وإنما كانت الأخوات مع البنات عصبات لأنه إذا كان في المسألة بنتان فصاعدا أو بنتا ابن وأخوات وأخذت البنات
الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات فاستبعدوا أن يزاحم أولاد الأب الأولاد وأولاد الابن ولم يمكن إسقاط أولاد الأب فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن خاصة قاله إمام الحرمين.
اه.
من حاشية البقري (قوله: أي الأخت لأبوين) تفسير للأخريين.
وقوله أو لأب، الأولى أن يقول والأخت للأب (قوله: الأوليان) فاعل عصب الذي قدره الشارح (قوله: وهما) أي الأوليان (قوله: والمعنى) أي معنى كون الأوليين يعصبان الأخريين.
وقوله مع البنت أو بنت الابن، الظرف متعلق بمحذوف حال من الأخت، والمعنى أن الأخت حالة كونها مجتمعة مع البنت أو بنت لابن.
(وقوله: تكون عصبة) أي فتأخذ ما زاد على فرض البنت أو بنت الابن (قوله: فتسقط أخت الخ) تفريع على كون الأخت تكون عصبة، لكن بالنسبة للشقيقة، أي وحيث كانت عصبة فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب، وذلك لأنها صارت كالأخ الشقيق، فتحجب الإخوة لأب، ذكورا كانوا أو إناثا، ومن بعدهم من العصبات، واقتصر على الأخت لأبوين، ومثلها الأخت لأب، حيث صارت عصبة فتحجب بني الإخوة مطلقا ومن بعدهم من العصبات، كالأخ للأب فإنه يحجب بني الإخوة مطلقا.
وقوله أخا لأب، مفعول تسقط.
ولو قال ولد أب لكان أولى، لشموله الذكر والأنثى (قوله: كما يسقط الخ) تنظير.
وقوله الأخ، أي الشقيق (قوله: ونصف) معطوف على ثلثان في المتن، وكان عليه أن يزيد في الشرح أل المعرفة، كما زادها في المعطوف عليه، وقوله فرض خمسة، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو فرض خمسة وهي الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، ولكل في استحقاقه النصف شروط، فالزوج يستحقه بشرط واحد، وهو أن لا يكون للزوجة فرع وارث، وبنت الصلب تستحقه بشرطين، وهما أن لا يكون لها معصب ولا مماثل، وبنت الابن تستحقه بثلاثة شروط، وهي أن لا يكون ولد صلب ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأبوين تستحقه بأربعة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأب تستحقه بخمسة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب ولا مماثل (قوله: منفردات عن أخواتهن) فإن لم ينفردن عنه ثبت لهن الثلثان.
وقوله وعن معصبهن، فإن لم ينفردن عنه كان للذكر معهن مثل حظ الأنثيين، ويشترط أيضا أن ينفردن عمن يحجبهن حرمانا في غير البنات، لأنهن لا يحجبن حرمانا أصلا (قوله: ولزوج ليس لزوجته فرع وارث) أي لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (1) وولد الابن كولد الصلب في حجب الزوج من النصف إلى الربع إجماعا، إما لصدق الولد به مجازا فيكون مأخوذا من الآية على هذا، أو لقياسه عليه في ذلك بجامع الإرث والتعصيب فيكون بطريق القياس على هذا.
وعدم فرعها المذكور صادق بأن لا يكون لها فرع أصلا أو لها فرع غير وارث
كرقيق وقاتل أو مختلف دين.
وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في الفرع (قوله: وربع) معطوف على ثلثان أيضا ويجري فيه ما تقدم.
وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف.
وقوله له الجار والمجرور، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو كائن له (قوله: ومعه) أي مع فرعها، أي ذكرا كان أو غيره سواء كان منه أيضا أم لا قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) * (2) وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت.
اه.
شرح المنهج (قوله: وربع لها الخ) لا حاجة إلى زيادة لفظة وربع، وذلك لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (3) وقوله فأكثر، أي من زوجة كاثنتين وثلاث وأربع، فالأربع تشتركن في الربع، كمن
__________
(1) سورة النساء، الاية: 12.
(2) سورة النساء، الاية: 12.
(3) سورة النساء، الاية: 12(3/267)
دونهن، وقوله أي دون فرع له، لا فرق فيه بين الذكر وغيره، وبين أن يكون فرعها أيضا أو لا (قوله: وثمن) معطوف على ثلثان أيضا.
وقوله لها معه، أي وهو فرض للزوجة في حال كونها كائنة مع فرع وارث لزوجها، سواء كان منها أم لا، وكان المناسب لسابقه ولاحقه أن يقول هنا وهو فرض واحدة، وإنما كان فرضها معه الثمن لقوله تعالى: * (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) * (1) قال في التحفة: وجعل له، أي للزوج، في حالتيه ضعف ما لها في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت.
اه،.
وتقدم مثله عن شرح المنهج.
(واعلم) أنه لا يجتمع الثمن مع الثلث ولا الربع في فريضة واحدة.
قال ابن الهائم: والثمن للميراث لا يجامع ثلثا ولا ربعا وغير واقع ووجه ذلك أن شرط إرث الثمن وجود الفرع الوارث، وشرط إرث الثلث عدمه.
والشرطان متباينان، فيلزم منه تباين المشروطين، وكذا يقال في عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوجة والزوجات، فإن شرط الأول وجود الفرع الوارث، والثاني عدمه.
وأما عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوج، مع أن شرط كل وجود الفرع الوارث، فلأنه لا يمكن اجتماع الزوج والزوجة في فريضة واحدة (قوله: وثلث) معطوف على ثلثان أيضا.
وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف (قوله: لأم) أي وهو لأم (قوله: ليس لميتها فرع وارث) أي بالقرابة الخاصة، بأن لم يكن له فرع أصلا، أوله فرع غير
وارث كرقيق وقاتل، أو فرع وارث بالقرابة العامة كابن بنت، فالنفي داخل على مقيد بقيدين، فيصدق بنفيهما ونفي أحدهما (قوله: ولا عدد اثنان فأكثر من إخوة) أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2) قال في الرحبية: والثلث فرض الأم حيث لا ولدولا من الإخوة جمع ذو عدد كاثنين أو ثنتين أو ثلاث حكم الذكور فيه كالإناث وقد لا ترث الأم الثلث وليس هناك فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، كما في الغراوين، بل تأخذ السدس أو الربع، ويقال له ثلث الباقي، كما تقدم، وسيأتي أيضا في قوله وثلث باقي الأم الخ (قوله: ولولديها) معطوف على قوله لأم، أي وهو لولدي الأم.
وقوله فأكثر، أي من ولدين كثلاثة وأربعة، وذلك لقوله تعالى: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (3) قال في الرحبية: وهو لاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين وهكذا إن كثروا أو زادوا فما لهم فيما سواه زادوا (قوله يستوي فيه) أي الثلث: الذكر والأنثى.
قال في الرحبية: ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور أي المكتوب، وهو القرآن العظيم في قوله تعالى: * (فهم شركاء في الثلث) * فإن التشريك إذا أطلق يقتضي المساواة، وهذا مما خالف فيه أولاد الأم غيرهم، فإنهم خالفوا غيرهم في أشياء لا يفضل ذكرهم على أنثاهم اجتماعا ولا انفرادا، ويرثون مع من أدلوا به ويحجب بهم نقصانا وذكرهم أدلى بأنثى ويرث (قوله: وسدس) معطوف أيضا على ثلثان، وقوله فرض سبعة، أي وهو فرض سبعة، فهو خبر لمبتدأ محذوف، على نسق ما تقدم، (قوله: لأب وجد) أي
__________
(1) سورة النساء، الاية: 12.
(2) سورة النساء، الاية: 11.
(3) سورة النساء، الاية: 12(3/268)
لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (1) والجد كالأب، والمراد جد لم يدل بأنثى، وإلا فلا يرث بخصوص القرابة، لأنه من ذوي الأرحام.
وفي البجيرمي ما نصه.
(فإن قيل) لا شك أن حق الوالدين أعظم من حق الولد لأن الله تعالى قرن طاعته بطاعتهما، فقال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (2) فإذا كان كذلك، فما الحكمة في أنه جعل نصيب الأولاد أكثر؟ (وأجاب) عنه الإمام الرازي حيث قال: الحكمة أن الوالدين ما بقي من عمرهما إلا القليل، أي غالبا، فكان احتياجهما إلى المال قليلا، وأما الأولاد فهم في زمن الصبا، فكان احتياجهم إلى المال كثيرا، فظهر الفرق.
اه.
وقوله لميتهما فرع وارث، فإن لم يكن له فرع وارث كانا عصبة فيستغرقان جميع المال إن انفردا، فإن لم ينفردا أخذا ما بقي بعد الفروض.
نعم، قد يفرض للجد السدس حينئذ، وذلك كما إذا كان مع الاخة وكان هناك ذو فرض وكان السدس أوفر له من ثلث الباقي، ومن المقاسمة كزوج وأم وجد وثلاثة إخوة للزوج النصف وللأم السدس والأوفر للجد السدس لأنه سهم كامل، فإن المسألة من ستة، ولو قاسم أو أخذ ثلث الباقي لأخذ أقل من ذلك.
(قوله: وأم) بالجر معطوف على أب، أي ولأم.
وقوله لميتها ذلك، أي فرع وارث.
وقوله أو عدد من إخوة وأخوات، أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم أو كان البعض أشقاء والبعض غير أشقاء حتى لو كان لوجود الأخوين احتمالا كان للأم السدس على الراجح، كأن وطئ اثنان امرأة بشبهة وأتت بولد واشتبه الحال، ثم مات هذا الولد عن أمه قبل لحوقه بأحدهما، وكان هناك ولدان لأحدهما، فتعطى الأم السدس لاحتمال أن يكونا أخوين للميت (قوله: وجدة) بالجر عطف على أب، أي ولجدة واحدة أو أكثر فيشتركن في السدس لانه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الجدة السدس رواه أبو داود وغيره، وقضى للجدتين في الميراث بالسدس بينهما.
رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ومحل إعطائها السدس عند عدم الأم، أما عند وجودها فتسقط بالإجماع، فإنها إنما ترث بالأمومة، والأم أقرب منها.
وقوله أم أب وأم أم: أي لا فرق في الجدة بين أن تكون من جهة الأب، كأم الأب، أو من جهة الأم، كأم الأم، أو من الجهتين معا، كأم أم وأم أب، ومثال الجهتين، تزوج ابن ابن هند بنت بنتها فولد لهما زيد، فهند جدته لأمه وأبيه: إذ هي أم أم أمه، وأم أبي أبيه.
قال في الرحبية: والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لأم وأب (قوله: سواء كان معها ولد أم أم لا) أي السدس فرضها مطلقا، سواء كان وجد معها ولد أم أم لا (قوله: هذا إن لم تدل الخ) أي محل كونها لها السدس إن لم تدل على الميت بذكر بين أنثيين، بأن أدلت بمحض ذكور كأم أبي الأب، أو إناث، كأم أم الأم، أو بمحض إناث إلى ذكور، كأم أم أب اوب (قوله: فإن أدلت به) أي بذكر بين أنثيين (قوله: لم ترث بخصوص القرابة) أي لإدلائها لمن لا يرث.
وقوله لأنها، أي الجدة، وقوله من ذوي الأرحام، المناسب من ذوات
الأرحام، وهن سبع، كما يؤخذ مما تقدم، وهن: العمة، والخالة، وبنت البنت، وبنت العم، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وهذه الجدة.
(فائدة) حاصل القول أن الجدات عندنا على أربعة أقسام: القسم الأول من أدلت بمحض إناث، كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص، والقسم الثاني من أدلت بمحض الذكور، كأم الأب وأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب وهكذا بمحض الذكور.
والقسم الثالث من أدلت بإناث إلى ذكور، كأم أب أو كأم أم أم أبي أب وهكذا، والقسم الرابع عكس
__________
(1) سورة النساء، الاية: 11.
(2) سورة النساء، الاية: 23(3/269)
الثالث، وهي من أدلت بذكر غير وارث، كأم أبي الأم وهي الجدة الفاسدة (قوله: وبنت ابن) بالجر عطف على أب أيضا، أي وهو، أي السدس، لبنت ابن واحدة فأكثر مع البنت، وذلك لقضائه - صلى الله عليه وسلم - بالسدس في الواحدة.
رواه البخاري.
وقيس به الأكثر قال في الرحبية: وبنت الابن تأخذ السدس إذا كانت مع البنت مثالا يحتذي (قوله أو بنت ابن أعلى منها) أي أو مع بنت ابن أعلى منها، وذلك كبنت ابن ابن مع بنت ابن، فالثانية تأخذ النصف، والأولى تأخذ السدس تكملة الثلثين.
وخرج بقوله مع بنت أو بنت ابن بالأفراد، ما لو كانت مع بنتين فأكثر فإنه لا شئ لها، إلا أن يكون معها ذكر يعصبها، سواء كان أخاها أو ابن عمها أو أنزل منها (قوله: وأخت الخ) بالجر أيضا عطف على أب، أي وهو لأخت واحدة فأكثر لأب مع أخت لأبوين، أي كما في بنت الابن مع البنت، فللأخت للأبوين النصف، وللأولى السدس تكملة الثلثين.
قال في الرحبية: وهكذا الأخت مع الأخت التي بالأبوين يا أخي أدلت وخرج بقوله مع أخت بالأفراد، ما لو كانت مع أختين لأبوين، فإنه لا شئ لها، ما لم يكن لها أخ، فإن كان لها أخ عصبها، ويسمى الأخ المبارك، إذ لولاه لسقطت (قوله: وواحد من ولد أم) بالجر معطوف على أب، أي وهو لواحد من أولاد الأم لقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) * (1) أي أخ من أم أو أخت منها قال في الرحبية: وولد الأم له إذا انفرد سدس جميع المال نصا قد ورد (قوله: وثلث باق الخ) هذا مستأنف وليس معطوفا على ما قبله، وهو القسم السابع الثابت بالاجتهاد وليس في كتاب الله تعالى.
(قوله: بعد فرض إلخ) الظرف متعلق بباق (قوله: لأم) الجار والمجرور خبر المبتدأ (قوله: مع أحد زوجين وأب) الظرف متعلق بمحذوف صفة لأم: أي أم كائنة مع أحد زوجين ومع أب.
وخرج بالأب الجد فللأم معه الثلث كاملا، لا ثلث الباقي، لأنه لا يساويها في الدرجة (قوله: لا ثلث الجميع) معطوف على ثلث باق، أي لها ثلث الباقي فقط لا ثلث جميع المال (قوله: ليأخذ الأب) علة لأخذها ثلث الباقي، لا ثلث الجميع، أي وإنما أخذت الأم ثلث الباقي ولم تأخذ ثلث الجميع، مع عدم وجود فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، لأجل أن يأخذ الأب مثلي ما تأخذه الأم، وذلك لأنا لو أعطينا الأم الثلث كاملا لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود، وهو كونه مثليها في صورة الزوجة مع أن الأب والأم في درجة واحدة.
والأصل في اجتماع الذكر مع الأنثى المتحدي الدرجة من غير أولاد الأم، أن يكون له ضعف ما لها (قوله: فإن كانت) أي الأم.
(وقوله: مع زوج وأب) أي كائنة مع زوج للميتة وأب لها (قوله: فالمسألة من ستة) أي تصحيحا، لأنها من اثنين مخرج النصف للزوج واحد وللأم ثلث الباقي، فانكسرت على مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي (قوله: وإن كانت) أي الأم.
(وقوله: مع زوجة وأب) أي كائنة مع زوجة للميت وأب له.
(وقوله: فالمسألة من أربعة) أي لأن فيها ربعا.
وهذه المسألة والتي قبلها تلقبان بالغراوين تشبيها لهما بالكوكب الأغر، أي النير المضئ، وبالعمريتين، لقضاء عمر بهما، وبالغريبتين، لغرابتهما ومخالفتهما القواعد، وقد أشار إليهما في الرحبية بقوله:
__________
(1) سورة النساء، الاية: 12(3/270)
وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب وهكذا مع زوجة فصاعدا فلا تكن عن العلوم قاعدا (قوله: استبقوا) أي الفرضيون.
وقوله فيهما، أي في المسألتين، وقوله لفظ الثلث، أي دون معناه فإنه ليس بثلث حقيقة.
وقوله محافظة على الأدب، أي على حصول الأدب، وهو علة لاستبقوا، وقوله في موافقة متعلق بالأدب، وفي بمعنى الباء، أي الأدب الحاصل بالموافقة (قوله: وإلا) أي وإلا يكن القصد المحافظة على حصول الأدب بالموافقة فلا يصح ذلك لأن ما تأخذه الأم في الحقيقة في المسألة الأولى، وهي ما إذا كان الميت الزوجة سدس، وفي المسألة الثانية،
وهي ما إذا كان الميت الزوج، ربع.
(تنبيه) علم مما تقدم أن أصحاب الفروض ثلاثة عشر، أربعة من الذكور، الزوج، والأخ للأم، والأب، والجد، وقد يرث الأب والجد بالتعصيب فقط، وقد يجمعان بينهما، كما إذا كان مع أحدهما بنت أو بنت ابن أو هما أو بنتا ابن فله السدس فرضا والباقي بعد فرضه وفرض البنت أو بنت البنت أو هما بالعصوبة (قوله: ويحجب إلخ) شروع في بيان الحجب، وهو لغة المنع، ومنه قول الشاعر: له حاجب في كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب قال بعضهم: يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي له - صلى الله عليه وسلم - مانع عن كل أمر يشينه، وليس له مانع عن طالب المعروف والإحسان.
وشرعا، منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظية ويسمى الثاني حجب نقصان، وقد تقدم في ضمن بيان الفروض، كحجب الزوج بالفرع من النصف إلى الربع، وحجب الأم به من الثلث إلى السدس، ويسمى الأول حجب حرمان، وهو قسمان، حجب بالشخص أو بالاستغراق، وهذا هو المراد هنا، وحجب بالوصف، كأن قام به مانع من الموانع المتقدمة.
ولا يدخل الحجب المراد هنا على الأبوين والزوجين وولد الصلب، ويدخل على من عداهم.
وبيان ذلك ان ابن الابن يحجبه الابن أو ابن ابن أقرب منه، والجد يحجبه الأب أو جد أقرب منه والأخ الشقيق يحجبه ثلاثة الأب والابن وابن الابن، والأخ للأب يحجبه أربعة وهم من قبله والأخ الشقيق، والأخ للأم يحجبه ستة الأب والجد والابن والبنت وابن الابن وبنت الإبن وإن سفل وابن الأخ الشقيق يحجبه ستة أيضا: الأب والجد والإبن وابن الإبن والأخ الشقيق والأخ للأب، وابن الأخ للأب يحجبه سبعة هؤلاء الستة وابن الأخ الشقيق، والعم الشقيق يحجبه ثمانية وهم من قبله وابن الأخ للأب، والعم للأب يحجبه تسعة وهم من قبله والعم الشقيق، وابن العم الشقيق يحجبه عشرة وهم من قبله والعم للأب، وابن العم للأب يحجبه أحد عشر وهم من قبله وابن العم الشقيق، والمعتق يحجبه عصبة النسب، وبنت الإبن يحجبها الإبن أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها وإلا أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا، والجدة تحجب بالأم، سواء كانت من جهة الأب كأم الأب أو من جهة الأم كأم الأم، كما قال في الرحبية: وتسقط الجدات من كل جهة بالأم فاحفظه وقس ما أشبهه وتحجب الجدة من جهة الأب بالأب أيضا لأنها تدلي به، بخلاف الجدة من جهة الأم فلا تحجب بالأب والجدة القربى من كل جهة تحجب البعدي من تلك الجهة، فلا ترث البعدي مع وجود القربى مع اتحاد الجهة - وإن لم تدل
بها - كأم أبي أب وأم أب فلا ترث الأولى مع الثانية، والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدي من جهة الأب كأم أم أب، والقربى من جهة الأب كأم أب لا تحجب البعدي من جهة الأم كأم أم أم.
قال في الرحبية:(3/271)
وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدي وسدسا سلبت وإن تكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان لا تسقط بالبعدي على الصحيح واتفق الجل على التصحيح والأخت من الجهات كلها كالأخ منها، فيحجبها من يحجبه، فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن كالأخ لأبوين والأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين كالأخ لأب والأخت لأم بأب وجد وفرع وارث كالأخ لأم.
نعم الشقيقة أو التي لأب لا يحجبها فروض مستغرقة بل يفرض لها وفتعول المسألة كما إذا ماتت امرأة عن زوج وأم وأختين لأم وأخت شقيقة أو لأب، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان، فتعول المسألة إلى تسعة بفرض الأخت الشقيقة أو لأب، وهو النصف ثلاثة والأخت التي لأب لها السدس مع الشقيقة، بخلاف الأخ الشقيق أو لأب فإنه يحجبه أصحاب الفروض المستغرقة، والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا شقيقة مع بنت أو بنت ابن أو شقيقتان لأنه لم يبق من الثلثين شئ، والمعتقة كالمعتق فيحجبها عصبة النسب.
(واعلم) أن شرط الحجب في كل ما مر، الإرث، فمن لم يرث لمانع قام به لا يحجب غيره، ومثله من لم يرث لكونه محجوبا فإنه لا يحجب غيره حرمانا أو نقصانا إلا في صور، كالإخوة مع الأب يحجبون به ويردون الأم من الثلث إلى السدس، وولدي الأم مع الجد يحجبان به ويردانها إلى السدس، ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شئ للأخ، مع أنه مع الشقيقة يردان الأم إلى السدس (قوله: ولد ابن) أي وإن سفل.
(وقوله: بابن) أبا كان أو عما.
(وقوله: أو ابن ابن الخ) بالجر عطف على ابن، أي ويحجب ولد ابن بابن ابن أقرب منه كابن ابن ابن وابن ابن ابن ابن، فالثاني يحجب بالأول: لأنه أقرب منه درجة، وكما يحجب ابن الأبن بمن ذكر يحجب بأصحاب فروض مستغرقة، كما إذ اجتمع مع أبوين وبنتين (قوله: ويحجب جد بأب) أي بذكر متوسط بينه وبين الميت، لأن كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا أولاد الأم، وخرج بذكر من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا، كما علم من جده السابق، (قوله: وتحجب جدة لأم) أي جدة الميت من جهة أمه كأم أمه.
وقوله بأم، أي فقط، فلا تحجب بالأب، كما تقدم، وقوله لأنها، أي
الجدة.
وقوله أدلت بها، أي انتسبت وتوصلت الجدة بالأم (قوله: وجدة الخ) أي وتحجب جدة لأب بأب لإدلائها به، خلافا لجمع ذهبوا إلى عدم حجبه لها، لحديث فيه، لكن ضعفه عبد الحق وغيره.
اه.
نهاية (قوله: وأم) بالجر عطف على أب، أي وتحجب جدة لأب بالأم أيضا.
(وقوله: بالإجماع) أي ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث (قوله: ويحجب أخ لأبوين بأب وابن وابنه) قال في الاسني: للإجماع، ولتقدم جهتي البنوة والأبوة على غيرهما.
اه.
وقوله وإن نزل، أي ابن الابن، فإنه يحجب الأخ (قوله: ويحجب أخ لأب بهما) الأولى بهم، أي بهؤلاء الثلاثة، لأن المرجع ثلاثة: وهم الأب والابن وابنه، ولعله توهم أن المرجع اثنان، بدليل اقتصاره في التفسير عليهما، وهما الأب والابن.
وعبارة المنهاج ويحجب الأخ لأب بهؤلاء.
اه.
قال في التحفة: لأنهم حجبوا الشقيق، فهو أولى، وقوله وبأخ لأبوين، معطوف على بهما، أي ويحجب الأخ لأب أيضا بأخ لأبوين، وذلك لأنه أقوى وأقرب منه (قوله: وبأخت لأبوين الخ) معطوف على بهما، أي ويحجب أخ لأب أيضا بأخت لأبوين معها بنت لما تقدم من أنها تعصب بالبنت وأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق فتحجب الأخ لأب.
وقوله كما سيأتي صوابه كما تقدم، أي في قوله فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب (قوله: ويحجب أخ لأم بأب الخ) للخبر الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - فدسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الأم، بأنه من لم يخلف ولدا ولا والدا، فافهم تفسيرها بما ذكر أنه إن خلف ولدا أو والدا فلا يرثه أخوه لأمه، بل يسقط.
وقوله(3/272)
وفرع وارث، بالجر عطف على أب، أي ويحجب بفرع وارث للميت.
وقوله وإن نزل، أي الفرع كابن ابن ابن الابن.
وقوله ذكرا كان أي الفرع.
وقوله أو غيره، أي غير ذكر من أنثى وخنثى.
(والحاصل) أن ولد الأم يحجب بستة، بالابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد (قوله: ويحجب ابن أخ لأبوين بأب) أي لأنه أقرب منه.
وقوله وجد، أي وإن علا، قال في التحفة: لأنه أقوى منه، وقيل يقاسم، أي ابن الأخ، أبا الجد، لاستواء درجتهما، كالأخ مع الجد، ورد، بأن هذا خارج عن القياس، فلا يقاس عليه.
اه.
وقوله وابن وابنه، وأي ويحجب ابن أخ لأبوين بابن وابنه لأنهما أقرب منه وأقوى.
وقوله وأخ لأبوين أو لأب، أي ويحجب ابن أخ لأبوين بأخ لأبوين أو لأب، لأنه أقرب منه (قوله: ويحجب ابن أخ لأب بهؤلاء الستة) هو الأب، والجد، والابن، وابنه والأخ الشقيق، والأخ للأب.
وقوله وبابن أم لأبوين، أي ويحجب أيضا ابن االأخ لأب بابن أخ لأبوين.
وقوله لأنه، أي ابن الأخ لأبوين.
وقوله أقوى منه، أي من ابن الأخ لأب لإدلائه إلى الميت بجهتين (قوله:
ويحجب عم لأبوين) هو أخو أبي الميت الشقيق.
وقوله بهؤلاء السبعة: هم الأب، والجد، والابن، وابنه، والأخ الشقيق، والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وقوله وبابن أخ لأب، أي ويحجب زيادة على هؤلاء السبعة بابن أخ لأب (قوله: وعم لأب) أي ويحجب عم لأب، وهو أخو أبي الميت من أبيه.
وقوله بهؤلاء الثمانية: هم السبعة المارة وزيادة ابن أخ لأب.
وقوله وبعم لأبوين، أي ويحجب بعم لأبوين أيضا زيادة على الثمانية، فيكون المجموع تسعة (قوله: وابن عم لأبوين) أي ويحجب ابن عم لأبوين، وقوله بهؤلاء التسعة وبعم لأب، أي فيكون المجموع عشرة (قوله: وابن عم لأب) أي ويحجب ابن عم لأب.
وقوله بهؤلاء العشرة وبابن عم لأبوين، أي فيكون المجموع أحد عشر (قوله: لأنه) أي ابن الأخ لأب.
وقوله أقرب منه، أي من ابن ابن الأخ لأبوين.
(واعلم) أن طريقة الفرضيين أنه إن اختلفت الدرجة عللوا بأنه أقرب منه، كابن أخ لأبوين وأخ لأب، وإن اتحدت عللوا بأنه أقوى منه، كالشقيق والأخ لأب (قوله: وبنات الابن بابن) أي وتحجب بنات الابن بابن مطلقا، لأنه إما أب أو عم، فهو أقوى وأقرب منهن.
وقوله أو بنتين فأكثر للميت، أي وتحجب بنات الابن أيضا بهما، لأنه لم يبق من الثلثين شئ، وقوله إن لم يعصب أخ أو ابن عم أي محل حجبهن بالبنتين فأكثر إن لم يوجد من يعصبهن، فإن وجد كأخ لهن أو ابن عم، أخذن معه الثلث الباقي تعصيبا (قوله: فإن عصبت) أي البنات، وكان الأولى عصبن، بنون النسوة، وقوله به: أي بالمذكور من الأخ وابن العم (قوله: والأخواب لأب الخ) أي وتحجب الأخوات لأب بأختين لأبوين لأنهما استغرقا الثلثين فلم يبق لهما شئ (قوله: إلا أن يكون معهن ذكر) المراد به خصوص الأخ، لأنه الأخت لا يعصبها إلا أخوها، بخلاف بنات الابن فإنه يعصبهن من في درجتهن أو أسفل (قوله: ويحجبن الخ) أي الاخوات لأب وقوله بأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن، وإنما حجبنا الأخوات لأب لاستغراقهما التركة، إذ الأخت عصبة مع البنت، فكل منهما يأخذ(3/273)
النصف (قوله: واعلم أن ابن الابن كالإبن) أي في أنه يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد ويعصب بنت الابن ويحجب الاخوة والاخوات ونحوهم من كل مائة ما تقدم مما يحجب بالابن.
وقوله إلا أنه ليس له مع البنت، أي بنت الصلب مثلاها، بل تأخذ هي النصف فرضها وهو يأخذ الباقي بطريق العصوبة، وذلك لعدم المساواة في الرتبة، كما تقدم، (قوله: والجدة كالأم) أي في أنها ترث ولا تحجب إلا بالأم، وإن كانت من جهتها، وتحجب بالأب أيضا إن كانت من جهته (قوله: بل فرضها دائما السدس) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، وقضى به للجدتين (قوله: والجد كالأب) أي في أنه
يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد، وفي أنه يحجب من يحجبون بالأب ما عدا الإخوة الأشقاء أو لأب.
(واعلم) أن الجد مع الإخوة لم يرد فيهم شئ من الكتاب ولا من السنة، وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم: فمذهب الإمام أبي بكر الصديق وابن عباس رضي الله عنهم وجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم كأبي حنيفة، ان الجد كالأب مطلقا، فيحجب الإخوة.
ومذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزين بن ثابت رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه أنهم يرثون، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين.
وحاصل الكلام فيه على هذا المذهب أنه إذا اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب، فإن لم يكن معهم ذو فرض فله حالان المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة أولى له في خمس صور، وضابطها أن تكون الإخوة أقل من مثليه وهي جد وأخ جد وأخت جد وأختان وثلاث أخوات جد وأخ وأخت، وإنما كانت أولى لأنه في الصورة الأولى يخصه نصف المال وهو أكثر من الثلث، وفي الصورة الثانية يخصه الثلثان وهما أكثر من الثلث، وفي الصورة الثالثة يخصه النصف، إذ هو له مثلا ما للأنثى، وفي الصورة الرابعة يخصه الخمسان وهما أكثر من الثلث، لأن العدد الجامع للكسرين خمسة عشرة فثلثه خمسة وخمساه ستة، وهي أكثر من الخمسة بواحد، ومثلها الصورة الخامسة وتستوي المقاسمة وثلث المال في ثلاث صور.
وضابطها أن تبلغ الإخوة مثليه وهي جد وأخوان جد وأخ وأختا جد وأربع أخوات، وإن كان معهم ذو فرض فله بعد الفرض ثلاث حالات الأكثر من سدس جميع المال أو ثلث الباقي أو المقاسمة، فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ وثلث الباقي خير له في جدة وجد وخمسة إخوة، والمقاسمة خير له في جدة وجد وأخ، وقد لا يبقى شئ بعد أصحاب الفروض كبنتين وزوج وأم وجد، فيفرض له سدس ويزاد في العول، فأصل مسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا وسدسا وتعال إلى ثلاثة عشر ثم يزاد في العول للجد اثنان، وقد يبقى دون سدس كبنتين وزوج وجد فيفرض له وتعال، وقد يبقى سدس كبنتين وأم وجد فيفوز به الجد، وتسقط الإخوة والأخوات في هذه الأحوال لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شئ، ولو كان مع الجد إخوة أشقاء وإخوة لأب فالحكم فيه ما سبق ويعد الأشقاء عليه الإخوة للأب في القسمة فيدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له، فإذا أخذ حقه فإن كان في الأشقاء ذكر فالباقي لهم وتسقط الإخوة لأب كما في جد وأخ شقيق وأخ لأب، فإن لم يكن فيهم ذكر فتأخذ الشقيقة إلى النصف والباقي للإخوة للأب كما في عشرية زيد، وهي جد وشقيقة وأخ لأب أصل مسألتهم من خمسة، وتصح من عشرة لأن فيها نصفا ومخرجه اثنان فيضربان في عدد رؤوسهم وهو خمسة بعشرة للأخت النصف خمسة وللجد أربعة يبقى واحد للأخ
من الأب، ومثلها عشرينية، زيد وهي جد وشقيقة وأختان من الأب هي من خمسة وتصح من عشرين وتأخذ الشقيقتان فصاعدا إلى الثلثين كجد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة ولا شئ للأخ للأب لأنه لا يفضل عن الثلثين شئ والجد مع الأخوات كأخ، فلا يفرض لهن معه إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف: إذ لا مسقط لها ولا معصب فتعول المسألة بنصيبها من ستة إلى تسعة.
وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد والأخت اثنا عشر أثلاثا له الثلثان ثمانية ولها الثلث أربعة (قوله: إلا أنه) أي الجد وقوله لا يحجب الإخوة لأبوين أو لأب، أي بل يشاركونه، بخلاف الأب فإنه يسقطهم (قوله: وبنت الابن كالبنت) أي فعند فقدها لها النصف وعند وجودها لها السدس تكملة الثلثين.
وقوله إلا أنها، أي بنت الابن.
وقوله(3/274)
تحجب بالابن، بخلاف بنت الصلب فإنها لا تحجب به بل يعصبها (قوله: والأخ لأب كالأخ لأبوين) أي في أنه إذا انفرد يجوز جميع المال، وإذا لم ينفرد حاز الباقي بعد أرباب الفروض، إن لم يكن فيهم حاجب، وإلا سقط (قوله: إلا أنه) أي الأخ لأب، قال ش ق: أي وإلا أنه يحجب في المشتركة وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق، فلو وجد بدل الشقيق أخ لأب سقط، وفي اجتماع الأخت الشقيقة مع البنت أو بنت الابن، وفي اجتماع الزوج مع الأخت الشقيقة فلا شئ للأخ للأب فيما ذكر.
وقوله ليس له مع الأخت لأبوين مثلاها، أي لأنه لا يعصبها، فتأخذ النصف حينئذ فرضا، ويأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وما فضل الخ) ما اسم موصول مبتدأ.
(وقوله: أو الكل) بالرفع عطف على ما.
(وقوله: لعصبة) خبره، وهو شروع في بيان الإرث بالتعصيب.
قال في الرحبية: فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي أو كان ما يفضل بعد الفرض له فهو أخو العصوبة المفضلة وتقدم أنها على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
وقتدم معنى كل.
فلا تغفل.
وفي البجيرمي: لفظ عصبة إما اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد والذكر والأنثى، أو جمع عاصب كطالب وطلبة، وعلى الثاني فيكون عصبات جمع الجمع اه.
بالمعنى (قوله: تسقط عند الاستغراق) أي أن حكم العصبة أنها تسقط إذا استغرقت الفروض التركة، كزوج وأم وولد أم وعم، فلا شئ للعم للاستغراق (قوله: وهي) أي العصبة (قوله: فبعده ابنه) أي فبعد الابن ابنه، فهو عاصب بعده.
وإنما قدم على الأب لأنه أقوى منه: إذ له معه السدس فقط (قوله: فأب) أي
فبعد الابن وابنه أب، فهو لا يرث بالتعصيب إلا إذا فقدا.
أما إذا وجدا أو أحدهما ورث السدس فرضا، وقد يرث الأب بهما معا فيما إذا كان للميت بنت أو بنت ابن فيأخذ السدس فرضا والباقي بعد فرضيهما تعصيبا، والجد كالأب في ذلك (قوله: فأخ لأبوين الخ) أي فبعد الابن وابنه والأب والجد أخ لأبوين وأخ لأب وبنوهما، فإذا فقدوا، بأن مات الميت ولم يخلف أصلا ولا فرعا، كانت الإخوة وبنوهم عصبة، وهم مرتبون: فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب وهكذا في بنيهما.
وقوله وأخ لأب، المناسب فأخ لأب، بالفاء، ولا بد من الترتيب بينهما، كما علمت (قوله: فبنوهما) أي الأخ لأبوين والأخ لأب وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب (قوله: فعم الخ) أي ثم بعد بني الأخوة عم لأبوين ثم عم لأب (قوله: فبنوهما) أي العم لأبوين والعم لأب.
وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب (قوله: ثم عم الأب الخ) أي ثم بعد أعمام الميت وبنيهم يعصب عم أبي الميت وهو أخو أبي أبي الميت.
ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم الأب لأبوين أو لأب (قوله: ثم عم الجد) أي ثم بعد بني عم الأب يعصب عم جد الميت وهو أخو أبي أبي أبي الميت.
ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم جد الميت لأبوين أو لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم أبي الجد ثم بنوه ثم عم جد الجد ثم بنوه وهكذا يقدم البعيد من الجهة المقدمة على القريب من الجهة المؤخرة.
(والحاصل) جهات العصوبة عندنا سبع: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، ثم بيت المال.
وقد نظمها بعضهم بقوله: بنوة أبوة أخوة جدودة بنو كذا الأخوة عمومة ولا بيت المال سبع لعاصب على التوالي(3/275)
والأخوة والجدودة في مرتبة واحدة لاستوائهما في الإدلاء إلى الميت، لأن كلا منهما يدلي إليه بالأب.
وإذا علمت ذلك فإذا اجتمعت عصبات، فمن كانت جهته مقدمة فهو مقدم، كابن وأب وأخ وهكذا.
فالأول مقدم على الثاني، والثاني مقدم على الثالث، وهكذا.
والمقدم يحجب المؤخر.
هذا إذا اختلفت الجهة، فإذا اتحدت قدم بالقرب في الدرجة، كالابن وابن الابن وكابن الأخ ولو لأب وابن ابن الأخ ولو شقيقا، فيقدم الأول على الثاني لقربه في الدرجة مع اتحادهما في الجهة، وإذا استويا قربا قدم بالقوة كأخ شقيق وأخ لأب، وكعم شقيق وعم لأب فيقدم الأول منهما على
الثاني لقوته عنه، فإن الأول أدلى بأصلين، والثاني أدلى بأصل واحد، وإلى ذلك أشار الجعبري بقوله: فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا (قوله: فبعد عصبة النسب الخ) والحاصل أن من لا عصبة له بنسب وله معتق فله ماله كله أو الفاضل بعد الفروض أو الفرض، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة، فإن لم يوجد فالمال لعصبته المتعصبين بأنفسهم، وترتيبهم هنا كترتيبهم في النسب، فيقدم عند موت العتيق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد، وإن علا، فبقية الحواشي، إلا أن أخا المعتق وابن أخيه يقدمان على جده هنا، فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق ثم عصبته كذلك، ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها، بفتح التاء، أو منتميا إليه بنسب أو ولاء.
وقوله عصبة الولاء، الإضافة فيه من إضافة المسبب للسبب، أي عصبة سببها الولاء (قوله: وهو) أي العصبة، وذكر الضمير مراعاة للخبر.
وقوله معتق، أي بأي وجه كان، ولو كان العتق بعوض، كما في الكتابة وغيرها، كأنت حر على ألف أو بعتك نفسك بألف، وإنما ثبت بالولاء العصوبة كما ثبتت بالنسب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الولاء لحمة كلحمة النسب.
(واعلم) أن الإرث به ثابت من جهة المعتق خاصة، لأن الأنعام من جهته فقط، فاختص الإرث به، فلا يرث العتيق معتقه (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المعتق، وذلك لإطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الولاء لمن أعتق وليس لنا عصبة من النساء إلا المعتقة، كما قال في الرحبية: وليس في النساء طرا عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة (قوله: فبعد المعتق الخ) أي ثم العصبة بعد المعتق ذكور عصبته، أي من النسب، وذلك لأن العتيق لو كان رقيقا لاستحقوه وكذا ميراثه.
وقوله دون إناثهم، أي إناث عصبته، أي بالغير، كالبنت مع الابن، أو مع الغير كالأخوات مع البنات، فلا ترث بنت المعتق ولا أخته ولا جدته.
ولو قال دون الإناث، من غير إضافة، لكان أولى، ليشمل إناث العصبة وغيرهن، كالأم والجدة والزوجة (قوله: ويؤخر هنا) أي في الإرث بالولاء، واحترز به عن النسب فإنه لا يؤخر فيه الجد عنهما، بل يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ.
وقوله عن الأخ، متعلق بيؤخر، وإنما أخر الجد عنه لأن تعصيب الأخ يشبه تعصيب الابن، لإدلائه بالبنوة، وهي مقدمة على الأبوة.
وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك، لكن صد عنه الإجماع.
اه.
تحفة.
وقوله وابنه، بالجر عطف على الأخ، وضميره يعود عليه، وإنما أخر الجد عنه أيضا لقوة البنوة كما يقدم إبن الإبن على الأب، ويجري ذلك في عم المعتق أو ابنه مع أبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه عليه (قوله: فمعتق
المعتق) أي فبعد ذكور عصبة المعتق يكون العصبة معتق المعتق.
وقوله فعصبته، أي فبعد معتق المعتق عصبته أي وبعد عصبته معتق معتق المعتق فعصبته، وهكذا.
(تنبيه) كلام المؤلف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق، بل إنما يثبت بعده، وليس بمراد، بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الأم، إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته لم يرثوا وقال(3/276)
السبكي، تلخص للأصحاب فيه وجهان، أصحهما أنه لهم معه، لكن هو المقدم عليهم فيما يمكن جعله له كإرث المال ونحوه كالصلاة عليه وولاية تزويجه إذا كان المعتق ذكرا، أما ما لا يمكن جعله له كغسله إذا كان أنثى والمعتق ذكرا فيقدم غيره عليه.
قال في فتح الجواد مع المتن، ثم الولاء إما ولاء مباشرة على من مسه رق، أو سراية على عتقاء العتيق وعتقاء عتقائه والعصبة فيه من ذكر أو ولاء استرسال وسراية وهو الذي يثبت على أولاد العتيق وأحفاده تبعا، والعصبة فيه معتق أصل أب أو أم بالنسبة لمن رق أحد آبائه، أي أصوله، من جهة الأب دونه، فيرثه معتق ذلك الأصل باسترسال الولاء منه إليه، لأن النعمة عليه نعمة على فرعه.
وأفهم كلامه أن شرط هذا أن يمس الرق أحد آبائه، فلا يكفي مسه لأمه وحدها، فلا ولاء عليه لمواليها لأن الانتساب إلى الأب وهو حر مستقل لا ولاء عليه فليكن الولد مثله، وأن لا يمسه رق وإلا كان ولاؤه لمعتقه فعصبة معتقه فمعتق معتقه فعصبته لأن ولاء المباشرة أقوى.
اه (قوله: فلو اجتمع الخ) لا يظهر التفريع، فكان الأولى التعبير بالواو.
وعقد في منهج والمنهاج لهذه المسألة فصلا مستقلا وذكر قبلها كلاما يناسبها.
وعبارة الأول مع شرحه، فصل في كيفية إرث الأولاد أولاد الابن انفرادا واجتماعا، لابن فأكثر التركة إجماعا ولبنت فأكثر ما مر في الفروض من أن للبنت النصف وللأكثر الثلثين، ولو اجتمعا، أي البنون والبنات، فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين الخ.
اه (قوله: فالتركة لهم للذكر مثل حظ الأنثيين) أي لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1) أي مثل نصيبهما (قوله: وفضل الذكر) أي على الأنثى وقوله بذلك، أي بأخذ مثل حظ الأنثيين (قوله: لاختصاصه) أي الذكر.
وقوله بلزوم ما لا يلزم الأنثى، عبارة التحفة، وفضل الذكر لاختصاصه بنحو النصرة، وتحمل العقل والجهاد، وصلاحيته للإمامة والقضاء وغيرها.
وجعل له مثلاها لأن له حاجتين: حاجة لنفسه، وحاجة لزوجته.
وهي لها الأولى، بل قد تستغنى بالزوج.
اه (قوله: وولد ابن) أي وإن نزل.
(قوله: فيما ذكر) أي في نظير ما ذكر في البنين مع البنات والإخوة مع الأخوات، فإذا اجتمع ولد الابن مع أنثى في درجته كأخته أو بنت عمه أو اجتمع أخ لأب مع
أخته من أبيه فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا يعصب ابن الابن من هي فوقه كإبن ابن ابن مع بنت الإبن، ومحله إن لم يكن لها سدس كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، وإلا فلا يعصبها.
وعبارة المنهج مع شرحه، ولد الابن، وإن نزل، كالولد فيما ذكر إجماعا، فلو اجتمعا والولد ذكر أو ذكر معه أنثى حجب ولد الإبن إجماعا، أو أنثى وإن تعدت فله، أي لولد الإبن، ما زاد على فرضها من نصف أو ثلثين إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا، ويعصب الذكر في الثانية من في درجته كأخته وبنت عمه، وكذا من فوقه كعمته وبنت عم أبيه إن لم يكن لها سدس، وإلا فلا يعصبها، فإن كان ولد الإبن أنثى وإن تعددت فلها مع بنت سدس، كما مر، تكملة الثلثين، ولا شئ لها مع أكثر منها، كما مر، بالإجماع.
وكذا كل طبقتين منهم: أي من ولد الابن، فولد ابن الإبن مع ولد الإبن كولد الإبن مع الولد فيما تقرر.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة النساء، الاية: 11(3/277)
فصل في بيان أصول المسائل أي في بيان ما يعول منها وما يتبع ذلك، ككون أحد العددين موافقا للآخر أو مباينا.
والأصول جمع أصل، وهو لغة، ما بنى عليه غيره.
وعرفا هنا، عدد مخرج فرض المسألة أو فروضها أو عدد رؤوس العصبة إن لم يكن فيها فرض، وتقدم أن علم الفرائض اسم لمجموع فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
ولما أنهى الكلام على الجزء الأول، أعني فقه المواريث، أي فهم قسمة التركة، كقولنا للزوج النصف وهكذا، شرع يتكلم على الجزء الثاني، أعني علم الحساب، وهو المسائل التي يعرف بها تأصيل المسألة وتصحيحها، كقولنا كل مسألة فيها سدس فهي من ستة، وكل سهم انكسر على فريق وباينته سهامه يضرب عدد رؤوسه في أصل المسألة.
وحاصل الأصول سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، وإثنا عشر، وأربعة وعشرون، وهي مخارج الفروض.
فالإثنان مخرج النصف، والثلاثة مخرج الثلث والثلثين، والأربعة مخرج الربع، والستة مخرج السدس، والثمانية مخرج الثمن، والإثنا عشر مخرج السدس والربع، أو الثلث والربع، والأربعة والعشرون مخرج السدس والثمن.
وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون، فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم لأن فيها سدسا وثلث الباقي وثانيهما كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم لأن فيها ربعا وسدسا صحيحين وثلث
الباقي.
والذي يعول من الأصول ثلاثة، الستة تعول إلى سبعة: كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية: كهم وأم، وإلى تسعة: كهم وأخ لأم، وإلى عشرة: كهم وأخ آخر لأم.
والإثنا عشر: تعول إلى ثلاثة عشر: كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم، وإلى سبعة عشر: كهم وأخ آخر لأم، والأربعة والعشرون تعول إلى سبعة وعشرين: كبنتين وأم وأب وزوجة (قوله: أصل المسألة عدد الرؤوس) أي بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه أنثى، كما سيصرح به بقوله وقدر الذكر الخ (قوله: إن كانت الورثة عصبات) أي وتقسم التركة عليهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا كبنين أو إناثا كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية، ولا يتصور في غيرهن كما تقدم (قوله: كثلاثة بنين أو أعمام) هو تمثيل لكون الورثة عصبات (قوله: فأصلها) أي المسألة.
وقوله ثلاثة.
بعدد رؤوسهم (قوله: وقدر) فعل أمر بمعنى عد واحسب، فهو يتعدى إلى مفعولين: الأول قوله الذكر، والثاني قوله أنثيين.
ويحتمل أن يكون ماضيا مبنيا للمجهول، والذكر نائب فاعله.
وفي ش ق: إنما لم يقدر الأنثيان بذكر لأنه لا يطرد، إذ قد تكون الورثة ثلاث بنات وأخا، ولو قدر الأنثيان بذكر لبقيت واحدة، بخلاف العكس، فإنه مطرد في كل صورة.
اه.
(قوله: أي الصنفان) تفسير لضمير اجتمعا، وهما ذكور وإناث (قوله: من نسب) حال من الصنفان، أي حال كون الصنفين كائنين من النسب.
وخرج به ما إذا كانا من الولاء فإن الإرث حينئذ لا بعدد الرؤوس، بل بحسب الشركة في العتق إن كانا معتقين، فإن كانا ورثة معتق فالإرث للذكر دون الإناث، كما تقدم (قوله: ففي ابن وبنت) تفريع على تقدير الذكر أنثيين عند اجتماع الصنفين، ولو جعله تمثيلا لذلك لكان أولى (قوله: يقسم المتروك) أي ما تركه الميت وخلفه، وهو التركة، سواء كانت مالا أو حقا (قوله: ومخارج الخ) كان المناسب أن يذكر قبله ما يقابل المتن، كأن يقول: فإن كانت الورثة أصحاب فروض أو بعضهم صاحب فرض وبعضهم تعصيب فأصلها من مخرج ذلك الفرض.
والفرض هو الكسر، كالثمن والربع والنصف.
ومخرج العدد، كالثمانية والأربعة والإثنين.
قال م ر: وكلها، أي الفروض، مشتقة من اسم العدد، إلا النصف فإنه من المناصفة،(3/278)
لتناصف القسمين واستوائهما.
ولو أريد ذلك لقيل ثني، بضم أوله، كثلث وما بعده.
اه.
وقوله لقيل ثنى، أي يعبر عن النصف بثنى ليكون مشتقا من العدد، وهو اثنان.
اه.
سم (قوله: فإن كان في المسألة الخ) كأنه قال هذا إذا كان في المسألة فرض واحد فقط، فإن كان فيها فرضان الخ.
وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا كان في المسألة فرضان فأكثر أي عددان فأكثر، فإما أن يكون بينهما تماثل أو تدخل أو توافق أو تباين، فأما التماثل، فبأن يكون عدد أحد المتماثلين مثل
عدد الآخر، وأما التداخل، فبأن يفنى الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة، وأما التوافق، فبأن يكون بين العددين توافق في جزء من الأجزاء، وأما التباين، فبأن لا يحصل توافق بينهما في جزء من الأجزاء.
ثم إن الحكم في المتماثلين أن تأخذ أحدهما وتكتفي به عن الآخر، وفي المتداخلين أن تأخذ العدد الأكبر، وفي المتوافقين أن تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، وفي المتباينين أن تضرب أحدهما كاملا في الآخر كذلك.
