن ولدت ذكراً فهو عصبة ولا شيء له، ولا لمن في درجته.
وإن ولدت ذكراً وأنثى فكذلك.
وإن ولدت أنثى، فهما ابنتان (1) يفرض لهما السدس. وتعول الفريضة إلى خمسةَ عشرَ.
6555- وإن قالت: إن ولدت ذكراً، ورث دوني، وإن ولدت أنثى ورثتُ دونها، فصورتها أن تُعتق امرأةٌ عبداً، ثم تزوج بها أخُ المعتَق أو عمه، وتحمل
__________
(1) واضحٌ أنهما ابنتان مجازاً، فهما في الواقع ابنتا ابن ابن ابن في درجة واحدة.(9/350)
منه، ثم يموت المعتَق بعد ما مات زوج المعتِقة، فإن جاءت بذكر، فالمال له، لأنه ابن أخ المعتَق أو ابن عمه.
فإن جاءت بأنثى، فلاشيء لها (1) .
***
__________
(1) أي لا شيء للحمل إذا كان أنثى، فهو بنت أخ، أو بنت عم، وحينئذٍ ترث الحامل المعتقة بالولاء.(9/351)
باب في قسمة التركات
6556- هذا الباب خاتمة الحساب، بل نجاز الكتاب، ولا يقع بعده إلا فنونٌ لا يضرُّ تركها، ونحن نأتي بعيونها، إن شاء الله تعالى.
ومضمون هذا الباب قسمة التركة إذا كانت التركة مقدرةً بكيلٍ أو وزنٍ.
وإن لم تكن التركة كذلك، فما نحاوله في الباب يجري في تقدير قسمة (1) التركة.
وهذا الباب كثير الفائدة، ولو قلنا: هو ثمرة الحساب في الفرائض ونتيجتُها، لم يكن ذلك بعيداً؛ فإن المفتي يُبلى بصور الوقائع. فإذا أخذ يصحح الفرائض من آلافٍ، والتركةُ مقدارٌ نَزرٌ، لم يكن كلامه مفيداً.
ونحن نذكر صورتين في قَسْم التركات: إحداهما فيه إذا لم يكن في التركة وهي من المقدَّرات كسرٌ.
والأخرى - أن يكون في المقدَّر المخلَّف كسرٌ.
6557- فإن لم يكن فيه كسر، فالوجه أن نقسمَ سهام الفريضة أولاً، ونعرف العددَ الذي تصح منه المسألة، كما تمهد ذلك فيما سبق.
ثم ننظر إلى التركة، ونأخذ سهام كل واحد من الورثة من جملة العدد الذي تصح منه المسألة، ونضربها في التركة، فما بلغ قسمناه على العدد الذي تصح
__________
(1) (ت 3) : قيمة.(9/352)
منه المسألة، فما خرج، فهو نصيب ذلك الوارث.
ولا فرق بين أن يكون في المسألة عولٌ، وبين ألا يكون فيها عول.
مثال ذلك:
أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات لأبٍ
والتركة خمسة وستون ديناراً.
وأصل المسألة من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشرَ، وتصح من مائة وستة وخمسين.
فنقول: حصة كل زوجة من العدد الذي صحت المسألة منه تسعة، فاضرب تسعة في التركة، وهي خمسة وستون، فبلغ خمسمائة وخمسة وثمانين، فنقسمها على الأصل الذي تصح المسألة منه وهو مائة وستة وخمسون، فنخرج ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار، [فهو نصيب كل واحدة من الزوجات من جملة هذه التركة] (1) .
وكان نصيب كل جدة من الأصل ثمانية، فاضربها في التركة، فما بلغ فاقسمه على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ثلاثة دنانير وثلث، فهو نصيب كل جدة.
وكان لكل أخت من الأصل ستة عشر، فاضربها في التركة، واقسم ما بلغ على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ستة دنانير، وثلثان.
وهذه الطريقة كافية في الباب.
6558- هذا إذا لم يكن في التركة كسر، فإن كان فيها كسر، فنبسطها حتى تصير من جنس كسرها، وذلك بأن تضرب الصحيح في مخرج كسره، وتزيد عليه مثل كسره، فما بلغ فكأنه هو التركة صحاحاً، فنقسمه كما بيناه فيما تقدم،
__________
(1) عبارة الأصل: وهو الخارج بالضرب من جملة هذه التركة.(9/353)
فما خرج لكل واحد منهم من القسمة والضرب نقسمه على مخرج ذلك الكسر الذي جعلنا التركة (1) من جنسه، فما خرج فهو نصيبه.
مثاله: في الصورة التي ذكرناها كان التركة خمسة وستين ديناراً وثلث، فابسطها أثلاثاً تكون مائة وستة وتسعين، فكأن التركة مائة وستة وتسعون ديناراً، فاقسمها بين أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات. فأخرج لكل واحدة من الورثة من العدد المبسوط، فاقسمه على ثلاثة، فما خرج [نصيباً للواحد، فهو] (2) نصيب الواحد من الجنس الذي تريده.
وهذا تمام الفرض.
6559- ولم يبق علينا بعد ذلك إلا ثلاثة أبواب: باب نجمع فيه المذاهب الغريبة في الفرائض عن الأئمة، وباب نذكر فيه المسائل الملقبات، وباب نذكر فيه وجوهاً من المعاياة وينتجز الكتاب بنجاز هذه الأبواب.
***
__________
(1) (ت 3) : الصحيح.
(2) ساقط من الأصل.(9/354)
باب في الأقاويل الشاذة
6560- قال العلماء: كل قول شاذ عن إمام، ففي نقله خلل، ونحن نذكر جملاً من الأقاويل الشاذة، وننبه على الخلل في النقل، ونحن نذكر إماماً إماماً من الصحابة رضي الله عنهم، وما يعزى إليه من المذاهب الغريبة.
6561- أما عليُّ بنُ أبي طالب فمما نقل عنه أنه كان لا يحجب بني الإخوة بالجد وينزلهم منزلة الإخوة. وهذا رواه إسماعيلُ بن أبي خالد عن الشعبي، عن علي. وفي إسماعيل كلام.
والرواية المشهورة عن علي وابن مسعود أنهما كانا لا يورثان بني الإخوة مع الجد، وهذا هو الذي رواه أبو بكر بنُ عياش عن المغيرة، والأعمش عن إبراهيم.
ومن الغرائب ما روي أنه قاسم الجد بالإخوة إلى سبعة وإلى ثمانية فصاعداً، والصحيح أنه يقاسمه إياهم إلى خمسة، فإن زادوا، ردّه إلى السدس.
ومنها ما روي أنه جعل الفاضل عن فرض البنت بين الجد والأخت نصفين، كقول ابن مسعود.
والمشهور عنه أن للبنت النصف وللجد السدس، والباقي للأخت.
ومنها أنه كان يورث الزوجَ جميعَ المال: فرضاً ورداً، وهذا غريب جداً، وهو فيما يقال عن عثمان رضي الله عنه، وقيل: إنما فعله عثمان في زوج كان ابن عم.(9/355)
ومنها ما روي أنه لم يجعل الديةَ من التركة التي يشترك فيها ورثة القتيل، وإنما جعلها لعصبة الميت فقط، قيل: رواه الحسن (1) عنه، وهو اختيار [الحسن] (2) .
والصحيح عن علي ما رواه عمرو بنُ دينار عن محمد بن علي أن عليّاً قال: " لقد ظلم من لم يورِّث الإخوة من الأم من الدية ".
ومنها ما روي أنه ورث المجوسي بنكاح ذوي الأرحام (3) ، وهذا حمله العلماء على إعراضه عنه.
ومنها ما روي عنه أن المسلم يرث معتقه الكافر، وهذا غريب، لا أصل له.
ومنها ما روي أنه قال: إذا كان في التركة عبدٌ هو قريب للمتوفى، وكان يرثه لو كان حرّاً، قال: يشترى من التركة، فيعتَق، وتحسب قيمته من نصيبه، ثم يرث باقي النصيب.
6562- وأما ابن عباس، فقد رويت عنه روايات شاذة، منها: أنه جعل للبنتين النصف.
ومنها: أنه قسم الثلث بين ولد الأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأنه جعل للإخوة من الأبوين السدس الذي حجبوا الأم عنه.
ولعله خصصهم به ثم يورثهم على قياس التوريث في الباقي.
ومنها: أنه قال: في أبوين وأخوين من أم: هي من تسعة: للأم ثلاثة، وللأب أربعة، ولكل أخ سهم.
__________
(1) الحسن: المراد به الحسن البصري.
(2) في الأصل: الحسين.
(3) (ت 3) : القرابات.(9/356)
ومنها: أنه قال في زوج، وأبوين، وبنت، وبنت ابن:
للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة أسهم.
والصحيح عنه أنه قال: إن الباقي للبنت خاصة.
وروي عنه أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد.
وروي عنه أنه قال في الجدة من قبل الأم: إنها ترث كما ترث الأم.
6563- وأما ابن مسعود فمما روي عنه شاذاً أنه ورّث [أم الأب] (1) مع وجود الأب.
وروي أنه قسم الفاضل من البنت بين الأخت والجد نصفين. وهذا ليس على حد الشذوذ.
والغريب عنه أنه جعل الفاضل عن الجد بين البنت والأخت نصفين.
6564- وأما عمر، فقد روي عنه أنه ورث المولى من أسفل.
وروي عنه في توريث من أسلم على يد إنسان.
6565- وعن زيد بن ثابت أن العبد إذا أعتق، لم يجرّ ولاء أولاده (2) ومن بعدهم. (3 ومدار الرواية على جابر الجعفي.
هذا ذكر جُملٍ من غرائب مذاهب الصحابة رضي الله عنهم.
وأما مذاهب التابعين ومن بعدهم، فلسنا لها 3) .
***
__________
(1) في الأصل: أم أب الأم.
(2) (ت 3) : الأولاد.
(3) ما بين القوسين ساقط من (ت 3) .(9/357)
باب المسائل الملقبة
6566- وهي منقسمة، فمنها ما اختص بلقب واحد، ومنها ما اجتمع له ألقاب.
6567- فمنها المنبرية، وصورتها:
زوجة، وأبوان، وبنتان
سئل عنها علي وهو على المنبر، فقال على الفور: صار ثمنها تسعاً.
6568- ومنها الملقبة بالغراء، وبالمروانية، وصورتها:
زوج، وست أخوات مفترقات
وقعت في زمن مروان وسميت غراء، لاشتهارها.
6569- ومنها أم الفروخ، وهي
زوج، وأم، وأختان لأم، وأختان لأبٍ وأمٍ
وسميت أم الفروخ. لكثرة عولها؛ فإنها عائلة بثلثيها من ستة إلى عشرة.
6570- ومنها: أم الأرامل، وهي
ثلاث زوجات، وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأب سميت بذلك لأن جميع الورثة إناث لا ذكر فيهن.
6571- ومنها الدينارية، وصورتها أن يقال: رجل مات وخلف ورثة ذكوراً(9/358)
وإناثاً، وترك ستمائة دينار، فأصاب أحد ورثته ديناراً واحداً. وذلك مثل أن يخلّف.
زوجة وجدة، وبنتين، واثنا عشر أخاً، وأختاً واحدة
أصلها من أربعة وعشرين، وينتهي التصحيح إلى ستمائة، للأخت منها سهم واحد.
6572- ومنها مسألة الامتحان، وهي أن يقال: رجل مات، وخلف ورثة عدد كل جنس منهم دون العشرة، لم تصح المسألة إلا من ثلاثين ألفاً فصاعداً.
ولا يكون ذلك إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون قد خلف
أربع زوجات، وخمس جدات، وسبع بنات، وتسعة إخوة لأب
أصلها من أربعة وعشرين. سهام كل صنف لا تصح ولا توافق، فنضرب بعضَ الكسور في البعض، ثم نضرب المبلغ في أصل المسألة، فيكون ثلاثين ألفاً ومائتين وأربعين.
6573- ومنها الأكدرية وهي
زوج، وأم، وأخت، وجد
والمذاهب فيها مشهورة.
6574- ومنها المعادّة وصورتها بينة.
6575- ومنها مختصرة زيد:
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ، وأخت لأبٍ والأقوال فيها معروفة. وسميت مختصرة زيد، لأنها تعمل على البسط والاختصار، فأما البسط، فوجهه أن نقول: أصلها من ستة: للأم السدس سهم، والباقي وهو خمسة بين الأخ والأختين والجد على ستة.(9/359)
وتصح من ستة وثلاثين، ويردّ فيها الأخ والأخت من الأب على الأخت من الأب والأم تمامَ النصف، يبقى معها سهمان بينهما على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ستة وثلاثين فتبلغ مائة وثمانية.
وأما بالاختصار فنقول: للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، وللأخت تمام النصف، والمسألة من ثمانية عشر، فيبقى سهم بين الأخ والأخت من الأب على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ثمانية عشر فتبلغ أربعة وخمسين.
6576- ومنها تسعينية زيد، وهي
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأم، وأخوان وأخت لأبٍ
سميت تسعينية، لأنها تصح من تسعين.
6577- ومنها الصماء وهي كل مسألة وقع الكسر فيها على جميع أصناف الورثة من غير موافقة.
6578- ومنها المشتركة وهي معروفة.
6579- ومربعات ابن مسعود معروفة.
6580- ومسائل العول تسمى مسائل المباهلة.
وقد أكثر الفرضيون في التلقيبات، ولا نهايةَ لها، ولا حسم لأبوابها (1) .
__________
(1) في نهاية نسخة الأصل بعد هذا ما صورته:
" باب "
" في المعاياة، ومسائل الامتحان، والأغلوطات. وصلى الله على
محمد وآله أجمعين "
" لم يكن في النسخة مكتوباً، فترك البياض "
" يتلوه كتاب الوصايا " =(9/360)
.................................
***
__________
= وفي خاتمة نسخة (ت 3) ما صورته:
" باب في المعاياة ومسائل الامتحان، والأغلوطات "
" هذا الباب بيض الناسخون موضعه، ولعل المصنف أخر جمعه، ثم
لم يتيسر إتمامه، والله أعلم ". ا. هـ بنصه.
وبعد هذا ترك باقي الصفحة بياضاً، ثم كتب في ذيلها:
"آخر الجزء السابع من نهاية المطلب في دراية المذهب. يتلوه في الذي
يليه إن شاء الله كتاب الوصايا.
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد نبينا وآله وصحبه وسلم
تسليماً.
***
قلت: والمرجح أن الإمام رضي الله عنه لم (يجمع) هذا الباب الذي بيض له
الناسخون، ولم يكتبوه. يشهد لذلك أمران:
ا- أنه قال في أول باب قسمة التركات الذي مضى قريباً: " ولا يقع بعد هذا الباب إلا
فنون، لا يضر تركها، ونحن نأتي بعيونها ".
2- أنه ذكر مسائل من المعاياة في آخر باب الحمل، فلعله اكتفى بهذا.
والذي نجزم به صواباً- إن شاء الله- أنه ليس في هذا الموضع خرمٌ ولا سقط. والله
أعلم.(9/361)
شكل رقم (1)
- شكل يبين ذوي الأرحام كما ذكرهم الإمام.
- القريب داخل المستطيل يعتبر ميتاً، وبدون مستطيل هم ذوو الأرحام.
- الرقم داخل الدائرة يبين الترتيب الذي ذكره الإمام لهم.
- يسهل عليك إذا تأملت الرسم كيف تمد الخطوط لترى أولاد الأخوال والخالات وأعمام أب الميت وعماته، وأخواله وخالاته، وكذا أعمام الأم وعماتها، وأخوالها وخالاتها.
(قابل ص 20، ص 198، ص 211)(9/363)
شكل رقم (2) وقابل (ص 74)
شكل يبين تعدد الأجداد والجدات وتحاذيهن ومن يرث ومن لا يرث
يلاحظ أن الطبقة الأولى يرث فيها جدتان صحيحتان: واحدة من جهة الأب والأخرى من جهة الأم. وفي الطبقة الثانية يرث ثلاث جدات. وفي الطبقة الثالثة يرث أربع جدات. وفي الطبقة الرابعة يرث خمس جدات.
وهذا كلما علون درجة زدن واحدة. ودائمًا الزيادة من جهة الأب.
أما الأجداد فالوارث واحد دائمًا.(9/364)
شكل (3)
بالنظر إلى الرسم يظهر كيف تتعدد الجدات وتتحاذى.
(قابل ص 77)(9/365)
شكل (4)
يبين تعدد القرابة للجدة الواحدة. وفيه نرى:
- (سعاد) جدة ذات قرابتين؛ فهي أم أم الأم، وفي نفس الوقت أم أب الأب.
- (سعيدة) جدة ذات قرابة واحدة؛ فهي أم أم الأب.
- (آمنة) جدة ذات قرابة من ثلاث جهات؛ فهي أم أم أم الأم، وفي نفس الوقت أم
أم أب الأب، وفي نفس الوقت أم أم أم الأب.
(قابل ص 79)(9/366)
شكل رقم (5)
يبين الصحيح والفاسد من الأجداد والجدات، وكيف تتعدد القرابات
- تميز الدائرة الصحيح من الأجداد والجدات.
- في الطبقة الثالثة يوسف جد ذو قرابتين يرث بإحداهما.
وحسن وسليمان كل منهما ذو قرابتين لا يرث بواحدة منهما.
- في الطبقة الرابعة عبد الله جد ذو قرابات ثلاث لا يرث بواحدة منهما.
ومريم جدة ذات قرابات ثلاث ترث بواحدة منها فقط.
(قابل ص 94)(9/367)
ومعظم العمايات في مسائل الفقه من ترك الأولين تفصيل أمور كانت بينة عندهم.
ونحن نحرص جهدنا في التفصيل، ولا نبالي بتبرم الناظر.
الإمام
في نهاية المطلب(10/4)
كتاب الوصايا (1)
6581- كانت الوصية واجبةً بجميع المال للأقربين في ابتداء الإسلام، ثم نسخ وجوبها بآية المواريث، وبقي جواز الوصية لمن لا يرث.
والأصل في ذلك حديث سعد بن أبي وقاص، وهو ما روي أنه مرض بمكة، وثقل مرضه، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً، فقال سعد: " وأُخلّف هاهنا يا رسول الله، إني أموت، فيبطل ثواب هجرتي "، وكان المهاجرون يتحرزون من الإقامة بمكة، ولا يؤثرون الموت بها، ولا يُلفى بالحرم قبرُ صحابي، فقال صلى الله عليه وسلم: " إنك ستعيش حتى ينتفع بك أقوام، ويتضرر بك آخرون، لكن البائس سعد بن خولة ". قال سعدُ بنُ أبي وقاص: " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرثيه، ويرق له: أن مات بمكة "، قال سعد: يا رسول الله، لا يرثني إلا بنت، وهي مني بخير، أفأوصي بجميع مالي، فقال: " لا ". فقال: أفأوصي بثلثي مالي، فقال: " لا ". فقال: أو أوصي بشطر مالي، فقال: " لا ". فقال: أو أوصي بثلث مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: " الثلثُ. والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتكَ أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس " (2) .
فمحل الوصايا في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطاكم في آخر أعماركم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " (3) .
__________
(1) يبدأ العمل من هنا بالاعتماد على نسخة وحيدة، وهي على جودتها كثر فيها تصحيف الأعداد الحسابية، وبخاصة بين (سبع) و (تسع) .
(2) حديث سعد بن أبي وقاص، متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان: 399 ح 1053.
(3) حديث: " إن الله أعطاكم في آخر أعماركم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " رواه الدارقطني =(10/5)
وحديث عمران بن حصين معروف في الأنصاري الذي أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم (1) .
6582- ثم قال علماؤنا: المستحب أن ينقص الموصي من الثلث قليلاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث، حيث قال: " والثلث كثير ".
وعن علي: " لأن أوصي بخُمس مالي أحب إليّ من أن أوصي بربع مالي، ولأن أوصي بربع مالي أحب إليّ من أوصي بثلث مالي " (2) . ومن أوصى بثلث ماله لم يترك شيئاً.
فالوصية إذاً ثبت جوازُها، وبان محلُّها.
6583- وعن عطاء أنه قال: " وجوب الوصية باقٍ في الثلث، ثم الواجب عنده أن يوصي بثلث الثلث للأجانب، وبثلثي الثلث للأقارب الذين لا يرثونه، ولو أوصى بجميع الثلث للأجانب، لم ينفذ في أكثر من ثلث الثلث " (3) .
واحتج الشافعي عليه بحديث عمران بن حصين في عتق العبيد، [فإن] (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم نفَّذ العتق في الثلث منهم. ووجه الدليل بيّن.
__________
= عن معاذ، وأحمد عن أبي الدرداء، وابن ماجة والبزار عن أبي هريرة، وعنه البيهقي أيضاً.
وقال الحافظ: طرقه كلها ضعيفة ولكن يقوي بعضها بعضاً. وعند الألباني أنه ارتقى إلى الحسن بمجموع طرقه. (ر. مسند أحمد: 6/440، ابن ماجة: الوصايا، الوصية بالثلث، ح 2709، الدارقطني: 4/150، البيهقي: 6/269، وانظر إرواء الغليل: 6/77، والتلخيص: 3/194ح 1415) .
(1) حديث عمران بن حصين رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي. (ر. مسلم: الأيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد، ح 1668، وأبو داود: كتاب العتق، باب فيمن أعتق عبيداً له، ح 3960، والنسائي: الجنائز، باب الصلاة على من يحيف في وصيته، ح 1958، وانظر تلخيص الحبير: 3/200 ح 1423) ومحل الشاهد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفذ العتق في الثلث أي في عبدين، وردّه في أربعة.
(2) أثر علي رضي الله عنه (رواه البيهقي: 6/270، وانظر التلخيص: 3/205 ح 1439) .
(3) أثر عطاء، لم نقف عليه.
(4) في الأصل: قال.(10/6)
6584- ثم إن الشافعي صدّر الكتاب بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما حق امرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (1) ، وذكر للحديث تأويلين: أحدهما - أنه قال: يحتمل: من الحزم والاحتياط للمسلم ألا يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، قال: ويحتمل أنه أراد بهذا أمراً بالمعروف على طريق الأولى، وهذا قريب من الأول.
ثم ظاهر الحديث قد يوهم أنه لو كتب كتاب الوصية يكتفى بكتابته، ويعوّل على كتابه، وليس الأمر كذلك عند عامة العلماء، فلا بد وأن يشهد شاهدين عدلين ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا عليه.
ومما شهر من هفوات بعض الأئمة، وهم من المنتمين إلى أصحابنا ما حكي أن الأمير نصرَ بنَ أحمد (2) ، من أمراء خراسان، أراد أن يوصي بوصايا فيكتبها، فيُعمل بكتابه، فاستشار العلماء، فلم يفتوا له بذلك، فاستشار محمدَ بنَ نصر المروزي (3) ، فأفتى له بالتعويل على كتابه إذا استوثق فيه، ووضعه على يد مأمون بمشهد أُمناء، واحتج بظاهر الحديث، فحظي عنده، وارتفع قدره.
وأجمع علماء الزمان على تخطئته.
ولا ينبغي أن يجيل الإنسان فكره في هذا الفصل؛ فإنه من أعظم أركان الشهادات وسيأتي القول فيه مستقصىً في موضعه، إن شاء الله تعالى.
6585- ثم قال الأئمة: الوصايا على ثلاثة أقسام: وصية بعينٍ من الأعيان كالوصية بعبد، أو دابة، أو دار، أو نحوها.
ووصية بجزء شائع مضافٍ إلى المال، كالوصية بالثلث أو الربع، ونحوهما.
__________
(1) حديث: " ما حق امرىء مسلم ... " متفق عليه (ر. اللؤلؤ والمرجان: 399 ح 1052) .
(2) الأمير نصر بن أحمد بن أسد بن سامان، مؤسس الإمارة السامانية، أصله من خراسان، كان عاقلاً، ديّناً، أديباً، يقول الشعر، ت 279 هـ. (ر. الأعلام للزركلي: 8/21، واللباب: 1/ 523) .
(3) محمد بن نصر المروزي، من أصحاب الوجوه في المذهب، ت 294 هـ (سبقت ترجمته) .(10/7)
ووصية بمقدارٍ مقدر من غير ذكر جزئية منسوبة إلى المال، مثل الوصية بالألف، والألفين، ونحوهما. وهذا القسم يسمى الوصايا المرسلة.
ثم يلتحق بكل قسم من هذه الأقسام ألفاظ مبهمة تؤول إلى مقصود القسم، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن؛ فإنها ترجع إلى الوصية بجزء، كما سيأتي بيان ذلك.
6586- والوصايا في الأقسام الثلاثة متساوية في اعتبارها من الثلث، فإن زادت على الثلث، وللموصي ورثة متعينون مختصون، فردُّوا الزيادة على الثلث، ارتدت.
وإن أجازوها، فقد اختلف قول الشافعي في الوصية بالزائد على الثلث؛ فقال في قولٍ: الوصية باطلة، لا سبيل إلى تنفيذها. فإن أرادوا (1) الورثة تحقيقَ قصد الموصي، احتاجوا إلى ابتداء هبة على شرطها، ولا يكون ما يبتدئونه محمولاً على الوصية، ولا مبنياً عليها، وسبيل الوارث فيه كسبيله لو ابتدأ هبةً من غير تقديم وصية.
والقول الثاني - أن الوصية بالزائد على الثلث منعقدة على الصحة، ولكن لزومها ونفوذها موقوف على رضا الورثة، فإن أجازوها، نفذت، ولزمت. وإن ردوها، ارتدت بعد الانعقاد.
وهذان القولان على هذا النظم ليسا منصوصين للشافعي، ولكنه أجرى القولين في الأحكام المتفرعة، فتحصل منها على القطع ترديد القول، على حسب ما ذكرناه.
التوجيه: من قال بانعقاد الوصية، قال: إنه تصرف في ملكه، فيجب انعقاد تصرفه، غيرَ أن حق الغير متعلق به، فوقف النفوذ على رضاه.
ومن قال بعدم انعقاد الوصية قال: تعلُّقُ حق الغير يمنع انعقادها، كما منع تصرُّفَ الراهن في المرهون.
6587- التفريع على القولين: إن قلنا: إجازة الورثة تنفيذ وصية الموصي، فلا حاجة في الإلزام إلى إقباض الوارث؛ فإن ثبوت الملك في الوصية لا يستدعي القبض.
__________
(1) كذا، وهي على اللغة المعروفة " أكلوني البراغيث ".(10/8)
وإن كان الوصيةُ عتقاً، فالولاء للموروث في الجميع: ما يحتمله الثلث، وما يزيد.
ويصح التنفيذ بلفظ الإجازة.
6588- وإن قلنا: الإجازةُ ابتداء عطية، وليست تنفيذَ وصية، فلا بد من إقباضٍ، كما لا بد منه في الهبات؛ فإن ما يصدر من الوارث عين الهبة على هذا القول، وليس مشبهاً بها.
وإذا أوصى بعتق عبدٍ لا مال له غيره، فأجاز الوارث، فالولاء في الثلثين للوارث، والولاء في الثلث للموروث؛ فإنا نجعل الوارث معتقاً للثلثين على الابتداء.
وهل تتم العطية في الزائد على الثلث بلفظ الإجازة؟ فعلى وجهين على هذا القول: أحدهما - لا تصح العطية؛ فإنها مبتدأة حكماً، والإجازة تشعر بتنفيذ الوصية المتقدمة.
والوجه الثاني - أنها تصح؛ فإن العطية وإن كانت مبتدأة، فلها تعلقٌ بما تقدم، والعبارة صالحة لتحصيل الغرض.
وهذا الخلاف مأخوذ من أصلٍ قررناه مراراً، وهو الاعتبار بالمعنى أم باللفظ في أمثال ذلك.
وفي نص الشافعي ما يدل في كتاب الصداق على أن الزوج إذا طلق زوجته قبل المسيس، ثم أراد ألا يسترد منها شيئاً، فقال: عفوت عن النصف الذي يرتد إليّ، كان هذا تمليكاً. وإن كان في عينٍ. وسنذكر هذا مستقصىً في موضعه؛ فإن لفظ الشافعي متأوّل عند معظم الأصحاب.
فإن قيل: إذا أوصى بعتق عبدٍ، لا مال له غيره، أو أعتقه تنجيزاً في مرض موته، وكان لا يرثه إلا ابن واحد، فإذا نفّذ الوصية، فهل لإضافة الولاء إلى الميت مزيد فائدة، والغرض من الولاء، التوريث به، ولا وارث للميت إلا هذا الشخص الواحد؟
قلنا: تظهر فائدة ما قلناه فيه إذا كان الميت معتقاً لرجل، والوارث معتِقاً لرجل(10/9)
آخر، فإذا جرى التنفيذ على ما ذكرناه، فإذا مات الوارث، ثم مات المعتَق الذي نفّذ الوارث العتق فيه، وكان معتَق الموروث الأول ومعتَق هذا الوارث حيين باقيين، فإن قلنا: الولاء كله للموروث الأول، فمالُ المعتَق الموصَى بعتقه مصروف إلى معتَق الموصي، وإلا فالثلث له والثلثان لمعتَق الوارث.
6589- ثم من مات وليس له وارث خاص، فالمسلمون ورثته، فلو أوصى وزادت وصيته على الثلث، فالوصية بالزائد على الثلث غير منفذة، كما إذا أوصى وزاد وله ورثة متعينون مخلَصون، خلافاً لأبي حنيفة (1) ؛ فإنه قال: إذا أوصى بجميع ماله، لزمت وصيتُه، ونفذت، ولا مردّ لشيء منها.
وحقيقة هذه المسألة تستند عندنا إلى أن الصرف إلى المصالح سبيله سبيل التوريث، وقد قررنا هذا في الأساليب. فلو أوصى من ليس له وارث خاص، وزاد، فلو أراد الإمام أن يجيز وصيته في الزائد، فإن جعلنا الإجازةَ من الوارث الخاص ابتداءَ عطية، فلا معنى له من الوارث، فما الظن بالإمام؟ ولكن الإمام إن أراد على حكم النظر والمصلحة أن يبتدىء صرف الزائد إلى تلك المصارف، لم يمنع ذلك.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث تنفيذ للوصية، فقد اختلف جواب القاضي في هذا فقال مرة: إن وافق التنفيذ المصلحة، لم يبعد أن يجوز للإمام التنفيذ، ويكون شرط المصلحة في هذا المقام بمثابة الرضا من الوارث، وقال مرة: لا يجيز الإمام ولا يتصور الإجازة في هذه المنزلة.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث الخاص تنفيذ، فإن وجوه المصالح لا تنضبط، فالوجه حسم الباب، وقطعُ أثر الوصية بالزائد بالكلية؛ فإن التنفيذ من الوارث موقوف على إرادته وهذا هو المعهود في إجازة العقود الموقوفة على رضا المجيزين، فأما ما يتوقف على المصلحة ولا ضبط لها، فلا يتجه فيها التنفيذ.
والمسألة محتملة.
6590- ولعل الظاهر تجويز التنفيذ على حسب المصلحة.
__________
(1) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/35 مسألة 2188.(10/10)
ثم إذا جرينا على جواز التنفيذ، فيتصور حالتان: إحداهما - ألا تتصور مصلحة أولى مما اشتملت الوصية عليه، فإن كان كذلك، فلا حاجة إلى التنفيذ، ولكن لا بد وأن يظهر للإمام ذلك، وهذا كإظهار القضاء عند قيام ما يوجبه؛ إذ ليس القضاء عندنا موجباً أمراً على سبيل الابتداء.
والحالة الثانية - أن يتصور مصلحة تماثل ما أوصى به، وكان الإمام لولا الوصية يتخير عند تماثل الجهات في صرف هذا المال إلى أيتها شاء، فإذا تصور من المسألة كذلك، فهل يتعين على الإمام التنفيذ؟ أم له نقض تلك الوصية، ثم هو على نظره في تعيين الجهات؟ هذا فيه تردد يسبق إلى الفهم.
والوجه: القطع برد الأمر إلى رأي الإمام. والعلم عند الله تعالى.
6591- ومما نذكره في تصدير الكتاب، الوصية للوارث وفيها طريقان للأئمة: منهم من قطع ببطلانها، ومنهم من نزّل الوصيةَ للوراث منزلة الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، وقد مضى اختلاف القول فيه، وستأتي الوصية للوارث مفصلة في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
فصل
قال الشافعي: " ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ... إلى آخره " (1) .
6592- ذكر الشافعي الوصية بمثل نصيب الورثة، ثم ذكر الوصية بجزءٍ شائع من المال، ونحن نرى في تقريب التفهيم أن نذكر الوصية بالجزءِ الشائع أولاً، ثم نذكر الوصية بالنصيب. فإذا انتجز القول في هذين الفصلين مفردين، فننتهي بعد ذلك إلى الجمع بين الوصية بالنصيب وبين الوصية بالجزءِ، وعند ذلك نقف، وننكف عن الخوض في فقه الكتاب، ونذكر قاعدةَ الجبر والمقابلة، على مراسم علماء الحساب، ونتعدى قليلاً حدودَ الفقهاء، ونتشوف بعون الله تعالى وحسن توفيقه إلى تسهيل الطريق على الناظر في جميع المسائل الحسابية المتعلقة بالوصايا والدَّوْر، والمعاملات،
__________
(1) ر. المختصر: 3/159.(10/11)
والعين، والدين، ولا نغادر مسألة تتعلق بالحساب إلا نأتي بها في أبوابٍ مرتبةٍ، وفصولٍ مفصلة، فتقع مسائل الوصايا جزءاً مما نحاول. ونحن في ذلك كله نبرأ إلى الله تعالى من حولنا وقوتنا، ونستعين به.
فنبدأ بالوصية بالجزء؛ فإن العمل فيها يداني العمل في مسائل الفرائض، ولا يحتاج المستخرج إلى أصلٍ، لم نمهده في حساب الفرائض.
6593- فإذا أوصى بجزءٍ شائع، وله ورثة، فالطريقة المثلى أن نصحح فريضة الميراث بطريق تصحيحها، [أَحْوَجَتْ] (1) إلى التصحيح، أو صحت من أصلها، عالت أوْ لم تَعُل، ثم نجعل جزءَ الوصية فريضةً برأسها، ونخرج الوصية، وننظر إلى ما بقي من فريضة الوصية.
فإن كانت تلك البقية تنقسم على فريضة الورثة، فبها ونعمت.
وإن لم تنقسم تلك البقية على فريضة الورثة، فإن لم توافق تلك البقية فريضة الورثة، ضربنا فريضة الميراث في فريضة الوصية، فما بلغ، فمنه يصح حساب الوصية والميراث جميعاً.
وإن وافقت تلك البقية فريضة الورثة بجزءٍ، أخذنا جزءَ الموافقة من فريضة الميراث، وضربناه في فريضة الوصية، فمنه يصح الحساب كله.
6594- والجملةُ أنا نجعل فريضة الوصية مع فريضة الميراث بمثابة فريضتين في مسائل المناسخات، وفريضة الوصية أولاهما؛ فإن حق الوصية أن تُقدم في محلها، والباقي من جزء الوصية بمثابة سهام لبعض الورثة يموت عنها ويخلِّف ورثة.
وهذا القدر كاف، ولكنا نقيم مراسمَ الأصحاب في البيان والتمثيل. مثاله: أوصى لواحدٍ بربع ماله، وله ثلاثة من البنين.
فمسألة الوصية من أربعة، فتبقى ثلاثة أسهم من ثلاثة، فقد صحت الفريضتان من مسألة الوصية.
ولو أوصى بثلث ماله، ومات عن أبوين، وبنتين.
__________
(1) في الأصل: أخرجت.(10/12)
ففريضة الوصية من ثلاثة، وفريضة الميراث من ستة، فنخرج الوصية من فريضة الوصية، وهو سهم من ثلاثة، بقي سهمان لا ينقسمان على ستة، وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة، فللموصى له ثلث المبلغ ولأهل الفرائض ستة.
6595- وذكر بعضُ الحُسَّاب طريقة ثانية يسمونها طريقة النسبة، وهي حسنة جارية، وأمُّ الحساب النسبة، وهي التي تُخرج المجاهيل، وكل طريقة حُررت في تقريب الحساب، فهي متلقاة من نوع النسبة. وإذا جهلت النسبة، لم يخرج مجهول أصلاً.
وبيان الطريقة هاهنا: أن نصحح فريضة الميراث، كما ذكرناه، ونصحح فريضة الوصية، ثم نعطي من فريضة الوصيةِ الوصيةَ، ثم ننظر كيف نسبة هذا الذي أعطيتَ إلى ما بقّيت من فريضة الوصية، فبتلك النسبة زِدْ على فريضة الميراث إذا كانت فريضته لا تصح من بقية الوصية، فنقول في هذه المسألة: فريضة الميراث من ستة، وفريضة الوصية من ثلاثة أعط منها الثلث، وهو سهم، ثم انسب ذلك السهم إلى ما بقي وهو سهمان، فإذا هو نصفه، فزد على فريضة الميراث مثلَ نصفه فتصير تسعة، فمنه تصح.
6596- فلو خلّف أبوين، وابنين، وأوصى بربع ماله لواحد، وسدس ماله لآخر، فنذكر إجازة الوصية الزائدة على الثلث، ثم نذكر الرد.
فإن أجاز الورثة الوصية بالزائد، فعلى الطريقة الأولى تصحح فريضة الميراث من ستة وفريضة الوصية من اثني عشر، فنعطي الوصيتين: لصاحب الربع ثلاثة ولصاحب السدس سهمان بقي سبعة، لا تنقسم على فريضة الميراث، ولا توافقها، فنضرب ستة في اثني عشر، فيرد اثنين وسبعين، فأعط صاحبَ الربع ثلاثة مضروبة في ستة، وهي ثمانية عشر، وصاحب السدس اثنين في ستة، وهو اثنا عشر. بقي اثنان وأربعون سهماً، تنقسم على فريضة الميراث لا محالة.
وعلى طريقة النسبة نخرج للوصيتين خمسة، فبقي سبعة، فتنسب الخمسة إلى السبعة، فإذا هي خمسة الأسباع، فرد على فريضة الميراث خمسة أسباعها، وخمسةُ(10/13)
أسباعِ ستةٍ (1) ثلاثون سُبعاً، فنبسط الكل أسباعاً؛ تبلغ اثنين وسبعين، وتلتقي الطريقتان. هذا إذا أجاز الورثةُ الوصيةَ بالزائد على الثلث.
6597- فإن لم يجيزوا إلا الثلثَ، فاقسم الثلث بين صاحبي الوصيتين على قدر حقهما أخماساً، لأن الربع والسُدس خمسة من اثني عشر، فيضرِب صاحبُ الربع بثلاثة أسهم، وصاحب السدس بسهمين.
وإن كان الثلث خمسة، فجميع المسألة خمسة عشر، وإذا أخرجنا الثلث بقي عشرة، لا تنقسم على فريضة الميراث وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة، وهو ثلاثة في خمسة عشر، فتردّ خمسةً وأربعين للموصى له بالربع تسعة، وللموصى له بالسدس ستة، ويبقى للورثة ثلاثون، تنقسم على ستة.
وعلى طريقة النسبة عند الرد زِدْ على فريضة الميراث، وهي ستة مثلَ نصفها؛ لتكون الزيادة ثلث الجميع، وذلك تسعة، فاقسم تلك الزيادة بين صاحبي الوصيتين أخماساً، فثلاثةُ أخماس (ثلاثةٍ) تسعةُ أخماس، وهي واحد وأربعة أخماس، فهذا للموصى له بالربع، والباقي وهو ستة أخماس، وهي واحد وخُمس للموصى له بالسدس.
ثم ابسط الجميع وهو تسعة على مخرج الخُمس، فتصير خمسة وأربعين.
6598- صورة أخرى: أوصى لواحدٍ بالربع، ولآخر بالثلث، وفريضة الميراث، كما ذكرنا، فمسألة الوصية من اثني عشر، فنقول: قصارى الحساب يؤول إلى ستة في اثني عشر، فإنك إذا أخرجت الثلث من اثني عشر، وهو أربعة، وأخرجت الربع، وهو ثلاثة، فتبقى خمسة لا تستقيم على فريضة الميراث، ولا توافق، فنضرب ستة في اثني عشر، فيردّ اثنين وسبعين، فتصح الفريضتان.
وعلى الطريقة الثانية: أخرجنا من اثني عشر عند الإجازة أربعة وثلاثة، فالمجموع سبعة، والباقي خمسة، فننسب ما أعطينا إلى ما بقَّينا، فإذاً المخرَج مثلُ الباقي، ومثلُ خُمْسَيه، فزد على فريضة الميراث وهي ستة مثلَها، ومثل خمسيها، فمثلها
__________
(1) في الأصل: ستة وثلاثون.(10/14)
ستة، ومثل خمسيها اثنان وخمسان، فذلك أربعةَ عشرَ وخمسان، فابسط ذلك على مخرج الخمس، فيبلغ اثنين وسبعين، فتلتقي الطريقتان.
وإن فرضنا الرد، لم يخفَ طردُ الطريقتين، وتقريرُهما على القياس الذي مهدناه، وهذا هيّن على من أحكم ما قدمناه من أصول الحساب في الفرائض.
هذا بيان الوصية بالجزءِ والجزأين والأجزاء، في صورة الانحصار في الثلث، والزيادة عليه، وفي حالتي الإجازة والرد إذا زادت الوصية.
6599- فأما القول في الوصية بمثل نصيب وارث، فنقول: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لواحد، وله ابن واحد، لا وارث له غيره، فهذه وصية بنصف المال. إن أجازها الوارث، فإن ردّها، فالزيادة على الثلث مردودة، والوصية قارّةٌ في الثلث، ومخرج ذلك أن الابن يستحق كلَّ المال إذا لم تكن وصية، فإذا قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فقد أوصى له في الحقيقة بكل المال على وجهٍ لا يتضمن حرمان الابن وإخراجه من الوراثة، فإذا قال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب ابني، فكأنه نزّلهما منزلةً واحدة، وموجبُ قوله يتضمن استواءهما. وكان الموصى له في تقدير ابنٍ ثانٍ، وهذا مذهب أبي حنيفة (1) .
وعبر بعضُ الأصحاب عن قاعدة المذهب، فقالوا: حق الابن من غير تقدير وصية الاستغراق، فإذا أحل الموصى له محلّه، فكأنه أثبت له كلَّ المال، مع الكل الثابت بالإرث لولا الوصية، وإذا عال مبلغٌ بمثله، كان الزائد مثلَ المزيد عليه، وموجب ذلك الاشتراك لا محالة على الاستواء.
6600- ولو قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وله ابن واحد، فالذي نقله الأئمة المعتبرون من أصحاب الشافعي أن الوصية بنصيب الابن بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن، وهذا هو الذي نقله الفرضيون المتظاهرون بعلم الحساب، منهم الأستاذ أبو منصور وغيرُه، وحكَوْا عن أبي حنيفة (1) أنه أبطل الوصية إذا قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وزعم أن هذه الصيغة فاسدة؛ من جهة أنها تقتضي وصية
__________
(1) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/23 مسألة 2164، تبيين الحقائق: 6/188.(10/15)
بمستحق، فإن نصيب الابن مستحَق له، والوصية بالمستحق باطلة، بمثابة الوصية بمال الغير.
هذا مذهب أبي حنيفة، وليس كما لو قال: أوصيت [بمثل] (1) نصيب ابني، فإن لفظ الوصية يشعر بكون الموصَى به مغايراً للنصيب المعتبر زائداً عليه؛ فإن مثل الشيء غيرُه لا محالة.
وأقام الأئمة مسألة خلافية مع أبي حنيفة وأجرَوْا في أثناء الاحتجاج مسألة مستفادة من مسائل المعاملات، وهي أن الرجل إذا قال لمن يعامله: بعتك داري هذه بما باع به فلان عبده، وكانا عالمين بالمبلغ الذي باع به فلان عبده، فالبيع يصح، وإن كان لفظه مضافاً إلى ما باع به فلان عبده، وهو مستحق في بيع ذلك الإنسان، ولكن المقصود من العبارة البيع بمثل ما باع به فلان عبده، فإن سلم أبو حنيفة هذا، قامت الحجة عليه مع ترجيح ظاهر؛ فإنا قد نحتمل في الوصايا ما لا نحتمله في البيع، كما سيأتي ذلك مشروحاً في المسائل، إن شاء الله تعالى.
فإن منع أبو حنيفة المسألة، لم يضرنا منعُه إياها، مع علمنا بجريان هذه العبارة واطرادها، والمراد البيع بمثل ما باع به فلان، وهذا له مزيد اتجاه على رأي أبي حنيفة، فإنه يحمل العقود على الصحة، إذا وجد لها محملاً.
هذا هو المنقول عن أئمة المذهب.
6601- وذكر العراقيون في طريقهم أن الوصية بالنصيب باطلة، كما صار إليه أبو حنيفة، وذكروا هذا ذِكْر من بلغه في نقل المذهب غيرُه، ولكنهم زينوه (2) ، وقطعوا بما ذكروه، ولم يصححوا إلا الوصيةَ بمثل النصيب، وسلكوا في تعليل ما ذهبوا إليه مسلك أبي حنيفة بعينه.
ثم قالوا: لا يُلفى للشافعي في المختصر وفي غيره من الكتب التعرضُ للوصية
__________
(1) في الأصل: " بنصيب ابن "، والمثبت تقدير من المحقق رعاية للسياق.
(2) أي زَيَّنوا هذا الغير الذي نقلوه.(10/16)
بالنصيب، لكنه [يُقَيّدٍ] (1) كلامَه، رضي الله عنه في جميع مسائل هذا الأصل بالوصية بمثل النصيب.
وزعموا أن [من] (2) ألحق الوصية بالنصيب بالوصية بمثل النصيب، فليس ناقلاً مذهبَ الشافعي عن نص، وإنما هو مُتقوِّل عليه عن قياسٍ، ولا شك أنهم على هذه الطريقة لا يصححون بيعَ الرجل بما باع به فلان عبده، ويشترطون في البيع بهذه الجهة أن يقول: بعتك داري هذه بمثل ما باع به فلانٌ عبده؛ فإن الفساد إلى البيع أسرع في هذه المعاني منه إلى الوصية؛ ولذلك لا يصح البيع مع إبهام المبيع، مثل أن يقول البائع: بعتك عبداً من عبيدي، والوصية تصح على هذه الصيغة مع إبهام الموصى به.
هذا كلامهم، وهو مباين لما عرفه علماؤنا من مذهب الشافعي. ولست أرى الاعتداد بما قالوه، بل الوجه القطع في مذهب الشافعي بأن الوصية بالنصيب، كالوصية بمثل النصيب.
6602- فإذا انتجز الفراغ من هذا، عدنا إلى ترتيب المذهب مع نقل المشاهير من مذهب العلماء.
قال مالك (3) : من أوصى لرجل بنصيب ابنه، أو بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد، فمقتضى الوصية الاستغراق، وكأنه أوصى له بجميع ماله، فإن أجيزت، نفذت على هذا الوجه.
وغيره من العلماء قالوا: الوصية بمثل نصيب الابن ليست مستغرِقة، وإنما هي مشتركة على الاستواء، كما قدمناه.
وعبر المعبرون عن مذهب الإمامين مالك والشافعي، فقالوا: مالك يعتبر النصيب بنصيب الابن قبل الوصية، ثم حق الابن الاستغراق إذا لم تكن وصية. والشافعي يعتبر الوصية مع ثبوت الابن، ومقتضى ذلك التشريك.
وقال شَريك، والحسنُ بن زياد اللؤلؤي: إن أوصى بمثل نصيب الابن، فهو
__________
(1) في الأصل: يفيد. (بالفاء) .
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: 2/1006، 1007 مسألة 2053، 2054.(10/17)
وصية بالنصف، كما قال الشافعي وإن أوصى بنصيب الابن، فهو وصية بجميع المال، كما صار إليه مالك.
6603- ثم إنا نمهد بعد ذلك قاعدة المذهب، ونطرده على وجهه، وننعطف على (1) التمهيد على ذكر مسائلَ ذكرها الأستاذ أبو منصور، ونقل في بعضها تخريجات لابن سريج، ليس يعرفها فقهاء المذهب. فنقول:
إذا كان للرجل ابنان، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الابنين، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أن هذه وصية بثلث المال؛ فإن ذلك تقرير الابنين على أصل الاستحقاق، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث، حتى يشتركوا على استواء، ومن فهم التنصيف [والابنُ] (2) واحد، لم يخف عليه التثليث وفي المسألة ابنان، إذا وقعت الوصية بنصيب أحدهما.
فالوجه على مذهب الشافعي وغيرِه من العلماء أن نقيم فريضة الميراث بين الابنين، ثم نزيد في الفريضة مثلَ نصيب أحدهما، ونعود فنقسم التركة على هذه النسبة بين جهة الوصية والميراث.
فإذا كان في المسألة ابنان، فالميراث دون الوصية يقام من سهمين، فتمسك نسبَهما (3) وتزيد سهماً.
وقال مالك: الوصية بنصيب أحد الابنين وصية بالنصف، وهذا بناه على أصله في أن الوصية معتبرة بنصيب من ذكر نصيبه قبل الوصية، ونصيب أحد الابنين النصف، إذا لم تكن وصية.
والشافعي يعتبر تقدير الابنين والتشريك معهما، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث.
__________
(1) كذا. ولعلها: بعد التمهيد.
(2) وفي الأصل: فالابن. والمثبت تقدير من المحقق.
(3) تُمْسك نسبَهم: المراد تعرف نسبة السهمين وقسمة التركة عليهما، ثم تزيد ثالثاً، لتقسم على ثلاثة.(10/18)
فإن كان له ثلاثة بنين، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد البنين، فالوصية بالربع عند الشافعي، والموصى له بمثابة ابن رابع.
وعند مالك الوصية بالثلث.
ولو كان له بنت وعصبة، وأوصى لواحد بمثل نصيب البنت، فللموصى له الثلث، فإنا نقيمه مقام بنت أخرى لو كانت.
ولو كان في المسألة بنتان وعصبة، لكنا (1) نصرف إلى البنتين الثلثين والباقي إلى العصبة.
6604- وقد تقع فرائض فيها مقدَّرات، ونفرض الوصية بمثل نصيب بعض الورثة، فأصل مذهبنا وقياسه أن نقيم فريضة الميراث، ونصححها، عائلة وغير عائلة، من غير وصية، ثم نتبين نصيب من أضيفت الوصية إلى نصيبه، ونزيد في المسألة مثل ذلك، ونعيد القسمة.
فإذا كان له ثلاث بنات، وعصبة، فأوصى لواحد بمثل نصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من غير وصية من تسعة، لكل واحدة من البنات سهمان، فتزيد على التسعة سهمين للموصى له، فتصير الفريضة الجامعة للنصيب والميراث من إحدى عشر.
ولو كان له بنت وثلاثة بنين، فأوصى لواحدٍ بمثل نصيب البنت، ففريضة الميراث من سبعة، للبنت سهم واحد، فنزيد للوصية سهماً آخر، فتقع الوصية من ثمانٍ، ونعيد القسمة من ثمانية: للوصية سهم، والباقي بين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
6605- ولو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، والفريضة مشتملة على أصناف من الورثة وحصصهم مختلفة، فالوصية منزّلة على أقل الأنصباء، وهذا من أقطاب كتاب الوصية، وسيأتي مشروحاً في المسائل.
فلو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، وكان في المسألة: بنت، وعشر أخوات، فإنا نقيم فريضة الميراث من اثنين، ثم نصححها من عشرين، فنتبين أن
__________
(1) في الأصل: ولكنا.(10/19)
نصيب كل أخت سهم من عشرين سهماً، فنقيم الفريضة الجامعة من أحد وعشرين.
ولو كانت له عشر بنات، وأخت، فأوصى لإنسان بنصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من ثلاثة، ثم بالتصحيح تبلغ خمسة عشر، لكل بنت منها سهم، فنزيد للوصية فيها سهماً آخر، ونجعل الفريضة الجامعة من ستة عشر، للوصية واحد، ولكل بنت واحد، وللأخت خمسة.
ولو كان للرجل أربع زوجات، وأولاد، فأوصى بمثل نصيب زوجة، فنقيم فريضة الميراث ونفُضّ الثمنَ فيها على أربع زوجات، ثم نزيد للوصية بمثل نصيب زوجة، ولا مبالاة بتقدير زوجة خامسة، وإن كان ذلك غيرَ سائغ تحقيقاً؛ فإن الوصايا تنزل على الأقدار، لا على حقائق الوقائع، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الأم، فالوجه تقدير أم مع الأم، وهذا لا يقع وجوداً، والوصية منزلة على تقديره.
6606- ومما يتعلق بصور الفصل أنه لو كان للرجل ابن، فأوصى لرجل بنصيب ابنٍ ثانٍ لو كان، فهذا بمثابة ما لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بنصيب أحدهما فتقع الوصية بالملثلث.
ولو كان له ابنان، فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابنٍ ثالث لو كان، فهذه وصية بالربع والابن المقدر في حكم الوصية كالابن الموجود.
وهذا القياس يطرد في جميع الورثة على اختلاف أصنافهم لو قُدّروا.
ولو كان لرجلٍ ثلاثُ بنين وبنت، فقال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب بنت ثانية لو كانت، فالوجه أن نقيم فريضة الميراث على ثلاثة بنين وبنتين، ولو كانت، لصحت المسألة من ثمانية لكل ابن اثنان، ولكل بنت واحد، فنزيد الوصية سهماً تاسعاً، ونستبين أن الوصية وقعت بالتسع.
فهذا بيان الوصية بمثل نصيب وارث مقدر لو كان.
6607- وحكى شيخي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه كان يقول: إذا أوصى من له ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، فهذا بمثابة الوصية بالنصف، وكأنه في الوصية أقام الموصى له مقام ابنٍ ثان، وعلى هذا لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بمثل نصيب ابنٍ(10/20)
ثالث لو كان، فالوصية بالثلث، وهي متضمنةٌ قيامَه مقام ابن ثالث، وليس كما لو قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فهذا يتضمن تشريكاً ومزاحمة، وسبيله (1) من ذِكْره.
وهذا الذي حكاه عن الأستاذ متجه من طريق المعنى مُخيل أخذاً من صيغة اللفظ، ولكنه ليس معدوداً من مذهب الشافعي، والأستاذ مسبوق فيه باتفاق الأصحاب على مخالفته.
فإن صار إلى مذهبه بعضُ المتقدمين، فهو مذهب من المذاهب، وليس معدوداً من مذهب الشافعي، وإن لم يوافق ما نقل عنه من مذهب المتقدمين، فلا نظن به على علو قدره مخالفةً للإجماع. ولعله ذكر ما ذكره إظهاراً لوجهٍ في الاحتمال من غير أن يعتقده مذهباً.
6608- ولو خلّف الرجل بنتاً، وبنت ابن، وعصبة، وكان أوصى لرجل بنصيب أحد ولديه، فهذه الصيغة تتضمن إدراج ولد الابن في قضية لفظ الولدين، وقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن اسم الولد على الإطلاق هل يتناول ولد الولد؟ وهذا قد قدمنا ذكره في الوقف، وسنعيده في مسائل الوصايا، إن شاء الله عز وجل.
وهذا في الإطلاق، فإذا وقع التصريح بإدراج ولد الولد في التثنية المشتملة على ولد الصلب وولد الابن، لم يكن إطلاق ذلك ممتنعاً على هذا الوجه.
فإذا تبين هذا، فالوصية بمثل نصيب أحدهما منزلةٌ على أقل النصيبين، ونصيب بنت الابن أقلُّ، فنزّلت الوصية عليه. وصارت المسألة مع ما فيها من الترديد بمثابة ما لو صرح بالتوصية بمثل نصيب بنت الابن في المسألة التي فرضناها، ولو صرح، لكنا نقيم فريضة الميراث أولاً، ونقول: للبنت النصف، وهو ثلاثة من ستة، ولبنت الابن السدس، وهو سهم من ستة، والباقي وهو سهمان للعصبة. فقد قامت فريضة الميراث من ستة، وبان أن لبنت الابن سهماً منها، فنزيد لمكان الوصية سهماً ونضمه إلى الستة، فالفريضة الجامعة للوصية والميراث من سبعة للموصى لهم سهم، والستة
__________
(1) كذا. ولعل المعنى: وسبيل التشريك من ذِكْر هذا اللفظ، أو لعل فيها تصحيفاً، وصوابها: " وسبيله ما ذكره ".(10/21)
الباقية مقسومة على فرائض الله تعالى. والوصية تتضمن إدخال النقص على حصص أصناف الورثة.
والشافعي ذكر هذه المسألة في المختصر، وأجرى لفظةً أشكلت على بعض الأكابر، وذلك أنه قال للمسألة (1) التي نحن فيها: " للموصى له بمثل نصيب ثلث [البنت] (2) سدس المال ".
وظاهر هذا أنه يفوز بالسدس، ثم خمسة الأسداس تقسم على فرائض الله تعالى.
ولو كان كذلك، لكان نصيب بنت الابن أقلَّ من مال الوصية على القاعدة التي ذكرها الموصِي؛ فإنه جعل مال الوصية مثلَ نصيب من شبهت الوصية بنصيبه. وهذا لو قيل به يفسد قياس الباب بالكلية.
وقد نص الشافعي في سياق هذا الكلام على أن الوصية تدخل على فريضة الميراث كما مهدناه، فالسدس الذي أطلقه أراد به سدساً عائلاً. وهذا لا يسوغ التماري فيه أصلاً، ومن عرّضنا باسمه -وهو الأستاذ أبو منصور (3) - ذكر في بعض مجموعاته أن الشافعي يثبت للوصية في المسألة التي ذكرناها سدسَ جميع المال، ونقل لفظ الشافعي في المختصر، فقال: قال الشافعي في هذه المسألة: " أعطيته السدس " (4) ، واعتقدَ هذا مذهباً للشافعي، وحكى عن ابن سُريج ما جعلناه أصلَ المذهب، وقال: للوصية السبع، وهو في التحقيق السدس العائل، وذكْرُه مذهبَ ابن سريج في معرض الاستدراك على الشافعي يصرّح بأنه اعتقد للشافعي مذهباً يخالف مذهب ابن سريج. وهذا محال.
ومن ظن بالشافعي هذا الظن، فقد سها سهواً بيناً.
وما ذكرت هذا لأعده من المذهب؛ فإن المذهب المبتوت الذي لا مراء فيه ما عزاه إلى ابن سُريج، ونصُّ السدس في لفظ الشافعي محمول على السدس العائل.
والعجب أنه نقل نصَّ الشافعي في جميع المسائل على قياس إدخال الوصية على
__________
(1) للمسألة: أي في المسألة.
(2) في الأصل: الابن.
(3) يشير إلى التعريض الذي جاء في قوله: " وأجرى لفظةً أشكلت على بعض الأكابر ".
(4) ر. المختصر: 3/159.(10/22)
فريضة الميراث عَوْلاً، ثم ظن في هذه المسألة على الخصوص أن الشافعي ترك قياس الباب.
6609- ولو ترك ابنين، وكان أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بمثل نصيب الثاني، فإن أجازا الوصية بالزائد على الثلث، فالمال يقع بينهم أرباعاً، وإن لم يجيزا وردّا الوصية بالزائد، انحصرت الوصيتان في الثلث، وأُشرك فيه زيدٌ وعمرٌو بالسوية، فلكل واحد منهما نصف الثلث، وهو السدس.
6610- ومن الأصول التي تدار عليها مسائل الوصايا اعتبار نسبة القسمة في فريضة الرد بالقسمة في فريضة الإجازة [إذا] (1) استويا حالة الرد.
6611- ولو أجازا الوصية لأحدهما، ولم يُجَز للآخر، فمذهب الشافعي، ومذهب الأئمة المعتبرين أن يقال: يفوز كل واحد منهما بالسدس من المال، استحقاقاً من غير حاجةٍ إلى إجازة، ولو أجازا الوصيتين لأثّرت إجازتهما في تثبيت نصف السدس لكل واحد منهما، مضموماً إلى السدس الذي استحقه من غير إجازة، فإذا رُدَّ الزيادة في حق أحدهما، لم يستحق ذلك الشخص إلا السدسَ، ويبقى الزائد في حق من أجاز الوصية في حقه.
والمسألة تصح من أربعة وعشرين، لمن أجاز له ستة أسهم، وهو ربع المال المقدر الذي يستحقه لو أجاز الوصيتين، ولمن رد الزائد في حقه أربعة، وهو سدس المال، ولكل ابنٍ سبعة أسهم - وإنما ذلك لأنهما لما ردا الزائد في حق أحدهما، والزائد سهمان، اقتسماها بينهما، وهذا هو الذي لم يعرف الأصحابُ غيرَه، وهو الذي عزاه الأستاذ إلى قياس مذهب الشافعي.
6612- وحكى عن ابن سُرَيج مذهباً آخر، في نهاية الركاكة والضعف، ولم يحكه أحد من الأصحاب، ونحن نذكره، ونذكر المسلك الذي ذكره الأستاذ حكايةً عنه، ثم نذكر بعد ذلك مثالين أو ثلاثة للإيناس، ونذكر ما حكاه عن ابن سُريج فيها، أو في بعضها، ونبيّن أن التعويل على القياس الذي مهدناه.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.(10/23)
قال ابن سريج فيما حكاه في المسألة التي نحن فيها: إذا أجاز لأحدهما، فنضم السدسَ الذي في يد من أجاز له إلى ما في يد الاثنين، وللمردود السدس فحسب، ثم إذا ضممنا جميعَ ما في يد من أجاز له، اقتسموا بالسوية أثلاثاً، فتصح القسمة من ثمانيةَ عشرَ، فإنها قُدِّرت من ستة، السدس منها المردود وصية، والخمسة الأسداس مقسومة على الابنين، وعلى من [أجيزت] (1) وصيته، فتنكسر الخمسة على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في ستة، ونُجري القسمة على ما ذكرناه.
وهذا زلل عظيم، وحَيْدٌ عن مسلك الحق إلى تعقيدٍ، لا خير فيه، وأعظم غلط فيما ذُكر أنه أدخل السدس في حق من أجيزت وصيته في حساب الإجازة، وهذا خطأ؛ من قِبَل أن السدس مستحَقٌّ، لا أثر للإجازة فيه، وإنما تؤثر الإجازة في الزائد على السدس المحسوب من الثلث، وذلك الزائد نصف السدس، فما يردُّ من نصيب المردود عليه يرجع إلى الورثة، لا إلى الموصى له الآخر.
المسألة بحالها (2) ، فإن أجاز أحد الابنين لأحدهما، ولم يُجِز للآخر، ورد الابنُ الثاني الوصية بالزيادة في حقهما، فالمذهب المبتوت أن نقول: المسألة من أربعة وعشرين: لمن لم يُجز له أربعة، ومن أجاز له أحدُهما يأخذ أربعة بلا إجازة؛ فإن هذا القدرَ مستحق له، والباقي إلى تمام حقه، وهو الربع سهمان، وثبوتهما له موقوف على إجازة الابنين، وقد أجاز أحدُهما، وردَّ الثاني، فيصير في يده خمسة، ومع المجيز سبعة، ومع الابن الآخر ثمانية.
وقال ابنُ سريج: فيما حكاه الأستاذ عنه: المسألة من ثمانيةَ عشرَ: للموصى لهما ستة بغير إجازة، لكل واحد منهما ثلاثة، فيبقى في يد كل ابن ستة، فيدفع المجيزُ منهما مما في يده سهما واحداً إلى من أجاز له؛ لأنهما لو أجازا له، كان لكل واحد منهم خمسة، فإذا أجاز له أحدهما، أعطاه نصف ما بقي له، وهو سهم، فللابن المجيز خمسة، ولمن أجاز له أربعة، وللابن الآخر ستة وللموصى له الآخر ثلاثة.
وهذا غلطٌ صريح؛ فإنه قَدّر له خمسة من ثمانيةَ عشرَ، وهو أكثر من الربع، ثم
__________
(1) في الأصل: أجريت.
(2) المسألة بحالها: أي يُفرض تصورآخر للمسألة ذاتها.(10/24)
نصَّف الزيادة وجرى فيه على قياسه الأول.
6613- فإن ترك ابناً وبنتاً، وأوصى بمثل نصيب الابن، فأجاز الابن دون البنت، فلو أجازا، لكانت الفريضة الجامعة خمسة: للموصى له سهمان، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
ولو ردّا، لصحت الفريضة الجامعة من تسعة؛ فإنا كنا نقول: للموصى له الثلث، والباقي وهو سهمان بين الابن والبنت على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، فللموصى له من التسعة ثلاثة، وللابن أربعة، وللبنت سهمان.
ففريضة الإجازة خمسة، وفريضة الرد تسعة، ولا موافقة، فنضرب إحدى الفريضتين في الآخر: خمسة في تسعة، فيرُدُّ خمسةً وأربعين، فإذا أجاز الابن، ولم تُجز البنت، فللبنت سهامها من فريضة الرد، وهو اثنان، مضروبة في فريضة الإجازة وهي خمسة، فلها عشرة.
وندفع إلى الابن سهامه من فريضة الإجازة، وهو سهمان مضروبان في فريضة الرد وهي تسعة، فله ثمانيةَ عشرَ، والباقي للموصى له وهو تسعةَ عشرَ.
وإن شئت قلت: لو لم يجيزا، لكان للموصى له الثلث: خمسةَ عشرَ، وللابن عشرون، وللبنت عشرة.
ولو أجازا، لكان للابن ثمانية عشر، وللبنت تسعة، وللموصى له ثمانيةَ عشرَ، وقد أخذ خمسة عشر بغير إجازة، وبقي له إلى تمام حقه ثلاثة، يأخذ ثلثيها من يد الابن، وثلثها من البنت، فإذا ردت البنتُ، استردت سهماً ضمته إلى تسعتها، وإذا أجاز الابن فرد في يده سهمين مضمومين إلى الخمسةَ عشرَ.
6614- ولو أوصى لرجل بمثل نصيب الابن، وللآخر بمثل نصيب البنت.
فإن أجازا، فالفريضة من ستة، للموصى له بمثل نصيب الابن سهمان، وللموصى له بمثل نصيب البنت سهم، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
وإن لم يجيزا، فالفريضة من تسعة: ثلثها وهو ثلاثة للموصى لهما: لصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم. والباقي من المال وهو ستة أسهم بين الولدين: للابن منها أربعة وللبنت سهمان.(10/25)
وإن أجاز لهما الابن دون البنت، فالذي لا يسوغ غيره أن نقول: للموصى لهما الثلث بلا إجازة، وهو بينهما أثلاثاً، كما قدمنا، فقاعدة الفرض من تسعة، ثم لو أجازا جميعاً، فالفريضة من ستة، ولو ردا، فالفريضة من تسعة: للابن أربعة، وللبنت سهمان، ولصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم.
فالآن إذا أجاز الابن، فله ثلث المال، كما كان له الثلث، لو أجازا، وثلث التسعة ثلاثة، فنردّ سهماً إلى الوصية، فللوصية أربعة أتساع، وهي مقسومة على صاحب الابن والبنت على ثلاثة أسهم، والأربعة تنكسر على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في تسعة [فتصير سبعة] (1) وعشرين: للابن ثلاثة مضروبة في ثلاثة، فهو تسعة. وللبنت من فريضة الرد سهمان، مضروبان في ثلاثة تكون ستة، والوصية أربعة مضروبة في ثلاثة، فهو اثنا عشر: لصاحب الابن منها ثمانية، ولصاحب البنت منها أربعة.
وحكى الأستاذ عن ابن سريج أنه لما انتهى إلى قسمة الأتساع الأربعة قال: إنها تقسم بين صاحب الابن، وصاحب البنت على خمسة لصاحب الابن ثلاثة، ولصاحب البنت سهمان، وتخيّل من هذا أن يكون المال بين الصاحبين على نسبة المال بين الابن المجيز، والبنت الرادّة، وللابن ثلاثة من تسعة وللبنت سهمان، والوصية تتضمن أن يكون صاحب الابن كالابن، وصاحب البنت كالبنت، وهذا مبلغ في الضعف والركاكة يقصر منه (2) الوصف؛ فإن مقصود الموصي هو الذي يراعى، ونسبة الإجازة هي الأصل، ولو فرضت الإجازة منهما، لكان المال بين الصاحبين أثلاثاً، ولو ردّا، لكان الثلث بينهما أثلاثاً، فالقدر الذي تعلقت الإجازة به، وهو زائد على الثلث ينبغي أن يُفضَّ على نسبة الرد، أو على نسبة الإجازة، وإنما وقع المال أخماساً بين الابن والبنت، لردها وإجازته، فاعتبار النسبة مائل عن التحقيق.
6615- وقد تمهد في القدر الذي ذكرناه ما هو المذهب المقطوع به، ولم يعرف الأصحابُ غيرَه، وأشرنا إلى الخيال الذي حكاه عن ابن سريج، فلا مزيد. وقد انتهى الغرض.
__________
(1) زيادة من المحقق، اقتضاها إصلاح العبارة. وهي سقطت من الناسخ.
(2) تأتي (من) مرادفة لـ (عن) .(10/26)
فهذا كله في الوصية بالأجزاء مفردةً، وفي الوصية بالأنصباء مفردة.
6616- ونحن الآن انتهينا إلى محاولة الجمع بين الوصية بالنصيب، وبين الوصية بجزءٍ من المال.
ومسائل هذا القسم تنقسم: فمنها ما يخرج على قربٍ بالطرق التي قدمناها، ومنها ما يُحوج إلى الجبر، أو إلى طرق مستخرجة منه، مبنية على النِّسب.
وإذا أفضى الكلام إلى ذلك، فالأولى قطعُه، واستفتاحُ مقالةٍ في بيان الأصول التي لابد منها، ولا غنى عن الإحاطة بها في معرفة الجبر والمقابلة، وقد قدمنا في الفرائض طرفاً صالحاً في الضرب والقسمة، وأخْذ مخارج الكسور، فلا حاجة إلى إعادته، وإنما غرضنا ذكرُ أصول الجبر والمقابلة على صيغٍ وجيزة واضحة، لا يخفى دركُها على الفطِن، حتى إذا تمهدت، ولاح مأخذُ الجبر، عدنا بعدها إلى تخريج المسائل، واستفتحنا القول في مسائل النصيب والجزء، ثم نأتي بعدها بكل مسألة مشتملة على مجاهيل لا يخرّجها على السبر إلا الجبرُ، ونحرص على ألا نغادر أصلاً ينسلك فيه الحساب من قواعد الشريعة حتى يوافيها الناظر مجموعةً، وإذا أتاح الله نجازَها، عدنا بعدها إلى ترتيب المختصر، إن شاء الله عز وجل.
القول في بيان ما لا بد من معرفته في أصول الجبر والمقابلة
ذكر الأستاذ أبو منصور سبعةَ فصولٍ، وفصّلها أحسن تفصيل، فأبان افتقار الجبر والمقابلة إليها، ونحن نأتي بها، ولا نألو جهداً في البيان والتقريب، بالزيادة على ألفاظه، وإكثار الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
الأصل الأول
في معرفة ألقابٍ وألفاظٍ متداولة بين الحسّاب
ونحن نذكرها ونمزجها بما هو القطب والمدار من أمر النِّسب، فنقول، والله المستعان:
6617- أطلق جملة علماء هذه الصناعة ألفاظاً منها: العدد، والجذر، والمال، والمكَعّب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب: فالعدد ما تركب من(10/27)
الواحد، [فالواحد] (1) أمُّ العدد، علته وأصلُه، وليس عدداً في نفسه.
والجذر: كل مضروبٍ في نفسه، ويقال للمبلغ الذي يردُّه ضربُ الشيء في نفسه: المالُ.
فنبدأ من أول الأمر ونأخذ في التمثيل، حتى لا تُستصعبَ هذه العبارات على من لم يألفها، ونأخذ أول العدد، وهو اثنان، ونقدّره جذراً، بأن نفرض ضربه في نفسه، فهو جذر، وما يردّه ضربُ الاثنين في نفسه مالٌ، وهو أربعة.
فإذا ضربت جذرَ المال في المال، كان المبلغ مكعَّباً.
وإن ضربت المال في المال، كان المبلغ مال المال بالإضافة إلى الجذر الأول.
وإنما قيدنا الكلامَ بهذا لأنك لو ابتدأت وقدرت الأربعة جذراً بتقدير ضربه في نفسه، وبنيت عليه المراتب بعد ذلك، فهو مستقيم، لا معترض عليه. ولا شيء في عالم الله تعالى هو عدد، أو واحد، أو كسرٌ إلا ويجوز تقديره جذراً، بأن نفرض ضربَه في نفسه.
وبعد مال المال مالُ المكعب، وهو بأن نضرب الجذر الأول في مال المال، فيردّ اثنين وثلاثين، وبعد ذلك مكعب المكعب، وهو مردود الجذر الأول في مال المكعب، وذلك أربعة وستون.
وإذا حذفت العدد من المراتب فإن العمل [بما] (2) بعده، وإنما ذكر العدد لاستيفاء الألقاب، فنقول: المراتب ست: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب.
ثم لا انتهاء في المرتبة الأخيرة، فإن تناسب الأعداد لا نهاية لها، فبعد مكعب المكعب، مال مكعب المكعب، ومكعب مكعب المكعب، وهكذا إلى غير نهاية.
ولكن اكتفينا بالمراتب التي ذكرناها من جهة ارتفاع الأغراض في مراتب الجبر والمقابلة بها.
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) فى الأصل: لما.(10/28)
ثم اعلم أن الجذر الأول المفروض يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بجهة، فالمراتب المتوالية تتناسب بتلك الجهة، وهذا هو السرّ الأعظم الذي يجب اتباعه، وعنه صار معظم المقاصد.
6618- وبيان ذلك أنا إذا فرضنا الاثنين جذراً، فالواحد يناسبه بالنصف، والجذر يناسب الواحد بالضعف، فنسبة الجذر من المرتبة التي تليه كنسبة الواحد من الجذر، ونسبة المرتبة التي تلي الجذر من الجذر كنسبة الجذر من الواحد، وعلى هذا النسق تتوالى النسب، فالجذر نصف المال، كما الواحد نصف الجذر، والمال ضعف الجذر، كما الجذر ضعف الواحد.
والمال نصف المكعب، والمكعب ضعفُ المال.
والمكعب نصف مال المال، ومال المال ضعف المكعب ومال المال نصف مال المكعب.
وهكذا إلى الآخر.
وينشأ من هذا توليد المراتب بطرق الضرب، كما سنصفها، إن شاء الله تعالى.
أما الجذر كان (1) جذر الضرب في نفسه، فإذا أردت المال، فلا يولده إلا ضرب الجذر في نفسه، وإذا أردت المرتبة الثالثة، فلا يولدها إلا ضرب الجذر في المال، وقد تحصلت ثلاث مراتب: الجذر، والمال، والمكعب.
فإن أردت المرتبة الرابعة، [فلك] (2) مسلكان: أحدهما - أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر [في المكعب، فيردّ مال المال.
والثاني - أن تضرب المال في نفسه، فيرد مال المال.
فإن أردت المرتبة الخامسة، فلك أيضاً مسلكان: أحدهما - أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر في] (3) مال المال، فيرد مال المكعب. هذا مسلك.
__________
(1) (كان) بدون فاء في جواب (أما) . وهي لغة كوفية، جرى عليها كثيراً إمام الحرمين، في هذا الكتاب، وفي غيره.
(2) في الأصل: (فكل) . وهو سبق قلم واضح.
(3) ما بين المعقفين زيادة من المحقق، على ضوء المعنى المفهوم من تسلسل المسألة.(10/29)
والثاني - أن تضرب إحدى الواسطتين في الأخرى، فإن معك أربع مراتب: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال. والطرفان: الجذر ومال المال، والواسطتان: المال، والمكعب. فإن ضربت الجذر في مال المال، كان كما لو ضربت المال في المكعب، فكلا الضربين يرد مالَ المكعب، وهو اثنان وثلاثون، وقد حصلنا على خمس مراتب، أولاهن الجذر.
فإن أردت المرتبة السادسة، اتجه لك في توليدها ثلاث جهات في الضرب: إحداها - أن تضرب الطرف في الطرف، وهو الجذر في مال المكعب، فيرد مكعب المكعب.
وإذا كنت على مراتب خمسة، وأنت تبغي السادسة، فبين طرفي الخمسة ثلاث مراتب: الأولى منها المال، والثالثة مال المال، والمتوسطة منها المكعب. فإن ضربت طرف هذه الثلاثة في الطرف، رد ذلك المرتبةَ السادسة، فتضرب المال في مال المال، أو تضرب الواسطة في نفسها، وهو ضربك المكعب في نفسه، كل ذلك يرد المرتبةَ السادسةَ التي أولاها الجذر الأول.
فلينظر الطالب إلى تناسب المراتب، وليعلم أنه إذا بنى المرتبة الأولى على نسبة التنصيف، تضعفت المراتب، كذلك إلى الأخيرة، وإذا انعكس من الأخيرة، تضعفت المراتب إلى الأولى. وهذا لوضعك الجذر الأول عدداً يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بالتنصيف، والتضعيف.
6619- فإن قدرت الجذر في المرتبة الأولى ثلاثة، فالواحد ثلثها، والثلاثة ثلاثة أمثال الواحد، فتتّسق المراتب على نسبة التثليث كذلك، إلى حيث ينتهي العامل، فمال هذا الجذر تسعة، والجذر ثلاثة، والمال ثلاثة أمثال الجذر، والمكعب سبعة وعشرون، وهو ثلاثة أمثال المال، والمال ثلثه، وهكذا إلى منتهى الاعتبار (1) .
6620- وإذا اتخذت الواحد جذراً، فضربته في نفسه، فهو في التحقيق جذر ومالٌ، فإن ضربت الجذر في المال رد الواحدَ أيضاً، وهكذا إلى غير نهاية، فالواحد
__________
(1) الاعتبار: أي القياس. والمراد قياس هذا المثال برقم (3) على المثال السابق برقم (2) .(10/30)
جذرٌ، ومالٌ، ومكعب، ومال مال، ومال مكعب، ومكعب مكعب.
6621- وإن أردت الجذر كسراً كالنصف، فالمال الربع، والمكعب الثمن، ومال المال جزء من ستةَ عشرَ جزءاً، ومال المكعب جزء من اثنين وثلاثين جزءاً، ومكعب المكعب جزء من أربعة وستين جزءاً، فتنعكس المراتب على نسبة تقدمها، إذا كان الجذر عدداً.
وهذا مأخوذ من نسبة الواحد أيضاً، غير أن النسبة على العكس، فالجذر نصف الواحد، والمال نصف الجذر، والمكعب نصف المال، وهكذا إلى المنتهى.
فهذا بيان هذه المراتب، وألقابها، وتناسبها.
6622- وإن أردت معاني الألفاظ تقريباً من الاشتقاق، وفيه معنى مطلوبٌ أيضاً، فالجذر معناه الأصل، يسمى جذراً لكونه أصلاً للمال، حتى كأنه مُقيمه (1) وكاسبُه، ثم تخيل الحسّاب المال بسيطاً، لا سمك له، وتخيلوا المكعب مالاً على مال، وسمكه الجذر، وهو اثنان فيما رسمناه، أو ما تريد، فالمكعب مرتفع، وهذا يبين في الأشكال المجسمة، ومال المال يُقيمه المالُ، فهو من المال، كالمال من الجذر.
فهذا ما ينتهي إليه الإرشاد إلى معاني الألفاظ، وقد انتهى الكلام في أصلٍ من الأصول السبعة الموعودة في مقدمة الجبر والمقابلة.
الأصل الثاني
في بيان ضرب هذه المراتب بعضِها في بعض، وقسمةِ بعضها على بعض
6623- وهذا الأصل يشتمل على ألفاظٍ اصطلاحية للحسّاب، ماتوا ضعوا عليها هَزْلاً، وإنما أصدورها عن حقائق أحاطوا بها، وليس على من يبغي العلمَ بالجبر والمقابلة [إلا] (2) الإحاطة بالأصول؛ فإن [في] (3) الإحاطة بها والعلم ببرهانها الاحتواءُ على طرف صالح من الهندسة؛ فإن البرهان يقوم على العدديات من الهندسة؛
__________
(1) مقيمه: بمعنى منشئه وموجده.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) مزيدة من المحقق.(10/31)
قيامَه في باب الضرب والقسمة، فلما طال مُدرَك أصل الجبر والمقابلة، وضع الحُسّاب المحققون عباراتٍ يتلقفها المبتدىء، ويديرها في المجاهيل، فتُفضي به إلى سرّ الطلب مع حمله (1) بالعلل والبراهين، والعالم بالباب من يحيط بكيفية استعمال مراسم الحساب، ويفهم الطرف الذي نبهنا عليه، وسنزيد في التناسب.
فإن أراد أن يعرف لقب الشكل الذي نشأ منه الجبر والمقابلة، فهو في المقابلة الثانية من الاستقصات (2) لإقليدس، والشكل يعرف (بذات الوسط والطرفين) .
فنخوض في ذكر مراسم هذا الأصل على أقرب مسلك نقتدر عليه، فنقول:
6624- مضمون هذا الأصل الضربُ والقسمة، فإذا أردنا أن نضرب نوعاً من هذه الأنواع في نوعٍ، فنردُّ العددَ أوّلاً إلى المراتب، ونضعه مثلاً مقدماً على الجذر، ونحصل على سبع مراتب، فإذا رمت [فالمراتب سبع] (3) أن تضرب مرتبة في مرتبة، فخذ سميَّ تلك المرتبة من المراتب السبع، والعدد أولاها، وخذ سميَّ المضروب فيه، واجمع بينهما، وانقص من المبلغ واحداً، وما بقي فمنتهاه سَمِيُّ مرتبة مبلغ الضرب.
ومثال ذلك إذا أردنا أن نضرب مرتبة المال في المكعب، وقد علمنا أن المال في المرتبة الثالثة من العدد، فنأخذ سميَّها ثلاثة، والمكعب في المرتبة الرابعة من العدد، فنأخذ سميَّها أربعة، ثم نجمع الثلاثة والأربعة، ونحط واحداً أبداً، فيبقى معنا ستة، فنعلم مبلغ الضرب من جنس المرتبة السادسة من العدد، وهي مال المكعب.
فإذا قيل: اضرب خمسة أموال في ستة مكاعيب تردُّ ثلاثين من جنس المرتبة السادسة وهو ثلاثون مال مكعب.
وإن أردت امتحانه بالرد إلى العدد المصرح، فالمال أربعة وخمسة، منها عشرون، والمكعب على ما قدرنا ثمانية وستة منها ثمانية وأربعون، فإذا ضربت
__________
(1) كذا. ولعلها: مع عمله.
(2) الاستقصات: العناصر، والعناصر جمع عنصر ومعناه الأصل. وتسمى العناصر أيضاً بالأمهات، والمواد، والأركان. والعنصر جسم بسيط، أي لا يتركب من أجسام. (انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 4/960، ففيه بيان وافٍ عن العناصر وخصائصها) .
(3) ما بين المعقفين مقحمٌ يستقيم الكلام بدونه.(10/32)
عشرين وخمسة أموال في ثمانية وأربعين، فقد ضربت خمسة أموال في ستة مكاعيب، فترد تسعمائة وستين، وهذا المبلغ ثلاثون مرة اثنان وثلاثون. فهذا معنى قولنا خمسة أموال في ستة مكاعيب ثلاثون مال مكعب. ولو بلّغت المال ما بلّغت، وكذلك المكاعيب، فلا يخرج مبلغ الضرب من رتبة مال المكعب، ولكن تكثر أعدادها ونحن نعلم أن مردود المال في المكعب يزيد على مكعب المكعب، ولكن تيك زيادة لو اعتبرناها وارتقينا بها إلى مكعب المكعب، أو إلى درجة وفقها، لخرجنا عن النسبة المعتبرة في المراتب، وهي رباط حساب الباب.
فهذا سبب انحصارها في المرتبة التي منها مبلغ الضرب.
6625- وكذلك إذا ضربت كسور هذه المراتب فنشتق الأسماء من صحاحها، ونجري على الرسم المقدم، فإذا ضربت نصف مالٍ في نصف مكعب، فالمبلغ ربعُ مال مكعب.
وامتحانه بالعدد الظاهر أن نقول: نصف المال اثنان، ونصف المكعب أربعة، فإذا ضربت اثنين في أربعة ردّ ثمانية، وهو ربع مال المكعب، فهذا بيان ضرب هذه المراتب، بعضها في البعض.
6626- وأما القسمة فإذا أردت أن تقسم نوعاً من المراتب على نوع، والمراتب سبع، والعدد أولاها، فإنا نقول: إذا أردنا قسمةَ العدد على نوع من المراتب بعدها، أو على كسر من نوع، فإنا نقسم العدد كم كان على عدد مقداره ذلك النوع أو كسره، إن كان كسراً، وقد علمنا أن المقصود من القسمة بيان نصيب الواحد. فإذا بان لنا نصيب الواحد فيما نحن فيه، فحصة الواحد قيمة الواحد، هذه عبارات الحُساب.
والمراد بقولهم قيمة الواحد أن تلك الحصة هي بعينها واحد من النوع المقسوم عليه.
مثال ذلك: أردنا أن نقسم ثمانين على عشرين جذراً، فقسمنا ثمانين على عشرين تخرج أربعة، فهي قيمة جذر واحد، والمراد من هذا أن الجذور إذا أطلقها الحيسوب، فهي متساوية في وضعهم، فاعْلَمْه وثِق به، فإذا قيل: اقسم ثمانين على عشرين جذراً، فكأنه قال: الجذور التي هي عشرون، وتنقسم الثمانون عليها كم يكون كل جذر؟ فنقول: كل جذر أربعة.(10/33)
6627- وإنما فرضنا في الجذور لأن كل شيء مفروضٍ يجوز أن يكون جذراً.
فلو قلنا: اقسم ثمانين على عشرين مكعباً، لم يف بهذا؛ فإنا لا ندري كعباً هو أربعة على التناسب الذي ذكرناه.
ولا مزيد على هذا البيان في هذه الصور إن استدَّ الفهمُ وصدق الطلب.
6628- وإن قيل: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فقيمة كل مال ستةَ عشرَ، وهذا يخرج مستقيماً، ولكن بعد أن نضع العددَ على نحوِ يخرج نصيب الواحدِ منه مرتبة من المراتب المتناسبة، وهذا يستدعي أن يتقدم فهمك للمراتب، وتضع العدد بحسبها، وليس كذلك الجذر؛ فإن كل عدد قوبل بأعلى من الجذر استقام الغرض (1) فيه بما ذكرناه من أن كل شيء جذر؛ فإن معنى الجذر ما نضربه في نفسه، وهذا يتأتى في الواحد والعدد والكسْر.
وبيان ذلك أنه لو قيل لك: اقسم عشرة على خمسة جذور، فكل جذر اثنان.
وإن قيل: اقسم عشرة على خمسة أموال، فسنقول: كل مال اثنان، والمال في مراد القوم مالَهُ جذر ينطبق بضربٍ في نفسه فيردّه، والاثنان ليس مجذوراً، فافهم ذلك ترشُد.
ولو قسمنا ثمانين عدد على مكعب وربع، تخرج قيمة المكعب الواحد أربعة وستين، وهذا المبلغ يجوز تقديره مكعباً، بأن نجعل الجذرَ أربعة، والمالَ ستة عشر، والمكعب أربعة وستين، ثم يستدعي هذا أن نضع المكعب وكسرَه وضعاً يخرج قيمة الواحد مكعباً مناسباً للمال قبله، وللجذر قبل المال، ولمال المال بعده إلى حيث ينتهي.
وإن أردت قسمة عددٍ على أموال مجذورة، فينبغي أن تفرض عدد الأموال على وجهٍ إذا قسمت العدد عليها، كان كلُّ واحد مجذوراً، فنقول: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فكل مالٍ ستة عشرَ، وهو مجذور، وجذره أربعة، فلتتقدم
__________
(1) كذا. ولعلها: الفرض (بالفاء) .(10/34)
معرفتك بذلك؛ حتى يكون وضعك العددَ في مقابلة عدد من المال يقع كلُّ واحد منه مجذوراً، وكذلك إذا أردت وضع عدد على مقابلة مكاعيب أو أموال، فلا بد من تقديم المعرفة، والوضع على القدر الذي ذكرناه؛ فإنه لو لم يكن كذلك، لانقسمت أعداد على أعداد، وتكون صماء، ولا انتفاع بفرض مثل هذه المقابلات؛ فإن معتمد الجذر النسبة بين المراتب، وبها استخراج المجاهيل.
6629- وإذا أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة ابتداء من الجذر إلى حيث ينتهي، فهذه الأنواع إذا رُمنا قسمة أعداد منها على أعداد، فقد ذكر أصحاب الجذر عبارة اصطلاحية تروع المبتدىء، وليس فيها كبير نَزَل (1) .
ونحن نقول: إذا أردنا قسمة أعدادٍ من مرتبةٍ ليست من العدد، على أعداد من مرتبةٍ أخرى من المراتب الست، [فإما] (2) أن يكون بين المقسوم والمقسوم عليه واسطة، وإما ألا يكون بينهما واسطة، فإن كان بينهما واسطة واحدة أو أكثر، فنذكر مراسم الحسّاب، ثم ننبه على الغرض.
قالوا: نريد أن نقسم عشرين مالاً على مال مال وربع مال مال، فنبسط مال المال مع الربع الزائد أرباعاً، ونقسم العشرين عليها، فيخص الواحد ستةَ عشرَ من العشرين، فنقول: المال الأول ستة عشر، وهذا الكلام في وضعه مخالف للقسمة المألوفة، فمن يقسم عدداً على عدد فغرضه أن يبيّن حصة الواحد من المقسوم عليه، كالذي يقسم عشرين على خمسة، فمقصوده أن حصة الواحد أربعة، وهذه القسمة موضوعة بين أعداد من الأموال ومال مال وكسر مال مال، فالغرض أن نبيّن مالاً واحداً من الأموال التي ذكرناها كم، ثم أثبتوا في ذلك نسبة، فقالوا: ننظر إلى مرتبة المقسوم ونرجع القهقرى إلى واحد، ويخرج العدد من البَيْن، ثم ننظر إلى مرتبة المقسوم عليه وهي المرتبة العالية، كفرضنا قسمة أموال على مال مال وكسر مال مال، فإن كان بين المقسوم عليه وبين المقسوم من الواسطة ما بين المقسوم والواحد، وكان
__________
(1) كبير نَزَل: يقال: رجل ذو نَزَل، كثير الفضل والعطاء، وله عقل ومعرفة (المعجم) فالمعنى أن العبارة ليس وراءها كبير طائل.
(2) في الأصل: فلا إما.(10/35)
بعد المقسوم من المقسوم عليه [رُقيّاً] (1) وتصعّداً كبعده من الواحد انحداراً، فننظر إلى حصة الواحد من المقسوم عليه، ونأخذ ذلك العددَ، ونجعله واحداً من المقسوم.
وقد يقال: هو قيمة المقسوم، أو هو مثله ومعادله، وحقيقته أنه هو، فإذاً الغرض من لفظ القسمة بيان مبلغ الواحد من الأعداد المقسومة. وإذا كان المال الواحد ستة عشر، فكأنا نقول: عشرون مالاً كل مال ستة عشر، إذا قسمت على مال مال وربع مال مال، فيخص مال المال من أعداد الأموال ما هو آحاد مال واحد، والسبب فيه أن مال المال إنما هو من ضرب المال في نفسه وإذاً عشرون يعدل مال مال وربع مال مال، فمال المال يقابل ستة عشر في نفسه، فتبيّن أن مالاً واحداً ستة عشر.
وهذا لا يجري في كل قسمة يضعها الإنسان؛ فإن قائلاً لو قال: أريد أن نقسم عشرة أموال على مال مال وثلث مال مال، فعلى تقديره يخص مال مال تسعة أموال ونصف مال، ويستحيل أن يتركب مال مال من هذا؛ فإن مال المال هو الذي ماله مجذور، والتسعة والنصف ليس مجذوراً، فليقع الوضع على وجه إذا عرفنا مال المال، والمال الذي أقام مال المال، فيكون ذلك المال بحيث يُقِيمُه جذرٌ. وإن لم يكن كذلك، صار ما نسميه مالاً، جذراً، وما نسميه مال مال، مالاً.
6630- وإن أردنا أن نقسم عشرين مكعباً على مال مكعب وربع مال مكعب، فبين المكعب والواحد إذا انحدرتَ واسطتان: المال والجذر، وإن أحببتَ قلت بين الواحد والمكعب المقسوم واسطتان: الجذر والمال، فننظر بعد ذلك إلى المقسوم عليه، وهو مال المكعب، ثم ننحدر، ونخلّف واسطتين في الانحدار، ونقول: دون مال المكعب مال المال والمكعب، ووراءهما المال، فالقسمة تبين مبلغ المال، فإذا كان حصة مال مكعب من عشرين مكعباً، قسمناها على مال مكعب وربع مال مكعب ستة عشر مكعباً، تبيّنا أن المال ستة عشر.
ولو قسمنا ثلاثين مكعباً على مال مكعب وسبعة أثمان مال المكعب، فحصة مال المكعب من الثلاثين ستة عشر، فيكون الأمر على ما ذكرناه.
والغرض من استعمال لفظ القسمة تبيين المبلغ الذي ينحدر إليه المقسوم عليه على
__________
(1) في الأصل: رقيقاً. والمثبت تصرّف من المحقق على ضوء المعنى.(10/36)
عدد الوسائط المشابه لعدد الوسائط من الواحد إلى حيث انحدر إليه المقسوم عليه.
وهذا يفيد معرفة التناسب على هذه الجهات، ولا يُبيّن مسلكاً مطرداً في كل عدد يقسم على كل عدد.
وإذا وضعت المال في نفسك أربعة، ثم قلت: نقسم خمسة أموال على مال مال وربع مال مال (1) ، فيخص مال المال أربعة، فنعلم أن المال أربعة.
هذا إذا أردت أن تستنبط ما ذكرناه من قسمة نوع على نوع وبينهما واسطة أو أكثر، فالسبيل فيه ما ذكرناه، وسرّه أن نفهم أن هذه العبارات وضعت لتبيين النسب، لا لتفيد طريقة مطردة في كل عدد.
6631- وإن أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة، وكانتا متلازقتين لا واسطة بينهما، فنقول في ذلك: إذا أردنا أن نقسم ثلاثة جذور على مالٍ ونصف مال، فيخص المال جذران، فنقول: الجذر اثنان أخذاً من هذا اللفظ.
فإن قلنا: نقسم أربعة جذور على مال وثلث المال فحصة المال ثلاثة جذور فالجذر ثلاثة.
وإذا قلنا: نقسم خمسة جذور على مال وربع مال، فيخص المال أربعة، والجذر أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثة أموال على مكعب ونصف، فيخص المكعب مالان.
وهاهنا وقفة للناظر؛ فإن المال لا يقيم المكعب، وإنما يقيم المكعبَ ضربُ الجذر في المال، فإذا قسمنا ثلاثة أموال على مكعب ونصف مكعب، وخص المكعب مالان، فخذ لفظ التثنية وقل: مكعب المكعب اثنان، والمكعب هو الجذر بنفسه، فجذر المال اثنان، والمال أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم خمسة أسباع جذر على أربعة أتساع مال، فقد قدمنا في
__________
(1) صورتها هكذا 5 أموال ÷ 1/4 1 مال مال = 5 ÷ 5/4 = 5/1 × 4/5 = 20/5 = 4 أي أن مال المال (4) وبعبارة أخرى إذا قسمنا خمسة أموال، مال مال وربع مال مال، فيقع مال المال أربعة أجزاء من خمسة أي أنه أربعة أموال من خمسة.(10/37)
الفرائض سبيل قسمة الكسر على الكسر: قلنا: نضرب الخمسة وهو أجزاء الأسباع في مخرج التسع وهو تسعة، فيرد خمسة وأربعين، هذا هو المقسوم ثم نضرب أجزاء الأتساع [في سبعة] (1) وهو مخرج السبع، فيردّ ثمانية وعشرين، وهذا هو المقسوم عليه، ثم نقسم خمسة وأربعين على ثمانية وعشرين. والمقصود من القسمة بيان حصة الواحد، وحصة الواحد واحدٌ وسبعةَ عشرَ جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً، فتبينا أن هذا هو الجذر.
وكل ما ذكرناه في ضرب المراتب وقسمة المراتب على المراتب من غير جمع.
6632- وإن أردنا أن نضرب نوعين في نوعين أو أنواعاً في أنواع، فهذا مما يجب الاهتمام به، وعليه تدور أقطابٌ وأصول من الجبر والمقابلة.
وقد أجرى الحُسّاب ألفاظاً لا بد من اتباعهم فيها، ثم نذكر حقائقها على ما يليق بهذا المجموع.
والوجه أن نذكر اصطلاحاتهم أولاً في أشياء، ثم نذكر طريق عملهم في استعمال تلك الألفاظ. ثم نذكر تحقيقها.
فمما أطلقوه: الشيء وعَنَوا به الجذر، وإذا ضربوا شيئاً في شيءٍ سمَّوا المردودَ مالاً، بحملهم الشيءَ على الجذر، وقالوا: إذا ضربنا ثابتاً (2) في ثابتٍ، فالمبلغ ثابت. وإذا ضربنا ثابتاً في ناقص، فالمبلغ ناقص، وإذا ضربنا ناقصاً في ناقص، فالمبلغ ثابت زائد، وأرادوا بالناقص الاستثناء من ثابت، كقولك عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً فـ (إلا شيء) نفيٌ في الحقيقة؛ فإنه استثناء من ثابت، والاستثناء من الثابت نفي.
ثم إذا انتهَوْا في تقاسيم الضرب إلى الاستثناء قالوا: إلا شيء [في] (3) إلا شيء مال زائد، وهذا هو المعني بقولهم الناقص في الناقص ثابت زائد.
فإذا ثبتت عباراتهم. قالوا في طريق العمل: إذا أردنا أن نضرب عشرة دراهم إلا
__________
(1) زيادة من المحقق، لاستقامة العبارة.
(2) واضحٌ أن المرادبـ (الثابت) الموجب، والمراد بـ (الناقص) السالب.
(3) في الأصل: وإلا شيء.(10/38)
شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
[فحصل] (1) معنا عشرة أشياء إلا مال.
وقالوا: عشرة دراهم إلا شيئاً في عشرة دراهم إلا شيئاً مائة من العدد، ومالٌ إلا عشرين شيئاً، وفصلوا ذلك، فضربوا أربع ضربات، وقالوا عشرة في عشرة مائة، وإلا شيء في عشرة إلا شيء عشر مرات، فيفيد هذا الضرب تعديد الاستثناء عشراً، ثم نضرب عشرة في إلا شيئاً فترد إلا شيئاً عشرَ مرات، كما ذكرنا، ثم نضرب إلا شيئاً في إلا شيئاً فتردُّ [مالاً زائداً] (2) ، ثم نجمع ونقول: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة من العدد، ومال زائد إلا عشرين شيئاً.
فهذه عباراتهم وعملهم، ومن لم يعرف حقائقها، كان على عماية.
6633- ونحن نذكر تحقيق هذه الألفاظ، وردَّها إلى أمثلة عديدة حتى يزول اللبس عن المعنى ولا يبقى قَصْرٌ (3) في التقليد، ثم يعسر بعد ذلك اتباع القول على عباراتهم.
فنبدأ بضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً، فنقول: الشيء هو الجذر، فإذا قلنا: عشرة إلا شيئاً، فكأنا نقول: عشرة إلا اثنين، فإذا حملنا الشيء على هذا في أحد العددين، حملنا الشيءَ عليه من العدد الثاني في أصل ضرب عشرةٍ إلا شيئاً في عشرةٍ إلا شيئاً، [فصار] (4) ضَرْبَ ثمانية في ثمانية، وذلك يردُّ أربعة وستين، والشيء اثنان على ما فرضنا، وضرب الثمانية في الثمانية مائة إلا عشرين شيئاً (5) ، والشيء اثنان، وجعلناه مالاً زائداً، وهو الأربعة الحاصلة من ضرب إلا شيء في إلا شيء
__________
(1) في الأصل: فجعل.
(2) في الأصل: مالان أبداً.
(3) القَصْر: التقصير، وهو أيضاً الغاية (المعجم) ، فكأن المعنى: لا يبقى تقصير في التقليد.
أي اتباع الحُسّاب، أو لا تبقى غاية وكفاية في التقليد، بل يكون العمل عن فهم وعلم بحقيقة المصطلحات.
(4) زيادة من المحقق.
(5) وصورة المعادلة بالأرقام هكذا: (10-2) × (10-2) = 100 - (20×2) + 2×2
فالنتيجة هكذا:
8×8= 100-40+4 أي 64= 60+4(10/39)
الزائدة على شيئين، وإنما سماه الحُسّابُ مالاً زائداً؛ فإنه لا يتعلق بالمستثنى والاستثناء منه، فقد تبين أن ضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائةٌ إلا عشرين شيئاً ومالٌ زائد، جذره شيء.
ولو قدرنا الجذر الناقص ثلاثة، قلنا: التقدير عشرة إلا ثلاثة في عشرة إلا ثلاثة، والحاصل مردود ضرب سبعة في سبعة، وهو تسعة وأربعون، فنقول: [السبعة في السبعة] (1) مائة إلا عشرين شيئاً، وكل شيء ثلاثة. ومعنا مال زائد جذره ثلاثة، وهذا تسعة وأربعون.
فهذا تحقيق ما أرادوه، وحاصل ما اصطلحوا عليه من العبارات.
ومما نضربه في ذلك مثلاًً أنا إذا قدرنا الجذر واحداً، وقلنا عشرة إلا واحد في عشرة إلا واحد، فحاصل ذلك ضرب تسعة، في تسعة، والمردود واحد وثمانون، فتسعة في تسعة مائة إلا عشرين شيئاً أو جذراً، وكل جذر واحد، ومعنا مال زائد، وهو واحد، وهو مردود في واحد. وهذا قياس الباب.
6634- ومما نذكره في بيان ما قالوه: الناقص في الثابت ناقص، وقالوا على ذلك: إذا أردنا أن نضرب عشرةَ دراهم إلا شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
وبيان ذلك أنا نقول: معنى قولهم: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا جذراً، وليكن ذلك الجذر اثنين، والشيء من الجانب الآخر اثنان أيضاً، فنضرب ثمانية في اثنين، فيردّ ستة عشر، وقولهم: إلا شيء في شيء مال ناقص، أرادوا به أن عشرة إلا شيء في شيء عشرةُ أشياء إلا أن نحطَّ من هذا مالاً بضَرْب اثنين في نفسه، فالمبلغ عشرون إلا مالاً ننقُصُه، فالمعنيّ بالمال الناقص أنه ينقص من المبلغ مال.
فإن قيل: اضرب عشرة دراهم وشيء في عشرة دراهم إلا شيئاً، فمعناه عند التحقيق ضرب عشرة وجذر، وليكن الجذر اثنين في عشرة إلا جذراً، وهو ثمانية،
__________
(1) في الأصل: التسعة في التسعة. والتصويب من المحقق حيث واقع المسألة هكذا: عشرة إلا شيء، والشيء هنا (ثلاثة) في عشرة إلا شيء تردّ مائة إلا عشرين شيئاً، زائد مال زائد جذره ثلاثة. وصورتها بالأرقام هكذا:
(10-3) × (10-3) = 100 - (20×3) +3×3.(10/40)
والمقصود ضرب اثني عشر في ثمانية، والمردود ستة وتسعون. ومراسم الحسّاب فيه أن يقال: نضرب عشرة في عشرة، فتكون مائة، ويُضرب شيء في عشرة فتكون عشرة أشياء، ثم نضرب عشرة في إلا شيء عشر مرات، ومعنا عشرة أشياء ثابتة (1) ، فيعارضها استثناء عشرة أشياء، فيقع النفي بالإثبات قصاصاً، فلا استثناء ولا إثبات، ونفي ضرب شيء في إلا شيء وشيء في إلا شيء مالٌ ناقص، فيخرج منه أن عشرة وشيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة تنقص منها مالاً.
وقد بينا أن المردود ستة وتسعون وهذا المبلغ ناقص عن المائة بأربعة، والأربعة مال جذره اثنان، فقد نقصنا عن المائة مالاً.
فإن قيل: عشرة دراهم وشيء في شيء إلا عشرة دراهم. قلنا: طريقة الحُسّاب أن نضرب عشرة دراهم في شيء، فتصير عشرة أشياء، ويُضرب شيءٌ في شيء فتصير شيئاً، ثم نضرب عشرة دراهم في إلا عشرة، فتكون إلا عشرة مائة مرة، ثم نضرب الشيء في إلا عشرة، فيرد عشرة أشياء ناقصة، فنعارضها بالأشياء التي كانت معنا، فنسقط الإثبات بالنفي، ولم نتحصل على طائل إلا ضرب شيء في شيء مع الاستثناء وضرب الشيء في الشيء مال، فالمبلغ مالٌ واحد إلا مائة درهم.
هذا رسمهم، وردّه إلى التحقيق أن الغرض ضرب عشرة وجذر في جذر إلا عشرة، وليكن هذا الجذر الزائد على العشرة أكثر من العشرة؛ فإنا لو جعلنا الجذر عشرة مثلاً، فسنجعل الجذر في الجانب الآخر عشرة أيضاً، ولا يتأتى استثناء العشرة من العشرة، فنقول: عشرة وأحد عشر، ومن الجانب الآخر الجذر أحد عشر، والعشرة استثناء منه فبقي واحد، فكأنا نريد أن نضرب العشرة والجذر في بقية الجذر بعد استثناء العشرة، فيردّ ضربُ أحدٍ (2) وعشرين في واحدٍ أحداً وعشرين، والجبري يقول: نضرب أحدَ عشرَ في أحدَ عشرَ، ونستثني منه مائة، فيبقى أحد وعشرون، فيستوي الجبران، ولكن ينتظم للجبري ضرب جذر في جذر.
ونحن إذا حققنا بالتمثيل، لم نفعل ذلك؛ فإنا طولبنا برد عشرة بضرب عشرة
__________
(1) ثابتة: أي موجبة ليست مستثناة، أي ليست بناقصة.
(2) في الأصل: أحد عشرين (بدون واو العطف) .(10/41)
وشيء في بقية جذر، وضرب الجذر وعدد في بقية جذر لا يكون مالاً.
فهذا كشف الغطاء في معنى هذه الألفاظ، مع طرد مراسم الحسّاب.
6635- ومما بقي من الباب جمعُ أنواعٍ من الضرب، وهو سهل، فإذا قال قائل: اضرب الشيء في شيء وعشرة دراهم، فقد استدعى ضرب شيء في نوعين: شيء وعشرة، والعشرة عدد، فنقول: الشيء في الشيء مال، والشيء في العشرة عشرة أشياء، فمبلغ الضرب مال وعشرة أشياء.
فإن قيل: اضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، وستة أشياء، وخمسة أموال، فنضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، فتكون اثني عشر شيئاً، وتضرب ثلاثة أشياء في خمسة أموال، فتكون خمسة عشر مكعباً، فنضرب ثلاثة لأن ضرب الجذر في المال مكعب، ونضرب ثلاثة أشياء في ستة أشياء، فتكون ثمانيةَ عشرَ مالاً، فمبلغ الضرب خمسة عشرَ مكعباً، وثمانيةَ عشرَ مالاً، واثنا عشر شيئاً.
فإن قيل: اضرب عشرة أعداد وشيئين في خمسة أعداد وثلاثة أشياء، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين من العدد، ونضرب العشرة في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثين شيئاً، ثم نضرب شيئين في خمسة، فتكون عشرة أشياء، ونضرب شيئين أيضاً في ثلاثة أشياء، فتكون ستة أموال، فمبلغ الضرب ستة أموال وأربعون شيئاً وخمسون عدد.
الأصل الثالث
في ضرب الجذور والأعداد في الجذور والأعداد، وقسمة بعضها على بعض، ثم ضرب الكعاب والأعداد في الكعاب والأعداد، وقسمة بعضها على بعض
6636- فنقول: إذا أردت أن تضرب جذر عددٍ في جذر عددٍ، فاضرب المجذور في المجذور، فجذر ما بلغ هو المبلغ المطلوب.
مثاله: [إذا] (1) أردنا أن نضرب جذر أربعة في جذر تسعة، ضربنا الأربعة في التسعة تردّ علينا ستة وثلاثين، فنأخذ جذره وهو ستة، وهذا مردود ضرب جذر
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.(10/42)
الأربعة في جذر التسعة، وضرب جذر الأربعة في جذر التسعة قريب لا عسر فيه، ولكن غرض الحسّاب أن يثبتوا أولاً أن ضرب المجذور في المجذور إذا أجذر مبلغه، كان كضرب الجذر في الجذر.
ثم إذا ثبت لهم هذا، توصلوا به إلى تقريبٍ في الأعداد [الصُّم] (1) ، فنقول: الخمسة أصم جذره غير مُنْطق، وإن كانا مُهَنْدَسا (2) ، وكذلك السبعة ليست مجذورة مُنْطقة الجذر، فنقول: ضرب جذر الخمسة في جذر السبعة كجذر المبلغ الذي يردّه ضربُ الخمسة في السبعة، وهو خمسة وثلاثون، وهذا الجذر أصم أيضاً.
واعلم أنك إذا ضربت عدداً جذره مُنطق في عدد جذره منطق، فالمبلغ يكون مجذوراً على جذر منطق، وإذا ضربت عدداً جذره منطق في عدد جذره أصم، فالمبلغ يكون أصمّ لا محالة، وإذا ضربت عدداً جذره أصم في عدد جذره أصم، فالمبلغ [ربما] (3) كان جذره أصم، وربما كان جذره منطقاً، فإن ضربت اثنين في ثمانية، فهما أصمّان، ومبلغ ضرب أحدهما في الثاني ستة عشر، وهو منطق الجذر وجذره أربعة، فإذا ضربت خمسة في سبعة، فالمردود خمسة وثلاثون، وهو أصم.
فإذا أردت أن تضرب جذر عدد في عدد آخر، فاجعل العدد الذي تريد الضربَ فيه مجذوراً بأن تضربه في نفسه، فيئول إلى ضرب جذر عدد في جذر عدد.
مثاله: أردنا أن نضرب جذر تسعة في خمسة، فضربنا الخمسة في نفسها، فبلغ خمسة وعشرين، أردنا أن نضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين، فنضرب التسعة في خمسة وعشرين، فبلغ مائتين وخمسة وعشرين، فأخذنا جذرها، وذلك خمسة عشر، فهو مبلغ ضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين.
وإذا أردنا ضرب جذر عدد أصم في عدد معلوم، نحو جذر ثمانية في خمسة فنجعل الخمسة مجذورة بأن نضربها في نفسها فتكون خمسة وعشرين، ثم نضرب خمسة
__________
(1) في الأصل: انضم. وهو تحريف واضح، والعدد (الأصم) هو العدد الذي لا جذرَ له، مثل 5، 7؛ فلا يوجد عدد صحيح يمكن أن يكون مردود ضربه في نفسه 5 أو 7.
(2) كذا. والمعنى: أن هذا الرقم الذي جذره أصم له جذر مُهنْدَسٌ، أي يُعرف بالهندسة.
(3) في الأصل: كلما.(10/43)
وعشرين في ثمانية فترد مائتين، فالمبلغ أصم، ولكنا نعلم أن جذر المائتين كضرب جذر الثمانية في جذر الخمسة والعشرين.
وإذا أردت أن تضرب كعب عدد في كعب عددٍ آخر، فاضرب أحد الكعبين في الثاني، وخذ كعب المبلغ، [فهو] (1) المبلغ المطلوب.
مثاله: أردنا أن نضرب كعب ثمانية في كعب سبعة وعشرين، فضربنا الثمانية في السبعة وعشرين، فبلغ مائتين وستة عشر، وأخذ كعبها، وكان ستة، وهو المبلغ؛ لأن كعب ثمانية اثنان وكعب سبعة وعشرين ثلاثة، فإذا ضربنا اثنين في ثلاثة، رَدَّ ستة.
وكذلك القول في الأعداد الصم، كقول القائل: كم يكون كعب عشرة في كعب خمسة، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين مكعب، هذا المبلغ أصم، ولكنا نعلم أن كعبه كمبلغ كعب العشرة في كعب الخمسة.
وإذا ضربنا عدداً له كعب [منطق] (2) في عدد له كعب [منطق] ، فالمبلغ كعب [مُنطق] ، وإذا ضربنا عدداً له كعب [منطق] في عدد كعبه أصم، فإن المبلغ يكون كعبه أصم، لا محالة، على القياس الذي ذكرناه في الجذور الصم، والمنطقة. وإذا ضربت عدداً كعبه أصم في عدد كعبه أصم، فربما كان المبلغ كعب [منطق] ، وربما كان كعب المبلغ أصم.
فهذا ما أردناه في ضرب جذر عدد في جذر عدد، وفي ضرب جذر عدد في عدد، وفي ضرب كعب في كعب، وفي ضرب كعب في عدد.
__________
(1) في الأصل: فما.
(2) في الأصل: " مطلق " ولعل الصواب ما اخترناه، فهو المقابل للأصم، وقد حدث هذا التصحيف أيضاً في كتاب (مفاتيح العلوم، للخوارزمي) ، فقال: " الجذر المطلق " مع أنه يعرفه بقوله: " هو المنطوق به، وهو ما يعرف به حفيقه مقداره، ويمكن أن ينطق به "؛ فكل هذا يوحي بأن الصواب (المُنْطَق) لا (المطلق) . (مفاتيح العلوم، بيروت، دار الكتاب العربي، 1401هـ - 1984 م، ص: 221) .(10/44)
[القول في القسمة]
6637- فأما القول في القسمة، فإذا أردنا قسمة جذر الأربعة على جذر التسعة، قسمنا الأربعة على التسعة، فخرج أربعة أتساع، فأخذنا جذرها، وذلك ثلثا واحدٍ، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت الجذر على الجذر. وبيان ذلك أن الأربعة الأتساع جذرها ثلثا واحد؛ فإنك إذا ضربت ثُلُثيْن في ثُلثيْن ردّ أربعة أتساع [فجذر] (1) الأربعة الأتساع هذا القدر، وإذا قسمت جذر الأربعة، وهو اثنان على جذر التسعة، وهو ثلاثة، فنصيب الواحد الثلثان، وهو جذر أربعة أتساع.
فإن أردنا أن نقسم جذر عددٍ على عدد، أو أردنا أن نقسم عدداً على جذر عدد، فنجعل العدد مجذوراً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة جذر عدد على جذر عدد، وقد وضح الرسم فيه، فمتى قسمنا عدداً له جذر [منطق] على عددٍ له جذر [منطق] ، فالخارج من القسمة، وهو نصيب الواحد جذر [منطق] ، فإذا قسمنا مالاً جذره [منطق] على مالٍ جذره أصم، فالخارج من القسمة أصم، ومتى قسمنا مالاً جذره أصم [على مالٍ جذره أصم] (2) ، فقد يكون الخارج من القسمة مجذوراً [منطق] الجذر، وقد يكون الخارج من القسمة أصمّ.
فإذا أردنا أن نقسم كعب عددٍ، على كعب عددٍ، قسمنا المكعب على المكعب، فما خرج من القسمة فكعبه نصيب الواحد إذا قسمت الكعب على الكعب.
مثاله: أردنا أن نقسم كعبَ سبعة وعشرين على كعب ثمانية، فقسمنا سبعة وعشرين على ثمانية، فالخارج من القسمة ثلاثة وثلاثة أثمان، أخذنا كعبها، وهو واحد ونصف، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت كعب السبعة والعشرين، وهو ثلاثة على كعب ثمانية وهو اثنان.
6638- وإذا أردنا أن نقسم عدداً على كعب عدد، وأردنا أن نقسم كعب عدد على
__________
(1) في الأصل: مجذر.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق، حيث سقطت قطعاً من الناسخ.(10/45)
عدد، فنجعل العدد مكعباً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة كعب عددٍ على كعب عدد، وقد سبق طريقه.
ومتى قُسم عدد له كعب [منطق] (1) على عدد له كعب [منطق] ، فالخارج من القسمة له كعب منطلق.
ومتى قُسم مال كعبه [منطق] على مالٍ كعبه أصم، فمبلغ الخارج من القسمة أصم.
ومتى قسم عدد كعبه أصم على عدد كعبه أصم، فالخارج من القسمة كان كعبه منطَق، وربما كان كعبه أصم.
6639- وإذا أردنا تضعيف جذر عدد معلوم، فاضرب اثنين في اثنين، فما بلغ، فاضربه في العدد المعلوم، فجذر هذا المبلغ ضعف جذر العدد المعلوم.
مثاله: أردنا تضعيف جذر ستة عشر، فضربنا اثنين في اثنين، فبلغ أربعة فضربناها في ستة عشر، فبلغ أربعة وستين، فجذرها ثمانية، وهو ضعف جذر ستة عشر.
6640- فإذا أردنا أن نعرف عدّة أجذار معلومة، ضربنا تلك العدّة في مثلها، ثم ضربنا مبلغها في العدد المعلوم، وقلنا: جذر ما بلغ هو عدة أجذار ذلك العدد المعلوم.
مثاله: أردنا أن نعرف ثلاثة أجذار خمسة وعشرين، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، ثم نضرب المبلغ في خمسة وعشرين، فجذرها خمسةَ عشرَ، وهو ثلاثة أجذار خمسة وعشرين.
6641- فإن أردنا تنصيف جذرها، ضربنا نصفاً في نصف، فما بلغ ضربناه في ذلك العدد، فجذر المبلغ، هو نصف جذر ذلك العدد الأول.
مثاله: أردنا تنصيف جذر أربعة وستين، فضربنا نصفاً في نصف، فبلغ ربعاً، فضربنا الربع في الأربعة وستين، فجذرها أربعة، وهو نصف جذر أربعة وستين.
فإن أردنا ثلث جذر تسعمائة، ضربنا ثلثاً في ثلث، فيرد علينا تسعاً، فضربناه في تسعمائة فكان المبلغ مائة، فجذره عشرة، وهو ثلث جذر تسعمائة.
__________
(1) في الأصل: " منطلق ".(10/46)
6642- فإذا عرفت ذلك، وأحطت به، ثم أردت أن تضرب عدّة أجذار عدد معلوم في [عدّة] (1) أجذار عددٍ آخرَ معلوم، فاعرف عدة أجذار كل واحد من العددين.
[مثاله: إذا أردنا أن نضرب] (2) ثلاثة أجذار خمسة في أربعة أجذار ستة، فوجدنا العمل الذي قلناه قبلُ: ثلاثة أجذار خمسة جذر خمسة وأربعين، ووجدنا أربعة أجذار ستة جذر ستة وتسعين، فكأنا نريد أن نضرب جذر خمسة وأربعين في جذر ستة وتسعين. وقد تقدم الرسم فيه. فأما
الأصل الرابع
6643- فالمقصود منه جمع الجذور وتفريقُها ونقصانُ بعضها من بعض، إذا أردنا أن نضم جذر عدد إلى جذر عدد آخر، لنعلم أن المبلغ جذر أيّ عدد يكون، فهذا ممكن في عددين مجذورين، جذر كل واحد منهما منطَّق، فإن لم يكونا مجذورين، ولكن كانا بحيث لو ضرب أحدهما في الآخر، فإن المبلغ جذر منطّق، أو إذا قسم أحدهما على الآخر كان [ما] (3) يخرج من القسمة جذر صحيح، وإن لم يكن كذلك، لم يتأت جمعُ جذريهما ليكون مجموعهما جذر العدد الآخر.
وكذلك القول في نقصان جذر أحد العددين من جذر [العدد] (4) الآخر إن كان العددان مجذورين، أو كان مبلغ ضرب أحدهما في الآخر مجذوراً، أو كان الخارج من قسمة أحدهما على الآخر مجذوراً، فإن الباقي من جذر أحدهما بعد نقصان الجذر الآخر منه يقدر جذراً لعدد معلوم، وإن لم يتحقق [مما] (5) ذكرناه شيء، لم يكن الباقي جذراً لعدد معلوم؛ فإنه لا يكون معلوماً لا تقديراً ولا تحقيقاً.
المثال: [إذا] (6) أردنا أن نجمع جذر تسعة، وجذر أربعة، فنضم التسعة إلى
__________
(1) في الأصل: عشرة: والمثبت تقدير من المحقق.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: كما.
(4) في الأصل: عدد.
(5) في الأصل: ما.
(6) زيادة من المحقق.(10/47)
الأربعة، فتكون ثلاثة عشر، [فنحفظ] (1) ذلك، ثم نضرب التسعة في الأربعة، فتكون ستة وثلاثين، فإن شئنا أخذنا جذره [وضربناه في اثنين، فيردّ اثني عشر] (2) ، وإن شئنا ضربنا الستة والثلاثين في أربعة، ثم نأخذ جذر المبلغ، فيكون (3) اثنا عشر.
والمسلكان مؤديان إلى مقصود واحد، فنزيد الاثني عشر على ثلاثة عشر، التي كانت معنا، فتكون خمسة وعشرين، وجذرها جذرُ تسعة، مع جذر أربعة مجموعين، فإن جذر الخمسة والعشرين خمسة، وهي تشمل على جذر الأربعة، وهي اثنان، وجذر التسعة وهو ثلاثة.
6644- ولا ينبغي أن يستطيل الناظر مثلَ ذلك قائلاً: إن جمع الاثنين إلى الثلاثة لا غموض فيه، والطرق الحسابية تصاغ لإخراج المشكلات، [فإنّ] (4) ما ذكرناه تمهيد لمسلك الباب في الجليات، وسنجري في الغوامض [والمعوصات] (5) .
فإذا أردنا أن نجمع جذر اثنين وجذر ثمانية، وهما أصمان، فنضم الاثنين إلى [الثمانية] (6) ، ونحفظ المبلغ، وهو عشرة، ثم نضرب اثنين في ثمانية، ثم ما بلغ في أربعة، وأخذنا جذر المبلغ، وزدناه على العشرة المحفوظة، فتكون ثمانية عشر.
وهذا المبلغ وإن كان أصم، فجذره الأصم هو جذر ثمانية، وجذر اثنين مجموعين.
وإنما تأتّى لنا هذا، لأن ضرب الاثنين في الثمانية يرد عدداً مجذوراً، ولو قسمت [الاثنين على الثمانية] (7) ، كان الخارج من القسمة مجذوراً أيضاً؛ فإنه ربع، والربع جذره النصف، فتأتى ما ذكرناه، وإن كان قولاً [بيّناً] (8) ، ولكنه عظيم المنفعة في الأشكال الهندسية. وقد يطلقها الجبريون إذا لم يجدوا غيره.
__________
(1) في الأصل: فنحط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) كان تامة.
(4) في الأصل: " فأما " والمثبت تصرف من المحقق.
(5) في الأصل: والمعصومات.
(6) في الأصل: الثلاثة. والمثبت تصرف من المحقق اقتضاه السياق.
(7) في الأصل: الثمانية على الاثنين، والمثبت تصرّف منا.
(8) في الأصل: " بينهما " والمثبث تقدير من المحقق.(10/48)
وإن أردت أن تنقص جذر أربعة من جذر خمسة وعشرين، فاجمع الأربعة والخمسة وعشرين، تكون تسعة وعشرين، فاحفظها. ثم اضرب الأربعة في الخمسة والعشرين، فما بلغ، فاضربه في أربعة، فيكون أربعمائة، فخذ جذرها، وهو عشرون، فانقصها من تسعة وعشرين المحفوظة، فالباقي منها تسعة، فجذرها هو الباقي من جذر خمسة وعشرين، بعد نقصان جذر الأربعة منه وذلك ثلاثة.
وإن أردت أن تنقص جذر خمسة من جذر خمسة وأربعين، فاجمع بينهما يكون خمسين، ثم اضرب خمسة في خمسة وأربعين، فيكون مائتين وخمسة وعشرين، فخذ [جذريها] (1) وهو ثلاثون. وإن شئت، فاضربها في أربعة فتكون [تسعمائة] (2) ، فخذ جذرها، وهو ثلاثون، وانقصها من الخمسين المحفوظة عندك، والباقي عشرون، وجذرها أصم، إلا أن جذره هو الباقي من [جذر] (3) خمسة وأربعين بعد نقصان [جذر] (4) خمسة منه.
هذا قياس الباب فيما ذكرناه. وأما
الأصل الخامس
6645- فالمقصود منه بيان الاستثناء، ومقابلة الناقص بالكامل، والثابت بالمنتفي، وإذا تقابلت جملتان، فإن كان مع أحدهما أو مع كلّ واحد منهما استثناء من جنسه في الجانب الآخر ثابت، فيسقط من الثابت مقدار الاستثناء من جنسه، ثم نجمع ما بقي.
فإن كان الاستثناء من غير جنس الثابت، ولم يكن معهما استثناء، فنجمعهما كما هما، فأما النقصان والتفريق، فنجبر فيه الاستثناء من كل واحدٍ منهما بزيادته على الآخر، ثم ننقص أحدهما من الآخر.
__________
(1) في الأصل: جذريهما.
(2) في الأصل: سبعمائة.
(3) زيادة من المحقق.
(4) ساقطة من الأصل.(10/49)
مثال الجمع: أردنا أن نجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة، وبين عشرة إلا جذر [ثمانين] (1) ، فيسقط الزائد بالناقص من المتجانسين مِثْلاً بمثلِ، فيحصل معنا خمسة، وهي المجموع الذي أردناه. وبيان ذلك أنا أردنا الجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة فقد ذكرنا إثبات الجذر واستثناء خمسة، فكان ذلك نفياً وإثباتاً، وقلنا في الجانب الثاني عشرة إلا جذر ثمانين. فأثبتنا العشرة، ونفينا الجذر الثابت في الجانب الذي قدمناه بالجذر الذي نفيناه في الجانب الثاني، فكأنه لم يجر للجذر ذكر، وذكرنا في جانبٍ عشرة، ونفينا خمسة، فنُسقط خمسة من العشرة؛ مقابلة للإثبات بالنفي، فسلم من جميع الجملة خمسة.
ومثال النقصان: نريد أن نَنقُصَ جذر مائتين إلا عشرة، من عشرين إلا جذر مائتين، فالسبيل فيه أن نجبر أولاً جذر المائتين بالعشرة، ونزيد على عديله عشرة، فصار ثلاثين إلا جذر مائتين، فننقص الآن منها جذر مائتين، فبقي معنا ثلاثون إلا جذري مائتين، وذلك هو الباقي من عشرين إلا جذر مائتين بعد نقصان جذر مائتين إلا عشرة منه، وقس على ما ذكرناه أمثاله. وأما
الأصل السادس
6646- فمقصوده معرفة مناسبة الجذور والكعبات واشتراكها وتباينها، فنقول: نسبة الجذر إلى الجذر تكون أبداً مثل نسبة المجذور إلى المجذور مثنَّى بالتكرير.
مثاله: نسبة جذر الأربعة إلى جذر التسعة كنسبة الأربعة إلى التسعة مثنى بالتكرير.
وبيانه أن الاثنين، وهو جذر الأربعة إذا نسبناه إلى ثلاثة، وهي جذر التسعة، فتكون الاثنان ثلثي الثلاثة، والأربعة ثلثا ثلثي التسعة، فإنها ثلثا الستة، والستة ثلثا التسعة، فقد وجد التكرير في نسبة المجذور إلى المجذور، ولم يوجد التكرير في نسبة الجذر إلى الجذر.
ونسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير: مثاله - كعب
__________
(1) في الأصل: ثمانية.(10/50)
الثمانية [اثنان] (1) ، وكعب السبعة والعشرين ثلاثة، والاثنان ثلثا الثلاثة من غير تكرير، والثمانية التي هي مكعب الاثنين هي ثلثا ثلثي ثلثي سبعة وعشرين التي هي مكعب الثلاثة، لأن الثمانية ثلثا اثني عشر، والاثنا عشر ثلثا ثمانية عشر، وثمانية عشر ثلثا سبعة وعشرين، فبان أن نسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير.
6647- والمقادير الصم ذواتُ الجذور الصم جذورها مباينةٌ لجذور المقادير المنطقة بلا تلاقي، ولا تناسب، ولو ناسب المنطقُ الأصمَّ، لكان مجهولاً، ولو ناسب الأصمُّ المنطق، لكان معلوماً، وليس الأصم في معنى المنطق، وقد ننسب عدداً أصم الجذر إلى عددٍ أصمَّ الجذر ويكون جذراهما يشتركان في القوة اشتراكاً أصم لا يتأتى النطق به، كما لا يتأتى النطق بالجذر الأصم، وذلك مثل: جذر عشرة، وجذر خمسة بينهما اشتراك بالقوة، لأنا إذا ربّعنا كلَّ واحد من العددين وضربناه في نفسه، وجدنا بين المبلغين تناسباً؛ فإن الخمسة والعشرين وهو مربع الخمسة يناسب المائة، وهو مربع العشرة، فنعلم أن جذريهما الأصمين مشتركان بالقوة، وإن لم يكن ذلك الاشتراك منطوقاً به، ولا يتأتى النطق بجزئيته، لأنا إذا ضربنا الخمسة في العشرة، لم يكن المبلغ مجذوراً، وإذا قسمنا العشرة على الخمسة، لم يكن الخارج من القسمة مجذوراً، وهو اثنان. وكذلك إذا قسمنا الخمسة على العشرة، فالخارج من القسمة نصفٌ، وليس بمجذور. وإذا لم يتحقق شيء مما ذكرناه، فلا تتأتى العبارة عن جزئية في الاشتراك.
ولكن إذا كان مربع أحد العددين يناسب مربّعَ الثاني، فنعلم أن بين جذريهما وإن كانا أصمين مناسبةً بالقوة والإمكان، وإن لم يكن وجه الاشتراك منطوقاً به.
وإن كان الأصمان بحيث لو ضرب أحدهما في الثاني، كان المبلغ مجذوراً، وكان أحدهما لو قسم على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، تَأَتَّى التعبير عن الجزئية، وإن كان العددان أصمّين.
__________
(1) ساقطة من الأصل.(10/51)
ومثال ذلك: الاثنان والثمانية، فنقول: جذر الاثنين نصف جذر الثمانية؛ فإن الاثنين لو ضربا في الثمانية، لكان المبلغ مجذوراً. ولو قسم كل واحد منهما على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فنعلم أن [جذر] (1) الاثنين نصفُ جذر الثمانية؛ لأن الاثنين نصف نصف الثمانية، وقد ذكرنا أن نسبة الجذر إلى الجذر كنسبة المجذور إلى المجذور مثنًّى بالتكرير.
وإنما هذه الأصول نطلقها عن تقليد، وإنما يبرهن عليها الهندسةُ، ولكنا نأخذها عن ظنون مستندة إلى مراسم مطردة، ولو حاولت البرهان عليها من الاستقصات (2) ، لم [نُعنَّ] (3) ، ولكن القول فيه مجاوزٌ لحد الفقهاء وسردت، فاقتصرنا على المراسم، وذكرنا وجوهاً من المراسم تجري مجرى المذكِّرات.
6648- وخرج مما ذكرناه أن الأصم والمجذور متباينان، لا اشتراك بينهما بوجهٍ، والأصمان إذا تناسب مربعاهما، ولكن لم يكن مبلغ ضرب أحدهما في الثاني مجذوراً، ولم يكن الخارج من القسمة مجذوراً إذا قسمنا أحدهما على الثاني، فنحكم من تناسب المربّعين بتناسب الجذرين الأصمين بالقوة، من غير جزئية.
وإن كان الأصمان بحيث يؤدي ضرب أحدهما في الثاني إلى مبلغٍ مجذورٍ، أو كانت قسمة أحدهما على الثاني تُفضي إلى كون الخارج من القسمة مجذوراً، فالجذران متناسبان، ويتأتى التعبير عن جزئية تناسبهما على قياس تناسب الجذرين المنطقين، ولكنا نطلق الجزئية والجذران مجهولان.
وكذلك إن كان المكعب الأصم إذا ضرب في مكعب أصم بلغ مكعباً منطقاً، فإذا قسم أحدهما على الآخر، خرج من القسمة مكعب [منطق] (4) ، فنعلم أن كعبيهما يشتركان على القياس الذي مهدناه في الجذر.
__________
(1) في الأصل: عدد.
(2) الاستقصات: جمع استُقص، وهي كلمة يونانية، معناها العنصر.
(3) لم نُعن. أي لم يشق علينا ويرهقنا. وهي غير واضحة بالأصل، وقدرناها على ضوء السياق.
(4) في الأصل: " مطلق ".(10/52)
ومعظم اعتناء الجبريِّين بالجذور والأموال والأعداد، ولا تترقى المسائل الحسابية في الفقه والمعاملات منها (1) ، وإذا انتهت مسألة إلى مال مال، ومكعب المكعب، ردّوها إلى الجذر، وجعلوا المال جذراً، ومال المال مالاً. وإن لم يتأت لهم ذلك في مسألة نتكلف في تصويرها، وقفَ (2) الجبر والمقابلة. وأما
الأصل السابع
6649- فمضمونه بيان المعادلات ومأخذها، وقيم المتعادلات، وعلى هذا الأصل مدار الجبر والمقابلة، وبه يتوصل إلى استخراج الغوامض، وما قدمناه من الأصول الستة ذريعةٌ إلى هذا الأصل، جاريةٌ مجرى التوطئة والإيناس.
وقد ذكرنا أن المعادلات في الشرعيات والمعاملات تقع في ثلاثة أنواع: الجذور، والأموال، والعدد. وينشأ من تعادل هذه الأنواع ستُّ مسائل: ثلاث مفردات، وثلاث مُقرنات. وهي المسائل المست المعروفة، فأما المفردات، فإنها لا تتصور تركب على الأفراد من وجهٍ رابع. وهذا إذا ذكرناه يتبينه الفاهم، فإحدى المسائل أموال تعدل جذوراً، والأخرى أموالٌ تعدل عدداً، والأخرى جذورٌ تعدل عدداً.
ولا مزيد؛ فإن قلت: جذور تعدل أموالاً، فقد اندرج تحت قولنا: أموال تعدل جذوراً.
وإن قلت: عددٌ يعدل أموالاً، فقد اندرج هذا تحت قولنا: أموال تعدل عدداً، فلا مزيد إذاً في المفردات المفروضة في الجذور والأموال والعدد، على هذه المسائل الثلاث.
ونحن نبتديها، ونذكرها بطرقها، فإذا نجزت، خضنا في المقترنات.
__________
(1) كذا في الأصل: منها، وهي بمعنى (عن) ؛ حيث تأتي مرادفةً لها.
(2) وقفَ أي عجز، والجملة جواب الشرط، وجملة: نتكلف في تصويرها واقعة في محل جرّ، صفة لـ (مسألة) .(10/53)
6650- فأما المسألة الأولى من المفردات، فنقول: أموال تعدل جذوراً. فالوجه قسمة الجذور على الأموال، فما خرج من القسمة، فهو جذر مال واحد، وإن كان مال واحد يعدل جذوراً، فعدّة الجذور نأخذها لفظاً، ونقول هي جذر المال، مثال ذلك: مال يعدل خمسة أجذار، فمعنى هذا الكلام أن المال يساوي خمسة أجذار نفسه، هذا معناه لا غير.
ولو ظن الظان أن المراد خمسةُ أجذار مبهمةٍ، وليست أجذار المال، فلا يتأتى الوفاء ببيانها قط، فليعلم الناظر أن المعنيَّ بقول الجبري: مالٌ يعدل خمسة أجذار المال، أنه يعدل خمسة أجذار نفسه. ثم يترتب عليه أن المجيب إذا أجاب بمالٍ يعدل خمسة أجذاره، فقد أجاب السائل إلى مال يعدل خمسةَ أجذار، والدليل عليه أن الأجذار لو كانت مطلقة على حسب الاتفاق (1) ، لكان كل (2) مال في الدنيا يعدل خمسة أجذار، فالعشرة تعدل خمسة أجذار كل جذر اثنان، ثم (3) تدخل فيه الكسور؛ فإنها جذور، فيخرج الكلام إلى حكم الهزل، وما لا يفيد.
فإذا تُصوّرت المسألة، فالوجه فيها أن نأخذ لفظَ [السائل] (4) سَمِيَّ عدّة الجذور، فإذا قال: مالٌ يعدل خمسة أجذار، قلنا: فجذره خمسة، والمال خمسة وعشرون، وهو يعدل خمسة أجذاره.
وإن قال: نصف مالٍ يعدل خمسةَ أجذار، فمعنى الكلام نصفُ مالٍ يعدل خمسة أجذار المال الكامل؛ فإن كلَّ مجذورٍ في الدنيا لا يكون نصفه مجذوراً. فإن أتَوْا إلى المجذورات نسبة طبيعية، ونحن نذكر طريقها في الأعداد دون الكسور، فالمجذور الأول أربعة، فماذا ضممت إليه جذرَ الأربعة، وما بعد ذلك الجذر في رتبة العدد، انتهيتَ إلى [المجذور] (5) الثاني.
__________
(1) أي كيفما اتفق.
(2) في الأصل: لكل.
(3) في الأصل: وثم.
(4) في الأصل: المسائل.
(5) في الأصل: الجذر.(10/54)
وبيانه أن جذر الأربعة اثنان، وبعد الاثنين في تركّب العدد ثلاثة، فنضم اثنين إلى ثلاثة، ونجمعها إلى الأربعة، فينتهي إلى المجذور الثاني في الأعداد.
ثم نأخذ جذر التسعة، وهو ثلاثة، ونضمُّ إليه ما بعد الثلاثة في العدد وهو أربعة، ونجمعها إلى التسعة، فينتهي إلى ستةَ عشرَ، وهو المجذور الثالث.
ثم نأخذ جذر الستة عشرَ، وهو أربعة، ونضم إليه ما بعد الأربعة، وهو خمسة، ونجمعها إلى الستةَ عشر فينتهي إلى المجذور الرابع، وهو خمسة وعشرون، فكذا ترتيب المجذورات، إلى غير نهاية.
ومن خواصها أن تَرتُّبَها أن بين كل مجذورين جذر الأول والثاني، فبين الأربعة والتسعة خمسة، وهو جذر الأربعة والتسعة. وبين التسعة والستة عشر [سبعة، وهي] (1) جذر التسعة والستة عشر، وهكذا إلى غير نهاية.
ويخرج منه أن كل عدد كان مجذوراً لم يكن نصفه مجذوراً، [.....] ، (2) ، فإذا قيل: نصف مال يعدل خمسة أجذار، فمعناه أنه يعدل خمسة أجذار المال الكامل، فإذا وضح ذلك، قلنا: نُكمل النصف مالاً، فنزيد عليه مثله، ونزيد على الأجذار مثلَها، فيكون كقول القائل: مال يعدل عشرة أجذار، فجذر المال عشرة، والمال [مائة] (3) ، ونصفها خمسون، وهو مثل خمسة أجذار المال.
وإذا قيل: ثلثا المال يعدل عشرة أجذار، فنكمل المال، ونزيد عليه مثل نصفه، فيكمل، ونزيد على عدّة الأجذار مثلَ نصفها. ويقال: مال يعدل خمسة عشر جذراً، فالجذر خمسة عشر، والمال مائتان وخمسة وعشرون.
فإن قال: خمسة أموال تعدل عشرين جذراً، فالوجه في هذا النوع أن نقسم عدد الجذور على عدد الأموال، فنقول: إذا قابلت خمسةُ أموالٍ عشرين جذراً، فكل مال
__________
(1) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(2) في المكان الخالي بين المعقفين كلامٌ مقحم نصه: " وكل عدد كان نصفه مجذوراً ". وهو خلل واضح.
(3) ساقطة من الأصل.(10/55)
يعدل أربعة أجذار، فيكون ذلك كقول القائل: مال يعدل أربعة أجذار، فجذر المال أربعة، والمال ستة عشر.
وإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة عشر جذراً، فالوجه قسمة الخمسة عشر على الخمسة، كل واحد من الأموال ثلاثة، فيؤول غرض السؤال إلى قول القائل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فجذر كل مال ثلاثة والمال تسعة.
فإن ذكر السائل في صيغة سؤاله عدداً من الجذور في مقابلة عدد من الأموال، وكان بحيث لو قسمنا الجذورَ على الأموال، لقابل كلَّ مالٍ جذرٌ وجزءٌ، مثل أن يقول: خمسة أموال تعدل سبعة جذور ونصف، فإذا قسمنا [السبعة] (1) والنصف على الخمسة، قابل كلَّ مالٍ جذرٌ ونصفٌ، فالمسألة مستحيلة في الوضع؛ فإن المال لا يكون مجذوراً على هذا النسق، ولا يتصور مالٌ يعدل مثلَ جذر نفسه، ومثلَ نصف جذره، نعم، يتصور أن يكون الواحد والنصف جذراً، فيكون المال حينئذ اثنين وربعاً، ولكن الواحد والنصف جذرٌ واحد، فلا بد في هذا النوع من ذكر المقابلة على وجه يقع في مقابلة كل مال عند القسمة عدد صحيح، أو واحدٌ، لا كسر معه.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرين جذراً، فيقابل كلُّ مال [جذرين] (2) ، فكل مال أربعة، وجذره اثنان.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرة جذور، فكل مال واحد، وجذره واحد.
فأما إذا نقصت [عدّة] (3) الجذور عن عدد الأموال، فالعبارة مستحيلة، وكذلك إذا كانت القسمة تقتضي كسراً.
فهذا بيان مسألة واحدة من المفردات، وهي معادلة [الأموال للجذور] (4) .
6651- فأما الثانية، فهي أن تعدل الأموالٌ عدداً، كقول القائل: مالٌ يعدل ستة
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: جذراً.
(3) في الأصل: عدد.
(4) في الأصل: للأموال المجذورة.(10/56)
عشرَ، فهذا النوع سهل في الوضع، والمراد أن المال ستةَ عشرَ، وجذره جذر ستةَ عشرَ، وهو أربعة.
فإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة وأربعين، فرُدَّ الأموالَ إلى خمسها، والعددَ إلى خمسه، فيكون كقول القائل: [مالٌ] (1) يعدل تسعة، فالتسعة مجذورة، وجذرها ثلاثة.
ثم هذا النوع ينبغي أن يوضع وضعاً يكون العدد مجذوراً في نفسه. وإذا وضع على وجهٍ لا يكون العدد مجذوراً، فالمال الذي يقابله لا يكون مجذوراً، كقول القائل: مال يعدل سبعة، فنقول المال سبعة، وليس له جذر منطق، والغالب على عادات الحسّاب إذا أطلقوا ذكر المال أن يريدوا به المجذورَ؛ فإن المال الذي هو إقامة ضرب جذره في نفسه.
وإذا لم يكن الجذر منطقاً، فلا يتأتى منّا وضع مالٍ بطريق ضرب جذره في نفسه.
فإن كنت تعني بالمال المجذورَ الذي جذره منطق، فينبغي أن يوضع العدد في مقابلة المال مجذوراً، وإذا وُضعت أموالٌ في مقابلة عددٍ، فينبغي أن يوضع العدد وضعاً لو قسم على الأموال، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فإن لم تُرد بالمال المجذورَ، فلا استحالة في تسمية الأصم مالاً؛ فإن له جذراً في علم الله تعالى، لا يطلع على مقداره غير الله، والهندسة تبين جذرَ الأصم عياناً، ولكن لا تنتظم عبارةٌ غيرُ (2) مبلغه ومقداره.