ثم إن الشارح ذكر هذه النسب الأربع في تأصيل المسائل فقط، وهو تحصيل مخرج فروضها، وتجري أيضا في تصحيح المسائل وهو تحصيل أقل عدد يخرج منه نصيب كل وارث صحيحا، وسمي بذلك لكون القصد منه سلامة الحاصل لكل وارث من الكسر، وهو ناشئ عن التأصيل غالبا.
وقد يتحدان، كما في مسألة زوج وأبوين التي هي إحدى الغراوين، وبيان ذلك أنك إذا عرفت أصل المسألة فإن انقسمت السهام فذاك واضح، وإن انكسرت السهام على صنف فقابل سهامه بعدده، فإما أن يتباينا أو يتوافقا، فإن تباينا فاضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت، ومنه تصح، كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة، فيضرب اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية، ومنها تصح، وإن توافقا فاضرب وفق عدد الصنف في المسألة بعولها إن عالت، فما بلغ صحت منه، كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهما بالنصف فتضرب اثنين في ثلاثة تبلغ ستة، ومنها تصح.
وإن انكسرت على صنفين فقابل سهام كل صنف بعدده أيضا، فإن توافقا رد عدد رؤوس الصنف الموافق إلى وفقه، وإن تباينا فاترك عدد كل فريق بحاله ثم انظر بين عدد رؤوسهما، فإن تماثلا فاضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تداخلا فاضرب أكثرهما في أصل المسألة كذلك، وإن توافقا فاضرب وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تباينا فاضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة كذلك.
(والحاصل) تنظر أولا بين السهام والرؤوس وتحفظ عدد الفريق الذي باينته سهامه ووفق الفريق الذي وافقته سهامه، ثم تنظر ثانيا في هذين المحفوظين، فإن كانا متماثلين فخذ أحدهما، وإن كانا متداخلين فخذ الأكثر، وإن كانا متوافقين فاضرب وفق أحدهما في جميع الآخر، وإن كانا متباينين فاضرب جميع أحدهما في جميع الآخر، ثم بعد ذلك تأخذ الحاصل في كل حالة من هذه الحالات الأربع، ويسمى جزء منهم المسألة، وتضربه في أصل المسألة بعولها إن عالت، ولنمثل لك لبعضها فنقول، مثال المحفوظين المتماثلين مع تباين السهام للرؤوس أم وخمسة إخوة لأن وخمسة أعمام، فأصل المسألة من ستة للأم السدس واحد وللإخوة للأم الثلث اثنان، منكسرة عليهم، وللخمسة أعمام ثلاثة منكسرة عليهم أيضا، وبين الرؤوس تماثل فتأخذ أحد المتماثلين وتضربه في أصل المسألة بثلاثين ومنها تصح، ومثالهما مع
توافق السهام للرؤوس أم وعشرة إخوة لأم وخمسة عشرة عما، فأصل المسألة من ستة أيضا، للأم السدس واحد وللعشرة الإخوة اثنان الثلث وهما موافقان لرؤوسهم بالنصف فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وللخمسة عشر عما ثلاثة وهي موافقة للرؤوس بالثلث، فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وبين الوفقين تماثل، فتأخذ أحدهما، وهو خمسة، وتضربه في أصل المسألة، وهو ستة بثلاثين، ومنها تصح، وقس على ذلك أمثلة بقية الأحوال الأربعة، وقس أيضا على الإنكسار على صنفين الإنكسار على ثلاثة وعلى أربعة، وبيان ذلك كله مبسوط في محله، فاطلبه إن شئت (قوله: كنصفين) أي أو نصف، وما بقي كزوج وعم، كما سيأتي، وقوله في مسألة زوج وأخت، أي شقيقة أو لأب، وهذه المسألة تلقب باليتيمة، إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما، فهي كالدرة اليتيمة، أي التي لا نظير لها (قوله: فهي) أي هذه المسألة.
وقوله من الإثنين، أي أصلها من الإثنين، والأول حذف أل (قوله: وعند تداخلهما بأكثرهما) أي ويكتفي عند(3/279)
تداخل المخرجين بأكثرهما، فالظرف معطوف على الظرف الأول، فهو متعلق بما تعلق به (قوله: كسدس وثلث) فالأول من ستة، والثاني من ثلاثة، وبينها تداخل، فيكتفي بالأكثر وهو الستة (قوله: وولديها) أي الأم، وهما أخو الميت من الأم (قوله: فهي من ستة) أي فالمسألة من ستة، للأم واحد سدسها، ولولديها اثنان ثلثها، والباقي، وهو ثلاثة، للأخ الشقيق أو للأب (قوله: وكذا يكتفي الخ) فصله بكذا، لأنه ليس فيه تداخل، إذ ثلث الباقي ليس داخلا في الأربعة، مع أنه يكتفي بالأكثر، وهو الربع، عن الأصغر، وهو ثلث الباقي، فتكون من أربعة تأصيلا.
اه.
ش ق.
(وقوله: في زوجة وأبوين) فالزوجة لها الربع والأم لها ثلث الباقي، وما بقي للأب.
فالمسألة من أربعة: للزوجة واحد من أربعة، والأم لها واحد من ثلاثة، والباقي للأب (قوله: وعند توافقهما) معطوف على عند تماثل المخرجين: أي واكتفى عند توافق المخرجين.
(وقوله: بمضروب أحدهما في الآخر) أي بحاصل ذلك (قوله: كسدس وثمن) فالأول من ستة، والثاني من ثمانية، وبينهما توافق، إذ كل منهما له نصف صحيح، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في كامل الآخر، وهو ثمانية، بأربعة وعشرين.
وقوله في مسألة أم وزوجة وابن، فالأم لها السدس، والزوجة لها الثمن، وما بقي للإبن (قوله: وعند تباينهما) معطوف أيضا على عند تماثل المخرجين، أو واكتفى عند تباين المخرجين.
(وقوله: بمضروب الخ) أي بحاصله (قوله: كثلث وربع) فالأول من ثلاثة، والثاني من أربعة.
وقوله في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين أو لأب، فالأم لها الثلث والزوجة لها الربع، وما بقي فللأخ المذكور (قوله: فهي) أي المسألة.
وقوله حاصل الخ، بدل من اثني عشر (قوله: وأصل مسألة
كل فريضة إلخ) لا يخفى ما في عبارته متنا وشرحا من عدم الالتئام والارتباط، فكان المناسب أن يذكر أولا مفهوم القيد، أعني، قوله إن كانت الورثة عصبات، ويذكر ما هو مرتب عليه، كما نبهت عليه، كأن يقول فإن كانت الورثة أصحاب فروض كلهم أو بعض فأصل المسألة مخرج فرضها، ثم يعد مخارج الفروض السبعة التي ذكرها، ثم يرتب عليها قوله وأصل كل مسألة الخ، ويقدم ذلك كله على قوله في الشرح، فإن كان في المسألة فرضان الخ، ويذكر قوله المذكور كالتعليل لما ذكره بقوله وأصل كل مسألة الخ، كأن يقول وذلك لأنه إن كان في المسألة الخ.
فتنبه.
وقوله كل فريضة، أي: كل مسألة مشتملة على فريضة بمعنى مفروضة، أي سهام مقدرة، ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة الحاصلة بزيادته لفظة مسألة قبل لفظة كل، لأن المعنيس عليه وأصل مسألة كل مسألة الخ.
ولو أخر لفظة مسألة عن لفظة كل، كأن قال وأصل كل مسألة فريضة الخ، أي مسألة مشتملة على سهام مفروضة، لسلمت منها.
وقوله فيها نصفان، الجملة صفة لفريضة، أي فريضة موصوفة بأن فيها نصفين.
ولا يخفى أيضا ما فيه من ظرفية الشئ في نفسه، إذ الفريضة هي النصفان أو النصف وما بقي.
وهكذا إلا أن يقال من ظرفية المفصل في المجمل.
فتنبه (قوله: كزوج وأخت لأب) تمثيل للفريضة التي فيها نصفان، وذلك لأن الزوج له النصف والأخت لأب - أي أو شقيقة - لها النصف (قوله: أو نصف وما بقي) أي مع ما بقي من التركة.
وقوله كزوج وأخ لأب، أي أو شقيق بالأولى، فالزوج له النصف والأخ له ما بقي لأنه عصبة (قوله: اثنان) خبر أصل.
وقوله مخرج النصف، أي وهما مخرج النصف (قوله: أو فيها ثلثان) قدر الشارح لفظ فيها إشارة إلى أن ثلثان معطوف على نصفان.
وقوله وثلث، أي مع ثلث.
وقوله كأختين لأب وأختين لأم تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وثلث، فالأختان لأب أو لأب ولأم لهما الثلثان، والأختان لأم لهما الثلث.
وقوله أو ثلثان وما بقي معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلثان وما بقي (قوله: كبنتين وأخ لأب) تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وما بقي، إذ البنتان لهما الثلثان(3/280)
والأخ لأب له الباقي لأنه عصبة (قوله: أو ثلث وما بقي) معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلث وما بقي.
وقوله كأم وعم، تمثيل له، إذ الأم لها الثلث والعم له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثلاثة) خبر أصل المقدر قبل فيها ثلثان، أي وأصل الفريضة التي فيها ثلثان الخ ثلاثة.
(قوله: مخرج الثلث) بدل من ثلاثة أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الثلث (قوله: أو فيها ربع) معطوف على فيها نصفان، أي وأصل كل فريضة فيها ربع وما بقي.
وقوله كزوجة وعم تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والعم له الباقي لأنه عصبة.
وقوله أربعة، خبر المبتدأ المقدر قبل قوله فيها ربع.
وقوله مخرج الربع،
بدل، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الربع.
(قوله: أو فيها سدس وما بقي الخ) معطوف أيضا على فيها نصفان.
وقوله كأم وابن، تمثيل له: إذ الأم لها السدس والإبن له الباقي لأنه عصبة.
وقوله أو سدس وثلث، أي أو فيها سدس وثلث، وقوله كأم وأخوين لأم، تمثيل له، إذ الأم لها السدس والأخوان لأم لهما الثلث.
وقوله أو سدس وثلثان، أي أو فيها سدس وثلثان.
وقوله كأم وأختين لأب، تمثيل له.
إذ الأم لها السدس والأختان لهما الثلثان (قوله: أو سدس ونصف) أي أو فيها سدس ونصف.
وقوله كأم وبنت تمثيل له: إذ الأم لها السدس والبنت لها النصف.
وقوله ستة، خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للأربع صور.
وقوله مخرج السدس، يقال فيه ما تقدم (قوله: وفيها ثمن وما بقي) معطوف أيضا على فيها نصفان، أي والأصل في كل فريضة فيها ثمن مع ما بقي.
وقوله كزوجة وابن، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والابن له الباقي.
وقوله أو ثمن ونصف وما بقي، أي أو فيها ثمن ونصف مع ما بقي.
وقوله كزوجة وبنت وأخ لأب، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والبنت لها النصف والأخ للأب، أي الشقيق له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثمانية) خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للمسألتين.
وقوله مخرج الثمن، يقال فيه ما تقدم (قوله: أو فيها ربع وسدس) معطوف أيضا على فيها نصفان.
وقوله كزوجة وأخ لأم، تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والأخ للأم له السدس.
وقوله اثنا عشر، خبر المبتدأ المقدر أيضا.
وقوله مضروب الخ، بدل أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مضروب، أي حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، إذ بينهما موافقة بالنصف.
والقاعدة أنهما إذا كانا كذلك يضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في الأربعة، أو نصف الأربعة، وهو اثنان، في الستة فيكون الحاصل اثني عشر (قوله: أو فيها ثمن وسدس) أي وما بقي.
وكان عليه أن يزيده وهو معطوف على فيها نصفان أيضا.
(واعلم) أنه ذكر عند كل أصل من الأصول التي عدها لفظ فيها إشارة إلى أن ما دخلت عليه أصل، فإن لم يكن أصلا، كالمسائل المندرجة تحت الأصل، لم يذكر فيها ذلك إشارة إلى أنه ليس بأصل.
فتنبه.
وقوله أربعة وعشرون، خبر المبتدأ المقدر، وهو لفظ أصل.
وقوله مضروب وفق أحدهما في الآخر، يقال فيه ما تقدم، فالأربعة والعشرون حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، وذلك لأن بين الثمانية والستة توافقا بالنصف فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يبلغ أربعة وعشرين، وهذا آخر عدد أصول المسائل، وحاصلها سبعة، اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية وإثنا عشر وأربعة وعشرون، وهذه هي المتفق عليها.
وأما المختلف فيه فثمانية عشر وستة وثلاثون، ولا يكونان إلا في مسائل الجد والإخوة حيث كان ثلث الباقي خيرا له.
والراجح أنهما أصلان، لا تصحيحان، وذلك لأن ثلث الباقي فرض مضموم
لفرض آخر أو لفرضين فيجب اعتباره، وأقل عدد يخرج منه السدس وثلث الباقي صحيحا ثمانية عشر كما في أم وجد وخمسة إخوة لغير أم فللأم ثلاثة وهي السدس وللجد ثلث الباقي خمسة ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية وأقل عدد يخرج(3/281)
منه السدس والربع وثلث الباقي صحيحا ستة وثلاثون وذلك كما في أم وزوجة وجد وسبعة إخوة لغير أم للأم السدس ستة وللزوجة الربع تسعة وللجد ثلث الباقي سبعة، ولكل أخ اثنان من الأربعة عشر الباقية وهذا ما عليه المحققون.
وقال بعضهم: تصحيح لا تأصيل، فأصل الأولى من ستة مخرج السدس ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم تضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وقد علمت قسمتها.
وأصل الثانية من اثني عشر مخرج السدس والربع ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم وربع الزوجة تضرب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين، وقد علمت قسمتها (قوله: وتعول الخ) اعلم أن العول لغة الارتفاع والزيادة، وفي الإصطلاح زيادة ما يبلغه مجموع السهام المأخوذ من الأصل عند ازدحام الفروض عليه ومن لازمه دخول النقص على أهلها بحسب حصصهم.
ولم يقع العول في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من عال الفرائض عمر رضي الله عنه، لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا، وقال ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر، وكان امرءا ورعا، فقال ما أجد شيئا أوسع لي من أن أقسم التركة عليكم بالحصص، وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة.
اه.
وروي أن أول فريضة عالت في الإسلام زوج وأختان، فلما رفعت إلى عمر رضي الله عنه قال إن بدأت بالزوج أو بالأختين لم يبق للآخر حقه، فأشيروا علي، فأول من أشار بالعول العباس رضي الله عنه على المشهور، وقيل علي رضي الله عنه، وقيل زيد بن ثابت رضي الله عنه، والظاهر، كما قال السبكي رحمه الله، أنهم كلهم تكلموا في ذلك لإستشارة عمر رضي الله عنه إياهم واتفقوا على العول.
فلما انقضى عصر عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله عنهما الخلاف في المباهلة، فقيل له ما بالك لم تقل هذا لعمر؟ فقال كان رجلا مهابا.
وقوله ثلاثة، ضابطها الستة وضعفها وضعف ضعفها.
قال في الرحبية: فإنهن سبعة أصول ثلاثة منهن قد تعول وبعدها أربعة تمام لا عول يعروها ولا انثلام (قوله: ستة إلى عشرة) أي تعول الستة أربع مرات على توالي الأعداد إلى أن تبلغ عشرة (قوله: كزوج وأختين
لغير أم) أي فمسألتهم من ستة، لأن فيها نصفا وثلثين، فللزوج ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة، ومجموعهما سبعة، فيقسم المال بينهما أسباعا، للزوج نصف عائل، وهو ثلاثة أسباع، ولأختين ثلثان عائلان، وهما أربعة أسباع.
(قوله: وإلى ثمانية) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى ثمانية.
وقوله كهم، أي زوج وأختين لغير أم.
وقوله وأم، أي وزيادة أم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، ومجموع ذلك ثمانية فيصير للزوج ربع وثمن، وللأم ثمن وللأختين نصف.
ومثل ذلك المباهلة، وهي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف ومجموعها ثمانية، وهذا هو مذهب الجمهور.
وعند ابن عباس رضي الله عنهما للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأخت، وعنه قول آخر هو أن للزوج النصف والباقي بين الأم والأخت وإنما لقبت بالمباهلة لقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
والإبتهال مأخوذ من قولهم بهله الله، أي لعنه وأبعده من رحمته، أو من قولك أبهلته، إذا أهملته.
وأصل الإبتهال ما ذكر، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن التعانا، (قوله: وإلى تسعة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى تسعة.
وقوله كهم وأخ لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وزيادة أخ لأم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخ للأم السدس كذلك ومجموعها تسعة، فيصير للزوج ثلاثة أتساع وللأختين أربعة أتساع وللأم تسع وللأخ كذلك (قوله:(3/282)
وإلى عشرة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى عشرة، وتلقب مسألتهم بأم الفروخ، لأنها شبهت بطائر وحوله أفراخه، وبالشريحية لأن القاضي شريحا أول من جعلها عشرة.
وقوله كهم وأخ آخر لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وأخ لها زيادة أخ آخر لها أيضا، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخوين الثلث اثنان ومجموعها عشرة فيصير للزوج ثلاثة أعشار وللأختين أربعة وللأم عشر وللأخوين عشران (قوله: وتعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا) أي تعول ثلاث مرات وترا فقط: أي على توالي الأفراد (قوله: فعولها) أي الإثني عشر إلى ثلاثة عشر (قوله: كزوجة وأم وأختين لغير أم) أي فمسألتهم من اثني عشر لأن فيها ربعا وسدسا، فللزوجة الربع ثلاثة وللأم السدس اثنان وللأختين الثلثان ومجموعها ثلاثة عشر (قوله: وإلى خمسة عشر) أي وعولها إلى خمسة عشر.
وقوله: كهم وأخ لأم، أي كزوجة وأم وأختين لغير أم وزيادة أخ لأم فيزاد له اثنان، فإذا ضما إلى
الثلاثة عشر يصير المجموع خمسة عشر فيصير للزوج ثلاثة أخماس وللأم خمسان وللأخت ثمانية أخماس وللأخ للأم خمسان (قوله: وإلى سبعة عشر) أي وعولها إلى سبعة عشر.
(وقوله: كهم وأخ آخر لأم) أي وزيادة أخ آخر لأم فيزداد له اثنان فإذا ضما إلى الخمسة عشر يصير المجموع سبعة عشر.
ومثلها في ذلك أم الأرامل وهي جدتان وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأبوين أو لأب، فللجدتين السدس اثنان وللزوجات الربع ثلاثة وللأخوات للأم الثلث أربعة وللأخوات للأبوين الثلثان ثمانية ومجموع ذلك سبعة عشر، وكما تلقب بذلك تلقب بأم الفروج، بالجيم، لأنوثة الجميع، وبالدينارية لأن الميت لو ترك سبعة عشر دينارا خص كلا دينار (قوله: وتعول أربعة وعشرون لسبعة وعشرين فقط) أي فعولها إلى ذلك مرة واحدة.
وتلقب هذه المسألة بالبخيلة لقلة عولها.
وقد نظمها وما قبلها في الرحيبة بقوله: فتبلغ الستة عقد العشرة في صورة معروفة مشتهرة وتلحق التي تليها في الأثر بالعول أفرادا إلى سبع عشر والعدد الثالث قد يعول بثمنه فاعمل بما أقول (قوله: كبنتين وأبوين وزوجة) فأصل مسألتهم من أربعة وعشرين لأن فيها ثمنا للزوجة وثلثين للبنتين وبينهما تباين فيضرب مخرج أحدهما وهو ثلاثة مثلا في كامل مخرج الآخر، وهو ثمانية، يكون الحاصل أربعة وعشرين، فللبنتين الثلثان ستة عشر وللأبوين الثلث ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة فتعال المسألة بها إلى سبعة وعشرين (قوله: وتسمى) أي هذه المسألة العائلة إلى سبعة وعشرين (قوله: لأن الخ) بيان لسبب تسميتها بالمنبرية (قوله: فقال ارتجالا) أي من غير تأمل (قوله: صار ثمن المرأة تسعا) أي لأن الثلاثة تسع السبعة والعشرين (قوله: ومضى في خطبته) أي كمل خطبته (قوله: وإنما عالوا) أي الفرضيون هذه الأصول الثلاثة (قوله: ليدخل النقص على الجميع) أي جميع الورثة (قوله: كأرباب الخ) تنظير.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/283)
فصل في بيان أحكام الوديعة أي في بيان أحكام الوديعة.
وهي مناسبة للفرائض لأن مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت مال المسلمين، والأصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (1) أي يأمر كل من كان عنده أمانة أن
يردها إلى صاحبها إذا طلبها، وهي وإن نزلت في مفتاح الكعبة فهي عامة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يخطب لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل وهي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه، من ودع يدع، إذا سكن، لأنها ساكنة عند الوديع.
وقيل من الدعة أي الراحة لأنها تحت راحته ومراعاته.
وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة، فهي حقيقة فيهما، ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع، وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به، فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية، كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به.
وأركانها بمعنى العقد أربعة: وديعة بمعنى العين المودوعة، وشرط فيها كونه محترمة وإن لم تكن متمولة ولو نجسة نحو حبة بر وكلب ينفع، بخلاف غير المحترمة نحو كلب لا ينفع وآله لهو.
ومودع، بكسر الدال، ومودع بفتحها، وإن شئت قلت ووديع، وشرط فيهما ما مر في موكل ووكيل، وهو إطلاق تصرف لأن الإيداع استنابة في الحفظ.
فلو أودع ناقص نحو صبي ناقصا مثله أو كاملا ضمن كل منهما ما أخذه منه لأن الإيداع باطل ولو أودع كامل ناقصا لم يضمن إلا بإتلافه لأنه لم يسلطه على إتلافه، ولا يضمن بغير الإتلاف ولو بالتفريط لتقصيره بالإيداع عنده.
وبقيت صورة رابعة وهي أن يودع كامل كاملا ولا ضمان حينئذ إلا بالتفريط، وهذه الصورة هي مقصود الباب.
وصيغة، وشرط فيها ما مر في الوكالة، وهو اللفظ من أحد الجانبين، وعدم الرد من الآخر حتى لو قال الوديع أودعنيها فدفعها له ساكتا صح.
والإيجاب إما صريح: كأودعتك هذا أو استحفظتك، أو كناية مع النية: كخذه (قوله: صح إيداع محترم) أي وضع شئ محترم ولو اختصاصا، أما غيره، ككلب لا ينفع، وآله لهو، فلا يصح إيداعهما، كما تقدم (قوله: بأودعتك الخ) متعلق بإيداع، وهو بيان للصيغة.
والمثالان الأولان للإيجاب الصريح، والثالث للكناية، كما تقدم أيضا (قوله: وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها) وذلك لأنه يعرضها للتلف، قال في المغني: والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الإسم.
اه.
(قوله: وكره) أي أخذ الوديعة.
وقوله على غير واثق بأمانته، أي على غير من يثق بأمانة نفسه.
(والحاصل) إن قدر على حفظها ووثق بنفسه حالا ومآلا ولم تتعين عليه بأن لم يوجد غيره استحب له أخذها، فإن عجز عنه حرم أو لم يثق بأمانة نفسه كره له إن لم يعلم به المالك في الصورتين، فإن علم به فلا حرمة في الصورة الأولى، ولا كراهة في الصورة الثانية ويكون مباحا، أو تعين عليه بأن لم يوجد غيره وجب.
فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله:
ويضمن وديع الخ) شروع في ذكر أسباب تعرض للوديعة موجبة للضمان، وإلا فهي أصلها الأمانة بمعنى أنها متأصلة فيها، لا تبع، كالرهن، لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (2) وعبارة المنهج وأصلها، الأمانة
__________
(1) سورة النساء، الاية: 58 (2) سورة البقرة، الاية: 283(3/284)
وقد تصير مضمونة بعوارض الخ.
وحاصل تلك الأسباب التي تعرض للوديعة الموجبة للضمان عشرة نظمها الدميري بقوله: عوارض التضمين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها وترك إيصاء ودفع مهلك ومنع ردها وتضييع حكي والإنتفاع وكذا المخالفة في حفظها إن لم يزد ما خالفه وقد ذكر معظهما الشارع رحمه الله تعالى.
وقوله ودعها، بفتح الواو وسكون الدال، يعني إيداعها لغيره بلا إذن من المالك ولا عذر من الوديع ولو كان ذلك الغير قاضيا أو ولده أو زوجته أو خادمه، فما يقع كثيرا من أن الوديع يعطي الوديعة لولده أو زوجته أو خادمه ليحفظها كل منهم في حرزه موجب للضمان، لأن المودع لم يرض بذلك.
نعم، له الإستعانة بمن يحملها لحرز أو يعلفها أو يسقيها لأن العادة جرت بذلك.
وقوله وسفر، يعني السفر بها مع القدرة على ردها، لأنه عرضها للضياع، إذ حرز السفر دون حرز الحضر.
وقوله ونقلها، يعني نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز، أي دون المحلة أو الدار الأولى في الحرز.
وقوله وجحدها، أي بلا عذر بعد طلب من مالك لها، بخلاف ما لو جحدها بعذر كدفع ظالم عن مالكها أو جحدها بلا طلب من مالكها ولو بحضرته، لأن إخفاءها أبلغ في حفظها.
وقوله وترك إيصاء، أي أن يترك الإيصاء بالوديعة عند المرض أو السفر للقاضي أو الأمين عند فقد القاضي، فإن الإيصاء بها لمن ذكر يقوم مقام ردها إليه، فهو مخير عند فقد المالك ووكيله بين ردها للقاضي والإيصاء بها إليه، وعند فقد القاضي بين ردها للأمين والإيصاء بها إليه.
والمراد بالإيصاء بها الإعلام بها مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة، أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة، والأمر بردها، فإن لم يفعل ما ذكر كما ذكر ضمن إن تمكن من ردها أو الإيصاء بها لأنه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه.
وقوله ودفع مهلك، بالجر عطف على إيصاء، أي وترك دفع مهلك، كترك تهوية
ثياب صوف وترك لبسها عند حاجتها لذلك وقد علمها فيلزمه تهويتها أو لبسها عند حاجتها لذلك وعلمه بها وباحتياجها لذلك وتمكنه منه بأن أعطاه المفتاح لأن الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه.
وقوله ومنع ردها، أي بلا عذر بعد طلب مالكها لها، بخلاف ما لو كان بعذر كصلاة وأكل ونحوهما.
والمراد بردها التخلية بينها وبين المالك، وأما حملها إليه فلا يلزمه.
وقوله وتضييع: أي لها، أي يتسبب في ضياعها كأن يضعها في غير حرز مثلها أو ينساها أو يدل عليها ظالما معينا محلها أو يسلمها له ولو مكرها ويرجع الوديع إذا غرم بها على الظالم لأن قرار الضمان عليه فإن المستولي على المال عدوانا.
ولو أخذها الظالم من يده قهرا عليه فلا ضمان على الوديع، وكذا لو أعلمه بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك وإن كان يجب عليه إنكارها والإمتناع من الإعلام بها جهده، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، ويجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التورية وأمكنته، فإن لم يور كفر عن يمينه إن حلف بالله، لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه.
وقوله والإنتفاع: أي بها كأن يلبس الثوب ويركب الدابة بلا عذر، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبس الثوب لدفع الدود وركوب الدابة لدفع الجماح فلا ضمان بذلك لأنه لمصلحة المالك.
وقوله وكذا المخالفة في حفظها، كقوله لا ترقد على الصندوق الذي فيه الوديعة فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه بانكساره فيضمن بذلك لمخالفته المؤدية للتلف، لا إن تلف بغير ذلك، كسرقة فلا يضمن.
وقوله إن لم يزد ما خالفه، أي لم يزد في الحفظ الذي خالفه، كأن قال لا تقفل عليه فأقفل (قوله: بإيداع غيره) أي بوضع الوديعة عند غيره، ومعنى كونه يضمن بإيداع غيره أنه يصير طريقا في الضمان لأن للمالك أن يضمن من شاء الأول أو الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني إن علم، لا إن جهل، كذا في المغني (وقوله: ولو قاضيا) أي ولو كان ذلك الغير قاضيا فإنه يضمن بإيداعه إياه، والغاية للرد على من يقول إن أودع القاضي لم يضمن لأنه نائب الشرع.
(وقوله: بلا إذن من المالك) متعلق بإيداع، وهو قيد في الضمان.
وخرج به ما لو أذن له في أن يودعها غيره فالثاني وديع أيضا ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إن ظهر من المالك قرينة على إستقلال(3/285)
الثاني به لجواز استنابة اثنين فأكثر في حفظها.
ثم إن صرح المالك باجتماعهما على حفظها تعين فيضعانها في حرز واحد لهما بأن يكون لكل منهما اليد عليه بملك أو إجارة اتفقا في ذلك أو اختلفا فيه ولكل منهما مفتاح عليه، فلو انفرد أحدهما بحفظها مع رضا الآخر ضمن كل منهما وعلى كل منهما قرار النصف، وإن لم يكن مع رضا الآخر اختص المنفرد وحده
ضمانا وقرارا وإن لم يصرح المالك باجتماعهما على حفظها جاز الإنفراد زمانا ومكانا مناوبة، كأن يحفظها كل منهما في حرزه يوما أو نحوه (قوله: لا إن كان لعذر) أي لا يضمن بإيداعه للغير إن كان لعذر، ومحله إذا تعذر ردها لمالكها أو وكيله ويجب عند فقدهما وضعها عند قاض ثم أمين والمراد به مستور العدالة ولا يكلف تأخير السفر لما في ذلك من المشقة (قوله: كمرض) أي للمودع، وهو تمثيل للعذر.
وقوله وسفر، أي مباح فلا يجوز إيداعه للغير إذا سافر إلا إذا كان السفر مباحا لأن إيداعها للغير رخصة فلا يبيحها سفر المعصية (قوله: وخوف الخ) أي للوديعة لوجود حريق في البقعة التى هي فيها (قوله: وإشراف حرز على خراب) أي ولم يجد حرزا ينقلها إليه (قوله: وبوضع في غيره حرز مثلها) عطف على بإيداع غيره، أي ويضمنها بوضعها في غير ذلك، وعبر غيره عن هذا السبب بتضييعها وهو أولى لأنه صادق بما إذا وضعها في غير حرز مثلها وبنسيانها وبدلالة ظالم عليها معينا محلها له، كما تقدم (قوله: وبنقلها) عطف بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا بنقلها إلى دون حرز مثلها، أي بنقلها من محلها الذي هو حرز مثلها إلى ما هو دونه في الحرز ولو كان ذلك الدون حرز مثلها، وذلك لأنه عرضها للتلف بذلك، أما إذا تساويا أو كان المنقول إليه أحرز فلا يضمن لعدم التفريط من غير مخالفة، لكن محله ما لم ينهه المالك عن نقلها وإلا ضمن مطلقا.
إن نقلها بظن أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمن (قوله: وبترك دفع متلفاتها) عطف على بإيداع أيضا: أي ويضمنها أيضا بترك دفع متلفاتها التي يتمكن من دفعها على العادة لأنه من أصول حفظها.
فعلم أنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقا.
ووجهه ابن الرفعة بأنه مأمور بالإبتداء بنفسه.
ونظر الأذرعي فيما لو أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة، كما هو ظاهر، أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها، والضمان في الأولى متجه وفي الثانية محتمل.
اه.
(قوله: كتهوية الخ) تمثيل للدفع المتروك، والأولى أن يقول كترك تهوية تمثيلا لترك دفع وليلائم ما بعده.
وقوله أو ترك لبسها، أي ثياب الصوف.
وقوله عند حاجتها: متعلق بتهوية أو بترك المقدر قبلها أو بترك لبسها وهنا متعلق محذوف، أي عند حاجة ثياب الصوف لما ذكر، أي لكل من التهوية واللبس.
وفي التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا بد من نية نحو اللبس لأجل ذلك وإلا ضمن به، ويوجه في حال الإطلاق لأن الأصل الضمان حتى يوجد صارف له.
اه.
وفي النهاية مع الأصل: وكذا عليه لبسها لنفسه إن لاق به عند حاجتها بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب عبق ريح الآدمي لها.
نعم، إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته، كما قاله الأذرعي، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه.
نعم، لو كان ممن لا يجوز له لبسها كثوب حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجده ولم يرض إلا بأجرة فالأوجه
الجواز، بل الوجوب.
ولو كانت الثياب كثيرة بحيث يحتاج لبسها إلى مضي زمن يقابل بأجرة فالأقرب أن له رفع الأمر للحاكم ليفرض له أجرة في مقابلة لبسها، إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز.
اه.
(قوله: وبعدول عن الحفظ المأمور به) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا إذا تلفت بسبب عدوله عن الحفظ المأمور به لتعديه، فلو قال له لا ترقد على الصندوق فرقد عليه وانكسر بثقله فتلف ما فيه ضمن لحصول التلف من جهة مخالفته وتقصيره، بخلاف ما لو تلف بغير ذلك كسرقة فلا يضمن لأن رقاده عليه زيادة في الحفظ.
نعم، إن كان الصندوق في نحو المحراب فسرق من جانبه الذي لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه ضمن، ومثله ما لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه.
وقوله من المالك: متعلق بالمأمور، ولو أسقطه لكان أولى ليشمل الأمر الشرعي فيما إذا أعطاه دراهم ولم يبين له وجه الحفظ، فإنه إن ربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه ولو الذي على وركه وليس واسعا أو واسعا وزره لم يضمن، فإن لم(3/286)
يمسكها بيده، فإن كان فوق ما ربطها فيه ثوب آخر لم يضمن مطلقا، وإلا فإن جعل الخيط المربوط به من خارج فضاعت بأخذ طرار، بفتح المهملتين وتشديد الثانية: أي شرطي، ضمن لأنه خالف الأمر الشرعي بإبرازها له حتى صير قطعها سهلا عليه (قوله: وبجحدها) معطوف على بإيداع أيضا: أي ويضمن أيضا بجحد المودع الوديعة.
وقوله وتأخير تسليمها، الواو بمعنى أو، أي ويضمن أيضا بتأخير تسليمها.
وقوله بلا عذر بعد طلب مالكها: قيدان للضمان بالنسبة للجحود وللتأخير، وذلك كأن قال له أعطني وديعتي فقال له لم تودعني شيئا أو ليس لك عندي وديعة ثم أقر أو أثبتها المالك ببينة أو قال له ذلك وماطله بتسليمها ثم ادعى تلفها، فيضمنها لأن جحودها خيانة.
وخرج بقوله بلا عذر بالنسبة للجحود ما لو كان بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطالب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم ابتداء أو جوابا بالسؤال غير المالك ولو بحضرته أو لقول المالك لي عندك وديعة، لا وديعة لأحد عندي فلا يضمن أيضا لو تلف بعد ذلك لأن إخفاءها أبلغ في حفظها.
وخرج بالأول أيضا بالنسبة للتأخير ما لو كان التأخير بعذر كأن كان في صلاة، وبالثاني بالنسبة له أيضا ما لو كان بغير طلب من مالكها فإنه لا يضمن لعدم تقصيره (قوله: وبانتفاع بها) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمن أيضا بانتفاعه بها لتعديه، وفي ش ق يضمن وإن جهل أنها الوديعة أو ظن أنها ماله، والتعليل بالتعدي أغلبي.
اه.
وقوله كلبس وركوب، تمثيل للإنتفاع بها (قوله: بلا غرض المالك) قيد في ضمانه بالانتفاع، وخرج به ما إذا لبس الثوب أو ركب الدابة لغرض المالك، أي مصلحته، كلبسه له لدفع دود وكركوبه لها لجماح فلا يضمن بذلك، كما تقدم،
(قوله: وبأخذ درهم الخ) معطوف أيضا على قوله بإيداع: أي ويضمن أيضا بأخذ بعض الوديعة كأخذ درهم من كيس فيه دراهم.
وحاصله أنه إذا أخذه ثم رده بعينه ضمنه فقط سواء تميز عن الباقي أم لم يتميز، وإن رد بدله، فإن تميز بعلامة ضمنه فقط أيضا، وإن لم يتميز ضمن جميع الوديعة.
لكن محل ضمان الدرهم فقط في الصورتين إذا لم يفض ختما أو يكسر قفلا، وإلا ضمن الجميع (قوله: وإن رد إليه مثله) الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أنه رد إليه مثله.
وسيذكر محترزه (قوله: فيضمن الجميع) أي جميع ما في الكيس من الدراهم لو تلف لا الدرهم الذي أخذه ورد مثله فقط.
(وقوله: إذا لم يتميز) أي الدرهم المردود عن بقية الدراهم التي في الكيس، والمراد إذا عسر تمييزه عنها: كأن كانت السكة واحدة (قوله: لأنه خلطها الخ) تعليل لضمان الجميع، أي وإنما ضمن الجميع إذا أخذ درهما ورد مثله ولم يتميز لأنه خلط الوديعة التي هي مال الغير بمال نفسه عمدا وعسر تمييزه من غير رضا ذلك الغير بذلك الخلط فهو مقصر بذلك والضمان المذكور ضمان الغصوب، فهو قيمة المتقوم ومثل المثلي لأن المالك لم يرض بذلك.
وقوله بمال نفسه، أي وهو المثل الذي رده إلى الكيس، وإنما كان ماله، مع أنه قد أخذ نظيره من الكيس، لأن المالك لا يملك المثل إلا بدفع إليه وهو لم يدفعه إليه، وإنما وضعه في الكيس بدل الذي أخذه.
وقوله بلا تمييز، أي من عدم التمييز بين الدرهم المردود والدراهم التي في الكيس (قوله: فهو) أي المودع وقوله متعد، أي بأخذ درهم خلط مثله من غير رضا المالك (قوله: فإن تميز) أي الدرهم المردود، وهو محترز قوله إذا لم يتميز.
وقوله بنحو سكة، كأن خالفت سكة الدرهم المردود سكة بقية الدراهم.
واندرج تحت نحو، السواد والبياض.
قال سم: قد يقال إن مجرد السكة لا تقتضي التمييز لأن المراد به سهولته وقد تختلف السكة ويعسر التمييز لكثرة المختلط.
اه.
(قوله: أو رد إليه) أي إلى الكيس.
(وقوله: عين الدرهم) هذا محترز قوله وإن رد مثله (قوله: ضمنه) أي الدرهم المردود.
وقوله فقط: أي ولا يضمن الجميع.
(واعلم) أنه لم يتعرض لما إذا أخذه من الكيس ولم يرده أصلا.
وحكمه أنه يضمن فقط، كما هو صريح التحفة، ونصها، وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا، فإن رده لم يزل ضمانه حتى لو تلف الكل ضمن درهما أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به لم وإن يتميز - بخلاف رد بدله(3/287)
إلخ.
اه (قوله: وصدق وديع) كوكيل وشريك وعامل قراض: أي لأنهم أمناء، وكل أمين ادعى الرد على من ائتمنه يصدق بيمينه، ما عدا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في دعوى الرد وإن صدقا في دعوى التلف.
وخرج بالأمين
الضامن كالغاصب والمستعير والمستام فإنه لا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة، وبمن ائتمنه وارث أحدهما مع الآخر، بأن ادعى وارث الوديع أنه ردها على المودع، أو ادعى الوديع أنه ردها على وارث المالك، أو ادعى وارث الوديع أنه ردها على وارث المودع فإنه لا يصدق إلا ببينة (قوله: وفي قوله ما لك عندي وديعة) أي يصدق بيمينه في قوله ليس عندي لك وديعة (قوله: وفي تلفها مطلقا) أي ويصدق في دعوى تلفها مطلقا، أي من غير تقييد بسبب ولا يلزمه بيان السبب.
نعم، يلزمه الحلف أنها تلفت بغير تفريط منه (قوله: أو بسبب خفي) أي أو ادعى تلفها بسبب خفي.
وقوله كسرقة، تمثيل للسبب الخفي، ومثلها الغضب إذا ادعى وقوعه في خلوة، وإلا طولب ببينة عليه، كما في النهاية، (قوله: أو بظاهر) أي أو ادعى تلفها بسبب ظاهر.
وقوله كحريق: تمثيل للسبب الظاهر.
وقوله عرف دون عمومه، أي للبقعة التي الوديعة فيها، وإنما صدق بيمينه لاحتمال ما ادعاه (قوله: فإن عرف عمومه) عبارة المنهاج: فإن عرف الحريق وعمومه، بالواو، وهي أولى، فلعل الواو ساقطة من الناسخ.
فإن لم يعرف هو ولا عمومه طولب ببينة على وجوده وحلف على تلفها به (قوله: حيث لا تهمة) فإن كان هناك تهمة بأن عم ظاهرا لا يقينا فحلف لاحتمال سلامتها (قوله: فائدة) لما كان لها تعلق بالوديعة باعتبار بعض أحوالها ذكرها فيها (قوله: الكذب حرام) أي سواء أثبت به منفيا، كأن يقول وقع كذا لما لم يقع، أو نفى به مثبتا، كأن يقول لم يقع لما وقع، وهو مناقض للإيمان معرض صاحبه للعنة الرحمن لقوله تعالى: * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هو الكاذبون) * (1) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى النار وقول سيدنا عمر رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل (قوله: وقد يجب الخ) قال في الإحياء، والضابط في ذلك أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام أو بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود.
وواجب إن وجب، كما لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه لوجوب عصمة دمه أو سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها فإنه يجب عليه إنكارها، وإن كذب، بل لو استحلف لزمه الحلف، ويوري، وإلا حنث، ولزمته الكفارة، وإذا لم يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قبل مجنى عليه إلا بكذب أبيح، ولو سأله سلطان عن فاحشة وقعت منه سرا، كزنا وشرب خمر، فله أن يكذب ويقول ما فعلت، وله أن ينكر سر أخيه.
اه.
(قوله: وله الحلف عليه) أي الإنكار.
وقوله مع التورية: أي بأن يقصد غير ما يحلف عليه، كأن يقصد بالثوب في قوله والله ما عندي ثوب، الرجوع، من ثاب إذا رجع، وبالقميص في قوله ما عندي قميص غشاء القلب، وهي واجبة عليه تخلصا من الكذب إن أمكنه وعرفها، وإلا فلا (قوله:
وإذا لم ينكرها) أي الوديعة، والمقام للتفريع.
وقوله ولم يمتنع الخ، عطف لازم على ملزوم.
وقوله من إعلامه، أي الظالم، وقوله بها، أي بالوديعة.
وقوله جهده، أي وسعه وطاقته (قوله: ضمن) أي الوديعة إذا أخذها الظالم منه، لأنه تسبب في ضياعها (قوله: وكذا لو رأى معصوما) أي وكذلك يجب الكذب فيما لو رأى معصوما قصده ظالم يريد قتله وهو
__________
(1) سورة النحل، الاية: 105(3/288)
قد اختفى منه وقد سأله ذلك الظالم عنه (قوله: وقد يجوز) أي الكذب (قوله: كما إذا كان) أي الحال والشأن.
وقوله لا يتم مقصود حرب، أي وهو النصرة على العدو.
وقوله وإصلاح ذات البين، أي ولا يتم إصلاح ذات البين، أي الحالة الواقعة بين القوم من الفتنة والخصومة: وقوله وإرضاء زوجته: أي ولا يتم إرضاء زوجته، وقوله إلا بالكذب، متعلق بيتم: أي لا يتم كل من الثلاثة إلا به (قوله: فمباح) يغني عنه قوله وقد يجوز، فالصواب إسقاطه (قوله: ولو كانت تحت يده) أي إنسان.
(وقوله: لم يعرف صاحبها) أي بأن لم يعرف حاله بأن غاب غيبة طويلة وانقطع خبره (قوله: وأيس من معرفته) أي ومعرفة ورثته، ويمكن أن يحمل صاحبها على المالك لها مطلقا سواء كان الموروث أو الوارث، وقوله بعد البحث التام.
أي عن صاحبها (قوله: صرفها) أي الوديعة، وهو جواب لو.
(وقوله: فيما يجب على الإمام الصرف فيه) أي من مصالح المسلمين (قوله: وهو) أي ما يجب على الإمام الصرف فيه.
وقوله أهم مصالح المسلمين.
وهي كسد الثغور وأرزاق القضاة والعلماء وأهل الضرورات والحاجات، ولو حذف لفظ أهم لكان أولى لأن قوله بعد مقدما الخ يغني عنه إذ هو الأهم مطلقا، لكن في البجيرمي، في باب قسم الصدقات، أن الأهم مطلقا سد الثغور، لأن فيه حفظا للمسلمين (قوله: لا في بناء نحو مسجد) أي لا يصرفها في ذلك (قوله: فإن جهل) أي من تحت يده الوديعة.
وقوله ما ذكر.
أي ما يجب على الإمام الصرف فيه من المصالح (قوله: دفعه الخ) أي أو يسأل عن ذلك من ذكر وهو يفرقها بنفسه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
قال في المغني: لو تنازع الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال هي لأحدكما وأنسيته وكذباه في النسيان ضمن، كالغاصب، والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل أي في بيان أحكام اللقطة، وذكرها عقب الوديعة لما بينهما من المناسبة من حيث إن في اللقط معنى الأمانة والولاية عليه، فالملتقط أمين فيما لقطه والشارع ولاه حفظه، ومن حيث مشاركتهما لها في كثير من الأحكام كاستحباب لقطها عند الوثوق بنفسه وعدمه عند عدم الوثوق بأمانة نفسه.
ويباح له أخذه في هذه الحالة إن لم يكن فاسقا، وإلا كره تنزيها وقيل تحريما، والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفي أخذها لحفظها على مالكها وردها عليها بر وإحسان.
والأخبار الواردة في ذلك: كخبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه أي والله معين للعبد إعانة كاملة ما دام العبد معينا لأخيه، فلا يرد أن الله في عون كل أحد دائما، وكخبر الصحيحين، عن زيد بن خالد الجهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن لقطة الذهب أو الورق.
فقال: اعرف
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 2(3/289)
عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه، وإلا فشأنك بها.
وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
وسأله عن الشاة فقال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله في الحديث فإن لم تعرف: أي صاحبها.
وقوله فاستنفقها: السين والتاء زائدتان، أي أنفقها، وهو عطف على مقدر، أي فتملكها ثم أنفقها بعد التملك، فهو على حد * (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (1) أي فضرب فانفجرت.
(وقوله: ولتكن وديعة عندك) أي إن لم تنفقها بعد التملك، أما إذا أنفقتها فهي مضمونة كما سيأتي.
(وقوله: فإن جاء صاحبها) تفريع على الشقين، أي سواء أنفقتها أم لم تنفقها.
(وقوله: فأدها إليه) أي إن بقيت عندك، وإلا فبدلها الشرعي من مثل أو قيمة، كما سيأتي، وأركانها ثلاثة: لقط، وملقوط، ولاقط.
وكلها تعلم من كلامه (قوله: ولو التقط شيئا لا يخشى فساده الخ) إعلم أن اللقطة تنقسم إلى أربعة أقسام: أحدها ما يبقى على الدوام، كذهب وفضة ونحاس، وحكمه أن يعرفه سنة على أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة وفي الموضع الذي وجد فيه وفي الأسواق ونحوها من مجامع الناس، ويكون التعريف على العادة زمانا ومكانا، وابتداء السنة من وقت التعريف.
لا الإلتقاط، ولا يجب استيعاب السنة بالتعريف، بل يعرف أولا كل يوم مرتين طرفي النهار، لا ليلا ولا وقت القيلولة، ثم يعرف كل يوم طرقه أسبوعا أو أسبوعين، ثم يعرف كل أسبوع مرة أو مرتين إلى أن تتم سبعة أسابيع، ثم يعرف كل شهر مرة أو مرتين إلى آخر السنة.
فالمراتب أربعة وإن احتاج
التعريف إلى مؤنة فإن أخذ اللقطة ليحفظها على مالكها لم تلزمه، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترضها على المالك، وإن أخذها ليتملكها لزمته ثم بعد تعريفها سنة إن وجد صاحبها فذاك واضح، فإن لم يجده فهو مخير بين أن يتملكها بشرط الضمان وبين أن يحفظها على الدوام في حرز مثلها.
ولا بد في التملك من لفظ يدل عليه كتملكت، ثم بعده إن ظهر المالك وهي باقية واتفقا في رد العين أو البدل، فالأمر واضح، وإن تنازعا فطلب المالك العين وأراد الملتقط العدول إلى البدل، أجيب المالك، وإن تلف بعده غرم الملتقط المثل إن كانت مثلية أو القيمة إن كانت متقومة يوم التملك، وهذا كله في غير الحرم أما هي فلا يجوز لقطها إلا لحفظ ويجب تعريفها أبدا، لخبر إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية البخاري: لا تحل لقطته إلا لمنشد معرف.
والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك، فلا تظهر فائدة للتخصيص.
قال ع ش: فإن أيس من معرفة مالكه فينبغي أن يكون مالا ضائعا أمره لبيت المال، وثانيها ما لا يبقى على الدوام ولا يقبل التجفيف بالعلاج كالرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب وحكمه أنه يتخير بين تملكه في الحال أو أكله أو شربه وغرم بدله من مثل أو قيمة وبيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ليتملك الثمن المذكور.
وثالثها ما يبقى بالعلاج كالرطب الذي يتتمر والعنب الذي يتزبب.
وحكمه أنه يتخير بين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن، كما مر، وبين تجفيفه وحفظه لمالكه.
ورابعها ما يحتاح إلى نفقة كالحيوان.
وحكمه أنه إن كان لا يمتنع من صغار السباع فهو مخير فيه بين تملكه ثم أكله في الحال وغرم قيمته إن وجده في المفازة.
وإن وجده في العمران امتنعت هذه الخصلة لسهولة البيع فيه دون المفازة، وبين تركه بلا أكل بل يمسكه عنده فيتطوع في الإنفاق عليه، فإن لم يتطوع فلينفق بإذن الحاكم إن وجده وإلا أشهد، وبين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ثم يتملك الثمن المذكور.
وإن كان يمتنع من صغار السباع، فإن وجده في الصحراء الآمنة امتنع أخذه للتملك وجاز أخذه للحفظ، وإن وجده في صحراء غير آمنة بأن كان الزمن زمن نهب جاز أخذه للتملك وللحفظ أيضا، وإن وجده في الحضر تخير بين إمساكه والإنفاق عليه وبيعه وحفظ ثمنه وامتنع أكله كما تقدم (قوله: بعمارة) متعلق بالتقط، والباء بمعنى من: أي التقطة من عمارة: أي مكان عامر، قال شيخ الإسلام في شرح التحرير: والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها مع الموات محل اللقطة.
اه.
وكتب ش ق ما نصه: قوله ونحوهما، أي كالمدارس والربط، فإن وجد في ملك شخص فله
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 60(3/290)
وإن لم يدعه فلذي اليد قبله، وهكذا حتى ينتهي للمحيي، فإن لم يدعه فلقطة، كما تقدم عن م ر وظاهره أنه يكون لقطة بمجرد عدم دعواه.
وقال سم: لا بد من نفيه ذلك عن نفسه.
(وقوله: لأنها أي المذكورات مع الموات) أي الأرض التي لا مالك لها من العمارة، وحينئذ فالمراد بها ما عدا المفازة وملك الغير.
اه.
(قوله: أو مفازة) هي الأرض المخوفة، وتسميتها بذلك من تسمية الشئ بضده تفاؤلا بالفوز: أي النجاة (قوله: عرفه سنة) أي إذ لم يكن حقيرا، كما يدل عليه قوله بعد ويعرف حقير الخ.
والحكمة في اعتبار السنة أن القوافل لا تتأخر عنها غالبا، ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع الناس من التقاطها، فكان في اعتبار السنة نظر للفريقين معا.
قال الخطيب: وقد يتصور التعريف سنتين، وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك، فإنه لا بد من تعريفه سنة من حينئذ.
اه.
ويجب عليه قبل التعريف أن يعرف وعاءها من جلد أو خرقة، ووكاءها، أي الخيط الذي تربط به، وجنسها من ذهب أو فضة، وعددها أو وزنها، وأن يحفظها حتما في حرز مثلها (قوله: في الأسواق) متعلق بقوله عرفه ومثلها القهاوي ونحوها من كل ما يجتمع فيه الناس (قوله: وأبواب المساجد) أي وفي أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة.
وعلم من قوله في أبواب المساجد أنه لا يعرف في المساجد، فيحرم إن شوش، وإلا كره.
وبهذا يجمع بين قول من قال بأنه يكره التعريف فيها، وقول من قال بأنه يحرم التعريف فيها إلا المسجد الحرام لأنه مجمع الناس فيعرف فيه.
ويعرف أيضا في الموضع الذي وجدها فيه لأن طلب الشئ فيه أكثر إلا أن يكون مفازة ونحوها من الأماكن الخالية فلا يعرف فيها، إذ لا فائدة في التعريف فيها، فإن مرت به قافلة تبعها وعرف فيها إن أراد ذلك، فإن لم يرد ذلك ففي بلد يقصدها ولو بلدته التي سافر منها، فلا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان، خلافا لبعضهم (قوله: فإن ظهر مالكه) أي أعطاه إياه، فجواب الشرط محذوف (قوله: وإلا تملكه) أي وإن لم يظهر مالكه تملكه: أي إن شاء بدليل ما بعد، لكن بشرط الضمان (قوله: بلفظ تملكت) أي أنه لا بد في التملك من لفظ يدل على التملك إما صريح: كتملكت، أو كناية مع النية: كأخذته، أي لأنه تملك بيدل فافتقر إلى ذلك كالشراء.
قال في المغني: وهذا فيما يملك، وأما غيره، كالكلب والخمر، فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة.
اه.
(قوله: وإن شاء باعه وحفظ ثمنه) مثله في شرح التحرير.
والذي صرح به سم والخطيب على أبي شجاع أنه لا يباع في هذه الحالة، بل هو مخير بين تملكه وبين حفظه على الدوام، وصرح به الباجوري أيضا.
وعبارة الخطيب مع الأصل.
واللقطة على أربعة أضرب: أحدها ما يبقى على الدوام كالذهب والفضة فهذا، أي ما ذكرناه في الفصل قبله من التخيير
بين تملكها وبين إدامه حفظها إذا عرفها ولم يجد مالكها، هو حكمه، أي هذا الضرب.
اه.
(قوله: أو ما يخشى فساده) ما نكرة موصوفة معطوفة على شيئا، أي أو التقط شيئا يخشى فساده: أي بالتأخير (قوله: كهريسة الخ) عدد المثل إشارة إلى أنه لا فرق بين المتقوم كالهريسة، والمثلي كالرطب.
وقوله لا يتتمر: الجملة صفة لرطب وخرج به ما إذا كان يتتمر فإنه يتخير فيه بين بيعه وحفظ ثمنه، أو تتميره وحفظه، كما مر (قوله: فيتخير الخ) التخيير ليس بحسب التشهي، بل بحسب المصلحة لأنه يجب عليه الأحظ للمالك.
وعبارة م ر: ويتعين فعل الأحظ منهما والأقرب أن لا يستقل بفعل الأحظ في ظنه، بل يراجع الحاكم ويمتنع إمساكه لتعذره.
اه.
باختصار.
اه.
ش ق.
وقوله بين أكله، حالا، ولا فرق فيه بين الصحراء والعمران لسرعة فساده (قوله: متملكا له) حال من فاعل المصدر المقدر أي أكل الملتقط إياه حال كونه متملكا له، وهي تفيد أن التملك واقع حال الأكل، وهو لا يصح، لأن شرطه أن يكون قبله، وإلا كان غاصبا يلزمه أقصى القيم.
ويمكن أن يقال إن الحال هنا ماضية، وهي قد أثبتها ابن هشام في مغنيه ومثل لها بقوله جاء زيد أمس راكبا وسماها محكية، لكن نظر فيها الأشموني.
فانظره.
ولو قال بعد تملكه لكان أولى (قوله: وبين بيعه) أي ويتخير بين بيعه، لكن بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه، وإلا استقل به (قوله: ويعرفه) أي المبيع الملتقط (قوله: ليتملك ثمنه بعد(3/291)
التعريف) أي ولا يعرف الثمن (قوله: فإن ظهر مالكه) أي بعد أكله في الصورة الأولى، أو بعد تعريفه الكائن بعد بيعه في الثانية.
وقوله أعطاه قيمته، والمراد بها مطلق البدل وهو المثل في المثلى والقيمة في المتقوم (قوله: أو ثمنه) أي أو أعطاه ثمنه (قوله: وفي التعريف) أي تعريف الذي يخشى فساده بعد أكله (قوله: أصحهما) أي الوجهين (قوله: في العمارة) متعلق بما بعده وهو وجوبه، أي وجوب التعريف في العمارة (قوله: وفي المفازة) الذي يظهر أنه متعلق بمبتدأ محذوف خبره الجملة بعده: أي وتعريفه في المفازة.
قال الإمام الخ.
وقوله الظاهر أنه لا يجب قال شيخ الإسلام في شرح التحرير وفيه نظر.
اه.
وكتب ش ق قوله وفيه نظر، أي بناء على أن معنى كلام الإمام عدم وجوب التعريف بعد الأكل مطلقا، أما لو حمل على ما مر، من أنه لا يجب ما دام في المفازة فإذا وصل إلى العمران وجب، فلا نظر في كلامه.
اه.
(قوله: لأنه لا فائدة فيه) أي في التعريف في المفازة لعدم من يسمعه، وهذا تعليل لعدم وجوب التعريف فيها.
ومفهومه أنه لو كان فيه فائدة بأن كان فيها أحد يسمع التعريف وجب.
لكن عبارة التحفة صريحة في أنه لا يجب التعريف في المفازة مطلقا عند الإمام وعبارتها: ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام، وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو
قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة.
اه.
(قوله: ولو وجد ببيته الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة وما بعدها إلى قوله ومن رأى لقطة الخ على قوله أو ما يخشى فساده لأنه من فروع ما لا يخشى فساده (قوله: وجوز) أي ظن.
وقوله أنه أي الدرهم.
وقوله لمن يدخلونه، أي البيت.
وقوله عرفه لهم: أي لمن يدخلونه.
والظاهر أن التعريف خاص بهم.
وقوله كاللقطة يفيد التشبيه أنه ليس بلقطه حقيقة، بل في حكمها، وليس كذلك، بل هو لقطة حقيقة، كما يؤخذ مما نقلته عن ش ق عند قوله بعمارة، فتنبه (قوله: ويعرف حقير الخ) أي في الأصح، وقيل إنه كغير الحقير في جميع ما تقدم.
وقوله لا يعرض عنه، قيد، وسيذكر محترزه (قوله: وقيل هو) أي الحقير، ولعل في العبارة سقطا من النساخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: قيل هو، أي الحقير، دينار، وقيل هو درهم، وقيل وزنه، وقيل دون نصاب السرقة، والأصح عندهما، أي الشيخين، أنه لا يتقدر، بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا.
اه.
(قوله: زمنا) ظرف متعلق بيعرف.
وقوله يظن أن فاقده، أي ذلك الحقير (قوله: يعرض عنه بعده) أي بعد ذلك الزمن الذي حصل التعريف فيه (قوله: ويختلف ذلك) أي الزمن الذي يعرف فيه الحقير، والمراد قدره.
وقوله باختلاف المال: أي قلته وكثرته (قوله: فدانق الفضة حالا) أي يعرف حالا، أي مدة يسيرة من لقطه.
وقوله والذهب الخ: أي ودانق الذهب يعرف ثلاثة أيام (قوله: أما ما يعرض عنه) أي أما الحقير الذي يعرض عنه في الغالب، وهو محترز قوله لا يعرض عنه.
وقوله كحبة زبيب: تمثيل لما يعرض عنه غالبا (قوله: استبد به واجده) أي استقل به.
ولو في حرم مكة ولا يعرفه رأسا.
وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا يعرف زبيبة فضربه بالدرة، وكانت من نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن من الورع ما يمقت الله عليه (قوله: ومن رأى لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها) فيه أنه تقدم للشارح في باب الوقف ما يقتضي أنه لو رفع السجادة من الصف برجله ضمن، ونص عبارته هناك: فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه.
اه.
ثم رأيت في الروض وشرحه ما نصه: وإن رآها مطروحة فدفعها برجله مثلا ليعرفها جنسا أو قدرا وتركها حتى ضاعت لم يضمنها لأنها لم تحصل في يده.
وقضيته عدم ضمانها وإن تحولت من مكانها بالدفع.
وهو ظاهر.
اه.
فلعل في عبارة المؤلف تحريف دفعها، بالدال، برفعها بالراء من النساخ (قوله: ويجوز أخذ(3/292)
نحو سنابل الخ) عبارة التحفة، ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها.
وقول الزركشي ينبغي تخصيصه بما لا زكاة فيه أو بمن تحل له كالفقير، معترض بأن الظاهر اغتفار ذلك، كما جرى عليه السلف والخلف،
وبحث غيره تقييده بما ليس فيه حق بمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسرة مما قد يقصد وسبقت اليد عليه، بخلاف السنابل.
اه.
(قوله: وكذا برادة) أي وكذا يجوز أخذ برادة الحدادين، أي القطع الصغار التي تسقط عند برد الحديد (قوله: وكسرة خبز) أي يجوز أخذ كسرة خبز.
وقوله من رشيد: راجع للأخير بدليل عبارة التحفة المارة آنفا.
وخرج به غير الرشيد فلا يجوز أخذها منه (قوله: ونحو ذلك) أي المذكور من السنابل والبرادة وكسرة الخبز (قوله: فيملكه آخذه) أي ما ذكر مما مر (قوله: وينفذ تصرفه) أي الآخذ ببيع وهبة ونحوهما (قوله: ويحرم أخذ ثمر تساقط) أي من أشجاره كرطب وعنب وخوخ ومشمش وغيرها من بقية الأثمار (قوله: إن حوط عليه) أي على ذلك الثمر، والمراد على أشجاره (قوله: وسقط داخل الجدار) في التحفة في كتاب الصيد ما نصه: وكذا إن لم يحوط عليه أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه.
وقوله قال في المجموع إلخ: ساقه في التحفة تأييدا لكلامه المار، وهو أنسب من صنيع المؤلف.
فتنبه (قوله: ما سقط خارج الجدار) أي المحوط على الأشجار (قوله: إن لم يعتد إباحته) أي إباحة المالك له.
وقوله حرم: أي أخذه (قوله: وإن اعتيدت) أي الإباحة.
وقوله حل: أي أخذه.
قال في التحفة كما تحل هدية أوصلها مميز.
اه.
(قوله: عملا الخ) علة للحل.
وقوله بالعادة المستمرة: أي المطردة.
وقوله المغلبة: أي تلك العادة المطردة.
وقوله على الظن: أي ظن الناس.
وقوله إباحتهم: أي الملاك.
وقوله له: أي لآخذه.
(لطيفة) كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له أبو دجانة، فكان إذا صلى الفجر خرج مستعجلا ولا يصبر حتى يسمع دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له يوما: أليس لك إلى الله حاجة؟ فقال: بلى فقال فلم لا تقف حتى تسمع الدعاء؟ فقال: لي عذر يا رسول الله.
قال وما عذرك؟ فقال إن داري ملاصقة لدار رجل، وفي داره نخلة، وهي مشرفة على داري، فإذا هب الهواء ليلا يقع من رطبها في داري، فإذا انتبه أولادي، وقد مسهم الضر من الجوع فما وجدوه أكلوه، فأعجل قبل انتباههم، وأجمع ما وقع وأحمله إلى دار صاحب النخلة، ولقد رأيت ولدي يوما قد وضع رطبة في فمه فأخرجتها بأصبعي من فيه وقلت له يا بني لا تفضح أباك في الآخرة، فبكى لفرط جوعه.
فقلت له: لو خرجت نفسك لم أدع الحرام يدخل إلى جوفك، وحملتها مع غيرها إلى صاحبها.
فدمعت عينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأل عن صاحب النخلة، فقيل له فلان المنافق، فاستدعاه وقال له: بعني تلك النخلة التي في دارك بعشرة من النخل: عروقها من الزبرجد الأخضر، وساقها من الذهب الأحمر، وقضبانها من اللؤلؤ الأبيض، ومعها من الحور العين بعدد ما عليها من الرطب.
فقال له المنافق: ما أنا تاجر أبيع بنسيئة، لا أبيع إلا نقدا لا وعدا، فوثب أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: هي بعشرة من النخيل في الموضع
الفلاني، وليس في المدينة مثل تلك النخيل، ففرح المنافق وقال بعتك.
قال قد اشتريت، ثم وهبها لأبي دجانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ضمنت لك يا أبا بكر عوضها، ففرح الصديق، وفرح أبو دجانة رضي الله عنهما، ومضى المنافق إلى زوجته يقول قد ربحت اليوم ربحا عظيما، وأخبرها بالقصة وقال قد أخذت عشرة من النخيل، والنخلة التي بعتها مقيمة عندي في داري أبدا نأكل منها ولا نوصل منها شيئا إلى صاحبها، فلما نام تلك الليلة وأصبح الصباح وإذا بالنخلة قد تحولت بالقدرة إلى دار أبي دجانة كأنها لم تكن في دار المنافق، فتعجب غاية العجب.
وهذه معجزة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي قدرة الله تعالى ما هو أعظم من ذلك(3/293)
(تتمة) تعرض المصنف للقطة ولم يتعرض للقيط، وحاصل الكلام عليه أنه إذا وجد لقيط، أي صغير، ضائع لا يعلم له كافل من أب أو جد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (1) ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، فإذا التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط الإثم عن الباقي، فإن لم يلتقطه أحد أثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين عليه، ويحب الإشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط، ولو كان ظاهر العدالة، وفارق الإشهاد على التقاط اللقطة حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا والإشهاد في التصرف المالي مستحب ولأن الغرض منه حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد عليه، كافي النكاح، فإنه يجب الإشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط.
ويجب الإشهاد على ما معه من المال تبعا له، وإن كان لا يجب الإشهاد على المال وحده، فلو ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحفظ، بل ينزعه منه، وجوبا، الحاكم دون الآحاد، ثم إن لم يوجد له مال فنفقته في بيت المال من سهم المصالح، فإم لم يكن في بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم، فإن عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه إن كان حرا، وإلا فعلى سيده.
وقد نظم ابن رسلان مبحث اللقيط في زبده فقال: للعدل أن يأخذ طفلا نبذافرض كفاية وحضنه كذا وقوته من ماله بمن قضى لفقده أشهد ثم اقترضا وعليه إذ يفقد بيت المال والقرض خذ منه لذي الكمال
(واعلم) أن اللقيط في دار الإسلام، أو ما ألحق بها، مسلم تبعا للدار إلا إن أقام كافر بينة بنسبه فيتبعه في النسب والدين فيكون كافرا تبعا له، بخلاف ما إذا استلحقه بلا بينة لأنه قد حكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام أو ما ألحق بها وهي دار الكفر التي بها مسلم يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا، ولا يكفي اجتيازه بدار الكفر، بخلافه بدار الإسلام فإنه يكفي اجتيازه بها لحرمتها.
ولو وجد اللقيط بدار الكفر التي لا مسلم بها فهو كافر وهو حر وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لأن غالب الناس أحرار إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك كإرث أو شراء: كأن تشهد أنه رقيق لفلان ورثه من أبيه أو اشتراه، وإلا إن أقر بالرق بعد كماله لشخص ولم يكذبه المقر له، بأن صدقه أو سكت ولم يسبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية، أما إذا كذبه المقر له فلا يقبل إقراره بالرق له، وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا، وكذا لو سبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية لأنه لما حكم بحريته بإقراره السابق لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 32(3/294)
باب النكاح
هذا هو الربع الثالث من الفقه.
وإنما قدموا العبادات لأنها أهم، ثم المعاملات لأن الاحتياج إليها أهم، ثم ذكروا الفرائض في أول النصف الثاني للإشارة إلى أنها نصف العلم، ثم النكاح لأنه إذا تمت شهوة البطن يحتاج لشهوة الفرج، ثم الجنايات لأن الغالب أن الجناية تحصل بعد استيفاء شهوتي البطن والفرج، ثم الأقضية والشهادات لأن الإنسان إذا وقعت منه الجنايات رفعوه للقاضي واحتاجوا للشهادة عليه، ثم ختموا بالعتق رجاء أن يختم الله لهم بالعتق من النار.
والنكاح من الشرائع القديمة، فإنه شرع من لدن آدم عليه السلام واستمر حتى في الجنة، فإنه يجوز للإنسان النكاح في الجنة، ولو لمحارمه، ما عدا الأصول والفروع، فلا ينكح أمه ولا بنته فيها.
قال الأطباء: ومقاصد النكاح ثلاثة: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه بالبدن، ونيل اللذة.
وهذه الثالثة هي التي تبقى في الجنة، إذ لا تناسل هناك ولا احتباس، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، فمن الأول قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * (1) وقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) *.
(2) ومن الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب فطرتي فليستسن بسنتي، ومن سنتي النكاح وفي رواية: فمن رغب عن سنتي فمات قبل أن يتزوج صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة
وقال - صلى الله عليه وسلم -: من ترك التزويج مخافة العالة (3) فليس مني وأخرج الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر: الدنيا كلها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة وابن ماجة عن أبي أمامة: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله والطبراني عن ابن مسعود تزوجوا الأبكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسر والبيهقي عن أبي سعيد وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، وإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على أبيه وروي أنه: دخل رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له عكاف، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - يا عكاف ألك زوجة؟ قال: لا، قال ولا جارية؟ قال ولا جارية.
قال وأنت بخير موسر؟ قال وأنا بخير موسر.
قال أنت من إخوان الشياطين.
لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم.
إن من سنتي النكاح: شراركم عزابكم، أراذل أمواتكم عزابكم رواه الإمام أحمد في مسنده.
وقد نظم ابن العماد هذا المعنى في قوله: شراركم عزابكم جاء الخبرأراذل الأموات عزاب البشر وفي المجالس السنية للفشني ما نصه: قال بعض الشراح إنما كان من لا يتزوج أو يتسرى مع القدرة عليه من شرار الأمة في الأحياء وأراذلها في الأموات لمخالفته ما أمر الله به ورسوله وحث عليه، وسمي من شرار الخلق لعدم غض بصره وتحصين فرجه، ولعدم ستر شطر دينه، للأخبار الواردة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: من تزوج فقد ستر شطر دينه، فليتق الله في الشطر الآخر وأيضا فإن مثل هذا لا يؤمن غالبا على النساء ولا على المجاورة في السكنى وغيرها.
فربما تسلط الشيطان فيقع الفساد.
اه.
__________
(1) سورة النساء، الاية: 3.
(2) سورة النور، الاية: 32.
(3) لعلها العلية(3/295)
(وحكي) أبو العباس أحمد بن يعقوب أنه رؤي معروف الكرخي في النوم، فقيل له ما صنع الله بك؟ قال أباحني الجنة، غير أن في نفسي حسرة: إني خرجت من الدنيا ولم أتزوج (وحكي) أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزوج فيأبى برهة من دهره، فانتبه من نومه ذات يوم وقال
زوجوني، فزوجوه، فسئل عن ذلك: فقال لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة.
ثم قال رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكنت من جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش والكرب ما كاد أن يقطع عنقي، وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب، فنحن كذلك إذ ولدان قد ظهروا وبأيديهم أباريق من فضة مغطاة بمناديل من نور وهم يتخللون الجموع ويتجاوزون أكثر الناس ويسقون واحدا بعد واحد، فمددت يدي إليهم وقلت لبعضهم اسقني فقد أجهدني العطش، فنظر إلي وقال ليس لك ولد فينا، إنما نسقي آباءنا وأمهاتنا.
فقلت من أنتم؟ فقالوا: نحن أطفال المسلمين وأركان النكاح خمسة: زوج، وزوجة، وولي، وشاهدان، وصيغة (قوله: وهو لغة الضم والاجتماع) عطف الاجتماع على الضم من عطف العام على الخاص.
وعبارة شيخ الإسلام والتحفة والنهاية، هو لغة الضم والوطئ.
اه.
فأفادت أنه يطلق لغة على الوطئ كما يطلق على الضم والاجتماع.
وعبارة الخطيب: والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطئ جميعا.
اه.
وكتب البجيرمي: عليها، أي يطلق على كل منهما، فهو من قبيل المشترك، فيكون حقيقة فيهما.
اه.
ونقل الباجوري عن النووي في شرح مسلم مثله فقال: قال النووي في شرح مسلم: هو لغة الضم والوطئ.
ثم قال: قال الواحدي: قال أبو القاسم الزجاجي النكاح في كلام العرب بمعنى العقد والوطئ، ثم قال وقال أبو علي الفارسي فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا: فإذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلانة أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته أرادوا وطئها.
اه.
بتصرف.
وأورد البرماوي على هذا بأن فيه تساهلا لأن الوطئ والعقد من معناه الشرعي، وهو كما قال، وإن رده الباجوري.
فتنبه (قوله: ومنه) أي من النكاح بمعناه اللغوي الذي هو الضم والاجتماع، وقوله قولهم: أي العرب.
وقوله إذا تمايلت الخ: أي تقول ذلك إذا تمايلت الأشجار وانضم بعضها إلى بعض، وهذا هو محل الاستدلال.
وسمي المعنى الشرعي بذلك لما فيه من ضم أحد الوجهين إلى الآخر (قوله: وشرعا عقد الخ) اعلم أنه اختلف في كون عقد النكاح عقد إباحة أو تمليك على وجهين: أوجههما أنه عقد إباحة، وعليه التعريف المذكور.
ويظهر أثر الخلاف فيما لو حلف لا يملك شيئا وله زوجة، فعلى الأول لا يحنث، وعلى الثاني يحنث.
قال في المغني: واختار المصنف عدم الحنث إذا لم يكن له فيه، إذ لا يفهم منه الزوجية.
اه.
وقوله واختار عدم الحنث: أي حتى على أنه تمليك بدليل التعليل، وقال فيه أيضا: ويظهر أثر الخلاف فيما لو طئت بشبهة إن قلنا إنه ملك فالمهر له، وإلا فلها.
اه.
وهذا مبني على أن المراد بالملك ملك المنفعة، والمعتمد أن المراد به ملك الانتفاع فعليه المهر لها مطلقا.
وفي حاشية الجمل منا نصه.
(فرع) المعقود عليه في النكاح: حل الاستمتاع اللازم المؤقت بموت أحد الزوجين.
ويجوز رفعه بالطلاق وغيره، وقيل المعقود عليه عين المرأة، وقيل منافع البضع.
اه.
وقوله يتضمن إباحة وطئ: أي يستلزمها، وقوله بلفظ إنكاح: متعلق بمحذوف، أي عقد يحصل بلفظ إنكاح الخ: أي بلفظ مشتق إنكاح أو مشتق تزويج.
وخرج به بيع الأمة فإنه عقد يتضمن إباحة وطئ، لكن لا بلفظ إنكاح أو تزويج، وإنما قلنا أي بلفظ مشتق الخ لأنهما مصدران، والمصدر كناية لا ينعقد به النكاح.
اه.
بجيرمي (قوله: وهو) أي لفظ النكاح.
وقوله حقيقة في العقد مجاز في الوطئ: لا يرد عليه قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لأن المراد به فيه العقد.
وأما الوطئ فهو مستفاد من خبر حتى تذوقي عسيلته ويذوق
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 230(3/296)
عسيلتك فالعقد مستفاد من الكتاب، والوطئ مستفاد من السنة.
والمراد به في ذلك الوطئ مجازا مرسلا: من إطلاق اسم السبب على المسبب بقرينة الخبر المذكور.
وقوله على الصحيح: مقابله قولان أحدهما أنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه، وثانيهما أنه حقيقة فيهما بالاشتراك كعين، وعليه حمل النهي في قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) فإن المراد النهي عن العقد وعن الوطئ بملك اليمين معا على استعمال المشترك في معنييه.
قال في المغني: وتظهر فائدة الخلاف فيمن زنى بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا.
قاله الماوردي والروياني.
وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا، لا بالوطئ، إلا إن نوى.
اه.
وقوله عندنا: أي وأما عندهم فيحمل على الوطئ، ويفرق بينهما بالقرائن (قوله: سن الخ) ذكر له أربعة أحكام: السنية لتائق قادر على المؤن وخلاف الأولى لتائق غير قادر عليها، والكراهة لغير قادر وغير تائق، والوجوب لناذر له حيث ندب في حقه.
وبقي الحرمة، وهي في حق من لم يقم بحقوق الزوجية (قوله: أي النكاح) تفسير للضمير المستتر، ويتعين أن يراد به التزوج، وهو القبول، إذ هو الذي من طرف الزوج.
ففي كلام المصنف شبه استخدام حيث ذكر النكاح أولا في الترجمة بمعنى العقد المركب من الإيجاب والقبول، وذكره ثانيا بمعنى آخر وهو القبول الذي هو أحد طرفيه.
وأما الإيجاب الذي هو الطرف الآخر فمتعلق بالولي فلا قدرة للزوج عليه، وهو أيضا مستحق إن كانت المرأة تائقة، فيستحب لها النكاح بمعنى التزوج الذي هو الإيجاب لكن بواسطة الولي.
وفي معنى التائقة المحتاجة للنفقة والخائفة من اقتحام الفجرة، بل إن لم تندفع الفجرة عنها إلا بالنكاح وجب، فإن لم تكن تائقة ولا محتاجة ولا خائفة كره لها لأنها يخشى منها
أن لا تقوم بحقوق الزوجية مع عدم السبب المقتضي للنكاح.
وقوله لتائق: متعلق بسن، وقوله أي محتاج للوطئ: تفسير مراد له (قوله: وإن اشتغل بالعبادة) غاية في سنيته لمن ذكر.
والمناسب تأخيرها عن القيد الثاني.
أعني قوله قادر الخ، أي سن له ذلك مطلقا سواء كان مشتغلا بالعبادة أم لا.
وذلك لوجود التوقان مع القدرة، بخلاف غير التائق القادر على المؤنة.
فإن كان يتخلى للعبادة فهي أفضل، وإلا فهو أفضل لئلا تفضي به البطالة إلى الفواحش، كما قال بعضهم: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة (قوله: قادر على مؤنة) أي متعلقة بالنكاح زائدة عن مسكنه وخادمه ومركوبه وملبوسه (قوله: من مهر الخ) بيان للمؤنة، والمراد به الحال.
وقوله وكسوة فصل تمكين: أي الفصل الذي حصل التمكين فيه.
وقوله ونفقة يومه: أي يوم التمكين، أي وليلته، وعبر في جانب الكسوة بالفصل وفي جانب النفقة باليوم: لأن العبرة في الكسوة بفصل التمكين، كفصل الشتاء أو الصيف، وفي النفقة بيوم التمكين، أي وليلته (قوله: للأخبار الثابتة في السنن) هو تعليل لسنيته لمن ذكر (قوله: وقد أوردت حملة منها) أي من الأخبار، وقد علمت في أول الباب معظم ذلك، ومنها غير ما تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع لتوقانه والباءة، بالمد، لغة الجماع، والمراد بها هو مع المؤنة لرواية من كان منكم ذا طول فليتزوج (قوله: إحكام أحكام النكاح) الأولى بكسر الهمزة: مصدر بمعنى إتقان، والثانية بالفتح جمع حكم.
وفي بعض نسخ الخط إسقاط الأولى (قوله: ولما فيه) أي النكاح، وهو معطوف على للأخبار (قوله: وأما التائق العاجز عن المؤن) هذا مفهوم قوله قادر على مؤنة، والأنسب أن يقول وخرج بقولي قادر العاجز (قوله: فالأولى له تركه) أي لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) * ولمفهوم حديث من استطاع الخ (قوله: وكسر
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 221.
(2) سورة النور، الاية: 33(3/297)
حاجته الخ) معطوف على تركه: أي والأولى له كسر حاجته: أي شهوته بالصوم لحديث من استطاع المار والمراد الصوم الدائم لأنه يثير الحرارة والشهوة في ابتدائه، ولا تنكسر إلا بدوامه.
وفي البجيرمي: قال العلماء الصوم يثير الحركة والشهوة أولا، فإذا داوم سكنت.
قال ابن حجر: ولا دخل للصوم في المرأة، لأنه لا يكسر شهوتها.
قال سم: في إطلاقه
نظر: ما المانع أنها كالرجل إذا كانت حاجتها الشهوة فتكسرها بالصوم؟ فليراجع.
وفيه أن هذا أمر طبي لا دخل للفقهاء فيه.
فكيف يقول ما المانع؟ اه.
(قوله: لا بالدواء) معطوف على بالصوم: أي لا كسر حاجته بالدواء ككافور، بل يتزوج ويتوكل على الله، فإن الله تكفل بالرزق للمتزوج بقصد العفاف، فإن كسرها به، فإن قطع الشهوة بالكلية حرم، وإن لم يقطعها بالكلية بل يفترها كره.
ومثل هذا التفصيل يجري في استعمال المرأة شيئا يمنع الحبل، فإن كان يقطع من أصله حرم، وإلا بأن كان يبطئه كره.
وفي البجيرمي ما نصه: واختلفوا في جواز التسبب في إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه.
وفي الإحياء، في مبحث العزل، ما يدل على تحريمه، وهو الأوجه، لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح، ولا كذلك العزل.
اه.
ابن حجر.
والمعتمد أنه لا يحرم إلا بعد نفخ الروح فيه.
اه.
وسيذكره الشارح في آخر باب الجناية (قوله: وكره) أي النكاح بمعنى التزوج الذي هو القبول، كما تقدم.
وقوله لعاجز عن المؤن غير تائق، هذا مفهوم قوله تائق، فهو على اللف والنشر المشوش.
والأنسب هنا أيضا أن يقول وخرج بقولي تائق غيره فيكره إن عجز عن المؤنة.
وعبارة المنهج وشرحه، وكره النكاح لغيره، أي غير التائق له، لعلة أو غيرها إن فقدها، أي أهبته، أو وجدها وكان به علة كهرم وتعنين لانتفاء حاجته إليه مع التزام فاقد الأهبة ما لا يقدر عليه وخطر القيام بواجبه فيمن عداه، وإلا بأن وجدها ولا علة به فتخل لعبادة أفضل.
اه (قوله: ويجب بالنذر حيث ندب) أي إذا نذر النكاح وجب عليه إن ندب في حقه بأن كان تائقا قادرا على المؤنة، وهذا ما جرى عليه ابن حجر، ونص عبارته: نعم حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة وجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره.
اه.
والذي اعتمده م ر خلافه، ونص عبارته: ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن استحب، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، خلافا لبعض المتأخرين.
اه.
وعدم الانعقاد عنده نظرا لكون أصله الإباحة، والاستحباب فيه عارض.
نعم: قد يجب بغير النذر فيما لو خاف على نفسه العنت وتعين طريقا لدفعه مع قدرته.
وبحث بعضهم أيضا وجوبه فيما لو طلق مظلومة في القسم ليوفيها حقها من نوبة المظلوم لها (قوله: وسن نظر الخ) وذلك لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا خطب أحدكم المرأة، أي أراد خطبتها: - بدليل رواية أخرى -، فلا جناح عليه أن ينظر إليها وإن كانت لا تعلم رواه أبو داود والطبراني وأحمد.
وأخرج ابن النجار وغيره عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي رأيتها؟ فقلت لا.
قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما، أي تدوم المودة والألفة، فأتيتهم فذكرت ذلك إلى والديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقمت
فخرجت، فقالت الجارية علي بالرجل، فوقفت ناحية خدرها، فقالت إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرك أن تنظر إلي فانظر، وإلا فأنا أحرج عليك أن تنظر فنظرت إليها، فتزوجتها، فما تزوجت امرأة قط أحب إلي منها ولا أكرم علي منها، وقد تزوجت سبعين امرأة (قوله: بعد العزم على النكاح) متعلق بسن أو بنظر.
وخرج به ما إذا كان قبل العزم فلا يسن، بل يحرم لأنه لا حاجة إليه قبله (قوله: وقبل الخطبة) خرج به ما إذا كان بعدها فلا يسن النظر.
نعم، يجوز، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم أنه لا يندب النظر بعد الخطبة لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها وأنه مع ذلك يجوز لأن فيه مصلحة أيضا، فما قيل يحتمل حرمته لأن إذن الشارع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة يرد بأن الخبر مصرح بجوازه بعدها فبطل حصره، وإنما أولوه بالنسبة للأولوية، لا الجواز، كما هو واضح.
اه (قوله: الآخر) مفعول المصدر المضاف لفاعله وهو نظر: أي سن أن ينظر كل الآخر، وهو قيد خرج به النظر إلى نحو ولد المخطوبة الأمرد، فلا يجوز له نظره وإن(3/298)
بلغه استواؤهما في الحسن، خلافا لمن وهم فيه وزعم أن هذا حاجة مجوزة ممنوع: إذ الاستواء في الحسن المقتضي لكون نظره يكفي عن نظرها في كل ما هو المقصود منه يكاد يكون مستحيلا.
اه.
تحفة (قوله: غير عورة) منصوب على الاستثناء أو على البدلية من الآخر.
وقوله مقررة في شروط الصلاة: وهي للرجل والأمة ما بين السرة والركبة، وللحرة جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها (قوله: فينظر من الحرة وجهها الخ) أي ولو بشهوة أو خوف فتنة، كما قاله الإمام والروياني، وإن قال الأذرعي في جواز نظره بشهوة نظر، والمعتمد الجواز، ولو بشهوة، وله تكريره إن احتاج إليه، ولو فوق الثلاث، حتى يتبين له هيئتها، فإن لم يحتج إليه لكونه تبين له هيئتها بنظرة حرم ما زاد عليها، لأن الضابط في ذلك الحاجة.
وإذا لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها، ولا يترتب على سكوته منع خطبتها لأن السكوت إذا طال وأشعر بالإعراض جازت، وضرر الطول دون ضرر لا أريدها.
فاحتمل.
أفاده م ر (قوله: ليعرف جمالها) علة لنظره وجهها (قوله: وكفيها) معطوف على وجهها: أي وينظر كفيها.
وقوله لعيرف خصوبة بدنها: علة له، والخصوبة النعومة.
وفي الخطيب، والحكمة في الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن.
اه.
وكتب البجيرمي ما نصه: قد يقال هذه الحكمة توجد في الأمة، فمقتضاها أنه لا ينظر من الأمة إلا الوجه والكفين، كالحرة، للحكمة المذكورة، وأجيب بأن الحكمة لا يلزم اطرادها.
اه.
(قوله: وممن الخ) معطوف على من الحرة، أي وينظر من المرأة التي قام بها الرق، أي اتصفت به كلا أو بعضا، ما عدا ما بين السرة والركبة.
قال في
التحفة: ولا يعارضه ما يأتي أنها كالحرة في نظر الأجنبي إليها لأن النظر هنا مأمور به، ولو مع خوف الفتنة، فأنيط بما عدا عورة الصلاة.
وفيما يأتي منوط بخوف الفتنة، وهو جار فيما عدا الوجه والكفين مطلقا.
اه.
(قوله: وهما) أي الحرة والأمة.
وقوله تنظران منه، أي الرجل الخاطب إذا أرادتا تزوجه لأنهما يعجبهما منه ما يعجبه منهما.
وقوله ذلك: أي ما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل الحرة تنظر منه ما ينظر منها فقط، وهو الوجه والكفان (قوله: ولا بد في حل النظر الخ) ذكر لحل النظر قيدين: تيقن الخلو من نكاح وعدة، وغلبة ظنه أنه يجاب.
وتقدم قيد أيضا له وهو العزم على النكاح، فلو انتفى أحد هذه القيود حرم عليه النظر لعدم وجود مسوغ، وقوله من تيقن خلوها من نكاح، قال سم: أو ظنه.
وقوله وعدة، أي وخلوها من عدة.
أي تحرم التعريض، كالرجعية، فإن لم تحرمه جاز النظر وإن علمت به لأن غايته أنه كالتعريض، فإطلاق بعضهم حرمته في العدة إذا كان بإذنها أو مع علمها بأنه لرغبته في نكاحها ينبغي حمله على ما ذكرته.
اه.
تحفة (قوله: وأن لا يغلب على ظنه الخ) المصدر معطوف على تيقن، أي ولا بد من عدم غلبة عدم الإجابة على الظن.
وقوله أنه أي الخاطب.
وقوله لإيجاب: أي لا يقبل إذا خطب (قوله: وندب لمن لا يتيسر له النظر) أي أو لا يريده بنفسه.
وقوله أن يرسل الخ: وذلك لما روى الإمام أحمد في المسند أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث امرأة تخطب له امرأة، فقال انظري إلى وجهها وكفيها وعراقيبها، وتسمى عوارضها وقوله نحو امرأة: أي كمحرم لها وممسوح.
وقوله ليتأملها، الضمير المستتر يعود على نحو المرأة، والبارز يعود على المخطوبة.
وقوله ويصفها له، أي للمرسل الخاطب، ويجوز أن يصف له زائد على ما لا يحل له نظره.
فيستفيد بالإرسال ما لا يستفيد بالنظر.
قال في التحفة: وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنى من حرمة وصف امرأة لرجل.
اه (قوله: وخرج بالنظر المس فيحرم) أي ولو لأعمى فلا يجوز له المس، بل يوكل من ينظر له.
وقوله إذ لا حاجة إليه: أي إلى المس، وهو تعليل لحرمته (قوله مهمة) أي في بيان النظر المحرم والجائز وغير ذلك.
وحاصله إنه إما أن يمتنع مطلقا، وذلك في الأجنبية،(3/299)
وإما أن يجوز مطلقا، وذلك في الزوجة والأمة، وإما أن يجوز لما عدا ما بين السرة والركبة، وذلك في المحارم والأمة المزوجة والمعتدة، وإما أن يجوز لأجل الخطبة، وذلك للوجه والكفين في الحرة، وما عدا ما بينالسرة والركبة في الأمة، وإما أن يجوز لأجل المداواة، وذلك في محل الحاجة، وإما للمعاملة والشهادة، وذلك للوجه فقط.
فإن كن للشهادة على رضاع أو زنا فبالنظر لذلك المحل وإما أن يكون لتقليب أمة يريد شراءها، وذلك إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها من
البدن ما عدا ما بين السرة والركبة.
اه.
بجيرمي بتصرف (قوله: يحرم على الرجل الخ) وذلك لقوله تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس المرجوم، لأنها تدعو إلى الفكر، والفكر يدعو إلى الزنا وقوله عليه السلام: العين تزني، والقلب يصدق ذلك أو يكذبه ولذلك قال بعضهم: كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحبا بسرور عاد بالضرر والمراد بالرجل: الذكر البالغ، ولو احتمالا، فدخل الفحل وهو الذي بقي ذكره وأنثياه، والخصي وهو من قطع أنثياه وبقي ذكره، والمجبوب وهو من قطع ذكره وبقيت أنثياه، والخنثى المشكل لاحتمال ذكورته.
وأما الممسوح فهو مع النساء الأجانب كالمحرم، وأما المجنون فلا يوصف بتحريم ولا تحليل كالبهيمة، لكن يلزم المرأة الاحتجاب عنه.
وخرج بالذكر الأنثى فيحل نظرها لمثلها، وبالبالغ الصبي، لكن المراهق كالبالغ على الأصح.
ومعنى حرمة النظر فيه، مع أنه غير مكلف، أنه يحرم على وليه تمكينه منه، ويحرم على المرأة أن تنكشف عليه (قوله: ولو شيخا هما) غاية في حرمة نظر الرجل، والهم، بكسر الهاء وتشديد الميم، الشيخ الفاني (قوله: تعمد نظر الخ) فاعل يحرم.
وخرج به ما إذا حصل النظر اتفاقا فلا يحرم.
وقوله شئ من بدن أجنبية: أي ولو الوجه والكفين فيحرم النظر إليهما.
ووجه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة، وقد قال تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * (2) واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية.
قال في فتح الجواد: ولا ينافيه، أي ما حكاه الإمام من اتفاق المسلمين على المنع، ما نقله القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، وعلى الرجال غض البصر لأن منعهن من ذلك ليس لوجوب الستر عليهن، بل لأن فيه مصلحة عامة بسد باب الفتنة.
نعم، الوجه وجوبه عليها إذا علمت نظر أجنبي إليها أخذا من قولهم يلزمها ستر وجهها عن الذمية، ولأن في بقاء كشفه إعانة على الحرام.
اه.
وقال في النهاية: حيث قيل بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، كما بحثه الأذرعي، لا سيما إذا كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر.
اه.
وقوله المحاجر: جمع محجر، كمجلس، وهو ما يبدو من النقاب.
وفي
القاموس: المحجر من العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها، كذا في ع ش، وقوله من خناجر: جمع خنجر، وهو من آلات القتل، فشبه ما يبدو من البرقع بالخنجر بجامع حصول الهلاك بكل وإن كان في المشبه به حسيا وفي المشبه معنويا (قوله: حرة أو أمة) بدل من أجنبية، وهو تعميم فيها (قوله: بلغت) أي الأجنبية.
(وقوله: تشتهي فيه) أي في ذلك الحد، والمراد تشتهي لذوي الطباع السليمة لو سلمت من مشوه بها.
وخرج به الصغيرة التي لا تشتهي فيحل النظر إليها لأنها ليست مظنة الشهوة إلا الفرج فيحرم النظر إليه إلا لنحو الأم زمن الرضاع والتربية فلا يحرم، كما سيأتي (قوله: ولو شوهاء أو عجوزا) غاية في حرمة النظر للأجنبية، أي يحرم النظر إلى الأجنبية ولو كانت شوهاء، أي قبيحة المنظر أو عجوزة ولو مع أمن الفتنة، إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة.
وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:
__________
(1) سورة النور، الاية: 30.
(2) سورة النور، الاية: 30(3/300)
لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق (قوله: وعكسه) فاعل لفعل محذوف: أي ويحرم عكسه، وهو تعمل نظر الاجنبية لشئ من بدن أجنبي وإن لم تخف فتنة ولم تنظر بشهوة، وذلك لقوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) * (1) ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر ميمونة وأم سلمة، وقد رآهما ينظران لابن أم مكتوم، بالاحتجاب منه، فقالت له أم سلمة: أليس هو أعمى لا يبصر؟ فقال ألستما تبصرانه؟ (قوله: خلافا للحاوي كالرافعي) راجع لصورة العكس فقط فإنهما خالفا في ذلك حيث قالا بجواز نظر المرأة إلى بدن الأجنبي، واستدلا بنظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم - يراها، ورد بأنه ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم.
ولا يلزم منه تعمد نظر البدن، وإن وقع بلا قصد صرفته حالا أو أن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب، أو أنها كانت لم تبلغ مبلغ النساء.
وعبارة المنهاج: والأصح جواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة.
قلت الأصح التحريم كهو إليها.
والله أعلم.
اه.
وقوله أولا والأصح، أي عند الرافعي (قوله: وإن نظر بغير شهوة) غاية في حرمة تعمد نظر الرجل، ولو قدمها على قوله وعكسه ثم قال ومثله العكس لكان أولى: أي يحرم تعمد النظر وإن نظر بغير شهوة وهي التلذذ بالنظر.
وقوله أو مع أمن الفتنة: هي ميل النفس ودعاؤها إلى الجماع.
وقوله على المعتمد: مقابله يقول
بحل النظر مع عدم الشهوة وأمن الفتنة، لكن في خصوص الوجه والكفين (قوله: لا في نحو مرآة) أي لا يحرم نظره لها في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثالها.
ويؤيده قولهم لو علق طلاقها برؤيتها لم يحنث برؤية خيالها والمرأة مثله فلا يحرم نظرها له في ذلك.
قال في التحفة: ومحل ذلك، كما هو ظاهر، حيص لم يخش فتنة ولا شهوة.
اه (قوله: كما أفتى به غير واحد) مرتبط بالنفي (قوله: وقول الأسنوي) مبتدأ خبره ضعيف.
وقوله الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين: استدل عليه بقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * (2) أي ما غلب ظهوره، وهو مفسر بالوجه الكفين.
ورد بأن الآية واردة في خصوص الصلاة (قوله: وكذا اختيار الأذرعي قول جمع يحل) أي الآية * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) * (3) ويرده ما مر من سد الباب وأن لكل ساقطة لاقطة، ولا دلالة في الآية، كما هو جلي، بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة، واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وأضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم غيرهم، ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة، كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى - اه تحفة.
وقوله بل فيها إشارة الخ قال ع ش يتأمل وجه الإشارة، فإن ظاهرها جواز النظر إن لم تتبرج بالزينة، ومفهومها الحرمة إذا تزينت، وهو عين ما ذكره الأذرعي.
اه (قوله: ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا) أي بلا خلاف، وذلك لأن الخلاف في الحل وعدمه إنما هو في غير عورة الصلاة وهما من العورة، وإنما نص عليهما، مع أن غيرهما من سائر أجزاء البدن غير الوجه والكفين كذلك، لئلا يتوهم أنهما كالوجه لقربهما منه.
هكذا ظهر (قوله: وقيل يحل الخ) مقابل التعميم السابق بقوله حرة أو أمة.
وعبارة المنهاج: والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة والله أعلم.
اه: أي لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة، بل كثير من الإماء يفوق أكثر الحرائر جمالا، فخوفها فيهن أعظم، وضرب عمر رضي الله عنه لأمة استترت كالحرة وقال أتتشبهين بالحرائر يا لكاع؟ لا يدل للحل لاحتمال أنه لإيذائها الحرائر بظن أنهن هي: إذ الإماء كن يقصدن للزنا،
__________
(1) سورة النور، الاية: 31.
(2) سورة النور، الاية: 31.
(3) سورة النور، الاية: 60(3/301)
والحرائر كن يعرفن بالستر.
اه.
تحفة.
وقوله النظر الخ: فاعل يحل وخرج بالأمة المبعضة، فهي كالحرة قطعا.
وقيل
على الأصح.
وقوله إلا ما بين السرة والركبة: أي فلا يحل.
وقوله لأنه: أي ما بين السرة والركبة، وهو تعليل لعدم حل نظر ما بين سرتها وركبتها وحل ما عداه (قوله: وليس من العورة الصوت) أي صوت المرأة، ومثله صوت الأمرد فيحل سماعه ما لم تخش فتنة أو يلتذ به وإلا حرم (قوله: فلا يحرم سماعه) أي الصوت.
وقوله إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به: أي فإنه يحرم سماعه، أي ولو بنحو القرآن، ومن الصوت: الزغاريد.
وفي البجيرمي: وصوتها ليس بعورة على الأصح، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة.
وإذا قرع باب المرأة أحد فلا تجيبه بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها، بأن تأخذ طرف كفها بفيها وتجيب.
وفي العباب: ويندب إذا خافت داعيا أن تغل صوتها بوضع ظهر كفها على فيها.
اه.
(قوله: وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير) إن كان مراده بهذا بيان مفهوم تقييد الحرمة بالرجل الذي هو الذكر البالغ فلا معنى لتخصيص الجواز ببعض المتأخرين ولا لتخصيصه بالولائم والأفراح، وأيضا هو ليس بمسلم لأنه يقتضي أن الصغير مطلقا يجوز له النظر مع أنه مختص بغير المراهق وإن كان ليس مراده ذلك وإنما مراده بيان أن الصغير كالرجل البالغ.
ولكن أفتى بعض المتأخرين بجواز نظره.
فصنيع عبارته لا يفيده، وأيضا هو ليس بمسلم لأن الصغير ليس كالبالغ مطلقا، بل إذا كان مراهقا فقط، وهو من قارب الاحتلام باعتبار غالب سنه وهو قريب خمس عشرة سنة، وأما إذا لم يكن مراهقا فيحل نظره بالاتفاق.
وكان المناسب والأولى أن يبين حكم غير الرجل، كأن يقول وخرج بالرجل الذي هو الذكر البالغ الأنثى فيحل نظرها لكن لمثلها والصغير فيحل نظره إذا كان غير مراهق.
وأما إذا كان مراهقا فهو كالكبير أو يقول كالمنهاج: والمراهق كالبالغ على الأصح (قوله: والمعتمد عند الشيخين) عبارة المنهاج مع المغني: والأصح حل النظر إلى صغيرة لا تشتهي إلا الفرج، فلا يحل نظره.
قال الرافعي، كصاحب العمدة، اتفاقا.
ورده في الروضة بأن القاضي جوزه جزما، فليس ذلك اتفاقا، بل فيه خلاف.
اه.
بحدف (قوله: وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير) أي قبله، كما هو ظاهر، اه سم.
والفرق بين فرج الصغير - حيث حل النظر إليه - وفرج الصغيرة - حيث حرم النظر إليه - أن فرجها أفحش (قوله: وقيل يحرم) قال في التحفة: ويدل له خبر الحاكم أن محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغري وعلي خرقة وقد كشف عورتي، فقال غطوا عورته، فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله إلى كاشف عورته اه (قوله: ويجوز لنحو الأم) أي من كل من يتولى الإرضاع والتربية، ولو أجنبية أو ذكرا.
وقوله نظر فرجيهما: أي الصغير والصغيرة (قوله: ومسه) الأولى ومسهما: أي الفرجين (قوله: زمن الرضاع) متعلق بيجوز: أي يجوز ذلك من الرضاع، أي مدة الرضاع سنتين أو أكثر أو أقل.
وقوله والتربية: أي وزمن التربية، أي التعهد والإصلاح
(قوله: للضرورة) علة الجواز: أي وإنما جاز ذلك لأن الضرورة داعية إليه، إذ تحتاج الأم ونحوها إلى غسل الفرج من النجاسة ودهنه للتداوي وغير ذلك (قوله: وللعبد العدل الخ) أي ويجوز للعبد العدل النظر الخ، وذلك لقوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهن) * (1) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة رضي الله عنها وقد أتاها ومعه عبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجلها، وإذا غطت به رجلها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تلقى قال إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك.