فإذا كان المراد هذا، وقال السائل: مالٌ يعدل خمسة، فالمال خمسة، ولكن الغالب في الوضع في مراسم الحُسّاب ما ذكرناه من طلب كوْن المال مجذوراً في وضع المسائل. فإن قال السائل: ثلث مالٍ يعدل سبعةً وعشرين، فَنكمل جزء المال، ونُبْلغه مالاً بأن نزيد عليه مثليه، وإن أردنا قلنا: بأن نزيد عليه ضعفه، ثم نزيد على العدد أيضاً ضعفه، فحصل معنا مالٌ يعدل أحداً وثمانين، فالمال هذا المبلغ وجذره
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) المعنى: الهندسةُ تبين جذر الأصم عياناً، بغير عبارة وألفاظ، فقط يظهر مبلغه ومقداره.(10/57)
تسعة، وقد وضعنا المسألة وضعاً إذا كمل المال نزيد على العدد [مثليه] (1) ، كان المبلغ مجذوراً على حسب ما ذكرناه الآن.
6652- المسألة الثالثة من المفردات - جذورٌ تعدل عدداً، فالوجه أن نقسم العدد على الجذور، فما خرج من القسمة، فهو قيمة جذرٍ واحد.
مثاله: خمسة أجذار تعدل عشرين من العدد، فالجذر أربعة، وهو جذر ستةَ عشرَ، ولا حاجة في هذا القسم إلى تكلفٍ في الوضع؛ فإنه إذا قوبل عددٌ بجذرٍ، فكل عدد في عالم الله يجوز أن يكون جذراً، ولو أخرجت القسمةُ كسوراً، فلا استحالة؛ إذ لا كسر إلا ويجوز أن يكون جذراً، وإذا قال السائل: عشرة من العدد تعدل عشرين جذراً، [فكل] (2) جذر نصف، وماله ربع، وهذا لا إشكال فيه. وإن قال: نصف جذر يعدل العشرة، والجذر التام يعدل عشرين، فالمال أربعمائة.
وقد نجز القول في وضع المسائل الثلاث في المعادلات المفردة.
6653- فأما إذا فرضت المعادلات مقترنةً، فينتظر مع الاقتران ثلاث مسائل في الوضع بلا مزيد، ولا يُتصوّر غيرُها إذا كان [سائغاً] (3) من الأنواع الثلاثة: المال، والجذر، والعدد. فيركب الاقتران منها، ثم يقع نوعان في صورة الاقتران في جانب، ونوعٌ واحدٌ في مقابلهما.
ولا يتأتى تركيب الاقتران من الثلاثة إلا كذلك، فيتصور إذاً ثلاث مسائل: أموال وجذور تعدل عدداً، وأموال وعدد يعدل جذوراً، وجذور وعدد يعدلان أموالاً.
6654- المسألة الأولى: مال وجذر يعدلان عدداً. فإذا قال القائل: مال وعشرة أجذار يعدلان تسعة وثلاثين من العدد، فمعنى الكلام: أيّ مالٍ إذا زيد عليه عشرة أجذاره، بلغ تسعة وثلاثين.
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) في الأصل: وكل.
(3) في الأصل: شائعاً.(10/58)
هذا وضع السؤال، ومن ضرورة هذا النوع إضافة الجذور إلى المال، والتقدير مالٌ وعشرة [أجذاره] (1) تعدل عدداً، وحق ذلك أن يوضع وضعاً ينتظم فيه التقدير إذا أردناه، حتى لو قال السائل: مال وعشرة أجذار تعدل ثلاثين من العدد، لم يكن الكلام مستقيماً؛ فإنك لا تجد مالاً مجذوراً تزيد عليه عشرةَ أجذار، فيبلغ ثلاثين، فالرسم المعهود من الحُسّاب له مسلكان في هذا المعنى: أحدهما - يؤدي إلى إدراك الجذر، والثاني - يؤدي إلى المال نفسه. فأما السبيل الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصفَ عدد الأجذار، ونضرب نصف العدد في نفسه، ونزيدَ مبلغه على العدد المذكور في مقابلة المال والجذور، وتأخذ جذر ما بلغ، وتنقص منه نصفَ هذه الأجذار، فما بقي فهو جذر المال، فنقول في هذه المسألة التي وضعناها: نأخذ نصفَ الجذور خمسة، ونضربها في نفسها، ونزيد المبلغ على العدد المذكور في المسألة، وهو تسعة وثلاثون، فيبلغ أربعة وستين، فنأخذ جذرها ثمانية وننقص منها نصف الأجذار، وهو خمسة، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال، والمال تسعة، فإذا زدنا عليها عشرة أجذارها، بلغ تسعة وثلاثين.
وأما الطريق التي تؤدي إلى مبلغ المال أن نضرب عدد الأجذار وهي في هذه المسألة عشرة في مثلها، فتكون مائة، فنضرب هذه المائة في العدد المذكور، وهو في هذه المسألة تسعة وثلاثون، فيبلغ ثلاثة آلاف وتسعمائة، فنحفظ هذا المبلغ، ثم ننصف المائة ونأخذ نصفها، خمسين، ونضربه في مثله، فيكون ألفين وخمسمائة فنزيدها على ثلاثة آلاف وتسعمائة، فيصير المبلغ ستة آلاف وأربعمائة، فنأخذ جذرها، وهو ثمانون. ونضم خمسين إلى العدد المذكور في المسألة، فتصير تسعة [وثمانين] (2) ، ثم نحط من هذا المبلغ المجموع الثمانين، التي هي جذر ستة آلاف وأربعمائة، وننظر إلى الباقي، وهو المال.
وحقيقة هذا الفن لا يطلع عليها إلا من يعلم أنه لا يجري في كل عدد كما قدمناه،
__________
(1) في الأصل: أجذار.
(2) في الأصل: ومائتين.(10/59)
فليوضع العدد وضعاً إذا زاد على المال أعداد أجذاره المذكورة، لكان مقابلاً للعدد الموضوع في سؤال السائل، هذا لا بد منه، فيحتاج الحاسب أن يتطلع على ما يمكن أن يقابل المالَ وجذره من العدد، ثم نضع المسألة لإرشاد الطالب في عدد يستقيم، كما ذكرناه.
6655- المسألة الثانية من المقترنات: أموالٌ وعددٌ يعدل جذوراً، كقول القائل: مالٌ، وأحدٌ وعشرون من العدد يعدلان عشرة أجذار، فمعنى السؤال: أي مالٍ إذا زدت عليه أحداً وعشرين درهماً، كان المبلغ مثل عشرة أجذار ذلك المال؟
وفي هذا النوع المعادلة طريقان كل واحد منهما يؤدي إلى الزيادة مرة، وإلى النقصان أخرى، وقد يؤدي إلى أحدهما دون الآخر، ثم يجري مسلكان: أحدهما - يؤدي إلى جذر المال. والثاني - يؤدي إلى معرفة المال بعينه.
[فأما] (1) الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصف الأجذار، ونضرب نصفها في مثلها، وننقص العدد المذكور في المسألة من مبلغها، ونأخذ جذر ما بقي وننقصه من نصف الأجذار، ونزيده عليه، فما بقي بعد النقصان، أو بلغ بعد الزيادة، فهو جذر المال، فربما خرجت المسألة بالزيادة والنقصان، وربما خرجت بالنقصان دون الزيادة، وربما خرجت بالزيادة دون النقصان.
ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار وهو خمسة في مثلها، فتبلغ خمسة وعشرين، فننقص منها العدد وهو أحد وعشرون، فيكون الباقي أربعة، فنأخذ جذرها، وذلك اثنان، [فإذا زدناه] (2) على نصف الأجذار، فيكون سبعاً، وهو جذر المال: تسعة وأربعون، فإذا زدنا عليها أحداً وعشرين من العدد، بلغ سبعين، وهي مثل عشرة أجذار المال.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: " فأي شيء زدنا " والمثبت تصرف من المحقق على ضوء حقائق المسألة ومعطياتها الحسابية.(10/60)
[وإن شئنا] (1) نقصنا الاثنين من نصف [الجذور] (2) ، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال تسعة، وإذا زدنا عليه أحداً وعشرين، بلغ ثلاثين، وهي مثل عشرة أجذار تسعة، التي هي المال. وقد خرجت المسألة بالزيادة والنقصان.
ومعنى ذلك أن المسألة موضوعة وضعاً يتأتى فيه الجواب بطريق الزيادة، ويكون سديداً، ويتأتى فيها الجواب بطريق النقصان، ويكون سديداً.
ويحتاج هذا الفن إلى وضع العدد المضموم إلى المال على وجهٍ ينتظم فيه معادلة المال، والعدد الموضوع معه بعدد جذوره، وهذا إنما يتأتى بأن يفرض الواضعُ مالاً في نفسه مجذوراً، ويقدر له جذوراً، ونعرف مبلغها، ثم يضم إلى المال عدداً يقابل ذلك المبلغ، ثم يذكر الطريق.
وقد يتأتى له الوضع مع الزيادة، وقد يتأتى الوضع مع النقصان، وقد يتأتى [معهما] (3) .
وإن وضع السائل عدداً إذا ضربنا نصف الأجذار في مثله، كان مبلغه أقلّ من العدد المذكور في المسألة مع المال، فالمسألة مستحيلة.
فإن كان المبلغ مثلَ العدد الذي معك في المسألة، فخذ الجذر مثلَ نصف عدد الأجذار، ولا تحمل عدداً أكثر من هذا.
ومثاله: مالٌ، وخمسة وعشرون من العدد تعدل عشرة أجذار المال. فنضرب نصف العشرة في نفسه فيصير خمسة وعشرين، فجذره خمسة، وهو جذر المال، فالمال خمسة وعشرون، والمضموم إليه خمسة وعشرون، والجملة تعدل عشرة أجذار خمسة وعشرين.
فإن كان ما يرده ضربُ نصف الأجذار أكثرَ من العدد المضموم إلى المال، فينبغي أن يكون بحيث لو نقص منه العدد، لكان الباقي مجذوراً، حتى لو قيل مالٌ وعشرةٌ من
__________
(1) في الأصل: " وأي شيء "، وهو تصحيف تكرر آنفاً.
(2) في الأصل: " الجذر " والمراد نصف عدد الجذور المفروضة في المسألة.
(3) في الأصل: معها.(10/61)
العدد تعدل عشرة أجذاره، فالعشرة لو حُطّت من مبلغ ضرب نصف الأجذار في نفسه، لبقي خمسة [عشر] (1) ، وليست خمسةَ عشرَ مجذوراً، فلا ينتظم الكلام على الجذور المنطقة.
فهذا وجه التنبيه على حقيقة هذا النوع وأقسامه. وقد ذكرنا في المسألة التي وضعناها ما يؤدي إلى معرفة الجذر.
فأما الطريق التي تؤدي إلى معرفة المال، فالرسم في هذه المسألة أن نضرب عدد الجذور في نفسه فتبلغ مائة، ثم نضرب هذه المائة في العدد الذي في المسألة، وهو أحدٌ وعشرون فيبلغ ألفين ومائة، ثم نأخذ نصفَ المائة، ونضربها في مثلها، فيكون ألفين وخمسمائة، فنُسقط منه المبلغَ الأول وهو ألفان ومائة، فيكون الباقي أربعمائة، فتأخذ جذرها، وذلك عشرون، فإن شئت، فأسقطها من الخمسين التي هي نصف المائة، فيكون الباقي ثلاثين، فأسقط منها الواحد والعشرين، التي كانت مع المال، فيكون الباقي تسعة، فهي المال.
وإن شئت فرُدَّ العشرين إلى الخمسين، فيكون سبعين، ثم أسقط منها الواحد والعشرين التي مع المال، فيكون الباقي [تسعة] (2) وأربعين، وهو المال، فخرجت الزيادة والنقصان في المال، كما خرجا في السبيل المؤدي إلى الجذر، وهكذا يكون لا محالة.
6656- المسألة الثالثة من المقترنات: جذورٌ وعدد تعدل أموالاً. مثل قولك: ثلاثة أجذار، وأربعة من العدد يعدلان مالاً. وفي هذا النوع [سببان يُفضي] (3) أحدهما إلى مبلغ الجذر، والثاني إلى مبلغ المال.
فأما ما يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن نضرب نصفَ الأجذار في مثله، ونزيد المبلغ على العدد، ونأخذ جذر ما بلغ، [ونزيده] (4) على نصف الأجذار، فما بلغ،
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبب لأن يقتضي.
(4) في الأصل: نزيد.(10/62)
فهو جذر المال، ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار، وهو واحد ونصف في مثله، فيردّ اثنين وربعاً، فنزيدها على العدد وهو أربعة، فيبلغ ستةً وربعاً، فنأخذ جذره، وهو اثنان ونصف، ونزيد ذلك على نصف الأجذار، وهي واحد ونصف، فيبلغ أربعة، وهو جذر المال، فالمال ستة عشر. فإذا أخذنا ثلاثة أجذاره، وزدنا عليه أربعةً من العدد، كان المبلغ ستةَ عشرَ، مثلَ المال.
وليس يخفى على الفطن -وقد ذكرنا الغرض مراراً- أن هذه المسائل لا بد من وضعها على التقدير الذي يصح، وليس ما يسترسل على كل عدد في كل جذر.
والسبيل الذي يؤدي إلى المال في المسألة التي ذكرناها أن نضرب الأجذار، وهي ثلاثة في نفسها، فتصير تسعة، ثم نضرب هذه التسعة في العدد الذي معنا، وهو أربعة، فيبلغ ستة وثلاثين، فنحفظ هذا، ثم نأخذ نصفَ التسعة وهو أربعة ونصف، فنضربها، في مثلها، فيكون عشرين وربعاً، فنزيدها على الستة والثلاثين، فتبلغ ستة وخمسين وربعاً، فنأخذ جذرها، وهو سبعة ونصف، ومعنا نصف التسعة، والأربعة الموضوعة في العد المذكور في المسألة، والجملتان ثمانية ونصف، فنزيد عليها سبعة ونصف، فيبلغ ستة عشر، وهي المال، فيخرج كما خرج بالعمل الأول.
وإذا ذكرت عدداً من المال في المعادلات، فالوجه أن ترده إلى مالٍ واحد، ورُدَّ كل نوع من النوعين الآخرين إلى مثل ما رددت إليه المال، ثم استعمل فيه الرسوم التي ذكرناها.
وإن كان جنس المال جزءاً من المال، أو أجزاء دون التمام، فكمّل المال، ثم زد على واحدٍ من النوعين الآخرين، وهما الجذور والعدد مثل ما زدته في جنس المال بالنسبة، ثم تستعمل فيه الرسوم.
فهذه قواعد الجبر في المفردات، والمقترنات، وستزداد تهذّباً إذا خرجنا عليهما مسائل الكتاب، إن شاء الله عز وجل. ونحن نبتدىء بعد ذلك بالقول في الوصية بالجزء والنصيب ونستعين بالله، وهو خير معين.(10/63)
القول في الوصية بالأنصباء، والأجزاء الشائعة
6657- قد تقدم كلامٌ بالغٌ في الوصية بأنصباء الورثة، وسبق تفصيل القول في الوصية بأجزاء المال، وأوضحنا في كل نوع ما يليق به، ويُفيد الناظر استقلالاً فيه، حملاً وحساباً.
ونحن الآن نبتدىء القولَ في الوصية بنصيب بعض الورثة، مع الوصية بجزءٍ من المال.
وأول ما يقتضي الترتيبُ ابتداءه أن نقسّم، فنقول: إذا أوصى بنصيب وجزءٍ شائع، لم يخل، إما أن يكون الجزء الشائع مضافاً إلى كل المال، وإما أن يكون مضافاً إلى ما يتبقى بعد النصيب. فإن كان مضافاً إلى كل المال، [فلا] (1) حاجة في إيضاح الجزءِ، والنصيب إلى الطرق الجبرية، والمسالك المستنبطة منها. ولكن سبيل إيضاح ذلك وتصحيحه، كسبيل تصحيح مسائل الفرائض.
وإن وقعت الوصية بالنصيب، ثم بجزءٍ مما بقي بعد النصيب، أو بجزءٍ من جزءٍ يعدل النصيبَ، فمسائل هذا النوع تتعقّد، ولا يمكن استخراجها بحساب الفرائض، فإذ ذاك نستعمل الطرق الجبرية، وما استخرجه الحُسّاب منها، وسبب الاحتياج إليها، أن الجزء إذا أضيف إلى ما تبقى بعد النصيب، والنصيبُ في وضع المسألة مجهول، والباقي مجهول، وتكثر الأنصباء بقلة الجزءِ، وتقل بكثرة الجزءِ، ثم تنعطف قلّة أنصباء البنين على قلة [النصيب] (2) الموصى به، وإذا [قلّ] (3) ذلك، كثر الباقي، فلا بد لمن يحاول الإفهام والتقريب من ذكر مراسم الحُسّاب.
وإذا كان الجزء مضافاً إلى جزءٍ مما يبقى بعد النصيب، فيتضمن ذلك الجهالة المُحْوِجَة إلى الجبر والمقابلة، وهو كالوصية بثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب.
__________
(1) في الأصل: ولا.
(2) في الأصل: نصيب.
(3) في الأصل: قال.(10/64)
وكذلك الوصيةُ بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما تبقى، يفتقر إلى الجبر والمقابلة، وهو كما لو أوصى بنصيب أحد البنين إلا عُشر ما بقي من المال، أو من جزءٍ.
ونحن نأتي بهذه الفصول مفصلةً، ونأتي في كل فصلٍ منها بطرق مطردةٍ، أصل جميعها الجبر والمقابلة، أصل (1) الجبر أسرار النسبة. ولو اطلع مطّلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى شيء من مراسم الحسّاب، ولكن الوصول إلى حقائق النسب ليس بالهين، وتقع الهندسة، وخواصُّ العدد المسمى ريماطيقي جزءاً منها، وأشبه شيء بالنسب، [والطرقِ] (2) الموضوعة في الحساب الذوقُ في الشعر مع العروض، فمن استدّ ذوقه، قال الشعر، ومن لا يترقى ذوقه، نظم، [و] (3) قام له العروض مقام الذوق، إذا أحكم مراسمها. كذلك طرق الحُسّاب إذا تمرن المرء عليها، أهدته إلى إخراج المجاهيل، وقد تطول دُرْبته فيها، فيتطلع إذ ذاك إلى النسب.
6658- ونحن نبدأ بالقسم الأول: وهو ما لا يحوج إلى الجبر، ويقع الاكتفاء فيه بحساب الفرائض.
فنقول: إذا أوصى بنصيب أحد البنين، وأوصى بجزءٍ من جميع المال، فإن كانت الوصيتان جميعاً تخرجان من الثلث، أو زادتا عليه، وأجاز الورثة الزائدَ على الثلث، فالوجه أن [يُجعلَ] (4) الموصَى له بالنصيب [كأحد] (5) البنين، ونلقيه في جانبهم، ونقيم لفريضة الوصية بجزء من المال مسألة، ثم نقسم ما يفضل من ذلك الجزء على البنين، وعلى الموصَى له بالنصيب.
وإن كان الباقي من فريضة الجزء ينقسم على فريضة البنين، وقع الاكتفاء بها.
__________
(1) كذا: " أصل الجبر.. " بدون واو. وهو أسلوبٌ سائغ.
(2) في الأصل: فالطرق.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: يحصل.
(5) في الأصل: لأحد.(10/65)
وإن كان الباقي لا ينقسم على فريضة البنين، ضربنا فريضتهم، أو وَفْقَها -إن كان وفقٌ- في فريضة الوصية بالجزء، وأعدنا القسمة.
وإن زادت الوصيتان على الثلث، [وردّ] (1) الورثةُ الزيادة، [نحصر] (2) الوصيتين في الثلث، ونقسم الثلث بينهما على نسبة القسمة في الإجازة.
وبيان ذلك بالأمثلة: أوصى لواحد بثلث ماله، ولآخرَ بمثل نصيب أحد الأولاد، وله خمسة من البنين، فنجعل الموصى له بالنصيب ابناً سادساً، ونقيم فريضتهم من ستة، وفيهم الموصى له بالنصيب، ثم نقيم فريضة الوصية بالجزء. فإن كان أوصى بثلث ماله، ففريضة الوصية من ثلاثة: يسلم إلى الوصية سهم، فيبقى سهمان يوافقان فريضة الورثة والموصى له بالنصيب بالنصف، فنضرب نصف ستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة: للموصى له بالثلث ثلاثة، والباقي ستة بين البنين وبين الموصَى له بالنصيب على استواء؛ لكل واحدٍ منهم سهم، والوصيتان زائدتان على الثلث؛ فإن الأربعة من التسعة أكثر من ثلث المال.
فإن أجاز الوارثون، فذاك. والأمر على ما بيّناه.
فإن ردّ الورثةُ الزيادة، نحصر الوصيتين في الثلث، ونقسمه بين الموصى له بالثُلث، وبين الموصى له بالنصيب أرباعاً، فنجعل الثُلثَ أربعةً: للموصى له بالثلث منها ثلاثة، وللموصَى له بالنصيب سهم.
وطريق تصحيح المسألة أن نجعل الفريضتين: فريضة الوصية، وفريضة الميراث من ثلاثة، ثم نُقيم فريضة الوصية من أربعة، وفريضة البنين من خمسة، فإن الموصى له بالنصيب وقع في الثلث، ثم سهم من الثلاثة ينكسر على فريضة الوصية، وهي أربعة، وسهمان ينكسران على فريضة البنين، وهي خمسة، وليس بين الأربعة والخمسة موافقة بجزء صحيح، فنضرب خمسة في أربعة فتصير عشرين، ثم نضربها في أصل المسألة، وهي ثلاثة، فتصير ستين.
__________
(1) في الأصل: عدّ.
(2) في الأصل: ويحصره.(10/66)
ولو قلت في الابتداء: نحتاج إلى عددٍ [يخرج منه] (1) ثلث وربع وخمس: الثلث [لنميّز] (2) محلّ الوصية، والربع لانقسام الثلث أرباعاً، والخمس لعدد البنين، فنطلب عدداً هو مخرج هذه الكسور، والطريق فيه أن نضرب الثلاثة في الأربعة، ثم المبلغ في الخمسة، فيردّ ستين. وإذا انقسم المال على هذا البسط أثلاثاً وأرباعاً وأخماساً، ينقسم كل جزء من أجزاء المال على هذه النسب، والوصية عشرون، وهو الثلث، نصرف ثلاثة أرباعه، وهو خمسةَ عشرَ إلى الموصى له بالثلث، ونصرف خمسة إلى الموصى له بالنصيب، ونقسم الباقي وهو أربعون على البنين الخمسة، لكل واحد منهم ثمانية [ونقص] (3) نصيبُ الموصى له بالنصيب عن نصيب واحد من البنين بسبب الرد والحصر في الثلث.
وهذا قياس هذا الباب.
ومن أحكم ما قدمناه، هان عليه ما ذكرناه الآن، وما في معناه، فلسنا نرى لتكثير الصور في هذا القسم معنىً.
6659- فأما إذا أوصى لإنسانٍ بنصيب أحد البنين، وأوصى لآخر بجزءٍ بعد النصيب، فهذا يقع على صورٍ، ونحن نُفرد لكل نوع فصلاً، ونذكر ما فيه من الطرق والتقريبات.
فصل
في الوصية بنصيب أحد البنين مع الوصية بجزءً من الباقي بعد النصيب
6660- رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بعشر ما بقي من ماله بعد النصيب.
فنبدأ بطريقة الجبر فنقول: نأخذ مالاً، فنعطي منه نصيباً، فيبقى مالٌ إلا نصيب، فيخرج من هذا الباقي عُشرُه بسبب الوصية بالعشر بعد النصيب، فيبقى تسعةُ أعشار
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) فنميز.
(3) في الأصل: ونفض.(10/67)
مالٍ، إلا تسعة أعشار نصيب. وهذا يعدل أنصباء الورثة، وهم ثلاثة، فنجبر تسعة أعشار المال بتسعة أعشار نصيب، ونزيد على عديلها مثلَها، وعديلُها ثلاثة أيضاً، فصارت الآن ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب.
ثم هاهنا مسلكان: أحدهما - مسلك الإكمال، والثاني - مسلك البسط.
فأما مسلك الإكمال، وهو أوجز، فالوجه فيه أن نقول: معنا تسعة أعشار مالٍ، لا نقص فيها، تعدل ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب، فنُكمل هذا المال، بأن نزيد عليه مثلَ تُسعه، فيصير مالاً كاملاً، ثم نزيد على الأنصباء، وما معها من كسر مثلَ تسعها، وفاءً بالتعديل، فتصير الأنصباء بهذه الزيادة أربعة وثلثاً، فنبسطها أثلاثاً، فتصير ثلاثةَ عشرَ، ونبسط المال أيضاً على هذه النسبة، فيصير ثلاثة، فإذا انتهينا إلى هذا المنتهى، قلبنا الاسم والعبارة، وجعلنا النصيب ثلاثة والمال ثلاثة عشر، فيخرج من هذا المبلغ [النصيب] (1) للموصى له بالنصيب، وهو ثلاثة، فيبقى عشرة: للموصى له بعُشر الباقي سهمٌ واحد، والباقي وهو تسعة بين البنين، لكل واحد منهم ثلاثة. هذه طريقة الإكمال.
6661- الطريقة الثانية - طريقة البسط من غير إكمال، فنقول: إن كان معك تسعة أعشار مال تعدل ثلاثة أنصباء، [و] (2) تسعة أعشار نصيب، فنبسط الأنصباء أعشاراً، فتصير الأنصباء تسعة وثلاثين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون المال تسعة وثلاثين، والنصيب تسعة. ثم المبلغان متوافقان بالثلث، فيرد كل واحد إلى ثلاثة بطريق القطع والاختصار، فيصير المال ثلاثة عشر، وللنصيب ثلاثة ويؤول الأمر إلى ما ذكرناه في طريق الإكمال.
6662- وذكر بعض الحُسّاب قياساً آخر في طريق الجبر، فقال: نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، فيبقى منه مال إلا نصيب، فنعطي منه لكل ابن نصيباً أيضاً، [و] (3)
__________
(1) في الأصل: للنصيب.
(2) في الأصل: أو.
(3) الواو زيادة من المحقق.(10/68)
الأنصباء متساوية، فيبقى مال إلا أربعة أنصباء، فنعلم أن هذا الباقي هو حق الموصى له بالجزء بعد النصيب.
ولكنا قد علمنا أن الجزء الموصى به عُشرُ [ما] (1) بعد النصيب الأول، فنضرب هذا [المال] (2) الناقصَ بأربعة أنصباء، [في عشرة] (3) ، فيردّ عشرة أموال إلا أربعين نصيباً، وهذا يعدل مالاً [إلا نصيبا] (4) .
وهاهنا تأمل قبل أن نجبر ونقابل، وذلك أنه حط الأنصباء الأربعة أولاً على جهالة، ثم لما ضرب في مخرج العشر ردّ الأنصباء الثلاثة إلى الأعشار، وأجرى الجبر والمقابلة بين ما بقي بعد النصيب وبين الأموال التي بسطها.
والسبب فيه أن الجهالة تعتري هذه المسألة؛ من جهة أنا نُحْوَج إلى إسقاط نصيب، ثم ذلك النصيب الذي يسقط بنسب الأنصباء الباقية، فالأنصباء بجملتها تُحَطّ، ثم نبسط المالَ على تقدير حطها، ثم إذا آل الأمر إلى المقابلة دون الأنصباء الثلاثة، فإن الأموال بعد النصيب الأول تقابل الجزءَ وأنصباءَ البنين. فإذا ثبت هذا، قلنا: معنا عشرة أموال ناقصة أربعين نصيباً، تعدل مالاً ناقصاً بنصيب، فنجبر الأموال أربعين نصيباً، ونزيد على عديلها أربعين نصيباً، فينجبر المال الناقص بنصيبٍ واحد، فتبقى عشرة أموال كاملة، تعدل مالاً كاملاً وتسعة وثلاثين نصيباً، فنسقط المثل بالمثل، كما ذكرناه في مراسم الجبر، فنقول: المال من ذلك الجانب يقابل مالاً من الجانب الآخر، فيتساقطان، فيبقى [تسعة] (5) أموال في مقابلة تسعة وثلاثين نصيباً، فنقلب الاسم والعبارة، فنجعل النصيب تسعة والمال تسعة وثلاثين، ثم نرد بالاختصار إلى الثلث، كما تقدم، فيصير المال ثلاثة عشر، والنصيب ثلاثة (6) ، فتلتقي الطرق.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: "وعشرة" والتصويب من المحقق.
وصورة المسألة هكذا: (مال - 4 أنصباء) ×10= 10 مال - 40 نصيباً.
(3) في الأصل: وعشرة.
(4) في الأصل: " مالا للأنصبا ".
(5) في الأصل: سبعة.
(6) صورة المعادلة حسابياً هكذا: =(10/69)
فهذا طريق الجبر والمقابلة.
6663- وعلينا على إثر ذلك أن نبين شيئين: أحدهما - أن نلحق ذلك النوع بمسألة من المسائل الست، فنقول: هي من المفردات، وهي من قبيل مقابلة أعدادٍ بأشياء مجهولة، حتى يتبين حصة كل شيء، ثم أجرينا مراسم الجبر والمقابلة والتكميل، وإسقاط المتماثلين.
والثاني - أن الجبريين استعملوا قلب العبارة والاسم، وهذا في ظاهره كالتحكم، وهو لائحٌ؛ فإن المال إذا قسم على الأشياء المجهولة، انبسطت انبساطها، فصارت مالاً، وثبت لهم بمناسبة الجبر أن عدد المال قبل البسط كعدد النصيب، فقالوا: كذلك نقلب العبارة، ونجعل المقسومَ المنبسط على الأنصباء مالاً، والمناسبَ للنصيب على ما أخرجه الجبر نصيباً.
يحققه أنك إذا قسمت، قلبت المال وجذر كل نصيب، كما قلبت العبارة إليه، غير أنهم وجدوا النصيب المخرج مجهولاً، وامتحنوا القسمة المخرجة للقلب، فأطلقوا عبارة القلب ليسهل حطّ النصيب وإخراجُه، وقسمة الباقي.
6664- طريقة الخطأين (1) ، وهي طريقة قدماء الحكماء، وهي تذكر على
__________
= 10 أموال - 40 نصيبا= مال - نصيب.
فنجبرها بالزيادة والنقص هكذا:
10 أموال - 40 نصيباً+40 نصيباً - مال= مال - نصيب+40 نصيباً - مال.
فنُسقط الزائد بالنافص، فيبقى معنا:
9 أموال= 39 نصيباً
فنقلب الاسم والعبارة، فيكون: النصيب 9، والمال 39.
والباقي لا يخفى.
(1) حساب الخطأين عند المحاسبين: اسم عمل يعلم به العدد المجهول بعد الخطأين. (ر. كشاف اصطلاحات الفنون: 2/402) وفيه مزيد شرح وتمثيل لهذا النوع من الحساب.
بصورة أوضح مما عرضها إمامنا.
وانظر الموسوعة العربية العالمية مجلد 16 ص 524 مادة (العلوم عند المسلمين) فقد جاء فيها: "استخرج رياضيو العرب والمسلمين المجاهيل العددية عن طريق التحليل بطريقين أخريين، قلّما يعرفهما شخص في العصر الحديث سوى المتخصصين في الرياضيات، وهاتان =(10/70)
وجهين: يسمى أحدهما - الخطأ [الأصغر] (1) ويسمى الثاني - وهو مبني على الأول - الخطأ [الأكبر] (2) .
فأما الخطأ الأكبر، فهو أن يخطىء خطأين، ثم يخرج الصواب من بينهما، والخطأ الأصغر هو الذي يخرج الصواب بخطأٍ واحد.
فأما [الأصغر] (3) فتأخذ عشرة لاحتياجك إلى العُشر، وتزيد عليه واحداً لعلمك بالاحتياج إلى إخراج نصيب، وهذا الواحد تزيده لذلك، ثم تأتي بعده بعَشْر، وانظر ما يكون، وامتحن، فتدفع إلى الموصى له بمثل نصيبٍ واحداً؛ فيبقى عَشرة، وتدفع عشرها إلى الموصى له بالعشر بعد النصيب؛ فيبقى تسعة، يأخذ منها كلُّ ابن واحداً؛ فإنك قدَّرت النصيب واحداً؛ فيفضل ستة أسهم، فهذا هو الخطأ الأول، وقد زاد المال على ما قدرناه من الأنصباء. فنزيد النصيب سهماً آخر، ونجعل المال اثني عشر، والنصيبَ اثنين، فندفع إلى الموصَى له بمثل النصيب اثنين، فيبقى عَشرة، فندفع عشرها إلى الموصَى له الثاني، تبقى تسعة، يأخذ كل ابن منها اثنين، يبقى ثلاثة، وهي الخطأ الأصغر.
نكتفي بهذا، ونقول تبيّنتَ أن المال ثلاثة عشر، وهو الغرض الأعظم، فأخرج ثلاثة إلى النصيب، وواحداً إلى الموصى له بالعشر بعد النصيب، واقسم التسعة على ثلاثة بنين، فنصيب كل واحد منهم ثلاثة، وتنتظم المسألة.
هذا تمام بيان الخطأ الأصغر.
وصاحب الخطأ الأكبر يجاري صاحبَ الخطأ الأصغر إلى رجوع الخطأ إلى ثلاثة،
__________
= الطريقتان هما: حساب الخطأين، والتحليل والتعاكس. وكانت لهم مؤلفات في ذلك منها: كتاب الخطأين لأبي كامل الحاسب المصري، وكتاب حساب الخطأين ليعقوب بن محمد الرازي، وغيرهما، وكانت هاتان الطريقتان شائعتين عند العرب، وأكثر استخداماً من غيرهما". ا. هـ. واقرأ بعد هذا -إن شئت- نماذج وشرحاً لهذا النوع من الحساب.
(1) في الأصل: الأكبر.
(2) في الأصل: الأصغر.
(3) في الأصل: الأكبر.(10/71)
ثم يقول في هذا المنتهى: هذه الثلاثة التي تبيّنتْ تحفظُها، فهي الأصل، وعليها القسمة، وبها استخراج المال والنصيب.
فنقول: الخطأ الأول ستة، والخطأ الثاني ثلاثة، فنضرب المال الأول الذي قدرناه وهو أحد عشر في الخطأ الثاني وهو ثلاثة، فيردّ ثلاثة وثلاثين، ثم نضرب المال الثاني وهو اثنا عشر في الخطأ الأول وهو ستة، فيرد اثنين وسبعين، فنحط الأقل من الأكثر، وإذا حططنا ثلاثة وثلاثين من اثنين وسبعين، بقي المال تسعة وثلاثين.
فهذا هو المال المبسوط. ثم نقسم هذا المبلغ على ما أعددناه للقسمة، وهو الخطأ الثاني، وذلك ثلاثة، وإذا قسمنا تسعة وثلاثين على ثلاثة، فالخارج من القسمة ثلاثة عشر، وهو المال بعد الاختصار.
وإذا أردنا أن نعرف النصيبب، ضربنا النصيب الأول، وهو سهم واحد كما زدناه على العَشر في الخطأ الثاني، وهو ثلاثة، فيرد ثلاثة، ثم نضرب النصيب الثاني وهو اثنان، كما زدناهما على العشرة في الخطأ الأول، وهو ستة، فيرد علينا اثنا عشر، فننقص الأقل من الأكثر: ثلاثة من اثني عشر، فتبقى تسعة، فنقسمها على الثلاثة التي أعددناها للقسمة عليها، فيخرج من القسمة ثلاثة، وهي النصيب؛ فالمال إذن بعد القسمة ثلاثة عشر والنصيب بعد القسمة ثلاثة.
فهذا بيان الخطأ الأكبر.
وصاحب الأصغر إذا تبين له الغرض، اكتفى، وانكف عن العمل. وصاحب الخطأ الأكبر مُتذكّر بعِدّة الخطأ الأصغر، ثم امتزج الكلام، وبان المسلكان جميعاً على النسق الذي ذكرناه.
6665- طريقة ثالثة تعرف بطريق الندب، وهو أن نقسم سهام الفريضة على البنين وهي ثلاثة، ثم نطلب عدداً له عُشر، وهو عشرة، لاحتياجنا إلى العشر، فيبقى من كل سهم عُشرُه، بسبب الوصية بعشر ما تبقى، فيصير نصيب كل ابن تسعة أعشار، فيتبين أن النصيب الموصى به تسعةُ أعشار، ثم نضم العشرَ إلى أنصباء البنين؛ [إذ] (1)
__________
(1) في الأصل: إذا.(10/72)
كان غرضنا بما قلنا أن نبيِّن النصيب وقد بيّناه، فالمال كله ثلاثة أنصباء (1) .
وإن أحببت، قلت: ثلاثة سهام وتسعة أعشار سهم، فنبسطها بالضرب في مخرج العشر أعشاراً، فنبسط كلَّ سهم بالأعشار والمجموع تسعة وثلاثون، فهذا هو المال المبسوط الذي منه القسمة، والنصيب تسعة.
فإذا أردنا الاختصار، رددنا كل شيء إلى ثلثه، فإنه [مشترك] (2) بجزء الثلث، فنرد المال إلى ثُلثه وهو ثلاثة عشر، ونرد النصيب إلى ثلاثة.
6666- طريقة أخرى تعرف بطريقة الحشو، وسبيلها أن نقيم سهامَ الفريضة على البنين، وهي ثلاثة، ثم نطلب عدداً له عُشر، فنأخذ عُشره، وهو واحد، فنضربه في سهام البنين وسهم الموصى له، فيبلغ أربعة، فنضربها في العشرة، فتبلغ أربعين، فنلقي منها سهماً أبداً، وهذا سمي سهم الحشو، والطريقة تلقب بالحشو لذلك، فتبقى تسعة وثلاثون. وهو المال.
ثم نرجع إلى الثلاثة التي [هي] (3) سهام الفريضة، فنأخذ نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه من أصل المسألة قبل الضرب الذي ذكرناه، وهو سهم واحد، فنضربه في عشرة، فيرد عشرة، فنلقي من العدد سهمَ الحشو، وهو واحد، فتبقى تسعة، فهي النصيب وآل الأمر إلى اختصار المال والنصيب كما قدمناه. وقيل: إن محمدَ بنَ الحسن كان يعوِّل على هذا في الدور والوصايا.
6667- طريقة أخرى تعرف بالمقادير: وهي أن نعطي الموصى [له] (4) بمثل النصيب نصيباً، فيبقى من المال مقدار، فندفع عُشره إلى الموصى له الثاني، فتبقى تسعة أعشار مقدار، نقسمها بين ثلاثة بنين: لكل ابن ثلاثة أعشار مقدار، فنعلم بذلك أن النصيب الذي أخذه الموصى له بمثل النصيب كان ثلاثة أعشار مقدار، [فابسطها] (5)
__________
(1) كذا. ولعلها: فالمال كله ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب.
(2) في الأصل: " متركه " وهو تصحيف واضح.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: فأسقطها.(10/73)
أعشاراً، فتصير ثلاثة عشر، والنصيب منها ثلاثة.
6668- طريقة أخرى تعرف بطريق القياس: وهو أن نُقيم سهام الفريضة على البنين، وهي ثلاثة، ونزيد على كل سهم مثلَ تسعه من أصل الوصية بالعشر من الباقي؛ لأن عشر كل شيء مثل تسع الباقي منه بعد إسقاط عشره، فصار ما قدمناه للبنين ثلاثة أسهم وثلاثة أتساع، وهي في التحقيق ثلاثة وثلث، فتزيد النصيب منها، ولا تزيد عليه شيئاً، إنما زدنا على نصيب البنين لمكان تقديم العشر بعد النصيب، فإنا نقدر في هذه الطريقة ضمَّ الوصية الثانية إلى نصيب البنين، فحصل معنا إذاً سهام البنين والوصيتين أربعة وثلث، فنبسطها أثلاثاً، فتصير ثلاثة عشر، وهو المال. وقد بان النصيب.
6669- طريقة أخرى تشهر بطريق الدينار [والدرهم] (1) : فنقول: المال كله دينار وعشرة دراهم، لذكره العشرة، فنصرف الدينارَ إلى الموصى له بالنصيب، ونصرف درهماً إلى الموصى له بعشر ما بقي فتبقى تسعة دراهم، نقسمها على البنين، فيحصل كل واحد على ثلاثة دراهم، فتعلم أن قيمة الدينار ثلاثة دراهم، فنعود ونقول: المال ثلاثة عشر درهماً، ويتسق العمل على نحو ما ذكرنا.
واستعمل عثمان بن أبي ربيعة الباهلي هذه الطريقة وسمى الدينار شيئاً، فقال: المال شيء وعشرة دراهم، فأقام الشيء مقام الدينار، وسميت الطريقة العثمانية، وهي بعينها طريقة الدينار والدراهم.
6670- وذكر بعضُ الحذاق طريقةً قريبةً من طريقة المقادير والقياس، وهي حسنةٌ، قريبة المأخذ، فنقول: إذا أوصى بنصيب وبالعُشر بعد النصيب، فننظر إلى عدد البنين، فنعطي أولاً الموصى له بالجزء بعد النصيب سهاماً على عدد البنين، وهم ثلاثة في المسألة، ثم نضرب هذه السهام في مخرج العشر ونسلم منها ثلاثة إلى الموصَى له بعشر الباقي، ويقسم السبعة والعشرين على ثلاثة من البنين، فيخص كلَّ واحد تسعه، فنستبين أن النصيب تسعة، فنزيد تسعة على ثلاثين، وقد بان المال المبسوط والنصيب المبسوط. ولا يخفى طريق الاختصار، وهذا حسن.
__________
(1) زيادة من المحقق؛ فذلك اسمها الكامل، وسيتكرر فيما بعد.(10/74)
وإنما أُخذ نصيب الموصى له بالجزء بعد النصيب من عدد البنين، من جهة أن ذلك لا بد وأن يتضعّف بضرب عدد البنين في المخرج، ثم يكون الجزء متضعفاً بعدد رؤوس البنين.
ونمتحن الطريقة بالزيادة في عدد البنين، وتغيير الجزء، حتى يستبين للمسترشد اطرادُ الطريقة، فلو أوصى لرجل بنصيب أحد البنين، وهم خمسة، وأوصى لآخر بربع ما تبقى من المال بعد النصيب، فنقدِّر للموصى له بالجزء خمسةَ دراهم أخذاً من عدد البنين، ثم نضربه في أربعة، فيردّ عشرين، فنحط منه خمسة، فتبقى خمسةَ عشرَ، بين خمسة من البنين، ويخص كل واحد منهم ثلاثة، وقد بان أن النصيب ثلاثة، فنضم ثلاثة إلى العشرين، وتطّرد القسمة، والمسألة لا تحتمل الاختصار، لأن فيها ثلاثة وخمسة، ولا اشتراك بينهما.
6671- ويجري في هذا الباب نوع من مسائلَ كثيرة على نهاية الإيجاز والاختصار، فنذكرها حتى يستعملها الطالب إذا اتفقت.
فإذا أوصى بنصيبٍ، وأوصى بجزءٍ بعد النصيب، وكان بين مخرج الجزء وبين عدد البنين سهم، فنقيم الفريضة من مخرج الجزء، ونرد عليها واحداً للنصيب الموصى به.
مثاله: أوصى بنصيب أحد البنين، وهم ثلاثة، وأوصى بربع ما تبقى بعد النصيب، فبين مخرج الربع وبين عدد البنين سهم واحد، فنزيد على مخرج الربع سهماً، وقد صحّت المسألة: للموصى له بالنصيب سهم، وللموصَى له بربع الباقي سهم، ولكل ابن سهم.
ولو أوصى بنصيب أحد البنين وهم ثمانية، وأوصى بتسع ما تبقى بعد النصيب، فبين التسعة وعدد البنين واحد، فنقيم تسعة، ونزيد واحداً، وقد صحت المسألة من عشرة.
فهذا بيان مسائل الباب.
6672- فنذكر صورةً أخرى ونستعمل فيها طريقةً من الطرق المقدمة، ونتخذ ذلك(10/75)
دأبنا في الأبواب، فنذكر في كل باب صورتين، نستعمل الطرق في الأولى منهما ونستعمل طريقة واحدة في الأخرى على ما يتفق.
صورة: فإن ترك امرأة، وأبوين، وبنتين وأوصى بنصيب أحد الأبوين، وأوصى لآخر بربع ما تبقى بعد النصيب، فحساب المسألة على طريقة القياس أن نقول: سهام الفريضة سبعة وعشرون، فإنها عائلة، وهي المنبرية، ونحن نحتاج إلى ربع الباقي، فنزيد على الفريضة مثل ثلثها. هكذا تقتضي النسبة، فتبلغ ستة وثلاثين، فنزيد عليها مثل نصيب أحد الأبوين أربعة فتصح المسألة من أربعين: للموصى له بالمثل أربعة، وللموصى له بربع الباقي تسعة، والباقي سبعة وعشرون بين الورثة على فرائض الله تعالى.
المسألة بحالها إلا أنه أوصى بنصيب إحدى البنتين، فنصيب إحدى البنتين ثمانية، فتعمل عملك، وتزيد [ثمانية، فتبلغ أربعة وأربعين] (1) ، فمنها تصح المسألة.
ولو أوصى والمسألة بحالها بمثل نصيب المرأة، لزدت على الستة والثلاثين ثلاثة، فتبلغ تسعة وثلاثين فمنها تصح المسألة، والطرق كلها تجري في هذه المسألة، ولكنا آثرنا الاختصار؛ فاقتصرنا على طريقة واحدة.
فصل
في الوصية بالنصيب مع الوصية بجزء مما بقي من جزءٍ من المال.
6673- ثلاثة بنين. وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب.
فطريق الجبر أن نقول: نأخذ ثلثَ مال، ونلقي منه نصيبَ الموصَى له الأول، فيبقى ثلثُ مالي إلا نصيب، ندفع ثُلثَه إلى الموصَى له الثاني، وهو تُسعُ مالٍ إلا ثلث نصيب، فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي نصيب، فنضمّه إلى ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية أتساع مالٍ إلا ثلثي نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فنجبر
__________
(1) في الأصل: " ستة فتبلغ اثنين وأربعين " وهو خطأ.(10/76)
الثمانية أتساع بثلثي نصيب، ونزيد على عديله مثلَه، فتكون ثمانية أتساع مال، تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي نصيب.
ثم إن شئت أكملت، وإن شئت، بسطت، فإن بسطت، فالمال ثمانية أتساع، وهي مبسوطة، فنبسط الأنصباء وثلثي نصيب أتساعاً، فتصير ثلاثة وثلاثين، فنقلب الاسمَ والعبارة، فيصير النصيب ثمانية، والمال ثلاثة وثلاثون، فثلث المال أحد عشر، فنلقي بالوصية الأولى نصيباً، وهو [ثمانية، ويبقى] (1) ثلاثة، نُلقي منها ثلثها سهماً واحداً؛ فيبقى اثنان، نزيدها على ثلثي المال؛ فيبلغ المجموع أربعةً وعشرين، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ثمانية، مثل ما أخذ الموصَى له بمثل النصيب.
وهذه طريقة [البسط] (2) .
فإن أردت طريقةَ الإكمال، فقل: ثمانية أتساع مال، فردّ عليه مثلَ ثُمنه، فيصير مالاً [كاملاً] (3) ، وإذا زدنا على المال مثلَ ثُمنه، كذلك نزيد على الأنصباء مثل ثمنها، فتصير ثلاثة أنصباء وثلثي نصيب ثلاثةً وثلاثين، فإنا نبسطها أثماناًَ، ونزيد على كل نصيب مثلَ ثمنه، وعلى الكسر كذلك، فيصير كل نصيب تسعة، ويصير ثلثا النصيب ستة، ثم نقول: معنا مالٌ كامل، يعدل ثلاثة وثلاثين، فنقلب العبارة، ونبدل الاسم ونجعل المال ثلاثة وثلاثين، والنصيبَ ثمانية.
وفي هذا دقيقة وهي أنا عرفنا أن النصيب ثمانية، قبل تكميل المال بالزيادة عليه، وأيضاً فإنا لما بسطنا كلَّ نصيب أثماناً، فالنصيب ثمانية، وإنما زدنا عليه وفاءً بأركان الجبر والمقابلة.
فهذا بيان التكميل والبسط.
6674- فأما العمل بالخطأ الأكبر، فنجعل [ثلث] (4) المال عدداً، إذا أنقصت منه نصيباً على ما تريد، كان الباقي ثلثاً صحيحاً، فنجعل الثلث عن اتفاقٍ ثمانيةً، ونجعل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) في الأصل: قليلاً.
(4) في الأصل: ثلثا.(10/77)
النصيب خمسة، فندفعه إلى الموصى له الأول، وندفع سهماً من السهام الثلاثة إلى الموصى له الثاني، يبقى اثنان نزيده على ثلثي المال، وهو ستة عشر، فبلغ ثمانية عشر، فندفع منها إلى كل ابن مثلَ النصيب الذي دفعناه إلى الموصى له بالنصيب الأول، فيفضل ثلاثة، وهو الخطأ الأول، والخطأ في الزيادة، فاحفظ هذا.
ثم ارجع واجعل ثلث المال إن شئت عشرة، والنصيب سبعة، فادفعها إلى الموصى له الأول؛ تبقى ثلاثة، فادفع منها واحداً إلى الموصى له الثاني؛ يبقى اثنان، نزيده على ثلثي المال؛ فيبلغ اثنين وعشرين، ندفع إلى كل ابن سبعة: مثلَ النصيب، يبقى واحد، وهو الخطأ الثاني، فهو زائد، فكان الخطأ الأول ثلاثة، وهذا الخطأ واحد، فنطرح الأقلَّ من الأكثر، وهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم اضرب المال الأول نعني الثلث، وهو ثمانية التي قدرتها أولاً في الخطأ الثاني، وهو واحد، [فترتد] (1) ثمانية، واضرب المال الثاني، وهو عشرة في الخطأ الأول، وهو ثلاثة، فيصير ثلاثين، وانقص الأقل من الأكثر، فيبقى اثنان وعشرون، فاقسمها على ما أعددته للقسمة، وهو اثنان، فيخرج من القسمة أحدَ عشرَ، وهو ثلث المال؛ فالمال ثلاثة وثلاثون.
وإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول، وهو خمسة في الخطأ الثاني وهو واحد، فيردّ خمسة، واضرب النصيب [الثاني] (2) ، وهو سبعة في الخطأ الأول وهو ثلاثة فيرد واحداً وعشرين، وانقص الأقل من الأكثر، فيبقى ستة عشر، فاقسمها على الاثنين المحفوظ، فيخرج ثمانية، وهي النصيب.
هذا بيان الخطأ الأكبر.
فأما العمل بالخطأ الأصغر، فإذا علمت أنك لما جعلت الثلث ثمانية، كان الخطأ ثلاثة، فما زدت سهمين في الثلث، أو ستة في كل المال، عاد الخطأ إلى واحد، ونقص من الخطأ اثنان، والواحد نصف الاثنين، فتزيد في الثلث واحداً، فيصير أحد عشر. وقد تم العمل.
__________
(1) في الأصل: فتزيد.
(2) في الأصل: الباقي.(10/78)
وصاحب الخطأ الأصغر لا يعمل بهذا البيان شيئاً.
6675- وأما الحساب بطريق [الندب] (1) ، فنأخذ عدداً له ثلث، ونعتقده مثالاً للثلث، ونجعل التسعة مثالاً لجميع المال، هذا لا بد منه مع الحاجة إلى ثلث الثلث، فنأخذ ثلث التسعة، وهو ثلاثة، ونلقي منها [ثلثها] (2) ولا نلتفت بعد النصيب (3) ، فتبقى اثنان من الثلث [فنزيدها] (4) على ثلثي المال وهو ستة، فيبلغ ثمانية، فهذا يعدل كل سهم من سهام الفريضة، فنحفظ هذا، ثم نقسم سهام الفريضة، وهي ثلاثة، ومعنا في المسألة ثلث، ولا ينظر صاحب المال إلى أنه ثلث الثلث أو الثلث، وهذا كما أننا في الفصل الأول نقصنا من كل نصيب عُشراً، وما كانت الوصية بالعشر بعد النصيب، فنجري على ذلك المنهاج، ونقول: ننقص من كل سهم ثلثاً، فيبين أن الموصى له بالنصيب ثلثا سهم، ثم نحن نجبر سهمَ الورثة إذا تبيّنا مقدار النصيب، ويبقى النصيب الموصى به على نقصانه، فيخرج منه أنا إذا ضممنا النصيب الموصى به إلى سهام الفريضة بعد إكمالها، فتبلغ الجملة ثلاثة أسهم وثلثي سهم، فنضربها في التسعة التي جعلناها للمال، فيبلغ ثلاثاً وثلاثين، فهي المال.
وإذا أردت معرفة النصيب، فقد قدمنا أن كل سهم ثمانية، فالنصيب إذاً ثمانية.
فهذا رسم طريق [الندب] (1) . وفيها مجاوزات في الابتداء، ولكن العمل يستدركها في الأثناء، وأضبط الطرق [ما] (5) يجري ابتداؤه وأثناؤه على سمت التحقيق. وأمُّ الطرق الجبر.
6676- فأما حساب المسألة بطريق الحشو، فاعلم أن معرفة الحشو بأن تأخذ في كل مسألة مخرج الكسر الذي معك، ومخرج الكسر ثلاثة، خُذ واحداً منها وهو
__________
(1) في الأصل: الباب، وقد سماه في المسألة السابقة (الندب) .
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) المعنى: ولا نلتفت إلى أن إلقاء ثلث الثلث يكون بعد أَخْذ النصيب من الثلث.
(4) في الأصل: فنزيد.
(5) في الأصل: فما.(10/79)
الثلث، واعتقد أنه ينتظم منه الحشو، ورسمُ العمل فيه أن تضرب ذلك السهم في نصيب من نسبة نصيب الموصى له بنصيبه، وهو واحد، فيرد واحداً، فاحفظه، ثم ترجع إلى سهام الفريضة، وهي ثلاثة، وتزيد عليها نصيب وارث مساوٍ لهم، فتبلغ أربعة، فتضربها في الثلاثة مخرج الكسر، فتبلغ اثني عشر، فتُسقط منه سهم الحشو، وهو واحد، فيبقى أحد عشر، وهو ثلث المال.
وإن أردت معرفة النصيب، فخذ نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه، وهو واحد، فاضربه في مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتكون ثلاثة، فاضربها في مخرج الجزء المذكور ثانياً، فيبلغ تسعة، فأسقط منها سهمَ الحشو، وهو واحد، فيبقى ثمانية، وهو النصيب.
6677- وأما الحساب بطريق الدينار والدرهم، فنجعل الثلث ديناراً وثلاثة دراهم، ونجعل الثلثين [دينارين] (1) وستة دراهم، ثم نخرج الدينار إلى الوصية بالنصيب، وهو على التحقيق عبارة عن شيء مجهول، ونعطي من الدراهم الثلاثة إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب درهماً، فيبقى درهمان، فنضمها إلى الثلثين، فيصير ما نقسم على الورثة دينارين [وثمانية] (2) دراهم، ومعنا ثلاثة بنين، فندفع دينارين إلى اثنين، وندفع الثمانية دراهم إلى الثالث، فنعلم أن الدينار ثمانية، فنعود، ونقول: بان لنا أن ثلث المال ثمانية وثلاثة، فالمجموع أحد عشر، وهو ثلث المال.
6678- طريقة المقادير: فنقول: نأخذ ثلث المال، ونلقي منه للموصى له الأول نصيباً، يبقى من الثلث مقدار، وقد بقي من المال ثلثاه، فندفع من كل ثلث نصيباً إلى اثنين، فيبقى من كل ثلث مقدار، وقد علمت أن الموصى له الثاني يستحق ثلث مقدار، وجميع الباقي من المال مقداران، وثلثا مقدار، فهي للابن الثالث الذي لم يأخذ شيئاً، وقد علمت أن ذلك مثل ما أخذه صاحب النصيب، فجميع الثلث إذاً ثلاثة
__________
(1) في الأصل: ديناراً.
(2) في الأصل: وثلاثة.(10/80)
مقادير وثلثا مقدار، والنصيب منها مقداران وثلثا مقدار.
وإذا بسطت الثلثَ، وهو ثلاثة مقادير وثلثا مقدار أثلاثاً، كان أحدَ عشرَ، والنصيب منها مقداران، وثلثا مقدار، وهو ثمانية. وقد تم العمل.
6679- وأما العمل بطريق القياس، فنقول: قد علمنا أن الموصى له بالجزء من الجزء يأخذ سهماً [من الثلث بعد الموصى له بالنصيب] (1) ، والوصيتان مضافتان إلى الثلث، فنقدر كأن الثلث تسعة، لمكان ثلث الثلث، فنعطي من التسعة نصيباً، ونعلم أنا نصرف من الباقي سهماً إلى الموصى له بجزء الجزء، فنقدّر من طريق القياس الثلثين الباقيين على المقدار الذي ذكرناه في الثلث الحاوي للوصيتين، فيخرج من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيب، ولا يخرج منه وصية بجزء. فيفضُل من كل ثلث ثلاثة، ومن ثلث الوصيتين اثنان، والمجموع ثمانية: فندفعها إلى الابن الثالث، ونتبين أن النصيب ثمانية، فنعود ونقول: النصيب ثمانية، وبعدها ثلاثة لمكان الوصية، فمجموع الثلث أحدَ عشرَ، ويعود الأمر إلى ما ذكرناه.
6680- وذكر بعض الحذّاق طريقة مقتضبةً من الطرق التي ذكرناها، وهي قريبة من طريق القياس، ولكنها أبقى وأسهل، فنقول في المسألة التي ذكرناها: نقيم مخرج الثلث ثلاثة، ثم نضربها في الثلاثة، لاحتياجنا إلى ثلث الثلث، فيردّ تسعة، فنحط من المبلغ سهماً واحداً أبداً، ثم ننظر إلى عدد البنين، فنحط من عددهم اثنين أبداً في كل مسألة، ونقسم ما معنا، وهو العدد الذي حططنا منه الواحد على من بقي بعد حط الاثنين، فما يخص ابناً تبينا أنه النصيب الذي نطلبه، فنقول في هذه المسألة: نحط من التسعة واحداً، ومن البنين اثنين فتبقى ثمانية للابن الثالث، فنرجع ونقول: ثلث المال ثمانية، وثلثاه ضعف ذلك، والجملة ثلاثة وثلاثون (2) .
وهذا بعينه هو الذي ذكرناه في القياس إذا أعطينا للاثنين من البنين النصيبين، ثم
__________
(1) عبارة الأصل: " يأخذ سهما وثلثه بعد، والوصيتان ... ".
(2) وذلك بإضافة (الواحد) الذي حَطَطْناه أولاً من التسعة التي قدرناها.(10/81)
جمعنا الأعداد المقدرة في الثلثين، والفاضلَ من الثلث بعد الوصيتين، وصرفناه إلى الابن الثالث.
ونقول على هذه الطريقة: لو كان البنون أربعة، والوصيتان كما ذكرنا، فنقول: نقدر تسعة لمكان ثلث الثلث، ونسقط منه واحداً، فيبقى ثمانية فَنُسقِط ابنين، ونقسم الثمانية على الابنين الباقيين، فيصيب كل واحد منهما أربعة، فالنصيب أربعة، فنعود ونقول: الثلث أربعة وثلاثة، والثلثان أربعة عشر، لصاحب النصيب أربعة، ولصاحب الوصية بالجزء سهم من ثلاثة، والاثنان الباقيان مضمومان إلى الثلثين، فيصير المجموع ستةَ عشرَ، نقسمها على البنين الأربعة؛ فيخص كل واحد أربعة.
وقد يؤدي العمل إلى كسر فصحِّحه بطريق البسط، فالطريقة في بابها مطردة.
6681- ولو أوصى بنصيب أحد البنين وبربع ما تبقى من الثلث، وله ثلاثة من البنين، فنقسم مخرج الربع مضروباً في ثلاثة؛ فإنا نحتاج إلى ربع الثلث، فيردّ علينا اثنا عشر، فنحط منه واحداً، ونحط من البنين اثنين، فنعلم أن نصيب الواحد أحد عشر، فنرجع ونقول الثلث أحد عشر وأربعة، والثلثان ثلاثون؛ فتستقيم المسألة.
6682- مسألة أخرى ترك أبوين وبنتين وأوصى بمثل نصيب إحدى البنتين، ولآخر بثلاثة أرباع ما بقي من الثلث بعد النصيب.
فحساب المسألة بالدينار والدرهم أن نصحح الفريضة وهي من ستة: لكل بنت سهمان، ولكل واحد من الأبوين سهم، فنحسب كلَّ سهم ديناراً إذا أردنا ترتيبَ الثلث؛ فإن الأنصباء مختلفة: لو قدرنا نصيب البنت ديناراً، لزمنا أن نقول: لو أوصى بمثل نصيب أحد الأبوين نصف دينار يصح، ولكن لم يحسن وضع الطريقة كذلك، فإذا وقعت الوصية بنصيب إحدى البنتين، فنقول ثلث المال ديناران وأربعة دراهم، فنسلم الدينارين إلى الموصى له بنصيب إحدى البنتين، وندفع بالوصية الثانية ثلاثة أرباع ما بقي، وهو ثلاثة دراهم، يبقى واحد نزيده على ثلثي المال، فيبلغ أربعة دنانير وتسعة دراهم، هذا يعدل أنصباء الورثة، وأنصباؤهم ستة دنانير، فأربعة دنانير بمثلها قصاص، يبقى ديناران، يعدلان تسعة دراهم، فقيمة الدينار أربعة دراهم(10/82)
ونصف، وثلث المال ديناران وأربعة دراهم، فهو إذاً ثلاثة عشر درهماً، والنصيب أربعة ونصف، فإن أردت إزالة الكسر، فاضربه في اثنين، يكون ثلث المال ستة وعشرين، والنصيب (1) تسعة، وتصح المسألة.
وسبيل الامتحان أن نأخذ ثلث المال، فنلقى منه بالوصية الأولى نصيبين (2) ، وذلك ثمانية عشر تبقى ثمانية، نلقي منها بالوصية الثانية ثلاثة أرباعها: ستة، فيبقى اثنان نزيده على ثلثي المال، وهو اثنان وخمسون، فتبلغ أربعةً وخمسين، للأبوين سدساها: ثمانية عشر، لكل واحد تسعة، وللبنتين الثلثان: ستة وثلاثون، لكل واحدة منهما ثمانيةَ عشرَ، مثل ما أخذ الموصى له بمثل نصيب إحدى البنتين.
وجميع الطرق تعود في هذه المسألة.
6683- ونعيد من جملتها طريقَ الحشو، والغرضُ تمهيد القاعدة فيها، فنقول: الفريضة من ستة، فنزيد عليها مثل نصيب إحدى البنتين وهو اثنان لمكان الوصية، فيبلغ ثمانية، فنضربها في مخرج الربع: أربعة؛ فترد اثنين وثلاثين، ثم نضرب الأجزاء التي أوصى بها بعد النصيب، وهي ثلاثة أرباع في النصيب الموصى به، وهو اثنان، فيردّ ضرب ثلاثة في اثنين ستة، فنحطه، وهو الحشو من اثنين وثلاثين، فيبقى ستة وعشرون، وهو ثلث المال.
وإذا أردت معرفة النصيب الموصى به، فاضرب النصيبَ في مخرج الربع، لذكر الأرباع، ثم اضربها يعني الثمانية في مخرج الثلث وهو ثلاثة، فتكون أربعة وعشرين، فنسقط الحشو، وهو الستة التي أسقطها من الأول، فتبقى ثمانية عشر، وهو النصيب.
وقد خرجت المسألة.
6684- والذي نريد التنبيه عليه من هذه الطريقة أن سهم الحشو عددُ أجزاء من
__________
(1) المراد بالنصيب هنا السهم، وإلا، فنصيب البنت ثمانية عشر، تساوي سهمين، أي ليس تسعة.
(2) الملقى نصيبان، أي سهمان، وإلا فالموصى به نصيب واحد، من نصيبي البنتين.(10/83)
مخرجٍ موصى به، نضربه في النصيب الموصى به، قد يكون واحداً، وقد يكون عدداً، وعدد الأجزاء الثلاثة في هذه المسألة؛ فإنه أوصى فيها بثلاثة أرباع مما بقي من الثلث، ضربناها في النصيب، وهو اثنان، فهو سهم الحشو.
ثم إذا أردنا طلبَ المال، والمطلوب في هذا طلبُ جنس الثلث، وهو الذي نسميه مالاً، فنجمع الأنصباء ونضم إليها النصيب الموصى به، ونضربه في مخرج الجزء، ولا نكرر، حتى إن كان ثلث الثلث، اكتفينا بالضرب في مخرج الثلث، وإن كان ربع الثلث، ضربنا في مخرج الكسر الأقل: في الأربعة في هذه المسألة، واكتفينا بذلك، ولا نضرب في مخرج له ثلث وربع، ثم نحط الحشو، كما قدمناه.
وإن أردنا طلب النصيب، ضربنا مبلغ الموضوع عندنا من سهام المسألة على الجملة في مخرج يخرج منه الكسران بالربع والثلث، فإنا إذا كنا نطلب النصيب الأقصى، احتجنا إلى الضرب في المخرج الأقصى، فكذلك نضرب النصيب في هذه المسألة في الأربعة، ثم المبلغ في الثلاثة وعلة إسقاط الحشو في هذا المقام بينة، لأن النصيب هو المطلوب، وهو جزءٌ من الثلث. فإذا وقع ضرب النصيب في مخرج الثلث والربع، فلا بد من حط مضروب عدد الأجزاء في النصيب.
فهذا بيان طريقة الحشو.
6685- مسألة أخرى:
رجل له ثلاث بنات وعصبة أوصى بمثل نصيب إحداهن لإنسان ولآخر بثلثي ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فالفريضة أولاً من تسعة: للبنات ثلثان ستة، لكل واحدة اثنان.
فحساب الدينار والدرهم أن نقول: ثلث المال ديناران وثلاثة دراهم، وسبب الدينارين أن لكل بنت سهمان. نعطي منه بالنصيب دينارين، وبالوصية الثانية درهمين، فيبقى درهم، نزيده على ثلثي المال، فيصير المجموع أربعة دنانير وسبعة دراهم، وذلك يعدل تسعة دنانير (1) ، وهي سهام المسألة، فنسقط الدنانير بالدنانير قصاصاً، فيبقى خمسة
__________
(1) لكي تعرف من أين جاءت هذه (التسعة) تذكَّر أن الباقي بعد الوصيتين هو نصيب الورثة، =(10/84)
دنانير في مقابلة سبعة دراهم، فقيمة كل دينار درهم وخمسان، هذا مقتضى القسمة. فنعود ونقول: الثلث درهمان وأربعة أخماس، وثلاثة دراهم فالمجموع خمسة وأربعة أخماس، فنبسطها أخماساً، فيكون الثلث تسعة وعشرين، والنصيب أربعة عشر، فإن الدرهمين والأربعة الأخماس إذا بسطتها أخماساً تبلغ هذا المبلغ، والامتحان أن نلقي النصيب من الثلث، يبقى منه خمسة عشر، فنلقي ثلثيها عشرة للوصية الثانية، فيبقى خمسة، نزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وخمسون، فيبلغ ثلاثة وستين: للبنات ثلثاها وهو اثنان وأربعون، لكل واحدة أربعة عشر، مثلما أخذه الموصى له بالنصيب، والباقي للعصبة.
وحساب المسألة بطريق الحشو أن نقول: سهام الفريضة تسعة، فنضم إليها نصيب بنت، فتصير أحد عشر، فنضربه في مخرج الثلث ثلاثة، فيكون ثلاثة وثلاثين، ثم قد أوصى بجزأين من ثلاثة، فنضربه في النصيب، وهو اثنان، وذلك أربعة، فنحط ذلك -وهو الحشو- من [ثلاثة وثلاثين] (1) والباقي [تسعة وعشرون، وهو] (2) ثلث المال.
وإذا أردنا النصيب، أخذنا اثنين، وهو النصيب في الأصل وضربناه في مخرج الثلث، فيرد ستة، ثم نضرب الستة في شيء له ثلث صحيح؛ لأن الوصية بثلثين من ثلث، فيبلغ ثمانية عشر، فنُسقط منه الحشو أربعة، فيبقى أربعة عشر وهو النصيب.
وحساب هذه المسألة بالجبر أن نأخذ ثلث مال، فنلقى منه بالوصية الأولى نصيبين؛ لمكان السهمين؛ فإنا بينا أن كل سهم من سهام المسألة بمثابة نصيب، فيبقى ثلث مال إلا نصيبين، نطرح ثلثيه بالوصية الثانية، يبقى تسع ناقص بثلثي نصيب، نزيده على ثلثي المال فيكون سبعة أتساع إلا ثلثي نصيب، يعدل [تسعة] (3) أنصباء، وهي سهام المسألة، فنجبر السبعة بثلثي نصيب، [ونزيد] (4) على عديلها ثلثي نصيب، ثم نبسط الأنصباء على أقل الكسور في المسألة، وأقل الكسور [التسع، فنبسط تسعه
__________
= ومسألتهم صحيحة من (9) ، فقوله: إن ثلثي المال -الذي هو: 4 دنانير+7 دراهم- يعدل تسعة دنانير، معناه تسعة أسهم فالدينار هنا رمز للسهم.
(1) في الأصل: " من سبعة وعشرين ".
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: سبعة. وهو تحريف سيتكرر كثيراً من (سبعة) إلى (تسعة) وبالعكس.
(4) في الأصل: " ونزيده ".(10/85)
وثُلُثَيْن أتساعاً بالضرب في التسعة، فتصير سبعة وثمانين، ثم نقلب العبارة فالمال سبعة وثمانون] (1) والنصيب سبعة، وإذا كان النصيب سبعة، فالنصيبان أربعة عشر، وهي الوصية الأولى.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
فصل
بالوصية بالنصيب، مع الوصية بجزءٍ من المال، والوصية، بجزءٍ مما بقي
6686- فمن صور المسألة: ميتٌ خلف تسعة بنين، فأوصى لرجلٍ بثُمن [ماله] (2) ولآخرَ بمثل نصيب أحد بنيه، ولثالثٍ بعشر ما بقي من المال.
فحسابه بالجبر أن نأخذَ مالاً، فنلقي منه ثمنَه بالوصية، يبقى معنا سبعة أثمان مالٍ، ندفع منه بالوصية الثانية نصيباً يبقى سبعة أثمان مال إلا نصيبا، ندفع بالوصية الثالثة عشرها.
فنعلم أنا نحتاج إلى ضرب مخرج الثمن في مخرج العشر، فيكون ثمانين، ونعيد إخراج الوصايا من هذا المبلغ: الثمن منها عشرة، فيبقى سبعون، ثم نخرج منها نصيباً للوصية بالنصيب، فيبقى معنا سبعون من ثمانين إلا نصيب، ثم نخرج عُشرَه، وهو سبعة ناقصة بعُشر نصيب، فيبقى ثلاثة وستون جزءاً من ثمانين جزءاً، من مالٍ ناقص [تسعة] (3) أعشار نصيب، وهذا يعدل أنصباء الورثة، وهي [تسعة] ، فنجبر بتسعة أعشار نصيب، ونزيد مثلها، ثم نبسط الأنصباء، فتصير سبعمائة واثنان
__________
(1) في عبارة الأصل خطأ وعدة تصحيفات، حيث جاءت هكذا: " وأقل الكسور السبع، فنبسط تسعة وثلثين أسباعاً بالضرب في السبعة، فتصير ثلاثة وستين، ثم نقلب العبارة، فالمال ثلاثة وستون ... إلخ ".
والخطأ في العبارة نشأ من التصحيف؛ حيث استخدم الناسخ الرقم المصحف، فضرب سبعة في تسعة، فردّت ثلاثة وستين، وهو مردود صحيح، لكن المسألة لا تستقيم به، ولو امتحنها الناسخ، لرأى أن من الثلث بعد أخذ النصيب لا يخرج منه الثلثان؛ إذ هو = 21-14 = 7.
(2) في الأصل: مال.
(3) في الأصل: " سبعة ".(10/86)
[وتسعون] (1) ، وسبب ذلك أن البسط في طريق الجبر يقع بأقل الأجزاء وأدقها، وقد رسمنا المسألة أولاً من ثمانين، فليقع البسط بنسبة ثمانين.
والامتحان أن نلقي من المال [ثمنه] (2) ، وهو [تسعة] (3) وتسعون بالوصية الأولى، يبقى ستمائة وثلاثة وتسعون، نلقي منها النصيب، وهو ثلاثة وستون بالوصية الثانية، يبقى ستمائة وثلاثون، نلقي عشرها بالوصية الثالثة وهو ثلاثة وستون، يبقى خمسمائة [وسبعة وستون] (4) بين الورثة على تسعة: لكل ابن ثلاثة وستون، فكل نصيب ثلاثة وستون.
والأنصباء والوصايا متفقة بالأتساع، فنردّها إلى أتساعها، فيكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب سبعة: للموصى له بالثمن أحدَ عشرَ، ولصاحب النصيب سبعة، تبقى سبعون، للموصى له الثالث عشرها: سبعة، والباقي ثلاثة وستون بين الورثة: لكل ابن سبعة.
6687- حساب المسألة بالخطأ الأكبر أن تجعل المال إن شئت ستة عشر، فتدفع ثمنها اثنين بالوصية الأولى؛ تبقى أربعة عشر، فندفع النصيب أربعة، تبقى عشرة، ندفع عشرها إلى الثالث، تبقى تسعة للبنين، وكل واحد منهم يستحق أربعة وجملة ما يستحقون ستة وثلاثون، والباقي معنا تسعة فينقص من الواجب سبعة وعشرون، فهو الخطأ الأول، وهو ناقص، فاحفظه.
ثم اجعل المال إن شئت أربعة وعشرين، فادفع ثمنها بالوصية الأولى ثلاثة، فتبقى أحدٌ وعشرون، فاجعل النصيب واحداً، تبقى عشرون، فألق عشرها اثنين، وادفعه للموصى له الثالث، تبقى ثمانية عشر، ندفع منها إلى كل ابن واحداً، مثلَ النصيب، تبقى تسعة زائدة، وهو الخطأ الثاني، وهو زائدٌ الآن، وكان ناقصاً قبلُ، فاجمع بين الخطأين، لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيكون ستة وثلاثين، فهي المقسوم
__________
(1) في الأصل: " وسبعون ".
(2) في الأصل: ثمانية، وهو خطأ.
(3) في الأصل: سبعة، وهو خطأ حسابياً.
(4) في الأصل: خمسمائة وسبعون. وهو خطأ واضح، أجهدنا تصحيحه.(10/87)
عليها، فاحفظها، ثم اضرب المال الأول وهو ستة عشر، في الخطأ الثاني، وهو تسعة، تكون مائة وأربعة وأربعين، ثم اضرب المال الثاني وهو أربعة وعشرون، في الخطأ الأول وهو سبعة وعشرون، فيكون ستمائة وثمانية وأربعين، فزد عليها المائة والأربعة والأربعين، فتبلغ سبع مائة واثنين [وتسعين] (1) ، على الستة والثلاثين المحفوظة، فيخرج اثنان وعشرون، وهو المال (2) .
فإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول، وهو أربعة في الخطأ الثاني، وهو تسعة، فيكون ستة وثلاثين، واضرب النصيب الثاني، وهو واحد في الخطأ الأول، وهو سبعة وعشرون، فيكون سبعة وعشرين، واجمع هذين المبلغين، فيكون ثلاثة وستين، فاقسمها على الستة والثلاثين، فيخرج واحد وثلاثة أرباع، فهو النصيب، فابسطها أرباعاً، يكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب [سبعة] (3) .
6688- وحسابها بالخطأ الأصغر أنك إذا جعلت المال ستة عشرَ، حصل الخطأ سبعة وعشرون، والخطأ ناقصاً، فلما زدت في المال ثمانية، زال هذا الخطأ في النقصان، وزاد خطأً بتسعة، وإذا زدت التسعة على سبعة وعشرين، صار ستة وثلاثين، والتسعة ربع ستة وثلاثين، فانقص من الثمانية التي زدتها ربعاً، تبقى ستة، فزدها على المال الأول، يكون المال اثنين وعشرين، وأخرج بالخطأ الأكبر، فابسطها أرباعاً، فتكون ثمانية وثمانين.
وطريق الباب أن نطلب أولاً مالاً إذا أسقطت منه [ثمنه] (4) ، كان للباقي عشرٌ صحيح، وهو ثمانون، فنلقي ثمنها عشرة، فيبقى سبعون، فنلقي عشرها، سبعة، يبقى ثلاثة وستون، فهي تعدل كلَّ سهم من سهام الفريضة، ثم نقيم سهامَ الفريضة، وهي تسعة، ونصيب الابن الموصى بمثل نصيبه واحد، [فنلقيه من عشرة] (5) ، تبقى
__________
(1) في الأصل: وسبعين.
(2) بعد بسطه أرباعاً؛ ليصير ثمانية وثمانين، كما سيأتي.
(3) في الأصل: " تسعة ".
(4) في الأصل: ثمانية.
(5) في الأصل: فنلقي عشرة.(10/88)
تسعة، فنضربها (1) في الثمانين التي جعلتها مثالاً للمال، فيبلغ سبعمائة واثنين وتسعين، وهو المال.
فإن أردت النصيبَ، فخذ نصيبَ الابن الموصى بمثل نصيبه من سهام الفريضة وهو واحد، فاضربه فيما كان يعدل كلَّ سهمٍ من سهام الفريضة، وهو ثلاثة وستون (2) ، فتكون ثلاثة وستون، فهو النصيب، ثم اختصر المسألة، وردّ المال والنصيب إلى التسع، فيرجع المال إلى ثمانية وثمانين، والنصيب إلى سبعة.
6689- وأما طريق الحشو، فاطلب أولاً مالاً له ثمن، وإذا ألقي منه الثمن، كان [للباقي] (3) عشر، وهو ثمانون، ثم طريق طلب (4) سهم الحشو أن ننظر إلى الجزء المذكور بعد النصيب، ونقدّر كأنه جزء من المال، وقد ذكر بعد النصيب عشر المال، فخذ عشر الثمانين، ولا تنظر إلى أن المذكور عشر الباقي، اتخذ هذا أصلك في سهم الحشو أبداً، وهو السهم الذي نسقطه من المال إذا كنت تطلب المال، فقل: عشر الثمانين ثمانية، فنضربها في نصيب (5) الابن من أصل الفريضة، فيكون ثمانية، فهذا حشو، فاحفظه حتى لو ذكر بعد النصيب خمس الباقي، أو سدس الباقي، أو ما كان، فنحن نعتبر خمس جميع المال، أو سدس جميع المال، ونضربه في نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه، فاعلم ذلك، وثق به، واعتقده الحشوَ المحطوط من المال، ثم عُدْ إلى المال، وهو ثمانون، فألق منها ثمنها، يبقى سبعون، فخذ عشرَ الباقي الآن بحق، فيكون سبعة، واضربها في نصيب الابن الموصى بمثل نصيبه، وهو واحد، فيكون سبعة، فهو الحشو الثاني، واشتملت المسألة على حشوين، لاشتمالها على جزأين، فاحفظ السبعة والثمانية، ثم اقسم سهام الفريضة من تسعة، وزد عليها مثلَ النصيب الموصى به، فتبلغ عشرة، فاحفظها، فاضربها في الثمانين
__________
(1) أي التسعة الصحيحة وتسعة الأعشار الباقيهَ، هكذا: 9,9×80= 792.
(2) في الأصل: وهو واحد ثلاثة وستون.
(3) في الأصل: الباقي.
(4) في الأصل: ثم طريق مال طلب سهم الحشو.
(5) نصيب هنا بمعنى سهم، وأصل الفريضة تسعة (عدد الرؤوس) .(10/89)
التي هي المال الممثل فيبلغ ثمانمائة، فألق منها الحشوَ الأول، وهو ثمانية، تبقى سبع مائة واثنان وتسعون، فهي المال.
وإذا أردت النصيب، فخذ نصيبَ الابن الموصى بمثل نصيبه، فاضربها في مخرج الجزء الأول، فما بلغ، فاضربها في مخرج الجزء الثاني ومخرج الجزء الأول -وهو الثمن- ثمانية، ومخرج الجزء الثاني -وهو العشر- عشرة، وإذا ضربنا ثمانية في عشرة ردّ ثمانين، فنسقط منه الحشوين جميعاً، وهو خمسةَ عشرَ، فتبقى ثلاثة وستون فهي النصيب، وطريق الاختصار ما تقدم.
6695- وحساب المسألة بالمقادير أنك إذا ألقيت من المال ثمنه، ومن الباقي نصيباً، بقي منه مقدار، فندفع عُشْره بالوصية الثالثة، فتبقى تسعة أعشار مقدار.
وهاهنا تأمُّل على الناظر؛ فإنا ألقينا الثمن والنصيب، وقلنا: بقي مقدار، ولم نلق العشرَ؛ لأن العشر جزء من هذا المقدار، فقلنا بعد الثمن والنصيب: بقي مقدار، وحططنا عُشرَه؛ فبقي تسعة أعشار مقدار، فهي للورثة لكل واحد عشر مقدار؛ فعلمنا بذلك أن الذي أخذه الموصى له بالنصيب عُشْر مقدار، فنعود ونقول: الباقي بعد الثمن مقدارٌ وعشر مقدار، وهذا سبعة أثمان المال، فإذا زدت عليه سُبعه، كان جميعَ المال، ويخرج منه أن المقدارَ عددٌ له عُشر، ولعُشره سُبع، وهو سبعون، فقل: المقدار سبعون، فنزيد عليه عُشره، فيكون سبعةً وسبعين، ثم زد على الجملة سبعها، وهو أحدَ عشرَ، فيصير ثمانية وثمانين، فهي المال. والنصيب سبعة.
6691- وتخرج المسألةُ بطريق القياس: إنك تعلم أن الأول أخذ ثمن المال، وأخذ الثاني نصيباً، يجب أن يكون الباقي عَشْرٌ، فليكن عُشره للموصى له الثالث، عُشْرها واحد، تبقى تسعة، لكل ابن واحد، فليعلم أن النصيب الذي أخذه صاحب النصيب واحد، والباقي بعد الثمن أحدَ عشرَ، وهو سبعة أثمان المال، فزد على الواحد عشرَ (1) سُبعه، وهو واحد وأربعة أسباع، فيبلغ اثني عشر، وأربعة أسباع فابسطها أسباعاً، فيكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب سبعة.
__________
(1) الواحد عشر: المراد الأحد عشر.(10/90)
6692- وطريق الدينار والدرهم أن تجعل المال ديناراً وسُبعَ دينار، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، حتى إذا دفعت منه إلى الموصَى الأول ثمن المال، ودفعت الدينار بالنصيب إلى الموصى له الثاني، بقي من المال شيء له عشر صحيح.
وإذا كان كذلك، فادفع إلى الموصى له الأول ثمنَ جميع ذلك، وهو سبع دينار، ودرهم وثلاثةُ أسباع درهم، يبقى دينار وعشرة دراهم، وادفع الدينار بالنصيب إلى الثاني، تبقى عشرة دراهم: للموصى له الثالث منها درهمٌ. الباقي تسعةُ دراهم، تعدل تسعة دنانير، وهي أنصباء البنين؛ فإن كلَّ سهم ممثل بدينار، فبان أن الدينار قيمته درهم واحد، وكنت جعلت المال ديناراً وسبعاً، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، فبان الآن أن المال اثنا عشر درهماً وأربعة أسباع درهم، والنصيب درهم، فابسطها أسباعاً يكون المال ثمانيةً وثمانين، والنصيب سبعة.
6693- ومن مسائل هذا النوع أن يكون الجزءان المذكوران مع النصيب أحدهما بعد الآخر، مثاله:
ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث الباقي، ولآخر بثلث الباقي بعدُ. ذلك كلُّه من الثلث.
فطريق الجبر أن نأخذ ثلث مالٍ، فنلقي منه نصيباً، فيبقى ثلثُ مال إلا نصيب، فنلقي بالوصية الثانية ثُلثَه، وذلك تسع مال إلا ثلث نصيب، فيبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب، فنلقي بالوصية الثالثة: ثلثها.
ونحتاج الآن أن نأخذ تُسعي عدد يكون له ثلث، وإنما يصح ذلك من سبعة وعشرين. وتسعاها ستة، فيبقى معنا بعد الوصيتين الأوليين ستة أجزاء من سبعة وعشرين جزءاً من مال، إلا ثلثي نصيب، فنلقي ثلثَها بالوصية الثالثة، فيبقى أربعة أجزاء من سبعة وعشرين جزءاً من المال، إلا أربعة أتساع نصيب، فنزيدها على ثلثي المال، وهو ثمانيةَ عشرَ؛ فإنا قدرنا جميع المال سبعةً وعشرين، فيبلغ الآن الثلثان مع ما زدنا عليهما اثنين وعشرين جزءاً من سبعةٍ وعشرين جزءاً من المال إلا أربعة أتساع نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبرها بأربعة [أتساع] (1) نصيب، ونزيد على
__________
(1) في الأصل: أربعة أسباع.(10/91)
عديلها مثلها؛ فيكون اثنان وعشرون جزءاً من سبعة وعشرين جزءاً من المال تعدل ثلاثةَ أنصباء، وأربعة أتساع نصيب، فنبسطها بأجزاء سبعة وعشرين، فتبلغ ثلاثة وتسعين، ثم نقلب العبارة: فالمال ثلاثة وتسعون، والنصيب اثنان وعشرون.
للامتحان: ثلث المال أحدٌ وثلاثون، فنلقي منه بالوصية الأولى نصيباً، وهو اثنان وعشرون، تبقى منه تسعة، نلقي منها بالوصية الثانية ثلثها ثلاثة، تبقى ستة، نلقي بالوصية ثلثها، تبقى أربعة، نزيدها على ثلثي المال، وهو اثنان وستون، فيبلغ ستة وستين، نقسمها على البنين لكل ابن اثنان وعشرون، كما أخذ الموصى له بمثل النصيب.
6694- وطريق الدينار والدرهم أن نجعل ثلث المال ديناراً وعدداً من الدراهم له ثلث، ولثلثه ثلث، وهو تسعة، فأعطِ بالنصيب ديناراً، فتبقى تسعة دراهم، فادفع ثلثها بالوصية الثانية، يبقى ستة، وادفع ثلثها بالوصية الثالثة، تبقى أربعة دراهم، فزدها على ثلثي المال، وهو ديناران، وثمانية عشر درهماً، فيصير المجموع دينارين واثنين وعشرين درهماً، تعدل ثلاثة دنانير، فنلقي دينارين، فيبقى دينار يعدل اثنين وعشرين درهماً، وكنا جعلنا الثلث ديناراً وتسعةَ دراهم، فالثلث الآن أحدٌ وثلاثون درهماً، والثلثان ضعف ذلك (1) ، والنصيب اثنان وعشرون.
6695- وطريق القياس أن نقول: قد علمنا أن الباقي من الثلث بعد النصيب، وبعد ثلث الباقي يجب أن يكون عدداً له ثلث صحيح؛ لأنه قد أوصى بثلثه، فنجعله [ثلاثة] (2) وندفع ثلثها بالوصية الثالثة، يبقى سهمان. وإذا زدنا على الثلاثة نصفها، بلغ أربعة ونصف، فهي الباقي من الثلث بعد النصيب، فادفع من كل ثلث نصيباً إلا أربعة ونصف، فيحصل من كل ثلث أربعة ونصف، والثلث الذي فيه الوصايا نُخرج بعد النصيب واحداً ونصفاً، ثم واحداً، فيبقى اثنان، فنضمهما إلى التسعة الفاضلة من الثلثين الباقيين، فيصير أحد عشر، وهو النصيب، فنعود ونقول: جعلنا الثلث نصيباً وأربعة ونصفاً، والآن نجعله خمسة عشر ونصفاً، وكذلك كل ثلث، ثم نبسطها أنصافاً، فيصير المال ثلاثة وتسعين.
__________
(1) يزاد على الثلثين الأربعة التي بقيت من الثلث الذي أخرجنا منه الوصايا، فيصح إخراج الأنصبة منها.
(2) ساقطة من الأصل.(10/92)
وإذا أردت قلت في طريق القياس: نجعل الثلث نصيباً وتسعة، ثم نقول نعطي من الثلثين الباقيين نصيبين، ويفضل منهما ثمانية عشر، ونضم إلى ذلك ما يفضل من الثلث الذي فيه الوصايا، وهو أربعة، فيصير اثنين وعشرين، فهو نصيب الابن الثالث، ونتبين منه أن كل نصيب اثنان وعشرون، فنعود ونقول: الثلث اثنان، وعشرون وتسعة، والمجموع أحدٌ وثلاثون.
6696- وجاءت المسألة بالمقادير: أن نقول أخرجنا من الثلث نصيباً، فبقي من الثلث مقدار، فندفع ثلثه بالوصية الباقية، يبقى ثلثا مقدار، ندفع ثلثه بالوصية الثالثة، يبقى أربعة أتساع مقدار، ثم ندفع من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيباً إلى ابن، فيبقى من كل ثلث من الثلثين مقدار، فيبقى من المال كله: مقداران من الثلثين الباقيين، وأربعة أتساع مقدار من الثلث الذي فيه الوصايا. فهذا الذي يستحقه الابن الثالث، فابسطه أتساعاً، فيبلغ اثنين وعشرين. وكنا جعلنا ثلث المال نصيباً وتسعة، فالثلث إذاً أحدٌ وثلاثون كما تقدم.
6697- فطريق الخطأين بيّن: فإن أردناها (1) ، قلنا: لا بد من اعتبار التسعة في الثلث، فنزيد على التسعة لأجل النصيب مما يتفق، فليكن ذلك الزائد واحداً، فنخرجه، وتبقى التسعة، فنخرج منها ثلاثة بالوصية الثانية، واثنين بالوصية الثالثة.
وإذا كان الثلث عشرة، فالثلثان عشرون، فنضم إلى الثلثين الأربعة الفاضلة، فحصل معنا أربعةٌ وعشرون، فندفع منها إلى كل ابن واحداً: مثل ما قدرناه نصيباً، فيفضل أحدٌ وعشرون.
وهذا هو الخطأ الأول، فنزيد على التسعة ستة، فنجعل الثلث خمسة عشر، يخرج منها النصيب ستة، والثلثان ثلاثون، ونضم إلى الثلثين ما يفضل من التسعة عن الوصيتين، وهو أربعة، فنسلم إلى كل ابن ستة، فيفضل ستةَ عشرَ، وهو الخطأ الثاني.
والخطآن جميعاً من نقصان الأنصباء، فنحط الأقل من الأكثر والخطأ الأول أحدٌ وعشرون، فإذا حططنا عنه الستةَ عشرَ، بقي خمسة، وهي المقسوم عليها، فنحفظها.
__________
(1) أردناها أي طريق الخطأين. فالطريق يؤنث ويذكر.(10/93)
فإن طلبنا المال، ضربنا المال الأول في الخطأ الثاني وهو عشرة في ستة عشر، يكون مائة وستين، ثم ضربنا المال الثاني، وهو خمسة عشر في الخطأ الأول، وهو أحد وعشرون، فيبلغ ثلاثمائة وخمسة عشر، فنحط عنه، مائة وستين، فيبقى مائة وخمسة وخمسون، فنقسمها على الخمسة المحفوظة فيخص كل واحد أحدٌ وثلاثون وهو ثلث المال.
وإذا أردنا طلبَ النصيب، ضربنا النصيبَ الأول، وهو واحدٌ في الخطأ الثاني وهو ستةَ عشرَ، وضربنا النصيبَ الثاني، وهو ستة في الخطأ الأول، وهو واحد وعشرون، فيصير مائة وستة وعشرين، فنحط منها ستة عشر، فيبقى منه مائة وعشرة، فنقسمها على الخمسة، فيخرج نصيب الواحد اثنان وعشرون، وهو النصيب.
6698- والأصل المعتبر في طريق الخطأين إذا أردت استخراج مسألة من الدور، أو الوصايا، أو من العين والدين، أو من المساحة، أو غيرها من المعاملات الحسابية، فافرض عدداً كما شئت أو كسراً، وامتحن المسألة التي تريد استخراجها، فإن خرجت بأول فرضٍ، فهو المطلوب، وقد كُفيت.
وإن وقع خطأٌ، فاحفظ العدد المفروض ومقدار الخطأ فيه، واعرف الخطأ هل هو زائد على المطلوب أو ناقص؟ ثم افرض عدداً آخر، أو كسراً غيرَ الأول، وامتحن به المسألة، فإن خرجت، فقد حصل المطلوب، وإن وقع فيه خطأ، فاحفظ هذا العددَ الثاني المفروضَ، واحفظ خطأه، واعرف هل هو زائد أو ناقص؟
ثم انظر، فإن كان الخطآن زائدين أو ناقصين، فاطرح أقلهما من أكثرهما، فما بقي فهو المقسوم عليه، فاحفظه.
وإن كان أحد الخطأين زائداً، والآخر ناقصاً، فاجمع بينهما، ولا تنقص شيئاً، فما بلغ، فهو المقسوم عليه.
وقد عرفت أنك إذا أردت طلبَ المال، ضربت العددَ الذي فرضتَه أولاً في الخطأ الثاني، وحفظت مبلغه، ثم ضربت العدد الذي فرضتَه ثانياً في الخطأ الأول، واحفظ المبلغ.(10/94)
ثم انظر إن كنت جمعت بين الخطأين، فاجمع بين هذين المبلغين ولا تنقص أحدهما عن الثاني، وإن كنت نقصت أحدهما من الآخر، فانقص أيضاً أحد هذين المبلغين من الآخر، ثم ما بلغ بعد الجمع أو بعد النقصان، فاقسمه على المحفوظ الذي سميناه المقسوم عليه، فما خرج من القسمة، فهو المطلوب.
وطريق طلب النصيب بما ذكرناه.
وهذه طريقة استعملها الحذّاق، وهي تجري على هذا النسق في كل مسألة، لا تقع فيها جذور، ولا كعاب. فإن وقع فيها شيء من ذلك أو من الضرب والقسمة احتيج فيها إلى زيادة في العمل، ولا يحتاج إليها الفقيه.
6699- من أسرار الطريقة أنك قد تصادف الصواب من أول فرض من غير قصد، وقد تصادفه في المرة الثانية، فإن أخطأت مرتين، فلا تزد، فإن الصواب يخرج بخطأين بالطريق الذي ذكرناه.
وهذا أصل القول في طريق الخطأين، قدمه الأستاذ أبو منصور. ورأينا تأخيره حتى يحصل الإيناس بصورة الطريقة في المسائل، فإذ ذاك يُحيط الفهم بما ذكرناه.
6700- وقد يقع من مسائل هذا الباب أغلوطة (1) ، إذا حذَقتَها، خرجت المسألة هينة من غير جبر.
فمنها أن يقول القائل:
ترك الرجل بنتاً، وامرأة، وأماً، وأخاً (2) ، وأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة، ولآخر بمثل نصيب الأم، ولآخر بسدس جميع المال، ولرابع بثلث ما تبقى من الثلث.
فسهام الفريضة أربعة وعشرون: للبنت اثني عشر، وللأم أربعة، وللمرأة ثلاثة، وللأخ خمسة، فتزيد على الأربعة والعشرين مثلَ نصفها، لاعتباره الثلث؛ فإن قوله يتضمن حصر الوصايا في الثلث، وإذا فعلنا ذلك، فالجملة ستة وثلاثون، فإذا عزلتَ
__________
(1) الأغلوطة: بمعنى اللغز، فهي ما يغالَطُ به من الكلام المبهم (كليات أبي البقاء والمعجم) .
(2) في الأصل: أختاً. والمثبت رعاية لما سيقوله عن المسألة بعد ذلك. والمسألة -على أية حال- لا تتغير بذكورة الأخ أو أنوثته.(10/95)
منها للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة، وللموصى بمثل نصيب المرأة ثلاثة، وللموصى له بسدس جميع المال ستة، فمجموع ذلك ثلاثةَ عشرَ، وهو أكثر من ثلث المال، فنعلم بذلك أن الموصى له بثلث الباقي من الثلث لا وصية له، والوصايا زائدة على الثلث، فيكون الثلث بين أصحاب الوصايا الثلاثة على ثلاثةَ عشرَ سهماً، وثلثا المال ستة وعشرون بين الورثة، فينكسر ستة وعشرون على أربعة وعشرين، ولكن توافقها بالنصف، فاضرب نصف الفريضة في مخرج الوصايا، وصحح العمل بطريق الفرائض من غير جبر؛ فإن الجبر إنما يقع إذا اشتملت المسألة على نصيب وجزء بعده؛ فإن النصيب يصير مجهولاً بالجزء الذي يقع بعده. وقد سقط في هذه المسألة الجزء بعد الأنصباء، فاستمرت المسألة على حساب الفرائض.
فصل
في الوصية بنصيبين مع الوصية بعد كل نصيب بجزءً
6701- من مسائله أن يقال:
ترك ابنين وبنتين، وأوصى لإنسان بنصيب بنتٍ، ولآخر بخُمس ما تبقى من الثلث بعد هذا النصيب، وأوصى لثالث بمثل نصيب البنت الأخرى، ولرابع بثلث ما بقي من الربع بعد هذا النصيب.
فالحساب بالجبر أن نأخذ ثلث مالٍ، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيبا، فنلقي خمسَ ذلك، فتبقى أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس نصيب، فاحفظ ذلك.
ثم خذ ربع مالٍ، فألقِ منه نصيباً، يبقى ربعُ مالٍ إلا نصيباً، فنلقي منه ثلث ذلك بالوصية الرابعة، يبقى ثلثا ربع إلا ثلثي نصيب.
فنحتاج أن نزيد ذلك على ما كان قد بقي من الثلث من قبل، وهو أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس النصيب، فنحتاج إلى عددٍ له ثلث، ولثلثه خمس، وله ربع ولربعه ثلث، وهو ستون. وإذا جمعت ثلثي ربع الستين إلى أربعة أخماس ثلثه، كان ستةً وعشرين؛ فإن ثلث الستين عشرون، وأربعة أخماسه ستةَ عشرَ، وربعه خمسةَ(10/96)
عشرَ، [وثلثاه] (1) عشرة، والجملة ستة وعشرون. وهذا هو العدد، ولا بد من استثناء النصيب، فمعنا أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس نصيب، وثلثا الربع إلا ثلثي نصيب.
والأوْلى أن نقسم النصيب في هذه المسألة قسمة المال على ستين، ومعنا استثناء أربعة أخماس من نصيب، والاستثناء ثلثي [نصيب] (2) ، فنكمل الأربعة الأخماس بالثلثين ضمّاً، فيصير نصيباً كاملاً، وثمانية وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب.
فإذاً معنا ستةٌ وعشرون جزءاً من ستين جزءاً من المال، ناقصة بنصيبٍ وثمانيةٍ وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ومخرج أجزاء النصيب خلاف أجزاء المال، ولكنهما متفقان بالخمس، وإذا ضربت خمس أحدهما في الثاني، كان ستين، فنضم الستة والعشرين إلى ما لم نتصرف فيه من المال، فإنا إنما تصرفنا في ثلث المال.
وربعه، وفضل منه ما ذكرنا، وبقي ربع المال وسدسه لم نتصرف فيهما، وربع الستين خمسةَ عشرَ وسدسه عشرة، وإذا ضممنا الستة والعشرين إلى ذلك، كان أحداً وخمسين، فنقول: هذا مع النقصان الذي ذكرناه يعدل أنصباء الورثة، والأنصباء ستة، وهي فريضة الميراث، فنجبر الأحد والخمسين بنصيبٍ وثمانية وعشرين جزءاً من ستة وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ونزيد مثلَ ذلك على عديله، فيصير سبعة أنصباء وثمانية وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ونبسط الأنصباء من أجزاء الستين، فتصير أربعمائة وثمانية وأربعين. ونقلب العبارة، فنقول: النصيب أحدٌ وخمسون، والمال أربعمائة وثمانية وأربعون، ثم يمتحن، فيقع في بعض الوصايا كسر. ولكن قد لا يُبالي الحيسوب به إذا انقسم الباقي على فرائض الورثة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو مائة وتسعة وأربعون وثلث، فنلقي منها بالوصية الأولى نصيباً، وهو أحدٌ وخمسون، فيبقى ثمانية وتسعون سهماً وثلث، فنلقي بالوصية الثانية خُمسها، وهو تسعةَ عشرَ وثلثان.
ثم نأخذ ربع المال، وهو مائة واثنا عشر، فنلقي منها بالوصية بالنصيب نصيباً،
__________
(1) في الأصل: وثلثه.
(2) ساقطة من الأصل.(10/97)
وهو أحدٌ وخمسون، يبقى منها أحدٌ وستون سهماً، فنلقي منها بالوصية الرابعة ثلثها، وذلك عشرون وثلث، وجملة الوصايا مائة واثنان وأربعون، فنلقيها من أصل المال وذلك أربعمائة وثمانية وأربعون، فيبقى للورثة ثلاثمائة وستة، نقسمها على ستة أسهم لكل ابن مائة واثنان، ولكل بنت أحد وخمسون، كما أخذ الموصَى له بمثل نصيب البنت.
فإن أردت إزالة الكسر، فاضرب جميع ذلك في ثلاثة واستأنف القسمة.
القول في الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ من النصيب الموصى به
6702- هذه المقالة تدور على فصلين: أحدهما - يشتمل على الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ من جملة المال، والفصل الثاني - يشتمل على الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما بقي، وكل فصلٍ يتنوع أنواعاً، كما سيأتي الشرح عليها، إن شاء الله عز وجل.
الفصل الأول
في استثناء جزءٍ من جملة المال عن النصيب الموصى به
6703- فمن مسائل ذلك أن يترك خمسة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثمن المال.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيب، ويستثنى من النصيب الذي أخرجته ثمن المال، فنزيده على المال، فيبقى مال وثمن مال إلا نصيباً.
والثمن الذي استرددته لا نقصان فيه؛ فإنك استرددته كاملاً، فمعك مال وثمن مال ناقص بنصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي خمسة، فاجبر المال بالنصيب، وزد مثله على عديله، فيكون مال وثمن يعدل ستة أنصباء، فابسطها أثماناً، فيصير المال تسعة والأنصباء ثمانية وأربعين، فاقلب الاسم، فالمال ثمانية وأربعون، والنصيب تسعة.
الامتحان: أن ندفع إلى الموصى له بمثل النصيب تسعة. ونسترجع منه ثمن المال وهو ستة، يبقى في يد الموصى له ثلاثة أسهم وهي الوصية، فاطرحها من المال،(10/98)
فيبقى خمسة وأربعون سهماً بين خمسة بنين، لكل واحد سهم: تسعة، مثل النصيب الخارج بالعمل.
6704- طريقة الخطأين: أن نجعل المال ثمانية، والنصيب أربعة، ونستثني منه مثل ثمن المال، يبقى خمسة، فنحتاج أن ندفع منها إلى كل ابن مثل نصيب، فكان يجب أن يكون الباقي عشرين، فلما بقي خمسة نقص عما نحتاج إليه خمسة عشرَ، فهي الخطأ الأول، والخطأ في النقصان، فاحفظ.
ثم اجعل المال ستةَ عشرَ، والنصيب منها خمسة، واستثنِ منها ثمن المال، وهو اثنان يبقى من المال ثلاثة عشر، وكان الواجب أن يبقى منها خمسة وعشرون ليكون لكل ابن خمسة، مثل النصيب المفروض، فقد خرج عن الحاجة اثنا عشر، وهو الخطأ الثاني، وذلك ناقص أيضاً، فانقص أحدَ الخطأين عن الآخر، فيبقى ثلاثة، وهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المال الأول وهو ثمانية في الخطأ الثاني، وهو اثنا عشر، فيبلغ ستة وتسعين، ونضرب المال الثاني وهو ستة عشر في الخطأ الأول، وهو خمسةَ عشرَ، فيبلغ مائتين وأربعين، فانقص المبلغ الأول، وهو ستة وتسعون [من] (1) ذلك؛ فيبقى مائة وأربعة وأربعون، فاقسمها على الثلاثة المحفوظة، فيخرج من القسمة ثمانية وأربعون سهماً، فهي المال.
وإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول وهو أربعة في الخطأ [الثاني] (2) ، وهو اثنا عشر، فيبلغ ثمانية وأربعين، واضرب النصيب الثاني وهو خمسة في الخطأ الأول وهو خمسة عشر، فيبلغ خمسة وسبعين، فانقص أحد المبلغين وهو ثمانية وأربعون، من خمسة وسبعين فيبقى سبعة وعشرون، فاقسمها على الثلاثة. فيخرج تسعة. وهو الذي خرج بالجبر.
6705- وحساب المسألة بطريق المقادير أن نقول: قد علمنا أنا إذا دفعنا إلى الموصى له من المال نصيباً، بقي منه مقدار، فنسترجع من الموصى له ثمن المال،
__________
(1) في الأصل: في.
(2) في الأصل: مساغ.(10/99)
وذلك ثمن مقدار، وثمن نصيب، وهاهنا تأمّلٌ على الناظر يقطع به على حقيقةٍ عليها تدور الطرق، سنذكرها، إن شاء الله تعالى.
وذلك أنا نقول: المال مقدار ونصيب، فإذا كنا نسترد ثُمنَ جملة المال، شاع ذلك في المقدار والنصيب، فينتظم أن نقول: نسترد من الوصية ثمنَ مقدارٍ، وثمنَ نصيب، فيحصل معنا مقدار [وثمن مقدار] (1) وثمن نصيب، وذلك كلُّه يعدل خمسةَ أنصباء، فنلقي ثمنَ نصيب بثمن نصيب قصاصاً، يبقى مقدارٌ وثمن مقدار، يعدل أربعة أنصباء، وسبعة أثمان نصيب، فنبسطها أثماناً، فيصير المقدار [تسعة] (2) ، والأنصباء تسعة وثلاثين. [فنقلب] (3) الاسمَ ونقول: المقدار تسعة وثلاثون، والنصيب تسعة، وكان معنا مقدار ونصيب، فنضم أحدهما إلى الثاني، فيصير المجموع ثمانية وأربعين، فهو المال، فقد بان النصيب.
فإن وقع الكلام في بعض الطرق من مراسم الجبر ولا غرو؛ فإنّ الجبر هو الأصل، وما عداه من تِبَاعه (4) .
وطريق القياس يقرب ممّا ذكرناه الآن، فنقول: علمنا أنه إذا دُفع إلى الموصى له بالنصيب ما يجب أنه يبقى من المال عدد له ثمن، فاجعله ثمانية، واسترجع من الموصى له مثل ثمن جميع المال، وجميع المال ثمانية ونصيب، فإذا استرجعنا ثمن المال من الوصية، كان سهماً واحداً وثمنَ نصيب، فيحصل معك تسعة أسهم، وثمن نصيب، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فألق ثمن نصيب بثمن نصيب، تبقى تسعة أسهم تعدل أربعة أنصباء وسبعة أثمان نصيب، فاقسم السهام على الأنصباء، وتلتقي الطريقتان قلباً وبسطاً.
6706- وطريق الدينار والدرهم يقرُب مما ذكرناه، فنجعل المال ديناراً وثمانية
__________
(1) زيادة من المحقق لا تستقيم المسألة بدونها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: فنطلب.
(4) تِباعه: أي من آثاره ونتائجه (المعجم) .(10/100)
دراهم، وندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع من الدينار ثمنَ جميع المال، وذلك درهم وثمن دينار، فيبقى من المال [تسعة] (1) دراهم، وثمن دينار، وذلك يعدل خمسة دنانير، فنلقي ثمن دينار بثمن دينار، يبقى [تسعة] (2) دراهم تعدل أربعة دنانير وسبعة أثمان دينار، ثم نبسط الدنانير، وقد بان أن الدينار يساوي [تسعة] (3) ، وتعود الطريق إلى ما مضى.
6707- صورة أخرى: ترك ابناً، وأوصى بمثل نصيبه لرجل إلا نصف جميع المال، فالمسألة صحيحة، وفي تصويرها إبهام على من لا يحيط بحقيقة المسألة.
وإذا خرجناها بالحساب، بان الغرض، فنأخذ مالاً، وننقص منه نصيباً إلا نصف مال، فتبقى معنا مال ونصف إلا نصيب يعدل نصيباً واحداً، فاجبر المال، وزد على عديله مثله، فيكون مال ونصف مال، يعدل نصيبين، فابسطها أنصافاً، واقلب الاسم، فيكون المال أربعة والنصيب ثلاثة، فادفع إلى الموصى له ثلاثة، واسترجع منه نصف المال وهو اثنان، يبقى معه سهم واحد وهو الوصية، فاطرحها من المال تبقى ثلاثة، وهي نصيب الابن. وقد أخذ الموصى له مثل هذا النصيب إلا نصف المال.
فإن قيل: إذا لم يكن في المسألة إلا ابن فالوصية بنصيبه، أو بمثل نصيبه وصية بالنصف، واستثناء النصف منه في ظاهر الأمر مستغرق للوصية، [فهذا] (4) غير سديد؛ فإنه إذا أوصى لإنسان بنصيب ابن إلا نصف المال، فتقديره أوصيت لك بمقدار إذا استرد منه نصف المال، وضم إلى الباقي وجمع، كان المجموع المصروف إلى الابن مثل ما قُدِّر صرفه إلى الموصى له، ثم استرد منه النصف، فهذا هو التقدير. فإذا كان يبقى على هذا التقدير شيء، فذلك المقدار موصى به.
فلو كان ابنان، فاوصى لإنسان بنصيب أحدهما إلا نصف جميع المال، فالوصية باطلة.
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: " وهذا " وهي واقعة في جواب الشرط.(10/101)
وامتحان بطلانها أنا نقول: نأخذ مالاً ونلقي منه نصيباً، ونسترد نصف المال تقديراً من الوصية، فيحصل في أيدينا مال ونصفٌ ناقص بنصيب، يعدل نصيبين، فنجبر المال والنصف، ونزيد على العديل نصيباً، ونبسط الأنصباء والمال أنصافاً، فتصير الأنصباء ستة، والمال ثلاثة، ثم نقلب العبارة، فالنصيب ثلاثة، والمال ستة ونعطي من الستة ثلاثة [ونستردّ] (1) نصف المال، وهو ثلاثة، فلا يبقى شيء، فتبطل.
6708- صورة أخرى: رجل ترك ثمان أخوات، وامرأة، وأماً، فأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة، وبمثل نصيب الأم إلا ثمن وعشر جميع المال. فالفريضة من ثلاثةَ عشرَ وهي عائلة بنصف سدسها، فنأخذ مالاً وننقص منه خمسة، نصرفها إلى الموصى له بالنصيبين، للأم سهمان، وللمرأة ثلاثة أسهم، ونسترجع ثمن المال وعشر المال، ونزيد هذا على ما بقي من المال، فيبقى مال وثمن مال وعشر مال إلا خمسة أنصباء، فإنا نجعل كلَّ سهم من سهام الفريضة نصيباً؛ فإذاً مال، وثمن مال، وعشر مال إلا خمسة أنصباء تعدل ثلاثة عشر، فنجبر المال والعشر والثمن بخمسة أنصباء ونزيد على العديل مثلَه، فيكون مال وثمن وعشر، يعدل ثمانية عشر نصيباً، فاضرب الجميع في مخرج الثمن والعشر، وهو أربعون فيكون تسعة وأربعين. والأنصباء سبعمائة وعشرون، فنقلب الاسم، ونقول: المال سبعمائة وعشرون، والنصيب تسعة وأربعون، فندفع إلى الموصى له خمسة أنصباء كل نصيب منها تسعة وأربعون سهماً، وجملة ذلك مائتان وخمسة وأربعون سهماً، واسترجع منه مثل ثمن المال وعشره، وذلك مائة واثنان وستون سهماً، تبقى للموصى له ثلاثة وثمانون سهماً هي الوصية فاطرحها من المال فتبقى ستمائة وسبعة وثلاثون سهماً، فاقسمها بين الورثة على ثلاثة عشر نصيباً، فيخرج كل نصيب تسعة وأربعون سهماً، كما خرج الحساب، وقد نجز [ما..] (2) مضمون هذا الفصل.
__________
(1) في الأصل: نستزيد.
(2) كلمة غير مقروءة. لعلها: " ما يمهد ".(10/102)
الفصل الثاني
في الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما تبقى
6709- وهذا يتنوع نوعين: أحدهما - أن يكون الاستثناء من التام.
والثاني - أن يكون الاستثناء من جزءٍ مما تبقى.
ونحن نذكر في كل نوع ما يليق به.
فأما الاستثناء بجزءٍ من باقي المال، فهذا يفرض على ثلاثة أوجه يتعين الاعتناء بفهمها؛ فإنها فقه الباب، ومن لم يُحط بها مفصَّلةً، فليس على علم بالمقصود.
والاستثناء في هذا النوع الذي نحن فيه يفرض على ثلاثة أوجه: أحدها - أن يقع الاستثناء بجزء من الباقي بعد الوصية، وهو المقدار الذي يستحقه الموصى له بعد حط الحساب، وبسطه وقبضه، ويختلف الأمر؛ فإنّ الجزء إذا صرف إلى ما بعد الوصية، كان الباقي أكثر، وكان الجزء المضاف إلى الباقي أكثر، فإذا صرف الجزء إلى ما بعد النصيب التام تقديراً، فالباقي بعد تقدير النصيب التام أقل وجزؤه أقل. فهذا تفاوتٌ نعقله قبل الخوض في تفصيل العمل.
وإذا كان الجزء مضافاً إلى الباقي بعد الوصية، فمعنى الكلام أن يقدّر للموصى له نصيبٌ تام، ويستثنى منه [جزءُ] (1) ما يبقى بعد الوصية. وفي الوجه الثاني بعد النصيب التام.
فإذا تقيَّد الاستثناء بأحد هذين الوجهين صريحاً، فموجب ذلك الاستثناء متَّبعٌ بلا خلاف، وسنذكر في كل وجه من الوجهين مثالاً أو أمثلةً، ونطرد طرق الحساب.
والوجه الثالث - أن يقول الموصي: أوصيت لفلان بنصيب فلان إلا ثلث الباقي، أو جزءاً آخر، ولا يتعرض للنصيب، ولا للوصية، فهذا مردَّدٌ محتمل الوجهين المقدَّمين.
وقد حكى الأستاذ أبو منصور في هذا الوجه خلافاً بين أصحابنا، وهو محتمل،
__________
(1) ساقطة من الأصل.(10/103)
ولم أره محكياً من جهة غيره، وكيف يُطمَع في حكاية غيره، ولم يتعرض لهذا التفصيل أحد، ولا بد منه.
قال الأستاذ: ذهب معظم أصحابنا إلى أن الاستثناء المطلق في هذا الوجه الثالث مصروفٌ إلى استثناء جزءٍ من الباقي بعد الوصية، وبهذا قال محمد بن الحسن، وهذا يتضمن تقليلَ الوصية، وتكثير الاستثناء، وذهب بعضُ أصحابنا إلى أن الاستثناء يُحمل على ما بعد النصيب.
توجيه الوجهين: من حمل على الأقل خرّج ذلك على أصلٍ ممهَّدٍ في الوصايا والأقارير، وهو أنها منزّلةٌ على الأقل المتيقَّن، وإذا فرض ترددٌ بين القليل والكثير، فالوجه حمله على القليل.
ومن قال بالوجه الثاني، احتج بأن الموصي ذكر النصيبَ وأضاف الاستثناء إلى الباقي فلينصرف الاستثناء إلى الباقي بعد المذكور، والمذكور هو النصيب. وهذا متجه تلقّياً من اللفظ.
فإن قيل: لم تذكروا هذه الوجوهَ الثلاثةَ فيه إذا كان الاستثناء بجزءٍ من المال.
قلنا: ذلك الاستثناء مضاف إلى ما بعد الوصية، لا (1) إلى ما بعد النصيب، ولا معنى لتقسيم الكلام فيه. وهذا بينٌ لا خفاء به، ونحن نذكر الوجهين الأولين المقيّدين بما بعد النصيب، وما بعد الوصية. ثم لا يخفى حكم الإطلاق تخريجاً على المذهبين.
6710- فأما الاستثناء بجزءٍ مما بقي من المال بعد النصيب، فمثاله: رجل ترك ثلاثة بنين وأوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهم إلا عشر الباقي من المال بعد النصيب.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، فيبقى مال إلا نصيب، فنزيد على المال عُشره، وهو مسترجع من النصيب، فمعنا مال، وعشر مال، ناقص بنصيب، وعشر نصيب. فإنّ المال إذا كان ناقصاً بنصيب، فعشره ناقص بعشر نصيب، وإذا كان الاستثناء من الباقي فأجزاء الباقي تتصف بما يتصف به الباقي، وليس كما تقدم من استثناء جزءٍ من المال كما سبق ذكره.
__________
(1) في الأصل: ولا إلى.(10/104)
فمعنا إذاً مال وعُشر مال ناقص بنصيب وعشر نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فيكون مال وعشر مال يعدل أربعة أنصباء، وعشر نصيب.
فابسطها جميعاً أعشاراً، واقلب العبارة، فيكون المال أحداً وأربعين، والنصيب أحد عشر.
الامتحان: ندفع النصيب إلى الموصى له، وهو أحد عشر، فيبقى ثلاثون، فنسترجع عشر الثلثين وهو ثلاثة من ذلك النصيب، تبقى ثلاثة وثلاثون بين ثلاثة بنين لكل واحد أحد عشر، وهو النصيب الخارج.
6711- طريقة الخطأين: أن نجعل المال إن شئنا - اثني عشر، والنصيب منها اثنين، فندفعه إلى الموصى له؛ فيبقى عَشْرٌ، فنسترجع من اثنين عُشر ما بقي، وهو واحد، ونزيده على العشرة، فيبلغ أحد عشر، فندفع منها إلى كل ابن مثل النصيب المقدر اثنين، وذلك ستة، فيبقى منه خمسة، هذا هو الخطأ الأول وهو زائد، فنحفظه.
ثم نجعل المال ثلاثة عشر، والنصيب منها ثلاثة، فنخرج الثلاثة نصيباً، ونسترد منها عُشرَ الباقي، وهو سهم، ونقسم الأحد عشر، فندفع إلى كل ابن ثلاثة، مثل ما قدرناه للموصى له قبل الاستثناء، فيفضل اثنان، وهو الخطأ الثاني، وهو زائد أيضاً، فنسقط أحد الخطأين من الآخر تبقى ثلاثة، فنحفظها، فهي المقسوم عليها.
ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، فيبلغ أربعة وعشرين، ونضرب المال الثاني في الخطأ الأول، فيبلغ خمسة وستين، ونسقط أقل المتلقيين من أكثرهما، فيبقى أحد وأربعون، فنقسمها على المحفوظ فيخرج ثلاثةَ عشرَ وثلثان، فهو المال. ثم نضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، فيبلغ أربعة، ونضرب النصيب الثاني في الخطأ الأول فيبلغ خمسة عشر، ونسقط الأقلَّ من أكثر، فيبقى أحد عشر، فنقسمها على المحفوظ فيخرج ثلاثة وثلثان، فهي النصيب، والمال ثلاثةَ عشرَ وثلثان، فنبسطها أثلاثاً ليزول الكسر، فيكون المال أحداً وأربعين، والنصيب أحد عشر، كما أفضى إليه الجبر.(10/105)
6712- وأما طريقة المقادير، فنعطي نصيباً من المال، يبقى منه مقدار، نسترجع عُشرَه من ذلك النصيب، ونزيده على المقدار، فيكون مقداراً وعشرَ مقدار، وذلك مثل ثلاثة أنصباء، فنقسمها على ثلاثة، فيكون كلُّ نصيب منها ثُلثَ مقدار وثلثَ عُشر مقدار. فهذا مقدار النصيب.
فنرجع ونقول: المال مقدار وثلث مقدار وثلث عشر مقدار، فذلك هو المال، فنضربه في عدد له ثلث وعشر، ولعشره ثلث، فيبلغ أحداً وأربعين، وهو المال.
وقد ظهر أن [النصيب] (1) ثلثُ مقدار، وثلثُ عشر مقدار، فخذ ثلثَ الثلاثين، وثلثَ عشرها، وذلك أحد عشر.
وطريقة القياس قريبة مما ذكرنا.
فنقول: علمنا أن الباقي من المال بعد النصيب عدد له عشر، فنجعله عشرة، وقد استثنى عشرها فيصير أحد عشر، فهذه الأحد عشر يستحقها البنون، وهم ثلاثة: لكل واحد منهم ثلاثة وثلثان، فعلمنا بذلك أن النصيب الذي أخذه الموصى له قبل الاستثناء كان ثلاثة وثلثين، فنزيدها على العشرة الباقية بعد النصيب، فيكون ثلاثةَ عشرَ وثلثين، فنبسطها أثلاثاً، فتكون [أحدا وأربعين، وهي المال، وقد فرضنا النصيب ثلاثة وثُلثين، فنبسطها أثلاثاً فتكون] (2) أحد عشر، فهي النصيب.
6713- وطريق الدينار والدرهم أن نجعل المال ديناراً وعشرةَ دراهم، فنجعل الدينار نصيباً، ونخرجه إلى الموصَى له، ونسترجع منه مثلَ عشر الباقي، وهو درهم، ونزيده على الباقي، فيكون أحد عشر درهماً، تعدل ثلاثة دنانير، وقيمة كل دينار ثلاثة دراهم، وثلثان، فنزيدها على العشرة بدل الدينار، فتبلغ ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثين، فهي المال، فنبسطها أثلاثاً، كما تقدم وقد التقت الطرق.
__________
(1) في الأصل: " المال " والمثبت من تصرف المحقق؛ أخذاً من معطيات المسألة.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.(10/106)
6714- صورة أخرى: ترك رجل.
امرأة، وأبوين، وابنين، وأوصى بمثل نصيب أحد الابنين إلا خمس ما تبقى من المال بعد النصيب.
فسهام الفريضة ثمانية وأربعون، فطريق خروج المسألة على إيجازٍ بالجبر والمقابلة أن نقول: الوصية بالنصيب تتضمن ضمّه مثلَ نصيب الموصى بنصيبه إلى سهام الفريضة، وما تضمه إلى سهام الفريضة مجهولٌ؛ لمكان الاستثناء عنه مما بقي، فنقول: نضم [إلى] (1) الثمانية والأربعين شيئاً مجهولاً، وهو الذي نستخرج بيانه، ثم نأخذ نصيب أحد الابنين، وهو ثلاثةَ عشرَ سهماً، فيبقى خمسةٌ وثلاثون، والذي ضممناه، فنستثني من الثلاثة عشر خُمسَ ما بقي، وهو سبعة وخُمس شيء، فتبقى ستة إلا خُمس شيء، تعدل الشيء الذي ضمَمْناه إلى الفريضة، فنجبر الستة الباقية بخمس شيء، ونزيد على عديله وهو الشيء خمسَ شيء، فتبقى ستة أسهم كاملة في مقابلة شيء وخمسِ شيء، فنعلم أن الشيء يساوي خمسة أسهم، إذا (2) كان الشيء وخمس شيء يساوي ستة أسهم.
فنرجع ونقول: الذي ضممناه إلى الفريضة خمسة أسهم، وإذا ضممنا خمسةً إلى ثمانية وأربعين، كان المجموع ثلاثة وخمسين، فنسقط منها الوصية خمسة أسهم، فتبقى سهام الفريضة ثمانية وأربعون سهماً، وتصح القسمة، وقد وفَّيْنا بموجب الوصية.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) " إذا كان الشيء ... " واضحٌ أن المعنى (إذْ) ، وقد يسبق إلى ذهن بعض المحققين أن هذا تصحيف، وسهو من الناسخ، فما أكثر هذا!! ولكن يجب على من يتعامل مع النصوص التراثية ألا يحملها على مألوفه ومعهوده من النحو واللغة، بل يجب عليه أن يبحث وينقّر على أي وجهٍ يمكن أن يحمل الاستعمال الذي أمامه، ولا يسارع إلى التخطئة، والحمل على التصحيف والتحريف.
وفي عبارتنا هذه رأينا أن استعمال (إذا) مكان (إذ) سائغ صحيح، غفل عن التنبيه عليه أكثر النحويين، كما قال ابن مالك، وشاهده من القرآن الكريم: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) [الجمعة: 11] (ر. شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح: 62) .(10/107)
الامتحان: نُخرج من الثلاثة والخمسين، وهي الفريضة الجامعة للوصية وسهام المسألة ثلاثةَ عشرَ، فتبقى أربعون، فيستثنى من النصيب خمس الأربعين، وهو ثمانية فيبقى خمسة للوصية، وتعود سهام الفريضة إلى ثمانية وأربعين، وقد خرجت المسألة.
6715- فطريق (1) الدينار والدرهم قريبة مما ذكرناه.
فنقول: نزيد على سهام المسألة -وهي ثمانية وأربعون- ديناراً. ونُخرج نصيب أحد الابنين ثلاثةَ عشرَ، فيبقى خمسة وثلاثون ودينار، فنطرد في الدينار ما ذكرناه في المسألة، فتخرج المسألة بقيمة الدينار، كما تقدم.
هذا كلام في أحد الوجهين المقيّدين وهو أن يُقيّد لفظُ الموصي الاستثناءَ بجزءٍ مما بقي بعد النصيب.
6716- فأما الاستثناء مما بقي بعد الوصية، فقد ذكرنا أن الاستثناء أكثر، والجزءُ المذكور، وإن شابه الجزء المذكور في النوع الأول، فهو في التحقيق أكثر منه.
ومما يجب الإحاطة به -وبناء مسائل هذا النوع عليه- أن نعلم أن عُشر الباقي من المال بعد الوصية، يكون مثل تسع الباقي منه بعد النصيب، وتسع الباقي بعد الوصية مثل ثمن الباقي منه بعد النصيب، وثمن الباقي بعد الوصية مثل سبع الباقي منه بعد النصيب، وسبع الباقي من المال بعد الوصية يكون مثل سدس الباقي منه بعد النصيب، وسدس الباقي بعد الوصية مثل خمس الباقي بعد النصيب، وخمس الباقي بعد الوصية مثل ربع الباقي بعد النصيب، وربع الباقي بعد الوصية مثل ثلث الباقي بعد النصيب، وثلث الباقي بعد الوصية مثل نصف الباقي بعد النصيب.
فإذا ثبت هذا الاعتبار، رجعنا إلى المسألة وقلنا:
رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا عشر ما تبقى من المال بعد الوصية، فهذا في معنى ما لو أوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحد بنيه إلا تسع ما تبقى من المال بعد النصيب.
__________
(1) كذا بالفاء، وهو استعمال معهود أيضاً في تفصيل المجمل، وعدّ آحاده.(10/108)
6717- فطريقة الجبر على قياس المسألة الأولى مما تقدم أن نأخذ مالاً، وننقص منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيب، فنزيد عليه مثلَ تُسعه، وهو الذي استرجعناه بالاستثناء من النصيب، فيكون الباقي مالاً وتسعَ مال إلا نصيباً وتسع نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبر ونقابل، صار مال وتسع مال يعدل أربعة أنصباء وتسع نصيب، فإذا بسطناها أتساعاً صار المال عشرة والنصيب سبعة وثلاثين، وإذا قلبنا العبارة، كان المال سبعة وثلاثين، والنصيب عشرة.
الامتحان: ندفع إلى الموصى له عشرة، تبقى سبعة وعشرون، فنسترجع منها تُسعَ ما بقي، وهو ثلاثة، نضمه إلى السبعة والعشرين، فيبقى للوصية سبعة، وقد حصل في أيدينا ثلاثون، نقسمها على ثلاثة بنين، لكل واحد عشرة.
6718- وخروج المسألة بالخطأين، والمقادير، والقياس، والدينار والدرهم، على قياس خروجها في الوجه الأول المقيّد بما بعد النصيب، إلا أنك تجعل بدل عشر الباقي بعد الوصية تسع الباقي بعد النصيب.
والقياس بعد ذلك على ما مضى، فلا معنى لإعادة الطرق.
6719- صورةٌ أخرى:
رجل ترك ثلاثة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدسَ ما تبقى بعد الوصية من المال، فقد علمنا أن سدسَ الباقي بعد الوصية مثلُ خُمس الباقي بعد النصيب، فنأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مالٌ إلا نصيب، ونزيد عليه الاستثناءَ: خُمسَه، فيردّ من النصيب، فيكون مال وخمس مالٍ إلا نصيباً، وخمسَ نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فإذا جبرنا، وقابلنا، وعدلنا، صار مال وخُمس يعدل [أربعةَ] (1) أنصباء وخُمسَ نصيب، فإذا بسطناه أخماساً، وقلبنا الاسمَ، صار المال أحداً وعشرين، والنصيب ستةً، وهما متفقان بالثلث، فرددنا كل واحد منهما إلى الثلث، فالمال سبعة والنصيب اثنان. وإذا دفعنا إلى الموصى له نصيباً، وهو اثنان، واسترجعنا منه خمسَ
__________
(1) في الأصل: خمسة.(10/109)
الباقي، بقي سهم واحد لجهة الوصية، وللورثة ستة أسهم لكل واحدٍ منهم سهمان.
وربما نقرّب العبارةَ في بعض المسائل عن الجبر، فنقول: معلومٌ أن الباقي من المال بعد الوصية أنصباء البنين، وذلك ثلاثة أنصباء، وسدس ذلك نصفُ نصيب، وهو المستثنى من نصيب أحد البنين، فإذا استرجعناه من النصيب، بقي نصف نصيب، وهو الوصية، فنزيده على أنصباء البنين، فيكون ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، للموصى له من ذلك نصف سهم، ولكل ابن سهم، فنضعّف ذلك ليزول الكسر، فيصير المال سبعة، والوصية منها سهم واحد.
وقد بان بهذه المسألة أن سدسَ الباقي بعد الوصية، مثلُ خُمس الباقي بعد النصيب، وإنما كان كذلك لأنك إذا أسقطت من المال سدسه، بقي خمسةُ أسداسه، وكان السدس الذي أسقطته مثل خمس الباقي، وكذلك إذا أسقطت من المال خُمسه: ذلك الخُمس مثلُ رُبع الباقي بعد إسقاط خمسه، فهذا قياس الباب.
وقد نجز أحد النوعين الموعودين بما يتعلق به في أقسامه، ومسائله.
6720- فأما النوع الثاني فمضمونه الوصية بالنصيب، مع استثناء جزءٍ من جزءِ: هذا النوع ينقسم إلى الأقسام والوجوه الثلاثة، كما تقدم، فقد يقع الاستثناء بجزءٍ من جزء بعد النصيب، وقد يقع الاستثناء بعد الوصية، وقد [يجري] (1) الاستثناء مطلقاً، من غير إضافةٍ إلى النصيب، أو إلى الوصية، وقد تقدم فقه الفصل.
ونحن نذكر بعدُ التقييدَ بما بعدَ النصيب، ثم نذكر بعده التقييدَ بما بعد الوصية، ثم المطلق فيه مذهبان، تقدم ذكرهما، وقياس المذهبين على قياس خروج المذهبين المقدّمين.
6721- فأما الاستثناء بعد النصيب، فرجل خلف ثلاثةَ بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
__________
(1) في الأصل: جرى.(10/110)
فحساب المسألة بالجبر والمقابلة أن نأخذ ثلثَ مال، ونسقطَ منه نصيباً، يبقى ثلثُ مال إلا نصيب (1) ، فنزيد عليه ثلثه، وثُلثُ الثلث تسعُ المال، فنسترجع ذلك من النصيب، فيحصل معنا ثلث مال وتسعُ مال إلا نصيب وثلث نصيب، والجملة أربعة أتساع مال إلا نصيباً وإلا ثلث نصيب، فنزيده على ثلثي المال، وهو ستة [أتساع] (2) ، ونعبّر عن الجملة بعد الضم بالأتساع، فيحصل معنا مال وتسع مال إلا نصيباً وثلثَ نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاث، وإذا جبرنا، وقابلنا، وعدلنا، فيكون مال وتسع مال في مقابلة أربعة أنصباء وثلث نصيب، فإذا بسطناهما بأقل الأجزاء وهي الأتساع وقلبنا الاسم، صار المال تسعة وثلاثين، والنصيب عشرة.
وقد خرجت المسألة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال وهو ثلاثةَ عشرَ، فنلقي منه نصيباً، وهي عشرة تبقى ثلاثة، فنسترجع ثلثها، وهو واحد من النصيب، فتبقى تسعة للوصية، فنعود فنلقي تسعة من تسعة وثلاثين، تبقى ثلاثون بين البنين.
6722- وحساب المسألة بالخطأين أن نقدر ثُلث المال خمسة، والنصيب منها درهمين، فنخرج الدرهمين ونسترد درهماً، وهو مثل ثلث الثلاثة الباقية، ونزيد ذلك على ثلثي المال، وهو عشرة فتبلغ أربعة عشر، فندفع منها إلى كل ابن اثنين، فلهم ستة وتَفضل ثمانية، فهي الخطأ الأول، وهو زائد، فنحفظه.
ثم نجعل ثلث المال ستة، والنصيب منها ثلاثة، ونقلبها (3) من الثلث، تبقى ثلاثة، فنسترجع من النصيب ثلثها، وهو واحد، فنضمه إلى الثلاثة، فتصير أربعة، فنزيدها على ثلثي المال، وهي اثني عشر فتبلغ ستة عشر، فندفع منها إلى كل ابن ثلاثة: مثل النصيب، فيبقى سبعة، وهي الخطأ الثاني، وهو زائد، فنطرحه من
__________
(1) نُذكّر بما أشرنا إليه من قبل من أن رفع المستثنى (بإلا) من كلام تام موجب له وجه في الصحة وعليه روي الحديث الشريف: " كل أمتي ناجٍ إلا المجاهرون " بالرفع، وأكثر ما جاء في هذا الكتاب في الأعداد والمقادير.
(2) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(3) نقلبها أي نرجعها ونردّها ونسقطها.(10/111)
الخطأ الأول وهو ثمانية، يبقى واحد وهو الجزء المقسوم عليه، فنحفظه.
ثم نضرب المال الأول، وهو خمسة عشر في الخطأ الثاني، وهو سبعة، فيكون مائة وخمسة، ونضرب المال الثاني، وهو ثمانية عشر في الخطأ الأول وهو ثمانية فيكون مائة وأربعة وأربعين، فنلقي منها المبلغ الأول وهو مائة وخمسة، فيبقى تسعة وثلاثون، فنقسمها على الجزء المحفوظ، وهو واحد، فيخرج تسعة وثلاثون، فهي المال.
وإذا طلبنا النصيبَ، ضربنا النصيبَ الأول في الخطأ الثاني وهو سبعة، فيبلغ أربعةَ عشرَ، ونضرب النصيب الثاني، وهو ثلاثة في الخطأ الأول، وهو ثمانية، فيصير أربعة وعشرين، فنلقي الأقل من الأكثر، فتبقى عشرة، فنقسمها على الجزء المحفوظ، وهو واحد، فيخرج عشرة، وهي النصيب، كما خرج بالعمل الأول.
6723- وطريق المقادير أن نأخذ ثلث مالٍ، ونلقي منه نصيباً يبقى منه مقدار، نزيد عليه ثلثه، وهو ثلث مقدار، وهذا هو المستردّ من النصيب، فمعنا مقدار وثلث مقدار، وندفع من كل ثلث نصيباً إلى ابنٍ، فيبقى من كل ثلث مقدار، ولا حاجة في كل ثلث إلى ردّ واسترداد؛ فإن ما ذكرناه يختص بالثلث الذي فيه الوصايا، فيصح معنا ثلاثة مقادير وثلث مقدار. فهذا نصيب الابن الذي لم يأخذ شيئاً، فعلمنا أن نصيب كل ابن ثلاثة مقادير وثلث، وقد كنا جعلنا الباقي من الثلث بعد النصيب مقداراً، فيكون الثلث على هذا التقدير أربعة مقادير وثلث مقدار؛ فإنا أخرجنا من الثلث نصيباً، وبان آخراً أن النصيب ثلاثة مقادير وثلث، فالمجموع أربعة مقادير وثلث مقدار، وهو الباقي بعد النصيب، والنصيب ثلاثة مقادير وثلث مقدار، فنبسط أربعة مقادير وثلث أثلاثاً، فتصير ثلاثةَ عشرَ، وإذا كان الثلث ثلاثةَ عشرَ، فالمال تسعة وثلاثون، والنصيب ثلاثة مقادير وثلث، وإذا بسطتها أثلاثاً، كان عشرة.
6724- فالحساب بالقياس أن نجعل الباقي من الثلث بعد إسقاط النصيب منه عدداً له ثلث، وهو ثلاثة، فنسترجع من ذلك النصيب ثُلثه فيصير أربعة، ثم نلقي من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيباً لابن، فيبقى من كل ثلث ثلاثة فنزيدها على الأربعة(10/112)
الباقية من الثلث الأول، فتكون عشرة، فهو النصيب، وقد علمنا أن الباقي من الثلث بعد إسقاط النصيب ثلاثة، فالثلث نصيب وثلاثة، والنصيب عشرة، فبان أن الثلث ثلاثة عشر، والمال تسعة وثلاثون.
6725- وطريق الدينار والدرهم أن نجعل الثلث ديناراً، وثلاثة دراهم، وندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع منه ثلث الباقي وهو درهم، يبقى من هذا الثلث أربعة دراهم، نزيدها على ثلثي المال، وهو ديناران وستة دراهم، فتصير دينارين، وعشرة دراهم، ندفع منها إلى كل ابن دينار، فيبقى الابن الثالث، وعشرة دراهم؛ فالدينار إذاً عشرةُ دراهم، كما تقدم، وتلتقي الطرق.
6726- فإن كان قد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا نصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فخذ ثلث المال، وانقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فردّ عليه من أجل الاستثناء مثلَ نصفه، ونصفُ الثلث سدس، وهذا هو المستردّ من النصيب، فيحصل في أيدينا نصف مال (1) إلا نصيباً ونصفاً، فنرده على ثلثي المال يصير مالاً، وسدس مال إلا نصيباً ونصف نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فاجبر وقابل، فيكون مال وسدس مال، يعدل أربعة أنصباء ونصف نصيب، فابسطها أسداساً، واقلب الاسم، فيصير المال [سبعة وعشرين] (2) والنصيب سبعة.
الامتحان: ثلث المال تسعة، الوصية نصيب، وهو سبعة، يبقى اثنان، استرجع نصفه من النصيب، فيبقى مع الموصى له ستة أسهم، هي للوصية، فاطرحها من المال يبقى أحدٌ وعشرون بين البنين، لكل واحد سبعة، وقد أخذ الموصى له ستة أسهم، وهو مثل النصيب إلا نصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
6727- فإن ترك خمسةَ بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
فالعمل بالجبر أن نأخذ ثلث مالٍ وننقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فردّ
__________
(1) نُنَبِّه، جاء هذا النصف من حاصل جمع الثلث مع السدس.
(2) في الأصل: " تسعة وعشرين ".(10/113)
عليه ربعه من [أجل] (1) الاستثناء، فيحصل معك ربع مال وسدس مال إلا نصيباً، وربع نصيب؛ فإن ربع الثلث نصف سدس، فالمجموع سدس وربع (2) ، فزده على ثلثي المال فيكون مال ونصف سدس مال إلا نصيباً وربع نصيب، يعدل خمسة أنصباء، فاجبر وقابل، فيصير مال (3) ونصف سدس مال يعدل ستة أنصباء وربع نصيب، فابسطها أجزاء الاثني عشر، لأن نصف سدس جزءٍ من اثني عشر، وذلك بأن تضرب كلّ واحد في اثني عشر.
ثم اقلب الاسم فيكون المال خمسة وسبعين، والنصيب ثلاثةَ عشرَ.
الامتحان: ثلث هذا المال خمسة وعشرون فانقص منها النصيب وهو ثلاثة عشر، يبقى اثنا عشر نسترجع منها ربعها، وهي ثلاثة من ذلك النصيب يبقى مع الموصى له عشرة، وهي الوصية فعُد وأسقطها من المال وهو خمسة وسبعون، يبقى خمسة وستون، بين البنين على خمسة لكل واحد منهم ثلاثة عشر.
وعلى هذا فقس.
وقد نجز الاستثناء من النصيب بعد النصيب، وبقي في هذا النوع الاستثناء من النصيب بعد الوصية.
المثال: رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية.
فجميع وجوه الحساب كما ذكرنا. غير أنا نستعمل في هذه الصورة بدل استثناء الثلث استثناءَ النصف، كما نبهنا عليه، من الفرق بين صرف الاستثناء إلى الباقي بعد النصيب، وبين صرف الاستثناء إلى الباقي بعد الوصية، وبينهما تفاوتٌ بجزءٍ، كما ذكرناه، فما يقع ثلث الثلث في القسم الأول يقع نصف الثلث في القسم الثاني.
__________
(1) في الأصل: أخذ.
(2) جاء هذا من جمع 1/3 + نصف 1/6 أي 1/12. هكذا: 1/3 + 1/12 = 5/12 وهي عبارة عن، فهما ربع وسدس.
(3) كذا: برفع (مال) وله وجه على اعتبار (صار) تامّة، بمعنى: فيحصل مال، ومثلها (فيكون) في السطر الذي قبلها.(10/114)
وطريق الجبر بعد هذا التنبيه: أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه نصيباً، فيبقى ثلث مال إلا نصيباً، ثم نسترجع من ذلك النصيب مثل نصف هذا الباقي، ونزيده عليه، فيصير نصف مال إلا نصيباً ونصف، ونزيده على ثلثي المال، فيكون مال وسدس مال إلا نصيب ونصف نصيب يعدل ثلاثة أنصباء.
فإذا جبرنا وقابلنا، ثم بسطناهما أسداساً، وقلبنا الاسمَ، صار المال سبعة وعشرين، والنصيب سبعة.
وامتحانه أن نأخذ ثلث المال وهو تسعة، ونلقي منه نصيباً وهو سبعة، تبقى اثنان نسترجع من السبعة مثل [نصف الاثنين] (1) : واحد، يبقى مع الموصى له ستة، وهي الوصية، فاطرحها من المال، يبقى أحدٌ وعشرون، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم سبعة. والطرق كلها تجري؛ فلم نُعدها.
6728- وذكر الصيدلاني في هذه المسألة الأخيرة طريقةً قريبة من طريقة الجبر، فنذكرها، وذلك أنه قال: نجعل ثلث المال نصيباً ناقصاً، وثلاثة أسهم، فجميع المال ثلاثة أنصباء و [تسعة] (2) أسهم، ثم نكمل نصيبين من الأنصباء بسهمين من هذه السهام؛ إذ لا نقصان في نصيبين [لابنين] (3) ، وإنما النقصان في نصيب الموصى به، فتراجعت السهام [التسعة] (4) إلى السبعة، وصرفنا نصيبين كاملين إلى ابنين، فبقيت سبعة أسهم، تقابل نصيب الابن الثالث، وتعدل نصيباً كاملاً، فعرفنا أن النصيب الناقص ستة أسهم، لأنا كمّلنا للنصيب سهماً، فالثلث إذاً نصيب ناقص، وهو ستة، وثلاثة أسهم، وذلك تسعة أسهم، والمال سبعة وعشرون، فنعطي الموصى له ستة، ونعطى كلَّ ابن سبعة.
وهذه الطريقة مقتضبة من الجبر والقياس.
ولم يتعرض الصيدلاني ولا غيره من الأصحاب للوجوه الثلاثة التي ذكرناها، وهي
__________
(1) في الأصل: نصيب الابنين.
(2) في الأصل: وسبعة.
(3) في الأصل: لأنها تبين.
(4) في الأصل: للسبعة. (وهو تحريف واضح) .(10/115)
التصريح بالاستثناء بما بعد النصيب، أو بما بعد الوصية، أو الإطلاق من غير تقييد بأحد الوجهين. والذي ذكره مفروض [في] (1) الإطلاق. ومن لم ينتبه للوجوه الثلاثة، لم يكن على علم في المسألة.