رواه أبو داود.
وخرج بالعدل الفاسق فلا يجوز نظره إليها ولا نظرها إليه.
والمراد بالعبد غير المشترك وغير المبعض وغير
__________
(1) سورة النساء، الاية: 3(3/302)
المكاتب.
قال سم: أما هم فلا يجوز نظر واحد منهم إياها، كما لا يجوز نظرها لواحد منهم، كما صرح به في شرح الإرشاد، وصرح فيه أيضا بأن سيد المشتركة والمبعضة يجوز نظره إلى ما عدا ما بين سرتها وركبتها وقد يفرق بأن نظر الرجل أقوى لأن التمتع له بالأصالة فجاز له من النظر ما لم يجز للمرأة، ولقة جانبه جاز النظر إليه تبعا.
وفي شرح الروض: وسيأتي أنه يباح نظر الرجل إلى مكاتبته.
اه.
فانظر عكسه.
اه.
بتصرف.
وقوله المتصفة بالعدالة، خرج به غيرها، فلا يجوز نظره لها ولا نظرها له خوفا من الفتنة (قوله: ما عدا ما بين السرة والركبة) أما ما بين السرة والركبة فلا يجوز النظر إليه، ويلحق به نفس السرة والركبة احتياطا، كما في التحفة، (قوله: كهي) أي كما أنه يجوز لها هي أن تنظر إلى عبدها العدل ما عدا ذلك (قوله: ولمحرم) أي ويجوز لمحرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
وقوله نظر ما وراء سرة وركبة أي نظر غير السرة والركبة، أي وغير الذي بينهما أيضا بالأولى، فلا يقال إن ما وراءهما صادق بكل البدن حتى ما بينهما.
وانظر لم عبر فيما قبله بما عدا ما بين السرة والركبة وهنا بما وراء ذلك مع أن الحكم واحد فيهما؟ وعبارة الإرشاد التعبير في الكل بما وراء السرة والركبة ونصها: ولا نظر ممسوح وعبدها ومحرم وراء سرة وركبة.
اه.
وهي ظاهرة.
وقال في فتح الجواد: وما أفادته عبارته، من حرمة نظر السرة والركبة في هذه واللتين قبلها متجه لأنه الأحوط.
اه.
وقوله منها: أي من قريبته المحرم (قوله: كنظرها إليه) أي كجواز نظرها إلى ما وراء سرة وركبة من محرمها (قوله: ولمحرم ومماثل) أي امرأة مع امرأة ورجل مع رجل.
وقوله مس ما وراء السرة والركبة، أي لأنه يحل نظره، وما حل نظره حل مسه، كما يفهم من قوله بعد وحيث حرم نظره حرم مسه وكان الأولى ذكر هذا عقبه لأنه مندرج في مفهومه (قوله: نعم مس ظهر أو ساق محرمة) استدرك من جوازه مس ما وراء السرة والركبة من المحرم أو المماثل.
وعبارة م ر: وقد يحرم مس ما حل
نظره من المحرم كبطنها ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة، بل كيدها، على مقتضى عبارة الروضة، لكن قال الإسنوي: إنه خلاف إجماع الأمة.
اه (قوله: وعكسه) أي مس المحرم كأمه وبنته لظهره أو ساقه (قوله: لا يحل) أي احتياطا كنفس السرة والركبة.
وفارق النظر بأنه أبلغ في اللذة وحاجة النظر أعم، فسومح فيه ما لم يسامح في المس.
اه.
فتح الجواد (قوله: وحيث حرم نظره حرم مسه) أي كل موضع حرم نظره حرم مسه فحرم مس الأمرد كما يحرم نظره ومس العورة كما يحرم نظرها.
وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن الطبيب معرفة العلة بالمس فقط، وقد يحرم المس دون النظر كمس بطن المحرم أو ظهرها.
كما علمت.
إذا علمت ذلك فالقاعدة المذكورة منطوقا ومفهوما أغلبية (قوله: بلا حائل) قال في التحفة وكذا معه إن خاف فتنة بل وإن أمنها على ما مر، بل المس أولى، اه (قوله: لأنه الخ) علة لترتب حرمة المس على حرمة النظر أو لمقدر: أي حرم مس بالأولى لأنه الخ.
وقوله أبلغ في اللذة: أي وإثارة الشهوة وإنما كان أبلغ: أي من النظر لأنه لو أنزل به أفطر، بخلاف ما لو أنزل بالنظر فلا (قوله: نعم يحرم مس وجه الأجنبية مطلقا) أي وإن حل نظره لنحو خطبة أو تعليم أو شهادة.
وعبارة التحفة، وما أفهمه المتن أنه حيث حل النظر حل المس أغلبي أيضا، فلا يحل لرجل مس وجه أجنبية وإن حل نظره لنحو خطبة أو شهادة أو تعليم، ولا لسيدة مس شئ من بدن عبدها وعكسه.
اه (قوله: وكل ما حرم نظره الخ) أي وكل جزء حرم نظره حال كون ذلك الجزء المنظور إليه متصلا حرم النظر إليه حال كونه منفصلا.
وقوله منه أو منها، تعميم في النظر: أي لا فرق في ذلك النظر بين أن يكون واقعا منه، وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منها أو واقعا منها، وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منه (قوله: كقلامة يد الخ) تمثيل للجزء المنفصل.
قال ع ش: ومثل قلامة النظر دم الفصد والحجامة لأنها أجزاء دون البول لأنه ليس جزءا.
وقال الشوبري: الذي يظهر أن نحو الريق والدم لا يحرم نظره لأنه ليس مظنة للفتنة برؤيته عند أحد.
اه (قوله: فيجب(3/303)
مواراتهما) الأولى مواراتها: أي القلامة والشعر والعانة، كما في النهاية، وإنما وجب ذلك لئلا ينظر إليها (قوله: وتحتجب وجوبا مسلمة عن كافرة) أي لأنه يحرم نظر الكافرة إليها على الأصح، وإذا حرم ذلك حرم على المسلمة تمكينها منه لأنها تعينها على محرم فيلزمها الاحتجاب منها.
ويجوز للمسلمة النظر إلى الكافرة لعدم محذور فيه، ولا ينافيه وجوب الاحتجاب منها لأنه لا يلزم من وجوبه حرمة نظرها إلى الكافرة، وإنما حرم النظر عليها لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * (1) أي المؤمنات، والكافرة ليست من نساء المؤمنات ولأنها ربما تحكيها للكافر فلو جاز لها النظر لم يبق
للتخصيص فائدة.
ثم المحرم إنما هو النظر لما لا يبدو عند المهنة أما لما يبدو فيحل على المعتمد، كما في التحفة والنهاية والخطيب، ثم إن كون الحرمة على الكافرة مبني على أن الكافر مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح ومحل ذلك كله في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها (قوله: وكذا عفيفة) أي وكذا يجب أن تحتجب عفيفة عن فاسقة: أي لأنها تعينها على ما يخشى منه مفسدة.
وقوله بسحاقة.
(اعلم) أن تساحق النساء حرام ويعزرن بذلك.
قال القاضي أبو الطيب: وإثم ذلك كإثم الزنا وروي عنه: إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان (قوله: ويحرم مضاجعة الخ) أي لخبر مسلم.
لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال ع ش وكالمضاجعة ما يقع كثيرا في مصرنا من دخول اثنين فأكثر مغطس الحمام.
فيحرم إن خيف النظر أو المس من أحدهما لعورة الآخر.
اه.
وقوله رجلين أو امرأتين، في التعبير بذلك اشارة إلى اشتراط بلوغ الشهوة، وهو مجاوزة تسع سنين، أي ببلوغ أول العشرة، قاله م ر.
خلاقا للزركشي حيث اكتفى بمضي تسع سنين ولا فرق في ذلك بين الأجانب والمحارم، ولذا قال م ر: ولو أبا وابنه، وأما وبنتها وأخا وأخاه وأختا وأختها، فإذا كان مع الاتحاد حراما فمع عدم الاتحاد أولى: اه.
بجيرمي، وقوله عاريين خرج به إذا لم يكونا كذلك فيجوز نومهما في فراش واحد - ولو متلاصقين - وظاهره ولو انتفى التجرد من أحدهما، وهو محتمل.
بجيرمي.
(وقوله: في ثوب واحد) ومثله بالأولى ما إذا لم يكونا في ثوب أصلا وقوله مع اتحاد الفراش، أي مع كونهما في فراش واحد إلا أن أحدهما في جانب والآخر في جانب آخر.
(وقوله: خلافا للسبكي) أي فإنه يجوز ذلك مع تباعدهما وإن اتحد الفراش (قوله: وبحث استثناء الخ) أي والكلام مع العري، كما هو صريح الصنيع، اه سم.
وقوله لخبر فيه: وهو لا تباشر المرأة المرأة، ولا الرجل الرجل: إلا الوالد لولده وفي رواية إلا ولد أو والد رواه أبو داود والحاكم، وقال إنه على شرط البخاري.
قال في شرح الروض فهذه الزيادة تخصص خبر مسلم السابق ووجه ذلك قوة المحرمية بينهما وبعد الشهوة وكمال الاحتشام: وظاهر أن محله في مباشرة غير العورة وعند الحاجة على أنه يحتمل حمل ذلك على الولد الصغير.
اه.
وقال في التحفة.
وبفرض دلالة الخبر لذلك يتعين تأويله بما إذا تباعدا بحيث يؤمن تماس وريبة قطعا.
اه.
وقوله بعيد جدا خبر بحث الواقع مبتدأ (قوله: ويجب التفريق الخ) قال في شرح الروض: واحتج الرافعي بخبر مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ولا دلالة فيه، كما قاله السبكي وغيره، على التفريق بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم.
اه.
وقوله بين ابن عشر سنين: قال في شرح
الروض: فازع فيه الزركشي وغيره فقالوا بل المعتبر السبع لخبر إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم رواه الدارقطني والحاكم، وقالوا أنه صحيح على شرط مسلم وهذا يدل على أن قوله في الخبر المشهور وفرقوا بينهم في المضاجع راجع إلى أبناء سبع وأبناء عشر جميعا.
اه.
وقوله وإخوته: أي الشاملين للأخوات عرفا (قوله: وإن نظر(3/304)
فيه) أي في وجوب التفريق بالنسبة للأب والأم وذلك لاستثنائهما في الخبر السابق الذي رواه أبو داود والحاكم، والمعتمد عدم استثنائهما، كما قاله الشيخان، قال في التحفة: وقد يوجه ما قالاه بأن ضعف عقل الصغير مع إمكان احتلامه قد يؤدي إلى محظور ولو بالأم، وقضية إطلاقهما حرمة تمكينها من التلاصق، ولو مع عدم التجرد، ومن التجرد، ولو مع البعد، وقد جمعهما فراش واحد، وليس ببعيد لما قررته وإن قال السبكي يجوز مع تباعدهما وإن اتحد الفراش.
اه.
وقوله ولو مع عدم التجرد: الذي في النهاية خلافه، ونصها: يجوز نومهما في فراش واحد مع عدم التجرد ولو متلاصقين فيما يظهر، ويمتنع مع التجرد في فراش واحد وإن تباعدا.
اه.
(قوله: ويستحب تصافح إلخ) أي لخبر ما من مسلمين يلتقيان يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس إلا لقادم من سفر أو تباعد لقاء عرفا فسنة للاتباع.
ويسن تقبيل يد الحي لصلاح أو نحوه من الأمور الدينية، كعلم وزهد، ويكره ذلك لغني أو نحوه من الأمور الدنيوية، كشوكة ووجاهة، ويسن القيام لأهل الفضل إكراما، لا رياء وتفخيما.
اه.
إقناع.
وكتب البجيرمي: قوله ويسن القيام لأهل الفضل: لا ينافي ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب أن يتمثل الناس بين يديه قياما فليتبوأ مقعده من النار لأنه محمول على من أحب أن يقام له، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر أصحابه أن لا يقوموا إذا مر بهم، فمر يوما بحسان رضي الله عنه فقام وأنشد: قيامي للعزيز علي فرض وترك الفروض ما هو مستقيم عجبت لمن له عقل وفهم يرى هذا الجمال ولا يقوم! وقد أقره المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.
وفيه حجة لمن قال: إن مراعاة الأدب خير من امتثال الأمر.
اه (قوله: ويحرم مصافحة الأمرد) وذلك لأنه أشد فتنة من النساء.
قال بعض التابعين: ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه.
(والحاصل) أقاويل السلف في التنفير عن المرد والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من
أن تحصر، وكانوا، رضوان الله عليهم، يسمون المرد الإنتان والجيف، لأن الشرع الشريف استقذر النظر إليهم، ومنع من مخالطتهم.
ولله در من قال: لا تصحبن أمردا يا ذا النهي واترك هواه وارتجع عن صحبته فهو محل النقص دوما والبلاكل البلاء أصله من فتنته (ويحكى) أن سفيان الثوري رضي الله عنه دخل عليه في الحمام أمرد حسن الوجه، فقال أخرجوه عني، فإني أرى مع كل امرأة شيطانا، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطانا.
والأمرد هو الشاب الذي لم تنبت لحيته.
ولا يقال لمن أسن ولا شعر بوجهه أمرد، بل يقال له ثط، بالثاء والطاء المهملة، (قوله: الجميل) أي بالنسبة لطبع الناظر عند ابن حجر وقال.
م ر: الجمال هو الوصف المستحسن عرفا لذوي الطباع السليمة.
وقوله كنظره بشهوة: أي كحرمة نظر الأمرد بشهوة.
وضابط الشهوة، كما في الإحياء، إن كل من تأثر بجمال صورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتجي فهو لا يحل له النظر، ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا.
قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها، بل يكفي أن لا يكون ذلك نادرا.
وما ذكره من تقييد الحرمة، بكونه بشهوة، هو ما عليه الرافعي، والمعتمد ما عليه النووي من حرمة النظر إليه مطلقا سواء كان بشهوة أو خوف فتنة أم لا.
قال في فتح الجواد: والخلوة به وإن تعدد أو مس شئ من بدنه حرام، حتى على طريقة الرافعي، لأنهما أفحش، والكلام في غير المحرم بنسب وكذا رضاع، كما هو ظاهر، لا مصاهرة فيما يظهر.
والمملوك كله الناظر بشرط كون كل منهما ثقة فيما يظهر أخذا مما مر في نظر العبد لسيدته(3/305)
أو عكسه.
وبه علم حل نظر عبد لسيده الأمرد.
اه (قوله: ويجوز نظر وجه المرأة) قال سم: أي بلا شهوة ولا خوف فتنة.
اه.
وخرج الوجه غيره فلا يجوز النظر إليه عند المعاملة ببيع وغيره، أي كرهن وحوالة وقراض، فإذا باع مثلا لامرأة ولم يعرفها نظر لوجهها خاصة.
ويجوز أيضا لها أن تنظر لوجهه.
وقوله للحاجة إلى معرفتها: علة للجواز، أي وإنما جاز ذلك للاحتياج إلى معرفتها لأنه ربما ظهر عيب في المبيع فيرده عليها، وهي أيضا تحتاج إلى معرفته لأنه ربما ظهر عيب في الثمن فترده إليه (قوله: وتعليم الخ) معطوف على المعاملة: أي ويجوز نظر وجه المرأة عند تعليمها ما يجب تعلمه كالفاتحة.
وأقل التشهد، وما يتعين فيه ذلك من الصنائع المحتاج إليها.
قال في النهاية: ومحل جواز ذلك عند فقد جنس ومحرم صالح وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة، أخذا مما مر في العلاج، اه.
وكما يجوز
النظر لها لذلك يجوز النظر للأمرد لذلك، إلا إن الأوجه عدم اعتبار الشروط السابقة فيه، كما عليه الإجماع الفعلي، ويتجه اشتراط العدالة فيه وفي معلمه كالمملوك بل أولى.
وقوله كالفاتحة: تمثيل لما يجب تعلمه (قوله: دون ما يسن) أي فلا يجوز نظر وجه المرأة عند تعليم ما يسن تعلمه كالسورة.
وقوله على الأوجه: أي عند ابن حجر، والذي اعتمده م ر والخطيب التعميم.
وعبارة الأخير، والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم للأمرد وغيره واجبا كان أو مندوبا، وإنما منع من تعليم الزوجة المطلقة لأن كلا من الزوجين تعلقت آماله بالآخر، فصار لكل منهما طماعية في الآخر، فمنع من ذلك.
اه (قوله: والشهادة) معطوف على المعاملة أيضا: أي ويجوز نظر وجهها عند الشهادة.
وقوله تحملا وأداء: منصوبان على التمييز، أي من جهة التحمل ومن جهة الأداء.
وقوله لها أو عليها: راجع لكل منهما، والمراد بتحمل الشهادة لها أن يشهد أنها أقرضت مثلا فلانا كذا وكذا، وبتحملها عليها أن يشهد أنها اقترضت مثلا من فلان كذا وكذا.
والمراد بأداء الشهادة لها أو عليها أداؤها عند القاضي.
وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة كلفت الكشف عند الأداء إن لم يعرفها في نقابها.
وكما يجوز نظر وجهها للشهادة يجوز نظر فرجها للشهادة على الزنا تحملا لا أداء، ونظر ثدييها للشهادة على الرضاع.
وهذا كله إذا لم يخف فتنة، فإن خافها لم ينظر إلا إن تعينت عليه بأن لم يوجد غيره لكن في غير الزنا، لأنه لا يتصور التعين فيه، لأنه يسن للشاهد التستر، لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله ستير يحب من عباده الستيرين فينظر ويضبط نفسه.
قال م ر: قال السبكي ومع ذلك، أي تعينها عليه، يأثم بالشهوة، وإن أثيب على التحمل لأنه فعل ذو وجهين، لكن خالفه غير فبحث الحل مطلقا لأن الشهوة أمر طبيعي لا ينفك عن النظر، فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها، كما لا يؤاخذ الزوج بميل قلبه لبعض نسوته، والحاكم بميل قلبه لبعض الخصوم.
اه.
وقوله فعل ذو وجهين: هما الثواب من جهة الشهادة، والعقاب من جهة النظر بشهوة (قوله: وتعمد النظر للشهادة لا يضر) أي لا يحرم فلا يفسق به.
وخرج بقوله للشهادة ما إذا تعمد النظر لغير الشهادة فإنه يحرم ويفسق به وترد شهادته، لكن إن لم تغلب طاعته على معاصيه، فإن غلبت عليها لم يفسق ولم ترد شهادته، لأن ذلك صغيرة، والصغيرة لا يفسق بها إلا حينئذ (قوله: وإن تيسر وجود نساء أو محارم) غاية في عدم الضرر.
قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما مر في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن، والمحارم ونحوهم قد لا يشهدون.
ثم رأيت بعضهم أجاب بأنهم وسعوا هنا اعتناء بالشهادة.
اه.
وقوله ما مر في المعالجة: وهو أنه لا يباح النظر لأجل المعالجة عند وجود امرأة أو محرم.
(قوله: ويسن خطبة) أي لخبر أبي داود وغيره كل أمر ذي بال، وفي رواية: كل كلام، لا يبدأ فيه بحمد الله فهو
أقطع أي عن البركة.
والخطبة كلام مفتتح بحمد مختتم بدعاء ووعظ، كأن يقول ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى(3/306)
آله وأصحابه.
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (1) .
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * إلى قوله * (رقيبا) * (2) وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة.
وكان القفال يقول بعدها، أما بعد: فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر، وكتاب من الله قد سبق، وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان بن فلان فلانة بنت فلان على صداق كذا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.
وفي ق ل على الجلال.
(فائدة) في ذكر خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين زوج بنته فاطمة لعلي ابن عمه أبي طالب ولفظها الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وسيرهم بأحكامه ومشيئته، وجعل المصاهرة سببا لاحقا، وأمرا مفترضا، أو شج، أو شبك، به الأنام، وأكرم به الأرحام، فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (3) ، ولكل قدر أجل، * (ولكل أجل كتاب) * (4) ، * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (5) .
اه.
(قوله: بضم الخاء) احتراز من الخطبة بكسر الخاء، وهي التماس النكاح من جهة المخطوبة، وستأتي (قوله: من الولي) الجار والمجرور صفة لخطبة: أي خطبة كائنة من الولي، أي أو الزوج أو الأجنبي، فالولي ليس بشرط (قوله: له) أي لأجله، فاللام تعليلية (قوله: الذي هو) أي النكاح، وقوله العقد: أي بمعنى العقد (قوله: بأن تكون) أي الخطبة المسنونة قبل إيجابه: أي التلفظ به، وما ذكر تصوير لسنها للنكاح بمعنى العقد.
وأفاد به أن المراد بالعقد خصوص الإيجاب، لا هو مع القبول (قوله: فلا تندب الخ) تفريع على مفهوم التقييد بقبل الإيجاب (قوله: كما صححه في المنهاج) عبارته: ولو خطب الولي فقال الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت صح النكاح على الصحيح، بل يستحب ذلك.
قلت الصحيح لا يستحب والله أعلم.
اه.
(وقوله: صح النكاح) أي لأنها مقدمة القبول، فلا تقطع الولاء كالإقامة وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع، لكن محل ذلك إذا كانت قصيرة عرفا، أما إذا طالت لم يصح لإشعاره بالإعراض.
وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا
فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه (قوله: بل يستحب تركها) أي الخطبة قبل القبول، والإضراب انتقالي.
وقوله من أبطل: أي النكاح، وعلله بأنها غير مشروعة فأشبهت الكلام الأجنبي (قوله: كما صرح به) أي باستحباب تركها (قوله: لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها) وعليه فيسن في النكاح أربع خطب: خطبتان للخطبة، بكسر الخاء، واحدة من الخاطب، وواحدة من المجيب له، وخطبتان للعقد، وواحدة قبل الإيجاب، وأخرى قبل القبول (قوله: وتسن خطبة أيضا الخ) واعلم أني وجدت لبعض الأفاضل صورة الخطبة الكائنة قبل الخطبة، بكسر الخاء، وصورة الخطبة الكائنة قبل الإجابة لها، وصورة أيضا للخطبة الكائنة قبل العقد غير ما تقدم، والثلاث في غاية من البلاغة.
ولا بأس بإيرادها هنا لتحفظ.
فصورة الأولى: (بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي هدانا لاتباع الملة الحنيفية السمحة الزهراء، وأرشدنا لاقتفاء أوامرها المنيفة الغراء.
أحمده سبحانه وتعالى حمدا أورد به موارد الفضل والإحسان.
وأرقى به إلى الحور المقصورات في بحبوحة الجنان.
وأشكره شكرا أستمطر به سحائب الكرم والامتنان.
وأستفيد به ترادف المنن من فيض كرم المنعم الديان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحسن لقاصد فضله
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 102.
(2) سورة النساء، الاية: 1.
(3) سورة الفرقان، الاية: 54.
(4) سورة الرعد، الاية: 38.
(5) سورة الرعد، الاية: 39(3/307)
بتبليغ الأمل.
والممتن على الواقف بباب جوده بقبول صالح العمل.
وأشهد أن سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله المخصوص بالخلق العظيم، والمخطوب إلى مناجاة حضرة السميع العليم.
- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الغر الكرام، وأصحابه نجوم الهداية ومصابيح الظلام، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما فاح عرف طيب وند.
وفاه خطيب بأما بعد.
فقد قادتنا أزمة قدرة الملك العلام.
وجذبت أفئدتنا جواذب العناية كاشفة عن محياها اللثام، وساعدتنا أنظار عين الرعاية ساحبة ذيل الأمان والمرام إلى فسيح هذه الديار العامرة عالية الذرا والمقام، خاطبين عروس فخركم عزيزة الجناب.
راغبين في اجتلاء ضوء نورها الغني عن المدح والإطناب.
وها نحن قد حللنا بناديكم الرحيب وأنخنا مطايا الأمال في وسيع رحيبكم
الرطيب، بالمهر الذي وقع عليه الرضا والاتفاق، راجين لهما من الله حسن الوفاق، فتفضلوا بقبوله قبولا جميلا، وباليمن والبركة والهنا والسرور بكرة وأصيلا.
وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام.
وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام.
دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام.
وآخر دعواهم إن الحمد لله رب العالمين) وصورة الثانية: (إن أعذب ما رشفته أفواه المسامع من كؤوس الشفاه.
وأعبق ما تعطرت معاطر الآذان بطيب نشره وشميم رياه.
حمد الله المجيب دعاء من أخلص له في سره وإعلانه المعطي سائل من فيض جوده وفسيح امتنانه.
أحمده حمدا هبت نسمات قبوله على أغصان التهاني.
وأشكره شكر عبد تبلج بشر سؤله في أفق نيل الأماني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي شرف مقام أحمد الخلق في الملإ الأعلى.
وحلاه بمفاخر حلى العبادة الأعز الأغلى شهادة يرتع قائلها في نيل مطلوبه.
وينشده بلبل الأفراح قائلا هنيئا لمن أمسى سمير حبيبه.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخليله الذي عنت لجلال نبوته الوجوه، فنالت ببركته الشاملة كل ما تؤمله من فضل الله وترجوه.
صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين من تمسك بولائهم فقد ظفر ونجا.
وأصحابه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى.
صلاة وسلاما يقترنان اقتران القبول للإيجاب وينجلي بهما غيم الغي عن مطالع الهدى وينجاب.
أما بعد لما كان التماس الإكفاء من أجل المطلوبات.
وآكد المندوبات.
لا سيما إذا كان الخاطب متصفا بالصدق والأمانة.
ومتحليا بالصلاح والديانة.
أجبنا لما نقلتم إليه أقدامكم أيها السادة الأمجاد، بالبشر والهناء والقبول والإنجاد من خطبتكم ذخيرة فخرنا وعقيلة خدرنا المرتضعة ثدي الصيانة في حجور الدلال.
الرافلة في حلل العفاف والكمال.
فأجبنا خطبتكم، ولبينا دعوتكم.
امتثالا لقوله تعالى عز من كريم غافر.
* (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشهير: إذا خاطبكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير والله المسؤول أن يجعل منهما الطيب الكثير.
إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
ويشكر الله إحسان من حضر هذا المحفل المنيف ويبلغهم المآرب والمطالب ويحسن للجميع بمنه وكرمه العواقب.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله على سيدنا محمد سيد السادات وآله وصحبه الكرام في المبدإ والختام) وصورة الثالثة: (الحمد لله الذي جعل سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عروس المملكة في السماء وأفضل البشر في الأرض.
وبعث الرسل قبله وفضل بعضهم على بعض.
فمنح إبراهيم الخلة وموسى المناجاة عند تمام وعده.
وأتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من
بعده ومنح من شاء من سائر أنبيائه ورسله، ما شاء من خصوصيات كرمه وفضله.
أحمده حمدا هبت نسمات قبوله على أغصان التهاني.
وأشكره شكرا تبلغ بشر سؤله في أفق نيل الأماني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد له ولا ند له الذي لا تنفك أفعاله وأقواله عن مصالح وحكم.
ولا يسئل عما فعل ولا أمر به وحكم.
فمن حكمته الباهرة للعقول استباحة محرمات الفروج بشاهدي عدل وإيجاب وقبول.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.
وصفيه وحبيه وخليله.
الحاث على التمسك به والائتساء بقوله حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الذين من تمسك بولائهم فقد ظفر ونجا، وصحبه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى.
ما فاح عرف طيب وند.
وفاه خطيب بأما
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 232(3/308)
بعد.
فإيبن النكاح جنة يتقى بها من الفتنة وجنة يتلى على متفيئ ظلالها أسكن أنت وزوجك الجنة تثمر رياض الرحمة بين الزوجين والوداد.
وتطلع زينة الحياة الدنيا إذا حملت غرائسه ثمرة الفؤاد وناهيك ما ورد فيه من الآيات والأحاديث الثابتة بصحيح الرواية فمن الآيات الشريفة قوله تعالى عز من قائل: * (يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل) * (1) وقوله تعالى في كتابه المصون * (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) * (2) وقال تعالى معلنا بأن الفقر ليس عذرا عن اجتناء وصله وأن المعمول على فضله العميم * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) * (3) ومن الأحاديث الشريفة قوله - صلى الله عليه وسلم - ناهيا عن التبتل والتأني: أما والله إني لأخشاكم من الله وأتقاكم، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - منبها على مزية الأبكار وفضلهن الكثير تزوجوا الأبكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير وقوله - صلى الله عليه وسلم - مرشدا إلى أقوى المسالك خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبك في نفسها ومالك وقوله - صلى الله عليه وسلم - محرضا على النكاح ومنفرا عن الطلاق لما فيه من الأرش تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش.
هذا وقد ورد عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين زوج سيدنا عليا بسيدتنا فاطمة رضي الله عنهما أنه خطب فقال.
ونطق بأفصح مقال: الحمد لله المحمود بنعمته.
المعبود بقدرته.
المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه وأرضه.
الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه - صلى الله عليه وسلم - إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج به الأرحام.
وألزم الأنام.
فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من
الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (4) .
فأمر الله يجري على قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (5) * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * (6) * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * (7) أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب من الله قد سبق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولمشايخي ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(قوله: وقبل الخطبة) هي بكسر الخاء: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة (قوله: وكذا قبل الإجابة) أي وكذا تسن قبل الإجابة من جهة المخطوبة (قوله: فيبدأ كل) أي من الخاطب والمجيب له.
وقوله ثم يقول: أي أحدهما: وهو الخاطب (قوله: في كريمتكم) أي أختكم وقوله أو فتاتكم: هي الشابة.
ع ش (قوله: فيخطب الولي أو نائبه كذلك) أي خطبة مشتملة على الحمد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوصية
__________
(1) سورة الحجرات، الاية: 13.
(2) سورة يس، الاية: 56.
(3) سورة النور، الاية: 32.
(4) سورة الفرقان، الاية: 54.
(5) سورة آل عمران، الاية: 102.
(6) سورة النساء، الاية: 1.
(7) سورة الاحزاب، الاية: 70(3/309)
بالتقوى، ويغني عما ذكر قوله فيبدأ كل الخ، فكان الأخصر أن يقول ويقول الولي في خطبة الإجابة لست بمرغوب عنك
(قوله: ويستحب أن يقول) أي الولي.
قال ع ش: فلا يطلب ذلك من غيره وعليه فلو أتى به أجنبي لا تحصل السنة ولا يكون جهل الولي بذلك عذرا في الإكتفاء به من الغير، بل ينبغي للعالم تعليمه ذلك حيث جهله.
اه.
ويستحب أيضا الدعاء للزوج عقب العقد ببارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير (قوله: فروع) أي خمسة: أولها قوله يحرم التصريح الخ، ثانيها قوله ويجوز التعريض الخ، ثالثها قوله ولا يحل الخ، رابعها قوله يحرم الخ، خامسها قوله ومن استشير الخ (قوله: يحرم التصريح بخطبة الخ) هو ما يقطع بالرغبة في النكاح، كأريد نكاحك وإذا انقضت عدتك نكحتك، ومثل التصريح بها النفقة في زمن العدة، كما يقع كثيرا، فهو حرام.
ولو أنفق على المخطوبة ولم يتزوجها رجع بما أنفقه، حتى بالملح، ولو كان الترك منه أو بموتها.
وفي حاشية الجمل ما نصه: (سئل م ر) عمن خطب امرأة وأنفق عليها ليتزوجها ولم يحصل التزوج بها فهل لها الرجوع بما أنفقه لأجل ذلك أم لا؟.
(فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفعه له سواء كان مأكلا أم مشربا أم ملبسا أم حليا، وسواء رجع هو أم مجيبه أم مات أحدهما لأنه إنما أنفق لأجل تزوجها فيرجع به إن بقي وببدله إن تلف.
اه.
ببعض تصرف.
ومحل رجوعه حيث أطلق أو قصد الهدية لأجل النكاح، فإن قصد الهدية، لا لأجل ذلك فلا رجوع وإنما حرم التصريح بها لأنها ربما تكذب في انقضاء العدة إذا تحققت رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة وتضييع الأمانة فإنهن ناقصات عقل ودين.
(وقوله: المعتدة من غيره) خرج به ما إذا كانت معتدة منه فإنه يجوز له أن يصرح بالخطبة، كما له أن يعرض بها إن حل له نكاحها، كأن خالعها وشرعت في لعدة فيحل له التعريض والتصريح لأنه يجوز له نكاحها، فإن كان طلاقه لها رجعيا لم يكن له التصريح والتعريض بخطبتها لأنه ليس له نكاحها وإنما له مراجعتها.
نعم، إن نوى بنكاحها الرجعة صح لأنه كناية فيها، فإن نواها به حصلت وإلا فلا.
وأما من لا يحل له نكاحها كأن طلقها بائنا أو رجعيا ثم وطئت بشبهة وحملت من وطئ الشبهة، فإن عدة وطئ الشبهة تقدم إذا كانت بالحمل ويبقى عليها بقية كعدة الطلاق فلا يحل لصاحب عدة الشبهة أن يخطبها مع أنه صاحب العدة لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ لما بقي عليها من عدة الطلاق اه.
باجوري.
وقوله رجعية كانت: أي المعتدة من غيره.
وقوله أو بائنا: أي أو كانت بائنا.
وقوله بطلاق: الباء سببية متعلقة ببائنا، أي بائنا بسبب طلاق، أي بالثلاث.
وقوله أو فسخ، أي أو بسبب فسخ حاصل منها بعيبه أو منه بعيبها، أي أو انفساخ كما في الرضاع (قوله: ويجوز التعريض) أي لقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء) * (1) والتعريض هو ما لا يقطع بالرغبة في النكاح، بل يحتملها كما يحتمل عدمها (قوله: في عدة غير رجعية) خرج به ما إذا كانت في عدة طلاق رجعي، فلا يحل التعريض له كالتصريح لأنها في حكم الزوجة، ومعلوم أن الزوجة يحرم فيها ذلك (قوله: وهو) أي التعريض (قوله: ولا يحل خطبة المطلقة منه) هذا مفرع على مفهوم قوله المعتدة من غيره، فكان عليه أن يذكر المفهوم أولا بأن يقول أما معتدته فله خطبتها فيحل له التصريح والتعريض إن حل له نكاحها وإلا فلا، ثم يقول فلا يحل خطبة المطلقة الخ (قوله: وتنقضي الخ) أي وحتى تنقضي عدة المحلل.
وقوله إن طلق: أي المحلل وهو قيد في اشتراط انقضاء عدة المحلل (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق رجعيا بأن طلقها بائنا.
وقوله جاز التعريض: أي لما تقدم آنفا من جواز التعريض في عدة غير رجعية (قوله: ويحرم على عالم الخ) وذلك لخبر الشيخين لا يخطب
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 235(3/310)
الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب في ذلك والحكمة في ذلك الإيذاء، ولكن لا يحرم ذلك إلا بشروط ذكر منها الشارح أربعة: وهي علمه بخطبة الغير، وبإجابته له، وقد صرح لفظا بالإجابة، وأن تكون خطبة الخاطب الأول جائزة.
وبقي من الشروط: علمه بحرمة الخطبة على الخطبة، وبصراحة الإجابة، فخرج بما ذكر ما إذا لم تكن خطبة أصلا، أو لم يجب الخاطب الأول، أو أجيب تعريضا لا تصريحا، أو لم يعلم الثاني بالخطبة، أو علم بها ولم يعلم بالإجابة، أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح، أو علم كونها بالصريح ولم يعلم بالحرمة، أو علم بجميع ما ذكر لكن كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا حرمة في جميع ما ذكر.
وقوله والإجابة له: أي وعالم بالإجابة له وهي تكون ممن تعتبر إجابته وهو الولي إن كانت الزوجة مجبرة، ونفس الزوجة إن كانت غير مجبرة، وهي مع الولي إن كان الخاطب غير كفء لأن الكفاءة حق لهما معا، والسيد إن كانت أمة غير مكاتبة، وهو مع الأمة إن كانت مكاتبة، والسلطان إن كانت المرأة مجنونة بالغة ولا أب لها ولا جد لها.
(وقوله: على خطبة من الخ) إظهار في مقام الإضمار، فالمناسب والأخصر أن يقول على خطبته إن جازت ويكون الضمير في خطبته عائدا على الغير المتقدم ذكره.
وقوله جازت خطبته: أي بأن كانت المخطوبة خالية من الموانع.
وخرج به من حرمت خطبته كأن خطبها في عدة غيره أو في نكاحه فلا تحرم لأنه لاحق للأول.
وقوله وإن كرهت، أي الخطبة الأولى الجائزة بأن كان عاجزا عن المؤن وغير تائق.
وقوله وقد صرح لفظا بإجابته، الواو للحال: أي والحال أنه قد صرح لفظا بإجابته، أي الخاطب، الأول، فلو لم يصرح بها لفظا،
بأن رد أو سكت عنه، لم تحرم.
وعبارة المنهاج مع المغني: فإن لم تجب ولم يرد بأن سكت عن التصريح بإجابة أو رد والساكت غير بكر يكفي سكوتها أو ذكر ما يشعر بالرضا نحو لا رغبة عنك لم تحرم في الأظهر، لأن فاطمة بنت قيس قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد وجه الدلالة أن أبا جهم ومعاوية خطباها، وخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بعد خطبتهما لأنها لم تكن أجابت واحدا منهما.
اه.
(قوله: إلا بإذنه له) متعلق بيحرم: أي يحرم الخطبة المذكورة إلا إن أذن الخاطب الأول للخاطب الثاني فإنها حينئذ لا تحرم.
(وقوله: من غير خوف ولا حياء) أي حال كون الإذن واقعا منه بنحو خوف، أي من الخاطب الثاني أو حياء منه فإن وقع مع خوف أو حياء لم ترتفع الحرمة (قوله: أو بإعراضه) معطوف على بإذنه، أي وإلا بإعراضه، أي الخاطب الأول فإنها لا تحرم.
قال في المغني: وإعراض المجيب كإعراض الخاطب.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية (قوله: كأن طال الخ) تمثيل للإعراض.
وعبارة التحفة: كأن يطول الزمن بعد إجابته حتى تشهد قرائن أحواله بإعراضه.
اه.
(قوله: ومنه) أي الإعراض: أي مما يفيده.
وقوله سفره البعيد: أي المنقطع، كما في التحفة والنهاية.
وكتب ع ش: يظهر أن المراد بالانقطاع انقطاع المراسلة بينه وبين المخطوبة لا انقطاع خبره بالكلية.
اه.
وفي البجيرمي: ومنه، أي الإعراض، أن يتزوج من يحرم الجمع بينها وبين مخطوبته أو تطرأ ردته، لأن الردة، والعياذ بالله، قبل الوطئ تفسخ العقد، فالخطبة أولى، أو يعقد على أربع من خمس خطبهن معا أو مرتبا.
اه.
(قوله: ومن استشير في خاطب) أي هل يصلح أم لا (قوله: أو نحو عالم) أي أو استشير في نحو عالم كتاجر، وقوله يريد الاجتماع به: أي أو معاملته (قوله: ذكر) أي المستشار.
وقوله وجوبا: محله إذا لم يندفع إلا بذكر العيوب، فإن اندفع بدونه، بأن اكتفى بقوله له هو لا يصلح، أو احتيج لذكر البعض دون البعض، حرم ذكر شئ منها في الأول وشئ من البعض الآخر في الثاني.
وقوله مساويه، بفتح الميم، أي عيوبه الشرعية والعرفية، كالفقر والتقتير.
وذلك للحديث المار إن فاطمة بنت قيس استشارت النبي - صلى الله عليه وسلم - في تزويج أبي جهم أو معاوية، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، كناية عن كثرة الضرب، قيل أو السفر، وأما معاوية فصعلوك أي فقير لا مال له.
وفي(3/311)
البجيرمي: قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه فإن كان فيه ما يثبت الخيار وجب ذكره للزوجة.
وإن كان فيه ما يقلل الرغبة فيه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب.
وإن كان فيه شئ من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال
وستر نفسه ولا يذكره.
وإن استشير في ولاية فإن علم من نفسه عدم الكفاية أو الخيانة وأن نفسه لا تطاوعه على تركها وجب عليه أن يبين ذلك أو يقول لست أهلا للولاية.
اه.
ووجوب التفصيل بعيد.
والأوجه دفع ذلك بنحو لا أصلح لكم.
اه.
وقوله ولو استشير في أمر نفسه، أي استشارت الزوجة خاطبها في أمر نفسه هل يصلح لها أم لا؟.
(واعلم) أن ذكر المستشار العيوب ليس من الغيبة المحرمة، بل هو من باب النصيحة، كما أنه ليس من الغيبة أيضا ما إذا كانت الغيبة في فاسق متجاهر، لكن بشرط أن تغتابه بما فسق به، وأن تقصد زجره بذلك إذا بلغته، وما إذا كانت على وجه التظلم، كأن تقول فلان ظلمني، أن على وجه التحذير: كأن تقول فلان فعل كذا فلا تصحبه، أو على وجه الاستعانة: كأن تقول فلان فعل كذا فأعني عليه، أو على وجه الإستفتاء: كأن تقول فلان فعل كذا فهل يجوز له ذلك أم لا؟.
وقد حصر بعضهم ما لا يعد غيبة في ستة أشياء ونظمها في قوله: القدح ليس بغيبة في ستة: متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر وقوله ومعرف هو المستشار.
وذلك لأنه يعرف المستشير عيوب من استشير فيه، ويصدق التعريف أيضا بقوله فلان الأعمش أو الأعرج (قوله: بصدق) متعلق بذكر: أي ذكرها بصدق بأن يكون ما ذكره موجودا في المستشار فيه.
وقوله بذلا للنصيحة: فيه إشارة إلى أنه لا بد من قصد النصيحة، لا الوقيعة، أي الخوض في عرضه.
ويشترط ذكو العيوب المتعلقة بما حصلت الإستشارة من أجله، فإذا استشير في نكاح ذكر العيوب المتعلقة به، لا المتعلقة بالبيع مثلا وهكذا (قوله: ودينه) هو وما عطف عليه مبتدأ وخبره قوله في المتن أولى.
والشارح قدر لكل خبرا (قوله: أي نكاح الخ) أفاد به أن في الكلام تقدير مضاف قبل المبتدأ وهو الذي يحكم عليه بالأولوية.
وقوله التي وجدت الخ: الأولى زيادة أي التفسيرية: لأنه تفسير للدينة.
وقوله صفة العدالة: هي فقد ارتكاب كبيرة وإصرار على صغيرة.
وأفاد بما ذكر أن العفة عن الزنا فقط لا تكفي، وقد صرح به في التحفة.
وقوله أولى من نكاح الفاسقة، هي من ارتكبت كبيرة أو أصرت على صغيرة.
(وقوله: ولو بغير نحو زنا) أي: ولو كان فسقها بغير نحو زنا، فإن الدينة أولى منها.
ونحو الزنا كل كبيرة كشرب الخمر وغير ذلك من الصغائر كالغيبة، بشرط الإصرار عليها، (قوله: للخبر المتفق عليه فاظفر الخ) هو بعض الخبر، ولفظه بتمامه تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك أي التصقتا بالتراب: كناية عن الفقر إن لم تفعل، واستغنيت إن فعلت.
قال في التحفة: وتردد في مسلمة تاركة للصلاة، وكتابية، فقيل هذه أولى للإجماع
على صحة نكاحها، ولبطلان نكاح تلك، لردتها عند قوم.
وقيل تلك لأن شرط نكاح هذه أي الكتابية مختلف فيه، ورجح بعضهم الأول، وهو واضح، في الإسرائيلية لأن الخلاف القوي إنما هو في غيرها، ولو قيل الأولى لقوى الإيمان والعلم هذه لأمنه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه لكان أوجه.
اه.
(قوله: أي معروفة الخ) تفسير لنسيبة، وكان الملائم لما قبله أن يقول أي نكاح النسيبة: أي معروفة الأصل فيقدر مضافا كما قدره فيما قبله.
وقوله وطيبته: أي الأصل (قوله: لنسبتها الخ) علة للطيب، أي طيبها حاصل لأجل نسبتها إلى العلماء والصلحاء، أي أو الأشراف أو العرب (قوله: أولى) خبر نسيبة لما علمت أن الشارح قدر عند كل معطوف خبرا.
وقوله من غيرها: أي غير النسيبة (قوله: لخبر تخيروا لنطفكم الخ) قال في المغني: قال أبو حاتم الرازي هذا الخبر ليس له أصل، وقال ابن الصلاح له أسانيد فيها مقال، ولكن صحة الحاكم.
اه.
وفي البجيرمي ورد: تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس وورد وإياكم وخضراء الدمن.
قالوا من هي يا رسول الله؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء فشبه المرأة التي أصلها ردئ(3/312)
بالقطعة الزرع المرتفعة على غيرها التي منبتها موضع روث البهائم.
اه.
وقوله تخيروا لنطفكم.
قال في لطائف الحكم شرح غرائب الأحاديث، أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور، ولا تضعوا نطفكم إلا في أصل ظاهر.
وأصل النطفة الماء القليل.
والمراد هنا المني: سمي نطفة لأن النطف القطر.
اه.
(قوله: وتكره بنت الزنا والفاسق) وذلك لأنه يعير بها لدناءة أصلها، وربما اكتسبت من طباع أبيها.
اه.
ع ش.
قال الأذرعي: ويشبه أن يلحق بهما اللقيطة، ومن لا يعرف لها أب.
اه.
(قوله: وجميلة) أي بحسب طبعه ولو سوداء عند حجر أو بحسب ذوي الطباع السليمة عند م ر.
وتكره بارعة الجمال لأنها إما أن تزهو، أي تتكبر، لجمالها، أو تمتد الأعين إليها (قوله: لخبر إلخ) دليل الأولوية الجميلة على غيرها.
وقوله إذا نظرت: للبناء للمجهول، والتاء فيه للتأنيث.
وتمام الحديث وتطيع إذا أمرت، ولا تخالف في نفسها ومالها (قوله: قرابة) أي يقرأ بالتنوين، وما بعده صفة.
وفي الكلام حذف: أي ونكاح ذات قرابة بعيدة أولى من نكاح ذات قرابة قريبة أو أجنبية (قوله: ممن في نسبه) الأولى إسقاط لفظ ممن، والإقتصار على قوله في نسبه، ويكون الجار والمجرور متعلقا ببعيدة: أي بعيدة عنه في النسب، كما صنع في فتح الجواد، وذلك لأنه على إبقائه يصير الجار والمجرور صفة للقرابة، أو حالا على قول، ويكون المعنى حينئذ قرابة كائنة من الأقارب التي في نسبه أو حال كونها منهم، ولا معنى لذلك (قوله: وأجنبية) معطوف على قرابة قريبة، وهذا يعين تقدير المضاف المار لأنه لا
معنى لكون القرابة البعيدة أولى من الأجنبية، إذ التفضيل بين الذوات لا بين الوصف والذات (قوله: لضعف الشهوة الخ) تعليل لأولوية غير ذات القرابة القريبة عليها.
وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله والبعيدة أولى من الأجنبية، قالوا لأن مقصود النكاح اتصال القبائل لأجل اجتماع الكلمة، وهذا مفقود في نكاح القريبة، لأن الإتصال فيها موجود، والأجنبية ليست من قبائله حتى يطلب اتصالها.
اه.
ح ل (قوله: والقريبة) المراد به المرأة القريبة، لا المتقدمة في الذكر، لأن تلك صفة القرابة (قوله: من هي في أول درجات العمومة والخؤولة) أي كبنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت الخالة، والمرأة البعيد بضدها وهي التي لا تكون في أول درجات ما ذكر: كبنت ابن العم أو بنت ابن الخال أو بنت ابن العمة أو بنت ابن الخالة.
(قوله: والأجنبية أولى من القرابة القريبة) أي أولى من ذات القرابة القريبة لما مر (قوله: ولا يشكل ما ذكر) أي من أن ذات القرابة البعيدة أولى من ذات القرابة القريبة ومن الأجنبية، وأن الأجنبية أولى من ذات القرابة القريبة (قوله: بتزوج النبي الخ) متعلق بيشكل.
وقوله زينب: أي بنت جحش رضي الله عنها، وهي المعنية بقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (1) أي فلما طلقها وانقضت عدتها زوجناكها وكانت تفتخر على نسائه - صلى الله عليه وسلم - تقول: إن آباءكن أنكحوكن وإن الله تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سموات.
وفيها نزل الحجاب، وغضب عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية، فهجرها في ذي الحجة والمحرم وبعض صفر، وهي أول نسائه وفاة ولحوقا به - صلى الله عليه وسلم -.
ففي حديث مسلم: عن عائشة أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قلن له أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا، فكان أسرعهن لحوقا به زينب بنت جحش قيل إن طول يدها بسبب أنها كانت تعمل وتتصدق كثيرا توفيت سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وقيل إحدى وعشرين، وقد بلغت ثلاثا وخمسين سنة، ودفنت بالبقيع، وصلى عليها عمر بن الخطاب وكانت عائشة تقول هي التي تساويني في المنزلة عنده - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة.
وقوله مع أنها أي زينب.
وقوله بنت عمته: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: لأنه تزوجها بيانا للجواز) أي جواز نكاح زوجة المتبني لأنها كانت تحت زيد بن حارثة الذي
__________
(1) سورة الاحزاب، الاية: 37(3/313)
تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: ولا بتزوج إلخ) أي ولا يشكل بتزوج لي رضي الله عنه سيدتنا فاطمة رضي الله عنها مع أنها من الأقارب لأنها ذات قرابة بعيدة لا قريبة (قوله: للأمر به) أي بتزوج البكر.
وقوله في الأخبار الصحيحة: منها قوله عليه
السلام: هلا بكرا تلاعبك وتلاعبها ومنها عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ومعنى أنتق: أكثر أولادا، يقال للمرأة الكثيرة الأولاد: ناتق.
قال البجيرمي: وفي البكارة ثلاث فوائد: إحداها أن تحب الزوج الأول وتألفه، والطباع مجبولة على الأنس بأول مأولف، وأما التي مارست الرجال فربما لا ترضى ببعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتكره الزوج الثاني.
الفائدة الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها.
الثالثة: لا تحن إلا للزوج الأول.
ولبعضهم: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل؟ اه.
وفي المغني: (روى) أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس وأنه استشار تسعة وتسعين رجلا واختلفوا عليه، فقال بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج وآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينما هو كذلك إذ طلع عليه رجل راكب قصبة فأخبره بقصته، فقال النساء ثلاث: واحدة لك، وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك.
فالبكر لك، وذات الولد من غيرك عليك، والثيب لا لك ولا عليك.
ثم قال أطلق الجواد، فقال له أخبرني بقصتك.
فقال أنا رجل من علماء بني إسرائيل مات قاضيهم، فركبت هذه القصبة وتباهلت لأخلص من القضاء.