ثم ما ذكرناه في الإطلاق أشهر الوجهين، وفيه وجه آخر كما ذكرناه، وهو الحمل على ما بعد النصيب، والذي ذكره حملٌ على ما بعد الوصية.
فصل
من الاستثناء مشتملٌ على الوصية بجزءٍ من المال وبالنصيب مع استثناء جزء من الباقي
6729- والاستثناءُ ينقسم كما تقدم، فيقيّد بما بعد النصيب، وبما بعد الوصية، ويُفرضُ مطلقاً.
ونحن نذكر صرف الاستثناء إلى ما بعد النصيب.
المثال: رجل له [تسعة] (2) بنين. أوصى لرجل بثُمن ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه إلا عشر ما بقي من المال بعد النصيب.
6730- فطريقة الجبر أن نأخذ مالاً، وندفع منه إلى الموصى له الأول ثمنه، يبقى سبعة أثمان مال، ندفع منها نصيباً إلى الموصى له الثاني، يبقى سبعة أثمان مال إلا نصيب، فنسترجع من ذلك النصيب عُشر هذا الباقي، ونزيده على الباقي، وإذا انتهينا إلى اختلاف المخارج، فلا بد من ذلك المخرج الشامل، والمخرج الشامل في المسألة ثمانون، وقد أخرجنا ثمنها، فبقي سبعون، وهو سبعة أثمان المال، ثم أخرجنا النصيب، واسترددنا من النصيب مثلَ عُشر الباقي، وهو سبعة، فيحصل معنا سبعةٌ وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من مال إلا نصيباً وعُشرَ نصيب، وذلك يعدل [تسعة] (3) أنصباء.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.(10/116)
فنجبر، ونقابل، فيكون سبعة وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من مال يعدل عشرة أنصباء وعشر نصيب، فنبسطها بأجزاء الثمانين، ونقلب الاسم فيكون المال ثمانمائة وثمانية، [والنصيب] (1) سبعة وسبعين.
الامتحان: نلقي من المال ثمنه وهو مائة وواحد، فبقي من المال سبعُمائة وسبعة، فندفع منها نصيباً، وهو سبعةٌ وسبعون، يبقى ستمائة وثلاثون، فنسترجع من النصيب مثل عشر هذا الباقي، وهو ثلاثة وستون، بقي مع الموصى له بالنصيب أربعةَ عشرَ، فهي الوصية، ووصية الموصى له الأول، مائة وواحد، فنلقي الوصيتين جميعاً من المال وهو مائة وخمسة عشرَ، يبقى من المال ستمائة وثلاثة وتسعون بين تسعة بنين لكل واحد سبعة وسبعون.
6731- وحساب المسألة بالخطأين أن نجعل المال إن أردنا ستة عشر، وندفع ثمنها إلى الموصى له الأول، وهو اثنان، تبقى أربعةَ عشرَ، فنجعل النصيبَ أربعة، وندفعها إلى الموصى له الثاني، تبقى عشرة، فنسترجع من النصيب مثلَ عُشر هذا الباقي، وهو واحد، فيكون أحدَ عشر، ندفع منها إلى كل ابن أربعة وهم يحتاجون إلى ستة وثلاثين، والذي معنا أحد عشر وهو ناقص عن الواجب، ومقدار النقصان خمسة وعشرون، وهو الخطأ الأول في النقصان.
ثم نجعل المال أربعةً وعشرين، ندفع ثمنها وهو ثلاثة إلى الموصى له الأول، تبقى أحدٌ وعشرون، فنجعل النصيبَ أحدَ عشرَ، وندفعها إلى الموصى له الثاني، ونسترجع منه مثل عشر الباقي، وهو واحد، فيكون الباقي أحد عشر، فنحتاج أن ندفع إلى كل ابن أحد عشر، فكان الواجب أن يبقى لهم تسعة وتسعون، وقد بقي لهم أحد عشر، فنقص ثمانيةٌ وثمانون، وهي الخطأ الثاني، وهو ناقص أيضاً، فننقص الخطأ الأول عن الثاني، فتبقى ثلاثة وستون، فهي المقسوم عليها، فاحفظها ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمالَ الثاني في الخطأ الأول، ونطرح أقلَّهما من أكثرهما، فيبقى ثمانمائة وثمانية، فنقسمها على الجزء المحفوظ وهو ثلاثة وستون
__________
(1) في الأصل: المال.(10/117)
فيخرج اثنا عشر صحيحة واثنان وخمسون جزءاً من ثلاثة وستين جزءاً من واحد، هذا هو المال.
فنبسطه بأجزاء ثلاثة وستين، فيبلغ ثمانمائة وثمانية.
وإذا أردنا طلب النصيب، ضربنا النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، ونقصنا أقل المبلغين من أكثرهما، وقسمنا الباقي على الجزء المحفوظ، وبسطنا كما يجب، خرج النصيب سبعة وسبعين، كما خرج بالعمل الأول.
6732- وأما طريق المقادير، نقول (1) : إذا أسقطنا من المال ثُمنه، وألقينا من الباقي نصيباً، بقي منه مقدارٌ، فنسترجع من هذا النصيب مثلَ عُشْر هذا المقدار، ونزيده عليه، [فالباقي] (2) مقدارٌ وعشرُ مقدار، وهذا يعدل أنصباء البنين، فنصيب كل واحد منهم تُسعُ مقدارٍ وتُسع عشر مقدار، فذلك هو [النصيب] (3) ، فنزيده على المقدار، فيكون معنا مقدار وتسع مقدار وتسع عشر مقدار في الوضع الأول، وذلك سبعة أثمان المال، ونحتاج أن نزيد عليه سُبعه ليكملَ المال، فالوجه أن نجعل المقدار عدداً له سُبع، وتُسع، وعشر، وذلك بأن نضرب تِسعةً في سَبعةٍ، ثم المبلغ في عشرة، فيبلغ ستمائة وثلاثين. وهذا هو المقدار، فنزيد عليه النصيب، وذلك مثلُ تُسعه وتُسع عشره وهو سبعةٌ وسبعون، فيبلغ سَبْعَمائة وسبعة، وهو سبعةُ أثمان المال، فنزيد عليه سُبعَه وذلك مائة وواحد، فيبلغ ثمانمائة وثمانية، وهي المال.
وقد ظهر أن النصيب سبعة وسبعون.
6733- وطريق القياس أن يحصل الباقي من المال بعد الثمن والنصيب عددٌ له عشر، حتى نسترجع عشرَه من النصيب، فليكن عشرة، فنسترجع عُشرَها من النصيب، وهو واحد ونضمه إلى العشرة فيكون أحد عشر، نقسمها بين تسعة بنين:
__________
(1) كذا بدون فاء في جواب (أما) كدأب إمامنا. وهي لغة فصيحة.
(2) في الأصل: " والباقي ".
(3) في الأصل: المقدار.(10/118)
لكل واحد منهم واحد وتسعان، فذلك مقدار النصيب، فنعود ونزيد النصيب على العشرة، فتصير الجملة أحدَ عشرَ وتُسْعَيْن، فهذا سبعة أثمان المال، فنزيد عليها سُبْعَها، ليكمل المال. والوجه فيه أن نضرب الأحدَ عشر والتُسْعَيْن في مخرج الأتساع أولاً، وهو تِسعة، فترد مائةً وواحداً، فنضرب ذلك في مخرج الأثمان، وهو ثمانية، فيكون ثمانمائة وثمانية، فهي المال.
ونضرب النصيبَ، وهو واحد [وتُسعان] (1) في مخرج الأسباع والأتساع، وذلك ثلاثة وستون، فيبلغ سبعة وسبعين.
6734- طريق الدينار والدرهم: أن نجعل المال كلَّه أحد عشر درهماً، وثلاثة أسباع درهم وديناراً وسُبْعاً؛ حتى إذا ألقينا ثُمنه، وجعلنا الدينار نصيباً، كان لما بقي عُشر، فنلقي سبعَ دينار، وهو ثمن دينار وسبع، ونلقي درهماً وثلاثة أسباع درهم، وهو ثمن الدراهم وكسرها التي قدرناها، فيبقى دينارٌ وعشرةُ [دراهم] (2) ، فندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع منه عُشر الباقي، ونزيده على الباقي، فيكون الباقي أحد عشر درهماً تعدل [تسعة] (3) دنانير، فالدينار يعدل درهماً و [تُسعي] (4) درهم، وقد كنا جعلنا المالَ كلَّه ديناراً وسُبعَ دينار، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، فنضرب ذلك في مخرج له سبع وتسع وذلك ثلاثة وستون، فيكون المال ثمانمائة وثمانية، والنصيب سبعة وسبعين، كما تقدم.
هذا. والاستثناء مما بعد النصيب.
6734/م- فإن كانت المسألة بحالها إلا أن الاسثثناء مما بعد الوصية، كأن ترك تسعة بنين، وأوصى لرجل بثُمن ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد البنين إلا عُشر ما بقي من المال بعد الوصية.
فالعمل فيه على ما مضى إلا أنا نجعل بدل اسثثناء [العشر] (5) بعد الوصية استثناء
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: سبعي.
(5) في الأصل: العشرة.(10/119)
التُّسع بعد النصيب، كما تمهد فيما تقدم.
طريق الجبر: نأخذ مالاً، ونلقي منه ثمنه، تبقى سبعةُ أثمان مال، فنلقي منه نصيباً، يبقى سبعة أثمان مالٍ إلا نصيباً، فنزيد عليه تُسعه، وهو الذي نسترجعه من النصيب، وعند ذلك نبسط بالمبلغ الأقصى الذي إليه الحاجة، فيبلغ سبعين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من مال إلا نصيباً وتُسع نصيب، وذلك يعدل تسعة أنصباء، فنجبر، ونقابل، فيكون سبعين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال تعدل عشرةَ أنصباء وتُسعَ نصيب، فنبسطها بأجزاء اثنين وسبعين، ونقلب الاسمَ فيهما. فيكون المال سَبعمائةٍ وثمانية وعشرين، والنصيب سبعين.
والامتحان: نطرح من المال ثمنه وهو أحدٌ وتسعون، وتُدفع إلى الموصى له الأول، تبقى ستمائة وسبعة وثلاثون، نُلقي منها نصيباً للموصى له الثاني، وهو سبعون، تبقى خَمسمائة وسبعٌ وستون، نسترجع مثل تسعها، وهو ثلاثة وستون من النصيب، يبقى مع الموصى له الثاني سبعة: هي وصيتُه، فنطرح الوصيتين من المال يبقى ستمائةٍ وثلاثون من (1) تسعة بنين لكل واحد منهم سبعون سهماً.
وسائر طرق الحساب تجري، وإنما المَيْز بين الوجهين ما ذكرناه من أن العُشر في الوجه الأول تسعٌ في الوجه الثاني، وليس من الممكن بيان زائد على هذا، في تمهيد الطرق. والجريانُ فيها مُحَصِّله (2) الدُّربةُ وكثرةُ العمل.
فصل
في الوصية بجزءٍ شائعٍ من المال، وبالنصيب مع استثناء جزءٍ من المال
6735- وهذا ينقسم إلى ما يقع الاستثناء فيه بعد النصيب وإلى ما يقع الاستثناء فيه بعد الوصية، كما تقدم.
__________
(1) من تسعة بنين، أي على تسعة بنين، وهو استعمال صحيح؛ فإن (مِنْ) تأتي مرادفة لـ (على) ، قاله ابن هشام في المغني، واستشهد له بقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77] أي على القوم الذين كذبوا بآياتنا (المغني: 424) .
(2) محصِّلُه: أي الذي يُحصِّله.(10/120)
فنبدأ بانصراف الاستثناء إلى ما بعد النصيب.
المثال: تسعة بنين وقد أوصى لرجل بعشر ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
6736- طريقة الجبر أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه عشر جميع المال، يبقى سبعةُ أسهم من ثلاثين سهماً إذا بُسطتا من المال، فنلقي منه نصيباً، تبقى سبعة أسهم من ثلاثين سهماً من المال إلا نصيباً، فنسترجع مثل ثلث ذلك من النصيب الذي أخرجناه، وليس لسبعةٍ ثلثٌ صحيح، فنضرب المال والأجزاء في ثلاثة، فيكون معنا أحدٌ وعشرون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال إلا نصيباً، فنسترد ثلث ذلك من النصيب، فيحصل لنا سبعة من تسعين إلا ثلث نصيب، فنضمها إلى ما بقي من الثلث فيكون ثمنها ثمانية وعشرون من تسعين جزءاً إلا نصيباً وثلثَ نصيب، فنزيده على ثلثي المال، وهو ستون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً فيكون المبلغ ثمانية وثمانين جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال إلا نصيباً وثلث نصيب، يعدل تسعة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيكون ثمانية وثمانون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال، تعدل عشرة أنصباء وثلثَ نصيب، فنضرب كلَّ واحد منهما في [تسعين] (1) وهذا معنى بسطهما، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال بعد القلب تِسعمائةٍ وثلاثين، والنصيب ثمانية وثمانين.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو ثلاثمائة وعشرة، ونطرح منها عُشر المال، وهو ثلاثة وتسعون، تبقى مائتان وسبعةَ عشرَ، فنلقي منها نصيباً، وهو ثمانية وثمانون، تبقى مائة [وتسعة] (2) وعشرون، فنسترجع من النصيب مثلَ ثلث ما بقي، وهو ثلاثة وأربعون، ونزيدها على الباقي، فتبلغ مائة واثنين وسبعين ونزيدها على ثلثي المال، وهو ست مائة وعشرين، فيبلغ سبعَمائة واثنين وتسعين، بين تسعة بنين، لكل واحد ثمانية وثمانون. ووصية صاحب العُشر ثلاثة وتسعون، ووصية الآخر خمسة وأربعون.
__________
(1) في الأصل: سبعين.
(2) في الأصل: سبعة.(10/121)
فهذا طريق الجبر.
ولو حططت أولاً من المال عُشراً ثم أجريت طريق الجبر في التسعة الأعشار، لأفضى إلى الصواب؛ ولكنا نذكر في كل مسألة العبارة التي هي أقرب وأدنى إلى الغرض.
طريقة الخطأين: أن نجعل ثلث المال عشرة، ونلقي منها عشر جميع المال ثلاثة، تبقى سبعة، فنجعل النصيب منها أربعة، فيبقى ثلاثة، فنسترجع منها ثلثها من النصيب، ونزيده على الباقي أربعة نزيدها على ثلثي المال، وهو عشرون فيبلغ أربعة وعشرين، ونحتاج أن ندفع إلى كل ابن أربعة مثل النصيب وهم تسعة، ويحتاجون إلى ستة وثلاثين، ومعنا أربعة وعشرون، فنقصَ اثنا عشر، وهو الخطأ الأول، وهو ناقص، فاحفظه.
ثم نعود فنجعل ثلث المال عشرين، ونلقي منها عشر جميع المال، وذلك ستة، تبقى أربعة عشر، فنجعل النصيب منها خمسة، تبقى [تسعة] (1) ، فنسترجع من الخمسة مثل ثلث التسعة، ونزيدها على التسعة فتكون اثني عشر سهماً، فنزيدها على ثلثي المال وهو أربعون، فيبلغ اثنين وخمسين، ندفع منها إلى كل ابن خمسة مثل النصيب المقدر، [وهم] (2) تسعة؛ يحتاجون إلى خمسة وأربعين، ومعنا اثنان وخمسون، فزاد سبعة وهي الخطأ الثاني، ولكنه زائد، فنجمع بين الخطأين، فيكون [تسعة] (1) عشرَ، فهي المقسوم عليها، فاحفظها، ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونجمع بين المبلغين، ولا نسقط كما جمعنا بين الخطأين؛ لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيكون المبلغ تسعمائة وثلاثين، فنقسمها على تسعة عشرَ، فيخرج ثمانية وأربعون وثمانية عشرَ جزءاً من تسعة عشر جزءاً من واحد، فهو المال، ونضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، ونجمع المبلغين، كدأبنا فيما تقدم، ونقسم المجموعَ على الجزء المحفوظ للقسمة وهي [تسعة] (1) عشر، فتخرج أربعة أسهم،
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: وهو.(10/122)
واثني عشر جزءاً من تسعة عشرَ جزءاً من واحد، فهي النصيب. ثم نبسط المال والنصيب بأجزاء [تسعة] (1) عشر، وذلك بأن نضرب كلَّ واحدٍ من المال والنصيب في تسعةَ عشرَ ليزول الكسر، فيكون المال تِسعَمائة وثلاثين، والنصيب ثمانيةً وثمانين، كما خرج بالجبر.
وكل ما ذكرناه فيه إذا صرف الاستثناء إلى ما بقي بعد النصيب.
6737- فأما إذا كان الاستثناء منصرفاً إلى ما بقي من الجزء بعد الوصية، فالعمل كما بينا في هذه المسألة التي ذكرناها، غيرَ أنا جعلنا في المسألة الأولى المسترد ثلث ثلث الباقي من الثلث بعد النصيب، فإذا قال: بعد الوصية، فالمسترد نصف الباقي من الثلث بعد النصيب.
6738- طريقة الجبر: أن نأخذ ثلث مالٍ، فنلقي منه عشرَ جميع المال، فتبقى سبعة أجزاء من ثلاثين جزءاً من المال، فنلقي منه نصيباً، ونسترجع من النصيب نصفَ الباقي، فتبقى عشرة أجزاء ونصف جزء من ثلاثين جزءاً من المال إلا نصيب ونصف نصيب. وهو بالبسط أحد وعشرون جزءاً من ستين جزءاً من المال إلا نصيباً ونصف (2) نصيب، فنزيده على ثلثي المال وهو أربعون جزءاً من ستين، فيبلغ مالاً وجزءاً من ستين جزءاً من المال إلا نصيباً، ونصف نصيب.
وذلك يعدل تسعة أنصباء، فنجبرها ونقابل، فيكون مال وجزء من ستين جزءاً من المال، يعدل عشرة أنصباء ونصف نصيب، فنضرب كلَّ واحد منهما في ستين، وهو طريق البسط، ونقلب العبارة فيهما، فيكون المالُ ستمائة وثلاثين، والنصيب أحداً وستين.
والامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو مائتان وعشرة، ونلقي منها عشر جميع المال وهو ثلاثة وستون، تبقى مائة [وسبعة] (3) وأربعون، نلقي منها نصيباً وهو أحدٌ
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: إلا نصيب أو نصف نصيب.
(3) في الأصل: وستة وأربعون.(10/123)
وستون، تبقى ستةٌ وثمانون، فنسترجع مثل نصفها وهو ثلاثة وأربعون من ذلك النصيب، فيبقى مع الموصى له ثمانيةَ عشرَ، وهي وصيته، ونضم الثلاثة والأربعين، التي هي نصف الباقي من الثلث، وقد أسقطنا عشر المال، ونزيد ما حصل معنا، وهو مائة وتسعة وعشرون على ثلثي المال وهو أربع مائة وعشرون، فيبلغ خمسَمائةٍ وتسعة وأربعين، بين تسعة بنين، لكل واحد منهم أحدٌ وستون، مثل النصيب.
وعلى هذا فقِسْ.
وكذلك تخرج جميع الطرق.
فصل
في الوصية بنصيب مع استثناء نصيب وارث آخر منه
6739- وهذا المقدار لا يخرج إلى الجبر إذا لم يكن فيه تعرضٌ لجزءٍ مما بقي، أو من جزءٍ مما بقي.
ومسائل هذا النوع تنقسم: فمنها أن يوصي بمثل نصيب بعض ورثته، ويستثني منه نصيبَ وارثٍ، ووجهُ العمل فيه أن نُقيم سهامَ الفريضة، ثم نأخذ سهامَ الوارث الموصَى بمثل نصيبه، فنسقط منها سهام الوارث المستثنى نصيبُه، فما بقي نزيده على ما صحت منه الفريضة، فما بلغ منه تصح المسألة.
مثاله: رجل ترك امرأة وثلاث أخوات مفترقات، فأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم، أو من الأب.
فنقيم سهام الفريضة ثلاثة عشر، ونأخذ منها سهام المرأة وهي ثلاثة، فنلقي منها نصيب الأخت من الأم مثلاً، وذلك سهمان، يبقى سهم واحد، فنعود ونزيد سهماً واحداً على ثلاثةَ عشرَ، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فمنها تصح المسألة، فيكون للموصى له سهم، والباقي ثلاثة عشر بين الورثة، على مقادير سهامهم.
6740- فلو كانت بحالها إلا أنه أوصى بمثل نصيب الأخت من الأب والأم إلا مثل نصيب الزوجة، فنأخذ سهام الأخت من الأب والأم وهي ستة، وننقص منها سهام(10/124)
المرأة وهي ثلاثة، تبقى ثلاثة، فنزيدها على سهام الفريضة وهي ثلاثة عشر، فتبلغ ستةَ عشرَ، فمنها تصح المسألة. للموصى له ثلاثة، والباقي بين الورثة على سهامهم.
فلو كانت المسألة كما وصفناها، وقد أوصى مع ذلك بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم، فخذ نصيبَ المرأة وهي ثلاثة، وانقص منها مثلَ نصيب الأخت من الأم، وهو سهمان، يبقى سهم واحد، فزد عليه الستة عشر، فيبلغ بالوصيتين سبعةَ عشرَ، فللموصى له بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم سهم، وللموصى له بمثل نصيب الأخت من الأب والأم إلا مثل نصيب المرأة ثلاثة أسهم، والباقي ثلاثةَ عشرَ سهماً، بين الورثة، على مقادير سهامهم.
6741- فإن أوصى بمثل نصيب بعض الورثة إلا مثل نصيب وارث لو كان، فسبيل الحساب أن تقيم سهام الفريضة من عددٍ يستقيم بينهم على انفرادهم، ويستقيم أيضاً عليهم لو كان معهم ذلك المقدّر، ثم تأخذ نصيبَ الوارث الذي أوصى بمثل نصيبه، فتلقي منه نصيب الوارث المعدوم المقدّر، فما بقي من ذلك تزيده على العدد الذي أقمته، وتصح المسألة من هذا المبلغ.
مثاله: خمسة [بنين] (1) وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابنٍ [سابع] (2) لو كان.
فنقيم سهام الفريضة من عدد يستقيم بين خمسة ويستقيم بين سبعة، وهو خمسة وثلاثون، فنأخذ منها نصيب أحدهم، وهو سبعة، فنلقي منها نصيب ابن [سابع] (3) لو كان، وهو خمسة تبقى اثنان فنزيده على الخمسة والثلاثين فيبلغ سبعة وثلاثين، فمنها تصح، للموصى له سهمان، ولكل ابنٍ سبعة.
6742- ولو أوصى بمثل نصيب جماعة من الورثة، واستثنى منه نصيب بعضهم، أو نصيب طائفةٍ منهم، فطريقه ما تقدم.
__________
(1) مزيدة لاستقامة المعنى.
(2) في الأصل: شائع. وهو تصحيف عجيب، أرهقنا تصويبه كثيراً والحمد لله الملهم للصواب.
(3) في الأصل: شائع.(10/125)
مثاله: أن يكون في المسألة خمسة بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيبهم جميعاً، إلا مثل نصيب ثلاثةٍ منهم، فنقيم سهام الفريضة، وهي خمسة، ونلقي منها نصيبَ ثلاثة منهم، وهو ثلاثة أسهم، تبقى اثنان نزيده على الخمسة، فيبلغ سبعة، فمنها تصح المسألة: فللموصى له سهمان، ولكل ابن سهم.
هذا قياس هذا النوع إذا لم يكن في المسألة تعرض للوصية بجزءٍ شائع من المال، أو بجزء مما تبقى بجزءٍ من المال.
6743- فأما إذا اشتملت المسألة على التعرض لجزءٍ مع ما ذكرناه من الوصية بالنصيب واستثناء نصيب آخر منه، فنأتي بالمسائل ونستوعب بها ما يجب.
أم وعشرة بنين، وقد أوصى لرجل بعُشر ماله، ولآخر بمثل نصيب الأم إلا مثل نصيب أحد البنين.
فوجه الحساب أن نقيم سهام الفريضة، فإذا هي اثنا عشر، ونلقي عُشره بالوصية الأولى، بأن نأخذ مالاً، ونلقي منه عُشره، فيبقى تسعةُ أعشار مال، فنلقي منها مثلَ نصيب الأم، ونسترجع نصيباً واحداً، مثلَ نصيب أحد البنين، يبقى مع الموصى له الثاني نصيبٌ (1) واحد، ويبقى من المال تسعة أعشار مال إلا نصيباً، تعدل اثني عشر نصيباً، فنجبر، فيكون تسعة أعشار مال بعد الجبر والمقابلة تعدل ثلاثةَ عشرَ نصيباً، فنبسطها أعشاراً، ونقلب الاسم، فيصير المال مائة وثلاثين، والنصيب [تسعة] (2) .
وامتحانه أن نلقي بالوصية الأولى عُشر المال، وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى مائة وسبعةَ عشرَ، نُلقي مثل نصيب الأم، وهو ثمانيةَ عشرَ، ونسترجع منها نصيب الابن وهو [تسعة] (3) ، يبقى مع الموصى له الثاني [تسعة] (4) ، وهي وصيته، ووصية الأول ثلاثةَ عشرَ، فنلقي الوصيتين من المال، تبقى مائة وثمانية، بين الورثة: للأم منها ثمانيةَ عشرَ، ولكل ابن تسعة، مثل النصيب.
__________
(1) نصيب: أي سهم.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: سبعة(10/126)
6744- فلو ترك أماً وعشرة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب الأم إلا مثل نصيب أحد البنين، ولآخر بعُشر ما تبقى من المال.
فطريق الحساب بالجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه مثلَ نصيب الأم، وهو نصيبان، يبقى مال إلا نصيبين، فنستثني من النصيبين (1) مثل نصيب ابن، ونزيده على الباقي، فيبقى معنا مال إلا نصيباً، فندفع عشره إلى الموصى له الثاني، يبقى تسعةُ أعشار مال، إلا تسعة أعشار نصيب، تعدل اثني عشر نصيباً، فنجبر، ونقابل فتعدل تسعةُ أعشار لا استثناء فيه اثني عشر نصيباً، وتسعة أعشار نصيب، فنبسطها أعشاراً ونقلب العبارة فيهما، فيكون المال مائة وتسعة وعشرين، وكل نصيب تسعة، فنلقي من المال مثلَ نصيب الأم، ولها نصيبان وذلك ثمانيةَ عشرَ، تبقى مائة وأحد عشر فنستثني من نصيب الأم الذي أخرجناه مثلَ نصيب أحد البنين وهو تسعة، نزيدها على الباقي (2) من المال، فيبقى مائة وعشرون، فندفع عشرها إلى الموصى له، وهو اثنا عشرَ، تبقى مائة وثمانية بين الورثة: للأم منها ثمانيةَ عشرَ، ولكل ابن تسعة.
6745- طريقة المقادير: أن نجعل الباقي من المال بعد الوصية الأولى مقداراً، وندفع عُشره إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعةُ أعشار مقدارٍ، نقسمه بين الأم والبنين، فيكون للأم سدسه، وهو عُشر المقدار، ونصف عُشره، تبقى سبعة أعشار ونصف عشر، بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة أرباع عشر مقدار.
فقد تبين نصيبُ كل واحد منهم، فنستثني نصيب أحد البنين من نصيب الأم، فيبقى نصيب الموصى له الأول ثلاثة أرباع عُشر مقدار، فنعلم أن المال كله مقدار وثلاثة أرباع عشر مقدار، فنبسطه بأجزاء [الأربعين] (3) ، فيكون ثلاثة وأربعين، وهو ثلث ما أدى إليه العمل الأول، ونصيب الأم ستة، وهو ثلث نصيبها في العمل الأول.
__________
(1) النصيبين: يعني السهمين.
(2) في الأصل: نزيد المال.
(3) في الأصل مكان ما بين المعقفين [إن تعين] كذا تماماً. ولا معنى لها. والمثبت تقدير منا على ضوء المعنى، ولا يصح غيره.(10/127)
وامتحانه: أن نلقي من المال ستة، ونستثني منه مثل نصيب أحد البنين، وذلك ثلاثة إلا مثل نصيب الأم، فتبقى مع الموصى له الأول ثلاثة، وهي وصيته، ويبقى من المال أربعون: للموصى له الثاني عُشرها أربعة، تبقى ستة وثلاثون، بين الورثة: للأم سدسها: ستة، فيبقى ثلاثون بين عشرة بنين لكل واحد منهم ثلاثة.
وفي طريق الجبر يردّ المبلغ الكثير بالاختصار إلى هذا.
6746- طريق القياس: إن الباقي من المال بعد الوصية الأولى يجب أن يكون عدداً له عُشر، فنجعله عشرة وندفع عُشرَها إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعة، للأم سدسها، وهو سهم ونصف، تبقى سبعة أسهم ونصف بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة أرباع سهم، فنستثني نصيب أحد البنين من نصيب الأم، وذلك سهم ونصف، تبقى ثلاثة أرباع سهم، فهي الوصية الأولى، ونزيدها على العشرة، ونبسطها أرباعاً، فيكون المال ثلاثة وأربعين، وطريقةُ القياس وطريقة المقادير متواخيتان.
6747- طريقة الدينار والدرهم: أن [نجعل] (1) جميع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدرهمَ نصيبَ الأم، وندفعه إلى الموصى له [الأول] (2) ، ونسترجع منه مثلَ نصيب الابن، وهو نصف درهم، فيكون معك دينارٌ ونصف درهم، فإنما فعلنا ذلك، لأن نصيب الأم معلوم من الفريضة، وإنما يقع الاستبهام على حال في العشر بعد النصيب، والاستثناء منه، فيبقى معنا دينار ونصف درهم، وندفع عشرَ ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعة أعشار دينار، وتسعة أجزاء من عشرين جزءاً من درهم، وذلك يعدل ستة دراهم، من قِبل أن المال كله كان مثل ستة أمثال نصيب الأم، وهو درهمٌ من ستة، فنلقي الجنس بالجنس، فيبقى خمسةُ دراهم وأحدَ عشر جزءاً من عشرين جزءاً من درهم تعدل تسعة أعشار دينار، فنأخذ طريق الجبر من هذا الموضع، ونقلب الاسم فيهما، فيصير الدرهم تسعة أعشار سهم، والدينار خمسة أسهم ونصف سهم ونصف عشر سهم، ومجموعها هو المال، فنجمع بينهما، فيكون
__________
(1) في الأصل: نجمع. والمثبت تقديرٌ منا، رعاية للمعنى، وكما هو متبع في المسائل من قبل.
(2) زيادة من المحقق.(10/128)
ستة وأربعة أعشار ونصف عشر، فنبسطه أنصاف أعشار، فيكون مائة [وتسعة] (1) وعشرين، كما خرج بالعمل المبسوط في طريق الجبر.
ويمكن أن تصاغ عبارةٌ أخرى في طريق الدينار والدرهم ولكنا مزجناها بطريق الجبر ليتصرف المتصرف ويستبين أنها مأخوذة من الجبر.
6748- صورة أخرى مع تعيين أصلٍ فيها: أم وعشرون ابناً، أوصى بمثل نصيب الأم إلا مثلَ نصيب أحد البنين، وإلا عُشر ما تبقى من المال بعد ذلك.
فطريق الحساب أن نأخذ مالاً، ونُلقي منه مثل نصيب الأم، وذلك أربعة؛ لأنه أربعة أمثال نصيب كل ابن كان، لكل ابن نصيب، فللأم أربعة أنصباء، يبقى مال إلا أربعة أنصباء، فنسترجع مما ألقيته نصيب ابن، ونزيده على الباقي من المال، فيكون مال إلا ثلاثة أنصباء، [فنسترجع عشره، وهو عشر مال إلا ثلاثة أعشار نصيب، فنزيده على الباقي فيكون مال، وعشر مال إلا ثلاثة أنصباء] (2) وثلاثة أعشار نصيب، وذلك يعدل أربعة وعشرين نصيباً، فاجبُر وقابل، فيكون مال وعُشر مال، يعدل سبعةً وعشرين نصيباً، وثلاثةَ أعشار نصيب، فابسطها أعشاراً، واقلب الاسم بينهما فيكون المال مائتين وثلاثة وسبعين، والنصيب أحدَ عشرَ، فيخرج نصيب الأم أربعة وأربعين، لأنه مثل نصيب الابن أربع مرات.
الامتحان: نلقي من المال مثلَ نصيب الأم، وهو أربعة وأربعون، ونسترجع منها مثل نصيب أحد البنين وذلك أحد عشر، ونزيدها على الباقي بعد النصيب، فيكون الباقي مائتين وأربعين، ومع الموصى له الأول ثلاثة وثلاثون نسترجع منها أيضاً عُشر مائتين وأربعين، وذلك أربعة وعشرون، فيبقى معه تسعة، هي وصيته الباقية، نلقيها من المال وهو مائتان وثلاثة وسبعون يبقى مائتان وأربعة وستون. للأم منها نصيبها أربعة وأربعون، تبقى مائتان وعشرون، بين البنين، وهم عشرون، لكل واحد منهم أحدَ عشرَ، وهو النصيب الذي أخرجناه.
__________
(1) في الأصل: وسبعة.
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وزاده المحقق استكمالاً للمسألة، وانظر رعاك الله أيَّ جهدِ، ووقتٍ استغرقه ذلك التصويب، ولا تنسنا من دعوةٍ بخير.(10/129)
6749- طريقة المقادير: إنا نعلم أن الباقي من المال بعد نصيب الأم إذا زدت عليه مثلَ نصيب الابن بالاستثناء، يكون مقداراً، فيجب أن نزيد عليه مثل عُشره من أجل الاستثناء الثاني، فيكون الباقي من المال مقداراً وعُشرَ مقدار، فادفع إلى الأم سدسَ ذلك، وهو سدس مقدار، وسدس عشر مقدار، فنعلم أن نصيب الأم هذا، ويجب أن يكون نصيبُ كلِّ ابن ربعَ ذلك، وهو ربع سدس مقدار وربع سدس [عشر] (1) مقدار، ونستثني ذلك من نصيبَ الأم، فيبقى ثمن مقدار وثلاثة أرباع سُدس عُشر مقدار. فهذه في الوصية التي هي نصيب الأم إلا نصيب الابن، وذلك قبل دخول الاستثناء [الثاني] (2) ، فنزيدها على المقدار، فيكون مقداراً وثمنَ مقدار وثلاثة أرباع سدس عشر مقدار. وهذا هو المال كله.
فنبسطه من أجزاء عدد له عُشر ولعُشره سدس، ولسدس عشره ربع، وذلك مائتان وأربعون، فهي المقدار، نزيد عليها ثمنها، وذلك ثلاثون، ونزيد عليها ثلاثة أرباع سدس عُشرها، وذلك ثلاثة، فيبلغ مائتين وثلاثة وسبعين، فهي المال.
ونصيب الأم سدس مقدار، وسدس عشر مقدار، فخذ سدس مائتين وأربعين، وسدس عشرها، فيكون أربعة وأربعين، وهي نصيب الأم، كما خرج بالعمل الأول.
6750- وحساب المسألة بطريق القياس: إنا نعلم أن الموصى له إذا أخذ مثل نصيب الأم إلا مثل نصيب الابن، وجب أن يبقى من المال عددٌ له عشر، فاجعله عشرة، وزد عليها من أجل الاستثناء الثاني عشرها، وهو واحد، فيبلغ أحد عشر، فهي للورثة: للأم سدسها، وذلك سهم وخمسة أسداس سهم، ولكل ابن ربع ذلك، وهو ثلث سهم، وثمن سهم، فانقص نصيب الابن من نصيب الأم، فيبقى سهم، وثلاثة أثمان سهم، فزده على العشرة المفروضة أولاً، فيكون أحدَ عشرَ سهماً، وثلاثة أثمان سهم. وهو المال.
فابسطه أثمانا؛ فيكون المال أحداً وتسعين سهماً، وهو ثلث ما خرج بالعمل
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) سقطت من الأصل، ولا تتضح المسألة إلا بها.(10/130)
الأول، فاضربه في ثلاثة، فيكون مائتين وثلاثة [وسبعين] (1) ، كما خرج بالعمل الأول، وإنما لم نكتف بالثلث لأنه ينكسر [عند الإعمال] (2) .
6751- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل المال ديناراً ودرهماً، ثم نجعل الدرهم نصيب الأم، وندفعه إلى الموصى له، ونسترجع منه مثل ربعه وهو ربع درهم، فنزيده على الدينار فيكون دينار وربع درهم، [فنسترجع عشرها، ونزيده على ما بقي، وهو دينار وربع درهم] (3) ، فيحصل معك، دينار وعشر دينار وأحدَ عشرَ جزءاً من أربعين جزءاً من درهم، تعدل ستة دراهم، لأن جملة المال بعد الوصية مثل نصيب الأم ست مرات، فنلقي الجنس بالجنس، يبقى دينار وعُشر دينار، تعدل خمسة دراهم وتسعة وعشرين جزءاً من أربعين جزءاً من درهم، فتبسط جميع ما معك بأجزاء الأربعين، فيكون الدينار أربعة وأربعين، والدرهم مائتين وتسعة وعشرين، فنقلب الاسم، فيكون الدرهم أربعة وأربعين، وهو نصيب الأم، والدينار مائتين وتسعة وعشرين، ثم نجمعهما (4) ، فتكون مائتين وثلاثة وسبعين.
6752- وحساب المسألة بطريق الخطأين: أن تجعل المال إن شئت عشرين، وتجعل نصيب الأم تقديراً منها أربعة، وتلقيها بالوصية، ونسترجع منها مثل ربعها وهو واحد، ونزيده على الباقي وهي ستة عشر، فيبلغ سبعة عشر، فنزيد عليها مثلَ عُشرها، وهو درهم وسبعة أعشار درهم، فندفع منها إلى الأم أربعة، وإلى كل ابن مثل ربعها: واحد، فينقص عن الواجب خمسة دراهم وثلاثة أعشار درهم. وهي الخطأ الأول، وهو ناقص.
وإنما قدرنا نصيبَ الأم أربعة بناء على أن نصيب كل ابن مثل ربعها، ولم ننظر إلى
__________
(1) في الأصل: وتسعين.
(2) في الأصل: " عنه الاحتمال ". ولعل ما أثبتناه هو الصواب؛ بمعنى أنه ينكسر عند توزيع الأنصباء.
(3) زيادة من عمل المحقق، وبدونها لا يستقيم الحساب.
(4) سببُ الجمع هنا أننا جعلنا المال ديناراً (229) ودرهماً، وهو نصيب الأم (44) فبجمعهما نحصل على المال كاملاً (273) .(10/131)
كون نصيبها سدساً. فإذا كنا نتصرف بالخطأين لم نأنف من الخطأ، فنزيد على المال ونجعله ثلاثين، ونصيبَ الأم أيضاً أربعة، فندفعها بالوصية، ونسترجع ربعها واحداً، ونزيده على الباقي فيبلغ سبعة وعشرين، نزيد عليها عشرها وهو درهمان وسبعة أعشار درهم، فندفع منها إلى الأم نصيبها: أربعة، وإلى كل ابن ربعها: واحداً، فيفضل عن الواجب خمسة وسبعة أعشار وهو الخطأ الثاني، وذلك زائد، واجمع بين الخطأين؛ لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيبلغ أحد عشر، فهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، واجمع المبلغين، فيكون [مائتين] (1) وثلاثة وسبعين، فاقسمها على أحد عشر، فيخرج [أربعة] (2) وعشرون درهماً و [تسعة] (3) أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم.
واضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، واجمع بينهما، واقسمه على الأحد عشر، فما خرج، فهو النصيب.
فإن أردت ألا يكون في الحساب كسر، فاضرب الجميع في أحد عشر، فيكون المال مائتين وثلاثة وسبعين، ونصيب الأم أربعة وأربعين. كما خرج أربعة.
6753- صورة أخرى، تغيير في الوضع:
ترك خمسة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا عُشر جميع المال، وإلا نصف عشر ما بقي من المال بعدما يحصل له.
فحسابه بالجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيباً، ونزيد عليه عُشر جميع المال، فيكون مال وعشر إلا نصيباً، فنزيد عليه نصف عُشر هذا الحاصل، وذلك نصف عشر مال، إلا نصف عشر نصيب، فيبلغ مالاً وعشراً، ونصف عشر مال ونصف عشر عشر إلا نصيباً ونصف عشر نصيب.
__________
(1) في الأصل: مائة.
(2) في الأصل: أحدٌ.
(3) ساقطة من الأصل، والتصرف في كل ذلك من المحقق؛ فالنسخة وحيدة، والتصرف بناء على صحة العمل الحسابي.(10/132)
وننبه في هذا المقام [إلى أن ما] (1) نزيده من جزء المال كله لا يعتبر فيه نقصان النصيب؛ فإن جزء كل المال لا نقصان فيه، واعتبر نقصان النصيب في الجزء الذي نذكره بعد النصيب؛ فقد حصل معنا مال وعشر ونصفُ عشر مال ونصف عشر عشر إلا نصيباً ونصف عشر نصيب.
وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنجبرهما ونبسطهما من أجزاء المائتين؛ فإنها المَخرج لهذه الكسور، ونقلب العبارة فيهما، فيصير المال ألفاً ومائتين وعشرة، والنصيب مائتين وأحداً وثلاثين.
الامتحان: أن نلقي من المال نصيباً وهو مائتان وأحد وثلاثون، ونسترجع منه مثل عشر جميع المال وهو مائة وأحدٌ وعشرون، تبقى مع الموصى له مائة وعشرة، ويبقى من المال ألف ومائة نسترجع نصف عشرها أيضاً، وهو خمسة وخمسون، يسترد هذا المقدار من المائة والعشرة الباقية، فيبقى مع الموصى له خمسة وخمسون سهماً هي الوصية، فنلقيها من المال، يبقى ألفٌ ومائة وخمسةُ وخمسون، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم مائتان وأحدٌ وثلاثون. مثل نصيب الأخ أولاً.
6754- وحساب المسألة بالمقادير أنك قد علمت أن الباقي من المال بعد إلقاء النصيب منه يجب أن يكون مقداراً، فنزيد (2) عليه عشرَ جميع المال، وهو عشر مقدار [و] (3) عشر نصيب؛ فإن جميع المال نصيب ومقدار؛ فعشره عشرُ مقدار وعشرُ نصيب، كما تقدمت نظائر ذلك.
ثم يزاد عليه نصفُ عشر هذا الحاصل، فيحصل مقدار وأحدٌ وثلاثون جزءاً من مائتي جزءٍ من مقدار، وأحدٌ وعشرون جزءاً من مائتي جزءٍ من نصيب، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنسقط الجنس بالجنس، يبقى معنا أربعة أنصباء ومائة وتسعة وسبعين جزءاً من مائتي جزء من نصيب، تعدل مقداراً وأحداً وثلاثين جزءاً من مائتي
__________
(1) في الأصل: مما نزيده.
(2) في الأصل: فنزيده.
(3) زيادة من المحقق.(10/133)
جزء من مقدار، فنبسطها من أجزاء المائتين، فتصير الأنصباء تسعمائة وتسعة وسبعين، والمقدار مائتين وواحداً وثلاثين، فنقلب الاسم ونجمعهما (1) جميعاً، كما تقدم ذلك، في النظائر، فيصير المبلغ ألفاً ومائتين وعشرة كما تقدم.
6755- وطريق القياس: أن الباقي من المال بعد النصيب يجب أن يكون عدداً له عشر، وإذا زيد عليه عشره كان لِما بلغ نصفُ عشر، وذلك مائتان. فزد عليهما عُشر جميع المال، فيبلغ مائتين وعشرين، وعشر نصيب، كما ذكرنا في طريق المقادير، فزد على هذه الجملة نصفَ عُشرها، فيبلغ مائتين وأحداً وثلاثين سهماً [وواحد وعشرين جزءاً من مائتي جزء] (2) من نصيب، تعدل خمسة أنصباء، فأسقط الجنس من الجنس، إذ معك أجزاء من النصيب، فتسقطها من الأنصباء.
ثم تبسط أجزاء المائتين، وتقلب [العبارة] (3) كما تقدم.
6756- وطريقة الدينار والدرهم تقرب مما تقدم، فنجعل جميع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل النصيب درهماً، ونلقيه يبقى دينار، فنزيد عليه عشرَ جميع المال، فيبلغ ديناراً وعشر دينار، وعشر درهم؛ فإن المال في الأصل دينار ودرهم.
ثم نزيد عليه نصف عشره، فيكون ديناراً وأحداً وثلاثين جزءاً من مائتي جزءٍ من دينار، وثلاثة أجزاء من عشرين جزءاً من درهم.
واجعل أنصباء البنين درهماً كما قدرت النصيب درهماً، ثم قل: ما معنا يعدل خمسة دراهم، فأسقط الجنس بالجنس، واستعمل البسط والقلب، كما ذكرناه، فتلتقي الطرق.
مسائل من نوادر الاستثناء في الوصية
6757- هذه المسائل نجمع فيها وجوهاً من التعقيدات، وهي بقية أصل الاستثناء.
__________
(1) وجه الجمع أننا فرضنا المال مقداراً ونصيباً، فالمقدار 979، والنصيب 231= 1210.
(2) في الأصل: وثلاثة أجزاء من عشرين جزءاً.
(3) في الأصل: العمارة.(10/134)
مسألة: أربعة بنين، وبنت، وقد أوصى بمثل نصيب أحد البنين إلا ثلث ما تبقى من ربعه بعد النصيب. وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية الأولى.
فنأخذ ربع مالٍ ونلقي منه للموصى له الأول نصيبين؛ إذ نصيب كل ابن سهمان من تسعة -وقد ذكرنا أن كل سهم من سهام الفريضة نعبّر عنه بنصيب- فيبقى ربع مالٍ إلا نصيبين، فنزيد عليه ثلثه للاستثناء، فيبلغ ثلث مال إلا نصيبين وثلثي نصيب؛ وذلك أنا قدرنا ربعاً واستثنينا النصيب، ثم زدنا عليه على الربع ثلثه؛ وإذا زدت على الربع [ثُلثه] (1) ، صار ثلثاً؛ فجرت العبارة أجزاء بالثلث مع استثناء النصيب، وما يخص الجزء الزائد من النصيب، فصار ثلث مال إلا نصيبين وثلثي نصيب، وهما ثلث نصيبين.
فهذا هو الباقي من الربع بعد الوصية الأولى.
فنترك هذا، ونحن نريد [ثلث] (2) الباقي من الثلث بعد الوصية الأولى لندفعه إلى الموصَى له الثاني، فالوجه أن نزيد ما بين الثلث والربع على [الربع] (3) ، وذلك نصف سدس المال، فيكون معنا ربع مال، و [نصف] (4) سدس مال إلا نصيبين وثلثي نصيب، وهذا هو الباقي من الثلث بعد الوصية الأولى، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى عشرة أجزاء من ستة وثلاثين جزءاً من المال إلا نصيباً وسبعة أتساع نصيب، ونزيد ذلك على ثلثي المال، فيبلغ أربعة وثلاثين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي تسعة، فنجبر ونقابل، فيكون أربعة وثلاثين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال يعدل عشرة أنصباء وسبعة أتساع نصيب، فنضرب الجميع في ستة وثلاثين.
ونقلب الاسم منهما، فيصير المال ثلاثمائة وثمانية وثمانين، والنصيب أربعة وثلاثين.
__________
(1) في الأصل: ثلاثة.
(2) في الأصل: الثلث.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) زيادة لاستقامة الكلام.(10/135)
إلا أنه ليس له ثلث صحيح؛ فنضرب المبلغ في ثلاثة، فيكون [ألفاً] (1) ومائة وأربعة وستين، ويكون النصيب مائة وسهمين.
وامتحانه: أن نأخذ ربع المال وهو مائتان وأحدٌ وتسعون، فنلقي منه نصيبين، وهما مائتان وأربعة أسهم، يبقى سبعة وثمانون سهما، نأخذ ثلثها، وهو تسعة وعشرون، فنلقيه من المائتين والأربعة يبقى مائة وخمسة وسبعون سهماً، وهي الوصية الأولى.
فنلقيها من ثلث المال، وهو ثلاثمائة وثمانية وثمانون، تبقى مائتان وثلاثة عشر، فنعطي ثلثها، وهو أحد وسبعون للموصى له الثاني، تبقى مائة واثنان وأربعون، نزيدها على ثلثي المال فيصير تِسعُمائة وثمانية عشر سهماً، بين أربعة بنين وبنت للبنت مائة وسهمان وهي نصيب واحد، ولكل ابن مائتان وأربعة.
6758- مسألة: ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من المال بعد الوصية، وثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية، فقد استثنى عن النصيب جزءاً مما بقي من المال بعد الوصية، واستثنى أيضاً جزءاً من جزء بعد الوصية أيضاً.
وقد اختار الحسّاب عبارة عن الجبر في هذه المسألة وهي أقرب العبارات في استخراج المجاهيل بطريق الجبر.
فنقول: نجعل الوصية شيئاً، والباقي أنصباء الورثة، فالمال إذاً شيء، وثلاثة أنصباء، فنلقي الوصية، وهي الشيء الذي أبهمناه، ثم نأخذ سدس الباقي، والباقي ثلاثة أنصباء، وسدسُها نصف نصيب، فنحفظ ذلك.
ثم نأخذ ثلث المال، وهو نصيب وثلث شيء؛ فإنا قدرنا المال شيئاً وثلاثة أنصباء، فثلثه نصيب وثلث شيء، فنعود ونلقي الوصية من هذا الثلث؛ حتى نبيّن الباقي منها، ونظهر جزء الاستثناء الثاني، ومعنا ثلث شيء من ذلك، فنعمد إلى ثلث شيء فنسقطه لأجل الوصية، فتبقى من الوصية ثلثا شيء، فنسقطه من النصيب، فيبقى من الثلث الذي ذكرناه نصيب إلا ثلثي شيء، فنأخذ ثلث ذلك، وهو ثلث نصيب إلا تسعي شيء؛ فإن
__________
(1) في الأصل: ألفان.(10/136)
ثلث الثلثين تسعان، فنضيف ذلك إلى النصف (1) المحفوظ أولاً، وهو سدس الباقي، وسبب الإضافة أنا نحتاج إلى إسقاط هذين المبلغين من النصيب المذكور في الوصية، وإذا ضممنا ثلثي نصيب إلا تسعي شيء إلا نصف نصيب، وهو المحفوظ معنا، فيصير خمسة أسداس نصيب، إلا تسعي شيء، فهو المستثنى من النصيب.
ثم نبتدىء ونقول: إذا كان النصيب ناقصاً بخمسة أسداس نصيب إلا تسعي شيء، فلو ضممنا خمسةَ أسداس نصيب إلا تُسعي شيء إلى الوصية المقدّرة في أصل المسألة، وهي شيء، لكمل النصيب، [فنضُمّ] (2) ما استثنيناه من الوجهين وجمعناه إلى الوصية، وهي شيء، ونكمل النصيب، فيصير معنا خمسة أسداس نصيب، وسبعة أتساع شيء، وهذا يعدل نصيباً.
وشرحُ ذلك أن ما معنا من استثناءين خمسة أسداس نصيب، إلا أنها ناقصة بتسعي شيء، فإذا أردنا ضمها إلى الوصية، وهي الشيء، أخذنا من الشيء تُسعيه، وجبرنا نقصان خمسة الأسداس، وهذا معنى الضم، فتكمل خمسة أسداس نصيب، ويبقى من الشيء سبعة أتساعه، فالحاصل إذاً خمسة أسداس نصيب، وسبعة أتساع شيء، [وهذا] (3) المجموع، يعدل نصيباً، فإنا رُمْنا بضم الاستثناءين إلى الوصية تكميل النصيب، فنقول إذاً: خمسة أسداس نصيب لا نقصان فيها، وسبعة أتساع شيء تعدل نصيباً، فالخمسة الأسداس بالخمسة الأسداس، فيبقى سدس نصيب في مقابلة سبعة أتساع شيء، فنعلم أن كل سدس من النصيب يقابل سبعة أتساع شيء، فيكون النصيب على ذلك معادلاً لأربعة أشياء وثلثي شيء، فنبسط الجميع أثلاثاً، فيصير النصيب أربعة عشر، والشيء ثلاثة، وقد بان أن المال خمسة وأربعون؛ فإنا قدرناه ثلاثة أنصباء وشيء، ثم كل نصيب أربعة عشر، والشيء ثلاثة.
فإذا ألقينا الوصية وهي ثلاثة من المال، بقي اثنان وأربعون، أخذنا سدسها، وهو سبعة وحفظناها، ثم ألقينا الاستثناء الثاني بأن نأخذ ثلث المال وهو خمسة عشر،
__________
(1) النصف: المراد نصف النصيب.
(2) في الأصل: " فنصف ".
(3) في الأصل: وهو.(10/137)
ونلقي منها [الوصية] (1) ثلاثة، بقي اثنا عشر، فأخذنا ثلثها أربعة، فضممناها إلى السبعة المحفوظة، فصار [أحد] (2) عشر، فألقينا أحد عشر من النصيب، وهو أربعة عشر، بقي ثلاثة، وهي الوصية.
وإذا ألقيناها من المال، بقي بعده اثنان وأربعون بين البنين الثلاثة لكل واحد منهم أربعة عشر.
6759- مسألة: رجل له ثلاثة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من المال بعد الوصية، على أن ينقص من سدس الباقي ثلث ما تبقى من ثلث المال بعد الوصية، فكأنه استثنى عن النصيب سدس الباقي منقوصاً بثلث الثلث بعد الوصية.
فنقول: المال وصية وثلاثة أنصباء، وضعنا الوصية موضع الشيء المبهم، والخِيَرة إلى الحاسب فيما يُبهم، فالمال إذاً وصية، وثلاثة أنصباء. فخذ سدس الباقي بعد الوصية، وهو نصف نصيب، فاحفظه، ثم خذ ثلثَ المال، وهو نصيب وثلث وصية، فاطرح من هذا الثلث الوصية، ومعك ثلث وصية في الثلث الذي قدرته، فاسقطه، فيبقى ثلثا وصية، فأسقطه من النصيب الذي ذكرته في الثلث، فيبقى معك نصيب إلا ثلثا وصية، فخذ ثلث ذلك وهو ثلث نصيب إلا تسعي وصية، وأنت تحتاج الآن أن تنقص هذا المبلغ عن الاستثناء الأول، وبهذا يحصل مقصود المسألة.
والاستثناء الأول المحفوظ نصف نصيب، فينقص منه ثلث نصيب إلا تُسعي وصية، تبقى سدس نصيب وتسعا وصية، وهذا هو المستثنى من النصيب، ولا بد من تكميل النصيب بهذا الاستثناء، وبه نُخرج المجاهيل، فنضم ذلك إلى الوصية ليكمل النصيب، فيحصل معنا سدس نصيب ووصية وتسعا وصية. وهذا يعدل نصيباً.
فما معنا من سدس نصيب في مقابلة سدس النصيب، فتبقى خمسة أسداس نصيب في مقابلة وصية، وتسعي وصية.
ونحن نريد أن نخرج ما يقابل النصيب التام من الوصية، ليخرج ما نريد، فنقول: إذا كان خمسة أسداس نصيب تعدلِ وصيةً وتسعي وصية، فالنصيب بكماله يعدل وصية
__________
(1) في الأصل: الثلث. وهو خطأ حسابي واضح.
(2) في الأصل: أربعة عشر.(10/138)
وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية.
وبيان ذلك أن تبسُطَ الوصيةَ والتُّسعَيْن التي في مقابلة الأسداس بالأتساع، فيكون أحد عشر، فنزيد عليها مثل خمسها لمكان السدس الباقي من النصيب، ومثل خمس أحد عشر سهمان وخمس، فالجملة ثلاثة عشر وخُمس. وإذا بسطناها أخماساً، بلغت الجملة ستة وستين، والوصية منها خمسة وأربعون، فيبقى أحدٌ وعشرون، فنرد الوصية إلى ثلثها؛ [فإن للزائد عليها ثلثاً ولمبلغ الوصية ثلثاً] (1) : فثلث الوصية خمسة عشر وثلث أحد وعشرين سبعة.
فينتظم بذلك ما ذكرناه من أن النصيب التام يعدل وصية وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية.
وإذا أردنا معرفة ذلك بالتكسير، انتظمت النسبة فيه؛ فإنا لما بسطنا الوصية بالأتساع، وزدنا عليها مثلَ خمسيها، بلغت ثلاثةَ عشرَ وخُمس، ومقدار الوصية منها تسعة، وأربعة [وخمس] (2) من التسعة، [كالسبعة] (3) من الخمسة عشر، وإذا أردنا رفعَ الكسر، وقعت العبارة عن أجزاء الخمسة عشر، وهذا شرحٌ لا يحتاج إليه الحاسب. ولكنا ذكرناه لإيناس المبتدىء، وأيضاً، فإنه يتكرر من هذا الجنس في المسائل بعد هذا، فنبهنا الناظر المبتدىء.
ونعود فنقول: النصيب يعدل وصية وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية، فنبسط الكل بأجزاء خمسة عشر، فتكون الوصية خمسة عشر سهماً، والنصيب اثنين وعشرين، والمال كله أحدٌ وثمانون سهماً.
وإذا أخذت ثلث المال وهو سبعة وعشرون، وألقيت منها الوصية، وهي خمسة عشر، بقي اثنا عشر سهماً، فإذا أخذت ثلثها، وهو أربعة، فنقصتها من سدس الباقي من المال بعد الوصية، وذلك أحد عشر، بقي سبعة أسهم، فإذا ألقيتها من النصيب، وهو اثنان وعشرون، بقي خمسة عشر سهماً، فهي الوصية، وإذا ألقيتها من المال،
__________
(1) في الأصل: فإن الزائد عليها ثلث، ولمبلغ الوصية ثلث.
(2) في الأصل: وخمسة.
(3) في الأصل: كالتسعة.(10/139)
بقي ستة وستون سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم اثنان وعشرون سهماً.
6760- مسألة: خمسة بنين وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى بعد الوصية من ربع ما تبقى بعد الوصية.
فنجعل المالَ وصية وخمسة أنصباء، ونأخذ ربع الباقي بعد الوصية، وذلك نصيب وربع نصيب، إلا وصية، فخذ ثلث ذلك، وهو ربع وسدس نصيب إلا ثلث وصية، وذلك هو المستثنى من النصيب، فضمّه إلى الوصية نقصاً للاستثناء، الذي معنا من الوصية، فيجتمع ربع وسدس نصيب، وثلثا وصية، وذلك يعدل نصيباً، فإذا قابلت بينهما، خرج النصيب ثمانية، والوصية سبعة، والمال سبعة وأربعين.
وبيانه أن الربع والسدس من النصيب بالربع والسدس من النصيب الذي نقابله، فيبقى ثلث نصيب وربع نصيب، في مقابلة ثلثي وصية، فنأخذ عدداً له ثلث وربع، وهو اثنا عشر، والسبعة منها، إذا كانت تقابل ثلثي وصية، فلو زدنا مثل نصف السبعة وهو ثلاثة ونصف، لكملت قيمة الوصية. وتبقى من اثني عشر سهمٌ ونصفُ سهم. وهو مثل سبع الوصية، والوصية عشرة ونصف، وبان لنا أن النصيب وصية وسبع وصية.
فجعلنا النصيب ثمانية أسهم، والوصية سبعة منها، وإذا جمعنا خمسة أنصباء وهي أربعون، إلى الوصية، كان المال سبعة وأربعين، فإذا أخذت الوصية، ثم أخذتَ ربع الباقي بعد الوصية، فهو عشرة، وطرحت منها الوصية، بقي ثلاثة، فإذا أخذت ثلثها وهو واحد، فطرحته من النصيب بقي سبعة، وإذا ألقيت الوصية من المال بقي أربعون، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم ثمانية.
فقد أوصى له بثمانية من سبعة وأربعين إلا ثلث ربع ما تبقى بعد الوصية، وهي سبعة، كما أعرب عنها الجبر.
6761- مسألة: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص أحدهم بالوصايا، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه.
فلو لم تكن وصية، لكان لكل واحد من البنين ربع المال، وبعد الوصايا لكل واحد منهم نصيبٌ، وهو أقل من ربع المال، فإذا انتقص نصيب كل واحد منهم،(10/140)
[صار] (1) على عبارة الجبر ربع مال إلا نصيب.
وبيان ذلك أن كل واحد كان يأخذ ربعاً لولا الوصايا، والآن لا يأخذ كل واحد منهم ربعاً وإنما يأخذ نصيباً من ربع.
فنعبر عن هذا، ونقول: نأخذ من كل واحد ربعَ المال، ونردّ إليه نصيباً، فينتظم قولنا: انتقص من نصيب كل واحد من البنين ربع المال إلا نصيباً، فإذا فُهم ذلك، قلنا: خذ ثلث مال، واطرح منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فزد عليه لأجل الاستثناء ما انتقص من نصيب أحدهم بالوصايا، وذلك ربع مال إلا نصيباً، فيبلغ ثلث وربع مال إلا نصيبين، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيب وثلث نصيب.
وبيان ذلك أنا نتخير عدداً له ثلث وربع، وإذا جمعنا ثلثه وربعه وأخذنا من المجموع ثلثاً، كان الباقي صحيحاً، ولا نبالي بأن يكون المأخوذ للوصية على كسر؛ فإن الغرض يتبين بما تبقى، فنقدر ثمانية عشر، ونأخذ ثلثه، وهو ستة، وربعه وهو أربعة ونصف، فالجملة عشرة ونصف، فنصرف ثلث هذا المبلغ، إلى الوصية، وهو ثلاثة ونصف، فتبقى سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيباً وثلثاً؛ فإن الذي أخذ ثلث الباقي أخذه ناقصاً لحصته من الاستثناء، وقد كان معنا ثلث وربم إلا نصيباً، فأخرجنا إلى الوصية ثلث ما معنا، ورددنا الباقي على ثلثي المال، فصار معنا مال وجزء من ثمانية عشر جزءاً من مالٍ إلا نصيباً وثلث نصيب، يعدل أربعة أنصباء.
وبيانه أن سبعة أجزاء من ثمانية عشر ثلثٌ وسهمٌ من ثمانيةَ عشرَ، فإذا ضممنا هذا إلى الثلثين، صار المبلغ مالاً وجزءاً من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيباً وثلث نصيب، وهذا يعدل أربعة أنصباء، فنجبر ما معنا بنصيب وثلث، ونزيد على عديله مثله، فتصير الأنصباء خمسة وثلث، في مقابلة مالٍ وجزء من ثمانية عشر جزءاً من مال، فنبسطهما بأجزاء ثمانية عشر، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال ستة وتسعين، والنصيب تسعة عشر. فلو لم تكن وصية، لكان لكل واحد من البنين ربع هذا المبلغ، وهو أربعةٌ وعشرون، ومع الوصية يكون له تسعة عشر، فالذي تنقُصُه
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/141)
خمسة أسهم، فالوصية إذا أربعة عشر سهماً، فإنها مثل نصيب وهو تسعةَ عشرَ إلا مقدار نقصان، وهو خمسة، فترجع إلى أربعةَ عشرَ، فاطرحها من ثلث المال، وهو اثنان وثلاثون، تبقى ثمانيةَ عشرَ، فادفع ثلثها إلى الموصى له الثاني، وذلك ستة، تبقى من الثلث اثنا عشر سهماً، زدها على ثلثي المال، فيصير ستة وسبعين، بين أربعة بنين لكل واحد منهم تسعة عشر.
6762- مسألة: رجل له ستة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من نصيبه بالوصايا، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث إلا ما انتقص [نصيب] (1) أحدهم بالوصايا.
فالطريق أن نجعل النقص في حق كل ابن بالوصايا شيئاً، فيكون نصيب كل واحد منهم سدس مال إلا شيئاً. وللموصى له الأول، وهو صاحب النصيب سدس مال إلا شيئين، وسبب ذلك أنه لما أوصى له بالنصيب، فلو اقتصر على هذا، لكان الموصى له كأحد البنين، فمن هذا الوجه له سدس إلا شيء، وقد استثنى الموصي عن الوصية له بالنصيب شيئاً آخر، فصار ما يخصه سدس مال إلا شيئين.
فنأخذ ثلث مال وننقص منه للموصى له الأول سدس مال إلا شيئين، يبقى من الثلث سدس مال وشيئان، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، فيبقى تسع مال وشيء وثلث؛ فإنه كان سدساً وشيئين فإذا أخذ من السدس ثلثه بقي التسع، وكان مع السدس شيئان، فيأخذ الموصى له الثاني ثلثهما وهو ثلثا شيء، فيبقى تُسع مال وشيء وثلث شيء، فنزيد عليه الاستثناء من الوصية الثانية شيئاً، فإن الثاني أوصى له بثلث ما بقي إلا ما انتقص به نصيب الواحد، فنزيد سبب هذا الاستثناء، فإنا جعلنا ما انتقص شيئاً، فحصل معنا من هذه الجهة [تسع] (2) مال وشيئان وثلث شيء، فنزيده على ثلثي المال، فيصير سبعة أتساع مال وشيئان وثلث. وهذا يعدل أنصباء الورثة، ونجعل أنصباءهم مالاً إلا ستة أشياء، ثم نجبره بستة أشياء، ونزيد على عديله ستة أشياء، فتقابل مالاً كاملاً بسبعة أتساع وثمانية أشياء وثلث، فنسقط الجنس
__________
(1) الزيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: تسعي.(10/142)
بالجنس، ومعنا سبعة أتساع مال، فنسقطه من المال الذي في الجانب الثاني، فيبقى تسعا مال في مقابلة ثمانية أشياء وثلث، فنبسط الأشياء وثلث شيء أتساعاً، فتصير خمسة وسبعين فهذه قيمةُ تُسعي مال، ويصير تسعا مال بهذه النسبة اثنين، فإنّ ضرب التُّسْعَيْن في التسعة يردّ سهمين؛ فإذا كان قيمة التسعين خمسة وسبعين، فقد قال الحساب: هذا المبلغ له ثلث، وليس له سدس، فإن أردت أن يصير له سدس ضعّفته بالضرب في اثنين، فإن كان مثلثاً، ضربته في اثنين صار له سدس، فيصير مائة وخمسين.
ثم قالوا: نقلب العبارة، فنجعل المال مائة وخمسين، والشيء أربعة؛ لأنه كما نضعّف أحد المتقابلين [نُضعّف] (1) الثاني، ففي هذا الموقف تأمُّل؛ فإن المائة والخمسين بعد البسط قيمة تسعي مال، والذي يقتضيه قياس الجبر في مثل ذلك أن تقوّم جميع المال، ولكنك إذا قوّمت جميع المال بهذه النسبة، وجدت موافقة تقتضي الردّ إلى المائة والخمسين، فَتَخيَّلْ تقويمَ الكل، ثم ارجع بنسبة التسع إلى المائة والخمسين المبسوطة بالضرب في مخرج سدس هذا المال إلا أربعة أسهم، وسدس المائة والخمسين خمسة وعشرون، وإذا حططت منها أربعة وهي الشيء، خص كلَّ واحد [واحدٌ] (2) وعشرون سهماً، وللموصى له الأول سبعة عشر سهماً؛ فإنا نقدر له خمسة وعشرين، ثم نحط عنها شيئين وهما ثمانية، فبقي له سبعة عشر، ثم نطرح سبعةَ عشر من ثلث المال وهو خمسون، فيبقى من الثلث ثلاثة وثلاثون، فنأخذ ثلث هذا الباقي وهو أحد عشر، فننقص منها شيئاً وهو أربعة أسهم، وهو مثل ما انتقص به نصيب أحدهم بالوصايا، فيبقى للموصى له الثاني سبعة أسهم، هي وصيته؛ فالوصيتان جميعاً أربعة وعشرون، فننقُصها من سهام المال فيبقى مائة وستة وعشرون سهماً بين ستة بنين: لكل واحد منهم أحدٌ وعشرون سهماً، وهو سدس ناقصٌ بشيء، كما اقتضته الوصية.
وقد نجز القول في الاستثناء عن الوصايا بالأنصباء وغيرها.
__________
(1) مكان هذا في الأصل عبارة غير مستقيمة هكذا: " ـصف على خمسه " (بدون نقط الحرف الأول) .
(2) ساقطة من الأصل.(10/143)
القول في الوصية بالتكلمة وأحكامها وفروعها
ومضمون هذه المقالة تقع في فصولٍ نأتي بها فصلاً، فصلاً، إن شاء الله عز وجل.
فصل
في الوصية بالتكملة وحدها دون غيرها
6763- المثال: رجل له خمسة بنين، فأوصى لرجل بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم.
فمعنى الوصية أولاً أن نأخذ نصيب أحدهم وننظر ما بينه وبين الربع، فإن نصيب الواحد منهم في الصورة التي ذكرناها لا يقع ربعاً، وإذا أردنا تكميله ربعاً، احتجنا إلى الزيادة على مبلغ النصيب، فالوصية تلك الزيادة التي تكمل الجزء. هذا معنى الوصية بالتكملة.
وحسابها بالجبر أن نأخذ مالاً، وندفع منه ربعه إلى الموصى له، ونسترجع منه نصيباً فيحصل معك ثلاثة أرباع مال كاملة ونصيب مسترجع من ربعٍ. وهذا يعدل خمسة أنصباء. فنلقي النصيب الذي معنا بنصيب قصاصاً، فتبقى ثلاثة أرباع مال، تعدل أربعة أنصباء، فنبسطها جميعاً أرباعاً، بأن نضرب كل واحد منهما في أربعة، فتصير الأنصباء ستة عشر، وتصير ثلاثة الأرباع [المال] (1) ثلاثة، فنقلب العبارة، ونقول: المال ستة عشر، والنصيب ثلاثة. ثم نأخذ ربع المال وهو أربعة، فنطرح منه نصيباً، وهو ثلاثة، فيبقى سهم واحد، وهذا هو التكملة، وهي الموصى به. فادفع هذا السهم الواحد إلى الموصى له، فيبقى خمسة عشر بين خمسة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة. وهي النصيب الخارج.
وإذا جمعت بين النصيب، وبين الوصية، كمل ربع المال.
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/144)
6764- طريقة المقادير: أن نقول: علمنا أن التكملة هي ما بين النصيب والربع، فنأخذ ربعَ مالٍ، ونلقي منه نصيب أحد البنين، فيبقى من الربع مقدار، وهو التكملة، ومعنا ثلاثة أرباع مال، وإذا أعطينا من كل ربعٍ نصيبَ ابنٍ، فَضَل منه مثل ما فَضَل من الربع الأول، فيحصل من الأرباع الباقية ثلاثة مقادير، ومعنا مقدار من الربع الأول، وقد أخرجنا منه نصيباً أيضاً وقد توفرت أيضاً أربعة [أنصباء] (1) بنين، وفَضَل أربعة مقادير، فيسلّم مقدار إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى نصيب ابن لم يأخذ شيئاً، فنسلم إليه المقادير الثلاثة الباقية، وعلمنا أن كل نصيب ثلاثة [مقادير] (2) ، وكنا جعلنا ربع المال نصيباً ومقداراً، فيخرج من ذلك أن ربع المال أربعة، والمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة والتكملة سهم واحد.
6765- طريقة القياس: أن نقول الموصى له بالتكملة إذا أخذ وصيته، كان الباقي من المال مقسوماً على خمسة بين الورثة، فنجعل الباقي بعد الوصية عدداً له خُمس، وأقله خمسة، وإذا قسمنا الخمسة بين البنين، كان لكل واحد منهم سهم.
وقد علمنا أن هذا السهم إذا ضم إلى التكملة، كان المبلغ مثل ربع المال، وربعُ سهمٍ وربعُ تكملة.
وبيان ذلك أن نجعل المال وصية وخمسة، وتلك الوصية تكملة، فالمال إذاً كله تكملة وخمسة أسهم. وقد تمهد ذلك في الأبواب السابقة، وإذا كان المال تكملةً وخمسة أسهم، فربعهُ سهمٌ وربع سهم وربعُ تكملة، فنعلم أن سهماً وتكملةً تامة تعدل سهماً وربعَ سهم، وربع تكملة؛ فإن السهم والتكملة ربع، وقد بينا أن ربع المال سهم وربع سهم وربع تكملة، وإذا تقابلا أسقطنا الجنس بالجنس، فنقول سهم وتكملة تعدل سهماً وربعَ سهم وربعَ تكملة، فنسقط السهم بالسهم، ونسقط ربع التكملة فيحصل معنا ربع سهم من جانب يعدل ثلاثة أرباع التكملة، وإذا عادل ربعٌ ثلاثة أرباع، فيعدل ثلث سهم تكملةً تامة، فعلمنا بذلك أن السهم ثلاثة أمثال التكملة، فإذا
__________
(1) زيادة من المحقق؛ رعاية للسياق.
(2) سقطت من الأصل.(10/145)
جعلت التكملة سهماً واحداً، وجب أن يكون السهم الذي هو النصيب ثلاثة، ووجب أن يكونا جميعاً ربع المال، فربع المال إذاً أربعة، والمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة.
6766- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدينار نصيباً والتكملة درهماً، فندفع الدرهمَ إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى معنا من أرباع المال أربعة دنانير وثلائة دراهم، فنأخذ [أربعة دنانير، بين أربعة أبناء] (1) ، يبقى ثلاثة دراهم في يد الابن الخامس، وهي قيمة الدينار، فنجعل كأن ربع [المال] (2) أربعة دراهم ثلاثة للنصيب، وواحد للتكملة، كما تقدم.
6767- فحساب المسألة بطريقة الخطأين: أن نجعل ربع المال اثنين والتكملة واحد، وجملة المال على ذلك ثمانية، فندفع إلى الموصى له سهماً، فالباقي من هذا الربع واحد، وهو الذي قدرناه نصيباً، فنضمه إلى ثلاثة الأرباع، فيصير سبعة، وكان يجب أن يكون خمسة ليأخذ كل ابن سهماً، كما قدرناه في الربع الأول، فقد فضل عن الواجب اثنان، فهو الخطأ الأول، وهو زائد، فاحفظه.
ثم نجعل المال إن شئنا اثني عشر، وربعه ثلاثة، والتكملةُ منها واحد، والنصيب ائنان، فندفع التكملة إلى الموصى له، يبقى من المال أحدَ عشرَ، وكان يجب أن يبقى عشرة ليأخذ [كلُّ ابن] (3) سهمين، مثلَ النصيب المفروض من الربع، وقد زاد على الواجب سهم واحد، وهو الخطأ الثاني وهو زائد أيضاً، فنحط الخطأ الثاني من الخطأ الأول؛ فإنهما تجانسا في الزيادة، فيبقى واحدٌ، وهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم اضرب المال الأول، وهو ثمانية في الخطأ الثاني وهو واحد، فيرد ثمانية، فاضرب المال الثاني وهو اثنا عشر في الخطأ الأول، وهو اثنان، فيرد أربعة وعشرين.
فنحط الأقلَّ من الأكثر تبقى ستة عشر، فاقسمها على الواحد المحفوظ، فيخرج ستة عشرَ، فهو المال.
فإن أردت النصيب فاضرب النصيب الأول وهو واحد في الخطأ الثاني وهو واحد،
__________
(1) عبارة الأصل مضطربة هكذا: فنأخذ أربعة بين أربعة دنانير.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) ساقط من الأصل.(10/146)
فيكون واحداً، واضرب النصيب الثاني وهو اثنان في الخطأ الأول وهو اثنان، فيكون أربعة، فانقص الأقل من الأكثر، فتبقى ثلاثة، فاقسمها على الواحد المحفوظ، فيخرج ثلاثة، فهو النصيب.
كما خرج بالأعمال المتقدمة.
6768- صورة أخرى. ترك رجل أربعة بنين وبنتاً، وكان أوصى لإنسان بتكملة ربع ماله بنصيب أحد البنين.
فخذ ربع المال وألق منه نصيبين؛ فإن لكل ابن سهمان، وردّ النصيبين على ثلاثة أرباع، فيحصل معك ثلاثة أرباع مال ونصيبان. وذلك يعدل [تسعة أنصباء، فاجبر وقابل، فتصير ثلاثة أرباع مال تعدل] (1) سبعة أنصباء، فابسطهما أرباعاً، واقلب الاسم فيهما، فيكون المال ثمانية وعشرين، والنصيب ثلاثة، وربع المال سبعة، فندفع سبعة إلى الموصى له، ونسترجع منه نصيبين، وذلك ستة، فيبقى معه سهم واحد، هو التكملة، وهو الوصية، والباقي من المال بعد الوصية سبعة وعشرون سهماً بين أربعة بنين وبنت، على تسعة، لكل ابن ستة، وللبنت ثلاثة.
وإذا جمعت بين التكملة وبين نصيب أحد البنين، كان سبعة، وهو ربع المال.
وعلى هذا فقس [و] (2) مضمون هذا الفصل سهلُ المُدرك.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍَ شائع من المال
6769- المثال: ترك خمسة بنين، وأوصى بعشر ماله لإنسان، وأوصى لآخر بتكملة الربع بنصيب أحد بنيه.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونطرح منه عُشره، ثم نطرح ربع المال، ونسترجع منه نصيباً فيبقى معنا ثلاثة عشر جزءاً من عشرين جزءاً من المال ونصيب، وهو الذي
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(2) سقطت من الأصل.(10/147)
استرجعناه من الربع، ووصفنا التقدير من عشرين لأن لها عشراً وربعاً، فإذا أخرجت ربعه وهو خمسة، وعُشره وهو اثنان، وأسترجعت من الخمسة نصيباً، كان الباقي ثلاثة عشر جزءاً من عشرين جزءاً من المال مع النصيب المسترجع، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنلقي نصيباً [بنصيب] (1) قصاصاً، فيبقى ثلاثة عشراً جزءاً من عشرين جزءاً من المال تعدل أربعة أنصباء، فنبسطهما بأجزاء العشرين، ونقول بعد قلب الاسم والعبارة فيهما: المال ثمانون، والنصيب ثلاثةَ عشرَ، فنلقي من المال بالوصية الأولى عُشره، وهو ثمانية، ثم نأخذ ربع المال وهو عشرون، فنلقي منه النصيب تقديراً وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى سبعة وهي التكملة فندفعها إلى الموصى له بالتكملة، والوصيتان خمسة عشرَ سهماً: ثمانية وسبعة، فنلقي الوصيتين من المال فيبقى خمسة وستون بين خمسة بنين: لكل واحد منهم ثلاثةَ عشرَ.
6770- وحساب المسألة بالخطأين: أن نجعل المال عشرين، لأنه أقل عدد له ربع وعشر، ونخرج عُشرَه بالوصية الأولى، ونأخذ ربع المال، وهو خمسة، ونجعل النصيب إن شئنا ثلاثة، وندفع اثنين إلى صاحب التكملة، تبقى من جملة المال ستة عشر، وكان الواجب أن يبقى خمسة [عشر] (2) ليأخذ كل ابن ثلاثة مثل النصيب الذي قدرناه، فزاد واحد وهو الخطأ الأول، والخطأ زائد، فاحفظه.
ثم اجعل المال أربعين، وادفع عُشرَها، وهو أربعة، وخذ ربع المال وهو عشرة، فاجعل النصيب منها خمسة، والتكملة الخمسة الباقية من الربع، والوصيتان تسعة وألقها من المال يبقى أحدٌ وثلاثون سهماً، وكان الواجب أن يبقى خمسة وعشرون، ليأخذ كل ابن خمسة، مثلَ النصيب المفروض، فزاد ستة، وهو الخطأ الثاني، وهو زائد أيضاً، فألق منه الخطأ الأول [وهو واحد، يبقى خمسة، وهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المالَ الأول] (3) في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول،
__________
(1) في الأصل: نصيب.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) ساقط من الأصل.(10/148)
وانقص أقلَّ المبلغين من أكثرهما فيبقى ثمانون، فاقسمها على الخمسة المحفوظة؛ فيخرج ستة [عشر، فقل] (1) : هي المال.
وإن أردت النصيب، ضربت النصيب الأول [وهو ثلاثة في الخطأ الثاني وهو ستة، وضربت النصيب الثاني وهو خمسة] (2) في الخطأ الأول وهو واحد، ونقصت الأقل من الأكثر، تبقى ثلاثةَ عشرَ، فاقسمها على الخمسة، فيخرج اثنان وثلاثة أخماس، وذلك هو النصيب. فإن أردت إسقاطَ [الكسر] (3) بسطتَ المال والنصيب أخماساً، فيصير المال ثمانين والنصيب ثمانية عشر.
6771- طريقة الدينار والدرهم: الوجه فيها أن نفرض الدراهم والدنانير أولاً، ثم نحط العشر، أو كما أردنا، ولا ينتظم طريق الدينار والدرهم إلا كذلك، فنقول: نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، وتدفع منه درهماً بالتكملة، فيبقى من المال أربعة [دنانير] (4) وثلاثة دراهم، نطرح منها بالوصية الأخرى عشر المال، ونقدر المال كاملاً، فنخرج منه عشراً كاملاً، فالعشر أربعة أعشار دينار، وأربعة أعشار درهم؛ فإنا نأخذ من كل دينار عشراً، ومن كل درهم عشراً، فالمال الكامل أربعة دنانير وأربعة دراهم، فيبقى معنا ثلاثة دنانير وثلاثة أخماس دينار، وإن أحببت قلت: ستة أعشار دينار، ويبقى كذلك ثلاثة دراهم وثلاثة أخماس درهم، غيرَ أنا أخرجنا إلى التكملة درهماً، فالباقي الآن ثلاثة دنانير وثلاثة أخماس دينار، ودرهمان وثلاثة أخماس درهم، وذلك يعدل خمسة أنصباء البنين، فنسقط الجنسَ من الجنس، فتبقى من الأنصباء دينار وخمسان، يعدل درهمين وثلاثة أخماس درهم، فنبسطها أخماساً، ونقلب الاسم فيها، فيصير الدينار ثلاثة عشر، وهو النصيب، والدرهم سبعة، وهي التكملة، وهما ربع المال، وذلك عشرون، والمال ثمانون.
6772- طريقة المقادير: أن نأخذ ربعَ مال، فنلقي منه [نصيباً] (5) ، يبقى مقدار
__________
(1) في الأصل: ستة، فقال.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(3) في الأصل: الكثير.
(4) في الأصل: وثمانين.
(5) في الأصل: نصيبان.(10/149)
فندفعه إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى ثلاثة أرباع المال، فندفع إلى كل ابنٍ من كل ربع نصيباً، فيبقى منها ثلاثة مقادير، فنلقي من هذه المقادير عشرَ المال، وقد كان ربع المال نصيباً ومقداراً، فالمال على هذا أربعة أنصباء وأربعة مقادير. وعشر جميع المال أربعة أعشار نصيب، وأربعة أعشار مقدار، فنلقي ذلك من ثلاثة مقادير، ونسقط الجنس من الجنس، فيبقى معنا مقداران وثلاثة أخماس مقدار، إلا خمسي نصيب، وهو أوجز من أن نقول: إلا أربعة أعشار نصيب، وذلك يعدل نصيباً واحداً، وهو نصيب الابن الخامس، الذي لم نقدّر له شيئاً، فنجبر المقدارين وثلاثة أخماس مقدار بخمسي نصيب، وهو المستثنى، ونزيد على عديله مثلَه، فيصير نصيب وخمسان في مقابلة مقدارين وثلاثة أخماس مقدار، فنبسطه أخماساً، ونقلب الاسم، فيصير النصيب ثلاثة عشر، والمقدار سبعة، وبقي التكملة.
وإذا ضممنا التكملة وهي سبعة إلى النصيب، وهو ثلاثةَ عشرَ، فهما ربع المال، وإذا كان ربع المال عشرين، فالمال ثمانون.
6773- وطريق القياس أن نقول: علمنا أن ربع المال وعشره يستحقهما ثلاثة الموصى له بالعشر، وأحدُ البنين، والموصى له بالتكملة، فهؤلاء يستحقون بالوصية والميراث العشرَ والربع.
وما تبقى بعد ذلك يستحقه أربعة بنين؛ فإنا حسبنا نصيب ابن في الربع مع التكملة.
فنأخذ مالاً له ربع وعشر، وذلك عشرون، فنلقي ربعه وعشره: سبعة، تبقى ثلاثةَ عشرَ، نقسمها بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وربع، نعلم بذلك أن النصيب ثلاثة وربع.
فنعود ونقول: لصاحب العشر سهمان من [السبعة] (1) التي ألقيناها من المال، وهو عشر العشرين، فتبقى خمسة: للابن الذي ضممناه إلى الوصايا منها ثلاثة [وربع] (2) وهو نصيب ابنٍ، يبقى من الخمسة واحد وثلاثة أرباع، وهو التكملة،
__________
(1) في الأصل: التسعة.
(2) في الأصل: " ثلاثة وثلاثة أرباع ".(10/150)
فنبسط جميع ذلك أرباعاً، فيصير النصيب ثلاثةَ عشرَ، والتكملة سبعة، والمال ثمانون.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍ مما تبقى من المال
6774- المثال: رجل خلف سبعة بنين وأوصى لرجل بتكملة ربع مال بنصيب أحدهم وأوصى لآخر بعشر ما بقي من المال.
فحسابه بطريق الجبر أن نأخذ مالاً، وندفع ربعه إلى الموصى له بالتكملة، ونسترجع نصيباً، ونزيده على الباقي من المال، فيصير ثلاثة أرباع مال ونصيب، فنخرج من هذا عشراً، وهو الوصية الثانية، فإن الموصي اعتبر عشراً بعد تقديم التكملة، فمقتضاه أن نسترجع من الربع نصيباً ونضمه إلى ثلاثة أرباع المال، ثم نخرج العشر من ذلك.
وإذا احتجت إلى مالٍ له ربعٌ، وللباقي (1) بعد الربع عشرٌ، فأقله أربعون، فنخرج رُبْعَه عَشَرة، ونسترجع منها نصيباً ونضمه إلى الثلاثين الباقية، وندفع عُشْرَ الثلاثين والنصيبَ المضموم إليه إلى الموصى له بعشر الباقي، فتبقى [سبعة] (2) وعشرون جزءاً من أربعين جزءاً من المال، وتسعة أعشار نصيب. وذلك يعدل سبعة أنصباء البنين السبعة، فألق الجنس بمقداره من جنسه، ومعنا تسعة أعشار نصيب، فنلقيها من الأنصباء السبعة، فيبقى ستة أنصباء وعشر نصيب، في مقابلة سبعة وعشرين جزءاً من أربعين جزءاً، فنبسط الجميع بأجزاء الأربعين، ونقلب العبارة فيهما، فيصير المال مائتين [وأربعة] (3) وأربعين والنصيب سبعة وعشرين.
الامتحان: نأخذ ربعَ المال، وهو أحد وستون فنلقي منها النصيب، وهو سبعة وعشرون، تبقى أربعة وثلاثون، وهي التكملة، فنلقيها من المال للموصى له بالتكملة، تبقى مائتان وعشرة، وقد ضممنا النصيب من الربع إلى ثلاثة أرباع
__________
(1) في الأصل: والباقي بعد الربع عشره.
(2) في الأصل: تسعة.
(3) زيادة من المحقق.(10/151)
[المال] (1) ، ندفع عشرها إلى الموصى له الثاني، وهو أحدٌ وعشرون، تبقى مائة وتسعة وثمانون، بين سبعة بنين لكل واحد منهم سبعة وعشرون، وهو النصيب الذي أخرجناه من الربع.
6775- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدينار نصيباً، والدرهمَ تكملةً، وندفع الدرهمَ بالتكملة إلى صاحب التكملة، ونضم الدينار إلى الباقي من الأرباع، فيبقى من المال أربعة دنانير وثلاثة دراهم، فنخرجْ عُشْرَ هذا المقدار؟ فإن الوصية الثانية بعُشر الباقي بعد التكملة، وعشر الباقي أربعة أعشار دينار، وثلاثة أعشار درهم، فتبقى ثلاثة دنانير وستة أعشار دينار، وإن أحببت، قلت: وثلاثة أخماس دينار، ويبقى درهمان وسبعة أعشار درهم، ونختار عبارة الأعشار في هذه المسألة؛ فإنه إن انتظم رد ستة أعشار إلى ثلاثة أخماس، فلو بسطنا ذلك في سبعة أعشار الدرهم، لقلنا: ثلاثة أخماس ونصف خمس، أو وعُشْر، وهذا كسر كسر، فالوجه التعبير بالأعشار. وهذا الباقي يعدل سبعة دنانير لسبعة بنين، فنلقي الجنس بالجنس، مقدار المقدار، فتبقى ثلاثة دنانير وأربعة أعشار دينار من أنصباء البنين، وذلك يعدل درهمين وسبعة أعشار درهم، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيصير الدينار سبعة وعشرين، وذلك مثل النصيب ويصير الدرهم أربعة وثلاثين وهي التكملة، ومجموعهما ربعُ المال، وهو أحدٌ وستون، فالمال كله مائتان وأربعة وأربعون.
طريقة الخطأين: أن نجعل المال أحد عشر إن شئنا، ونجعل التكملةَ واحداً، وندفعها إلى الموصى له بها، تبقى عشرة، ندفع عُشرَها إلى الموصى [له] (2) الثاني تبقى تسعة، بين البنين، لكل واحد منهم واحد [وسبعان] (3) ، فذلك هو النصيب، فنزيد عليه التكملة، وهو واحد، فيصير المجموع سهمين وسبعين، وذلك يجب أن يكون اثنين وثلاثة أرباع؛ فإن هذا رُبع المال الذي قدّرناه، وهو أحدَ عشر، فقد
_______
(1) سقطت من الأصل.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: وتسعان.(10/152)
نقص ثلاثة عشر جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من واحد، ولا يخفى ذلك إذا بسطت.
فهذا هو الخطأ الأول، وهو ناقص؛ فإن ما قدّرناه أنقصُ مما يجب.
فنعود ونجعل المال اثني عشر، والتكملةَ اثنين منها، ونلقيها من المال، فيبقى عَشَرة، نُلقي عُشْرَها، يبقى تسعة، بين البنين السبعة، واحد وسبعان [لكل واحد منهم] (1) ، فنضم ذلك إلى التكملة، فيصير المجموع ثلاثة وسُبعين، وكان يجب أن يكون المجموع ثلاثة: مثل ربع المال، فزاد سبعان، وهو الخطأ الثاني، وهذا الخطأ زائد، فإن ما معنا أكثر مما يجب، فنجمع بين الخطأين؛ فإن أحدهما زائد والآخر ناقصٌ، وإذا جمعت، صار مبلغ الخطأين ثلاثة أرباع واحد؛ فإن الخطأ الأول الناقص كان ثلاثةَ عَشَرَ جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً، وربعُ هذا المبلغ سبعةٌ، وثلاثةُ أرباعه أحدٌ وعشرون. والخطأ الثاني الزائد سبعان، وإذا ضممت سُبعي ثمانية وعشرين، وهو ثمانية إلى الخطأ الأول وهو ثلاثة عشر، صار المجموع واحداً وعشرين، وهو ثلاثة أرباع ثمانية وعشرين، فانتظم من ذلك أنا إذا ضممنا الخطأ الثاني الزائد إلى الخطأ الأول الناقص، كان المجموع ثلاثة أرباع واحد. وهذا هو المقسوم عليه، فنحفظه.
ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونجمع بينهما، ولا نحط، لاختلاف الخطأين، فيصير المجموع ثمانية أسهم وخمسة أسباع سهم، فنبسطها أسباعاً، فيصير أحداً وستين، وليس لها ربعٌ صحيح، فنضربها في أربعة، فتكون مائتين وأربعة وأربعين، وهو المال، كما خرج بالعمل الأول.
ولا يكاد يخفى استخراج النصيب مع البسط، وإذا بان ركنٌ من المسألة، انبنى عليه باقي الأركان.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍ مما بقي من جزءٍ من المال
6776- المثال: ثلاثة بنين وقد أوصى بتكملة ثلث مال بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقَّى من الثلث.
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/153)
طريقة الجبر: أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، وهو التكملة، فنلقي التكملة، ونضمُّ النصيب إلى الباقي معنا، وإذا قدّرنا الثلثَ نصيباً وتكملةً، ثم أخرجنا التكملة، بقي من الثلث نصيبٌ، فندفع ثلث هذا النصيب إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث، فيقع لهذا الموصى له ثلث نصيب، فنضم الفاضل من الوصيتين، وهو ثلثا نصيب إلى ثلثي المال، فنجعل معنا ثلثا مال وثلثا نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء لثلاثة بنين، فنلقي ثلثي نصيب بمثله من الأنصباء قصاصاً، تبقى ثلثا مال يعدل نصيبين وثلث نصيب، فإذا كان ثلثا مال يعدل نصيبين وثلث نصيب، فالمال كله يعدل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، فنضعف ذلك ليذهب الكسر، فالضرب في مخرج الاثنين، ونقلب العبارة فيصير المال سبعة أسهم، والنصيب سهمين، إلا أنه ليس له ثلث صحيح، فنضرب ذلك في ثلاثة، فيكون المال أحدٌ وعشرون، والنصيب ستة.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال، وهو سبعة ونلقي منها نصيباً، وهو ستة، يبقى سهم واحد وهو التكملة، فندفعه إلى الموصى له بالتكملة، والباقي من الثلث نصيبٌ وهو ستة، ندفع ثلثها سهمين إلى الموصى له الثاني، يبقى أربعة، فنزيدها على ثلثي المال، وهو أربعة عشر، فيبلغ ثمانية عشر سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ستة، وهي النصيب الخارج بالحساب.
6777- وفي هذه المسألة تأملٌ على الناظر، وذلك أن البنين ثلاثة، ولو لم تكن وصية وقسمنا المالَ بينهم، يخص كل واحد منهم ثلث المال، وإذا كان كذلك، فلا معنى للوصية بالتكملة من الثلث، ونصيب كل ابن مستغرِقٌ للثلث، والوصية بتكملة الثلث إنما تُعقَل وتصح، إذا كان بين النصيب وبين الثلث شيء، فإذا استغرق النصيب الثلثَ، فلا تكملة، وليس نسبُ الصحة [لهذه] (1) المسألة وخروجها بالحساب كما تقدم أنه أوصى بالتكملة، وأوصى بثلث ما تبقى من الثلث، فقدرنا الثلث نصيباً مبهماً وتكملةً، ثم صرفنا التكملة إلى صاحبها [وقسطاً] (2) من النصيب إلى الوصية الثانية،
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: وقسطنا.(10/154)
فنقص بذلك أنصباء البنين، كما أخرجه الحُسَّاب، فصار كل نصيب غيرَ مستغرِقٍ للثلث، فانتظم منه الوصيةُ بالتكملة. هذا وجه تعديل المسألة على طريقة الحساب.
وفي النفس بعدُ شيءٌ من طريق الفقه، سأنبِّه عليه بعد ذكر شيءٍ.
فأقول: كان له ثلاثةُ بنين وأوصى لإنسان بتكملة ثلث ماله بنصيب، فهذه الوصية باطلة؛ فإنّ نصيب كلَِّ ابنٍ في هذه الصورة مستغرِقٌ للثلث، فلا معنى للوصية بتكملة الثلث. فطريق الجَبر إذا استعملناها على مراسمها، أعربت عن استحالة المسألة.
فنستعملها، ونقول: ثلث المال نصرفه إلى الموصى له بالتكملة، ونستردّ منه نصيباً، فيبقى معنا نصيبٌ وثلثا مال (1) ، في مقابلة ثلاثة أنصباء لثلاثة بنين، فنقابل نصيباً بنصيب، فيبقى [ثلثا] (2) المال، وهو سهمان، فنصرفهما إلى ابنين، وقد بان أن النصيب واحدٌ، وثلث المال واحد.
فإذا سلمنا ثلث المال وهو واحد إلى الموصى له بالتكملة واسترددنا منه نصيباً وهو واحد، لم يبق بيده شيء، وبان أن الوصية لم تصادف محلاً.
فإذا وضح ذلك أولاً ببديهة [العقل] (3) فقهاً، وبان بطريق الحساب أيضاً، فنعود إلى المسألة الأولى، ونقول: فيها وصيةُ تكملة، ووصيةٌ بثلث ما تبقى من الثلث بعد التكملة، فالظاهر أن نقول: الوصية بالتكملة باطلة لما بيناه، وإذا بطلت الوصية بالتكملة، بطلت الوصية بما تبقى بعدها؛ فإن الوصية بما تبقى تُفرَّع على صحة الوصية الأولى وتقديرها، هذا وجهٌ ظاهر في إبطال الوصيتين.
ووجه ما ذكره الحُسَّاب أن هذه الوصية إن كان في صيغتها وصية بتكملة، فمعناها: أوصيت لك بمقدارٍ إذا اعتبر معه تنقيص النصيب بالوصية الثانية، لكانت تكملةً منتظمة. ويجب أن نطرد في هذه المسألة مسلكين ووجهين، ثم نُخرّجهما في أمثال هذه المسألة، ونخرّجهما على أن العبارة إذا فسدت، فأمكن تصحيح المعنى
__________
(1) عبارة الأصل: " فيبقى معنا نصيب، وثلثا مال، (نصرفه إلى الموصى له بالتكملة) ، في مقابلة ثلاثة أنصباء ... " فالعبارة بين القوسين مقحمة. كما ترى.
(2) في الأصل: ثلث.
(3) في الأصل: العقد.(10/155)
على تقديرٍ، فالاعتبار بالمعنى ليصح، أو باللفظ ليفسد. وهذا أصل مهدناه في مسالك الفقه، وأوضحنا الخلافَ فيه.
ومن صوره أن يقول الإنسان لمن يخاطبه: بعت منك عبدي هذا بلا ثمن. فإذا قال المخاطَب: قبلتُ، فهل نجعل هذا هبةً صحيحة أم نقول: لا تصح الهبة، والجاري بيعٌ فاسد؟ في المسألة وجهان ذكرناهما. فهذه المسألة الحسابية تُخرّج على هذا الأصل لا محالة.
فإذا وضح ما ذكرناه، فإنا نعود إلى مراسم الكتاب، وقد نجز فقه الجبر.
6778- وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم أن نجعل ثلث المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدرهم التكملة [ونصرفه] (1) إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى من الثلث دينار، فنقدره نصيباً، وندفع ثلثه إلى الموصى له بثلث ما بقي من الثلث، فتبقى ثلثا دينار، فنزيده على ثلثي المال، وذلك ديناران ودرهمان، فيبلغ المجموع دينارين وثلثي دينار، ودرهمين، وذلك يعدل ثلاثة دنانير أنصباء البنين، فنلقي دينارين وثلثي دينار قصاصاً بمثلها، فيبقى ثلث دينار، يعدل درهمين، فالدينار الواحد يعدل ستة دراهم، وكنا جعلنا ثلث المال ديناراً ودرهماً، وقيمة الدينار وهو النصيب في الحقيقة ستة، فثلث المال إذاً سبعة دراهم، والتكملة منها درهم، والنصيب ستة، كما خرج بالحساب الأول.
6779- صورةٌ أخرى نذكرها لتمهيد الفصل:
إذا خلف الرجل أربعة بنين، وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما تبقَّى من الثلث.
فخذ ربع المال وادفعه إلى الموصى له بالتكملة، واسترجع منه نصيباً، فيبقى من الربع نصيب، فأسقط التكملة وهي ربع مال إلا نصيباً من ثلث المال، يبقى نصف سدس مال ونصيب، فادفع ثلثه إلى الموصى له الآخر، يبقى نصف تسع مال [وثلثا] (2) نصيب، فزد ذلك على ثلثي المال، فيبلغ المجموع ثلاثة عشر جزءاً من
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: وثلث.(10/156)
ثمانية عشر جزءاً من المال، ولا يخفى اعتبار هذا المبلغ ونسبته، وقد كررنا هذا مراراً، وقد بقي إذاً ثلاثة عشر من ثمانية عشر جزءاً من المال وثلثا نصيب، وذلك يعدل أربعة أنصباء. فثلثا نصيب قصاصاً بمثله، تبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، تعدل ثلاثة عشر جزءاً من ثمانية عشر جزءاً من المال، فاضرب الجميع في مخرج المال، وهو ثمانية عشر، واقلب العبارة، فيكون المال ستين والنصيب ثلاثة عشر.
الامتحان: نأخذ ربعَ المال وهو خمسةَ عشرَ، ونلقي منها النصيب، وهو ثلاثة عشر، فيبقى سهمان هما للموصى له بالتكملة، فنلقيهما من ثلث المال، وهو عشرون تبقى ثمانية عشر، ندفع ثلثها إلى الموصى له الآخر، ونزيد الباقي وهو اثنا عشر على ثلثي المال فيبلغ اثنين وخمسين سهماً، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة عشر سهماً.
وهذه الصورة خارجة على الحساب، وفيها التردّد الفقهي الذي ذكرناه؛ فإن ذكر التكملة بالربع فاسدٌ في صيغته، والوصية الثانية فرعٌ على الأولى.
وقد نجز الغرض.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب
6780- خمسة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم ولآخر بنصيب أحدهم.
فوجهه من طريق الجبر أن نأخذ ثلث مال فنسقط منه نصيباً للموصى له بالنصيب.
وندفع الباقي من الثلث إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى مع الورثة ثلثا المال، وقد خرجت الوصيتان واستغرقتا الثلث، فبقي ثلثا مال يعدل خمسة أنصباء فنبسط الجميع أثلاثاً، ونقلب العبارة، فيصير المال خمسةَ عشرَ، والنصيب سهمين.
وامتحانه أن نأخذ ثلث المال وهو خمسة، وندفع منها إلى الموصى له بالنصيب سهمين يبقى ثلاثة، وهي التكملة، فنسلمها إلى الموصى له بها، فيبقى ثلثا المال عشرة، فنقسمها بين خمسة بنين، لكل ابنٍ سهمان.(10/157)
6781- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ثلث المال ديناراً ودرهماً، وندفع الدينار بالنصيب، والدرهم بالتكملة، فيبقى ثلثا المال ديناران ودرهمان في مقابلة خمسة أنصباء للبنين الخمسة، فنُسقط الدينارين بالدينارين، ونقسم الدرهمين على ثلاثة بنين، فيخص كلَّ واحد ثلثا درهم، فنتبيّن أن الدينار ثلثا درهم، فنعود ونقول: ثلث المال ثلثا درهم ودرهم، والثلثان ثلاثة دراهم وثلث، فالمجموع خمسة دراهم، نضربها في مخرج الثلث فيبلغ خمسة عشرَ، الثلث منها خمسة، وحصة الدينار درهمان منها، والباقي تكملة إلى تمام الثلث، فتبقى عشرة بين خمسة بنين.
ولا حاجة إلى استعمال الطرق المختلفة في هذا الفصل مع وضوح المقصود.
فصل
في الوصية بالتكملة إلا جزءاً مما بقي من المال
6782- المثال: رجل له سبعة بنين وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا عشرَ الباقي من المال.
فطريق الجبر أن نأخذ ربعَ المال ونسلِّمه إلى الموصى له بالتكملة ونسترجع منه نصيباً يبقى ربعُ مال إلا نصيب وهو التكملة، فندفعها إلى الموصى له بالتكملة، ونزيد النصيب الذي استرجعناه على ثلاثة أرباع المال فمعنا ثلاثة أرباع مال ونصيب، فنسترجع من التكملة عشرَ مثل ذلك ونزيده، على هذا الباقي.
وهذا ينتظم من أربعين، لمكان الربع والعشر، وثلاثة الأرباع مع النصيب المسترجع من صاحب التكملة ثلاثون ونصيب، وعُشر ذلك ثلاثة وعُشر نصيب، فنسترد من صاحب التكملة ثلاثة وعُشر نصيب. فتبقى ثلاثة وثلاثون جزءاً من أربعين جزءاً ونصيب وعشر نصيب، تعدل سبعة أنصباء فنُسقط النصيب والعشر بمثله قصاصاً، فتبقى ثلاثة وثلاثون جزءاً في مقابلة خمسة أنصباء وتسعة أعشار نصيب، فنضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهو أربعون فيصير المال مائتين وستة وثلاثين والنصيب ثلاثة وثلاثين.(10/158)
الامتحان: نأخذ ربع المال وهو تسعة وخمسون، فنسقط منها نصيباً وهو ثلاثة وثلاثون، تبقى ستة وعشرون، وهي التكملة، نسقطها من المال تقديراً، تبقى مائتان وعشرة، فنسقط عشرها، وهو أحدٌ وعشرون من التكملة، تبقى منها خمسة، فهي الوصية، ندفعها إلى الموصى له، تبقى من المال مائتان وأحدٌ وثلاثون بين سبعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وثلاثون.
6783- وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، فنجعل الدينار نصيباً، والتكملة درهماً فتدفع الدرهم بالتكملة، يبقى من المال أربعة دنانير وثلاثة دراهم، نسترجع عشرَها من التكملة، ونزيد المسترجع على الباقي من المال، فيبلغ أربعة دنانير وأربعة أعشار دينار، وثلاثة دراهم وثلاثة أعشار درهم.
هذا المبلغ يعدل سبعة دنانير أنصباء البنين، فنسقط الجنس بالجنس، فتبقى ديناران وستة أعشار دينار، تعدل ثلاثة دراهم وثلاثة أعشار درهم، فنبسطها أعشاراً فيصير الديناران وستة الأعشار ستة وعشرين، والدراهم ثلاثة وثلاثين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثلاثة وثلاثين وهي النصيب، والدرهم ستة وعشرين وهي التكملة.
وهاهنا تأمل على الناظر في الدينار والدرهم، فإنا جعلنا دينارين وستة أعشار ستة وعشرين، [وثلاثة دراهم] (1) وثلاثة أعشار ثلاثة وثلاثين، ثم قلبنا العبارة، ولم ننظر إلى قيمة درهم واحد، ولا إلى قيمة دينارٍ واحد، بل جعلنا ما خرج من العدد في مقابلة بسط الدرهم قيمة دينار واحد، وجعلنا ما خرج من بسط دينارين وستة أعشار دينار قيمة درهم واحد. وهكذا يقع الكلام في طريق الدينار والدرهم، إذا انتهى إلى مثل هذا المنتهى، وإنما نُجري هذا عند انقلاب العبارة، فيرجع الكلام إلى تقويم الجنسين، فما يقع عند قلب العبارة قيمة الدينار نجعله قيمة دينارٍ، وما يقع قيمة الدراهم نجعله قيمة درهمٍ، فطريق الدينار والدرهم قد تجري من غير احتياج إلى قلب العبارة، فحيث يقع كذلك، فنعتبر قيمة كلِّ دينارٍ على حياله، وإذا احتاجت طريقة الدينار والدرهم إلى العبارة، فقد وقعت في الجبر، وصارت عبارة الدينار والدرهم
__________
(1) عبارة الأصل: " ودرهم وثلاثة أعشار ".(10/159)
مستعارة من حكم الجبر إذا قلبنا الاسم أن نجعل النصيب أجزاء والعددَ مالاً، والمالَ نصيباً.
وإذا وضح هذا، عدنا إلى مراسم الطريقة، قلنا: بأن الدينار ثلاثة وثلاثون، وهي النصيب والدرهم ستة وعشرون وهي التكملة وهما ربع المال، ومجموعهما تسعة وخمسون كما خرج بالعمل الأول.
6784- طريقة القياس: إن الموصى له بالتكملة إذا أخذ وصيته ينبغي أن يبقى من المال عدد له عشر، وأقله عشرة، ثم نسترجع عشرَها من التكملة ونزيده على العشرة الباقية، فيبلغ أحدَ عشرَ، فنقسمها بين سبعة بنين، لكل واحدٍ منهم سهم وأربعة أسباع سهم، هذا هو النصيب، ونضيف التكملة فيصير المجموع سهمان ونصف وربعُ تكملة؛ فإنا نقدر المال تكملة وعَشَرة، هكذا وضعنا المسألة، إذا (1) قلنا: وصية هي التكملة وبعدها عشرة، فربع المال إذاً سهمان ونصف وربع التكملة، فنقابل ذلك بالتكملة، فبلغ تكملة بربع تكملة، ونقول عند ذلك: كنا ذكرنا أن الربع نصيب وتكملة، ثم بان أن النصيب سهم وأربعة أسباع سهم، فالآن سهمان ونصف وربع تكملة في مقابلة تكملة وسهم وأربعة أسباع سهم، فنلقي ربعَ تكملة بربع تكملة، ونلقي سهماً وأربعة أسباع بمثلها، فيبقى ثلاثة أرباع تكملة تعدل ثلاثة عشر جزءاً من أربعة عشر جزءاً من سهم واحد.
وقد ذكرنا تخريج أمثال هذا فيما تقدم، فحصل مخرج كل واحد منهما عدداً له ربع وسبع، وذلك ثمانية وعشرون جزءاً فيكون ثلاثة أرباع التكملة [أحداً وعشرين] (2) جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من واحد، وذلك يعدل ستة وعشرين جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من سهم، فنجعل الستة والعشرين قيمة التكملة، كما خرج بالعمل الأول.
__________
(1) إذا: يجوز استعمالها مكان إذ.
(2) في الأصل: " أحد عشر " وهو خطأ حسابي واضح.(10/160)
فصل
في الوصية بالتكملة إلا جزءاً مما يبقى من جزء من المال
6785- المثال: ترك رجل عشرة بنين وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث.
فطريقة [الجبر] (1) أن نأخذ ربع مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ربعُ مال إلا نصيباً، وهي التكملة، فنلقيها من الثلث، والثلث إذا ألقي منه الربع، يبقى منه نصفُ سدس، ولكنا لم نُلق من الثلث ربعاً مطلقاً، بل ألقينا منه ربعاً إلا [نصيباً] (2) فيبقى [نصفُ] (3) سدس ونصيب من الثلث، فنلقى [ثلث] (4) ذلك من التكملة، ولا بد من بسط العدد إلى ستة وثلاثين حتى نجد فيه ثُلثَ نصف سدس، فنلقي من التكملة جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال وثلث نصيب، وإنما كان كذلك لأن ثلث هذا المبلغ اثنا عشر، وربع المبلغ تسعة، وإذا حططنا التسعة بقي ثلاثة، فنستثني مثل ثلث هذا الباقي من التكملة، فتبقى التكملة ثمانية أجزاء من ستة وثلاثين جزءاً من المال إلا نصيباً وثلثَ نصيب، هذا هو الوصية، فنلقيها من المال، يبقى (5) ثمانيةٌ وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال، ونصيب وثلث نصيب، وذلك يعدل عشرة أنصباء، نُسقط النصيب والثلث بمثله فتبقى ثمانية أنصباء وثلثا نصيب، ونبسط الجميع بأجزاء ستة وثلاثين، ونقلب الاسم فيهما، فنجعل المال ثلاثمائة واثني عشر، والنصيب ثمانية وعشرين.
والامتحان نأخذ ربع المال، وهو ثمانية وسبعون، فنلقي منها النصيب وهو
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: نصف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: مثل. وهو تصحيف مضلل أرهقنا ساعات، والله المعين.
(5) في الأصل: يبقى المال ثمانية وعشرون جزءاً.(10/161)
ثمانية وعشرون، فيبقى خمسون، فنلقيها من ثلث المال والثلث مائة وأربعة، تبقى أربعةٌ وخمسون وثلثها ثمانيةَ عشر، فنسترجع ثمانية عشر من التكملة يبقى منها اثنان وثلاثون سهماً هي الوصية، فنسقطها من المال، يبقى مائتان وثمانون بين عشرة بنين لكل واحد منهم ثمانية وعشرون.
6786- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، النصيب دينار والتكملة درهم، فالمال أربعة دنانير وأربعة دراهم، فنأخذ ثلثَ (1) المال، وهو دينار وثلث دينار ودرهمٌ وثلثُ درهم، فنلقي منه التكملة يبقى دينار وثلث دينار، وثلث درهم، فنزيد عليه مثل الاستثناء (2) من التكملة، وذلك [تُسعُ درهم] (3) ، وأربعة أتساع دينار، [ونزيد ذلك على ثلثي المال] (4) فيحصل معنا [أربعة دنانير] (5) وأربعة أتساع دينار وثلاثة دراهم وتُسع درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير أنصباء البنين، فنلقي الجنس بالجنس، تبقى خمسة دنانير وخمسة أتساع دينار، تعدل ثلاثة فى دراهم وتُسع درهم، فنبسط الجميع أتساعاً، فيكون الدينار خمسين، والدرهم ثمانية وعشرين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثمانيةً وعشرين، وهو النصيب، والدرهم خمسين وهو التكملة، كما خرج بالعمل الأول.
__________
(1) في الأصل: فنأخذ ربعَ ثلث (بإقحام كلمة: ربع) .
(2) في الأصل: مثل ثلث الاستثناء (بإقحام كلمة: ثلث) .
(3) في الأصل: تسعة دراهم.
(4) ساقط من الأصل.
(5) في الأصل: فيحصل معنا دينار وأربعة أتساع.
وعبارة الأصل كانت هكذا: "فنزيد عليه مثل ثلث الاستثناء من التكملة، وذلك تسعة دراهم وأربعة أتساع دينار، فيحصل معنا دينار وأربعة أتساع دينار، وثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك يعدل ... إلخ" وفيها خرم، وإقحام، وخطأ. أجهدنا وأضنانا كشف ذلك، ولولا عون الله سبحانه ما أصبنا من ذلك شيئاً.(10/162)
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب وبجزءٍ مما بقي من المال
6787- المثال: ترك رجل عشرة بنين، فأوصى لرجل بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لثالث بثلث ما تبقى من المال بعد ذلك.
فطريقة الجبر: أن نأخذ ثُمن مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثمن مال إلا نصيب، وذلك هو التكملة.
فندفع النصيب من الثمن، فإنا علمنا أن الثمن يجمع النصيبَ والتكملة، وقد أوصى بالنصيب والتكملة، فنصرف الثمن كله إلى الوصيتين، تبقى سبعة أثمان المال، فندفع ثلثَه إلى الموصى له الثالث، فيبقى [أربعةَ] (1) عشرَ جزءاً من أربعة وعشرين جزءاً من المال، واعتبرنا هذا المبلغ لاحتياجنا إلى الثمن، وإذا حُطّ ثمن الأربعة والعشرين وهو ثلاثة، وألقي من بعد ذلك ثُلثُ ما بقي، وهو أحدٌ وعشرون، فيبقى أربعةَ عشرَ، [تعدل أنصباء عشرة بنين] (2) ، ثم نقلب العبارة، في الجانبين، فيصير المال مائتين وأربعين، والنصيب أربعة عشر.
الامتحان: نأخذ ثُمنَ المال، وهو ثلاثون، فندفع إلى الموصى له بالنصيب أربعة عشر سهماً، يبقى ستة عشر ندفعها بالتكملة إلى صاحب التكملة، فيذهب الثمن بها بين الوصيتين، يبقى من المال مائتان وعشرة، ندفع ثلثَها، وهو سبعون إلى الموصى له الثالث، يبقى من المال مائة وأربعون سهماً، بين البنين، لكل واحد منهم أربعة عشر سهماً.
ويتطرق إلى المسألة اختصارٌ من قبل أن الأنصباء مع الوصايا متفقة بالأنصاف، فيرد كل واحدة منهما إلى نصفها، فنرد المال إلى نصفه، فيكون المال مائة
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق.(10/163)
وعشرون، والنصيب سبعة، والتكملة ثمانية، ووصية صاحب الثلث من الباقي خمسة وثلاثون.
فالوصايا بجملتها زائدة على الثلث، فإن أجازها الورثة، فالجواب ما ذكرناه، وإن لم يجيزوا الزائد على الثلث، جمعنا سهام الوصايا في طريق الاختصار عند تقدير الإجازة، وإذا هي خمسون سهماً، فنقسم الثلث بين أهل الوصايا على خمسين سهماً، لصاحب التكملة منها ثمانية ولصاحب النصيب منها سبعة ولصاحب ثلث الباقي منها خمسة وثلاثون، ويبقى ثلثا المال وهو مائة بين البنين على عشرة أسهم، فنزيد نصيب كل ابن لا محالة على ما أخرجناه إلى النصيب الموصى به.
وسبب ذلك ما دخل في الوصايا من النقصان بسبب الرد. ومهما اتفقت مسألةٌ مثل ذلك، فالوجه تخريجها على تقدير الإجازة، ثم إذا فرض ردٌّ، قسم الثلث بين الوصايا على نسبة الإجازة، ونجعل سهام الإجازة ثلثاً، وضعفها الثلثين، فإن انقسم الثلثان على الورثة من غير كسر، فذاك، وإن اتفق كسرٌ أزلناه بضرب الجميع في مخرج ذلك الكسر.
6788- وحساب المسألة بطريق الخطأين: أن نجعل المال إن أردنا ستة عشر، ونأخذ ثُمنها سهمين، ونقدر النصيب واحداً، والتكملة واحداً، والباقي بعد النصيب والتكملة أربعة عشر، ندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، فيبقى تسعة وثلث، وكان من الواجب أن يكون الباقي عشرة ليأخذ كل ابن واحد مثل النصيب الذي قدرناه، فنقص ثُلثا سهم وهو الخطأ الأول وهو ناقص.
ثم نجعل المال أربعة وعشرين، ونأخذ ثمنها ثلاثة ونقدر النصيب اثنين، والتكملة واحداً، والباقي من المال أحدٌ وعشرون، ندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، يبقى أربعة عشر، وكان الواجب أن تبقى عشرون ليأخذ كلُّ ابن سهمين، مثلَ النصيب المفروض، فنقص ستة وهو الخطأ الثاني، وهو ناقص أيضاً، فنلقي من هذا الخطأ الأول [فيبقى خمسة وثلث، وهو المقسوم عليه، ونضرب المال الأول] (1) في الخطأ
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.(10/164)
الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونُلقي الأقلَّ من الأكثر، يبقى ثمانون نقسمها على خمسة وثلث، فيخرج خمسةَ عشرَ، فقل هو المال، ثم نضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني والنصيب الثاني في الخطأ الأول، وتلقي الأقل من الأكثر، ونقسم الباقي على خمسة وثلث، فيخرج نصيب الواحد سبعة أثمان، فهي النصيب، ثم نبسط الجميع أثماناً، فيكون المال مائة وعشرين، والنصيب سبعة، كما خرج بالعمل الأول.
6789- وطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ثمن المال ديناراً ودرهماً، ونقول: النصيب دينار، والتكملة درهم، ونخرجهما بالوصيتين، فيبقى من المال سبعة دنانير وسبعة دراهم، فندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، يبقى أربعة دنانير وثلثا دينار، وأربعة دراهم، وثلثا درهم، تعدل عشرة دنانير، فنطرح الجنس بالجنس، فيبقى خمسة دنانير وثلث، تعدل أربعة دراهم وثلثي درهم، فنبسط الجميع أثلاثاً، ونقلب الاسم، كما تقدم ذلك في نظائر هذا، فيكون الدينار أربعة عشر، وهي النصيب، والدرهم ستة عشر، وهي التكملة، فقد كان المال ثمانية دنانير، وثمانية دراهم وهو إذن مائتان [وأربعون] (1) فاقتصر كما ذكرنا في طريق الجبر إذا تبينت التوافق بالأنصاف.
6790- طريقة القياس: أن نقول: الباقي من المال بعد الوصايا كلِّها ينبغي أن يكون عدداً له عُشر؛ حتى ينقسم بين عشرة، وأقل ذلك عشرة؛ فنجعل الباقي من المال بعد الوصايا عَشرةَ أسهم، وقد علمنا أن الموصى له بثلث الباقي من المال بعد النصيب والتكملة يأخذ مثلَ نصف العشرة، فيجب أن يكون الباقي من المال بعد التكملة والنصيب خمس عشرَ سهماً، وعلمنا أيضاً أن نصيب كل ابن سهم واحد، على التقدير الذي ذكرناه. وقد أخذ الموصَى له بالنصيب سهماً، فنقول: يجب أن يكون المال مع النصيب الموصى به ستةَ عشرَ سهماً من غير أن نحسب التكملة، ثم نعود، فنقول: المال ستةَ عشرَ وتكملة؛ فإنا لم نحسب التكملة بالعدد في حساب، وثمن
__________
(1) سقطت من الأصل.(10/165)
ذلك سهمان وثمن تكملة. وهذا يعدل سهماً وتكملة؛ فإنا قدّرنا النصيب سهماً، فنلقي الجنس بالجنس، يبقى سهم يعدل سبعة أثمان التكملة، فنقلب الاسم فيهما بعد أن نبسطهما أثماناً، فتكون التكملة ثمانية، والنصيب سبعة، وقد كان المال ستةَ عشرَ سهماً وتكملة، وبان بالتكسير أن التكملة سهم وسُبع، فردّ على الستة عشرَ واحداً وسبعاً، فيصير المال سبعة عشر [وسبعاً] (1) ، فابسطها أسباعاً، فيصير المال مائة وعشرين، كما خرج بالطرق الأولى.
وبيان ما ذكرناه من التكسير أن أثمان التكملة إذا كانت تعدل سهماً، فالتكملة التامة تعدل سهماً وسبعاً لا محالة، ومضمون هذا الفصل سهل، ولكنا أردنا [أن] (2) نخرج الطرق لتدريب الناظر، فإن لم يتدرب في الجليات، لم ينتفع بالطرق في المشكلات.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب وبجزءٍ مما بقي من جزءً من المال
6791- المثال: رجل له عشرة بنين وأوصى بتكملة ثمن ماله بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم؛ وأوصى لثالث بثلث ما تبقى من الثلث.
فحساب المسألة بالجبر أن نُلقي ثمنَ المال بالنصيب والتكملة، تبقى سبعة أثمان المال فنطلب أولاً عدداً له ثمن وثلث، فإذا ألقي ثمنه من ثلثه، كان للباقي من الثلث ثلث، وذلك اثنان وسبعون، فنأخذ ثلثها أربعةً وعشرين، ونلقي منها الثمنَ بالتكملة والنصيب وثمن الاثنين والسبعين تسعة، وإذا ألقيناها من أربعة وعشرين، بقي خمسة عشر، فنلقي ثلثها بالوصية الثالثة فيبقى عشرة، نزيدها على ثلثي المال، فيبلغ ثمانية وخمسين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، وذلك يعدل عشرة أنصباء، فنبسط الجميع، بأجزاء اثنين وسبعين، فنقلب الاسم، فيكون المال سبعمائة وعشرين، والنصيب ثمانية وخمسين.
__________
(1) في الأصل: وتسعاً.
(2) زيادة من المحقق.(10/166)
الامتحان: أن نأخد ثلث المال، وهو مائتان وأربعون، فنلقي منها بالتكملة والنصيب تسعين: النصيب منها ثمانية وخمسون، والتكملة اثنان وثلاثون، يبقى من الثلث مائة وخمسون، نلقي ثلثها خمسين بالوصية، تبقى منها مائة، نزيدها على ثلثي المال، فيبلغ خَمْسَمائة وثمانين، بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثمانية وخمسون، مثل النصيب. وهذه الأنصباء مع أصل المال متفقة بالأنصاف، فنرد المسألة إلى نصفها في كل جهةٍ اختصاراً، فيكون المال ثَلاثُمائة وستين، والنصيب تسعة وعشرين، والتكملة ستةَ عشرَ، والوصية الثالثة خمسة وعشرون.
6792- وحساب المسألة بطريق [الندب] (1) ، وقد بعد العهد بها: أن نطلب عدداً له ثمن وثلث، فإذا ألقي ثمنه من ثُلثه، كان الباقي منه ثلثاً صحيحاً (2) ، وذلك اثنان وسبعون كما ذكرنا، فنلقي الثمن من ثلثه بالنصيب وبالتكملة، ونلقي ثلثَ الباقي منه، فيبقى عشرة نزيدها على ثلثي المال، فيكون ثمانية وخمسين، فهي تعدل كل سهم من سهام الفريضة، فنحفظها، ثم نرجع إلى أصل سهام الفريضة، وهي [عشرة] (3) ، فنضربها في الاثنين والسبعين الذي جعلناه مثالاً، فيبلغ سبعَمائة وعشرين، فهي المال، ثم نضرب النصيب وهو ثمانية وخمسون في نصيب أحد البنين من أصل الفريضة وهو واحد، فيكون ثمانية وخمسين، فهي النصيب.
وطريق الاختصار تجيء في كل طريق أدَّت إلى البسط إذا أمكن الاختصار.
6793- طريق الدينار والدرهم: أن نجعل المال ثمانية دنانير وثمانية دراهم، فنجعل النصيب ديناراً والتكملة درهماً، ثم نأخذ ثلث المال، وهو ديناران وثلثان ودرهمان وثلثان (4) ، فنلقي منه الدينار والدرهم، يبقى دينار وثلثان، ودرهم وثلثان، فنلقي ثلث ذلك بالوصية الثالثة، وذلك خمسة أتساع دينار، وخمسة أتساع
__________
(1) في الأصل: " الباب " وسبق أن سماها طريقة (الندب) ، فأي اللفظين هو الصحيح وأيهما المحرف؟؟ لم أجد مصدراً في هذا الفن نرجع إليه.
(2) في الأصل: ثلث صحيح.
(3) في الأصل: عُشرها.
(4) عبارة الأصل: وهو دينار وثلثان، فنلقي منه ... إلخ. والزيادة والتصويب من المحقق.(10/167)
درهم، يبقى دينار وتسع ودرهم وتسع، نزيده على ثلثي المال وهو خمسة دنانير وثلث وخمسة دراهم وثلث، فيبلغ ستة دنانير وأربعة أتساع، وستة دراهم وأربعة أتساع، وذلك كله يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس يبقى ثلاثة دنانير وخمسةُ أتساع دينار تعدل ستةَ دراهم وأربعةَ أتساع درهم، فابسطها أتساعاً تكون الدنانير اثنين وثلاثين والدراهم ثمانية وخمسين، فاقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار وهو النصيب ثمانية وخمسين، فالدرهم وهو التكملة اثنين وثلاثين، ومجموعهما ثمن المال، فهما إذاً [تسعون] (1) ، والمال سَبعُمائة وعشرون.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب إلا جزءاً مما بقي من المال
6794- مضمون الفصل الجمع بين الوصية بالتكملة وبالنصيب مع استثناء جزءٍ من النصيب، والجزء مما تبقى من المال.
المثال: عشرة بنين وقد أوصى بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، ولآخر بمثل نصيب أحدهم إلا عشرَ ما بقي من المال.
الحساب بالجبر: أن ندفع ثمن المال بالنصيب والتكملة، ونسترجع بالنصيب (2) مثل عشر الباقي، ونقدر المال ثمانين، حتى إذا أخرجنا الثمنَ، كان [للباقي عُشرٌ] (3) فنُخرج عُشرَه، ونسترجع الباقي. وهو سبعون وعُشرُها سبعة، فمجموع المال بعد إخراج النصيب والاسترجاع منه سبعة وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من المال، وذلك يعدل عشرة أنصباء، فنبسطهما بأجزاء الثمانين، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال ثمانمائة، والنصيب سبعة وسبعين.
الامتحان: نأخذ ثمن المال وهو مائة، ونلقي منها النصيب، يبقى ثلاثةٌ وعشرون، وهي التكملة، فندفع التكملة إلى صاحبها، وندفع النصيب إلى الموصى
__________
(1) في الأصل: سبعون.
(2) كذا. والمعنى: من النصيب.
(3) في الأصل: كان الباقي عشرة.(10/168)
له، ونسترجع عشر الباقي والباقي سَبعُ مائة، وعُشرها سبعون، يتبقى لصاحب النصيب سبعة أسهم هي وصيته، فالوصيتان إذاً ثلاثون سهماً، نُسقطها من المال وهو ثَمانمائة، يبقى سَبعُمائة وسبعون بين عشرة بنين، فلكل واحد منهم سبعة وسبعون.
6795- طريقة الدينار والدرهم: نجعل ثمنَ المال ديناراً ودرهماً، للنصيب دينار، والتكملة درهم، ونسترجع من الدينار مثلَ عُشر الباقي، ونزيده على الباقي من المال، والمسترجع من الدينار المخرج بالنصيب سبعة أعشار دينار وسبعة أعشار درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس، يتبقى ديناران وثلاثة أعشار دينار، تعدل سبعة دراهم وسبعة أعشار درهم، فنبسطها أعشاراً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيصير الدينار سبعة وسبعين، وهي النصيب، والدرهم [ثلاثة وعشرون] (1) وهي التكملة، وهما جميعاً ثمن المال، وذلك مائة، والمال ثَمانُمائة كما تقدم.
6796- طريقة الباب: أن نطلب عدداً له ثمن، وللباقي منه بعد الثمن عُشر، وذلك ثمانون، فندفع ثمنَها للنصيب والتكملة، ونسترجع من النصيب عُشر الباقي، وهو سَبعة، [فنضمها إلى ما بقي بعد الثمن] (2) ، فيبلغ سبعة وسبعين، فذاك يعدل كلَّ سهم من سهام الفريضة، ثم نقيم سهام الفريضة وهي عشرة، فنضربها فيما جعلناه مثالاً للمال، وهو ثمانون، فيبلغ ثَمانمائة، فهي المال، ثم نضرب نصيب كلِّ ابن من العشرة، وهو واحد فيما كان يعدل كل سهم من سهام الفريضة، فيردّ ضرب الواحد في [السبعة] (3) والسبعين سبعة وسبعين.
6797- وحساب المسألة بطريق القياس: أن نقدِّر المالَ في وضع المسألة ثمانين على القياس المقدم في الطرق، فإنا نقول: إذا ذهب الثمن بالنصيب والتكملة، وجب أن يكون الباقي عدداً له سبع صحيح وعشر، فنجعله سبعين، وزد عليها عُشرَها فيصير سبعة وسبعين، وهي بين عشرة بنين لكل واحد منهم سهم وسبعة أعشار سهم، هذا
__________
(1) في الأصل: ثلاثة عشر.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) في الأصل: الستة. وهو خطأ واضح.(10/169)
هو النصيب، فنعود ونجعل النصيب سبعة أسهم وسبعة أعشار سهم، والباقي إلى تمام العشرة [سهمان] (1) وثلاثة أعشار سهم، هي التكملة فنبسطها أعشاراً فيكون النصيب سبعة وسبعين والتكملة ثلاثة [وعشرون] (2) كما تقدم.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب إلا جزءاً مما تبقى من جزء من المال
6798- المثال: عشرة بنين وقد أوصى بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب إلاثلث ما تبقى من الثلث.
فحساب المسألة بطريق الجبر: أن نأخذ ثمن المال للتكملة [و] (3) النصيب، ثم نأخذ ثلث المال بعد ذلك ونلقي منه الثمن، ونسترجع من النصيب مثل ثلث الباقي من الثلث بعد إلقاء الثمن.
[فنأخذ] (4) عدداً إذا ألقي منه الثمن، كان [للباقي] (5) منه ثلث، فعلى هذا التقدير المال اثنان وسبعون والثلث أربعة وعشرون، وإذا ألقينا منه ثمنَ المال وهو تسعة، بقي خمسةَ عشرَ، فزد عليها ثلثها لأجل الاستثناء، تبلغ عشرين، فنزيده على ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية وستين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال يعدل عشرة أنصباء، فاضرب الجميع في اثنين وسبعين، فاقلب العبارة والاسم فيهما، فيصير المال سَبع مائة وعشرين، والنصيب ثمانية وستين.
الامتحان: نأخذ ثمن المال وهو تسعون، ندفع منها نصيباً، وهو ثمانية وستون، الباقي اثنان وعشرون، وهي التكملة، ثم نلقي هذا الثمن من ثلث المال وثلث المال
__________
(1) في الأصل: سهم.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: أو.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: الباقي. وقد تكرر هذا في مسائل كثيرة، هو خللٌ يسير في الشكل ولكنه بعيد الأثر والخطر.(10/170)
مائتان وأربعون، فإذا حططنا منها الثمن، وهو تسعون، تبقى مائة وخمسون، نسترجع منها ثلثها وهو خمسون، [ونطرحه] (1) من النصيب، يبقى لصاحب النصيب ثمانية عشر سهماً وهي وصيته، فالوصيتان جميعاً أربعون سهماً، نلقيها من المال يبقى ستمائة وثمانون بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثمانية وستون.
وهذه الأنصباء مع الوصيتين متفقة بالأنصاف، فنرد كلَّ واحد منهما إلى نصفها اختصاراً، وتصح المسألة من ثَلاثمائة وستين. النصيب أربعة وثلاثون، والتكملة [أحدَ] (2) عشر، ووصية صاحب النصيب بعد الاسترجاع منه تسعة أسهم.
6799- طريقة الباب: أن نطلب عدداً له ثمن وثلث، وإذا ألقي ثمنه من ثلثه، كان للباقي من الثلث ثلث، وذلك اثنان وسبعون، فنأخذ ثلثه: أربعة وعشرين، ونلقي منه ثمن المال، وهو تسعة تبقى خمسة عشر، فنزيد عليها مثل ثلثها؛ من جهة الاستثناء، فيبلغ عشرين، فنزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وأربعون، فيبلغ ثمانية وستين، وهي تعدل كل سهم من سهام الفريضة، ثم نقول: أصل فريضة البنين عشرة، فنضربه فيما جعلناه مثالاً للمال، وهو اثنان وسبعون، فيصير المال سَبع مائة وعشرين، ونضرب نصيب كل ابن فيما يعدل كلَّ سهم، وذلك ثمانية وستون، فيرد هذا المبلغ؛ فإن نصيب كل ابن واحدٌ، [وتلتقي] (3) الطرقُ بعد هذا في الامتحان، وطريق الاختصار.
6800- وحساب المسألة بطريق القياس: أن نقول: ثمن المال نصيب وتكملة في وضع المسألة، والباقي سبعة أثمان المال يجب أن يزاد عليها لأجل الاستثناء ثلث ما بين الثلث والثمن، وذلك خمسة أجزاء من اثنين وسبعين جزءاً من المال، فيكون الباقي من المال بعد الوصيتين ثمانية وستين جزءاً من اثنين وسبعين، فنقسم الثمانية والستين على عشرة بنين، لكل واحد منهم ستة وثمانية أعشار، فهذا هو النصيب،
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: أربعة.
(3) في الأصل: ونلقي.(10/171)
والباقي إلى تمام التسعة، وهي ثمن المال اثنان [وعُشْران] (1) وهي التكملة، فنبسطها أعشاراً فيكون النصيب ثمانية وستين والتكملة اثنين وعشرين، والمجموع تسعون، وهي ثمن المال، فالمال إذاً سَبعُمائة وعشرون.
6801- ونقول في طريق الدينار والدرهم: ثمن المال دينار ودرهم: النصيب دينار، والتكملة درهم، ثم نأخذ ثلث المال، وهو ديناران وثلثا دينار ودرهمان وثلثا درهم، فنلقي منه النصيب والتكملة، يبقى دينار وثلثا دينار ودرهم وثلثا درهم، فنزيد عليه مثلَ ثلثه استثناء من النصيب، وذلك خمسة أتساع دينار وخمسة أتساع درهم، فيبلغ دينارين وتسعي دينار، ودرهمين وتسعي درهم، فنزيده على ثلثي المال، فيبلغ سبعة دنانير وخمسة أتساع دينار، وسبعة دراهم وخمسة أتساع درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس يبقى ديناران وأربعة أتساع دينار تعدل سبعة دراهم وخمسة أتساع درهم، فنبسطها أتساعاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثمانية وستين، والدرهم اثنين وعشرين، وتلتقي الطرق بعد ذلك.
فصل
في الوصية بالنصيب إلا التكملة
6802- المثال: رجل له خمسة بنين، فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا تكملة الثلث بنصيب أحدهم.
فحساب المسألة بطريق الجبر: أن ندفع إلى الموصى له نصيباً، ونسترجع من النصيب تكملة [الثلث] (2) ، والعبارة عن تكملة الثلث أن نقول: نُخرج نصيباً، ونسترجع ثلث مال إلا نصيباً. هذا هو العبارة عن التكملة، ثم العبارة في مراسم الجبر فيها أدنى تفرع من هذه المسألة، ولكنها جارية على قواعد الجبر، ثم هي خارجة على التحقيق، مُفضية إلى الصواب.
__________
(1) في الأصل: وعِشرون. وهو خطأ كبير.
(2) في الأصل: الثلثين.(10/172)
فنقول إذاً: [نقدّر] (1) نصيباً ونستثني منه ثلثَ مال إلا نصيباً، فيحصل للوصية نصيبان إلا ثلث مال، وقد يقول المبتدىء: كان الوصيةُ نصيباً، فاستثنيا منه، والاستثناء إسقاط، فكيف صار بعد الإسقاط نصيب، فنقول: هذا أولاً خارجٌ على عبارات الجبر؛ فإنا استثنينا من النصيب ثلثاً إلا نصيباً، فالنصيب مستثنىً من الثلث، فإذا أضفنا ذلك إلى النصيب المخرج، كان النصيب المنفي عن الثلث مثبتاً في جانب الوصية، فالذي يقتضيه هذا اللفظ أن نثبت في جانب الوصية نصيباً، ثم نتلفظ به أولاً. هذا حكم اللفظ في مسالك الجبر، وإذا رُدَّ الأمرُ إلى التحقيق، يستبين عند نجاز الطريقة أن نصيباً واحداً الاستثناء منه أكثرُ (2) من نصيبين مع استثناء ثلث المال منهما.
فنعود بعد هذا التنبيه، ونقول: نخرج نصيباً ونستثني منه ثلثاً إلا نصيباً، فيحصل معنا نصيبان إلا ثلث مال، وهو الوصية، ونسقطه من المال، [وإذا] (3) أسقطنا نصيبين إلا ثلث مال من مال، فيبقى معنا مال وثلث مال إلا نصيبين؛ فإن كل مذكور فيه استثناء إذا أضيف إلى غيره، يصير المنفي في المضاف إليه إثباتاً (4) ، فإذاً معنا مال وثلث مال إلا نصيبين، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنجبر المال بالنصيبين، فيكون مال وثلث مال [يعدل سبعة] (5) أنصباء؛ فإن الأنصباء كانت خمسة، فلما جبرنا المال بنصيبين، زدنا على الأنصباء نصيبين، وابسط الجميع أثلاثاً، واقلب الاسم فيهما، فيكون المال أحداً وعشرين، والنصيب أربعة.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو سبعة، فندفع منها نصيباً، وهو أربعة أسهم
__________
(1) في الأصل: تقرر.
(2) كذا والعبارة فيها اضطراب، والمعنى -فيما نقدّر- أن استثناء التكملة من نصيب واحد يساوي استثناء الثلث من نصيبين، كما ظهر في نتيجة المسألة، فالنصيبان ثمانية، والثلث سبعة، فإذا استثنيناه من الثمانية بقي واحدٌ وهو الوصية، وهكذا الحال إذا استثنينا التكملة وهي (ثلاثة) من النصيب الواحد يبقى (واحدٌ) أيضاً.
(3) في الأصل: وإلا.
(4) كذا. ولعلها: مثبتاً.
(5) في الأصل: معاً ولا تسعة.(10/173)
إلى الموصى له بالنصيب، ونسترجع منه فَضْلَ ما بين الثلث والنصيب، وذلك ثلاثةُ أسهم، يبقى منه سهم واحد، وهو وصيته، نُسقطه من المال، يبقى عشرون بين البنين، على خمسة: لكل واحدٍ منهم أربعة، وهو النصيب الذي خرج.
6803- حساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ثلثَ المال ديناراً ودرهماً، ونجعل النصيب ديناراً، فندفعه إلى الموصى له، ونسترجع منه درهماً؛ لأن التكملة درهم، يبقى من الثلث درهمان: درهم قدرناه مع الدينار، ودرهم استرجعناه من الدينار، فنزيدهما على ثلثي المال، فيبلغ دينارين وأربعة دراهم، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي خمسة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس، تبقى ثلاثة دنانير تعدل أربعة دراهم، فنقلب الاسم في الجنسين، فنجعل الدينار أربعة، وهي النصيب، والدرهم ثلاثة وهي التكملة، فالثلث سبعة، والمال أحدٌ وعشرون، كما خرج بطريق الجبر.
فصل
في الوصية بالتكملتين
6804- رجل له خمسة بنين وبنت، فأوصى لرجل بتكملة ثلث مال بنصيب ابن، وأوصى لآخر بتكملة سدس مال بنصيب البنت.
فنأخذ في مسلك الجبر مالاً، وننقص منه الوصيتين، وإحدى الوصيتين ثلث مال إلا [نصيبين] (1) ، لأن لكل ابن في فريضة الميراث سهمان، وكل سهم نصيبٌ في العبارة؛ فإذاً هذه الوصية ثلث مال إلا نصيبين، والوصيةُ الثانية سدس مال إلا نصيب؛ لأن حصة البنت سهم واحد، وإذا استثنينا الوصيتين كذلك من المال، بقي معنا نصف مال، وثلاثة أنصباء؛ فإن [ما ننفيه] (2) في الاستثناء إثبات في المستثنى [منه] (3) ، وما نثبته في
__________
(1) في الأصل: وصيتين.
(2) في الأصل " ما نبقيه ".
(3) زيادة من المحقق.(10/174)
الاستثناء نفيٌ عن المستثنى عنه، وقد أثبتنا ثلثاً وسدساً في الاستثناء، ومجموعهما نصف المال، فنفيناه في العبارة عن المستثنى عنه، وذكرنا في الاستثناء نَفْيَ ثلاثة أنصباء، فأثبتناها في المستثنى عنه، فبقي إذاً معنا نصف مال وثلاثة أنصباء تعدل أنصباء الورثة، وهي أحدَ عشر نصيباً، هذه فريضة الميراث، فنسقط الجنس بالجنس، يبقى نصف مال يعدل ثمانية أنصباء، فالمال كله يعدل ستة عشر سهماً، ولكن لا سدس [لها] (1) ولا ثلث ولها نصف، وإذا ضربنا ذلك في ثلاثة، فيكون لمبلغها ثلث وسدس، فيبلغ ثمانيةً وأربعين، فهي المال، فيصير كل نصيب ثلاثة بالضرب في مخرج الثلث.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو ستة عشر، ونسقط منه نصيبين يبقى عشرة، فهي وصية الأول؛ فإن العشرة تكملة الثلث، ثم نأخذ سدس المال ثمانية، ونلقي منها نصيبَ البنت، وهو ثلاثة، يبقى خمسة، وهي وصية الثاني، فإنها تكملة السدس، والوصيتين جميعاً خمسةَ عشرَ، فأسقطهما من المال، تبقى ثلاثة وثلاثون سهماً، بين خمسة بنين وبنت، للذكر مثل حظ الأنثيين: لكل ابن ستة وللبنت ثلاثة.
ولو كانت المسألة بحالها، فأوصى معهما لآخر بثمن ما تبقى من ثلثه، فخذ ثلث المال، وانقص منه تكملة الثلث، وهي ثلث مال إلا نصيب ابن، وهو في الحقيقة نصيبان، كما ذكرنا، وانقص منه أيضاً تكملة السدس، وهي سدس مال إلا نصيب البنت، وهو سهم واحد، تبقى ثلاثة أنصباء إلا سدس مال، هذا هو الباقي من الثلث، فادفع ثمنه إلى الموصى له الثالث، وذلك ثلاثة أثمان نصيب إلا ثمن سدس مال، يبقى نصيبان وخمسة أثمان نصيب إلا سبعة [أثمان] (2) سدس مال، فنزيده على ثلثي المال، فيكون خمسة وعشرين (3) جزءاً من ثمانية وأربعين جزءاً من مال ونصيبين
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) جاءت الـ (خمسة وعشرين) من جَبْر المسألة، حيث كانت هكذا: 5/8 2 نصيب - 7/8 سدس مال. ومعلوم أن سبعة أثمان السدس تساوي 7/48، ومعلومٌ كذلك أن 2/3 المال يساوي 32/48، فتصبح المسألة هكذا 5/8 2 نصيب - 7/48 + 32/48 فبعد إسقاط الناقص من الزائد تصير: 5/8 2 نصيب + 25/48 = 11 نصيباً.(10/175)
وخمسة أثمان نصيب، تعدل أحدَ عشرَ نصيباً، فنسقط الجنس بالجنس، ونضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهي ثمانية وأربعون، ونقلب الاسم فيهما، يصير المال أربع مائة واثنين، والنصيب خمسة وعشرين، ولم نبسط القول في البيان؛ فإن من انتهى إلى هذا الموضع وتكررت عليه المسائل، لم يخف عليه هذا.