قال في الإحياء: وكما يستحب نكاح البكر يسن أن لا يزوج الولي ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في خديجة إنها أول نسائي (قوله: إلا لعذر: كضعف آلته عن الإفتضاض) أي إزالة البكارة: أي وكاحتياجه لمن يقوم على عياله.
ومنه ما اتفق لجابر رضي الله عنه، فإنه لما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ اعتذر له فقال: إن أبي قتل يوم أحد وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن.
فقال - صلى الله عليه وسلم - أصبت (قوله: وولود وودود أولى) أي من غير الولود والودود (قوله: للأمر بهما) أي بالولود والودود: أي بنكاحهما في قوله عليه السلام: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده.
وروي سوداء ولود خير من حسناء عقيم (قوله: ويعرف ذلك) أي كونها ولودا (قوله: والأولى أيضا أن تكون وافرة العقل وحسنة الخلق) قال بعضهم: ينبغي أن تكون المرأة دون الرجل بأربع وإلا استحقرته: بالسن، والطول، والمال، والحسب، وأن تكون فوقه بأربع: بالجمال، والأدب، والخلق، والورع.
قال في المغني:
وهذه الصفات كلها قل أن يجدها الشخص في نساء الدنيا، وإنما توجد في نساء الجنان.
فنسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منهن (قوله: وأن لا تكون الخ) أي والأولى أن لا تكون ذات ولد من رجل غيره.
وقوله إلا لمصلحة: أي كتربية أولاده، كما في حديث جابر المار، ولأنه تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة (قوله: وأن لا تكون شقراء) قال في التحفة: قيل الشقرة بياض ناصع يخالفه نقط في الوجه لونها غير لونه.
اه.
وكأنه أخذ ذلك من العرف لأن كلام أهل اللغة مشكل فيه: إذ الذي في القاموس الأشقر من الناس من يعلو بياضه حمرة.
اه.
ويتعين تأويله بما يشير إليه قوله يعلوه بأن المراد أن الحمرة غلبت البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة، إذ هذا هو المذموم، بخلاف مجرد تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا لأنه لونه - صلى الله عليه وسلم - الأصلي، كما بينته في شرح الشمائل، اه.
(قوله: ولا(3/314)
طويلة مهزولة) أي والأولى أن لا تكون طويلة مهزولة (قوله: للنهي عن نكاحها) دليل لأولوية عدم كونها ذات ولد الخ، فالضمير في نكاحها راجع للثلاث ذات الولد والشقراء والطويلة المهزولة، والأولى أن يأتي بنون النسوة، كما تقدم غير مرة، والنهي المذكور في حديث زيد بن حارثة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - له لا تتزوج خمسا: شهبرة وهي الزرقاء البذية، ولا الهبرة وهي الطويلة المهزولة، ولا نهبرة وهي العجوز المدبرة، ولا هندرة وهي القصيرة الذميمة، ولا لفوتا وهي ذات الولد من غيرك (قوله: ومحل رعاية جميع ما مر) أي من الصفات من كونها دينة جميلة نسيبة بكرا ولودا (قوله: حيث لم تتوقف العفة على غير متصفة بها) أي بالصفات السابقة: أي ما عدا الوصف الأول، بأن وجدت العفة في غير المتصفة بالصفات.
وكان الملائم بتعبيره أولا بدينة أن يقول: حيث لم تتوقف الديانة التي هي العدالة (قوله: وإلا) أي بأن توقفت على غير متصفة بها بأن وجدت العفة في غير متصفة بها.
وقوله فهي: أي العفة، أي رعايتها، وقوله أولى: أي من بقية الصفات: أي رعايتها: فعفيفة غير متصفة ببقية الصفات أولى من متصفة ببقية الصفات غير عفيفة.
لخبر: فاظفر بذات الدين (قوله: قال شيخنا الخ) هذا تقوية لقوله ومحل رعاية جميع الخ.
(قوله: ولو تعارضت تلك الصفات) أي بأن وجد بعضها في بعض الآحاد من النساء وبعضها في بعض آخر ولم تجتمع كلها بأن وجد الدينة غير عاقلة أو عاقلة غير دينة فالمقدم الأولى، أو وجدت عاقلة حسنة الخلق غير ولود وولود غير عاقلة حسنة الخلق مع عدم الديانة فيهما فالمقدم الأولى، أو وجدت ولود غير نسيبة ونسيبة غير ولود مع فقد باقي الصفات فيهما فالمقدم الأولى، أو وجدت بكر غير جميلة وجميلة غير بكر مع فقد ما ذكر أيضا فيهما فالمقدم الأولى، فإذا فقدت هذه الصفات ولم توجد صفة منها في النساء راعى
الخاطب ما فيه المصلحة له بحسب اجتهاده.
وقوله يقدم الدين مطلقا: أي تقديما مطلقا أي على سائر الصفات (قوله: وجزم في شرح الإرشاد) عبارته: وعند تعارضها يقدم ما يرجع إلى الدين والعفة، ثم إلى النسل، ثم إلى العقل، ثم يتخير.
اه.
(قوله: وندب للولي عرض موليته إلخ) قال في المغني: كما فعل شعيب بموسى عليهما الصلاة والسلام، وعمر بعثمان وبأبي بكر رضي الله عنهم.
اه.
وقوله كما فعل شعيب بموسى: أي حيث قال له: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) * (1) قال بعض المفسرين ما نصه: فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على رجل، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة وأيام النبوة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
اه.
(قوله: ويسن أن ينوي بالنكاح السنة) أي اتباعها.
وقوله وصون دينه: أي وينوي حفظ دينه، أي والنسل الصالح، وتكثير أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وإنما يثاب الخ) هذا يغني عنه قوله ويسن أن ينوي الخ، فالمناسب والأخصر أن يجعله تعليلا لما قبله بأن يقول لأنه إنما يثاب عليه بالنية.
وفي فتح الجواد: الاقتصار على قوله وإنما يثاب الخ وعدم ذكر قوله ويسن الخ، وهو ظاهر.
وإنما لم يثب عليه، أي النكاح، إلا بما ذكر لأن أصله الإباحة، كما مر، والمباح ينقلب طاعة بالنية، كما قال ابن رسلان في زبده: لكن إذا نوى بأكله القوى لطاعة الله: له ما قد نوى (قوله: وأن يكون الخ) معطوف على ينوي: أي ويسن أن يكون العقد في المسجد.
قال في التحفة: للأمر به في خبر الطبراني.
اه.
وهو أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، * (الهامش *) (1) سورة القصص، الاية: 27(3/315)
وإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها ولا يغرنها اه.
غرائب الأحاديث.
وقال في شرحه: قوله أعلنوا هذا النكاح، أي أظهروه إظهار السرور.
وفرقا بينه وبين غيره واجعلوه في المساجد مبالغة في إظهاره واشتهاره، فإنه أعظم محافل الخير والفضل.
وقوله واضربوا عليه بالدفوف: جمع دف، بالضم، ويفتح، ما يضرب به لحادث سرور.
(فإن قلت) المسجد يصان عن ضرب الدف: فكيف أمر به؟ (قلت) ليس المراد أنه يضرب فيه، بل خارجه، والأمر فيه إنما هو في مجرد العقد.
اه.
(قوله: ويوم الجمعة) أي وأن يكون في يوم الجمعة لأنه أشرف الأيام وسيدها.
وقوله أول النهار: أي وأن يكون في أول النهار: لخبر اللهم بارك
لأمتي في بكورها حسنه الترمذي (قوله: وفي شوال) أي ويسن أن يكون العقد في شوال وقوله.
وأن يدخل فيه: أي ويسن أن يدخل على زوجته في شوال أيضا، والدليل عليه وعلى ما قبله خبر عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال ودخل فيه، وأي نسائه كان أحظى عنده مني وفيه رد على من كره ذلك.
(تتمة) يسن لمن حضر العقد من ولي وغيره الدعاء للزوج عقبه: ببارك الله لك، أو بارك عليك، وجمع بينكما في خير لصحة الخبر به.
ويدعو لكل منهما ببارك الله لكل واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير.
ويسن للزوج الأخذ بناصيتها أول لقائها، وأن يقول بارك الله لكل منا في صاحبه، ثم إذا أراد الجماع تغطيا بثوب وقدما قبيله التنظف والتطيب والتقبيل ونحو ذلك مما ينشط.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي.
وقال كل منهما، ولو مع اليأس من الولد: بسم الله.
اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
وليتحر استحضار ذلك بصدق من قلبه عند الإنزال.
فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره.
وفي المغني قال في الإحياء: يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر، والأخيرة منه، وليلة النصف منه.
فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي.
اه.
ورده في التحفة والنهاية بعدم ثبوت شئ من ذلك.
قالا: وبفرض ثبوته: الذكر الوارد يمنعه.
اه.
ويسن للزوج إذا سبق إنزاله أن يمهلها حتى تنزل هي ويسن أن يتحرى بالجماع وقت السحر لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ * إذ هو مع أحدهما مضر غالبا كما أن الإفراط فيه مضر مع التكلف، وضبط بعض الأطباء النافع من الوطئ بأن يجد داعية من نفسه، لا بواسطة تفكر ونحوه، ويسن أيضا أن يكون ليلة الجمعة ويومها قبل الذهاب إليها، وأن لا يتركه عند قدومه من سفر.
ويندب التقوي له بأدوية مباحة مع رعاية القوانين الطبية ومع قصد صالح، كعفة ونسل، لأنه وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا، وكثير من الناس يترك التقوي المذكور فيتولد من الوطئ مضار جدا.
ووطئ الحامل والمرضع منهي عنه، فيكره إن خشي منه ضرر الولد، بل إن تحققه حرم.
ومن أطلق عدم كراهته مراده ما إذا لم يخش منه ضرر.
وسيذكر الشارح بعض ما ذكرته في آخر فصل الكفاءة (قوله: أركانه: أي النكاح) فيه أن النكاح معناه حقيقة العقد المركب من الإيجاب والقبول.
وهذه الأمور التي ذكرها لم تتركب منها ماهيته، كما هو مقتضى التعبير بالأركان، لأن الركن ما تتركب منه الماهية كأركان الصلاة.
ويجاب بأن المراد بالأركان ما لا بد منه فيشمل الأمور الخارجة، كما هنا، كالشاهدين فإنهما خارجان عن ماهية النكاح، ومن ثم جعلهما بعضهم شرطين.
أفاده البجيرمي.
وقوله خمسة: جعلها في التحفة أربعة بعد الزوجين ركنا واحدا (قوله: زوجة) بدل من خمسة (قوله: وشاهدان) عدهما ركنا واحدا لعدم اختصاص أحدهما بشرط دون
الآخر، بخلاف الزوجين فإنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر (قوله: وصيغة) هي إيجاب وقبول ولو من هازل (قوله: وشرط فيها إلخ) شروع في بيان شروط الأركان الخمسة وبدأ بشروط الصيغة لمزيد الخلاف فيها وطول الكلام عليها.
ولا يضر أن كثيرا ما يعللون تقديم الشئ بقلة الكلام عليه لأن النكات لا تتزاحم (قوله: إيجاب من الولي) أي أو نائبه (قوله: وهو) أي الإيجاب (قوله: كزوجتك الخ) لو حذف الكاف لكان أولى ليظهر تفريع الحصر عليه بقوله بعد فلا يصح الإيجاب الخ.
وقوله موليته: تنازعه كل من زوجتك وأنكحتك.
وقوله فلانة: أي ويعينها باسمها، أو صفتها، أو(3/316)
الإشارة إليها، كما سيذكره، (قوله: فلا يصح الخ) قد عرفت أنه لا يظهر التفريع إلا لو حذف الكاف الداخلة على زوجتك، وإن كان يمكن أن يقال إنها استقصائية.
وقوله إلا بأحد هذين اللفظين: هو زوجتك، أو أنكحتك (قوله: لخبر مسلم الخ) دليل الحصر، ومحطة قوله بكلمة الله (قوله: بأمانة الله) أي بجعلهن تحت أيديكم كالأمانات الشرعية.
اه.
ع ش.
قال البجيرمي: ويصح أن يراد بالأمانة الشرعية، أي شريعة الله، ويكون قوله واستحللتم إلخ من عطف الخاص على العام.
اه.
(قوله: وهي) أي كلمة الله، وهذا ليس من الحديث.
وقوله ما ورد في كتابه: أي من قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (1) وقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (2) (قوله: ولم يرد فيه) أي في كتاب الله.
وقوله غيرهما: أي غير هذين اللفظين، وهما التزويج والإنكاح، والقياس ممتنع.
لأن في النكاح ضربا من التعبد، فلا يصح بنحو لفظ إباحة وتمليك وهبة.
أما جعله تعالى النكاح بلفظ الهبة في قوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (3) الآية.
فهو خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * (4) قال في شرح الروض: وما في البخاري من أنه - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة فقال: ملكتكها بما معك من القرآن فقيل وهم من الراوي بدليل رواية الجمهور زوجتكها.
قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد.
وقيل إنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين اللفظين.
اه.
بتصرف ولا يرد ما سيأتي من صحة النكاح بالترجمة لوجود معنى الوارد فيها (قوله: ولا يصح) أي الإيجاب بأزوجك وأنكحك: أي لعدم الجزم بهما.
وقوله على الأوجه: مقابله جزم بالصحة فيهما إن خليا عن نية الوعد.
وعبارة التحفة: وجزم بعضهم بأن أزوجك وأنكحك كذلك إن خلا عن نية الوعد، وظاهره الصحة مع الإطلاق إن ذكرت قرينة تدل على ذلك كلفظ الآن، أولا.
وفيه نظر.
ثم قال رأيت البلقيني أطلق عنهم عدم الصحة فيهما، ثم بحث الصحة إذا انسلخ عن معنى الوعد بأن قال الآن وهو صريح فيما ذكرته.
اه.
وقوله وهو صريح فيما ذكرته.
أي من أنه لا يكفي الإطلاق بل لا بد من زيادة
لفظ الآن، وذلك لأنه قيد بالبلقيني الصحة بقوله: بأن قال الآن (قوله: ولا بكناية) أي ولا يصح الإيجاب بكناية، وذلك لأنها تحتاج إلى نية، والشهود ركن في صحة النكاح ولا إطلاع لهم على النية، ولأنها لا تتأتى في لفظ التزويج والإنكاح، والنكاح لا ينعقد إلا بهما.
وفي البجيرمي: ويستثنى من عدم الصحة بالكناية كتابة الأخرس، وكذا إشارته التي اختص بفهمها الفطن، فإنهما كنايتان وينعقد بهما النكاح منه تزويجا وتزوجا.
اه.
قال في التحفة: وتصح الكناية في المعقود عليه، كما قال أبو بنات زوجتك إحداهن أو بنتي أو فاطمة، ونويا معينة، ولو غير المسماة، فإنه يصح.
ويفرق بأن الصيغة هي المحللة، فاحتيط لها أكثر، ولا يكفي زوجت بنتي أحدكما مطلقا.
اه.
قال سم: أي وإن نويا معينا.
اه.
(قوله: كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك) مثالان للكناية، ومثلهما زوجك الله ابنتي (قوله: وقبول) معطوف على إيجاب.
وقوله متصل به: سيذكر محترزه (قوله: من الزوج) أي قبول صادر من الزوج: أي أو من وليه أو وكيله (قوله: وهو) أي القبول (قوله: كتزوجتها أو نكحتها) أي أو تزوجت أو نكحت هذه أو فلانة، ويعينها باسمها (قوله: فلا بد الخ) تفريع على ذكر الضمير المفعول العائد على الزوجة، وكان حقه أن يذكر قبله أيضا اسم الإشارة واسمها، كما ذكرته ليتم التفريع عليه.
وقوله من دال عليها: أي من لفظ دال على المخطوبة.
وقوله من نحو اسم الخ: بيان للدال عليها، والمراد بنحو ذلك الوصف، كما سيأتي، كزوجتك التي في الدار، ولكن ليس فيها غيرها (قوله: أو قبلت أو رضيت) معطوف على تزوجتها
__________
(1) سورة النساء، الاية: 3.
(2) سورة الاحزاب، الاية: 37.
(3) سورة الاحزاب، الاية: 50.
(4) سورة الاحزاب، الاية: 50(3/317)
أي كقبلت ورضيت (قوله: على الأصح) راجع لرضيت فقط، خلافا لما يوهمه صنيعه من رجوعه لقبلت أيضا.
ويدل على ما ذكرته عبارة المغني ونصها: ورضيت نكاحها كقبلت نكاحها، كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة، وإن توقف فيه السبكي، ومثله أردت، أو أحببت.
اه.
ومثلها عبارة فتح الجواد ونصها: أو رضيت نكاحها، والتوقف فيه لا وجه له، إذ لا فرق بينه وبين قبلت نكاحها، بل هذا أولى لأنه صريح في الرضا، وقبلت دال عليه.
اه.
(قوله: لا فعلت) أي لا يكفي فعلت نكاحها بدل قبلت أو رضيت.
قال سم: وذلك لأنه لا بد من ذكر النكاح فيقع معمولا
لفعلت وهو غير منتظم، سواء أريد بالنكاح الإيجاب أو العقد.
اه.
(قوله: نكاحها) مفعول لكل من قبلت ورضيت، والمراد به إنكاحها ليطابق الجواب ولاستحالة معنى النكاح، إذ هو المركب من الإيجاب والقبول.
اه.
تحفة.
وكتب سم: قال الزركشي: نعم، صرح جماعة من اللغويين أن النكاح مصدر كالإنكاح، وعليه فيخرج كلام الفقهاء.
اه.
(قوله: أو قبلت النكاح أو التزويج على المعتمد) قال في التحفة: ولا نظر لإيهام نكاح سابق حتى يجب هذا أو المذكور، خلافا لمن زعمه، لأن القرينة القطعية بأن المراد قبول ما أوجب له تغني عن ذلك.
اه.
وقوله حتى يجب هذا: أي لفظ هذا بأن يقول هذا النكاح أو النكاح هذا.
وقوله أو المذكور.
بأن يقول النكاح المذكور (قوله: لا قبلت ولا قبلتها) أي لا يكفي قبلت فقط من غير ذكر نكاحها أو تزويجها، ولا قبلتها بالضمير العائد على الزوجة فقط من غير ذكر لفظ نكاح أو تزويج قبله.
وقوله مطلقا، انظر ما معنى الإطلاق في كلامه؟ وفي التحفة بعد قوله ولا قبلته: زيادة إلا في مسألة المتوسط، فيكون المراد بالإطلاق في عبارة التحفة أنه لا فرق بين مسألة المتوسط وغيرها في قبلت وقبلتها فيعلم منها تفسير الإطلاق في عبارتنا بما ذكر ونصها لا قبلت ولا قبلتها مطلقا ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة، لكن ردوه، ولا يشترط فيها أيضا تخاطب.
فلو قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت على ما اقتضاه كلامهما لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته أو زوجتها، ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر أو تزوجتها فقال تزوجتها صح.
ولا يكفي هنا نعم.
اه.
وقوله لكن ردوه: أي بأن الهاء لا تقوم مقام نكاحها.
وقوله ولا يشترط فيها: أي في مسألة المتوسطة (قوله: ولا قبلته) أي النكاح كان الأولى أن يزيد بعده الإستثناء السابق في عبارة التحفة، وهو إلا في مسألة المتوسط.
لعلم معنى الإطلاق السابق في كلامه.
ولعله سقط من النساخ (قوله: والأولى الخ) أي الأولى في القبول من تزوجتها ونكحتها ورضيت نكاحها أن يقول قبلت نكاحها.
وقوله لأنه القبول الحقيقي، مقتضاه أن ما عداه من ألفاظ القبول ليس قبولا حقيقيا وليس كذلك بل الكل قبول حقيقي شرعا، بل الوارد كما روي الآجري أن الواقع من علي في فاطمة رضي الله عنهما رضيت نكاحها (قوله: وصح النكاح بترجمة) قال في شرح الروض: اعتبارا بالمعنى، لأنه لفظ لا يتعلق به إعجاز، فاكتفى بترجمته.
اه.
(قوله: أي ترجمة أحد اللفظين) أي الإيجاب والقبول، ومثله ترجمة اللفظين معا، فقوله أحد ليس بقيد (قوله: بأي لغة) أي من لغة العجم، والمراد بها ما عدا العربية (قوله: ولو ممن يحسن العربية) غاية في الصحة: أي صحة النكاح بترجمته بما عدا لغة العرب، ولو ممن يحسن العربية.
وهي للرد، كما يفيده عبارة المغني ونصها بعد قول المنهاج: ويصح بالعجمية في الأصح، والثاني لا تصح اعتبارا باللفظ الوارد، والثالث إن عجز عن
العربية صح، وإلا فلا.
اه.
ومثله في النهاية (قوله: لكن يشترط الخ) لما كان إطلاق صحة النكاح بالترجمة يوهم عدم الفرق فيها بين الإتيان بالكناية أو بالصريح دفعة بقوله لكن يشترط الخ.
وقوله أن يأتي الخ: يعني يشترط في الإكتفاء بالترجمة أن تكون صريحة في النكاح في تلك اللغة، لا كناية فيه، إذ الكناية لا تدخل في صيغة النكاح باللفظ العربي، وبالأولى لا تدخل فيها باللفظ العجمي (قوله: هذا إن فهم الخ) أي محل صحته بالترجمة إن فهم كل من العاقدين كلام(3/318)
نفسه وكلام الآخر: سواء اتفقت لغتهما أم اختلفت، فإن فهمها ثقة دونهما وأخبرهما بمعناها: فإن كان بعد الإتيان بها لم يصح، أو قبله صح، إن لم يطل الفصل، على الأوجه (قوله: والشاهدان) معطوف على كل، أي وفهمها الشاهدان أيضا، لما سيذكره أنه لا بد فيهما من معرفة لسان المتعاقدين (قوله: وقال العلامة التقي السبكي الخ) هذا تقوية للإستدراك الذي ذكره، إذ هو يفيد مفاده (قوله: ولو تواطأ أهل قطر) أي اتفق أهل جهة على لفظ، وقوله في إرادة النكاح.
الأولى أن يقول للنكاح ويحذف لفظ الجار والمجرور.
وقوله من غير صريح ترجمته، حال من لفظ: أي حال كون ذلك اللفظ الذي تواطأ عليه كائنا من غير صريح ترجمة النكاح.
وهو صادق بما إذا كان كناية فيه وبغيره (قوله: لم ينعقد النكاح) جواب لو.
وقوله به: أي باللفظ الذي تواطأوا عليه (قوله: والمراد بالترجمة) أي التي يصح بها النكاح.
وقوله ترجمة معناه اللغوي: أي ترجمة تفيد المعنى اللغوي للفظ النكاح وهو الضم، فلو أتي بترجمة للنكاح لا تفيده لم ينعقد بها النكاح.
وحاصل توضيح هذا المقام أن الإيجاب والقبول كما يصحان باللفظ العربي يصحان أيضا باللفظ العجمي، لكن يشترط في اللفظ العجمي المترجم به أن يفيد معنى النكاح اللغوي الذي أفاده ذلك اللفظ العربي، وهو الضم والوطئ، فإذا أتى بترجمة زوجتك أو أنكحتك مثلا اشترط فيها أن تكون مفيدة لمعنى الضم والوطئ، فإن لم تفد ذلك المعنى في تلك اللغة لم ينعقد بها النكاح ولو تواطأوا عليها (قوله: فلا ينعقد) أي النكاح وهو تفريع على مفهوم المراد المكذور.
وقوله بألفاظ: أي ليست مفيدة لمعنى النكاح اللغوي.
وقوله اشتهرت في بعض الأقطار للإنكاح: أي للتزويج، أي لاستعمالها في ذلك (قوله: ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية) أي عبر عن النكاح بالصيغة العربية لا العجمية.
وقوله لعجمي، متعلق بعقد.
وقوله لا يعرف: أي ذلك العجمي.
وقوله معناها: أي معنى الصيغة العربية، وقوله الأصلي: الذي يظهر أن المراد به اللغوي، لا الشرعي، الذي هو إنشاء الإيجاب أو القبول، وإلا لما صح قوله بعد بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح، لأن المراد بعقد النكاح الإيجاب والقبول، فإذا عرفه عرف المعنى الشرعي فحينئذ
لا يصح قوله لم يعرف معناها الأصلي - أي الشرعي - فتنبه (قوله: لا يضر لحن العامي) خرج به العارف فيضر لحنه.
هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على عدم الضرر منه أيضا.
والمراد باللحن تغيير هيئة الحرف، وهو الحركة، أو تغييره نفس الحرف بأن يبدل بآخر، كما يدل عليه تمثيله، (قوله: كفتح تاء المتكلم الخ) أي من الإجياب والقبول، ولا ينافي عدم الضرر به هنا عدهم أنعمت، بضم التاء أو بكسرها، مما يضر في الصلاة لأن المدار في الصيغة على المتعارف في محاورات الناس، ولا كذلك القراءة (قوله: وإبدال الخ) معطوف على فتح، أي وكإبدال الجيم زايا، بأن يقول زوزتك.
وقوله أو عكسه، أو إبدال الزاي جيما، بأن يقول جوجتك، قال في التحفة، وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح أنكحتك، كما هو لغة قوم من اليمن، والغزالي لا يضر زوجت لك أو إليك لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب والتذكير والتأنيث.
اه.
(وقوله: والغزالي) أي وفتاوى الغزالي، فهو عطف على بعض (قوله: وينعقد) أي النكاح.
وقوله بإشارة أخرس مفهمة، عبارة التحفة وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا يختص بفهمها الفطن، وكذا بكتابته بلا خلاف على ما في المجموع، لكنه معترض بأنه يرى أنها في الطلاق كناية والعقود أغلظ من الحلول، فكيف يصح النكاح بها فضلا عن كونه بلا خلاف؟ وقد يجاب بحمل كلامه على ما إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ، ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن.
اه.
(قوله:(3/319)
وقيل لا ينعقد الخ) مقابل ما في المتن، وكان المناسب أن يزيد في المتن قوله على الأصح كالمنهاج، ثم يحكي المقابل.
وقوله إلا بالصيغة العربية.
قال في المغني: اعتبارا باللفظ الوارد.
اه.
(قوله: فعليه) أي على هذا القيل.
وقوله يصبر: أي من لا يحسن العربية (قوله: وحكي هذا) أي القيل (قوله: وخرج بقولي متصل الخ) لو قدمه على قوله وصح بترجمة لكان أنسب (قوله: ماذا تخلل لفظ) أي أو سكوت لكن إن طال لإشعاره بالإعراض أيضا.
وقوله أجنبي عن العقد: أي بأن يكون ليس من مقتضياته.
وخرج به ما إذا لم يكن أجنبيا عنه بأن يكون من مقتضياته، فإن طال ضر، وإن قصر لم يضر، وقوله وإن قل: أي ذلك اللفظ المتخلل (قوله: كأنكحتك الخ) تمثيل للفظ الأجنبي المتخلل.
ومحله قوله فاستوص بها خيرا، لا كل الصيغة، كما هو ظاهر.
والمؤلف وافق العلامة الرملي في القول بالضرر باللفظ المذكور، وخالف شيخه العلامة ابن حجر في القول بعدم الضرر به، ووهم من قال بالضرر، ونص عبارته: ويؤخذ مما مر في البيع أن الفصل بأجنبي ممن طلب جوابه يضر، وإن قصر، وممن انقضى كلامه لا يضر، إلا إن طال، فقول بعضهم: لو قال
زوجتك فاستوص بها خيرا، لم يصح، وهم.
اه.
ونص عبارة م ر: وقول بعضهم لو قال زوجتك فاستوص بها فقبل لم يصح صحيح، والمنازعة فيه بأنه وهم مفرع على أن الكلمة في البيع ممن انقضى كلامه لا تضر، وقد علمت رده.
اه.
(قوله: ولا يضر تخلل خطبة خفيفة) أي غير طويلة بأن تشتمل على حمد وصلاة ووصية بالتقوى، أما إذا طالت فيضر لإشعاره بالإعراض، وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه بالعرف.
وقوله من الزوج: أي صادرة منه بأن قال قبل القبول، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أوصيكم بتقوى الله قبلت نكاحها.
وخرج به الخطبة الصادرة من الولي قبل الإيجاب فهي لا تضر مطلقا، ولو طالت، لأنها لا تعد فاصلا (قوله: وإن قلنا بعدم استحبابها) أي الخطبة من الزوج قبل القبول، وهو غاية في عدم الضرر (قوله: خلافا للسبكي وابن أبي الشريف) أي القائلين بضرر تخلل ذلك، وعللاه بأنه أجنبي من العقد (قوله: ولا فقل الخ) أي ولا يضر قول العاقد للزوج فقل قبلت نكاحها فهو معطوف على مدخول يضر.
ونقل في حاشية الجمل عن شيخه الضرر به ونصها: والظاهر أنه يضر الفصل بقوله قل قبلت، قياسا على البيع بالأولى، لأن النكاح يحتاط له.
اه.
شيخنا.
اه.
ومثله في البجيرمي (قوله: لأنه من مقتضى العقد) تعليل لعدم الضرر بتخلل الخطبة الخفيفة، وبقوله فقل قبلت نكاحها فضمير أنه عائد على المذكور منهما وليس عائدا على الثاني فقط، وإن كان يوهمه صنيعه.
(قوله: فلو أوجب الخ) مفرع على مقدر ملحوظ في كلامه وهو أنه إذا أتى أحد العاقدين بأحد شقي العقد فلا بد من إصراره عليه وبقاء أهليته حتى يوجد الشق الآخر، وكذا الآذنة في تزويجها حيث يعتبر إذنها، وكان الأولى التصريح بهذا المقدر.
وقوله ثم رجع عن إيجابه: أي أو جن أو أغمي عليه أو ارتد (قوله: امتنع القبول) أي لم يصح ولو أتى به (قوله: لو قال الولي) أي للزوج ومثل الولي نائبه.
وقوله زوجتكها: أي موليتي.
وقوله بمهر كذا.
أي بمهر مقداره كذا وكذا كمائة (قوله: فقال الزوج) مثله وليه أو وكيله.
وقوله قبلت نكاحها، أي فقط (قوله: ولم يقل على هذا الصداق) أي أو نفاه (قوله: صح النكاح) جواب لو (قوله: خلافا للبارزي) أي القائل بعدم صحة النكاح حينئذ لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول، وهو ضعيف، لأن التوافق(3/320)
حاصل والصداق ليس بركن حتى يحتاج إلى التوافق فيه كالثمن في البيع.
نعم، يشترط للزومه ذكره في شقي العقد مع توافقهما فيه (قوله: لا يصح النكاح مع تعليق) أي ولو بإن شاء الله إن قصد التعليق أو أطلق، فإن قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئته تعالى صح، كما في النهاية.
(قوله: كالبيع) أي نظير البيع، فإنه لا يصح التعليق فيه، فالكاف للتنظير
(قوله: بل أولى) أي بل النكاح أولى بعدم صحته بالتعليق (قوله: لاختصاصه) أي النكاح، وهو علة الأولوية.
وقوله بمزيد الاحتياط: أي بزيادة احتياط على غيره لأجل حفظ الأبضاع، والدليل عليه اشتراط الإشهاد فيه دون غيره (قوله: كأن يقول الأب الخ) تمثيل ما دخله التعليق، وقوله للآخر: المناسب حذف أل، بأن يقول لآخر، وهو الزوج، أو وليه، أو وكيله (قوله: إن كانت بنتي طلقت الخ) مثله ما لو بشر بولد، فقال إن كان أنثى فقد زوجتكها فقبل وبانت أنثى (قوله: فقبل) أي ذلك الآخر.
وقوله ثم بان انقضاء إلخ: أي ثم بان طلاقها وانقضاء عدتها الخ.
ففي الكلام حذف المعطوف عليه، وقوله وأنها أذنت له: أي وبان أنها أذنت لأبيها في نكاحها، وإنما ذكر هذا وما قبله لأن القصد ترتيب عدم الصحة على التعليق فقط لأنه إذا لم يتبين ما ذكر من طلاقها وإذنها لوليها في النكاح يكون عدم الصحة مرتبا على هذا أيضا (قوله: فلا يصح) أي التزويج بالقول المذكور.
وقوله لفساد الصيغة بالتعليق: علة لعدم الصحة، ويرد عليه أنهم ذكروا في باب البيع أنه لو قال البائع إن كان هذا ملكي فقد بعتكه ثم تبين أنه ملكه فإنه يصح.
فما الفرق؟ قال في التحفة: والوجه الفرق بمزيد الإحتياط هنا (قوله: وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها) قال في التحفة: ويتعين حمله على ما إذا علم أو ظن أنها موليته (قوله: وفي زوجتك إن شئت) قال في التحفة: يتعين حمله على ما إذا لم يرد التعليق.
اه.
(قوله: إذ لا تعليق في الحقيقة) تعليل لبحث بعضهم الصحة في الصورتين، وهو على حد قوله تعالى: * (وخافون إن كنتم مؤمنين) * (1) وقولك: إن كنت زوجتي فأنت طالق.
وهذا التعليل مبني على حمل التحفة السابق فيهما (قوله: ولا مع تأقيت) معطوف على مع تعليق: أي ولا يصح النكاح مع توقيته.
قال ع ش: أي حيث وقع ذلك في صلب العقد، أما لو توافقا عليه قبل ولم يتعرضا له في العقد لم يضر، لكن ينبغي كراهته.
اه.
(قوله: بمدة معلومة) أي كسنة.
وقوله أو مجهولة: أي كزمن وحين (قوله: فيفسد) لا حاجة إليه بعد قوله ولا مع تأقيت، لما علمت أنه معطوف على مع تعليق، وأن التقدير ولا يصح النكاح مع تعليق وعدم الصحة هو الفساد (قوله: لصحة النهي عن نكاح المتعة) قال في التحفة: وجاز أولا رخصة للمضطر، ثم حرم عام خيبر، ثم جاز عام الفتح وقبل حجة الوداع، ثم حرم أبدا بالنص الصريح.
وفي البجيرمي: (والحاصل) أن نكاح المتعة كان مباحا، ثم نسخ يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح، ثم نسخ في أيام الفتح، واستمر تحريمه إلى يوم القيامة.
وكان فيه خلاف في الصدر الأول، ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه.
قال بعض الصحابة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما بين الركن والباب، وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع.
ألا وإن الله حرمها
إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده، فقال له المأمون ما لي أراك متغيرا؟ قال لما حدث في الإسلام.
قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا.
قال المتعة زنا؟ قال نعم.
قال ومن أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله: أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 175(3/321)
المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هو لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * (1) يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال لا.
قال فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث؟ قال لا.
قال فقد صار متجاوز هذين من العادين.
وأما السنة فقد روى الزهري بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها، فالتفت المأمون للحاضرين وقال: أتحفظون هذا من حديث الزهري؟ قالوا نعم.
فقال المأمون: استغفر الله نادوا بتحريم المتعة.
اه.
ملخصا.
(قوله: وهو) أي نكاح المتعة.
وقوله المؤقت الخ: هذا ضابطه عند الجمهور، وأما عند ابن عباس فهو الخالي من الولي والشهود، كذا في شرح التحرير، قال ش ق عليه.
وعلى كل فهو حرام، ولا حد فيه مطلقا للشبهة، وقال أيضا: إنما سمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع لا التوالد والتوارث اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح المقتضيان للدوام.
قال: ولكن هذا لا يظهر على الضابط الثاني، إلا أن يقال شأن الصادر بلا ولي ولا شهود أن يكون الغرض منه مجرد التمتع: إذ لو أراد الدوام لعقد بحضرة ولي وشهود.
اه.
بتصرف (قوله: وليس منه) أي من المؤقت، والمراد الباطل، وإلا فلا يمكن نفي التأقيت رأسا لأنه موجود في العبارة.
وقوله ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها، أي ما لو أقت النكاح بمدة حياته أو حياتها.
وقوله لأنه، الضمير يعود على التأقيت بمدة الحياة المفهوم من المثال.
وقوله مقتضى العقد، أي وهو بقاء المعقود عليه إلى الموت، أي والتصريح بمقتضاه لا يضر، كنظيره فيما لو قال وهبتك أو أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو عمرك كذا في شرح الروض، وجرى عليه حجر في فتح الجواد ولم يرتضه في التحفة ونصها: وبحث البلقيني صحته إذا أقت بمدة عمره أو عمرها لأنه تصريح بمقضى الواقع، وقد ينازع فيه بأن الموت لا يرفع آثار النكاح كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها كلها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ، وبه يتأيد إطلاقهم.
ويعلم الفرق بين هذا
ووهبتك أو أعمرتك مدة حياتك بأن المدار ثم على صحة الحديث به، فهو إلى التعبد أقرب، على أنه يكفي طلب مزيد الاحتياط هنا فارقا بينه وبين غيره.
اه.
ومثله في النهاية ونصها: وبحث البلقيني صحته عند توقيته بمدة عمره أو عمرها لأنه تصريح بمقتضى الواقع ممنوع، فقد صرح بالأصحاب في البيع بأنه إذا قال بعتك هذا حياتك لم يصح البيع، فالنكاح أولى، ولأن الموت لا يرفع آثار النكاح كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ، وبه يتأيد إطلاقهم.
اه.
(قوله: بل يبقى أثره) أي النكاح: أي وهو الغسل والإرث.
وانظر في هذا الإضراب فإنه ينافي التأقيت بمدة الحياة وينافي التعليل الذي ذكره، وذلك لأنهما يقتضيان عدم بقاء أثر النكاح بعد الموت، ولذلك نازع ابن حجر والرملي، القائلان بعدم الصحة، البلقيني القائل بالصحة، ولو اقتضيا بقاء الأثر لما نازعاه ولوافقاه في الصحة، ولعل شارحنا لم ينظر لما اقتضاه التأقيت والتعليل الناشئ عنه النزاع المذكور، فلذلك أثبت الصحة القائل بها البلقيني، وأثبت ما هو محل نزاعهما للبلقيني بالإضراب المذكور.
فتنبه (قوله: ويلزمه في نكاح المتعة) أي ويلزم الواطئ بوطئه في نكاح المتعة.
وقوله المهر: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وثيب إن كانت ثيبا ولا يلزمه المسمى لفساد النكاح.
وقوله والنسب: أي ويلزمه النسب: أي لو حملت منه وأتت بمولود فإنه ينسب إليه، وقوله والعدة لا معنى لعطفه على ما قبله، إذ يصير المعنى ويلزمه العدة وهو ليس عليه عدة فيتعين جعله فاعلا لفعل محذوف، أي ويلزمها العدة ولو لم يذكر ضمير يلزم البارز لصح العطف المذكور، ولكن يقدر المفعول بالنسبة للأولين ضميرا مذكرا، وبالنسبة للعدة ضميرا مؤنثا (قوله: ويسقط الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء فيه.
وعبارة متن الروض، نكاح المتعة، وهو المؤقت، باطل يسقط به الحد، وإن علم فساده لشبهة اختلاف العلماء، ولا يجوز تقليده فيه، وينقض الحكم به.
اه.
بزيادة (قوله: إن عقد بولي وشاهدين) مثله ما لو عقد بشاهدين من غير ولي فإنه يلزمه ما ذكر ويسقط عنه الحد، لكن بشرط أن لا يحكم حاكم
__________
(1) سورة المؤمنون، الاية: 1 - 7(3/322)
ببطلانه، وإلا وجب الحد (قوله: فإن عقد بينه وبين امرأة) أي من غير ولي وشاهدين.
وقوله وجب الحد: أي لأنه زنا (قوله: وحيث وجب الحد) أي بأن كان النكاح بلا ولي ولا شهود.
وقوله لم يثبت المهر الخ: أي لأنه زنا.
وقوله ولا ما بعده: هو النسب والعدة (قوله: وينعقد النكاح الخ) ذكر هذا هنا، وإن كان سيصرح به في الصداق، لمناسبته للصيغة من حيث إن تسمية المهر إنما يكون فيها.
فهو استطراد (قوله: بل يسن الخ) الإضراب انتقالي، والأولى أن يقول ويسن،
بالواو بدل أداة الإضراب، وسيذكر في باب الصداق أنه قد يجب ذكره لعارض، كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف لصغر أو جنون أو سفه (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد وقوله عنه: أي عن ذكر الصداق (قوله: نعم لو زوج أمته بعبده لم يستحب) أي ذكره في العقد، إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ، فلا حاجة إلى ذكره.
ومحله حيث لا كتابة وإلا بأن كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا استحب، إذ المكاتب كالأجنبي (قوله: وشرط في الزوجة الخ) لما أنهى الكلام على شروط الصيغة شرع في بيان شروط الزوجة التي هي أحد الأركان الخمسة، وذكر أربعة شروط: ثلاثة متنا، وهي خلوها من نكاح وعدة، وتعيين لها، وعدم محرمية.
وواحد شرحا: وهو ما سيذكر في التنبيه من اشتراط أن تكون مسلمة أو كتابية (قوله: أي المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها، ولو قال أي المخطوبة لكان أولى، ليفيد أن المراد بالزوجة في عبارته ليس حقيقتها، وإنما المراد بها المخطوبة وإطلاق الزوجة عليها يكون باعتبار ما تؤول إليه (قوله: خلو من نكاح وعدة) أي ولو بادعائها فيجوز تزويجها ما لم يعرف لها نكاح سابق، فإن عرف لها وادعت أن زوجها طلقها أو مات وانقضت عدتها، جاز لوليها الخاص تزويجها (1) ، ولا يزوجها الولي العام، وهو الحاكم، إلا بعد ثبوت ذلك عنده،
__________
(1) قوله: جاز لوليها الخاص تزويجها) محله ما لم ينكر زوجها الاول طلاقها ولم تقم بينة على طلاقها، وإلا فلا يصح.
وقد رفع سوال لمفتي السادة الشافعية شيخنا واستاذنا المرحوم بكرم الله مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان في خصوص هذه القضية واجاب عنه رحمه الله خالق البرية.
وصورة السؤال ما قولكم دام فضلكم في امراة خرجت من بيت زجها الى بيت وليها هاربة ثم بعد مدة ذهبت الى القاضى وادعت أن زوجها طلقها وانها انقضت عدتها وطلبت منه أن يزوجها فطلب منها القاضى بينة الطلاق فلم تقمها، ثم ان الحاكم حكم عليها أن ترجع إلى بيت زجها فابت وهربت الى محل ثان، فجاء بعض علماء ذلك المحل وقال لوليها الخاص انك إذا صدقت قول موليتك في الطلاق وانقضاء العدة جاز لك ان تزوج موليتك، فاغتر بقوله، وزوج موليته، ثم ان الزوج الاول جاء الى الزوج الثاني وقال له ان نكاحك باطل لانك عقدت عليها وهى في عصمتي وانا لم اطلقها، فهل ما قاله الزوج الاول صحيح ويترتب عليه انها تنزع من الزوج الثاني وتسلم له أم لا؟ افتونا بالنص، فان المسالة وقع فيها خلاف عندهم بين علماء ذلك المحل، فمنهم من قال نعم لا يصح نكاح الزوج الثاني وتنزع منه وتسلم للاول، ومنهم من قال يصح نكاح الثاني ولاتنزع منه متمسكا بقولهم ان الولى الخاص إذا صدق قول موليته أن زوجها طلقها وانها انقضت عدتها له تزويجها ومتمسكا بما في التحفة في بال الرجعة وما كتبه سم عليه ونص التحفة: ولو ادعى على مزوجة انها زوجته
وقالت كنت زوجتك فطلقتني جعلت زوجة له لاقرارها له كذا أطلقه، واطال الاذرعى في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على مزوجة انها زوجته وقالت كنت زوجتك فطلقني جعلت زوجة له لاقرارها له كدا اطلقه، واطال الاذرعى في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على ما إذا لم تعترف للثاني ولا مكنته ولا اذنت في نكاحها.
انتهى.
ونص ما كتبه سم: قوله ثم حمله الخ.
في شرح الروض نحو هذا التقييد عن البغوي والبلقيني، فقال: نعم، ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو اذنت فيه لم تنزع منه ذكره البغوي، واشار إليه القاضى وكذا البلقينى فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة اقرت النكاح لمن هي تحت يده ولا يثبت ذلك بالبينة، فان وجد احدهما لم تنزع منه جزما.
انتهى.
فقال البعض المذكور قول التحفة ثم حمله يدل على ما قلناه من ان نكاح الثاني صحيح وانها لا تنزع منه، وكذا ما نقله سم في شرح الروض عن البغوي والباقينى هذا حجته ودليله، فبينوا لنا ذلك فانكم لو لم تبينوا ذلك لنا عمل بهذه المسالة في ارضنا وحصل من ذلك ضرر عظيم..لكم الاجر والثواب.
=(3/323)
= الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده.
اللهم هداية للصواب.
إن لم تقم المراة المذكورة ببينة عادلة على طلاقها من زوجها الاول على عدم الطلاق نزعت من زوجها الثاني لتبين فساد العقد، ثم بعد عدتها من وطئه ان كان تسلم لزوجها الاول، لان المراة المذكورة في صورة السؤال قد علمت زوجيتها للاول باعترافها السابق على تزوجها بالثاني.
ومثله لو كانت زوجيتها له معلومة من غير اعترافها.
قال العلامة ابن المقري في متن الإرشاد من باب العدد ما نصه: معلوما وادعت طلاقا وتزوجت برجل آخر وادعى الزوج الاول بقاء النكاح وأنه لم يطلقها فالقول قوله وقد ذكر في الحاوى مسالة غيرها فقال ما معناه: إذا تزوجت امراة برجل اخر فجاء اخر وادعاها زوجة فقالت له: طلقني فانكر: حكم بانها زوجته لاعترافها له بالنكاح، ويحلف انه ما طلقها ويستحقها.
قال في المهمات: وكيف يستقيم ذلك، يعنى تسليمها الى من اعترفت بنكاحه وادعت طلاقه، وقد تعلق بها حق الزوج الثاني؟ وقد صحح الرافعى فيما إذا باع شيئا ثم اعترف بعد البيع بانه كان ملكا لغيره أنه لا يقبل منه لانهما قد بتواطان على ذلك.
قال: ولعل المسألة مصورة بما إذا ثبت نكاح الأول.
اه.
ملخصا.
وفي فتح الجواد ما نصه: وإن تزوجت امراة كانت في حباله زوج بأن ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وانه يطلقها فسئلت، الجواب فإذا هي مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها اخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو اقرار صحيح: إذا لم يتفقا على الطلاق.
اه.
(والحاصل) أن المراة إذا تزوجت فجاء رجل وادعى عليها انها زجته فأجابته بانك طلقني ولم تات ببينة على الطلاق، كان لها في هذه
الحالة صورتان: احدهما ان تكون زوجيتها من الاول المدعى معلومة ببينة أو بإقرارها أو بغير ذلك، ففى هذه الصورة يحلف زوجها الاول المدعى على عدم الطلاق ويأخذها من الثاني.
وهذه هي مسالة السؤال ومسالة متن الارشاد، ولذا قيد في التمشية مسالة متنه بقوله: وقد اعترف بنكاح أو كان معلوما كما تقدم آنفآ.
وقيد الشهاب ابن حجر في فتح الجواد ايضا بقوله: كانت في حبالة زوج بأن ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني، كما تقدم آنفآ ايضا ثانيتهما: أن تكون المرأة مبهمة الحال: أي لم يعرف انها كانت زوجة المدعى وانه طلقها وفى هذه الصورة ينظر، فان كانت قد اذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته بقيت عنده ولاتنزع منه، وإن لم تكن أذنت في النكاح منه ولا مكنته حلف زوجها الاول ونزعت من الثاني وردت إليه وهذه الصورة الثانية مع ما فيها من التفصيل من كون المراة المجيبة بما ذكر قد اذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته أو لم تأذن ولم تمكنه هي مسالة التحفة وكلام ابن قاسم وشرح الروض فيها.
إذا تبين ذلك علمت أنه لا يصح التمسك بما في التحفة والاستدلال به على مسالة السؤال.
والله سبحانه وتعالى اعلم.
امر برقمه المرتجي من ربه الغفران أحمد بن زيني دحلان.
مفتي الشافعية، في مكة المحمية، غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين آمين.
(واجاب) عنه ايضا شيخنا مؤلف هذه الحاشية المذكورة فقال: اللهم هداية للصواب.
نعم، النكاح الثاني باطل لأن الأصل عدم الطلاق وبقاء العصمة فتنزع من الزوج وتسلم للاول كرها، لكن محله إذا لم تقم بينة على الطلاق وحلف الزوج الاول على عدم الطلاق، كما صرح بذلك في متن الإرشاد في باب العدة، ونص عبارته: وان تزوجت مدعية انه طلقها فحلف اخذها.
اه.
قال محشيه التزيلى اليمني: يعنى إذا ادعت امراة أن زوجها طلقها ثم تزوجت باخر فانكر الزوج الاول الطلاق فانه يحلف وتسلم إليه المراة ويلغو نكاح الثاني، لأن الأصل عدم الطلاق.
اه.
ومثله في شرح ابن حجر في فتح الجواد وعبارته: وان تزوجت امراة كانت في مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم بطلقها اخذها من الثاني، لأنها أقرت له بالزوجية، وهو اقرار صحيح.
إذا لم يتفقا على الطلاق اه.
ويؤيده ايضا عبارة الروض وشرحه في الباب السادس في مسائل منثورة تتعلق باداب القضاء والشهادات والدعاوى ونصها: فصل في فتاوى البغوي، أنها لو أقرت لرجل بنكاح من سنة واثبت اخر، أي اقام بينة بنكاحها من شهر، حكم للمقر له، لانه قد ثبت باقرارها النكاح للاول، فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني.
اه.
فقوله فما لم يثبت الخ: نص في المسالة.
(فان قلت) فما تصنع في صورة التحفة السابقة فانها عين الصورة المسؤول عنها والحال ان الاذرعى حملها على ما إذا لم تعترف للثاني ولامكنته ولا اذنت في نكاحه؟ ومفهومه انها إذا اعترفت للثاني بالزوحية ومكنته أو اذنت في نكاحها لا تجعل زوجة للاول تبقى زوجة للثاني، ومثله ما كتبه ابن قاسم، فان ذلك كله يناقض ما نقلته عن الارشاد.
وما كتب عليه.
قلت: ليست صورة التحفة عين الصورة
المسؤول عنها ولا تناقض بينهما.
وبيان ذلك ان الصورة المسؤول عنها مفروضة في امراة علم قبل النكاح الثاني لها بالبينة وباقرارها انها زوجة فلان وادعت الطلاق ولم تثبت.
وصورة التحفة مفروضة في امرأة مستبهمة، أي لم يعلم قبل نكاح الثاني لها أنها مزوجة بل هي كانت تحت حبالة الثاني فجاء رجل آخر وادعى انها زوجته، فهذه الصور فيها تفصيل، فان اقرت للاول بازوجية ولم تقر للثاني ولم تمكنه من الوطء ولم تأذن له في النكاح فيأخذها الاول وتكون زوجة له، واما ان اقرت للثاني بالزوجية أو اقامت بينة عليها فهي زوجته ولم تنزع منه.