والامتحان: نأخذ ثلث المال وهو مائة وأربعة وثلاثون، ونلقي منها نصيب الابن وهو خمسون، وله سهمان كل سهم خمسة وعشرون، فتبقى أربعة وثمانون: هي وصية صاحب تكملة الثلث.
ثم نأخذ سدس المال، وهو سبعة وستون، ونلقي منها نصيبَ البنت، وهو خمسة وعشرون، يبقى اثنان وأربعون هي وصية صاحب تكملة السدس، فالوصيتان جميعاً تبلغ مائة وستة وعشرين، أسقطها من ثلث المال، وهي مائة وأربعة وثلاثون تبقى من الثلث ثمانية أسهم، فندفع ثمنها وهو سهم واحد إلى الموصى له الثالث، تبقى سبعة أسهم، فنزيدها على ثلثي المال، وهو مائتان وثمانية وستون، فيصير مائتين وخمسة وسبعين، بين خمسة بنين وبنت، لكل ابن خمسون، وللبنت خمسة وعشرون.
فصل
في الوصية بالتكملة واستثناء تكملة أخرى منها.
6805- المثال: أربعة بنين وقد أوصى بتكملة ثلث مال بنصيب أحدهم إلا تكملة ربع ماله بالنصيب.
فنأخذ ثلث مال وننقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، وهذا تكملة الثلث، فاحفظها ثم خذ ربعَ مال، وانقص منه نصيباً، يبقى ربعُ مال إلا نصيباً، هذه تكملة الربع، فانقصها من تكملة الثلث، وهو ثلث مال إلا نصيب، فيبقى نصف سدس مال، ونسقط الاستثناء جرياً على ما مهدناه، من أن النفي إذا أضيف إلى المستثنى عنه صار إثباتاً، فيثبت نصيب بسبب إضافة ربع مال إلا نصيب إلى ثلث مال إلا نصيب، فنجبر ما في ثلث المال من استثناء النصيب بما اقتضته الإضافة من إثبات(10/176)
النصيب، فيبقى نصف سدس مال، فنسقطه من المال، فيبقى أحد عشر جزءاً من اثني عشر جزءاً من مال يعدل أربعة أنصباء، فاضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهي اثني عشر واقلب الاسم فيهما، فيصير المال ثمانية وأربعين، والنصيب أحد عشر.
وامتحانه: أن نأخذ ثلث المال وهو ستةَ عشرَ، ونلقي منها النصيبَ، وهو أحد عشر يبقى خمسة، فاحفظها، ثم نأخذ ربع المال، وهو اثنا عشر ونلقي منها النصيبَ، وهو أحد عشرَ، يبقى واحد، وهو تكملة الربع، فأسقط هذه التكملة من التكملة المحفوظة، تبقى أربعة، وهي الوصية وهي مثل نصف سدس المال، فأسقطها من المال، وهو ثمانية وأربعون، تبقى أربعة وأربعون بين أربعة بنين، لكل واحد منهم أحدَ عشرَ.
وإن كانت المسألة بحالها، فانضمَّ إليها أنه أوصى أيضاً لآخر بثلث ما تبقّى من ثُلثه، فخذ ثلث المال وانقص منه نصيباً تبقى ثلث مال إلا نصيباً هذه تكملة الثلث، وانقص منه تكملة الربع، وهو ربع مال إلا نصيباً يبقى نصف سدس مال، فانقصه من الثلث، يبقى ربع مال، فادفع ثلثه إلى الموصى له الثاني، يبقى من الثلث سدس مال، وكل واحدة من الوصيتين، نصف سدس، والوصيتان سدس مال، والباقي من المال بعدهما خمسة أسداس مال يعدل أربعة أنصباء، فابسطها أسداساً، واقلب الاسم فيهما فيكون المال أربعةً وعشرين، والنصيب خمسة.
ثم نأخذ الثلث ثمانية ونلقي منها النصيب، يبقى ثلاثة، فهي تكملة الثلث بالنصيب، فنسقط منها تكملةَ الربع، والربع ستةٌ، والنصيب منها خمسة، وتكملة الربع سهم، فأسقط تكملة الربع من تكملة الثلث يبقى اثنان، وهو وصية الأول، فأسقطها من ثلث (1) المال وهو ثمانية، تبقى ستة، فادفع ثلثَها، وهو أيضاً سهمان إلى الموصى له الثاني، تبقى أربعة فردها على ثلثي المال، وهو ستة عشر فيبلغ عشرين، فهو بين أربعة لكل واحد منهم خمسة، وهي النصيب الخارج.
__________
(1) في الأصل: ثلثي.(10/177)
وقد أطلقنا [القول] (1) في هذه الأبواب تعويلاً [على] (2) فهم الفاهم، فأما ذكرنا أجزاءَ بعد وصايا، وذكرنا استثناءً بعد وصايا، ولم (3) نتعرض للنصيب والوصية، وفرّعنا على المذهب الظاهر في أن المطلق محمول على الوصية، فليتبين الناظر ذلك.
وقد نجز القول في فصول التكملة [وما] (4) يتعلق بها.
القول في الوصايا المشتملة على الجذور والكعاب
6806- جمع الحُسّاب في هذه المقالة فصولاً وضعيّة (5) ، وخرّجوها على طريق الحساب، وطلبوا في بعضها تصحيحَ المسألة من عددٍ صحيح، يشمل الوصايا وفرائض الورثة، وقد يخرجوها (6) إذا دقّ الحساب من الكسور اكتفاءً بها، ولم يتعرضوا لحظ الفقه منها، وطردوها طردَ من لا يبغي إلا الحساب، وقد قضّيت العجب في مجاريها من الأستاذ أبي منصور؛ فإنه كان جمع إلى الإمامة في الحساب حُظوة صالحة في نقل مذاهب الفقهاء، وقد تفطن لدقائق فقهية في خَلَلِ الطرق الحسابية، وقدمنا بعضها فيما سبق من الأبواب، حتى إنه فصّل ما لم يتعرض الفقهاء لتفصيله، ولا بد من تفصيله، وهو كفَرْقه بين الوصية بجزءٍ بعد النصيب، وبين الوصية بجزء بعد الوصية، وبين الإطلاق، وقد ذكرتُ ذلك، وأوضحتُ أنه لا يطلع على حقيقة [هذه] (7) الأبواب من لم يحط بها.
ثم إنه مع قدره العليّ [عمي] (8) عن أصلٍ عظيم في فقه الوصايا، وأخذ يتتبع وضع
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: في.
(3) جواب (أما) بدون الفاء، وهي لغة كوفيّة، كما أشرنا مراراً.
(4) في الأصل: "ومما".
(5) وضعية: أي تقديرية افتراضية.
(6) كذا بحذف نون الرفع تخفيفاً، وهو ثابتٌ في الكلام الفصيح نثره ونظمه، وعليه شواهد من صحيح البخاري. (ر. شواهد التوضيح والتصحيح: 228) .
(7) زيادة من المحقق.
(8) في الأصل: عمل.(10/178)
الحُسَّاب اتّباعَ من لا يكترث بالفقه، ولا يجعله من باله، والظن به وكل من يرجعُ إلى حاصلٍ في الفقه حملُ فصول هذه المقالة على وضعٍ وتقديرٍ من جهة السائل، كما سنصفه، إن شاء الله تعالى.
6807- ونحن لا نجد بداً من ذكر قاعدة في الفقه نُصدِّر المقالةَ بها، ثم نرجع إلى مسالك الحساب، ونبيّن وضعَها في الوضع، وما يفتقر إليها [الجري] (1) على المسائل الفقهية، ونخرج عما [يتفاوض] (2) به الحُسَّاب.
6808- فنقول: الخائض في هذه المقالة ينبغي أن يكون على ذُكره أصلان من فقه الوصايا: أحدهما - أنه إذا أوصى [رجل] (3) بوصية، وكانت متردِّدة بين الصحة والفساد، فهي محمولةٌ على الصحة، ومن شواهد ذلك أن من أوصى بطبلٍ من طبوله، وكانت له طبول تجري مجرى المعازف [كالكوبة] (4) ، فلا تصح الوصية بها، كما لا تصح الوصية بالمعازف، ولو قيل الوصية بطبل الحرب، لصحت. فإذا أطلق الوصيةَ، فهي مترددةٌ من جهة اللفظ واللسان بين الفساد والصحة، فهي محمولة على الصحة، وهذا متعلق [أصحاب] (5) أبي حنيفة في مسألة مُدّ عجوة، ومعتمدنا ومرجوعنا في ذلك أن الوصية تصح مع التردد في جهات الصحة، والبيع لا يصح مع الترديد في جهات الصحة، فكيف يصح الترديد في جهة الصحة والفساد؟ فهذا هو الذي قطعنا به البيع عن الوصايا.
وإلا، فلسنا ننكر أن ما يقبل الترديد في وضعه إذا تردد بين الصحة والفساد، حُمل على الصحة؛ فإن من يُطلق عقداً يبغي تصحيحَه، فلا يُحمل لفظُ ذي جِدّ مُطْلِقٍ عقداً شرعياً على غير الصحة، إذا أمكنت الصحة.
__________
(1) في الأصل: التجري.
(2) في الأصل: يتعاوض (بالعين) .
(3) في الأصل: لرجل. (ولا معنى لزيادة اللام هذه) .
(4) " الكوبة " الطبل الصغير المخصَّر. (المصباح) .
(5) في الأصل: بأصحاب.(10/179)
6809- واختلف قول الشافعي رضي الله عنه في أصلٍ، نشير إليه، ونستقصيه في موضعه، إن شاء الله تعالى، وهو أن من أوصى بثلثٍ من دارٍ، ولم يقل: أوصيت بالثلث الذي لي منها، وكان لا يملك من الدار إلا ثلثَها، فهل تنزل الوصية على جميع ثلثِه، أم تُقدّر مضافةً إلى الثلث الشائع مما يملك ومما لا يملك؟ حتى لا تصح الوصية إلا في ثلث الثلث؛ فإن له من كل ثلث من الدار ثلثاً.
هذا فيه اختلافُ قولٍ.
وقد ذكرنا ترددَ الأصحاب في [مثله] (1) لو عَرَضَ في البيع، فمن يرى تنزيل الوصية على الثلث المملوك، يعتمد ما مهدناه من حمل الوصية على الصحة إذا ترددت بين جهة الصحة، وبين الفساد.
ومن أشاع الثلث، تمسك بموجب اللفظ، واكتفى باكتفاء الوصية بالثلث؛ فإنها تصح في ذلك الجزء ولا تبطل رأساً.
هذا قولنا في أصل الوصية، وهو أحد الأمرين اللذين رأينا إجراءهما في الذكر في فصول هذه المقالة؛ حتى لا [يبتدر] (2) الناظر إلى إبطال الوصية إذا عنّت له مسألة مردّدةٌ بين الصحة والفساد.
6810- والأصل الثاني: إذا جرى في لفظ الموصي (3) لفظ يتردد بين القليل والكثير، فهو محمول عند الشافعي رضي الله عنه على الأقل، ومن أصله في ذلك، تركُ المبالاة بما يُجريه الفقهاء من ألفاظهم، ولا يحمل عليه الألفاظَ المطلقةَ في الوصايا.
6811- وبيان ذلك أن الوصية بالسهم المطلق لا تحمل على سهمٍ من سهام فريضة ميراث الموصي، وإن ساغ هذا اللفظ في تفاوض الفقهاء.
__________
(1) في الأصل: في مثل.
(2) في الأصل: يتبدل.
(3) في الأصل: الموصى له.(10/180)
وكذلك إذا أوصى لإنسان بنصيبٍ، فقد يَسيغ (1) في ألفاظ الفقهاء ذكر النصيب على إرادة حظِّ بعض الورثة، ولكن لا مبالاة بذلك عند الشافعي، كالوصية بالسهم والنصيب، كالوصية بالشيء المطلق، أو كالوصية بمال.
والوصايا في ألفاظها في هذا المساق تجري مجرى الأقارير، وقد مهدنا أصلَ المذهب في الألفاظ التي يُطلقها المقرون، وبيّنا أنها محمولةٌ على الأقل.
6812- فقد خرج من هذا الضبط أنا لا نعطِّل لفظَ الموصي، ولكنا لا نحكم بحمله على مقدارٍ مع صلاحه لما دونه.
6813- وهذا الذي ذكرناه يأتي مشروحاً، إن شاء الله عز وجل، فقد انقضى [غرضُ] (2) الكتاب [ولم ينقض] (3) الحساب، ولكنا ذكرنا مقدار الحاجة؛ حتى نُخرّج عليه ما أطلقه الحُسّاب في مسائل هذه المقالة.
والوجه أن نَجري على المراسم المقدّمة في الحساب، فنذكر المقاصد في فصولٍ، ثم نصدّر كلَّ فصلٍ بمسلكِ الفقه، ثم نذكر طريقَ الحُسَّاب، ونبين وجه ضعفها على موافقة الفقه.
فصل
في الوصية بجذور الأموال
6814- الجذور عبارةٌ استعملها الحُسَّاب، فقد ذكرنا مرادَهم بها، و [هي] (4) تنزل في الحساب منزلةَ الألفاظ الاصطلاحية بين كل فريق، فإن أطلقه حاسب، وتحققنا أنه أراد به مذهب الحُسَّاب، أو صرح بأني أردت ذلك، فهذا مما يتعين التأمل فيه، فإذا
__________
(1) الفعل واوي، ويائي.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) لا يستقيم الكلام بغير هذه الزيادة. ونرجو أن تكون قريبة من لفظ المؤلف. وهذا من العناء الذي يتحمله من يحقق النص عن نسخة وحيدة.
(4) في الأصل: وهو.(10/181)
قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، [لاح] (1) أنه أراد به المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه، ردّ المال على قياس تضعيف الضرب. وإن كان ماله دراهم أو دنانير، [وقد] (2) تبين أنه أراد التعرض لزنتها، ولتعدد الدراهم أو الدنانير في الموازين، فلا إشكال مع ظهور الغرض.
6815- ويبقى وراء ذلك النظرُ في كَوْن المبلغ ذا جِذرٍ مُنطق، وهو الذي يسمى المجذور، وفي كونه أصمَّ، وهو الذي ليس له جذر منطق، فإن كان مجذوراً، فالوصية -مع التقييدات التي ذكرناها- محمولةٌ على المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه رَدّ المال.
وإن كان المال أصم كالعشرة، وما في معناها، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر مالي وأراد مذهب الحسّاب، فلا ينبغي أن يصير صائرٌ إلى إبطال الوصية ذهاباً إلى أن المال غيرُ مجذور [به لا جذر المال المجلف] (3) ؛ فإن لكل مبلغ جذراً، وإن كان يعسر النطق به، وجذر الأشكال الصُّمّ يبين بالهندسة وبراهينها، فأصل الجذر لا يُنكر وإنما العسر في النطق بمقداره، فيجب حمل الوصية على الصحة؛ بناء على ما ذكرناه من أن الوصية إذا ترددت بين الصحة والفساد، فهي محمولة على الصحة.
هذا حيث يتقابل وجهُ الصحة ووجه الفساد، كما ذكرناه في الوصية بالطبل.
6816- فأما الجذر فليس من هذا القبيل؛ فإن [المبالغ] (4) في التحقيق كلها مجذور، وإنما تنقسم في كونها صُمَّاً، أو منطقة، فإذا وجب حملُ وصيةٍ على جذرٍ أصم، أو صرح الموصي بذلك، [فالمقدار] (5) المستيقن الذي يتأتى النطق به ثابت
__________
(1) في الأصل: ولاح.
(2) في الأصل: " فقد ".
(3) العبارة بين المعقفين هكذا رسمت. والسياق واضح بدونها، ولعلها: " فإنه لا جذر للمال المخفف ".
(4) في الأصل: " المبلغ ".
(5) في الأصل: " والمقدار ".(10/182)
لا شك فيه، وهذا كالثلاثة والموصى به جذر العشرة؛ فإنها ثابتة لا مراء في ثبوتها، وكذلك يَثبت الكسر المستيقن بعد الثلاثة.
والوجه في ذلك مراجعةُ حسوب؛ حتى يذكر على أقصى الإمكان في التقريب مبلغاً، إذا ضرب في نفسه رد العشرة، إلا مقداراً نزراً، فإذا قل ما بقي من الكسور فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة، حتى إذا بقي من الكسور عُشر درهم، فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة.
هكذا تقع جذور الكسور.
وإذا قربنا جهدنا، لم نُبقِ إلا مقداراً لا ينضبط، ولا ينفصل الأمر فيه إلا بالتراضي والاصطلاح.
والقول فيه كالقول في الوصية بمالٍ في مذهب الفقه؛ فإنه منزل على أقل ما يتموّل، وقد ذكرنا ذلك في الأقارير، وأوضحنا فيما يتمول وما لا يتمول ما فيه مقنع.
هذا كله إذا كان المالُ ذا عددٍ في الوزن أو الكيل يقدّر مجذوراً [أو] (1) أصم.
6817- فأما إذا أوصى بجذر ماله، وكان ماله مشكَّلاً بتشكل هندسي بأن كان براحاً (2) ، من أرضٍ. ولاح أنه قصد بالجذر [الجذرَ] (3) الهندسي، فاستخراج الجذر بالمساحة ممكن مبرهنٌ، ولا يبقى منه شيءٌ مشكل، ولا معنى للخوض فيه.
و [إذا] (4) كان ماله عبداً أو جوهرةً، فإذا قال: أوصيت بجذر مالي، فلا ينقدح إلا تنزيل وصيته على جذر قيمة ماله، ثم القيمة ترجع إلى أحد النقدين، وهما مقداران (5) .
__________
(1) في الأصل: (و) .
(2) البراح: المتسع من الأرض، لا زرع فيه ولا شجر. (معجم) .
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وإنما.
(5) كذا. والمعنى أن القيمة ترجع إلى مقدارٍ: أَيْ عددٍ من الدنانير، أو عددٍ من الدراهم، " فهما مقداران " أي عددان.(10/183)
وينقسم القول، وراء ذلك إلى المجذور والأصم.
فإن قال قائل: هلا حملتم ذلك على تجزئة المال قدراً؛ إذ لا شيء إلا ويمكن تقدير تجزئته على وجوه مفروضة، فلكل شيء مما يكون مالاً -وهو مقصودنا- ثلثٌ وربعٌ وخمسٌ، وجزء من مائة جزء، وجزء من ألف جزء إلى غير نهاية، وقد يقسم الفَرَضي في البطون المتناسخة جوهرةً على ألف ألف سهم أو أكثر، وإذا أمكن ذلك، فهلا حُملت الوصية المطلقة على هذا القبيل؟.
ثم الأمر في هذا الفن يختلف، فإن نزلنا ما خلّفه على أربعة، فجذرها اثنان، فتقع الوصية بالنصف، وإن جزَّأناها تسعة أجزاء، فجذرها ثلثها، وإن جزأناها ستة عشر جزءاً، فجذرها رُبعها، وإن قدرناها مائة جزءٍاً، فجذرها عشرها، وهكذا إلى غير نهاية في جهة الصعود والترقي؟ قلنا: هذا التقدير بعيدٌ، لسنا نرى حملَ الوصية عليه إذا كانت مطلقةً، إلا أن يصرح الموصي به على الإبهام؛ فإذ ذاك نحمل الوصية عليه، فأما إذا لم يتعرض له، وأطلق المال وجذرَه فتحريره الجوهرة (1) ، ولا حاصل لها، وما يذكر من جذر الأجزاء جذرُ عدد مفروض، وليس جذرَ المال المطلق، وليس العددُ المذكور في تجزئة الجوهرة مخصوصاً بها.
فهذا ما أراه؛ فإن قوله جذر مالي يشعر باختصاصه بماله، وتخصيص الأجزاء جارٍ في كل شيء، وإنّ فرض التجزئة يعم القليل والكثير، والأجناس كلَّها. وإذا بعُد التقدير لم يجز التفسير به.
وهذا يضاهي من قواعد الإقرار ما لو قال: عليّ شيء، ثم [قال] (2) : أردت به أن له علي جوابُ تسليمه (3) ، فهذا غير مقبول.
6818- ومما يتعلق بذلك أن فريضة الموصي لو كانت تقسم من عدد، وكان لذلك العدد جذرٌ منطقٌ، أو أصم، فإذا قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، وماله
__________
(1) كذا. ولعل المعنى: فتفسيره والعمل فيه كالعمل في قسمة الجوهرة.
(2) زيادة من المحقق.
(3) المراد، جواب قوله: السلام عليكم.(10/184)
مقسوم على فريضته المعدَّلة، فلست أرى حمل الجذر على هذا العدد الذي منه تعديل الفريضة؛ فإنه أضاف الجذر إلى ماله، لا إلى العدد الذي تصح منه تركته، فالوجه إذاً ما قدمناه لا غير.
6819- فإذا بان حظ الفقيه في ذلك، فإنا نذكر بعد هذا طريقةَ الحُسَّاب على وجهها، وإذا انتهت، أوضحنا أنها قد تخرج على مراسمهم موافقةً للفقه.
قالوا: إذا أوصى بجذر ماله، فإنا نفرض المسألة عدداً مجذوراً إذا أسقط منه جذره، انقسم المال منه على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بجذر ماله.
قالوا: إذا جعلت المال تسعة، فللموصى له جذرُها: ثلاثة، والباقي بين البنين لكل واحد منهم سهمان. وإن جعلت المالَ ستة عشر، فللموصى له جذرها أربعة، والباقي اثنا عشر بين البنين، لكل واحد منهم أربعة.
هذا كلامهم، ولم يقيدوه بشرط.
وهو بعيد عن مأخذ الفقه، ولو لم يكن فيه إلا فرضُ التسعة [مرة] (1) والستةَ عشر [أخرى] (2) ، وفي فرض التسعة للموصى (3) له الثلث، وفي فرض الستةَ عشرَ للموصى له الربع، لكان في ذلك أصدقُ شاهد على فساد ما قال. ثم الخِيَرةُ لا تقف على عددين، ولا نهاية في جهة الترقي في الأعداد التي إذا أُخذ جذرها، بقي الباقي منقسماً على الورثة، والأقدار تختلف، فكلما كثر العدد المجذور، قلّ الجذر بتجزئة النسبة، ولا وجه لما قالوه قطعاً.
وإن أراد الفقيه استعمال طريقهم، فلا بد من تقييد الوصية بقدرٍ يقتضي ما ذكروه.
وبيانه أن يقول الموصي: افرضوا مالي على عدد أجزاء وأعدادٍ مجذورة إذا خرج
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مكان كلمة تعذر قراءتها، وقدرناها على ضوء ما بقي من الحروف بمعونة السياق، وتوفيق الله من قبل.
(3) في الأصل: في الموصى له.(10/185)
جذره، انقسم الباقي صحيحاً على ورثتي، وخذوا ذلك من أول عددٍ ممكنٍ، فإذا قال ذلك، أخذناه من تسعة، وإن عين مرتبةً أخرى، تعينت.
وإن تفاوض الحسّاب فيما بينهم، ولم يجعلوا أجوبتهم فتاوى الفقه، فليقولوا من هذا ما شاؤوا، ولتستعمل طرقهم للدُّربة في الحساب حينئذٍ.
6820- وإذا بان هذا، فنأتي بباقي المسائل، فلتقع [الوصية] (1) مشروطة بما قدمناه؛ حتى يتميز الفقه عما يحيد عنه.
إذا تركت المرأة زوجاً، وأماً، وثلاث أخوات مفترقات، وأوصت لرجل بجذر مالها، فقد علمنا أن الفريضة تصح عائلةً من [تسعة] (2) ، فاجعل المال عدداً مجذوراً إذا أنقصت منه جذرَه، ينقسم الباقي منه على تسعة قسمة صحيحة، وأقل ذلك واحد وثمانون: جذرها تسعة، فهي للموصى له، والباقي بعد الجذر اثنان وسبعون، بين الورثة على [تسعة] (3) للأم منها ثمانية، وكذلك للأخت من الأب، وكذلك الأخت من الأم، وللزوج منها أربعةٌ وعشرون، وكذلك الأخت لأبٍ ولأمٍّ.
لا يجوز أن يفرض المال مائة وجذرها عشرة، والباقي تسعون بين الورثة، وقد قدمنا أن هذا لا يطابق الفقه.
ولو أوصى بكعب [ماله] (4) ، فاجعل المال عدداً مكعَّباً، إذا أسقط منه كعبه، انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى بكعب ماله.
فإن فرضتَ المال ثمانيةً، فكعبها اثنان للموصى له، والباقي ستة بين الورثة.
وإن فرضت المكعبَ سبعة وعشرين، فكعبها ثلاثة، والباقي بين الورثة، أربعة وعشرون، لكل واحد منهم ثمانية.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: تسعة عشر.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: مائة.(10/186)
وإن أوصى بجذر ماله لرجلٍ، ولآخر بكعب ماله، وخلّف ثلاثةَ بنين، فاجعل المال عدداً يكون له جذرٌ صحيح، وكعب صحيح، ويكون بحيث إذا أُسقط منه جذرُه وكعبُه، انقسم الباقي بين الورثة بلا كسرٍ، وأقل ذلك في هذه المسألة سَبعُمائة وتسعة وعشرين، فللموصى له [بكعبها] (1) كعبُها، وهو تسعة وللموصى له بجذرها جذرُها، وهو سبعة وعشرون، والوصيتان ستةٌ وثلاثون إذا أسقطتها من المال، بقي سِتمائة وثلاثةٌ وتسعون، بين الورثة: لكل واحد منهم مائتان وأحدٌ وثلاثون.
فإن أجاز السائل أن يكون الكسر واقعاً في أنصباء الورثة بعد أن يكون كعب المال وجذره صحيحين، أمكن خروج المسألة من أربعة وستين، [فهي عددٌ مكعّبٌ مجذور] (2) : كعبها أربعة للموصى له بالكعب، وجذرها ثمانية للموصى له بالجذر، والوصيتان اثنا عشر، والباقي من المال اثنان وخمسون، بين الورثة وهو (3) ثلاثة، لكل واحد منهم سبعةَ عشرَ وثلث.
وقد تبين أن هذه المسائل كلَّها وضعيّة (4) ، ولا بد من فرض تقييدٍ، كما نبهنا عليه، لتوافق المسائل الفقهية.
فصل
في الوصية بجذر الأنصباء
6821- إذا ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بجذر نصيب أحدهم، قال الحُسّاب: حسابُ المسألة أن نجعل نصيب كلِّ ابن عدداً مجذوراً، ثم نجمع أنصباء البنين، ونزيد عليها جذرَ نصيب أحدهم، فما بلغ، صحّت المسألة منه.
ثم قالوا: إذا جعلتَ كلَّ ابن واحداً فأنصباؤهم ثلاثة، فإذا زدت عليها واحداً،
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل مكان ما بين المعقفين: في كعب مجذور.
(3) الضمير بالمفرد المذكر على معنى العدد.
(4) وضعيّة أي تقديرية، افتراضية.(10/187)
وهو جذر النصيب؛ فإن الواحد جذرُ الواحد، فالمسألة من أربعة للموصَى له سهم، ولكل ابن سهم.
فإن فرضت نصيب كل ابنٍ أربعة وأنصباؤهم اثنا عشر، فزد عليها [جذرَ] (1) الأربعةَ، وهو اثنان، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فللموصى له اثنان، ولكل ابن أربعة.
6822- وكذلك إذا أوصى بكعب نصيب أحدهم، فاجعل النصيب عدداً مكعباً، ثم اجمع الأنصباء، وزد عليها كعبَ نصيب، فما بلغ، فمنه تصح المسألة، فإذا خلف ثلاثة بنين، وأوصى لرجلٍ بكعب نصيب أحدهم، فإن فرضتَ المكعبَ الذي هو النصيب ثمانية، فأنصباؤهم أربعة وعشرون، فزد عليها كعب الثمانية وهو اثنان، فالمبلغ ستة وعشرون، للموصى له سهمان، ولكل ابن ثمانية.
وإن فرضت النصيب سبعة وعشرين، فإنها مكعب إذا جذرت المال المجذور تسعة، فأنصباؤهم أحدٌ وثمانون، فزد عليها كعبَ النصيب، وهو ثلاثة، فيبلغ أربعةً وثمانين، فللموصى له ثلاثة، وهو كعب سبعةٍ وعشرين، ولكل ابنٍ سبعةٌ وعشرون.
6823- فإن ترك خمسةَ بنين، وأوصى بثلاثة أجذار نصيب أحدهم، فإن فرضت نصيب كل ابن أربعةً، فأنصباؤهم عشرون، فزد عليها ثلاثة أجذار أربعة، وذلك ستة، فالمبلغ ستة وعشرون، فللموصى له ستة، ولكل ابن أربعة.
وهكذا إذا أوصى بعدة كِعاب نصيب، فنجعل نصيب كلِّ واحد من البنين مكعباً، ونضم إلى الأنصباء أعداد الكعاب الموصى بها.
6824- فهذا طريق الباب عند الحُسّاب، ولا يخفى على الفقيه أن ما ذكروه لو فرض في إطلاق الوصايا، لوقع جانباً عن العقد، بعيداً عن مسالكه، ولكن الحُسّاب فرضوا طرق الحساب عند [عدم] (2) تقييد الوصايا، [وما] (3) قدمناه قبل مساق الكلام يدل على أنهم فرضوها مُنطبقةً على سؤال السائل، إذا قال: كيف السبيل الحسابي إلى
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: كما. والمثبت تصرُّف من المحقق.(10/188)
تمهيد عدد في فريضة الميراث والوصية يكون لحصة كل ابن جذر، ويكون لحصة كل ابن كعب؟ فيقولون في جوابه: وجهُ تصوير ما سألت عنه كذا وكذا، ويمهدون عليه وجوهاً من الإمكان، وإلا فلا يستجيز ذو عقلٍ أن يذكر في الوصية المتعلقة مبلغين، أو مبالغ تقلّ الوصايا في بعضها وتكثر في بعضها، فتبين أنهم وضعوا كلامهم أجوبة المسائل عن الإمكان.
وإذا أردنا ردها إلى وقائعِ الفقه، فلا بد من تقييد الوصايا، كما وصفناه فيما تقدم.
6825- فإن قيل: فما الجواب الفقهي فيه إذا قال: أوصيت لفلانٍ بجذر نصيب أحد أولادي، وقد خلف بنين، ولم يقيّد وصيته، وإنما اقتصر على ما ذكرناه؟
قلنا: هذه اللفظة مشكلة، وليست كالوصية بجذر المال مطلقاً؛ فإنا ذكرنا أنه لا يتجه في الوصية بجذر المال إذا لم يكن جنسه مقدّراً بكيل، أو وزن، أو عدد، إلا الرجوعُ إلى قيمة المال، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر نصيب أحد البنين، فهذا ظاهرٌ في ردّ الأمر إلى نسبة قسمة التركة؛ فإن من أوصى بنصيب أحد البنين، وكانوا ثلاثة مثلاًً، فالوصية بالنصيب تُنزل الموصى له منزلةَ ابنٍ زائد، كما تمهد في الكتاب.
فيحتمل أن يقال: يُردّ ذلك إلى العدد الذي تنقسم منه الفريضة، فإن كان حصة كل ابن من ذلك العدد الذي تقع القسمة منه مجذورة، زدنا جذرها، على ما فعله الحساب، وإن لم تكن تلك الحصة مجذورة، فالوصية تقع بجذرٍ أصم، وقد وقع شرح جَذْرِ ذلك.
فأما أن نقدّر القسمةَ من عددٍ تقع حصةُ كل ابن مجذورة ليستقيم قول الموصي: أوصيت لفلانٍ بجذر النصيب، فما أرى الفقيه يسمح بذلك، مع ما أوضحناه من بناء الوصية المطلقة على الأقل.
هذا وجهٌ في الاحتمال.
ويجوز أن يقال: إذا أوصى [بجذر نصيب] (1) أحد البنين، فإنا ننظر إلى ما يخص كلّ واحد من التركة، ونعتبر جذر ذلك الحاصل -منطَّقاً كان أو أصم- ونضمُّه إلى
__________
(1) في الأصل: " بنصيب ".(10/189)
ما منه القسمة، وهذا يوافق أَخْذَ جذرِ العدد الذي يقع حصة لكل ابن.
فأما إذا اعتبرنا القسمة من عددٍ، فالتركة تقسم على ذلك العدد، ثم يكثر الحظ بكثرة التركة، ويقلّ بقلتها، والعدد الذي عدّلت منه الفريضة لا يختلف، ولكن ما يقتضيه تعديل القسمة بين البنين أن نقسم الفريضة على رؤوسهم، فتقع حصةُ كل ابنٍ سهماً واحداً، وجذره سهمٌ، فيكون هذا بمثابة الوصية بنصيب ابنٍ، والحمل على هذا المحمل بعيدٌ؛ فإن ظاهر إضافة الجذر يتضمن كونَ الموصى به جزءاً من النصيب، فإذا فرضنا وراء الواحد عدداً مجذوراً، ونزّلنا على أقل عدد مجذور، كان ذلك تحكُّماً.
فالذي أراه أن الوصية المطلقة بجذر النصيب محمولةٌ على الوصية بجذر حصة كل ابن من المال، ولا ننظر إلى سهام المسألة.
هذا هو الذي لا ينقدح غيرُه في مسلك الفقه.
فصل
في الوصية بجذر النصيب وجذر المال
6826- المثال: ترك الرجل ثلاثة بنين، وأوصى لعمِّه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر جميع المال.
فطريق الحُسَّاب أن نجعل وصيته [لعمه] (1) جذراً، فيكون نصيبُ كلِّ ابن مالاً؛ فإن الجذر عبارةٌ عما إذا ضرب في نفسه رَدَّ مالاً.
وأما وصية الخال، ففيها أمرٌ اصطلاحي وضعيّ للحُسَّاب، ننبه عليه، وذلك أنهم قالوا: إذا أوصى لخاله بجذر المال، وأوصى لعمه بجذر نصيب، فنجعل وصية الخال جذرين، فيكون المال كله على هذا التقدير أربعة أموال، [والا حرـ] من
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) هكذا تماماً في الأصل، بهذا الرسم وبدون نقط (انظر صورتها) .(10/190)
لفظ المطلق، فإذا قيل لك: أربعة، فنأخذ الجذر من [لفظ] (1) الأربعة، وجذر الأربعة اثنان، فقل: جذر أربعة أموال جذران، ومعظم عبارات الجذريين تقع كذلك، ولا يتم الغرض الآن في تقدير جذرين في مقابلة وصية الخال، فليأخذ الناظر ما ألقيناه إليه باتفاق [و] (2) سنبيّن في أثناء الفصل الغرضَ، بياناً يليق بظاهر ألفاظ الحساب، ولا مطمع في ذلك [إلا على] (3) الجبر؛ فإنها تستند إلى قاعدة مشكلة في الهندسة.
فنقول: إذا [كان] (4) المال كله أربعة أموال، والوصيتان ثلاثة أجذار، فانقصها من المال، فتبقى أربعة أموال إلا ثلاثة جذور، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال إلا نصيب كل ابن، فنجبر الأموال الأربعة بثلاثة جذور، ونزيد على عديلها مثلها، ثم نُسقط الجنس بالجنس، فيبقى مال في مقابلة [ثلاثة] (5) جذور.
وإذا قيل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فهذا في قاعدة الجذر والمقابلة بتسعة؛ إذ تقدير الكلام: مالٌ يعدل ثلاثة أجذاره، فالمال تسعة وجذره ثلاثة.
فنعود ونقول: قدرنا أربعة أموال، كل مال تسعة، فمجموعها ستة وثلاثون، فنسقط من المال وصية العم، وهي جذر مال من الأموال التي ذكرناها، فالجذر ثلاثة، ونسقط وصية الخال وهي جذران، وذلك ستة، والستة جذر الستة والثلاثين، يبقى من المال سبعة وعشرون بين البنين، لكل واحد تسعة، وقد أخذ العم جذرَ نصيب واحد، وأخذ الخال مثل جذر المال.
6827- فإن أوصى لعمه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر ما تبقى من مال، فنقول: إذا كان وصية العم جذراً، فنصيب كلِّ ابنٍ مال، فأنصباؤهم ثلاثة أموال، فاحفظ ذلك.
فإذا عرفت ذلك، فاجعل الباقي من المال بعد جذر نصيبٍ أموالاً لها جذور، فإن
__________
(1) في الأصل: جذر.
(2) مزيدة من المحقق.
(3) عبارة الأصل: " ولا مطمع في علة الجبر " والتصرف بالزيادة والتصويب من المحقق.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) زيادة من المحقق.(10/191)
شئت قلت: تسعة أموال، فتكون جملة التركة تسعة أموال، وجذراً، فنسقط وصية العم، وهي جذر، ووصية الخال وهي ثلاثة أجذار؛ لأن الباقي من المال بعد وصية العم تسعة أموال، فقل جذرها ثلاثة أجذار.
وليقف الناظر متأملاً، وليعلم أن مبنى هذا الباب، وما في معناه، على اتباع اللفظ.
وإذا قيل لك: كم جذر التسعة؟ فإنك تقول: جذرها ثلاثة. وإذا قيل لك: كم [جذر] (1) تسعة أموال؟ فاتبع لفظ التسعة، كما تفصّل في العدد، وقل: الجذر ثلاثة، ولكن إذا كان العدد أموالاً تسعة، فنقول: نأخذ ثلاثة جذور كما نقول: جذر التسعة من العدد ثلاثة، وعلى هذا القياس تخرج المسألة الأولى؛ فإنا قدرنا فيها أربعة أموال، فقلنا: جذرها على قياس اللفظ الذي ذكرناه اثنان؛ لأن جذر الأربعة من العدد اثنان، فجذر أربعة أموال جذران.
فنعود إلى المسألة الأخيرة ونقول: قدرنا التركة تسعة أموال وجذراً، فأسقطنا الجذر للموصى له بجذر نصيب، وأسقطنا ثلاثة جذور للوصية الثانية، فتبقى تسعة أموال إلا ثلاثة أجذار، تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال، فنجبر ونقابل، ونُسقط المثلَ بالمثل، تبقى ستة أموال، تعدل ثلاثة أجذار، فالمال يعدل نصف جذر، فخذ هذا اللفظ، وقل: الجذر نصف درهم، وإذا كان الجذر نصفاً، فالمال ربعٌ، وقد كانت التركة تسعة أموال وجذر، وكل مال ربع، والجذر نصف، فالجملة درهمان وثلاثة أرباع درهم، فندفع منها إلى العم جذرَ النصيب، وهو نصف درهم، يبقى درهمان وربع، فجذرها وصية الخال، وذلك درهم ونصف، فالوصيتان درهمان، والباقي من المال بعدهما ثلاثة أرباع درهم، بين البنين: لكل واحد منهم ربعُ درهم، وقد زادت الوصيتان.
6828- وهذه المسائل كلها وضعيّة، كما مهدنا ذلك.
وإن أردنا استعمالها في الفقه، فيجب تقييد الوصية بما يقتضيها، وإلا يجب وضع
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/192)
هذه المسائل على التدريب في الحساب والتفاوض في أصله، وإلا فمتى يسمح الفقيه ومأخذُه إذا كانت الوصية بجذر نصيب أن يصرف إلى الوصية نصف درهم وإلى النصيب ربع درهم!!
6829- ثم قال الحسّاب: في هذه المسألة التي نحن فيها: إن شئت جعلتَ وصيةَ العم جذراً، وجعلت الباقي من المال بعد هذه الوصية أربعة أموال، فتكون وصيةُ الخال جذرين على القاعدة التي ذكرناها في اتباع العبارة، فالتركة أربعةُ أموالٍ وجذرٌ، فنسقط جذراً للعم، ثم جذرين للخال، فيبقى أربعة أموال إلا جذرين، تعدل ثلاثة أموال، وهي أنصباء البنين، فنجبر الأموال الأربعة بجذرين، ونزيد على عديلها جذرين، تصير أربعة أموال، في مقابلة ثلاثة أموال وجذرين، ونسقط المثل بالمثل، فيبقى مال يعدل جذرين، فالجذر اثنان، والمال أربعة. وقد كانت التركةُ [أربعة] (1) أموال وجذراً، فهي ثمانية عشر، وصيةُ العم منها اثنان، ووصية الخال أربعة، وهي جذر ستة عشر الباقية بعد وصية العم، فالوصيتان ستة، وهي ثلث المال، والباقي بعدها اثنا عشر، بين البنين: لكل واحد منهم أربعة، وقد أخذ العم مثل جذر نصيب أحدهم، وأخذ الخال جذر الباقي.
فصل
في الوصية بالنصيب والجذور
6830- ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بجذر المال.
فاجعل المسألة تقديراً كأن البنين فيها أربعة، وكأنه (2) أوصى بجذر المال وحده، وافرض المسألة من عدد مجذور إذا أسقطت جذره، انقسم الباقي على أربعة.
قال الحسّاب: إن شئت فرضته من ستة عشر، فادفع جذرها وهو أربعة إلى الموصى له بجذر المال، يبقى اثنا عشر بين البنين والموصى له بالنصيب بالسويّة: لكل واحد منهم ثلاثة.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: وقد كأنه.(10/193)
وإن فرضت المسألة من خمسة وعشرين، فجذرها للموصى له بالجذر، وهو خمسة، والباقي عشرون، بين البنين والموصى له بالنصيب على أربعة، لكل واحد منهم خمسة، والوصيتان في التقديرين زائدتان على الثلث.
وإن فرضت المسألة من أحدٍ وثمانين، فادفع جذرها إلى الموصى له بالجذر، وذلك تسعة، يبقى اثنان وسبعون بين الموصى له والبنين على أربعة، لكل واحد منهم ثمانية عشر، فالوصيتان [سبعة] (1) وعشرون، وهي ثلث المال في هذا التقدير.
وغرض الحاسب أن يذكر جهاتِ الإمكان تسفُّلاً، وترقّياً، وتوسطاً، وإلا، فيستحيل حملُ مطلق هذه الوصايا على ما ذكره الحساب.
فهذا مضمون هذا الفصل.
فصل
في الوصية بالنصيب وبجزءٍ مشاع وبجذر مفروض
6831- وهذا الفصل يشتمل على أمثلة تختلف قيودها وشروطها، ونحن نأتي بها في تصوير الأمثلة.
ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بجذر المال. ولآخر بمثل نصيب أحدهم، ولثالث بثلث ما تبقى من الثلث.
فنأخذ ثلثَ مالٍ لاشتمال المسألة على ثلث ما تبقى من الثلث، ونطرح منه جذراً ونصيباً، يبقى ثلث مال إلا جذراً وإلا نصيباً، فنطرح ثلثه بالوصية الثالثة، فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب، [فنضمها إلى ثلثي المال، فيصير ثمانية أتساع مال، إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب، تعدل ثلاثة] (2) أنصباء، فنجبر ثمانية الأتساع بالاستثناء الذي فيه، ونزيد على عديله مثله، فيكون ثمانية أتساع مال
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق، فعبارة الأصل كانت هكذا: " فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب تعدل ثمانية أنصباء، فنجبر ونقابل ... إلخ ".(10/194)
تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي جذر وثلثي نصيب.
فاجعل الآن كلّ نصيب أيَّ عددٍ شئت، بعد أن يكون أكثر من ضعف الجذر، فإن كان النصيب ضعفَ الجذر أو أقل من الضعف، لم تخرج المسألة كلها من الثلث، ولم تستقم المسألة؛ فإنك تحتاج فيها إلى ثلث ما تبقى من الثلث.
ونحن نذكر زيادة النصيب على ضعف الجذر، ونوضِّح استقامةَ المسألة، ثم نذكر كَوْنَ النصيب مثلَ ضعف الجذر، ونبيّن استحالةَ المسألة.
فنجعل النصيبَ مثل ثلاثة أجذار، والأنصباء تسعة أجذار، ومعنا نسبة الجبر والمقابلة ثلثا نصيب، فإذا جعلنا النصيب ثلاثة أجذار، فثلثا نصيب جذران، ومعنا أيضاً ثلثا جذر، فالجميع إذاً أحدَ عشرَ جذراً وثلثا جذر، في مقابلة ثمانية أتساع مال، فيكمل المال بأن نزيد عليه مثل ثُمنه، ونزيد على ما يقابله مثلَ ثمنه، وإذا زيد على أحد عشر وثُلثين مثل ثمنه، صار ثلاثة عشر وثمن، وإن أردت التثبت منه، فخذ ذلك من أربعة وعشرين فثمنه ثلاثة، فإذا زدت على أحدَ عشرَ وثلثين، ثمنها زدت واحداً لمكان الثمانية في هذا العدد، ويصير اثني عشر وثُلثين، ونزيد ثمن ثلاثة وثُلثين فيكون ثلاثة أثمان وثلثين لمن قدّر كلَّ ثمن ثلاثة من أربعة وعشرين من واحد، فيجتمع أحدَ عشرَ، فنكمل الثُّلثين معنا بثلث أربعة وعشرين، وهي ثمانية، فيصير ثلاثة عشر جذراً، ومعنا ثلاثة من أحد عشر من أربعة وعشرين، فيقع ثمناً، من هذا المبلغ، فالمجموع ثلاثة عشر وثمن، فنجعل الثلاثة عشر والثمن جذرَ المال، ونضربه في نفسه، فيبلغ مائة واثنين وسبعين درهماً وسبعة عشر جزءاً من أربعة [وستين] (1) جزءاً من درهم، وهذا نصف المال، فخذ ثلث ذلك وهو سبعة وخمسون درهماً وسبعة وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فأسقط جذر المال للموصى له بالجذر، وأسقط منها نصيباً، وقد فرضت النصيب ثلاثة أمثال الجذر، [فكأننا] (2) نريد أن نسقط منها أربعة أجذار المال، وهي إذا جُمعت اثنان وخمسون درهماً ونصف؛ لأن كل جذر ثلاثةَ عشرَ وثمن، وإذا أسقطت أربعة أجذار من ثلث
__________
(1) في الأصل: وخمسين. وهو خطأ أجهدنا تداركه.
(2) في الأصل: فكذلك.(10/195)
المال، بقي منه أربعة دراهم وتسعة وخمسون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فادفع ثلثها، وهو درهم وأحدٌ وأربعون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم إلى الموصى له بثلث الباقي من الثلث، وجملة الوصايا الثلاث أربعة وخمسون درهماً وتسعة أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، فأسقطها من المال، وهو مائة واثنان وسبعون درهماً وسبعة عشر جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، تبقى بعد الوصايا مائة وثمانية عشر درهماً، وثمانية أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، وهي ثمن درهم، فإن الثمانية من الأربعة والستين ثمنها، وإنما لم نطول ذكر الأجزاء من الأربعة والستين لبيانها، واعتبر هذا المأخذ لمسيس الحاجة إلى ثلث الأثمان ضمّاً وتفريقاً، وإلى أجزاء منها، فخرجت من أربعة وستين، فنقسم الباقي إذاً بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم تسعة وثلاثين درهماً وثلاثة أثمان، [و] (1) ذلك ثلاثة أمثال جذر المال، كما فرضنا.
6832- ولو جعلنا كلَّ نصيب أربعة أجذار وأكثر خرجت المسألة، ولكن كان الحساب أدق وأطول.
6833- ونحن نذكر الآن فرض النصيب عند المعادلة ضعف الجذر لنبيّن استحالة المسألة، فنقول: إذا كان كل [نصيب] (2) جذرين، فالأنصباء ستة، وقد ضممنا إليها ثلثي نصيب، وثلثي جذر للمقابلة، فإذا كان النصيب جذرين، فثلثا نصيب جذر وثلث، ومعنا ثلثا جذر أيضاً، فيصير المجموع ثمانية أجذار تعدل ثمانية أتساع مال، فيكمل المال بزيادة ثمنه، ونزيد على الأجذار ثمنها، فقد صار مال يعدل تسعة أجذار، فيكون الجذر تسعة، فنضرب التسعة في نفسها فيرد أحداً وثمانين، فإذا أخذت ثلثها، وهو سبعة وعشرون، وطرحت منها جذر المال تسعة، بقي ثمانية عشر، وهي مثل النصيب؛ لأن النصيب ضعف الجذر، فإذا أخرجت النصيب، لم يبق من الثلث شيء، واستحالت المسألة التي تريدها.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.(10/196)
6834- فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم، وبجذر نصيب أحدهم لآخر، وأوصى لثالث بثلث ما بقي من الثلث، فاجعل النصيب عدداً مجذوراً؛ لمكان الوصية بجذر النصيب، بعد أن يكون النصيب وجذر النصيب أقلَّ من ثلث المال، فإن جعلت النصيب تسعة مثلاً، فنقول: معنا ثلث مال ننقص منه النصيب تسعة، وننقص منه الوصية بجذر النصيب ثلاثة، فالمجموع اثنا عشر، فيبقى معنا ثلث مال إلا اثني عشر سهماً، فادفع ثلثه إلى الموصى له الثالث، فيبقى تسعا مالٍ إلا ثمانية دراهم؛ فإن الوصية الثالثة تذهب بثلث الاستثناء، يبقى من الاستثناء ثمانية، فنضم ما بقي إلى ثلثي المال، وقد تصرفنا في [ثلث] (1) المال، وهو ثلاثة أتساع، فإذا ضممنا [الباقي من الثلث] (2) إلى الثلثين، فتكون ثمانية أتساع مال إلا ثمانية أسهم، تعدل سهام البنين، وهم ثلاثة، وسهامهم سبعة وعشرون، لأن كل نصيب تسعة، فإذا جبرت، وقابلت، وأكملت بعد ذلك على القياس المقدّم، صار مال يعدل تسعة وثلاثين سهماً وثلاثة أثمان سهم، فمنها تصح المسألة.
فخذ ثلث المال، وذلك ثلاثةَ عشرَ درهماً وثمن، فانقص منه نصيباً وجذراً، وهما اثنا عشر يبقى درهم وثمن، فانقص منه ثلثه بالوصية، وهو ثلاثة أثمان درهم، تبقى ثلاثة أرباع درهم، فزدها على ثلثي المال، وهو ستة وعشرون وربع، فيبقى سبعة وعشرون بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم تسعة.
6835- فإن أوصى بجذر نصيب أحدهم لإنسان، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فاجعل النصيب عدداً مجذوراً، فإن جعلته أربعة، فنقول نأخذ ثلث مال، وننقص منه جذر الأربعة، وهو اثنان يبقى ثلث مال إلا اثنين، فانقص منه ثُلثه بالوصية الأخرى، تبقى تسعا مال إلا درهم وثلث درهم؛ فإن الوصية بثلث الباقي تذهب بثلث الاستثناء، فزد ما بقي على ثلثي المال، فيكون ثمانية أتساع مال إلا درهماً وثلثَ درهم تعدل أنصباء البنين، وهي اثنا عشر، فإذا جبرت وقابلت وأكملت، صار المال
__________
(1) في الأصل: ثلثي.
(2) في الأصل: الثلث الباقي.(10/197)
يعدل خمسة عشر درهماً. ومنها تصح المسألة، ولا نقدر الخمسة عشرَ جذر المال؛ فإن المسألة ليس فيها جذر مال، فقل المال خمسة عشر، فتأخذ ثلثها خمسة، ونسقط منها جذر النصيب، وهو اثنان، تبقى ثلاثة فانقص ثلثها واحد، يبقى اثنان فزدهما على ثلثي المال، وهو عشرة، فيبلغ اثنا عشر سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم أربعة.
وإن شئت فاجعل النصيب تسعة والعمل فيه على ما ذكرنا، فيخرج المال كله اثنين وثلاثين درهماً وخمسة أثمان درهم، ويكون الجذر ثلاثة.
6836- فإن أوصى بجذر مال لرجل ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فخذ ثلث مال وانقص منه جذراً، يبقى ثلث مال إلا جذر، فانقص منه ثلثه، يبقى تسعا مال إلا ثلثي جذر، فزده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلا ثلثي جذر، تعدل ثلاثة أنصباء، وإذا جبرت وقابلت، صار ثمانية أتساع مال تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي جذر، واجعل النصيب أيَّ عدد شئت، إن شئت جعلته مثل الجذر أو أكثر منه أو أقل، فإن جعلت النصيب مثلَ الجذر، فالأنصباء مع ما انضم إليها بسبب المقابلة والجبر ثلاثة أجذار وثلثا جذر، تعدل ثمانية أتساع مال، فزد على كل واحد منهما مثل ثُمنه، فيصير مالاً كاملاً يعدل أربعة أجذار وثمن جذر، فنضرب أربعة وثمناً، في نفسها وهو جذر المال، فيصير سبعةَ عشر درهماً، وثمن الثمن.
فخذ ثلث ذلك وهو خمسة دراهم، وثلاثة وأربعون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فانقص منه الجذرَ، وهو أربعة دراهم وثمن يبقى درهمٌ وخمسة وثلاثون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فانقص منه ثلثه للوصية الثانية وهي ثلاثة وثلاثون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، يبقى من الثلث درهم وجزءان من أربعة وستين جزءاً من درهم، فزده على ثلثي المال، وهو أحد عشر درهماً، واثنان وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فيصير المبلغ اثنا عشر درهماً وأربعة وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فيصير بين البنين لكل واحد منهم أربعة دراهم، وثمانية أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، وهي ثمن درهم، وذلك مثل جذر المال.(10/198)
وعلى هذا، فقس، إن جعلت النصيب جذرين أو أكثر أو أقل من جذر واحد.
6837- فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بجذر ما بقي من الثلث.
فاجعل ثلثَ المال نصيباً وعدداً مجذوراً، فإن جعلته نصيباً وأربعة أسهم، فانقص النصيب وجذر الأربعة بالوصيتين، تبقى اثنان فزده على ثلثي المال.
وإذا كان الثلث نصيباً وأربعة، فالثلثان نصيبان وثمانية، فإذا ضممنا الباقي إلى الثلثين، صار نصيبين وعشرة تعدل ثلاثة أنصباء، فالنصيبان بالنصيبين، فيبقى عشرة تعدل نصيباً.
فنعود ونقول: ثلث المال أربعة عشر، فانقص منها نصيباً تبقى أربعة، فانقص جذرها وهو اثنان، وزِد الباقي على ثلثي المال، وهو ثمانية وعشرون، فيبلغ ثلاثين، بين البنين، لكل واحدٍ منهم عشرة.
6838- فإن أوصى لعمه بجذر نصيب أحدهم، ولخاله بجذر ما تبقى من الثلث، ولأجنبي بثلث ما تبقى.
فنقول: ثلث المال نجعله جذراً ومالاً، فندفع إلى العم الجذر، فيبقى مال، كان مجذوراً، فإنه عبارة عن ضرب الشيء في نفسه، فندفع جذر المال إلى الخال، يبقى مال إلا جذر، ندفع ثلثه إلى الأجنبي، يبقى ثلثا مال إلا ثلثي جذر، فنزيده على ثلثي المال. وإذا كان الثلث مالاً وجذراً، فالثلثان مالان وجذران، فإذا ضممنا الفاضل إلى الثلثين، فيصير المبلغ مالين وثلثي مال وجذراً [وثلث] (1) جذر. وهكذا يقع إذا جبرت النقصان، فإذاً مالان وثلثا مال وجذرٌ وثلثُ جذر يعدل أنصباء البنين، وهي ثلاثة أموال؛ لأنا جعلنا وصية العم جذر نصيب، فالنصيب مال، والأنصباء ثلاثة أموال، فإذا جبرنا وقابلنا وأكملنا، صار المال معادلاً لأربعة أجذار. فالجذر أربعة، والمال ستةَ عشرَ، وكان ثلث المال مالاً وجذراً، فهو عشرون، نسقط منها الوصية الأولى للعم، وهي جذر [النصيب] (2) ، وذلك أربعة، تبقى ستةَ عشرَ، فنسقط للخال
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.(10/199)
جذرها أربعة، يبقى اثنا عشر، فنسقط للأجنبي ثلثها وهو أربعة، يبقى من الثلث ثمانية، نزيدها على ثلثي المال وهو أربعون، فيصير ثمانية وأربعين بين البنين لكل واحد منهم ستةَ عشرَ.
فصل
في الوصية بالنصيب والجزءِ المفروض مع استثناء الجذور منها واستثنائها من الجذور
6839- مثال: ثلاثة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ نصيب أحدهم.
فاجعل نصيب كل ابن عدداً مجذوراً، أيَّ عددٍ شئت، بعد أن يكون له جذر صحيح أقل منه، فإن جعلته أربعة، فالوصية اثنان، والأنصباء اثنا عشر، فزد عليها الوصية تكون أربعة عشر، وادفع إلى الوصية اثنان وهو مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم.
6840- فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ جميع المال، فخذ مالاً وانقُص منه نصيباً، واسترجع من النصيب جذرَ مالٍ، يبقى مال وجذر إلا نصيب (1) يعدل ثلاثة أنصباء واجبر المال بنصيب، وزد على عديله نصيباً، فيصير مال وجذر يعدل أربعة أنصباء.
فاجعل المال عدداً مجذوراً إذا زدت عليه جذره انقسم على أربعة، وذلك ستةَ عشرَ، وإذا زدت عليها جذرها، صار عشرين، فاقسمها على أربعة، فالنصيب إذاً خمسة، فإذا أنقصت من النصيب وهو خمسة جذر المال، وهو أربعة بقي واحد، وهي الوصية، فانقصه من المال تبقى خمسةَ عشرَ بين البنين لكل واحد منهم خمسة، وقد أخذ الموصى له خمسة إلا جذرَ المال.
__________
(1) نُذكر أننا نُبقي على مثل هذه؛ لاحتمال أنها جرت من المؤلف مجرى رواية الحديث الشريف: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون".(10/200)
6841- فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ المال، وأوصى لآخر بجذر ما بقي من الثلث.
فإن شئت جعلتَ التركة تسعة أموال، وقلت: جذورها ثلاثة [أجذار] (1) ، من لفظ التسعة، وتجعل نصيبَ كلِّ ابن مالَيْن، وثلاثةَ أجدار، وتجعل الوصيةَ بالنصيب مالَيْن وثلاثة أجذار، على مقدار نصيب كل ابن.
وإنما وضعنا المسألة كذلك، حتى ينتظم [لنا] (2) استثناء جذر التركة من النصيب الموصى به. فقدَّرنا كلَّ نصيب مالَيْن وثلاثةَ أجذار، حتى تكون [الوصية] (3) كذلك، والمجموع ستة أموال وتسعة جذور.
وإذا كان المال تسعة والتصرف بالوصايا في الثلث، فالثلثان ستة أموال، فهذا هو الذي راعيناه في تقريب وضع الأموال من أنصباء البنين، وألحقنا بكل نصيب ثلاثة جذور ليلحق منها في الوصية بالنصيب؛ حتى يتسق الاستثناء.
ثم نبتدىء فنقول: نأخذ من الثلث للوصية بالنصيب مالَيْن وثلاثةَ أجذار، والباقي من ثلث التركة بعد الوصية الأولى، مال، وإنما قدرناه مالاً، لنخرج جذره إلى الوصية الثانية، فيخرج الوصيتان، وهما مالان وجذر من المال الذي كان بقي من الثلث، والثلاثة الأجذار التي ضممناها إلى المالَيْن لسنا نحسبهما من الثلث، وإنما هي تقدير لفظي من اصطلاحات الجبريين، والمقدار المفهوم ما نبهنا عليه من إمكان الاستثناء، ثم إذا كانت التركة تسعة أموال، وقد أخرجنا مالَيْن [للوصية] (4) الأولى، [وأخرجنا] (5) جذر مال [للوصية الثانية] (6) ، فيبقى من الثلث مالٌ غيرَ جذر، فنضمه إلى الثّلثين، فتصير سبعة أموال إلا جذراً واحداً يعدل أنصباء البنين، وهي ستة
__________
(1) كأن هذه اللفظة مقحمة لا معنى لها.
(2) في الأصل: لما.
(3) في الأصل: النصيب.
(4) في الأصل: من الوصية.
(5) في الأصل: فأخرجنا.
(6) زيادة من المحقق.(10/201)
أموال، وتسعة أجذار، فإذا جبرتَ وقابلت، صار مال واحد يعدل عشرة أجذار؛ فإنا نسقط ستة أموال بستة أموال، فبقي مال في مقابلة عشرة أجذار: تسعة وضعناها في المسألة، وجذر عاشر زدناه للمقابلة.
وإذا كان المال يقابل عشرة أجذار، والجذر عشرة، والمال مائة، وقد قدرنا التركة تسعةَ أموال، فهي تِسعُمائة، والنصيب مالان وثلاثة أجذار، فهو إذاً مائتان وثلاثون، ووصية الأول نقدرها مائتين وثلاثين، ونسترجع جذر المال، وهو ثلاثة جذور، فنردّها إلى الثلث: ثَلاثمائة، فيبقى للوصية الأولى بعد الاسترجاع مائتان، ويبقى من الثلث مائة، [فنصرف] (1) جذرَها إلى الوصية الثانية، وهو عشرة، والوصيتان جميعاً مائتان وعشرة، فإذا ألقيتهما بقي ستمائة وتسعون، لكل واحد مائتان وثلاثون.
وفي هذه المسألة عبارةٌ اصطلاحية لا [يستد] (2) فيها قياس يعدل في الثلث والثلثين، فإنا أخرجنا من الثلث مالَيْن، وثلاثة أجذار، واسترجعنا ثلاثة أجذار، فقياس هذا التعديل أن يقول القائل: "الثلث ثلاثة أموال وثلاثة أجذار، والثلثان ستة أموال وستة أجذار". ولم نضع المسألة كذلك، والسبب فيه أن الجذور التي نستردها نجبر بها بقية الثلث، وبها تصير بقية الثلث مالاً، وكانت تلك الأجذار الثلاثة مقدّرة غيرَ محققةٍ. وهذا بيّنٌ في الامتحان؛ فإنا جعلنا ثلث المال ثَلاثمائة، وقدرنا النصيب مائتين وثلاثين، وانتقص باقي الثلث عن مال؛ فإنّ كل مال مائة، ثم استرجعنا الثلاثين وضممناه إلى [السبعين] (3) ، فتم الباقي مائة، وهي المال.
[فلكوْن] (4) هذه الجذور الثلاث تقديرية لم نلتزم إثباتَ ضعفها في الثلثين، والثلث في الحقيقة ثلاثة أموال. فحسب. فهذا بيان هذه المسألة.
ومما يجب التنبه له أن هذه المسائل المدارة على الأجذار إلى وضع الواضع،
__________
(1) في الأصل: فنضرب.
(2) في الأصل: يستند، ويستدُّ بمعنى يستقيم، وقد سبقت مراراً.
(3) في الأصل: التسعين.
(4) في الأصل: فلو كانت.(10/202)
والمسائل الحسابية يُحمل مطلقها على أقل الإمكان، والجذور لا أقل لها ولا نهاية لها في طرق الكثرة، فلهذا قيدنا كل وضع بالمشيئة؛ قلنا: إن شئت. ولو قدرت الأموال أقل أو أكثر، [لاستقام] (1) الكلام، ولكن قد تدق مخارج الكسور، ومُدرَك مخارجها سهل، وإنما [يعسر] (2) على المبتدىء ضمُّ الأجزاء من المخارج المختلفة، وردُّها إلى الكسور المعتادة التي ينتظم منها الأجزاء المألوفة، فوضع الحذاق مسائل الجذور على وجوه يقرب تناولها. ومن مهرَ في الحساب وتدرّب في العمل، وضع اعتبارها وحط ما مضى؛ فإن هذه المسائل لا يقع بها الفتوى في المقدار إلا إذا شرطت.
فهذا منتهى الإمكان في البيان.
6842- فإن أوصى لرجل بثلث ماله إلا جذراً.
فنقدّر المالَ مجذوراً [له ثلث صحيح] (3) ، [و] (4) ندفع إلى الموصى له ثلث المال ونسترجع منه جذراً، ونردّه على ثلثي المال، فيكون ثلثا مال وجذر، يعدل ثلاثة أنصباء.
وقد جعلنا المال عدداً مجذوراً له ثلث صحيح. وإذا أردنا التقريب، جعلنا ثلثيه بحيث إذا زيد عليه جذرُه، انقسم المبلغ على ثلاثة، وأقل ذلك ستة وثلاثون، فندفع ثلثَها، وهو اثنا عشر إلى الموصى له، ونسترجع منه جذرَ المال، وهو ستة يبقى معه ستة، وهي وصيته، ونزيد ما استرجعناه على ثلثي المال، وهو أربعةٌ وعشرون فيبلغ ثلاثين بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم عشرة.
وإن شئت فرضت المال أحداً وثمانين، ودفعت ثُلثَه وهو سبعة وعشرون إلى الموصى له، واسترجعت منه جذر المال وهو تسعٌ، وزدته على ثلثي المال؛ فيبلغ ثلاثة وستين، بين ثلاثة بنين.
__________
(1) في الأصل: لاستقامة.
(2) في الأصل: العسر.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: أو.(10/203)
وقد ذكرنا أن هذا التخيير [في] (1) مجاري الحساب في إلقاء المسائل والإجابة عنها، فأما الفقه، فإنه لا يحتمل هذا، ومسلكه ما قدمناه غيرَ مرة.
وقد أعدت هذا الكلام عمداً مراراً؛ حتى يستبين الناظر ما يجب.
فصل
في الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور وما يجري مجراها
6843- ثلاثة بنين، وقد أوصى لأخيه بمثل نصيب أحدهم، ولخاله بجذر وصية الاخ، ولعمه بجذر الوصيتين جميعاً.
فنجعل نصيبَ كلِّ ابن مالاً مجذوراً؛ لأنه قدّر [للوصية] (2) بالنصيب جذراً، والوصيةُ بالنصيب مقدارها مقدار نصيب كل ابن، فإذاً وصية الأخ نجعلها مالاً، ونجعل وصية الخال جذراً، وهاهنا موقف يتعين تأمله، فنجعل الوصية بالنصيب مالاً، وهو وصية الأخ، ونجعل وصية الخال جذراً، ولا يتأتى لنا عبارة في الوصية الثالثة على هذا النسق؛ فإنه لا [نملك] (3) أن نقول: اجعلها [مالاً، ولا جذراً] (4) ، ولو قلت: اجعلها جذرين، كان خطأ؛ فإنها جذر مالَيْن مجموعين، وليس جذريْ مالَيْن، وهما مختلفان أيضاً؛ فإن أحدهما جذرٌ والآخر مال.
فلنُضف (5) الحُسّاب في ذلك، وقالوا: اجعل الوصية للعم أيَّ محدد شئت إلا جذراً، وسننبه على ذلك، إذا اطردت المسألة، فإن جعلتها ثلاثة إلا جذراً، فاضربها في مثلها، وقل: ثلاثة إلا جذراً في ثلاثةٍ إلا جذراً. وقد ذكرنا في أصول الجبر
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: الوصية.
(3) في الأصل: تمليك.
(4) عبارة الأصل: اجعلها مالاً جذر.
(5) كذا، بالنون والضاد، والفاء. ولعلها من أضافه أي أنزله ضيفاً عنده، والمعنى نستعير عبارتهم. أو من أضاف إليه بمعنى استأنس به، أو أضافه بمعنى ضمه إليه. وكل ذلك صالح لأن يُراد هنا (المعجم الوسيط) .(10/204)
والمقابلة معنى الضرب في مثل هذا، فإذا ضربت [ثلاثة] (1) إلا جذراً في ثلاثة إلا جذراً، فالمردود تسعة أعداد، ومال إلا ستة أجذار، فإنك تحتاج إلى أربع ضربات، فنضرب ثلاثة في ثلاثة فترد تسعة، وتضرب إلا جذراً في ثلاثة، فترد ثلاث مرات إلا جذراً، وتضرب الثلاثة في إلا جذراً، فترد ثلاثة أخرى إلا جذراً، فيجتمع ست مرات إلا جذراً. وبقيت ضربةٌ واحدةٌ وهي ضربة إلا جذراً في إلا جذراً، وهذا يردّ مالاً زائداً، فالمجموع تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، وهذا يعدل وصية الأخ [والخال] (2) وهما مال وجذر. وهذا موضع التنبيه، كما ذكرناه.
فنقول: أخذنا عدداً على حسب المشيئة، واستثنينا منه جذراً، ثم ضربناه في نفسه حتى يصيرَ مجذوراً، فيصير المبلغ بعد الضرب معادلاً لما نطلبه؛ فإنا [نَبغي] (3) المالَ والجذرَ (4) مجموعين، وهما في [الوضع] (5) مجهولان، وإنما نتسلق بهذه الطريقة عليها حتى نضعَها وضعاً يستقيم فيه ما نريد، وإنما استثنينا جذراً من العدد الذي اخترناه حتى إذا ضرب في نفسه بطرف (6) استثناء الجذر، ثم ينتهي الكلام بالجبر والمقابلة إلى معرفة قيمة الجذور أيضاً، ففي ضرب عدد إلا جذراً في مثله ردُّ مالٍ زائد، ومعنا مال وجذر، فنجعل الفرضان في المعادلة، [فنعدّل] (7) ونقول: تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، تعدل مالاً وجذراً، فنجبر الأعداد بستة أجذار، ونزيد على عديلها مثلها، فيحصل معنا تسعة أعداد ومال في مقابلة مال وسبعة أجذار، فالمال بالمال، تبقى سبعة أجذار في مقابلة تسعة أعداد، فقيمة كل جذر واحدٌ وسبعان، فنضربها في مثلها، فيكون أحداً وثمانين جزءاً من أجزاء التسعة وأربعين
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) مزيدة من المحقق.
(3) في الأصل: نُبقي. وهو تحريف خفي يدق مدركه.
(4) عبارة الأصل: جذر المال والجذر.
(5) في الأصل: الموضع.. والمراد بالوضع هنا: الفرض والتقدير.
(6) كذا.
(7) في الأصل: فنعول.(10/205)
جزءاً من درهم؛ فإن الدرهم إذا سبّعناه، وضممنا إليه [السُّبعَيْن] (1) ، ثم ضربنا تسعة في تسعة، فترد أحداً وثمانين، وليس هذا البسط بالأَتساع الذي نعهد، إنما هو ضربٌ؛ فإن الجذر يضرب في نفسه، ولكنا قلنا: أحداً وثمانين جزءاً من أجزاءِ تسعة وأربعين، لأن كل حصة الدرهم من أحدٍ وثمانين تسعة وأربعين، فقل: هذا هو المال، وهو نصيب كل ابن، وكذلك وصية الأخ، ووصية الخال مثل جذر هذا المال، وذلك درهم وسبعان، وصيّرنا الأجزاء ثلاثة [وستين] (2) من أجزاء تسعة وأربعين من درهم، وجملة وصيَّتَيْ الأخ والخال مائة وأربعة وأربعون جزءاً من أجزاء تسعة وأربعين، وجذرها درهم وخمسةُ أسباع، فهي وصية العم.
والوصايا كلها مائتان وثمانية وعشرون من أجزاء تسعة وأربعين.
وإذا [جُعلت دراهم] (3) وقُرّب القول في الكسر، [فهو] (4) أربعة دراهم واثنان وثلاثون جزءاً من تسعة وأربعين جزءاً من درهم، وجملة المال ثمانية دراهم وثلاثة وعشرون جزءاً من تسعة وأربعين جزءاً من درهم، والوصايا زائدة على ثلث المال.
6844- فإن أوصى لأخيه بجذر نصيب أحدهم، ولعمه بجذر باقي النصيب، فاجعل النصيب مالاً مجذوراً، ووصية الأخ جذرَه، وأما الوصية بجذر باقي النصيب، فأمر لا يهتدى إليه وَضعاً، كما ذكرناه في الوصية الثالثة في المسألة الأولى.
والوجه أن نجعل وصيةَ العم أي عدد شئت إلا جذراً، فإن جعلته ثلاثةً إلا جذراً، فاضربها في مثلها، فتكون تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، وهذا يعدل مالاً إلا جذراً، وهو الباقي من نصيب الابن بعد إخراج وصية الأخ، فإذا جبرت وقابلت، فنقول نجبر ما في هذا الجانب بستة أجذار، ونزيد مثلها على الجانب الآخر، وفي الجانب الآخر مال إلا جذر، فإذا زدت عليه [ستة] (5) أجذار، صار مالاً وخمسة
__________
(1) في الأصل: التسعين.
(2) في الأصل: وثلاثون.
(3) في الأصل: "وإذا جمعت درهم".
(4) في الأصل: "وهو".
(5) في الأصل: ثلاثة.(10/206)
أجذار في مقابلة تسعة [أعداد] (1) ومال، فالمال بالمال تبقى تسعة أعداد في مقابلة خمسة أجذار، فقيمة الجذر، درهم وأربعة أخماس درهم، فاضربه في مثله، فيكون أحداً وثمانين جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، وهي ثلاثة دراهم وستة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً من درهم، وذلك هو النصيب، فانقُص منه وصية الأخ [جذرها] (2) : درهم وأربعة أخماس، تبقى ستة وثلاثون جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، فانقص منها وصية العم، وهي جذر هذه الستة والثلاثين جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، وجذر هذا المبلغ درهم وخمس، فالوصيتان جميعاً ثلاثة دراهم، والتركة كلها اثنا عشر درهماً وثمانية عشر جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً من درهم.
6845- ثلاثة بنين وقد أوصى لخاله بجذر نصيب ابن، ولعمه بجذر وصية الخال، ولأجنبي بجذر وصية العم.
فاجعل وصيةَ الأجنبي أيّ عدد شئت، بعد أن يكون أكثر من واحد، وإن جعلته اثنين، فوصية العم أربعة، ووصية الخال ستة عشر، ونصيب كل ابن مائتان وستة وخمسون درهماً، وجذرها ستة عشر، وجملة المال سبعمائة [وتسعون] (3) .
وإنما كان كذلك لأن وصية الأجنبي جذر وصية العم، فإذا كانت وصية الأجنبي اثنين، فوصية العم أربعة، ووصية العم جذر وصية الخال، وهذا التناسب يقتضي أن يكون وصية الخال ستةَ عشرَ، ووصية الخال جذر النصيب، فلذلك صار نصيب كل ابن مائتين وستة وخمسين.
فصل
في الجمع بين التكملات والجذور
6846- ثلاثة بنين وقد أوصى لرجل بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم.
فالوجه أن تجعل ثُلثَ المال مالاً وجذراً. وادفع المال إلى الموصى له، يبقى
__________
(1) في الأصل: أجذار.
(2) في الأصل: جذر.
(3) في الأصل: وسبعون.(10/207)
جذر، فردّه على ثلثي المال، فيكون الثلثان مالَيْن وثلاثةَ أجذار، وذلك يعدل ثلاثةَ أموال؛ لأن نصيب كل ابن مال، فنسقط مالين، بقي مال واحد يعدل ثلاثةَ أجذار، فجذر المال ثلاثة، والمال تسعة، وقد كان ثلث المال مالاً وجذراً، فالثلث اثني عشر، والتركة ستة وثلاثون، والوصية تسعة، نسقطها من المال يبقى سبعة وعشرون، بين ثلاثة بنين، لكل واحد تسعة، وللوصية تسعة، وقد أخذ الموصى له تكملة الثلث بجذر نصيب أحدهم، وذلك مثل ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم.
6847- فإن أوصى بتكملة ربع ماله بجذر نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بجذر ما تبقى من [ثُلثه] (1) .
فالوجهُ أن نجعل النصيب مالاً، لمسيس الحاجة إلى الجذر، ثم نقول: ثلث التركة مالٌ، ووصيةُ الرجل الأول، وهو ربع التركة إلا جذراً -وهذا معنى التكملة بالجذر- ثم نُسقط التكملة من الثلث، فيبقى من الثلث مال؛ فإنا جعلنا الثلث تكملة على حسب الوصية مالاً، ثم كما حططنا التكملة من الثلث تقديراً، فكذلك ننقصُ من المال الباقي من الثلث الوصيةَ الثانيةَ، وهي جذرُ المال، يبقى من الثلث، مالٌ إلا جذراً، فالثلثان مالان ونصف التركة إلا جذرين، وقد ضممنا إلى الثلثين ما كان بقي من الثلث بعد الوصيتين،. وهو مال إلا جذر، فيجتمع معنا ثلاثة أموال، ونصف التركة إلا ثلاثة أجذار.
وهذا المجموع يعدل أنصباء البنين، وهي ثلاثة أموال، فنجبر ما معنا بثلاثة أجذار، ونزيد على الأنصباء مثلها، فتصير ثلاثة أموال ونصف تركة معادلة لثلاثة أنصباء، وثلاثة أجذار، فنسقط الأموال بالأموال، فيتبقى نصف تركة في مقابلة ثلاثة أجذار، فالتركة إذاً ستة أجذار. وثلثها جذران، وقد كان ثلث التركة مالاً وربع تركة إلا جذراً، فربع التركة إذاً جذر ونصف، فإذا استثنيت منه الجذرَ، بقي نصفُ جذرٍ، وهو تكملة الربع، وذلك وصية الأول، فانقصها من ثلث التركة، وهو جذران، يبقى جذر ونصف، يعدل مالاً؛ من أجل أنا جعلنا باقي الثلث مالاً، فالمال درهمان وربع، وهو نصيب كلِّ ابن، وجذره درهم ونصف، والتركة ستة أجذار، فهي تسعة
__________
(1) في الأصل: ثلاثة.(10/208)
دراهم، فخذ ثلثها: ثلاثة، وانقص منها تكملة الربع، وذلك ربع [الستة] (1) إلا جذرَ النصيب، وهو ثلاثة أرباع درهم، فإن ربع التسعة درهمان وربع، فإذا حططت منه جذر النصيب وهو درهم ونصف، بقي ثلاثة أرباع درهم، فهذه الوصية الأولى، فيبقى من الثلث درهمان وربع، فادفع جذرها إلى الموصى له الثاني، وذلك درهم ونصف، يبقى من الثلث ثلاثة أرباع درهم، فردّها على ثلثي المال، وهو ستة، فيبلغ ستة وثلاثة أرباع بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم درهمان وربع.
وقد نجز غرضنا من القول في الجذور، وما يتعلق بها.
القول في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير وما في معناها.
فصل
في الوصية بالنصيب وبدراهم مقيدة
6848- مضمون هذه المقالة قريبٌ، وإنما يكتسب بعض الغموض إذا ضُمّ إليه مقتضى الأبواب المتقدّمة؛ فإذا تركبت المسائل أحوجت إلى بعض الفكر.
فنقول: إذا كان ثلاثة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهمٍ.
فاجعل التركة أيَّ عدد شئت بعد أن تكون بحيث إذا عزلت منها درهماً، وقسمت الباقي بين ثلاثة بنين والموصى له على أربعة، كان النصيب المفروض للواحد مع الدرهم الذي عزلت مثلَ ثلث التركة أو أقل منه.
فإن جعلنا التركة عشرة دراهم، فانقص منها درهماً أولاً، تبقى تسعة فاقسمها على أربعة بنين؛ فيكون النصيب الخارج من القسمة درهمين وربعاً، فَزِدْ عليه الدرهم الذي نقصته، فيكون ثلاثة وربعاً، فهي الوصية. ولكل ابن درهمان وربع.
فإن أردت أن يزول الكسر وتخرج الأنصباء صحيحة، فاطرح الدرهم من العشرة أولاً، فتبقى تسعة فاضربها في أربعة، فتبلغ ستة وثلاثين، فزد عليها الدرهم الذي
__________
(1) في الأصل: " ربع السبعة الأجذار النصيب " وهو تصحيف نشأ من تداخل كلمتين في كلمة مع تحريف الستة إلى السبعة.(10/209)
أسقطت، فيبلغ سبعة وثلاثين، فهي التركة ونصيب كل ابن تسعة لأنه كان لكل ابن في الأصل درهمين وربع، وإذا ضربت ذلك في أربعة، فإن ذلك تسعة، وللموصى له ربعها وزيادة درهم، فذلك عشرة.
فإن جعلت التركة ثلاثة عشر درهماً، فانقص منها درهماً، تبقى اثنا عشر بين أربعة لكل واحد منهم ثلاثة، فزد الدرهم على الثلاثة يكون أربعة، فهي وصية الموصى له، وقد خرجت السهام كلها صحيحة بلا كسر.
والقسمة التي ذكرها الحُسّاب تتفاوت بتفاوت الأعداد المفروضة تفاوتاً بيّناً، فإذا فرضنا المال عشرة، ونزلنا القسمة عليها، خرج للموصى له ثلاثة وربع، وهو أقل من الثلث.
ولو فرضنا القسمة من أحدٍ وعشرين، وعزلنا درهماً، وقسمنا عشرين بين أربعة خمسة خمسة، وزدنا الدرهم المعزول على القسمة، فالوصية تصح من هذا العدد، والنسبة من أحدٍ وعشرين أقل من ثلاثة وربع من عشرة، وكلما ارتقينا في العدد، وفرضنا عدداً منقسماً على أربعة وزيادة درهم، قلّت الوصية، والأربعةُ من الثلاثة عشر أقل من ثلاثة وربع من عشرة.
ولو فرضنا القسمة من تسعة، فنعزل درهماً منها، ونقسم الثمانية على أربعة، فنصيب كل واحد درهمان، فإذا ضممنا الدرهم المعزول إلى الوصية كانت الوصية ثُلثاً من غير نقصان.
وإن جعلنا المال خمسة وعزلنا درهماً، وقسمنا الأربعة على الأربعة، وضممنا الدرهم المعزول إلى الوصية، زادت الوصية على الثلث.
فإذا تبين ما ذكرناه من نقصان الوصية بالجزئية إذا كثر العدد، وثبت زيادة الوصية بالجزئية إذا قل العدد، فما وجه الفقه والفتوى؟ وكيف ننزله، والفقه لا يحتمل التخيّر بين القليل والكثير؟
فالذي يجب القطعُ به عندي أن الوصية إذا كانت مطلقة، يجب تنزيلها على ما يصادَف في التركة، فنعزل درهماً، ونقسم الباقي على أربعة، ثم نرد الدرهمَ إلى الوصية، ثم ننظر: فإن كانت الوصية منحصرة في الثلث، جازت ونفذت، وإن(10/210)
زادت على الثلث، افتقرت الزيادة على إجازة الورثة. وهذا بمثابة [تنزيلنا] (1) الوصيةَ بجذر المال قدراً وجنساً، [فإن كان] (2) المال القائم مما يُطلَبُ جذره في جنسه، لكونه مقدّراً، نزلنا الوصية عليه، وإن كان متقوّماً نزلناها على قيمته.
فهذا حظ الفقه.
وما ذكره الحساب تقديراتٌ، لا ينزل الفقه عليها، إلا بشرط الموصي، كما ذكرناه في باب الجذر، وذلك بأن يقول: تركتي عشرة دراهم، فقسموها أحداً وعشرين عدداً، وزيدوا للوصية واحداً من العدد، فإذْ ذاك ظهر التفاوت.
ومما يجب التنبّه له على وضوحه: أنه إذا أوصى لرجل بنصيب أحد البنين وقال زيدوه درهماً، فقد يتخيل المتخيل أنا نقسم المال [أقساماً] (3) من غير تقدير عزل الدرهم، ونسلّم إلى الموصى له ربعاً من هذه الجهة، ونزيده درهماً مسترجعاً من أنصباء البنين، وهذا زلل، لا سبيل إلى المصير إليه، ومقتضى الوصية عزلُ الدرهم، وقسمةُ الباقي أرباعاً، ثم ردُّ الدرهم.
وعلى هذا الوجه ينتظم زيادة الوصية على ما حصل لكل ابن بدرهم، ولو صرفنا إليه ربعاً قبل عزل الدرهم، ثم ضممنا إليه درهماً، لكانت زيادة الدرهم على كل (4) نصيب أكثر من درهم.
وإنما نبهنا على مسلك الفقه، وذكرنا مفارقة طرق الحُسّاب لمسلك الفقه، وحملناها على تقريبات [للدربة] (5) ، فلا نعود إلى هذا التفصيل فيما نذكر من الفصول بعد ذلك، ونقتصر على طرق الحُسّاب، فإن سنحت طريقة في الفقه سوى ما نبهنا عليه، لم نغفل عنها، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في الأصل: تنزيلها.
(2) في الأصل: "فكان".
(3) مكان كلمة مكشوطة في الأصل، وقدرناها على ضوء السياق.
(4) على كل نصيب: المعنى على النصيب، أي جنس النصيب. وأمرُ الحساب واضح لمن له شيء من الإلمام به.
(5) في الأصل: كلمة غير مقروءة.(10/211)
فصل
في الوصية بالنصيب مع استثناء [دراهم مقيدة] (1) منه
6849- ثلاثة بنين، وقد أوصى بنصيب أحدهم لإنسان إلا درهماً.
فالطريق فيه إن قدرنا التركة عشرة دراهم مثلاً، أن نزيد عليها درهماً مقدّراً، فتكون أحدَ عشرَ درهماً، فنقسمها بين أربعة، فيخرج من القسمة اثنان، وثلاثة أرباع، فذلك نصيب كل ابن، وننقُص من الوصية درهماً، فيبقى للموصى له درهم وثلاثة أرباع، هي الوصية، ونقدِّر التركة في الأصل عشرة، وننقص منها للوصية درهماً وثلاثة أرباع، تبقى ثمانية دراهم وربع بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم درهمان، وثلاثة أرباع.
وهذا سهل المُدرك.
وإن أردت إخراج المسألة من عددٍ صحيح، فقدّر للموصى له أيَّ عدد شئت، وأثبت لكل ابنٍ مثله مع زيادة درهم، فإن شئت قلت: للموصى له درهمان، ولكل ابن ثلاثة، والمجموع أحد عشر، فنقدِّر التركة أحد عشر، وإن شئت قلت: للموصى له ثلاثة، ولكل ابن أربعة، وهكذا إلى حيث تزيد.
وهذا وفصولٌ بعده من الجليّات التي لا حاجة إلى استعمال طريقة [مقيَّدة] (2) لاستخراج المجاهيل فيها.
6850- وذكر بعضُ المتكلفين طريقةً، وجرُّوا إلى أنفسهم وجوهاً من التعقد، حيث لا حاجة إليها، ولسنا لأمثالها، فمما ذكروه: ما إذا أوصى لرجلٍ بسدس ماله، وبدرهم، وله ثلاثة من البنين، فالوجه إخراجُ السدس الكامل، وإخراجُ درهم غيرِه، وقسمةُ الباقي على البنين، وهو بمثابة ما لو أوصى لرجلٍ بسدس ماله، وأوصى لآخر بدرهم، فنقيّد الوصيتين، ونقسم التركة بعدها على الورثة [كما] (3) كانوا.
__________
(1) في الأصل: درهم نقيده.
(2) في الأصل: مفيدة.
(3) في الأصل: ثم.(10/212)
وإن أردت أن تتكلف تصحيح فريضة الميراث من عددٍ صحيح [وهذا] (1) من اقتراحات الحسّاب، التي ليس لها كبير فائدة، ولكن سبيلها أن نقول: نأخذ مالاً ونسقط منه سدسه ودرهماً، تبقى خمسة أسداس إلا درهماً تعدل (2) ثلاثة أنصباء، فنجبر خمسة أسداس المال بالدرهم، ونزيد على الأنصباء درهماً، فييلغ ثلاثة أنصباء ودرهم، تعدل خمسة أسداس المال، فنكمل المال بأن نزيد عليه مثلَ خُمسه، فيصير مالاً كاملاً، ونزيد على ما يعادله أيضاً خُمسه، فيكون مالاً يعدل ثلاثةَ أنصباء وثلاثةَ أخماس نصيب ودرهماً وخمس درهم، فنضرب الأنصباء الثلاثة وثلاثة أخماس نصيب، في عدد يصير به المبلغ مقداراً إذا زدت عليه الدرهم والخمس، صار الجميع عدداً صحيحاً، وذلك بأن نضربها في ثلاثة، فيبلغ عشرة دراهم، وأربعة أخماس درهم، وإذا زدت عليها الدرهم والخمس، صار اثني عشر درهماً، والفرض فيه إذا كان سهمٌ مما معك درهماً، فلصاحب السدس والدرهم ثلاثة دراهم، يبقى تسعة دراهم، بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم ثلاثة.
6851- ومما يظهر مُدركه أيضاً أن يوصي لرجل بسدس ماله إلا درهماً، فالوجه فيه أن نعمد إلى سدس التركة، ثم نحط منه درهماً، ونسلّمه إلى الموصى له، ونقسم خمسة أسداس المال والدرهم الزائد بين الورثة، على فرائض الله تعالى.
فإن أردت فرض عدد صحيح، فوجهه أن نقول: نأخذ مالاً، ونُلقي سدسه، ونسترجع منه درهماً، ونزيده على خمسة أسداس المال، فيكون الباقي خمسةَ أسداس مال ودرهماً تعدل ثلاثة أنصباء فتكمل أجزاء المال، وسبيل تكميله أن نزيد عليها مثل خُمسها، وإذا أردنا ذلك، زدنا على كل ما في المسألة مثل خمسه، حتى يعدّل الأمر ويتناسب، فنقول: مال ودرهم وخمس درهم، يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس، فاضرب الأنصباء والأخماس في عدد إذا أنقصت من مبلغه درهماً وخُمسَ درهم، كان الباقي عدداً صحيحاً، وذلك سبعة، واستخراجُ مثل هذا العدد بالدُّربة والامتحان، ولولا سهولته، لاستخرج الحساب مسلكاً يسهل العبور فيه من العدد الذي نطلبه في
__________
(1) قدرناها مكان كلمة مكشوطة من الأصل.
(2) عبارة الأصل: تعدل منه ثلاثة أنصباء.(10/213)
هذه المسألة سبعة، فاضرب فيها ثلاثة وثلاثة أخماس، فيبلغ خمسة وعشرين وخُمساً، فإذا أسقطت منها الدرهم والخمس، بقي أربعةٌ وعشرون، فمنها تصح المسألة، فادفع سدسها، وهو أربعة إلى الموصى له، واسترجع منه درهماً، تبقى ثلاثة، وهو مثل سدس المال إلا درهماً، والباقي من المال بعد هذه الوصية أَحدٌ وعشرون بين البنين، لكل واحد منهم سبعة، وقس على هذا ما في مبناه.
فصل
في الوصية بالنصيب وبجزءٍ مفروض ودرهم أو دراهم معينة
هذا النوع [يُحوج] (1) إلى استعمال الطرق المرشدة إلى الكشف من غير ذكر درهم، فإذا ذكر الدرهم [زادت] (2) تعقيداً، فنقول فيها:
إذا خلّف خمسةَ بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ودرهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه ودرهم.
فخذ ثلثَ مال، واطرح منه نصيباً ودرهماً، يبقى ثلثُ مال إلا نصيباً، وإلا درهماً، فاطرح منه للموصى له الثاني ثلث هذا الباقي ودرهماً آخر، وهكذا وصيته.
فيبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهماً وثلثي درهم. أما استثناء ثلثي النصيب فبيّن، وأما استثناء الدرهم، فلنسلّمها إلى الوصية الثانية الدرهم، وأما ثلثا الدرهم، فقد كان الباقي من الثلث بعد الوصية [الأولى] (3) ناقصاً بدرهم، فلما أخذ الموصى له الثاني ثلثه أخذه مع نقصان ثلث درهم، فبقي نقصان ثلثي درهم، فالباقي إذاً تسعا مال إلا ثلثي نصيب، وإلا درهم، وثلثي درهم، فزد ذلك على ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية أتساع مال، إلا ثلثي نصيب، وإلا درهماً وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، ونجبر الثمانية الأتساع بما فيها من الاستثناء، فتعدل بعد المقابلة ثمانيةُ أتساع
__________
(1) في الأصل: يخرج.
(2) في الأصل: زدت.
(3) في الأصل: الثانية.(10/214)
مال خمسةَ أنصباء وثلثي نصيب ودرهماً، وثلثي درهم، فكمّل أجزاء المال بأن تزيد عليها ثمنها، ونزيد على ما يعادلها أيضاً ثمنها، فيكون مال يعدل ستةَ أنصباء، وثلاثة أثمان نصيب، ودرهماً وسبعة أثمان درهم.
هكذا تخرج إذا تأملتَ، فلم نطل الكلام بذكره، فاطلب عدداً إذا ضرب فيه ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب، بلغ مبلغاً إذا زدت عليه الدرهم والسبعة الأثمان، كان جميع ذلك عدداً صحيحاً، وذلك العدد ثلاثة، فاضربها في ستة وثلاثة أثمان، فيكون تسعةَ عشرَ وثمناً، فإذا زدت عليه الدرهم والسبعة الأثمان، كان المبلغ أحداً وعشرين. ومن ذلك تصح القسمة، والنصيب ثلاثة، فإنك بسطت الأنصباء بالضرب في ثلاثة.
والامتحان: أن نأخذ ثلثَ المبلغ سبعة، وتدفع إلى الموصى له بالنصيب والدرهم أربعة: ثلاثة عن جهة النصيب، والرابع هو الدرهم الزائد، يبقى ثلاثة، فادفع منها [ثلثها] (1) ودرهماً إلى الموصى له الثاني، يبقى درهم نزيده على ثلثي المال، وهو أربعة عشر، فيبلغ خمسة عشرَ، بين خمسة بنين لكل واحد منهم ثلاثة مثل النصيب.
فصل
في الوصية بالنصيب وبالجزءِ مع زيادة درهم واستثناء درهم.
6852- والمثال: خمسة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا درهماً، ولآخر بثلث ما تبقى من ثُلثه ودرهم.
فالوجه أن نأخذ ثلثَ مال، ونلقي منه نصيباً إلا درهماً، يبقى ثلثٌ ودرهم إلا نصيب، فادفع ثلثَ ذلك ودرهماً إلى الموصى له الثاني، يبقى [تُسعا مالٍ] (2) إلا ثلث درهم، وثلثي نصيب.
__________
(1) في الأصل: ثمنها.
(2) في الأصل: تسعة أثمان. ويا بُعد ما بين العبارتين. ويا للْجهد والوقت المبذول لإدراك الصواب من الخطأ.(10/215)
وبيان ذلك أنه بقى بعد الوصية الأولى ثلث [مال] (1) ودرهم إلا نصيب، وأخذ [الثاني] (2) : ثلثَ الثلث والدرهم، فكان مأخوذه من الدرهم والثلث جميعاً، فبقي من الدرهم ثلثاه، فصرفنا درهماً إلى الوصية الثانية، وذلك بإكمال ثلثي الدرهم بثلث درهم، فبقي في التُّسعين نقصان ثلث درهم، مع نقصان ثلثي نصيب، فنزيده على ثلثي المال، فيكون ثمانية أتساع مال إلا ثلث درهم، وثلثي نصيب تعدل خمسة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيصير ثمانية أتساع مال معادلاً خمسة أنصباء وثلثي نصيب وثلث درهم.
نكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها ثُمْنها، وزِدْ على مقابلها مثلَها، فيصير مال في مقابلة ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب، وثلاثة أثمان درهم، وإذا نظرت إلى المخارج وبسطتها، ثم [عر ـت] (3) ضمَّ بعضها إلى بعض، استبنت أن الزيادة على جانب النصيب يبلغها هذا المبلغ، فلم نُطوّل ذكرَها لوضوحها، فقد صار مالٌ في مقابلة ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب وثلاثة أثمان درهم تعدل المال.
فاطلب عدداً إذا ضربته في الستة والثلاثة الأثمان بلغ مبلغاً إذا زدت عليه ثلاثة أثمان درهم، صار الجميع عدداً صحيحاً، وذلك العدد سبعة، فاضرب سبعة في ستة وثلاثة أثمان، فيبلغ أربعة وأربعين وخمسة أثمان، فإذا زدت عليها ثلاثة أثمان، بلغ خمسة وأربعين، [تصح] (4) منها القسمة، والنصيب سبعة؛ لأنك ضربت الأنصباء في سبعة.
والامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو خمسة عشر [ندفع منها الوصية الأولى ستة، فهي نصيب إلا درهماً، يبقى تسعة] (5) فندفع منها إلى الموصى له الثاني [وصيته] (6)
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل الباقي. وهو تصحيف قريب شكلاً، مرهقٌ مضلِّلٌ معنى.
(3) كذا وبدون نقط. ولما أدْر لها وجهاً، والسياق واضح على أية حال (انظر صورتها) .
(4) زيادة من المحقق.
(5) زدناها تكملة للعمل الحسابي.
(6) لا يتم الكلام بدون هذه اللفظة.(10/216)
وذلك أربعة [أي ثلث الباقي مع درهم] (1) تبقى خمسة، نزيدها على ثلثي المال، فبلغ خمسة وثلاثين بين خمسة بنين: لكل واحد منهم سبعة، مثل النصيب الخارج.
فصل
في الوصية بالتكملة والجزء مع ذكر الدرهم إثباتاً واستثناءً
6853- أربعة بنين. وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم ودرهمٍ، ولآخرَ بثلث ما تبقى من ربعه إلا درهم.
ومعنى الوصية الأولى أن نأخذ نصيباً ودرهماً، يثبت للموصى له بالتكملة ما وراء ذلك، إلى تمام ثلث المال، فالدرهم مع النصيب وليس موصىً به مع التكملة، فاحفظ ذلك.
وعُد إلى المسألة وقل: نأخذ ثلثَ ماله، وندفعه إلى الموصى له الأول ونسترجع منه نصيباً ودرهماً، فنُبقي من الثلث نصيباً ودرهماً.
والآن نحتاج إلى تقدير الوصية الثانية؛ فإنه أوصى بثلث ما تبقى من ربعه إلا درهماً.
فالوجه أن ننقص مما بقي من الثلث ما بين الثلث والربع؛ فإنه تعرض في الوصية الثانية للربع، وبين الثلث والربع نصف سدس، فنلقي مما معنا نصفَ سدس مال، ليكون الباقي باقي الربع عن الوصية الأولى، فإذا ألقيت مما معك من الثلث نصفَ سدس المال، ليكون الباقي باقي الربع عن الوصية الأولى، بقي نصيب ودرهم، إلا نصفَ سدس، فادفع إلى الوصية الثانية ثلثَ ذلك إلا درهماً؛ إذ هكذا الوصية، يبقى ثلثا نصيب ودرهم، وثلثا درهم إلا نصف [سدس] (2) مال.
وبيان ذلك أنه كان معنا نصيبٌ ودرهم، إلا نصف سدس مال، فأخرجنا ثلث ذلك [فخرج] (3) ثلث هذا النصيب الناقص بنصف سدس المال، وخرج ثلث الدرهم
__________
(1) تفصيل للوصية الثانية ومقدارها.
(2) في الأصل: تسع.
(3) صحفت في الأصل إلى: مخرج.(10/217)
الذي معه، وتبقّى الثلث الخارج من النصيب الناقص حصته من النقصان وهو ثلث نصف سدس المال، فبقي النقصان ثلثي نصف السدس، وهو نصف [تسع] (1) المال.
وإن أردت مزيد بيان، فاعتبر ذلك بثمانيةَ عشرَ؛ فإن سدسها ثلاثة وتسعها اثنان، ونصف سدسها واحد ونصف، وثلثا ذلك واحد، وهو نصف [التسع] (2) .
ثم أخرجنا الوصية الباقية من النصيب الناقص والدرهم، واسترددنا درهماً، فبقي معنا ثلثا نصيب ودرهم وثلثا درهم إلا نصف تسع مال، فنزيده على ثلاثة أرباع المال، فيكون خمسة وعشرين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وثلثا نصيب درهم، وثلثا درهم.
وبيان ذلك أنا أخذنا المبلغ من ستة وثلاثين للحاجة إلى السدس، وسدس السدس، والتسع، والربع، والثلث، فنأخذ ثلاثة أرباع هذا المبلغ، فيكون سبعة وعشرين، فلما ضممنا ما كان فَضَل من الوصيتين إلى هذا المبلغ، وكان معنا نصفُ تسع، ونصف تسع الستة والثلاثين سهمان، فحططناه مما معنا - بقي (3) خمسة وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وسقط نقصان نصف التسع مما كان بقي من النصيب؛ فانتظم قولنا: إن الباقي خمسة وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وثلثا نصيب ودرهم، وثلثا درهم.
وهذه الجملة تعدل أربعةَ أنصباء، فأسقط ثلثي نصيب من الأنصباء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث، وأسقط الدرهم وثلثي درهم، من الأنصباء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب إلا درهماً وثلثي درهم، تعدل خمسة وعشرين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال، فكمِّل أجزاء المال، وبلّغها ستةً وثلاثين، وبين الخمسة والعشرين إلى الستة والثلاثين من طريق العدد أحدَ عشرَ، وهي من طريق النسبة خُمسا خمسةٍ وعشرين وخمسُ خمسها، فالعشرةُ خمساها وأحدٌ خُمسُ خُمسها، فقلنا: كمَّلنا الخمسة
__________
(1) في الأصل: وربع.
(2) في الأصل: السبع.
(3) جواب فلمّا ضممنا.(10/218)
والعشرين بأن زدنا عليها مثلَ خُمسيها وخمسَ خمسها، فنزيد على الأنصباء والكسر، مع ما فيها من الاستثناء مثلَ خُمسيها وخمسَ خمسها، فيصير أربعة أنصباء، وأربعة أخماس نصيب إلا درهمين وخُمسين.
وبيان ذلك أنا زدنا ستة أخماس نصيب لمكان ثلاثة أنصباء؛ فإنا نَبْغي زيادةَ خُمسين، فنطلب ذلك من خَمسين؛ لاحتياجنا إلى ثلث الخمس لمكان ثلث النصيب الذي معنا، ثم نقول: خمسا ذلك عشرين، وخمس خمسها اثنان، فنزيد هذا المبلغ على الخَمْسين، فيصير اثنين وسبعين، وقد قدرنا كل نصيب في الأصل خمسة عشر، فالثلث خمسة، ثم زدنا خُمسي هذا المبلغ وخُمس خُمسه، فزاد اثنان وعشرون، وهو نصيب وسبعة، فإذا جمعت الجميع، وعبّرت، انتظم ما ذكرناه من أن المجموع أربعة أنصباء، وأربعة أخماس نصيب، ثم يزداد الاستثثاء على حسب زيادة المال على هذه النسبة، وقد كان الاستثناء الأول درهماً وثلثي درهم، فبلغ درهمين، وبيانه هيّن مع ما ذكرناه من التنبيه.
فاطلب عدداً إذا ضربته في أربعة وأربعة أخماس يكون مبلغه عدداً إذا نقصت منه الدرهمين والخُمْسين بقي عددٌ صحيح، فإن معنا في هذه المسألة استثناء الدرهم، وفي المسائل المتقدمة زيادة الدرهم، فاعتبرنا الضمّ في تلك المسائل، والنقصانَ في هذه المسألة، فامتحن، واضرب في هذا المبلغ ثلاثة، وإذا ضربت ثلاثة في أربعة وأربعة أخماس، بلغ أربعةَ عشرَ وخُمسَيْن، وإذا نقصت منه درهمين وخُمسَيْن، بقي اثنا عشر. ولكن لا تصح القسمة منها؛ فإن كل نصيب ثلاثة لأجل الضرب في ثلاثة، وإذا قسمت اثني عشر على البنين، وهم أربعة: ثلاثة ثلاثة، لم يبق للوصية شيء، فاطلب عدداً تصح منه الوصية وحقُّ الورثة، مع حط الدرهمين والخُمسين.
فنقول: ليكن ذلك العدد ثمانية، فاضربها في أربعة وأربعة أخماس، فيبلغ ثمانيةً وثلاثين درهماً وخُمسين، فإذا نقصت منها درهمين وخُمسين، بقي ستة وثلاثون درهماً، فمنها [تصح] (1) القسمة، وقد بان أن النصيب ثمانية، فإنا ضربنا الأنصباء في ثمانية.
__________
(1) ساقطة من الأصل.(10/219)
الامتحان: أن نأخذ ثلث هذا المال، وهو اثنا عشر، فنلقي منه نصيباً ودرهماً تبقى، ثلاثة، فننظر إلى ربع المال، وهو تسعة، فنلقي هذه الثلاثة منها، وهذه الثلاثة هي الوصية الأولى؛ فإنها التكملة بعد النصيب والدرهم، فإن حططناها من الربع وهو تسعة، تبقَّى ستة من الربع، فندفع إلى الموصى له الثاني ثلثها إلا درهماً، فله درهم. إذاً تبقى من الربع خمسة نزيدها على ثلاثة أرباع المال، وهو سبعة وعشرون، فيبلغ اثنين وثلاثين، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثمانية.
فصل
في الوصية بالنصيب والجزء والدرهم مع تعيين التركة
6854- وهذا الفصل يُظهر باقي العلامات، فإنا [نعمل] (1) فيه عن مقدارٍ معيَّن خلّفه الموصي، ويطلب منا [النصيب] (2) فيه، وما عدا ذلك من الفصول والمسائل فَرْضُ أعدادها إلى وضع المجيب، وذلك بالنسبة إلى مضمون هذا الفصل أهونُ.
6855- المثال: ثلاثة بنين وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً.
فالوجه أن تأخذ ثلثَ المال، وهو عشرة دراهم، فألق منها بالوصية الأولى نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فألق منها بالوصية الثانية: ثلثها ودرهماً. وثلث العشرة ثلاثة وثلث، فإذا ضممت إليه درهماً كان أربعة دراهم وثلث، فألق منها هذا المقدار للوصية الثانية إلا ثلث نصيب؛ فإن نقصان النصيب يتسلط على العشرة، يبقى من الثلث خمسةُ دراهم وثلثا درهم إلا ثلثي نصيب، وزده على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً، فيبلغ خمسةً وعشرين درهماً وثلثي درهم إلا ثلثي نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبر أجزاء المال بثلثي نصيب، ونزيد على عديلها مثلَها، ثم نبسطها
__________
(1) هكذا قدرناها مكان كلمة غير مقروءة.
(2) في الأصل: النصف.(10/220)
أثلاثاً، [فتصير] (1) الأنصباء أحدَ عشرَ، والمال سبعة وسبعين، فنقسم أجزاء المال على أجزاء النصيب، فيخرج للواحد من الأنصباء المبسوطة سبعة، فنتبيّن أن النصيب الذي أطلقناه سبعة.
فنرجع ونقول: ثلث المال عشرة، فنلقي منها بالوصية الأولى نصيباً وهو [سبعة] (2) ، يبقى من الثلث ثلاثة، فندفع ثلثها ودرهماً إلى الموصى له الثاني، وذلك درهمان يبقى فى درهم، نزيده على ثلثي المال، فيبلغ أحداً وعشرين، نقسمها بين البنين لكل ابن سبعة.
وعلى هذا فقس.
وقد فرضنا التركة مبلغاً تصح القسمة منه، فإن عيّن السائلُ مبلغاً لا تصح القسمةُ منه، اضطررنا إلى تنزيل القسمة على المبلغ المعيّن، فإن انكسر اتبعناه ضرورةً، ولكن طريق إخراج النصيب ما ذكرناه.
6856- خلف ابنين وأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث جميع المال، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً.
ذكرنا هذه الصورة لما في ظاهرها من إحالة الاستحالة؛ فإن الوصية بنصيب أحد الابنين لو انفردت، لكانت ثلثاً، واستثناء الثلث منها استثناء مستغرق، ولكن لما جمع إلى ذلك الوصية بثلث ما تبقى من الثلث، تغير وضعُ المسألة، وقد قدمت تردُّداً في تصحيح هذه الوصية من طريق الفقه، والجريانُ على مسلك الحُسّاب في تصحيح هذه الوصية، وله وجة في الفقه قدمته.
فالطريق أن نقول: نأخذ ثلث المال، وهو عشرة، ونحط منه نصيباً، ونسترجع من النصيب ثلثَ المال، وهو عشرة، فيصير الثلث في وضع الجبر عشرين درهماً إلا نصيباً، فإنا قدرنا الثلث عشرة، وأخرجنا نصيباً، واسترددنا عشرة، فمعنا إذاً في حساب الثلث عشرون إلا عشرة، فندفع إلى الموصى له الثاني ثلثَ ذلك
__________
(1) في الأصل: فنصيب.
(2) في الأصل: تسعة.(10/221)
[ودرهماً] (1) زائداً هكذا الوصية. وثلث العشرين ستة وثلثان، فإذا ضممت إليها درهماً، كان سبعة وثُلثين، ولكنها ناقصة بثلث نصيب، والدرهم في هذه المسائل لا يخصه نقصان، فإنه درهم كامل وليس جزئياً حتى يتسلط عليه نقصان النصيب، فإذاً بقي من الثلث الذي قدرناه بالعمل الحسابي عشرين اثنا عشر درهماً وثُلثٌ إلا ثلثي نصيب، فزده على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً في أصل الوضع، فتصير الجملة اثنين وثلاثين درهماً وثلث درهم إلا ثلثي نصيب، وذلك يعدل نصيبين وثلثي نصيب، فابسطهما أثلاثاً، فيكون الدرهم [سبعة وتسعين] (2) ، والنصيب ثمانية، فاقسم أجزاء المال على أجزاء النصيب، فيخرج الواحد اثنا عشر درهماً وثمن درهم، فذلك كل مقدار النصيب.
الامتحان: أن ندفع إلى الموصى له الأول اثني عشر درهماً وثمن درهم، ونسترجع منه ثلث المال وهو عشرة، يبقى معه درهمان وثمن، وهي وصيتُه، فنطرحها من ثلث المال، وهو عشرة دراهم، فيبقى منها [سبعة] (3) دراهم وسبعة أثمان درهم، فادفع ثلثَها مع درهم إلى الموصى له الثاني، وذلك ثلاثة دراهم وخمسة أثمان درهم، تبقى أربعة دراهم وربع، فزده على ثلثي المال وهو عشرون، فيبلغ أربعةً وعشرين درهماً وربع درهم، بين الابنين لكل واحد منهما اثني عشر درهماً [وثمن درهم] (4) ، وهو مثل النصيب الذي خرج بالعمل، وقس على هذا ما في معناه.
6857- خمسة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلا تكملة خمس ماله بنصيب أحدهم. وأوصى لآخر بثلث ما بقي من الثلث وبدرهم. وخلف ثلاثين درهماً.
فخذ ثلث المال، وهو عشرة دراهم، فأسقط منها نصيباً، تبقى عشرة دراهم إلا
__________
(1) في الأصل: ثلث ذلك درهمان.
(2) في الأصل: تسعة وتسعين.
(3) في الأصل: تسعة.
(4) ساقطة من الأصل.(10/222)
نصيباً، وننظر بعد ذلك إلى خمس المال وهو ستة، وسبب النظر في الخمس استثناء تكملة خُمس المال بالنصيب من تكملة ثلث المال بالنصيب، فنأخذ ستة دراهم [من] (1) العشرة التي هي الثلث، ونستثني من الستة نصيباً، كما استثنينا من العشرة نصيباً، وإذا أسقطت ستة دراهم إلا نصيباً من عشرة دراهم إلا نصيباً، بقي أربعة دراهم.
ويُخرَّج ذلك على مراسم الجبر: إنه كان معنا عشرة إلا نصيباً، فالآن أخرجنا ستة، واسترددنا نصيباً، فنجبر بما استرددناه نقصان النصيب، ويبقى بعد الستة أربعة دراهم بلا نقصان، فهي الوصية الأولى.
فنعود ونقول: نسقط الوصية الأولى وهي أربعة دراهم [من الثلث] (2) ، تبقى ستة دراهم، فادفع منها إلى الموصى له الثاني ثلثها ودرهماً، وذلك ثلاثة دراهم، تبقى ثلاثة دراهم، نردّها على ثلثي المال، فيبلغ ثلاثة وعشرين درهماً بين خمسة بنين، لكل واحد منهم أربعة دراهم وثلاثة أخماس درهم.
الامتحان: نأخذ الثلث وهو عشرة، ونسقط منها النصيب، وهو أربعة وثلاثة أخماس، يبقى خمسة دراهم وخمسا درهم، وهي التكملة، فاحفظها.
ثم خذ خمس المال، وهو ستة دراهم، فأسقط منها النصيب وهو أربعة وثلاثة أخماس، يبقى درهم وخمسا درهم، وذلك تكملة الخمس، فأسقطها من تكملة الثلث وهو خمسة دراهم وخمسا درهم، فتبقى أربعة دراهم، هي وصية الأول، فأسقطها من الثلث، وهو عشرة، تبقى ستة، فللموصى له الثاني منها ثلثها ودرهم، وذلك ثلاثة دراهم [يبقي من الثلث ثلاثة] (3) فزدها على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً، فصار ثلاثة وعشرين، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم أربعة دراهم، وثلاثة أخماس درهم، مثل النصيب الخارج بالعمل، وعلى هذا البابِ، وقياسِه خروجُ المسائل.
__________
(1) في الأصل: ثمن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) زيادة لاستقامة الكلام.(10/223)
مقال يجمع نوادر المسائل في أبواب مختلفة
ونحن نأتي بمضمون هذه المقالة مسائلَ.
6858- مسألة: رجل له أربعة بنين، فأوصى لعمه بمثل نصيب أحدهم وثلث ما أوصى لخاله، وأوصى لخاله بسدس جميع المال وربع ما أوصى به لعمه.
فنبتدىء ونقول (والله الموفق) : نجعل [وصية] (1) العم أربعة أشياء، ليكون لها ربع؛ إذ المسألة مشتملة على أخذ الخال رُبعاً من وصية العم، ونجعل وصية الخال ثلاثة دنانير ليكون لها ثلث صحيح؛ فإن العم يأخذ مثلَ ثلث وصية الخال، فوصيّة العم إذاً أربعة أشياء، ووصية الخال ثلاثة دنانير، وإذا جعلنا وصيةَ العم أربعةَ أشياء، ووصيتُه نصيبٌ وثلث وصية الخال، فنعلم أنا [إذا] (2) أسقطنا عن وصيته ثلثَ مال الخال، كان الباقي مِثلاً للنصيب؛ فإن وصيته نصيب وثلث وصية الخال، وقد قدّرنا للخال ثلاثة دنانير، فنُسقط ديناراً من أربعة أشياء، وتبقى أربعة أشياء إلا ديناراً، فنعلم من ذلك أن أربعة أشياء إلا ديناراً نصيبُ ابنٍ، ونحفظ هذا الذي عملناه.
ثم نعود ونقول: وصية الخال سدس المال وربع وصية العم، وقد جعلنا جميع وصيتِه ثلاثةَ دنانير، وهي سدس المال وربع وصية العم، فتعلم أنا لو حططنا عن وصية الخال ربعَ وصية العم، لكان الباقي سدس المال، فنحط عن ثلاثة دنانير شيئاً وهو [ربع] (3) وصية العم، فتبقى ثلاثةُ دنانير إلا شيئاً، ونعلم أنها مع هذا الاستثناء [سدس] (4) المال، [فنضرب] (5) ثلاثة دنانير إلا شيئاً في مخرج السدس، وهو ستة، فيبلغ ثمانيةَ عشرَ ديناراً إلا ستة أشياء؛ فإنّ ضَرْبَ الثلاثة في الستة ثمانية عشرَ،
__________
(1) في الأصل: " نصيب ".
(2) ساقطة من الأصل.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: ثلث.
(5) في الأصل: فنصرف.(10/224)
وضَرْبَ [الثلاثة] (1) في الستة [إلا شيئاً] (2) ستُّ مراتٍ إلا شيء، فالخارج من الضرب ثمانية عشر ديناراً [إلا ستةَ أشياء] (3) ، وإذا ضعَّفنا ما جعلناه سدس المال بالضرب في الستة، كان المجموع جميع المال، فالمال كله ثمانيةَ عشرَ ديناراً إلا ستةَ أشياء، فنسقط الوصيتين من المال، يعني الوصيتين الكاملتين، قبل تقدير الحط من كل واحد منهما، وإذا أسقطنا ثلاثة دنانير، بقيت خمسةَ عشرَ ديناراً إلا ستة أشياء، فإذا أسقطنا أربعة أشياء وليست الأشياء من جنس الدنانير، فلا ننقص عدد الدنانير، ولكن يزيد الاستثناء، فيبقى خمسةَ عشرَ ديناراً إلا عشرة أشياء؛ ضمَّاً لأربعة الأشياء إلى الستة الأشياء، فإذا فعلنا ذلك، علمنا أن هذا الباقي حصةُ البنين خاصّة -[فإنا] (4) أسقطنا الوصيتين- فاقسمها عليهم، وهم أربعة، فيخرج حصةٌ للواحد ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار، إلا شيئين ونصف شيء، فإنا كما نقسم الدنانير نقسم [الأشياء] (5) ؛ فإذاً مقدار النصيب ثلاثةُ دنانير وثلاثة أرباع دينار إلا شيئين ونصف شيء.
وقد كان في ابتداء الوضع أن أربعة أشياء إلا ديناراً تعدل نصيباً، فنقابل بين ما تقدم وبين ما ظهر آخراً، فيكون أربعة أشياء إلا ديناراً، تعدل ثلاثة دنانير، وثلاثة أرباع إلا شيئين ونصف شيء، فنجبر المبلغين، ونقابل، فنزيد على التقدير الأول في وضع المسألة ديناراً، فتصير أربعة أشياء كاملة، ونزيد على عديلها ديناراً للمقابلة، فيصير أربعة دنانير وثلاثة أرباع، وفي الدنانير استثناء شيئين ونصف، فنجبرها بالاستثناء وهو شيئين ونصف، فتكمل أربعة دنانير وثلاثة أرباع، ونزيد على عديلها شيئين ونصف للمقابلة في المعادلة، فيخرج لنا بعد الجبر والمقابلة ستة أشياء ونصف شيء من غير استثناء في مقابلة أربعة دنانير وثلاثة أرباع، فنبسطها أرباعاً، وتصير الدنانير تسعة عشر، والأشياءُ ستةً وعشرين، فنجعل كلّ عدد عبارة عن واحد من الجنس -على
__________
(1) في الأصل: الاثنين.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: إلا ستة عشر شيئاً.
(4) في الأصل: فإذا.
(5) حرفت في الأصل إلى: الاستثناء.(10/225)
عادتنا المستمرة في الجبر والمقابلة- فنعبّر ونقول: الدينار تسعة عشرَ، والشيء، ستةٌ وعشرون، ثم نقلب العبارة، فنجعل الشيء تسعةَ عشرَ والدينارَ ستةً وعشرين، وقد كانت وصية العم أربعة أشياء، فنجعل كلَّ شيء تسعةَ عشرَ، فمجموع الأشياء الأربعة إذاً ستةٌ وسبعون.
وإذا انتهينا إلى هذا المنتهى، لم نعتبر ما ذكرناه على الجبر والمقابلة، بل نرد الأمرَ إلى ما هو الوصية حقيقةً في وضع المسألة، وقد كانت وصية العم أربعةَ أشياء، وبان أن كل شيء تسعة عشر؛ فهي إذاً ستةٌ وسبعون، ونسقط أيضاً من الدنانير ما كنا زدناه للمقابلة، ونقول: كانت وصية الخال في أصل الوضع ثلاثة دنانير، وقد بان أن كل دينار ستة وعشرون، فهي إذاً ثمانية وسبعون.
وكانت وصية العم مثلَ النصيب ومثلَ ثلث وصية الخال، فخذ ثلث وصية الخال وهو ستة وعشرون، فاطرحها من وصية العم وهي ستة وسبعون، تبقى منها خمسون، فهي النصيب، وكانت وصية الخال سدسَ المال وربعَ وصية العم، فخذ ربع وصية العم، وهو تسعة عشر، فاطرحها من وصية الخال، وهي ثمانية وسبعون تبقى تسعة وخمسون، فهي سدس المال، فالمال إذاً ثلاثمائة وأربعةٌ وخمسون، والنصيب خمسون.
الامتحان: نجمع الوصيتين التامتين وهما مائة وأربعة وخمسون من المال وهو ثلاثمائة وأربعة وخمسون تبقى مائتان بين أربعة بنين لكل واحد منهم خمسون، مثل النصيب الخارج بالعمل. وقد أخذ العمّ مثلَ النصيب ومثل ثلث وصية الخال، وأخذ الخال سُدسَ المال، ومثلَ ربع وصية العم.
وبيان ذلك أنك إذا زدت على النصيب وهو خمسون، ثلث وصية الخال وهو ستةٌ وعشرون، بلغ ستةً وسبعين، وهي وصية العم، وإذا زدت على سدس المال وهي تسعة وخمسون. ربع وصية العم، وهو تسعةَ عشر، بلغ ثمانية وسبعين، وهي وصية الخال، ومجموع الوصيتين أكبر من الثلث، وإنما أجرينا الحساب على تقدير الإجازة. فإن فرض ردٌّ، فالثلث يقسّم على هذه النسبة بين الوصيتين، ونزيد في الثلثين إذا قدّرنا الثلث هذا المبلغ.(10/226)
6859- مسألة: خمسة بنين وبنت، وقد أوصى لعمه بمثل نصيب البنت وربع ما أوصى لخاله. وأوصى لخاله بمثل نصيب أحد البنين وخمس ما أوصى لعمه.
فنجعل وصيةَ العم عدداً له خمس، فليكن خمسة دنانير، ونجعل وصية الخال عدداً له ربع، فليكن أربعة دراهم، ثم نعلم أنا إذا نقصنا من وصية العم ربعَ وصية الخال، وهو درهم، بقي خمسةُ دنانير، إلا درهم، وذلك مثل نصيب البنت؛ فإن وصية العم مثلُ نصيب البنت، ومثلُ ربع وصية الخال، فإذا حططت ربعَ مال الخال، بقي الباقي نصيب البنت، فقد بان أن نصيب البنت خمسة دنانير إلا درهماً.
وإذا نقصت على هذا القياس من وصية الخال وهو أربعة دراهم خُمسَ وصيةِ ْالعم، وهو دينار، فتبقى أربعة دراهم إلا ديناراً، فنعلم أن هذا نصيبُ الابن؛ فإن وصية الخال نصيبُ ابنٍ وخمسُ وصية العم، فإذا سقط خمسُ وصيةِ العم، كان الباقي مثلَ نصيب ابنٍ، فقد خرج لنا أن نصيب البنت خمسة دنانير إلا درهماً، ونصيب الابن أربعة دراهم إلا ديناراً.
فنقابل بين الجملتين، ومن ضرورة المقابلة أن تضعِّفَ نصيبَ البنت حتى يعادل نصيب الابن، فنضعّف نصيب البنت، وقرّب نصيب الابن حتى يعتدلا، وقل: نصيب [الابن] (1) عشرة دنانير إلا درهمين، فإن الخمسة كانت مع استثناء درهم، فالعشرة مع استثناء درهمين، فإذاً عشرة دنانير إلا درهمين تعدل أربعة دراهم إلا ديناراً.
ولكن لا بد من جبر الاستثناء والمقابلة، فنجبر العشرة بدرهمين، ونزيد [على] (2) نصيب الابن درهمين، ونجبر نصيب الابن بدينار، ونزيد على عديله ديناراً، فيخرج بعد الجبر والمقابلة ستة دراهم تعدل أحد عشر ديناراً، فاجعل الدينارَ بقلب العبارة ستة أسهم، والدرهم أحد عشر سهماً، وكانت وصية العم في الأصل قبل الحط خمسةَ دنانير، فارجع إليها وقل كل دينار ستة، فالمجموع ثلاثون، وكانت وصية الخال
__________
(1) في الأصل: البنت.
(2) في الأصل: عليها.(10/227)
أربعة دراهم في الأصل، كل درهم أحد عشرة فالمجموع أربعةٌ وأربعون، وجملة المال على الامتحان الذي تقدم مائتان وثلاثة وثمانون، ونصيب كل ابن ثمانية وثلاثون، ونصيب البنت تسعةَ عشرَ، وقس على هذا نظائره.
6860- مسألة: رجل له أربعة بنين وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص نصيب أحدهم بالوصية.
فقد ذكرنا من هذا طرفاً من نوادر مسائل الاستثناء، ولكنا ذكرناه مع الوصية بجزءٍ، ونحن نذكر المسألة مع إفراد ذلك، ونبين طريقها، فنقول: المال مقسومٌ أرباعاً بين البنين لولا الوصية، فإذا فرضنا الوصيةَ مثلَ نصيب ابنٍ، فقد دخل [النقص] (1) في نصيب كل ابن بسبب الوصية، فمعنى المسألة: الوصية بمثل نصيب ابنٍ مع استثناء قدر النقصان في نصيبٍ من الوصية.
فنأخذ مالاً، ونسقط منه نصيباً فيبقى مالٌ إلا نصيباً، ونسترد من النصيب مقدار النقصان.
وعبارة الجبر في ذلك أن نقول: كان لكل ابن ربعٌ لولا الوصية، والآن ليس لواحد منهم ربع، فينتظم أن نقول: الناقص من كل نصيب ربع إلا نصيب، فإذا أخرجنا الوصيةَ من المال، وقدرنا الوصية نصيباً، وقلنا: الباقي مالٌ إلا نصيباً، فنسترجع من ذلك النصيب مقدارَ النقصان، وهو ربع مال إلا نصيب، على التقدير الذي ذكرناه، فيحصل مالٌ وربع مال إلا نصيبان، فإنه كان معنا استثناء نصيب أولاً، وإذا استرجعنا ربعاً إلا نصيباً، انضم استثناء إلى استثناءٍ، وليس للناظر أن يقول ليس النصيبان مثلين؛ فإن النصيب الثاني استثناء من النصيب الأول، ولكن ليس في عبارة الجبر هذه المحاقة، فإذاً معنا مالٌ وربع مال، إلا نصيبين تعدل أنصباء الورثة، وهي أربعة، فاجبر وقابل، وقل: نجبر المال والربع، فيكون مال وربع من غير استثناء ونزيد على عديله نصيباً، فصار مال وربع في مقابلة ستة أنصباء، فنرد ما معنا في جانب المال إلى مال واحد، وذلك بأن نُسقط خُمسه، وهو الربع الزائد، فإن مالاً
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/228)
وربعَ مالٍ خمسةُ أرباع، فإذا أسقطت من جانب المال خُمسه، فأسقط من جانب الأنصباء خُمسها، وهو خمس ستة: نصيبٌ وخمس، فيبقى أربعة أنصباء وأربعة أخماس نصيب، فابسطهما أخماساً، فيصير المال خمسة، والأنصباء وما معها من كسر أربعة وعشرين، فاقلب العبارة، واجعل المال أربعة وعشرين، والنصيب خَمسةً، وقد خرجت المسألة.
الامتحان: نأخذ نصيباً وهو خمسة أسهم، وننقص منه ما انتقص أحدهم بالوصية وهو سهم؛ لأن الوصية لو لم تكن، لكان لكل ابن ستة من أربعة وعشرين، فالناقص إذاً سهم، فأخرج النصيبَ خمسة، واسترجع ما نقص من نصيب، وهو سهم واحد، فيبقى أربعة أسهم، وهي الوصية، فألقها من المال، وهو أربعةٌ وعشرون، تبقى عشرون بين البنين، لكل ابنٍ خمسةٌ وقد أخذ الموصى له مثلَ نصيب أحدهم إلا ما انتقص من نصيب أحدهم بالوصية، وذكر الحذاق في هذه المسألة وأمثالها [طريقةً أخرى] (1) .
6861- طريقة أخرى في الحساب فقالوا: لو لم يكن وصية، كان لكل ابن ربع المال، وقد انتقص منه بالوصية شيء، فربع المال إذاً نصيبٌ وشيء من غير تقدير وصية، على عبارة الجبر، والمال كله أربعة أنصباء وأربعة أشياء.
فأعط الموصى له منها نصيباً إلا شيئاً، يبقى ثلاثة أنصباء وخمسة أشياء، والشيء مقدار النقصان، فاسترجعناه من النصيب المخرَج، فحصل معنا ثلاثةُ أنصباء وخمسةُ أشياء، تعدل أربعة أنصباء، فأسقط الثلاثة أنصباء بمثلها، يبقى نصيب يعدل خمسة أشياء، فالنصيب خمسةُ أسهم، والشيء سهم، وقد كانت التركة أربعة أنصباء وأربعة أشياء، وهي أربعةٌ وعشرون سهماً، والوصية نصيب إلا شيء، وقد خرجت المسألة.
6862- مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بسدس ماله، إلا ما انتُقِصَ أحدهم بالوصية.
فخذ مالاً، وألق منه سُدسَه، يبقى خمسةُ أسداس مال، فنزيد عليه ما انتُقص
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/229)
أحدُهم بالوصية، وهو ربع مال إلا نصيباً، فيكون الحاصل مالاً ونصف سدس مال إلا نصيباً؛ فإنك إذا ضممتَ ربعاً إلى خمسة أسداس، كان المجموع مالاً ونصفَ سُدس، وهذا الذي زدناه مسترجَعٌ من الوصية، وهي السدس، كان المجموع مالاً ونصف سدس إلا نصيباً، يعدل أربعة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيصير مال ونصف سدس مال -من غير استثناء- يعدل خمسة أنصباء، فردّ المال ونصف سدس مال إلى مال بإسقاط الزائد، وعبّر عما تسقطه بعبارة تفيدك مناسبة، وهذا يتأتى بأن نبسط المال أنصاف أسداس، فيصير المال مع نصف سدس ثلاثةَ عشرَ، فالذي أسقطت في جانب المال جزء من ثلاثةَ عشرَ، وانقص بهذه النسبة من الأنصباء الخمسة، فبقي منها أربعة أنصباء، وثمانية أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من نصيب، فابسطها بأجزاء ثلاثةَ عشرَ، وقل بعد القلب: المال ستون، والنصيب ثلاثة عشر، والذي انتُقص من كل ابنٍ بالوصية سهمان؛ فإن الوصية لو لم تكن، لخصّ كلَّ ابن خمسةَ عشرَ: ربعُ الستين، والآن بان النصيبُ ثلاثة عشر، والناقص سهمان، فادفع إلى الموصى له سدسَ المال، وهو عشرة، واسترجع منه السهمين، وهو مقدار النقصان، فيبقى مع الموصى له ثمانية، فألقها من رأس المال؛ فإنها الوصية، يبقى اثنان وخمسون، بين البنين، لكل واحد منهم ثلاثة عشر.
وقد أخذ الموصى له سدسَ المال إلا ما انتقص أحدهم بالوصية.
فإن جُعل ربعُ المال نصيباً وشيئاً، فيكون المال كله أربعةَ أنصباء وأربعةَ أشياء، كما تقدم في المسألة السابقة، ثم خذ سُدُسَها، وذلك ثلثا نصيب، وثلثا شيء وألق منه ما انتُقص أحدُ البنين بالوصية، وذلك شيء، فيبقى ثلثا نصيب إلا ثلثَ شيء فإنا نأخذ من الوصية ثلث شيء، ونستتم الشيء من ثلثي النصيب، فنأخذ من ثلثي نصيب ثلثَ شيء، فيبقى ثلثا نصيب إلا ثلثَ شيء، نلقي ذلك للموصى له من جملة المال، وهو أربعة أنصباء وأربعة أشياء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، وأربعة أشياء وثلث شيء، وهو ما استرجعته من الوصية، وهذا يعدل أربعةَ أنصباء، وأربعة أشياء، [وثلث شيء] (1) ، فإذا ألقيت الثلاثة الأنصباء، وثلثَ نصيب بمثلها، بقي ثلثا
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/230)
نصيب، يعدل أربعة أشياء وثلثَ شيء، فالنصيب الكامل يعدل ستة أشياء ونصفَ شيء، فابسط الجميع أنصافاً، فيكون الشيء سهمين، والنصيب ثلاثةَ عشرَ بعد القلب، والتركة ستين سهماً، كما خرج بالعمل الأول، ولم نبسط القول فيه لوضوحه.
6863- مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا، وأوصى لآخر بمثل نصيب ابن آخر إلا خمسَ ما تبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا، وأوصى لثالث بمثل نصيب ابن آخر إلا ثُمن ما تبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا.
فنعلم أن الوصايا بجملتها إذا أخرجت، فالباقي يعدل أربعة أنصباء، فاحفظ ذلك.
وقل بعده: الوصية الأولى وصيةٌ بنصيب إلا سدس أربعة أنصباء، وذلك ثلثا نصيب، فإذا ألقيت من النصيب ثلثي نصيب، بقي ثلث نصيب.
والوصية الثانية بنصيب إلا خمس الباقي، فخذ خُمس أربعة أنصباء واستثنها من الوصية الثانية؛ فيبقى خمس النصيب.
والوصية الثالثة بالنصيب واستثن منها ثمنَ أربعة أنصباء، وذلك نصف نصيب، فتبقى من هذه الوصية نصف نصيب، فاجمع الوصايا، يعني ما بقي منها بعد الاستثناءات، وهي ثلث نصيب وخمس نصيب ونصف نصيب، فخذ هذه الأجزاء من ثلاثين، وخذ نصف الثلاثين خمسةَ عشرَ، وخُمسه ستةً، وثُلثَه عشرةً، فالمجموع أحدٌ وثلاثون، فقل: مجموع هذه الوصايا نصيب وجزءٌ من ثلاثين جزءاً من نصيب، فألق ذلك من المال، فيبقى مال إلا نصيباً وجزءاً من ثلاثين جزءاً من نصيب، وذلك يعدل أربعة أنصباء، فاجبر الاستثناء، وقابل، فيكون مالٌ يعدل خمسة أنصباء وجزءاً من ثلاثين جزءاً من نصيب، فابسطها بأجزاء الثلاثين، واقلب العبارة والاسم فيهما، فيكون المال مائة وأحدٌ وخمسون، والنصيب ثلاثون. والوصايا كلها أحدٌ وثلاثون، وألقها من المال يبقى مائةٌ وعشرون [بين أربعة بنين] (1) لكل واحد منهم ثلاثون،
__________
(1) ساقط من الأصل.(10/231)
وللموصى له الأول -إذا امتحنت- نصيبٌ إلا سدس الباقي بعد الوصايا وسدس الباقي عشرون، فوصيته عشرة، وللموصى له الثاني نصيب إلا خمس الباقي بعد الوصايا، وخمس الباقي أربعة وعشرون، فوصيته ستة أسهم، وللموصى له الثالث نصيب إلا ثمن الباقي بعد الوصايا وثمن الباقي خمسة عشر، فوصيته خمسة عشر، وإذا جمعت الوصايا كانت أحداً وثلاثين.
6864- مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من ماله بعد النصيب، وأوصى لآخر بمثل نصيب ابنٍ آخر إلا سدسَ ما تبقى من ماله بعد الوصايا كلها.
فالمستثنى من النصيب الموصى به الثاني ثلثا نصيب؛ فإن الأنصباء أربعة، فسدسها ثلثا نصيب، والمستثنى من النصيب للموصى به الأول سدس مال إلا سدس نصيب؛ لأن الباقي من المال بعد النصيب مال إلا نصيب، فنزيد عليه الاستثناء بسدس مال إلا سدس نصيب، وهذا مسترجع من النصيب الموصى به الأول، فيبقى معنا مال وسدس إلا نصيباً وسدسَ نصيب، فنلقي منه بالوصية الثانية ثلث نصيب؛ فإنا ذكرنا أن الوصيةَ الثانية واقعةٌ بنصيب إلا سدس أربعة أنصباء وسدسُ أربعة أنصباء ثلثا نصيب، فتكون تلك الوصية ثلثَ نصيب، فنلقي هذا من المال، فيحصل معنا بعد ضم هذا الثلث إلى الاستثناء الذي في المال والسدس مالٌ وسدس إلا نصيباً ونصفَ نصيب؛ فإن الاستثناء كان نصيباً وسدساً، فإذا ضممنا إليه ثلثا، صار نصيباً ونصفاً، وهذا يعدل أربعة أنصباء، فنجبر المال والسدس لما فيه من الاستثناء، ونزيد على عديله مثله، فيكون مال وسدس يعدل خمسةَ أنصباء ونصف نصيب، فنبسطهما أسداساً، ونقلب العبارة، فيصير المال ثلاثة وثلاثين، والنصيب [سبعة] (1) ، فنضرب الجميع في ثلاثة لأن وصية الموصى له الثاني ثلث نصيب، وليس للسبعة ثلث صحيح، وإذا ضربنا الجميع في ثلاثة، فتصير سهام التركة تسعة وتسعين، والنصيب [أحدٌ وعشرون] (2) .
الامتحان: أن نلقي من المال نصيباً يبقى ثمانية وسبعون، فنسترجع سدسها، وذلك
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) زيادة من المحقق.(10/232)
ثلاثةَ عشرَ، فنسترد هذا من النصيب الذي أخرجناه، فيبقى وصيةُ الأول [ثمانية] (1) أسهم، فنلقيها من المال يبقى أحدٌ وتسعون، فنلقي الوصية الثانية وهي ثلث نصيب، وذلك سبعة أسهم، فإذا ألقيناها بقي أربعةٌ وثمانون، وسدسها [أربعة] (2) عشرَ، وهذا المبلغ هو المستثنى من النصيب الموصى به للثاني، فصارت وصية الثاني سبعة، وإذا قسمنا أربعة وثمانين على أربعة بنين، حصل لكل واحد منهم أحدٌ وعشرون.
6865- مسألة: رجل له خمسة بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب، وأوصى لآخر بثلث ما يبقى من الربع بعد الوصية الأولى.
فالاستثناء الأول وقع مما بعد النصيب، والاستثناء الثاني وقع مما بعد الوصية الباقية (3) بعد الاستثناء.
فالوجه أن نأخذ ثلثَ مال، ونطرح منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فنرد عليه ثلثه للاستثناء، فيصير أربعة أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب.
وبيان ذلك [أنا نزيد على] (4) الثلث ثلثه للاستثناء، فيصير أربعةَ أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب، وقد حططنا منه نصيباً، ثم زدنا عليه مثل ثلثه. وهذا الذي زدناه مسترجع من النصيب.
وإذا كان النصيب ناقصاً بالاستثناء فالنقص ينبسط على أجزائه، فحصل معنا إذاً أربعة أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب.
ثم إنا نلقي من هذا المبلغ نصفَ سدس المال؛ لأنا نُريد الباقي من الربع لأجل الوصية الثانية، وإذا حططنا نصفَ سدس المال من الأتساع الأربعة، [بقي] (5) معنا ثلاثة أتساع المال وربع تسع المال إلا نصيباً وثلثَ نصيب.
__________
(1) في الأصل: ثمن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) المقصود أن الاستثناء الثاني وقع مما بقي بعد الوصية الأولى.
(4) عبارة الأصل: وبيان ذلك أن الثلث ثلثه للاستثناء.
(5) في الأصل: في.(10/233)
وبيان ذلك أنا إذا زدنا على التكسير سدس التسعة، كان سهماً [ونصفاً] (1) ، هذا هو السدس [ونصفه] (2) ثلاثة أرباع، وقد كان معنا أربعة أتساع، وقد حططنا نصفَ سدس المال، وهو ثلاثة أرباع التسع، فيبقى معنا ثلاثة أتساع وربع تسع، وهذا الذي نُسقطه كامل لا يتبعه شيء من الاستثناء؛ فإنا نُريد ردَّ الحساب إلى الربع، لنقيم منه الوصية الثانية على شرطها، فبقي الاستثناء الكامل في ثلاثة أتساع وربع تسع، فنقول: معنا ثلاثة أتساع وربع تسع إلا نصيباً وثلث نصيب. وهذا الآن بقية الربع، فندفع ثُلثَه إلى الموصى له الثاني، وذلك تسعٌ ونصف سدس تسع: أما التسع، فثلث ثلاثة الأتساع، وأما نصف سدس التسع، فهو ثلث ربع التسع، ويتبع هذا إذا أخرجناه حصته من الاستثناء لا محالة، فيبقى معنا تُسعان وسدس [تُسع] (3) إلا ثمانية أتساع نصيب، وذلك أن الاستثناء، كان نصيباً وثلثاً، فنبسطها أتساعاً، ونتبع ما أخرجنا أجزاء من الأتساع الباقية: ثلث ذلك، وهو أربعة من اثني عشر، فبقي ثمانية أتساع نصيب، فنزيد هذا الباقي على ثلاثة أرباع مال؛ فإنّ ما أسقطناه من نصف السدس لرد الحساب إلى الربع قد انضم إلى المال، فنقيم حساب الأرباع الآن، وإذا نسبنا على التكسير من [تسعة] (4) ، كان ثلاثة أرباع [التسعة] (5) ستة أتساع وثلاثة أرباع تسع، وقد ضممنا إليها مما بقي معنا [تُسعَيْن وسدس تُسع] (6) ، فيصير ثمانية أتساع وثلثي تسع وربع تسع ثمانية أتساع نصيب، وهذا يعدل خمسة أنصباء، فنجبر ما معنا من مال الاستثناء، ونزيد على عديله مثله، فيصير ما ذكرناه من غير استثناء معادلاً لخمسة أنصباء وثمانية أتساع نصيب، فنضرب كل واحد منهما في عدد يكون له تُسع ولتسعه ربعٌ وثلث، وذلك مائة وثمانية، فنقلب بعد ذلك العبارة في الجانبين، فيكون المال ستمائة وستة وثلاثين سهماً، والنصيب مائة وسبعة أسهم.
__________
(1) في الأصل: "وسدساً". وهو خطأ حسابي.
(2) في الأصل: ونصف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصلة: سبعة.
(5) في الأصل: السبعة. ونسأله سبحانه أن يشد أزرنا ويلهمنا الصواب.
(6) في الأصل: سبعين وسدس سبع.(10/234)
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو مائتان واثنا عشر، فنلقي منه النصيب وهو مائة وسبعة، يبقى مائة وخمسة، نأخذ ثلثها وهو خمسة وثلاثون من النصيب ونسترده منه، فبقي اثنان وسبعون وهي الوصية الأولى، فنلقي ذلك من ربع المال، وهو مائة وتسعة وخمسون، فيبقى سبعة وثمانون، فادفع ثلثها إلى الموصى له الثاني، وذلك تسعة وعشرون، يبقى ثمانية وخمسون نزيدها على ثلاثة أرباع المال فيبلغ خَمسَمائة وخمسة وثلاثين، بين خمسة بنين لكل واحد منهم مائة وسبعة وهو النصيب الخارج بالعمل.
6866- مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وقد أوصى (1) لعمه بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى لخاله، وأوصى لخاله بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى لعمه.
فالوجه أن نجعل وصية الخال ثلاثة أشياء، ووصيةَ العم أربعةَ دنانير، ثم تعلم أنك إذا أخذت ثلث وصية الخال، فضممته إلى وصية العم وهي أربعة دنانير، كان ذلك أربعة دنانير وشيء، وهو مثل نصيب البنت.
والغرض من هذا الضم والجمع بيانُ نصيب البنت، وإذا بان نصيبها، فنصيب كل ابن ضعف ذلك، وهو ثمانية دنانير وشيئان، فإذا أسقطت من ذلك ربع وصية العم، وذلك دينار، بقي سبعة دنانير وشيئان وهذه وصية الخال، فالآن نقابل ما حصل معنا في وصية الخال بما قدّرناه وصيةً للخال في الابتداء، وإذا قابلت سبعة دنانير وشيئين بالأشياء الثلاثة التي قدرناها في وضع (2) المسألة، وأسقطنا شيئين بشيئين يبقى سبعةُ دنانير تعدل شيئاً واحداً، فالثلاثة الموضوعة ابتداء أحدٌ وعشرون سهماً، وهي وصية الخال.