ويدل لكون صورة التحفة المذكورة مفروضة في المبهمة، أي التي لم يعلم قبل نكاح الثاني انها كانت مزوجة صريح عبارة فتح الجواد ونصه بعدما نقلته عنه آنفا: والحق الحاوى، كالشيخين، بذلك ما لو استبهمت بأن لم يعلم نكاح احد لها وانما هي تحت حبالة رجل فادعى آخر انها زوجته فقالت طلقني وانكر فيحلف ويأخذها ايضا.
نعم، ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو اذنت فيه لم تنزع منه، كما قاله القاضي وغيره، واعتمده الادرعى وغيره، كما لو نكحت بإذنها ثم ادعت رضاعا محرما لا يقبل.
قال الباقينى: وكذا لو ثبت نكاح الثاني بالبينة.
اه.
ومثلها عبارة البهجة وشرحها ونصها بعد كلام: الا إذا ادعى على مستبهمة أي لم يعرف انها كانت زوجته وطلقها تحت امرئ زوجية مقدمة على نكاحه، فان تقل في الجواب كنت زوجتك لكن طلقني وهو، أي الزوج، نفى هذا، أي طلاقها، تكن زوجته ان حلف انه لم يطلق، لأن الأصل عدم الطلاق، بخلاف الاولى فانهما اتفقا على الطلاق والاصل عدم الرجعة.
نعم: ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما لو نكحت رجلا باذنها ثم اقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل إقرارها، وكما لو باع شيئا ثم اقر انه كان ملك فلان لا يقبل اقراره.
ذكره البغوي واشار إليه القاضي، وكذا البلقينى بحثا.
فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة اقرت بالنكاح لمن هي تحت يده ولا ثبت ذلك بالبينة، فإن وجد أحدهما لم تنزع منه جزما.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب(3/324)
كما قال ز ي، اه.
بجيرمي بتصرف.
وقوله من غيره: الجار والمجرور صفة لعدة: أي عدة حاصلة لها من غير الزوج.
وخرج به المعتدة منه، ففيها تفصيل، فإن كان الطلاق رجعيا أو بائنا بدون الثلاث واللعان صح النكاح في العدة، وإلا فلا.
ومعنى صحته في الرجعية رجوعها من غير عقد (قوله: وتعيين) بالرفع عطف على خلو، أي وشرط تعيين للزوجة بما يذكره حاصل من وليها (قوله: فزوجتك إحدى بناتي باطل) أي ما لم ينويا معينة، وإلا فلا يبطل، لما تقدم أن الكناية في المعقود عليه تصح (قوله: ولو مع الإشارة) أي للبنات اللاتي المزوجة إحداهن، بأن قال زوجتك إحدى بناتي هؤلاء أو إحدى هؤلاء البنات فإنه باطل للجهل يعين المزوجة، لا للمزوجة التي هي إحدى البنات، وإلا لنافى قوله بعد ويكفي
التعيين بوصف أو إشارة.
تأمل (قوله: ويكفي التعيين بوصف) ليس المراد به الوصف الاصطلاحي، وهو ما دل على معنى وذات: كقائم وضارب، بل المراد به المعنى القائم بغيره، سواء دل على ذات قائم بها ذلك المعنى أم لا، فهو أعم من الاصطلاحي (قوله: كزوجتك بنتي) تمثيل للتعيين بالوصف، ومثله الذي بعده (قوله: وليس له غيرها) قيد لا بد منه، فلو كان له بنت غيرها لا يكون قوله بنتي تعيينا فيكون باطلا (قوله: أو التي في الدار) أي أو قال زوجتك التي في الدار.
وقوله وليس فيه، أي في الدار غيرها أي غير بنته، وهو قيد أيضا.
فلو كان في الدار بنت أخرى غير بنته وقال زوجتك التي في الدار لا يكون تعيينا فيكون باطلا للإبهام (قوله: أو هذه) أي أو قال زوجتك هذه وهي حاضرة (قوله: وإن سماها) أي المعينة بما ذكر، وهو غاية للإكتفاء بالتعيين بما ذكر: أي يكفي التعيين بما ذكر وإن سماها بغير اسمها، كأن قال زوجتك بنتي مريم والحال أن اسمها خديجة، أو قال زوجتك عائشة التي في الدار والحال أن اسمها فاطمة، أو قال زوجتك فاطمة هذه والحال أن اسمها زينب مثلا.
وإنما اكتفى بالتعيين بما ذكر مع تغيير الاسم لأن كلا من البنتية والكينونة في الدار في المثالين الأولين وصف مميز، فاعتبر ولغا الاسم، ولأن العبرة بالإشارة في الثالث، لا بالاسم، فكان كالعدم (قوله: بخلاف زوجتك فاطمة) أي بخلاف التعيين بالاسم فقط: كزوجتك فاطمة من غير أن تقول بنتي، فلا يكفي لكثرة الفواطم، وإن كان هذا الاسم هو اسمها في الواقع.
وقوله إلا إن نوياها، أي نوى العاقدان بفاطمة بنته فيكفي عملا بما نوياه.
قال في المغني.
(فإن قيل) يشترط في صحة العقد الإشهاد والشهوتد لا اطلاع لهم على النية.
(أجيب) بأن الكناية مغتفرة في ذلك، على أن الخوارزمي اعتبر في مثل ذلك أيضا علم الشهود بالمنويه.
وعليه لا(3/325)
سؤال.
اه.
(قوله: ولو قال) أي من له ابنتان.
صغرى وكبرى (قوله: وسماها) أي الكبرى (قوله: صح) أي النكاح (قوله: لأن الكبر صفة قائمة بذاتها) أي فاكتفى بها (قوله: بخلاف الاسم) أي فليس وصفا قائما بذاتها (قوله: فقدم) أي الكبر الذي هو صفة.
وقوله عليه: أي على الإسم.
قال في شرح الروض.
ولو قال زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل لأن كلا الوصفين لازم، وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر وصارت مبهمة.
اه.
(قوله: ولو قال) أي الولي للزوج (قوله: فبانت) أي خديجة المسماة في العقد بنت ابنه لا بنته (قوله: صح) أي العقد.
وقوله إن نوياها: أي نويا بخديجة بنت ابنه، ويأتي فيه السؤال والجواب السابقان في شرح
الروض، وقوله أو عينها بإشارة، أي بأن قال زوجتك بنتي خديجة هذه وأشار لبنت الابن، وقوله أو لم يعرف لصلبه غيرها، أي لم يعرف أن له بنتا من صلبه غير بنت الابن، وفيه أن هذا يقتضي أن بنت الابن يصدق عليها أنها من صلبه، وليس كذلك، بل هي من صلب الابن، إلا أن يقال أنه على سبيل التجوز (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينوياها ولم تتعين بإشارة وعرف لصلبه بنت غيرها فلا يصح العقد.
وفي الروض وشرحه: ولو ذكر الولي اسم واحدة من بنتيه وقصدهما الأخرى صح التزويج فيما قصداها ولغت التسمية، وفيه الإشكال السابق.
ويأتي فيه ما تقدم فإن اختلف قصدهما لم يصح التزويج، لأن الزوج قبل غير ما أوجبه الولي.
اه.
(قوله: وشرط فيها) أي في الزوجة.
وقوله أيضا، أي كما شرط فيها ما تقدم من الخلو من النكاح والعدة ومن التعيين (قوله: عدم محرمية) أي انتفاء محرمية، وهي وصف يقتضي تحريم المناكحة.
وقوله بينها، أي المخطوبة، والظرف متعلق بمحذوف صفة لمحرمية (قوله: بنسب) الباء سببية متعلقة بمحرمية، أي محرمية سببها نسب أو رضاع أو مصاهرة (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم.
وقوله به: أي بالنسب والأولى بها، أي المحرمية الكائنة بسبب النسب.
(واعلم) أن للمحرمات بالنسب ضابطين، الأول ما ذكره المصنف: وهو تحريم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة كبنت العم والعمة وبنت الخال والخالة.
والثاني يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول، فالأصول الأمهات وإن علت، والفصول البنات وإن سفلت، وفصول أول الأصول الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وبنات أولادهم، لأن أول الأصول الآباء والأمهات وفصولهم الإخوة والأخوات وأولادهم، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول هو العمات والخالات، لأن كل أصل بعد الأصل الأول الأجداد والجدات وإن علوا وخرج بأول فصل ثاني فصل وهو أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات، وثالث فصل، وهكذا.
وهذا هو الضابط للشيخ أبي إسحاق الاسفرايني، والأول لتلميذه الشيخ أبي منصور البغدادي وهو أولى لإيجازه ونصه على الإناث (قوله: لآية حرمت الخ) دليل للتحريم، ولو أخره عن الفاعل لكان أولى (قوله: نساء الخ) فاعل يحرم، ولا بد من تقدير مضاف قبله لأن التحريم كغيره من الأحكام لا يتعلق بالذوات وإنما يتعلق بالأفعال: أي يحرم نكاحن أو وطؤهن، وقوله غير بالرفع صفة لنساء، وبالنصب على الاستثناء أو الحالية (قوله: حينئذ يحرم) أي فحين إذ كان المحرم غير ما دخل في ولد العمومة والخؤولة من نساء القرابة يحرم نكاح أم، وكان الأولى والأخصر أن يقول كأم الخ تمثيلا لنساء القرابة ويحذف قوله فحينئذ يحرم نكاح، إذ هو عين قوله فيحرم نساء قرابة (قوله: وهي) أي الأم.
وقوله
من ولدتك أو ولدت من ولدك بتاء التأنيث فيهما، وهذا ضابط للأم.
وإن شئت فقل في ضابطها هي كل أنثى يصل إليها(3/326)
نسبك بواسطة أو غيرها، ولكن إطلاق الأم على الثاني مجاز.
وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في من الثانية (قوله: وهي الجدة) أي من ولدت من ولدك تسمى بالجدة حقيقة.
(وقوله: من الجهتين) أي جهة الأم وجهة الأب (قوله: وبنت) بالجر عطف على أم، أي ويحرم نكاح بنت أيضا.
قال في التحفة: ولو احتمالا، كالمنفية باللعان، ومن ثم لو كذب نفسه لحقته ومع النفي لا يثبت لها من أحكام البنت سوى تحريم نكاحها على الأوجه.
اه.
(قوله: وهي) أي البنت.
وقوله من ولدتها، بفتح تاء الفاعل، وهذا ضابط للبنت، وإن شئت فقل هي كل أنثى ينتهي إليك نسبها بواسطة أو غيرها.
وقوله أو ولدت من ولدها، إطلاق البنت على هذه مجاز لا حقيقة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في من الثانية أيضا (قوله: لا مخلوقة من ماء زناه) أي لا يحرم نكاح مخلوقه من ماء زناه: إذ لا حرمة لماء الزنا لكن يكره نكاحها خروجا من خلاف الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
ومثل المخلوقة من ماء الزنا المخلوقة من ماء استمنائه بغير يد حليلته والمرتضعة بلبن الزنا، وإن أرضعت المرأة بلبن زنا شخص بنتا صغيرة حلت له، ولا يقاس على ذلك المرأة الزانية، فإنها يحرم عليها ولدها بالإجماع.
والفرق أن البنت انفصلت من الرجل وهي نطفة قذرة لا يعبأ بها، والولد انفصل من المرأة وهو إنسان كامل (قوله: وأخت) بالجر معطوف أيضا على أم، أي ويحرم نكاح أخت شقيقة كانت أو لأب أو لأم.
وضابطها كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما (قوله: وبنت أخ) معطوف أيضا على أم: أي ويحرم نكاح بنت أخ من جميع الجهات وإن نزلت (قوله: وأخت) بالجر معطوف على أخ، أي وبنت أخت فيحرم نكاحها أيضا (قوله: وعمة) بالجر معطوف على أم: أي ويحرم نكاح عمة (قوله: وهي) أي العمة.
وقوله أخت ذكر ولدك: أي بواسطة أو بغيرها، فالتي بغير واسطة كأخت أبيك وهي عمة حقيقة، والتي بواسطة كعمة أبيك وعمة أمك وهي عمة مجازا (قوله: وخالة) بالجر أيضا عطفا على أم: أي ويحرم نكاح خالة (قوله: وهي) أي الخالة.
وقوله أخت أنثى ولدتك: أي بواسطة أو بغيرها، فالأولى كأخت أمك وهي خالة حقيقة، والثانية كخالة أبيك وخالة أمك وهي خالة مجازا (قوله: لو تزوج مجهولة النسب) أي لا يدري إلى من تنتسب كلقيطة (قوله: فاستلحقها أبوه) أي أبو الزوج، أي ادعى أنها بنته.
وقوله ثبت نسبها، أي إن وجد شرط الاستلحاق وهو الإمكان وتصديقها له إن كبرت (قوله: ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج) خرج به ما لو صدقه الزوج فإنه ينفسخ النكاح (قوله: ومثله عكسه) أي ومثل استلحاق أبي زوجها لها عكسه وهو استلحاق أبيها لزوجها فيثبت النسب به
ولا ينفسخ النكاح.
وقد ذكر مسألة العكس وما قبلها بغاية الإيضاح في النهاية ونصها: نعم، لو زوجه الحاكم مجهولة النسب ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه كما نص عليه وجرى عليه العبادي والقاضي غير مرة قالوا: وليس لنا من يطأ أخته في الإسلام غير هذا.
ولو مات الزوج فينبغي أن ترث منه زوجته بالزوجية لا بالأختية، لأن الزوجية لا تحجب، بخلاف الأختية فهي أقوى السببين، فإن صدقة الزوج والزوجة انفسخ النكاح.
ثم إن كان قبل الدخول فلا شئ لها أو بعده فلها مهر المثل.
وقيس بهذه الصورة ما لو تزوجت بمجهول النسب فاستلحقه أبوها ثبت نسبه.
ولا ينفسخ النكاح إن لم يصدقه الزوج.
وإن أقام الأب بينة في الصورة الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح، وحكم المهر ما مر.
وإن لم تكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق الزوجة، لكن لو أبانها لم يجز له بعد ذلك تجديد نكاحها، لأن إذنها شرط، وقد اعتقت بالتحريم، وأما المهر فلازم للزوج، لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره، فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى، أو بعده فكله.
وحكمها في قبضه كمن أقر لشخص بشئ وهو ينكره، ومر حكمه في الإقرار.
ولو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للإبن نكاحها.
اه.
وقول بشرطه: قال ع ش: هو الإمكان(3/327)
وتصديقها إن كبرت.
وقوله فإن صدقه الزوج والزوجة: قال الرشيدي أو الزوج فقط.
اه.
(وقوله: ومر حكمه في الإقرار) قال ع ش: هو أنه يبقى في يده من هو بيده حتى يرجع المنكر ويعترف.
اه.
(قوله: ولم تصدقه) يفيد أنها إذا صدقته ينفسخ النكاح، ولو لم يصدقه الزوج، وهذا خلاف ما في عبارة النهاية المارة وخلاف ما في التحفة أيضا.
فتنبه (قوله: أو رضاع) عطف على نسب: أي وشرط عدم محرمية برضاع (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم أيضا.
وقوله به: أي بالرضاع، والأولى بها، أي بالمحرمية الكائنة بسبب الرضاع، كما تقدم (قوله: من يحرم بنسب) أي نكاح نظير من يحرم بالنسب، فلا بد من تقدير مضافين.
أما الأول فلما تقدم، وأما الثاني فلأن المحرم نكاحه بالرضاع ليس عين من يحرم بالنسب، كما هو ظاهر، والمحرمات بالنسب سبع، كما تقدم، الأم والبنت والأخت وبنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة، فتكون المحرمات بالرضاع كذلك، فجملة المحرمات بالنسب والرضاع أربع عشرة، ويزاد عليها أربع بالمصاهرة.
فالجملة ثمان عشرة.
وهذه هي التي تحريمها على التأبيد، وأما التي تحريمها لا على التأبيد بل من جهة الجمع فثلاث: أخت الزوجة وعمتها وخالتها، وعد بعضهم من أسباب التحريم اختلاف الجنس فلا يجوز للآدمي نكاح جنية، وبالعكس.
قاله العماد بن يونس، وأفتى به ابن عبد السلام وتبعه شيخ الإسلام واعتمده ابن حجر، قال لأن الله
تعالى امتن علينا بجعل الأزواج من أنفسنا ليتم التآنس بها.
أي في قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) * (1) وجواز ذلك يفوت الامتنان، وفي حديث: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن وخالف القمولي فجوز ذلك واعتمده العلامة الرملي، وأجيب عن الآية بأن الإمتنان في الآية بأعظم لأمرين وهو لا ينافي جواز الآخر، والنهي في الحديث للكراهة، لا للتحريم (قوله: للخبر المتفق عليه) أي وللنص على الأمهات والأخوات في الآية، وبعض المفسرين يجعل السبع مأخوذة من الآية الشريفة.
قال: لأن تحريم السبع لأجل الولادة له أو منه أو لأجل الإخوة له ولو بواسطة أو لأحد أصوله، فأشير للأول بقوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (2) فالتحريم لأجل الولادة الذي علم من ذلك يشمل تحريم الأم وتحريم البنت، وأشير للثاني بقوله تعالى: * (وأخواتكم من الرضاعة) * (3) فالتحريم لأجل الإخوة له ولو بواسطة، أو لأحد أصوله الذي علم من ذلك يشمل تحريم الأخت والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت، لأن تحريم الأخت لأجل الأخوة له بغير واسطة وتحريم الخالة والعمة لأجل الإخوة لأحد أصوله الذي هو الأم في الأولى والأب في الثانية، وتحريم بنت الأخ وبنت الأخت للأخوة له بواسطة، ولا يخفى ما في ذلك من الخفاء.
اه.
باجوري (قوله: فمرضعتك) مبتدأ، خبره أمك، وهو بيان لضابط الأم من الرضاع (قوله: ومرضعتها) أي مرضعة مرضعتك، وهذه كالتي بعدها إطلاق الأم عليها مجاز لأنها جدة (قوله: ومرضعة من ولدك) أي مرضعة أمك التي ولدتك.
وقوله من نسب أو رضاع: تعميم في من ولدك، وهو غير ظاهر، لأن الولادة مختصة بالنسب، وعلى تسليم أن المراد بمن ولدك أمك مطلقا بطريق التجوز يظهر التعميم ويكون الشق الثاني من التعميم، وهو قوله أو رضاع، مكررا مع قوله أولا ومرضعتها، وبيانه أن مرضعة أمك من الرضاع هي عين مرضعة مرضعتك.
وإذا علمت ذلك فالأولى إسقاطه، كما في التحفة (قوله: وكل من ولدت مرضعتك) معطوف على فمرضعتك (قوله: أو ذا لبنها) أي أو ولدت ذا لبنها وهو الفحل الذي هو حليل المرضعة الذي له اللبن.
واحترز بقوله ذا لبنها عما لو كان اللبن لغيره كأن تزوج امرأة ترضع فإن الزوج المذكور ليس صاحب اللبن، فأم من ولدته ليست أمك (قوله: أمك من رضاع) أي بشرط أن تبلغ تسع سنين تقريبا وإلا فلبنها لا يحرم، كما سيذكره (قوله: والمرتضعة بلبنك) مبتدأ خبره بنتك، وهو بيان لضابط البنت.
ولا فرق في هذه المرتضعة بين أن
__________
(1) سورة الروم، الاية: 21.
(2) سورة النساء، الاية: 23.
(3) سورة النساء، الاية: 23(3/328)
تكون مرضعتها زوجة أو أمة أو موطوءة بشبهة (قوله: ولبن فرعك) أي والمرتضعة بلبن فرعك.
(وقوله: نسبا أو رضاعا) تعميم في الفرع (قوله: وبنتها) أي بنت المرتضعة.
وقوله كذلك: أي نسبا أو رضاعا (قوله: وإن سفلت) أي بنت المرتضعة بلبنك، فهي بنتك أيضا (قوله: والمرتضعة) مبتدأ خبره قوله أختك.
وهو بيان لضابط الأخت.
(واعلم) أن من ارتضع من امرأة صار جميع بناتها أخوات له من الرضاع سواء التي ارتضع عليها والتي قبلها والتي بعدها، وإنما نبهنا على ذلك، مع وضوحه، لأن جهلة العوام يسألون عن ذلك كثيرا ويظنون أن الأخت من الرضاع هي التي ارتضع عليها دون غيرها (قوله: وقس على هذا) أي في التصوير لا في الحكم: إذ هو ثابت بالحديث.
وقوله بقية الأصناف المتقدمة: أي في النسب وهي بنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة، فالمرتضعة من أختك أو من لبن أخيك نسبا أو رضاعا بنت أخت أو أخ، وأخت ذي اللبن عمة رضاع، وأخت المرضعة خالة الرضاع (قوله: ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك الخ) شروع في أربع مسائل استثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فهي تحرم من النسب ولا تحرم من الرضاع، والمحققون، كما في الروضة، على أنها لا تستثنى لعدم دخولها في القاعدة لأنهن إنما يحرمن في النسب لمعنى لا يوجد فيهن في الرضاع.
وذلك المعنى هو الأمومة والبنتية والأختية، كما سيأتي تقريره، وقد نظمها بعضهم فقال: مرضعة الأخ أو الأخت تحل أو ولد الولد ولو أنثى جعل كذاك أم مرضع للولد وبنتها وهي ختام العدد (قوله: من أرضعت أخاك) أي أو أختك ولو كانت هذه أم نسب لحرمت عليك لأنها أمك إن كان الأخ والأخت شقيقين لك أو لأم أو موطوءة أبيك إن كان لأب.
(وقوله: أو ولد ولدك) بنصب ولد الأول معطوفا على أخاك: أي ولا يحرم عليك من أرضعت ولد ولدك، ولو كانت أم نسب لحرمت عليك لأنها إما بنتك إن كان ولدك أنثى أو موطوءة ابنك إن كان ذكرا (قوله: ولا أم مرضعة الخ) بالرفع عطف على من: أي ولا يحرم عليك أم مرضعة ولدك ولا بنت مرضعته ولو كانت المرضعة أم نسب كانت موطوءتك فيحرم عليك أمها وبنتها (قوله: وكذا أخت أخيك إلخ) أي وكذا لا يحرم عليك أخت أخيك ولا بد من قطع النظر عن متعلق قوله أولا ولا يحرم وهو برضاع وإلا لما صح التعميم بقوله بعد من نسب أو رضاع.
وقوله من نسب أو رضاع: تعميم في الأخ وفي الأخت، أي ولا يحرم عليك أخت أخيك الذي من النسب أو من
الرضاع سواء كانت هي أيضا من النسب، كأن كان لزيد أخ لأب وأخت لأم فلأخيه لأبيه نكاحها، أم من الرضاع: كأن ترضع امرأة زيد أو صغيرة أجنبية فلأخيه لأبيه نكاحها، وسواء كانت الأخت أخت أخيك من أبيك لأمه كما مثلنا أم أخت أخيك من أمك لأبيه.
مثاله في النسب أن يكون لأبي أخيك من أمك بنت من غير أمك فلك نكاحها، وفي الرضاع أن ترضع صغيرة بلبن أبي أخيك لأمك فلك نكاحها (قوله: تنبيه) أي في بيان شروط الرضاع المحرم.
وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل، ويذكرونه عقب العقدة، والمصنف خالفهم وذكره هنا لأنه لما ذكر الرضاع المحرم ناسب أن يذكر شروطه معه.
فما أحسن صنيعه.
(واعلم) أن الرضاع لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه.
وشرعا ما ذكره الشارح.
وأركانه ثلاثة: مرضع، ورضيع، ولبن، وكلها تعلم من كلامه (قوله: الرضاع) بكسر الراء وفتحها وبالضاد المعجمة وقد تبدل تاء.
وقوله المحرم، بكسر الراء المشددة: أي للنكاح (قوله: وصول الخ) سواء كان بمص الثدي أم بغيره، كما إذا حلب منها ثم صب في فم(3/329)
الرضيع.
وقوله لبن: أي ولو مخيضا، ومثل الزبد والجبن والإقط والقشطة لأن ما ذكر في حكم اللبن، بخلاف السمن الخالص من اللبن.
والمصل، وهو الذي يسيل من الجبن والإقط، واعتمد بعضهم التحريم بالسمن الخالص لما فيه من الدسم.
وقوله آدمية: أي حية حياة مستقرة في حال انفصال اللبن منها وإن لم يشربه إلا بعد موتها.
وخرج بالآدمية الرجل فلا تثبت حرمة بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية، فأشبه غيره من المائعات، لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت بلبنه.
وخرج أيضا الخنثى المشكل والمذهب أنه يوقف الأمر فيه إلى البيان، فإن بان أنثى حرم لبنه وإلا فلا.
فلو مات قبله لم يثبت التحريم، فللذي ارتضع منه نكاح أم الخنثى ونحوها والبهيمة.
فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم تحرم مناكحتهما والجنية بناء على عدم صحة مناكحتنا للجن.
أما على صحة ذلك فهم كالآدميين.
فلو أرضعت جنية صغيرا ثبت التحريم وإن لم تكن على صورة الآدمية أو كان ثديها في غير محله المعتاد.
وخرج بقولي حية الميتة فلا يثبت الرضاع بلبنها لأنه منفصل من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة.
وبحياة مستقرة من انتهت إلى حركة المذبوح فلا يثبت الرضاع بلبنها أيضا (قوله: بلغت سن حيض) الجملة صفة لآدمية.
أي آدمية موصوفة بكونها بلغت سن الحيض، أي ولو كانت بكرا خلية.
وسن الحيض هو تسع سنين قمرية، ويكفي كون التسع تقريبية، على المعتمد: كما في الحيض، ولا يشترط أن تكون تحديدية.
فلو انفصل اللبن منها قبل التسع بما لا يسع حيضا وطهرا، وهو أقل من ستة عشر
يوما، كان محرما.
وخرج بذلك من لم تبلغ سن حيض بأن انفصل منها قبل التسع بما يسع حيضا وطهرا، وهو ستة عشر يوما فأكثر، فلا يؤثر، وذلك لأنها لا تحتمل حينئذ الولادة واللبن فرعها (قوله: ولو قطرة) غاية في اللبن المحرم وصوله: أي يحرم وصول اللبن ولو كان قطرة، والمراد في كل رضعة (قوله: أو مختلطا بغيره) غاية ثانية: أي ولو كان مختلطا بغيره مائعا كان أو جامدا فإنه يحرم.
وقوله وإن قل أي اللبن المخلوط مع غيره.
ثم إن كان اللبن المخلوط غالبا بأن بقي طعمه أو لونه أو ريحه أثر التحريم مطلقا، سواء شرب البعض أو الكل، وإن كان مغلوبا بأن زال طعمه أو لونه أو ريحه حسا وتقديرا بالأشد، فإن شرب الكل أثر التحريم لتيقن شرب اللبن، وإلا فلا (قوله: جوف) بالنصب على الظرفية متعلق بوصول: أي وصوله في جوفه، أي معدته أو دماغه.
فالمراد بالجوف ما يحيل الغذاء أو الدواء.
والمراد الوصول مطلقا، ولو بإسعاط، بأن يصب اللبن في أنفه فيصل إلى دماغه، لا بحقنة، بأن يصب اللبن في دبره فيصل إلى معدته أو بتقطير في قبل أو أذن لعدم التغذي بذلك.
ومن هنا يظهر أنه لا أثر لوصوله لما عدا المعدة والدماغ وإن وصل إلى حد الباطن المفطر للصائم.
وقوله رضيع: أي حي حياة مستقرة، فلا أثر لوصوله جوف من حركته حركة مذبوح أو ميت اتفاقا لانتفاء التغذي (قوله: لم يبلغ حولين) الجملة صفة لرضيع: أي رضيع موصوف بكونه لم يبلغ عمره حولين، أي بالأهلة إن وقع انفصال الرضيع أول الشهر الأول، فإن انكسر الشهر بأن وقع انفصاله في أثنائه تمم العدد من الخامس والعشرين شهرا ثلاثين يوما.
وخرج بلم يبلغ حولين ما لو بلغهما فلا يؤثر ارتضاعه تحريما.
وذلك لخبر الدارقطني لا رضاع إلا ما كان في الحولين وما ورد مما خالف ذلك في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه فإن زوجته كرهت دخوله عليها فأرشدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إرضاعه حيث قال لها أرضعيه: فمخصوص به أو منسوخ.
وابتداؤهما يعتبر من تمام انفصال الرضيع.
فلو ارتضع قبل تمامه لم يؤثر.
ولو تم الرضيع حولين في أثناء الرضعة الخامسة أثر على المذهب لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر حتى لو لم يصل في كل رضعة إلا فطرة: كفى، كما تقدم (قوله: يقينا) قيد في انتفاء بلوغه الحولين، أي يعتبر انتفاء بلوغه الحولين يقينا.
فلو شك هل بلغهما أم لا؟ لم يؤثر الرضاع حينئذ للشك في سبب التحريم (قوله: خمس مرات) حال من وصول: أي حال كون وصول اللبن في جوف الرضيع خمس مرات أو ظرف متعلق به، أي وصوله من خمس مرات.
وقوله يقينا، قيد في الخمس مرات.
فلو شك في كونه خمسا أو أقل لم يؤثر لأن الأصل عدم الخمس، لكن لا يخفى الورع.
والحكمة في اعتباره خمس مرات أن الحواس التي بها الإدراك خمس: وهي السمع والبصر والشم والذوق والمس، فكأن كل رضعة تحفظ حاسة.
وقيل يكفي رضعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك
رضي الله عنهما، ثم إن ظاهر العبارة أنه يكفي وصول اللبن الجوف خمس مرات ولو انفصل اللبن من الثدي دفعة(3/330)
واحدة، وليس كذلك، بل لا بد من انفصال اللبن خمسا ووصوله إلى الجوف خمسا.
فلو حلب منها لبن دفعة وأوجره الطفل خمس مرات أو حلب منها خمس مرات وأوجره دفعة حسب رضعة واحدة في الصورتين اعتبارا في الأولى بحالة الانفصال وفي الثانية بحالة الوصول.
وقوله عرفا أي أن العبرة في ضبط الخمس بالعرف، وذلك لأنهن لا ضابط لهن لغة ولا شرعا.
وما لا ضابط له فيهما فضابطه العرف.
فما قضى بكونه رضعة أو رضعات اعتبر، وإلا فلا (قوله: فإن قطع الرضيع الخ) أي الرضاع.
وهو تفريع على كون العبرة في ضبطهن بالعرف.
وقوله إعراضا، منصوب على الحال من فاعل قطع: أي قطعه حال كونه معرضا عن الثدي أو على أنه مفعول لأجله، أي للإعراض.
وخرج به ما لو قطعه لا إعراضا بل لنحو اللهو ثم عاد إليه فإنه يعد رضعة واحدة، كما سيصرح به قريبا (قوله: وإن لم يشتغل الخ) لو أخره عن قوله فرضعتان لكان أولى، لأنه غاية له (قوله: أو قطعته المرضعة) أي إعراضا أيضا لا لشغل خفيف، وإلا فلا تعدد، كما سيصرح به (قوله: ثم عاد) أي الرضيع.
(وقوله: إليه) أي إلى الرضاع.
(وقوله: فيهما) أي في الصورتين.
(وقوله: فورا) أي أو بالتراخي، ولو قال ولو فورا لكان أولى (قوله: فرضعتان) خبر لمبتدأ محذوف والجملة جواب الشرط: أي فهما، أي ما قبل القطع وما بعد العود، رضعتان (قوله: أو قطعة) أي الرضيع الرضاع.
(وقوله: لنحو لهو) هذا مفهوم قوله إعراضا، كما علمت.
(قوله: كنوم) تمثيل لنحو اللهو.
ومثله التنفس وازدراد ما جمعه من اللبن في فمه.
وقوله خفيف، صفة لنحو لهو، ويصح جعله صفة لنوم، لكن الأول أولى (قوله: وعاد حالا) أي بعد قطعه لنحو لهو (قوله: أو طال) معطوف على خفيف من عطف الفعل على الاسم المشبه للفعل وهو جائز.
قال في الخلاصة: واعطف على اسم شبه فعل فعلا وعكسا استعمل تجده سهلا والمناسب أن يقول أو طويل من عطف الوصف على الوصف، أي أو قطعه لنحو لهو طويل.
وقوله والثدي بفمه: الجملة حالية، وهي قيد في الطول.
وعبارة التحفة: أما إذا نام أو التهى طويلا فإن بقي الثدي بفمه لم يتعدد وإلا تعدد.
اه.
(قوله: أو تحول) يصح قراءته بصيغة الفعل عطفا على أو قطعه، ويصح قراءته بصيغة المصدر عطفا على نحو لهو، والتقدير عليه أو قطعه لأجل نحو تحول.
ويدل للأول عبارة المنهاج ونصها مع التحفة، أو قطعه للهو وعاد في الحال أو تحول أو حولته من ثدي لآخر فلا تعدد.
اه.
ويدل للثاني عبارة الإرشاد ونصها مع شرحه: لا إن قطعه بتحول:
أي سبب تحوله من ثدي لآخر.
اه.
(قوله: ولو بتحويلها) أي ولو كان التحول حصل بتحويل المرضعة له.
والغاية للتعميم: أي لا فرق في هذا التحول بين أن يكون من الطفل بنفسه أو من المرضعة (قوله: من ثدي لآخر) متعلق بتحول: أي تحول من ثديها إلى ثديها الآخر.
ولو عبر بما ذكرته لكان أولى لأن عبارته تشمل ثدي غير المرضعة الأولى مع أن الرضاع يتعدد به مطلقا (قوله: أو قطعته الخ) معطوف على أو قطعه لنحو لهو.
(وقوله: لشغل خفيف) خرج به ما إذا كان لشغل غير خفيف بأن كان طويلا فإنه يتعدد بالعود.
وحاصل ما ذكره الشارح من المسائل خمس على قراءة تحول بصيغة الفعل: اثنان منها يتعدد فيهما الرضاع وهما: ما إذا قطعه الرضيع إعراضا، وما إذا قطعته كذلك.
والبقية لا يتعدد فيها الرضاع وهي: ما إذا قطعه لنحو لهو خفيف، وأما إذا تحول من ثديها للآخر، وأما إذا قطعته لشغل خفيف (قوله: فلا تعدد) جواب إن المقدرة قبل قوله قطعه لنحو لهو وبعد أو، وقوله في جميع ذلك، أي المذكور، وهو قوله أو قطعه لنحو لهو وقوله أو تحول وقوله أو قطعته، وإنما لم يحصل التعدد في ذلك عملا بالعرف (قوله: وتصير المرضعة الخ) لا حاجة إلى هذا بعد الضابط السابق الذي ذكره بقوله فمرضعتك ومرضعتها الخ إلا أن يقال الغرض منه بيان ضابط آخر بعبارة أخرى، وكان الأولى التفريع بالفاء.
وقوله أمه: أي الرضيع.
وقوله وذو اللبن أباه، أي ويصير صاحب اللبن أبا الرضيع.
ولا فرق فيه بين أن يكون زوجا أو واطئا بشبهة أو واطئا بمالك اليمين لا الواطئ بزنا، فلا يحرم عليه أن ينكح المرتضعة بلبن زناه(3/331)
لكن يكره ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه، فإن طالت المدة جدا أو انقطع ثم عاد إلا بولادة من آخر فاللبن قبلها للأول واللبن بعدها للآخر (قوله: وتسري الخ) أي تنتشر الحرمة ممن رضع، وهو الطفل، أي وصول المرضعة وذي اللبن وفروعهما وحواشيهما.
ثم إن صريح عبارته أن الحرمة تنتشر من الرضيع إلى من ذكر مع أن الحرمة إنما تنتشر من المرضعة إلى أصولها وفروعها وحواشيها، وكذلك من ذي اللبن إلى المذكورين، فكان الأولى أن يقول وتسري الحرمة من المرضعة وذي اللبن إلى من ذكر ومن الرضيع إلى فروعه فقط.
والمراد بالأصول الآباء، وبالفروع الأبناء، وبالحواشي الأخوة والأخوات والأعمام والعمات.
فيصير آباء المرضعة وصاحب اللبن أجداده، وأمهاتهما جداته، وأولادهما أخوته وأخواته: سواء وجدوا قبله وبعده، كما تقدم، وإخوة المرضعة أخواله، وأخواتها خالاته، وإخوة صاحب اللبن أعمامه، وأخواته عماته، ويصير أولاد الرضيع أحفادهما (قوله: وإلى فروع الرضيع الخ) أي وتسري الحرمة من الرضيع إلى فروعه لا إلى أصوله وحواشيه، والفرق بين أصولهما وحواشيهما وبين أصوله وحواشيه أن لبن المرضعة كالجزء من
أصولها فتسري الحرمة إليهم وإلى حواشيهم، وسبب لبن المرضعة مني الفحل الذي جاء منه الولد، وهو كالجزء من أصوله أيضا، فيسري التحريم إليهم وإلى حواشيهم، ولا كذلك في أصول الرضيع وحواشيه.
وقد نظم هذا الضابط بعضهم بقوله: وينتشر التحريم من مرضع إلى أصول فصول والحواشي من الوسطو وممن له در إلى هذه ومن رضيع إلى ما كان من فرعه فقط والمراد بمن له الدر صاحب اللبن، كالزوج، واسم الاشارة عائد إلى الثلاثة قبله (قوله: ولو أقر الخ) شروع في الإقرار والشهادة بالرضاع (قوله: رجل وامرأة) الواو بمعنى أو، لأن لفظ الإقرار لا يشترط أن يكون صادرا منهما معا، بل يكون تارة صادرا منهما معا، وتارة يكون صادرا على أحدهما ثم يوافقه الآخر أو ينكر (قوله: قبل العقد) الظرف متعلق بأقر.
وسيذكر محترزه (قوله: أن بينهما أخوة رضاع) أي أو بنوة أو عمومة أو خؤولة بأن قال هي بنتي أو أختي أو عمتي أو خالتي، أو قالت هي هو إبني أو أخي أو عمي أو خالي ووافق كل منهما الآخر على ما أقر به (قوله: وأمكن) أي المقر به بأن لم يكذبه الحس، فإن كذبه بأن منع من الاجتماع بها أو بمن تحرم عليه بسبب إرضاعها مانع حسي أو ادعى أنها بنته وهي أسن منه، فإقراره لغو (قوله: حرم تناكحهما) أي مؤاخذة لكل منهما بإقراره.
قال في التحفة: ظاهرا وباطنا إن صدق المقر، وإلا فظاهرا فقط ثم قال: ويظهر أنه لا تثبت الحرمة على غير المقر من فروعه وأصوله مثلا إلا إن صدقه.
اه (قوله: وإن رجعا عن الإقرار) غاية في حرمة المناكحة بالإقرار: أي حرمت مناكحتهما به بعده وإن رجعا عنه فلا يعتد برجوعهما (قوله: أو بعده) معطوف على قوله قبل العقد: أي أو أقر رجل وامرأة بعد العقد أن بينهما ما ذكر (قوله: فهو باطل) أي فعقد النكاح باطل عملا بإقرارهما وإن قضت العادة بجهلهما بشروط الرضاع المحرم (قوله: فيفرق بينهما) أي ويسقط المسمى لتبين فساد النكاح ويجب مهر المثل إن وطئها معذورة، كأن كانت جاهلة بالحال أو مكرهة، وإلا فلا يجب شئ (قوله: وإن أقر) أي الزوج.
وقوله به: أي بالرضاع المحرم.
وقوله فأنكرت، أي الزوجة المدعى به (قوله: صدق في حقه) أي عمل بإقراره بالنسبة لحقه وهو انفساخ النكاح، لا بالنسبة لحقها وهو الصداق.
فلا يسقط عنه، بل لها المسمى إن صح، وإلا فمهر المثل إن وطئها، وإلا فنصفه، وذلك لأن الفرقة منه (قوله: ويفرق بينهما) أي يفرق القاضي أو نائبه بينهما حينئذ (قوله: أو أقرت) أي الزوجة.
وقوله به: أي الرضاع المحرم، وقوله دونه: أي الزوج، أي أنه أنكر ما ادعته (قوله: فإن الخ) جواب أن المقدرة قبل قوله أقرت: أي أو إن أقرت وأنكر هو فإن الخ.
وقوله كان أي إقرارها(3/332)
بذلك.
وقوله بعد أن عينته: الأولى إسقاط قوله بعد أن ويقتصر على قوله عينته لأن ذكره يقتضي أنها لو أقرت بذلك قبل تعيينها وقبل تمكينها من الوطئ يقبل قولها، ولا معنى له: إذ الفرض أن الإقرار واقع بعد العقد.
وقوله أو مكنته من وطئه إياها، أي حال كونها عالمة بالحال مختارة.
وقوله لم يقبل قولها: أي ويصدق هو بيمينه ولا شئ لها لا المسمى ولا مهر المثل بوطئه لها لأنها زانية.
وعبارة التحفة مع الأصل، وإن ادعته، أي الزوجة، الرضاع المحرم فأنكره الزوج صدق بيمينه إن زوجت منه برضاها به بأن عينته في إذنها لتضمنه إقرارها بحلها له، وإلا تزوج برضاها، بل إجبارا، أو أذنت من غير تعيين زوج فالأصح تصديقها بيمينها، ما لم تمكنه من وطئها مختارة، لاحتمال ما تدعيه ولم يثبت منها ما يناقضه.
اه (قوله: وإلا صدقت) أي وإن لم تعين الزوج في الإذن للتزويج بأن أذنت للولي في التزويج من غير تعيين ولم تمكنه من وطئه إياها حال كونها عالمة مختارة، بأن مكنته حال كونها جاهلة بالحال أو مكرهة، أو لم تمكنه رأسا صدقت بيمينها وفرق بينهما وعليه مهر المثل لا المسمى إذا وطئها.
نعم، إن أخذت المسمى فليس له رده وإعطاؤها مهر المثل.
والورع له فيما إذا ادعت الرضاع أن يطلقها لتحل لغيره إن كانت كاذبة.
ثم إن منكر الرضاع منهما يحلف على نفي علمه به لأنه ينفي فعل غيره ولا نظر إلى فعله في الارتضاع، لأنه كان صغيرا ومدعيه يحلف على بت لأنه يثبت فعل الغير.
نعم لو نكل أحدهما عن اليمين وردت على الآخر حلف على البت (قوله: ولا تسمع دعوى نحو أب إلخ) أي أن لم تكن بينة ولم يصدقاه بدليل قوله بعد ويثبت الخ (قوله: ويثبت الرضاع برجل وامرأتين) أي بشهادة رجل وامرأتين: أي وبرجلين أيضا وإن تعمدا النظر لثدييها لغير الشهادة وتكرر منهما لأنه صغيرة لا يضر إدمانها حيث غلبت طاعاته على معاصيه (قوله: وبأربع نسوة) أي ويثبت بأربع نسوة لاطلاعهن عليه غالبا كالولادة ومن ثم لو كان النزاع في الشرب من ظرف لم يقبلن لأن الرجال يطلعون عليه ثم يقبلن في أن ما في الظرف لبن فلانة، لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا.
اه.
تحفة (قوله: ولو فيهن، أم المرضعة) غاية في ثبوت الرضاع بأربع نسوة: أي يثبت الرضاع بهن ولو كانت أم المرضعة واحدة منهن.
والمرضعة تقرأ بصيغة اسم المفعول، وأمها هي المرضعة، بكسر الضاد، وإنما حملت ما ذكر على هذا الضبط لأنها هي التي يتوهم إخراجها وعدم صحة شهادتها للتهمة.
وأما غيرها فلا يتوهم فيه ذلك فلا حاجة للتنبيه عليه بالغاية (قوله: إن شهدت) أي أم المرضعة (قوله: حسبة) أي شهادة حسبة، وهي التي تكون من غير استشهاد: كأن يقول الشاهد ابتداء عند القاضي أشهد على فلان بكذا فأحضره سواء تقدمها دعوى أم لا.
وهذا هو الذي جرى عليه ابن حجر
وغيره، خلافا للأذرعي كما في الرشيدي حيث قال: إنها لا يقال لها شهادة حسبة بعد الدعوى.
فقول الشارح بعد بلا دعوى، أي سبق دعوى، ليس بقيد، أو يقال إنه جرى على طريقة الأذرعي التي نقلها عنه الرشيدي.
وإنما اكتفى بشهادة الحسبة منها لانتفاء التهمة لأنها تكون شهادة على المرضعة - لا لها - وخرج بشهادة الحسبة غيرها فلا تكفي منها للتهمة لأنها تكون شهادة لها حينئذ (قوله: كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها) الكاف للتنظير: أي نظير شهادة أم امرأة وابنها بطلاقها فإنها تقبل.
وقوله كذلك: أي إذا كانت حسبة، فإن لم تكن حسبة فلا تقبل (قوله: وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها) أي مع ثلاث غيرها أو مع رجل وامرأة غيرها.
(وقوله: لم تطلب أجرة الرضاع) أي حال الشهادة أو قبلها، فإن طلبتها لم تقبل للتهمة (قوله: وإن ذكرت فعلها) أي تقبل شهادتها حينئذ وإن ذكرت في الشهادة فعلها لأنها غير متهمة في ذلك مع كون فعلها غير مقصود في الإثبات، إذ العبرة بوصول اللبن لجوفه.
وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة المرضعة إن لم تطلب أجرة ولا ذكرت فعلها وكذا إن ذكرته فقالت أرضعته في الأصح.
اه.
(قوله: وشرط شهادة الرضاع) أي صحتها.
(وقوله: ذكر وقت إلخ) أي بأن يقول أشهد أنه رضع خمس رضعات متفرقات في الحياة بعد التسع وقبل الحولين.
قال في التحفة: نعم إن كان الشاهد فقيها يوثق بمعرفته وفقهه موافقا للقاضي المقلد في شرط التحريم وحقيقة الرضعة اكتفى(3/333)
منه بإطلاق كونه محرما.
اه (قوله: ويعرف) أي وصوله للجوف (قوله: بنظر حلب) بفتح لامه وهو اللبن المحلوب.
وقوله وإيجار: أي مع إيجار وازدراد، والأول هو وضعه في فم الرضيع والثاني بلعه ووصوله للمعدة.
فلا بد في معرفة وصوله إلى الجوف من مشاهدة هذه الثلاث: أعني الحلب، والإيجار، والازدراد.
(قوله: أو بقرائن) عطف على نظر: أي ويعرف أيضا بقرائن (قوله: كامتصاص ثدي الخ) تمثيل للقرائن.
وقوله وحركة حلقه: أي وكحركة حلقه، وهو بسكون اللام بعد حاء مفتوحة (قوله: بعد علمه) الظرف متعلق بامتصاص وما بعده، كما هو ظاهر عبارته، وهو يفيد اشتراط تقدم علمه بذلك على الامتصاص وما بعده، مع أنه يكفي العلم به ولو بعد ما ذكر.
فالأولى جعله متعلقا بفعل محذوف: أي ويشهد بعد علمه أنها ذات لبن حالة الإرضاع أو قبيله.
أفاده البجيرمي (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يعلم أنها ذات لبن فلا يحل له أن يشهد ولو مع وجود القرائن المذكورة لأن الأصل عدم اللبن، ولا عبرة بالقرائن مع هذا الأصل (قوله: ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن) أي بأن يقول أشهد أنه مص الثدي وحرك حلقه (قوله: بل يعتمدها ويجزم بالشهادة) أي بل يجزم بالشهادة بالرضاع معتمدا على القرائن من غير ذكر لها (قوله: ولو شهد به) أي بالرضاع.
وقوله دون النصاب: دون إن جعلت من الظروف المتصرفة فهي مرفوعة على أنها فاعل شهد، وإن جعلت من الظروف غير المتصرفة، كما هو رأي الجمهور، فالفاعل محذوف، وهي منصوبة صفة له، أي عدد دون النصاب.
والنصاب في الشهود هنا رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، كما تقدم (قوله: أو وقع شك الخ) هذا مفهوم قوله في حد الرضاع المحرم يقينا بعد قوله لم يبلغ حولين وبعد قوله خمس مرات، ولو قدمه هناك لكان أولى.
وقوله في تمام الرضعات: أي هل ارتضع خمسا أو أقل.
وقوله أو الحولين، أي أو شك هل ارتضع بعد تمام الحولين أو قبله؟ وقوله أو وصول اللبن جوف الرضيع، أي أو شك هل وصل إليه أم لا؟ (قوله: لم يحرم النكاح) أي لم يحرم الرضاع المذكور النكاح، فراء يحرم مشددة مكسورة، وفاعله يعود على الرضاع، ويصح جعل النكاح فاعلا والراء عليه مخففة مضمومة (قوله: لكن الورع الاجتناب) أي اجتناب النكاح لما روي عن عقبة بن الحارث قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له يا رسول الله: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء.
فقالت قد أرضعتكما وهي كاذبة فقال - صلى الله عليه وسلم - كيف تصنع بها وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ دعها منك، أي طلقها، قال عقبة: فراجعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت يا رسول الله إنها امرأة سوداء، أي فلا يقبل قولها، فقال أليس وقد قيل فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الورع والاحتياط وإن لم تقبل شهادة تلك المرأة (قوله: وإن لم تخبره إلا واحدة) غاية في كون الورع الاجتناب (قوله: نعم إن صدقها يلزم الأخذ بقولها) أي يلزمه أن يعمل بقولها، فالأخذ فاعل يلزم.
ويصح جعل يلزم مبنيا للمجهول من ألزم الرباعي، وهو يطلب مفعولين: الأول الضمير المستتر، والثاني الأخذ.
والمعنى ألزمه الشارع العمل بقولها: أي فيحرم عليه النكاح (قوله: ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين) والفرق بين الرضاع نفسه، حيث يثبت بما مر، وبين الإقرار به، حيث لا يثبت إلا برجلين، أن الثاني مما يطلع عليه الرجال وهو لا يثبت إلا برجلين، كما سيأتي في الشهادة، (قوله: أو مصاهرة) معطوف على بنسب: أي وشرط في الزوجة عدم محرمية بسبب مظاهرة، وهي معنى يشبه القرابة يترتب على النكاح.
وعبارة شرح الروض: وهي خلطة توجب تحريما.
اه (قوله: فتحرم زوجة أصل) أي وإن لم يدخل بها، وذلك لإطلاق قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا(3/334)
ما قد سلف) * (1) يعني ما قد مضى في الجاهلية قبل علمكم بتحريمه، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم: فلا مؤاخذة عليكم به، فإنه كان في الجاهلية إذا مات الرجل عن زوجة خلفه عليها أكبر أولاده فيتزوجها.
(قوله: من أب الخ) بيان للأصل.
(وقوله: أو جد لأب أو أم) أي جد من جهة الأب أو من جهة الأم.
(وقوله: وإن علا) أي الجد.