ووصية العم كان في الأصل أربعة دنانير، وقد ذكرنا أنك إذا ضممت إليها ثلث وصية الخال، كان المجموع مثل نصيب البنت، وقد بان أن نصيب البنت أربعة دنانير وشيء، وقيمة الشيء [سبعة] (3) ، وكل دينار سهم، فالمجموع أحدَ عشرَ سهماً،
__________
(1) عبارة الأصل: وقد أوصى واحد منهم لعمه.
(2) وضع: أي فرض.
(3) في الأصل: تسعة.(10/235)
وإذا كان نصيب البنت أحدَ عشرَ سهماً، فنصيب الابن اثنان وعشرون، والشيء ثلث وصية الخال، وهو مستثنى من وصية العم، فيبقى للعم أربعة أسهم هي وصيته، فمتى أسقطت من نصيب الابن ربعَ وصية العم، وهو سهم واحد، بقي أحدٌ وعشرون، وهو وصية الخال، ومتى أسقطت من نصيب البنت ثلث وصية الخال وهو سبعة، ونصيب البنت أحد عشر بقي أربعة وهو وصية العم، فالوصيتان جميعاً خمسة وعشرون، وجميع التركة مائة واثنان.
6867- مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى لعمّه بمثل نصيب أحدهم، وثلث ما أوصى به لخاله، وأوصى لخاله بسدس جميع المال إلا ربع ما أوصى لعمه.
فهذه المسألة اشتملت على ضم جزءٍ إلى النصيب، وعلى استثناء جزءٍ من وصية، وقد تقدم في المسائل جمعُ جزئين من وصيتين متداخلتين، كالوصية بالنصيب للعم، مع ثلث وصية الخال، ووصيةُ الخال مقدارٌ أو نصيب مع جزءٍ من وصية العم، وتقدم ذكر وصيتين مع استثنائين.
وهذه الوصية التي نحن فيها تجمع الزيادةَ في وصية والاستثناء من وصية، فإذا قال -والبنون أربعة-: أوصيت لعمي بمثل نصيب أحدهم وثلث ما أُوصي لخالي، وأوصيت بسدس جميع المال إلا ربعَ ما أوصيت لعمي، فنجعل وصية العم أربعة أشياء، ووصية الخال ثلاثة دنانير، وإذا زدت على وصية الخال ربعَ وصية العم، فهي تصير ثلاثة دنانير وشيئاً، وذلك سدس المال، فنضرب هذا المبلغ في ستة، ونعلم أن الضرب يردّ المالَ، فإنا إذا علمنا السدسَ وضعّفناه ستَّ مرات، كان المجموع تمامَ المال، لا محالةَ. وإذا ضربنا ثلاثةَ دنانير وشيئاً في ستة، فيكون المجموع ثمانيةَ عشرَ ديناراً وستةَ أشياء.
فإذا نقصت من وصية العم ثُلث [ما أوصى به لخاله] (1) ووصية الخال في أصل الوضع ثلاثة دنانير، ووصية العم أربعةُ أشياء، وإذا نقصت ديناراً من أربعةِ أشياء، بقيت أربعةُ الأشياء إلا ديناراً، وذلك نصيب كلّ ابنٍ لا محالة، فإن وصيته نصيبٌ
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/236)
كامل وثلثُ وصية الخال، فإذا حططت ثلثَ وصية الخال من وصيته، كان الباقي نصيبَ ابن، فنسقط من التركة وهي ثمانيةَ عشرَ ديناراً وستةُ أشياء الوصيتين الموضوعتين في أصل المسألة، وهما أربعة أشياء وثلاثة دنانير، فتبقى [خمسةَ عشر ديناراً] (1) وشيئان، وذلك يعدل أنصباءَ أربعة بنين، وقد صح أن نصيب كلّ واحد منهم أربعةُ أشياء إلا ديناراً، وجميع ذلك ستةَ عشرَ شيئاً إلا أربعةَ دنانير، فنجبر الاستثناء من الأنصباء بأن نزيد عليها أربعة دنانير، ونزيد على عديلها مثلها، فتصير الأنصباء ستةَ عشر شيئاً، والمالُ [تسعةَ] (2) عشرَ ديناراً، وشيئان، فنسقط الشيئين بالشيئين تبقى أربعةَ عشرَ شيئاً تعدل تسعةَ عشرَ ديناراً، فنقلب الاسمَ، فيكون الدينارُ أربعة عشر سهماً والشيءُ تسعة عشرَ سهماً، وقد كانت التركة ثمانية عشر ديناراً وستة أشياء، فهي إذاً ثلاثمائة [وستة] (3) وستون، وكانت وصيةُ العم أربعةَ أشياء، فهي ستةٌ وسبعون، ووصيةُ الخال ثلاثةُ دنانير، فهي اثنان وأربعون، وكان نصيب كل ابن أربعةَ أشياء إلا ديناراً، فهو اثنان وستون، وسدس المال أحد وستون.
فإذا أردت الامتحان، قلت: إذا نقصنا من وصية العم وهو ستة وسبعون ثلث وصية الخال، وهو أربعة عشر، بقي اثنان وستون، وذلك مثلُ نصيب كل ابن، وإذا نقصت من سدس المال، وهو أحدٌ وستون ربعَ وصية العم، وذلك تسعة عشر، بقي اثنان وأربعون، وذلك وصية الخال، وإذا نقصت الوصيتان وهما [مائة] (4) وثمانية عشر من جملة التركة وهي ثلاثمائة وستة وستون، بقي [مائتان] (5) وثمانية وأربعون، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم اثنان وستون.
6868- مسألة: خمسة بنين وبنت، ولد أوصى لعمه بمثل نصيب أحد البنين إلا نصف ما أوصى به لخاله، وأوصى لخاله بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى به لابن
__________
(1) في الأصل: " خمسة دنانير ". وهو خطأ ظاهر.
(2) في الأصل: سبعة عشر.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وهما ثمانية عشر.
(5) في الأصل: بقي مائة وثمانية وأربعون.(10/237)
أخيه، وأوصى لابن أخيه بسدس المال إلا ربع ما أوصى به لعمه، وأوصى لأجنبي بثلث ما يبقى من الثلث.
فاجعل وصية الخال في وضع المسألة شيئين؛ لاحتياجك إلى استثناء النصف من نصيبه، ونجعل وصية ابن الأخ ثلاثة دنانير، لاستثناء السدس من وصيته، ونعلم أنك إذا زدت ثلث وصية ابن الأخ، -وهو دينار- على وصية الخال -وهي شيئان- فصار [شيئين] (1) ودينار، فذلك نصيب البنت، ونعلم أن نصيب الابن ضعف ذلك، وهو أربعة أشياء وديناران، وإذا نقصت من نصيب الابن نصف وصية الخال في أصل الوضع، وهو شيء بقي ثلاثة أشياء وديناران وذلك وصية العم، ومتى أخذت ربعَ وصية العم وهي ثلاثة أرباع شيء ونصف دينار، فزدته على وصية ابن الأخ، وصيرته ثلاثة دنانير ونصف دينار وثلاثة أرباع شيء، فهذا المجموع سدسُ المال.
واستمسك بالسدس لإبانة المال، فاضربه في ستة، وقل: ثلاثة دنانير ونصف دينار في ستة، تكون أحداً وعشرين ديناراً. وثلاثةُ أرباع شيء في ستة، تكون أربعة أشياء ونصف، فالمال إذاً أحدٌ وعشرون ديناراً وأربعة أشياء ونصف.
وقد تبين على الجملة مبلغ المال، وإن لم يتقوّم بعدُ، وبان بحسب ذلك وصيةُ العم، والخال، وابن الأخ، وبقيت وصية أخرى وهي ثلث ما تبقى من الثلث، فالوجه أن نأخذ ثلثَ المال، وهي سبعة دنانير، وشيء ونصف، فأسقط منه وصيةَ العم وهي ثلاثة أشياء وديناران، ووصية الخال وهي شيئان، ووصية ابن الأخ وهي ثلاثة دنانير وجميعها خمسة أشياء وخمسة دنانير، يبقى من الثلث ديناران إلا ثلاثةَ أشياء ونصف؛ فإنا نأخذ المثل بالمثل، ونجعل الخلاف استثناء من الخلاف، وقد كان معنا في الثلث شيءٌ ونصف، ونحن احتجنا في الوصية إلى خمسة أشياء، فأسقطنا شيئاً ونصفاً، وجعلنا ثلاثةَ أشياء ونصف شيء استثناء مما تبقى من الدنانير، وأسقطنا دنانير الوصايا من دنانير الثلث، فبقي ديناران إلا ثلاثةَ أشياء ونصفَ شيء، فندفع الثلث من هذا الباقي إلى الموصى له بثلث ما بقي من الثلث، فيبقى دينار وثلث إلا
__________
(1) في الأصل: استثناء.(10/238)
شيئين وثلث؛ فإن ثلث ما بقي يذهب بحصةٍ من الاستثناء، فيبقى ما ذكرناه، فنزيد ذلك على ثلثي المال، وإذا كان ثلثُ المال سبعةَ دنانير وشيئاً ونصفاً، فالثلثان أربعةَ عشرَ ديناراً وثلاثةُ أشياء، وإذا زدنا ما بقي من الثلث، وهو دينار وثلث إلا شيئين وثلث شيء فيصير المجموع خمسة عشر ديناراً وثلث دينار [وثلثا] (1) شيء، وسبب ذلك أن معنا استثناء شيئين وثلث شيء في بقية الثلث، فنحط الاستثناء من [الأشياء] (2) التي كانت في الثلثين، وكان في الثلثين ثلاثةُ أشياء وإذا حططت منها شيئين وثلث شيء بقي ثلثا شيء، فالمجموع إذاً خمسةَ عشرَ ديناراً وثلث دينار وثلثا شيء، وذلك يعدل أنصباء الورثة.
وقد بان أن أنصباءهم اثنان وعشرون شيئاً وأحدَ عشرَ ديناراً؛ فإنّ نصيب كلِّ ابن أربعةُ أشياء وديناران، والبنون خمسة، ومعهم بنت، ونصيبها على النصف، فيخرج المجموع ما ذكرناه، فنسقط المثلَ بالمثل، فيبقى من دنانير المال أربعة دنانير وثلث، ويسقط من الأشياء في جانب النصيب ثلثا شيء، فيبقى أحدٌ وعشرون شيئاً وثلث في معادلة أربعة دنانير وثلث، فابسط الجميع أثلاثاً فيصير الأشياء أربعةً وستين، والدنانير ثلاثة عشر، فاقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار أربعةً وستين والشيء ثلاثةَ عشرَ.
ثم عُد وقل: كان المال كله أحداً وعشرين ديناراً وأربعة أشياء ونصف شيء، وقيمتها على ما خرج بالعمل الأول ألف وأربع مائة واثنان ونصف، فضعّف جميع ما معك بالضرب في مخرج النصف ليذهب الكسر، فيكون المال ألفين وثمانمائة وخمسة أسهم، ويتضعف الدينار بحسب ذلك؛ فيصير مائة وثمانية وعشرين، والشيء ستةً وعشرين، ونصيب كل ابن أربعة أشياء وديناران، وقيمتها ثلاثمائة وستون.
ونصيب البنت نصف ذلك، مائة وثمانون.
ووصية العم، وهي ثلاثة أشياء، وديناران، وقيمتها ثلاثمائة وأربعة وثلاثون.
__________
(1) في الأصل: وثلث.
(2) في الأصل: من الاستثناء.(10/239)
ووصية الخال وهي شيئان، اثنان وخمسون سهماً.
ووصية ابن الأخ وهي ثلاثة دنانير، ثلاث مائة وأربعة وثمانون سهماً.
وإذا أخذت ثلث المال، وهو تِسع مائة وخمسة وثلاثون، وأسقطت منه وصية العم، والخال، وابن الأخ، وهي سبعمائة وسبعون، بقي مائة وخمسة وستون يكون ثلثها للموصى له بثلث الباقي من الثلث، وذلك خمسة وخمسون، تبقى مائة وعشرة نزيدها على ثلثي المال، فيصير المجموع ألفاً وتسعمائة وثمانين، بين خمسة بنين وبنت لكل ابن ثلاثمائة وستون وللبنت مائة وثمانون.
مسائل من نوادر التكميلات
6869- مسألة: إذا مات عن امرأة، وأبوين، وابنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد الابنين لإنسان، وأوصى لآخر بتكملة ربع الباقي من ماله بنصيب الأم، وأوصى لثالث بتكملة خمس الباقي بعد الوصيتين بنصيب الزوجة.
فمسألة الميراث من أربعة وعشرين وتبلغ بالتصحيح ثمانية وأربعين سهماً فنقول: نجعل الوصايا بجملتها ديناراً واحداً، ونضم ذلك الدينار إلى فريضة الميراث، ولا نثُبت في ذلك الدينار حظاً للورثة؛ فإنه مقدّر ليكون وسيلةً إلى إخراج الوصايا، وكلّ ما قدرناه من الأشياء والدنانير في المسائل، ففي تقديرات تُفضي إلى بيان، فليكن هذا الدينار الواحد جملةَ الوصايا.
ثم نأخذ ثلثَ الفريضة وثلثَ الدينار، وهو ستة عشر سهماً، وثلثَ دينار، فنعزل منها نصيب الابن، وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى [ثلاثة] (1) أسهم وثلث دينار، فهي الوصية الأولى الواقعة بتكملة الثلث بنصيب الابن، فاحفظ ذلك واعزلها عن جميع المال، فتبقى خمسةٌ وأربعون سهماً وثلثا دينار، ونحن نحتاج إلى جزءٍ مما تبقى، فخذ ربع ذلك الباقي، وهو أحد عشر سهماً وربع سهم وسدس دينار، فألق منها نصيب الأم، وهي ثمانية أسهم، تبقى ثلاثة أسهم وربع سهم وسدس دينار، فهي الوصية الثانية، فاحفظها، واجمعها إلى الوصية الأولى، وهي ثلاثة أسهم وثلث دينار، فيكون
__________
(1) في الأصل: ستة.(10/240)
المجموع ستة أسهم وربع سهم ونصف دينار، فألق ذلك من المال، تبقى أحدٌ وأربعون سهماً وثلاثة أرباع سهم ونصف دينار، فحُطّ خُمسَ ذلك، فإن تصرفك في الباقي، وخمس هذا الباقي ثمانية أسهم وربع وعشر سهم وعشر دينار، فاعزل عنها نصيب الزوجة وهو ستة أسهم، يبقى سهمان وربع وعشر سهم وعشر دينار، فهي الوصية الثالثة، فضُمَّها إلى الوصيتين الأُوليين، وهما ستة أسهم وربع سهم ونصف دينار، فتبلغ ثمانية أسهم وثلاثة أخماس سهم وثلاثة أخماس دينار، فذلك مجموع الوصايا، [وذلك يعدل ديناراً، كما قدرنا الوصايا في أصل الوضع] (1) فأسقط المثل بالمثل، فنسقط ثلاثة أخماس دينار من الجانبين قصاصاً، تبقى خمسا دينار يعدل ثمانية أسهم، وثلاثة أخماس سهم، فابسطها أخماساً، فتصير الأسهم والأخماس ثلاثة وأربعين سهماً، ويصير خمسا الدينار دينارين، فتقع ثلاثة وأربعون سهماً في مقابلة دينارين، والدينار يعدل أحداً وعشرين [سهماً] (2) ونصف، فزد ذلك على ثمانية وأربعين، والتي وضعناها في فريضة الميراث، فيكون المجموع تسعة وستين سهماً ونصف، فهي الجملة الجامعة للوصايا والميراث.
وقد كانت الوصية الأولى ثلاثة أسهم وثلث دينار، فهي إذاً عشرةُ أسهم وسدس سهم، هكذا تكون على التقويم الذي ذكرناه للدينار.
والوصية الثانية كانت ثلاثة أسهم وربع سهم وسدس دينار، فهي إذاً ستة أسهم وخمسة أسداس سهم.
والوصية الثالثة سهمان وربع وعشر سهم وعشر دينار، فهي إذاً أربعة أسهم ونصف، وجملة الوصايا مع تقويم أجزاء الدينار [المضمومة] (3) إلى السهام أحدٌ وعشرون سهماً ونصف.
فإذا ألقيتها من المال وهو تسعة وستون ونصف، تبقّى ثمانية وأربعون سهماً، وهي مقسومة بين الورثة على فرائضهم.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: درهماً.
(3) في الأصل: المضمونة.(10/241)
6870- مسألة: ثلاثة بنين وقد أوصى لإنسان بتكملة ثلث الباقي من ماله بعد الوصية بنصيب أحد البنين، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلث جميع ماله.
فالوجه أن نجعل ثلث الباقي من المال بعد الوصية وصيةً ونصيباً، فيكون المال الباقي بعد الوصية ثلاثة أنصباء وثلاث وصايا، وصية محقَّقة، ووصيتان مقدرتان؛ لتعديل الحساب، ومعنا وصية أخرى، وهي الوصية بثلث ما تبقى من ثلث جميع المال، فإذاً المال كله ثلاثة أنصباء، وهي أنصباء الورثة وأربع وصايا: وصيتان محقَّقتان ووصيتان مقدرتان، لتصحيح العمل.
فنأخذ ثلث ذلك، وقد قدرنا ثلاثة أنصباء وأربع وصايا، فثلثها نصيبٌ ووصية وثلث وصية، فنلقي بالوصية الأولى وصيةً، يبقى نصيب وثلث وصية، فألق ثلث ذلك للموصى له الثاني، يبقى ثلثا نصيب وتسعا وصية، فنزيد هذا الباقي على ثلثي المال، وهو نصيبان ووصيتان وثلثا وصية، فيجتمع نصيبان وثلثا نصيب ووصيتان وثمانية أتساع وصية؛ فإنه كان معنا وصيتان وثلثا وصية في جانب الثلثين، فإذا زدنا التُّسعين الباقيين من الثلث على ثلثي وصية، صار ثمانية أتساع وصية، وهذا المبلغ يعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط المثل بالمثل وما معنا في جانب المال نصيبان وثلثا نصيب، فنسقطهما، ونسقط عن مقابلة مثلها، فبقي من أنصباء الورثة ثلث نصيب، يعدل وصيتين وثمانية أتساع وصية، فنبسط الجميع أتساعاً، ونقلب العبارة في الجانبين، فيصير النصيب ستة وعشرين، والوصية ثلاثة أسهم، والمال ثلاثة أنصباء وأربع وصايا، ومجموعها بعد البيان الذي ذكرناه تسعون سهماً، فنلقي الوصية وهي ثلاثة من جملة المال، وهي تسعون، بقي سبعة وثمانون، فإذا أخذت ثلث ذلك، وهو تسعة وعشرون، وألقيت منها النصيب، وهو ستة وعشرون، بقيت الوصية، وهي ثلاثة أسهم، وهي تكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحدهم.
وإذا أخذت ثلث جميع المال، وهو ثلاثون وألقيت منها هذه الوصية، وهي ثلاثة، بقي سبعة وعشرون، فألق ثلثها للموصى له بثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية، وهي تسعة، تبقى ثمانيةَ عشرَ سهماً، فزدها على ثلثي المال وهو ستون سهماً، فيبلغ ثمانيةً وسبعين سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ستةٌ وعشرون.(10/242)
ومما يجب التنبه له في هذه المسألة وأمثالها، أنا قدرنا فيها ثلاث وصايا في ثلاثة أثلاث الباقي بعد الوصية، ووضعناها متماثلة، ثم قدرنا الوصية بثلث ما تبقى من الثلث وصية رابعة، وهذه الوصية في الامتحان خرجت تسعة، والوصية الأخرى خرجت ثلاثة، فهي متفاوتة، وقد جرت في مراسم الجبر على نسوق أحد (1) ، وهذا بديعٌ؛ فإن القياس يقتضي أن تَسَاوى الأنصباء المجراة في مراسم الجبر، ولا مطمع في دَرْك حقيقة ذلك، إلا من جهة البرهان الهندسي.
ولو نظر ناظر على ظنَّ وقال: قدّرنا وصيتين، وأثبتنا وصية محققة، وكل وصية من الوصايا الثلاثة ثلاثة، والوصية بثلث ما تبقى من الثلث تسعة، وهي ثلاثة أمثال الوصية الواحدة من الوصايا الثلاثة، فمجموعها أربعة وصايا إذا حُسبت كل وصية ثلاثة، كان هذا نظراً عن بعدٍ، ولا تعويل عليهِ. والأصل اتباع الألفاظ التي وضعها حذاق الحُسّاب. وهذا تنبيه لم نجد بداً من ذكره.
6871- مسألة: خمسة بنين، وأوصى بتكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحد البنين، إلا ثلثَ الباقي من ذلك الثلث بعد التكملة.
فنجعل النصيب ثلاثةَ أشياء، لأنه هو الباقي المستثنى ثُلُثه بعد التكملة.
وبيان ذلك، وبه يتضح تصوير المسألة: أنه أوصى بتكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحد البنين، واستثنى عن الوصية بهذه التكملة ثلثَ ما تبقى من هذا الثلث بعد التكملة، وإذا أخرجنا التكملة من الثلث، فالباقي من ذلك الثلث بعد إخراج التكملة النصيبُ؛ فإن [الثلث] (2) تكملة ونصيب، فيرجع حقيقةُ التصوير إلى الوصية بالتكملة من الثلث الباقي بعد الوصية [إلى الوصية] (3) بالنصيب إلا ثلثاً من النصيب الذي به التكملة؛ فنجعل ذلك النصيبَ ثلاثةَ أشياء للاحتياج إلى الاستثناء.
ونقول أيضاً: إذا كنا نحتاج إلى الاستثناء من التكملة، فنزيد في [وضع] (4)
__________
(1) كذا. وواضحٌ أن المقصود " على نسق واحد ".
(2) في الأصل: الثلاثة. وقد أرهقنا هذا التصحيف يوماً كاملاً، حتى استبان وجهه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وضح. والمراد بالوضع هنا: الفرض.(10/243)
المسألة ذلك الذي نستثنيه، ونقول: التكملةُ وصيةٌ وشيء، والوصيةُ هي التي تبقى بعد الاستثناء، والشيء هو الذي نستثنيه من التكملة، فينتظم منه أن الثلث كلَّه وصية وأربعة أشياء، والتكملة وصية وشيء، فإذا ألقيت من التكملة ثلث الباقي من النصيب الذي به التكملة، بقيت الوصية.
هذا تمهيد التصوير، وفيه بقيةٌ ستَبِينُ في مساق المسألة، فنضرب الوصية والأربعة الأشياء في ثلاثة ليرد المال الباقي بعد الوصية، فيرد ثلاث وصايا واثنا عشر شيئاً، وليس هذا جميع المال، بل هذا جميع أثلاث ما تبقى بعد الوصية.
فإذا زدت على هذا وصيةً، صار جميعُ المال إذاً أربعَ وصايا واثنا عشر شيئاً، فألق منها الوصية، فالباقي ثلاث وصايا واثنا عشر شيئاً.
فنقابل أنصباء البنين، وأنصباؤهم خمسة، وكل نصيب ثلاثة أشياء، فهي إذاً خمسةَ عشرَ شيئاً، فنُسقط المثل بالمثل، فيبقى من الأنصباء ثلاثة أشياء، فنتبيّن أن الوصية تعدل شيئاً.
فنعود ونقول: النصيب ثلاثةُ أسهم، والمال كلُّه -وهو أربع وصايا واثنا عشر شيئاً- ستة عشرَ سهماً، فإذا ألقيت الوصية -وهي سهم من المال- بقي خمسةَ عشرَ، وإذا أخذت ثُلثَها -وهو خمسة- وألقيت منها النصيب وهو ثلاثة بقي سهمان، وذلك هو التكملة، فإذا ألقينا منها ثلث الباقي بعدها، والباقي بعد التكملة هو النصيب [وثُلثُه سهمٌ واحدٌ] (1) ، بقي سهم واحد، وهو الوصية، فألقها من المال، وهو ستةَ عشرَ، فتبقى خمسة عشر بين البنين لكل واحد منهم ثلاثة.
6872- مسألة: ستة بنين، قد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم [إلا] (2) تكملة ربع ما تبقى من مال بعد الوصية بنصيب أحدهم.
فحساب المسألة أن نجعل الوصية شيئاً، وننقصه من المال، فيبقى مالٌ إلا شيء، فنأخذ ربعَ ذلك، وهو ربعُ مال إلا ربع شيء، وهذا الربع هو الذي نطلب تكملته،
__________
(1) عبارة الأصل: وثلاثة أسهم وأخذ.
(2) في الأصل: إلى.(10/244)
[لنستبقيها] (1) من تكملة ثلث جميع المال، وهذا الربع واقع بعد تقدير الوصية، والتكملةُ الموصى بها لو لم يكن استثناءٌ، [لكانت] (2) تكملة [ثلث] (3) جميع المال، فنعلم أن هذا الربع الناقصَ نصيبٌ كامل لأحد البنين، وتكملةُ ربعٍ ناقص، فإن نَقَصْتَ من هذا الربع الناقص نصيباً كاملاً، فالباقي إلى تمام الربع هو المستثنى من تكملة ثلث جميع المال، فهذه التكملة من هذا الربع الناقص مع الوصية التي ثبتت بعد الاستثناء تكملةُ ثلث جميع المال، ولو لم نُسقط من هذا الربع الناقص شيئاً، لكان هذا الربع الناقص -وهو نصيب واستثناء- مثل ما بقي من ثلث جميع المال إذا أخرجت الوصية الثابتة منه؛ لأن الثلث نصيب ووصية واستثناء، وهذا الربع الناقص نصيب واستثناء، فهو مثل الباقي من ثلث جميع المال بعد الوصية، فخرج منه أن ربع مال إلا ربع شيء يعدل ثلث مال إلا شيئاً؛ فإن الوصية شيء في وضع المسألة، فنقابل بين ربع مال إلا ربع شيء وبين ثلث مال إلا شيء، فنجبر الثلث الناقص بالشيء، فإنه أكثر النقصين، وإذا جبرنا الثلث [الناقص] (4) بشيء، زدنا على عديله شيئاً، فنجبر بهذا الشيء نقصان ربع شيء، ونزيد على الربع ثلاثة أرباع شيء، فيبقى ثلثٌ كاملٌ في مقابلة ربع كامل وثلاثة أرباع شيء، فنسقط الربع بالربع، فيبقى من الثلث نصفُ سدس مال تعدل ثلاثة أرباع شيء، وإذا كان نصف السدس يعدل ثلاثة أرباع، فجملة المال تعدل [تسعة] (5) أشياء؛ فإنا إذا [بسطنا] (6) المال أنصاف أسداس، كان (7) اثنا عشر، فكل سدس يقابل شيئاً ونصفاً، فالمجموع يقابل تسعة أشياء، فخرج منه أن الشيء تُسعُ مال، وبان أن الوصية تُسع مال، وللبنين ثمانية أتساع مال بينهم على ستة لا تنقسم، ولكن توافق بالنصف، فاضرب نصف عدد البنين في مخرج التُّسع، وهي تسعة، فترد
__________
(1) في الأصل: لنستبينها.
(2) زيادة من المحقق.
(3) ناقصة من الأصل.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعة.
(6) في الأصل: أسقطنا.
(7) كان هنا تامة، والمعنى حصل أو نحوها.(10/245)
سبعةً وعشرين، والنصيب أربعة، وإنما نتبين أن النصيب أربعة بالقسمة بعد الضرب؛ فإنّ أنصباء البنين قبل الضرب، كان ثمانية، فلما انكسرت، ضربنا التسعة في ثلاثة، فصار كل سهم من الثمانية ثلاثة، فالمجموع أربعة وعشرون، وإذا قسمناها على ستة بنين خصَّ كل واحد أربعة، فاستبان من هذا أن النصيب أربعة.
فنعود ونمتحن ونقول: ثلث المال تسعة؛ فإن المال سبعة وعشرون، فننقص منه نصيباً، وهو أربعة، يبقى خمسة أسهم، فهي تكملة ثلث المال، ثم نعود وننقص الوصية وهي ثلاثة من المال، يبقى أربعة وعشرون فنأخذ ربعها، وهذا هو الربع الناقص الذي أبهمناه قبلُ، وهو ستة، فننقص منه نصيباً كاملاً، يبقى سهمان، فهذا هو تكملة ربع ما تبقى من المال بعد الوصية بنصيب أحدهم، فننقص تكملة الربع وهو سهمان من تكملة ثلث المال، وهو خمسة، فيبقى ثلاثة أسهم، وهي الوصية الخارجة بالعمل، فننقصها من المال، فيبقى أربعة وعشرون، بين ستة بنين، لكل واحد منهم أربعة.
6873- مسألة: ستة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث الباقي من ماله بعد الوصية بنصيب أحدهم، إلا تكملة سدس ماله بنصيب أحدهم.
فالوجه أن نجعل الوصية شيئاً وننقصه من المال، يبقى مال إلا شيئاً، فخذ ثلثَه وهو ثلث مال [إلا ثلث شيء] (1) ، فلو نقصت من هذا الثلث الناقص نصيباً كاملاً، لبقي تكملة ثلث الباقي من المال بنصيب أحدهم، ولكن نحتاج إلى استثناء من هذه التكملة من هذا الثلث الناقص أكثر من الوصية بمقدار الاستثناء، فاحفظ هذا. ومتى نقصت من سدس المال نصيباً، بقي سدس مال إلا نصيب، وهو تكملة سدس المال بنصيب أحدهم، وهذا هو المستثنى من تكملة الثلث بعد الوصية، ولا شك أن سدس جميع المال هو نصيبٌ والاستثناءُ الذي نطلبه، فمتى زدت على سدس المال الوصيةَ وإلا شيء، اجتمع نصيبٌ والوصيةُ والمستثنى، وذلك يعدل ثلث مال إلا ثلث شيء؛ لأن ذلك الثلث الناقص اشتمل على نصيبٍ كاملٍ ووصيةٍ واستثناء، فقل: ثلث مال إلا ثلث شيء يعدل سدس مال وشيء، وإذا كان كذلك، فقابل واجبر الثلث الناقص بثلث
__________
(1) زيادة لتصحيح المسألة.(10/246)
شيء، فنردّ على عديله ثلث شيء، فيصير ثلث كامل في مقابلة سدس وشيء وثلث شيء، فنسقط السدس بالسدس فيبقى سدس في مقابلة شيء وثلث شيء، فجميع المال في مقابلة ثمانية أشياء، وقد بان أن الشيء إذا أطلقناه ثُمنُ مالٍ، وهو الوصية، فإذا أخرجتها من المال، بقي سبعةُ أثمان المال لا تنقسم على عدد البنين، ولا توافق، فاضرب عددهم في ثمانية، وهو مخرج الثمن، فترد ثمانية وأربعين، ومنها تصح المسألة والنصيب سبعة؛ فإنا ضربنا كل نصيب في سبعة.
الامتحان: نحط من ثمانية وأربعين ثمنها وهو ستة أسهم، يبقى اثنان وأربعون، فخذ ثلثها، أربعة عشر، وانقص منها نصيباً، فيبقى سبعة، فهي تكملة الباقي من [ثلث] (1) المال بعد الوصية بنصيب أحدهم، ثم خذ سدس المال، وهو ثمانية أسهم، وانقص منه نصيباً، يبقى سهم واحد، وهو تكملة سدس المال، فانقصه من تكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية، وهو سبعة، تبقى ستة، فهي الوصية.
فعد وانقصها من المال، وهو ثمانية وأربعون، يبقى اثنان وأربعون بين البنين، لكل واحد منهم سبعة أسهم.
فإن كانت المسألة بحالها، وقد أوصى فيها لآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فمعلوم أن وصية الأول ثمنُ المال، على ما بيّنا، فكأنه أوصى لرجل بثمن ماله، ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، وقد بان نظائر هذا فيما تقدم، فالوصيتان بالطرق المقدمة، والوصايا بالأجزاء أربعة عشر جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، فانقصها من المال، واقسم الباقي بين البنين على أمثال ما تقدم شرح ذلك في أمثال هذا.
مسائل في النوادر من الوصايا المفروضة، التي فيها ذكر الجذور
6874- فنقول أولاً: المسائل التي يجري فيها تصوير الجذور، لا تمس (2) الحاجة إليها في الأحكام والفتاوى ولا تُخرّج على موجَب الحكم، إنما يوردها الحُسّاب للرياضة في الحساب، وإلا فالجذر لا ضبط له في طرفي القلة والكثرة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " ولا تمس ".(10/247)
وقد ذكرنا أن من أوصى بجذر ماله، فهذا محمول على جذر ما خلّفه، على ما تقدم شرحه: منطَّقاً كان الجذر أو أصمَّ، وكنا فيما تقدم رأينا هذا، ولم يتعرض له الأستاذ أبو منصور في مسائل الجذور، ولكنه استرسل في طريق الحساب استرساله في مسائل سائر الأبواب، وقد نص هاهنا على ما ذكرناه، وأبان أن المسائل التي تُفرض فيها الجذور والمجذور فرضياتٌ، [يُبغى] (1) بها الرياضة والتدرّب.
وما عدا ذلك من مسائل الأبواب ينطبق على الفتاوى والأحكام؛ فإن المقصود منها بيانُ أجذار الوصايا، وإيضاح جزئها من حصص الورثة، وتلك الجزئية لا تختلف بأن نفرض عدداً قليلاً أو كثيراً، وكذلك لا تختلف بأن نخرج المسألة مع كسرٍ، أو نخرجَها مع التصحيح، فكأن نخرجها في أقلِّ عدد تصح القسمةُ منه موافقاً للحكم، ولا حرج على من يكسّر ولا من يبسط؛ فإن الجزئية لا تختلف، وأما الجذور، فإنها تختلف بالجزئية إذا خالفت في الوضع (2) تقليلاً وتكثيراً، ولو لم يكن فيها [إلا أنّ] (3) جذرَ الأموال التي [تكون] (4) أعداداً أقلُّ منها، وجذرُ الكسر أكثر من الكسر (5) ، لكان في هذا أكمل بيان في أن مسائل الجذور رياضةٌ وضعيّة، لا حاجة إليها في الأحكام إلا أن يتكلف متكلفٌ، فيشترطَ شرطاً يدنو من بيان المسألة.
6875- ولكنا لم نُحب أن نُخلي هذا المجموع (6) من بعض ما ذكره الحُسّاب في هذا الباب؛ حتى يكون مشتملاً على كلِّ نوع يجري الرسمُ بذكره، فنذكر إذاً مسائل.
منها - أن قائلاً لو قال: خلف رجل ابناً وبنتاً، وأوصى بوصية إن نقصها من نصيب البنت، كان باقي نصيبها مجذوراً، وإن نقصها من نصيب الابن، كان باقي نصيبه مجذوراً، كم الوصية؟ والتركة؟ والنصيب؟
__________
(1) في الأصل. ويبغى.
(2) المراد بالوضع الفرضُ والتقدير.
(3) عبارة الأصل: ولو لم يكن فيها الآن جذر ...
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) مثاله: جذر التسعة ثلاثة، وجذرُ الربع نصف.
(6) هذا المجموع المراد به: هذا الكتاب (نهاية المطلب) .(10/248)
فالوجه في استخراج هذه المسألة في أوضاعهم، أن نقول: نجعل نصيب البنت مالاً ووصية، ونجعل نصيب الابن أربعة أموال ووصية، وإذا أسقطنا الوصية من نصيب البنت بقي مال، وهو مجذور، وإذا أسقطنا الوصية من نصيب الابن، بقيت أربعة أموال، وجذر الأربعة من طريق اللفظ ثابت، ثم نضعِّف نصيبَ البنت، فيكون مالَيْن ووصيتين، وسبب تضعيف المال أن نثبت لها مالين على نصف ما أثبتنا للابن، فإذاً نصيبها مالان ووصيتان، ونصيب الابن أربعة أموال ووصية، وليس هذا تعديلاً محقَّقاً؛ وسبب ذلك أنا إذا أردنا أن يكون الباقي من نصيب البنت مجذوراً، فينبغي أن يكون نسبة الوصية إلى باقي نصيبها بخلاف نسبة الوصية إلى باقي نصيب الابن، ولو لم نقدّر ذلك، لما خرج الباقي من كل نصيب مجذوراً.
وليعلم الناظر أن المسائل الجذرية وضعيةٌ كلُّها، توصّل الحُسّاب إلى أوضاعٍ فيها ولا تتبعوها (1) وأوردوها، ويعسر طلبُ طرقٍ منقاسةٍ في استخراجها، ولا شك أن لها طرقاً غائصة متلقّاةً من أسرار الهندسة، ولكن لا مطمع في بيانها، فليكتف الناظر بالمراسم التي تُلقى إليه.
فنعود ونقول: نصيب البنت مالان ووصيتان، نقابل به نصيب الابن، وهو أربعة أموال ووصية، فأسقط مالين بمالين، ووصية بوصية، فيبقى وصية تعدل مالين، فاجعل كل واحد من المالين أيَّ عدد شئت، بعد أن يكون مجذوراً، فقل: كل مال أربعةٌ، فالوصية إذاً ثمانية؛ فإن الوصية صارت تعدل مالَيْن.
ونصيب البنت في أصل المسألة قبل التضعيف مالٌ ووصية، فالمجموع اثنا عشر؛ فإن المال أربعةٌ، والوصيةُ ثمانية.
ونصيب الابن أربعةُ أموال ووصبة، فهو إذاً أربعة وعشرون، ستة عشر منها أموال، وثمانية وصية، وجملة المال أربعة وأربعون، اثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون، وثمانية للوصية.
ومتى نقصت الوصية من نصيب البنت بقي أربعة، وهي مجذورة، فإن نقصتها من
__________
(1) كذا، ويمكن أن تقرأ: ولاتّبعوها.(10/249)
نصيب الابن، بقي ستة عشر، وهي مجذورة.
6876- فإن كانت المسألة بحالها إلا أن السائل قال: الوصية إن زادت على نصيب كل واحد من الابن والبنت، كان النصيب مع الوصية مبلغاً مجذوراً.
فالطريق المذكورة في ذلك أن نجعل نصيب البنت أربعة أموال إلا وصية، ونجعلَ نصيب الابن ستة أموال وربع مال إلا وصية.
وهذا كما ذكرناه وضعُ امتحان لا يُهتدَى إلى طريقٍ منقاسةٍ فيه، ثم نضعّف نصيب البنت -وهذا يطرد في أمثال هذه المسائل- فتكون ثمانية أموالٍ إلا وصيتين، ثم نقابل ذلك بنصيب الابن، وهو ستة أموال وربع إلا وصية، فنجبر نصيبها بوصيتين، ونزيد على نصيب الابن وصيتين، فنجبر بأحدهما الاستثناء، فيصير ثمانية أموال في مقابلة ستة أموال وربع ووصية، فنسقط من نصيب البنت ستة أموال وربع مال، ونسقط ما كان معنا من الأموال والكسر من جانب الابن، فيبقى وصيته تعدل مالاً وثلاثة أرباع مال، فاجعل المال عدداً مجذوراً، أيَّ عدد شئت، فإن جعلتَه أربعة، فالوصية سبعة؛ فإنها قابلت مالاً وثلاثة أرباع مال.
ونصيب البنت في أول وضع المسألة قبل التضعيف أربعةُ أموال إلا وصية، وأربعة أموال ستة عشر، فإذا استثنيت منها الوصية -وهي سبعة- بقيت تسعة.
ونصيب الابن وهو ستة أموال وربع مال -وكل مال أربعةٌ- خمسةٌ وعشرون، ولكن معها استثناء وصية، وإذا استثنيت الوصية وهي سبعة من خمسةٍ وعشرين، بقي ثمانيةَ عشرَ، وهي ضعف التسعة، ولو زدت [السبعة] (1) على ثمانيةَ عشرَ، بلغ خمسةً وعشرين، وهي مجذورة، وإذا زدت الوصية وهي سبعة على نصيب البنت، وهو تسعة بلغ ستةَ عشرَ، وهي مجذورة، والنصيبان مع الوصية أربعة وثلاثون، وهي التركة الجامعة للوصية والنصيبين.
6877- فإن ترك ابنين، وقد أوصى لأخيه وعمه وخاله بوصايا كل وصية منها على عدد مجذور، وجميعهن مثلُ نصيب أحد الابنين، وإذا زدت على كل واحدة منهن
__________
(1) في الأصل: التسعة.(10/250)
ستة عشر سهماً، كان المبلغ مجذوراً، فكم التركة؟ وما مقدار كل واحدة من الوصايا؟
الوجه أن نجعل الستة عشرَ جذري وصية الأخ، وواحداً من العدد، يعني نحسب كلَّ (1) واحدٍ من العدد، فبقي خمسة [عشر] (2) فهي جذران، وإذا كان كذلك، فالجذر الواحد لوصية الأخ سبعة ونصف، والوصية ستة وخمسون وربع.
[ثم] (3) نجعل الستةَ عشرَ أربعة أجذار وصية العم، وأربعة من العدد، وإذا حططت من الستةَ عشرَ أربعة لأجل العدد، بقي اثنا عشر، وإذا قطعتها أربعة أجذار، فالجذر الواحد ثلاثة، فوصية العم تسعة.
ثم نجعل الستة عشر ستة أجذار وصية الخال وتسعة من العدد، فنخرج الجذر الواحد من الستة عشر بعد حط التسعة، واحداً وسدساً، فيكون وصية الخال واحداً وثلاثةَ عشرَ جزءاً من ستةٍ وثلاثين جزءاً من واحد.
فمتى زدت الستةَ عشرَ على وصية الخال، صار المبلغ سبعةَ عشرَ من العدد وثلاثةَ عشرَ جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من واحد، وذلك مجذور وجذره أربعة وسدس.
وإن زدت الستةَ عشرَ على وصية الأخ وهو ستة وخمسون وربع، بلغ اثنين وسبعين وربعاً، وهو مجذور، وجذره ثمانية ونصف.
وجميع الوصايا إذا جمعتها ستة وستون عدداً، واثنان وعشرون جزءاً من أجزاءٍ ستةٍ وثلاثين، ونصيب الابنين مِثْلا ذلك، فجميع التركة إذا ألَّفت الكسور [مائة وتسعة وتسعون] (4) سهماً وخمسة أسداس سهم.
وهذه المسألة وضعيّة (5) ، وحاصلها أن نضع عدداً يوافق الجوابُ فيه مقصودَ
__________
(1) كذا. ولعلها: " أي واحدٍ "، والمعنى واضح من السياق: أي نفرض الـ (16 = 2جذر+1) أو (16-1 = 2 جذر) .
(2) عبارة الأصل: فبقي خمسة.
(3) في الأصل: لم.
(4) عبارة الأصلِ: مائة وسبعون.
(5) وضعية أي فرْضية تقديرية.(10/251)
السائل، وإلا فما ذكرناه من تقاسيم الوصايا تحكّمات، ولو أقمت الخال مقام الأخ، والعمَّ مقام الخال، والوصايا المذكورة في السؤال مرسلة، لا ضبط فيها (1) ، ولكن لا تخرج الوصايا الثلاث إلا بأن ترتب كذلك، ونسبة الوصايا إلى تقدير الجاعل.
ولا معنى للإكثار من هذا الفن إذا كان الحاجة لا تَمس إليها في الأحكام، وإنما هي رياضٌ (2) .
***
__________
(1) جواب لو مفهوم الكلام.
(2) أي رياضة.(10/252)
باب مسائل في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير والمقصود استخراج أعداد سهمها للسائل في سؤاله
6878- مسألة: ابن وبنت، وقال السائل: أوصى بوصية كانت الوصية إذا زدت عليها ثلاثة دنانير - مثلَ نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرةَ دنانير، كانت مثلَ نصيب الابن. كم الوصية؟ وكم التركة؟
والوجه أن نقول: نجعل نصيب البنت شيئاً وثلاثة دنانير، ونجعل نصيب الابن شيئاً، وعشرةَ دنانير، ثم نضعّف نصيب البنت، فيكون شيئين وستة دنانير، فنقابل بين نصيب الابن، وهو شيءٌ وعشرةُ دنانير، فيبقى بعد المقابلة وإسقاط المثل بالمثل شيءٌ، يعدل أربعةَ دنانير، وهي الوصية.
فعد وقل: الوصية أربعة، ولو زدت عليها ثلاثة دنانير، كانت سبعة، وهي نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرة دنانير، كانت أربعةَ عشرَ ديناراً، وهو مثل نصيب الابن.
والتركةُ كلُّها خمسةٌ وعشرين ديناراً. حصة الابن والبنت منها أحدٌ وعشرون، والوصية أربعةٌ.
وهذه المسألة في وضعها أدنى إشكال؛ من جهة أنا بالتضعيف آخراً، قدرنا نصيب البنت شيئين وستة دنانير، فكان الوضع يقتضي أن يكون نصيب الابن شيئين ونصيب البنت شيئاً واحداً، وستأتي مسائل على النظم الذي ذكرناه، ولكن الحُسَّاب لم يخرجوا على تقدير ثلاثة أشياء، واحتاجوا إلى تضعيف الدنانير الثلاثة، وانتظم لهم اللفظ الذي ذكرناه، ولا يختلف الغرض بذلك التقدير.(10/253)
6879- مسألة: ابن وبنت وقد أوصى بوصية إن زدتها على نصيب البنت بلغ المجموع ثلاثين ديناراً، وإذا زدتها على نصيب الابن، بلغ المجموع خمسين ديناراً، فكم الوصية؟ وكم التركة؟
الوجه أن نجعل الوصية شيئاً، فإذا ألقيته من الخمسين ديناراً، بقي خمسون ديناراً إلا شيء، وذلك نصيب الابن. وإذا ألقيته من ثلاثين ديناراً، بقي ثلاثون ديناراً إلا شيئاً، وذلك نصيب البنت، فضعّف نصيبَ البنت أبداً في قياس الباب، فيصير ستين ديناراً إلا شيئين، فنقابل الآن بينها وبين نصيب الابن، وهو خمسون دينار إلا شيئاً، ونجبر الشيئين بشيئين، ونزيد على الخمسين شيئين، فتصير شيئين، في مقابلة خمسين وشيئاً، فنسقط المثل بالمثل، فيبقى شيء في مقابلة عشرة دنانير.
فنقول: الوصية عشرةُ دنانير، ونصيب الابن أربعون، ونصيب البنت عشرون.
وإذا زدت العشرة على الأربعين صار المبلغ خمسين، وإذا زدتها على عشرين، صار المبلغ ثلاثين.
والتركة سبعون ديناراً للوصية عشرة، وللابن أربعون، وللبنت عشرون.
6880- مسألة: ثلاثة بنين وبنت وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، إذا زدت على وصية الخال أربعة دنانير، كان مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية العم ستة دنانير، كان المبلغ مثلَ نصيب الابن، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً؟ كم التركة؟ وكم مبلغ كلِّ واحد من الوصيتين؟
والوجه أن نقول: نصيب البنت شيء، ونصيب كل ابن شيئان، على القياس الذي يجب، وتكون وصية الخال شيئاً إلا أربعة دنانير؛ [فإن] (1) نصيب البنت في الوضع شيءٌ، ووصية الخال ناقصة عنه بأربعة دنانير.
ووصية العم شيئان إلا ستة دنانير.
والوصيتان إذاً ثلاثة أشياء إلا عشرة دنانير [وذلك يعدل ثلاثين ديناراً] (2) ، فنجبر
__________
(1) في الأصل: وإن.
(2) زيادة من المحقق، لا يتم الكلام إلا بها.(10/254)
الأشياء بعشرة دنانير، ونزيد على عديلها عشرة، فيبقى ثلاثة أشياء كاملة في مقابلة أربعين ديناراً، فتبين أن قيمة الشيء ثلاثة عشر ديناراً وثلث، فذلك نصيب البنت، فنصيب الابن إذاً ستةٌ وعشرون وثلثان، وإذا نقصت من الثلاثةَ عشرَ والثلثِ أربعةَ دنانير، بقي تسعةٌ وثلث. وهذا وصية الخال من ثلاثين، وإذا نقصت من الستة والعشرين والثُّلثَيْن ستة دنانير، بقي عشرون ديناراً وثُلثَيْن، وهي وصية العم، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً، تسعة وثُلثٌ واحدٌ، وعشرون وثلثان فإذا جمعت أنصباء البنين على ما قدرنا ونصيب البنت، وضممت إليها الوصيتين، كان المبلغ مائةً وثلاثةً وعشرين ديناراً وثلث، وهي التركة الجامعة للوصية والميراث.
6881- مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وكانت وصية الخال إذا نقصت من عشرين درهماً بقي مثلُ نصيب البنت، وإذا نقصت وصية العم من ستين درهماً، بقي مثلُ نصيب أحد البنين، والوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، كم التركة؟ وكم كل نصيب؟ وما مبلغ كلِّ وصية؟ فنجعل نصيبَ البنت شيئاً، ونصيبَ كلِّ ابن شيئين، على القياس الواجب، وننقص نصيب البنت من عشرين درهماً، تبقى عشرون درهماً إلا شيئاً، فنعلم أن هذا وصيةُ الخال، وننقص نصيب الابن وهو شيئان من ستين درهماً، بقي ستون درهماً إلا شيئين، وهو وصية العم.
فالوصيتان ثمانون درهماً، إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل ثلاثين درهماً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الثمانين بثلاثة أشياء، ونزيد على عديلها ثلاثةَ أشياء، فيبقى ثمانون كاملة في مقابلة ثلاثين وثلاثة أشياء، فنُسقط الثلاثين من الثمانين، فيبقى ثلاثة أشياء في مقابلة خمسين، فقسِّمه [يخرج] (1) كل شيء إذاً ستةَ عشرَ درهماً وثلثا درهم، وهو نصيب البنت.
ونصيب الابن ثلاثة وثلاثون درهماً وثلث.
فإذا ألقيت نصيبَ [البنت] (2) من عشرين، بقي ثلاثة وثلث، هي وصية الخال.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: الابن.(10/255)
وإذا ألقيت نصيب الابن وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، من [الستين] (1) بقي ستة وعشرون وثلثان، وهو وصية العم، فالوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، والتركة الجامعة للوصية والأنصباء مائة وستة وأربعون درهماً وثلثان.
6882- مسألة: ابنان، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكانت وصاياهم جميعاً مثل نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية العم والخال، كانت أكثرَ من وصية الأخ بستة دراهم، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كانت أكثر من وصية العم بتسعة دراهم، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كانت أكثر من وصية الخال بخمسةَ عشرَ درهماً. كم التركة؟ وكم كل وصية؟
الوجه أن نجعل [نصيب] (2) كلِّ ابن شيئاً، فيكون جميع الوصايا شيئاً؛ فإنا ذكرنا أن جميع الوصايا مثلُ نصيب ابنٍ. فأسقط من الشيء الذي هو جميع الوصايا الفضلَ الذي في وصية العم والخال على وصية الأخ، وهو ستة دراهم، يبقى شيء إلا ستة، فخذ نصفَها، وهو نصف شيء إلا ثلاثة، وقل هذا وصية الأخ.
ثم ارجع، واطرح من جميع الوصايا، وهو شيء الفضل الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم وهو تسعة، يبقى شيء إلا تسعة، فخذ نصفها وهو نصف شيء إلا أربعة دراهم ونصف، فقل هذا وصية العم.
ثم ارجع، وقل: نطرح من جميع الوصايا -وهو شيء- الفضلَ الذي في وصية الأخ والعم على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ درهماً، يبقى شيء إلا خمسةَ عشرَ، فخذ نصفها، وذلك نصف شيء إلا سبعةَ دراهم ونصف [درهم] (3) ، فذلك وصية الخال.
ثم اجمع الوصايا، فتكون شيئاً ونصفاً إلا خمسة عشر درهماً، وذلك يعدل شيئاً واحداً، فاجبر وقابل، فيبقى بعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل نصفُ شيء في
__________
(1) في الأصل: الشيئين.
(2) في الأصل: " وصية " وهو سبق قلم واضح.
(3) في الأصل: شيء.(10/256)
مقابلة خمسةَ عشرَ، والشيء إذاً ثلاثون، وبان بهذا المقدار من العمل أن الوصايا ثلاثون درهماً، فإنها في الوضع شيء واحد.
فإن أردت أن تعرف مقدار كل وصية بعد معرفة جملتها، فالوجه أن تسقط من الجملة المعلومة الفضلَ الذي في وصية العمّ والخال على وصية الأخ، وهو ستة تبقى أربعة وعشرون، فخذ نصف الباقي وهو اثنا عشر، وقل هي وصية الأخ، ثم نسقط من الشيء الفضلَ الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم، وذلك تسعة تبقى أحدٌ وعشرون، فخذ نصفها، وقل: هو وصية العم وذلك عشرة ونصف، ثم نسقط من الثلاثين الفضلَ الذي في وصية العم والأخ على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ، تبقى خمسة عشر، فنصفها وهي سبعة ونصف وصيةُ الخالي، وإذا خرجت الوصايا ثلاثين، فنعلم أن نصيب كلِّ ابن ثلاثون، وجملةُ التركة تسعون.
6883- واعلم أن الوصايا إن كانت أربعة، وكل ثلاثة منها تفضل الرابعة بعدد، فإن الوصايا كلَّها ثلث [ما ذُكر من الفواضل] (1) .
فإن كانت الوصايا خمساً، وكل أربعةٍ منها تفضل الخامسة بعدد، فإنها كلها ربع [ما ذكر من الفواضل] (1) ، وكلّما زدت وصيةً ازداد نقصانُ جزءٍ، على القياس الذي ذكرناه، وهكذا الترقِّي من أربع وصايا إلى حيث ننتهي (2) .
__________
(1) في الأصل: " فاذكر من الفواضل " وهو تصحيف يبدو هيّناً، ولكنه جعل الكلام مضطرباً غير مفهوم، ولولا فضل الله ما أدركنا سرّه.
(2) هذا القانون يُعْلمُ صدقه بالنظر في المسألة التي انتهينا منها الآن، فمعنا ثلاث وصايا كل اثنين منها يفضل الثالثة بعدد، وقد رأينا أن مجموع الوصايا نصف ما ذكر من الفواضل، وبيان ذلك أن الفاضل بعد طرح الزيادة في وصية العم والخال على وصية الأخ يساوي أربعة وعشرين، والفاضل بعد الزيادة في وصية الخال والأخ على وصية العم يساوي أحداً وعشرين، والفاضل بعد الزيادة في وصية العم والأخ على وصية الخال يساوي خمسة عشر ومجموعها (24+21+15 = 60) وقد رأينا أن مجموع الوصايا نصف هذا المبلغ (ثلاثون) .
فلو كانت الوصايا أربعاً، لخرجت جملتها (ثلث) الفواصل، ولو كانت خمساً، لخرجت ربع الفواضل.(10/257)
6884- مسألة: ثلاثة بنين أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فكانت الوصيتان عشرة دراهم، كم المال كلُّه؟ وكم كل واحد من الوصيتين؟
فمعلوم أن الباقي من المال بعد الوصيتين أنصباء الورثة، وذلك ثلاثة أنصباء، فزد عليها الوصيتين، فيكون ثلاثة أنصباء، وعشرة دراهم، فخذ ثُلثَه، وذلك نصيبٌ وثلاثةُ دراهم وثلث درهم، فأسقط منه نصيباً للموصى له بالنصيب، وأسقط ثلثَ الباقي للموصى له بثلث الباقي من الثلث، يبقى درهمان وتسعا درهم، فزدها على ثلثي المال، وهو نصيبان وستة دراهم وثلثا درهم، فيبلغ نصيبين وثمانية أتساع درهم، يعدل ثلاثة أنصباء، فالنصيبان بالنصيبين، وبان أن النصيب يعدل ثمانيةَ دراهم وثمانيةَ أتساع، فتضرب ذلك في عدد البنين، فيكون ستةً وعشرين درهماً وثلثي درهم، وهي الأنصباء، وهذا معنى الضرب في ثلاثة، فزد عليها العشرة التي هي مجموع الوصيتين، فيبلغ ستةً وثلاثين درهماً، وثلثي درهم، فذلك جميع التركة.
ولا يخفى الامتحان بعد ذلك.
6885- مسألة: ثلاثة بنين: وقد أوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث، فكانت وصية الموصى بثلث ما تبقى من الثلث ستة دراهم. كم المال؟
فنقول: معلومٌ أن المال أنصباء البنين ووصيتان، إحداهما بنصيب، والأخرى بستة دراهم، فجميع المال أربعة أنصباء، وستة دراهم، فخذ ثلث ذلك، وهو نصيبٌ وثلث نصيب ودرهمان، فأسقط منه نصيباً، يبقى ثلثُ نصيب، ودرهمان، فخذ ثلث ذلك للموصى له الثاني، وذلك تسع نصيب وثلثا درهم، وهو يعدل ستة دراهم، فإذا أسقطت ثلثي درهم، بقي خمسةُ دراهم وثلثٌ، تعدل تُسعَ نصيب، فالنصيب الكامل يعدل ثمانيةً وأربعين درهماً، فاضربه في أربعة، وهي عدد الأنصباء، وزد عليه ستةَ دراهم تكون مائةً وثمانيةً وتسعين درهماً، فهو المال كله، وثلثُه ستةٌ وستون، فنطرح منها النصيب ثمانية وأربعين درهماً، فيبقى ثمانيةَ عشرَ، وثلثه ستة.(10/258)
ومن هذه النسبة [تأتي الأنصباء] (1) وجملة المال.
مسائل فيها عروض وأعيان
6886- مسألة: إذا خلّف ثلاثة بنين وأوصى من ثلث ماله بنصيب أحدهم، [وأوصى لآخر] (2) بثلث ما تبقى من الثلث ودرهم.
[و] (3) حصرَ هذه الوصايا في الثلث، وتركته عشرةُ دراهم وثوبٌ واحد، فأخذ الموصى له بمثل نصيب أحدهم الثوبَ بحقه. فكم قيمةُ الثوب؟
الوجهُ أن نجعل الثوبَ من طريق التقدير ديناراً، فتكون التركة عشرةَ دراهم وديناراً، فنأخذ ثلثَ التركة، وهو ثلاثةُ دراهم وثلثُ درهم وثلثُ دينار، ثم نطرح منه بالنصيب ديناراً، فنصرف إليه الثلثَ دينار [الذي] (4) وقع في الثلث، ونأخذ بقية الدينار من قيمة ما معنا في الثلث المفروض، فيبقى ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا ثلثي دينار، فنلقي من ذلك [درهماً وتسع درهم إلا تسعي دينار] (5) وهي تمام الوصايا، فيبقى معنا تسعان ودرهمٌ فإنا أخذنا درهماً وثلث ثلث درهم، وهو تُسع للوصية بثلث ما تبقى، وأخذنا درهماً للوصية بالدرهم، فيبقى معنا ما ذكرناه.
ولكن كان في الثلاثة الدراهم والثلث استثناء بثلثي دينار، فنسقط ثلث هذا الاستثناء تابعاً لما أخذه الموصى له بثلث ما يبقى من الثلث، فإذا سقط من ثلثي دينار ثلثه، بقي أربعة أتساع دينار، وأما الدرهم الموصى به، فإنا نخرجه كاملاً؛ فإن الوصية به وقعت على كماله، فقد بقي معنا إذاً درهم وتسعا درهم إلا أربعة أتساع دينار، فنزيده على ثلثي [التركة] (6) ، والثلثان قبل ضم هذه الزيادة ستة دراهم وثلثا
__________
(1) في الأصل: ثانياً لأنصباء.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق.
(3) الواو زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: الثلث ديناراً إن وقع في الثلث.
(5) عبارة الأصل: فنلقي من ذلك ثلثا ودرهم وهي تمام الوصايا.
(6) في الأصل: " دينار ".(10/259)
درهم وثلثا دينار، فيصير بهذا الضم سبعةَ دراهم وثمانيةَ أتساع درهم [وتسعا] (1) دينار، فإنّ فيما ضممناه استثناء أربعة أتساع دينار، وإذا نقصنا أربعة أتساع دينار من بين ثلثي دينار، بقي تسعا دينار، فالمجموع إذاً سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم وتسعا دينار، وذلك كله يعدل أنصباء الورثة، وهو ثلاثة دنانير، فنسقط تُسعي دينار بتسعي دينار، فيبقى سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم في مقابلة دينارين وسبعة أتساع دينار، فابسطهما جميعاً أتساعاً، فيصير ما بقي [من] (2) الدنانير في جانب الأنصباء خمسة وعشرين ديناراً، ويصير الدراهم أحداً وسبعين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وأحداً وعشرين جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً من درهم، فذاك قيمة الثوب الذي قدرناه ديناراً في وضع المسألة، وهي مقدار النصيب إذا حسبت وامتحنت.
ولا حاجة إلى البسط بعد البيان.
6887- مسألة: خلف ابنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا ثلثَ جميع المال، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث (3) ، وخلّف ثلاثين درهماً وثوباً، وأخذ الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ بمقدار حصته، فكم قيمة الثوب؟
المسألة: أولاً ردَّدنا [الكلام] (4) مراراً في أنواع [في] (5) ظاهرها استثناء مستغرق؛ فإنه لو لم يخلّف إلا ابنين وأوصى بمثل نصيب أحدهما، لكانت الوصية بثلث المال، وإذا استثنى ثلثَ المال من هذه الوصية، كان الاستثناء مستغرقاً، ولكن المسألة اشتملت على وصية أخرى، فاقتضت تلك الوصية تخريجَ المسألة من طريق الحساب، وفي المسألة تردُّدٌ من طريق الفقه، سبق ذكره، وجرياننُا الآن على طريق الحساب.
__________
(1) في الأصل: وسبعا.
(2) في الأصل: ثمن.
(3) عبارة الأصل: " بثلث ما تبقى من الثلث ودرهم ". وكلمة درهم لا أثر لها في تفاصيل المسألة.
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: "وفي" بزيادة (واو) .(10/260)
فنعود ونقول: نجعل الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث ديناراً، فيكون مالُ الميت ثلاثين درهماً وديناراً، ثم إنا نعلم أن الثوب مأخوذٌ بثلث ما تبقى من الثلث، فإذا قدرناه ديناراً، احتجنا إلى فرض ثلاثة دنانير بعد الوصية بالنصيب.
فالوجه أن نقول: نأخذ ثلثَ المال، وهو عشرة دراهم وثلث دينار، ونلقي منه الاعتبار ثلاثة دنانير بما تبقى من الثلث بعد الوصية بالنصيب، فيبقى معنا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار؛ فإنا [صرفنا] (1) في الدنانير الثلاثة ما كان معنا من ثلث دينار، فيبقى استثناء دينارين وثلثين؛ بناء على حط ثلاثة دنانير من الثلث، فنزيد ذلك على الثلث الكامل، وهذا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار، والثلث عشرة دراهم وثلث دينار، فإذا زدنا ما معنا على الثلث الكامل، صار المجموع عشرين درهماً إلا دينارين وثلث دينار؛ فإنا حسبنا من الاستثناء ما كان مع الثلث الكامل من ثلث دينار، فرجع استثناء الثلثين إلى ثلث.
ثم نقول: هذا المجموع نصيب أحد الابنين، والسبب فيه أن في الوصية استثناءَ ثلث كامل، وحق الوصية بالنصيب إذا كانت كاملةً، لا استثناء فيها، أن تكون كنصيب أحد الابنين، فلا بد من تقدير هذا المبلغ الذي ذكرناه، حتى إذا استثنينا منه الثلث الكامل، بقي للوصية بالنصيب مقدار، ونصيب الابن لا استثناء فيه، فيصير هذا المجموع نصيب ابن؛ فنصيب الابنين إذاً أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فاحفظ ذلك.
وارجع، وقل: ثلثُ المال عشرةُ دراهم وثلث دينار، فنلقي منه عشرة دراهم إلا [دينارين وثلثي دينار] (2) ، تبقى الدنانير الثلاثة التي قدرناها لمكان الوصية بثلث ما يبقى، فاطرح منها ثلثها للوصية بثلث ما تبقى، فيبقى ديناران، فاطرح منها درهماً، فيبقى ديناران إلا درهماً، فزد ذلك على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً وثلثا دينار، فيبلغ المجموع تسعةَ عشر درهماً ودينارين وثلثي دينار، وسبب نقصان
__________
(1) في الأصل: ضربنا.
(2) في الأصل: "دينار وثلثي دينار".(10/261)
الدرهم أن فيما ضممناه إلى الثلثين استثناء درهم، فحسبناه مما معنا ليكمل (1) ، فالذي معنا إذاً [تسعة] (2) عشر درهماً وديناران وثلثا دينار، وذلك يعدل نصيب [الابنين] (3) ، وهو أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فنجبر نصيب الابنين بما فيه من الاستثناء وهو أربعة دنانير وثلثي دينار، ونزيد على عديله مثلَه، فيصير تسعةَ عشرَ درهماً [وسبعة] (4) دنانير وثلث دينار، [تعدل أربعين درهماً] (5) فنسقط المثل بالمثل، فيبقى في جانب النصيب أحدٌ وعشرون درهماً، وفي جانب المال سبعةُ دنانير وثلث، فابسطهما أثلاثاً، فيصير الدنانير اثنين وعشرين ديناراً، والدرهم في الجانب الآخر ثلاثة وستين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وتسعةَ عشرَ جزءاً من اثنين وعشرين جزءاً من درهم، فقد تخرَّج لنا بهذا العمل قيمةُ الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث.
وقد تمت المسألة، ثم إذا بان أن ثلث ما تبقى من الثلث هذا المقدار، لم يخف على الفطن استخراج النصيب، وإجراء المسألة على الامتحان المعهود (6) .
__________
(1) كذا. والمعنى ليكمل أي بدون استثناء.
(2) في الأصل: سبعة عشر.
(3) في الأصل: الابن.
(4) في الأصل: وتسعة.
(5) زيادة اقتضاها سياق العمل الحسابي، وسقطت من الأصل.
(6) وبيان ذلك الامتحان كالآتي:
نقول: الثوب 19/22 2 درهماً، والتركة ثلاثون درهماً وثوب.
إذاً التركة = 19/22 32
= الوصية الثانية بثلث ما تبقى من الثلث، وظهر أنها تساوي الثوب أي 19/22 2
إذاً مجموع ما بقي من الثلث بعد الوصية الأولى = 19/22 2 × 3 = 13/22 8
نطرح هذا من الثلث تبقى الوصية الأولى، هكذا:
1/3 التركة = 19/22 32 ÷ 3 = 21/22 10
فالوصية الأولى = 21/22 10 - 13/22 8 = 8/22 2
مجموع الوصيتين = 8/22 2 + 19/22 2 = 5/22 5
نخرج هذا من التركة يبقى نصيب الابنين هكذا 19/22 32 - 5/22 5 = 14/22 27 =(10/262)
6888- مسألة: ترك أربعة بنين وأوصى بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، وبثلث ما تبقّى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً وثوباً فأخذ الموصى له بتكملة الثلث بنصيب أحدهم [و] (1) بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ، [سواءٌ] (2) كانت الوصيتان لشخص واحد أو لشخصين، فالفرض أخذ الثوب بالوصيتين.
فإذا قيل لنا: كم قيمةُ الثوب؟ فالوجه أن نطرح من الثلاثين درهماً الدرهم (3) الموصى به، يبقى تسعة وعشرون درهماً، فاقسم ذلك بين أربعة بنين، فيكون نصيب الواحد [سبعة] (4) دراهم وربع، فهذا هو النصيب من الدراهم، ثم ارجع وقل: نجعل قيمةَ الثوب ديناراً، فيكون المال ثلاثين درهماً وديناراً، فخذ ثلثها، وهو [عشرة دراهم] (5) وثلث دينار، فاطرح منه نصيب ابن من الدراهم وذلك سبعة دراهم وربع، فتبقى درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث دينار، فهذا هو تكملة الثلث.
ثم عد فخذ ثلثَ سبعةٍ وربع، والسبب فيه أن الثلث إذا أسقطت منه التكملة، فالباقي منه مقدار النصيب، وقد وقعت الوصية بثلث الباقي بعد التكملة، وثلث سبعة وربع درهمان وربع وسدس، فزده على التكملة وهو درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث
__________
= إذاً النصيب = 14/22 27 ÷ 2 = 18/22 13
فإذا طرحت من هذا النصيب ثلث المال خرجت الوصية الأولى هكذا
18/22 13 - 21/22 10 = 19/22 2
ولو جمعت الوصيتين والنصيبين كان المجموع 8/22 33 وهو التركة.
وهنا خطأ في شيئين حيث خرجت الوصية الأولى بطرح الثلث من النصيب 19/22 2 وصوابها
8/22 2 كما خرجت أولاً بطرح ما تبقى من الثلث.
ونشأ من هذا خطأ آخر حيث زاد مجموع التركة إلى 8/22 33.
وبذلك يكون الامتحان أثبت خللاً في الطريقة، لا ندري أين هو، فمن اهتدى إليه، فليعلمنا به، وله دعوة منا بخير.
(1) (الواو) زيادة من المحقق.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) عبارة الأصل: والدرهم الموصى به.
(4) في الأصل: تسعة.
(5) في الأصل: عشرون درهماً.(10/263)
دينار، فيكون المجموع خمسة دراهم وسدس درهم وثلث دينار، فذلك يعدل ديناراً، والدينار قيمة الثوب، فنُسقط المثلَ بالمثل، فتبقى خمسة دراهم وسدس في مقابلة ثلثي دينار، وإذا كان خمسة دراهم وسدس تعدل ثلثي دينار، فالدينار الكامل يعدل سبعة دراهم وثلاثة أرباع درهم، فقد خرجت قيمة الثوب، ولا يخفى ما بعدها (1) .
مسائل من فنون مختلفة
6889- مسألة: ثلاثة بنين وقد أوصى بوصية إذا نقصها من نصيب أحد البنين، بقي من ذلك النصيب مثل الوصية وسدس (2) جميع المال. فكم الوصية والتركة؟ وكم نصيب كل حساب؟
المسألة: أن نجعل سدس المال شيئاً، فإذا أضفت إليه وصية، كان السدسُ والوصية مثلَ نصيب أحد البنين إلا وصية، فنصيب أحد البنين إذاً شيء ووصيتان، وإذا كان نصيب ابنٍ شيئاً ووصيتين، فقل: المال ستة أشياء، فإن السدس ممثل بشيء، وإذا كان السدس شيئاً، فالمال ستة أشياء، فاطرح منها الوصية، تبقى ستة أشياء إلا وصية، وذلك أنصباء الورثة، وهو ثلاثة أشياء وست وصايا؛ فإن كلّ نصيب شيء ووصيتان، فنجبر المال بوصية ونزيد على عديله وصية، فيصير مال كامل في مقابله ثلاثة أشياء وسبع وصايا، فحصل سبع وصايا وثلاثة أشياء، فاقلب العبارة، واجعل الشيء سبعة والوصية ثلاثة، فالمال إذاً اثنان وأربعون، فإنه ستة أشياء كل شيء سبعة، والمجموع ما ذكرناه. ونصيب كل ابن شيء ووصيتان، فهو إذاً ثلاثة عشر: الشيء سبعة والوصيتان ستة، فإذا نقصت الوصية من النصيب، بقي عشرة، وهي مثل الوصية، وهي ثلاثةٌ ومثل سدس جميع المال وهو سبعة.
والذي يجب التنبه له في هذه المسألة أنا لما كمّلنا المالَ بالجبر، لم نصادف في
__________
(1) ولو قُمت بالامتحان، لوجدتها صحيحة. ولم نشأ الإطالة بتسجيل الامتحان وقد أجريناه وجاء صحيحاً.
(2) في الأصل: "بسدس" وهو خطأ مضلل أرهقنا كثيراً الوصول إلى تصويبه.(10/264)
المسألة كسراً نبسط ما في المسألة به، وكنا ذكرنا في جانب الأنصباء تقدير الشيء والنصيب، ثم انتهت المسألة إلى تبليغ الوصايا سبعة، والأشياء ثلاثة، كما فرضناها، وأخذنا القلبَ من ذلك الجانب.
فاتخذ هذه الصورة إمامك في كل مسألة تناظر هذه.
6890- مسألة: أربعة بنين وقد أوصى لكل واحد من عمه وعمته بوصية إذا جُمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين، وأوصى لخاله وخالته بوصيتين إذا جمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين أيضاً، وكانت وصية العمة مثل نصف وصية الخال ووصية الخالة مثل ثلث وصية العم.
فاجعل وصية العمة شيئاً، فيكون وصية الخال شيئين لا محالة؛ فإن وصية العمة نصفُ وصية الخال، فألق وصية الخال من نصيب أحد البنين، يبقى نصيب إلا شيئين، فذلك وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية الخال والخالة مثلُ نصيب ابنٍ، فإذا حططنا وصية الخال من نصيب، فالباقي وصية الخالة لا محالة.
ونلقي وصية العمة من نصيب أحد البنين وهي شيء، فيبقى نصيب إلا شيء، فذلك وصية العم، لا محالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية العم والعمة مثلُ نصيب ابن.
ثم نعلم أن وصية العم ثلاثة أمثال وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا في الوصية أن وصية الخالة ثلث وصية العم. فقابل وصية العم بثلاثة أمثال وصية الخالة، وقد ذكرنا أن وصية الخالة نصيب إلا شيئين، فثلاثة أمثالها ثلاثة أنصباء إلا ستةَ أشياء، وهي مقابلة وصية العم، وهو نصيب إلا شيئاً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الأنصباء الثلاثة بستة أشياء، ونزيد على العديل ستة أشياء، فيصير نصيباً وخمسة [أشياء] (1) فإذاً نصيب وخمسة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط النصيب بالنصيب، فيبقى نصيبان في مقابلة خمسة أشياء، فاقلب العبارة من هذا الموضع، وقل النصيب خمسة والشيء اثنان.
ثم عد وقل: وصية العم اثنان؛ فإنها كانت شيئاً ووصية الخال أربعة؛ فإنها كانت شيئين، والنصيب خمسة. وإذا نقصت وصية الخال وهي أربعة من النصيب، وهو
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/265)
خمسة، بقي واحد، فهو الوصية للخالة، وإذا ألقيت وصية العمة وهو اثنان من النصيب، بقي ثلاثة، وهي وصية العم، وذلك ثلاثة أمثال وصية الخالة.
والتركة كلها ثلاثون سهماً: للعمة سهمان، وللعم ثلاثة أسهم، وللخال أربعة أسهم، وللخالة سهم، والباقي وهو عشرون بين أربعة بنين، لكل واحد منهم خمسة.
6891- مسألة: ثلاثة بنين، وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكان إذا جُمعت وصية العم والخال، كان مجموعهما مثلَ نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كان مجموعهما مثلَ نصيب البنت، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كان ربع التركة.
فاجعل وصية الخال شيئاً، وألقه من نصيب ابن، وللابن نصيبان، لمكان البنت في المسألة -وقد مهدنا هذا في المسائل- فيبقى نصيبان إلا شيئاً، فذلك وصية العم؛ [فإن وصية العم] (1) والخال مثلُ حصة ابن.
ثم عُد وقل: قدَّرنا وصية الخال شيئاً، فنلقيه من نصيب البنت أيضاً -ولها نصيب واحد- يبقى نصيبٌ إلا شيئاً، فهو وصية الأخ، فيكون [وصية العم والأخ] (2) ثلاثةَ أنصباء إلا شيئين، وإذا كان هذا ربع المال، فالمال كله اثنا عشر نصيباً إلا ثمانية أشياء. فألق منه الوصايا كلها، وجدد العهد بتفصيلها، ثم اجمعها، فوصية الخال شيء، ووصية العم نصيبان إلا شيئاً، فهما إذاً نصيبان ووصية الأخ نصيب إلا شيئاً، فالمجموع ثلاثة أنصباء إلا شيء، فنحط ذلك مما قدرناه جميع المال، فيبقى تسعة أنصباء إلا سبعة [أشياء] (3) ، فإن في الوصايا استثناء شيء.
وهذا الباقي وهو تسعة أنصباء، إلا سبعة أشياء يعدل أنصباء الورثة وهي سبعة -فإن في المسألة ثلاثةَ بنين وبنت- فنجبر الأنصباء السبعة بسبعة أشياء، ونزيد على عديلها مثلَها، فتصير تسعة أنصباء في مقابلة سبعة أنصباء وسبعة أشياء، ونسقط
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مزيدة من عمل المحقق.
(3) في الأصل: أنصباء.(10/266)
الأنصباء بالأنصباء، فيبقى نصيبان يعدلان سبعةَ أشياء.
فاقلب العبارة فيهما، فيصير النصيب سبعةً، والشيءُ اثنين، فوصية الخال إذاً اثنان؛ فإنها كانت شيئاً، ونصيب البنت سبعة، ونصيب الابن أربعة عشر، ووصية العم -وهي نصيبان إلا شيئاً- اثنا عشر سهماً، ووصية الأخ -وهو نصيب إلا شيئاً- خمسة أسهم.
والتركة كلها ثمانيةٌ [وستون] (1) سهماً: للعم اثنا عشر، وللأخ خمسة، وللخال اثنان، والمجموع تسعة عشرَ سهماً، فيبقى تسعةٌ وأربعون بين ثلاثة بنين وبنت، لكل ابن أربعة عشر، وللبنت سبعة.
6892- مسألة: خمسة بنين وبنت. أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصيةٍ لو ضرب إحداهما في الأخرى، ثم أسقط من المبلغ وصية العم قبل الضرب، وقسم الباقي على وصية الخال قبل الضرب، خرج نصيب الواحد (2) مثلَ نصيب أحد البنين.
وإذا أسقط منه [وصية] (3) الخال، وقسم الباقي على وصية العم، خرج نصيب الواحد مثل نصيب البنت.
فحساب المسألة أن نجعل وصية الخال شيئاً، ووصيةَ العم ثلاثةَ أشياء؛ فإنا بيّنا أن وصية العم أكثرُ؛ من جهة أن المقسوم -بعد حط وصية الخال- على [وصية العم] (4) ، يُخرج نصيبَ البنت، وهو لكثرة سهامه (5) ، وإذا كانت القسمة المقدرة على هذا الوجه في جانب مخرج نصيب الابن، وهو لقلة سهامه، وبين الابن والبنت تفاضل الضعف، ينضم إليه تقابل الوصيتين في وضعهما، فوصية الخال شيء ووصية العم ثلاثة أشياء.
ويستخرج الامتحانُ حقيقةَ ذلك.
__________
(1) في الأصل: وثمانون.
(2) المراد خارج القسمة يساوي نصيب أحد البنين.
(3) زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: "بعد حط وصية الخال على الخال على الباقي يخرج نصيب البنت".
(5) والمعنى لكثرة سهام العم المقسوم عليها يقل خارج القسمة.(10/267)
فاضرب وصيةَ الخال في وصية العم، وقل شيءٌ في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثة أموال؛ فإنا مهدنا في أصول الجذر أن ضرب الشيء في الشيء مال، ولفظ الشيء قد لا نعني به الجذرَ، وإنما يراد به شيء مجهول، ولهذا [نمثل] (1) بالدينار، فإذ مست الحاجة إلى ضرب الشيء في الشيء، فالشيء في هذا المقام جذرٌ في مسالك [الحُسّاب] (2) ، فإذاً معنا ثلاثةُ أموال، فأسقط منها وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، تبقى ثلاثة أموال إلا ثلاثة أشياء، فاقسمها على وصية الخال، وهي [شيء] (3) ، فيخرج من القسمة ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم.
وبيان ذلك أن الشيء إذا أردنا القسمة عليه، فهو محمول على ثلاثة من العدد في هذه المسألة، وإذا خرج لنا من الضرب ثلاثة أموال، أخذنا من هذا اللفظ الجذرَ المسمى شيئاً، وقدرناه ثلاثة من العدد، فليكن ثلاثة دراهم، فإذا حططنا من ثلاثة أموال شيئاً، ثم أردنا قسمةَ الباقي على وصية الخال، فنفصل الشيء، ونقول: هو ثلاثة دراهم، وإذا قسمنا ثلاثةَ أموالٍ جذرُ كل مالٍِ ثلاثة إلا ثلاثة أشياء، كل شيء ثلاثة دراهم على وصية الخال، وهي شيء واحد، تفصيله ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم؛ فإن الأموال ثلاثة، وفي كل مال استثناء شيء، وهو ثلاثة دراهم، وكل مال ثلاثة أشياء، فالخارج من القسمة، وهو حصة درهم من الدراهم الثلاثة التي مجموعها شيء ثلاثةُ (4) أشياء إلا ثلاثة دراهم، ولم نقل مال إلا ثلاثة دراهم؛ لأنا أخذنا من كل مالٍ قسطاً، وتركنا الأمر مفصَّلاً، ولم [نضم] (5) منها مالاً.
فإذا بان الخارج من هذه القسمة، فذاك نصيب أحد البنين، على ما ذكرناه في وضع المسألة.
ثم نعود، فنطرح ثلاثة أموال وصية الخال، وهي شيء وتفصيله ثلاثة دراهم،
__________
(1) في الأصل: نميل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ستة.
(4) خبر لقوله: فالخارج.
(5) في الأصل: ينضم.(10/268)
فتبقى ثلاثة أموال إلا شيئاً، ونقصُ الاستثناء مفضوض (1) على الأموال الثلاثة، فنَقْسم هذه الأموال مع ما فيها من الاستثناء على وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، وتفصيلها تسعة دراهم، فإذا قسمنا ثلاثة أموال إلا شيئاً، وهي في التحقيق ثلاثة أموال إلا ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم من الدراهم التسعة التي هي تفصيل وصية العم شيء إلا ثلاثة دراهم، فإن كل مال ثلاثةُ أشياء، وفيه نقصان درهم.
ومما يجب التنبه له في ذلك أنا لا نجمع الأشياء في وصية العم، حتى نقول: إنها مال، [ولكننا] (2) نتركها على تفصيلها، ولا نقتصر على تفصيلها أشياء [بل] (3) نفصّل كلَّ شيء دراهم، وإنما تصير الأشياء مالاً في منزلة الضرب، فالخارج من القسمة على وصية العم بعد حطّ وصية الخال شيء إلا ثلث درهم، وهو نصيب البنت في وضع المسألة، فإذا انتهينا إلى هذا الموضع، فأضعف نصيب البنت؛ لأنك تحتاج إلى معادلته بنصيب الابن، فيكون شيئين إلا ثلثي درهم، نقابل بهذا نصيب الابن، وهو ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فاجبره، وقابل، وقل: نجبر نصيب الابن بثلاثة دراهم، ونزيد على نصيب البنت ثلاثة دراهم، فتصير ثلاثةَ أشياء في مقابلة شيئين ودرهمين وثلث؛ فإنا جبرنا بزيادة ثلاثة دراهم ما كان في نصيب البنت من الاستثناء وهو ثلثا درهم، فيكمل الشيئان، ويبقى بعد كمالهما درهمان وثلث، فنسقط شيئين بشيئين، فيبقى شيء في مقابلة درهمين وثلث، فهو قيمة الشيء الذي أبهمناه ابتداء، وهو وصية الخال، ووصية العم ثلاثة أمثالها، فهي إذاً سبعة دراهم.
ومما يجب الاعتناء به في هذا المقام أنا وضعنا العمل في المسألة على تقويم الشيء ثلاثة دراهم، وعلى هذا خرّجنا القسمة التي تقدم ذكرها، ثم عدنا في آخر المسألة، وقوّمنا الشيء درهمين وثلثاً، وهذا شأن الجبر، فما يجري في تقادير العمل ليس بياناً لشيء مطلوب، إذ لو كان بياناً، لاقتصر عليه، ووقف عنده، ولكن ذاك بسط وتقدير يُفضي إلى بيان الأمر المطلوب عند الجبر والمقابلة، وإسقاط المثل بالمثل،
__________
(1) مفضوضٌ: أي مقسوم.
(2) في الأصل: ولكنها.
(3) زيادة من المحقق.(10/269)
فإذاً بان وصية الخال -وهي الشيء الكامل- درهمان وثلث، ووصية العم سبعة دراهم، فيخرج منه أن نصيب الابن أربعة دراهم؛ فإن نصيبه ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فكأنا قلنا: نصيبه سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم. قلنا: نصيب [الابن] (1) سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم، والشيء درهمان وثلث، وقد بان ما نريد، ولا يخفى طريق الامتحان.
6893- مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضل العمَّ على الخال، وكانت الوصيتان إذا جُمعا [سدس] (2) المال، وإذا ضربت كل واحدة منهما في نفسها -وإن أردت، قلت في مثلها- وأسقط أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر فالباقي مثل نصيب البنت.
هذا وضع المسألة: وحسابها أن نجعل وصية الخال شيئاً، وجعلنا وصية العم شيئين، فمجموعهما سدس المال، وإن كان سدس المال ثلاثة أشياء، فالمال كله ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنحفظ هذا.
ثم نعود فنضرب كل وصية في نفسها، فنقول: وصية الخال شيء، وإذا ضربناه في نفسه، صار مالاً، ونضرب نصيب العم في نفسه، وإذا ضربت شيئين في شيئين ردّ أربعة أموال.
ثم إنا نحط الأقل من الأكثر، فيبقى ثلاثة أموال، فهي نصيب البنت.
فإذا كان نصيبها ثلاثة أموال، فنصيب الابن ستة أموال، ومجموع الحصتين تسعة أموال، فزد الوصيتين الموضوعتين في المسألة قبل الضرب على تسعة أموال؛ فإن الفريضة الجامعة للوصية والميراث هكذا تكون، فإذاً معنا تسعة أموال، وثلاثة أشياء تعدل المال المحفوظ عندنا، وهو ثمانية عشر شيئاً، فنُسقط ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء، فيبقى تسعة أموال في مقابلة خمسةَ عشرَ شيئاً، فالمال الواحد يعدل شيئاً وثلثي شيء، فنقلب العبارة، ونجعل الشيء واحداً وثُلثين، ونرد العبارة إلى العدد،
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: كلّ.(10/270)
كدأبنا في أمثال هذه المسائل، فوصية الخال واحد وثلثان ووصية العم ضعفه، وهو ثلاثة وثلث، والوصيتان خمسة دراهم، وهو سدس التركة فالتركة ثلاثون درهماً.
وإذا أردت امتحانَ ما ذكرناه في وضع المسألة ضربنا درهماً وثلثين في درهم وثُلثين، وضربت ثلاثة دراهم وثلث، في ثلاثة دراهم وثلث، وحططنا أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر، كان الباقي حصة البنت من خمسة وعشرين. وهذا ما ذكرناه في وضع المسألة.
6894- مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضّل العم في وصيته على الخال، وإذا جُمعتا، كانتا مثلَ نصيب البنت، وإذا ضربت كل واحدة منهما في مثلها، كان الباقي ستة [أمثال] (1) ما بين الوصيتين قبل الضرب، والمراد أن الباقي بعد حط الأقل من الأكثر مثل [فضل] (2) إحدى الوصيتين على الأخرى ست مرات.
فنجعل وصية الخال شيئاً، ووصية العم شيئين، ومجموعهما ثلاثة أشياء، وهو مثل نصيب البنت في وضع المسألة، فنصيب الابن إذاً ستةُ أشياء، ومجموع الحصتين تسعة أشياء، فنضرب كلَّ وصيةٍ في نفسها، فتصير وصية الخال مالاً، ووصية العم أربعة أموال، ثم إنا ننقص الأقلَّ من الأكثر، فيبقى معنا ثلاثة أموال، وهي تعدل ستة أشياء.
وبيانه أنا قدرنا في وضع المسألة وصيةَ الخال شيئاً ووصيةَ العم شيئين، والفضل بين الوصيتين شيء، وقد ذكرنا أنا إذا ضربنا كلَّ وصيةٍ في نفسها، وحططنا أقل المبلغين من الأكثر، كان الباقي مثلَ الفضل بين الوصيتين ست مرات، والباقي معنا بعد الحط ثلاثة أموال، فهي تعدل ستة أشياء، فالمال الواحد يعدل شيئين، فنرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، ونقول: الشيء الواحد اثنان، ونعود، فنقول: وصية الخال اثنان، ووصية العم أربعة، ونصيب البنت مثل الوصيتين، وهو ستة،
__________
(1) في الأصل: أموال.
(2) في الأصل: فرض.(10/271)
ونصيب الابن اثنا عشر، وإذا ضممنا الوصيتين إلى المبلغ وهي ستة، صارت الفريضة الجامعة للوصية والميراث أربعة وعشرين.
وإذا أردت امتحان ما ذكرناه من الضرب، فاضرب اثنين في اثنين، وأربعة في أربعة، فيصير أحد المبلغين أربعة، والثاني ستةَ عشرَ، ثم حط الأربعة من ستة عشرَ، فيبقى اثنا عشر، وهذا الباقي مثل فضل وصية العم في أصل الوضع قبل الضرب على وصية الخال ست مرات، فإن الفضل بين الوصيتين سهمان، وذلك ما أردنا أن يبين.
مسائل في نوادر الوصايا التي تكون بفض (1) الوصايا على بعض الورثة دون بعض
واللقب [الشائع] (2) في الباب الضيم وهو الظلم، فالظلم والضيم يرجعان إلى النقصان.
6895- مسألة: إذا خلّف الرجل امرأةً وأماً وأخاً، وأوصى من ثلث ماله بمثل نصيب المرأة، وأوصى لآخر بعُشر ما بقي من الثلث، وقال في وصيته لا تضامُ الأم بالوصية، وأراد أن نصيبها يكمل كمالَه (3) لو لم تكن وصية، وهذا معنى المسألة في وضعها.
وحساب المسألة: نقول: فريضة الميراث من اثني عشر سهماً: للمرأة ثلاثة أسهم، وللأم أربعة أسهم، والباقي للأخ، وهو خمسة أسهم، فنقول: نجعل ثلث المال ثلاثة دنانير وعشرة دراهم؛ لذكر الموصي عُشر ما تبقى، فأما ثلاثة دنانير، [فإنّا] (4) وضعناها على عدد نصيب المرأة؛ إذ هي الموصى بمثل نصيبها، فندفع إذاً بالنصيب ثلاثةَ دنانير، يبقى عشرةُ دراهم، فندفع بالوصية التامة عشرها، وهو درهم يبقى، تسعة دراهم، فنزيده على ثلثي المال، وثلثا المال عشرون وستة دنانير،
__________
(1) بفضّ: أي بقسمة.
(2) في الأصل: السابع.
(3) " يكمل كمالَه ": أي يكون بنفس كماله وتمامه عند عدم الوصية.
(4) في الأصل: فإن.(10/272)
فيكون بعد الضم تسعة وعشرين درهماً وستة دنانير، فنقول: هذا يعدل ثلث جميع المال وثمانية دنانير.
وبيان ذلك أن الأم لا يداخلها من الوصية نقص؛ فلها ثلث جميع المال وللمرأة والأخ ثمانية دنانير؛ فإن الأنصباء ممثلةٌ بالدنانير. فنضع الثلث الكامل في مقابلة نصيب الأم، وهو ثلاثة [دنانير] (1) وعشرة دراهم، وسنقيم ما ذكرناه في المعادلة من أن ما معنا، وهو تسعةٌ وعشرون درهماً وستة دنانير تعدل ثلثَ المال وثمانيةَ دنانير، وثلثُ [المال] (2) وثمانيةُ دنانير أحدَ عشرَ ديناراً وعشرة دراهم، فنسقط المثلَ بالمثل، فترجع الدنانير إلى خمسة، والدراهم إلى تسعةَ عشرَ، فنقول خمسة دنانير تعدل تسعةَ عشرَ درهماً، ونرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، فيكون كل دينار تسعةَ عشرَ سهماً، وكل درهم خمسة أسهم.
وقد كان ثلث المال في الوضع الأول ثلاثة دنانير وعشرة دراهم، فهو الآن بعد التقويم الذي ذكرناه مائةٌ وسبعةُ أسهم، فنعزل منها نصيبَ المرأة، وكان نصيبها ثلاثة دنانير وذلك سبعة وخمسون سهماً، [فيبقى خمسون سهماً] (3) فاعزل منها عشرها بالوصية الثانية وهو خمسة، تبقى خمسةٌ وأربعون سهماً، زدها على ثلثي المال، وهو مائتا سهم وأربعةَ عشرَ سهم، فيبلغ مائتين وتسعةً وخمسين سهماً: للأم من ذلك ثلثُ جميع المال كاملاً، وهو مائة سهم وسبعة أسهم، لأنه ليس عليها من الضيم شيء، يبقى مائة واثنان وخمسون درهماً، للمرأة منها سبعة وخمسون سهماً، وهو قيمة ثلاثة دنانير، وللأخ خمسة وتسعون سهماً، وهو قيمة خمسة دنانير.
وهذه المسألة وأمثالها تستدعي لا محالة إجازة من الورثة الذين عليهم الضيم، فإن الأم إذا فازت بالثلث الكامل، ففيما أخذت وصيةٌ لها لا محالة، والوصية للوارث وإن وقعت من ثلث المال (4) بمثابة الوصية للأجنبي لما زاد على الثلث. وسيأتي شرح ذلك، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في الأصل: دراهم.
(2) في الأصل: الخال.
(3) زيادة لاستقامة الكلام.
(4) عبارة الأصل: "والوصية للوارث وإن ثلث بمثابة الوصية". وإعادة الصياغة من المحقق.(10/273)
6896- مسألة: ترك أربعة بنين، وأوصى من ربع ماله بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من الربع وإلا درهماً، وأوصى ألا يكون الضيم على واحدٍ عيَّنه من بنيه، وهو زيد مثلاً، وخلف ثلاثين درهماً.
فالوجه أن نقول: الوصيةُ دينار، فنطرحه من الثلاثين درهماً، تبقى ثلاثون درهماً إلا ديناراً، فنقسم ذلك بين أربعة بنين، لكل واحد منهم سبعةٌ ونصف إلا ربعَ دينار.
نقول ربع المال على الحقيقة سبعةُ دراهم ونصفٌ، فنسقط نصيب ابن بعد حط الوصية من الثلاثين وهو سبعةٌ ونصف إلا ربع دينار، وإذا أسقطت سبعةً ونصفَ إلا ربعَ دينار من سبعةٍ ونصفٍ، لا استثناء فيها، فيبقى ربعُ دينار، وهو قدر الاستثناء، فنأخذ خُمسَ ذلك ودرهماً، وخمس الربع نصف عشر، فنأخذ نصف عشر دينارٍ ودرهماً، ونطرح ذلك من النصيب، وهو سبعة دراهم ونصف إلا ربع دينار، يبقى ستة دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار.
وبيان ذلك [أن] (1) النصيبَ كان سبعةً ونصفاً إلا ربع دينار، فإذا أسقطنا منه درهماً؛ لأن في الاستثناء ذكرَ درهم، فبقي ستة دراهم ونصف، وكان في النصيب استثناء ربع دينار، فنضم إليه نصفَ عشر دينار استثناءً وإذا ضممت نصف العشر إلى الربع، كان المجموع ثلاثةَ أعشار؛ إذ ربع العشرة درهمان ونصف، ونصف عُشْره (2) نصف درهم، فالمجموع ثلاثةُ دراهم، وهي ثلاثة أعشار العشرة، فاستقام ما ذكرناه من أن الباقي ستةُ دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار، فنزيد على هذا المبلغ ربعَ دينار، فيصير ستة دراهم ونصف درهم إلا نصف عشر دينار، وذلك أنه كان معنا ستةُ دراهم ونصف درهم إلا ثلاثة أعشار دينار، فالآن إذا زدنا ربعاً، رجع الاستثناء إلى نصف عشر دينار، ثم نقول: هذا المبلغ يعدل ديناراً، وإنما زدنا في آخر الأمر ربعَ دينار، فإنا أردنا أن نعادل ما معنا بالوصية، وقد جعلنا الوصية ديناراً في ابتداء الأمر، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر المال بنصف عشر، ونزيد على الدينار نصف عشر، فيكون دينار ونصف عشر دينار يعدل ستّةَ دراهم ونصف درهم، فنبسط ما في
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) الضمير يعود مذكراً إلى العدد.(10/274)
الجانبين بأنصاف الأعشار، فيصير الدينار والكسر الذي معه أحداً وعشرين ديناراً، والدرهم والكسر الذي معها مائة وثلاثون درهماً، فيخرج منه أن الدينار الواحد يعدل ستة دراهم وأربعة أجزاء من أحدٍ وعشرين جزءاً من درهم، فذلك مقدار الوصية، فامتحنها وأجْرِ فيها المراسم المقدّمة، تجد المسألة صحيحة، إن شاء الله عز وجل.
6897- مسألة أوردها الأستاذ أبو منصور رحمه الله وحكاها عن الخصاف (1) في الحساب والعمل به، وصحح مسلكَه في الحساب، ثم [نَقَم] (2) عليه لفظةً في آخر المسألة، ونحن نذكر صورةَ المسألةِ ومسلكَ الخصَّاف فيها، حتى إذا انتهى كلامُه، بينا بعده اعتراضَ الأستاذ، إن شاء الله عز وجل.
6898- أما صورة المسألة: إذا ترك رجل خمسةَ بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما بقي من الثلث، وقال في وصيته: لا تُدخلوا نقصاً على ابني زيد بسبب الوصية بثُلث ما بقي، وأدخلوا عليه النقص بالوصيّة بالنصيب [ولا تدخلوا] (3) نقصاً على ابني عمرو بسبب الوصية بالنصيب، وأدخلوا عليه النقص بالوصية بثلث ما يبقى، فَبَرَأَ كلُّ واحد من الاثنين المسمَّيْن عن نقصان واحدةٍ، على ما عيّن وفصّل، وأجاز البنون ذلك؛ يعني أنهم أجازوا الوصيتين لزيد وعمرو، [فيما] (4) يختصان به من مزيد وصية في حقوقهما، على ما سيأتي الشرح عليه.
هذا بيان صورة المسألة. قال الخصّاف: حسابه أن نأخذ مالاً، ونُخرج منه نصيباً لصاحب النصيب، يبقى مالٌ إلا نصيب، فندفع إلى زيد -[لما] (5) قال الموصي: لا تدخلوا على [زيد] (6) نقصان الوصية بثلث ما يبقى من الثلث- خمسَ (7) الباقي من
__________
(1) الخصاف: أحمد بن عمر بن مهير الشيباني أبو بكر، فرضي، حاسب، فقيه، من أعلام المذهب الحنفي، له العديد من المصنفات. (الأعلام للزركلي) .
(2) في الأصل: نقيم.
(3) زيادة من المحقق، اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: فإنما.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) عبارة الأصل: قال الموصي: لا تدخلوا على نقصان الوصية بالنصيب وبثلث ...
(7) مفعول لقوله: ندفع إلى زيد.(10/275)
المال، وكان بقي معنا مالٌ إلا نصيب، فخمسه خُمس مال إلا خُمس نصيب، فذاك نصيب زيد، وإنما فعل ذلك لأنه أدخل النقص على زيد بسبب النصيب، ولم يدخل عليه النقص بسبب الوصية بثلث ما يبقى من الثلث، وإذا كان كذلك، حَطَّ النصيب ليناله نقصان، وأعطاه خُمس الباقي، ولم يتعرض للوصية الأخرى في حقه، حتى كأنْ لا وصية إلا النصيب، ثم قال (1) : إذا كان [هذا] (2) نصيبَ زيد، فاعرف هذا واحفظه.
وعُد إلى ثلث المال كلِّه، فانقصْ منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فألق ثلث ذلك للموصى له بثلث ما بقي من الثلث، وهو تُسع مالٍ إلا ثلث نصيب، وهذا وصية الثاني، فألقها من رأس المال، فيبقى ثمانية أتساع مال وثلث نصيب؛ فإنا قدرنا المالَ كلَّه تسعةً، فالثلث ثلاثة أتساع.
ثم عدنا، فقدّرنا إسقاط النصيب ليتعين الوصية الثانية، ونسترد النصيب في حق الابن الثاني وهو عمرو، فإذا سلمت تسعاً إلى الموصى له بثلث ما تبقى بعد النصيب، كان ذلك التسع ناقصاً بثلث نصيب، ولا نقدّر في [التُسعين] (3) الباقيين من الثلث الآن نقصاناً؛ فإنا لا نحتاج إلى نقصان النصيب في حق عمرو، وإنما قدّرنا النصيب لبيان مقدار الوصية الثانية، فنضم إذاً [تُسعين] (4) كاملين إلى ثلثي المال، ونسترد من التسع ثلثَ نصيب، [فنضمه أيضاً] (5) ، فيجتمع معنا ثمانية أتساع كاملة وثلث نصيب، وقد حططنا الوصية الثانية من رأس المال، ولم نحط النصيب، حتى كأنه لا وصية بالنصيب في حق عمرو، وأدخلنا عليه النقص بالوصية الثانية، فندفع إذاً إلى عمرو خُمسَ هذا الباقي المجموع.
ونضرب المال والنصيب في مخرج الخمس والتسع، فيصير المال كلُّه خمسةً وأربعين، ويصير النصيب أيضاً خمسة وأربعين، فهي ثمانية أتساع خمسة وأربعين،
__________
(1) قال: أي الخصاف.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: السبعين.
(4) في الأصل: السبعين.
(5) زيادة من المحقق.(10/276)
وهي أربعون، وخذ ثلث النصيب وهو خمسةَ عشرَ، وادفع إلى عمرو خُمسَ المبلغين وهو ثمانية من خمسة وأربعين، وثلاثة من خمسة وأربعين من النصيب، هذا خمس ثلث النصيب، وخمس ثمانية أتساع المال.
فإذا تبين ذلك، وبان طريق العمل، فخذ مالاً له خُمس وتسع، وذلك خمسةٌ وأربعون، خذ ثلث ذلك، وهو خمسة عشر، واحفظ ثلثي المال وهو ثلاثون، ثم ادفع من الثلث نصيباً إلى الموصى له بالنصيب، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فألق ثلث ذلك إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث، يبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي نصيب، وذلك عشرةُ أسهم من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، وزده على ثلثي المال، فيصير أربعين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، فألق منه نصيبَ زيد، وهو خُمس مال إلا خُمس نصيب، وخمس المال تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال، وخمس النصيب تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، فله تسعة أسهم من المال الذي هو خمسةٌ وأربعون إلا تسعةَ أسهم من النصيب الذي [هو] (1) خمسة وأربعون، يبقى من المال أحدٌ وثلاثون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أحداً وعشرين من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، وانقص منه أيضاً نصيبَ عمرو، وهو ثمانية أسهم من خمسة وأربعين من المال، وثلاثة أسهم من خمسة وأربعين سهماً من النصيب، يبقى من المال ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب؛ فإنه كان معنا استثناء أحد وعشرين من النصيب المبسوط، والآن زدنا ثلاثة أخرى، فصار الاستثناء أربعة وعشرين، فإذاً الباقي معنا ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب، وذلك يعدل أنصباء الباقين من البنين، وهي ثلاثة أنصباء، فنجبر ما بقي من المال بأربعةٍ وعشرين سهماً [من النصيب] (2) ، ونزيد على الأنصباء الثلاث
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.(10/277)
مثلها، ونضرب الكل في مخرج المال، فنقول: الأنصباء الثلاثة نضربها في خمسة وأربعين، فيصير مائة وخمسة وثلاثين، فنضم إليها أربعةً وعشرين؛ فإنها أجزاء والأجزاء إذا ضربت، صارت سهاماً كاملة، فالمبلغ مائة [وتسعة] (1) وخمسون، ومعنا في جانب المال ثلاثةٌ وعشرون، وهي أجزاء، فنجعلها سهاماً، ثم نقلب الاسم، فنجعل النصيب [ثلاثة] (2) وعشرين، والمال مائة وتسعة وخمسين، فمنها تصح المسألة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو ثلاثة وخمسون، نلقي منه نصيباً يبقى من الثلث ثلاثون، فألق ثلثها عشرة، تبقى عشرون، فنزيدها على ثلثي المال، فيصير مائة وستة وعشرين، ثم نعود إلى المال، فنلقي منه نصيباً لنعطي زيداً حصته، وإذا حططت من أصل المال -وهو مائة وتسعةٌ وخمسون- نصيباً، وهو ثلاثة وعشرون، بقي مائة وستة وثلاثون، ولزيد الذي عليه الضيم والنقصان من النصيب خُمس ذلك، وهو سبعة وعشرون سهماً وخمس سهم. هذا نصيب زيد: ثلاثة وعشرون بإرثه، وأربعة [وخُمس] (3) وصية له؛ من حيث لم ينله النقص من الوصية الأخرى.
ثم نرجع إلى المال فننقصُ منه ثلث ما تبقى من الثلث، وذلك عشرةُ أسهم، تبقى مائة وتسعة وأربعون، فلعمرٍو الذي عليه الضيمُ والنقصُ من الوصية بثلث ما تبقى من الثلث، خُمس ذلك، وهو [تسعة] (4) وعشرون سهماً وأربعة أخماس سهم، وذلك جميع ما لَه، منها ثلاثة وعشرون بالإرث، وستة أسهم وأربعة أخماس سهم وصية له، إذا (5) لم ينله النقص من الوصية بالنصيب.
هذا مسلك الخصاف في الحساب، ثم قال: وصية الابنين أحدَ عشرَ سهماً، فنلقيها من المائة والستة والعشرين وهذا هو الباقي بعد الوصيتين، إذ إحداهما ثلاثة
__________
(1) في الأصل: وسبعة.
(2) في الأصل: أربعة وعشرون.
(3) في الأصل: وخمسين.
(4) في الأصل: سبعة.
(5) استخدام (إذا) مكان (إذ) استعمال صحيح (ر. شواهد التوضيح والتصحيح: 62) .(10/278)
وعشرون، والأخرى عشرة، وإذا ألقينا من المائة والستة والعشرين وصية الابنين -وهي أحدَ عشرَ سهماً- تبقى مائة وخمسةَ عشرَ بين خمسةِ بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وعشرون سهماً.
هذا ترتيب الخصاف في الحساب ولا مَعَاب عليه في القسمة والطريق، غير أنه [غَلِطَ] (1) غلطة فاحشة، لما قال: الوصية للابنين زيد وعمرو أحد عشر سهماً. قال الأستاذ أبو منصور وَهِم الخصاف في قوله: إن الأحدَ عشرَ كلَّها وصيةٌ للابنين؛ لأنه جعل ما زاد في نصيبهما وصيةً لهما، وليس كذلك [لأن لهما] (2) في تلك الزيادة ميراثاً، والوصية ما زاد على الميراث.
والدليل على ذلك أن رجلاً لو ترك خمسة بنين، وأوصى لأحدهم بمثل نصيب ابن، لكان المال بينهم على ستة للموصى له منها سهمان، وهو ثلث المال، ولكل ابن سهم، وهو سدس المال، ولا نقول السدس الزائد في حق الموصى له وصية؛ فإنه يستحق بالميراث خمسَ المال، فالوصية ما زاد على الخُمس، وهو أربعة أخماس سهم، ولا يقال لما أخذ كلُّ ابن سدسَ المال، وأخذ الموصى له ثلثَ المال إن وصيته من ذلك فضل ما بينهما، وهو السدس الزائد على ما أخذه كل ابن.
فإذا ثبت ما قلناه، فالوجه أن نخرج وصية الأجنبيين في مسألة الخصاف، وهي، ثلاثة وثلاثون سهماً، يبقى من المال مائة وستة وعشرون بين خمسة بنين لكل واحد منهم خمسة وعشرون سهماً، وخُمس سهم، فهذا ميراث كل ابن، وقد أخذ زيدٌ سبعة وعشرين سهماً وخمسَ سهم، فوصيته من ذلك سهمان، وأخذ عمرو [تسعةً] (3) وعشرين سهماً وأربعة أخماس سهم، فوصيته من ذلك أربعة أسهم وثلاثة أخماس سهم، ووصية الابنين إذاً ستة أسهم وثلاثة أخماس سهم.
هذا بيان مسألة الخصاف وما فيها من الاستدراك.
__________
(1) في الأصل: غلطه.
(2) في الأصل: لأنهما.
(3) في الأصل: سبعة.(10/279)
مقالة في العين والدين
6899- مسائل هذه المقالة تدور على أن يخلّف الميت عيناً، ويخلّف ديناً على بعض الورثة، أو على أجنبي، فإن كان على وارث، وقع الكلام فيما سقط عنه من الدين، وفيما يستحقه من العين، وإن كان الدين على أجنبي غيرِ وارث، فقد نفرض وصيةً لذلك الأجنبي بمقدارٍ، ثم يقع الكلام فيما يسقط عنه من الدين بسبب الوصية لمن عليه الدين، وقد تقع الوصية لأجنبيٍّ لا دين عليه، والدين على بعض الورثة، فيقع الكلام فيما يستحقه الموصى له من الدين والعين، وفيما يستحقه الوارث الذي لا دين عليه.
وهذه المسألة لها وقعٌ عند أصحاب الرأي، ولا يغمُض مأخذها على مذهب الشافعي، ولا يدِق الحساب على طريق الشافعي فيها، إلا أن يُتكلّف وضعُ أصلٍ كما سيأتي الشرح عليه، حتى يُستعمَل على طريق الحُسّاب، ولا نُخلي هذا الكتاب عن شيءٍ مستفادٍ، إن شاء الله عز وجل.
ويتعين [تقديم] (1) المقالة بفصولٍ فقهيةٍ، لم يوضحها الأستاذ أبو منصور على ما ينبغي، وأطلق ألفاظاً لا نؤثرها، وإن كنا نظن به إصابةَ المعنى، فنقول: الدَّين قد يكون على الوارث وحده، وقد يكون على الأجنبي وحده، وقد يكون الدين على الوارث وعلى الأجنبي، وسيأتي في كل قسم من ذلك [ما] (2) يليق به من الفقه والحساب إن شاء الله عز وجل.
فمما نرى تقديمَه أن من مات وخلّف ابنين، وترك عشرةَ دراهم عيناً، وكان له على أحد الابنين عشرةُ دراهم ديناً، وما خلّفه من العين من جنس ماله من الدين، فالمذهب المبتوت الذي لا يجوز تقدير الخلاف فيه أن الابنين يشتركان في ميراث العين والدين، فالعشرة المخلّفة بينهما نصفان، والعشرة الدينُ بينهما. هذا مقتضى توريثهما، فالإرث يثبت شائعاً في العين والدين جميعاً، ثم إن كان من عليه الدين مليئاً وفيّاً، لم
__________
(1) في الأصل: تقدير.
(2) في الأصل: مما.(10/280)
يكن لمن لا دين عليه أن يستبدَّ بالعشرة التي هي عينٌ على تقدير أخْذ الخمسة بالميراث، والخمسة الأخرى قصاصاً عما يستحقه من الدين.
فإن وقع تراضٍ، فلا بد من إنشاء عقدٍ وارد على ما يوجب الشرع.
وإن كان من عليه الدين مُعسراً، أو أنكر الدينَ، فأردنا ثبات الحكم باطناً، فالذي لا دين عليه يستحق نصف العين إرثاً، وله خمسةُ دراهمَ في ذمة أخيه، وقد عسر عليه استيفاؤه منه، إما بإعساره وإما بإنكاره ولا بينةَ، ومن ظفر بجنس حقِّه من مالِ مَنْ عليه الحقُّ، فله أن يأخذه عند تحقق العذر، ولا يملكه ما لم يأخذه على قصد التملك.
هذا بيان هذا الأصل، وهو من جليات الفقه، ولفظ الأستاذ فيه بعدٌ عن المسلك الذي يعرفه الفقهاء؛ فإنه قال: يأخذ من لا دين عليه العينَ، في الصورة التي ذكرناها إرثاً وقصاصاً، فسمى أخذه الخمسةَ قصاصاً، ثم رمز إلى خلاف الأصحاب في أن التقاصّ كيف يقع، وهذا بعيدٌ؛ فإن الأقوال المعروفة في التقاصّ إنما تقع في الدينين، على ما سنشرحها، ولا يجري التقاصّ بين الدين والعين، ثم فحوى كلامه مصرحةٌ بوقوع ما سماه قصاصاً من غير فرق بين أن يكون مَن عليه الدين مفلساً، أو يكون مليئاً وفيّاً، وهذا لا سبيل عليه، ولا يسوغ أن يعتقد ذلك من مذهب الشافعي.
ومن بديع ما جاء به محكيّاً عن ابن سريج أنه قال: إذا كان على الابن الذي عليه الدين دينٌ: عشرةٌ لأجنبي، وعليه عشرةٌ للمتوفى، ومعلوم أن الذي عليه الدين يستحق من العشرة التي هي عينٌ نصفَها وهو خمسة، فحكى عن ابن سريج وجهين: أحدهما - أن الابن الذي لا دين عليه أولى بتلك الخمسة، حتى كأن هذا القائل يعتقد أن [حق] (1) من عليه الدين في العين لا أصل له، ولا ثبات. هذا [وجه حكاه كذلك] (2) .
والوجه الثاني - أن تلك الخمسة بين الابن الذي لا دين عليه وبين الأجنبي الذي
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) عبارة الأصل: هذا وجهاً حكاه لذلك.(10/281)
يستحق العشرة على مقدار دينهما، فيضاربان فيها، فيضرب الابن بخمسة، ويضرب الذي استحق العشرة بعشرة، وهذا الوجه الأخير مستقيم.
والوجه الأول لا أصل له، ولا يحل عدُّه من المذهب، ولولا علمنا بأن الأستاذ موثوق في حكايته، وقد أسند الحكاية إلى متن مذهب أبي العباس (1) ، لما استجزت إثباته، فكأن الأستاذ يعتقد أن حق من لا دين عليه ينحصر في العين، إذا لم يكن على من عليه الدين دينٌ آخر لأجنبي، فإن كان عليه دينٌ لأجنبي؛ فالمسألة مختلف فيها عنده.
ومما تجب الإحاطة به أن الميت لو لم يخلِّف عيناً، وترك ابنين وعشرةَ دراهم ديناً على أحدهما، فالذي عليه الدين يبرأ عن حصته، ولا تتوقف براءته على أن ينقُد لصاحبه حصتَه من الدين، والسبب فيه أنه ملك نصفَ الدين قطعاً، كما ملك أخوه نصفَه، والملك المستفاد بالإرث لا يستأخر عن الموت، وإذا ثبت ملكه في النصف، استحال أن يصير مستحِقاً للدين على نفسه، فلا بد من [اعتقاد براءة ذمته] (2) عن حصته، ولو لم نقل بهذا، لزمنا ألا يملك من الميراث حصةً، أو يلزمُ أن نملّكه ونقضي بأنه يستحق على نفسه ديناً، والأمران جميعاً مستحيلان.
6900- ومما نذكره في مقدمة المسائل أنه لو ترك عيناً وديناً أو مالاً غائباً، وأوصى بالدين أو بالمال الغائب، وهو قدر الثلث أو أقلُّ، فحق الموصى له ينحصر في الدين، أو في المال الغائب الذي عيّنه في الوصية، ولا شيء له في العين الحاضرة، فلو تلف ذلك المال الغائب، فالتَّوى (3) على الموصى له، ولا رجوع له إلى العين.
وإذا تبيّنا استحقاقَه في المال الغائب، ولزمت الوصية، فقد ملك المالَ، فلو تلفت العين بعد ذلك في يد الورثة، فلا أثر لتلفها؛ فإن الملك قد استقر في العين الفائتة، وهذا بيّنٌ لا خفاء به.
ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بثلث الدين، أو ثلثِ المال الغائب، فلو
__________
(1) أبو العباس: أي ابن سريج.
(2) عبارة الأصل: فلا بد من ألفاظ ببراءة حصته عن حصته.
(3) التوى: الهلاك.(10/282)
نضَّ من الدين ثُلثُه مثلاً، فهل نقول: إنه يسلّم للموصى له ثلث [ذلك] (1) ؟ أم كيف السبيل؟ فعلى وجهين مشهورين في المذهب: فمن أصحابنا من قال: إن كان في يد الورثة من العين ما يكون ضعفاً لما نضَّ من الدين، فهو مصروف إلى الوصية؛ فإنه ثلثٌ، والوصيةُ بثلث الدين، وفي يد الورثة ضعف ذلك.
ومن أصحابنا من قال: كلما نضَّ من الدين [شيء] (2) ، فللورثة ثلثاه، وللموصى له ثلثه، وإن كان في أيدي الورثة أضعافُ ما نضّ. وهذا القائل يستمسك بلفظ الموصي، وذلك أنه أوصى له بثلث الدَّين، وهذا يقتضي الشيوع؛ فإذا نضَّ من الدين ثلثُه، فليس للموصى له إلا ثلثُ ما نضَّ. هذا هو الصحيح.
ولما ذكرناه من الخلاف التفاتٌ على مسألةٍ ستأتي في فقه الوصايا، إن شاء الله تعالى، وهي أن الرجل إذا أوصى لرجل بثلث دارٍ، وكنا نقدّر أن جميع الدار له، فبان أنه لا يستحق منها إلا ثلثَها، فللشافعي قولان في أن الثلث الذي يملكه هل يصرف إلى [الوصية] (3) ، أم لا يصرف إليها إلا ثلث الثلث؟ وسيأتي ذكر القولين والتفريع عليهما، إن شاء الله تعالى.
والخلاف في هذه المسألة أمثلُ؛ [فإن] (4) من رأى صرفَ ثلث الدار إلى الوصية حَمَل وصيتَه على التصرف في ملكه، وهذه عادةٌ غالبةٌ، لا تُنكرُ، [و] (5) لغلبة العادات سلطنةٌ على الألفاظ تفسِّر مجملَها وتقيّد مطلقَها، وتخصص [عامها] (6) ، وليس يتأتى مثل ذلك في مسألة الوصية بثلث الدين؛ فإن اللفظ مقتضاه الإشاعة، وليس في معارضِه هذا ما يمنع الإشاعة، [والدليل] (7) عليه أن الموصى له استحق ثلث الدين شائعاً، ولم يتوقف استحقاقُه على النضوض، وإذا كان كذلك، فما ينضّ
__________
(1) في الأصل: ثلث ابن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: الورثة.
(4) في الأصل: قال.
(5) الواو زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: عاملها.
(7) في الأصل: والدين.(10/283)
لا ينحصر حق الوصية فيه، نعم، إذا ثبت استحقاقه في ثلث الدين، فأراد من عليه الدين أن يقدّمه بحقه كدأب من عليه دينٌ لرجلين، فلا امتناع. وهذا إذا كان في يد الورثة ضعف ما نضَّ، ولا يجوز أن يكون في هذه الصورة خلاف.
وإن جاء من عليه الدين بثلث ما عليه، وألقاه في التركة، وتشبث الموصى له به، فهذا هو الموضع الذي ذُكر الخلاف فيه، ولا وجه للخلاف أيضاً؛ فإن من عليه الدين إن جاء بما يقدِّر ملك الورثة والموصى له، ووقع القبض كذلك، فوجب الرجوع إلى هذا.
ولكن صاحب الوجه الضعيف يقول: إذا جاء من عليه الدين بمقدار حقه، [فللموصى له أن يقول] (1) : ليس للورثة أن يأخذوا منه شيئاً، حتى يتوفر عليَّ حقي كَمَلاً؛ فإن في أيديهم ضعفُ هذا. [و] (2) وجه الخبط سببُه ما يراعى من قصد المؤدِّي، فإن فرضت المسألة في الوصية بثلث المال الغائب إذا حضر ثلثُه، كان الوجه البعيد أوجه في هذه الصورة وأقرب إلى الفهم منه في صورة الدين.
والقياس المقطوع به في المسألتين الجريانُ على حكم الإشاعة.
فهذا ما رأينا تقديمَه على المسائل التي تتعلق بالحساب، وإذا خضنا فيها، ذكرنا في كل مسألة حظَّها من الفقه القويم، ووجهَ استعمال الحساب على جهة مستقيمة في الفقه.
مسائل في العين والدين
6901- إذا كان الدين على وارث، ولم يكن في المسائل وصية، وجملة الصورة مفروضة فيه إذا كان [العين] (3) من جنس الدين ونوعه.
فنقول: إذا ترك ابنين وخلّف دراهم معيّنة ودَيْناً على أحد الابنين، فلا يخلو إما أن
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) (الواو) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: "الدين".(10/284)
يكون نصيبُ مَنْ عليه الدين من التركة عيِنها وديِنها بحق الإرث [مثلَ مقدار الذي] (1) عليه من الدين.
وإما أن يكون نصيبه من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، وإما أن يكون نصيبه من التركة أكثرَ مما عليه من الدين؛ فإن كان نصيبه من التركة مثلَ ما عليه من الدين، فنذكر مسلك الحُسَّاب طرداً إلى آخره، ثم نذكر تقويمَه على موجب الفقه، إن شاء الله تعالى.
6902- فإن ترك ابنين وبنتاً، وخلف ثمانيةَ عشرَ درهماً عيناً، واثني عشر درهماً ديناً على أحد الابنين، فالتركة كلُّها ثلاثون درهماً.
وإذا قُسمت الثلاثون بين ابنين وبنت، أصاب كلَّ ابن اثنا عشرَ وأصاب البنتَ ستةٌ، فنصيب [الذي] (2) عليه الدين مثلُ الدين، فإذا كان كذلك، [فطريق] (3) الحساب عند أهله أن نقيم المسألة من فريضتها في الميراث، ونقول: مسألة الابنين والبنت من خمسة: لكل ابنٍ سهمان، وللبنت سهم، فنسقط ما يخص الابن الذي عليه الدين من سهام الفريضة، فيبقى بعد إسقاطه ثلاثة أسهم، فنقسم العينَ وهي ثمانيةَ عشرَ درهماً على الأسهم الثلاثة، فيخص كلَّ سهم ستةٌ، فهي نصيب البنت، ونصيب الابن اثنا عشر درهماً، فيأخذها.
وإذا قسمنا العين كذلك، بقي الدينُ اثنا عشرَ درهماً على ما (4) عليه الدين، فيبرأ عنها، ولا حظَّ له في العين. هذا طريق الحُسّاب.
وسبيل تقويمها على موجب الفقه أن نقول: [إذا كان] (5) من كان عليه الدين معسراً فحقُّه ثابت في العين والدين ملكاً، ولكن للابن الذي لا دين عليه وللبنت من الحق والدين مثلُ ما لمن عليه الدين في العين، وإذا استوى المبلغان واتحد الجنس والنوع،
__________
(1) عبارة الأصل: من مقدار الدين.
(2) في الأصل: الدين.
(3) في الأصل: طريق.
(4) استعمل (ما) للعاقل، وهو جائزٌ، على ندور.
(5) زيادة من المحقق.(10/285)
واستيفاء الحق متعذر ممن عليه الدين إلا من جهة حصته من الميراث، والابن والبنت اللذان لا دين عليهما قد ظفرا بجنس حقهما، فيأخذانه إن أرادا.
هذا هو المسلك الفقهي، ثم مقدار ما يأخذانه هو الذي أخرجه الحساب، فلا بد من فرض ما ذكرناه [ليستمر] (1) الحساب سديداً موافقاً للفتوى، فإن كان من عليه الدين موسراً، فلا سبيل إلى ذلك إلا أن يُفرضَ الرضا من جهته، فإذا أطلقنا أخْذَ العين ومقدار [الدين] (2) في هذه المسألة وأمثالِها عَنَيْنا بأخذ العين ما ذكرناه من الظفر بجنس الحق، إن كان من عليه الدين مفلساً، أو أردنا الرضا، وإلا، فلا يخفى أن الحق يثبت في العين والدين شائعاً من الجانبين.
6903- ولو كان نصيب من عليه الدين من التركة أكثرَ من مقدار الدين الذي عليه، فسبيل الحساب أن نقسم جميع المال، عينَه ودينَه بينهما، فما أصاب الذي عليه الدين، سقط مقدارُ ما عليه، وأخذ الباقي من العين.
ومثال ذلك: أن يخلّف الميت ابنين وعشرةَ دراهم، وخمسةً ديناً على أحد الابنين، فنصيب من عليه الدين من التركة -وهي خمسة [عشر] (3) - سبعةٌ ونصفٌ، والدين الذي عليه خمسة، فالوجه أن يُحطَّ الدين من حصته، فيبرَأ عن الخمسة، ونعطيه من العشرة العينِ درهمين ونصفاً تكملةً لحصته من العين، بعد حط جميع الدين [عنه] (4) وهذا محمولٌ على ما إذا كان مَنْ عليه الدين مفلساً، كما ذكرنا، وحضر حقُّ من لا دين عليه؛ من جهة (5) ظفره بجنس حقه، فإذا أطلقنا [المقاصة عنينا] (6) ذلك، فلا نعود إليه بعد هذا في أمثال هذه المسائل.
6904- فأما إذا كان نصيب من عليه الدين من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، فقد
__________
(1) في الأصل: يستمر.
(2) فى الأصل: الذي.
(3) سقطت من الأصل.
(4) في الأصل: عنده.
(5) أي بسبب ظفره.
(6) في الأصل: المعاصة عيناً.(10/286)
يقع في هذا القسم حسابٌ سهلُ المأخذ، كما سيتضح في أثناء المسألة.
المثال: أن يخلف امرأةً وابنين، وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، فالتركة عشرون، ونصيب من عليه الدين أقلُّ من الذي عليه، فنقيم فريضةَ الميراث من ستةَ عشرَ؛ فإن أصلها من ثمانية للزوجة الثمن، والسبعةُ الباقيةُ منكسرةٌ على الابنين، فنضرب اثنين في ثمانية، فيبلغ ستةَ عشرَ، ومنها تصح المسألة، وإذا أردنا قسمة العشرين عيناً وديناً على الورثة، أصاب كلَّ ابن ثمانيةٌ وثلاثةُ أرباع، فنصيب من عليه الدين أقلُّ إذاً، فنقول فريضة الميراث من ستةَ عشرَ، لكل ابنٍ منها سبعةٌ، وللزوجة سهمان، فنحط سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، وهي سبعة، فيبقى من فريضة الميراث تسعةُ أسهم: سهمان للزوجة، وسبعةٌ لمن لا دين عليه، فنقسم العين على هذه السهام بعد حط سهام من عليه الدين، فإذا قسمنا العشرة العينَ على هذه التسعة أصاب كلُّ سهم درهماً وتسعاً، فتأخذ المرأة من هذه العشرة درهمين وتسعين، ويأخذ الابن الذي لا دين له سبعة دراهم وسبعةَ أتساع درهم، على تأويل [المقاصّة] (1) ، ويصير الذي عليه الدين كأنه استوفى سبعةً وسبعةَ أتساع درهم.
قال الحُسّاب [في] (2) هذه المقالة: " هو الذي جُني من الدين " وهذه اللفظة مُدارةٌ في مسائل الدين والعين، والمعنيُّ بها أن المقدار الذي يقع في مقابلة العين من الدين عن جهة [المقاصّة] (3) هو الذي يقال: جُني من الدين هذا المقدارُ، ومعنى اللفظة أنه صار مستوفىً بالمقاصّة، فقد جُني، ولولا العين [والمقاصّة] (4) منها، لكان الدين على المفلس في حكم الميت الفائت.
فإن أردت أن تعرف مقدار ما [يُجْنَى] (5) من الدين في أمثال هذه المسألة، فسبيل الحساب أن تُقسِّط العينَ على السهام، سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، حتى
__________
(1) في الأصل: المقاصد.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: المفاضة.
(4) في الأصل: المفاضة.
(5) في الأصل: يجي.(10/287)
إذا ضبطتَ حصةَ كلِّ سهم من سهام الفريضة من العين، ضربت ما يخص سهماً واحداً فيما حططت من سهام مَن عليه الدين، فما يرده الضرب، فهو الذي يُجْنَى من الدين، فحصة كل سهم درهم وتسع، فنضرب الدرهمَ والتسعَ في حصة من عليه الدين من فريضة الميراث وهي سبعة، فيرد الضربُ سبعةً وسبعةَ أتساع، وهذا هو الذي جُني من الدين، وقد بقي من الدين درهمان وتسعان.
فإذا أردت أن تعرف كم تُسقط من هذا الباقي وكم تُبقي، فالوجه أن نعود إلى التركة ونقسمها عيناً وديناً، ونضبط حصة من عليه الدين من جملة التركة، وحصته منها في هذه المسألة ثمانيةٌ وثلاثة أرباع، وقد جُني من الدين ما ذكرناه، فنُسقط إلى قيمة الدين تتمةَ ثمانية وثلاثة أرباع، ويبقى عليه [من] (1) الدين درهم وربع، ولسنا نجد من العين ما نأخذه [مقاصّةً] (2) ، فهذا الباقي من الدين حق للزوجة والابن الذي لا دين عليه، [وإذا ما] (3) تمكنا منه واستوفيناه، فهو مقسوم على تسعة أسهم، وهي النسبة التي قسم عليها العين، فما يخص سهمين مصروف إلى الزوجة، وما يخص سبعةَ أسهم مصروفٌ إلى الابن الذي لا دين عليه. هذا تعديل القسمة بالحساب، وقد بان مجملها وتأويلها في الفقه.
مسائل في العين والدين على بعض الورثة مع فرض وصيةٍ لغير الوارث
6905- مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةَ دراهم عيناً وعشرة ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل آخر بثلث ماله.
فقد ذكر الأستاذ مسلكين، ونسب أحدَهما إلى ابن سُريج وجمهورِ الأصحاب، وحكى المسلك الثاني عن أبي ثور، ونسبه إلى بعض الأصحاب، ومال إلى اختياره،
__________
(1) عبارة الأصل: ويبقى من عليه الدين.
(2) في الأصل: مفاضة.
(3) في الأصل: وإنما.(10/288)
ونحن نذكر المسلكين على مساقه، ثم نذكر بعد نجازهما ما يهذِّبُ الغرضَ، ونبين الحق.
فأما ما نسبه إلى ابن سريج والجمهور، فطريق الحساب فيه -وبه نبُيّن الفقهَ والفتوى- أن نقول: الفريضة الجامعةُ للوصية والميراث ثلاثة: للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ الغريم سهماً، ممّا عليه، ويَقْسِم الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه العينَ نصفين، لكل واحدٍ منهما خَمْسة، وقد جُني من الدين خمسةٌ، وبقي من الدين خمسة، لمن عليه الدين ثلثُها، وهو درهم وثلثان، فيبقى عليه ثلاثةٌ وثلث، إذا أداها، اقتسمها الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه بينهما نصفين، على نسبة قسمتهما للعين؛ فإن هذا مذهب الجمهور وابن سريج، وأصحاب الرأي.
وبيان ذلك أن الوصية وحق الابنين بنيا على الشيوع، فالعين أثلاثاً بين الموصى له والابنين، والدين كذلك أثلاثاً، فيأخذ من لا دين عليه ثلثَ العين ميراثاً، ويأخذ الموصى له ثلثها بالوصية، فيبقى من العين ثلثٌ للابن الذي عليه الدين، وللموصى له عليه (1) ثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد وجَدا الثلثَ من العين فيقسمانه بينهما نصفين، هذا معنى اقتسام العين نصفين.
ومن عليه الدين يبرأ عن ثلث الدين بحكم إرثه، وقد أدى من العين ثُلثَها إلى جهة الوصية، وإلى أخيه الذي لا دين عليه، فيبرأ بهذا السبب عن ثلثٍ آخر، وقد استوفَى تمامَ حقه إرثاً وقصاصاً، فيبقى عليه ثلث الدين، وهو بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه نصفين.
هذا بيان ما حكاه عن ابن سريج، والجمهور، وأصحاب الرأي.
وحكى عن أبي ثورٍ مسلكاً آخر، وذلك أنه قال فيما حكاه عنه: للموصى له ثلثُ العين من غير مزيد، ولا يأخذ من العين غيرَها (2) ، والابن الذي لا دين عليه يأخذ ثلثي العين، أما الدين، فيسقط ثلثاه عمن عليه الدين ميراثاً وقصاصاً، وهو الذي جرى
__________
(1) أي على من عليه الدين،
(2) كذا. أعاد الضمير المؤنث على الثلث وهو مذكر. ولا يبعد تأويله بالدراهم أو الحصة ونحوها.(10/289)
بينه وبين [الابن] (1) ويبقى عليه ثلث الدين هو حق الموصى له يستوفيه منه خالصاً. قال الأستاذ هذا الوجه أقيس على مذهب الشافعي مما ذكره ابنُ سريج، واعتلّ في توجيه ذلك بأن قال: لو كانت المسألة بحالها، وفي التركة عشرةٌ عين وعشرةٌ دين على أجنبي، وقد خلف ابنين، فأوصى بثلث ماله لأجنبي لا دين عليه، فليس للموصى له في هذه المسألة إلا ثلث العين وثلث الدين، فكذلك إذا كان الدين على أحد الابنين، فإن الجزئية في الدين والعين لا تختلف باختلاف من عليه الدين.
وهذا الذي ذكره عن أبي ثور واختاره نُبَيّن معناه أولاً لنفهم وجهه، ثم نُتبع ما ذكره بالحق.
فمعنى قول أبي ثور إن الموصى له يأخذ ثلث العين بحكم الجزئية، وله ثلث الدين على الابن الآخر، وللابن الذي عليه الدين ثلث العين بحكم الإرث الشائع، وللابن الذي لا دين عليه على أخيه ثلث (2) الدين، وقد [ظفر] (3) بثلث العين، فجعل أبو ثور الأخَ أولى بالثلث الذي ظفر به، ولم يُثبت للموصى له فيه شركة.
هذا معنى كلامه وهو عندنا غلطٌ صريح، فإنا حملنا [المقاصَّة] (4) على أخذ ما [يظفر] (5) مستحق الدين به من مال من عليه الدين، وللموصى له عليه ثلث الدين كما للابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد استويا في استحقاق الدين عليه، فلا وجه لاختصاص الابن بأخذ ما ظفر به دون الموصى له.
فإن قيل: إنما أوصى له بالثلث، فالابن الذي لا دين عليه إنما يرث الثلث أيضاً من الدين والعين، وإنما يأخذ ما يظفر به لأخذ [المقاصّة] (6) كما بيناه، فليأخذ الموصى له كذلك بالمقاصّة حصته مما وقع الظفر به، كما لو وجد يوماً من الدهر درهماً لمن عليه الدين، فخرج منه أن الذي رآه الأستاذ أصحَّ وأقيس والذي ذكره عن أبي ثور لا
__________
(1) في الأصل: الله.
(2) في الأصل: ثلث ثلث الدين.
(3) في الأصل: ظهر.
(4) في الأصل: المفاضة.
(5) في الأصل: يظهر.
(6) في الأصل: المقاصد.(10/290)
أصل له، وليس هو مما يُلحَق بالوجوه البعيدة أيضاً، والذي حكاه عن ابن سريج هو الصواب على شرط حمل المقاصّة على ما ذكرناه وهو لا يجري إلا في المعسر ظاهراً وباطناً، أو المنكر باطناً، وأما ما استشهد به في توجيه مذهب أبي ثور من كون الدين على أجنبي ظاهر (1) السقوط؛ من جهة أن الابن لا يأخذ منه إلا الثلث أيضاً، والسبب فيه أنه لو لم يظفر له بمال حتى يفرض التضارب فيه فأين يقع هذا مما نحن فيه.
6906- مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لأجنبي بربع ماله. فالذي حكاه (2) عن الجمهور وابنِ سريج أن الفريضة الجامعة تصح من ثمانية بعد التصحيح، للموصى له سهمان ولكل ابنٍ ثلاثة، فنُسقط منها سهامَ الابن الذي عليه [الدين] (3) ، وهو ثلاثة [يبقى] (4) خمسةُ أسهم، سهمان منها للموصى له وثلاثة أسهم للابن الذي لا دين عليه، فنقسم العين وهو عشرة على هذه السهام الخمسة، فيخرج حصةُ كل سهمٍ اثنان، وللموصى له إذاً أربعةُ دراهم وللابن ستة [دراهم] (5) ، والسبب فيه أن الموصى له يستحق بحكم الوصية ربعَ العين، وهو درهمان ونصف، ويستحق ربعَ الدين وهو درهمان ونصف، والابن الذي لا دين عليه يستحق بحكم الإرث ثلاثةَ أثمان العشرة التي هي عينٌ، ويستحق ثلاثة أثمان الدين، والابن الذي عليه الدين يستحق ثلاثةَ أثمان العين، والموصى له يستحق عليه ثُمني الدين، وهو الربع، وقد ظفر هو والابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان العشرة التي هي عين مال من عليه الدين، فيضربُ فيه صاحب الوصية بثمنين ويضرب الابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان.
وإذا اعتبرنا هذه النسبة في هذه الأثمان التي ظفرا بها، وهذه النسبة بعينها جارية فيما يأخذه الموصى له بالوصية، وفيما يأخذه الابن الذي لا دين عليه بالإرث،
__________
(1) "ظاهر السقوط" هكذا بدون الفاء في جواب (أما) كدأب الإمام في كثيرٍ من المواضع.
(2) حكاه: أي الأستاذ أبو منصور.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) في الأصل: في خمسة.
(5) في الأصل: أسهم.(10/291)
فيقتضي ذلك أن يقتسما العشرة أخماساً والابن الذي عليه الدين يسقط عنه من الدين مثلُ ما أخذه أخوه من العين، وهو ستة، وعند ذلك نقول جُني من الدين ستة، وبقي عليه أربعة تقديراً، فنحط عنه من الأربعة درهماً ونصف درهم، ونقسم درهمين ونصف درهم بين الموصى له والابنِ الذي لا دين عليه على خمسة، كما قسمنا العشرة على خمسة، فيحصل لكل ابن سبعة ونصف، ويحصل للموصى له خمسة.
هذه طريقةُ ابن سريج، وهي الحقُّ، على شرط حمل المقاصّة على حالة الإفلاس والتعذّر.
وحكى طريقة أبي ثور فقال حاكياً عنه: للموصى له بالربع من العين درهمان ونصف، والباقي من العين للابن الذي لا دين عليه، ونُسقط عن الغريم ثلاثة أرباع ما عليه، وهو سبعة دراهم ونصف، ويبقى للموصى له على الغريم ربعُ الدين على الخلوص، وذلك درهمان ونصف. وهذا هو القياس الذي تقدم.
وقد أوضحنا أنه غلطٌ صريح، لا اتجاه له على قربٍ، ولا على بعدٍِ، وهو يحكم بتقديم الابن بحق المقاصّة على الموصى له، ولا سبيل إلى ذلك.
6907- ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بنصف ماله، وأجاز الابنان ذلك، فعلى قول الجمهور يملك الموصى له نصفَ العين ونصفَ الدين، ويملك كلُّ ابن ربعَ العين وربعَ الدين، وتصحيحُ الفريضة من أربعة لصاحب الوصية سهمان، ولكل ابن سهم، ثم نحط سهمَ الغريم ونقسم العين على ثلاثة أسهم: سهمين للوصية، وسهمٍ للذي لا دين عليه، فيكون للموصى له ثلثا العشرة، وللابن ثلثُ العشرة، ويبرأُ الابن الذي عليه الدين عن ربع الدين بحق الإرث، وعن ربع آخر بحكم القصاص؛ فإنه كان له في العين ربعُها، فيسقط عنه إذاً إرثاً وقصاصاً نصفُ العشرة، وبقي عليه نصفُ الدين، نقسمه (1) إذا أداه بين الموصى له وبين الابن الذي لا دين عليه: [ثلث للابن وثلثان للموصى له] (2) ؛ فيحصل للموصى له بعد التوفية عشرةٌ، وللابن الذي لا دين
__________
(1) في الأصل: لا نقسمه.
(2) عبارة الأصل: ثلثه وثلثين، فيحصل.(10/292)
عليه خمسةٌ وقد برىء مَنْ عليه الدين عن خمسة.
وعلى قول أبي ثور، للموصى له نصفُ العين خمسة، وله على الغريم نصفُ الدين خمسة، ونأخذ للابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية من العين، يأخذ نصفها بالميراث، ونصفَها قصاصاً بميراثه من الدين الذي على أخيه، وسقط عن الغريم نصفُ ما عليه، وبقي عليه للموصى له وحده نصفُ الدين، وهو خمسة، وهو القياس المقدّم، وقد تكرر بيانُ فساده.
6908- ولو كانت المسألة بحالها: الوصية بالنصف والتركة عشرةٌ عيناً وعشرةٌ ديناً على أحد الابنين، فقد ذكرنا التفصيل فيه إذا أجازا الوصيةَ الزائدةَ على الثلث، ونحن نذكر ثلاثة أحوالٍ سوى ما تقدم.
فلو ردّا الزيادةَ على الثلث، كان كما لو أوصى بالثلث وقد قدمنا التفصيل فيه، واخترنا مذهب ابن سريج، ورددنا قولَ أبي ثور، وهذا بتلك المثابة.
6909- والحالة الثانية أن يجيز الوصيةَ الزائدةَ على الثلث من لا دين عليه، ويردُّ من عليه الدين، فالزيادة على الثلث سدس المال؛ فإن الوصية بالنصف، فإذا أجاز من لا دين عليه، نفذ بإجازته نصفُ الزيادة، وارتد برد الآخر نصف الزائد، ولو كانت الوصيةُ بالثلث، والتفريعُ على مذهب ابن سريج والجمهور، لأخذ الموصى له من العين نصفَها، وإذا كانت الوصية بالنصف وأجازاها، فإنه يأخذ ثلثي العين، والآن بين الثلثين والنصف، وهو خمسة دراهم وثلثان فننصِّفُها بسبب بعض الإجازة والرد، ونقول على مذهب الجمهور: يأخذ الموصى له من العين خمسة بحق الثلث، وخمسة أسداس درهم، [وهو (1) نصف ما بين النصف والثلثين] (2) ، والباقي للابن الذي
__________
(1) وهو: "أي خمسة أسداس درهم".
(2) في الأصل: وهو نصف قيمة الثلثين، وهو كلام مضطرب غير مستقيم. وفي العبارة بعد تصويبها إيجاز، والمعنيُّ بها أنه -كما سبق شرحه- يأخذ عند الوصية بالثلث خمسة من العشرة العين، وعند الوصية بالنصف يأخذ ثلثي العشرة ستة وثُلثين، في هذه الحالة عنده وصية بالنصف أجيز نصف الزيادة، فيأخذ خمسة بالثلث (الذي لا يحتاج إلى إجازة) ويأخذ خمسة أسداس فوقها، وهي نصف الفرق بين ما يأخذه بالثلث وما يأخذه بالنصف، فهو يأخذ خمسة =(10/293)
لا دين عليه وهو أربعةٌ وسدس إرثاً وقصاصاً.
وهذا بيان هذه الحالة في غرضنا.
6910- فأما إذا أجاز من عليه [الدين] (1) الزيادة في حصته، ولم يجز من لا دين عليه فلا يأخذ الموصى له من العين إلا خمسةً، وهي المقدار الذي يأخذه لو كانت الوصية بالثلث، وسبب ذلك أن المسألة مبنيةٌ على المقاصّة، وهي عندنا مخصوصةٌ بحالة [الإفلاس] (2) ، وليس للمفلس أن يبطلَ حقَّ مستحق الدين بسبب تبرعه مبتدئاً كان، أو مُجيزاً؛ فإن قيل: ألستم أبنتم لردِّه أثراً؟ قلنا: نعم ردُّ المفلس في استيفاء ملكه صحيح، وإنما المردود إبطاله حقَّ الغرماء المتعلقين بماله، وهذا متجةٌ حسنٌ، وقد ذكره الأستاذ كذلك، وهو لا يتعرض لتفصيل الإفلاس، بل معتقده أن القصاص واقع لإدراكه، وذاك وإن لم نقل به، فالفتوى صحيحة خروجاً على ما ذكرناه.
والذي يختلج في النفس منه أنا نجوّز أخذ مال المفلس عند الظفر به، ولكن قبل التملك وقبل ضرب الحجر على المفلس يجب تنفيذ إجازته؛ فإنه مطلَق وتصرف المطلَق المفلس في ملكه نافذٌ، فعلى هذا تنفُذ إجازتُه في هذا المقدار الذي تنفذ إجازة من لا دين عليه، وإن صورنا إجازته بعد أخذ الغرماء، فهي باطلة وكذلك إن صورنا إجازته بعد الحجر، فهذا حقيقة المسألة.
ولم نتعرض لأبي ثور؛ فإنه قد بان قياسُه، فلا معنى لإعادة مذهبه في كل مسألة.
6911- مسألة: إذا خلّف ابنين، وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لإنسان بخمسة دراهم من ماله، قال الأستاذ حاكياً عن الجمهور: يدفع إلى الموصى له خمسةُ دراهم من العين، ويأخذ الابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية، النصفَ منها بالميراث، والنصفَ منها بالقصاص مما له على أخيه، ويَبْرَأ من عليه الدين من نصف
__________
= بالثلث، وستة وثلثين بالنصف، فالفرق واحد وثلثين، نصفها خمسة أسداس، تضم إلى الخمسة التي أخذها بحق الثلث.
(1) سقطت من الأصل.
(2) في الأصل: الإقلال.(10/294)
الدين، بميراثه منه، ويبرَأ أيضاً من رُبعه، فالقصاصُ يُبقي عليه لأخيه ربعَ الدين.
وهذا فيه نظرٌ؛ من جهة أن التركة عشرون، والخمسة ربعُها، ولو أوصى لإنسان بربع ماله من هذه المسألة لم يأخذ نصفَ العين، وإنما يأخذ خُمسيها، على قول الجمهور، كما تقدم. ومن أصل الشافعي رضي الله عنه أن الاعتبار في الوصايا بمآلها.
ولو أوصى بالخمسة، ولم يتعرض لذكر جزء، وكنا [لا نعلم] (1) بأن الخمسةَ ربعٌ أو خمس، فإذا بان آخراً أن الخمسة وقعت ربعاً، فليقع الحكم فيها على حسب الحكم في الربع، والدراهم التي أطلقها لم يُخصِّصْها بالعين، بل أطلق الوصيةَ بها، ولو كانت تركتُه كلُّها ديناً، لصحت الوصية بخمسة دراهم، على معنى الاستيفاء ممن عليه [الدين] (2) ، وقد نقَم أصحابنا على أبي حنيفةَ فصله بين الوصية المرسلة بدرهم، وقد بانت أنها زائدة على الثلث آخراً، وبين الوصية بجزءٍ زائد على الثلث، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، مع نظائره في مقالةٍ جامعةٍ، إن شاء الله.
6912- ولو كانت المسألة بحالها، وأوصى له بنصف العشرة التي هي عينٌ، قال الأستاذ: يأخذ خمسةً، ولا حاجةَ إلى الإجازة، ولا غروَ أن يقول هذا. وقد قال بهذا في الوصية بالخمسة المرسلة، فإذا كان يحصرها في العين وهي مرسلة، فلا شك أنه يقول بحصرها وقد قُيّدت بالعين.
وهذا فيه نظر، [فإن كنا لا نحمل الخمسة على الحصر في العين، فالتخصيص العين وصية، سيّما إذا كان الدين على مفلس. نعم، لو نفذ من عليه الدين الذي نفذت الوصية من العين المذكورة] (3) وعلى هذا تجرى الوصايا بالأعيان.
وهذا الذي نذكره مرامزُ، وفقهُ الوصايا بين أيدينا (4) .
__________
(1) في الأصل: لا نحكم.
(2) سقطت من الأصل.
(3) هذه السطور بين المعقفين، كذا تماماً، ولما نعرف لها إقامة بعدُ.
(4) بين أيدينا: أي سيأتي بعدُ.(10/295)
6913- مسألة: لو ترك ثلاثة بنين وعشرين درهماً عيناً، وعشرةً ديناً على أحد البنين، وأوصى لرجل بثلث ماله.
أما مذهب ابن سريج، فالسبيل فيه أن نصحح الفريضة الجامعة من [تسعة] (1) نضعها من ثلاثة، ثم نبلّغها بالتصحيح تسعة، فنلقي منها نصيبَ [الابن] (2) الذي عليه الدين وهو سهمان، يبقى من سهام الفريضة سبعة، فنقسم عليه العشرين التي هي عين، فيخرج على مقابلة كل سهم درهمان وستة أسباع درهم، فإذا أردنا أن نعبِّر عما جُني من الدين، ضربنا [حصة] (3) سهمٍ فيما عزلناه من الفريضة حصةً لمن عليه الدين، وإذا ضربنا اثنين وستةَ أسباع في نصيب من عليه الدين من الفريضة، وهو سهمان، خرج خمسةُ دراهم وخمسةُ أسباع درهم، هذا مقدار ما جني من الدين.
ثم يحسن في مسلك الحساب أن نضم ما جُني من الدين إلى العين وهي عشرون، فيبلغ المجموع خمسةً وعشرين وخمسةَ أسباع درهم، فنقول: كان جميع المال هذا، مثلاً، للموصى له ثلثها، وهي ثمانية دراهم وأربعة أسباع درهم، والباقي بين البنين، وذلك سبعةَ عشرَ درهماً وسُبعُ درهم، لكل واحد منهم خمسةُ دراهم وخمسة أسباع، فيأخذ الموصى له ثمانيةَ دراهم وأربعةَ أسباع درهم، وقد أصاب الذي عليه الدين مثلَ ما أخذه كلُّ ابن من الابنين، ولكن ما يصيبه يُحسب من الدين الذي عليه إذا أمكن، فإذا أردت أن تعرف كم يؤدي من عليه الدين، فارجع أبداً إلى أصل المال، وقل: في هذه المسألة جملة الدين والعين ثلاثون، فنميز ثلثها للموصى له، وهو عشرة، يبقى عشرون، نقسمها بين البنين الثلاثة نصيب كل واحد منهم ستةٌ وثلثان، فإذاً تبقى على الابن الذي عليه الدين ثلاثة وثلث، فإذا أداها اقتسمها الابنان الآخران والموصى له، على سبعة أسهم، للموصى له منها ثلاثة أسهم، ولكل ابن سهمان، على النسبة التي قسمنا العين عليها.
وعلى قول أبي ثور للموصى له من العين ثلثها، وهو ستة دراهم وثلثان، ولكل
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: نصيب الأول من. والمثبت تقدير منا.
(3) في الأصل: حقه.(10/296)
واحد من الابنين الذين لا دين عليه مثل ذلك، ويسقط مثل هذا عن [الابن الذي عليه] (1) الدين، ويبقى للموصى له وحده ثلاثة دراهم وثلث، وهو تتمة الثلث.
6914- مسألة: لو ترك ابنين وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل بثلثي الدين.
فحكم هذه اللفظة على طريقة الجمهور، ورأي ابن سريج أن يملك كلُّ واحد من الابنين نصفَ العين، وسدسَ الدين؛ فإنه حصر الوصية في الدين؛ فإذاً يبرأ الغريم من سدس الدين بميراثه، ويبقى للموصى له والأخ -في ذلك- النصفُ (2) على نسبة الأخماس، للموصى له أربعة أخماسه، وأربعة أخماس النصف أربعة دراهم، وللأخ خُمُسه، وهو درهم، ولا شك أن ذلك يقع بين الثلثين والسدس، وقد كان أخذ الابن الذي لا دين عليه خمسة دراهم من العين، فحصل معه ستة، وبرىء الغريم من نصف الدين قصاصاً، ومن سدسه ميراثاً، وبقي لهما عليه ثلث الدين، فإذا أداه، اقتسمه الموصى له والابن الذي لا دين عليه على خمسةٍ، كما مضى: أربعة أخماسه للموصى له وخُمسه للأخ.
وعلى قول أبي ثور للابن الذي لا دين عليه من العين ستة دراهم وثلثان، وهذا أقصى ما يستحقه إرثاً وقصاصاً مع الوصية بثلثي الدين وثلثا الدين، ثلثُ التركة، وقد توفر عليه الثلث من العين، فنصرف ثلث العين نحو القصاص إلى الموصى له بثلثي الدين؛ فإن هذا الثلث الباقي محض حق من عليه الدين.
6915- ولو كانت المسألة بحالها وأوصى لرجل بثلث العين، وأوصى لآخرَ بثلث الدين، فعلى المذهب المعتمد يأخذ صاحبُ العين ثلثَ العين، وملكَ كلُّ ابن ثلثَ العين، ويملكُ صاحب الدين ثلثَ الدين، وهو الموصى له بثلث الدين، ويملك كل ابنٍ ثلثَ الدين، فيبرأ الغريم من ثلث الدين لحق الإرث، ويبقى عليه لأخيه ثلث
__________
(1) زيادة من المحقق. والمعنى أن الابن الذي عليه الدين يجني من الدين ستة وثلثين، مثل نصيب كل ابن لا دير عليه.
(2) النصف: المراد نصفُ العين الذي يملكه من عليه الدين. ومعنى العبارة: يبقى -في ذلك التقسيم- النصف ...(10/297)
الدين، ولصاحب الوصية ثلثُ الدين، فيأخذ صاحب الوصية والابن الذي لا دين عليه حقَّه من العين قصاصاً، وهو ثلاثة [وثلث] (1) فيقسمانه، نصفين، ويخرج منه أن الغريم يبرأ عن ثلث الدين إرثاً، ويبرأ من ثلثه قصاصاً، ويجتمع للأخ من العين خمسةُ دراهم، وهو نصف العين، وقد فاز صاحب الوصية بثلث العين بحقه، وبقي لصاحب الوصية بثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، فكلما أدَّى منه شيئاً، فحكمه أن يقسماه نصفين.
فهذا بيان قياس هذه المسألة.
مسائل إذا كان الدين على الموصى له
6916- مسألة: إذا ترك ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً ديناً على رجل، فأوصى بثلث العين لرجل، وأوصى للغريم بما عليه، وهو معسر.
فالوصيتان مجموعهما زائدتان على الثلث، فإن رُدّ الزائد، فالثلث بينهما على أربعة: ثلاثة أرباعه للغريم، ولصاحب العين ربع الثلث، والفريضة الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللورثة ثمانية، ثم يقسم الورثةُ وصاحبُ العين الثلاثين درهماً التي هي عين على قدر سهامهم، وقد ذكرنا أن لصاحب الوصية بجزءٍ من العين سهم، وللورثة ثمانية؛ فيقتسمان الثلاثين على [تسعة] (2) أسهم: لصاحب الوصية تُسع الثلاثين، وهو ثلاثة دراهم وثلث، وللورثة ثمانية أتساعها: ستةٌ وعشرون درهماً وثلثان، ويبرأ الغريم عن ثلاثة أرباع الثلث ممّا عليه، والثلث عشرون، ثلاثة أرباعه خمسةَ عشرَ، فبرىء عن خمسةَ عشرَ درهماً؛ لأن وصيته في ذمته، فيبقي عليه خمسةَ عشرَ درهماً؛ فإذا أداها، اقتسمها الورثةُ وصاحبُ الوصية [كجزء] (3) من العين على تسعةٍ: لصاحب الوصية تُسعُها، وهو درهم وثلثان، فنضمُّه إلى ما أخذ من العين أولاً
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة بدونها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: بجزء. والمعنى: أن القسمة كجزئية العين.(10/298)
فيتمّ له ربعُ الثلث وهو خمسة دراهم، والباقي، وهو ثلاثةَ عشرَ درهماً [وثلث درهم] (1) للورثة، فيحصل للورثة ثلثا المال.
وفي هذه المسألة أدنى تأملٍ على الناظر، والمسألة سديدة، ووجه التأمل فيها أنا لو أكملنا لصاحب الوصية بالعين حقَّه من العين، وهو خمسة دراهم، لكنا نفّذنا الوصيةَ في عشرين [عيناً] (2) ، والحاصل في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والباقي دين، وهذا لا سبيل إليه، فنفذنا من وصيته العين ثلاثة وثلثاً على النسبة الحسابية التي ذكرناها.
وتعليل ذلك أنا إذا رددنا الوصيتين إلى الثلث، وعرفنا أن الثلث أرباعٌ بين الوصيتين، فلا يثبت لصاحب الوصية بالعين إلا الربع من مبلغٍ لو ضم إلى ما بقي في يد الورثة، لكان [ثلثي] (3) الجميع: الحاصلَ والمقدرَ، وهذا إنما ينتظم بأن نجمع ثلاثةً وثلثاً أربع مرات، فيبلغ ثلاثةَ عشرَ وثلثاً، ثم إذا ضممنا هذا إلى الستة والعشرين والثلثين، كان المبلغ أربعين، وثلثا الأربعين ستةٌ وعشرون وثلثان، فلم ننفذ وصية العين إلا على هذه النسبة، ولم نحسب لأجل العين الدينَ على الورثة؛ فإنه غيبٌ بعدُ، [ثم] (4) اضطررنا في حق صاحب الدين إلى توفية حقه بالإسقاط عنه، كما أشرنا، ونفذنا الوصية بالعين على قياس النسبة، فهذا تعليل المسألة، وهي حسنة بالغة الحسن على رأي ابن سريج والجمهور من أصحابنا.
وقال أبو ثور: لصاحب العين ربع الثلث وهو خمسة دراهم من العين، والباقي وهو خمسة وعشرون [بين الورثة] (5) ، وبين صاحب الدين كما ذكرنا، ويستوفي الورثة بقيةَ الدين خالصةً لهم، وهذا الذي ذكره ذَهاب عن سر النسبة والتفاوت الواقع بين قياس العين وقياس الدين، كما أوضحناه.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة من المحقق، وبدونها لا يستقيم الكلام، والمعنى: أننا إذا أعطينا الموصى له خمسة كاملة عيناً، نكون اعتبرنا الثلث كله عيناً.
(3) في الأصل: ثلث.
(4) في الأصل: يضم.
(5) عبارة الأصل: وهو خمسة وعشرون للورثة وبين صاحب الدين.(10/299)
6917- مسألة أخرى توضّح ما ذكرناه الآن:
ترك ابنين وعشرة دراهم عيناً وعشرين درهماً ديناً على رجلين، على كل واحد منهما عشرة، وهما معسران، وسبب فرض الإعسار أن يختلف حكم العين والدين اختلافاً بيناً، فلو أوصى لكل واحد من الرجلين بما عليه من الدين، وأوصى بثلث ماله لرجل، والوصايا زائدة على الثلث، فإذا رُدّت إلى الثلث، فقد قال ابن سُريج: يضربُ كل واحد من الغريمين بما عليه، وهو عشرة، ويضرب صاحب الثلث بالثلث وهو عشرة، فيتضاربون بالسوية في ثلث المال أثلاثاً، ثم لكل واحد من الغريمين ما يخلص له من الثلث، يأخذه مما عليه.
والفريضة الجامعة للوصايا والميراث تسعة، فتشتمل على الثلث ويشتمل الثلث على الانقسام أثلاثاً.
ثم سبيل الحساب في المسألة، وبه تظهر النسبة المطلوبة في حق الموصى له بالثلث أن نقول: إذا أسقطنا من التسعة سهمين للغريمين، وصرفنا كلّ سهم إلى دين كل غريم، فيبقى من سهام الفريضة سبعة أسهم، فنقسم العين عليها بين الورثة وبين الموصى له بالثلث، وهكذا يقع إذا فُضَّتْ عشرة على سبعة أسهم، وهذه هي النسبة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة على هذه، فإنا نُقدِّر جميعَ ثلثه مقاديرَ، كلُّ مقدار درهم وثلاثة أسباع، وللورثة ثمانية دراهم وأربعة أسباع، وإذا نحن قدرنا ذلك، صار المجموع اثني عشر درهماً وستة أسباع، للابنين منها ثمانية وأربعة أسباع، فقد سلمنا إلى صاحب الثلث ثلثاً من ثلثٍ قدرناه، لو حضر، لكان كما ذكرناه، وقد برىء كل غريم عن ثلث ما عليه، وهو ثلاثة وثلث، ولو جمعنا ما برئا منه إلى ما سلمناه إلى الموصى له بالثلث، لزاد ذلك على ما قدرنا، ولكن تلك الزيادة لمكان الدين، كما قدرناه في المسألة الأولى، والغرض أن التسليم من العين يقع بحساب العين كما سبق، فإن حصلت زيادةٌ في الدينين على خلاف نسبة العين، فسببه ما اضطررنا إليه في أمر الدين.
وكشف الغطاء فيه أن سقوط الدين عن معسرٍ لجواز أن يحسب في خروجه من ثلث الدين الباقي على المعسر في حق الورثة، وأما تسليم العين، فلا يجوز أن نعتبر فيه(10/300)
نسبة بقاء الدين، ثم النسبة القويمة ما ذكرناها.
هذا هو الغرض من إعادة هذه المسألة. وباقي الكلام بيّنٌ لا إشكال فيه.
مسائل في العين والدين إذا كان الدين على أجنبي والوصية لغيره
6918- مسألة: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً وثلاثين درهماً ديناً على أجنبي، وأوصى بثلث ماله لرجل.
فإنا نعطي الموصى له في الحال ثُلثَ العين، ولا نزيده بسبب الدين؛ فإنه مُغَيَّبٌ بعدُ، ويُصرف باقي العين إلى الورثة من غير حجرٍ عليهم، ثم كلما حضر من الدين شيء، سلمنا إلى الموصى له ثُلثَه، والباقي للورثة. هكذا إلى استيفاء الدين بكماله.
ولا فرق بين أن يكون الدين على معسرٍ، وبين أن يكون على مليء وفيٍّ؛ فإن الدين على كل حال مغيّب، وهذا القياس بعينه نطرده في المال الحاضر والغائب.
6919- ولو أوصى له بثلث الدين، لم يكن له في العين شيء، واقتسم الورثةُ العينَ، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فله ثلثُها على المذهب الظاهر، والقياس البيِّن، والباقي للورثة، وهذا قدمناه في أول المقالة، وذكرنا أنه القياس.
وأبعد بعضُ أصحابنا -على ما حكاه الأستاذ- وقال: يسلّم مما يحضر من الدين ما يقع ثلثاً لو أضفناه إلى ما هو عين في التركة، وهذا لا أصل له، ولا أعتد مثلَه من المذهب.
6920- ولو كان قد أوصى في هذه المسألة لرجل بثلث العين، وأوصى لآخر بثلث الدين، والدينُ على معسر، فلصاحب العين ثلثُ العين، وباقيها للورثة، ولا حق لصاحب الدين في العين، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فللموصى له بثلث الدين ثلثُها: خمسةُ دراهم، وباقيها للورثة.
هذا هو المذهب الظاهر، وهو رأي من جعل الوصية شائعةً في الدين.(10/301)
ومن جعل الموصى له [بالجزء أحقَّ] (1) بما يُجنى من الدين، أعطاه من الخمسةَ عشرَ، [عشرةً] (2) ، وهو تمام حقه، إن أجاز الورثة، فإن لم يجيزوا، لم يعطَ تمامَ العشرة؛ فإن صاحب الوصية بالعين، قد أخذ ثلث العين، فإذا أخذ هذا عشرة، فيصرف إلى الوصية عشرون، والحاصل في يد الورثة خمسة وعشرون: [عشرون] (3) من العين، وخمسةٌ مما حضر من الدين، وهذا لا سبيل إليه، ولا وجه لحبس الدين عليهم، وتنفيذِ الوصية من العين الحاضرة، وليس كما إذا أوصى لمن عليه الدين، فإنا نضطر إلى إبراء ذمته، كما قدمنا تقريره، وسيزداد هذا وضوحاً من بعدُ، إن شاء الله تعالى.
وإذا تُصوّرت المسألة بالصورة التي ذكرناها وحضر من الدين خمسةَ عشرَ، والوصية بعشرةٍ من الدين، وهي [ثُلثُه] (4) ، والوصية الأخرى بعشرة من العين، وهي ثلث العين، والحاصل الآن خمسة وأربعون درهماً، إذا قدرنا ضمَّ ما حضر من الدين إلى الثلاثين التي كانت عيناً، فإذا لم يجز الورثة إلا ما يقتضي الشرعُ إجازتَه من الثلث، [فقد] (5) ذكر الأستاذ منهاجاً في الفقه والحساب لا نجد بداً من ذكره، حتى إذا نجز، [نذكر] (6) الحقَّ المبين عندنا.
قال رضي الله عنه: ذهب أبو ثور في هذه المسألة إلى أن الموصى له بثلث العين يأخذ العشرة المسماة من العين، فإذا حضر من الدين خمسةَ عشرَ، أخذ الموصى له بثلث الدين خمسةَ دراهم من الخمسةَ عشرَ الحاضرة من الدين، وسلمنا العشرةَ منها إلى الورثة، فيكون المجموع خمسةً وأربعين، والمخرج للوصية خمسةَ عشرَ، وهذا ثلث المجموع، والباقي في يد الورثة، من بقية العين، ومما حضر من الدين ثلاثون.
__________
(1) في الأصل: بالحر وأحق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) زيادة من المحقق، لا يصح الكلام بدونها.
(4) في الأصل: ثلاثة.
(5) في الأصل: وقد.
(6) في الأصل: ذكر.(10/302)
قال الأستاذ: هذا كلامٌ معتدل مستقيم على الفتوى والحساب.
وأما ابن سريج، فإنه فرع على إشاعة الوصية، وقضى بأن كلَّ ما يحصل من الدين، فليس للموصى له بجزء من الدين إلا جزءاً مما حضر على قدره، حتى إذا كان الموصى به ثلث الدين، والحاضر خمسةَ عشرَ، فللموصى له بجزءٍ من الدين ثلثُ ما حضر وهو خمسة، فينطبق هذا الجواب على مذهب أبي ثور، ويكون سديداً.
وإن فرع ابن سريج على أن الوصية بكمالها تنحصر فيما يحصل ويحضر، فموجب هذا أن يستوفي الموصى له بجزءٍ من الدين تمامَ العشرة مما حصل من الدين، ولكن لو استوفى ذلك، وقد استوفى الموصى له بثلث العين العشرة، فتزيد الوصيتان على ثلث المال الحاصل؛ فإنه تبقَّى في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والوصية نافذةٌ في عشرين، وهذا خطأٌ لا سبيل إليه. وإنما تنفذ الوصية في عشرين إذا كان في يد الورثة أربعون؛ فإنه امتنع هذا على وجه الحصر، فصاحب الوصية بجزء من الدين يقول (1) : ثبت حقي في عشرة على قول الحصر، ولكن امتنع عليّ أخذُها لضيق الثلث، فأنا أضارب بعشرة، وأنت [يا صاحب] (2) الوصية بالعين ضارب بعشرة، وهذا القياس يقتضي أن يكون الثلث بيننا نصفين، وثلث المال الحاصل خمسة عشر، ونصفها سبعة ونصف.
قال الأستاذ هاهنا: أما العشرة، فقد فاز بها صاحب الوصية بالعين، فقياس [مذهبه] (3) على ذلك أن ندفع إلى الموصى له بجزءٍ من الدين سبعةً ونصفاً؛ إذ التفريع على وجه الحصر، فيكون المجموع سبعةَ عشرَ درهماً ونصفاً، وليس في يد الورثة ضعفٌ.
قال: وبهذا تبين أن الصحيح ما ذكره أبو ثور؛ فإن مسلك ابن سريج أدى تفريعه إلى هذا الفساد.
__________
(1) عبارة الأصل: يكون يقول.
(2) في الأصل: ناصب.
(3) في الأصل: مذهب.(10/303)
6921- هذا كلامه. وهو مضطرب يشتمل على خبطٍ ظاهر، فنقول أولاً: أما وجه الحصر، فقد أطلقنا فيما تقدم، وأوضحنا أنه غير معتد به، ولا اتجاه له، وقد ذكر استقامةَ وجه الشيوع، فلنحمل ما أدى التفريع إليه على فساد وجه الحصر، لا على فساد مذهب ابن سريج.
هذا وجهٌ. ثم لم يتصور في التفريع على وجه الحصر مع فساده، وقياسُ ذلك الوجه لو قيل به أن يقول: الثلث خمسةَ عشرَ، وهما يتضاربان في الثلث بجزأين متساويين، أما صاحب العين فوصيته عشرة، وصاحب الدين ضاربٌ بعشرة لقياس الحصر، ولا سبيل إلى خرم حساب الثلث والثلثين، فالوجه جعل الثلث بينهما نصفين ثم السبعة والنصف التي هي حصة صاحب العين إذا بان مقدارها، أخذها من العين.
وقد يعترض على ما ذكرنا أن صاحب العشرة يفوز بالعشرة، وإن لم يحصل من الدين شيء، فلِمَ يُنتقص حقُّه بأن يحصل من الدين شيء؟ وهذا مدفوع؛ فإنه إذا لم يحصل من الدين شيء فلا مزاحم له، فقدرُ وصيتِه ثلثُ العين، فإذا حصل من الدين شيء امّحق ما حصل بالتركة، وصار صاحب الدين ضارباً بالعشرة لقياس الحصر، فأنتج مجموعُ ذلك زحمة ونقصاً.
وكل ما ذكرناه وإن كان يعترض عليه الفقيه، فهو مؤذنٌ بفساد الحصر، وليس يرد إلينا عن جهة أخرى فسادٌ، ونحن معترفون بأن الحصر لا أصل له.
6922- ونحن نذكر صورةً أخرى أوردها الأستاذ، وفيها بيان لما قدمناه، واشتمالٌ على مزيد إشكال، سيأتي التفريع عليه إن شاء الله عز وجل.
فنقول: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً على أجنبي، ثم أوصى للغريم بجميع ما عليه، وأوصى لآخر بثلث العين، وهو عشرة، فإذا كان الدين على مليء، [فالوصيتان] (1) بالغتان ثلثي المال، وتبيّن [بالأخرة] (2) أن نسبة الوصيتين بالأرباع: للموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع، وللموصى له بالعشرة الربعُ.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: بالإجازة.(10/304)
فلو رد الورثة ما زاد على الثلث، وانحصرت الوصيتان في الثلث، فقد قال الأستاذ: الثلث مقسوم بينهما أرباعاً، لأحدهما وهو الموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع الثلث، وللموصى له بالعين ربُع الثلث، وهذا مستقيم.
فلو حضر الدين كلُّه، فثلث المال عشرون، ثلاثة أرباعها للموصى له بالدين، وهو خمسةَ عشرَ، وربعُه، وهو خمسةٌ للموصى له بجزءٍ من العين. غيرَ أن هذه [الخمسة] (1) مستحقة من الثلاثين التي كانت عيناً، والخمسةَ عشرَ مؤداة مما حصل من الدين، وفاءً لمحلّ الوصيتين.
فلو حصل من الدين خمسةَ عشرَ، وتلف باقي الدين وتحقق التّوى (2) فيه، والذي ذكره الأستاذ في هذه الصورة أنا نأخذ ثلثَ المال الحاصل، وهو خمسة وأربعون، وثلثها خمسةَ عشرَ، فنعمد إلى الثلث ونجعله على أربعة أسهم: لصاحب العشرة منها ربعُها، وهو ثلاثة وثلاثة أرباع درهم، ولصاحب الوصية الأخرى باقي الخمسةَ عشرَ، وهو أحدَ عشرَ وربعُ درهم، وذلك ثلاثة أرباع الثلث.
هذا كلامه، وقد صححه، وعبَّر (3) عليه، واختتم الباب به، وندب إلى العمل بقياسه.
وهذا كلام مختلط، والسبب فيه أن الوصية مضافةٌ إلى الدين، ولو ورد التّوى على جميع الدين، [سقطت] (4) الوصية سقوطاً لا يبقى بجزءٍ منها ضربٌ، فإذا تلف بعضها، وجب أن يسقط [من] (5) الوصية بمقدار ما تلف، فإذا عادت الوصية [إلى الثلث] (6) لا بردّ الورثة، ولكن بالتّوى الوارد على خمسةَ عشرَ، فكأن الوصية بخمسةَ عشرَ.
__________
(1) في الأصل: المسألة. فانظر -رعاك الله- أي عناء وأي مكابدة، حتى وصلنا إلى الصواب.
(2) التوى: الهلاك.
(3) كذا، ولعلها مصحَّفة وصوابها: " اعتبر " أي قاس.
(4) في الأصل: أسقطت، وغيرناها لمكان المفعول المطلق بعدها.
(5) زيادة من المحقق.
(6) زيادة اقثضاها السياق.(10/305)
ولو فرضنا وصيتين إحداهما بعشرة، والأخرى بخمسةَ عشرَ، ثم فرضنا [عود] (1) الثلث إلى خمسةَ عشرَ، وحصر الوصيتين في الثلث، لكان أحدهما ضاربٌ بخمسة عشرَ، والآخر ضاربٌ بعشرة، والتضارب على هذا الوجه يقع بالنسبة إلى الأخماس.
فيجب من ذلك أن نقول: لصاحب العشرة في مسألتنا خمسا الخمسةَ عشرَ، وهو ستة، ولصاحب الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ الأخماس، وهو تسعة.
وهذا ما يقتضيه الحساب والفتوى.
فإن قيل: قد سبق قصدُ الموصي إلى تفضيل أحدهما على الثاني بنسبة الأرباع؟
قلنا: نعم، كانت الوصية كذلك، ولكن يقتضي سقوط الوصية بسقوط المحل، ونقصانها بنقصان المحل، ولم تجر الوصية بثلاثين مرسلة.
فهذا هو الحق الذي لا محيد عنه.
6923- مسألة: إذا ترك الرجل ابنين، وألفَيْ درهم عيناً وألفاً ديناً على أجنبي، وأوصى للغريم بما عليه، وأوصى لرجل آخر بألفٍ من العين، وردّ الورثةُ ما زاد على الثلث من الوصايا. فالمذهب المبتوت أن الغريم يبرأ عن خَمْسمائة، ويستحق الموصى له بالألف أربعَمائة، وتسلّم للورثة من العين ألفاً وستمائة، ولهم استيفاء بقية الدين ممن عليه الدين، كلما استوفَوْا منه قدراً سلّموا بحسابه، كما تمهد الحساب إلى الموصى له بالألف العين، حتى يكمل له خَمسُمائة.
وتعليل ذلك وتمهيد حسابه ما قدمناه قبلُ في المسائل، ونحن الآن نُعيده لغرضٍ، فنقول: لو سلمنا خَمسَمائة إلى الموصى له بالعين، وقد برىء الغريم عن خمسمائة، لقال الورثة: تقديم الوصية في ألف -براءً وتمليكاً، وليس في أيدينا [ضعف الألفِ- غير ممكن فلا يُسلّم للموصى له بالعين] (2) إلا مقدراً لو ضم إليه مثلُه، لكان المبلغان
__________
(1) في الأصل: عدد.
(2) عبارة الأصل: "ضعف الألفين ألا نسلم للموصى" وتغييرها بالزيادة والتعديل من عمل المحقق.(10/306)
ثلثاً، وما في يد الورثة ضعفاً، وذلك ثَمانمائة، فنحسب على صاحب العين هذا الحساب، ثم يبرأ الغريم عن خمسمائة للضرورة التي قدرناها في براءة الذمة.
وقد مضى لهذا أمثلةٌ، وأسدُّ ما فيها هذا الجواب. ولم يتعرض الأستاذ لما يخالفه.
وذكر في هذه المسألة وجها ثانياً غريباً نحكيه ونبطله؛ حتى لا يعتد به الناظر، ونقطع بما سبق القطع به. قال رضي الله عنه: من أصحابنا من قال: يسلّم إلى الموصى له بالألف من الألفين خَمسمائة، واحتج هذا القائل -فيما حكى- أن العين المأخوذة أقل من ثلث العين والباقي من العين أكثر من الضعف بالإضافة إلى الخَمسمائة، والدين الباقي مضموم إلى العين الحاصلة في أيدي الورثة، فيكون في أيديهم ألفٌ وخمسُمائة، ولهم من الدَّيْن خَمسُمائة، والمجموع ألفان والوصيتان ألفٌ.
وهذا القائل يزعم: أنا أقمنا الدين مقام العين؛ لمكان الوصية بالدين.
وهذا ساقط عريٌّ عن التحصيل، فلسنا للإطناب في إبطاله مع وضوحه، وفيما قدمناه اكملُ مَقْنع، وليس يخفى على الفطن قياسُ هذا الوجه الضعيف في الأمثلة المتقدمة، ولكن لا معنى للتفريع على ما لا أصل له.
وقد نجز والحمد لله القولُ في العين والدين، لم نغادر من لُبابه شيئاً، بل أوضحنا مشكلَه، وبيَّنا [معضله] (1) ، وذكرنا مسلك الحُسّاب ومجمله، ونفضنا عن أدراج الحُسّاب ما جرى فيها من زلل في الفتوى، وتعرضنا لكثيرٍ من الأجوبة، كما يتنبّه لها الموفق إذا انتهى إليها.
والآن حان أن نبتدي مقالةً شاملة في أنواع المسائِل الدائرة الحسابية، إن شاء الله عز وجل.
__________
(1) في الأصل: معطله.(10/307)
مقالة في دور الضرب الحسابي في المسائل الشرعية
6924- هذه المقالة تشمل أنواعاً، وكل نوع يشتمل على أبواب محتويةٍ على مسائل، ونحن نأتي بالأنواع مفصلةً، ونرسم في كل نوع تراجم المسائل، ثم نذكر المسائل موضحةً بالحساب، مقومةً بالفقه، إن شاء الله تعالى.
6925- النوع الأول - فيما يقع من الدور في العتق.
مسائل في المريض يعتق عبداً، فيكتسب مالاً بعد توجيه العتق.
فنقول: فقهُ العتق وما لا يتعلق بالدَّوْر منه يأتي في كتاب العتق، وإنما نذكر هاهنا ما يتعلق بالدَّوْر، ولا يتوصل إلى تلخيص العَقْد فيه إلا بطريق الحساب، ثم نلقط المسائل الحسابية من كتاب [الوصايا] (1) ونأتي بها مجموعةً؛ حتى تُلْفَى قواعدُ الحساب منتظمةً في مكانٍ واحد، ونترك فقه كل كتاب إلى موضعه، إن شاء الله تعالى.
مسألة: إذا أعتق. المريض عبداً قيمته مائةُ دينارٍ، لا مال له غيره، فاكتسب العبدُ بعدَ الإعتاق، وقبل موت السيد مثلاً مثلَ قيمته، ومات المريض، فهذا يتطرق الدور إليه؛ لأنه إذا أُعتق من العبد شيءٌ، فعتقه يقع تبيُّناً، وإذا تبينا حصول العتق في جزءٍ، فنتبع ذلك الجزءَ مقدارَه من الكسب بالجزئية، ولا نحسب ذلك من التبرع؛ فإن تبعيتَه للجزئية مستحقّة؛ إذ كسب الجزء غيرُ محسوب عليه، ولا على مُعتقِه، فالكسب الذي تبقى للورثة، وهو محسوب على الورثة، والعتق يقلّ بقلّته، ويكثر بكثرته. ثم إذا قل العتقُ، قلّ الجزء التابع (2) من الكسب، وكثر ما تبقى للورثة، وإذا كثر حظُّهم لزم أن يكثر العتق، وإذا كثر العتق، كثر التابع من الكسب، وقل ما تبقى للورثة، وإذا قل ما في أيديهم، قل العتق، فيدور مقدار العتق بين القلّة والكثرة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: والتابع.(10/308)
هذا معنى الدور، فقلّتُه توجب كثرتَه، وكثرتُه، توجب قلّته، فينفصل الأمر بالحساب، وقد ذكر الحسّاب طرقاً ارتضَوْها في الدائِرات، أصلها الجبر، وطريقُه أن نقول: يعتق من العبد شيء ويتبعه من الكسب شيء؛ إذا [كسب] (1) مثله في القيمة، يبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ويبقى في أيديهم من كسبه مقدار عبدٍ إلا شيئاً؛ فإن الكسب مقداره مقدار العبد، ففي أيديهم من طريق المثل عبدان إلا شيئين، والعبد شيء واحد، وما تبقى للورثة يجب أن يعدل ضعفَ العتق، فإن العتق يعتبر من الثلث، فإذاً عبدان إلا شيئين يعدل شيئين إذا كان العتق شيئاً، وقد ضعّفناه للمعادلة.
وأما ما يتبع العتق، فلا يحسب في حساب [الجبر] (2) ، فنجبر العبدين بشيئين، ونزيد على عديله شيئين، فيصير عبدان كاملان في مقابلة أربعة أشياء، فنقلب الاسم، ونجعل العبد أربعة والشيءَ اثنين، وإذا كان العبد أربعة، والشيءُ الذي أطلقناه اثنان، واثنان من أربعة نصفها، فقد بان أنه عَتَق من العبد نصفُه، ويتبعه نصفُ كسبه، فيبقى للورثة نصفُ رقبته، ونصف كسبه، وقد عَتَق مقدارُ خَمسين، والباقي في يد الورثة مقدار مائة، وما يتبع العتقَ من الكسب غير محسوب.
6926- وذكر بعضُ الحسّاب مسلكاً آخر في الجبر، وقال: لو لم يكسب العبد، ولم يملك المريض غيرَه، لكان يعتِق ثلثُ العبد، ويرِق ثلثاه، وإذا كان له كسب كما صورناه، زاد العتق على الثلث، فنقول: نجعل تلك الزيادة شيئاً، ونطلق، فنقول: عَتَق من العبد ثلثُه وشيءٌ، ويتبعه من الكسب مثلُ ذلك، وهو ثلث عبد وشيء؛ لأن الكسب مثل الرقبة، فيبقى للورثة من الرقبة ثلثا عبد إلا شيئاً ومن الكسب مثل ذلك، وهو مثل ثلثي عبد إلا شيئاً، وإذا جمعنا ما في يد الورثة، كان مقدارَ عبدٍ وثلث إلا شيئاً، وعلمنا أن الذي حصل من الحرية مع ما يتبعه من الكسب مثلُ ما حصل للورثة، وإنما كان كذلك لأن العتق يقع ثلثاً من التركة، وإذا زدنا عليه مثلَه، كان مثل الباقي في يد الورثة، وقد يتبع العتقَ مثلُه من الكسب، فالعتق وما يتبعه من الكسب مثلُ ما في يد الورثة، فنجمع الجميع، ونقول: العتق وما يتبعه، وما بقي في يد الورثة مقدارُ
__________
(1) في الأصل: كسبه.
(2) زيادة من المحقق.(10/309)
عبدين وثلثي عبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل قيمة العبد والكسب، وهما عبدان، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر العبدين والثلثين بأربعة أشياء، ونزيد على عديلها أربعةَ أشياء، فيصير عبدان وثلثا عبد في مقابلة عبدين وأربعة أشياء، فنُسقط العبدين بالعبدين، فيبقى ثلثا عبد في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن الشيء يقابل السدس، فنرجع، ونقول: عتق من العبد ثلثُه وشيء، وذلك الشيء سدس، وقد عتق من العبد [نصفه] (1) ، ويتبعه من الكسب نصفه، وعاد الأمر إلى ما تقدم.
6927- طريقة أخرى: تعرف بطريقة السهام، وهي أن نقول: نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً؛ لأن الكسب مثل قيمة الرقبة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أخذناه للحرية، وذلك سهمان، فيجتمع معنا أربعة أسهم، ثم قيمة العبد مائة، وقيمة الكسب مائة، فنقسمها على أربعة أسهم المأخوذة، فيخرج من القسمة خمسون، فهو قيمة ما عتق من العبد، وذلك نصفه.
وباقي العمل كما ذكرنا.
6928- طريق الدينار والدرهم: نجعل قيمةَ العبد ديناراً ودرهماً، فيكون كسبه أيضاً ديناراً ودرهماً؛ لأنه مثلُ الرقبة، ثم نُجيزُ العتقَ في درهم من الرقبة، ونُتبعه درهماً من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، فمعهم ديناران يعدلان درهمين؛ فإن العتق درهمٌ، وضعفهُ درهمان، وقيمة الدينار درهم، وكنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، فالآن نجعله درهمين، ونجعل الكسب درهمين، فإذا أعتقنا من العبد درهماً، فقد أعتقنا من العبد نصفَه.
وانتظم العمل كما مضى.
وإن أحببتَ، قلتَ: عَتَق من العبد دينار، ويتبعه من الكسب دينار، فيبقى [من العبد] (2) والكسب درهمان يعدلان دينارين، فهو ضعف العتق، فقيمة كل دينار درهم، وعاد الأمر إلى ما مضى.
__________
(1) في الأصل: " الكسب ".
(2) ساقطة من الأصل.(10/310)
6929- وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نجعل العبد ثلاثةَ أسهم والكسبَ كذلك، ونُجيز العتق في سهم من العبد، ويتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة سهمان من العبد وسهمان من الكسب، فيجتمع معهم أربعة أسهم، والعتق سهم واحد، وكان الواجب أن يكون معهم من جميع الوجوه سهمان، ضعف الذي عَتَق، فحصل الخطأ زائداً بسهمين، ثم نعود ونجعل العبد أربعة أسهم، والكسبَ كذلك، فنجبرُ العتق في سهم ونُتبعه من الكسب سهماً، يبقى مع الورثة ثلاثة أسهم من العبد، وثلاثة أسهم من الكسب، وكان الواجب أن يكون معهم سهمان؛ إذ العتق سهم واحد، وتابعه غير محسوب، فقد أخطأنا خطأً زائداً بأربعة أسهم، والخطآن زائدان، فيسقط أقلهما من أكثرهما يبقى سهمان، فاحفظهما، فالقسمة عليهما، ثم نضرب سهام العبد في المرة الأولى وهي ثلاثة في الخطأ الثاني، وهو أربعة، فيبلغ اثني عشر.
ونضرب سهامَ العبد في المرة الثانية، وهي أربعة في الخطأ الأول وهو اثنان، فيبلغ ثمانية، فأسقط الثمانية من اثني عشر، فيبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين معك، فيخرج من القسمة اثنان، فنعلم أنك يجب (1) أن تقسم على اثنين.
ثم نعود، ونقول: قدرنا العتق سهماً في المرة الأولى، فنضربه في الخطأ الثاني، وهي أربعة، وقدرنا العتق سهماً أيضاً في المرة الثانية، فاضربه في الخطأ الأول، وهو اثنان، فأسقط أقل المبلغين من أكثرهما، يبقى سهمان، فاقسمهما. على السهمين المحفوظين معك في القسمة، فيخرج سهم واحد، فتعلم بذلك أن الوصية سهم واحد والرقبة سهمان، والواحد من الاثنين نصفها (2) .
6930- مسألة: إذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فاكتسب مائتين بعد العتق، كما تقدم التصوير، فالحساب بطريق الجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من
__________
(1) في الأصل: " فنعلم أنك والعبد يجب أن تقسم على اثنين ".
(2) في الأصل: نصفه.(10/311)
الكسب شيئان؛ لأن الكسب ضعف القيمة، يبقى [مع] (1) الورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب مقدارُ عبدين إلا شيئين، فيحصل معهم ثلاثة أعبد إلا ثلاثةَ أشياء، تعدل ضعف ما عتق من العبد وهو شيآن، فنجبر ما في يد الورثة [بثلاثة] (2) أشياء، ونزيد على العديل ثلاثة أشياء فيكون بعد الجبر والمقابلة ثلاثة أعبد تعدل خمسة، فاقلب العبارة في الجانبين، واجعل العبد خمسةَ أشياء، ِ والشيءَ ثلاثة، والثلاثة من الخمسة ثلاثة أخماسها، فقل: يعتق من العبد ثلاثةُ أخماسه، وتصح المسألة على الامتحان والسبر.
ْطريقة الامتحان بالسهام: نأخذ للحرية سهماً واحداً، وللعتق من الكسب سهمين، وتأخذ للورثة ضعفَ ما أخذت للعتق، وضعفُ العتق سهمان، فتجتمع خمسةُ أسهم، فاحفظها، ثم اجمع العبد والكسب، فيكون [ثَلاثَ مائة] (3) ، فاقسمها على الخمسة المحفوظة، فيخرج ستون سهماً، وهو قيمة ما يعتق من العبد، والستون من المائة ثلاثة أخماسها، فقد عتق من العبد ثلاثة أخماسه.
6931- وطريقة الدينار والدرهم أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه دينارين ودرهمين، ونجيز العتق من العبد بدرهم، ونتبعه من الكسب درهمين، فيبقى مع الورثة دينار من الرقبة، ودينار من الكسب، وما في أيديهم يعدل ضعف العتق، وضعفُ العتق درهمان، فثلاثة دنانير تعدل درهمين، فاجعل كلَّ دينار اثنين، وكلَّ درهم ثلاثة، بطريق قلب العبارة، ومجموع الرقبة دينار ودرهم، فهي إذاً خمسةُ أسهم، ولما قلنا: عَتَق منه [درهمٌ] (4) ، فقد بان أنه عتق منه ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، وهي ثلاثة أخماس العبد، كما تقدم.
وإن أحببتَ، قلت: العبدُ دينار ودرهم، والكسب ديناران ودرهمان، فيعتِق من العبد دينار، ونُتبعه من الكسب دينارين؛ فإن الكسب ضعف الرقبة، فيبقى في يد
__________
(1) في الأصل: من.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ثمانية.
(4) في الأصل: درهمين.(10/312)
الورثة درهم من العبد ودرهمان من الكسب، وهذه الدراهم الثلاثة [تعدل] (1) ضعفَ العتق، وضعفُ العتق ديناران، فقيمة العبد [درهمان] (2) ونصف، فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، ونحن نقول الآن: العبد درهمان ونصف، فنعتق منه قيمة الدينار، وهو درهم ونصف والدرهم والنصف من الدرهمين والنصف ثلاثةُ أخماس، فيعود العمل إلى ما تقدم من إعتاق ثلاثة أخماس العبد، ولا تخفى طريقة الخطأين.
6932- مسألة: لو كسب العبد مثلَ نصف قيمته، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب نصفُ شيء، يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، فالحاصل معهم عبد ونصف عبد إلا شيئاً [ونصف شيء] (3) ، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل على الرسم المعروف، فيكون عبدٌ ونصف عبد يعدل ثلاثة أشياء ونصفَ شيء، فابسطهما أنصافاً، لتصير الأشياء سبعة، والعبد والنصف ثلاثة، ثم تقلب الاسم والعبارة، وقل: العبد سبعةٌ والشيء ثلاثة، والثلاثة من السبعة أشياء ثلاثة أسباعها، فيعتق منه ثلاثةُ أسباعه، ويستقيم علي العمل والامتحان.
6933- طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، وللكسب نصفَ سهم، ونأخذَ للورثة سهمين ضعفَ العتق، فالمجموع ثلاثةُ أسهم ونصفٌ، وقيمةُ العبد والكسب، مائة وخمسون، فنبسط [الأسهم والقيمة أيضاً بالضرب في مخرج] (4) النصف، فتصير الرقبةُ [والكسب] (5) ثلاثمائة، والسهام سبعة، فإذا قسمنا الثلاثمائة على السبعة، خرج اثنان وأربعون سهماً وستةُ أسباع سهم، فذلك قيمة ما يعتق، وهو قيمة ثلاثة أسباعه.
__________
(1) في الأصل: بعد.
(2) في الأصل: درهم.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: فنبسط للاسم والنصف أيضاً فإنا نضرب في مخرج ... إلخ.
(5) زيادة اقتضاها صحةُ الحساب.(10/313)
6934- وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم أن نجعل الرقبة ديناراً [ودرهماً، والكسب نصف دينار] (1) ونصف درهم، فإن أحببنا، قلنا: نعتِق من العبد ديناراً، ويتبعه من الكسب نصفُ دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد درهم، ومن الكسب نصفُ درهم، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو ديناران، فقيمة الدينار ثلاثة أرباع درهم.
فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، وهو الآن درهم وثلاثة أرباع درهم، فإذا بسطناها أرباعاً، صارت سبعة، فقيمة الدينار منها ثلاثة، فقد عتق من العبد ثلاثة أسباعه.
وإن أردت، قلت: عتَق من العبد درهمٌ، ويتبعه من الكسب نصفُ درهم، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب نصف دينار، وذلك يعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فأضعف الدينار والنصف، فيكون ثلاثة دنانير، تعدل أربعة دراهم.
هذا طريق البسط بالأنصاف، فاقلب الاسم فيكون الدينار أربعة والدراهم ثلاثة، وقد كانت الرقبة ديناراً ودرهماً، فهي سبعة وقد عتق ما يقابل الدرهم من السهام، وهو ثلاثة، وعاد إلى أنه عتَق منه ثلاثة أسباعه.
6935- مسألة: قيمة العبد مائة وعشرة، والكسب مائتان وثلاثون، فالوجه أن نجعل العبد أحد عشر سهماً، كل عشرةٍ سهماً، فيكون الكسب ثلاثةً وعشرين سهماً، ثم اطلب النسبة، وهي أمُّ الحساب، فيكون الكسب مثلي الرقبة، ومثلَ جزءٍ من أحد عشر جزءاً منها.
فنقول بعد ذلك: حساب العتق شيء (2) ، ويتبعه من الكسب شيآن وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، وبقي للورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبدان وجزء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا شيئين وجزءاً من أحد عشر جزءاً من شيء، فجميع ذلك ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلاثةَ أشياء وجزءاً من أحدَ عشر جزءاً
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: حساب للعتق في شيء.(10/314)
من شيء، وذلك يعدل ضعفَ العتق وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، يعدل خمسة أشياء وجزءاً من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، فابسط جميع ذلك بأجزاء الأحدَ عشرَ، فيكون العبد أربعة وثلاثين، والشيء ستة وخمسين، فاقلب الاسم، فيكون العبد ستة وخمسين، والشيء أربعة وثلاثين، وإن أردت الاختصار أمكنك الرد إلى النصف، فالعبد ثمانية وعشرون والشيء سبعة عشرَ، فينفذ العتق في [سبعةَ عشر] (1) جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من العبد.
وإن أردت جمع الأجزاء، فقل عتَق من العبد أربعة أسباعه، وربع سبعه، وبيان ذلك واضح. وإن أردت الامتحان، قلت عتق من العبد سبعةَ عشرَ جزءاً، وبقي للورثة من رقبته أحدَ عشرَ جزءاً، [و] (2) من الكسب مثلاه ومثلُ جزء من أحدَ عشر جزءاً، وذلك ثلاثةٌ وعشرون جزءاً، فنزيده على الأحد عشر جزءاً من الرقبة، فيجتمع معهم أربعة وثلاثون جزءاً، وهو ضعف سبعةَ عشرَ جزءاً.
مسائل فيه إذا كان مع العتق والكسب تركة للسيد
6936- فنقول: إن كانت التركة ضعفَ قيمة العبد، استحقّ (3) جميعَ كسبه؛ فإنّ في يد الورثة ضعفُ القيمة، فإن كان التركةُ أقلَّ من ضعف [العبد] (4) دارت المسألة والمثال أن يكون قيمةُ العبد مائة دينار، وكسبه مائة، وخلّف السيد مائة دينار سوى العبد والكسب، فطريق الجبر أن نقول: يعتِق منه شيء ويتبعه من الكسب شيء، يبقى من رقبته للورثة عبد إلا شيئاً، ومن الكسب مثله، ومعهم من التركة مثل قيمة العبد،
__________
(1) في الأصل: سبعة أجزاء.
(2) (الواو) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: واستحق.
(4) زيادة من المحقق.(10/315)
فجميع ما معهم ثلاثة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فنقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد أربعةً، والشيء ثلاثة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها.
فهذا ما يعتق من العبد وتستمر [المسألة] (1) على سدادها.
6937- طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبع العتقَ سهماً؛ فإن الكسب مثلُ القيمة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أُخذ للعتق، وذلك سهمان، فيجتمع ذلك كله، فيكون أربعة أسهم. فاحفظها.
ثم اجمع الكسب، والتركة، وقيمة العبد، فيكون ثلاثمائة، فاقسمها على الأربعة المحفوظة، فتخرج حصةُ كل سهم خمسةً وسبعين، فهو قيمة ما يعتِق من العبد، وذلك ثلاثة أرباعه.
6938- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه ديناراً ودرهماً، ونجعل التركة كذلك ديناراً ودرهماً، نجبر العتق في درهم من العبد، ويتبعه درهمٌ من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، ومن التركة دينار ودرهم، فجميع ذلك ثلاثة دنانير ودرهم، تعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فنطرح درهماً بدرهم، قصاصاً، تبقى ثلاثة دنانير، تعدل درهماً.
فنقلب الاسم فيكون الدرهم ثلاثة والدينار واحد، ومجموعها أربعة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها، فعلمنا أنه يعتِق من العبد ثلاثة أرباعه.
وإن أردنا، قلنا: يعتق من العبد دينار، ويتبعه من كسبه دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد وكسبه درهمان، والتركة في أيديهم درهم ودينار، [فيكون جميع ما معهم دينار] (2) وثلاثة دراهم تعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنحطّ ديناراً بدينار، فيبقى ثلاثة دراهم في مقابلة دينار، فنعلم أن الدينار ثلاثة دراهم، ولما جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، كان أربعةَ دراهم، فنعتق منه قيمةَ الدينار، وهو ثلاثة من أربعة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقط من الأصل.(10/316)
6939- طريقة الخطأين: نجعل العبد ثلاثةَ أسهم، ونقول: نفذ العتق في سهم منه، وتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة سهمان، ومن الكسب سهمان، والتركة ثلاثة أسهم، فجميع ذلك سبعة أسهم والعتق سهم واحد، وكان يجب أن يبقى في يد الورثة سهمان ليكون ضعفَ العتق، فقد أخطأنا بخمسة أسهم زائدة.
ثم اجعل سهام العبد إن شئت خمسةً، والعتق منها سهمين، إن أردت؛ فإن الخطأ لا ضبط فيه ويتبع العتقَ سهمان من الكسب، يبقى من الرقبة للورثة ثلاثة أسهم، ومن الكسب ثلاثة أسهم، والتركة خمسة أسهم، وجميع ذلك أحدَ عشرَ سهماً، [وكان] (1) الواجب أن يبقى مع الورثة أربعةُ أسهم، ضعف العتق، فوقع الخطأ سبعة أسهم زائدة، والخطآن زائدان، فاطرح أقلَّهما من أكثرهما، وكان الخطأ الأول خمسة، فإذا طُرحت من سبعة، بقي اثنان. ثم احفظها.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى، وهي ثلاثة في الخطأ الثاني وهو سبعة، فيبلغ أحداً وعشرين، واضرب سهام العبد في المرة الثانية، وهي خمسة، في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون خمسة وعشرين، فانقص أحداً وعشرين، يبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج اثنان، فذلك سهام العبد، ثم اضرب سهم العتق في المرة الأولى، وهو واحد في الخطأ الثاني، وهو سبعة، فيكون سبعة، واضرب سهمَ العتق في المرة الثانية، وهو اثنان في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون عشرة، ثم اطرح السبعة من العشرة، يبقى ثلاثة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج واحد ونصف، فنقول: العبد اثنان، وقد عتق منه واحد ونصف، والواحد والنصف من الاثنين ثلاثة أرباعه، فقد عتق من العبد ثلاثة أرباعه.
6940- مسألة: أعتق المريض عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد ستين، وخلّف السيد عشرين.
فهذه السهام كلها متفقة بنصف العُشْر، فردّ كل جنس منها إلى نصف عُشره؛ فيصير العبد خمسةً، والكسب ثلاثةً، والتركة واحداً، ثم نقول من طريق الجبر: عَتَق
__________
(1) في الأصل: وكذلك.(10/317)
من العبد شيء، وتبعه من الكسب ثلاثة أخماس شيء؛ فإن الكسب ثلاثة أخماس العبد.
يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب ثلاثة أخماس عبد إلا ثلاثة أخماس شيء، ومن التركة خمس عبد، وإذا جمعنا ذلك كله، كان عبداً وأربعة أخماس عبد إلا شيئاً، وثلاثة أخماس شيء.
وذلك يعدل ضعف ما نفذ العتقُ فيه، وهو شيئان، فنجبر ما في يد الورثة بشيء [وثلاثة] (1) أخماس شيء، ونزيد على عديله مثله، فيصير عبد وأربعة أخماس عبد يعدل ثلاثة أشياء، وثلاثة أخماس.
فنبسط الجميعَ أخماساً، فيصير ما في يد الورثة تسعة، وتصير الأشياء ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنقلب الاسمَ، ونجعل العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء تسعة، والشيء من العبد نصفه، إذا كان التسعة من الثمانيةَ عشرَ نصفُها.
فيعتِق نصفُ العبد، وقيمتُه خمسون، ويأخذ نصف كسبه، وهو ثلاثون، يبقى للورثة خمسون من الرقبة وثلاثون من الكسب، وعشرون من التركة، فجميع ذلك مائة، والعتق خمسون.
مسائل في العتق مع الكسب وعلى السيد المعتِق دينٌ
6941- إذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة دينار، لا مال له غيرُه، فاكتسب مائةَ دينار بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وعليه مائتا دينار دينٌ، وطالب الغرماء بالدين، فلا ينفذ من العتق شيء؛ فإن الدين مقدمٌ على التبرع، وهو مستغرق لقيمة العبد والكسب، فيباع العبد، ويصرف ثمنه وكسبه إلى الدين.
وإن أبرأه الغرماء عن الدين نفذ من العتق ما كان ينفذ لو لم يكن دين أصلاً.
6942- وإن كان الدين على السيد مائة دينار، وقيمة العبد مائة والكسب مائة،
__________
(1) في الأصل: وأربعة أخماس.(10/318)
فطريق الجبر أن نقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وتبعه من الكسب شيء، فبقي في يد الورثة عبدٌ إلا شيئاً، وبقي من كسبه مقدارُ عبد إلا شيئاً، فالمجموع عبدان إلا شيئان، فينقص بسبب الدين عبدٌ كامل؛ فإن الدين مائة، فيبقى في أيديهم عبد إلا شيئين يعدل ضعف العتق وهو شيآن، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كامل، يعدل أربعةَ أشياء، فالعبد واحد، والأشياء أربعة، فنقلب العبارة، ونقول: العبد أربعة أسهم، والشيء واحد، فنعلم أن الذي عتق سهم من أربعة، وهو ربعُ العبد. والمسألة سديدة على الامتحان.
6943- وطريق السهام: نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً ويأخذ الورثةُ ضعفَ ما أخذنا للعتق، وهو سهمان، فيكون الجميع أربعة أسهم، فنحفظها.
ثم نجمع قيمة العبد والكسب، فيكون مائتين، فنطرح مقدار الدين، وهو مائة، يبقى منها مائة، نقسمها على السهام الأربعة، فيخص كل سهم ربعُ المائة، فنعلم أن السهم الذي أعتقناه ربعُ العبد، كما خرج بالعمل المقدّم.
6944- طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، والكسب ديناراً ودرهماً، ثم إن أحببنا، قلنا: عتَق من العبد درهمٌ وتبعه من الكسب درهم، فيبقى في يد الورثة ديناران، فنحط منه الدين، والدين دينار ودرهم؛ فإنه مثل الكسب، فنسقط ديناراً، ونُسقط من الدينار الآخر درهماً، فيبقى دينار إلا درهماً يَعدل ضعفَ العتق، وهو درهمان، فنجبر الدينار بدرهم، ونزيد على عديله درهماً، فيصير دينار يعدل ثلاثة دراهم، فالعبد أربعة، وقد أعتقنا منه واحداً، وهو ربعه، كما تقدم، وخرج بالعمل الأول.
فإن أردنا قلنا: عتق من العبد دينار وتبعه من الكسب دينار، فيبقى في يد الورثة درهمان [فنحط منه الدين] (1) والدينُ دينار ودرهم، نُسقط درهماً للدين وديناراً من الدرهم الثاني، فيبقى درهم إلا ديناراً يعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنجبر ونقابل، فيصير درهم يعدل ثلاثة دنانير، فالدرهم واحدٌ والدينار ثلاثة، فنقلب الاسم
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/319)
ونجعل الدينار واحداً والدرهم ثلاثة والعبد أربعة، والدينار الذي عتق منه ربعه.
فتأمل. فقد نحتاج إلى قلب العبارة، وقد نستغني عنه، ولا يخفى دَرْكُ ذلك على الفطِن.
6945- وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نقدّر العبد ثلاثة أسهم [والكسب ثلاثة أسهم] (1) ، ونجيز العتق في سهم، ويتبعه من الكسب سهمٌ لا محالة، فيبقى لا محالة من الرقبة والكسب أربعة أسهم، فنقضي الدينَ منها وهي ثلاثة أسهم، فيبقى سهمٌ واحد، وكان الواجب أن يبقى سهمان، فوقع الخطأ سهم واحد، وهو ناقص.
ثم نعود فنجعل سهام العبد خمسة، [والكسب خمسة] (2) ، فنعتِق سهمين منه، ونُتبعه من الكسب سهمين، فيبقى ستةُ أسهم في يد الورثة من الرقبة والكسب، فنقضي الدين منها خمسة أسهم، فيبقى سهم واحد، وكان الواجب أن يبقى أربعة أسهم ضعفَ العتق؛ فإن العتق قدرناه في سهمين، فوقع الخطأ بثلاثة أسهم، والخطأ ناقص أيضاً، وإذا كان الخطآن ناقصين، فنطرح الأقل من الأكثر، والخطأ الأقل واحد، فنطرحه من الثلاثة، فيبقى سهمان، فاحفظها، فالقسمة عليهما.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى في الخطأ الثاني تصير تسعة، فاضرب سهامَ العبد في المرة الثانية في الخطأ الأول، فيرد خمسة، فألق أقل الجملتين من الأكثر، فيبقي من التسعة أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين فيخرج من القسمة سهمان، فهما سهام العبد.
ثم عد واضرب سهام العتق في المرة الأولى وهو واحد في الخطأ الثاني وهو ثلاثة، فيكون ثلاثة. واضرب سهم العتق في المرة الثانية، وهو سهمان في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد اثنين، فأسقط الأقل من الأكثر، فيبقى سهم واحد، فاقسمه على الاثنين، فيخرج نصف سهم، [فبان أنه يعتق منه نصف سهم] (3) ، وهو ربع العبد كما خرج بالأعمال المقدمة.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة من عمل المحقق.
(3) في الأصل: تعتق منه سهمين ونصف سهم.(10/320)
6946- مسألة: قيمة العبد مائة، والكسب مائة وخمسون، وعلى السيد المعتق من الدين ستون.
فنقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب شيءٌ ونصف؛ لأن الكسب مثلُ الرقبة ومثل نصفها، فيبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبد ونصف إلا شيئاً ونصف شيء، فالمجموع عبدان ونصف إلا شيئين ونصفاً، فنقضي منه الدين وهو ستة أعشار عبد، يبقى عبد وتسعة أعشار عبد إلا شيئين ونصف، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبد وتسعة أعشار عبد يعدل أربعة أشياء ونصف.
فابسط الجميع أعشاراً، فيصير ما في يد الورثة [تسعةَ عشرَ] (1) ، ويصير الأشياء خمسة وأربعين، فنقلب العبارة، فيصير العبد خمسة وأربعين، والشيء تسعة عشر، فنقول: عتق من العبد تسعةَ عشرَ جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من العبد، [فيبقى للورثة من العبد ستة وعشرون جزءاً من خمسة وأربعين] (2) ، ويبقى لهم من الكسب مثلُها ومثل نصفها، وهو تسعة وثلاثون، والجميع خمسة وستون جزءاً وتكوِّنُ كلُّ خمسة وأربعين منها واحداً، فأسقط منها الدين، وذلك مثل ثلاثة أخماس الرقبة، وقد بان أن الرقبة خمسةٌ وأربعون، فثلاثة أخماسها [سبعة وعشرون] (3) ، فنسقط ذلك من الخمسة والستين، تبقى ثمانية وثلاثون جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من واحد، وذلك ضعف التسعةَ عشرَ جزءاً.
فهذا قياس الباب.
6947- ومما يتعلق بذلك أنه إذا اجتمع العتق والكسب والتركة والدين على السيد، فالجواب سهلُ المُدرك، والوجه مقابلةُ التركة بالدين، فإن كانت التركة الزائدة على العبد والكسب مثلَ الدين في المقدار، فكأنه لا دين عليه ولا تركة، وإنما أعتق عبداً لا مالَ له غيره فاكتسب، وقد ذكرنا العمل في ذلك.
__________
(1) في الأصل: تسعة أعشار.
(2) ساقط من الأصل.
(3) في الأصل: عشرون.(10/321)
فإن كانت التركة أكثر من الدين فنُسقط من التركة مقدار الدين، ونجعل كأن في المسألة مع الكسب والعبد مقدارَ ما بقي من التركة، فنلحق ذلك بما إذا كان في المسألة تركة.
وإن كانت التركة أقلّ من الدين، فنسقط من الدين [مثلَها] (1) ونجعل كأن المسألة فيها من الدين المقدارَ الباقي من الدين، وقد تقدم الطريق فيه.
ولو لم يكن في المسألة كسب، ولكن جُني على العبد بعد العتق فأرش الجناية بمثابة الكسب.
ولو لم يعتق العبدَ، ولكن وهبه من إنسانٍ، فأقبضه إياه، فاكتسب في يد المتّهب، فالكسب يبعض كما يبعض في العتق، فطريق العمل والبيان ما تقدّم؛ فإن المقدار الذي تصح الهبة فيه يتبعه من الكسب ما يتبع المقدار الذي يعتِق في مسألة العتق، ولا يكون ذلك المقدار محسوباً، ولكنه ملك الموهوب له، وما يتبع العتق ملك الشخص الذي يبعض العتق، والحساب في جميع ذلك على نسقٍ واحد.
6948- مسألة في إعتاق العبد وكسبه بعد العتق، مع استقراض السيد منه:
أعتق المريضُ عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد بعد العتق وقبل الموت مائة، فاستقرض السيد منه المائة التي اكتسبها، وأتلفه (2) السيد.
فالوجه أن نهجم على الحساب، ونذكر ما تقتضيه الفتوى، فنقول في طريق الجبر: عتَق من العبد شيء، واستحق من كسبه شيئاً، هو دينٌ على السيد، فيبقى مع الورثة عبدٌ إلا شيء، فنقضي منه الدين، وهو شيء، يبقى عبدٌ ناقصٌ شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كاملٌ، يعدل أربعة أشياء.
فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد أربعة، والشيء واحد، وقد بان أنه عتَق منه على كل حالٍ ربعُه.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) أتلفه: أي القرض.(10/322)
وتمام الفتوى يذكر بعد نجاز [المسألة] (1) .
6949- طريقة السهام: أن نقول: نأخذ [للعتق] (2) سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهم، ونأخذ للورثة ضعفَ العتق سهمين، فالمجموع أربعة أسهم، [فنحفظ] (3) ذلك، ثم نأخذ العبدَ وحده؛ فإن كسبه قد أتلفه السيد، فنقسمه على الأربعة المحفوظة، فيعتق من العبد سهم من أربعة أسهم، وهو رُبعُه.
6950- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، والكسبَ مثلَه ديناراً ودرهماً، ثم نُجيز العتق في درهم، يبقى مع الورثة من الرقبة دينار واحد، وعليهم دينٌ درهم، فاطرح الدرهم من الدينار، يبقى دينار إلا درهماً، [يعدل] (4) ضعف ما عتق منه، وذلك درهمان، فبعد الجبر والمقابلة يكون الدينار يعدل ثلاثة دراهم، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثلاثة، والدراهم واحداً، ومجموعهما أربعة، والواحد من أربعة رُبعُها، فيعتق ربعُه، كما خرج بالأعمال المتقدمة.
هذا بيان الحساب.
وبيان الفقه فيه أنا إذا حكمنا بعتق رُبعه، فله رُبع كسبه ديناً على السيد، ولم يخلّف هو شيئاً غيرَ الرقبة، فإن أدى الورثةُ الدينَ من سائر أموالهم، استمرّ لهم الرقُّ على ثلاثة أرباعه، وملك هو بربعه الحر ما سلّموه إليه، فإن أَبَوْا أن يؤدوا الدين من أموالهم، فلا بد من أداء دينه من التركة، ولا تركة إلا ثلاثة أرباع العبد، فإن لم يجدوا من يشتري منه شيئاً، وطلب العبد أن يسلموا إليه ربعَه بدينه، تعين عليهم ذلك.
ثم إذا فعلوا هذا، عَتَق على العبد ربعٌ آخر.
وإن وجدوا من يشتريه، وطلب هو أن يشتري نفسَه، فظاهر ما أورده الأستاذ أنه يتعين عليهم أن يبيعوا رُبعَه من نفسه؛ فإنه أولى بنفسه من غيره به، ولا غرض لهم في بيع ربعه من غيره.
__________
(1) في الأصل: إكساب.
(2) في الأصل: للمعتق.
(3) في الأصل: فنحط.
(4) في الأصل: "بعد".(10/323)
وهذا إن ذكره في معرض الاستحباب، فهو قريب قليل [النَّزَل] (1) ، فإن اعتقده واجباً، فخطأ؛ لأن الورثة مسلطون على أعيان التركة.
وهذا بمثابة ما لو كان في التركة أبٌ، أو ابنٌ لبعض مستحق الدين، فلا يتعين على الورثة أن يصرفوا إليه [جزءاً] (2) بدينه، وإن كان طالبه راغباً فيه.
هذا تمام الغرض فقهاً وحساباً.
6951- مسألة: قيمة العبد مائة [وقد] (3) اكتسب بعد الإعتاق ثلاثمائة، فأتلف السيد من كسبه مائة، وبقي مع العبد مائتان، وخلّف السيد أيضاً مائتي دينار.
فسبيل الحساب أن نقول: يعتق منه شيء، ويتبعه ثلاثة أمثاله، وهو ثلاثة أشياء، وللورثة باقي الرقبة وباقي الكسب مع المائتين التي خلفها السيد، وذلك خَمسُمائة إلا أربعة أشياء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، فتكون خَمسُمائة معادلةً لستة أشياء، فنقلب الاسم، فالشيء سدس الخَمسمائة، وذلك خمسة أسداس العبد، فقد عَتَق منه خمسةُ أسداسه، وتبعه خمسةُ أسداس [الكسب] (4) والباقي من كسبه مائتان، وخمسة أسداسه (5) مائة وستة وستون وثلثان، فنضم الباقي [من الكسب] (6) إلى التركة، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، والتركة مائتان، فتصير مائتين وثلاثة وثلاثين، فالمجموع مائتان وثلاثة وثلاثون وثلث، فنحط عنها خمسة أسداس المائة التي أتلفها السيد، وذلك ثلاثة وثمانون وثلث، فيبقى مائة وخمسون، ولهم من الرقبة سدسها، وذلك ستةَ عشرَ وثلثان، والمجموع مع هذا السدس مائة وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف ما عتق من العبد.
ولو أبرأ العبدُ سيده عن الدين، لعتق واستتبع جميع ما معه، ولكان العتق مائة
__________
(1) في الأصل: الترك. ومعنى النزل: أي الفائدة. (المعجم) .
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: وقت.
(4) في الأصل: العبد.
(5) أسداسه: أي الباقي.
(6) زيادة للإيضاح من المحقق.(10/324)
والتركة مائتين، فإذاً العبد بالخيار إن لم يبرىء، عتق خمسةُ أسداسه، وله خمسةُ أسداس الكسب، وهو مائتان وخمسون ديناراً، وإن أبرأ، عتق كلُّه، وله المائتان من كسبه.
6952- مسألة في العتق والكسب وموت العبد المعتَق قبل موت السيد:
فنقول: إذا أعتق المريض في مرضه عبداً، لا مال له غيره، فمات العبد بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وما كان اكتسب العبد شيئاً، فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: مات ذلك المعتَق رقيقاً؛ لأن عطايا المريض من ثُلثه، وإنما ينفذ التبرع في الثلث إذا سَلِم للورثة الثلثان، ولم يسلم للورثة من الرقبة شي، فلا ينفذ من الوصية شيء.
ومن أصحابنا من قال: مات المعتَق [حُرّاً] (1) والأمر [مثلُ] (2) الوصية، ولكن لما مات العبد، فقد بطل حقُّ الإرث فيه، ولم يُتلف المريضُ شيئاً هو محل حق الورثة، فصار كتبرعه في صحته.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فقال: مات وثلثه حر، وثلثاه رقيق.
وهذا بعيدٌ لا أصل له.
6953- فإن خلّف العبدُ مائتي درهم، وقيمته مائةُ درهم، ولم يخلّف إلا مولاه، مات حراً، وورثه السيد بالولاء، وحصل ذلك للورثة وهو مِثلا قيمته، فإنا إذا فرعنا على أنه يموت حراً، وإن لم يخلّف شيئاً، فلا كلام.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، فإنا نحكم بموته رقيقاً؛ لأن السيد لم يخلِّف شيئاً، فإذا خلف مثلي قيمته، فالعتق خارجٌ من ثُلثه.
فإن ترك المعتِق مائةَ درهم، فإن قلنا: لو مات المعتَق، ولم يخلّف شيئاً، لمات عتيقاً، فلا إشكال أنه يموت حراً في هذه الصورة، ويرث مولاه المائة، فالمسألة مفروضةٌ فيه إذا لم يكن له وارث.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: " قبل ".(10/325)
فأما إذا فرعنا على أنه لو مات ولم يخلِّف شيئاً يموت رقيقاً، فإذا خلف مائة، فهذه المائة لا بد وأن يكون فيها للسيد حق على كل مذهب، وليس كالمقدار الذي يخلص لمن بعضه حر بالمهايأة والقسمة على الرق والحرية؛ فإنا قد نقول في قولٍ: إنه مصروف إلى بيت المال، وهذه المائة اكتسبها هذا المعتَق مطلقاً، وما خلصت له بقسمة ولا مهايأة، والتفريع على أنه لا يموت عتيقاً لو لم يخلّف شيئاً، والمائة ليست وافيةً في مقابلة عتق جميع [الرقبة] (1) .
فإن قلنا: من نصفه حر يرثه معتِقه، فالمائةُ ترجع إلى المولى، ويعتِق في مقابلها نصف العبد في هذا المنتهى الذي انتهينا إليه، ويكون نصفه على الرق في الموت.
وإن قلنا: من نصفه حر لا يورث، فسبيل الحساب فيه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من المائة شيء، والذي تبعه مصروفٌ إلى بيت المال، فيبقى مائةٌ ناقصةٌ شيئاً يَعدل ضعف العتق، وهو شيآن، وإذا جبرنا وقابلنا، صارت مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث المائة.
وخرج منه أنه عَتَق منه ثلثُه ورقَّ منه ثلثاه، وبقي للسيد بحق الملك ثلثا كسبه، والباقي ضعف العتق.
6954- فإن ترك العبد المعتَق مائتي درهم وترك بنتاً حرة ومولاه، فإن قلنا: إنه لو لم يخلّف شيئاً، لمات حرّاً، فلا شك أنه يموت هاهنا حرّاً والمائتان ميراثٌ بين البنت والمولى، للبنت النصف، والباقي للمولى.
فإن قلنا: لو لم يخلّف شيئاً، لمات رقيقاً، فإذا خلف مائتين والبنتَ والمولى، فهذا نفرعه الآن على أن من بعضه حر هل يورث؟ فإن قلنا: إنه لا يورث، فالوجه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من كسبه شيئان؛ فإن الكسب مثلا القيمة، ثم البنت ترث نصفَ الشيئين، وهو شيء، ويعود شيء إلى المولى بالإرث، وإذا رجع إلى المولى، رجع إلى الورثة، فنقول: إذاً لورثة السيد مائتا درهم إلا شيء يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائتي درهم تعدل ثلاثة أشياء،
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/326)
فالشيء ثلث المائتين، فيقع [ثلثين للعبد] (1) لا محالة، وهو الذي عتق منه، وملك ثلثي كسبه، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فورثت البنت نصفها، وللمولى الباقي وهو ستة وستون وثلثان، ومات ثلثُه رقيقاً، فاستحق ثلث الكسب بحق الملك، فحصل مع ورثة السيد ثلثا كسبه، وهو ضعف ما عتق.
هذا تفريع على أن من بعضه حر موروث.
فأما إذا قلنا: لا يورث مَنْ بعضُه حر، فالجواب على هذا القول أن كلّه يموت حراً، وماله لمولاه لجهة الإرث، ولا ترثه البنت؛ فإنها لو ورثته، لنقصت حصةُ السيد من التركة، فلا يخرج العبد حينئذ من ثلثه، وإذا لم يخرج من ثلثه رَقّ بعضه، وإذا رق بعضُه، لم يورث، ولا ترثه البنت، ففي توريثها إبطال توريثها، وهذا من الدور الفقهي، وستأتي قواعدها ومسائِلها في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
فإن قيل: صرفتم المائتين إلى المولى بأية جهة؟ قلنا: صرفناها إليه إرثاً، لا وجه غيره.
فإن قيل: [لماذا] (2) ورثتم المولى، ولم تورثوا البنت، قلنا: [لأن] (3) في توريثها الدور المانع من التوريث، وليس في توريث المولى دورٌ، ومن حجبه الدور، فكأنه معدوم، وإن كان فيه معنى حاجباً.
ولو ترك العبدُ أربعَمائة درهم، وخلف بنتاً والمولى، كما صورنا، فقد مات العبد حراً بكل حساب، والبنت ترثه مائتين؛ إذ ليس في توريثها تبعيض الرق والحرية، والمولى يأخذ مائتين ويخلفهما على ورثته، فيقع ضعفاً لقيمة العبد.
6955- ولو ترك العبد مائتي درهم، وترك ابناً، فإن قلنا: إنه كان يموت حراً لو لم يخلّف شيئاً، فقد مات حراً، وما خلّفه لابنه.
وإن قلنا: كان يموت رقيقاً لو لم يخلف شيئاً، فهذا نفرعه على أن مَنْ بعضُه حر
__________
(1) في الأصل: ثلثي العبد.
(2) في الأصل: إذا.
(3) في الأصل: لا.(10/327)
هل يورث؟ فإن قلنا: إنه يورث، فالوجه أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه شيئان يكونان لابنه، ولورثة السيد باقي كسبه إذا مات السيد، وهو مائتا درهم إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، وبعد الجبر والمقابلة يعدل مائتان أربعةَ أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو خمسون، وهو نصف قيمة العبد، فقد عَتَق منه نصفُه، واستحق نصفَ كسبه، وهو مائة، نصرفها إلى ابنه، ولورثة السيد نصف كسبه بحق الملك، وهو مائة، والمائة ضعف العتق.
وإن قلنا: مَنْ بعضُه رقيق لا يورث، فعلى هذا القول مات حراً، وكسبه كلُّه للسيد، ولا يرثه ابنه؛ لأنه لو ورثه، لم يخرج من الثلث، وإذا لم يخرج من الثلث، لم يرثه الابن، ففي توريثه إبطال توريثه، والمولى يأخذ كسبَه إرثاً، كما قررناه في مسألة البنت.
6956- فإن كانت المسألة بحالها، فمات العبد، وخلّف ابناً كما صورنا، ثم مات الابن بعد العبد، ثم مات السيد ولا مال لهم غير المائتين التي اكتسبها العبد.
فنقول: عتق العبدُ وورث ابنُه كسبَه كلَّه، ثم ورث السيد ذلك عن ابن العبد، فتحصل لورثة السيد مائتا درهم، ضعف قيمة العبد، ولا جرم؛ فإن المائتين في العاقبة إلى تبعيض الحرية، وإنما ينشأ الدور من أداء التوريث إلى التبعيض، مع التفريع على [أن] (1) المبعض لا يورث.
ولو لم يخلّف العبد شيئاً وفرعنا على أنه يموت رقيقاً، فإن مات ولم يخلف [شيئاً] (2) ، ثم مات ابنٌ له، وخلّف مائتي درهم، وترك مولَى أمِّه، ومولى أبيه، وهو معتِق العبد، فنقول: مات العبد حُرّاً، وورث السيد العبدَ، وحصل مع ورثته ضعف العتق من ميراث الابن، والغرض أن يخلف تركةً هي ضعف العتق، والأصل فيه أن العتق جرى، ونحن نُبقيه ما وجدنا إلى تبقيته سبيلاً، فنفوذه إذا وجدنا شيئاً مستمر، وإنما يندفع بمانعٍ، ومولى الأم محجوبٌ إذا أمكننا أن نورِّث مولى الأب؛ فإنه الذي يجر الولاء.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) سقطت من الأصل.(10/328)
6957- فلو كانت المسألة بحالها، ولكن لم يمت المعتَق، بل مات ابنُه، وخلّف ألف درهم وأكثر.
أما هذا المعتَق، فلا يرث ابنَه، فإنه لو ورثه، لاستغرق ميراثَه، ولا يخلص إلى السيد شيء، ولم [يحصُل] (1) للسيد تركة، ولا لهذا المعتَق كسبٌ من تلقاء نفسه، وإذا لم يحصل لورثة المعتِق شيء، فلا يعتِق تمامُ العبد، وإذا لم يعتِق، لم يرث، فيؤدي إذاً توريثُه إلى إبطال توريثه، وإذا لم يرث هو ابنَه، ورثه السيد.
ثم نحكم بأنه إذا خلّف ما ورثه لورثته، أو خلف منه مقدار ضعف قيمة العبد، فرجع الحكم بحرية العبد؛ فإنه قد بقي لورثة المعتِق ضعفُ ما نفذ العتقُ فيه، أو أضعافُه، فقد قطعنا ميراث الأب للدور الحكمي، وإفضائه إلى قطع الميراث من حيث يورث، ثم ورثنا السيد؛ فإنه أحق بميراثه بعد ما حجبنا المعتَقَ بالدور.
ومن ضرورة توريثنا منه السيدَ المال الجمَّ الذي ذكرناه أن يقع الحكمُ بتمام حريته.
فلو أن ابن العبد ترك مائة درهم مثلاً -والغرضُ تصوير تركته أقلَّ من ضعف قيمة العبد- والمسألة مفروضة فيه إذا لم يمت المعتَق قبل موت السيد، حتى لا يقع في الخلاف الذي تقدم في أنه لو مات ولم يخلف شيئاً، هل نحكم بحريته؟
فنقول في هذه المسألة: يعتِق من العبد شيء، وينجرّ من ولاءِ ولده بقدر ما عتَقَ منه، نورث السيد من المائة التي تركها ابنُ العبد شيئاً، وحصل لورثته باقي العبد، فنقول: إذا عتَقَ من العبد شيءٌ، لم (2) يرث ابنه بمقدار العتق، فإن من بعضه حر [لا يورث] (3) ، وقد ذكرنا أن الابن لو خلف مالاً كثيراً، لم يرث العبدُ المعتَق، للدور الفقهي، فيخرج من ذلك أنه يعتِق من العبد شيء، وينجرّ مقدار من الولاءِ يرث السيد من مال الابن بقدره، فإن الابن حرٌّ كله، والولاء يورث بكماله وببعضه، ولذلك نورِّث شريكين في جرّ الولاء، فيبقى إذاً لورثته من العبد مائةٌ إلا شيء، ولهم الشيء الذي ورثه السيد من ابن العبد، فإذا ورثوا مائةً كاملةً، فإن الشيء العائد بالميراث،
__________
(1) في الأصل: يصف.
(2) في الأصل: ولم.
(3) في الأصل: لا يرث.(10/329)
مثلُ الشيء الناقص بالميراث؛ لأجل أنا صورنا قيمةَ العبد مائة، فالمائة تعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، والشيء نصف المائة، وهو خمسون درهماً، وذلك نصف قيمة العبد، فيعتق نصفه، وينجرّ نصفُ ولاء ولده، فيرث السيد نصفَ المائة التي تركها ابنُ العبد، فيحصل للورثة نصفُ العبد، ونصف المائة، وذلك ضعف ما عتَق من العبد.
ولو ترك ابنُ العبد خمسين درهماً، عتَق من العبد [خُمساه، وجرّ خُمسي] (1) ولاء ولده إلى مولاه، فورث السيد خُمسي ما خلّفه ابنُ العبد وهو عشرون درهماً، فلورثة السيد ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها ستون ولهم عشرون من التركة وهي خمساها، فيجتمع لهم ثمانون، وقد عتَقَ من العبد خمساه، وقيمة ما عتق أربعون.
هذا مسلك هذه المسائل في الدور الحسابي والحكمي.
مسائل
في عتق العبيد والكسب منهم أو من بعضهم
6958- إذا أعتق المريضُ عبيدَه أو عبيدَه وإماءه، لا مال له غيرهم، ثم مات من مرضه.
فإن كان أعتقهم في كلمةٍ واحدة مثل أن يقول: أنتم أحرار، أو كل مملوك لي حر، فإنا نُقرع بينهم، حتى إذا كانوا ثلاثة والقِيَمُ متساوية، فإنا نُعتق بالقرعة واحداً، ونرِق اثنين، فإن عتق واحدٌ، وهو مقدار [ثُلُثه] (2) أو أعتق اثنين، وكانا مقدار [ثلثه] (2) ، ثم أعتق من بقي، فإنا نبدأ بالأول؛ فإن بدايته أولى من خروج القرعة.
وإن كان الذي أعتقه أكثر من ثُلثه عَتِق منه مقدارُ ثُلث المعتِق، ونفذ العتق من قيمته فيما يخرج من الثلث، ورق باقيه، ورق من سواه.
وإن فضل من الثلث شيء، وكان أعتقهم ترتيباً، عتَق السابق، وعتق من الذي
__________
(1) في الأصل: خمساً وجزء خمس.
(2) في الأصل: ثلاثة.(10/330)
يليه [باقي] (1) قيمة الثلث، ولا دور في هذه المسائل؛ فإنها مدارةٌ على الإقراع، أو على التقديم، وليس فيها تصوير كسبٍ، أو تصوير زيادةٍ في القيمة، أو نقصان.
6959- فلو كان له عبدان قيمةُ كلِّ واحد منهما مائة، فأعتق أحدَهما واكتسب مائة، ثم أعتق الثاني، وقع الدَّورُ، لمكان الكسب.
وحساب المسألة أن نقول: يعتِق من الأول شيء؛ فإنه بدأ به، ويتبعه من كسبه شيء غيرُ محسوب، وللورثة باقي التركة، وهو عبدان ومائة [إلا شيئين] (2) .
وإذا عبرنا عن الجميع قلنا: للورثة ثلاثة أعبد، أو ثلاثمائة إلا شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثمائة معادلة لأربعة أشياء، فالشيء ربعُ الثلاثمائة، وذلك مثل ثلاثة أرباع [العبد] (3) ، وله ثلاثة أرباع كسبه، وللورثة ربعُه وربعُ كسبه مع العبد الآخر، وقد (4) عتَق ثلاثةُ أرباعه، فالباقي في يد الورثة ضعف [العِتق] (5) .
6960- فإن اكتسب الأول مائتي درهم، فطريق الجبر واضحة، فنقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه شيآن، وللورثة باقي التركة وهو أربعمائة درهم، إلا ثلاثة أشياء، تعدل شيئين: ضعفَ العتق، فبعد الجبر تعدل أربعمائة كاملة خمسةَ أشياء، فالشيء خُمسُ الأربعمائة، وذلك أربعة أخماس العبد.
6961- وإن لم يكتسب العبد الأول، ولكن اكتسب الثاني مائة، عتَق الأول وحده، والثاني مع كسبه للورثة.
وإن اكتسب الثاني مائتين عتق الأول، وعتق من الثاني شيء، وتبعه من كسبه شيآن، يبقى [للورثة] (6) الثاني وكسبه: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) سقط من الأصل، ولا يستقيم الكلام بدونه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: " مع العبد الآخر ونصف وقد عتق ... ".
(5) في الأصل: العين.
(6) في الأصل: لورثة.(10/331)
ضعف العتق، والعتق عبدٌ وشيء، فما في يد الورثة يعدل [عبدين] (1) وشيئين، وإذا جبرنا الأعبد الثلاثة في يد الورثة [بالأشياء] (2) ، وهي ثلاثة أشياء، وزدنا على عديلها مثلها، فيعدل ثلاثة أعبد عبدين وخمسة أشياء، ونلقي عبدين بعبدين قصاصاً، [يبقى] (3) عبدٌ واحد يعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمسُ العبد، فيعتق من الثاني خُمسُه، وله خُمس كسبه، وجملة ما عتق، عبدٌ وخُمس، وقيمةُ ذلك مائة وعشرون، فللورثة أربعة أخماس العبد الثاني، وأربعة أخماس كسبه، وجميع ذلك مائتان وأربعون، وهو ضعف [ما عتق] (4) .
6962- فإن اكتسب كل واحد من العبدين مثلَ قيمته، وقد أعتق الأول، ثم الثاني، فنقول: عتق الأول، وتبعه كسبه، غيرَ محسوب عليه، وللورثة العبد الثاني وكسبُه، وهما ضعف قيمة الذي عتق.
وإن اكتسب كلّ واحد منهما مائتين، عتق الأول، وله كسبه كلُّه، وعتَق من الثاني شيء، وله من كسبه شيآن، وللورثة الباقي من العبد الثاني والباقي من كسبه، وهو ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء، تعدل ضعفَ قيمةِ الأول وضعفَ ما عتق من الثاني، وذلك مائتا درهم وشيئان، وإن أحببت، قلت: مائتان وشيئان [تعدل ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء] (5) ، وبعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل تبقى مائة تعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمس المائة، وهو الذي عتَق من العبد الثاني، وللورثة أربعة أخماسه وأربعة أخماس كسبه.
6963- وكل ما ذكرناه فيه إذا قدم عتقَ البعض على البعض.
فأما إذا قال لهم: أنتم أحرار، فإنه يقرع بينهم؛ فأيُّهم خرجت قرعتُه بالعتق، كأن المولى بدأ بإعتاقه، فيجري الحساب على ما تقدم.
__________
(1) في الأصل: عشرين.
(2) في الأصل: بالاستثناء.
(3) في الأصل: بعد.
(4) في الأصل: ما خرج.
(5) زيادة من المحقق.(10/332)
6964- ولو أعتق في مرضه ثلاثة أعبد، واحداً بعد واحد، وقيمة كل واحد مائة، ولا كسب ولا مال غيرهم، عتَق الأولُ، ورقَّ الآخران.
[فإن] (1) ترك مائةَ درهم، عتَق الأول، وثلثُ الثاني.
وإن ترك مائتي درهم، عتَقَ الأول وثلثا الثاني، وإن ترك ثلاثمائة درهم، عَتَقَ الأول والثاني، وإن ترك أربعمائة، عَتَق الأول والثاني وثلثُ الثالث.
وإن لم يخلّف شيئاً، ولكن اكتسب كل واحد منهم مائة عتق الأول، وله كسبه، وعتق نصف الثاني وله نصف كسبه، وللورثة نصفُه ونصف كسبه مع العبد الثالث وكسبه، وذلك ثلاثمائة وهي ضعف المائة والخمسين الخارجة بالعتق، وسبيل الحساب ما مضى.
6965- وإذا أعتق أربعة أعبد في مرضه قيمةُ أحدهم مائة، وقيمة الثاني مائتان، وقيمة الثالث ثَلاثمائة، وقيمة الرابع أربعمائة، أعتقهم بكلمةٍ واحدة: من غير ترتيب، واكتسب كلُّ واحد منهم مثلَ قيمته في مرضه بعد العتق، قبل موت السيد، أُقرع بينهم، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته أربعمائة، عتق، وله كسبه، واعتمدت القرعة بين الباقين، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته مائة، عتق أيضاً وله كسبه، وقيمة هذين العبدين خَمسُمائة، فبقي للورثة الذي قيمته ثلاثمائة، والذي قيمته مائتان وكسبهما، وذلك كله ألف، وهو ضعف ما عتق.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته مائتان عَتَق الأول، ونصفُ الثاني.
وحسابه أن نقول: جاز العتق في شيء من الذي قيمته مائتان، وتبعه من كسبه مثلُه، وعتق الأول وقيمته ضعفُ قيمة هذا العبد الثاني، فكأن العتق جاز في عبدين [إلا شيئاً] (2) ، ومع الورثة باقي الثاني وباقي كسبه، وعبدان آخران مع كسبهما، وجميع ذلك بالإضافة إلى العبد الذي قيمته مائتان مثل ستة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما جاز العتق فيه، وهو أربعة أعبد وأربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة
__________
(1) في الأصل: قال.
(2) في الأصل: وشيء.(10/333)
وإسقاط المثل بالمثل، يعدل عبدان أربعة أشياء، فاقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة والشيء اثنين، والاثنان من الأربعة نصفها، فهو الذي يعتق من الذي قيمته مائتان.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته ثَلاثمائة، فحسابه أن نقول جاز العتق في شيء منه ومن الأول، فقد جاز العتق في أربعمائة وشيء، وبقي للورثة عبدٌ قيمته مائتان وكسبه مائتان، وعبد قيمته مائة وكسبه مائة، ومن الذي خرجت له القرعة الثانية ومن كسبه ستُّمائة إلا شيئين، وجميع ذلك ألف ومائتان إلا شيئين، يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو ثمانمائة وشيئان، فبعد الجبر والمقابلة، يكون أربعمائة تعدل أربعة أشياء، فالشيء رُبع الأربعمائة، وهو مائة، وبقي ثُلث العبد الذي قيمته ثَلاثمائة، فقد عتق منه ثُلثه.
وإن أبدلت القرعة الأولى والثانية، لم يخف حسابها؛ فلم نذكره.
ولو كان مكان العبيد في هذه المسائل إماء فحملن بعد العتق من نكاحٍ أو سفاح، وولدن قبل موت السيد أولاداً قيمتهم مثل اكتساب هؤلاء، كان حكم أولادهن حكمُ اكتساب العبيد. فإذا عتَقَت أمةٌ منهن، تبعها ولدُها، كما يتبعُ الكسبُ غيرَ محسوبٍ؛ فإنّ حَمْل الحرة حرٌّ، كما أن كسب الحرّ له.
6966- مسألة: لو أعتق في مرضه عبدين، قيمة كلِّ واحد منهما مائة بكلمةٍ واحدةٍ، واكتسب كلّ واحد منهما مائة، فأتلف السيد كسبهما، ثم مات، أُقرع بينهما، فأيّهما خرجت له قرعةُ العتق عَتق نصفُه، واستحق نصفَ كسبه دَيْناً على السيد، فإن قضى الورثةُ له ذلك من أموالهم سَلِمَ لهم عبدٌ ونصفٌ، وإن لم يقضوا ذلك من مالهم، [بيع نصفُ] (1) هذا العبد المعتَقِ نصفُه، أو نصفُ العبد الآخر، وقُضي به [الدين] (2) . وإن اختار هذا العبد أن يستوفي حقه من رقبته، قال الأستاذ: هو أحق به من المشتري، فيعتِق نصفُه الآخر.
__________
(1) في الأصل: "تبع هذا العبد". والتصويب والزيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " ديناً ".(10/334)
وهذا إن رآه [مستحباً، فهو قريب، وإن اعتقده واجباً، فهو] (1) غلط، كما تقدم نظيره؛ إذ لا حجر على الورثة في عين ما يبيعون، ولا احتكام عليهم في تعيين من يبيعون منه.
وحساب المسألة أن نقول: عتَق منه شيء، وله مثل ذلك دينٌ على السيد، وبقي مع الورثة عبدان إلا شيء، نقضي منه الشيء الذي هو دين عليه، يبقى معهم عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وبعد الجبر والمقابلة والعمل المعروف، يكون عبدان يعدلان أربعة [أشياء] (2) ، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة، والشيء اثنان، والاثنان من الأربعة نصفها، فقد عتق من العبد الذي خرجت قرعته نصفٌ.
وإن أعتق أحدهما قبل الآخر، وأتلف كسبهما كما صورنا، عتق من الأول نصفه بلا قرعة، وكان كما لو خرجت القرعة عليه حيث يكون العتق بينهما. وعلى هذا فقس.
مسائل
في عتق الجواري ووطئهن وإحبالهن في المرض
6967- إذا أعتق المريض جاريةً قيمتُها مائة، فوطئها رجل بشبهة، ومهرُ مثلها خمسون، فإن خرجت قيمتُها من الثلث عتَقَت، ولها مهرها، كما يكون لها كسبها، والمهر من كسبها.
6968- وإن لم يكن للسيد غيرُها، نُظر، فإن كان الوطء بعد موت السيد، عتَق ثلثُها، ولها ثلث مهرها، وللورثة [ثلثاها] (3) وثلثا مهرها، ولا دور في ذلك؛ لأن المهر وجب وهي في غير ملك الميت، وكذلك يكون الكسب بعد الموت، وذلك أن الموت يقرِّر الوصيةَ في ثلث الرقبة، ولا مُستدرك، فلا تبيّن على خلاف ذلك.
__________
(1) عبارة الأصل: وهذا إن رآه إنما غلط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ثلثها.(10/335)
6969- وإن كان الوطء قبل موت السيد وبعد عتقها، فسبيل الحساب أن نقول: عَتَق منها شيء، ولها من عُقرها نصف شيء من غير احتسابٍ عليها، وللورثة باقي الرقبة وباقي المهر، وذلك مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فنجبر بالشيء والنصف ونزيد على العديل شيئاً ونصف شيء، ونبسط الجانبين أنصافاً فتصير المائة والخمسون ثلاثة، والأشياء سبعة، ثم نقلب الاسم، فالأمَةُ سبعة والشيء ثلاثة، فالثلاثة من السبعة ثلاثة أسباعها، فقد عَتَق منها ثلاثة أسباعها، ولها ثلاثة أسباع مهرها، وللورثة أربعة أسباعها، وأربعة أسباع مهرها، وهي مثل [سبعي] (1) رقبتها؛ فإن المهر مثلُ نصف القيمة، وستة أسباع الرقبة تقديراً ضعفُ ما عتق.
فإن كان قد حبلت من الوطء، وولدت قبل موت السيد ولداً قيمته يوم سقط خمسون درهماً، فعلى الواطىء عُقرها، وعليه من قيمة الولد بقدر ما رق منها؛ فإن الواطىء بالشبهة إنما يغرَم ما يفوِّته من ملك الولد بسبب الشبهة، والقدر الذي يعتق منها [يكون ولدها، في ذلك القدر حرّاً] (2) من غير تقدير تفويت فيه.
6970- ووجه الحساب أن نقول: عتق منها شيء، ومن ولدها نصفُ شيء غيرُ محسوب، ولها نصف شيء من عُقرها، وللورثة باقي الأمة وباقي المهر وباقي الولد، وجملة ذلك مائتان إلا شيئين، تعدل ضعف العتق وهو شيئان، فبعد الجبر، وقلب الاسم يكون الشيء نصفَ الأمة، فيعتق نصفُها ويتبعها نصفُ الولد حرّاً أصلياً، ولها نصف عُقرها على الواطىء، وللورثة نصفها، ونصف عُقرها، ونصف قيمة الولد يأخذونه من الواطىء؛ لأنه قد كان ينبغي أن يملكوا من ولد الأمة بقدر ملكهم فيها، فلما حكمنا بحرية الولد لأجل الشبهة، لزم ذلك المقدار من القيمة، فيجتمع للورثة مائة، وهي ضعف قيمة ما عتق.
وإن قيل: هلا جعلتم قيمةَ الولد كالكسب حتى تُثبتوا للأمة قسطاً من القيمة التي
__________
(1) في الأصل: سبع.
(2) في الأصل: " يكون ولدها فذلك القدر جزءًا " وهو تصحيف.(10/336)
التزمها الواطىء بالشبهة قياساً على العُقر والكسب؟ قلنا: قيمة الولد إنما يجب منها ما يجب لوقوع ذلك المقدار في مقدار الرق، وما يقع في مقابلة الرق، فهو حق مالك الرق لا حق فيه للحرية.
6971- وهذا الذي ذكرناه فيه إذا أتت بالولد بعد العتق قبل موت السيد. فأما إذا أتت بالولد بعد موت المولى لزمانٍ يُعلم أن العلوق به وقع بعد الموت، فالوطء جرى بعد الموت؛ إذاً فما يغرَمه الواطىء من العُقر وقيمة الولد لا يحتسب من التركة، فإن التركة ما جرى فيها ملكُ الميت وخلّفه، وإذا لم نحسبه من التركة، لم يُنظر إلى العُقر وإلى قيمة بعض الولد في الحساب الذي نحسبه، بل نقول: أعتق المريض أمةً، لا مال له غيرُها، فيعتِق ثلثُها ويرق ثلثاها، ثم يقسم العُقر بعد الموت على الحرية والعتق، فكذلك القول في الولد، فالثلث منه حر لمكان حرية الثلث، وليس فيه تفويتُ رقٍّ، ويجب قيمة ثلثي الولد للورثة في مقابلة حقهم في ثلثيها.
وإن أتت بالولد بعد الموت لزمانٍ يُعلم أن العلوق به كان في حياة المولى، فهو كما لو أتت بالولد في حياة المولى؛ فإن حكم الولد يستند إلى حالة العلوق.
وإن أتت بالولد لزمانٍ يحتمل أن يكون العلوق به في حياة المولى، ويحتمل أن يكون العلوق به بعد موته، فللأصحاب تردّد في مثل ذلك، لسنا نوضحه الآن، وسيأتي ذكره مشروحاً في الوصية للحمل والوصية بالحمل، إن شاء الله عز وجل.
وقد ذكر الأستاذ طرفاً من هذا مثبّجاً (1) مختلطاً، ونحن أتينا بما أتينا به تنبيهاً على هذا الأصل، وأحلنا شرحه على فقه الوصايا.
6972- ومما يتعلق بفقه الباب أن الواطىء لو كان معسراً، فلم يجد وفاءً بالعُقر ولا ما يلزم من قيمة الولد، فلا يُنجَّزُ من عتق الجارية إلا الثلث، كما لو ورد التَّوى على ما [قدّمه] (2) الواطىء بالشبهة، فنجعل كأنه لم يكن، ولا نحسب على الورثة عُقراً ولا قيمة.
__________
(1) مثبّجاً: أي مختلطاً معمّىً، يقال: ثبج الرجل الكلام والخط ثبجاً إذا عماهما ولم يبينهما. (المعجم) .
(2) مكان كلمة غير مقروءة. (انظر صورتها) .(10/337)
فإذا حملنا الأمر على ذلك، وأعتقنا ثلث الجارية، وأوقفنا ثلثيها، وتمادى على ذلك زمنٌ، والمهايأةُ في العمل بنسبة الثلث والثلثين، فلو أيسر الواطىء، وأدى ما عليه، فنزيد في العتق على الحساب الذي تقتضيه الزيادة؛ فإنّ ما يؤدّيه الواطىء إلى الورثة يزيد في التركة، والزيادة في التركة تقتضي الزيادة في العتق. ثم إذا زدنا في العتق، فليس ذلك إنشاءً، وإنما هو تبيّنٌ، وعلى التبين تبتني [المسائل] (1) الدائرة في العتق، وإذا نفذ العتق في الزيادة، تبيُّناً، فالذي نص عليه الشافعي، وقطع به الأصحاب أن الجارية تسترد بمقدار ما زاد في العتق من كسبها؛ فإنا تبيّنا أن الورثة أخذوا من كسب الحرية شيئاً، ويلزمهم ردّه. وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً أن حكم ذلك الظاهر لا ينقض. وهذا لا يعدُّه فقيهٌ من المذهب، وإنما [جرّدتُ] (2) الغرض لذكره لأني تصفحت مسائل كتابه في الوصايا، واعتمدت طرقَه الحسابية، فأردت التنبيه على مواقع الخلل في الفقه.
مسائل في العتق مع النقصان من القيمة أو مع الزيادة
6973- فلتقع البداية بالزيادة، فإذا أعتق الرجل عبداً، فزادت قيمته، وبقيت الزيادة حتى مات المولى، فالزيادة محسوبة على الورثة من التركة، وليست زيادة القيمة [معتداً] (3) بها في المقدار الذي يعتِق من العبد؛ فإن العتق يستند إلى يوم الإعتاق، وما يفرض من زيادة لا أثر لها فيما يعتق؛ فإن الحر ليس بذي قيمة فيرتفع أو ينخفض، ويرتفع العمل والحساب في القيمة الزائدة على المناسبة المتقدمة في الكسب، ولكنا نفرد هذا الباب بمسائِله حتى لا يخلو الكتاب عن صنف من الأصناف.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: معتمداً.(10/338)
6974- مسألة: إذا أعتق عبداً قيمته [مائة] (1) دينار، فبلغت قيمته قبل الموت مائتي دينار، وبقيت القيمة زائدة إلى موت المولى. فطريق الحساب، بعد التنبيه على الفقه والفتوى أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه من زيادة القيمة مثلُه -على النسق الذي ذكرناه في الكسب- فبقي في يد الورثة مائتا دينار إلا شيئين يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيصير مائتان في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن قيمة كل شيءٍ خمسون، فنرجع ونقول: عتق من رقبة العبد ما قيمته خمسون، وهو نصف العبد؛ فإن الاعتبار في العتق بقيمة يوم العتق، وإذا عتق نصفه، فقد سقط من القيمة مائة دينار، على حساب المائتين، غيرَ أن المحسوب منها خمسون، والزيادة غيرُ معتدٍّ بها، والباقي في يد الورثة مائة، والعتق خمسون. وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الزيادة سهماً، وللورثة ضعفُ ما للحرية، فالمجموع أربعة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو مائتان، فسهم العتق إذاً خمسون.
وطريق الدينار والدرهم تجري في هذه المسألة جريانها في مسألة الكسب من غير مزيد.
6975- فإن كانت قيمة العبد يومَ العتق ثلاثمائة، فزادت قيمته، فكان يوم موت المولى يساوي سبعَمائة، فنقول: عَتَق منه شيء، وهو محسوب عليه بثلاثة أسباع شيء، وبقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعفَ المحسوب على العبد، وذلك ستة أسباع شيء، فنجبر ما في يد الورثة بشيء ونزيد على عديله مثلَه، فالعبد التام يعدل شيئاً وستة أسباع شيء، فنبسط الجميع أسباعاً فيصير العبد سبعة والشيء والستة الأسباع ثلاثةَ عشرَ، ثم نقلب الاسم، فنجعل العبد ثلاثةَ عشرَ، والشيء سبعة، فنعتق منه سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، وهي محسوبة عليه بثلاثة أسباعها. والفاضل من ذلك غيرُ محسوبٍ على العتق.
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/339)
وإذا كان المحسوب ثلاثة أجزاء، [فقد] (1) بقي مع الورثة ستة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة وهو ضعف الثلاثة الأجزاء المحسوبة من العبد. الحساب في المسألة بطريق السهام: أن نأخذ للحرية سهماً ويتبعه (2) من الزيادة مثله ومثل ثلثه، وذلك سهمٌ وثلث سهم، وللورثة ضعف ما للحرية، وذلك سهمان فالجميع أربعة أسهم وثلث، فاقسم عليها قيمة يوم الموت، وهو سبعمائة. ووجه القسمة أن نبسط السهام أثلاثاً، فتكون ثلاثةَ عشرَ، ونبسط السبعَمائة أثلاثاً بالضرب في مخرج الثلث فيبلغ ألفين ومائة، نقسمها على ثلاثة عشر، فما يخرج من القسمة نصيباً للواحد فهو قيمة ما يعتق من العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل قيمته في الأصل ديناراً ودرهماً، وقد زاد في القيمة مثلُها ومثلُ ثلثها، فبلغت القيمة يوم الموت دينارين وثلثَ دينار ودرهمين وثلث (3) درهم، وقد نفذ العتق في درهم ويتبعه درهمٌ وثلث، ومع الورثة ديناران وثلث دينار يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو درهمان، ولا يحسب ما تبع العتق. فنبسطهما أثلاثاً فيكون الديناران [والثلث] (4) سبعة، والدرهمان [ستة] (5) ، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ستة والدرهم سبعة، ومجموعهما ثلاثة عشر، وهي سهام العبد؛ لأنا جعلناه ديناراً ودرهماً، والدرهم منها سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ، وهي مقدار ما عَتَقَ.
هذا قياس الباب.
6976- مسألة: في نقصان القيمة بعد العتق.
أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فنقص من قيمته قبل موت السيد خمسون، وبقي نقصان [القيمة] (6) إلى الموت.
__________
(1) في الأصل: وقد.
(2) في الأصل: ولا يتبعه.
(3) في الأصل: ودرهمين من ثلث درهم.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعة.
(6) زيادة من المحقق.(10/340)
فنذكر الحسابَ، ونبدأ بالجبر، ونقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وهو محسوب عليه بشيئين، وبطل في باقيه، فهو عبد إلا شيء يعدل ضعف ما حُسب على العبد، وهو أربعة أشياء، فنجبر العبد بشيء، ونزيد على عديله مثلَه، فالأشياء خمسة والعبد واحد، فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد خمسة، والشيء واحد، وقد تبيّن أنه عَتَق من العبد خُمسه، وقيمته يوم العتق عشرون، وبقي للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها يوم الموت أربعون، وهي ضعف العشرين المحسوبة على العبد، ووجه ذلك أنا لا نحسب على الورثة إلا التركة، والاعتبار في التركة بيوم الموت، فتعين هذا الاعتبار في حقوقهم.
ثم نرجع إلى العتق، ونقول: نعتبر ما فات بالعتق يوم العتق؛ فإن ما يفرض من التغايير بعد العتق لا يؤثر فيما عتَقَ، والذي يحقق ذلك أن القيمة لو زادت، لم يحسب على المعتَق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وكان هذا في التقدير بمثابة استيفاء مقدارٍ من العتق، وما وقع مستوفىً يحسب لا محالة، وهذا هيّن على المتأمل.
وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للعتق سهماً محسوباً على العبد بسهمين، ونأخذ للورثة ضعفَ ما حسب على العبد، وذلك أربعة أسهم، فالجملة خمسة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو خمسون، فيخرج من القسمة عشرة، وهي قيمة يوم الموت، فنقول: يعتق منه خُمسه، كما خرج بالعمل الأول.
وحساب المسألة بالدينار والدرهم: أن نجعل قيمة يوم الموت ديناراً ودرهماً، ونجيز العتق في درهم منه محسوب على العبد بدرهمين، يبقى للورثة دينار [يعدل] (1) ضعفَ المحسوب على العبد، وهو أربعة دراهم، فالدينار يعدل أربعة دراهم وأحداً، ومجموعها خمسة، ولا حاجة إلى القلب في هذا المقام، وقد بان أن الدرهم من الخمسة خُمسها، فنقول: يعتِق من العبد خُمسُه، فإن كانت قيمته مائتي
__________
(1) في الأصل: بعد.(10/341)
دينار يوم العتق (1) ، فرجعت بالنقصان إلى مائةٍ وعشرين، فنقول: عتق منه شيء محسوب عليه بمثله، ومثل ثلثيه، فإن الناقص من [المائتين] (2) ثمانون، والثمانون ثلثا مائةٍ وعشرين، فالشيء إذاً محسوب بشيء وثلثي شيء، ونطلق فنقول: بقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف المحسوب، وهو ثلاثة أشياء وثلث، وإذا جبرنا، وقابلنا، فالعبد يعدل أربعة أشياء وثلث، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الإسم فيهما فيكون العبد ثلاثةَ عشرَ والشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً، وهي محسوبة عليه بمثلها ومثل ثلثيها، وذلك خمسة أجزاء، وبقي مع الورثة عشرة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة، وهي ضعف الخمسة الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6977- مسألة: إذا وقع مع العتق زيادةٌ من وجهٍ ونقصانٌ من وجه، وذلك مثل أن يعتِق عبداً قيمته مائتان، فينقص من قيمته مائة بالسوق، ثم تعلّم صنعة زادت بها قيمته بخمسين، فالوجه أن يُقابَل النقصانُ بمقدار الزيادة، فيعود الأمر إلى أنه نقص من قيمته خمسون، وتحسب المسألة على قياس نقصان الخمسين، فنقول: جاز العتق في شيء محسوب على العبد بشيءٍ وثلث، وبطل في باقيه، فهو عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف ما حسب على العبد وهو شيئان وثلثا شيء، فنجبر ونقابل، ونقلب الاسم ونبسط الجانبين أثلاثاً، فيكون العبد أحدَ عشرَ، والشيء ثلاثة؛ فيعتِق منه ثلاثةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة عليه بأربعة أجزاء، وبقي مع الورثة ثمانية أجزاء، وهي ضعف الأربعة الأجزاء المحسوبة على العبد.
6978- مسألة: في العتق مع الزيادة على القيمة والكسب.
سبيل هذا الباب أن نجعل الزيادة في القيمة جزءاً من الكسب، وتزاد على الكسب المستفاد، ونضع الحساب على ذلك المبلغ، فإذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فزادت قيمته حتى بلغت مائتين، واكتسب مائة، فتصير الزيادة مع الكسب، كأنه اكتسب مائتين.
__________
(1) عبارة الأصل: فإن كانت قيمته مائتي دينار بعد العتق يوم العتق ... إلخ.
(2) في الأصل: "الثمانين".(10/342)
والعمل فيه أن نقول: عتَقَ منه شيء وتبعه من الكسب والزيادة شيئان، وبقي مع الورثة من أصل الرقبة زيادتُها وكسبها: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعفَ العتق، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون العبد خمسةً، والشيء ثلاثة، فيعتق ثلاثة أخماسه، ثم المسألة تجرى سدادها في طريق الحساب.
6979- مسألة: في العتق مع النقصان والكسب.
فإذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت من قيمته خمسون، فنحط النقصان من الزيادة، فيعود الأمر كأنه اكتسب خمسين، ولم ينقص شيء، فيكون الكسب مثل نصف القيمة، والعمل فيه أن يقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه نصفُ شيء، وقد ذكرنا هذا في المسالك المتقدمة، فلا معنى للإعادة.
6980- مسألة: مشتملة على العتق والنقص والتركة والكسب والدين.
الأصل في هذه المسألة أن نقابل التركة بالدين، فإن استويا، فكأنه لا دين ولا تركة [وإن زاد أحدهما] (1) على الآخر، فمقدار الفضل كأنه هو الحاصل من غير مقابلة، وكذلك نقابل الزيادة بالنقصان، فإن استويا، فكأنه لا زيادة ولا نقصان، وإن زاد أحدهما على الثاني، اعتبرنا ذلك المقدار الفاضل، وبنينا المسألة عليه.
المثال: مريض أعتق عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت قيمته إلى خمسين، وتعلّم صنعة، زادت في قيمته خمسين، وترك السيد مائة، وعليه دين خمسين، فالسبيل فيه ما قدمنا من التقابل بين النفي والإثبات والزيادة والنقصان، وننظر إلى ما بقي من كل نوع، ونخرّج المسألة عليه، وما أراها تغمض بعد ما كررنا الطرق وأوضحنا سبيل إجرائها في المختلفات.
وقد نجز ما حاولنا مبسوطاً مشروحاً في دَوْر المسائل المتعلقة بالعتق، ولا يخفى على من أحاط بما ذكرناه، واستعان بالدُّربة (2) ما يورد عليه من صور المسائل.
__________
(1) عبارة الأصل: وإنهما زاد على الآخر.
(2) عبارة الأصل: "واستعان بالدربة على ما يورد عليه من صور المسائل".(10/343)
القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها
6981- مسائل فيه إذا وهب المريض عيناً، فعادت إليه تلك العين. مسألة: إذا وهب المريض عبداً من مريض وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له من الواهب الأول، وسلمه إليه، فماتا وما كان لواحد منهما مال إلا ذلك العبد، فلا شك أن المسألة تدور؛ من جهة أن الموهوب إذا رجع كلّه أو بعضه إلى الأول، زاد ثلثه؛ فتزيد هبته، ثم تدور هكذا، حتى يقطعه مسلك الحساب.
فطريق الجبر أن نقول: صحَّت الهبة من الأول في شيء من العبد، فبقي عبد إلا شيء، وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء، فيرجع إلى الأول إذاً ثُلث شيء، فيحصل معه عبد إلا ثلثي شيء، وذلك ضعف ما صحت الهبة الأولى منه، وهي شيء، [وضعفه شيئان، فنقول: معنا في الآخر عبد إلا ثلثي شيء] (1) ، يعدل شيئين، فنجبر العبد بثلثي شيء ونزيد على عديله ثلثي شيء، فيصير عبد كامل في معادلة شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانية والشيء ثلاثة، فقد صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد أولاً، وبطلت في خمسة أثمان. وتصح الهبة الثانية في ثلث ثلاثة أثمان، وهو ثمنٌ واحد، فيجتمع مع ورثة الأول ستة أثمان، وهو ضعف ما صحت هبته فيه، ويستقر في يد المريض الثاني ثمنان، وقد صحت هبته في ثمن، [فاعتدلت] (2) التبرعات ثلثاً وثلثين. طريقة السهام: أن نطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث؛ لوقوع الوصيتين على هذه النسبة، وأقل ذلك تسعة، فنقول: صحت الهبة في ثلاثة منها، ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، وهذا سهم الدور، فنقطعه ونُسقطه من البين، ونرد التسعة إلى ثمانية، ونقول: صحت هبة الأول في ثلاثة من ثمانية، ورجع منها سهم، واستمر العمل الأول.
__________
(1) عبارة الأصل: "وضعفه، فنقول: شيئان ومعنا من الآخر عبد إلا ثلثي شيء" والتعديل بالتقديم والتأخير والحذف من عمل المحقق.
(2) في الأصل: "فاعدل".(10/344)
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجيز الهبة في درهم منه، يبقى دينار، ويرجع بهبة الثاني ثلثُ درهم، فيحصل مع الأول دينار وثلث درهم، وهذا يعدل درهمين، فنطرح ثلث درهم بثلث درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل درهماً وثلثي درهم، فابسطهما أثلاثاً فيصير الدينار ثلاثة، والدرهم والثلثان خمسة، فنقلب الاسم ونجعل الدينار خمسة، والدرهم في الوضع الأول ثُلُثة (1) ، وقد صحت الهبة في درهم وهو ثلاثة من ثمانية، ويعود العمل إلى ما تقدم.
والسرّ المرعيُّ في الباب أنا لا نعبر عما صحت الهبة الأولى فيه إلا بالشيء المبهم، ونعبر عما تصح الهبة الثانية فيه بالثلث، والسبب فيه أنه يدور إلى الواهب شيء بعد هبته، فاستبهم لذلك مقدار تبرعه إلى أن يُثبته الجبر، وليس يرجع إلى الواهب الثاني شيء، فاستمر فيه لفظ الجزءِ، وخرجت المسألة على النظم الذي تقدم.
6982- مسألة: ما قدمناه فيه إذا كان الواهب الأول والثاني مريضين.
فأما إذا كان الواهب الثاني وهو المتهب من الأول صحيحاً، والمسألة تدور على الأول من جهة العود إليه، والمال يريد بالعود بعد النقصان بالهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، فبقي عبدٌ إلا شيئاً، وبطلت الهبة في عبدٍ إلا شيئاً، ثم رجع ذلك الشيء الموهوب كلُّه بهبة الثاني؛ فحصل مع ورثة الأول عبدٌ كاملٌ يعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة فيه، فنقلب الاسم ونجعل العبد شيئين والشيءَ واحداً، والواحد من الاثنين نصفُه، فقد صحت هبتُه في نصف العبد، ورجع ذلك إليه، فحصل عبد كامل يعدل ضعف ما وهب.
6983- ولو أن الصحيح المتَّهب من المريض لم يهبه الأولَ، ولكن وهبه لصحيحٍ آخر، وأقبضه، فوهبه الموهوب له الثاني من الواهب الأول، وأقبضه إياه، ثم مات الأول ولا مال له غير العبد.
فهذه المسألة عندنا كالمسألة التي قبلها، فلا فرق بين أن يعود الموهوب إلى
__________
(1) المعنى أن الدرهم في الفرض الأول -في طريقة الدينار والدرهم- وقع ثُلُث ما يملكه المريض، ولذا صحت الهبة فيه.(10/345)
المريض من جهةَ الموهوب له الصحيح من غير واسطة وبين أن يعود إليه بواسطة، فطريق العمل ما تقدم.
6984- ولو وهب الأول، وهو مريض من مريض، فوهب الثاني وهو مريض من مريض ثالث ثم عاد من جهة الثالث إلى الأول، فالحساب بالجبر أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، وبطلت في عبد إلا شيئاً، وصحت هبةُ الثاني في ثلث شيء، وصحت هبة الثالث للأول في ثلث ذلك الثلث، وهو تُسع شيء، فقد رجع إلى الأول إذاً تُسعُ شيء، فحصل في يد الورثة عبد إلا ثمانية أتساع شيء يعدل شيئين ضعفَ ما أطلقنا الهبة فيه، فنجبر ونقابل، فيعدل عبد كامل شيئين وثمانية أتساع شيء، فنبسطهما أتساعاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ستة وعشرين والشيء تسعة، فتصح الهبة في تسعة أجزاء من ستةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعةَ عشرَ جزءاً، فصحت هبة الثاني في ثلاثة أجزاء من جملة التسعة الأجزاء، وبقي مع ورثته ضعفها، وهي ستة أجزاء، وصحت هبة الثالث في جزءٍ من الثلاثة، وبقي مع ورثته ضعف ذلك، وهو جزءان، ورجع إلى الأول جزء واحد، فصار معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي وهبها، فاعتدلت المسألة على الحساب.
طريقة السهام: أن تطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث (1) ولثلث ثلثه ثلث، لأن الهبات ثلاث، وأقل ذلك سبعة وعشرون، فنجيز الهبة الأولى في ثلثها، وهو تسعة، وقد علمت أنه يرجع من التسعة سهمٌ إلى الواهب الأول، وهو سهم الدور، فأسقطه من البين، وحُطَّه من العدد المفروض وهو سبعة وعشرون فيبقى ستةٌ وعشرون، فهي سهام العبد، وتصح الهبةُ في تسعة من ستة وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً ونجيز هبة الأول في درهم، وهبةَ الثاني في ثلث ذلك الدرهم، وهبة الثالث في ثلث ذلك الثلث، وهو تسع درهم، فيرجع إلى الأول تُسعٌ، فيحصل معه دينار وتسعُ درهم، يعدل درهمين، فأسقط تسعَ درهم بمثله قصاصاً، فيبقى دينار يعدل درهماً وثمانيةَ أتساع درهم،
__________
(1) عبارة الأصل: لثلثه ثلث لوقوع ولثلث ثلثه ثلث.(10/346)
فابسطهما جميعاً أتساعاً، واقلب الاسم، فيصير الدينار سبعةَ عشرَ، والدرهمَ تسعة، ومجموعهما ستةٌ وعشرون، وعادت الهبة إلى [تسعة] (1) من ستةٍ وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
6985- فإن كان قد وهب المريض الأول من المريض الثاني العبدَ، فوهب المريض الثاني ما صح له من مريض ثالث، ومن المريض الأول جميعاً، ثم وهب الثالث ما صح له بالهبة من المريض الأول، فطريق الحساب أن نقول: جازت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت تقديراً في عبدٍ إلا شيئاً، وصحّت هبة الثاني في ثلث شيء يكون بين الأول والثالث نصفين، لكل واحد منهما سدس شيء، فيحصل مع الأول عبدٌ إلا خمسة أسداس شيء، ويحصل للثالث سدس شيء، وهبتُه تصح في ثلث ذلك، وهو ثلث سدس، وذلك جزء من ثمانية عشر جزءاً من شيء، فيرجع إلى الأول من الثالث ثلث سدس شيء، وقد رجع إليه من الثالث سدس شيء، فيحصل معه عبدٌ إلا أربعة عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، ونبسط بأجزاءِ الثمانيةَ عشرَ، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسين، والشيء ثمانية عشر.
فتصح هبة الأول في ثمانيةَ عشرَ جزءاً من خمسين جزءاً من العبد وتبطل في اثنين وثلاثين جزءاً منها، وتصح هبة الثاني في ثلث الثمانيةَ عشرَ، وهو ستة، نصفها للأول، ونصفها للثالث، وهو ثلاثة، وتصح هبة الثالث في جزء من الثلاثة، فيرجع إلى الأول من الثاني ثلاثة، ومن الثالث جزء، فيحصل معه ستة وثلاثون جزءاً من خمسين جزءاً من العبد، وهي ضعف الثمانيةَ عشرَ جزءاً التي وهبها.
هذا قياس الباب.
6986- مسألة: في رجوع الموهوب إلى الواهب، وله شيء من التركة سوى الموهوب.
وهب المريض عبداً يساوي ألف درهم من مريضٍ وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له
__________
(1) في الأصل: " سبعة ".(10/347)
من الواهب الأول وأقبضه وماتا جميعاً من مرضهما، وخلّف الواهب الأول ألف درهم سوى العبد الموهوب.
فنقول: نفذ بالهبة الأولى شيء من العبد، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، ورجع إلى الواهب ثلثُ شيء، بالهبة الثانية، وبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه ألف درهم هي مثلُ قيمة العبد.
فنقول: كان معه في التقدير عبدان إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبدان يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية والشيء ستة، وهو ثلاثة أرباع الثمانية، فتصح هبةُ الأول في ثلاثة أرباع العبد، ويبطل في ربعه، ويرجع إليه بهبة الثاني ربعه ومعه من التركة مثلُ قيمة العبد، فقد حصل معه عبدٌ ونصفٌ: ضعفُ ما وهب.
طريقة السهام: أن نأخذ عدداً له ثلث، ولثلثه ثلث، وأقله تسعة، وقد علمت أنه يرجع إليه ثلث ما تصح هبته فيه، وذلك سهمٌ من الثلاثة، هو واحدٌ، فذلك سهمُ الدور، فأسقطه من التسعة، تبقى ثمانية، وهي سهام العبد، ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة، وزد عليها مثلَها؛ لأن التركة مثلُ قيمة العبد، فتكون ستة، فانسب الستة إلى الثمانية، تكون ثلاثة أرباعها، فتصح هبته في ثلاثة أرباع العبد، وبيان ذلك أنا عزلنا من العبد الأول ثلاثة، فيجب أن نزيد بسبب التركة ثلاثة أخرى؛ فإن التركة الزائِدة مثلُ العبد، فقد اجتمع ستة أسهم [فننسبها] (1) إلى عدد سهام العبد وهو ثمانية فتقع ثلاثة أرباع العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونُجيز الهبة في درهم منه، يبقى [من] (2) العبد دينار، فيرجع إليه بالهبة الثانية ثلث درهم، ومعه من [التركة] (3) مثلُ قيمة العبد، فيجتمع معه ديناران ودرهم، وثلث درهم، وذلك يعدل درهمين، فنسقط درهماً وثلثاً قصاصاً، يبقى ديناران يعدلان ثلثي درهم، فنبسطهما
__________
(1) في الأصل: فنبسطها.
(2) في الأصل: مع.
(3) في الأصل: من الدرهم.(10/348)
أثلاثاً، فيكون الدينار [ستة] (1) ، والدرهم اثنين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار اثنين، والدرهم ستة، ومجموعهما ثمانية، والستة من الثمانية ثلاثة أرباعها.
6987- ولو كانت التركة الزائدة مثلَ نصف قيمة العبد، لقلنا جازت هبته في شيء من العبد، ورجع إليه ثلث شيء، فمعه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه مثل نصف عبد، فجميع ذلك عبدٌ ونصف عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون عبد ونصفٌ يعدل شيئين وثلثي شيء، فمعنا كسرُ النصف والثلث، فنضرب الجانبين في مخرج النصف والثلث، وهو ستة، فيكون العبد تسعة، والشيء ست عشرة، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستة عشر، والشيء تسعة، فتصح هبةُ الأول في تسعة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة أجزاء منه، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثلاثةُ أجزاء، فيجتمع من العبد عشرةٌ، ومعه مثلُ نصف العبد، وذلك ثمانية أجزاء، فالمجموع معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي نفذت الهبة فيها.
6988- مسألة: في عَوْد الموهوب إلى الواهب، وعلى الواهب الأول دينٌ، فنقول: إن كان الدين على الواهب الأول مثل قيمة العبد أو أكثر منها، بطلت الهبة أصلاً.
وإن كان الدينُ أقلَّ من قيمة العبد، فتصح الهبة في البعض، فنقول: قيمة العبد ألفٌ، فوهبه من مريضٍ ثانٍ، وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الأول، وعلى الأول دينٌ، خَمسُ مائة، فالطريق أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً [ورجع] (2) إليه بالهبة الثانية ثلثُ شيء، فبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، يقضي منه الدين، وهو مقدار نصف عبد، فبقي مع الورثة نصفُ عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر نصف العبد بثلثي شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فيكون نصف عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما بمخرج النصف والثلث، فنضربهما في ستة، فيكون العبد ثلاثة والشيء ستة عشر، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستةَ عشرَ، والشيء ثلاثة.
__________
(1) في الأصل: درهم.
(2) في الأصل: وربع.(10/349)
ولا ننظر [في] (1) منزلة القلب [لكون] (2) ما في يد الورثة نصف عبد، فإنا نجعل عبداً في تقدير عبد قائم، والذي (3) نذكره في قلب الاسم واقعٌ بين الجنسين من غير التفات إلى الجزء والعدد.
فخرج منه أن هبة الأول، صحّت في ثلاثة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، فيرجع إليه بالهبة الثانية جزءٌ من الثلاثة، فيحصل أربعة عشر جزءاً، فنقضي منه الدين، وهو ثمانية أجزاء مثلُ نصف العبد، يبقى مع الورثة ستةُ أجزاء من ستةَ عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
6989- مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول، وللواهب الثاني تركة.
مريض وهب عبداً قيمته ألف من مريض آخر، ووهبه المريض الثاني من الأول، وليس للأول مالٌ غيرُ العبد، وللمريض الثاني ألفُ درهم، مثلُ قيمة العبد، فنقول: جازت هبةُ الأول في شيء من العبد، فصار مع الثاني ألفٌ وشيء، صحّت هبتُه في ثلث ذلك، وهو كثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الأول، فيجتمع مع ورثة الأول عبدٌ وثلث عبد إلا ثلثي شيء، وذلك أن مع الواهب الثاني عبدٌ وشيء، فإذا صححنا هبته في ثلث ما في يده، كان عبداً وثلثَ شيء.
فقد رجع إلى الأول ثلثُ عبد، وثلثُ شيء، وكان معه عبدٌ ناقص شيئاً، فنسقط منه جزء الشيء، وهو ثلث شيء، ونضم إلى العبد ثلثَ عبدٍ، فيحصل عبدٌ وثلثُ عبد إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ التبرع، فبعد الجبر والمقابلة، يكون عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيكون العبد أربعة، والشيء ثمانية، فنقلب الاسم، ونقول: العبد ثمانية، والشيء أربعة، فقد صحت الهبة في نصف العبد، وتصح هبة الثاني في جميع ذلك النصف، لأنه يبقى لورثته الألفُ التي هي قيمة هذا الضعف، فيحصل مع ورثة الأول عبد كامل، وهو ضعف الذي صحت الهبة، وخرجت المسألة مقوَّمة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: ليكون.
(3) الواو زيادة من المحقق.(10/350)
6995- مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول بالهبة من الثاني، وعلى الواهب الثاني دين.
وهب في مرضه عبداً قيمته ألفٌ من مريضٍ، وأقبضه إياه، ثم إن المريض الثاني وهبه من المريض الأول وأقبضه، وماتا، ولا مال لهم غيرُ العبد، وعلى الواهب الثاني ديْنٌ مائتا درهم.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، نقضي من الشيء دينَ الواهب الثاني، وهو مثل خُمس عبد، يبقى شيء إلا خُمسَ عبد، فتصح هبةُ الثاني في ثُلثه، وهو ثُلث شيء إلا ثلث خُمس عبد، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول، وفي يده عبد إلا شيء، فيصير الآن بعد رجوع ما رجع إليه في يده أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، تكون أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد، تعدل شيئين، وثلثي شيء، فنبسط الجميع بالضرب في خمسةَ عشرَ، فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيءُ أربعين، فنقلب الاسم، فيكون العبد أربعين، والشيء أربعة عشر، فتصح هبة الأول في أربعة عشرَ جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وبطل في ستةٍ وعشرين جزءاً منه، وحصل في يد الموهوب له أربعة عشر جزءاً يقضي منه دينَه، وهو مثل خمس العبد، وذلك ثمانية أجزاء من أربعين، يبقى معه ستة أجزاء تصح هبتُه في ثلثها، وهو جزءان، فيرجع إلى الواهب الأول جزءان ويحصل في يده ثمانيةٌ وعشرون جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وذلك ضعف الأربعةَ عشر جزءاً التي خرجت بالهبة.
فإن كان الدين على الواهب الثاني مثل ثلاثة أثمان قيمة العبد أو أكثر، صحت هبة الأول في ثلث العبد، وقُضي به دينُ الواهب الثاني، وبطلت هبةُ الثاني بالكلية، ولم يكن في المسألة دور؛ إذا لم يكن لهما مال إلا العبد.
6991- مسألة: إذا وهب المريض عبداً قيمتُه ألفٌ من مريض وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الواهب الأول وأقبضه، ثم ماتا، وخلّف كلُّ واحد منهما ألفاً أخرى سوى العبد.(10/351)
فنقول: صحت هبةُ الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له الأول ألفٌ وشيء، والألفُ مثلُ العبد، فنقول: معه عبدٌ وشيء، وتصح هبته في ثلث ذلك، وهو ثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول ومعه عبدٌ إلا شيء، وألفٌ هي مثل قيمة العبد، فيحصل معه عبدان إلا شيئاً، فنزيد عليه ثلثَ عبد، وثلث شيء، فيحصل معه عبدان وثلث عبد إلا [ثلثي] (1) شيء، يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدان وثلث يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية، والشيء سبعة، وتصح هبة الأول في سبعة أثمان العبد، وتبطل في ثُمنه، ويحصل في يد الموهوب له سبعة أثمان العبد ومعه ألفٌ كقيمة العبد، فهي ثمانية أجزاء، فقد حصل معه خمسةَ عشرَ جزءاً، تماثل ثمانيةٌ منها عبداً، فتصح هبته في ثلثها، يدفعها من جملة سبعة الأجزاء من العبد، فيرجع إلى الواهب الأول هذه الأجزاء الخمسة، وكان (2) معه جزءٌ من العبد، وهو ثمنه، ومعه ألفٌ، هي ثمانية أجزاء، فاجتمع معه أربعة عشرَ جزءاً، وهو ضعف السبعة التي جازت الهبة فيها أولاً.
هذا إذا كان لكل واحد منهما تركة زائدة.
6992- فلو كان على كل واحد منهما دين خَمسُ مائة درهم، فنقول: الفتوى أن هبة الأول تصح في سدس العبد، وبطلت هبة الثاني؛ لأن دينه يستغرق ما صحّ له بالهبة.
وامتحان ذلك أن نقول: صحت هبة الأول في سدس العبد، وبطلت في خمسة أسداسه، ولم يرجع إليه شيء؛ لأن السدس الذي صحت الهبة فيه يذهب في دين الموهوب له، فنقضي دين الواهب، وهو نصف عبد من خمسة أسداس عبد، يبقى مع ورثته ثلثُ عبد، وهو ضعف السدس التي صحت فيه الهبة.
__________
(1) في الأصل: ثلث.
(2) في الأصل: وكان معه جزء من جزءٍ من العبد.(10/352)
فإن كان الدين على أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبل.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبلُ.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما، أو في الجانبين، نقابل الدين والتركة؛ فإن استويا، فكأن لا دينَ ولا تركة ولا مال سوى العبد، فإن زاد الدين، سقطت التركة، ووقع الكلام في مقدار (1) الدين الفاضل من التركة.
وإن كانت التركة أكثر، أسقطنا عنها بمقدار الدين، ورددنا الكلام إلى التركة الفاضلة من الدين، ولا يخفى الحكم.
6993- مسألة: في الزيادة والنقصان بعد الهبة.
فنقول: حكم الزيادة في الهبة كحمكها في أبواب العتق، وكذلك حكم النقصانِ في الهبة كحكم النقصان في العتق، إلا أن ما كان منهما محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للموهوب له، وما حسب على العبد، فهو محسوب على الموهوب له، وما حسب في العتق على ورثة المعتِق، فهو محسوب على ورثة الواهب.
6994- فإذا وهب مريض عبداً من غيره، فأقبضه، فزاد في قيمته مثلُها، فتصح هبتُه في نصف العبد، وقيمة هذا النصف يوم الموت مائة مثلاً، وكانت يوم الهبة خمسون، فهي محسوبة على الموهوب له بخمسين، ويبقى لورثة الواهب نصفُه، وقيمتُه يوم الموت مائة، وهي ضعف الخمسين المحسوبة على الموهوب له.
وإن كانت قيمته يوم الهبة مائة، فنقصت، ورجعت إلى خمسين، ومات الواهب، ولا مال له غيره، وصحت (2) الهبة في خُمس العبد، وقيمته يوم الهبة عشرون، ويوم الموت عشرة. فتلك الزيادة محسوبة على الموهوب له، فالعشرة محسوبة بعشرين اعتباراً بوقت الهبة.
__________
(1) عبارة الأصل: في مقدار الدين المخمس الفاضل ...
(2) الواو زيادة من المحقق.(10/353)
وما أطلقناه من وقت الهبة عَنَينا به وقتَ الإقباض؛ إذ به تتم الهبة، والتعويل عليه.
6995- فإن اجتمع في الموهوب زيادةٌ من وجه ونقصانٌ من وجه، قوبل بينهما، كما تقدم في أبواب الدور في العتق.
فلو وهب المريض عبداً قيمته مائة، لا مال له غيره، فأقبضه إياه، فزادت قيمته في يد الموهوب له، فبلغت مائتين، ثم وهب الموهوب له [العبدَ] (1) من الواهب في مرضه، وأقبضه إياه، ثم ماتا، لا مال لهما غيره، ولا دين عليه، فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد محسوبٍ على الموهوب له بنصف شيء، وبقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، وصحت هبةُ الثاني في ثلث الشيء الحاصل معه، فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء يعدل ضعف المحسوب على الموهوب له، والمحسوب عليه نصف شيء، وضعفه شيء، فيكون عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئاً، فبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ كامل شيئاً وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد خمسة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة أولاً في ثلاثة أخماس العبد، قيمتها يوم الهبة ستون درهماً، وبهذا الحساب تُحسب على الموهوب له، وقيمتها يوم الموت مائة وعشرون، وتصح هبة الثاني في ثلثها، وهو أربعون، وبقي مع ورثته ثمانون، ورجع أربعون إلى الواهب الأول، وكان (2) معه خُمسا العبد، وقيمته يوم الموت ثمانون، فإذا زدنا عليها الأربعين، صار مائةً وعشرين، وهي ضعف الستين المحسوبة على الموهوب له الأول.
6996- ولو وهب المريض من مريض وقيمة العبد مائة، فنقصت قيمته في يد الموهوب حتى نقصت إلى خمسين، ثم وهبه الثاني من الأول، قلنا: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وهو محسوب على الموهوب له بشيئين، بقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، ورجع إليه بالهبة الثانية ثلث شيء، فحصل معه عبد إلا ثلثي
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: فكان.(10/354)
شيء، يعدل ضعفَ المحسوب على الموهوب له الأول، وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر يكون عبدٌ كامل يعدل أربعة أشياء، وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أجزاء من أربعةَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة على الموهوب له بستة أجزاء، فبقي مع الواهب الأول أحد عشر جزءاً، ورجع إليه بالهبة الثانية جزء من الأجزاء الثلاثة، فاجتمع معه اثني عشر، وهي ضعف الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6997- مسألة: تقدم نظيرها فنجدد العهد بها في هذا النوع.
لو وهب المريض عبداً قيمته مائة، فمات في يد الموهوب له، ثم مات الواهب. فهذا يخرج على القياس بخلاف المقدم المذكور في موت المعتَق قبل موت المولى، ففي وجهٍ نقول: الهبة جائزة منفذة في جميع العبد؛ لأنه لم يبق حتى يجري فيه الميراث، وهو كهبة الصحيح.
والثاني - أن الهبة باطلة في الجميع؛ لأنها في معنى الوصية، ولا يثبت من الوصية جزءٌ ما لم يثبت الإرث في جزأين.
فإن قلنا: الهبة صحيحة في الجميع، فلا كلام.
وإن قلنا: الهبة باطلة، فقد ذكر الأستاذ تردداً في أن الضمان هل يجب؟ قال: من أصحابنا من قال: لا يجب الضمان؛ فإن يد المتهب ليست يدَ ضمان، فلتكن يدَ أمانة.
ومن أصحابنا من قال: يجب الضمان؛ لأنه قبض لنفسه، فكانت يده كيد المستعير، والأولى أن نقول [عن يد] (1) المستعير: إنها تضمن؛ لأنه قبض ليردّ، وما كان مضمون الرد، كان مضمون القيمة، والمتهب ما قبض ليرد ما اتهب، وليست الهبات من عقود العهد والبياعات.
وهذا الخلاف يجري في كل هبة تجري على الفساد، وقد ذكرنا أصل ذلك في
__________
(1) زيادة من المحقق.(10/355)
الغصوب عند ذكرنا الخلاف في أن المتّهب من الغاصب على جهلٍ هل يستقر الضمان [عليه] (1) ، فإن قلنا: يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ ضمان، وإن قلنا: لا يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ أمانة.
6998- فلو اكتسب العبد ألفاً في يد المتهب، ثم مات العبد ومات الواهب بعده، فنقول: صحت الهبة في شيء منه، وللموهب له عشرة أشياء من كسبه، وليست محسوبةً عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب، وهو ألف درهم إلا عشرة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فالألف اثنا عشر شيئاً، فإنا إذا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء تعدل [شيئين] (2) فكأنا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء شيئان، فالألف اثنا عشرَ شيئاً؛ فإن معنى تمام الألف رد عشرة أشياء، فالشيء إذاً نصفُ سدس المال وهو ثلاثة وثمانون درهماً وثلث، وهذا المقدار خمسةُ أسداس العبد، فنقول: صحت الهبة في خمسة أسداسه، وبطلت في سدسه، فلورثة الواهب سدس كسبه، وهو مائة وستة وستون وثلثان، وهو ضعف ما جازت الهبة فيه، ولا يحسب سدس العبد إلا على ورثة الواهب؛ فإنه مات قبل موت الواهب، فلم يبق للورثة؛ فلهذا لم يدخل العبد في حساب ما تبقى للورثة، ويحسب على الموهوب له بما تلف من وصيته، لأنه تلف في يده.
ومن قال من أصحابنا: تتم الهبة فيه إذا مات قبل موت الواهب، فتكون جميع الأكساب على هذا الوجه للموهوب له، لا حظ فيه لورثة الواهب.
6999- وهذه المسألة بيّنة، ولكنا نزيدها وضوحاً، فنقول: أما الوجه الأخير، فقياسه لائح، فإنا إذا صححنا الهبة في الجميع، لم نحسب من الكسب شيئاً على الموهوب له.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، وهو الأصح الذي قدمنا التفريع عليه، فإن لم يكن كسبٌ، حكمنا ببطلان الهبة في الجميع؛ من جهة أنه لم يَجْرِ في شيء إرثٌ. فإذا كان
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) ساقط من الأصل.(10/356)
كسبٌ كما صورنا، فبقي للواهب تركةٌ، فيجب لأجل بقاء شيء من التركة تصحيحُ شيء من الهبة على ما يقتضيه الحساب، ولا يتبعه فيما تبقى تركة، ولا نظر إلى فوات العين بعد بقاء التركة وماليتها. وهذا واضح.
ولكنا أحببنا التنبيه عليه، ليميز الناظر بين الوجهين.
والذي يجب القطع به في هذا المقام الوجهُ الذي قدمناه، وذكرنا حسابه؛ فإنا إنما نتبع الكسب من غير احتساب به إذا صحح حساب نسبة التركة ملكاً في أصلٍ، وهاهنا إذا صححنا الهبة حيث لا كسب فسببه عدمُ التركة، فضعف هذا الوجه جداً في هذا المقام.
7000- مسألة: في رجوع الهبة إلى الوارث بالميراث:
مريض وهب من أخيه ألف درهم، لا مال له غيره، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب.