(وقوله: من نسب أو رضاع) تعميم في الأب والجد، أي لا فرق فيهما بين أن يكونا من جهة النسب أو من جهة الرضاع (قوله: وفصل) أي وتحرم زوجة فصل، أي فرع وإن لم يدخل بها لإطلاق قوله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * (2) * والتقييد في الآية لإخراج حليلة المتبني، فلا يحرم على الشخص زوج من تبناه لأنه ليس بابن له، لا لإخراج حليلة الابن من الرضاع فإنها تحرم بالاجماع (قوله: من ابن الخ) بيان للفصل.
(وقوله: وإن سفل) أي ابن الابن.
(وقوله: منهما) أي من نسب أو رضاع (قوله: وأصل زوجة) بالرفع عطف على زوجة.
وقوله أي أمهاتها تفسير لأصل الزوجة، وقوله بنسب أو رضاع، تعميم في الأمهات.
وقوله وإن علت، أي الامهات.
والأولى وإن علون، بنون النسوة، وقوله وإن لم يدخل بها: غاية في الحرمة، أي يحرم نكاح أصل الزوجة وإن لم يدخل بالزوجة (قوله: للآية) دليل للحرمة في جميع ما مر من زوجة الأصل وما بعده، وإن كان صنيعه يفيد أنه دليل لها في الأخير فقط.
والمراد لما تضمنته الآية من حرمة نكاح من ذكر فإنها تضمنت حرمة نكاح زوجة الأصل بقوله في صدرها * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (1) وحرمة نكاح زوجة الفصل بقوله فيها * (وحلائل أبنائكم) * وحرمة نكاح أصل الزوجة بقوله فيها * (وأمهات نسائكم) * (قوله: وحكمته الخ) بيان لحكمة تحريم أصل الزوجة مطلقا، دخل بها أم لا، والأولى تأخير هذا عن قوله وكذا فصلها إن دخل بها والإتيان به فارقا بين الأمهات، حيث حرمن بنفس العقد، والبنات، حيث حرمن بالدخول.
(وقوله: ابتلاء الزوج بمكالمتها) أي أمهات الزوجة، والأولى مكالمتهن.
وقوله والخلوة: معطوف على مكالمتها، أي وابتلاء الزوج بالخلوة بالأمهات.
(وقوله: لترتيب أمر الزوجة) اللام تعليلية متعلقة بقوله ابتلاء، أي ابتلاء الرجل بما ذكر من المكالمة والخلوة لأجل ترتيب أمر الزوجة، أي أمر الدخول بها (قوله: فحرمت) أي أمهات الزوجة، والأولى فحرمن، كما تقدم، وقوله كسابقتيها: هما زوجة الأصل وزوجة الفصل فإنهما تحرمان بنفس العقد (قوله: ليتمكن) أي الزوج، واللام تعليلية متعلقة بحرمت.
وقوله من ذلك: أي من المذكور من مكالمتهن والخلوة بهن لترتيب ما ذكر (قوله: واعلم أنه يعتبر في زوجتي الأب والابن) أي يعتبر في تحريم زوجة الأب على الفصل وتحريم زوجة الابن على الأصل.
وكان الأخصر والأولى أن يقول بدل قوله واعلم الخ، ويشترط أن يكون العقد صحيحا.
وقوله وفي أم الزوجة، أي وفي تحريم أم الزوجة على الزوجة.
وقوله عند عدم الدخول بهن: الظرف متعلق بيعتبر، والضمير يعود على الزوجات الثلاث.
وخرج به ما إذا دخل بهن فلا يعتبر ما ذكر لأنهن يحرمن بالدخول عليهن ولو كان العقد فاسدا لأنها من قبيل الموطوءة بشبهة وهي حرام، كما سيأتي، وقوله أن يكون العقد صحيحا، نائب فاعل يعتبر.
وخرج به ما لو كان العقد فاسدا فلا
يحرمن، لكن عند عدم الدخول بهن، وإلا حرمن به، كما علمت، وهذا الشرط لا يأتي في بيت الزوجة، كما سيذكره، فإنها تحرم بالدخول: سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا.
(والحاصل) أن من حرم بالعقد لا بد في تحريمه من صحة العقد إلا إن حصل دخول بالفعل فيحصل التحريم بالوطئ لا بالعقد، ومن حرم بالدخول كالربيبة فلا يعتبر فيه صحة العقد (قوله: وكذا فصلها الخ) إنما فصله بكذا ولم
__________
(1) سورة النساء، الاية: 22.
(2) سورة النساء، الاية: 23(3/335)
يعطفه على ما قبله لئلا يتوهم أن التقييد بقوله إن دخل بها راجع لهما مع أنه إنما هو راجع للثاني فقط: أي كما يحرم أصل الزوج يحرم أيضا فصل الزوجة، أي فرعها، وذلك لقوله تعالى: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * (1) وذكر الحجور في الآية جرى على الغالب، فإن من تزوج امرأة تكون بنتها في حجره غالبا (قوله: بنسب أو رضاع) تعميم أو في فصل الزوجة: أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كان بنسب أو رضاع.
وقوله ولو بواسطة: تعميم ثان فيه أيضا أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كان بينه وبينها واسطة كبنت ابنتها أم لا.
(وقوله: سواء بنت ابنها) أي الزوجة وبنت ابنتها، وهذا تعميم ثالث أيضا: أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كانت بنت ابنها أو كان بنت ابنتها.
(والحاصل) تحرم الربيبة وهي بنت الزوجة وبناتها وبنت الربيب وهو ابن الزوجة وبناتها.
وقوله وإن سفلت، الأولى وإن سفلتا، أي بنت ابنها وبنت ابنتها، وهذه الغاية يغني عنها قوله ولو بواسطة (قوله: إن دخل بها) قيد في تحريم فصل الزوجة (قوله: بأن وطئها) تصوير للدخول والمراد وطئها في حياتها، ومثل الوطئ استدخال منيه المحترم في حال نزوله وادخاله: إذ هو كالوطئ في أكثر أحكامه في هذا الباب، كذا في التحفة، (وقوله: ولو في الدبر) غاية في الوطئ، أي ولو كان الوطئ في دبرها (قوله: وإن كان العقد فاسدا) غاية في التحريم بالدخول: أي يحرم فصل الزوجة على زوجها ولو كان العقد فاسدا بأن فقد شرطا من شروطنه المارة (قوله: وإن لم يطأها) أي الزوجة، وهو مقابل قوله بأن وطئها المجعول تصويرا للدخول.
والمناسب في المقابلة أن يقول وإن لم يدخل بها.
وقوله لم تحرم بنتها: أي الزوجة.
قال في شرح المنهج: إلا أن تكون منفية بلعانه.
اه.
قال البجيرمي: وصورتها أن يعقد على امرأة ثم يختلي بها من غير وطئ ولا
استدخال ماء ثم تلد بنتا يمكن كونها منه فينفيها باللعان، إذ هو واجب حينئذ لعلمه أنها ليست منه فهي تحرم عليه وإن كانت بنت زوجته التي لم يدخل بها.
اه.
بزيادة (قوله: بخلاف أمها) أي فإنها تحرم، ولو لم يطأها، لكن بشرط صحة العقد عند عدم الدخول، كما تقدم (قوله: ولا تحرم بنت زوج الأم) أي على ابن الزوجة، وهذا يعلم من قوله وكذا فصلها، أي الزوجة.
ومثلها أم الزوج فلا تحرم على ابن زوجته.
(قوله: ولا أم زوجة الأب) أي ولا تحرم أم زوجة أبيه عليه وهذا يعلم من قوله تحرم زوجة أصل، ومثلها بنت زوجة أبيه فلا تحرم عليه.
(وقوله: والابن معطوف على الأب) أي ولا يحرم أم زوجة ابنه، ومثلها بنت زوجة ابنه.
وهذا يعلم من قوله وزوجة فصل.
(والحاصل) لا تحرم بنت زوج الأم ولا أمه ولا بنت زوج البنت ولا أمه ولا أم زوجة الأب ولابنتها ولا أم زوجة الابن ولابنتها ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب وهو زوج الأم لأنه يربيه غالبا (قوله: ومن وطئ امرأة) أي ولو في الدبر أو القبل ولم تزل البكارة.
ومثل الوطئ استدخالها ماء السيد المحترم حال خروجه أو ماء الأجنبي بشبهة.
ويشترط في الواطئ أن يكون حيا، وأن يكون واضحا، وخرج بالأول الميت فلا تحريم باستدخالها ذكره، وبالثاني الخنثى فلا أثر لوطئه لاحتمال زيادة ما أولج به وخرج بقوله وطئ ما إذا باشرها بغير وطئ فلا تحرم (قوله: بملك) الباء سببية متعلقة بوطئ (قوله: أو شبهة منه) أي أو بسبب شبهة حاصلة من الواطئ، سواء وجد منها شبهة أيضا أم لا.
واحترز بقوله بملك أو شبهة منه عما إذا كان وطئها بزنا فلا تحرم عليه أمهاتها وبناتها، ولا تحرم هي على آبائه وأبنائه لأن ذلك لا يثبت نسبا ولا عدة (قوله: كأن وطئ الخ) تمثيل لوطئ الشبهة.
وقوله بفاسد نكاح الإضافة من إضافة الصفة للموصوف: أي نكاح فاسد بسبب اختلال شرط من شروط الصحة.
وفي البجيرمي ما نصه: هل من فاسد النكاح العقد على خامسة أو لا لأن هذا معلوم لا يكاد أحد يجهله فلا يعهد شبهة حرر ح ل؟ الظاهر الثاني.
اه.
وقوله أو شراء، معطوف على نكاح، أي أو بفاسد شراء (قوله: أو
__________
(1) سورة النساء، الاية: 23(3/336)
بظن زوجة) معطوف على بفاسد نكاح: أي أو وطئها على ظن أنها زوجته: أي أو أمته أي أو وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو أمة فرعه، وكذا لو وطئ بجهة قال بها عالم يعتد، بخلافه كأن يكون النكاح واقعا بلا ولي فإن الوطئ به فيه شبهة أبي حنيفة رضي الله عنه لقوله بصحته بلا ولي.
(واعلم) أن الشبهة تنقسم ثلاثة أقسام القسم الأول شبهة الفاعل، وهي كمن وطئ على ظن الزوجية أو الملكية.
والقسم الثاني: شبهة المحل وهي كمن وطئ الأمة المشتركة.
والقسم الثالث: شبهة الطريق وهي التي يقول بها عالم يعتد بخلافه.
والأول لا يتصف بحل ولا حرمة لأن فاعله غافل وهو غير مكلف.
والثاني حرام.
والثالث إن قلد القائل بالحل لا حرمة وإلا حرم (قوله: حرم الخ) جواب من قوله عليه: أي على من وطئ.
وقوله أمهاتها وبناتها، الضمير فيهما يعود على المرأة الموطوءة بملك أو شبهة منه (قوله: وحرمت) أي المرأة المذكورة.
(وقوله: على آبائه وأبنائها) أي من وطئ.
ثم إنه مع الحرمة تثبت المحرمية في صورة المملوكة ولا تثبت في صورة وطئ الشبهة، ويشير إليه صنيع الشارح في التعليل الآتي قريبا بقوله لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح.
وبقوله وبشبهة يثبت النسب والعدة، فإنه جعل الوطئ بملك اليمين منزلا منزلة عقد النكاح ولم يجعل الوطئ بشبهة كذلك.
ومن جملة آثار عقد النكاح ثبوت المحرمية لأم الزوجة وبنتها فأنتج أن المحرمية تثبت في الأول دون الثاني، وأيضا شبب التحريم في الاول، وهو الوطئ، مباح، بخلاف وطئ الشبهة.
وقد عرفوا المحرم بأنها من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها (قوله: لأن الوطئ بملك اليمين الخ) علة التحريم بالنظر للموطوءة بالملك.
وقوله نازل بمنزلة عقد النكاح: أي بمنزلة الوطئ بعقد النكاح، فاندفع ما يقال إن التشبيه بالعقد يقتضي حل بنتها لأن البنت تحل بالعقد على الأم، وإنما تحرم بالوطئ، كما تقدم (قوله: وبشبهة) معطوف على بملك اليمين، أي ولان الوطئ بشبهة يثبت النسب والعدة، وهذا علة التحريم بالنظر للموطوءة بشبهة.
وإنما حرمت به لأنه يقتضي ثبوت النسب والعدة، وإذا اقتضى ذلك اقتضى التحريم كالزوجية.
(واعلم) أن شبهته وحده توجب ما عدا المهر من نسب وعدة، إذ لا مهر لزانية وشبهتها وحدها توجب المهر فقط دون النسب والعدة وشبهتهما توجب الجميع، ولا يثبت بها محرمية مطلقا، أي لا للواطئ ولا لأبيه وابنه، فلا يحل نحو نظر ولا مس ولا خلوة (قوله: لاحتمال حملها منه) هذا علة لثبوت العدة بوطئ الشبهة لا للنسب، لأنه إنما يثبت النسب بالجمل للفعل مع وضعه.
وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد، وفي وجوب عدة عليها للوطئ لاحتمال حملها منه.
اه.
وهي ظاهرة، ولو حذف الشارح العلة المذكورة، كشارح المنهج، لكان أولى لأن صنيعه يوهم أنها علة لثبوت النسب والعدة (قوله: سواء أوجد الخ) تعميم المحذوف مرتب على قوله يثبت النسب والعدة وهو فيثبت التحريم، وقد صرح به في شرح المنهج وعبارته، وبشبهة يثبت النسب والعدة فيثبت التحريم سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا.
اه.
وكان الأولى للشارح التصريح به أيضا، وأفاد بالتعميم المذكور أن العبرة في حرمة المصاهرة بشبهة الرجل لا المرأة.
وصورة وجود الشبهة منها أنها تظن الواطئ لها زوجها أو سيدها، وصورة عدمها أنها تعلم أنه ليس كذلك (قوله: لكن يحرم الخ)
الإستدراك من ثبوت التحريم الحاصل بسبب وطئ الشبهة دفع به ما يتوهم من أن ثبوت التحريم يقتضي حل النظر والمس لمن ذكر، وحاصل الدفع أنه مع التحريم المذكور يحرم النظر والمس، وذلك لما علمت أن وطئ الشبهة إنما يثبت التحريم فقط، ولا يثبت المحرمية المقتضية لحل النظر والمس (قوله: فرع لو اختلطت محرمة) هي بضم الميم وتشديد الراء: أي امرأة محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو بلعان أو توثن، ويوجد في بعض النسخ محرمه، بفتح الميم(3/337)
وإسكان الحاء مع الإضافة إلى الضمير، والأول أولى منه (قوله: بأن يعسر إلخ) بيان لضابط غير المحصور، وهو لإمام الحرمين، وفي الإحياء: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر كالألف، فغير محصور.
وإن سهل عده، كعشرين، فمحصور، وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن.
وما وقع فيه الشك استفت فيه القلب.
اه.
شرح الروض بتصرف.
والمراد عسر ذلك في بادئ النظر والفكر، بمعنى أن الفكر يحكم بعسر العد.
وعبارة م ر، ثم ما عسر عده بمجرد النظر غير محصور، وما سهل، كمائة، محصور، وما بينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن، وما شك فيه يستفتى فيه القلب.
قال الغزالي: والذي رجحه الأذعري التحريم عند الشك لأن من الشروط العلم بحلها.
واعترض بما لو زوج أمة موروثة ظنا حياته فبان ميتا أو تزوجت زوجة المفقود فبان ميتا فإنه يصح.
وأجيب بأن العلم بحل المرأة شرط لجواز الاقدام، لا للصحة، اه.
وقوله على الآحاد: أي على كل واحد على حدته.
وعبارة الروض، وغير المحصور ما يعسر عده على واحد.
اه.
وخرج بهذا ما لو لم يعسر عده على جماعة مجتمعين فإنه لا عبرة به (قوله: كألف امرأة) سيأتي عن البجيرمي قريبا أن التسعمائة والثمانمائة إلى الستمائة غير محصور (قوله: نكح من شاء منهن) أي رخصة له من الله تعالى: وحكمة ذلك أنه لو لم يبح له ذلك ربما انسد عليه باب النكاح، فإنه وإن سافر لبلد لا يأمن أن تسافر هي إليه (قوله: إلى أن تبقى واحدة) أي فلا ينكحها.
وقوله على الأرجح: أي قياسا على ترجيحهم في الأواني أنه يتطهر إلى أن يبقى واحدة.
وقال الروياني: ينكح إلى أن يبقى عدد محصور، ويفرق بين الأواني وبين ما هنا بأن النكاج يحتاط له أكثر.
قال في التحفة: وينكح إلى أن يبقى محصور على ما رجحه الروياني، وعليه فلا يخالفه ترجيحهم في الأواني أنه يأخذ إلى بقاء واحدة، لأن النكاح يحتاط له أكثر من غيره.
وأما الفرق بأن ذاك يكفي فيه الظن فيباح المظنون مع القدرة على المتيقن، بخلافه هنا فغير صحيح: لما تقرر من حل المشكوك فيها مع وجود اللواتي تحل يقينا، ثم قال: لكن زوال يقين اختلاط المحرم بالنكاح منهن يضعف التقييد بقوله إلى أن يبقى محصور ويقوي القياس
على الأواني وعدم النظر للإحتياط المذكور اه.
بنوع تصرف (قوله: وإن قدر الخ) غاية لحل نكاحه من شاء إلى أن تبقى واحدة: أي يحل له ذلك وإن كان قادرا على نكاح امرأة متيقنة الحل بأن تكون من غير النسوة التي اختلطت محرمة بهن.
قال في التحفة بعد الغاية المذكورة: خلافا للسبكي.
فأفاد أنها للرد عليه (قوله: أو بمحصورات) معطوف على النسوة: أي أو اختلطت محرمة بنسوة محصورات (قوله: كعشرين بل مائة) عبارة البجيرمي: قوله كعشرين - أي ومائة ومائتين، وغير المحصور كألف وتسعمائة وثمانمائة وسبعمائة وستمائة، وما بين الستمائة والمائتين يستفتى فيه القلب: أي الفكر، فإن حكم بأنه يعسر عده كان غير محصور، وإلا كان محصورا.
اه.
شيخنا.
وفي الزيادي: أن غير المحصور خمسمائة فما فوق، وأن المحصور مائتان فما دون، وأما الثلثمائة والأربعمائة فيستفتى فيه القلب.
قال: والقلب إلى التحريم أميل.
اه.
(قوله: نعم إن قطع بتميزها) أي المحرمة المختلطة بمحصورات.
وهو استدراك على قوله لم ينكح منهن شيئا.
وقوله لم يحرم غيرها: أي غير المتميزة بالسواد.
وذلك الغير هو من لا سواد فيه.
وقوله كما استظهر شيخنا أي في فتح الجواد، وعبارته، نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها.
اه.
وتأمل هذا الاستدراك فإنه إذا قطع بتمييز محرمة بصفة، فلا التباس حينئذ.
وخرج عن موضع المسألة الذي هو اختلاط محرمة بغير محرمة، إذ الذي يظهر أن المراد بالاختلاط الإلتباس وعدم التمييز، ويدل لما ذكرته عبارة الجمل على شرح المنهج ونصها: قوله ولو اختلطت محرمة الخ، فيه إشارة إلى أنه ليس ثم علامة يحتمل بها تمييز.
اه (قوله: تنبيه) أي في بيان نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يشترط أيضا) أي كما يشترط ما تقدم(3/338)
من خلو الزوجة من نكاح وعدة ومن التعيين وعدم وجود محرمية (قوله: في المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها ويزوج عليها والمراد في حل نكاحها.
ومثل المنكوحة الأمة التي يريد التسري بها (قوله: كونها مسلمة) أي لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) وقوله أو كتابية: أي لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * (2) أي حل لكم.
ويشترط فيها أن تكون يهودية أو نصرانية.
والأولى هي المتمسكة بالتوراة، والثانية هي المتمسكة بالإنجيل.
وأما إذا لم تكن كذلك كالمتمسكة بزبور داود ونحوه، كصحف شيث وادريس وابراهيم عليه الصلاة والسلام - فلا تحل لمسلم.
قيل: لأن ذلك لم ينزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحي إليهم معانيه.
وقيل لأن حكم ومواعظ، لا أحكام وشرائح (قوله: خالصة) صفة لكتابية.
وخرج بها المتولدة من كتابي ونحو وثنية فتحرم، كعكسه،
تغليبا للتحريم (قوله: ذمية كانت أو حربية) تعميم في الكتابية: أي لا فرق فيها بين أن تكون ذمية، وهي التي عقد لها الإمام ذمة على أن عليها كل سنة دينارا، أو حربية، وهي التي حاربتنا ونابذتنا، (قوله: فيحل الخ) الأولى والأخصر في التعبير أن يقول وشرط فيها إذا كانت إسرائيلية الخ، وذلك لأن عبارته توهم أن الإسرائيلية غير الكتابية المتقدمة.
وعبارة المنهج وشرحه: وشرطه، أي حل نكاح الكتابية الخالصة في إسرائيلية الخ.
اه.
وهي ظاهرة (قوله: مع الكراهة) أي لأنه يخاف من الميل إليها الفتنة في الدين، والحربية أشد كراهة لأنها ليست تحت قهرنا، وللخوف من إرقاق الولد حيث لم يعلم أنه ولد مسلم.
ومحل الكراهة إن لم يرج إسلامها ووجد مسلمة تصلح ولم يخش العنت، وإلا فلا كراهة، بل يسن (قوله: نكاح الإسرائيلية) نسبة إلى إسرائيل: وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام (قوله: بشرط أن لا يعلم دخول إلخ) أي بأن علم دخوله فيه قبل البعثة أو شك فيه، فإن علم دخوله فيه بعدها لا يصح نكاحها لسقوط فضيلة ذلك الدين بالشريعة الناسخة له فلم يدخل فيه وهو حق (قوله: أول آبائها) عبارة م ر: والمراد بأول آبائها أول جد يمكن انتسابها إليه، ولا نظر لمن بعده.
وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم.
اه.
وقوله ولا نظر لمن بعده: أي الذي هو أنزل منه، فلا يضر دخوله فيه بعد البعثة الناسخة (قوله: في ذلك الدين) أي الذي هي متلبسة به، وهو دين اليهودية أو النصرانية (قوله: بعد بعثة عيسى) ليس بقيد.
فالمراد بعد بعثة تنسخه كبعثة موسى فإنها ناسخة لما قبلها، وبعثة عيسى فإنها ناسخة لبعثة موسى، وكبعثة نبينا فإنها ناسخة لبعثة عيسى.
فالشرائع الناسخة ثلاث، فلا عبرة بالتمسك بغيرها، ولو فيما بينها، فلا تحل المنسوبة إلى هذا الغير.
وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة.
وبين مولى عيسى وهجرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ستمائة وثلاثون سنة.
ذكره السيوطي في التحبير في علم التفسير.
كذا في ش ق (قوله: وإن علم دخوله إلخ) غاية في حل نكاح الإسرائيلية التي لم يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل بعثة تنسخه، أي يحل نكاحها وإن علم دخول أول آبائها بعد التحريف.
قال البجيرمي: أي وإن لم يجتنبوا المحرف.
اه.
(قوله: ونكاح غيرها) معطوف على نكاح الإسرائيلية: أي ويحل نكاح الكتابية غير الإسرائيلية (قوله: بشرط أن يعلم) أي بالتواتر أو بشهادة عدلين أسلما لا بقول المتعاقدين على المعتمد.
ز ي.
وقوله دخول أول آبائها فيه: أي في ذلك الدين، وقوله قبلها: أي قبل بعثة تنسخه، واحترز به عما إذا علم دخوله فيه بعدها أو شك فيه فإنه لا يصح نكاحها.
وقوله إن تجنبوا المحرف: فلو علم دخوله فيه قبلها وبعد التحريف ولم يتجنبوا المحرف لا يصح أيضا نكاحها.
(وأعلم) أنه إذا نكح الكتابية مطلقا، اسرائيلية كانت أو لا، بالشروط السابقة تكون كالمسلمة، في نحو نفقة وكسوة
وقسم وطلاق، بجامع الزوجية المقتضية لذلك.
وله إجبارها، كالمسلمة، على غسل من حدث أكبر، كجنابة وحيض، ويغتفر منها عدم النية للضرورة.
وعلى تنظيف وعلى ترك تناول خبيث، كخنزير، وبصل، ومسكر، لتوقف التمتع أو * (ال
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 221.
(2) سورة المائدة، الاية: 5(3/339)
كماله على ذلك (قوله: ولو أسلم) شروع في حكم الكافر إذا أسلم وتحته كافرة.
وقد أفرده الفقهاء بترجمة مخصوصة.
وقوله كتابي: أي ولو كان إسلامه تبعا لأحد أبويه (قوله: وتحته كتابية) حرة كانت أو أمة إذا كان هو ممن يحل له الأمة (قوله: دام نكاحه) أي بالإجماع لأنها تحل له ابتداء.
وقوله وإن كان: أي إسلامه قبل الدخول بها.
وهو غاية لدوام النكاح (قوله: أو وثني) أي أو لو أسلم وثني: أي عابد وثن، أي صنم، قيل: الوثن هو غير المصور.
والصنم هو المصور (قوله: وتحته وثنية) أي والحال أن تحت هذا الوثني الذي أسلم وثنية.
وقوله فتخلفت: أي لم تسلم معه.
وقوله قبل الدخول: متعلق بأسلم المقدر قبل قوله وثني: أي أسلم قبل الدخول بها، أي الوطئ ولو في الدبر، ومثله استدخال المني.
وقوله تنجزت الفرقة: أي وقعت حالا وهي فرقة فسخ لا فرقة طلاق.
وهذا جواب لو المقدرة بعد أو وقبل أسلم المقدر (قوله: أو بعده) أي أو لو أسلم بعد الدخول.
وقوله وأسلمت في العدة: أي قبل انقضائها (قوله: دام نكاحه) جواب لو المقدرة في قوله أو بعده، كما علمت من الحل (قوله: وإلا) أي وإن لم تسلم في العدة بأن لم تسلم أصلا، أو أسلمت بعدها.
قال ح ل: وكذا لو أسلمت مع انقضاء العدة تغليبا للمانع.
اه.
وقوله فالفرقة من إسلامه، أي فالفرقة تتبين من حين إسلامه (قوله: ولو أسلمت) الضمير يعود على زوجة الكافر مطلقا، كتابية كانت أو وثنية، وهو أولى من عوده إلى الوثنية فقط.
وإن كانت أقرب مذكور لأنه يبقى عليه الكتابية.
وقوله وأصر أي دام زوجها الكافر، كتابيا كان أو وثنيا، على الكفر (قوله: فإن دخل بها) أي قبل إسلامها، وقوله: وأسلم: أي الزوج (قوله: وإلا) أي وإن لم يسلم في العدة، وسكت عن مفهوم دخل بها.
ولا يقال إن قوله وإلا راجع إليه أيضا لأنه يصير المعنى عليه وإن لم يدخل بها ولم يسلم في العدة تبينت الفرقة من حين إسلامها، وذلك لا يصح، لأنه إذا لم يدخل بها لا عدة حتى أنه يصح أن يقول بعده ولم يسلم في العدة.
وكان المناسب أن يجعله على نمط ما قبله بأن يقول: فإن كان أي إسلامها قبل الدخول تنجزت الفرقة، أو بعده وأسلم في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من حين إسلامها.
فتنبه.
(واعلم) أنه لم يبين حكم ما إذا أسلما معا.
وحاصله أنهما إذا أسلما معا، سواء كان قبل الدخول بها أو بعده، دام النكاح بينهما إجماعا، كما حكاه ابن المنذر وغيره، ولما رواه الترمذي وصححه أن رجلا جاء مسلما، ثم جاءت امرأته مسلمة، فقال يا رسول الله: كانت أسلمت معي.
فردها عليه وإن شك في المعية، فإن كان بعد الدخول وجمعهما الإسلام في العدة دام النكاح بينهما، أو كان قبله، فإن تصادقا على معية أو على تعاقب عمل به فيدوم النكاح بينهما في الأول وتنجز الفرقة في الثاني (قوله: وحيث أدمنا الخ) يعني حيث أدمنا النكاح بينهما: أي بأن وجدت القيود السابقة.
(وقوله: فلا يضر مقارنة مفسد) أي لعقد النكاح، أي لما يعتقدون به وجود النكاح ولو فعلا: كوطئ.
وإنما لم يضر ذلك تخفيفا عليهم لأجل الإسلام وذلك المفسد كالنكاح في العدة (قوله: هو زائل عند الإسلام) شرط في المفسد الذي لا يضر مقارنته للنكاح، أي يشترط فيه أن يزول عند الإسلام.
ويشترط أن لا يعتقدوا فساده بسبب الإسلام، وأن تكون تلك الزوجة بحيث تحل له الآن لو ابتدأ نكاحها، فإن لم يزل المفسد عند الإسلام أو زال عنده واعتقدوا فساده أو لم تحل له الآن ضر ذلك.
فلو نكح حرة وأمة ثم أسلم الزوج وأسلما معه ضر ذلك، إذ لا يحل له نكاح الأمة لو أراد ابتداء النكاح لها ولبقاء المفسد عنده (قوله: فتقر على نكاح في عدة) أي للغير، ولو بوطئ شبهة، وتقر أيضا على نكاح بلا ولي ولا شهود بحيث يحل نكاحها الآن.
قال في النهاية: والضابط في الحل أن تكون الآن بحيث يحل ابتداء نكاحها مع تقدم ما تسمى به زوجة عندهم.
اه.
وقوله هي منقضية عند الإسلام، فلو لم تكن منقضية عنده لا تقر عليه لبقاء المفسد عند الإسلام (قوله: وعلى غصب الخ) معطوف على قوله على نكاح: أي ويقر على غصب حربي لحربية إن اعتقدوا الغصب نكاحا(3/340)
صحيحا إقامة للفعل مقام القول وإنما لم يضر ذلك هنا للضابط المار عن م ر.
وخرج بقوله غصب حربي لحربية ما لو غصب ذمي ذمية واتخذها زوجة فإنهم لا يقرون وإن اعتقدوه نكاحا، لأن على الإمام دفع بعضهم عن بعض.
كذا في المغني (قوله: وكالغصب المطاوعة) أي فيقر على مطاوعة حربية لحربي في النكاح (قوله: ونكاح الكفار صحيح) أي محكوم بصحته رخصة، ولقوله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * (1) وقوله: * (وقالت امرأة فرعون) * (2) فلو ترافعوا إلينا لا نبطله.
وفي النهاية: والأوجه أنه ليس لنا البحث عن اشتمال أنكحتهم على مفسد أو لا، لأن الأصل في أنكحتهم الصحة كأنكحتنا.
قال الرشيدي: أي ليس لنا البحث بعد الترافع إلينا والمراد أن لا يبحث على اشتماله على مفسد، ثم ينظر هل هذا المفسد باق فننقض العقد أو زائل فنبقيه؟ فما مر، من إنا ننقض عقدهم المشتمل على مفسد غير زائل، محله إذا ظهر
لنا ذلك من غير بحث وإلا فالبحث علينا ممتنع.
اه.
(قوله: ولا يصح نكاح الجنية الخ) قد تقدم الكلام على ذلك.
فلا تغفل (قوله: كعكسه) أي نكاح الجني لإنسية (قوله: وشرط في الزوج إلخ) شروع في بيان شروط الزوج الذي هو أحد الأركان (قوله: تعيين) أي بما مر من كونه بالوصف أو الإشارة (قوله: فزوجت بنتي أحدكما باطل) قال في التحفة: مطلقا، أي سواء كان نوى الولي معينا منهما أم لا، قال ع ش: وعليه فلعل الفرق بين هذا وبين زوجتك إحدى بناتي ونويا معينة حيث صح، ثم لا هنا: أنه يعتبر من الزوج القبول، فلا بد من تعيينه ليقع الإشهاد على قبوله الموافق للإيجاب، والمرأة ليس العقد والخطاب معها والشهادة تقع على ما ذكره الولي فاغتفر فيها ما لا يغتفر في الزوج.
اه.
(قوله: ولو مع الإشارة) أي للمخاطبين: بأن قال زوجت أحد هذين الرجلين، لا للأحد الذي يريد التزويج، بأن قال زوجت هذا منهما لأنه حينئذ معين، فهو يأتي فيه ما سبق في قوله ولو مع الإشارة بعد قوله فزوجتك إحدى بناتي باطل، وهو ساقط من عبارة التحفة والنهاية وشرح المنهج، وهو الأولى (قوله: وعدم محرمة) هي تقرأ بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء المخففة.
وهذا شروع فيما حرمته، لا على التأبيد، بل من جهة الجمع في العصبة، وهو جمع بين الأختين والمرأة وعمتها أو خالتها ولو بواسطة، وذلك لقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الاختين) * (3) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، لا الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى رواه أبو داود وغيره.
والمعنى في ذلك ما فيه من قطيعة الرحم بسبب ما يحصل بينهما من المخاصمة المؤدية إلى البغضاء غالبا، وهذا في الدنيا.
وأما في الآخرة فلا حرمة فيه لانتفاء علة التحريم، إذ لا تباغض فيها ولا حقد ولا غل.
قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (4) (قوله: للمخطوبة) متعلق بمحذوف صفة لمحرمة: أي محرمة كائنة للمخطوبة: أي وشرط عدم وجود امرأة محرمة تحته لمن يريد أن يخطبها (قوله: بنسب أو رضاع) تعميم في المحرمة، ولو قدمه على قوله للمخطوبة لكان أولى وخرج بهما المصاهرة فلا تقتضي حرمة الجمع، فيجوز الجمع بين امرأة وأم زوجها أو بنت زوجها، وإن حرم تناكحهما لو فرضت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى (قوله: تحته) متعلق بمحذوف صفة ثانية لمحرمة، وكان الأولى تقديمه على قوله للمخطوبة.
والمراد تحته حقيقة وهي غير المطلقة رأسا وحكما، وهي المطلقة طلاقا رجعيا بدليل الغاية بعده (قوله: ولو في العدة) غاية لاشتراط عدم وجود محرمة تحته للمخطوبة: أي يشترط ذلك ولو كانت المحرمة في العدة.
وقوله الرجعية: صفة للعدة، أي العدة التي تجوز الرجعة فيها بأن كانت مطلقة طلاقا رجعيا (قوله: لأن الرجعية الخ) علة لمقدر مرتبط بالغاية، أي وإنما اشترط أن لا يكون
__________
(1) سورة المسد، الاية: 4.
(2) سورة القصص، الاية: 9.
(3) سورة النساء، الاية: 23.
(4) سورة الاعراف، الاية: 43(3/341)
تحته محرمة للمخطوبة كائنة في عدة رجعية مع أنها مطلقة لأنها رجعية، وهي كالزوجة، بدليل صحة التوارث بينهما لو مات أحدهما في هذه العدة (قوله: فإن نكح محرمين في عقد) أي فإن جمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين وقعا معا، بأن قال الولي له زوجتك بناتي فقبل نكاحهما معا، أو جهل السبق والمعينة، أو علم السبق لكن جهلت السابقة فيبطل نكاحهما معا في الجمع، (وقوله: أو في عقدين الخ) أي أو نكح محرمين في عقدين بطل الثاني.
وهذا إذا كانا مرتبين وعرفت السابقة، وإلا بطلا معا، كما علمت (قوله: وضابط من يحرم الجمع بينهما كل الخ) إعراب هذا التركيب ضابط مبتدأ أول، ولفظ كل مبتدأ ثاني.
(وقوله: يحرم تنكاحهما) خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول.
(وقوله: إن فرضت إلخ) مرتبط بقوله يحرم تنكاحهما: أي يحرم تنكاحهما لو فرضت إحداهما ذكرا، وذلك كما في الأختين فإنه لو فرضت إحداهما ذكرا مع كون الأخرى أنثى حرم تناكحهما، لأن الشخص يحرم عليه نكاح أخته، وكما في المرأة وعمتها فإنه لو فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح عمته، ولو فرضت العمة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخيه، وكما في المرأة وخالتها فإنه لو فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح خالته، ولو فرضت الخالة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخته.
(واعلم) أن من حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما أيضا في الوطئ بملك اليمين، فلو تملك أختين ووطئ واحدة منهما حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى بطريق من الطرق التي تزيل الملك أو الإستحقاق كبيعها أو تزويجها، وكذلك يحرم الجمع بينهما لو كانت إحداهما زوجة والأخرى مملوكة، لكن المعقود عليها أقوى من المملوكة.
فلو عقد على امرأة ثم ملك أختها أو ملك أولا ثم عقد على أختها حلت الزوجة دون المملوكة لأن فراش النكاح أقوى من فراش الملك، إذ يتعلق به الطلاق والظهار والإيلاء وغيرها.
فلو فارق الزوجة حلت المملوكة.
وخرج بفراش النكاح وفراش الملك نفس النكاح والملك فإن الملك أقوى من النكاح لأنه يملك به الرقبة والمنفعة، بخلاف النكاح فإنه لا يملك به إلا ضرب من المنفعة، ولذلك إذا طرأ الملك على النكاح أبطله، فإذا كان متزوجا أمة ثم ملكها بطل نكاحها ولا يدخل
النكاح على الملك، فإذا ملك أمة لا يصح نكاحه لها إلا إن أعتقها ثم ينكحها (قوله: ويشترط أيضا) أي كما يشترط التعيين وعدم المحرمة، وقوله أن لا تكون تحته أربع من الزوجات، إنما اشترط ذلك لأن غاية ما يباح للحر نكاح أربع للخبر الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمن أسلم على أكثر من أربع أمسك أربعا وفارق سائرهن وكأن حكمة هذا العدد موافقته لاختلاط البدن الأربعة المستولدة عنها أنواع الشهوة المستوفاة غالبا بهن.
قال ابن عبد السلام: كانت شريعة موسى تحلل النساء من غير حصر لمصلحة الرجال، وشريعة عيسى - صلى الله عليه وسلم - تمنع غير الواحدة لمصلحة النساء، فراعت شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - مصلحة النوعين (ولو كان بعضهن في العدة الرجعية) غاية في اشتراط ما ذكر (قوله: فلو نكح الحر الخ) مفرع على مفهوم الشرط المذكور (قوله: بطل) أي النكاح في المرأة الخامسة لأنها هي الزائدة على العدد المباح (قوله: أو في عقد) أي أو نكح الحر خمسا في عقد واحد بطل النكاح في الجميع، لأنه لا أولوية لإحداهن على الباقيات (قوله: أو زاد العبد الخ) معطوف على قوله نكح الحر الخ، فيكون داخلا في حيز التفريع على اشتراط أن لا يكون تحته أربع من الزوجات وهو لا يظهر، فلو قال أولا ويشترط أن لا يكون تحت الحر أربع من الزوجات وتحت العبد زوجتان سوى المخطوبة ثم فرع عليهما ما ذكر لكان التفريع ظاهرا.
فتنبه.
(وقوله: بطل كذلك) أي في الثالثة إن كان مرتبا أو في الجميع إن كن في عقد واحد، إذ العبد على نصف الحر فلا يجوز له أن ينكح ما عدا اثنتين (قوله: أما إذا كانت الخ) محترز قوله في العدة الرجعية، ويصح أن يكون محترز قوله تحته (قوله: أو إحدى الخ) معطوف على اسم كانت: أي أو(3/342)
كانت إحدى الخ.
(وقوله: في العدة) متعلق بمحذوف خبر كان ويقدر مثنى، وقوله البائن: أي التي لا يجوز فيها الرجعة، والوصف المذكور وصف المطلقة فوصف العدة به على ضرب من التجوز.
وعبارة المنهج في عدة بائن، بالإضافة، (قوله: فيصح الخ) جواب أما.
وقوله والخامسة: بالجر عطف على محرمتها: أي ويصح نكاح الخامسة.
(قوله: وشرط في الشاهدين الخ) شروع في شروط الشاهدين اللذين هما أحد الأركان أيضا.
(وقوله: أهلية شهادة) في البجيرمي ما نصه: ولا يشترط معرفة الشهود للزوجة ولا أن المنكوحة بنت فلان، بل الواجب عليهم الحضور، وتحمل الشهادة على صورة العقد حتى إذا دعوا لأداء الشهادة لم يحل لهم أن يشهدوا أن المنكوحة بنت فلان بل يشهدون على جريان العقد، كما قاله القاضي حسين.
كذا بخط شيخنا الزيادي.
شوبري.
وهو تابع لابن حجر.
وقال م ر: لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها، أو يشهدان على صوتها برؤية وجهها، بأن تكشف لهم النقاب.
وقال
عميرة: واعلم أنه يشترط في انعقاد النكاح على المرأة المنتقبة أن يراها الشاهدان قبل العقد، فلو عقد عليها وهي منتقبة ولم يعرفها الشاهدان لم يصح لأن استماع الشاهد العقد كاستماع الحاكم الشهادة.
قال الزركشي: محله إذا كانت مجهولة النسب، وإلا فيصح.
وهي مسألة نفيسة.
والقضاة الآن لا يعلمون بها، فإنهم يزوجون المنتقبة الحاضرة من غير معرفة الشهود لها اكتفاء بحضورها وإخبارها.
وعبارة م ر في الشهادة.
قال جمع: لا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما ونسبا وصورة.
اه (قوله: تأتي شروطها) أي أهلية الشهادة (قوله: وهي) أي الشروط الآتية (قوله: حرية كاملة) خرج بها من به رق ولو مبعضا لنقصه (قوله: وذكورة محققة) خرج به الأنثى والخنثى، وفيه أن هذا الشرط لم يعده في باب الشهادة من الشروط.
وعبارته هناك: وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة.
اه.
ويمكن أن يقال أنه يفهم من قوله هناك ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان فإن الرجل هو الذكر المحقق البالغ (قوله: وعدالة) هي تتحقق باجتناب كل كبيرة وإصرار على صغيرة على غلبة طاعاته على معاصيه.
ولم يذكر المروءة مع أنه عدها في باب الشهادة ويمكن أن يقال إن العدالة تستلزمها بناء على أن العدالة في العرف ملكة تمنع من اقتراف الذنوب الكبائر وصغائر الخسة، كسرقة لقمة والتنظيف بثمرة، أي نقصها من البائع وزياداتها من المشتري، والرذائل المباحة كالمشي حافيا أو مكشوف الرأس وأكل غير سوقي في سوق (قوله: ومن لازمها الخ) أي ومن لازم العدالة الإسلام والتكليف، أي فلا حاجة لعدهما (قوله: وسمع الخ) معطوف على حرية (قوله: لما يأتي) أي في الشهادات، وفيه أنه لم يذكر النطق وإن كان اشتراطه مسلما، وقد ذكره في التحفة وعبارة المؤلف هناك: وشرط الشهادة بقوله كعقد وفسخ وإقرار هو: أي إبصار وسمع لقائله حال صدوره، فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الأصوات، ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لأن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات.
قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره، وكذا لم علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما.
اه (قوله: وفي الأعمى وجه) أي بصحة شهادته.
قال في النهاية: وفي الأصم أيضا وجه، وقوله لأنه: أي الأعمى، ومثله الأصم، وقوله أهل للشهادة في الجملة: أي في بعض المحال كالشهادة في غير المرئي (قوله: والأصح لا) أي لا تصح شهادته لعدم رؤيته للموجب والقابل حال العقد والإعتماد على الصوت لا نظر له.
وقوله إن عرف الزوجين: أي من قبل عماه بأن كان عماه طارئا، والغاية لكون الأصح
عدم الصحة (قوله: ومثله الخ) أي ومثل الأعمى في عدم صحة الشهادة من بظلمة شديدة لا يرى فيها العاقدين.
وفي(3/343)
ع ش ما نصه: قوله ومثله من بظلمة شديدة تقدم في البيع أن البصير يصح بيعه للمعين وإن كان بظلمة شديدة حال العقد بحيث لا يرى أحدهما الآخر.
ولعل الفرق بين ما هنا وثم أن المقصود من شهود النكاح إثبات العقد بهما عند التنازع، وهو منتف مع الظلمة.
اه (قوله: ومعرفة لسان المتعاقدين) معطوف على أهلية شهادة في المتن، لا على حرية، كما هو ظاهر، أي وشرط معرفة الشاهدين لسان المتعاقدين الموجب والقابل فلا يكفي إخبار ثقة لهما بمعنى العقد.
قال ع ش: لكن بعد تمام الصيغة، أما قبلها بأن أخبره بمعناها ولم يطل الفصل فيصح.
اه (قوله: وعدم الخ) معطوف على أهلية شهادة: أي وشرط عدم تعين الشاهدين أو أحدهما للولاية.
ومثال تعينهما معا للولاية أخوان أذنت لهما معا أن يزوجاها (قوله: فلا يصح النكاح إلخ) شروع في أخذ محترزات الشروط المارة، فقوله بحضرة عبدين محترزا لحرية ولا فرق فيهما بين أن يكونا مبعضين أو لا، وقوله أو امرأتين محترزا لذكورة ومثلهما الخنثيان كما علمت.
نعم، إن بانا بعد العقد أنهما ذكران صح، وقوله أو فاسقين محترزا لعدالة.
(واعلم) أنه يحرم على العالم بفسق نفسه تعرض للشهادة.
وقوله أو أصمين محترزا لسمع، وقوله أو أخرسين محترز النطق، وقوله أو أعميين، محترزا لبصر.
وقوله أو من لم يفهم لسان المتعاقدين، محترز لمعرفة لسان المتعاقدين.
وقوله: ولا بحضرة متعين للولاية: محترز عدم تعيينهما أو أحدهما للولاية (قوله: فلو وكل الأب الخ) مفرع على عدم صحته بحضرة ولي متعين للشهادة (قوله: أو الأخ المنفرد) قيد به لأنه لا يتعين للولاية إلا حينئذ، فلو لم ينفرد كأن كان لها ثلاثة إخوة وعقد لها واحد منهم بإذنها له فقط وشهد الآخران، صح، كما سيصرح به قريبا فإن أذنت لكل منهم تعين أن يكون الشاهدان من غيرهم، ففي مفهوم القيد المذكور تفصيل، وإذا كان كذلك فلا يعترض بأن مفهومه أنه إذا لم ينفرد صح أن يكون شاهدا مطلقا مع أنه ليس كذلك (قوله: في النكاح) أي في عقد النكاح لموليتهما، وهو متعلق بوكل (قوله: وحضر) أي من ذكر من الأب أو الأخ المنفرد، وقوله مع آخر، أي مع شخص آخر غيره (قوله: لم يصح) أي النكاح، وهو جواب لو (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الأخ، وهو علة لعدم الصحة.
وقوله فلا يكون شاهدا: أي فلا يصح أن يكون شاهدا (قوله: ومن ثم لو شهد إلخ) أي ومن أجل التعليل المذكور لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما بأن أذنت لهذا الثالث العاقد فقط صح النكاح لعدم كونهما وليين عاقدين لها حينئذ.
وقوله وإلا بأن
عقد الثالث بوكالة من أحدهما بأن أذنت لهما وهما وكلا الثالث في عقد النكاح، ومثله ما لو أذنت للثلاثة في النكاح، وقوله فلا: أي فلا يصح النكاح بحضور الأخوين المأذون لهما في النكاح شاهدين لأنهما العاقدان في الحقيقة، والوكيل في النكاح إنما هو سفير محض (قوله: لا يشترط الإشهاد على إذن معتبرة الإذن) أي على إذن من يعتبر إذنها في صحة النكاح، وهي غير المجبرة.
نعم، يندب احتياطا ليؤمن إنكارها.
لا يقال إن التقييد بمعتبرة الإذن يوهم اشتراط الإشهاد في إذن غير معتبرة الإذن وهي المجبرة البالغة، لأنا نقول عدم اشتراط فيه مفهوم بالأولى، إذا إذنها غير شرط مستحب، وإذا لم يكن شرطا فيما الإذن فيه شرط فلأن لا يكون شرطا في غيره أولى.
فالقيد لبيان الواقع، لا للإحتراز (قوله: لأنه) أي إذنها ليس ركنا في العقد: أي ليس جزءا من أجزاء العقد والإشهاد، إنما هو شرط في العقد.
وعبارة شرح المنهج، وإنما لم يشترط لأن رضاها ليس من نفس النكاح المعتبر فيه الإشهاد، وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو ببينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه.
اه (قوله: بل هو) أي الإذن.
وقوله شرط فيه، أي في العقد(3/344)
وقوله فلم يجب الإشهاد عليه: أي على الإذن لأنه خارج عن ماهية العقد لكونه شرطا (قوله: إن كان الولي غير حاكم الخ) الأولى أن يأتي به في صورة التعميم بأن يقول: سواء كان الولي غير حاكم أو كان حاكما وقوله على الأوجه: مقابله يقول إن الحاكم لا يزوج إلا إذا ثبت عنده الإذن ببينة، ومثلها الإقرار.
وعبارة التحفة: نعم أفتى البلقيني كابن عبد السلام بأنه لو كان المزوج هو الحاكم لم يباشره إلا إن ثبت إذنها عنده.
وأفتى البغوي بأن الشرط أن يقع في قلبه صدق المخبر له بأنها أذنت له، وكلام القفال والقاضي يؤيده وعليه يحمل ما في البحر عن الأصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي لغيره ليزوج موليته.
والذي يتجه هنا ما مر في عقده بمستورين أن الخلاف إنما هو في جواز مباشرته لا في الصحة، كما هو ظاهر، لما مر أن مدارها على ما في نفس الأمر.
اه.
وفي النهاية: وما أفتى به البلقيني، كابن عبد السلام، مبني على أن تصرف الحاكم حكم، والصحيح خلافه.
اه.
(قوله: ونقل في البحر الخ) هذا مبني على غير مذكور، وهو إفتاء البغوي بأن الشرط فيما إذا كان الولي الحاكم أن يقع في قلبه صدق المخبر له كما يعلم من عبارة التحفة المارة ومن قوله بعد: أي إن وقع في قلبه صدق المخبر.
أما لو جرينا على إفتاء البلقيني المذكور في عبارة التحفة المارة - وهو أنه لا بد من ثبوت الإذن عند الحاكم، فقياسه هنا أنه لا يجوز اعتماد الصبي فيما ذكر (قوله: في قلبه) أي الغير المرسل إليه، وقوله صدق المخبر، بكسر الباء، وهو الصبي (قوله: لو زوجها وليها) أي لو زوج المولية المعتبرة الإذن وليها قبل بلوغ إذنها
إليه.
وقوله صح: أي تزويجه لها.
وقوله على الأوجه مقابله قول البغوي بعدم الصحة، ورده في التحفة بقوله: وأما قول البغوي لو زوجها وليها وكانت قد أذنت ولم يبلغه الإذن لم يصح وإن جهل اشتراط إذنها لأنه تهور محض، فهو لا يوافق قولهم العبرة في العقود حتى النكاح بما في نفس الأمر.
اه (قوله: أن كان الإذن سابقا على حالة التزويج) شرط في الصحة: أي يشترط فيها أن يتبين أنها قد أذنت له قبل التزويج فلو تبين أنها أذنت له بعد التزويج.