فنقول: صحت الهبة في شيء من الألف، وبطلت في الألف إلا شيئاً، ورجع إليه الميراثُ نصفَ الشيء الذي صحت الهبة فيه، فبقي معه ألفٌ إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون ألف يعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الألف، فتصح هبته في خمسي الألف، وهو أربعمائة، وبطلت في ستمائة، ورجع إليه بالميراث نصف الأربعمائة، فيحصل مع ورثته ثمانمائة، وذلك ضعف الأربعمائة التي صحت فيها الهبة.
7001- ولو وهب المريض من أخيه عبداً قيمتُه ألفُ درهم وسلّم، ثم مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف بنتين وأخاه الواهب، ثم مات الواهب ولا مال لهما غيرُ العبد.
فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ثلث ذلك الشيء، فبقي معه عبدٌ إلا ثلثي شيء يعدل شيئين. وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ كامل يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبدُ ثمانية والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أثمانه، فصحت الهبة في ثلاثة أثمان(10/357)
العبد، وبطلت في خمسة أثمانه، ورجع إليه ثلث ما صحت فيه الهبة، فيجتمع معه ستة أثمان العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف امرأة وبنتاً وأخاه، صحت الهبة في شيء، وبطلت في شيئين، وبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ شيئين، وخمسة أثمان شيء، نبسطها أثماناً، ونقلب الاسم، فيكون العبد أحداً وعشرين، والشيء ثمانية، وتصح الهبة في ثمانية أجزاء من أحد وعشرين جزءاً من عبد، وبطلت في ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، ورجع إليه بالميراث ثلاثة أجزاء، فحصل معه ستةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف الثمانية.
هذا قياس الباب.
7002- مسألة: مريض وهب عبداً من أخيه قيمته ألفٌ، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً واحدة وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، وخلف مائتي درهم سوى العبد.
قلنا: صحت هبته في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصفُ شيء، ومعه من التركة مثلُ خمس عبد، فالحاصل معه عبدٌ وخمس عبد إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة عبد وخمس عبد يعدل شيئين ونصف شيء، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخُمس، وهو عشرة، فيكون العبد والخمس اثني عشر، والشيء خمسةً وعشرين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد والخُمس خمسةً وعشرين، [والشيء] (1) اثنا عشر، فتصح هبته في اثني عشر جزءاً من خمسةِ وعشرين جزءاً من العبد وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، وترجع إليه بالميراث ستةُ أجزاء، ومعه من التركة مثلُ خُمس العبد، وذلك خمسة.
فيجتمع معه أربعةٌ وعشرون جزءاً، وهي ضعف الاثني عشر الذي صحت الهبة فيه.
7003- فإن لم يكن له تركة، وكان عليه دينٌ مائتين، قلنا: صحت الهبة في شيء من العبد وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصف شيء، فبقي معه عبدٌ
__________
(1) في الأصل: والثلثي.(10/358)
إلا نصفَ شيء، نقضي منه دينَه، وهو مثلُ خمس عبد، يبقى أربعة أخماس عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون أربعة أخماس عبد تعدل شيئين ونصفاً، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخمس، وهو عشرة، ونقلب الاسمَ فيهما بعد البسط، فيكون العبد خمسةً وعشرين، والشيء ثمانيةً، فتصح هبته في ثمانية أجزاء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة عشرَ جزءاً منه، ويرجع إليه بالميراث نصف الثمانية، فيصير معه أحدٌ وعشرون جزءاً، نقضي منه دينه وهو مثل خمس العبد، [وهو خمسة أجزاء، يبقى ستة عشر] (1) ، وهو ضعف الثمانية الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7004- مسألة: وهب المريض عبداً قيمته ألفُ درهم من أخيه، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وألفاً سوى العبد، فنقول: صحت في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيء، وألفُ درهم، يرجع نصف ذلك إلى الواهب بالميراث، وهو نصف شيء ونصف عبد؛ فإن العبد قيمته ألف، فحصل مع ورثة الواهب عبدٌ ونصفٌ إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين، وإذا جبرنا وقابلنا، فعبد [ونصفٌ] (2) يعدل شيئين ونصفاً فنبسطها [أنصافاً] (3) ونقلب العبارة، فيكون العبد خمسة والشيء ثلاثة.
فإذا صحت الهبةُ في ثلاثة أخماس العبد وقيمته ستُّمائة، يبقى [مع] (4) الواهب خمساه، والقيمة أربعمائة، ويحصل مع الموهوب له ألفٌ وستمائة، يرجع نصفها إلى الواهب بالميراث، فيحصل مع الواهب ألفٌ ومائتان، وهي ضعف الستمائة التي جازت الهبة فيها.
7005- فإن لم يكن للموهوب له تركة، وكان عليه دين مائتي درهم، فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطل في عبدٍ إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له شيء، يقضي منه دينه، وهو مثلُ خُمس العبد، يبقى شيء إلا خُمس عبد، يرجع
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: أيضاً.
(4) في الأصل: من.(10/359)
نصفه بالميراث إلى الواهب، وهو نصف شيء إلا عُشر عبد، فتحصل معه تسعة أعشار عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين.
وبعد الجبر والمقابلة يكون تسعة أعشار عبد في معادلة شيئين ونصف، فنضرب كل واحد منهما في مخرج يكون له نصف وعشر، وهو عشرة، ثم نقلب الاسم بعد البسط، فيكون العبد خمسة وعشرين، والشيء تسعة، فتصح هبته في تسعة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في ستة عشر جزءاً، ويحصل مع الموهوب له تسعة أجزاء يقضي منها دينَه، وهو خمسة أجزاء، تبقى معه أربعة أجزاء، يرجع منها جزءان إلى الواهب بالميراث، فتحصّل معه ثمانيةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف التسعة الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7006- وإن خلف كُّل واحدٍ منهما خَمسمائة درهم سوى العبد، قلنا: صحت الهبة في شيء، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيءٌ ونصف عبد، لأن الخمسَمائة نصف عبد، ويرجع نصف ذلك إلى الواهب، وهو ربع عبد، ونصفُ شيء، وكان مع الواهب عبدٌ إلا شيء ومقدارُ نصف عبد، وهو خَمسُمائة، ويرجع إليه ربع عبد ونصفُ شيء، فمعه عبدٌ وثلاثة أرباع عبد إلا نصفَ [شيء] (1) ، وذلك يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا يكون عبدٌ وثلاثة أرباع عبد تعدل شيئين ونصف شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد عشرة والشيء سبعة، وقد صحت الهبة في سبعة أعشار العبد، وقيمتها سبعُمائة، وحصل مع الموهوب له هذه السبعُمائة، ومعه من التركة خَمسُمائة، فذلك ألفٌ ومائتان، يرجع نصفها، وهو ستُّمائة إلى الواهب، وكان معه من العبد ثَلاثُمائة، ومن التركة خَمسُمائة فيجتمع معه ألفٌ وأربعُمائة، وهي ضعف السبعمائة التي صحت الهبة فيها.
7007- مسألة: إذا كان الزوجان مريضين، ولكل واحد منهما مائة درهم، فوهب كل واحد منهما مائةَ لصاحبه، وأقبضه ثم ماتا، وخلف كل واحد منهم أخاً، نظر،
__________
(1) في الأصل: عبد.(10/360)
فإن ماتت المرأة أولاً، بطلت هبتها للزوج؛ لأنه وارثها، وتنفذ الهبة للمرأة من جهة الزوج. فنقول: نفذت هبة الزوج في شيء من المائة التي كانت له، وورث الزوج عنها نصفَ ذلك الشيء، مع نصف المائة التي كانت لها، فيجتمع لورثة الزوج مائةٌ وخمسون درهماً، إلا نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون مائة وخمسون درهماً، تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والخمسين، وذلك ستون درهماً، فتصح هبة الزوج في ستين، وتبطل في أربعين، وتحصّل في يد المرأة مائة وستون درهماً يرجع نصفها، وهو ثمانون درهماً، [للزوج، فيجتمع له مائةٌ وعشرون] (1) وهو ضعف ما جازت الهبة فيه.
7008- وإن كان الزوج قد مات أولاً، بطلت هبته للمرأة؛ لأنها وارثةٌ له، وتصح هبة المرأة للزوج في شيء من المائة.
فنقول: صحت هبتها في شيء من المائة التي لها، وبطلت الهبة في مائة إلا شيئاً، وورثت المرأة عنه ربع ذلك الشيء، وربع مائةٍ (2) ، واجتمع مع ورثتها مائة وخمسة وعشرون درهماً إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين بعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسة وعشرون درهماً تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء.
وإذا أردنا أن نعرف حصة الشيء الواحد من شيئين وثلاثة أرباع من جملة مائة وخمسة وعشرين، [قسمناها] (3) على أحد عشر، وذلك بأن نبسط الشيئين والثلاثة الأرباع أرباعاً، ثم نقسم مائة وخمسة وعشرين على أحد عشر، فيخص كلَّ واحدٍ أحدَ عشر درهماً وأربعةَ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، هذا حصة [ربع] (4) شيء مما معنا من مائة وخمسة وعشرين، [وحصة الشيء خمسة وأربعون، وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم] (5) فقد صحت هبتها في هذا المقدار، وبقي معها أربعة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: ربع مائة إلا شيئاً.
(3) زيادة من المحقق.
(4) سقط من الأصل.
(5) زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.(10/361)
وخمسون درهماً وستةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، [فاجتمع مع الزوج مائة وخمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً] (1) يكون ربعها للمرأة، وذلك ستة وثلاثون درهماً وأربعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فنزيد ذلك على ما كان قد بقي معها، فيجتمع مع ورثتها تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف ما وهبت.
7009- وإن كانا قد غرقا معاً وعَمِيَ موتُهما، فلا يرث أحدهما الآخر، وينفذ التبرع من الجانبين إذا انقطع التوارث، فإن التبرع منجّزٌ في المرض.
فسبيل الحساب أن نقول: نفذ للمرأة بهبة الزوج شيءٌ نضمه إلى المائة التي لها، فيكون معها مائة وشيء، فينفذ للزوج من هبتها ثلثُ ذلك، وذلك ثلث شيء، وثلاثةٌ ثلاثون درهماً وثلاثة دراهم وثلث، فنضمه إلى ما في يد الزوج، مما بطلت فيه هبتُه، وذلك مائة درهم إلا شيئاً، فيصير معه مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر، يكون مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم يعدل [شيئين] (2) وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان ذلك، وهو خمسون درهماً، فهذا هو الجائز بهبة المرأة، فتصح هبة كل واحد منهما في نصف المائة التي له، ولا يتفاضلان.
ولكن لم نجد بداً من تصحيح الهبة، إذ لا مبطل لها في المقدار الذي ذكرناه.
7010- مسألة: مريض وهب عبداً لا مال له غيرُه من مريض، فأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من المريض الأول وأقبضه، ولا مال له غيره، ثم إن الواهب الأول بعد هبة الثاني أعتق العبد.
قد حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال في هذه المسألة: إنها تصح من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الثاني ربعُ العبد ستة أسهم، ويعتِق من العبد تمامُ الثلث، وهو سهمان، وذلك نصف سدس العبد.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: شيء.(10/362)
ولورثة الواهب الأول ثلثاه.
قال الأستاذ: ذهب حُذاق الأصحاب إلى أن هذا الجواب خطأ، والعتق باطلٌ؛ لأنه بدأ بالهبة قبل العتق؛ فهي مقدمة عليه، والثلث يستغرق الهبة، فكيف ينفذ العتق في شيء من العبد قبل تمام الثلث للموهوب له، وإذا بطل العتق، صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد، ورجع إليه بالهبة الثانية ثمنٌ واحد، فيجتمع مع الورثة ستة أثمانه، وهي ضعف [ما صحت فيه الهبة] (1) .
وإن كان قد أعتقه أولاً، ثم وهبه عَتَقَ ثلثُه، ورق ثلثه للورثة، وبطلت الهبة. وكذلك لو وهبه في مرضه، ثم أوصى به لآخر بعد الإقباض وإتمام الهبة، صحت الهبة من ثلاثة أثمانه، ورجع الثمن إليه بالهبة الثانية، وبطلت الوصية. وهذه المسألة في وضعها على [هذه الصورة خطأ] (2) . وما أراها من وضع الأستاذ.
ونحن ننبه على وجه الخطأ، ونوضح وجه الصواب، ونقول: قد وضعنا المسألة فيه أولاً إذا وُهب العبد وسُلِّم، ثم الموهوب له وَهبَ من الواهب الأول وسلَّم، ثم أعتق الواهب الأول، وإذا تُصوِّرت المسألة بهذه الصورة؛ فلا وجهَ إلا ما قاله ابنُ سريج؛ فإنا نُقدّر كأن العتق لم يكن، فيقتضي الحساب إذا جرت الهبة من الثاني من غير عتق أن تصح هبةُ الأول في ثلاثة أثمان العبد، هذا مقتضى الهبة إن تجردت، فإذا فرضنا عتقاً بعد الهبة [الثانية] (3) ، لم ينقص به حق الموهوب له، ولم ينقص من الثلثين الذي هو حق الورثة، فلا معنى لرد ما يكمل الثلث. وهذا ممَّا لا يتمارى فيه، فليقع فرضُ المسألة في أربعة وعشرين حتى يجتمع فيها حساب الأثمان، وإمكان تعديل الثلث والثلثين، وذلك بضرب ثمانية في ثلاثة، فيخرج في هذا المبلغ ثلاثة أثمانه في الهبة الأولى، وهي تسعةٌ، ثم يرجع بالهبة الثانية
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة قدرناها مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: الثالثة.(10/363)
ثمنٌ، وهو ثلثُ ما صحت [فيه] (1) الهبة الأولى؛ فيحصل في يد الواهب [الأول] (2) ثمانيةَ عشرَ، وقد انفصل نصيب الهبتين، فإذا أعتق، لم يكن له إلا استكمال الثلث، بما [قدّم] (3) وأخر من التبرع، والثلث يكمّل [بسهمين] (4) .
فهذا حظُّ العتق، وقد وفّينا على الهبة حقَّ تقدّمها، فيبقى لورثة الواهب الأول ستةَ عشرَ، وهي الثلثان وقد انحصر التبرعُ هبةً وعتقاً في الثلث. والسببُ فيه أن الموهوب له وهب مما اتهب، فلم يكن له التنقيص من قبلنا.
فإذاً لا وجه لتخطئة ابن سريج في هذه المسألة؛ فالذي قاله الحقُّ إن كانت المسألة
مصورة على هذا الوجه.
وسنذكر مسألة أخرى وننقل فيها الجوابَ وتخطئةَ الأصحاب له، ونوضح فيها أن الصواب التخطئة، وننعطف إذ ذاك على هذه المسألة ونضع لها صورةً تضاهي الصورةَ الثانية، فعند ذلك يعلم الناظر أن الخطأ في هذه المسألة محمول على واضعها.
7011- مسألة: إذا وهب المريض لامرأته مائةَ درهمٍ، لا مال له غيرُها، وأقبضها إياها، وأوصى بثلث ماله لرجل، فماتت المرأة قبل الزوج، ثم مات الزوج.
حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال: الهبة مبدأةٌ مقدمة على الوصية، والحساب يقتضي أن نصحح الهبة في أربعين، كما سنذكره، إن شاء الله تعالى.
ثم إذا صحت الهبةُ في أربعين وماتت، رجع نصفُ الأربعين ميراثاً إلى الزوج، وإنما صحت الوصية لها؛ لأنها خرجت عن كونها وارثةً لمّا ماتت قبل الزوج، ثم تحصل في يد الزوج ثمانون درهماً، قال ابن سريج: يصرف من هذه الثمانين قيمةُ ثلث المائة إلى الوصية، وذلك ثلاثة عشر درهماً وثلث؛ فإنها مع العشرين الباقية لورثة الزوجة بعد نصيب الزوج ثلث المائة.
__________
(1) في الأصل: منه.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: تقدم.
(4) في الأصل: سهمين.(10/364)
قال الأستاذ وغيره من الحذَّاق: هذا الجواب غلط على أصل الشافعي؛ لأن الهبة المقبوضة مقدمة على الوصية، ومحل الوصية الثلث، والهبة قد استغرقت الثلث، وزادت [على] (1) ما يقتضيه الحساب، فوضع الوصية بعد استغراق الثلث باطل، فلتبطل الوصية إذاً، وإذا بطلت قدّرنا كأنها لم تكن، ولو لم تكن الوصية، لكان الحساب للهبة مع جريان الموت أن نقول: صحت الهبة في شيء من المائة، ورجع إلى الزوج نصف ذلك الشيء، فبقي معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون مائة تعدل شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائة، وهو أربعون، فيرجع نصفها إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرون، فيصير مع ورثته ثمانون، وهي ضعف الأربعين.
هذا ما ذكره الأستاذ حاكياً عن ابن سريج ومستدركاً عليه، وللاستدراك على ابن سريج وجهٌ بيّن في هذه المسألة؛ فإنه وهب وأقبض، وعرفنا أن الهبة نافذة في الثلث لا محالة إن لم تزد، فالوصية بعد استغراق محل الوصية مختلفة (2) ، وقول ابن سريج في هذه المسألة ليس ساقطاً إن كان يتحرى الاستدراك عليه؛ فإنه أوصى بثلثٍ مرسل، والاعتبار في الوصايا بمآلها، وقد جرت حالةٌ وهي الموت والتوريث غيرت نسبةَ المال به لبداية بقي معه أربعة أخماسه، فرأى ابن سريج أن نقول: الوصية لا تنزل مزاحمةَ الهبة، ولكنها تتشبث ببقية الثلث اعتماداً على مآل الأمر، فكان هذا كما لو أوصى لرجلٍ بألف درهم، وهو لا يملك شيئاً، أو أوصى بثلث ماله ولا مال له، فإذا استفاد مالاً، نفذت وصيته على المذهب الظاهر، وسنذكر الخلاف [فيه] (3) ، إن شاء الله تعالى.
فإذا وضحت هذه المسألة، وما قيل فيها، فنظير المسألة السابقة فيها أن تهب العبدَ وتسلّمه، ثم تعتقه قبل هبة الثاني، ثم يهب الثاني، فهذا عتقٌ لا يصادف محلاً، إلا أن يُحمل على وقف العتق في بعض الصور، [ولا] (4) يجوز إلا على وجهٍ
__________
(1) عبارة الأصل: وزادت ويقتضيه الحساب.
(2) كذا. والمعنى أن الوصية باطلة بعد فوات محلّها.
(3) في الأصل: الخلاف في قيمة.
(4) في الأصل: "لا يجوز".(10/365)
ضعيفٍ، لا يجوز الاعتداد به، ولا نظن أن ابن سريج في هذا المحل يخالف؛ فإن العتق لا يقع على معنىً، ولا يقبل الإرسال.
فهذا تمام الكلام في هذا الفصل.
7012- نعود إلى مسألة الزوجين، وقد وهب الزوج المائة منها، وسلمها إليها، ثم إن المرأة أوصت بثلث مالها لرجل، فنقول: صحت هبة الرجل في شيء من المائة، وحصل في يد المرأة شيء؛ فصحت وصيتها في ثلث ذلك الشيء، ثم لما ماتت قبل زوجها، رجع إلى الزوج بالميراثِ نصفُ الباقي، فحصل معه مائة إلا ثلثي شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل مائةٌ شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، والوصيةُ تصح في ثمنٍ واحد، ويرجع إلى الزوج بالميراث نصفُ الباقي، وهو ثمن، فتحصل مع ورثته ستةُ أثمان، وهي ضعف الهبة.
وهذه المسألة معتدلةٌ خارجة عن كلام ابن سريج.
7013- مسألة: إذا وهب المريض عبداً له من أخيه قيمته ألف درهم، وأقبضه واكتسب خَمسمائة، ثم مات الموهوب له وخلف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، فحساب المسألة أن نقول: جازت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، ونُتبعه من الكسب مثلَ نصفه، وذلك نصفُ شيء، يبقى لورثة الواهب من العبد عبدٌ إلا شيء، ومن كسبه مثلُ نصف ذلك، وهو نصف عبدٍ إلا نصفُ شيء، ويرجع إليهم بالميراث نصف ما حصل للموهوب له، وكان حصل له شيء ونصفٌ من العبد والكسب، فنصفه ثلاثة أرباع شيء، فيجتمع مع ورثة الواهب [عبدٌ ونصف] (1) إلا ثلاثة أرباع شيء، فإنه كان قبل الميراث في أيديهم عبد ونصف إلا شيئاً ونصفاً، فإذا رجع إليه نصف الشيء، [والنصف] (2) بالميراث، نقص الاستثناء وعاد إلى نصفه؛ فصار الحاصل بعد الميراث عبدٌ ونصفُ عبد إلا ثلاثة أرباع شيء، وذلك يعدل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " فالنصف".(10/366)
ضعف التبرع، وهو شيئان، فإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ ونصف عبد يعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبد أحدَ عشرَ والشيء ستةٌ، فتصحّ الهبة في ستة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من العبد، ويتبعها من كسبه مثلُ نصفها، ثلاثة أجزاء غيرُ محسوبة على الموهوب له، فيجتمع له تسعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، وينبغي أن يكون لورثة الواهب اثنا عشر جزءاً ضعف ما يُعدّ من الهبة أولاً، وقد بقي خمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد بطلت الهبة فيها، ويبقى ما يتبعها من الكسب وهو مثل نصفها، ثم يُرجع الميراثُ نصفَ ما فضل في يد الموهوب له من الرقبة والكسب، والحاصل كان في يده تسعة، ونصفها أربعة ونصف، فإذا ضممناها إلى السبعة والنصف، كان المجموع اثني عشر، وهي ضعف الستة التي نفذت الهبة فيها.
7014- مسألة: وهب المريض من أخيه ألفين، ثم وهب أخوه منه أحدَ الألفين على الشيوع، وهو صحيح، ثم مات قبله -نعني هذا الصحيحَ- ثم خلّف بنتاً وأخاه الواهبَ الأول، فللشافعي قولان في الحصر والشيوع: أحدهما - أن هبة الثاني تصح في جميع ما ملكه بالهبة الأولى، وتنحصر هبتُه فيما ملكه.
على هذا القول تصح هبة الأول في الألف من الألفين، فترجع تلك الألف كلُّها؛ فيصير مع ورثته ألفان، وهما ضعف الألف الموهوبة.
فطريق الحساب أن نقول: جازت هبته في شيء من الألفين، ورجع ذلك الشيء كله إليه؛ لأن الواهب الثاني صحيح، فيكون معه ألفان يعدلان شيئين فالشيء نصف الألفين، وهو ألف.
وعلى هذا القول لا يكون في المسألة ميراث؛ فإن المسألة مفروضة إذا لم يكن للموهوب له مال سوى ما اتّهب، ووهبه.
هذا أحد القولين.
والقول الثاني أن هبة الثاني تصح في نصف ما ملكه بالهبة الأولى؛ فإنه قبض الألفين، فشاعت هبته فيهما، وصادفت ما ملك، وما لم يملك، وهو قد وهب(10/367)
نصفَ الألفين، وطريق الحساب على هذا القول أن نقول: صحت هبة الوارث في شيء، ورجع إليه نصفُ ذلك الشيء بالهبة الثانية، ونصف الباقي بالميراث، فجميع ما يرجع إليه ثلاثة أرباع شيء، فيبقى معه ألفان إلا ربع شيء وذلك يعدل شيئين على القانون المعروف في المعادلة مع الضِّعف.
فبعد الجبر والمقابلة يكون ألفان في معادلة شيئين وربع، فنبسطهما أرباعاً، فيصير الألف أربعةً والشيءُ تسعةً، فنقلب الاسم، فيصير الألفان تسعة والشيء أربعة، فتصح الهبة في أربعة أتساع الألفين، وتبطل في خمسة أتساعها، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالميراث تُسعٌ واحد، فيحصل مع ورثته ثمانية أتساع الألفين، وهو ضعف الأربعة الأتساع التي نفذت الهبة فيها.
7015- والذي يجب التنبيه له في هذه المسألة وأمثالها: أنا إذا وجدنا في أحد الجانبين كسراً، ولم نجد في الجانب الثاني كسراً، وقلنا: نبسط الجانبين ليخرج الكسر، بسطنا جانب الكسر على حق البسط، ونظرنا في الجانب الآخر في الجنس كصنيعنا في الألفين، وتحقيق هذا أنك لو لم تبسط، لقلت: العبارة في معادلة ألفين وربع، والشيء من الشيء يقع أربعة أتساعها، والقلب في مثل هذا المقام عادةٌ لا حقيقة له، فإنك إذا قلت: ألفان في معادلة شيئين وربع، كأنك قلت: هي شيئان وربع.
7016- مسائل: في الهبة مع جريان الوطء من واطىء بشبهة، أو من الواهب الأول، أو من الموهوب له، أو منهما عَوْداً وبدءاً.
فنقول إذا وهب أحدٌ أمةً، ثم وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب، كان المهر كالكسب مقسوماًعلى ما صحت منه الهبة، وعلى ما بطلت الهبة منه، فما يلاقي منه محلَّ صحةِ الهبة لا يكون محسوباً على الموهوب له، وما يلاقي منه ما بطلت الهبةُ فيه يكون محسوباً على ورثة الواهب. والحساب في المهر كالحساب في الكسب. ونحن نرسم المسائل فيه إذا كان الواطىء هو الواهب، أو الموهوب له، أو صدر الوطء منهما.(10/368)
7017- مسألة: إذا وهب أمةً وسلّمها، والواهب مريض، ثم إن الواهب وطئها في يد الموهوب له، [فتستحق المهر، فإن كان مهرها مثلَ قيمتها] (1) ، فيسقط منها شيء آخر، فتبقى أمة إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ الهبة، فنجبر ونقابل، فتعدل الأمة أربعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، فتكون [الأمةُ] (2) أربعةً، والشيء واحداً، والواحد من الأربعة ربعها.
وهذا من القلب الذي لا حاجة إليه؛ فإن الأمة إذا قابلت أربعة أشياء، فالشيء ربعها. وإذا صحت الهبة في ربع الأمة وبطلت في ثلاثة أرباعها، يسقط (3) عن الواطىء ثلاثةُ أرباع مهرها؛ لأن ذلك قسطُ ملكه، وعليه للموهوب له ربعُ مهرها، يُقضى من الأمة؛ إذ لا مال غيرُها، فيبقى مع ورثة الواهب نصف الأمة، وذلك ضعف الربع الموهوب.
فإن كان مهرها مثلُ نصف قيمتها، قلتَ: صحت الهبةُ في شيء منها وتبعه من المهر نصف شيء يبقى له، إلا شيئاً ونصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ ثلاثةَ أشياء ونصف، فنبسطهما أنصافاً، ثم نقلب الاسمَ فتكون الأمة سبعة، والشيءُ اثنين، فتصح الهبة في [سُبعي] (4) الأمة.
وحقيقة هذا القلب أن الأمة إذا قابلت ثلاثة أشياء ونصف، فالشيء يقابل سبعيها لا محالة، ثم يستحق الموهوب له بالمهر مثلَ سبعها، ويبقى لورثة الواهب أربعة أسباعها، وهو ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن كان مهرُها ضعفَ قيمتها، قلنا: صحت الهبةُ في شيء منها، فاستحق الموهوب له بسبب المهر شيئين، فتبقى منها أمةٌ إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعف الهبة، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ خمسةَ أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فتكون الأمة خمسة، والشيء واحداً، وذلك خمسها.
__________
(1) عبارة الأصل: " في يد الموهوب له على الواهب قبله فيسقط " والمثبت تقديرٌ منا.
(2) في الأصل: الأربعة.
(3) في الأصل: ويسقط.
(4) في الأصل: سبع.(10/369)
وقد ذكرنا أن هذا القلب لا حاجة إليه، فتصح الهبة في خمسها، ويستحق الموهوب له مثلَ خمسها، يبقى مع ورثة الواهب خمساها، فذلك ضعف الخمس الموهوب.
7018- مسألة: مريضٌ وهب أَمةً لا مال له غيرُها، وأقبضها، [فوطئها] (1) الموهوب له، ومهر مثلها مثلُ قيمتها.
فنقول: صحت الهبة في شيء، ووجب على الموهوب له مثلُه؛ فينتظم أن نقول: صحت الهبةُ من نصفها، ورجع إلى الواهب [مثل نصفها] (2) ، عند ذلك صارت بكمالها مع ورثة الواهب وهي ضعف نصفها.
وإن كان مهرُها مثلُ نصف قيمتها، قلنا: صحت هبة المريض في شيء، وبطلت في أمة إلا شيئاً، ويستحق الواهب بسبب المهر على الموهوب له مثلَ نصف ما بطلت فيه الهبة، وذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة بطلت في أمةٍ إلا شيئاً، ونصفُ ذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء، ووجود المهر يوجد من مصادفة الوطء، فأبطلت الهبة فيه، وقد ذكرنا أن الوطء لمهر نصف القيمة، فإذاً الجميع مع الواهب أمةٌ ونصفٌ إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر، تكون أمةٌ ونصفٌ يعدل ثلاثةَ أشياء ونصفاً، فنبسطهما أنصافاً، فنقلب الاسم فتكون الأمة سبعة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أسباع الأمة، وتبطل في أربعة أسباعها، ويغرَم الموهوب له من مهرها. مثلَ سُبعي قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستةُ أسباعها، وهو ضعف الثلاثة الأسباع التي صحت الهبة فيه.
7019- مسألة: إذا وهب المريض في مرضه جاريةً، قيمتُها مائة، وعُقرها خمسون، وأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها للواهب الأول في مرضه، ثم ماتا في مرضهما، ولا مال لهما غيرُها.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من الجارية، وهي مائة ويؤدي الموهوب له
__________
(1) في الأصل: فوطىء.
(2) زيادة من المحقق.(10/370)
من ذلك الشيء، مهرَ ما بطلت الهبةُ فيه، وذلك خمسون درهماً إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة الأولى بطلت في جاريةٍ إلا شيئاً، والمهر على مناسبة النصف، فإذا كان الباقي للواهب جاريةً إلا شيئاً، فنسبة المهر على حكم النصف خمسون إلا نصفَ شيء، فيبقى مع الموهوب له شيء ونصف شيء إلا خمسين درهماً.
وتحقيق ذلك أنه كان معه شيء كامل، فأخرج منه خمسين إلا نصفَ شيء، فكأنه أخرج خمسين واسترجع نصفَ شيء، فصار ذلك الاستثناء مضموماً إلى الشيء، فنقول في يد الموهوب له شيء ونصف، ولكن نستثني من الشيء والنصف خمسين كاملة، ورأى الحسابُ هذه العبارة أمثل من أن نقول: في يده شيء إلا خمسين إلا نصفَ شيء.
فهذا تحقيق هذه العبارة.
فنعود ونقول: في يده شيء ونصف إلا خمسين درهماً، وقد وهب ما في يده، فصحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء إلا ستة عشر درهماً وثلثي درهم، وهو ثلث الخمسين، فحصل لورثة الأول مائة درهم، وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً.
وبيان ذلك أنه إذا رجع بسبب المهر ثلاثة وثلاثون درهماً وثلثُ درهم، فإنا على عبارة الجبر قلنا: في يد الموهوب له شيءٌ ونصفٌ لكن نقصانه الخمسين مثبوت عليه، ثم صححنا الهبة في نصف شيء مع ما فيه من الاستثناء، فيبقى على الموهوب له غُرم ثلثي الخمسين، فقد بقي في يده شيء وعليه في ذلك الشيء غُرم ثلاثة وثلاثون وثلث، فاستقام لنا أنه حصل في يد الواهب الأول مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة الأولى منه، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثلاثة وثلاثون وثلث تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء يعدل أربعةً وأربعين درهماً وأربعة أتساع درهم، وذلك مثل أربعة أتساع الجارية، فصحت الهبة في أربعة أتساعها، وبطلت الهبة في خمسة أتساعها، وعلى الثاني خمسة أتساع عُقرها، وذلك مقدار تسعي ونصف تسعها، فيصير مع الواهب الأول سبعةُ أتساع ونصفُ تسع، ويبقى مع الثاني تسعٌ ونصفُ تسع، تصح(10/371)
هبته في ثلث ذلك، وهو نصفُ تسع. ويبقى مع ورثته ضعفُ ذلك، وهو [تُسع] (1) الجارية، ورجع إلى الواهب الأول بالهبة الثانية نصفُ تسع، فيجتمع مع ورثة الواهب الأول ثمانية أتساع الجارية، وهو ضعف ما صحت منه الهبة الأولى.
7020- فإن وطئها (2) الواهب وهي في يد الموهوب له، ثم وطئها الثاني في مرضه (3) ، فنقول: صحت هبة الأول في شيء منها، فلما وطئها الواهب، وجب عليه نصفُ شيء، فصار مع الثاني شيءٌ ونصفُ شيء، ثم صحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء، وبقي لورثته شيء، وحصل لورثة الأول مائةٌ إلا شيئاً تعدل شيئين.
فبعد الجبر يعدل مائةُ درهم ثلاثة أشياء فالشيء ثلثُ المائة، وتصح الهبة الأولى في ثلث الأمة، ويجب على الواهب ثلثُ عُقرها، وذلك مثلُ سدس الرقبة، فيبقى مع ورثة الثاني ثلثُها، وذلك ضعف السدس، فيبقى مع ورثة الأول ثلثاها، وذلك ضعفُ الثلث الموهوب أولاً.
7021- فإن وطئها الواهب الأول بعد الهبة الثانية، فنقول: صحت الهبة الأولى في شيء، فلما وهب الثاني الشيء الأول، لنا أن نقول: صحت هبةُ الثاني في الثلث من الشيء الذي صحت الهبةُ الأولى فيه، وذلك لمكان رجوع شيء من الهبة إليه بسبب وطء الواهب بعد الهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، فلما وهب الثاني الأول، صحت وصيته في الشيء، وبقي مع الواهب الثاني شيء إلا وصية، (وإنما أطلقه الوصية الألفاظ) (4) .
فلو وطئها الأول، وجب عليه شيء من مهرها، وهو حصة ما في يد الثاني بعد تقدير الهبة منها، فنقول: المهر نصف القيمة، وقد بقي في يد الواهب الثاني شيء إلا وصية، فيجب على الواهب الأول الواطىء من المهر [للثاني] (5) نصفُ شيء إلا نصفَ
__________
(1) في الأصل: تسعي.
(2) في الأصل: فإن وطئها إلى الواهب، وهي في يد الموهوب له.
(3) عبارة الأصل: ثم وطئها الثاني في مرضه من الأول، فنقول ...
(4) كذا (انظر صورتها) .
(5) في الأصل: الثاني.(10/372)
وصية، فيحصل مع الثاني شيءٌ ونصفٌ إلا وصيةً ونصفَ وصية.
وبيانه أنه بقي في يد الثاني شيء إلا وصية، ورجع إليه نصف شيء إلا نصفَ وصية، فالمجموع في يده شيءٌ ونصفُ شيء إلا وصية ونصفَ وصية، تعدل وصيتين، ضعفَ ما تبرع الثاني فيه، وكأن تبرعه وصية، فضعفها وصيتان، فنجبر هذا الجانب ونقابل، فيكون شيء ونصف يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما فيكون الشيء سبعة والوصية ثلاثة؛ إذ قد وجد التنصيف من الجانبين: جانب شيء ونصف، ومن جانب ثلاث وصايا ونصف، فقلنا: جانب الشيء أولاً ثلاثة، وجانب الوصية سبعة، ثم قلبنا العبارة والاسم، وقلنا الشيء في جنسه سبعة، والوصية ثلاثة أسباعه، فتصح هبة الثاني في ثلاثة أسباع الشيء، ويجب على الأول عُقرُ أربعة أسباع شيء وهو سبعا شيء؛ فإن العُقرَ نصف القيمة، فيحصل لورثة الثاني ستة أتساع شيء من الأمة وعقرها، وبقي لورثة الأول مائة درهم إلا ستة أسباع شيء، وذلك يعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى. فنجبر ونقابل، فتكون جارية تعدل شيئين وستة أسباع شيء، فنبسطها أسباعاً، ونقلب العبارة فيهما، فتكون الجارية عشرين، والشيءُ سبعةً فتصير هبةُ الأول سبعةَ أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، فبقي مع الأول ثلاثةَ عشرَ جزءاً منها، ويرجع إليه بهبة الثاني ثلاثة أجزاء، فيجتمع معه ستةَ عشرَ جزءاً، ويبقى مع الثاني أربعة أجزاء، فيغرَم الأول [من] (1) عُقرها جزأين، فيحصل لورثة الثاني ستة أجزاء: أربعةٌ من رقبتها وجزءان من العُقر [ويحصل لورثة الأول أربعة عشر جزءاً] (2) وهي ضعف السبعة الأجزاء التي صحت هبته فيها.
7022- فإن وطئها الثاني بعد الهبة الثانية، [نقول:] (3) صحت هبة الأول في شيء من الجارية، ثم وهب الثاني الشيءَ، فلا يجوز أن نقول: صحت هبتُه في ثلث شيء؛ لأنه سيلتزم بالوطء شيئاً، فنقول: صحت هبة الأول في شيء، وصحت بهبة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.
(3) زيادة من عمل المحقق.(10/373)
الثاني وصية في شيء، بقي في يد الثاني شيء إلا وصية؛ فيجتمع للأول مائةُ درهم، ووصية إلا شيئاً، فلما وطئها الثاني، وجب عليه من العُقر ما يصادف ملك الغير، والعبارة عما يلزم أن نقول: يجب عليه خمسون درهماً ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
وبيان ذلك أنه حصل في يد الأول مائة ووصية إلا شيئاً، فيجب على الثاني نصفُ ذلك من حساب العُقر. ونصفُ مائة ووصية إلا شيئاً - خمسون (1) ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
فيأخذ ذلك [مما] (2) في يد الثاني، وهو شيء إلا وصية، فيبقى في يده شيء ونصفُ شيء إلا وصية ونصفُ وصية إلا خمسون درهماً.
وبيان ذلك أنه كان في يده شيء إلا وصية، فأخرجها من خمسين ونصف وصية إلا نصفَ شيء، فكأنا أخرجنا خمسين ووصية، واسترجعنا نصف شيء مما استثنياه في هذا الجانب، على القياس الذي مهدناه؛ فيحصل إذاً شيء ونصفُ شيء إلا وصيةً ونصفَ وصية إلا خمسين درهماً، وهذا يعدل وصيتين ضعفَ ما تبرع به، فإذا جبرنا وقابلنا، صار شيءٌ ونصفٌ إلا خمسين درهماً، يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فالوصية سُبعا ذلك، وهي ثلاثةُ أسباع شيء إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، فاجمع ما في يد الأول، وكان معه مائة درهم إلا شيئاً بسبب بطلان الهبة الأولى فيها، ومعه وصية بسبب هبة الثاني ومعه من العُقر نصفُ وصية وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، فجميع ما في يده مائةٌ وخمسون درهماً ووصيةُ (3) ونصفُ وصية إلا شيئاً ونصفَ شيء، فاجعل مكان الوصية والنصف قيمتَها، وذلك أربعةُ أسباع شيء ونصفُ سبع شيء إلا أحداً وعشرين درهماً وثلاثة أسباع درهم، فيصير معه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم إلا ستة أسباع شيء، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم تعدل شيئين وستة أسباع شيء، وإن أحببنا، قلنا: مائة وسبعا مائة تعدل شيئين وستةَ
__________
(1) خمسون خبر للمبتدأ "ونصف مائة ... ".
(2) في الأصل: ما.
(3) في الأصل: وصية (بدون الواو) .(10/374)
أسباع؛ فإن ثمانية وعشرين وأربعة أسباع سُبعا مائة؛ فإن سبع المائة أربعة عشر وسبعان، فهي في معنى قول القائل جارية وسبعا جارية تعدل شيئين وستة أسباع، فنبسطها أسباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فتكون الجارية عشرين سهماً، والشيءُ تسعة، فتصح هبة الأول في [تسعة] (1) أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، هي ربعها وخمسها.
فنعود ونقول: صحت الهبة في ربع الجارية وخُمسها، وذلك خمسةٌ وأربعون من مائة، وصحت هبة الثاني من الأول في ثلاثة أسباع ذلك إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، وثلاثة أسباع خمسة وأربعين تكون تسعة عشرَ درهماً وسبعي درهم، فأسقط منها أربعةَ عشرَ درهماً وسُبعين، تبقى خمسةُ دراهم، هي هبة الثاني، وذلك [تسع] (2) ما ملكه بالهبة، وكانت الهبة تسعة أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، وصحت هبته في تسعٍ، وذلك جزء واحد، فبقي معه ثمانية أجزاء، وحصل مع الأول اثنا عشر جزءاً، فلما وطئها الثاني وجب عليه مثلُ نصف الحاصل مع الأول، وذلك ستةُ أجزاء، يبقى مع الثاني جزءان، هي ضعفُ هبته؛ لأن هبته جزء واحد، ويحصل مع ورثة الأول ثمانيةَ عشر جزءاً، وهي ضعف التسعة الموهوبة.
7023- ومن لطيف ما جرى في هذه المسألة أن حقنا في الجبران لا يغادر من الاستثناء شيئاً لا نجبره، وقد جبرنا وقابلنا، وأبقينا الاستثناء دراهم، وسبب ذلك أن الدراهم معلومة ونحن إنما [ ... ] (3) نجبر استثناء لجبرها في المجاهيل، كالأشياء التي نقدّرها، ونضعّفها للمعادلات، وهي تقديرات غايتُنا أن تصير إلى معلوم، فإذا وجدنا معلوماً، لم نغيّره، فإنّ ذلك المعلوم مستثنى كذلك، وإن كان [مثبتاً] (4) أجريناه [مثبتاً] (5) كذلك.
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: سبع.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمة. (والعبارة فيها شيء من القلق) .
(4) في الأصل: مبنياً.
(5) في الأصل: مبنياً.(10/375)
7024- فإن وهبها، فأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها الأولَ في مرضه، وأقبضه إياها، فوطئها الأول، ولا مال لهما غيرُها، وقيمتها ثلاثمائة درهم، وعُقرها مائة. فنقول: صحت هبة الأول [في شيء] (1) وبطلت في جارية إلا شيئاً، [فلما] (2) وطئها الثاني، وجب عليه للواهب [عُقرُ ما بطلت] (3) الهبةُ فيه، وذلك مائةٌ إلا ثلث شيء؛ فإن العُقرَ ثلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملةٍ توزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العُقر: مائة إلا ثلثَ شيء؛ فإن العُقر ثُلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملة تَوزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العقر: مائة إلا ثلث شيء، ثم لما وهبه الثاني الشيء، لم نُطلق فيه الثلث لمكان [العِلم] (4) كما تقدم، بل تعيّن. ونقول: لما وهب الثاني الشيء، نفذت وصيتُه بسبب هبته، وهي في يده شيء إلا وصية، فلما وطئها الأول، وجب عليه عُقرُ ما بقي في يد الثاني، وذلك ثلث شيء إلا ثلثَ وصية، فإن نسبتَ العُقرَ تبع (5) التثليثَ في كل طرف. فإذا كان في يد الثاني شيء إلا وصية، فحصته من العُقر ثُلثُ شيء إلا ثلث وصية، فنجمع الآن ما مع الأول: في يده ممّا بطلت الهبة فيه ثَلاثمائة إلا شيئاً، ويرجع إليه بوطء الثاني مائةُ درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء، ومعه أيضاً بسبب هبة الثاني [وصية] (6) فهذا ما معه. وقد غرِم الثاني ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فيبقى في يده بعد حط هذا الغرم وصية وثلث وصية، وهذا الثلث هو الذي استرجعناه مما غرِمه من العُقر؛ فإنه غرِم ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فكأنه غرِم ثلث شيء، واسترجع ثلثَ وصية، وفي يده أربعُمائة درهم إلا شيئاً وثلثي شيء، وكان شيئاً وثلثاً أولاً، فازْداد ثلثَ شيء بسبب غُرمه.
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في الأصل: وإنما.
(3) عبارة الأصل: عقرها فأبطلت.
(4) في الأصل: العدم.
(5) في الأصل: "بيع على التثليث".
(6) في الأصل: وطئية.(10/376)
ثم ننظر إلى ما في يد الثاني، وقد كان معه الشيء الموهوب له، وغرِم له الأول بسبب العُقر ثلثيَ شيء إلا ثلثَ وصية، ووهب هو وصية، وغرِم هو مائةً إلا ثلثَ شيء بسبب العُقر، فبقي معه شيء وثلثا شيء إلا وصية وثلث وصية وإلا مائة درهم.
وسبيل استرجاع الاستثناءين وضم الجنس إلى الجنس ما قدمنا.
وهذا الذي مع الثاني يعدل وصيتين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثلاث وصايا وثلث وصية تعدل شيئاً وثلثي شيء إلا مائة درهم. فالوصية الواحدة تعدل ثلاثة أعشار ذلك إذا بسطت الوصايا أثلاثاً، وذلك نصف شيء إلا ثلاثين درهماً. هذا قيمة الوصية.
وبيانه أن الوصية من ثلاث وصايا وثلث، فإذا كانت ثلاثةَ أعشار شيء وثلثي شيء إلا مائة، فهي تقع مثلَ نصف شيء إلا ثلاثين درهماً، فإنا نبسط الشيء والثُّلُثَين أثلاثاً، فتقع خمسة، ثم نأخذ ثلاثة أعشار الخمسة فتكون واحداً ونصفاً، والواحد والنصف، يقع نصف الشيء، فإن الشيء ثلاثة، ثم نعود، فنبسط المائة على هذه الخمسة، فيقابل الشيء والنصفَ ثلاثين.
فهذا حاصل قوله قيمةُ الوصية نصفُ شيء إلا ثلاثين درهماً.
ثم نعود إلى الذي مع الأول، ومعه أربعُ مائة درهم ووصية وثلث وصية إلا شيئاً وثلثي شيء، فاجعل بدل الوصية والثلث قيمتها، وهو ثلثا شيء إلا أربعين درهماً على التقويم الذي ذكرناه، فيحصل في يده ثلاثمائة وستون درهماً إلا شيئاً تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثَلاثُ مائة وستون درهماً تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثُلثُ ذلك وهو مائة وعشرون، وذلك خمسا الجارية، فنقول: صحت هبة الأول في خمسيها وبطلت في ثلاثة أخماسها، وعلى الثاني ثلاثة أخماس عُقرها وذلك ستون درهماً.
وصحت هبةُ الثاني في وصيته، وهي نصف شيء إلا ثلاثون درهماً، وذلك ثلاثون درهماً، وهو ربع الشيء، فبطلت هبة الثاني في ثلاثة أرباع شيء، ووجب على الأول عُقر ثلاثة أرباع شيء، وهو ثلاثة أعشار الجارية، و [مقداره] (1) من العُقر ثلاثون
__________
(1) في الأصل: مقدار.(10/377)
درهماً، فنجعل ذلك قصاصاً مما استحقه من الوصية من الثاني، يبقى له على الثاني ستون درهماً، نخرجها مما في يد الثاني، وهو مائة وعشرون، يبقى في يد ورثة الثاني خمسُ الجارية، وقيمتها ستون درهماً، وهي ضعف وصيته.
ويحصل لورثة الأول من الجارية وعُقرها مقدارٌ وأربعون درهماً، وذلك أربعة أخماس الجارية، وهي ضعف هبة الأول.
وقد نجز القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها من تصاريف الأحوال.
القول في المسائل الدائرة في المحاباة في البيع والسلَم والإقالة والضمان والكفالة والإقرار والكتابة وعتق المدبر [ ... ] (1) .
7025- المحاباة في البيع هي بيع الشيء بأقلَّ مما يساوي، وقدْرُ المحاباة تبرعٌ [فإن وفَّى] (2) الثلثُ بمقدار المحاباة، نفذ البيع كما وقع، وإن ضاق الثلثُ عن مقدار المحاباة وأجاز الورثةُ، نفذ البيع [بإجازتهم] (3) ؛ تفريعاً على أن إجازتهم تنفيذٌ للوصية، وليس بابتداء عطية.
وعلى هذا القول مسائل الهبة.
وإذا جعلنا إجازةَ الورثة ابتداء عطية، فلا بدّ من فرض هبة، ويخرج الكلام على النظم في أن ردّ الورثة الزائدَ من المحاباة على الثلث [فسخٌ] (4) . فيتصل بذلك طرفٌ من تفريق الصفقة؛ فإنا قد [نردّ] (5) البيع في بعض المبيع، وإذا ارتدّ المبيع في هذا الحكم، فقد اختلف أصحابنا على طريقين، فمنهم من قال: يخرج أصله على قولين في انفساخ البيع أصلاً، وهذا يبتني على ما سبق تمهيده في كتاب البيع.
ومن أصحابنا من قطع القول بأن البيع لا ينفسخ في المقدار الذي لا يضيق الثلث (6)
__________
(1) كلمة تعذر قراءتُها.
(2) في الأصل: كان وفا.
(3) في الأصل: وإجازتهم.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: تردد.
(6) في الأصل: لا يضيق عن الثلث عن احتمال.(10/378)
عن احتمال المحاباة فيه، واستدلّ بأن البيع نفذ على الظاهر، وردُّ بعضه في حكم التدارك.
وهذه الطريقةُ ركيكة؛ فإن البيع في البعض بين أن يبين أنه لم يصح، وبين أن نفرض صحةَ البيع، ثم نقدر انفساخه، وعلى أي وجهٍ قُدِّر، اتجه فيه القولان في تفريق الصفقة، وحُكمنا بالانعقاد ظاهراً لا يزيد على تحققه الحكمُ بانعقاد البيع على عبدين، فإنه إذا تلف أحدُهما قبل القبض [وانفسخ] (1) البيع فيه، خرج قولان في انفساخ العقد في [العبد] (2) القائم.
نعم، لو قيل: إن المختار أن البيع لا ينفسخ فيما يحتمل الثلث محاباته، لكان ذلك قريباً.
فليقع التفريع على أن البيع لا ينفسخ [وحكمه] (3) التفريق، فإذا (4) ضاق الثلث عن احتمال جميع المحاباة، واقتضى الأمرُ التبعيض، ففي كيفية ذلك قولان. ذكرهما الشيخ أبو علي وغيره من نقلة المذهب، وما أراهما منصوصين، ولكنهما مستخرجان من معاني كلام الشافعي، وأوردهما ابن سريج: أحدهما - أن الثَّمنَ المذكور يقابَل بما يساويه من أجزاء العبد من غير تقدير محاباة، ثم يقابَل في القدر الذي يحتمله الثلث من المحاباة، فنجعل ذلك هبةً وراء المقدار المبيع، ولا يسقط من الثمن شيء، ولكنه على مقابلة ما يساويه من البيع، ونضم إليه القدرَ المحتمل من المحاباة هبةً بلا عوض من البيع، حتى إذا باع عبداً يساوي مائتين بمائة -لا مال له غيره- فالمائة تقف في مقابلة نصف العبد.
وقد سلم [للورثة] (5) نصف العبد إذا (6) سلم لهم ثمنه، ثم نقول للورثة: قدّروا
__________
(1) في الأصل: فالفسخ.
(2) في الأصل: في البيع القائم.
(3) في الأصل: لا ينفسخ حكم التفريق ...
(4) في الأصل: إذا.
(5) في الأصل: "الورثة".
(6) (إذا) بمعنى (إذ) . وهي لغة صحيحة فصيحة.(10/379)
كأنه تبرع بنصف العبد، فأجيزوا تبرعه فيما يحتمله الثلث، فيسلّم للمشتري خمسة أسداس العبد بمائةٍ: المبيعُ فيها نصف العبد وثلثُه موهوب، ويبقى للورثة سدس العبد، والثَّمن. والمحاباة مما أخذه المشتري ستة وستون وثلثا درهم، فقد سلم للورثة من الثمن والرقبة [مائة] (1) وثلاثة وثلاثون وثلث، وهو ضعف المحاباة.
هذا قولٌ، وهو ضعيفٌ جداً؛ فإنه يعتبر بوضع البيع وإزالة المقابلة حتى التي تضمنها البيع؛ فإن [الثمن] (2) مقابل في [وضع] (3) البيع بجملة المثمن، فرد جملة الثمن إلى مقابلة بعض المثمّن إنشاء تصرفٍ لم يقتضه البيع، وهذا يضاهي القول المزيّف المذكور في تفريع تفريق الصفقة أجزاءً إذا انفسخ العقد في أحد العبدين؛ فإنه قد قيل: يجيز المشتري البيع إن أراد في العبد القائم بجميع الثمن. والقول المذكور ها هنا أظهر فساداً من ذاك؛ فإنه يشتمل على تقدير هبةٍ لم تجرِ، ضمّاً إلى تغيير البيع عن قضية المقابلة المذكورة فيه، فلا وجه لهذا القول إذاً، ولا عَوْدَ إليه، ولا تفريع عليه.
والقول الثاني -وهو المختار- أنا إذا ردَدْنا من المحاباة شيئاً، فنرد البيعَ في بعض المبيع، ونُسقط قسطاً من الثمن، ويبقى البيعُ في بعض المبيع ببعض الثمن مع المحاباة التي يحتملها الثلث، على ما يخرج من الحساب.
ثم مما يتصل بهذا الأصل أنا إذا رددنا المبيع في مقدارٍ يُخيّر المشتري لا محالة، فإن فسخ العقد، [فلا كلام] (4) وإن أجاز العقدَ، وقد تبعض البيعُ دارت المسألة، فإنه يخرج من المبيع شيء ويعود من الثمن مقدارٌ، فينقص المال بالخروج، وينجبر بعضُ النقصان [بعَوْد] (5) قسط من الثمن.
فهذا مأخذ الفقه.
ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ من المحاباة متصلةً بأموال الربا حتى يجتمع فيها
__________
(1) مزيدة من عمل المحقق.
(2) فى الأصل: البيع.
(3) في الأصل: صنع.
(4) في الأصل: بالكلام.
(5) في الأصل: تعد. والمثبت من هامش الأصل.(10/380)
تعقيدُ الدّور وغموضُ الحكم في محاورة (1) .
ونحن نرسم ما ذكره الأئمة مسائل، ونذكر في كل مسألة طرق الحساب مدونة على الفقه - إن شاء الله تعالى.
7026- مسألة: إذا باع المريض قفيزاً من البر الجيّد يساوي عشرين درهماً بقفيزٍ من الرديء يساوي عشرةَ دراهم لا مال له سواه، ورد الورثةُ ما يزيد على الثلث، والتفريعُ على صحة العقد.
فإن فرّعنا على القول الضعيف في أنه لا يسقط من الثمن شيء بأن نقف جملةَ الثمن في مقابلة ما يساويه من [المثمن] (2) ، فمقتضى هذا القول أن يقع القفيز الرديء في مقابلة نصف القفيز الجيد، ويقع ثلثُ الجيد [موهوباً] (3) .
وهذا هو الربا بعينه، فلا يخرّج هذا القول [في] (4) الربويات أصلاً، ويجب القطع بفساد هذه المعاملة.
ثم إذا لم يصح البيعُ، فلا هبة؛ فإن الهبة إنما تقدر على تقدير نفوذ البيع، حتى كأنها في ضمن البيع.
ومن يُفرّع على هذا القول الضعيف يقول: لو قال المشتري: رددتُ البيعَ، فسلّموا لي مقدار المحاباة هبةً من البيع، فلا يسلّم إليه شيء بالتفريع على القول الصحيح الذي ارتضاه ابن سريج، وهو أن البيع لا يصير موضوعه في انبساط الثمن على المثمن، ويتقدّر البيع على موجب الشيوع ما يشتمل على المقدار الذي يحتمله الثلث من المحاباة.
وعلى هذا لا يؤدي تصحيح البيع إلى الربا، وتفاضل الجيد [و] (5) الرديء في المقدار.
__________
(1) كذا.
(2) في الأصل: الثمن.
(3) في الأصل: مرهوناً.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة لاستقامة الكلام.(10/381)
وحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: جاز البيع في شيء من القفيز الجيد، وبقي مع البائع قفيز إلا شيئاً، ورجع إليه بالعوض شيءٌ قيمته نصف شيء؛ فصار الباقي معه قفيزاً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباةُ (1) هو الذي لم يرجع، وهو شيء.
نجبر ونقابل، فيصير القفيز الجيد في معادلة شيء ونصف، فالشيء الذي صح البيع فيه ثلثا القفيز.
وإن أحببنا قلنا: نبسط الشيء والنصفَ والقفيز أنصافاً، فالشيء ثلاثة، والقفيز اثنان، فنقلب الاسم ونقول: القفيز ثلاثة والشيء اثنان، فقد صح البيع في اثنين [من] (2) ثلاثة وهو القفيز.
وتطَّرِد المسألة [بعد ذلك بطريقة] (3) التقدير والنسبة، وهي أن ننظر كم قدر الثلث من [قدر] (4) المحاباة؟ فإن [كان] (4) الثلث مثلَ المحاباة، فلا شك في نفوذ البيع في الجميع [وكذا] (4) إن كان الثلث أكبر من المحاباة، وإن كان الثلث أقلّ من مقدار المحاباة، فننسب الثلث إلى المحاباة، ونأخذ من النسبة، ونقول: صح البيع من ذلك الجزء من المبيع. فإن كان الثلث نصفَ المحاباة، صح البيع في نصف المبيع، وإن كان ثلث المحاباة، صح البيع في ثلث المبيع. وهذا يطرد في جميع النسب في مسائل المحاباة.
فنقول في هذه المسألة: القفيز الجيد عشرون، فثلث المال ستةٌ وثلثان، والمحاباة عشرة، فالثلث إذا نسب إلى المحاباة، وقع [ثلثيها] (5) ، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد.
__________
(1) عبارة الأصل فيها زيادة وحشوٌ وكلامٌ مقحم -فيما أقدّر- ونصها كالآتي: والمحاباة هو الذي لم يرجع، وهو شيء، وضعفه شيء بالقفيز إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف المحاباة وهو شيء. نجبر ونقابل ... إلخ.
(2) في الأصل: "وثلاثة".
(3) في الأصل: تعدلت طريقة التقدير.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: "ثلثها".(10/382)
7027- طريقة الدينار والدرهم: فنقول: القفيز الجيد دينار ودرهم، فنقول: نجيزُ البيع في درهم، ويرجع بالعوض درهمٌ قيمتُه نصفُ درهم، فحصل معه دينار ونصفُ درهم من جهة المالية والقيمة، حصلت المحاباة نصفُ درهم، ومع ورثة البائع المريض دينار ونصف درهم، يعدل درهماً، وهو ضعف المحاباة، فنلقي نصفَ درهم بنصف درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل نصف درهم، فالدرهم يعدل دينارين، وبان الدرهم ضعفَ الدينار في وضع المسألة، فإنا لما أجزنا البيع في درهم، فقد أجزناه في ثلثي المبيع.
وإن أحببتَ قلتَ: القفيز دينار ودرهم فنجيز البيع، في دينار من الجيد، ورجع نصف دينار من جهة القيمة، فيبقى في يد ورثة البائع نصف دينار ودرهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار، وضعفها دينار.
فإذاً نصف دينار ودرهم (1) يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار [أي] (2) يعدل ديناراً، فنسقط نصف دينار بنصف دينار قصاصاً، فيبقى درهم في معادلة نصف دينار، فالدينار في معادلة درهمين.
فنعود ونقول: القفيز الجيد كان ديناراً ودرهماً، وقد بان أن قيمة الدينار درهمان، فقد نفذ البيع في ثلثي القفيز.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة الخطأين وأطنب في إيرادها، ومن أحاط بما مهدناه، [لم] (3) يحتج إلى الإطناب [بذكرها] (4) .
ثم امتحان المسألة على الطرق لائح، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد، وقيمته ثلاثةَ عشرَ وثلث، ورجع [ثلثا] (5) القفيز الرديء، وقيمته ستة وثلثان، وبقي
__________
(1) عبارة الأصل: فإذا نصف دينار ودرهم وذلك يعدل ضعف المحاباة.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: فلم.
(4) فنذكرها.
(5) في الأصل: ثلث.(10/383)
في يد الورثة من القفيز الجيد ثُلثُه، وقيمته ستة وثلثان، والمحاباة ستة وثلثان. والمال في يد الورثة من القفيز الجيد ومما رجع ثمناً ثلاثةَ عشرَ وثلث، وهي ضعف المحاباة.
7028- ثم ذكر صاحب التقريب هذه المسألة وأفتى فيها بما ذكرنا، وذكر بعد ذلك أن المشتري بالخيار في ردّ البيع، وذكر أن ورثة البائع بالخيار في رد أصل البيع، واعتمد بأن الصفقة قد تبعضت من الجانبين حكماً، فكما [تبعَّض] (1) القفيز الجيد على المشتري تبعّض القفيز الرديء على ورثة البائع، فيثبت الخيار من الجانبين جميعاً.
قال: ويجوز أن يقال: لا يثبت الخيار للمشتري؛ فإن المسألة مفروضة في تبعيض القفيز من الحنطة، وتبعض البر لا يتضمن [تنقيصاً] (2) وإنما [ينتقص] (3) بالتبعض المتقومات، [ومن ثَمَّ لم يثبت الخيار لورثة البائع] (4) .
هذا منتهى كلامه في ذلك.
وقد أجمع أئمة المذهب على تخطئته في الجانبين: أما قولُ ورثة البائع فغلطٌ، لا شك فيه؛ فإنا لو أثبتنا لهم الخيار، لتوصلوا إلى إبطال المحاباة رأساً؛ فإنهم لو فسخوا البيع؛ اندفعت المحاباة بارتفاع البيع، ولا سبيل إلى قلب المحاباة إلى الهبة. والثلث محل تصرّف المريض وموطن حقه، فلا سبيل إلى إبطال حقه. هذا وجه تغليطه في هذا الشق.
وأما ما ذكره من أن المشتري لا يتخير لأن البُرّ لا ينقصه التبعيض، [فهذا غلطٌ] (5) ؛ فإن تبعيض الصفقة من موجبات الخيار في جانب المشتري، سواء تضمّن نقصانَ القيمة أو لم يتضمنه؛ فإن من اشترى عبداً، واطلع على عيبه، يثبت له حق
__________
(1) في الأصل: ينقص.
(2) في الأصل: تبعيضاً.
(3) في الأصل: يتبعض.
(4) عبارة الأصل: "ثم إذا لم يثبت الخيار لورثة البائع. هذا منتهى كلامه".
(5) عبارة الأصل: "فيها غلط كافة".(10/384)
الرد، [وإن] (1) كان العبد معيباً يساوي أضعاف ثمنه المسمّى، فلا حاصل لما ذكره صاحب [التقريب] (2) وليس ما جاء به معدوداً من المذهب.
7029- مسألة أخرى من جنس ما تقدم: باع المريض قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من القفيز الجيد [بما] (3) قيمته ثلث شيء، فحصل في يد ورثة البائع قفيز إلا ثلثي شيء وذلك يعدل ضعف المحاباة، وهي ثلثا شيء، وضعفُها شيء وثلث، فنجبر ونقابل، فيكون قفيزٌ كامل في معادلة شيئين، فالشيء الذي أطلقناه نصفُ القفيز.
فنقول: صح البيع في نصف القفيز الجيد، وتستمر المسألة سديدة على الامتحان.
طريقة التقدير والنسبة: نقول: [لصاحب] (4) القفيز الجيد قَبْل تنفيذ البيع ثلاثون، وثُلثُه عشرة، والمحاباة في البيع عشرون، والثلث نصف المحاباة، فنطلق البيع في نصف القفيز الجيد، ولا خفاء بإجراء الدينار والدرهم والخطأين.
7030- مسألة: باع المريض كُرّاً جيداً قيمته أربعُمائةٍ وعشرة بكُرٍّ رديء قيمته مائةٌ وعشرة، [وللبائع سوى الكُرِّ خمسون درهماً] (5) .
فحساب المسألة بالجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ إلا ربع، وبطل البيع في كُرِّ إلا شيئاً، ورجع من العوض ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
وبيان ذلك أن قيمة الكُر الجيد بالعشرات أحدٌ وأربعون من العشرات، وقيمة الرديء أحدَ عشرَ من العشرات، فتقع النسبة بينهما على هذه النسبة. فهذا معنى قولنا
__________
(1) في الأصل: فإن.
(2) في الأصل: صاحب التلخيص. وهو سبق قلم؛ فلم يسبق له ذكرٌ.
(3) في الأصل: "ما"
(4) في الأصل: "فإن صاحب".
(5) عبارة الأصل فيها تصحيف وتحريف أجهدنا تصويبه ونص عبارته: "والبائع شرى الكر خمسين
درهماً". (تأمل كيف حصل التصحيف) .(10/385)
[ينفذ] (1) البيع في شيء من الجيد، ورجع في [عوضه] (2) ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فبقي في يد ورثة البائع مما لم يصح البيع فيه ومما رجع عوضاً: الكُرّ الجيد إلا [ثلاثين جزءاً] (3) من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكُر الجيد؛ [فالنسبة] (4) بالعشرات أحدٌ وأربعون والخمسون [خمسة] (5) ، فنجمع ونقول: في أيديهم كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكر الجيد -باعتبار القيمة- إلا ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من [شيء] (6) .
وهذا الحاصل ضعفُ المحاباة.
وإذ كان مقدار المحاباة ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فضعفه شيء وتسعةَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
فنجبر ونقابل، فيصير كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين من كُر تعدل شيئين وثمانيةَ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فنبسطهما بأجزاء أحدٍ وأربعين، ونقلب الاسم والعبارة، فيصير [الكرّ] (7) تسعين، والشيء ستةً وأربعين جزءاً من [تسعين] (8) جزءاً من [الكُر] (9) ، وتستمر المسألة قويمة على الامتحان.
وإن اختصرنا، قلنا: يصح البيع في ثلاثةٍ وعشرين جزءاً من خمسةٍ وأربعين جزءاً من الكُر؛ فإن ثلاثة وعشرين من خمسة [وأربعين] (10) مثل ستة وأربعين من تسعين.
ولا حاجة إلى التطويل بالامتحان؛ فإن المسلك واضحٌ.
__________
(1) في الأصل: "يفسد".
(2) في الأصل: "عوض".
(3) في الأصل: "ثلث جزء".
(4) مكان بياض قدر كلمة.
(5) في الأصل: خمسين.
(6) في الأصل: ستين.
(7) في الأصل: الكل.
(8) في الأصل: سبعين.
(9) في الأصل: الكل.
(10) في الأصل: وعشرين.(10/386)
7031- فإن كانت قيمةُ كُرِّ البائع خمسين درهماً، وقيمةُ كرّ المشتري ثلاثون درهماً، وتركة البائع سوى الكر عشرة، فالبيع صحيحٌ في جميع الكُرّ؛ فإن البيع إذا نفذ في الكر الجيد وقيمته خمسون، فيرجع العوض وقيمته ثلاثون، والتركة سوى ذلك عشرة، فالمحاباة عشرون، والمال الحاصل في يد الورثة أربعون، وهو ضعف المحاباة.
وتخريجه على طريقة التقدير والنسبة أن كر البائع خمسون، وله [سواه] (1) عشرة، فالمجموع ستون، وثلثها عشرون، والمحاباة عشرون، فالثلث مثل جميع المحاباة عشرون، فيصح البيعُ في جميع الكُرّ، كما تقدم.
7032- فإن [كان] (2) قيمة كُرّ البائع خمسين، وقيمةُ كرّ المشتري خمسةَ عشرَ، والتركة سوى الكر عشرة، فنقول: صح بيع البائع [في] (3) شيء من الكر، ورجع إليه بالقصاص ما قيمته ثلاثة أعشار شيء، فإن الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ أعشار الخمسين، فتقع النسبة على هذا الوجه في جميع أطراف المسألة.
فإذا كان العوض ثلاثةَ أعشار [المبيع] (4) ، فالمحاباة تقع [بسبعة] (5) أعشار شيء، ويبقى مع الورثة كُرٌّ إلا [سبعة] (6) أعشار شيء، ومعهم من التركة عشرة وهي [عشرا الخمسين] (7) فالحاصل في يد الورثة كُرٌّ وعشران إلا [سبعة] (8) أعشار شيء، وهذا يعدل ضعف المحاباة.
وإذا كانت المحاباة سبعةَ أعشار شيء، فضعفها شيء وأربعة أعشار شيء، فنجبر
__________
(1) في الأصل: شراه.
(2) زيادة. لولا فضل الله علينا ما أدركناها.
(3) في الأصل: " وشيء ".
(4) في الأصل: البيع.
(5) في الأصل: تسعة.
(6) في الأصل: تسعة.
(7) زيادة مكان بياض في الأصل.
(8) في الأصل: تسعة أعشار.(10/387)
ونقابل، فيكون كر وعشرا كرّ يعدل شيئين وعشرَ شيء، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر أحداً وعشرين، والشيء اثنا عشر، فيصح البيع في اثني عشر جزءاً من أحدٍ وعشرين جزءاً من الكُرّ، وذلك [يعدل] (1) أربعةَ أسباع الكُرّ؛ فإن سُبع الأحدَ والعشرين ثلاثة، [فالاثنا عشر] (2) أربعةُ أسباعه؛ فقد نفذ البيع في أربعة أسباع الكر [إلا ربع بأربعة أسباع الكر إلا دور وقيمتها ثلاثة أعشار المبيع من الكر إلا ربع] (3) ، فاجعل الكُرّ عدداً له سُبع وعُشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباع الأجود، وهو أربعون جزءاً من سبعين، ورجع بالعوض ثلاثة أعشار أربعين، وذلك اثنا عشر، فصار قيمة المحاباة ثمانية وعشرين جزءاً، ومع ورثة البائع مما بطل البيع فيه ثلاثون جزءاً، وما رجع من العوض اثنا عشر جزءاً، ومعهم من التركة مثلُ خُمس الكُرّ، وذلك بأجزاء السبعين أربعةَ عشرَ، والحاصل من الجهات كلّها مع الورثة ستة وخمسون جزءاً من سبعين، وذلك كضعف المحاباة إذ المحاباة ثمانيةٌ وعشرون جزءاً.
وتخريج المسألة على طريق التقدير والنسبة أن الثلث من الكُرّ والتركة عشرون، والمحاباة من الكر خمسة وثلاثون؛ فإنه باع الكرّ وقيمتُه خمسون بخمسة عشرَ، فقدر الثلث وهو عشرون من المحاباة أربعة أسباعها، فيصحّ البيع في أربعة أسباع الكُر، كما تقدم من وجه [الجبر] (4) وامتحانه [لائح] (5) .
هذا قياس مسائل الباب.
7033- مسألة: باع المريض كُرّاً من البُرّ، قيمته مائةٌ، بكُرٍّ رديء، قيمتُه خمسون، ومات البائع، وعليه دين عشرون.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) ما بين المعقفين كلام واضح رسماً ونقطاً، ولكنه كما ترى. والمسألة -على أية حال- صحيحةٌ واضحة بدون الوقوف أمام هذا الذي بين المعقفين.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة من المحقق.(10/388)
فنقول: صح البيع في شيء من الكُرّ الجيّد، ورجع بالعوض شيء قيمتُه نصف شيء، فصارت المحاباة نصفَ شيء، و [في يد] (1) ورثة البائع كُرٌّ إلا نصفَ شيء، فنَفُضُّ [.....] (2) ما هو مع الورثة، والدين عشرون، وهي مثل خُمس كُرٍّ، فَنَحُطُّه مما في أيديهم، فتبقى أربعة أخماس كُرّ إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف المحاباة، وهو شيء، فنجبر ونقابل، فيكون أربعةَ أخماس كُرّ يعدل شيئاً ونصفَ شيء، وقد حصل معنا كُرٌّ وخمسٌ ونصف، فنضرب ما في الجانبين في مخرجٍ له نصف وخمس، وذلك عشرة، فيصير الكرّ [ثمانية] (3) ؛ فإن ضرب أربعة أخماس في عشرة [يردّ ثمانية] (4) ، ويصير الشيء [خمسةَ عشرَ] (5) ، فنقلب الاسم فيهما جميعاً، فيكون الكُرّ خمسةَ عشرَ والشيءُ ثمانية، فنقول: صح البيع في ثمانية أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً من كُرّ البائع، [والعوضُ] (6) الراجع من جهة القيمة أربعةُ أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فالمحاباة (7) أربعةُ أجزاء، وبقي [مع] (8) ورثة البائع سبعة أجزاء، [مما] (9) بطل البيع فيه من الكُرّ، وانضم إليه من العوض الراجع أربعة، فالمجموع أحدَ عشرَ، وأنقص
منه الدين، وهو ثلاثة أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فبقي مع الورثة ثمانية هي ضعف المحاباة؛ فإن المحاباة كانت أربعة.
7034- فإن كان للمريض تركة وكان عليه دين، فنقابل التركةَ بالدين، فإن كانا سواء، فكأنه لا تركة ولا دين، وإن كانت التركة أكثرَ من الدين، فنحط مقدار الدين من التركة، ونجعل كأن في المسألة من التركة مقدارَ ما بقي بعد حط الدين ولا دين،
__________
(1) مكانها بياض بالأصل.
(2) بياض بالأصل قدر كلمتين.
(3) في الأصل: ثمنه.
(4) زيادة اقتضاها السياق، مكان بياض بالأصل.
(5) في الأصل: فيصير الشيء اثنا عشر.
(6) في الأصل: والغرض.
(7) في الأصل: بالمحاباة.
(8) في الأصل: من.
(9) في الأصل: "فما بطل البيع فيه من الكر إلا ربع، وانضم إليه ... ".(10/389)
وإن كان مقدارُ الدين أكثرَ، فنحط التركة منه، ونجعل كأن في المسألة من الدين ما بقي، وكأنه لا تركة أصلاً.
7035- مسألة: باع المريض عبداً قيمته [مائة] (1) درهم بخمسين درهماً، فزادت قيمةُ العبد، وبلغت مائتي درهم، ثم مات المريض، [وخلّف] (2) البائع من التركة خمسين درهماً سوى العبدِ وثَمنِه.
فنقول: نفذ البيع في جميع العبد بالخمسين.
وفقه المسألة أن المقدار الذي يصح البيعُ فيه [يقع] (3) في جزء البائع بقيمته يومَ البيع، والزيادة تكون للمشتري غير محسوبة عليه، فنقول على هذه القاعدة: [صح] (4) البيع في عبدٍ قيمته [مائة] (5) بخمسين، فالمحاباة خمسون، وفي يد الورثة خمسون من التركة، [فالعوض] (6) الراجع والتركة مائة، ومقدار المحاباة خمسون، فتقع [المحاباة] (7) ثلثاً من المال، وينفذ البيع لذلك في جميع العبد.
7036- وإن كانت المسألة بحالها، ولم يكن في يد الورثة تركة زائدة سوى العبد وعوضِه، فينفذ البيع في بعضه، ويبطل في بعضه، ثم المقدار الذي ينفذ البيع فيه تُعتبر قيمته بيوم البيع، والزيادة تقع للمشتري غيرَ محسوبة عليه، والمقدار الذي [لا] (8) ينفذ البيع فيه يبقى لورثة البائع، والاعتبار في قيمة الباقي بيوم الموت؛ فإن العبرة في التركة ومقدارِها بيوم الموت؛ إذ التركة ما يتركه المتوفى.
فإذا وضح ذلك، فنقول على القول الصحيح: يصح البيع في شيء من العبد،
__________
(1) في الأصل: مائتا. والمثبت تصويب منا على ضوء شرح المسألة الآتي.
(2) زيادة من المحقق، مكان بياض بالأصل، قدر كلمة.
(3) مكان بياض بالأصل، قدر كلمة.
(4) في الأصل بياض قدر كلمة.
(5) بياض قدر كلمة.
(6) في الأصل: بالعوض.
(7) زيادة من المحقق لاستقامة المعنى.
(8) ساقطة من الأصل.(10/390)
ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، ويرجع من الثمن نصفُ الشيء، فالمحاباة نصف شيء، وقيمة العبد يوم الموت مائتا درهم إلا شيئين؛ فإن الاستثناء يزيد على حسب زيادة المستثنى [منه، و] (1) عليه بقي في يد الورثة عبدٌ يساوي مائتي درهم، وقد نفذ البيع في شيئين منه ورجع من الثمن نصف شيء، فالباقي مائتان إلا شيئاً ونصفاً، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة وهي شيء، فنجبر ونقابل، فتصير مائتان في معادلة شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائتين، وذلك ثمانون درهماً، وهو أربعة أخماس العبد يوم البيع، فنقول: نفذ البيع في أربعة أخماس العبد، وكانت قيمته مائة، فالبيع بهذه النسبة ثمانون، ورجع من [الثمن] (2) أربعون، فالمحاباة أربعون، وبقي في يد الورثة خُمس العبد، وقيمته يوم الموت أربعون، والتركة محسوبة يوم الموت، فالحاصل في أيديهم ثمانون، والمحاباة أربعون، وما حصل من الزيادة في يد المشتري بعد الشراء غيرُ محسوب عليه؛ فإنها زيادة حصلت على ملكه.
هذا تفريعٌ على القول الصحيح، وهو أن الثمن [مفضوض] (3) على المبيع سقط قسطٌ وبقي قسط.
7037- ويتأتّى في هذه الصورة التي فرضناها التفريعُ على القول الضعيف؛ فإنها مُصوَّرةٌ في بيع العبد بالدراهم، فلا [يؤدي إلى] (4) التفريع على الربا، فإذا قلنا: البيع صحيح فيما يصح فيه بجميع الثمن المسمى، فنقول: للمشتري نصفُ العبد بخمسين اعتباراً بقيمة يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته مائة يوم الموت، فنضمها إلى الثمن، فيكون مائة وخمسين، فللمشتري من ذلك شيء بالمحاباة وثبت شيءٌ في مقابلة فَضْل القيمة؛ فإن ذلك الشيء يتبع ما نفذ من التبرع غيرَ محسوب، فقد نفذ التبرع في شيء وتبعه من زيادة القيمة شيء، فبقي مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئين يعدل ضعف التبرع وهو شيئان، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسون في معادلة أربعة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) فى الأصل: الدين.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمة.
(4) مكانها بياض بالأصل.(10/391)
أشياء، فالشيء إذاً ربع المائة [والخمسين] (1) ، وذلك سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصفُ درهم. وهذا هو النافذ من المتبرع، نأخذها من [قيمة] (2) العبد، وهو ثلاثة أثمان العبد يوم اشتراه، وله النصف، [بالثمن] (3) فيحصل (4) له بالثَّمن والمحاباة جميعاً سبعةُ أثمان العبد، ولورثة البائع ثمنُ العبد مع الثَّمن الذي أَجَره (5) ومبلغها يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، وهو ضعف المحاباة والتبرع، وهو سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصف.
وهذه الزيادة التي فرضناها لا فرق بين أن تكون الزيادة في البدن تُثبت مزيدَ القيمة، وبين أن تكون زيادة في سعر السوق، من غير مزيدٍ في البدن، فالتفريع لا يختلف والزيادة مفروضةٌ قبل موت [البائع] (6) مع بقائها يوم الموت.
7038-[فإن] (7) حدثت الزيادة بعد موت البائع، فهي حادثة في ملك الورثة، وملك المشتري، ولا تزيد بسبب تلك الزيادة التركة [و] (8) ما استحقه المتوفى وخلّفه على ورثته، فنجعل كأن الزيادة لم تكن، ولا يُعتد بها لا في حصة المشتري، ولا فيما يبقى للورثة. وجرى الترتيب كما تقدم فيه إذا لم يحدث زيادةٌ ولا نقصان، فعلى قولٍ نسلم خمسة أسداس العبد بتمام الثمن [والمحاباة] (9) للمشتري.
وعلى القول الصحيح البيعُ في ثلثي العبد بثلثي الثمن، كما تقدم ذكره.
7039- ولو لم تزد القيمة بل نقصت وهو في يد المشتري، فكانت القيمة مائة، ورجعت إلى خمسين، ومات المريض البائع والقيمةُ ناقصة، كما ذكرناها، فالحساب
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة مكان بياض بالأصل.
(3) في الأصل: فالثمن.
(4) في الأصل: يحصل.
(5) أجره: أي أثابه، فهي بمعنى أدّاه.
(6) في الأصل: البيع.
(7) تقدير من المحقق، مكان بياض بالأصل.
(8) زيادة من المحقق.
(9) إضافة من المحقق لا يستقيم الكلام بدونها.(10/392)
على قولنا: أن البيع ينفذ بجميع الثمن أن نقول (1) : كان للمشتري نصف العبد بالخمسين درهماً ونحن نضم نصفه الآخر إلى الثمن الحاصل في يد البائع، ونصفه بعد النقصان خمسةٌ وعشرون، فالثمن والنصف يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، فللمشتري من ذلك بسبب المحاباة شيء محسوب عليه بشيئين، وهذا مبني على القاعدة التي ذكرناها من كون النقصان محسوباً على المتبرع عليه، تبقى لورثة البائع خمسةٌ وسبعون درهماً إلا شيئاً، تعدل ضعف المحسوب عليه، والمحسوب عليه شيئان، وضعفهما أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير خمسة وسبعون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء يعدل خمسةَ عشرَ درهماً، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت؛ فإن قيمة العبد خمسون درهماً، وعُشْره خمسة. هذا هو المسلم للمشتري بسبب المحاباة، فإذا ضممنا المحاباة إلى ما قابل تمام الثمن، كان المبلغ أربعة أخماس العبد؛ فإن النصف سلّم بالثمن، وهو يوم الموت خمسةٌ وعشرون، وانضم إليه خمسةَ عشرَ، فالمجموع أربعة أخماس العبد، فقد قام ما يساوي أربعين يوم الموت عليه بخمسين، وهذا خسران. وإن كان البيع في وضعٍ على المحاباة. وهذا احتساب النقص على المشتري.
7040- وإذا فرعنا على القول الثاني وهو أن البيع يصح في مقدارٍ [من] (2) العبد بقسطٍ من الثمن، فسبيل الحساب فيه أن نقول: يصح البيع في شيء من العبد بنصف شي؛ من الثمن أولاً، ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، وقيمته يوم الموت خمسون درهماً إلا نصف شيء، قيمةُ ما بقي وبطل البيع فيه.
وإنما كان كذلك، لأنه كان الباقي مائة إلا شيئاً، ولما نقص نصفه، كان الاستثناء
على نسبة النقصان، فبقي خمسون إلا نصفَ شيء، فنضم إلى الثاني ما كان حصل من
الثمن، وهو نصف شيء، فنجبر بهذا الثمن ما كان في الخمسين من الاستثناء، وقد
كان خمسين إلا نصفَ شيء، فإذا ضممنا إليه الثمنَ، وهو نصفُ شيء، صارت
__________
(1) في الأصل: أن لم نقول.
(2) في الأصل: في.(10/393)
خمسين كاملة، وهي تعدل ضعف المحاباة وهي شيء، فالشيء إذاً خمسون درهماً، وهو نصف العبد يوم الشراء، وهو الذي [بيع] (1) . فنقول: صح البيع في نصف العبد بنصف الثمن، وهو خمسة وعشرون، فالمحاباة خمسة وعشرون، وللورثة نصف العبد ونصف الثمن، ومبلغها يوم الموت خمسون، وهي ضعف المحاباة.
فهذا بيان نقصان القيمة في يد المشتري قبل موت المريض البائع.
7041- فأما إذا [حصل] (2) النقصان بعد موت السيد، فنحن [نبين] (3) في مقدمته قاعدةً، وهي أن العبد إذا نقص قبل موت البائع، فالنقص في المقدار المبيع محسوبٌ عليه، كما ذكرناه، [وأوضحنا حسابه والنقص الذي يخص الجزء] (4) الذي بطل البيع فيه لا يكون مضموناً على المشتري.
هكذا ذكره الأستاذ وغيره من الأصحاب؛ فإن ذلك الجزء ليس مبيعاً في حقه، وليس هو قابضه على سبيل العدوان أيضاً، وليس قابضه لمنفعة نفسه أيضاً، فهو أمانة في يده: لو تلف العبد في يده، لم [يلزمه] (5) ضمان في مقابلة [ما بطل] (6) البيع فيه.
وهذا الذي ذكر ظاهر، ولكن فيه احتمالٌ؛ من جهة أن من يشتري شيئاً من مريض فقد قبضه مبيعاً، ولو برأ المريض [واستبلّ] (7) ، لكان البيع لازماً في جميع العبد، فقبض جميعه على اعتقاد كونه مبيعاً، فلا يمتنع أن يقال: يدُه يدُ ضمان فيما ليس بمبيع.
والدليل عليه أن من اشترى شراءً فاسداً وقبضه، فيده يدُ ضمان؛ لأنه قبضه معتقداً
__________
(1) في الأصل: البيع.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) زيادة من المحقق مكان بياضٍ قدر كلمة.
(4) عبارة الأصل هكذا: "وأوضحنا حساب فالنقص الذي نحو الجزء" فانظر أيَّ عناءٍ لقيناه، كي نقيم العبارة. (5) في الأصل: يلزم.
(6) في الأصل: فأبطل.
(7) في الأصل: واستقلّ، ولا معنى لها. واستبلّ بمعنى برأ وعوفي من مرضه. وهذا اللفظ (استبلَّ) واردٌ مستعمل في كلام إمام الحرمين في غير هذا الكتاب.(10/394)
كونه مبيعاً، وهذا المعنى يتحقق في جميع ما اشتراه وقبضه، فالقبض في الموضعين بإذن المالك، ولا عدوان، بل هذا في المقبوض على الفساد أوضح؛ فإن التسليم في البيع الفاسد جرى في مطلق التصرف، والمريض ليس مطلقاً في حقوق الورثة.
فإن قلنا: يد المشتري يد أمانة في المقدار الذي ليس مبيعاً، فطريق الحساب ما تقدم.
وإن قلنا: إنه يضمن النقصان، فيختلف مسلك الحساب، ويصير المشتري غارماً لمقداره مع الثمن. وهذا [في] (1) نقصانٍ يتعلق [ببدن] (2) العبد.
فأما نقصان السوق، فهو محسوب على المشتري، كما ذكرناه، ولا يكون نقصان السوق مضموناً باليد؛ إذ لو كانت العين باقيةً قائمةً، [لا يسقط الخيار] (3) ، فليقع الفرض في نقصان السوق حتى سموه (4) الحساب كما قدمناه من غير تخيل خلاف.
فهذا ما لم نجد بُداً من ذكره.
7042- ومما نذكره أن الأستاذ قال: إذا نقص المبيع في يد المشتري، فإن كان نقصان عينٍ، بطريان (5) عيبٍ، فلا يبقى له خيارٌ بسبب تبعّض الصفقة عليه. وهذا ينزله منزلة ما لو اشترى عبداً، واطّلع على عيبٍ قديمٍ، وقد حدث في يده عيبٌ حادث، فالعيب الحادث يمنعه من الرد بالعيب القديم، ولو كان ذلك النقصان بسبب السوق، لم يمتنع بسببه الردُّ عليه بعلة تفرّق الصفقة؛ فإن نقصان السوق غيرُ مضمون في عهد (6) البيع، وإن [حدث] (7) نقصان السوق والعيب، فإنهما جميعاً محسوبان على المشتري فيما يتعلق بحساب المبيع ومقداره، وما ذكره في إثبات الخيار عند
__________
(1) في الأصل: من.
(2) في الأصل: ببدل.
(3) زيادة من المحقق، نرجو أن تكون صواباً.
(4) كذا.
(5) في الأصل: فطريان.
(6) كذا. ولعلها: عُهْدة.
(7) في الأصل: اشترى.(10/395)
نقصان السوق صحيحٌ لا شك فيه، وما ذكره من أن العيب الحادث يمنع الرد ببعض الصفقة، فالقول فيه كالقول في العيب القديم مع العيب الحادث، وقد ذكرتُ تفصيلَ المذهب فيه في كتاب البيع.
7043- ثم ظاهر كلام الأستاذ (1) أن العيب والنقصان بعد الموت في يد المشتري بمثابة النقصان قبل موت البائع، وهذا يتضمن أن يكون مقدار المبيع في هذه الصورة كمقدار المبيع إذا [كان] (2) النقصان قبل الموت. وهذا إن أراده وقصده خطأٌ؛ فإن القيمة إذا كانت تامة يوم الموت، فقد حصلت التركة على القيمة التامة، وقرار التبرع وحساب الثلث والثلثين يكون يوم الموت؛ فينبغي أن ينفذ البيع على القول الصحيح في ثلثي العبد نظراً إلى قيمة يوم الموت، وليس كما لو نقصت القيمة قبل الموت؛ فإن الاعتبار في مقدار التركة بيوم الموت وكانت القيمة ناقصةً يوم الموت، فنقص مقدار المبيع بسبب نقصان التركة يوم الموت. وإذا كانت القيمة كاملة يوم الموت، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثر في تنقيص مقدار المبيع، سيّما إذا كان النقصان [بسعر السوق] (3) ، ولم يفترض في المسألة إمكان تضمين المشتري نقصانَ ما لم يصح البيع فيه.
هذا تمام القول في ذلك.
7044- ومما يتعلق بالغرض فيه أنه لو باع عبداً قيمتُه مائة بخمسين، ثم لم يسلّمه إلى المشتري حتى رجعت القيمة إلى الخمسين، فالبيع [نافذٌ] (4) في الجميع، والمحاباة [زائلة] (5) وقد بان آخراً أنه باع الشيء بثمن مثله؛ فإنه لم يسلّمه حتى تحقق النقصان في يده، وإنما يتم التبرع بالتسليم.
هكذا ذكره الأستاذ. وقال في استتمام الكلام: لو [رَجَعت] (6) قيمة العبد إلى
__________
(1) تذكّر أن المراد بالأستاذ هنا أبو منصور البغدادي.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) مكان كلمة غير مقروءة (أنظر صورتها في القائمة في آخر الكتاب) .
(4) في الأصل: فاسد.
(5) في الأصل: قابلة.
(6) في الأصل: جمعت.(10/396)
خمسة وسبعين، فالبيع نافذ في الجميع أيضاً؛ فإن التبرع خمسةٌ وعشرون، [وذلك هو الثلث الذي للمريض التبرع به] (1) .
والذي ذكره فيه نظر على الفقيه؛ فإن التبرع [الواقع] (2) بالمحاباة لا يتوقف تمامه [ونفوذه] (3) على التسليم؛ فلا ينبغي أن يكون بين حدوث النقصان في يد البائع المريض، وبين حدوثه في يد المشتري فرق، وما يقع من نقصان يجب أن يكون محسوباً على المشتري، ويجب [أن] (4) يكون الاعتبار في القاعدة التي نبني عليها خروجُ مقدار المبيع على يوم زوال الملك إلى المشتري، وذلك لا يختلف بالقبض وعدمه [فليتأمل] (5) الناظر ما نجريه في ذلك؛ فإنه محل النظر، ولا وجه لما ذكره الأستاذ عندنا، والله أعلم.
7045- مسألة: إذا اشترى المريض عبداً قيمته عشرة بثلاثين، لا مال له غيرَ الثلاثين، فالمحاباة في جانب الشراء بمثابة المحاباة في جانب البيع.
وتقريب القول فيه أن المشتري مزيلٌ ملكه عن الثمن، كما أن البائع مزيلٌ ملكه عن المبيع، والكلامُ في الجانبين جميعاً على وتيرةٍ واحدةٍ.
والذي [نذكرهُ] (6) أنه إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمة العبد في يده، وصارت قيمته عشرون، فالعشرة الزائدة قبل موت المشتري في قيمة العبد زائدةٌ في تركة المشتري، [ويزيد ثُلثه وينزعه] (7) ، فنضم العشرة الزائدة إلى الثلاثين، فتصير التركةُ أربعين، وثلثها ثلاثةَ عشرَ وثلث.
فنقول: للبائع ثلث هذا المقدار، فنجيز قدرها من المحاباة على ما يقتضيه
__________
(1) مكان بياض بالأصل. (وانظر صورة الكلمة قبل البياض وبعده) .
(2) في الأصل: الواقف.
(3) في الأصل: "منفوذه".
(4) في الأصل: ألا يكون. وهو عكس المعنى المقصود. والله أعلم.
(5) في الأصل: فيتأمل.
(6) في الأصل: نذكر.
(7) كذا ما بين المعقفين. والكلام مستقيم بدونه.(10/397)
الحساب، فإن رضي البائع بهذا، ردّ من الثمن ستةً وثُلثين؛ فإن المحاباة لهما تجوز على قدر الثلث.
فإن أراد الفسخ لتبعيض الصفقة، فله ذلك، ويسترد العبد زائداً.
وإن صارت قيمةُ العبد ثلاثين درهماً، ضممنا ما زاد، وهو عشرون إلى الثلاثين الذي جعله ثمناً، وأخرجنا ثُلثَه، فيكون ستةَ عشرَ وثُلثي درهم، فعلى هذا القدر [تجوز] (1) المحاباة، فإن رضي البائع به، فذاك، ويردّ ثلاثةَ دراهم وثلثاً [من] (2) قيمة العشرين، فالمحاباة [الواقعة] (3) عشرون. وإن (4) [شاء] (5) فسخ العقدَ، فاسترد العبد زائداً، وهذا [خيرٌ] (6) له وأولى به.
وإن صارت قيمة العبد أربعين، فقد زاد ثلاثون، فنضمها إلى الثلاثين الذي كان [في ملكه] (7) وثلث المبلغ عشرون، والمحاباة عشرون، فينفذ البيع في جميع العبد بجميع الثمن؛ نظراً إلى مقدار التركة حالة موت المشتري.
ثم لا فرق بين أن تحدث الزيادة في يد المشتري أو في يد البائع، فهي حادثة في ملك المشتري، والأمر على ما ذكرناه.
7046- ولو اشترى عبداً قيمته عشرة كما تقدم بثلاثين درهماً، لا مال له غيره، ثم نقصت قيمةُ العبد [سِتةً] (8) ، ورجع [ما في] (9) يد المشتري إلى أربعة، فقد كانت تركته ثلاثين، والآن نقصت تركته ستة دراهم، فكأنه خلّف أربعةً وعشرين، وثلثُها ثمانية، فيقال للبائع: تتقيد المحاباة؛ فتقع على قدر الثلث، وهو ثمانية. فإن رضي
__________
(1) في الأصل: "فعلى هذا القدر لما.... المحاباة" مع بياض قدر كلمة مكان النقط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) الواقعة: أي الكائنة في عقد هذا البيع. وهي ساقطة من الأصل.
(4) في الأصل: فإن.
(5) مكان بياض قدر كلمتين.
(6) في الأصل: ضبط.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) ساقطة من الأصل.
(9) زيادة اقتضاها السياق.(10/398)
البائع بذلك، فلا كلام. وإن أبى، فله فسخ البيع ويُرَدُّ العبد ناقصاً، وَيرُدّ تمامَ الثمن، ولا ضمان على المشتري؛ فإن البائع كان بالخيار، وليس يخفى ذلك، وهو مما تناهينا في [تقريره] (1) في كتاب البيع.
7047- وإن أحببنا، اعتبرنا طريقَ الحساب تذكيراً وتجديداً للعهد وإن [كان] (2) مسلكه واضحاً، فنذكر الحساب في الزيادة والنقصان، فنقول:
إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمته وبلغت عشرين، والتفريع على أن البيع يصح في البعض ببعض من الثمن، فيصح البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، فيكون المحاباة شيئين، ويبقى من الثمن ثلاثون درهماً إلا ثلاثةَ أشياء، فنضم إليه المشترَى من العبد، وقد كان شيئاً، فصار شيئين، وإذا ضممنا ذلك إلى الثمن، جبرنا ما كان فيه من استثناء، وقد كان [فيه] (3) استثناء ثلاثة أشياء، فإذا ضممنا إليه شيئين، رجع إلى واحد، فمعنا ثلاثون درهماً ناقصٌ شيئاً، وذلك يعدل ضعفَ، المحاباة، وكان المحاباة شيئين، وضعفها أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء ستة دراهم، وهي خُمس الثلاثين، وهي ثلاثة أخماس العبد، فنقول: صح البيع في ثلاثة أخماس العبد، بثلاثة أخماس الثمن، وهي ثمانية عشر درهماً، فيكون المحاباة اثني عشر درهماً، ولورثة المشتري ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها يوم الموت اثنا عشر درهماً، مع [خمسي] (4) الثمن، وقيمتها اثنا عشر درهماً، فالمبلغ أربعة وعشرون، وهو ضعف المحاباة.
هذا مسلك الحساب في الزيادة إذا وقع التفريع على قول انبساط الثمن.
7048- ونذكر صورةً على هذا القول في النقصان، فنقول: اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين درهماً وهو مريضٌ، لا مال له سوى الثلاثين، فنقص العبد في يد المريض، ورجع إلى خمسةٍ، فالنقصان مضمون على المشتري، كما تقدم ذكره.
__________
(1) في الأصل: تقديره.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: منه.
(4) في الأصل: خمس.(10/399)
فنقول: جاز البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، وبطل العقد في عبد إلا شيئاً، فقد نقصت قيمته، فكأنا نقول: عشرة إلا شيئاً، والآن هو خمسة إلا نصف شيء، فننقص النقصان من التركة؛ لأنه إذا كان محسوباً على المشتري، فهو كدينٍ يُقضى، فيبقى مع الورثة خمسة وعشرون درهماً إلا شيئين ونصفاً.
وبيان ذلك على هذه القاعدة أنه كان معهم ثلاثون إلا ثلاثة أشياء، فالآن نحطُ منها خمسة إلا نصفَ شيء، فيكون الباقي خمسة وعشرين درهماً إلا شيئين ونصفَ شيء، فنضم ذلك إلى المشترَى من العبد، وقد كان المشترَى شيئاً من العبد، ورجع إلى نصف شيء، فحصل للورثة خمسةٌ وعشرون درهماً إلا شيئين في معادلة ضعف المحاباة، فكانت المحاباة شيئين، وضعف المحاباة أربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة تكون خمسة وعشرين درهماً في معادلة ستة أشياء، فالشيء سُدُس خمسة وعشرين، وذلك ربع العبد وسدس العبد؛ فإن سدس الخمسة والعشرين أربعة وسدس، والأربعة والسدس، ربع العشرة التي كانت قيمة العبد وسدسها؛ فإن ربعها درهمان ونصف، وسدسها درهمٌ وثلثان، وذلك خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من العبد، فقد نفذ البيع في هذا القدر منه.
7049- وإذا كنا نحتاج إلى أن نبين مقدار الثمن وعَوْد الثمن مع التفاوت في القلة والكثرة على نسبة الجزء الذي نفذ البيع فيه من العبد، فالوجه أن نقول: العبد عشرة قسمناها اثني عشر جزءاً لننسبَ إليها خمسةَ أجزاء، فالثمن ثلاثون، فنجعل كل عشرة اثني عشر جزءاً، ومجرى التبيين على هذه النسبة، فيصير الثلاثون ستة وثلاثين جزءاً، فينفذ البيع في خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من عشرة من العبد بخمسةَ عشرَ جزءاً من (1) ستة وثلاثين جزءاً من ثلاثين درهماً من الثمن. ويبقى أحدٌ وعشرون جزءاً، وقد بطل البيع في سبعة أجزاء من العبد، ورجعت قيمتها إلى ثلاثة أجزاء ونصف جزء، فأخرج ما نقص من أحدٍ وعشرين جزءاً، فيبقى من الدراهم سبعةَ عشر جزءاً ونصف، فنزيد عليها الشيء المشترى وهو خمسة أجزاء، وقد رجعت قيمتها إلى
__________
(1) عبارة الأصل: بخمسة عشر جزءاً من العبد من ستة وثلاثين جزءاً من ثلاثين درهماً.(10/400)
جزأين ونصف، فيجتمع لهم عشرون جزءاً، ضعف المحاباة.
هذا سياق الحساب.
7050- والمسألة معدّلةٌ على الفقه والفتوى، وقد استرسل الأستاذ فيها، وطرد الحساب، كما ذكرناه، وقوله في هذه المسألة مناقض لما قدمنا ذكره حكاية عنه، وذلك أنه قال في هذه المسألة: العبد المبيع إذا صح البيع في شيء منه، بطل (1) في عبدٍ إلا شيئاً، ثم قال: إذا نقص العبد، ورجعت قيمته إلى خمسة، فهذا النقصان مضمون على المشتري؛ فإن البيع لم يصح فيه، وقد تقدم أن النقصان فيما لا يصح البيع فيه غير مضمون على المشتري، وهو أمانة في يده، وقد أوضحنا الردَّ عليه في ذلك، ثم جاء بنقيض ما قدّمه في هذه المسألة، وضمَّن المشتري النقصان فيما لا يصح البيع فيه. ولفظه في هذه المسألة: "أنه كالدين يُقضى مما في يده".
وهذا سديد لكن في المسألة خلل من وجهٍ آخر، وهو أنه لم يفرق بين نقصان السوق ونقصان العين، ونحن على قطعٍ نعلم أن نقصان السوق غيرُ مضمون؛ فإن الغاصب لا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين، فلا تستقيم هذه المسألة حتى نفرض النقصان بسبب يرجع إلى [ذات وعين] (2) العبد لا إلى السوق.
7051- مسألة أوردها صاحب التلخيص [للمبتدىء] (3) في نظره، وهي مقومة على قاعدة الفقه والحساب، قال الشيخ أبو علي: المسائل المتقدمة كالتوطئة [و] (4) التمهيد لقاعدةٍ، وغرضُ المسألة نذكره مرسلاً، ثم نفصّله، ونبين حسابه، وقد ذكرنا أن المريض إذا باع كُرّاً يساوي عشرين بكُرٍّ يساوي عشرة، والتفريع على قول التقسيط؛ إذ لا يصح البيع في الربويات إلا على هذا القول، فالبيع يصح في ثلثي الكُر الأرفع، فإذا باع كُرّاً يساوي ثلاثين بكُرٍّ يساوي عشرة، فالبيع يصح في نصف الكُرّ الأرفع،
__________
(1) في الأصل: "وبطل".
(2) مكان بياضٍ وطرف الكلمة الأولى. هكذا [دا ... ] .
(3) في الأصل: "المبتدىء".
(4) زيادة اقتضاها السياق.(10/401)
فيختلف ما ينفذ البيع فيه باختلاف قيمة الأرفع والأَدْونِ، وهذا معلوم يبتدره الفهم ابتداراً كلياً، إلى أن نطّلع على تفصيله.
فلو باع المريض كراً جيداً بكرّ رديء، واستوفى الرديء، وأكله، أو أتلفه، وردّ الورثةُ التبرعَ الزائد على الثلث، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ [الجيد] (1) ، ولا فرق بين أن تكون قيمة الكُرّ الأرفع ضعف قيمة الأدون، وبين أن تكون ثلاثة أمثالِه، أو أكثر فصاعداً، فلا ينفذ البيع إذا أتلف صاحبُ الأجود الثمنَ الأدْون [إلا] (2) في ثلث الكر الجيد.
هكذا قال صاحب التلخيص.
واتفق الفقهاء والحُسّاب على مطابقته، وهو بدعٌ قبل تدبُّره؛ فإن الجزء الذي ينفذ البيع فيه لا يختلف مع اختلاف القيم، وهو ثلث زائد.
وقد ذكر الأستاذ ذلك، وأوضحه باعتبارٍ لا يخرج إلى الجبر، ولا إلى طريق [يتفصَّى عنه] (3) ، وأوضح ما أراده في مسألتين ليقيس القايس على قياسه فيهما.
فإذا باع كُرَّاً قيمته عشرون بكُرٍّ قيمته عشرة، واستوفى الكُرَّ الرديء، وأتلفه، فنطلق ونقول: صح البيع في ثلث الكرّ الجيد، وقيمته ستة وثلثان، بثلث الكر الرديء، وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة ثلاثةٌ وثلث، وفي يد صاحب الكر الجيد ثلثا الكر الجيد، فيؤدي منه عِوَض ثلثي الكُرّ الرديء، فإنا أذهبنا ثلثاً من الكر الجيد بثلث من الكرّ الرديء، وقيمة ثلثي الكر الجيد ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثٌ، وقيمة ثلثي الكر الردي ستةٌ وثلثان، فنحط ستةً وثُلثين من ثلاثةَ عشرَ وثلثٍ، فيبقى ستة وثلثان في يد ورثة بائع الكر الجيد.، وهذا ضعف المحاباة. والشرط أن يبقى في يد الورثة ضعفُ المحاباة بعد قضاء الدين.
فهذا تقويم المسألة إذا كان الكُرّ الجيد بعشرين والكُرّ الرديء بعَشَرة.
__________
(1) في الأصل: الكُرّ الذي يجيد.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم المعنى بدونها.
(3) في الأصل: يقتضي منه. والمثبت تقدير منا. والمعنى ينفصل عنه، ويتخلص منه (معجم) .(10/402)
7052- فأما إذا كان الكُرّ الجيد قيمتُه ثلاثون والكُر الرديء قيمته عَشَرة، فنقول: إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديءَ، وأتلفه، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ الجيد، كما قدمناه في المسألة، وطريق الاعتبار فيها أن نقول: قيمةُ ثلث الكُرّ الجيد عَشَرة، فإذا نفذ البيع فيه ورجع ثلث الكُرّ الرديء عِوضاً وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة من ستة وثُلثَيْن، وقد بقي في يد ورثة بائع الكر الجيد ما يساوى عشرين وهو ثلث الكر الجيد، لكن البائع أتلف الكُرّ الرديء، فذهب ثلثه عوضاً بالثلث وبقي عليه قيمةُ الثُلُثَيْن، وقيمة ثلثي الكر الرديء ستة وثلثان، فنحط ذلك من العشرين، فيبقي في يد ورثة بائع الجيد ثلاثةَ عشرَ وثلثُ، وهي ضعف المحاباة في الثلث: ستةٌ وثلثان.
وهذا يجري على الطرد، مع اختلاف الأقدار، إذا كان المبيع يتبعض ولا يخرج جيمعه.
واكتفى الأستاذ بالاعتبار (1) الذي ذكره.
7053- وأجرى الشيخ أبو علي طريقَ الحساب في المسألة، فنشير إلى أصولها، فنقول: إذا باع كُرّاً جيّداً قيمتُه عشرون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، واستوفى بائعُ الجيد الرديءَ وأتلفه.
[فطريقة] (2) التقدير والنسبة أن نقول: أخذ عشرة فننقصها مما معه، وهو الكُرّ الجيد، فيبقى عشرة، وإنما نقصنا العشرة لأنه استحقَّ بعضَها، وأتلف بعضَها، فنقول: العشرة بالعشرة، فيبقى عشرة، وقد جاء بالعشرة، فنجعل كأن كلّ ماله عشرة، ومن تبرع بكل ماله، نفذ تبرعه في الثلث، فثلث العشرة ثلث ماله، وهو بالإضافة إلى المحاباة ثلث المحاباة، فنقول: نفذ البيع في ثلث العشرة على قاعدة التقدير والنسبة.
7054- طريقة الجبر: أن نقول: كُرٌّ قيمته عشرون، صح البيع في شيء منه،
__________
(1) في الأصل: باعتبار. والمعنى: بالتقدير الذي ذكره.
(2) في الأصل: وطريقة.(10/403)
ورجع نصف شيء، فيبقى عشرون درهماً ناقصةً نصفَ (1) شيء، وعلى المريض عشرة استحق بعضها، وأتلف بعضَها، والعشرةُ محسوبةٌ عليه، فنحط ذلك مما معه، فيبقى عشرة غيرَ نصف شيء يَعدل شيئاً مثلي المحاباة، فنجبر ونقابل، ونقول بعد الجبر والمقابلة: عشرة تعدل شيئاً ونصفاً، وإذا كانت العشرة تعدل شيئاً ونصفاً، فالعشرون تعدل ثلاثة أشياء، وقد قلنا؛ نفذ البيع من العشرين في شيء، فليكن ذلك الشيء ثلث العشرين، [واستدّ] (2) قولنا: البيع ينفذ في ثلث الكر الجيد.
7055- طريقة الدينار والدرهم: أن نقول: القفيز (3) الجيد دينار ودرهم، فنقول: صح البيع في الدينار، ورجع نصفه، وإذا جعلنا الكر الجيد ديناراً ودرهماً، فالرديء نصف دينار ونصف درهم، بقي من الجيد درهم ونصف دينار، وهو ما عاد من العوض، وقد فوّت العشرة، كما قدمنا، والعشرة نصف دينار ونصف درهم، ننقُصها مما في يد الورثة فيبقى في يدهم نصفُ درهم يعدل مثلي المحاباة، وهو دينار؛ فإن المحاباة نصفُ دينار، فنقول: إذا كان نصف درهم يعدل ديناراً، ودرهم كامل يعدل دينارين، فعرفنا أن الدينار الذي أطلقناه كان نصف درهم، وهو على
التحقيق ثلثُ القفيز.
7056- طريقة الخطأين: نقدّر القفيزَ الجيد خمسةَ أسهم إن أردنا، ويجب (4) البيع في سهم من الخمسة ويرجع نصفُ سهمٍ، فيبقى في يد الورثة أربعةُ أسهم ونصفٌ، فيقضي منها العشرة تقديراً، وهي سهمان ونصف، فإنها نصف الجيد، فيبقى في يد الورثة سهمان، وحاجتنا إلى سهم واحد؛ فإن المحاباة نصف سهم، والخطأ في زيادة سهم، فنحفظ هذا.
ثم نرجع ونجيزُ البيع في سهمٍ وثلث، فيرجع مثل نصفه، وهو ثلثا سهم، فيبقى
__________
(1) في الأصل: ونصف شيء.
(2) في الأصل: "واستمرّ" والمثبت تقدير منا؛ بناء على المعهود من ألفاظ الإمام، (واستدّ أي
استقام) كما سبق تفسيره مراراً من قبل.
(3) القفيز: بمعنى الكُرّ.
(4) يجب: أي يتمّ ويصح.(10/404)
في يد الورثة سهمٌ وخمسةُ أسداس سهم والحاجة إلى سهم وثلث، والخطأ بزيادة نصف، وكان الخطأ الأول سهماً، فلما زدنا ثلثَ سهم، ذهب نصف الخطأ، فلعلنا أنا لو زدنا ثلثاً آخر [وأجيز] (1) البيع في سهم وثُلُثَين، لذهب كل الخطأ، والسهم والثلثان ثلث الخمسة، وقد بان الغرض بهذا القدر.
ولكنا نسلك طرق الحساب؛ فإن الضرورة قد تُحوج [إليها] (2) في المضايق، فنقول: المال الأول وهو خمسةٌ مضروبٌ في الخطأ الثاني، وهو نصف سهم، فيرد سهمين ونصفاً، ونضرب المال الثاني، وهو خمسة في الخطأ الأول وهو سهمٌ، فيرد خمسةً، فنطرح الأقل من الأكثر؛ فإن الخطأين زائدان، يبقى سهمان ونصف، ونحن نحتاج إلى النصف والثلث جميعاً، فنبسطه على مخرج السدس، لنجد فيه النصف والثلث، فيبلغ خمسة عشر، فهو الكُرّ الجيد، وهذا من ضرب اثنين ونصف في ستة.
وإذا أردنا أن نعرف النصيب الذي ينفذ البيع فيه، فنأخذ النصيب الأول، وهو سهم، فنضربه في الخطأ الثاني وهو نصف سهم، فيرد نصفَ سهم، ونأخذ النصيب الثاني وهو سهم وثلث، ونضربه في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد سهماً وثلثاً، فنطرح الأقلَّ من الأكثر، فيبقى خمسةُ أسداس، فنبسطها أسداساً، كما بسطنا أصل المال، فيصير خمسةَ آحادٍ، فالبيع ينفذ في خمسةٍ من خمسةَ عشرَ، وهو الثلث، ولو اردتَ ألا نبسط ونبقي لذكر اثنين ونصف، لكان النصف الخارج وهو خمسة أسداس ثلثها، ولكنا بسطنا للإيضاح.
وقد يقول بعضُ الحُساب: الخطأ الأول سهمٌ والمال خمسة، فنحفظهما، ثم نضعّف المالَ فيصير عشرة، [ونجيز البيعَ] (3) في سهم، ويرجع نصفُ سهم، ويحصل في أيديهم تسعةُ أسهم ونصفٌ، ثم نقضي منه الكُرَّ الرديء، وهو خمسة؛
__________
(1) في الأصل: كلمة غير ذات معنى رسمت هكذا: واوحروا. (انظر صورتها في قائمة الكلمات المصورة) .
(2) في الأصل: إلينا.
(3) في الأصل: ونجبر المبيع.(10/405)
فإن الجيد إذا كان عشرة، [كان] (1) التفاضُل بالضعف، فيكون كذلك، فتبقى أربعةٌ ونصفٌ، وحاجتنا إلى سهم واحد، فقد غلطنا بثلاثة ونصف، فنضرب المال الأول في الخطأ الثاني، وهو ثلاثة ونصف، فيردّ علينا سبعةَ عشرَ ونصفاً، ونضرب المال الثاني وهو عشرة في الخطأ الأول، وهو سهم فيردّ عشرة، فنطرح الأقل من الأكثر فتبقى سبعة ونصف، فنضربها في مخرج النصف، فيصير خمسةَ عشرَ. وهو المال.
ثم الأَوْلى أن نقول: نحطّ الخطأ الأول من الثاني فيبقى سهمان ونصف، فنضربه في مخرج النصف، فيرد خمسةً، فهو النصيب. وللحُسّاب طرق في البسط والقبض، والطريقة المرضية في الخطأين إن أردت البسط أن تسلك المسلك الذي ذكرناه في الدور والوصايا، ولا تزيد على قواعد الحُسّاب، وكلما اختصرتَ وقربتَ، كان أولى.
7057- ولو طردت الطرق في بيع كُرٍّ جيد قيمته ثلاثون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، وقد استوفى صاحب الجيد الرديءَ وأتلفه [فذلك] (2) على المنهاج المقدم، فلا معنى لإعادتها على البسط.
ونذكر على الإيجاز طريق التقدير والنسبة، وطريق الجبر.
أما طريقة التقدير، فنقول: القفيز الجيد يساوي ثلاثين، وقد أتلف الرديء، وقيمته عشرة، فنحطه من الجيد، فيبقى من الجيد عشرون، وكان لا مال له غيره، وقد حابا بالعشرين، فنأخذ ثلثَ العشرين، فإن المال المُثلَّث ما بعد الدين، والأثلاث (3) ، وثلثُ العشرين ستة وثلثان. هذا ثلث المال، وهو ثلث المحاباة، فنسبة الثلث من المحاباة بالثلث، فالبيع نافذ في ثلث القفيز الجيد.
طريقة الجبر: أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ الجيد، ورجع ثلث شيء عوضاً، فالحاصل (4) ثلاثون إلا ثلثي شيء، فنحط من هذا المبلغ قيمةَ الرديء؛
__________
(1) في الأصل: إذا كان عشرة تفاضل الضعف.
(2) في الأصل: "كذلك".
(3) كذا. مقحمةٌ يستقيم الكلام بدونها.
(4) في الأصل: والحاصل.(10/406)
فإنها مستهلكة، فتبقى عشرون إلا ثلثي شيء [تعدل مثلي] (1) المحاباة وهو شيءٌ وثلث، فنجبر ونقابل، فيصير عشرون في معادلة [شيئين] (2) ، فالشيء عشرة، فنرجع ونقول: الشيء الذي صح البيع فيه عشرة من ثلاثين، فيقع ثلثَها.
وعلى هذا النسق تخرج الطرق المستعملة.
7058- وكل ما ذكرناه فيه إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديء، وأكله، وأتلفه. فأما إذا استوفى صاحب الرديء الكُرَّ الجيد وأكله وأتلفه، ومات ولا مال له سوى الكُرّ الرديء، فقد قال الأستاذ: يجوز البيع في نصف الكُرّ في الحال.
ونذكر صورتين: إحداهما - أن تكون قيمة الكُرّ الجيد عشرون، والثانية أن تكون قيمته ثلاثون، وقيمة الرديء في المسألتين عشرة.
فإن كانت قيمة الكُر الجيد عشرين، فقد قال الأستاذ: نحكم بنفوذ البيع في نصف الجيد في الحال بنصف الكُرّ الرديء، والوجهُ فيه أن البيع ينفذ في نصفٍ قيمتُه عشرة، ويرجع في [ ... ] (3) نصفٍ من الكر الرديء، وقيمته خمسة، فتقع المحاباة في خمسة، والنصف الآخر من الكُر الرديء في يد بائع الكر الجيد يأخذه من الدَّين الذي له على مُتلف الكُرّ الجيد، فيحصل في أيدي [ورثة البائع] (4) عشرة، والمحاباة خمسة، فتقع التركة ضعف المحاباة.
فإن نجّز متلفُ الكر الجيد شيئاً مما عليه، نفذ البيع على النسبة التي ذكرناها، فلا تجوز المحاباة في شيء حتى يحصل في يد الورثة ضعفُه.
وهذا الجواب مستقيم، والأمر يجري على [النسبة] (5) .
فالذي نحققه تنفيذ البيع في نصف الكر الجيد، كما ذكرنا بيان هذه الصورة.
__________
(1) في الأصل: بعد ثلثي المحاباة.
(2) في الأصل: شيء.
(3) بياض قدر كلمة بالأصل.
(4) قدرناها مكان بياضٍ بالأصل.
(5) بياض بالأصل.(10/407)
7059- أما الصورة الثانية، وهي إذا كان قيمة الكر الجيد ثلاثين وقيمة الرديء عشرة، فقد قال الأستاذ: [ينفذ] (1) البيع من الكر الذي قيمته ثلاثون في نصفه، والمحاباة ثُلُثه، وهو خمسةُ دراهم، وقد حصل لورثة بائع الكر الجيد الكرُّ الرديء وقيمته عشرة، وهي ضعفُ الخمسة التي قدرناها محاباة، وبقي في ذمة المشتري خمسةَ عشرَ درهماً، كلما حصل منها شيء، جازت المحاباة في مثل ثُلُثة.
هذا كلامه، وليس فيه غلطٌ من ناسخٍ؛ فإنا تصفحنا [نُسخاً] (2) صحيحةً، فألفيناه كذلك، والذي ذكره في المسألة الثانية غلطٌ صريح لا يُشك فيه، والوجه أن نوضّح ما ذكره ليُفهم وجهُه، ثم نتبعه [بذكر ما نراه] (3) .
قال رحمه الله: يصح البيع في نصف الكر الجيد وقيمته خمسةَ عشرَ، وتبقى على المتلف خمسةَ عشرَ، وفي يد ورثة صاحب الكُر الجيد الكرُّ الرديء، وقيمته عشرة، والمحاباة في جميع الكر الجيد بعشرين، وهذه النسبة تقتضي أن تكون المحاباة في النصف الذي نفذ البيع فيه بعشرة، فقال الأستاذ: نقدر المحاباة في هذا النصف بخمسة، لتكون قيمة الكُرّ الرديء ضعفها، وتحتسب بقدر المحاباة في الباقي.
7060- وهذا قول مَنْ لا اهتمام له بالفقه، وإنما يحتكم بالحساب على [ما ... ] (4) .
وتحقيق هذا أن المسألة مفروضة في كُر يقابله كُر، وهما مالان سواء، فلا يتصور الحكم بنفوذ البيع في نصفه من الكُرّ الجيد إلا بنصفٍ من الكر الرديء؛ فإن الكل إذا قابل الكل، قابل النصفُ النصفَ، وإذا وقع النصف من الكر الرديء، في مقابلة النصف من الكر الجيد، وقيمةُ النصف الرديء خمسة، فيقع بيع نصف الجيد بخمسة، فتكون العشرة محاباة لامحالة، فكيف يمكن تغيير هذا التقدير،
__________
(1) ساقطة من الأصل
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) زيادة من المحقق.
(4) كذا بالأصل. ولعلها: على ما يثبته الفقه.(10/408)
والمقابلات في الربويات محتومة، لا محيص عنها، ولهذا لا يجري منها إلا قول التقسيط والانبساط، فإذاً الحكم بتصحيح البيع في النصف زللٌ، لا يتمارى فيه، والدليل عليه أنه لو لم يَجْرِ إتلافُ الجيّد، لكان لا ينفذ البيع إلا في نصف الكر الجيد، إذا كانت قيمته ثلاثة أمثال الكر الرديء، فكيف يسوغ أن ينفذ البيع مع إتلاف الكرّ الجيد في مقابلة المقدار الذي ينفذ فيه البيع لو كان الكر الجيد قائماً، وأمكن استرداد ما يقع البيع فيه؟
والذي يوضح ذلك إيضاحاً جُمليّاً أن الكر الجيد إذا [كان] (1) ضعف الكر الرديء، ولا إتلاف، فالبيع ينفذ في ثلثي الكر الجيد. ثم إذا جرى الإتلاف، لم ينفذ إلا في نصفه، فلمَ اختلف المقداران في الكر الذي قيمته عشرون ولم يختلفا في الكر الذي قيمته ثلاثون؟ فالوجه أن نقول: ننظر إلى ما في يد بائع الكر الجيد، وينفذ من البيع في الكر الجيد مقدارُ ما تقع المحاباة فيه على النسبة الصحيحة، مثل نصف ما في يد صاحب الكر الجيد، وقد وقع الأمر كذلك في المسألة الأولى، وليس في يد صاحب الكر الجيد أو في يد ورثته في المسألة الثانية إلا الكر الرديء، وقيمته عشرة، ولو نفذ البيع في نصف الكر الجيد، لكانت المحاباة في الصفقة عشرة، فنعلم أنا لو نفذنا البيع في ربع الكر الجيد، لكانت المحاباة خمسة، فينفذ البيع في هذا المقدار.
ونقول: صح البيع في ربع الكر الجيد، وقيمته سبعةٌ ونصفٌ، بربع الكر الرديء، وقيمته درهمان ونصف، فالمحاباة خمسة، وفي يد ورثة صاحب الكر الجيد عشرة، وهي ضعف المحاباة، ونحن في جميع ما نجريه لا ننفِّذ بيعاً ناجزاً تعويلاً على دَيْنٍ في [الذمة] (2) ، وإنما نعوّل على المال العتيد الحاضر.
7061- ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ متصلة بإتلاف الكرّ الرديء، وقد ذكرنا أن صاحب الكر الجيد إذا أتلف الكر الرديء، فالبيع ينفذ في الثلث من الجيد، كيف فرضت المقادير، وقد فرض المسائل في إتلاف تغيير (3) الكر الرديء، [إذا
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) كذا. والكلام مستقيم بدونها.(10/409)
كان] (1) صاحبُ الكر الجيد البائعَ [وصاحب الكرّ] (3) الآخر المشتري، فإذا [أتلف] (3) البائع نصفَ القفيز الرديء، فالفتوى أن البيع يصح في ربع الكر الجيد وسدسه، ويبطل في الباقي.
وبيانه بطريق التقدير والنسبة: أنا فرضنا هذه المسألة فيه إذا كان قيمة الجيد ثلاثين، وقد أتلف نصفَ الكر الرديء، وقيمته خمسة، فذلك مضمون عليه، لا بد وأن يُقضى من ماله، فنحطه من الكُر الجيد، فيبقى منه خمسةٌ وعشرون، وثلثُ ذلك ثمانيةٌ وثلث، وهو حابى في البيع بعشرين درهماً، وثمانيةٌ وثلثٌ، من جملة العشرين ربعها وسدسها، فيجوز البيع في ذلك القدر من القفيز.
وإن أردت مزيدَ بسطٍ، فاجعل القفيز اثني عشر، ليكون له ربع وسدس، وجوّز البيعَ في خمسةٍ منها (2) بمثل ثلثها من الثمن، ولا ثلث للخمسة، فاضرب اثني عشر في مخرج الثلث، فيصير ستة وثلاثين، فيجوز البيع في خمسةَ عشرَ [بمثل] (3) ثلثها، وهو خمسة، فتكون العَشَرة محاباة، [واقضِ] (4) قيمة ما أتلف، وذلك مثل سدس هذا الجيد، تبقى عشرون، وهو مثلا المحاباة.
7062- طريقة الجبر أن تُجِيز البيع من القفيز الجيد في شيء، واجعل الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم إلا ثلثي شيء، فنقضي منه الدين، وهو نصف سهم؛ فإن الكر الرديء كان سهماً بالنسبة إلى الكر الجيد، وقد أتلف البائع نصفَ الكر الرديء، فتبقى سهمان ونصفُ سهم إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل ضعف المحاباة، والمحاباة ثلثي شيء، وضعفها شيءٌ وثُلث. ثم نجبر ونقابل، فيصير سهمان ونصف في معادلة شيئين، فنبسط ما في الجانبين على مخرج النصف في الثلث؛ لأنه دخل في حسابنا النصف والثلث، وذلك ستة، فإذا بسطت ما في الجانبين على مخرج السدس، يصير السهمان والنصف خمسةَ عشرَ، والشيئان اثني عشر، فنقلب الاسم على البسط، فيصير كل
__________
(1) الكلمات بين المعقفين في المواضع الثلاثة تقديرٌ منا، مكان بياض بالأصل.
(2) الخمسة هنا ربعٌ وسدس (3+2) .
(3) في الأصل: مثل.
(4) في الأصل: وأقصى.(10/410)
[سهم] (1) اثني عشر، والشيء [خمسةَ عشرَ] (2) ، وقد [قدّرْنا] (3) الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم، فصارت ستة وثلاثين والشيءَ الذي جوزنا البيع فيه خمسةَ عشرَ، فقد جاز البيعُ في خمسةَ عشرَ من ستةٍ وثلاثين من الكر الجيد، وهذا يقع ربعاً وسدساً، فإن ربع الستة والثلاثين تسعةٌ، وسدسها ستة.
7063- طريقة الدينار والدرهم أن نجعل الكر الجيد ديناراً ودرهماً، ونجوّز البيعَ في الدينار بمثل ثُلُثه، فيخرج دينار، ويعود ثُلث دينار (4) ، فيبقى درهم وثلث دينار، نقضي منه الدين، وهو سدس دينار وسدس درهم؛ فإن الكر الجيد إذا كان ديناراً ودرهماً، فالكر الرديء ثُلُث دينار وثُلُث درهم، [ونصفه] (5) سدس دينار وسدس درهم، فبقي مع ورثة بائع الكر الجيد سدس دينار وخمسة أسداس درهم، تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة ثلثا دينار، وضعفه دينار وثلث، فنجعل [سُدس دينار] (6) قصاصاً بمثله، تبقى خمسة أسداس درهم تعدل ديناراً وسُدسَ دينار، فنبسط الدينار والدرهم أسداساً، فيصير الدينار والسدس سبعة وخمسة أسداس درهم، فنقلب العبارة ونجعل الدينار خمسة والدرهمَ سبعة، فنعلم أن البيع جاز في خمسةٍ من اثني عشر من القفيز، وبطل في الباقي وهو سبعة.
7064- ولو أتلف صاحبُ الكر الجيد ثُلثَ الكر الرديء أو ربعه أو ما يتفق، فتخرج المسائل مختلفةُ الأعداد بالطرق القويمة التي ذكرناها، فلم نُطوّل بذكرها.
7065- مسألة: في المحاباة بالبيع والإقالة، ونفرضها في الربويات، حتى لا يجري فيها إلا القولُ الصحيح، وهو قول التقسيط.
فنقول: إذا باع مريضٌ قفيزاً من البُرّ الجيد من مريضٍ بقفيزٍ من البر الرديء، ثم
__________
(1) في الأصل: كل اسم.
(2) في الأصل: خمسة وعشرون.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) عبارة الأصل: فيخرج دينار، ويعود ثلثه، ويعود ثلث دينار.
(5) في الأصل: ونصف.
(6) عبارة الأصل: "فنجعل ثلث سدس قصاصاً". والمثبت تقدير منا.(10/411)
استقال البيعَ، فأقاله البائع [ ... ] (1) يتبعه، والمشتري لما أقاله، فقد حاباه بإقالته (2) ، فإنه يردّ الكر الجيد، ويسترد الكر الرديء، ثم المحاباة تدور على البائع المقيل (3) . والمسألة سهلةُ المُدرك على من أحكم الأصول، ولكن قد يرتاع منها المبتدىء لاستدارة المحاباة من كل جانب على الجانب الآخر.
7066- فنقول: إذا باع المريض كُراً يساوي عشرين بكُر رديء يساوي عشرة، والمشتري مريض، [فأقاله] (4) في مرضه، فإن أبطلنا البيع بالتفريق، ولا مال [لهما] (5) غير الكرّين، وقد ردّ الورثةُ الزائد على الثلث، فلا بيع ولا إقالة.
وإن صححنا البيع، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: [قيمة] (6) الكر الجيد درهمان؛ حتى تنتظم لنا عبارة في [تفاضل] (7) الكُرّين، ونضع الكرَّ الرديء درهماً، و [نفرض] (8) صاحب الجيد بائعاً، وصاحب الرديء مشترياً.
فنقول: نُجيز البيع من الكُرّ الجيد في شيء بمثل نصفه من الرديء، يبقى في يد ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء؛ فإنه ذهب في بيعٍ شيءٌ، وعاد بالعوض نصفُ شيء.
وفي يد ورثة المشتري درهم ونصف شيء، فإنهم أخذوا شيئاً [بمثل] (9) نصفه، فلما أقال المشتري، [فنُجِيز] (10) إقالته مما في يده وصيةً، فنعبر عنها بالوصية، حتى
__________
(1) بياضٌ قدر كلمة.
(2) بإقالته: اي بطلبه الإقالة، وإلا فالذي أقال هو البائع.
(3) في الأصل: والمقيل.
(4) في الأصل: فأقال.
(5) في الأصل: له.
(6) تقديرٌ من المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(7) في الأصل: تفاصيل.
(8) من وضع المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(9) اختيار منا مكان بياضٍ بالأصل.
(10) في الأصل: فنجبر.(10/412)
لا [ ... ] (1) البيع بما نطلقه في الإقالة، فإذا نفذت وصيةٌ مما في يد المشتري وفي يده درهمٌ ونصفُ شيء، فخرجت منه وصية: وعاد نصفُ وصية، فبقي في يد المشتري درهمٌ ونصفُ شيء إلا نصفَ وصية، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة نصف وصية، وضعفه وصية، فنجبر ونقابل فيصير درهمٌ ونصفُ شيء في معادلة وصيةٍ ونصفِ وصية، فالوصية الواحدة تعدل ثلثي درهم وثلثَ شيء، وكنا جوزنا الإقالة فيها بمثل نصفها، فيعود بالإقالة إلى ورثة البائع عَوْد استقرار نصفُ ذلك، وهو ثلث درهم وسدس شيء، وهذا هو العائد بغير عوض، وكان مع ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء، فالآن معهم درهمان وثلث درهم إلا [ثلث] (2) شيء، وذلك يعدل مثل المحاباة في البيع، والمحاباة نصفُ شيء، ومثلاه شيء، فنجبر ونقابل، فيعدل درهمان وثلث شيئاً وثلثَ شيء، فنبسط أثلاثاً، ونقلب العبارة، فيصير الدرهم أربعة، والشيء سبعة، وكان الكُر درهمين، فصار ثمانية، والشيء الذي أجزنا البيع فيه سبعة، فيصح البيع في سبعة أثمان القفيز الجيد بمثل نصفه من الثَّمن، وليس للسبعة نصفٌ صحيح، فاضرب الكلَّ في مخرج النصف، فالكُرّ الجيد ثمانية، نضربها في اثنين فتصير ستةَ عشرَ، والسبعة صارت أربعةَ عشرَ، فنُجيز البيع في أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ من الكُرّ الجيد، وهو سبعة أثمانه بمثل نصفه، وذلك سبعة، ويبطل البيع في الثُّمُن، وهو درهمان من ستةَ عشرَ.
7067- ونعود إلى الإقالة، فنقول: ذكرنا أن الإقالة صحت في وصية، وقد ظهر لنا قبل ذلك أن الوصية ثلثا درهم وثلث شيء، وظهر آخراً أن الدرهم ثمانية (3) من الكر الجيد، [فيكون ثلثاه اثنين وثُلُثين] (4) وثلث الشيء يكون اثنين وثلث؛ لأن الشيء التام صار سبعة، فالجميع يكون خمسة، وقد صحت الإقالة في خمسة أثمان بمثل نصفها، فإن شئت ضربت في مخرج النصف، فيصير عشرة، فالعشرة من جملة ستة عشر التي
__________
(1) بياضٌ لما نستطع بعدُ تقدير ما سقط منه.
(2) في الأصل: ثلثي. وهو خطأ.
(3) في الأصل: الدرهم أربعة وثمانية.
(4) عبارة الأصل: وثلثاه فيكون اثنان وثلثان.(10/413)
هي القفيز الجيد [خمسة أثمان] (1) ، وبطل في ثُمُنين؛ لأن البيع إنما صح في سبعة أثمان، وهو أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ. فإذا بسطنا الإقالة، صحت في عشرة منها وبطلت في أربعة وهي ثمنان.
7068- فإن أردت أن تعرف كم جاز لكل واحد منهما بالمحاباة، وكم حصل لورثة كل واحد منهما، فنقول: قد علمنا أن البيع لما جاز في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد، كان نصفه وهو سبعة محاباةً للمشتري، وقد بقي في يد ورثة البائع سهمان من ستةَ عشرَ بطل البيع [فيهما] (2) فذلك تسعة، وعاد إليهم بالمحاباة في الإقالة خمسة من عشرة؛ لأن نصف ما جازت الإقالة فيه محاباةٌ، فالجميع أربعة عشرَ، وهو ضعف المحاباة [ ... ] (3) في البيع.
وأما (4) ورثة المشتري كان (5) بقي في يدهم من درهمٍ (6) ثُمنٌ واحد، وهو درهم؛ لأن كلَّ ثُمن من القفيز الجيد درهمان، وكل ثمُنٍ من الرديء مثلُ نصفه. وصح البيع في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد بسبعةٍ من الرديء، فاجتمع [في يدهم خمسة عشر] (7) وقد دفعوا بالإقالة ما دفعوا واستردوا نصفه، فيحصل في أيديهم عشرة: تسعة من البيع وعِوض الإقالة، وواحدٌ من الكر الرديء [فبلغ] (8) إلى عشرة [وهو] (9) مثلا ما [جاز] (10)
__________
(1) اختيار من المحقق مكان بياض بالأصل.
(2) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(3) ما بين المعقفين بياض قدر كلمتين، لا نعرف له سبباً، فالكلام مستقيم على حالته. وأتوقع أن يكون الناسخ بيّض لكلمتين مضروبٍ عليهما، وبسبب الضرب لم يستطع قراءتهما.
(4) في الأصل: وما ورثه.
(5) سقطت الفاء في جواب (أما) وقد أشرنا مراراً أنها لغة كوفية جرى عليها إمامنا غالباً.
(6) ذلك أنا قدرنا الكر الرديء بدرهم.
(7) تقدير منا مكان بياض بالأصل، على ضوء حساب المسألة، فقد حصل لهم أربعة عشر بالبيع،
وبقي في أيديهم واحد.
(8) مزيدة لاستقامة المعنى (على ركاكتها) .
(9) زيادة من المحقق.
(10) في الأصل: جازت.(10/414)
من المحاباة [بالإقالة] (1) فاعتدلت المسألة على جواب صاحب التلخيص حيث قال: صح البيع في سبعةِ أثمان القفيز الجيد وصحت الإقالة في خمسة أثمان. هذا طريق الجبر.
7069- وهذه المسألة من غوامض المحاباة على من لم [يألف] (2) طُرقَ الدور.
وقد عرضتها على من كان فريد عصره (3) في الحساب، فمهّد فيها، وفي أشباهها طريقةً قريبة حسنةً بالغةً تُغني عن معادلات الجبر، وعكَسَ البعضَ فيها على البعض، وهي تنبني على أصولٍٍ سهلة: منها أن تعلم أن القفيز الجيد وما في معناه من أمثال هذه المسائل يقدّر بالأثمان، فنقدِّره ثمانية أسهم، والقفيز الرديء ينسب إلى كسر القيمة باعتبار الأثمان، ثم نعلم أن المحاباة من صاحب القفيز الجيد لا تبلغ أربعةَ أثمانٍ قط، ولا تنقص عن ثلاثة أثمان بل تزيد عليها، ثم إذا أردت أن تعرف قدر الزيادة، فالسبيل فيه أن تنظر إلى قدر القفيزين، وتنسب إلى الأجود، وتأخذ تلك النسبة، فتزيد مثلَ تلك النسبة من ثُمن، فيصير التبرع ثلاثةَ أثمان، ومثلَ تلك النسبة من ثُمنٍ رابع.
وبيان ذلك في مسألة صاحب التلخيص: أن نقدّر القفيزَ ثمانية نعني الجيد، ونقدر القفيز الرديء أربعة، ثم نقول: يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن؛ فإن نسبة الرديء إلى الجيد بالنصف، فإذا أردت أن تعرف أن البيع في كم يصح، فانسب القفيز الرديء إلى المحاباة، ورُدَّ مثلَ تلك النسبة على التبرع.
وبيان ذلك: أن التبرع ثلاثة أثمان ونصف، والمحاباةُ في وضع البيع عشرة من
__________
(1) مكان بياض بالأصل قدر أربع كلمات. لا ندري ما هي.
(2) في الأصل: يلف.
(3) لم يصرح إمام الحرمين باسم "فريد عصره". فهل هو الإمام عبد الرحيم القشيري بن الإمام عبد الكريم. فقد قال السبكي في ترجمته: "وأعظمُ ما عظم به الإمامُ عبد الرحيم أن إمام الحرمين نقل عنه في كتاب الوصية، وهذه منزلة رفيعة" ا. هـ بنصه من الطبقات: (7/165) .
هذا، وقد صرح إمام الحرمين بكنيته ولقبه ونسبته، فقال عنه: "الشيخ أبو نصر القشيري" وذلك سيأتي في أواخر كتاب الوصية.(10/415)
عشرين، فإذا نسبت القفيز الرديء إلى المحاباة، كان مثل المحاباة؛ فإن القفيز الرديء عشرة، ورُدّ على التبرع النافذ مثلَه، وقل: ينفذ البيع فيه والتبرع النافذ [ثلاثة] (1) ونصف، فقد صح البيع في سبعة أثمان القفيز والتبرع مثل نصفه.
وإذا أردت أن تعرف أن تبرع المُقيل في كم يصح، فطريقه أن تنظر إلى تبرع البائع، فإذا [كان] (2) هو ثلاثة أثمان ونصف، فاضربها في ثلاثة أبداً، فتردّ عليك عشرةً ونصفاً [وهي تزيد] (3) على الثمانية باثنين ونصف، فقل: يصح تبرع المقيل في [اثنين] (4) ونصف.
وإن أردت أن تعرف القدر الذي صحت فيه الإقالة، فزد على قدر التبرع بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَه، فزد على تبرع المقيل مثله [فيردّ] (5) خمسة.
7070- وهذه المناسبات جارية في كل مسألة، ونحن نمتحنها في صُورٍ: فلو باع قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، ثم أقاله المشتري وهما مريضان لا مال لهما غير القفيزين، فنقول: القفيز [الجيد] (6) ثمانية، والرديء [ثُلُثه] (7) وهو [اثنان] (8) وثلثا ثمن. فنقول: صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء. وإن أردت معرفةَ ذلك الشيء، فانسب القفيزَ الرديء إلى الجيد؛ فإن الرديء ثلثُ الجيد، وقد صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وثلث ثمن، ثم انسب القفيز الرديء إلى المحاباة، فالرديء عشرة من جهة القيمة والمحاباة عشرون، والرديء مثل نصف المحاباة، فزد على التبرع مثلَ نصفه، والتبرع ثلاثة وثلث، ونصفها واحد وثلثان، فإذا ضممته إلى التبرع،
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) في الأصل: قال.
(3) ساقط من الأصل.
(4) في الأصل: ثمانية. وهو خطأ حسابياً.
(5) تقدير منا مكان البياض بالأصل.
(6) ساقطة من الأصل.
(7) في الأصل: ثلث.
(8) في الأصل: ثمان.(10/416)
صار خمسة، فقل: يصح البيع في خمسة أثمان، ثم اضرب التبرع وهو ثلاثة وثلث في ثلاثة فتردّ عشرة، فقابلها بالثمانية، فإذا هي زائدة عليها سهمين، فقُل: يصح تبرع المقيل في سهمين من الخمسة التي صح البيع فيها.
فإذا أردت أن تعرف القدر الذي تصح فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَ نصفه، فزد على تبرع المقيل مثلَ نصفه، فيصير ثلاثة، فقل: يصح البيع أولاً في خمسة، وصحت الإقالة آخراً في ثلاثة من الخمسة، وامتحن المسألة، تجدها صحيحة.
7071- صورة أخرى: باع قفيزاً يساوي أربعين بقفيز يساوي عشرة، ثم جرت الإقالة.
قد سبق التصوير، [فقل] (1) : يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء، وقفيزه [ثمانية] (2) أبداً، والقفيز الرديء منسوب إليها، فهو [اثنان] (3) ، وإذا كانت النسبة بالربع، فتقول: التبرع صحيح في ثلاثة أثمان وربع، ثم انسب الرديء إلى المحاباة، والمحاباةُ ثلاثون، والرديء مثلُ [ثلثها] (4) ، فزد على التبرع مثلَ ثمنه، وثلثَ ثُلُثه وربعَ سهم ونصفَ سدس (5) ، فإذا ضممته إلى التبرع، صارت الجملة أربعةً وثلثاً.
وقد صح البيع في أربعة وثلث، والتبرع ثلاثة وربع، ثم اضرب ثلاثة وربع في مخرج [الثلث] (6) فيردّ تسعة وثلاثةَ أرباع، فإذا قابلتها بالثمانية زادت على الثمانية بسهم وثلاثة أرباع، فقل تبرع المقيل سهم وثلاثة أرباع، فإن أردت أن تعرف القدر الذي
__________
(1) في الأصل: فهل.
(2) في الأصل: ثمنه.
(3) في الأصل: "ثمان".
(4) في الأصل: ثلثه.
(5) هذه القيم الحسابية (الثمن، وثلث الثلث، وربع السهم، ونصف سدسه) لم تردّ المبلغ الذي قاله بعد زيادتها على التبرع بالدِّقّة، بل زادت عن 1/3 4 زيادة يسيرة: 5/288!!، فهل في الكلام تصحيف؟ أم أنه لا اعتداد بهذه الزيادة (من باب التقريب الحسابي) .
(6) في الأصل: الثلاثة.(10/417)
صحت فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بنسبة [زيادتك] (1) على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثل ثُلثه، فزد على تبرع المقيل مثل ثلثه، فيكون ثلثَ سهم وربعَ سهم، فإذا ضممت، صار الكل سهمين وثلثاً، فقد صحت إقالته في سهمين وثلث، والتبرع منه سهم وثلاثة أرباع، فجرت الطريقة في أمثال هذه المسائل على الطرد.
فصل
نخرّج [فيه] (2) مسائل فرقها الحُسَّاب في أثناء الأبواب، وهي من قواعد الفقه، ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى:
من أهمها - القولُ في بيع الأعيان في مرض الموت بالأعواض المؤجلة، وهذا ينقسم إلى بيع عينٍ بثمن مؤجل وإلى إسلام أعيانٍ في عروض موصوفة مؤجلة، ثم [التأجيل] (3) في الديون ينقسم إلى تأجيلٍ لا زيادة فيه ولا نقصان في المالية، وإلى تأجيلٍ مع [حطٍّ] (4) من المالية، فإذا صرفَ الأعيان إلى الديون المؤجلة من غير حطيطة في المالية ونقصانٍ من القيمة [مثل] (5) أن يبيع المريض عبداً قيمته ألف بألفٍ وخمسِمائة إلى أجل سنة من مليء وفيّ، وقال أهل الخبرة: هذا وإن كان بألفٍ نقداً، فبائعه بالألف والخمسمائة إلى سنةٍ مغبوطٌ وليس بمغبون. وقد يجوز بيع مال الطفل على شرط [الغبطة] (6) بالرهن على هذا الوجه. فإذا جرى بيعٌ من المريض كذلك، ومات، فللورثة ألا يجيزوا البيع مع ظهور الغبطة؛ فإن [شيئاً لم يصل إلى] (7) أيديهم [و] (8) لم يتحصلوا في الحال على عَرْض، فلهم حق الاستدراك، على ما سنفصله.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) تقدير منا؛ مكان بياض قدر كلمتين، وبعد البياض كلمة "الاعتياد" انظر صورتها.
(4) في الأصل: حظ.
(5) في الأصل: قبل.
(6) تقديرٌ من المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(7) البياض قدر كلمة واحدة لم نصل إلى مثلها، فكانت هذه الصيغة التي قدرناها.
(8) (الواو) زيادة من المحقق.(10/418)
فهذا فنٌّ أصَّلْنا القولَ فيه، وسنفصله في المسائل.
فأما إذا انضم إلى التأجيل في العوض غَبينة، فهذا يتصور على وجهين: أحدهما - أن يبيع المريض عبداً يساوي ألفاً نقداً، بخمسمائة إلى أجلٍ.
والثاني - أن يبيع ما يساوي ألفاً نقداً بألفٍ إلى أجلٍ، فهذا يُعدّ حطيطةً في المالية. ونحن نذكر الصورَ واحدةً واحدة، ونذكر في كل صورة ما يليق بها، إن شاء الله عز وجل.
7072- فلو أسلم المريض عشرة دراهم في مقدارٍ من الحنطة تساوي العشرة، مع
التأجيل، وإنما يتضح هذا بأن لا يوجد ذلك المقدار بعشرة نقداً. فإذا جرى السلم
كما وصفناه، فإن انقضى الأجل، وحلّ قبل موت المريض، فإذا مات أدى المسلَمُ
إليه الكُرَّ.
وإن مات المريض المسلِمُ قبل أن يحِل الأجل، فإن أجاز الورثةُ، فالسلم جائز إلى أجله، ولا يكون للمسلَم إليه خيار؛ فإن الخيار إنما يثبت له من جهة تبعيض الصفقة عليه، على ما سنشرحه، إن شاء الله عز وجل.
فإذا رضي الورثةُ تنفيذَ العقد وانتظارَ حلول الأجل، وقد خلَفُوا الميت وحلّوا محله، ثم إذا أجازوا العقدَ، فقد أُلزموه، فلا يجدون رجوعاً عن الإلزام.
وإن سكتوا، فسكوتهم لا يبطل حقَّهم في الاستدراك [إن] (1) أرادوه.
وهكذا القولُ في كل وصية تتعلق بإجازة الورثة.
وإن [قالوا] (2) لا نرضى بالأجل في محل حقنا، وهو الثلثان، وإن لم يكن في العقد حطيطة [ونقصان] (3) مالية، [فلهم ذلك] (4) ، والسبب فيه أن زوال الملك عن
__________
(1) في الأصل: من.
(2) في الأصل: قال.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) ساقطة من الأصل.(10/419)
الأيدي منجّز بعقدٍ أنشأه المريض، [والعَرْضُ] (1) الرابع (2) في الذمة مستأخَر، فلهم أن يرضَوْا بتأخر حقوقهم، إن كان [مَن عليه العشرة الدين] (3) ملياً وفياً.
ثم إذا لم يرض الورثة، فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم وردَّ رأس المال كَمَلاً، وإن شاء [عجَّل] (4) المسلم فيه، فإذا [عجّله] (5) ، بطل حقُّ الورثة في فسخ العقد، وليس لهم أن يمتنعوا عن قبول [ما يعجله] (6) إذا كانوا يبغون [فسخاً] (7) بسبب الأجل.
وإن لم يريدوا [فسخاً] (7) ، ورغبوا بالتأجيل، [فعجل] (8) المسلَم إليه ما عليه، ففي إلزام الورثة قبول ما عجله قولان معروفان.
وإن عجل المسلَم إليه ثلثي الطعام المسلَم فيه، كفاه ذلك، وبقي الثلث إلى أجله في ذمته؛ فإنه يقول: نأخذ الثلث على ألا يزيد على هبة الثلث مع حضور الثلثين.
ولو ردَّ المسلَمُ إليه ثلثي رأسِ المال، و [فسخ العقد في] (9) ثلثي المسلم [فيه] (10) على أن (11) يبقى الثلث عليه مؤجلاً، كان الأمر على ما أراد. فإذاً المسلَم إليه مخير بين أن يعجل الثلثين من المسلَم فيه، أو ينقض السلم أصلاً إذا كان الورثة ينقضون عليه وأن (12) يرد ثلثي رأس المال.
__________
(1) في الأصل: الغرض.
(2) كذا. وهل هي (الراتع) ؟ أو (الرابغ) ؟ على أية حال هي كلمة بمعنى الثابت في الذمة.
(3) عبارة الأصل: "وإن كان من العشرة عليه الدين". ففيها تقديم وتأخير.
(4) في الأصل: عمله.
(5) في الأصل: فعله.
(6) في الأصل: ما يعمله.
(7) في الأصل: قسما.
(8) في الأصل: فعمل.
(9) مكان بياضٍ بالأصل.
(10) زيادة اقتضاها السياق.
(11) في الأصل: ألاّ يبقى.
(12) في الأصل: أن (بدون واو) .(10/420)
فهذه جهاتُ [تخيره] (1) ، فإن لم يفعل شيئاً منها، فللورثة أن يفسخوا السلم في [ثلثيه] (2) لا غير، وليس لهم أن يقولوا هذا التبعيض تسليط على فسخ العقد رأساً؛ فإنه لا حق لهم في غير الثلثين.
هذا منتهى الغرض في ذلك.
7073- وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً بعيداً، لم أره لغيره: أن المسلَمَ إليه إذا عجّلَ ثلثي المسلَم فيه، أو ردَّ ثلثي رأس المال، وفسخ السلم في الثلثين، فله أن يحبس الثلث [أمداً] (3) زائداً على الأجل المضروب في السلم، حتى لو كان أمدُ السلم شهراً، فإنه يحبس الثلث ثلاثة أشهر، ليكون ذلك بمثابة استمرار الأجل في جميع [المسلَم] (4) فيه شهراً.
وهذا كلام ركيك لا أصل له، [ولا معوّل] (5) على مثله.
7074- صورة أخرى: إذا أسلم عشرةً في كُرٍّ يساوي ثلاثين، ومات قبل أن يحِلّ الأجل، فإن رضي الورثة وأجازوا، [استمرّ] (6) العقد على وضع الإجبار، ولا معترض. فإن أرادوا ألا يرضَوْا بتأجيل العوض بكماله، فلهم ذلك، مع ظهور الغبطة في تقدير العقد، وانتظار انقضاء الأجل، فإن أرادوا تبعيض العقد على المسلم إليه، فللمسلَم إليه فسخُ العقد [ ... ] (7) من أصله. ولو [عجل] (8) جميعَ المسلم فيه، فقد تقدم القول فيه، فلا نعيد ما تقدم.
فالذي نجرده في هذه الصورة أن المسلَمَ إليه لو قال: مالُكم الذي نتعلّق به
__________
(1) في الأصل: مخيرة.
(2) في الأصل: ثلثه.
(3) في الأصل: أبداً.
(4) في الأصل: السلم.
(5) تقدير منا مكان البياض بالأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) بياض قدر كلمتين. يستقيم الكلام بدونهما.
(8) في الأصل: عجلوا.(10/421)
عشرةٌ، وأنا [أؤدي لكم] (1) من الحنطة التي عليَّ مقدارَ ثلثي العشَرة، وهو ستةٌ وثلثان -ومقدارها في البر المسلم فيه تُسعاه؛ فإن البر يساوي ثلاثين (2) - انقطع حق الورثة؛ فإنه يقول: قدِّروا كأنه وهب العشرة مني ورَددتُم تبرعَه في ثلثي العشرة، وقد أحضرتُ ما رددتموه.
هذا هو الذي قطع به الأئمة رضي الله عنهم.
وإن قال الورثة: "حقنا ثابت في ذمتكم"، فلا حاصل لهذا مع قدرة المسلم إليه على الفسخ مع تعرض الورثة له.
7075- صورة أخرى: لو أسلم المريض ثلاثين درهماً لا يملك غيرَها في كُرٍّ قيمته عشرون، فنقول: لو حل الأجل قبل موت المسلِم، ثم مات وقد حل الأجل، [يؤدي] (3) المسلَمُ إليه الكرَّ، ولا معترض عليه، فالمحاباة، وإن كانت جاريةً، فهي على قدر الثلث.
فلو باع الرجل المريض عبداً يساوي ثلاثين بعشرين، نفذ [ ... ] (4) تبرعه، وصح محاباته، لوفاء الثلث.
[و] (5) إن لم يكن حل الأجل، ومات المريض المسلِمُ، فإن أجاز الورثةُ، فلا كلام، وإن لم يجز الورثة [العقد] (6) ، فلهم ذلك المقدار [مع] (7) المحاباة.
ولكن التأجيل واستئخار العوض، وبه أثبتنا لهم الخيار مع الغبطة وعدم المحاباة في المال، فإذا أراد الورثة التعوّض، فالمسلم إليه بالخيار، فإن نقض السلمَ ورد
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) عبارة الأصل: يساوي ثلاثين ذلك انقطع.. إلخ.
(3) زيادة من المحقق.
(4) كلمة غير مقروءة (انظر صورتها) .
(5) الواو ساقطة من الأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) زيادة من المحقق.(10/422)
العوضَ، فلا كلام، وإن عجّل الكُرَّ، زال الاعتراض عنه، وآل الأمر إلى محاباة [يفي] (1) الثلث بها.
ولو رد ثلثي الثمن ونقض البيع في ثلثي المبيع، جاز، ورجع إلى الورثة عشرون درهماً، وبقي الثلث مؤجلاً.
وإن كان الثلث مرهوناً بالنقد وا [ ... ] (2) بهذا. ولو قال المسلَمُ إليه: أعجل ثلثي الكُرّ، لم نقنع منه بهذا؛ فإن ثلثي الكر يساوي ثلاثةَ عشرَ وثُلثاً، فلا يقع هذا الثلثان من الثلثين، فلا بد وأن يَسْلَمَ لهم عشرون، فلا طريق في ذلك إلا بتعجيل الكل أو بردّ ثلثي رأس المال، مع فسخ السلم في الثلثين.
7076- صورة أخرى: لو أسلم ثلاثين درهماً في كُرٍّ قيمتُه عشرة، فقد اجتمع في
هذه الصورة التأجل والمحاباة. [وقصور] (3) الثلث عن احتمال جميع المحاباة.
فإن حل الأجل قبل موت المسلِم، فقد زال أثر الأجل، وهذا مثلُ من اشترى ما يساوي [عشرة] (4) بثلاثين، لا مال له غيرها.
وإن لم يحل الأجل حتى مات المريض، فللورثة اعتراضان: أحدهما - من قِبل الأجل، والثاني - من قِبل المحاباة الزائدة على الثلث.
والذي [تقتضيه] (5) هذه الصورة وبان به أن المسلَمَ إليه لو [عجل] (6) الكرَّ [لم يكفِ، وما] (7) انقطعت عنه الطَّلِبة، حتى يرد على الورثة ما يعدِّل به الثلث والثلثان، وذلك بأن يعجل نصفَ الكُرّ، ويردّ نصفَ رأس المال، ويبقى للمسلَم إليه خمسةَ عشرَ، من رأس المال، والمحاباة منها عشرة.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) بياض بالأصل قدر ثلاث كلمات.
(3) في الأصل: وصورة.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) في الأصل: تقتضي.
(6) في الأصل كلمة غير مقروءة (انظر صورتها) .
(7) مكان بياض بالأصل.(10/423)
هذا وجهٌ.
والوجه الثاني في التعديل - أن يفسخ العقد في ثلثي الكُر، ويردّ ثلثي رأس المال. هذا بيان التأجيل، وما يجري معه من محاباة أو غبطة [ولم يبق] (1) مما ذكرناه مقصود يتعلق بهذه القاعدة.
7077- وذكر الأستاذ صورةً متعلقةً بما ذكرناه [نذكرها] (2) لزيادةٍ فيها: فإذا باع عبداً يساوي ألفاً بثلاثة آلاف إلى أجل سنة، وعدَّ ذلك غبطةً مثلاً، وأوصى بثلث ماله لإنسان، فالمحاباة مقدمةٌ على الوصية؛ فإنها منجّزةٌ في الحياة، وما ينجز من التبرعات مقدم على الوصايا. فلو رضي الورثة حتى حلّ الأجل، فإذْ ذاك نصرف ألفاً إلى الموصى له بالثلث.
ولو تعرض الورثة للفسخ والتبعيض، ففسخ المسلَمُ إليه البيعَ، وارتد العبد إلى الورثة، فللموصى له بالثلث ثلث العبد.
قال الأستاذ أبو منصور: يحتمل أن نقول: ليس للموصى له بالثلث شيء، لأنه أوصى له بثلث ماله بعد بيع العبد، فلم يكن [في ملكه] (3) [حين] (4) أوصى بالثلث، وإنما ارتد العبد بالفسخ بعد الموت.
وهذا الذي ذكره عريٌّ عن التحصيل؛ فإن العبد وإن ارتد بعد موته، فهو معدود من ماله وتركته، تُقضى منه ديونه، وتنفذ منه وصاياه في هذه الصورة التي ذكرناها. وقد كان العبد مرتبطاً بعوضه، فإذا فسخ العقد، [صار كأنه كان] (5) كائناً حالة الموت.
فهذه جمل فقهية أوردناها لا غناء بالفقه عنها.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: نذكر.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) في الأصل: حتى.
(5) مكان بياض بالأصل.(10/424)
7078-[ومما] (1) ذكره الأستاذ في أثناء مسائل المحاباة، أن من باع عبداً بيعَ محاباة، واقتضت الحالةُ تسليطَ الورثة على فسخ العقد في البعض من العبد لضيق الثلث [عن التصرف] (2) بالمحاباة، فلو اكتسب العبدُ في يد المشتري شيئاً، فنذكر لذلك صورة ونبني عليها غرضنا.
7079- فإذا باع عبداً قيمته مائة وخمسون [بمائة] (3) ، واكتسب في يد المشتري مثلَ قيمته، [فإن] (4) كان للبائع سوى العبد وثمنه تركةٌ زائدةٌ، وهي خمسون، فالبيع نافذ في جميع العبد، [وفاز] (5) المشتري بالكسب بالغاً ما بلغ؛ فإنا [تبيّنا] (6) وقوعَه في ملكه.
ولو لم يكن لبائع العبد في مرضه مالٌ سواه، فقد ذكرنا أن البيع لو لم يكن كسبٌ ينفذ في [ثلث] (7) العبد على التفاصيل المقدمة.
فقال الأستاذ (8) : إذا اقتصر حساب التعديل فسخ العقد في بعض العبد، والكسبُ بكماله للمشتري؛ فإنه جرى في [ملكه] (9) ، والفسخ طارىءٌ بعد حصوله، ونسبةُ هذا كما لو اشترى الرجل عبداً واكتسب في يده، ثم اطلع على عيب قديم به، فالكسب يبقى له، والعبد يرتد إلى البائع، ويرجع الثمن إلى المشتري.
وهذا الذي ذكره زلل عظيم، والردّ القطعُ بأن الكسب يتبعض تبعُّض العبد على
__________
(1) في الأصل: وما.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.
(4) في الأصل: فإنه.
(5) في الأصل: فإن المشتري.
(6) في الأصل: تبين.
(7) في الأصل: "ثلثي".
(8) قال الرافعي: إن الأستاذ غير مبتدىء بهذا الكلام، وإنما رواه من أجوبة ابن سريج وأكثر
الأصحاب، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته. (الشرح الكبير:
7/214) .
(9) مكان بياضٍ بالأصل.(10/425)
ما يقتضيه الحساب [ ... ] (1) والعجب أنه ذكر [ ... ] (2) تبعُّض الكسب في العتق المتبعض، وفرق بين تبعّض البيع، وبين تبعض العتق وهذا أتاه من جهة ظنّه بأن البيع ينفذ ويملك، ثم يرد بعضَه.
وهذا غلطٌ؛ فإنا وإن فرّعنا على أن الورثة يجيزون وصيةً ولا يبتدئون عطيةً، فالملك يقف على إجازتهم في محل الحاجة إلى الإجازة. وإذا ردّوا الوصية الزائدة على الثلث، لم يقل أحد إن الملك حصل في الزائد ثم أُزيل، [بل إن ما جرى] (3) فيه من الرد والإجازة يضاهي وقف العقود على رأي أبي حنيفة ومَن يوافقه من أصحابنا.
والجملة الكافية في ذلك: أنا لا نفسخ العقد في بعض العبد، بل [نتبيّن] (4) أن الملك لم يحصل في مقدارٍ، وحصل في مقدار، كدأبنا في العتق المتبعض.
ثم بنى على هذا المهرَ وقاسه، وقال: لو باع جاريةً [بيعَ] (5) محاباة، فوطئها المشتري، ولم (6) ينقص الملك فيها على مقتضى الحساب، فلا مهر على المشتري؛ فإن وطأه صادف ملكه، وهذا [ذهولٌ] (7) كاملٌ عن فقه الباب، ظانٌّ أن الرد يتضمن رفعَ ملكٍ ورفعَ عقدٍ مملِّك، وليس الأمر كذلك.
وقد نجز مضمون الفصل.
7080- مسألة: إذا باع المريض من أخيه كُرَّ طعامٍ قيمتُه ألفٌ وخَمسمائة، بكُرٍّ
رديء من جنسه قيمتُه خمسمائة، فمات أخوه (8) : المشتري قبل موته، وخلّف بنتاً
وأخاه البائع، ثم مات البائع، ولم يكن له مال غيره، فإنا بعاقبةٍ (9) .
__________
(1) بياض تعذر تقدير مكانه.
(2) بياض تعذر تقدير مكانه.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) في الأصل: نبين.
(5) في الأصل: باع.
(6) في الأصل: (لم) بدون الواو.
(7) في الأصل: قولٌ.
(8) في الأصل أخو المشتري.
(9) بعاقبة: أي أخيراً، وفي الكلام سقطٌ، ولكنه لا يمنع من استقامة الفهم.(10/426)
فحساب المسألة أن نقول: جاز البيع في شيء من الكر الأرفع، وقابله من العوض شيء قيمته ثلثُ شيء، فصار الباقي كُرّاً إلا ثلثي شيء، فالمحاباة ثلثا شيء، وحصل مع المشتري شيء، قد أخذه من البائع، ومعه من كره كُرٌّ إلا شيئاً قيمتُه ثلث شيء، فنزيد الشيء الذي أخذه على ما معه، وكان معه من طريق القيمة كُرٌّ إلا ثلثَ شيء، فيضم إليه، فيحصل معه كُرٌّ وثلثا شيء، غيرَ أن الكرّ الرديء بالإضافة إلى الجيد ثلثُ كُرٍّ، فنرده إلى تلك النسبة حتى يعتدل الكلام، فمعه إذاً ثلثُ كرّ، وثلثا شيء.
يرجع نصفه بالميراث إلى أخيه وهو سدس كر وثلث شيء، فنزيده على الذي كان بقي في يد البائع، وذلك كر إلا ثلثي شيء، فنجبر بالاستثناء، فيصير في يده كرٌّ وسدسٌ إلا ثُلثَ شيء.
وهذا يعدل ضعف المحاباة، وكان المحاباة ثلثي شيء وضعفها شيء وثلث.
فنجبر ونقابل، فيحصل [معنا كُرُّ و] (1) سدسٌ في معادلة شيء وثلثي شيء، ومعنا الكسر بالثلث ونَلقَى فيهما مخرج السدس، فابسطهما أسداساً، واقلب الاسم فيهما، فيكون الكُرّ عشرة والشيء سبعة، فيصح البيع في سبعة أعشار الكرّ الأرفع بسبعة أعشار الكرّ الرديء.
فإن أردت الامتحان، قلت: جاز البيع في سبعة أعشار الألف والخَمسِ مائة، وهي ألفٌ وخمسون، وأخذنا بالعوض سبعة أعشار خَمسِمائة، وهي ثلاثُمائة وخمسون، فحصلت المحاباة سَبعُمائة، وبقي مع البائع من كره أربعُمائة وخمسون، وأخذ بالثمن ثَلاثمائة وخمسين، فذلك ثَمانمائة، فاجتمع مع المشتري من كره مائةٌ وخمسون، ومن كُر البائع [ألفٌ] (2) وخمسون. فذلك ألفُ ومائتان، رجع نصفها بالميراث إلى البائع وهو سِتمائة، فيجتمع مع ورثة البائع ألف وأربعمائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ هي سبعمائة.
فإن كان للبائع أو للمشتري تركة أخذَ عليها [و] (3) أحدهما، أو اجتمع في
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: مائة.
(3) بياض بالأصل، لم نتكلف تقديره؛ حيث السياق مفهوم بدونه.(10/427)
المسألة دين وتركة، لم يخف طريق العمل قياساً على ما تقدم في المسائل.
7081- مسألة: دائرةٌ في الضمان أوردها صاحب التلخيص (1) ، وعظُم في أطرافها [الخبطُ] (2) ، ونحن نأتي بها منقَّحةً مصححةً بعون الله تعالى.
أما قواعد الضمان، فقد أوضحناها في كتابها، فلسنا لإعادتها، وإنما نعتمد التنصيص على المسائل الحسابية اعتماداً [على العلم] (3) بأصول الضمان.
فإذا كان لرجلٍ على رجلٍ تسعون درهماً ديناً، فجاء مريض وضمن التسعين لمستحق الدين ضماناً يُثبت الرجوعَ على المضمون عنه، ثم مات من عليه الدين، وخلّف خمسة وأربعين، ومات الضامن، وخلّف تسعين درهماً.
هذه الصورةُ الأولى التي أتى بها صاحب التلخيص. والمسألة محتملةٌ متقيِّدةٌ بشرط الرجوع.
فنقدّم على المسألة ما لا بد منه، ونقول: المريض إذا ضمن ديناً ومات، وكان يشتَرِط في ضمانه الرجوعَ، والمضمونُ عليه موسرٌ، تحقق (4) الرجوع عليه. والضمانُ على هذا الوجه لا يكون تبرُّعاً أصلاً، ولا يحتسب من الثلث؛ فإنّ ورثته إذا غرِموا، رجعوا على [المضمون عنه الموسر] (5) ، وسبيل الضمان في هذه الصورة كسبيله (مع الشيء (6) بثلث قيمته) .
7082- ثم في ذلك دقيقة لا بد من مراعاتها، وهي أنهم لو قالوا: لا نغرَم حتى يتحقق الرجوع؛ فإنا لو غرمنا، فربما يضيع حقنا، ولا نجد مرجعاً، فيكلِّفون المضمونَ عنه بذلَ مالِ الضمان وتسليمَه إلى موثوق به. وقد قال بعض علمائنا:
__________
(1) انظر التلخيص ص 366.
(2) في الأصل: خبط.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: فتحقق.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) كذا. ولعل صوابها: "مع شراء الشيء بمثل قيمته".(10/428)
للضامن أن يطالب المضمون عنه بما [عليه] (1) قبل أن يطالبه [المضمون له] (2) . والذي يتجه عندنا أنه إذا طولب ورثةُ الضامن في هذه الصورة، [فلهم] (3) مطالبةُ المضمون عنه قبل أن يغرَموا، فإن أرادوا مطالبة المضمون عنه قبل أن يطالَبوا، ففيه الخلاف [المذكور] (4) .
والضامن في صحته إذا كان ثبت له الرجوع إذا غرِم، فلو طولب، فهل يُغرِّم المضمونَ عنه قبل أن يغرَم؟ فيه خلاف، والظاهر أنه يغرّمه. وإن [أراد] (5) الرجوعَ عليه قبل أن يطالَب، ففيه الخلاف (6) .
[أمّا] (7) ورثة الضامن، [فلهم الرجوع قبل أن يطالَبوا] (8) . وإذا طولبوا، فإذا قلنا: لا يملكون مطالبة المضمون [عنه] (9) يجرُّ ذلك ما لا يسوغ؛ فإن الوارث لا دين عليه، ولا يتوجه الطَّلِبةُ عليه على التحقيق، وإنما ترتبط الطَّلِبة بالتركة، والضمان في الصورة التي ذكرناها مفروض من المريض، وضمانه في حكم التبرع المحسوب من الثلث، فلو أخذنا من التركة ما ضمنه، ولم يثبت الرجوع قبل اليوم (10) ، لكان ذلك صرفَ قسط من التركة إلى جهة التبرع، قبل أن يَسْلَم للوارث مثلاه، فيلزم من هذا أن نقطع بثبوت حق الرجوع على المضمون عنه قبل الغُرم. فإن قيل: هل يطالَب الوارث بإخراج مقدار الثلث؟ قلنا: نعم، فإن هذا المقدار لو كان متبرعاً به لأُخرج، فنقدّر كأن الضمان تبرعٌ، وغرضنا الآن أن المضمون عنه إذا كان موسراً، أو كان مات وتركته
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالاْصل.
(5) في الأصل: أرادوا.
(6) الوجه الأصح أنه ليس له أن يطالبه قبلَ أن يطالَب؛ لأنه لم يغرَم شيئاً، ولم يطالَب. (ر. فتح العزيز (بهامش المجموع) : 10/386) .
(7) في الأصل: إن ورثة الضامن.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) مكان بياض بالأصل.
(10) قبل اليوم: أي قبل الأخذ من التركة.(10/429)
وافية، فالأصحاب لم [يعدُّوا الضمان] (1) تبرعاً، وهو كما قالوه، على معنى أن الضمان لا [يقتصر] (2) على مقدار الثلث، ولكن إن [عجّل] (3) المضمون عنه أو ورثتُه جميعَ المال المضمون، فلا إشكال، وإن لم يتفق التعجيل بعدُ، فالضمان في وضعه ليس تبرعاً، ولكن للأصحاب خبطٌ في أن وارث الضامن هل يطالَب بإخراج المال المضمون من التركة قبل أن يتفق من المضمون عنه أو من [ورثته التعجيلُ] (4) والغرم؟ فقال قائلون: لا يكلف وارثُ الضامن من أن يُخرج في الحال إلا مقدارَ الثلث؛ فإنا لو كلفنا [] (5) وأكثر من ذلك، والعوائق غير [مأمونة] (6) ، فربما يؤدي من التركة المالَ، ثم يتفق عسرٌ في الرجوع. أما قدر الثلث، فلا شك [في إخراجه] (7) ، وهؤلاء لا يأبَوْن خلاف ذلك إلى أن يغرَم من عليه الرجوع.
ومن أصحابنا من قال: إذا ميّز من عليه الرجوع المالَ، وسلّمه إلى موثوق به، كفى ذلك. وهو عريُّ عن الفقه؛ فإن ما يسلمه لا يخرج عن ملكه بالتسليم، فليس له.
ومن أصحابنا من قال: [ننظر إلى] (8) كون من عليه الرجوع مليئاً، مع تمكن الغارم من الرجوع، فإن سدّ هذا المال نَفِد عتيداً (9) ، والضمان في وضعه ليس تبرّعاً في هذه الصورة. وهذا عنى بعده [ ... ] (10) من التميز ووضع المميز على [ ... ] (3) ؛ فإن ذلك لا وقع له في قواعد الفقه. [ ... ] (3) وقيمته، فهذا فيه احتمال.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) في الأصل: عمل.
(4) تقديرٌ منا مكان بياضٍ بالأصل. والعبارة هنا قلقة غير مرضية.
(5) بياض قدر كلمة، ولعله مكان كلمة مضروب عليها، والصواب: "لو كلفناه أكثر من ذلك".
(6) في الأصل: "غير مأموره".
(7) زيادة من المحقق.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) نَفِد عتيداً: أي هلك على الضامن، مع أن الضمان ليس تبرعاً في هذه الصورة.
(10) مكان بياضٍ بالأصل، لما يتبين لنا وجه في تقديره.(10/430)
وهذا الذي ذكرناه [ليس] (1) من غرضنا، ولكن اتصل الكلام به، فأوضحنا ما فيه.
ولو ضمن المريض، ولم يشترط الرجوع، فقلنا: لا يرجع لو ضمن بغير إذن المضمون عنه، فهذا [تبرع] (2) محضٌ محسوب من الثلث من غير عمل ولا حساب، وكذلك لو كان المضمون عنه معسراً، ومات على إعساره، وقد ضمن الضامن في مرضه، فسبيل ما ضمنه كسبيل [التبرع] (3) وما يوصي به، وهو محسوب من ثلثه [ ... ] (4) فأما إذا ضمن في مرضه ديناً، وكان الضمان بالإذن، وشرْط الرجوع، ولكن خلّف المضمون عنه أقل من الدين، فإن كان ثلث الضامن وافياً بالدين كله، فلا [كلام] (5) . وإن كان الدين يزيد على ثلث الضامن، [أو] (6) كان يستغرق مال الضامن، وما تركه المضمون عنه غيرُ وافٍ بقيام الدين معه، يؤدي (7) إلى الدور.
7083- وإذا ذكرنا سبيله، ثبتت الصورة الدائرة والتي لا تدور.
فنقول: إذا مات الضامن وخلّف تسعين درهماً، ومات المضمون عنه وخلف خمسةً وأربعين، [فمستحق] (8) الدين بالخيار: إن شاء طلب مقدار ما يجب من تركة المديون عليه، فيأخذ الخمسة والأربعين، فبقي له نصف دينه، فإذا طلبه من تركة الضامن، فلا دور في هذه المسألة؛ فإن ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً، إذ قد استوعب مستحقُّ الدين [تركة] (9) المضمون عنه، فنجعل الخمسة والأربعين الذي هو بقية الدين في تركة الضامن بمثابة تبرعٍ محض، ومن تبرع بنصف ماله، فتبرعه يُجاز
__________
(1) في الأصل: لشيء.
(2) في الأصل: التبرع.
(3) مكان بياضٍ الأصل.
(4) بياض قدر كلمة. لم نتكلف تقديرها، فالكلام مستقيم بدونها.
(5) تقدير منا مكان بياضٍ الأصل.
(6) في الأصل: إن.
(7) جواب: وإن كان الدين يزيد ...
(8) في الأصل: يستحق.
(9) في الأصل: ترك.(10/431)
في مقدار ثُلُثه، فلا نطالب ورثة الضامن إلا بمقدار ثلاثين.
هذا إذا بدأ مستحق الدين بتركة المضمون عنه [واستوعبها] (1) .
7084- فأما إذا طالب ابتداءً ورثة الضامن، فتدور المسألة في هذه الصورة، فإن ما يغرموه يرجع إليهم بعضُه، وتزداد التركة مهما رجع إليهم شيء، ثم إذا تعذر من دين مستحق الدين شيء، ثبت له حق [التعلق بتركة] (2) المضمون عنه، وتخرج هذه المقادير بطرق الحساب.
طريقة الجبر: [سبيلها] (3) أن نقول: أخذ من التسعين التي هي تركةُ الضامن شيئاً، ويرجع إلى الورثة نصف شيء؛ فإن تركة المضمون عنه نصف تركة الضامن، فتبقى في أيديهم تسعون ناقصةً نصف شيء، وهي ضعف ما أخرجناه في الضمان الخارج من تركة الضامن من غير مقابلة، [وهو] (4) نصف شيء وضعفه شيء، فإذاً يعدل [تسعون] (5) غيرَ نصف شيء شيئاً، فنجبر التسعين بنصف شيء ونزيد على عديله نصفَ شيء، فيكون تسعون في مقابله شيء ونصف، فنعلم أن الشيء الذي أطلقناه ثلثا التسعين.
فنقول: نُخرج من تركة الضامن ثلثي التسعين، وهو ستون، فيرجع ورثتُه بنصفه، وهو ثلاثون، ويأخذ مستحق الدين بقية تركة المضمون، وهو خمسةَ عشرَ. والمسألة مستقيمةٌ على الحساب والفقه؛ فإنه يبقى في يد ورثة الضامن ثلاثون، ويعود إليهم من تركة المضمون عنه ثلاثون، فلا يجدون مرجعاً في ثلاثين، وهو ثلث التسعين، وقد انحصر التبرّع في الثلث.
ثم مستحق الدين يأخذ بقية تركة المضمون عنه، فهي خمسةَ عشرَ [ ... ] (6) ،
__________
(1) في الأصل: واستوهبها.
(2) في الأصل: التعليق تركة.
(3) في الأصل: فسبيلها.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعون.
(6) بياض بالأصل، والكلام مستقيم بدون تقديره.(10/432)
فيصل إلى خمسة وسبعين من جملة التسعين، ويتعطل من ماله خمسةَ عشرَ.
وإن قيل: هلا رجع ورثة الضامن بالخمسة والأربعين بكمالها؟ قلنا: هذا لا وجه له؛ فإنه ثبت لوارث الضامن من الرجوع بمقدار التبرع، وقد بقي لمستحق الدين بعد الستين ثلاثون درهماً، فيتضاربون في تركة المضمون عنه، فيقتضي تعديل [النسبة] (1) قسمة تركه المضمون عنه بين وارث الضامن وبين مستحق الدين [بالثلث] (2) وثُلُثين.
7085- طريقة الدينار والدرهم: نقول: تركة الضامن دينار ودرهم. أخرجنا الدينار في جهة الضمان، ورجع نصف دينار، فالتركة إذاً نصف دينار ودرهم، وذلك ضعف التبرع، وضعف التبرع دينار كامل، فنجعل نصف دينار قصاصاً بنصف دينار، فيبقى من التركة درهم ويبقى من الجانب الثاني نصف دينار، وقد بان أن الدينار درهمان، والذي أخرجناه في جهة الضمان [ثلث] (3) التركة، كما خرج بالعمل الأول.
هذا بيان هذه المسألة.
7086- ثم ذكر صاحب التلخيص بعد هذه الصورة صورةً أخرى [ناشبةً] (4) فيها، فقال: إذا ضمن المريض تسعين درهماً كما صورناه، وضمن عن هذا الضامن ضامن آخر، وكان الثاني مريضاً أيضاً، ومات الضامنان، ومات من عليه الدين، وخلّف خمسةً وأربعين، وخلف كلُّ واحد من الضامنين تسعين درهماً، فصاحب الحق بالخيار: إن [شاء] (5) وجّه الطَّلِبةَ على تركة المديون [واستغرقها] (6) ، ثم طلب بقية حقه من الضامنَيْن أو من أحدهما، على ما يقتضيه الحساب.
__________
(1) في الأصل: الستة.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: ثلثا.
(4) تقرأ هكذا بصعوبة. (انظر صورتها) .
(5) في الأصل: فصاحب الحق بالخيار إن ما وجه.
(6) في الأصل: وليستغرقها.(10/433)
وهذه الصورة ليست [ ... ] (1) . فإن أراد أن يطالب الضامن الأول، كان الجواب في هذه المسألة كما قدمناه في الصورة الأولى. هكذا قال صاحب التلخيص، وقال: لا يختلف الجواب ألبتة، فيُخرج من تركة الضامن الأول [ستين] (2) ، ويرجع ورثتُه بثلاثين على تركة المديون عليه. هذا جوابه في هذا الطرف.
وعلى الناظر في هذه المسألة أن يفهم ما ينتهي إليه أولاً [ثم] (3) يعلم أن تمام الشفاء في مجاري المسألة.
قال صاحب التلخيص: إذا أراد مستحق الدين مطالبةَ ورثة الضامن الثاني؛ فإنه يأخذ من تركته سبعين درهماً، ومن ورثة المديون عليه خمسةَ عشرَ درهماً، ويرجع ورثة الضامن الثاني على تركة الضامن الأول بأربعين درهماً، ويرجع الضامن الأول في تركة المديون عليه بثلاثين درهماً.
هذا جواب صاحب التلخيص وفتواه.
7087- قال الشيخ أبو علي: سمعت شيوخي يقطعون أجوبتهم بأن ما ذكره صاحب التلخيص خطأ على أصل الشافعي، وقطع الأستاذ أبو منصور في مجموعه في الدور والوصايا بتخطئته أيضاً، وعلى خطئه بيّنة. فنذكرها ونذكر بعد وضوحها كلاماً في وجه الصواب.
أما علّةُ خطئه، فإنه أوجب على ورثة الضامن الثاني إخراج السبعين، ثم لم يُثبت له (4) رجوعاً في ثلاثين منها، بل أثبت له الرجوع إلى الضامن الأول بأربعين [و] (5) تبقى مع ورثة الضامن الثاني عشرون، وصار إليهم من العوض أربعون، فذلك ستون، فهي ضعف الثلاثين التي رجعت بلا عوض.
__________
(1) بياض بالأصل.
(2) في الأصل: شيئين.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمتين.
(4) له: أي الضامن الثاني.
(5) ساقطة من الأصل.(10/434)
هذا ما تخيله صاحب [التلخيص] (1) وهو حائد عن الصواب؛ لأن الضامن الثاني ضمن تسعين ضمانَ رجوع، [وللمرجوع] (2) عليه وهو الضامن الأول تسعون. وإنما تدور المسألة إذا قصرت تركةُ المرجوع عليه عن مقدار الدين.
أيضاً فإنه أثبت لورثة الضامن الأول الرجوعَ على تركة من عليه الدين بثلاثين درهماً، فلم يخرج إذاً من تركته إلا عشرة، وفي [يد] (3) ورثته ثمانون، فالذي ذكره كلامٌ [عري عن الصواب] (4) ، وهذا وجه تخطئته (5) .
7088- فأما وجه الصواب، فالذي حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه أن مستحق الدين إذا أراد الرجوع على الضامن الثاني، فله أن يطالبه بالدَّيْن كَمَلاً وهو تسعون، فيستغرق تركتَه، ثم ورثة الضامن الثاني يرجعون على تركة الضامن الأول [بخمسة وسبعين] (6) ، ثم يرجع ورثة الضامن الأول على المضمون عنه الأصيل بكمال تركته، وهو خمسةٌ وأربعون، وإذا انضم ذلك إلى ما بقي في أيدي ورثة الضامن الأول، كان المجموع ستين. فيستوي ثلث مال الضامن الأول، وثلث المال محل التبرع ولايَتْوَى (7) من مال الضامن الأول إلا خمسة عشر (8) .
وإنما لم يرجع ورثةُ الضامن الثاني وقد غرِموا تسعين بجميع التسعين على تركة
__________
(1) في الأصل: صاحب التقريب. وهو سبق قلم.
(2) في الأصل: والرجوع.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) ساقط من الأصل.
(5) وقد عبر الرافعي في الفتح عن هذا الخطأ بأن قال: "غلطه الأصحاب؛ من جهة أنه أتلف من مال الثاني ثلاثين، لأنه أخذ منهم سبعين، وأثبت لهم الرجوع بأربعين، وكان الباقي عندهم عشرين، فالمجموع ستون، ولم يتلف من مال الأول إلا عشرة، لأنه أخذ منهم أربعين، وأثبت لهم الرجوع بثلاثين. ومعلوم أن الضامن الثاني إنما ضمن تسعين عمن يملك تسعين، والأول ضمن تسعين عمن يملك خمسة وأربعين، وكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الأول" (فتح العزيز: 10/402 بهامش المجموع) .
(6) في الأصل: بخمسة وخمسين.
(7) يَتْوَى: يهلك. (المعجم) .
(8) عبارة الأصل: ولا يتوى عن مال الضامن الأول وثلث المال محل التبرع إلا خمسة عشر.(10/435)
الضامن الأول، لأنهم لو رجعوا بالتسعين، ثم رجع ورثةُ الضامن الأول على تركة الأصيل بالخمسة والأربعين، فيكون التالف من تركة الضامن الأول أكثر من ثلث ماله، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإنه متبرعٌ بالضمان، ولا تزول حقيقة تبرعه بأن (1) يضمن عنه ضامن وإن كان ضمان الثاني بإذنه؛ فإن المرعيَّ حقُّ ورثته. فخرج من ذلك أن مستحق الدين يصل إلى كمال حقه، ويتوى من تركة الضامن الأول مقدار ثلثها ومن تركة الضامن الثاني مقدار سدسها.
7089- ولو اختار صاحب الدين أن يرجع أولاً على تركة المضمون عنه، فله ذلك، فيأخذ الخمسة والأربعين، ويبرأ الضامنان جميعاً من نصف الدين لا شك فيه، ويبقى النصف الباقي، ومستحق الدين بالخيار. فإن طالب ورثةَ الضامن الأول، فلا يأخذ منهم إلا ثلاثين؛ لأنها ثلث ماله؛ فإن أخذ أكثر من ذلك، [ولا] (2) رجوع لهم على أحدٍ، لكان هذا أَخْذَ تبرعٍ زائدٍ على الثلث، من غير رضا الورثة، [ويبقى] (3) من الدين خمسةَ عشرَ، فيأخذها من الضامن الثاني، فينتظم له تمام حقه في هذا السبيل.
ولو أن مستحقَّ الدين بعد استيفاء الخمسة والأربعين من تركة الأصيل أراد مطالبة الضامن الثاني، فله مطالبته بتمام البقية، وهو خمسةٌ وأربعون، ثم إنهم يرجعون على تركة الضامن الأول بثلاثين من غير مزيدٍ؛ للقاعدة التي أوضحناها، فهذا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه.
وذكر الأستاذ أبو منصور تخطئة صاحب التلخيص، كما ذكرنا. ثم لما أراد ذِكْرَ الوجه الصحيح، [جعل] (4) لمستحق الدين مطالبة ورثة الضامن [الثاني] (5) بخمسةٍ
__________
(1) في الأصل: أن.
(2) في الأصل: فلا.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: سقط، ولما أعرف لها وجهاً بعدُ.
(5) في الأصل: الأول. والتصويب من سياق المسألة، وقد رأيناها كذلك فيما حكاه الإمام
الرافعي عن الأستاذ أبي منصور (فتح العزيز: (10/402) بهامش المجموع) .(10/436)
وسبعين درهماً من غير مزيدٍ، ثم إنهم يرجعون على ورثة الضامن الأول بما غرِموا، ويرجع ورثة الضامن الأول على تركة من عليه الدين بكمال التركة، وهو خمسةٌ وأربعون، وكان بقي في أيدي ورثة الضامن الأول خمسةَ عشرَ، فيضم ذلك إلى الخمسة والأربعين، ويكون المجموع ثلثي تركة (1) الضامن الأول.
هذا (2) كلام الأستاذ، وفيه تصريحٌ بأن مستحق الدين لو أراد مطالبة ورثة الضامن الثاني بكمال الدين، لم يكن له ذلك. وهذا خلاف بيِّن.
7090- والوجه عندنا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه، وذلك لأن الضامن الثاني ليس متبرعاً، إذا كانت تركة الضامن الأول وافيةً بالدَّين كلِّه، وقد قدمنا تقريرَه، وليس ينقدح لما ذكره الأستاذ وجهٌ إلا أن يقول قائل: الضمان في حق الأول غير ثابت في جميع الدين؛ فإن الضمان في حقه إذا كان تبرعاً، فالتبرع لا يستوعب التركةَ، وإنما ينفذ على وجه يختص في الثلث، وإذا لم يصح الضمان بكماله (3) من الأول، لم يصح ضمانُ الثاني عنه في كمال الدين؛ فإنّ شرطَ صحة ضمان الثاني [أن يصح] (4) ضمان الأول. فكأنَّ الأستاذ أبا منصور اعتقد أن ضمان الأول لم يصح إلا في مقدارٍ لو رجع معه في تركة المديون عليه، لما زاد ما تلف من تركته على ثلثها.
والأصحاب قالوا: ضمان الأول صحيح في الجميع، وإنما لا يستوعب تركتَه، لحقِّ ورثته، والذي لا يخرجه من تركته، فهو [باقٍ في ذمته] (5) .
ولو ضمن [من] (6) لا يملك شيئاً دَيْناً في مرضه، ومات، وضمن ضامنٌ عنه، فضمان الثاني صحيح، فإنا كنا لا نضمّن الضامن (7) الأولَ شيئاً. وهذا القبيل فيه
__________
(1) في الأصل: التركة للضامن.
(2) في الأصل: وهذا.
(3) في الأصل: بكمال.
(4) في الأصل: بأن صح.
(5) في الأصل: باقي من نصه (انظر صورتها) .
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) في الأصل: للضامن.(10/437)
تركيب (1) ؛ فإن الضمان في وضع الشرع البراءة، ولكن لما أنشأه في مرض الموت، لم يعترض على حقوق الورثة بالتأدية من جميع التركة، والذمةُ لا حقَّ [فيها] (2) للورثة، فثبت اللزوم، وإذا ثبت اللزوم، فضمان الضامن الثاني يُفيد ما لزم ذمتَه، لا ما يسهل أداؤه، ومَنْ ضمن ديناً على معسر، لزمه الدين على أصل الشافعي. فهذا وجه قول المشايخ.
ووجه قول الأستاذ أنه (3) لو لزمه الدين بكماله، لقُدّم الدين على حق الورثة.
ومهما قدمنا جواباً عن هذا، فليعلَم المحصِّل أن هذا الذي أنشأه المريض التزمه (4) ، وحكم التبرع في هذا الدين على الخصوص أنه لا يتعدى الثلث إذاً، فأما التعلّق بالذمة، فلا امتناع معه، وليس هذا كما لو أتلف في مرضه شيئاً؛ فإنّ قيمة المتلَف تتعلق بالتركة بالغةً ما بلغت؛ فإن القيمة عوضٌ، والضمانُ التزامٌ على الابتداء من غير عوض، فليتأمل الناظر هذا المنتهى. وهو أقصى الإمكان.
7091- ومما يتعلق بتمام البيان في المسألة أن صاحب التلخيص قال في ابتداء المسألة بعد ما فرض ضامناً عن ضامن: لو أراد مستحق الدين أن يوجّه الطلبَ ابتداء [على] (5) الضامن الأول، فالجواب في هذه المسألة كالجواب في المسألة الأولى، وهي إذا لم يكن إلا ضامن واحد. وهذا الكلام فيه نوعُ استبهام لم يتعرض الأصحاب له لوضوحه عندهم.
ونحن نقول: [قوله] (6) هذا كالمسألة الأولى أراد به أنه لا يطلب [من] (7) الضامن الأول إلا ستين درهماً، كما لا يطالَب إلا بهذا المقدار في المسألة الأولى، وله أَخْذُ
__________
(1) تركيب: التركيب مصطلح جدلي، سبق بيانه.
(2) في الأصل: منها.
(3) أن مع اسمها وخبرها في محل خبر (وجه) . وليست مقول القول.
(4) في الأصل: التزامه.
(5) في الأصل: عن.
(6) زيادة اقتضاها السياق.
(7) زيادة من المحقق.(10/438)
خمسةَ عشرَ من تركة المديون عليه في المسألة الأولى، وهذه المسألة تختص بمزيدٍ، وهو أنه يطالِب الضامنَ الثاني بخمسةَ عشرَ، وهي تتمة التسعين، ولولا الضامن الثاني، لما وصل إلى كمال حقه؛ فإذاً جواب المشايخ أنه يصل إلى كمال حقه [ولا فرق بين أن يطالب المضمون عنه] (1) وبين أن يطالب الضامن الأول أو الثاني أو يستغرق في ابتداء الأمر تركةَ المديون عليه، فهو في الجهات كلّها يصل إلى التسعين، والضامن الثاني تلف له خمسةَ عشرَ في كل حساب.
فهذا منتهى المسألة وفيها من دقائق الفقه، ما صحح به الفقه.
7092- مسألة في دور المحاباة مع ثبوت الشفعة: إذا باع مريض في مرض موته شقصاً يساوي ألفي درهم بألف درهم، لا مال له غيره، ولم يُجز الورثةُ الزائد على الثلث من المحاباة، والتفريع على أن بطلان البيع في البعض لا يوجب بطلانَه في الكل.
وإذا صححنا البيع في البعض، ففي كيفية التصحيح القولان المقدمان، ونحن نعيدهما في هذه المسألة حساباً وفقهاً لغرض صحيح، فإن قلنا: يصح البيع فيما يصح البيع فيه بجميع الثمن، فوجه الحساب فيه أن نقول: جاز البيع في شيء من الشقص بألف درهم، وبقي مع ورثة البائع من قيمة الشقص ألفان إلا شيئاً ومن الثمن ألفُ درهم وذلك ثلاثة آلاف إلا شيئاً، وهي تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة شيء إلا ألفاً، وضعفها شيئان إلا ألفين، فمعنا إذاً ثلاثة آلاف إلا شيئاً، تعدل شيئين إلا ألفين.
فنجبرهما من الجانبين، ونقول: نجبر شيئين بألفين؛ فإنهما ألفان مقدران في مدارج الحساب ومراسم الجبر، و [نحن] (2) نجبر ونقابل. وإذا جبرنا شيئين بألفين، زدنا على عديلهما ألفين، فيصير خمسة آلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء؛ فإنه نجبر جانب الآلاف بشيء، ونزيد على عديله مثله، فينتظم بعد الجبر والمقابلة قولُنا: خمسة اَلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء، فنقسم القدْرَ على الأشياء، فيخرج ألف وستمائة وستة
__________
(1) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.(10/439)
وستون درهماً وثلثان، فهي قيمة الشيء الذي جاز فيه البيع، وعلى الحقيقة خمسة أسداس الشقص.
والامتحانُ أن البيع إذا نفذ في هذا المقدار، وقد أخذ ورثةُ البائع بها ألف درهم، فصارت المحاباة ستمائة وستة وستون وثُلثين، وحصل معهم سدُسُ شقصٍ قيمته ثَلاثمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث ومن الثمن ألف درهم، فالمجموع ألفٌ وثَلاثُمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث. وهي ضعف المحاباة.
7093- وإذا فرّعنا على القول الثاني الذي عليه تفريع الفقهاء، وقلنا: البيع يصح في مقدارٍ بقسطٍ من الثمن، ووجه الحساب أن نقول: إن البيع جاز في شيء من الشقص قيمته نصف شيء، فيبقى مع ورثة البائع ألفان إلا نصف شيء تعدل شيئاً، فنجبر الألفين بنصف شيء، ونزيد مثلَه على عديله، فيكون ألفان يعدلان شيئاً ونصفَ شيء، فالشيء من الشيء ونصف ثلثاه، فنقول: صح البيع في ثلثي الشقص وقيمته ألفٌ وثَلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، بثلثي الثمن وذلك سِتُّمائة وستة وستون وثلثان، فالمحاباة إذاً ستمائة وستٌّ وستون وثلثان، وبقي مع ورثة البائع ثلث شقص قيمته ستُّمائة وستة وستون وثلثان، وثلثا الثمن، وهو أيضاً ستّمائة وستة وستون وثلثان، وذلك ألفٌ وثَلاثُمائة وثلاثة وثلاثون، فهو ضعف المحاباة.
وإذا أخذ المشتري ما ذكرنا في التفريع على هذا القول فالشفيع يخلفه، ويأخذه، وينزل منزله.
وإن فرعنا على القول الأول، وهو أن المشتري يأخذ خمسة أسداس الشقص بالألف، فالشفيع يأخذها بالألف.
7094-[و] (1) غرضُ هذا الفصل أنا لا نحكم بأن النصفَ مبيعٌ بالألف والثلث هبة، بل الخمسة الأسداس مبيعةٌ بالألف.
فإن قدّر مُقدّرٌ تمييز التبرع عما يقابل الثمن، فهو تقديرٌ حسابي، وليس بتحقيقٍ، والدليل عليه أنه لو ردّ البيعَ، وطلب الهبة في الثلث، لم يُجب، وعلى حالٍ
__________
(1) (الواو) زيادة من المحقق.(10/440)
لا [هبة] (1) في المحاباة أصلاً، بدليل أنا لا نشترط القبض في مقدارٍ منه، ولولا هذا الغرض، لما ذكرنا هذه المسألة؛ فإن سبيل الحساب في أمثالها قد بان.
ويتصل بهذه المسألة أن المشتري لو اختار فسخَ العقد وطلب الشفيعُ الأخذ بالشفعة، ففي المسألة قولان، ذكرناهما في نظائر هذا في كتاب الشفعة، فإن نفذنا فَسْخ المشتري، بطلت الشفعة، وإن لم ننفذها، انقطعت عهدة العقد على (2) المشتري في حق البائع، وخلفه الشفيع، حتى كأنه المشتري.
مسائل دائرة في ألفاظ [المقرّ] (3)
7095- إذا ادّعى رجل على رجلين مالاً، فقال كل واحد منهما للمدعي: عليّ عشرة إلا نصفَ ما لَه على صاحبي، وجرى منهما اللفظان على هذا النسق، فالمسألة تدور؛ فإنا متى أسقطنا عن المقر الأول شيئاً من العشرة، نقص ما يسقط عن المقر الثاني، وإذا نقص ما يسقط عن الثاني، زاد ما نسقطه عن الأول، وإذا زاد ما نسقطه من الأول، نقص ما نسقطه عن الثاني.
وحساب المسألة بطريق الجبر أن نجعل على كل واحد منهما عشرة إلا شيئاً، ثم نأخذ نصفَ أحد المبلغين؛ فإن كلّ واحد منهما مالٌ إلا نصفَ ما على الثاني، فنصف أحد المبلغين خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء، فذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة، وقد قلنا في وضع المسألة: على كل واحد منهما، عشرة إلا شيئاً، ثم استخرجنا بعد هذا الوضع النصفَ مما على كل واحد منهما، فتحقَّق أن الشيء الذي استثنياه خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء.
فنعود إلى المعادلة ونقول: خمسةٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئاً، فنجبر ونقابل، ونزيد على خمسةٍ إلا نصفَ شيء [نصفَ شيء] (4) ونزيد على عديله مثله، فيكون
__________
(1) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) تأتي (على) مرادفة لـ (عن) .
(3) في الأصل: المقدر.
(4) ساقط من الأصل.(10/441)
خمسة معادلة لشيء ونصف، فالشيء ثلثا الخمسة، وهو ثلاثة وثلث، فنُسقط من العشرة ثلاثة وثلث، تبقى منه ستة وثلثان، فهي مقدار ما على كل واحدٍ منهما، فإذاً على كل [واحد] (1) عشرة إلا نصفَ ما على صاحبه.
7096- فإن قال كل واحدٍ منهما: عليّ عشرةٌ إلا ثلثَ ما على صاحبي، فسبيل الحساب أن نجعل على كل واحد منهما عشرةً إلا شيئاً، ثم نأخذ ثلثَ ما على كل واحد منهما، وذلك ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلثَ شيء، وهو يعدل الشيء الذي أسقطناه من العشرة، فنجبر الثلاثة والثلث [وثلث شيء] (2) بثلث شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فتصير ثلاثة دراهم وثلث في معادلة شيءٍ وثلث، فالشيء ثلاثة أرباع ذلك، وهو درهمان ونصف، فنُسقط ذلك المقدار من العشرة في حق كل واحد منهما، فيبقى على كل واحدٍ سبعةُ دراهم ونصف، ولو زدتَ على هذا المقدار ثلثَ المقدار الآخر، لكان عشرة. وعلى هذا فقس.
7097- فإن قال أحدهما: له عليّ عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له عليّ عشرة إلا ثُلثَ ما على الآخر، فاجعل على أحدهما ثلاثة أشياء لذكر الثلث، وقل على الآخر عشرة إلا شيئاً، فخذ نصفَ ذلك، وهو خمسة إلا نصفَ شيء فزدها على الذي على الآخر، وهو ثلاثة أشياء، فيكون خمسة دراهم وشيئين ونصف، فإنه كان ثلاثة أشياء والخمسة المضمومة فيها استثناء ونصف شيء فنزيل الاستثناء، ونُسقط نصفَ شيء، وهذه الجملة تعدل عشرة دراهم، فنسقط الخمسة بالخمسة، فيبقى شيئان ونصف في مقابلة خمسة، فنخرج قيمة الشيء الواحد درهمين، والذي قررناه على أحدهما ثلاثة أشياء، فهي ستة دراهم، وكان على الآخر عشرة إلا شيئاً، فذلك ثمانية، ومتى زيد ثلث الستة على الثمانية، صارت عشرة، ومتى زيد نصف الثمانية على الستة، صارت عشرة.
7098- مسألة: إذا قال كل واحد منهما: له عليّ عشرة ونصف ما على الآخر،
__________
(1) في الأصل: واحدة.
(2) زيادة اقتضاها السياق.(10/442)
فوضْعُ هذه المسألة يخالف ما تقدم؛ فإن الذي قدمناه فيه إذا اعترف كلُّ واحد منهما بعشرة، واستثنى منها [جزءاً] (1) مما على الآخر، وهذا (2) النوع الذي [افتتحناه] (3) فيه إذا اعترف كل واحد منهما بعشرةٍ ومقدارِ جزئها على الآخر، فلا شك أن المقَرَّ به في حق كل واحد منهما أكثرُ من العشرة.
وقد ذكر الحُسّاب مسلكاً في هذا الفن مطرداً، ونحن نذكر سبيل خروجه بمثابة (4) .
[قالوا] (5) إذا ضم كلُّ واحد منهما إلى العدد الذي أقرّ به جزءاً مما أقر به الآخر واستوى [المقَرُّ به] (6) والجزءان من الجانبين، نظرنا في المَخْرج الذي يخرج منه الجزء المذكور، وجعلنا الجزء مما [يلي] (7) ذلك المَخْرج؛ نظراً إلى [الانتقال إلى] (8) العدد في المخارج على وِلائها.
فإن قال كل واحد منهما: لهذا المدعي عليّ عشرة ورُبع ما على صاحبي، وقال صاحبه مثلَ ذلك، فنقول: يتقدم على الربع [نصفٌ] (9) وثلث، فعلى كل واحد منهما عشرةٌ وثلثُ عشرة، والمجموع ثلاثةَ عشرَ وثلث، ثم الحساب في الإضافة منتظمٌ؛ فإنّ على كل واحدٍ منهما عشرة وربع ما على الآخر؛ لأن على كل واحد ثلاثة عشر وثلث والثلاثة والثلث ربع ما في جانب [صاحبه] (10) .
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل قدر ثلاث كلمات.
(2) في الأصل: هذا (بدون الواو) .
(3) في الأصل: امتحناه.
(4) بمثابة: أي بمثابة واحدة.
(5) في الأصل: ما لَوْ.
(6) مكان بياضٍ بالأصل قدر كلمتين.
(7) مكان بياضٍ قدر كلمة.
(8) مكان بياض بالأصل: نرجو أن يكون صحيحاً. والسياق مفهوم على كل حال.
(9) مكان بياضٍ بالأصل.
(10) زيادة اقتضاها السياق.(10/443)
7099- وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة وثلث ما على صاحبي، [ننتقل] (1)
من الثلث إلى ما قبله على الاتصال وهو النصف، ونقول: على كل واحد منهما خمسةَ
عشرَ، وإذا زدنا هذا إلى الإضافة المذكورة، خرج الكلام معتدلاً؛ فإن على كل
واحد منهما عشرة وثلث ما على صاحبه؛ فإن الخمسة من الخمسةَ عشرَ ثلثها.
7100- وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة ونصف ما على صاحبي، فعلى كل
واحد منهما عشرون؛ فإن وراء النصف الكلُّ إذا جَريْتَ على [التنزل في] (2) العدد،
ولم تكسِّر، ثم خروجه على الامتحان بيِّنٌ.
فهذا قياسٌ طردَه الحُسّاب.
وبيان الحساب في هذا الفن أن نقول: إن (3) كل واحد منهما إذا قال: لفلان عليَّ
عشرة وثلثُ ما على الآخر، إن ذلك يحمل على ثُلث العشرة، وقلنا: له على كل
واحد منهما أكثر من العشرة، [أي له] (4) أن يأخذ الثلث من العشرة والزيادة، فإذا
تنتهي لذلك، فسبيل الحساب أن نقول: إذا قال كل واحد منهما: له عليَّ عشرة وثلث
ما على الآخر، فنقول: [لا شيء] (5) غير الثلث مجهول؛ فنجعله (6) شيئاً، فنجعل
على كل واحد منهما عشرةً وشيئاً، ثم نأخذ الثلث من أحد الجانبين، على هذا
الوضع، فيقع ثلاثة [وثلثاً] (7) ، وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على العشرة،
فنُسقط ثلثَ شيء بثلث شيء، فيبقى ثلاثة دراهم وثلثٌ، في مقابلة ثلثي شيء؛
فالشيء يعدل خمسةَ دراهم.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) مكان بياضٍ في الأصل.
(3) عبارة الأصل هكذا: أن نقول: إن فلاناً [....] إن كل واحد منهما ... إلخ.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(5) هكذا قدرناها على شيء من الاستكراه. ولكن المعنى مفهوم على كل حال.
(6) في الأصل: فنجعل.
(7) ساقطة من الأصل.(10/444)
وعلى هذا البابُ وقياسُه، فاعتبروا (1) .
7101- وإذا قال كل واحد منهما: لفلان علي عشرةٌ ونصفُ ما على صاحبي، فقد قلنا: على كل واحد منهما عشرون [وطريق الحساب] (2) أن نقول: على كل واحد منهما عشرة وشيء، ثم نأخذ النصف [من] (3) أحد الجانبين، فيكون خمسةً ونصفَ شيء، وهي تعدل الشيء الزائد على العشرة، فنُسقط نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى خمسةٌ في مقابلة نصف شيء، فالشيء إذاً عشرة، ولما قلنا: على كل واحدٍ منهما عشرةٌ وشيء، فالمراد أن على كل واحدٍ عشرةٌ وعشرة.
7102- مسألة: إن قال أحدهما: له علي عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له على عشرة وثُلث ما على الآخر، فاستثنى أحدُهما لينقص، وزاد الثاني جزءاً ليزيد. وطريق الحساب في المسألة أن الأول لما استثنى من العشرة، علمنا أن عليه عشرة إلا شيئاً، وهذا الشيء هو نصف ما على الثاني، فنقول: على الثاني شيئان، وقد قال ذلك الثاني: علي عشرة وثلث ما على الآخر. وثلث الدين على الآخر ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلث شيء، فزد ذلك على العشرة في جانب الزيادة، فتكون ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث درهم إلا ثلثَ شيء؛ وذلك يعدل شيئين؛ فإنا قدّرنا جانبه شيئين. نأخذ الاستثناء ونقابل، فيكون ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم تعدل شيئين وثلث شيء (4) ، فالشيء الواحد يعدل خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم، وكان على أحدهما شيئان، فذلك أحد عشر درهماً وثلث وثلاثة أسباع.
وكان على الآخر عشرةٌ إلا شيئاً، فذلك أربعة وسبعان، فعلى المقر المستثني أربعةُ دراهم وسبعا درهم، وعلى [المقر] (5) الآخر أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم،
__________
(1) فاعتبروا: أي فقيسوا،
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: في.
(4) عبارة الأصل: يعدل شيئين وثلث شيئين، وثلث شيء، فالشيء الواحد ... إلخ.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.(10/445)
وإذا زيد نصفها وهي خمسة وخمسة أسباع على الآخر، وهو أربعة دراهم وسبعان [كان] (1) عشرة.
وإذا أخذنا ثُلثَ أربعة وسُبْعَيْن، وذلك درهمٌ وثلاثةُ أسباع، ونزيده على العشرة، تبلغ أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم.
فهذا مأخذ مسائل الباب.
7103- مسائل: في دَوْر الكتاب (2) :
إنما أورد الحُسّاب [هذه] (3) المسائل هاهنا لتعلقها بالعتق وطرفٍ من حكم المعاوضة. وقد تمهد فيما تقدم حكمُ العتق الواقع تبرعاً، وحكمُ المحاباة في البيع، ومسائلُ الكتابة [متركّبةٌ] (4) منها، [فحسن] (5) وضعها على أنه كان [كالأصلين] (6) المتمحّضَيْن.
ومسائلها تتعلق بصنفين: أحدهما - في وقوع الكتابة تبرعاً، وذلك بأن يكاتِب المريضُ أو يوصي بالكتابة.
والصنف الثاني - يتعلق بإعتاق مكاتَب [صارت] (7) مكاتبته في صحة مولاه، وطلاق (8) الحجر عنه، ثم يفرض إعتاقه في مرض المولى، أو تفرض الوصية بإعتاقه.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) الكتاب: أي الكتابة والمكاتبة، تقول: كاتبت العبد مكاتبة وكتاباً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] .
انظر المصباح، وتفسير الطبري.
(3) في الأصل: من.
(4) في الأصل: فتركته.
(5) في الأصل: يحسن.
(6) في الأصل: الأصلين. والعبارة ما زال فيها نوع قلق واضطراب.
(7) في الأصل: صيرت.
(8) طلاق الحجر عنه: انفكاك الحجر عنه، فالإنسان قبل مرض الموت، لا حجر عليه، ولو تصرف في ماله كله، فلا حرج عليه.(10/446)
7104- فأما الصنف الأول - فإذا كاتب المريضُ عبداً في مرض موته لا يملك غيرَه، فهذا لا يتفضَّل على ما يؤثره المنتهي إلى هذا المحل إلا بأن نحكي منه النصّ، وما ذكره الأئمةُ على الإطلاق، ثم نُتْبعه التفصيلَ الموصّل إلى الاطلاع على الحقائق.
نقل الأئمة عن نص الشافعي أنه قال: إذا كاتب عبدَه في مرضه، لم تثبت الكتابة إلا في الثلث، وأطلق رضي الله عنه إن الكتابة تثبت في الثلث، [فإذا أدى نجوم الثلث عتق] (1) ثلث العبد، ولا نظر إلى مقدار النجوم (2) ، وكأنه جعل الكتابة كالإعتاق المنجّز الموجّه على العبد في المرض، وأول ما يجب التنبّه له في إتمام نقل هذا القول -إلى أن نفضل خبايا التفريع عليه- أن الشافعي نصّ في مواضع من كتبه على يسار (3) مكاتبة بعض العبد، وسيأتي ترتيبٌ في ذلك في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
والمقدار الذي لا نجد بُدّاً من ذكره أن الشافعي قطع قولَه بأن مالك العبد في الصحة والإطلاق (4) ، لو كاتب بعضَ عبده، لم يجز، ولو فرض عبدٌ نصفه حر ونصفُه عبد، فكاتَب مالكُ نصفه النصفَ منه، فالكتابة صحيحة قولاً واحداً.
وإن كان العبد مشتركاً بين شريكين، فكاتب أحدهما نصيبه [بغير إذن] (5) الشريك، لم يجز في ظاهر المذهب، وإن كاتب نصيبه [بإذن] (6) الشريك، ففيه قولان (7) . وستأتي هذه الصورة وما فيها من تخريجاتٍ وأقوال في بعض ما أطلقنا فيه قولاً واحداً.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل. وانظر روضة الطالبين: 6/296.
(2) أي لا نظر لمقدار النجوم، ونسبتها لقيمة العبد، وحصولها في يد الورثة.
(3) كذا بوضوح تام (يسار) : وعندي أن صواب العبارة: "على اشتراط يسار مكاتِب بعض العبد". وذلك أن الشريك إذا كاتب شقصه من العبد المشترك، فعتق، قوّم شقص شريكه عليه وسرى العتق إليه. ومن هنا جاء شرط اليسار لصحة مكاتبة بعض العبد. والله أعلم.
(4) الإطلاق: أي الإطلاق عن الحجر عليه فيما زاد على الثلث.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) أظهرهما لا يصح (ر. روضة الطالبين: 12/228) .(10/447)
وقد ذكرنا أن المريض إذا كاتب عبده، وقلنا: لا تصح الكتابة في جميع الرقبة، فإن أجرينا هذا مجرى مكاتبة الصحيح المطلَق بعضاً من عبده الخالص، فيجب أن نحكم بفساد الكتابة لورودها على بعض العبد الخالص للسيد.
[وإن] (1) نزلنا هذا منزلة العبد المشترك، لانحصار حق المريض في مقدار الثلث، فينبغي ألا (2) نقطع القول بصحة الكتابة في الثلث.
وقد قال بعض الأصحاب: إذا أفسدنا الكتابة في بعض العبد من أجزاء شركاء فتفسد الكتابة رأساً من المريض، وهؤلاء نزّلوا ذلك منزلة مكاتبة بعض الشركاء حصةً من العبد المشترك.
والذي ذهب إليه الجمهور من الأئمة أن الكتابة تصح من المريض في بعض العبد، وإن منعنا صحة الكتابة من أحد الشريكين، وهؤلاء يحملون مسألة المريض على قاعدة العبد المشترك أيضاً، ولكنهم يفرقون بين مكاتبة المريض وبين مكاتبة الصحيح قسطاً من عبدٍ مشترك، ويقولون: إذا [كاتب] (3) أحدُ الشريكين نصيبه، فمِلْك شريكه ثابتٌ في شركته، [والمكاتبة] (4) تتضمن إضراراً به، لو وفّرنا عليها موجبَها، ولمّا كاتب المريضُ، لم يكن حقُّ الورثة في الثلثين منجّزاً، و [لما] (5) لم يثبت حقُّهم (6) استقرت الكتابة مع حقهم، [ولذا] (7) لم نجعل كتابةَ المريض ككتابة صحيحٍ بعضَ عبده؛ فإنه ليس مطلق التصرف في جميع العبد.
هذا ما ذكره هؤلاء واحتمال المسألة لائح، وذلك نقلُ النص مع ما فيه من خلاف الأصحاب.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في صحة الكتابة قولان، كما مرّ آنفاً.
(3) في الأصل: كان.
(4) في الأصل: والمكاتب.
(5) زيادة من المحقق، والسياق في هذه الجملة مضطربٌ قلق. ولكن ماذا نملك؟!!!
(6) أي لم يثبت عند الكتابة.
(7) زيادة من المحقق.(10/448)
7105- وذكر الحُسّابُ من فقهاء الأصحاب مسلكاً آخر، فقالوا: الكتابة لا تنحصر على الثلث وهذا تخريجٌ، وإن كان مشهوراً مذكوراً في الطرق مفرّعاً عليه، فالرأي أَنْ [نوجه] (1) النصَّ والتخريجَ على الجملة أولاً: أما وجهُ النص، فهو (2) أن الكتابة عقد تبرّع، وإن فُرض كسبٌ (3) فذاك ليس مستفاداً بالكتابة؛ فإنه لو بقي رقيقاً واكتسب، لكان كسبه لماللث رقبته، [فعوض] (4) الكتابة في التحقيق ليس عوضاً مستفاداً في مقابلة الرق، ولأجل هذا قال الفقهاء: المكاتِبُ يقابِل ملكَه بملكه.
فهذا وجه النص على الجملة.
وأما وجه. التخريج، فهو أن العبد لا يكون مطالباً بالكسب في اطراد الرق عليه، ولا حق للمولى عليه، والكتابةُ توجب للمولى عليه حقاً، وهذا الوجوب يستحيل [أن يكون] (5) مع استمرار الرق، فليست الكتابة [كالإعتاق] (6) المحض، وفيه (7) على [الجملة] (8) تحصيل [نوع عوض] (9) .
هذا بيان التوجيه على الإطلاق.
فمن خرّج على النص، لم يكن عليه في هذا المقام بعدُ تفصيل، والقدر الذي يجب التنبه له ماذكره من صحة الكتابة في بعض العبد، فلا فرق إذاً بين أن [يكاتِب] (10) المريض على مقدار قيمته وبين أن يكاتبه على أقلَّ من قيمته أو أكثر منها، فالكتابة لا تتعدى ثلث العبد.
__________
(1) في الأصل: الوجه.
(2) في الأصل: وهو.
(3) "وإن فرض كسب ... " المراد نجوم الكتابة.
(4) في الأصل: ففرض.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) في الأصل: والإعتاق.
(7) وفيه أي عقد الكتابة.
(8) مكان بياض بالأصل.
(9) تقدير منا بدل بياض في الأصل.
(10) في الأصل: مكاتبة.(10/449)
ومن زعم أن الكتابة تتعدى ثلثَ العبد فقد اضطربوا فيه، فذكر الصيدلاني في مجموعه في المذهب أن المريض إذا كاتب عبداً قيمته مائة بمائة، ومات، فأدى العبد ثُلثَ النجوم، قال: يعتق الثلث منه على القول المخرّج، ويصير ثلثٌ آخرُ منه مكاتباً بحضور النجوم التي قابلت الثلث الأول في يد الورثة، فيكون في أيديهم الآن ثلثُ النجوم، وهو مثل ثلث القيمة، وثلث [عبدٍ وثلثٌ] (1) مكاتب، فإذا أدى نجومَ هذا الثلث الثاني عَتق هذا الثلث، وصار الثلث الآخر مكاتباً [لأجل] (2) حصول ثلثي النجوم في أيدي الورثة، فإذا أدى تمامَ النجوم عَتَق كلُّه.
هذا تمام مسلكه في التفريع على القول المخرّج.
وذهب (3) معظم المفرعين على القول المخرّج إلى أن الكتابة وإن تعدّت الثلثَ لا تستغرق الرقبة، وإنما تثبت في مقدار يقتضيه الحساب، كما سنوضحه في التفريع، ونعملُ القدر الذي يتعلق الفهمُ به إلى كمال البيان.
إنه إذا كاتب عبداً قيمته مائةٌ بمائةٍ، فهؤلاء يقولون في هذه الصورة: تثبت الكتابة في تصوير لا يتعدى [العتقُ] (4) النصفَ، وتوجيه ذلك يَبِينُ عند الانتهاء إلى التفريع. هذا نقلُ ما قيل على الإطلاق.
7106-[ونحن] (5) بعد هذا [نأتي] (6) بفصولٍ: أحدها - في تفصيلٍ [لا نبتديه] (7) وبه يَبين محلُّ الأقوال.
والآخر - في تصحيح ما يصح [وبيان] (8) ما يفسد.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: لأصل.
(3) في الأصل: فذهب.
(4) مكان بياض بالأصل.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) عبارة الأصل: بعد هذا أنه بفصول.
(7) لا نبتديه: أي لا نبتدعه. وهي تقرأ هكذا بصعوبة بل بتوسُّم.
(8) كذا قدرنا مكان بياض بالأصل.(10/450)
والثالث - في التفريع التام المشتمل على الحساب في محل [الأقوال والتخريج] (1) .
7107- فأما الأول، فليعلم الناظر إلى محل الأقوال [أنه] (2) إذا كاتب المريض [عبدَه] (3) في مرض موته، ثم لم يؤدِّ في حياة المكاتِب شيئاً، وإنما ابتدأ الأداءَ بعد الموت، فإنه لو أدى النجوم، وحصَّلها في حياة المولى، فتلك النجوم زيدت في التركة، ولو فرضنا حصولها في استمرار الرق، ثم قدرنا الكتابة بعد حصولها، زادت الكتابة على ثلث الرقبة، بحضور تلك الأكْساب، فإذاً نصُّ الشافعي فيه إذا لم يحصُل أداءُ النجوم في الحياة، وفي [كلام] (4) الأئمة تصريحٌ بهذا، وهو مما لا يشك الفقيه فيه.
ومما تجب الإحاطة به في تعيين محل الأقوال أن الأئمة أطلقوا ذِكْر الاكْساب، ولم يفصّلوا بين ما يحصل في يد المكاتَب من الصدقات وبين ما يكتسبه من جهات الكسب. وليست [كذلك. فإنهم ما] (5) أجْرَوْا ما يحصل كسباً مجرى ما يحصل من الصدقات؛ فإن الاكساب إن فرضت ملكاً لمالك الرق، فليست الصدقات كذلك؛ فإنه لا يتصور حصول الصدقات في يد الرقيق.
والذي يجب ضبطه في ذلك أن المكاتب لو اجتمعت في يده أكسابٌ، ثم رقَّ وعجّزَ نفسَه، فتلك الأكساب تكون ملكاً لمولاه، ولو كان قد اجتمع في يده شيء من الصدقات، ثم رقّ، وعجّز نفسه، فتلك الصدقات مردودٌ على أصحابها، فما ذكره الأئمة مخصوصٌ بالأكساب (6) دون الصدقات.
__________
(1) هذا تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: منه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) مكان بياض بالأصل.
(5) تقدير منا مكان بياض بالأصل وعبارة مضطربة هكذا: "من جهات الكسب. وليست اخروا
ما تحصيل كسباً ... إلخ".
(6) في الأصل: الأكساب (بدون الباء) .(10/451)
7108- فإذا تمهد هذا، فالقول بعده في التصحيح [وبيان ما يصح ويفسد] (1) : نقول: إذا كانت الأقوال تجري في تحصيل الكسب بعد الموت، فلا يتجه على قاعدة الفقه إلا نصُّ الشافعي؛ فإن ما يكسبه العبد لا يقع في ملك المولى، حتى يُعدَّ من تركته، فما (2) استثناه الشرع له، وهو الثلث محسوب من حقه، فأما الزائد عليه، فبعيد عن قاعدة الفقه إثباتُ الكتابة فيه. ثم إذا ظهر ما يخالف النصّ، فيبقى بعد هذا النظرُ في طريق الأصحاب في القول المخرج.
وأما من صار إلى استيعاب جملة الرقبة، فقد تباعد عن مأخذ الفقه بالكلّيّة، وكأنه وقع له أن الكتابة [معاوضةٌ] (3) فيها حيلولة (4) ، والدليل عليه أنه حصّل العتق في تمام الرقبة عند أداء النجوم التي هي مقدار القيمة.
وهذا مع ما قدمناه من بيانِ محل الأقوال في نهاية الضعف؛ فإن الاكساب تقع بعد الموت، وإذا مات الموروث ثبتت حقوق الورثة، فالمكاتب إذاً مكتسب بملك الورثة، وهم لم يكاتبوه، ومن سلك المسلك الآخر، لم ينته إلى هذا الإبعاد، وكأنه يجعل عتقَ الرقبة تبرعاً، ويجعل ما يحصل من النجوم تركةً، ويحصّل العتق في الرقبة بمقدارٍ يقع ثلثاً بالإضافة إلى ما يحصل في يد الورثة من النجم، وبعض الرقبة.
ومما يتم به البيان أن المكاتب لو حصّل الكسبَ في حياة السيد [ولم يؤدِّه] (5) ، فالذي أراه أنه بمثابة ما أداه؛ فإنه حاصلٌ [في حياته.
هذا تمام] (6) ما أردناه في ذلك.
7109- والغرض الثالث - التفريع: فإن فرّعنا على النص، فلا مزيد على
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: مما.
(3) في الأصل: مفاوضة.
(4) كذا. ويبدو أن في الكلام سقطاً تقديره: "فيها حيلولة بين الورثة وبين الرقبة" وهذا يفهم من كلامه في الصفحات التالية.
(5) في الأصل: ولم يؤد.
(6) عبارة الأصل: "حاصلٌ فيه إتمام ما أردناه في ذلك".(10/452)
ما ذكرناه. فإذا كاتب المريض -وقد بان محل الأقوال- عبداً لا يملك غيرَه، فالمكاتبة ثابتةٌ في ثُلُثه، سواء كانت النجوم مثلَ قيمة الرقبة أو أقلَّ منها أو أكثر، فإنا نجعل الكتابة تبرعاً بمثابة الإعتاق، والكسبَ في الثلثين بحق الورثة، وليس محسوباً عليهم من التركة، غيرَ أن العتق لا يثبت في الثلث إلا على الوجه الذي [يوقعه] (1) السيد.
[وإن فرعنا] (2) على التخريج، [فقد يقع] (3) استيعاب العتق في الرقبة بطريق الكتابة على التدريج الذي حكيناه عن الصيدلاني، فإنه يقول: لو كانت الكتابة واقعةً بثلثي قيمة العبد، يقع العتق في العبد كله فيعتِق ثلثاه بالمعاوضة، وثلثُه يعتِق تبرعاً واقعاً في الثلث.
ومن اقتصر في التفريع على التخريج، وقع في أدراج [] (4) .
فإن كاتب العبدَ بمثل قيمته، فلا دور، والأمر قريب، وتقريب العبارة فيه أن نُفتي أولاً ونقول: يعتِق نصفُه بطريق الكتابة إذا أدى نصفَ (5) النجوم ويرِق نصفه، فيكون الحاصل في يد الورثة نصفُ النجوم، وهو خمسون، ونصف [رقبته] (6) وقيمته خمسون، وذلك ضعف العتق، وإنما يحصل العتق إذا أدى نصفَ النجوم.
فإن قيل: كيف يحصل العتق في البعض، وقد حصلت الكتابة في الكل؟ [قلنا: قد] (7) بينا أن كتابته محمولةٌ على كتابة الشريك نصيبَه، وإذا كاتب الشريك نصيبَه وصححنا الكتابةَ، فالعتق يحصل بأداء النجوم في ذلك المقدار لا محالة.
7110- فإن أردت أن تعبر عن ذلك بمسلك الجبر أمكنك [أن] (8) تقول: صحت
__________
(1) في الأصل: يوصيه.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) لم يتيسر لنا تقدير مكان هذا البياض، ولعل صحة العبارة هكذا: "في التفريع الذي وقع في
أدراج الكلام" والله أعلم.
(5) في الأصل: نصف بعض النجوم.
(6) في الأصل: لرقبته.
(7) في الأصل: ثلثا فقد.
(8) زيادة من المحقق.(10/453)
الكتابة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وقد أدى عما جازت الكتابة فيه شيئاً؛ لأن الكتابة مثلُ القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائة درهم؛ لأن العبد مائة، ولما قلنا: نفذت الكتابة في شيء، بقي عبدٌ إلا شيئاً، فلما أدى المكاتب شيئاً، انجبر ذلك الاستثناء، فصار في أيدهم مائةٌ كاملةٌ وهذه المائةُ، تعدل ضعفَ ما صحت الكتابة فيه، وهو شيئان، فالشيء نصف المائة، وهو نصف الرقبة. وهذا فيه إذا عجّل نصفَ النجوم.
فإن لم يعجِّل ما عليه، جازت الكتابة في الحال في ثُلثه، وللورثة ثلثا رقبته، فإذا أدى -بعد ذلك- النصفَ، حكمنا بمائة [للورثة] (1) وعلى الورثة أن يؤدوا أَخَرةً (2) سدسه في الذي لم نُطلق القولَ في الكتابة فيه؛ فإنا [تبيّنا] (3) أن ذلك السدس كان [مكاتباً عنه] (4) .
فإن كاتبه على مائةٍ وخمسين، فالتفريع على النص كما تقدم: [فالكتابة] (5) تجوز في ثُلثه بخمسين، ويأخذ الورثة ثلثي الرقبة، وثلثَ النجوم، وذلك أكثر من ضعف الوصية، ولكن ذلك الكسب بعد الموت غيرُ محسوب من التركة.
فليفهم الناظر هذا الموضع.
ومن فرعّ على التخريج مع الاقتصار [على ما وصفناه] (6) فطريق الحساب أن يقول: إذا أدّى ما عليه، [جازت الكتابة في شيء يساوي] (7) ما عليه، فلما جازت الكتابة في شيء وهو يؤدي عنه شيئاً ونصفَ شيء؛ فإن النجوم على هذه النسبة من القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائةُ درهم [ونصف شيء] (8) ، يخرج من
__________
(1) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) أَخَرة: أي أخيراً (معجم) .
(3) في الأصل: بيّنا.
(4) مكان بياض بالأصل لا نقطع به.
(5) في الأصل: بالكتابة.
(6) زيادة على ضوء ألفاظ الإمام في الصفحات التالية.
(7) مكان بياض بالأصل. وليس مستقيماً تماماً.
(8) في الأصل: ونصف درهم.(10/454)
المائة أولاً شيء ويعود من النجوم شيء ونصفُ شيء، وتبقى مائة درهم ونصف شيء، وذلك يعدل شيئين، فنطرح نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى مائةُ درهم تعدل شيئاً ونصفَ شيء، والشيء من شيءٍ ونصف ثلثاه، فتصح الكتابة من ثلثي المائة، وهو ثلثا العبد، وللورثة ثلث الرقبة وثلثا النجوم، ومبلغهما جميعاً مائةٌ وثلاثةٌ وثلاثون وثُلُث، وذلك ضعف ما جازت الكتابة فيه، وهو ثلثا الرقبة.
وإن لم يعجّل ما عليه، جازت الكتابة في ثُلُثه في الحال، فإذا أدى بعد ذلك الثلثين، فالتفصيل على ما ذكرناه، وتبيّن بهذا منتهى ما يؤديه [وكذا] (1) ما تثبت الكتابة فيه.
فإن أدى ثُلثَ الكتابة، زاد في الكتابة مثلَ نصف ما أدى؛ لأنه إذا أدى خمسين، فقد حصل في يد الورثة من النجوم هذا القدرُ، فإذا قلنا: الكتابة واقعةٌ على الثلث [و] (2) تعديل الكلام على قياس القول المخرّج، فإنه يحصل في يد الورثة ستةٌ وستون وثلثان من الرقبة، وخمسون من النجوم، والحاصل من التبرع في ثلث العبد، فإذا أثبتنا الكتابة في النصف وقيمتُه خمسون، فقد حصل في يد الورثة خمسون من النجوم وقيمة النصف الباقي خمسون، فهذا المجموع ضعف نصف الرقبة.
7111- ثم [الذي] (3) يجب القطع به أنه إذا أدى ثلثَ الكتابة، لم يعتِق منه شيء؛ فإن الكتابة بطريق التبيّن محلُّها الثلثان، وإذا كان كذلك، لم يعتق منه شيءٌ ما بقي عليه [شيء من] (4) الكتابة.
وإذا أدى الثلثين، عتق منه الثلثان حينئذٍ؛ فإنه استوفى محلَّ الكتابة بكماله. وقد أطلقنا في حكاية ما أورده الصيدلاني أنه إذا أدى ثُلثَ الكتابة هل تتعدّى الكتابة إلى ثلثٍ آخر؟ وحاصل ما ذكره ابن سُرَيج وجهان: أحدهما - أنا لا نتعدى ثلثاً، ورددنا الكتابة في الثلثين، وهذا ظاهر النص، وهو القياس؛ لأن الكتابة وإن كانت
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) زيادة اقضاها السياق.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) عبارة الأصل: "ما بقي عليه في ... الكتابة".(10/455)
في صورة [المعاوضة] (1) ، فهي كالتبرع المحض بلا عوض؛ فإنها مقابلة الملك بالملك.
والوجه الثاني - أنه إذا أدى كتابة الثلث، فإنا نثبت الكتابة في ثلثٍ ثانٍ، وإذا أدى كتابةَ الثلث الثاني، أثبتنا الكتابة في الثلث الثالث، ثم لا نحكم بعتق شيء من الأثلاث، حتى يؤدي [آخر] (2) ما عليه في الثلث الثالث؛ فإنه يستحيل في الكتابة -وهي واحدةٌ- أن ينفذ العتقُ في جزءٍ مع بقاء شيءٍ من النجوم.
7112- وعلينا بقيةٌ صالحةٌ [من] (3) فقه هذا الفصل في الكتابة، وإنما ذكرنا هاهنا ما مست الحاجة إليه في الحساب.
ولو كاتب المريض العبدَ وقيمتُه مائةٌ بمائتين، فالنص على ما قدمناه؛ فإنه لا يختلف بالزيادة والنقصان في النجم.
وأما التفريع على التخريج مع الاقتصار على ما وصفناه، فسبيل الحساب فيه أن نقول: ثبتت الكتابةُ في شيء من العبد، وبقي عبد إلا شيئاً، فإذا أدى جميعَ ما عليه، فنقول: [نجم الكتابة] (4) شيئان، فتحصّل في يد الورثة عبد وشيء، وذلك ضعف ما صحت الكتابة فيه في جميع العبد، وإذا عجل المائتين، حصل العتق، ولا حاجة إلى هذا العمل؛ فإنا نعلم أن دور ذلك أن المائتين ضعفُ الرقبة، ولا يضرّ إجراء مراسم الحساب في الجليّات.
هذا تمام المراد فيه إذا كاتب المريض عبداً.
ولو أوصى بأن يكاتَب العبد، كان كما لو أنشأ الكتابة في مرضه.
7113- مسألة: إذا كاتب عبده و [قيمتُه مائة على ثلاث] (5) مائة، وأوصى بثلث ماله لرجل، فعلى النص يجوز الكتابة في ثلثه بمائة، ويحصل مع الورثة ثلثا الرقبة
__________
(1) في الأصل: المفاوضة.
(2) في الأصل: أجر.
(3) في الأصل: في.
(4) زيادة من المحقق.
(5) مكان بياض بالأصل.(10/456)
وثلث (1) الكتابة، وذلك مائة وستةٌ وستون وثلثان، يدفعون منهما (2) إلى الموصى له قيمة الثلث، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، ويبقى معهم مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهي ضعف ما خرج بالكتابة والوصية، وقدمنا الكتابة؛ فإنها منجّزة في المرض، والمنجز في المرض مقدّم على الوصية.
وعلى التخريج يجوز الكتابة في جميعه، فإن عجلها، عتَق، وكان للموصى له قيمة الثلث وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، يبقى مع الورثة مائتان وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف العتق والوصية.
هذا قياس الباب. وهو كلام في صنفٍ واحد.
7114- فأما الكلام في الصنف الثاني، وهو إذا كاتب عبداً في حالة الصحة والإطلاق، ثم أعتقه في مرض الموت، وما كان أدى شيئاً من الكتابة، ويقع التصوير فيه إذا كان كاتبه على [مائة] (3) وقيمته مائة، فظاهر المذهب أنه يعتِق ثلثُه، كالعبد القِنّ يُعتقه المريض، ثم إذا عَتَق ثلثُه، بقيت الكتابة في ثلثيه، فإذا أدى ما عليه إلى الورثة، عَتَق [كاملاً] (4) : الثلث بالإعتاق والثلثان على حكم الكتابة.
فإن قيل: إذا نجزّتم العتق في الثلث، والحيلولة واقعة بين الورثة وبين ثلثي الرقبة لثبوت الكتابة فيهما؛ إذ الكتابة جارية في حالة الصحة، فلا ردّ لها إلا بطريق [تعجيز نفسه] (5) والنجوم في [الذمة] (6) ليس مالاً حاصلاً؛ فهذا تنجيز الوصية وتأخير حق الورثة.
قلنا: ذهب بعض الأصحاب أنا لا نحصّل من العتق شيئاً حتى يؤدي المكاتَب
__________
(1) وثلث الكتابة: أي نجوم الثلث، وهي مائة.
(2) كذا. والمعنى لائح، فالتثنية على مراعاة قيمة الثلثين وقيمة النجوم.
(3) في الأصل: كاتبه على ثلاثة وقيمته مائة.
(4) مزيدة من المحقق.
(5) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: الدية.
ثم معنى العبارة: أن تعجيل العتق في الثلث، والحيلولة حاصلة بين الورثة والثلثين بالكتابة، يؤدي إلى تحقق التبرع بالثلث، ولما يحصل في يد الورثة مثلاه بعد.(10/457)
[مثليه] (1) ، ومهما أدى شيئاً، حصل العتق في مثل نصفه، وعلى هذه النسبة يعتدل الثلث والثلثان.
ولو عجّز المكاتَب نفسه، عَتَق إذ ذاك ثلثُه؛ فإنا عرفنا ثبوت أيديهم الآن على ثلثي الرقبة من غير حيلولة.
هذا مذهبُ بعض الأصحاب، وعليه فرع الأستاذ أبو منصور، ولم يذكر غيرَه، وهو غيرُ مرضيٍّ عند الفقهاء؛ فإن العبد ضُرب الكتابةُ فيه في حالة الصحة، فلو لم يعتقه المريض، لكان جميعه مكاتباً، ولكانت الحيلولة التي تقتضيها الكتابة قائمة، فإذا أورد العتقَ عليه [وَرَدَ] (2) على [محلٍّ فيه] (3) حيلولة، فلينفذ العتق في [الثلث، وليبق للورثة الباقي على حسب ما تكون الكتابة لو لم يعتق] (4) .
7115- التفريع على هذين المسلكين: إن فرعنا على طريق التوقف، فإذا مات المكاتِب، وقد أعتق المكاتَبَ في مرضه، فإن عجَّز نفسَه، ولم [يؤدِّ] (5) شيئاً، [عَتَقَ] (6) ثلثُه [وانتهى التوقف] (7) ؛ فإنه سَلِم ثُلثا الرقبة على حقيقة الرق، وزالت الحيلولة التي كانت عليه [بالوقف] (8) .
وإن اختار المكاتب المضيَّ في الكتابة، فقد قال الحُسّاب: ما يؤديه من النجوم يُحكَم بعتق مثل نصفِه من الرقبة؛ فإن ما يحصل في أيدي الورثة ينبغي أن ينفذ من التبرع مثلُ نصفه، حتى يكون التبرع مع الحاصل في أيدي الورثة على نسب الثلث
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(4) عبارة الأصل فيها اضطراب وخلل واضح هكذا:
"فلينفذ العتق في الورثة ما يبقى لهم على حسب ما يكون المكاتب للورثة لو لم يعتق" والمثبت تقدير منا بالاستعانة بعبارة الإمام الرافعي في الشرح الكبير: 7/244.
(5) في الأصل: ولم يزد.
(6) في الأصل: عن.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) في الأصل: الوقف، (وبعدها بياض قدر كلمة) .(10/458)
والثلثين. فإذا أدى ثلثَ النجوم، والنجوم على قدر القيمة، عَتَق فيه سدسُه، فإذا أدى نصفَ النجوم، عَتق منه بقدرها، كذا، إلى أن يؤدي [ثُلثَي] (1) النجوم، فنحكم بأنه يعتِق منه [ثلُثاه] (2) بحكم الإنشاء و [الثلث] (3) وصية، فقد عتَق ثلثُه بالوصية، وإذا عتَق الثلثُ منه، برىء عن ثلث النجوم لا محالة، فإنه لا يتصور أن ينفذ العتق في جزءٍ من [المكاتب] (4) حتى يبرأ عن مثل نسبته من النجوم. نعم، يجوز أن يَبرأ عن جزءٍ لا يعتق [مُقابله] (5) شيء، فإن الإبراء كالأداء، فإذا برىء عن ثلث النجوم، وأدّى ئلثي النجوم، عتِق كلُّه لا محالة؛ لأنه لم يُعجِّز نفسَه، ولم يبق عليه من النجوم شيء، [وكلّ] (6) مكاتَبٍ سقط النجم عنه من غير تعجيز، فهو جزء النسبة، لا يمكن طردها فيما نحن فيه؛ فإنه إذا أدى النصفَ، لم يعتِق منه إلا الربع. فإذا زاد سُدساً تكملةَ الثلثين عَتَق كلُّه، والسبب فيه أنه بتأدية السدس يَبْرأ عن جميع النجوم، وهو قبله مشغولُ الذمّة ببقيّةٍ من النجم، فلا نحكم بعتق كله، فلا طريق إلا رعاية النسبة التي ذكرناها، وهي أنه يعتِق منه مثلُ نصف ما يؤدي.
وما ذكرناه فيه إذا كانت النجومُ مثلَ قيمة الرقبة.
7116- فإن كانت النجوم ضعف القيمة مثلاً، [كأنْ] (7) كانت قيمةُ العبد مائة، وكاتبه على مائتين في الصحة، ثم أعتقه، والتفريع على قول التوقف: فإن اختار العبدُ تَعْجيز نفسه، سقطت النجوم، وعتَقَ من الرقبة ثُلثها على جهة اليقين.
وإن اختار المضيَّ في الكتابة، فلو أدى نصفَ الكتابة وهو مائة، عَتَق كلُّه بجهة الوصية والأداء، والسبب فيه أنه يحصل في يد الورثة مائة، فيجب أن يعتِق من
__________
(1) في الأصل: ثلث.
(2) في الأصل: ثلثه، وبحكم الإنشاء: أي بحكم الكتابة.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: المكاتبة.
(5) في الأصل: منه.
(6) في الأصل: وكان.
(7) زيادة من المحقق.(10/459)
العبد خمسون، وإذا عَتِق منه خمسون وهو نصفه، سقط نصف الكتابة، ولا يبقى من النجوم إلا نصفُها، يبرأُ عن مائةٍ، تبعاً لعتق النصف، ويعتق النصفُ الثاني بأداء النصف.
وعند ذلك تنتظم عبارة مراسم الجبر، فنقول: عَتَقَ من العبد شيء، وتبعه من الكتابة مثلاه، فبقي في يد الورثة مائتان إلا شيئين، وهما ضعف التبرع، فنجبر ونقابل فتصير المائتان في مقابلة [أربعة أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي يعتِق نصفُ العبد، وأنه يسقط نصف النجوم] (1) ولا حاجة إلى هذا.
ولو أدى أقلَّ من مائةٍ، مثل أن يؤدي ستةً وستين وثلثي [درهم] (2) ، فإنا نحكم بعتق ثلث المكاتَب؛ لأنه مثلُ نصف ما حصل في أيديهم.
ولو فرض من العبد تعجيز نفسه، لم يفتهم مقدارُ الثلثين؛ فإنه يحصل لهم ثلثا الرقبة، ويدهم الآن مبسوطة في مثل ثلثي الرقبة من النجوم.
7117- وهذا المنتهى فيه غائلةٌ؛ فإن قائلاً لو قال: ثبّتم الحكمَ فيه إذا أدى المائة، وذكرتم نسبةً جاريةً فيه إذا أدى مثلَ ثلثي الرقبة، أرأيتم لو أدى أكثر من هذا أو (3) من النصف؟ قلنا: هاهنا وقفة لا بد من تأملها، وذلك أنا لو قلنا: يعتِق من العبد من نصف ما أداه، وقد أدى تسعين مثلاً، فلا نأمن أن يعجِّز العبدُ نفسَه، فتسقط النجوم، وتخرج عن كونها نجوماً، وتصير كسبَ عبدٍ رقيقٍ، وإذا كان كذلك، لم نُجِز الهَجْمَ (4) على اعتبار النسبة فيه، بل الوجه أن يقال: إن كان حصّل العبدُ المكاتَبُ
__________
(1) عبارة الأصل فيها خطأ حسابي، ونوع اضطراب، ونصها: "فيصير المائتان في مقابلة شيئين، فكل شيء مائة، ونصفه نصف المائهَ، وقد أعتقنا نصف شيء، فكان نصف العبد، ولا حاجة ... إلخ". والمثبت تصويب منا، مع عبارة الشرح الكبير: 7/245.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: وأقل.
(4) الهَجْم مصدر هَجَم المكان هجماً اقتحمه وهو يتعدى ويلزم (المعجم والمصباح، والقاموس، والمختار) .(10/460)
ما أداه في حياة مكاتِبه، فحكم ما أداه -وإن رَقّ- حكمُ التركة، فنقول: إذا أدى تسعين من كسبٍ حصّله في حياة السيد، فيعتِق من الرقبة خمسةٌ وأربعون لا محالة؛ فإن ما حصَل في أيديهم تركة، ولا [تُنزع] (1) من أيديهم بتعجيز المكاتَب نفسَه.
ولو اكتسب المكاتَب في استمرار الكتابة بعد موت المولى هذه التسعين وأداها، فلو عجّز المكاتَب نفسَه، فالذي يظهر في القياس [ ... ] (2) أن ما أداه يخرج عن كونه تركة بتعجيزه نفسَه؛ [فإنه] (3) استفاده ورقبتُه مملوكة للورثة. ثم [لم] (4) يستمر على الكتابة حتى تستتبع أكسابَه حالة الاكتساب وكانت رقبته للورثة، فالمؤدَّى إذاً لا يحتسب على الورثة؛ فإنه ليس من التركة، ولا يبقى إلا الرجوع إلى الرقبة نفسِها، حتى يقال: يعتِق ثلثُها ويرِق ثلثاها.
وإن قال قائل: لو عتَق المكاتَب، لكان الولاء للمولى [إشارةً] (5) إلى ما تقدم، حتى كأنه عتَقَ في حال حياته، فإذا رقَّ بعد وفاته، ينبغي أن ينقلب ما حصله بعد وفاته إلى تركة المولى، حتى تُؤدَّى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه بناء على [الرق] (6) . وإذا انتظم هذا، انبنى عليه أنه محسوبٌ على الورثة؛ من جهة كونه محسوباً من التركة.
قلنا: هذا وإن كان يُخيل (7) عن بُعد، فالكسب حصل في ملك الورثة، فلا معنى لتقدم [الرق] (8) ، والوجه إخراجه من التركة كما تقدم، فإنا لا ننكر كون المكاتَب مملوكاًَ للوارث، وأما الولاء فمن [ ... ] (9) المذهب، وسنذكر ترتيب الولاء
__________
(1) في الأصل: تبرع.
(2) بياض في الأصل لم نتكلف تقديره لاستقامة الكلام بدونه.
(3) في الأصل: فإن.
(4) في الأصل: "لو".
(5) في الأصل: أشار.
(6) في الأصل: الدين. والمعنى بناءً على تقدم الرق.
(7) يخيل: أي يصلح ويناسب أن يكون علة يربط بها الحكم. فالإخالة عند الأصوليين: هي المناسبة، وتسمى تخريج المناط أيضاً.
(8) في الأصل: الرقبة.
(9) بياض بالأصل ويبدو أن في الكلام خرماً.(10/461)
وما يدّعى فيه، وليس بنا ضرورةٌ إلى الإسناد (1) في الكسب، بل كل كسبه لمن كان المكتسِب له إذا [عجّز] (2) المكاتب نفسه.
هذا تمام البيان في ذلك. وكل ذلك تفريعٌ على التوقف.
7118- ولا امتناع من الإعتاق في شيء قبل الأداء؛ فإنا إذا قلنا: [بتنجيز] (3) العتق في مقدارٍ، فلا شك في انتجازه في الثلث، وإذا انتجز العتق في الثلث، سقطت الكتابة لا محالة (4) .
فإن كانت النجوم مثلَ القيمة، فلو أدى الثلثين، عَتَق كلُّه، كما قدمناه في التفريع على القول الأول، فإن أدى نصف النجوم، أما الثلث، فقد نجز العتق فيه، وأما الزائد عليه، فحكمه يُتلقى من الغائلة التي ذكرناها في تعجيز المكاتَب نفسَه وفي تفصيل القول في وقت كسبه، فإن كان الكسب في حياة السيد، فهو تركة، فيجب إتمام العتق في مثل نصفه كما ذكرنا، وإن كان الكسب بعد موت المولى فلا [يُعتد] (5) بالزائد المؤدى مع [حكمنا] (6) أنه يخرج عن كونه تركة، ولا يحصل العتق بجهة الأداء، ما دام تبقى من وظيفة الكتابة شيء. هذا موضع التنبيه في المسألة.
7119- ومما يتعلق بتمامها أن النجومَ إذا كانت أقلّ من قيمة [العبد، كأن] (7) كانت قيمةُ العبد مائةً، وقد كاتَبه على خمسين، فأعتقه في المرض، فحق الورثة أقل الأمرين؛ فإنهم إن تعلقوا بالرقبة، قيل لهم: للمكاتب أن يؤدي الخمسين، وإذا أدى
__________
(1) الإسناد: أن يثبت الحكم في الزمان المتأخر، ويرجع القهقهرى، حتى يحكم بثبوته في الزمان المتفدم، كالمغصوب فإنه يملكه الغاصب بأداء الضمان مستنداً إلى وقت الغصب (ر. كشاف اصطلاحات الفنون: مادة سند) .
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: تنجيز.
(4) اي سقطت في هذا الثلث.
(5) في الأصل: ثقة بالزائد.
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) زيادة اقتضاها السياق.(10/462)
عَتَق، وهذا [يعارض] (1) ما إذا كانت النجوم أكثر، فلا تعلق لهم بالنجوم؛ فإنّ للمكاتَب أن يعجِّز نفسه، وإذا فعل ذلك، سقطت النجوم، ولم يبق للورثة إلا [الثلثان] (2) .
فنقول: لو أدّى المكاتبُ على خمسين ثلثي الخمسين، عَتَق كلُّه على المسلكين جميعاً، أما على قول الوقف، فيعتق مثلُ ثلث (3) العبد [فيبرأ عن ثلث النجوم، ثم إنه أدَّى ثلثي النجوم] (4) ، وإذا بَرَأ عن ثلثٍ وأدى ثلثين، عَتَق كلُّه، ولا نظر إلى قيمة العبد لما ذكرناه من أنا لا نحتسب للورثة إلا أقل الأمرين.
وأما [عن] (5) قيمة العتق، فعَتَق ثُلُثُه في كل حساب، ويبرأ عن ثلث النجوم، فلا يبقى إلا الثلثان، فإذا أداها، عَتَق الكل، ثم كان ما يعتق عن جهة الوصية، فهو مستند إلى حالة الإعتاق، وكل ما يعتق بأداء النجوم، فهو حاصل مع أداء التمام.
وقد نجزت المسألة بما فيها.
ولو أوصى سيد المكاتَب بعتق مكاتَبه، وكانت الكتابة جاريةً في الصحة، فالوصية بالعتق بمثابة إنشاء العتق في مرض الموت في القواعد التي ذكرناها.
__________
(1) يعارض: أي يناظر ويساوي فالمعنى أنه كما لا يمكن للورثة أن يتعلقوا بالرقبة لأنها أكثر من النجوم هنا، فكذلك هناك لا يمكن لهم أن يتعلقوا بالنجوم لأنها أكثر من الرقبة.
(2) في الأصل: خمسون. والمراد بالثلثين ثلثا الرقبة أو ثلثا القيمة ستة وستون وثلثان.
(3) هنا اضطراب في السياق، وقد قدّرنا أن سببه تشويش في ترتيب نسخة الأصل، وهي نسخة وحيدة، فأخذنا في البحث والتتبع وقراءة النص حتى هدانا الله إلى مكان الخلل في ترتيب الأوراق، فينتقل السياق من هنا إلى ص177 ش، وليس إلى ص168 ش كما كان مستمراً.
(4) عبارة الأصل: "فيعتق مثل ثلث العبد، فإنه أدى ثلثي النجوم، فيبرأ عن ثلث النجوم، وإذا برأ ... إلخ" ففيها اضطراب بالتقديم والتأخير، والمثبت من عمل المحقق.
(5) في الأصل: على.(10/463)
القول في المسائل الدائرة في النكاح والصداق والخلع والطلاق
7120- مسائل في صداق الحرة [والزوج مريض] (1) .
نقول في مقدمة المسائل: للمريض أن ينكح أربعاً وما دونهن، وله أن يتسرّى من شاء من جواريه، وله أن يشتريهنّ بأثمان أمثالهن، ويستولدهن. فإذا نكح امرأةً أو نسوةً، ولم يزد في حق واحدةٍ على مهر مثلها، ثبت الصداق من رأس [ماله] (2) كالديون جُمع (3) .
وإن نكح المريض امرأةً وزاد على صداق مثلها، فالزيادةُ محاباةٌ، فإن استبلّ من مرضه، نفذت الزيادة، فإن مات من ذلك المرض، ورثته المرأةُ وبطلت (4) الزيادة؛ فإنها وصيةٌ لوارث، ولها ميراثُها ومهرُ مثلها.
ولو استمر المرض بالزوج وماتت المرأة، فقد خرجت عن كونها وارثة، والمحاباة وصية [لمن] (5) لا ترث، وكذلك لو كانت المنكوحة ممن لا ترث، كالذّمية تحت المسلم، [إذا] (6) أصدقها في مرض موته أكثر من مهر مثلها، وماتت المرأة قبله.
مثاله: إذا تزوجها في مرضه على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون درهماً، ولم يكن للزوج مال غيرُ المائة، فإن مات الزوج قبلها، فلها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، والباقي وصية، ولا وصية لوارث.
وإن لم ترثه كما قدمنا التصوير، فلها بالوصية ثلث الباقي ستةَ عشرَ درهماً وثلثان، والباقي لورثته.
__________
(1) عبارة الأصل: "في صداق الحرة الزوج المريض".
(2) في الأصل: مال.
(3) في الأصل: جميع.
(4) في الأصل: بطلت (بدون الواو) .
(5) في الأصل: أن لا ترث.
(6) في الأصل: فإذا.(10/464)
وإن كانت [تركة] (1) الزوج سوى الصداق مائة درهم [فتخرج] (2) المحاباةُ لها بزوجها (3) من الثلث.
وإن لم يكن خلّف شيئاً سوى المائة التي جعلها صداقاً، وكان عليه عشرون ديناً: خمسون [لمهر] (4) المثل لا دفاع له، ويدفع عشرين من الخمسين الباقية إلى الدين، فيبقى ثلاثون درهماً، للمرأة ثُلثُها بالوصية، وذلك عشرة، والباقي لورثته.
فإن ماتت المرأة قبله، [ثم مات] (5) بعدها فالزوج (6) وارث لها، ولا مال لهما سوى الصداق ولا دين عليهما، دارت المسألة؛ لأن الزوج يرث منها ويزيد ماله بالميراث، وإذا زاد ماله، زادت وصيتها، فإذا زادت وصيتها، زاد ما يرجع إليه بالميراث منها.
وحساب المسألة أن نقول: لها صداق مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ويحصل مع المرأة خمسون درهماً وشيءٌ، ويرجع نصف ذلك إلى الزوج بالميراث، فيحصل مع ورثة الزوج خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، فنجبر ونقابل، فيكون خمسة وسبعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا [الخمسة والسبعين] (7) وذلك ثلاثون درهماً، وهي مقدار ما جاز من المحاباة، فيكون [لها] (8) عن مهر المثل وعن المحاباة ثمانون درهماً، ويبقى مع الزوج عشرون،
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) كذا. ولعلها: من زوجها. ثم سبب صحة المحاباة واضح؛ فإنها خمسون، والباقي بعد مهر
المثل مائة وخمسون، فلم تزد على الثلث.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: والزوج.
(7) في الأصل: الخمسة والتسعين.
(8) في الأصل: لهما.(10/465)
ويرجع إليه بالميراث أربعون درهماً، فيجتمع مع ورثته ستون درهماً، وهي ضعف المحاباة.
فإن خلّفت المرأة ولداً أَوْ ولد ابنٍ، قلنا: لها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها من المحاباة شيء، يقع مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ومع المرأة خمسون درهماً وشيء، يرجع رُبعه إلى الزوج، وذلك اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربع شيء، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء؛ وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون اثنان وستون درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، يصير الدرهم مائتين وخمسين، والأشياء أحد عشر، فنقسم العدد على الأشياء، فتخرج اثنان وعشرون درهماً وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وهذا مقدار المحاباة. فيجتمع لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون درهماً وثمانية أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، ورجع إلى الزوج بالميراث ربع الذي حصل للمرأة، وذلك ثمانية عشر درهماً وجزءان من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثته خمسةٌ وأربعون درهماً وخمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وهي ضعف المحاباة.
7121- مسألة: إذا أصدق امرأته في مرضه مائة درهم ومهر مثلها خمسون درهماً، فماتت المرأة قبله، ثم مات الزوج وخلف مائةً سوى الصداق [جازت] (1) المحاباة [كاملة] (2) لأنها تخرج من الثلث.
وإن ترك (3) الزوج خمسين درهماً سوى الصداق، وتم لها أيضاً المحاباة، فتملك مهرها مائة، ويرجع نصفُها إلى الزوج، وهو خمسون بالميراث، فيجتمع مع ورثة الزوج مائة درهم، وهي ضعف الخمسين التي هي المحاباة.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) نرجع هنا ثانية إلى ص169 ش، جرياً مع السياق بصرف النظر عن تشويش الترتيب في أرقام الصفحات.(10/466)
7122- فإن كان لها ولد والتركة الزائدة خمسون كما ذكر، فطريق الحساب أن نقول: لها مهر المثل خمسون درهماً، ولها بالمحاباة شيء، فذلك خمسون وشيء، وبقي مع الزوج من الصداق خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه من ميراث المرأة ربعُ خمسين وربع شيء، وهو اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربعُ شيء، ومع ورثة الزوج خمسون درهماً تركة؛ فحصل مع ورثة الزوج مائة واثنا عشر درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون مائة واثني عشر درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، فيكون الدرهم أربعُ مائة وخمسون درهماً والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم الدراهم على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد أربعون درهماً وعشرة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم. هذا قيمة الشيء، وهو المحاباة، فجميع ما صح لها من مهر المثل والمحاباة تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج من المائة تسعة دراهم وجزءٌ من أحد عشر جزءاً من درهم، ومن التركة خمسون، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنان وعشرون درهماً وثمانية (1) أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثة الزوج أحدٌ وثمانون درهماً، [وتسعة] (2) أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وذلك ضعف المحاباة.
7123- وإن لم يكن للزوج تركة، وكان عليه دين عشرون درهماً، كان للمرأة خمسون درهماً لمهر المثل، ولها بالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث من المرأة -إن لم يكن لها ولد ولا ولد ابن- خمسة وعشرون درهماً ونصف شيء، فاجتمع معه خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، فيقضي منها دينَه، وهو عشرون درهماً، تبقى خمسة وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، وبعد الجبر والمقابلة يكون خمسة وخمسون درهماً في معادلة شيئين ونصف، والشيء خمسا الخمسة والخمسين، وذلك اثنان
__________
(1) في الأصل: من ثمانية أجزاء ... إلخ.
(2) في الأصل: "وسبعة".(10/467)
وعشرون درهماً، وهي المحاباة، فجميع ما صح لها بالمهر [والمحاباة] (1) اثنان وسبعون درهماً، وبقي مع الزوج ثمانية وعشرون، ورجع إليه بالميراث نصف ما حصل للمرأة، وهو ستة وثلاثون درهماً، فاجتمع مع ورثة الزوج أربعة وستون قضينا منها دين الزوج، وهو عشرون درهماً، يبقى لهم أربعة وأربعون درهماً، وهو ضعف محاباة الزوج.
7124- فإن كان للمرأة ولد، فلها مهر المثل خمسون درهماً وبالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف درهم وربعُ شيء، فاجتمع له اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء، [نقضي منها الدين، عشرين، فيبقى اثنان وأربعون درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء] (2) ، تعدل شيئين، فنجبر ونقابل ونبسط، فتكون الدراهم مائة وسبعين والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم العدد على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد خمسةَ عشرَ درهماً وخمسةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فذلك مقدار المحاباة النافذة، وجميع ما صح لها مهراً ومحاباةً خمسةٌ وستون درهماً وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج أربعة وثلاثون درهماً وستة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك ستةَ عشرَ درهماً وأربعةُ أجزاء من أحد عشرَ جزءاً من درهم، يقضي منها دينه، وهو عشرون درهماً، يبقى مع ورثته ثلاثون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف محاباة الزوج.
7125- فإن كان للزوج تركة وعليه دين قوبل أحدُهما بالآخر، فإن استويا فكأنْ لا تركة ولا دين، فإن اختلفا في المقدار، أسقطنا الأقل منهما من الأكثر، فما فضل بالاعتبار (3) على ما تقدمت نظائره في الأبواب السابقة.
7126- مسألة: إذا أصدق في مرضه امرأةً مائةَ درهم، ومهرُ مثلها خمسون
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) زيادة من المحقق لن يستقيم الكلام إلا بها.
(3) بالاعتبار: أي بالقياس.(10/468)
درهماً، وماتت المرأة وخلفت مائة درهم سوى الصداق، ثم مات الزوج، ولم يترك سوى ما ذكرناه، ثبتت المحاباة، فنقول ملكت بالصداق [مائة] (1) ولها مائةٌ سواها، فذلك مائتان، ورجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك مائة، فيحصل لورثة الزوج مائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ المحاباة خمسون.
7127- فإن ترك الزوج سوى الصداق عشرين درهماً، وتركت المرأة سوى الصداق ثلاثين درهماً، فنقول: لها مهر مثلها خمسون، ولها بالمحاباة شيء، ولها من التركة ثلاثون، فذلك ثمانون درهماً وشيء، يرجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك أربعون درهماً ونصفُ شيء، وكان الباقي معه من الصداق خمسون إلا شيئاً ومن التركة عشرون درهماً، فزِد على ذلك ميراثَه من المرأة، فيجتمع مع ورثته مائةٌ وعشرة دراهم إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وعشرة دراهم تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والعشرة، وذلك أربعة وأربعون درهماً، فهي المحاباة الجائزة، تأخذها المرأة مع مهر مثلها [تضمها] (2) إلى تركتها، فيجتمع لها مائة وأربعة وعشرون درهماً، ويرث الزوج نصفها، وذلك اثنان وستون درهماً، وكان الباقي معه ستة ومن التركة عشرون، فيجتمع للزوج ثمانية وثمانون درهماً، وهي ضعف المحاباة النافذة.
وإن كان على كل واحد منهما عشرون درهماً دَيْناً، ولا مال لهما سوى المائة الدائرة بينهما، فنقول: لها مهر المثل خمسون درهماً من رأس المال، وهو مقدم على الدين؛ لأنه صداق لازم، لا دفاع له، ولها بالمحاباة شيء، فتركتُها خمسون درهماً وشيء، ويخرج منها دينها، وهو عشرون درهماً، فيبقى ثلاثون درهماً وشيء، يرجع نصفها بالميراث إلى الزوج، وذلك خمسةَ عشرَ درهماً ونصفُ شيء، ونزيده على الباقي مع الزوج، وهو خمسون إلا شيئاً، فيبلغ خمسة وستين درهماً إلا نصفَ شيء، يخرج منها دينه وهو عشرون درهماً، يبقى منها خمسةٌ وأربعون درهماً إلا
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.(10/469)
نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبرهما بنصف شيء، فيبقى خمسة وأربعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الدراهم، وذلك ثمانيةَ عشرَ درهماً [وهي] (1) المحاباة النافذة، فتأخذها المرأة مع مهر مثلها، وهو خمسون، فذلك ثمانيةٌ وستون درهماً، يخرج منها دينها، وهو عشرون، يبقى ثمانيةٌ وأربعون درهماً، يرجع إلى الزوج نصفُها بالميراث، وذلك أربعةٌ وعشرون، وكان الباقي معه من المائة اثنان وثلاثون، فاجتمع معه ستة وخمسون، يخرج منها دينه، وذلك عشرون، يبقى لورثته ستةٌ وثلاثون، فهي ضعف المحاباة الخارجة.
7128- مسألة: إذا أعتق رجلٌ جاريةً له في مرض موته، لا مال له غيرُها، وقيمتُها ألف درهم، ثم تزوجها ووطئها، ومهر مثلها خَمسُمائة درهم، قال الشافعي: "هذه المسألة يدخلها الدور"، ولم يزد على هذا، فقال الأصحاب: العتق جائز في مقدار ما يحتمله الثلث، على ما سنشرحه، ونسقط من المهر مقدارَ ما يبطل [فيه] (2) العتق، والنكاح فاسدٌ في الأصل؛ لأنه مالكٌ لبعضها.
وحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء من الأمة، وبطل في أمة إلا شيئاً، فيسقط منها للمهر نصفُ ما جاز العتق فيه، فإن المهر نصف القيمة، فإذاً [هو] (3) نصف شيء، يبقى أمةٌ إلا شيئاً ونصف، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتكون أمة تعدل ثلاثة أشياء ونصف، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم، فتكون الأمة سبعة والشيء اثنين، فنقول: صح العتق في اثنين من سبعة، وهو سبعاها.
وسبيل الامتحان بيّن.
وفرض الحُسّابُ أن يكون مهرُها أكثرَ من قيمتها، وهو بعيدٌ في التصوير، ولكن نذكره؛ [فإن الغرض] (4) التدرّبُ في كل فن.
فإن كان مهرها ألفين وقيمتها ألف، فحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء
__________
(1) في الأصل: وفي.
(2) في الأصل: منه.
(3) في الأصل: هي. والضمير يعود على المهر.
(4) مكان بياضٍ في الأصل.(10/470)
منها، ولزم شيئان من المهر، فبقي مع الورثة أمةٌ إلا ثلاثةَ أشياء؛ فإنا نحسب ما لزم من المهر منها، [فبقي أمة إلا] (1) ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فنجبر ونقابل؛ فتصير الأمة في معادلة خمسة أشياء، فنقلب الاسم، فنقول: الأمة خمسة، والشيء واحد، وهو خمسها، فيعتق خمسها، والمسألة سديدة على الامتحان.
7129- مسألة: للرجل أن يخالع امرأته في مرض الموت على أقلّ من مهر مثلها؛ إذْ له أن يطلقها بلا عوض، وهل للمرأة أن تتزوج في مرض موتها بأقلّ من مهر مثلها؟ فيه اختلاف مشهور، والذي نرى التفريعَ عليه الآن [أن] (2) للمرأة في مرضها ذلك (3) ؛ فإن البُضع لا يبقى للورثة بعد الموت، فليس [موروثاً، ولكن] (4) ليس للمريض أن يزيد المرأةَ على مهر مثلها، وليس للمرأة أن تخالع نفسَها بأكثرَ من مهر المثل، وأيهما زاد على مهر المثل، كانت الزيادة منه محاباة.
7130- فإذا ثبتت هذه المقدمة فلو اختلعت المرأة نفسها في مرض موتها بمائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، ولا مال لهما غيرُه، ولم يُجز الورثة، فللزوج مهرُ مثلها خمسون درهماً من رأس المال، وله ثلث الباقي: ستة عشر درهماً وثلثان، [بالمحاباة] (5) ، ولورثتها ثلاثة وثلاثون وثلث، فإن كان عليها عشرون درهماً ديناً، أخرجنا مهرَ المثل، وأخرجنا الدين يبقى للزوج ثُلثُ ما بقي بالمحاباة، ولا دورَ.
7131- فإن اختلعت نفسها على مائةٍ ومهرُ مثلها أربعون، ثم إن الزوج عاد فتزوجها في مرضه على تلك المائة بعينها، ثم ماتا في مرضيهما، وتركت المرأة عشرةً غيرَ الصداق، ولم يترك الزوج شيئاً، فإن كان الزوج مات أولاً، بطلت محاباته للمرأة؛ لأنها ورثته، والوصية لمن يرث مردودةٌ، ويكون للزوج مهر المثل أربعون
__________
(1) في الأصل: وأمثالاً ثلاثة أشياء. والمثبت تصرف منا.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) قيد الرافعي والنووي ذلك بما إذا كان الزوج ليس وارثاً (ر. فتح العزيز: 7/231، والروضة: 6/284) .
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) في الأصل: فالمحاباة.(10/471)
درهماً من رأس المال، وله شيء بالمحاباة، [فجملة] (1) تركته أربعون درهماً
[وشيء، و] (2) للمرأة من ذلك بالنكاح الثاني أربعون درهماً مهر المثل من رأس المال، ولها ربع الباقي، وهو ربع شيء بالميراث، فيجتمع مع ورثتها مائة وعشرة دراهم إلا ثلاثة أرباع شيء، [تعدل شيئين] (3) ، فنجبر ونقابل، فمائة وعشرة تعدل [شيئين وثلاثة أرباع] (4) ، فالشيء أربعة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من [الدراهم] (5) ، وذلك أربعون درهماً، وهو ما جازت المحاباة فيه، فيأخذ الزوج مهرَ المثل أربعين درهماً من رأس المال، وأربعين بالمحاباة، فذلك ثمانون درهماً، للمرأة من ذلك أربعون درهماً بمهر المثل في العقد الثاني، ولها ربع الباقي بالميراث، فيجتمع مع ورثتها ثمانون (6) درهماً ضعف محاباتها، ومع ورثة الزوج ثلاثون، ولم يكن من قِبله محاباةٌ صحيحة.
فإن ماتت المرأة قبل الزوج، ولم يترك غير المائة، بطلت محاباتها للزوج، وبطلت محاباة الزوج أيضاً؛ لأنه إنما أصدقها المائة بعينها، ولم يكن يملك منها إلا قدرَ مهر مثلها، فكأنه أصدقها ما يملك وما لا يملك. فقد نقول: في قولٍ يبطل المهر المسمّى ويرجع [الحكم] (7) إلى مهر المثل، فيجب لكل واحد منهما على صاحبه مهرُ المثل، ويتقاصان ذلك، ثم يرث الزوج نصف المائة عنها، فتكون لورثته.
7132- وإن كان أصدقها في ذمته، فإنه يصح لها المحاباة، وحسابه أن المبلغ يصح في مهر المثل وهو أربعون درهماً، ولا [محاباة] (8) للزوج، ويرجع إلى المرأة
__________
(1) في الأصل: بجملة.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: شيء وثلاثة أرباع.
(5) في الأصل: "الدرهم".
(6) ثمانون درهماً: ثلاثون كانت بأيديهم بعد استحقاق الزوج، وأربعون مهر العقد الثاني،
وعشرة ربع الباقي ميراثاً.
(7) في الأصل: الحاكم.
(8) في الأصل: ولا محالة.(10/472)
بصداقها [أربعون] (1) ، ولها شيء بالمحاباة في ذمة الزوج، فتكون تركتها مائة درهم وشيء، يرث الزوج نصفها، وهو خمسون درهماً ونصفُ شيء، يخرج من ذلك ما عليه للمرأة بالمحاباة، وذلك شيء، يبقى لورثة الزوج خمسون درهماً إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين. فإذا جبرنا وقابلنا، فالشيء خُمسا الخمسين، وهو [عشرون] (2) فهي [المحاباة] (3) الجائزة، فلها بالمحاباة [عشرون] (4) ، ويجب للزوج عليها مهر مثلها، ولها أيضاً عليه مهر مثلها بالنكاح [الثاني] (5) فيتقاصان، ويفضل لها عليه عشرون درهماً، وهي المحاباة، فتكون تركتها مع العشرين التي على الزوج مائة وعشرين، يرث الزوج نصفها [ستين] (6) ، فيسقط عن الزوج ما عليه للمرأة وهو عشرون احتساباً من حصته على ما تقدم في العين والدين، فيبقى لورثته أربعون درهماً، ضعفُ محاباته.
7133- ولو تزوجها في مرضه على [مائة] (7) ومهر مثلها خمسون، ودخل بها، ثم اختلعت نفسها في المرض على مائة، ولا مال لها غيره ولا نأمن من مرضيهما، ولم يُجز الورثة.
فحساب المسألة أن نقول: للمرأة خمسون وشيء، للزوج منها خمسون درهماً مهر المثل من رأس المال، وله ثلث الشيء بالمحاباة، ولورثتها ثلثا شيء، ولورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فبعد الجبر [والمقابلة] (8) يكون مائة تعدل شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، وهو [المحاباة الجائزة] (9) للمرأة تأخذها مع مهر المثل، ومبلغ الجميع سبعة وثمانون درهماً
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: العشرون.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة لتوضيح المعنى.
(6) في الأصل: شيئين.
(7) مكان بياض بالأصل.
(8) سقطت من الأصل.
(9) في الأصل: الجائزة للمحاباة.(10/473)
ونصف، ثم يأخذ الزوج من ذلك مهرَ المثل: خمسين درهماً، ويأخذ ثلثَ الباقي بالمحاباة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف، ويبقى للورثة خمسة وعشرون درهماً، ولورثة الزوج خمسة وسبعون.
والدور في هذه المسألة إنما يقع في فريضة الزوج؛ لأنه خرج منه شيء ورجع إليه بعضُه، فزادت تركتُه، وزاد لأجل ذلك ما استحق عليه، ولا دور في فريضة المرأة؛ لأنه لم يعد إليها شيء مما خرج منها.
فإن تركت المرأة شيئاً غيرَ الصداق، فقد يتجه من طريق التقدير مسلكٌ يُغني عن الجبر، فنقول: يضم ثلث تركتها إلى المائة التي تركها الزوج، ثم نأخذ ثلاثة أثمان ذلك، كما ذكرنا في المسألة، فما كان، فهو مقدار المحاباة.
ولا فرق في هذه المسألة بين أن يموت الزوج قبل المرأة، أو المرأة قبل الزوج، لأنهما لا يتوارثان، وأيهما صحّ من مرضه، صحت محاباته كلها.
7134- مسألة: إذا أصدق الرجل امرأته صداقاً صحيحاً، ثم إنها اختلعت نفسها بالصداق قبل المسيس، فهذه مسألة منعوتة في كتاب الخلع، [وتتعلّق بأصولٍ] (1) منها أقوال [تفريق] (2) الصفقة، والحصر والشيوع، والقول في أن ما يفسد من الصداق يرجع إلى بدله أو إلى مهر المثل، ونحن نريد أن نفرّع هذه المسألة في [فرضٍ] (3) حسابي، فالوجه تفريعها على أصح الأقوال وأظهر الأصول و [الأليق] (4) بما نحن فيه.
فالأصح قول الشيوع، وأن الرجوع إلى مهر المثل في القدر الفاسد من الصداق، واللائق بالأصل الذي نفرعه أن لا يبطل بالتفريق؛ فإن دوائر المحاباة مفرعة على أن التفريق لا يُبطل التصرف فيما صح إفراده.
هذا القدر كافٍ في فقه هذه المسألة، ومن أرادها مشروحةً في فقهها، فسيراها مشروحة في كتاب الخلع، إن شاء الله عز وجل، فنقول:
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، قدرناه على ضوء السياق والمعنى.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: غرض.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.(10/474)
7135- إذا أصدق الرجل امرأةً مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، وقد جرى العقد في المرض، ثم إنها اختلعت نفسَها بالصداق قبل المسيس والدخول، فالخلع قبل المسيس يتضمن [تشطير] (1) الصداق، فنعلم على الجملة أن المحاباة يخرج تمامها [من] (2) الأصل، بسبب أنا إذا قدرنا ثبوت المائة صداقاً، ثم يرجع نصف المائة [بالتشطير، فيقع نصفها] (3) عوضاً، فيحصل لورثة الزوج مائة لا محالة، والمحاباة خمسون (4) .
7136- ولو كان مهر مثلها اثنا عشر درهماً، وقد أصدقها الزوج المريض مائة درهم، ثم إنها اختلعت نفسها في المرض بصداقها، وذلك قبل المسيس، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: للمرأة نصفُ مهر مثلها من رأس مال الزوج، وهو ستةُ دراهم، ولها شيء بالمحاباة، وإنما أثبتنا النصفَ لأنه لا فائدة في إثبات تمام المهر أولاً وإسقاطِ نصفه آخراً، فيثبت لها النصف في العمل، وإذا لم نقدم كمال المهر، عبَّرنا عما يسلم لها بالمحاباة بشيء؛ إذ لو قدرنا المهر كاملاً، لقلنا: لها اثنا عشر، والمحاباة شيء، ثم نُسقط نصفَ شيء، وهذا مزيد عملٍ، لا يُحتاج إليه، وشرط العمل بالجبر أن نفتتحه من موضعِ الخاجة. وإن قدرتَ اثني عشر درهماً وشيئاً، ثم
شطّرته، لم تخرج المسألةُ سديدةً.
فخذ نصف المهر، وعبّر عما يسلم لها بالمحاباة بشيء، وصاحب الجبر يعبّر عن المجهول الأول بالشيء، وإن كان نقصاً في حساب من يقدّره، ولهذا قلنا في مسائل الإقرار: إذا [أقرّ رجلان] (5) وقال كل واحد منهما: لفلان عليّ عشرة وربع ما على صاحبه. فإذا افتتحنا العمل، قلنا: على أحدهما عشرة وشيء، كذلك هاهنا نقول: للمرأة نصف مهر المثل ستة من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فجميع تركتها ستةُ
__________
(1) في الأصل: شطر.
(2) في الأصل: في.
(3) عبارة الأصل: "بالشطر يرق نصفها".
(4) خالف في حساب هذه المسألة الأستاذ أبو منصور (راجع إن شئت، فتح العزيز: 7/232) .
(5) في الأصل: إذا أشهد رجل.(10/475)
دراهم وشيء، للزوج من ذلك مهرُ المثل اثنا عشر درهماً، نعني مقدارَ مهر المثل؛ فإنا لم نفسد المخالعة، وإنما ذكرنا هذا حتى لا يظن ظانٌّ أنا نفرع على إفساد بدل الخلع، والرجوع إلى مهر المثل؛ فإنا لو فعلنا هذا، لسقطت المحاباة في المخالعة، وليست ساقطةً، كما ذكرنا أنه سيأتي، إن شاء الله تعالى.
لكنا ذكرنا مهرَ المثل لأن هذا المقدار مستحقٌّ لا محاباة فيه، فهو محسوب من رأس تركتها، فإذا أخذنا اثني عشر درهماً من ستةٍ وشيء، فقد أخذنا الستة وستة من الشيء، يبقى معها شيء إلا ستةَ دراهم. ثم نقول: للزوج من ذلك ثُلثُه؛ فإن المحاباة في ثلث ما بقي بعد الدين صحيحة، وذلك إذاً ثُلثُ شيءٍ إلا درهمين؛ فإن جزء الشيء يأخذ حصته من الاستثناء، وإنما [أخرجنا حصتها ولم] (1) نصحح من الاستثناء؛ فإنه لا دور في جانبها؛ إذْ لا يعود إليها شيء، والدور إنما يأتي إذا كان يعود شيء إلى جنب تخريج (2) ووقع [الدور] (3) في جانب الرجوع عن المحاباة شيء لأن جا [نب الزوج] (4) يعود إليه بالخلع ما يخرج [بالإصداق] (5) ، فإذاً لورثة المرأة ثلثا شيء إلا أربعة دراهم، ويحصل لورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة وأربعة دراهم إلا ثلثي شيء. هكذا يخرج الحساب إذا جمعت ووافقت (6) الدراهم والاستثناء، والشيء الحاصل في [يد] (7) ورثة الزوج يعدل ضعف المحاباة، وهو شيئان، فإذا جبرناهما من الجانبين، صارت مائة وأربعة تعدل شيئين [وثلثي] (8) شيء؛ فالشيء ثلاثة أثمان مائة وأربعة، وهو تسعة وثلاثون درهماً، وهي الجائزة بالمحاباة لها في الإصداق.
__________
(1) في الأصل: خرجنا ثم نصحح.
(2) كذا. ولعل في الكلام سقطاً تقديره: إلى جنب تخريج المستحق.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) في الأصل: الإصداق.
(6) الواو زيادة من المحقق.
(7) زيادة من المحقق.
(8) في الأصل: وثلث.(10/476)
فإذا امتحنت المسألة، صحت على الامتحان، فإنك تقول: المسمى صداقاً [قد سلم للمرأة منه] (1) ستة دراهم وشيء، وبان أن الشيء تسعةٌ وثلاثون، فالمجموع خمسة وأربعون، ثم لما اختلعت سلّمت إلى الزوج مما معها اثني عشر، فيبقى ثلاثةٌ وثلاثون، فنسلّم إلى الزوج ثُلثَ هذا الباقي وهو أحدَ عشرَ، فمجموع المأخوذ من [المرأة] (2) ثلاثة وعشرون، فنضمها إلى ما كان بقي للزوج من المائة، وهو خمسة وخمسون، فيصير المجموع [ثمانية وسبعين] (3) وهذا ضعف المحاباة؛ إذ كانت المحاباة تسعةً وثلاثين.
ونقول في جانب المرأة: أخذنا من الباقي وهو ثلاثة وثلاثون [الثلث] (4) ، فاستمر حساب التثليث والمحاباة.
هذا ما ذكره الأستاذ [أبو منصور] (5) [وهذا] (6) طريقه في تقدير النسبة؛ وذلك أنه قال: ننظر إلى مهر المثل، فإذا هو اثنا عشر درهماً، فنأخذ ثلثه، ونضمه إلى المائة، فيكون المجموع مائة وأربعة، فنأخذ ثلاثة أثمان هذا المبلغ، وهي تسعة وثلاثون، فهي المحاباة المنفذة للمرأة في رأس المال، [فلها] (7) نصف مهر المثل وتسعةٌ وثلاثون درهماً بالمحاباة، وذلك خمسة وأربعون، فما بلغ خرج بالجبر.
هذا منتهى كلام الأستاذ أبي منصور رضي الله عنه.
7137- وفي وضع المسألة زَلَلٌ واضح، وافتتاح القول وبيانه أن حق [مسلك الجبر في] (8) مثل هذه المسألة أن نبيّن بالمعادلات [مبلغَ المحاباة] (9) الأولى،
__________
(1) عبارة الأصل: وقد سلم منها.
(2) في الأصل: المراد.
(3) في الأصل: ثمانية وتسعين.
(4) في الأصل: وثلث.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: في هذا طريقه.
(7) زيادة اقتضاها السياق.
(8) في الأصل: "المسلك الجبر وفي".
(9) في الأصل: تبلغ بالمحاباة.(10/477)
[ونفرِّعها] (1) نصفاً مما تبقى في يد الورثة، ثم يقع التصرفُ بعدُ، [وهذا] (2) المسلك الذي ذكرته [يؤدي] (3) إلى هذا؛ فإنه أبان فيما زعم مقدار ما يسلّم للمرأة بعد تقدير التشطّر.
والقول الجامع في هذا تقسيمٌ لا دفع له، وهو أن نقول: إن كان الشيء الذي أبهمه في وضع المسألة جميع المحاباة في عقد الإصداق، فينبغي أن يرجع نصفُه بحق الشطر إلى الزوج، وليس في عملنا ذلك، فإن كان ما سلم لها شطر المحاباة، فينبغي أن يكون ضعفُ هذا القدر كلَّ المحاباة، ثم يجب أن ينتظم على حسب هذا تعديلُ الثلث والثلثين، فإذا كانت المحاباة ثمانيةً وسبعين، لم يتسق في حسابٍ [تقرير] (4) ضعف ذلك في يد الورثة، فالمسألة محتملة فاسدة الوضع.
7138- والوجه في افتتاح عملنا أن نقول: لما أصدقها المائة، ومهرُ مثلها اثنا عشر، فلها مهر مثلها بعد الإصداق، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى في يد الزوج ثمانية وثمانون [إلا] (5) شيئاً، ثم يرجع نصفُ الصداق [بالخلع] (6) أو بالطلاق قبل المسيس إلى الزوج، وذلك ستة دراهم ونصفُ شيء، فيجتمع للزوج أربعةٌ وتسعون إلا نصفَ شيء، فإنه كان معنا استثناء الشيء، فلما ضممنا إليه نصفَ شيء، عاد الاستثناءإلى نصف شيء.
ثم نقول: يأخذ الزوج بحق العوض مما في يدها مهرَ مثلها، وفي يدها ستةٌ ونصف شيء، فيأخذ الستة وستةً أخرى من نصف شيء، فيبقى في يدها نصف شيء إلا ستة دراهم، وللزوج مما في يدها بعد أداء الدين ثُلُثُه، وهو سدس شيء إلا درهمين، فنضم الاثني عشر وثلثَ المحاباة إلى ما كان تجمع في يد الزوج، فتبلغ الدراهم أولاً مائةً وستة، ثم نضم سدس شيء فيه استثناء درهمين، فينقص درهمين من
__________
(1) في الأصل: وفرعها.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: تقدير.
(5) زيادة لا يستقيم الحساب إلا بها.
(6) زيادة من المحقق.(10/478)
الدراهم [ومن نصف] (1) شيء سدس، فيضم الآن إلى حساب الشيء، وقد كان معنا استثناء نصف شيء، فيعود الاستثناء إلى ثلث شيء، فالحاصل مائة وأربعةٌ إلا ثلثَ شيء.
وهذا الآن يعدل ضعف المحاباة الأولى، وهي شيء، [وضعفها] (2) شيئان، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وأربعة في معادلة شيئين وثلثَ [شيء] (3) ، فنبسط الأشياء أثلاثاً، فتصير سبعة، ونكتفي بهذا القدر من البسط، فنعلم أن الشيء ثلاثة أسباع المائة والأربعة [وثلاثة] (4) أسباعها أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع. هذا قيمة الشيء.
ونعود فنقول: تأخذ المرأة أولاً من المائة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، وتأخذ بالمحاباة أربعةً وأربعين وأربعةَ أسباع، والمجموع ستةٌ وخمسون وأربعةُ أسباع، ثم يسقط نصف ذلك بالتشطير، وهو ثمانية وعشرون وسبعان، فنضمه إلى ما كان بقي مع الزوج، ونقول بعده: يأخذ الزوج مما بقي في يد الزوجة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، فيبقى ستةَ عشرَ وسبعان، ويأخذ أيضاً ثُلثَ ذلك، وهو خمسة وثلاثة أسباع، ومجموع هذا سبعةَ عشرَ وثلاثة أسباع، فنضم هذا أيضاً مع الشطر الذي قدمناه إلى ما كان بقي من المسألة، فيصير المبلغ [تسعةً وثمانين] (5) وسُبع، وقد صحت المسألة معدّلةً.
والامتحان فيها أن الشيء الذي كان فيها محاباة خرج بالعمل أنه أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع، وهذا مثل نصف التسعة والثمانين [والسبع] (6) الذي سلم لورثة الزوج بحساب الشطر، والعوض [المؤلف من] (7) مهر المثل وثلث المحاباة بعده.
ولا يكاد يخفى أن مقدار التبرع من عوض الخلع مثلُ نصف ما تبقى في يدها وذاك (8) لا عوض منه؛ فإنا أخذنا ثلثاً، ولا دور في جانبها، فلاح بمجموع ما ذكرناه
__________
(1) مكان كلمة غير مقروءة هكذا: فبكل. (انظر صورتها) .
(2) في الأصل: وضعف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وثلث.
(5) في الأصل: سبعة وثمانين.
(6) في الأصل: والتسع.
(7) مكان كلمتين، الأولى غير مقروءة، والثانية (أن) . (انظر صورتها) .
(8) في الأصل: بدون الواو.(10/479)
الحقُّ الذي لا إشكال فيه، واتضح وجهُ الخطأ فيما ذكره الأستاذ.
وإن أراد الناظر أن يُبيّن تفاوتَ ما أدى إليه المسلكان، قلنا له: الذي سلمه الأستاذ إليها من المحاباة تسعة وثلاثون، والذي سلم لها بما رأيناه اثنان وعشرون وسبعان.
7139- مسألة: إذا تزوج المريض امرأة على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها عشرةُ دراهم، ثم ماتت المرأة قبله، وخلّفت عشرةَ دراهم سوى الصداق، فأوصت بثلث مالها، ثم مات الرجل. فحساب المسألة أن نقول: جاز للمرأة عشرةُ دراهم بمهر مثلها، ولها بالمحاباة في المهر شيء، ومعها من التركة عشرة دراهم، فجميع ما لَها عشرون درهماً وشيء، للموصى له ثُلثُها، وذلك ستة دراهم وثلثان وثلث شيء، وكان الباقي معه تسعون درهماً إلا شيئاً، ثم إنه [يرجع إليه بالميراث] (1) نصفُ ما بقي معها بعد الوصية، وهو ستة وثلثان وثلث شيء، فالجميع ستة وتسعون درهماً وثلثان إلا ثلثَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ستة وتسعون درهماً وثلثان يعدل شيئين وثلثَ شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيصير العدد مائتين وتسعين والأشياءُ ثمانيةً، نقسم العدد على الأشياء، فتخرج ستةٌ وثلاثون درهماً وربع، فهذا قدر المحاباة، ولها عشرةُ دراهم بمهر المئل، فجميع [ما لَها] (2) ستة وأربعون درهماً وربع، وبقي مع الزوج ثلاثة وخمسون درهماً وثلاثةُ أرباع درهم، وقد أخذت المرأة ستةً وأربعين درهماً وربعَ درهم، وكان معها عشرةُ دراهم، فجميع مالِها ستةٌ وخمسون وربع، للموصى له ثلثها، وهو ثمانيةَ عشرَ وثلاثة أرباع درهم يبقى معها سبعة وثلاثون درهماً [ونصف] (3) ، للزوج بالميراث نصفها، وهو ثمانيةُ عشرَ وثلاثةُ أرباع، فنزيدها على ما كان قد بقي معه، وذلك ثلاثةٌ وخمسون وثلاثةُ أرباع، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وسبعون درهماً ونصف، وذلك ضعف محاباته التي هي ستة وثلاثون وربع.
***
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: "مهرها".
(3) زيادة من المحقق، لا يستقيم الحساب بدونها.(10/480)