ومثله ما إذا لم يتبين شئ أصلا فلا يصح.
(وقوله: لأن العبرة الخ) علة الصحة.
وفي سم: قال في تجريد المزجد: أراد أن يزوج ابنة عمه وأخبره رجل أو رجلان أنها أذنت له فزوجها ثم قالا كذبنا في الإخبار، فإن قالت المرأة كنت أذنت صح النكاح، أو أنكرت صدقت بيمينها وعلى الزوج البينة بإذنها، ولو أرسلت رسولا بالإذن إلى ابن عمها فلم يأته الرسول وأتاه من سمع من الرسول وأخبره فزوجها صح النكاح، لأن هذا إخبار لا شهادة.
قاله في الأنوار.
اه (قوله: وصح النكاح) أي ظاهرا لا باطنا، وقوله بمستوري عدالة: أي شاهدين مستورة عدالتهما، وذلك لأن ظاهر المسلمين العدالة، ولأن النكاح يجري بين أوساط الناس وعوامهم، فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الأمر وشق.
قال في التحفة: ومن ثم صحح في نكت التنبيه، كابن الصلاح، أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه بمراجعة المزكين، وصحح المتولي وغيره أنه لا فرق، إذ ما طريقه المعاملة يستوي فيه الحاكم وغيره، ثم قال: والذي يتجه أخذا من قوله لو طلب منه جماعة بأيديهم مال لا منازع لهم فيه قسمته بينهم لم يجبهم إلا إن أثبتوا عنده أنه ملكهم لئلا يحتجوا بعد بقسمته على أنه ملكهم، أنه لا يتولى العقد إلا بحضرة من ثبتت عنده عدالتهما، وأن ذلك ليس شرطا للصحة، بل لجواز الإقدام، فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح، أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح، كما يأتي، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر.
اه.
وقوله وصحح المتولي أنه لا فرق.
اعتمده في النهاية والمغني.
(تنبيه) لا يصح النكاح بمستوري الإسلام والحرية، وهما من لم يعرف حالهما في أحدهما باطنا وإن كانا بمحل كل أهله مسلمون أو أحرارا، وذلك كأن وجد لقيط ولم يعرف حاله إسلاما ورقا، وإنما لم يصح بهما لسهولة الوقوف على(3/345)
الباطن فيهما.
ومثلهما في ذلك البلوغ ونحوه مما مر من الشروط.
نعم.
إن بانا مسلمين أو حرين أو بالغين مثلا بأن انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا.
أفاده حجر.
(قوله: وهما) أي مستور العدالة.
(وقوله: من لم يعرف لهما مفسق) أي لم يعرف أنهما ارتكبا مفسقا من الكبائر أو من الإصرار على الصغائر.
(وقوله: كما نص عليه) أي على الضابط المذكور،
(وقوله: واعتمده) أي هذا الضابط المنصوص عليه.
وقوله وأطالوا فيه: أي في ترجيحه، وقيل في ضابط المستورين هو من عرف ظاهرهما بالعدالة ولم يزكيا.
قال في التحفة: وهو ما اختاره المصنف وقال إنه الحق.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله أو من عرف إلخ - كأن معناه أنه شوهد منهما أسباب العدالة من ملازمة الواجبات والطاعات واجتناب المحرمات - بخلاف المذكور عن النص.
فإنه صادق بمجهولين لم يعرف حالهما ولا شوهد منهما أسباب العدالة.
وبهذا يتضح الفرق بين النص ومختار المصنف.
اه.
(قوله: وبطل الستر بتجريح عدل) أي بإخبار عدل بفسق ذلك المستور، فلو أخبر بفسق المستور عدل لم يصح النكاح.
قال في شرح الروض: وقول صاحب الذخائر الأشبه الصحة، فإن الجرح لا يثبت إلا بشاهدين ولم يوجدا: يرد بأنه ليس الغرض إثبات الجرح، بل زوال ظن العدالة، وهو حاصل بخبر العدل.
اه.
ثم إن كون الستر يبطل بتجريح عدل محله إذا كان واقعا قبل العقد، بخلافه بعده لانعقاده ظاهرا فلا بد من ثبوت مبطله، كذا في التحفة والنهاية.
(قوله: لم يلتحق بالمستور) أي فلا يصح به العقد إلا بعد مضي مدة الإستبراء وهي سنة.
قال في شرح الروض: لأن توبته حينئذ تصدر عن عادة لاعن عزم محقق.
اه (قوله: ويسن استتابة إلخ) أي احتياطا.
قال الرشيدي: أنظر ما فائدة هذه الإستتابة مع أن توبة الفاسق لا تلحقه بالمستور كما قدمه قبله؟ ولعلهم يفرقون بين ظاهر الفسق وغير ظاهره.
اه.
(قوله: ولو علم الحاكم فسق الخ) الأولى أن لا يذكر هذا ويزيد بعد قوله الآتي أو علم حاكم فيلزمه التفريق الخ، كما صنع في التحفة، ونصها: وإنما يتبين الفسق أو غيره بعلم القاضي فيلزمه التفريق بينهما إلخ.
اه.
(قوله: ولو قبل الترافع إليه) قال في فتح الجواد: لكن إن علم أن الزوج مقلد لمن لا يجيز ذلك، أي النكاح، بشاهدين فاسقين، وإلا فلا بد من الترافع إليه فيما يظهر.
اه.
بزيادة (قوله: ويصح) أي النكاح.
وقوله بابني الزوجين أو عدويهما: أي أو ابن عدو أحدهما مع ابن أو عدو الآخر (قوله: وقد يصح كون الأب شاهدا) أي فيما إذا كانت الولاية لغيره.
والمناسب تقديم هذه المسألة عند قول الشارح ولا بحضرة متعين للولاية ويذكرها بعد قوله ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة صح بأن يقول بعده أو شهد أب في نكاح بنته القنة فإنه يصح لعدم تعينه للولاية.
وقوله كأن تكون بنته قنة: أي فالولاية فيها لسيدها لا له فصح أن يكون شاهدا.
وعبارة شرح الروض: كأن تكون بنته كافرة أو رقيقة أو ابنه سفيها وأذن له في النكاح لأنه ليس عاقدا ولا العاقد نائبه.
اه (قوله: قال شيخنا وهو) أي الحكم كذلك، أي كما قاله الحناطي، ثم إن ظاهر عبارة الشارح أن هذا قول شيخه، وليس كذلك.
نعم: يفهم من عبارة شيخه ونصها: وظاهر كلام الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود وأوجبه بعض المتأخرين لامتناع الإقدام على
العقد مع الشك في شروطه.
ويرد بأن ما علل به إنما هو في الشك في الزوجين فقط لما مر أنهما المقصودان بالذات، فاحتيط لهما أكثر، بخلاف غيرهما فجاز الإقدام على العقد حيث لم يظن وجود مفسد له في الولي أو الشاهد.
ثم إن بان مفسد بان فساد النكاح، وإلا فلا.
اه.
وقوله وأوجبه بعض المتأخرين: قال سم جزم به في الكنز وأنه يأثم بتركه وإن صح العقد ما لم يبن خلل وإن ذلك هو الأوجه الأفقه، خلافا للحناطي.
اه.
(قوله: وبان بطلانه) أي تبين بطلان النكاح بعد حصوله (قوله: بحجة) متعلق ببان.
وقوله فيه: متعلق بمحذوف صفة لحجة، أي بحجة مقبولة في ثبوت النكاح وهي(3/346)
رجلان، أو علم الحاكم.
والتقييد بقوله فيه يخرج الرجل والمرأتين لأنه ليس بحجة فيه وإن كان بحجة في غيره (قوله: من بينة الخ) بيان للحجة: أي أن الحجة هي بينة تشهد بما يمنع صحته مفسرا بكونه عند العقد سواء كانت حسية أو غيرها أو علم حاكم.
قال في النهاية: حيث ساغ له الحكم بعلمه.
اه.
قال ع ش: أي بأن كان مجتهدا.
اه.
(قوله: أو بإقرار الزوجين) معطوف على بحجة: أي أو بان بطلانه بإقرار الزوجين (قوله: في حقهما) الأولى تقديمه على قوله بحجة الخ ليتصل بمتعلقه الذي هو بطلان: إذ هو متعلق به، كما في البجيرمي، والجار والمجرور الذي بعده متعلق بكل من حجة وإقرار: أي تبين بالحجة أو الإقرار بطلانه بالنسبة لما يتعلق بحق الزوجين فقط وسيذكر مفهومه.
وعبارة التحفة تقتضي تعلقه بمحذوف: أي ويعتد بالحجة أو الإقرار في حقهما ونصها: وعلم أن إقرارهما وبينتهما إنما يعتد بهما فيما يتعلق بحقهما لا غير.
ومنه يؤخذ أنه لو طلقها ثم أقيمت بينة بفساد النكاح ثم أعادها عادت إليه بطلقتين فقط، لأن إسقاط الطلقة حق لله تعالى فلا تفيده البينة أيضا.
ويحتمل خلافه.
اه.
(قوله: بما يمنع صحته) تنازعه كل من قوله بحجة وقوله أو بإقرار.
كما علمت (قوله: كفسق الشاهد) هو وجميع ما بعده تمثيل لما يمنع الصحة.
وقوله عند العقد: متعلق بفسق.
وخرج به تبين فسقه بعده أو قبله فلا يضر لجواز حدوثه في الأولى ولاحتمال توبته في الثانية.
نعم: تبينه قبل مضي زمن من الإستبراء بالنسبة للشاهد كتبينه عنده، أما بالنسبة للولي فليس كذلك لأنه لا يشترط لصحة عقده بعد التوبة مضي مدة الإستبراء، كما سيأتي (قوله: والرق والصبا) عطف على فسق: أي وكالرق والصبا، أي عند العقد فلا يضر تبينهما قبله لاحتمال الكمال عنده.
وقوله لهما: أي الشاهد والولي (قوله: وكوقوعه) معطوف على كفسق وكان الأولى حذف الكاف، كالذي قبله، أي وكوقوع النكاح في العدة الكائنة من غيره، فهو مما يمنع صحته ومما يمنع صحته أيضا الجنون والإغماء والردة عنده (قوله: وخرج بفي حقهما حق الله تعالى) أي فلا يؤثر بطلان النكاح بالنسبة لحق الله تعالى وهو
كالتخليل في المثال، فإنه لا يسقط بثبوت فساد النكاح لأنه حق الله تعالى وإن كان مقتضى ثبوت ذلك سقوطه لأنه فرع الطلاق.
وقد تبين أن لا طلاق لعدم النكاح (قوله: كأن طلقها ثلاثا الخ) في ع ش ما نصه: وقع السؤال عمن طلق زوجته ثلاثا عامدا عالما: هل يجوز له أن يدعى بفساد العقد الأول لكون الولي كان فاسقا أو الشهود كذلك بعد مدة من السنين؟ وهل له الإقدام على أن يعقد عليها من غير وفاء عدة من نكاحه الأول؟ وهل يتوقف نكاحه الثاني على حكم حاكم بصحته؟ وهل الأصل في عقود المسلمين الصحة أو الفساد؟ (وأجبنا عنه بما صورته) الحمد لله.
لا يجوز له أن يدعي بذلك عند القاضي ولا تسمع دعواه بذلك، وإن وافقته الزوجة عليه حيث أراد به إسقاط التحليل.
نعم: إن علم بذلك جاز له فيما بينه وبين الله تعالى العمل به فيصح نكاحه لها من غير محلل وإن وافقته الزوجة على ذلك ومن غير وفاء عدة منه، لأنه يجوز للإنسان أن يعقد في عدة نفسه سواء كانت عن شبهة أو طلاق، ولا يتوقف حل وطئه لها وثبوت أحكام الزوجية له على حكم حاكم، بل المدار على علمه بفساد الأول في مذهبه واستجماع الثاني لشروط الصحة المختلفة كلها أو بعضها في العقد الأول، ولا يجوز لغير القاضي التعرض له فيما فعل.
وأما القاضي فيجب عليه أن يفرق بينهما إذا علم بذلك.
والأصل في العقود الصحة فلا يجوز الإعتراض في نكاح ولا غيره على من استند في فعله إلى عقد ما لم يثبت فساده بطريقه، وهذا كله حيث لم يحكم حاكم بصحة النكاح الأول ممن يرى صحته مع فسق الولي أو الشهود.
أما إذا حكم به حاكم فلا يجوز له العمل بخلافه، لا ظاهرا ولا باطنا، لما هو مقرر أن حكم الحاكم يرفع الحلاف، ولا فرق فيما ذكر بين أن يسبق من الزوج تقليد لغير إمامنا الشافعي ممن يري صحة النكاح مع فسق الشاهد والولي أم لا.
اه (قوله: يشئ) متعلق بفساد.
وقوله مما ذكر: أي من الفسق والرق والصبا، أي وغير ما ذكر أيضا: كالجنون والردة والإغماء (قوله: فلا يقبل إقرارهما) أي بالنسبة لصحة نكاح جديد من غير تحليل (قوله: بل لا بد) أي لصحته من محلل(3/347)
(قوله: للتهمة) بضم ففتح.
وهو علة لعدم قبول إقرارهما: أي لا يقبل لاتهامهما في دعواهما فساد النكاح (قوله: ولأنه) أي التحليل المفهوم من المحلل.
وقوله حق الله: أي لا حق الزوجين (قوله: ولو أقاما) أي الزوجان ومثله أحدهما.
(وقوله: عليه) أي فساد النكاح.
(وقوله: لم تسمع) قال السبكي هو صحيح إذا أراد نكاحا جديدا كما فرضه، فلو أراد التخلص من المهر أو أرادت بعد الدخول مهر المثل، أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها اه.
وما قاله السبكي صادق عليه قول المصنف في حقهما (قوله: أما بينة الحسبة فتسمع) هذا محترز أقاما: إذ بينة الحسبة لم تقم وإنما قامت
بنفسها وشهدت.
وعبارة التحفة: وخرج بأقاما ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع.
اه.
وعبارة النهاية: ذكر البغوي في تعليقه أن بينة الحسبة تقبل، لكنهم ذكروا في باب الشهادات أن محل قبوله بينة الحسبة عند الحاجة إليها كأن طلق شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك، أما إذا لم تدع الحاجة إليها فلا.
وهنا كذلك.
نبه عليه الوالد رحمه الله تعالى.
اه.
وسيأتي أيضا للشارح، في بابها، التقييد بذلك (قوله: نعم الخ) تقييد لقوله فلا يقبل إقرارهما (قوله: أما في الباطن فالنظر لما في نفس الأمر) أي فيجوز لهما العمل بإقرارهما، فيصح نكاحه لها من غير محلل إن وافقته ومن غير وفاء عدة، لكن إن علم بهما الحاكم فرق بينهما، كما علمت ذلك من جواب ع ش المار آنفا، (قوله: ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة) أي بأن قالا كنا فاسقين عند العقد مثلا.
وهذا مفهوم قوله بإقرار الزوجين (قوله: فلا يؤثر) أي إقرار الشاهدين بما يمنع الصحة.
(وقوله: في الإبطال) أي إبطال النكاح (قوله: كما لا يؤثر) أي الإقرار.
وقوله فيه: أي الإبطال.
وقوله بعد الحكم بشهادتهما: اعترض بأن المقيس وهو قوله فلا يؤثر في الإبطال صادق بالمقيس عليه فلا حاجة إلى القياس.
وأجيب بتخصيص المقيس بما إذا كان قبل الحكم بشهادتهما ويرد عليه أنه حينئذ قياس مع الفارق، لأن النكاح تقوى بعد الحكم بشهادتهما فلا يلزم من عدم تأثير الإقرار في إبطاله حينئذ عدم تأثيره في إبطاله قبل الحكم بشهادتيهما إلا أن يقال إنه قياس أدون.
تأمل اه.
بجيرمي بتصرف (قوله: ولأن الحق) أي الذي أقرا به وهو مانع صحة النكاح.
(وقوله: ليس لهما) أي الشاهدين، واللام بمعنى على: أي ليس عليهما بل هو على الزوجين، وإذا كان كذلك فلا يصح إقرارهما بحق على غيرهما، لأن الإقرار، كما تقدم، إخبار بحق سابق عليه نفسه.
ومقتضى التعليل أنه لو كان الحق لهما قبل بالنسبة إليهما وهو كذلك.
وعبارة التحفة: نعم له أثر في حقهما، فلو حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطئ وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل: أي إن كان دون المسمى أو مثله لا أكثر، كما هو ظاهر، لئلا يلزم أنهما أوجبا بإقرارهما حقا لهما على غيرهما.
اه.
وقوله حقا لهما على غيرهما: وهو ما زاد على المسمى (قوله: فلا يقبل قولهما) أي على الزوجين، كما علمت (قوله: أما إذا أقر به) أي بما يمنع الصحة وهو مقابل قوله أو بإقرار الزوجين، والأولى أن يقول فإن أقر: بالتفريع على ما قبله، كما صنع في المنهج (قوله: فيفرق بينهما) وهي فرقة فسخ لا طلاق فلا تنقص عددا (قوله: مؤاخذة له) أي للزوج، وهو علة التفريق بينهما، (وقوله: بإقراره) أي باعترافه بما يتعين به بطلان نكاحه (قوله: وعليه) أي الزوج المقر بما يمنع الصحة.
(وقوله: نصف المهر) أي المسمى (قوله: وإلا) أي بأن دخل بها فكله: أي فعليه كله (قوله: إذ لا يقبل قوله عليهما في المهر) أي لأنه
حقها لا حقه.
(والحاصل) يسقط بإقراره حقه لا حقها لأن حكم اعترافه مقصور عليه، ولذلك لا يرثها وهي ترثه، لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين (قوله: بخلاف ما إذا أقرت) أي الزوجة.
وقوله به: أي بما يمنع صحة النكاح.
ولا بد من تخصيص ما يمنع بغير نحو محرمية: لما تقدم في مبحث الرضاع، وسيصرح به أيضا قريبا.
وعبارة التحفة: وخرج باعترافه اعترافها(3/348)
بخلل ولي أو شهود فلا يفرق به بينهما الخ.
اه.
وقوله دونه: أي الزوج (قوله: فيصدق) أي فيصدق الزوج بعدم ما أقرت به الزوجة بيمينه، فإن نكل عن اليمين حلفت وفرق بينهما (قوله: لأن العصمة بيده الخ) علة لتصديقه هو دونها: أي وإنما صدق هو لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها.
أي والأصل بقاؤها (قوله: فلا تطالبه بمهر) الأولى ولا تطالبه، بالواو، لأنه معطوف على فيصدق الواقع في جواب إذا، لا تفريع، وإنما لم تطالبه به لسقوطه بإقرارها.
ومحله ما لم تكن محجورا عليها بسفه، وإلا فلا سقوط لفساد إقرارها في المال.
ومحل سقوطه أيضا إن لم تكن قد قبضته فإن قبضته فليس له استرداده منها وكما لا تطالبه بالمهر إذا مات لا ترثه مؤاخذة لها بذلك.
وعبارة الروض ولو أقرت دونه صدق بيمينه ولكن لا ترثه ولا تطالبه بمهر.
اه.
(قوله: وعليه إن وطئ الخ) الأخصر أن يقول أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل (قوله: ولو أقرت بالإذن) أي في التزويج (قوله: ثم ادعت) أي بعد التزويج.
وقوله أنها إنما أذنت أي في التزويج وقوله بشرط صفة في الزوج أي ككونه عالما أو شريفا أو غير ذلك (قوله: ولم توجد) أي تلك الصفة المشروطة (قوله: ونفى الزوج ذلك) أي الشرط الذي ادعته (قوله: صدقت بيمينها) أي للقاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ كان القول قوله في صفته كالموكل يدعي تقييد إذنه بصفة، فينكر الوكيل.
وبحث بعضهم تصديق الزوج لأنه يدعي الصحة يرده تصديقهم للموكل وإن ادعى الفساد.
اه.
تحفة (قوله: وإذا اختلفا إلخ) هذه المسألة قد تقدمت في الشرح في مبحث الرضاع المحرم عند قوله ولو أقر رجل وامرأة الخ، فكان الأولى إسقاطها هناك استغناء عنها بما هنا أو يؤخر الكلام على صورة الإتفاق والإختلاف كلها إلى هنا، فرارا من التكرار (قوله: فادعت أنها محرمة) خرج به ما إذا ادعى هو ذلك فإنه هو المصدق مطلقا، كما تقدم، (وقوله: بنحو رضاع) أي كمصاهرة ونسب (قوله: وأنكر) أي الزوج (قوله: حلفت مدعية محرمية) جواب إذا التي قدرها الشارح، ولو قال سمعت دعوى مدعية المحرمية وحلفت عليها لكان أولى ليطابق مقابله الآتي: وهو قوله فإن رضيته لم تسمع دعواها (قوله: وصدقت) أي ولها مهر المثل لا المسمى إن وطئت، وإلا فلا
شئ لها (قوله: وبان بطلان النكاح) أي بسبب المحرمية التي ادعتها الزوجة (قوله: فيفرق بينهما) أي يفرق الحاكم بينهما وجوبا (قوله: إن لم ترضه الخ) قيد لقوله حلفت مدعية محرمية (قوله: حال العقد) أي وقت العقد، وهو متعلق بترضه.
(وقوله: ولا عقبه) معطوف على حال العقد: أي لم ترضه لا حالة العقد ولا بعده.
(وقوله: لإجبارها الخ) تعليل لتصوير عدم الرضا حالة العقد وبعده: أي أنه يتصور عدم رضاها به حالة العقد وبعده لكونها مجبرة أو لكونها أذنت للولي في التزويج ولم تعين أحدا ولم ترض بعد العقد به بنطق منها بأن تقول له رضيت بك أو تمكين من وطئه إياها (قوله: لاحتمال ما تدعيه) علة لتصديقها باليمين.
(وقوله: مع عدم سبق مناقضة) أي مع عدم تقدم شئ منها مناقض لما تدعيه، والمناقض له رضاها المتضمن لإقرارها بحلها له أو التمكين من وطئه إياها (قوله: فهو إلخ) أي ما ادعته بعد العقد من المحرمية: كقولها ابتداء أي قبل العقد، فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه: أي عليه مؤاخذة بقولها (قوله: فإن رضيت) أي حالة العقد أو بعده بأن مكنته من نفسها.
(وقوله: ولم تعتذر) أي في رضاها.
(وقوله: بنحو نسيان) الباء تصويرية متعلقة بتعذر، أي ويتصور الإعتذار بنحو نسيان في رضاها بتمكينها له بأن قالت مكنته من نفسي نسيانا لا عمدا.
(وقوله: أو غلط) بأن قالت أنا مرادي بالزوج الذي عينته زيد فغلطت وقلت عمرو (قوله: لم تسمع دعواها) أي(3/349)
لأنه سبق منها ما يناقضها وهو رضاها به فيصدق حينئذ هو ولا يفرق بينهما (قوله: وإن اعتذرت سمعت دعواها للعذر) أنظر ما فائدة سماع دعواها؟ ثم رأيت في الأنوار وشرح البهجة أن ذلك لتحليف الزوج أنه لا يعلم بينهما محرمية.
فقول الشارح بعد ولكن حلف بيان لتلك الفائدة، ونص عبارة الأنوار: ولو زوجت امرأة ثم ادعت محرمية الرضاع أو غيره فإن زوجت برضاها الصريح نطقا من شخص معين فلا يقبل دعواها إلا إذا ذكرت عذرا كغلط أو نسيان أو جهل فتسمع ويحلف الزوج على نفي العلم بالمحرمية ولا يسمع قولها ولا بينتها، وإن زوجت بغير رضاها لكونها أمة أو مجبرة أو برضاها ولم تعين الزوج سمعت دعواها أو بينتها.
وهل تصدق بيمينها ليندفع النكاح بها؟ وجهان: أحدهما نعم، وهو قول ابن الحداد والمقطوع به عند المتولي وهو الأصح عند الشيخ أبي علي الطبري وصاحب التهذيب، وأسنده إلى الإمام المعظم.
كذا في تعليق الحاوي، وهو الأصح في الروضة.
والمرجح في المحرر، والمفهوم من سياق الشرحين.
والثاني لا، بل القول قوله بيمينه على نفي المحرمية ليستمر النكاح.
وهو قول أبي زيد المروزي، والمحكي عن ابن شريح (1) وهو الأصح عند الغزالي والمذكور في الحاوي، والمفهوم من شرح اللباب.
ولو زوجت برضاها واكتفى
بسكوتها لبكارتها ثم ادعت محرمية سمعت بينتها وتصدق بيمينها.
ولو زوجت بغير رضاها ومكنت الزوج من نفسها أو اختلعت نفسها أو دخلت عليه وقامت معه فكما لو زوجت برضاها.
اه.
(قوله: ولكن حلف هو: أي الزوج لراضية اعتذرت) في العبارة إظهار في مقام الإضمار، كما لا يخفى، وهو يفيد أنه لا يحلف لراضية لم تعتذر.
وظاهر عبارة المنهاج، في باب الرضاع، أنه يحلف لها مطلقا، ونصها: وإن ادعته، أي الرضاع المحرم، فأنكر صدق بيمينه إن زوجت برضاها، وإلا فالأصح تصديقها.
اه.
(قوله: وشرط في الولي) شروع في بيان شروط الولي الذي هو أحد الأركان الخمسة.
(وقوله: عدالة) هذا شرط للولي المزوج بالولاية، أما المزوج بالملك فلا يشترط فيه.
والمراد بالعدالة في حق الولي عدم الفسق، بخلافها في الشاهد فإن المراد بها ملكة في النفس تمنع من اقتراف الذنوب الكبائر والصغائر ومن الرذائل المباحة، كما تقدم، فحينئذ العدالة في حق الولي تشمل الواسطة وهي عدم الفسق مع عدم الملكة المذكورة، وتتحقق في الصبي إذا بلغ ولم يصدر منه كبيرة ولا صغيرة ولم يحصل له تلك الملكة، وفي الفاسق إذا تاب فإنهما يزوجان حالا.
(وقوله: وحرية) أي كاملة.
(وقوله: تكليف) أي بلوغ وعقل.
وشرط أيضا اختيار وذكورة محققة وعدم إحرام، وعدم اختلاف دين.
ولو قال - كما في المنهج - وشرط في الولي اختيار وفقد مانع الولاية لكان أولى لشموله لذلك كله (قوله: فلا ولاية لفاسق) مفهوم الشرط الأول، وهو العدالة وهذا عندنا.
وأما عند الأئمة الثلاثة فتثبت الولاية للفاسق.
(وقوله: غير الإمام الأعظم) أي أما الإمام الأعظم فلا يمنع فسقه ولايته بناء على الصحيح أنه لا ينعزل بالفسق فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه.
اه.
شرح المنهج.
(وقوله: فيزوج بناته) أي إن لم يكن لهن ولي خاص غيره كالجد والأخ وإلا قدم عليه لتقدم الخاص على العام.
وقال سم: لو كانت بناته أبكارا هل يجبرهن لأنه أب أو لا بد من الإستئذان لأن تزويجه بالولاية العامة لا الخاصة: فيه نظر، ومال م ر إلى الأول.
اه (قوله: لأن الفسق نقص يقدح في الشهادة) أي يضر بها.
وقوله فيمنع الولاية: يقتضي إن كل ما يقدح في الشهادة يمنع الولاية، وليس كذلك، لأن ارتكاب خارم المروءة نقص يقدح في الشهادة ولا يمنع الولاية، ومن ثم لم يعلل م ر ولا حجر بهذا التعليل.
اه.
بجيرمي (قوله: كالرق) أي فإنه نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية.
والكاف للتنظير (قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه لا ولاية لفاسق هو المذهب (قوله: للخبر الصحيح الخ) دليل للمذهب (قوله: أي عدل) تفسير لمرشد (قوله: وقال بعضهم
__________
(1) (قوله عن ابن شريح) كذابالاصل الذى بايدينا.
اه.
مصصححه(3/350)
أنه) ، أي الفاسق يلي.
وعبارة التحفة: واختار أكثر متأخري الأصحاب أنه يلي.
اه (قوله: والذي اختاره النووي الخ) حاصل هذا القول التفصيل وهو أنه إن كان لو سلبت الولاية من الولي الخاص الفاسق انتقلت لحاكم فاسق بأن لم يوجد غيره أبقيت الولاية له، وإلا بأن كان لو سلبت لا تنتقل لحاكم فاسق بأن وجد غيره من ولي أبعد أو حاكم غير فاسق فلا تبقى له بل تنتقل عنه إلى الولي الأبعد أو للحاكم غير الفاسق إذا لم يوجد الأبعد (قوله: من بقاء الخ) بيان لما أفتى به الغزالي.
(وقوله: حيث تنتقل لحاكم فاسق) أي بأن عدم الأبعد والحاكم غير الفاسق، كما علمت، وإنما بقيت للخاص الفاسق ولم تنتقل عنه: قال في التحفة لأن الفسق عم، واستحسنه في الروضة وقال ينبغي العمل به، وبه أفتى ابن الصلاح، وقواه السبكي.
وقال الأذرعي لي منذ سنين أفتى بصحة تزويج القريب الفاسق، واختاره جمع آخرون إذا عم الفسق، وأطالوا في الإنتصار له حتى قال الغزالي من أبطله حكم على أهل العصر كلهم، إلا من شذ، بأنهم أولاد حرام.
اه.
وهو عجيب، لأن غايته أنهم من وطئ شبهة وهو لا يوصف بحرمة كحل، فصواب العبارة حكم عليهم بأنهم ليسوا أولاد حل اه.
(قوله: ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا) أي لأن الشرط عدم الفسق لا العدالة التي هي ملكة تمنع من اقتراف الذنوب الخ، كما تقدم، وفي سم ما نصه: قوله زوج حالا، قال الزركشي: فبين العدالة والفسق واسطة، ومثل بهذا وبالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق فقال ليسا بفاسقين لعدم صدور مفسق ولا عدلين لعدم حصول الملكة، وقال لا تحصل عدالة الكافر إلا بعد الإختبار.
قال الأستاذ في كنزه: وفي ذلك نظر ظاهر ومنابذة لإطلاقهم، فالصواب أن الصبي إذا بلغ رشيدا والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق يوصفان بالعدالة.
اه.
وما قاله الأستاذ لا ينبغي العدول عنه.
اه (قوله: أيضا زوج حالا) قال ع ش: أي وإن لم يشرع حالا في رد المظالم ولا في قضاء الصلوات مثلا حيث وجدت شروط التوبة بأن عزم مصمما على رد المظالم.
اه.
(قوله: على ما اعتمده شيخنا) عبارته: ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا لأن الشرط عدم الفسق لا العدالة وبينهما واسطة، ولذلك زوج المستور الظاهر العدالة.
اه.
وقوله كغيره: أي كشيخ الإسلام في شرح الروض والخطيب والرملي (قوله: لكن الذي إلخ) ضعيف (قوله: أنه) أي الفاسق الذي تاب توبة صحيحة.
(وقوله: لا يزوج إلا بعد الإستبراء) أي بسنة فإذا مضت سنة من بعد التوبة ولم يعد إلى الفسق فيها صحت ولايته، وإلا فلا (قوله: ولا لرقيق) معطوف على لفاسق: أي ولا ولاية لرقيق كله أو بعضه.
قال في شرح المنهج: لو ملك المبعض أمة زوجها، كما قاله البلقيني، بناء على الأصح من أنه يزوج بملك لا بالولاية خلافا لما أفتى به البغوي.
اه.
وقوله لما أفتى به: أي من أنه لا يزوج أصلا.
ح ل.
وخرج بقوله ولا ولاية وكالته
فتصح في القبول لا في الإيجاب عملا بالقاعدة في ضابط الوكيل وهو صحة مباشرته فيما وكل فيه لنفسه، وهو يصح أن يقبل لنفسه فيصح أن يقبل لغيره بالوكالة عنه (قوله: ولا لصبي ومجنون) معطوف أيضا على قوله لفاسق.
ولا هنا وفيما قبله للتأكيد.
أي ولا ولاية لصبي ومجنون.
وقوله لنقصهما: علة لعدم صحة ولايتهما.
وقوله أيضا: أي كنقص الرقيق (قوله: وإن تقطع الجنون) غاية في المجنون المنفية عنه الولاية، وظاهرها أن المجنون لا ولاية له أصلا ولو في زمن الإفاقة فيما إذا تقطع الجنون، وليس كذلك، بل المراد أنه حالة جنونه لا يزوج وتنتقل الولاية للأبعد ولا ينتظر زمن الإفاقة، كما في سم، وعبارته: قوله وإن تقطع الجنون، ليس المراد أنه لا ولاية له حتى في زمن الإفاقة، بل معناه أنه الأبعد يزوج في زمن الجنون ولا يجب انتظار الإفاقة، وأما هو في زمن إفاقته فيصح تزويجه.
اه.
(قوله: تغليبا لزمنه) أي الجنون على زمن الإفاقة، فكأن الكل جنون وهو علة للغاية.
وظاهرها يفيد ما أفاده ظاهر الغاية المتقدم بيانه، وليس مرادا أيضا.
فتنبه.
وقوله المقتضي: بدل من الضمير في زمنه العائد على الجنون، وهو كالعلة للتغليب المذكور.
أي(3/351)
وإنما غلب زمن الجنون على زمن الإفاقة لأن الجنون يقضي سلب العبارة والإفاقة تقتضي ثوبتها، والمانع مقدم على المثبت.
وقوله لسلب العبارة: أي عبارته كالعقود الواقعة منه وكالأقوال وغيرها.
(قوله: فيزوج الأبعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته) هذا قرينة دالة على صرف الغاية والعلة عن ظاهرهما وبيان للمراد منهما، فهو مؤيد لما سلف (قوله: نعم إن إلخ) استدراك على قوله ولا تنتظر إفاقته.
وقوله قصر زمن الجنون: أي جدا، كما في التحفة (قوله: كيوم في سنة) تمثيل للزمن القصير، وظاهر اقتصاره تبعا لشيخه في التمثيل بيوم أنه لا تنتظر إفاقته فيما إذا زاد عليه.
فانظره (قوله: وكذي الجنون ذو ألم) أي مرض.
(وقوله: يشغله) أي ذلك الألم.
(وقوله: عن النظر بالمصلحة) أي عن معرفة أحوال الأزواج وما يصلح منهم وما لا يصلح ولا ينتظر زواله، بل تنتقل الولاية للأبعد لأنه لا حد له يعرفه الخبراء (قوله: ومختل النظر) أي الفكر.
وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام.
(وقوله: بنحو هرم) أي كخبل أصلي أو طارئ، وكأسقام شغلته عن اختيار الأكفاء (قوله: ومن به الخ) عطف على ذو ألم: أي وكذي الجنون من وجد فيه بعد الإفاقة منه آثار خبل بسكون الموحدة الجنون وشبهه كالهوج والبله، وبفتحها الجنون فقط - كما يفيده كلام المصباح، وقال ع ن: الخبل فساد في العقل، والمشهور الفتح.
اه.
بجيرمي (قوله: توجب) أي تلك الآثار.
وقوله حدة: أي شدة تمنع من النظر في أحوال الأزواج.
وقوله في الخلق: بضم الخاء واللام (قوله: وينقل ضد
كل) أي من العدالة والحرية والتكليف وأضدادها ما بينه الشارح بقوله من الفسق والرق والصبا والجنون.
قال البجيرمي: وتعبيره بالنقل بالنسبة للصبا والجنون فيه مسامحة لأن النقل فرع الثبوت وهي لا تثبت لهؤلاء، إلا أن يقال ضمن ينقلها معنى يثبتها، فأطلق الملزوم وأراد اللازم، أو هو مستعمل في حقيقته ومجازه.
اه (قوله: من الفسق الخ) بيان للمضاف، وهو ضد لا للمضاف إليه الذي هو لقظ كل، كما علمت، (قوله: ولاية) مفعول ينقل.
وقوله لأبعد: متعلق به: أي ينقل الضد المذكور الولاية من الولي القريب لمن هو أبعد منه لأن القريب كالعدم (قوله: لا لحاكم) أي لا ينقلها للحاكم مع وجود ولي من الأقرباء ولو كان بعيدا، وذلك لأن الحاكم إنما هو ولي من لا ولي له، والولي هنا موجود (قوله: ولو في باب الولاء) غاية لنقل الضد الولاية للأبعد: أي أنه ينقلها له مطلقا في النسب وفي الولاء، والغاية المذكورة للرد (قوله: حتى لو الخ) حتى تفريعية على الغاية: أي فلو أعتق شخص أمته ومات عن ابن صغير وأخ كبير فإن الولاية تنتقل من الإبن لصغره للأخ الكبير ولا تنتقل للحاكم.
وقوله على المعتمد: ظاهر صنيعه حيث قيد في الولاء بقوله على المعتمد وأطلق فيما قبله أن الخلاف في نقل الولاية للأبعد أو للحاكم إنما هو في الولاء.
وهو أيضا صريح المغني وعبارته: وظاهر كلامه أنه لا فرق في ذلك - أي ثبوت الولاية للأبعد - بين النسب والولاء حتى أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كامل كانت الولاية للأخ، وهو كذلك خلافا لمن قال إنها في الولاء للحاكم، فقد نقله القمولي عن العراقيين، وصوبه البلقيني.
اه والذي يفهم من عبارة التحفة والنهاية أن الخلاف في النسب وفي الولاء ونصهما فالولاية للأبعد - نسبا فولاء فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب أو أخ كبير زوج الأب أو الأخ لا الحاكم على المنقول المعتمد، وإن نقل عن نص وجمع متقدمين أن الحاكم هو الذي يزوج، وانتصر له الأذرعي واعتمده جمع متأخرون.
وقول البلقيني الظاهر والإحتياط أن الحاكم يزوج يعارضه قوله في المسألة نصوص تدل على أن الأبعد هو الذي يزوج وهو الصواب.
اه.
وذلك لأن الأقرب حينئذ كالعدم، ولإجماع أهل السير على أنه - صلى الله عليه وسلم - زوجه وكيله عمرو بن أمية بن أم حبيبة بالحبشة من ابن عم أبيها خالد بن سعيد بن العاص أو عثمان بن عفان لكفر أبيها أبي سفيان.
ويقاس بالكفر سائر الموانع.
اه.
بتصرف.
وقولهما لا الحاكم: هو بالجر عطف على قوله للأبعد - لا على الأب أو الأخ - بدليل آخر العبارة (قوله: ولا ولاية أيضا) أي كما لا(3/352)
ولاية لرقيق الخ، وهذا مفهوم قيد ملحوظ عند قوله وشرط في الولي عدالة الخ وهو وذكورة كما نبهت عليه مع غيره في أول الشروط، وكان الأولى التصريح به (قوله: فلا تزوج امرأة نفسها ولو بإذن من وليها ولا بناتها) أي لا تملك مباشرة ذلك
ولو بإذن من وليها فيه، وذلك لآية * (فلا تعضلوهن) * إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير، وللخبرين الصحيحين لا نكاح إلا بولي الحديث، وأيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، وكرره ثلاث مرات، وصح أيضا لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية التي تزوج نفسها نعم لو لم يكن لها ولي قاله بعضهم أصلا - وهو الظاهر - وقال بعضهم يمكن الرجوع إليه، أي يسهل عادة كما هو ظاهر، جاز له أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد لأنه محكم والمحكم كالحاكم، وإلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض فيزوجها العدل غير المجتهد لا مع وجود حاكم ولو غير أهل.
أما مع وجوده فلا يزوجها إلا هو.
وخرج بتزوج ما لو وكل امرأة في توكيل من يزوج موليته أو وكل موليته لتوكل من يزوجها ولم يقل لها عن نفسك سواء قال عني أم أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح لأنها سفيرة محضة بين الولي والوكيل، بخلاف ما لو قال عن نفسك فإنه لا يصح.
ولو بلينا بامرأة نفذ تزويجها لغيرها، وكما لا يصح أن تزوج نفسها أو غيرها لا يصح أن تقبل نكاحها لأحد بولاية ولا بوكالة لأن محاسن الشريعة تقتضي فطمها عن ذلك بالكلية.
اه.
تحفة.
بتصرف (قوله: خلافا لأبي حنيفة فيهما) أي في تزويجها لنفسها وتزويجها لبناتها (قوله: ويقبل إقرار مكلفة به) أي بالنكاح ولو رقيقة أو سفيهة.
وقوله لمصدقها: أي ولو رقيقا أو سفيها، لكن يشترط تصديق الولي والسيد في الرقيقين والسفيهين.
وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله إقرار مكلفة الخ: أي وكذا عكسه: أي إقراره به مع تصديقها له.
اه.
شيخنا.
وفي ق ل على الجلال: ويقبل إقرار البالغ والعاقل بنكاح امرأة صدقته كعكسه.
وخرج بالتصديق ما لو كذبها أو عكسه فلا يثبت ولا إرث لأحدهما من الآخر لو مات، لكن لها الرجوع عن التكذيب ولو بعد موته، وحينئذ ترث منه ولا مهر لها عليه.
اه.
وفي البجيرمي: وإذا كذبها الزوج ليس لها أن تتزوج حالا، بل لا بد من تطليق الزوج لها.
فإذا كذب الزوج نفسه لم يلتفت إليه وإن ادعى أنه كان ناسيا عن التكذيب، فلو كذبته وقد أقر بنكاحها ثم رجعت عن تكذيبها قبل تكذيبها نفسها لأنها أقرت بحق له عليها بعد إنكاره، ولا كذلك هو في الأولى.
اه.
(قوله: وإن كذبها وليها) غاية في قبول إقرارها: أي يقبل إقرارها بتصديق الزوج لها ولو كان الولي كذبها، لكن محله في غير السفيهة، وإلا فلا بد من تصديقه لها، كما تقدم (قوله: لأن النكاح الخ) علة لقبول إقرارها به مع تصديقه لها.
وقوله فيثبت: أي النكاح بتصادقهما: أي ولا يؤثر إنكار الغير له (قوله: وهو أي الولي إلخ) شروع في بيان الأولياء وأحكامهم.
(واعلم) أن أسباب الولاية أربعة: الأبوة، وهي أقوى الأسباب، والعصوبة، والإعتقا، والسلطنة.
وقد عد ابن
رسلان الأولياء بقوله: ولي حرة أب فالجد ثم أخ فكالعصبات رتب إرثهم فمعتق فعاصب كالنسب فحاكم كفسق عضل الأقرب (قوله أب) هو مقدم على جميع الأولياء لأنه أشفقهم (قوله: فعند عدمه) أي الأب.
وقوله حسا: أي بأن مات.
وقوله أو شرعا: أي بأن قام به مانع من موانع الولاية السابقة كالرق والجنون والردة والعياذ بالله تعالى.
وقوله أبوه: خبر لمبتدأ محذوف: أي فعند عدم الأب وليها أبو الأب: وقوله وإن علا: أي أبو الأب، لكن بالترتيب: فالأقرب من الأجداد مقدم على الأبعد منهم (قوله: فيزوجان) تفريع على ثبوت الولاية للأب وأبيه، والمراد يزوجان على التعاقب بالترتيب السابق، كما هو ظاهر، وقوله أي الأب والجد: تفسير للضمير في يزوجان.
والمناسب لما قبله أن يبدل الجد بأبي الأب.
وقوله حيث لا عداوة ظاهرة: أي بينهما وبينها، فإن وجدت العداوة الظاهرة وهي التي لا تخفى على أهل محلتها، فليس(3/353)
لهما تزويجها إلا بإذنها، بخلاف غير الظاهرة، وهي التي تخفى على أهل محلتها فلا تؤثر، لأن الولي يحتاط لموليته لخوف لحوق العار ولغيره.
ويشترط أيضا أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة ولو غير ظاهرة، وإنما لم يعتبر ظهور العداوة فيه، كما اعتبر في الولي، لأن عداوته الخفية تحمله على إضرارها بما لا يحتمل بسبب المعاشرة (قوله: بكرا) مفعول يزوجان، وهي التي لم تزل بكارتها.
وقوله أو ثيبا بلا وطئ.
أي ويزوجان ثيبا لكن بشرط أن تكون ثيوبتها حصلت من غير وطئ (قوله: لمن زالت الخ) الأولى أن يقول كأن زالت الخ بجعله تمثيلا للثيب بلا وطئ، ولأنه على ما قاله يحصل ركة في المقال من جهة الإظهار في مقام الإضمار، ويحصل أيضا إيهام أن المخلوقة بلا بكارة لا يزوجها الأب والجد من جهة التقييد بزوال البكارة بنحو أصبع.
وعبارة شرح المنهج: أما من خلقت بلا بكارة أو زالت بكارتها بغير ما ذكر لسقطة وحدة حيض ووطئ في دبرها فهي في ذلك كالبكر لأنها لم تمارس الرجال بالوطئ في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها.
اه.
(قوله: بغير إذنها) متعلق بيزوجان.
والضمير يعود على الواحدة الدائرة وهي البكر أو الثيب بلا وطئ (قوله: فلا يشترط الإذن منها) أي في التزويج.
نعم: يستحب استئذانها كما سيصرح به (قوله: بالغة كانت أو غير بالغة) تعميم في عدم اشتراط إذنها: أي لا يشترط ذلك مطلقا سواء كانت بالغة أو كانت غير بالغة: أي وسواء كانت أيضا عاقلة أو مجنونة (قوله: لكمال شفقته) أي المذكور من الأب والجد.
والملائم لقوله فيزوجان أن يقول شفقتهما بضمير التثنية: أي ولأنها
لم تمارس الرجال بالوطئ فهي شديدة الحياء (قوله: ولخبر الدارقطني الخ) لا يعارضه رواية مسلم والبكر يستأمرها أبوها لأنها محمولة على الندب (قوله: لكفء) متعلق بيزوجان، واللام بمعنى على: أي يزوجانها على كفء، وهو قيد في الصحة كما يدل عليه مفهومه (قوله: موسر بمهر المثل) قيد ثان في الصحة أيضا وظاهره أنه يكفي اليسار به ولو كان أقل من الصداق المسمى، وفي النهاية خلافه ونصها: ويساره بحال صداقها، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، فلو زوجها من معسر به لم يصح لأنه بخسها حقها.
اه.
وفي البجيرمي: ولو زوج الولي محجوره المعسر بنتا بإجبار وليها لها ثم دفع أبو الزوج الصداق عنه بعد العقد فلا يصح لأنه كان حال العقد معسرا.
فالطريق أن يهب الأب ابنه قبل العقد مقدار الصداق ويقبضه له ثم يزوجه.
وينبغي أن يكون مثل الهبة للولد ما يقع كثيرا من أن الأب يدفع عن الابن مقدم الصداق قبل العقد فإنه وإن لم يكن هبة إلا أنه ينزل منزلتها بل قد يدعي أنه هبة ضمنية للولد فإن دفعه لولي الزوجة في قوة أن يقول ملكت هذا لابني ودفعته لك عن صداق بنتك الذي قدر لها.
وانظر ما ضابط اليسار بالمهر: هل يشترط أن يكون فاضلا عن الدين والخادم وعن مؤنة من تلزمه مؤنته ونحو ذلك حتى لو احتاج إلى صرف شئ من المال لشئ من ذلك لا يكون موسرا أو لا يشترط ذلك؟ اه (قوله: فإن زوجها الخ) بيان لمفهوم القيد الأول (قوله: وكذا إن زوجها الخ) أي وكذلك لا يصح النكاح إن زوجها لغير موسر بالمهر، وهو بيان لمفهوم القيد الثاني (قوله: على ما عتمد الشيخان) مرتبط بما بعد وكذا (قوله: لكن الخ) الأولى عدم الإستدراك بأن يقول واختار جمع الخ (قوله: الصحة في الثانية) وهي ما إذا زوجها لغير موسر، وعليه فيكون اليسار شرطا لجواز الإقدام (قوله: ويشترط لجواز مباشرته لذلك) أي لعقد النكاح إجبارا.
(والحاصل) الشروط سبعة: أربعة للصحة - وهي التي تقدمت - أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة، ولا بينها وبين الزوج عداوة وإن لم تكن ظاهرة، وأن تزوج من كفء، وأن يكون موسرا بمهر المثل أو بحال الصداق على(3/354)
الخلاف.
فمتى فقد شرط منها كان النكاح باطلا إن لم تأذن.
وثلاث لجواز المباشرة، وهي كونه بمهر المثل، ومن نقد البلد، وكونه حالا.
وقد نظمها بعضهم بقوله: الشرط في جواز إقدام ورد حلول مهر المثل من نقد البلد كفاءة الزوج يساره بحال صداقها ولا عداوة بحال
وفقدها من الولي ظاهرا شروط صحة كما تقررا قال في التحفة: واشتراط أن لا تتضرر به لنحو هرم أو عمى وإلا فسخ، وأن لا يلزمها الحج وإلا اشترط إذنها لئلا يمنعها الزوج منه ضعيفان، بل الثاني شاذ لوجود العلة مع إذنها اه.
وقوله لوجود العلة: قال سم: أي منع الزوج لها.
اه.
(قوله: كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد) قال في النهاية: وسيأتي في مهر المثل ما يعلم منه أن محل ذلك فيمن لم يعتدن الأجل أو غير نقد البلد، وإلا جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد.
اه.
والمراد بنقد البلد ما جرت عادة أهل البلد بالمعاملة به ولو من العروض (قوله: فإن انتفيا) أي كونه بمهر المثل الحال وكونه من نقد البلد بأن كان بأقل من مهر المثل أو به لكنه مؤجل أو به حالا لكنه غير نقد البلد.
وقوله صح: أي النكاح لكن مع الإثم.
وقوله بمهر المثل: أي الحال من نقد البلد (قوله: فرع لو أقر إلخ) عبارة التحفة مع الأصل: ويقبل إقرار الولي بالنكاح على موليته إن استقل حالة الإقرار بالإنشاء وهو المجبر من أب أو جد أو سيد أو قاض في مجنونة وإن لم تصدقه البالغة لما مر أن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به غالبا، وإلا يستقل به لانتفاء إجباره حالة الإقرار: كأن ادعى وهي ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا أو لانتفاء كفاءة الزوج فلا يقبل لعجزه عن الإنشاء بدون إذنها.
اه (قوله: لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار) يرد على مفهومه ما تقدم من قبول إقرار المكلفة بالنكاح مع عدم صحة إنشائها له.
ويجاب بأن القاعدة المذكورة أغلبية، كما يعلم من عبارة التحفة المارة، أو أن ذلك مستثنى منه (قوله: بخلاف غيره) أي غير المجبر فلا يقبل إقراره لكونه لا يملك الإنشاء.
إذ هو متوقف على رضاها (قوله: لا يزوجان) أي الأب والجد.
(وقوله: ثيبا بوطئ) أي ثيبا حصلت ثيوبتها بوطئ: أي ولو من نحو قرد، ولا بد أن يكون في قبلها الأصلي وإن تعدد.
فلو اشتبه بغيره فلا بد من زوال بكارتها منهما (قوله: ولو زنا) غاية في عدم تزويج الثيب بالوطئ إلا بالإذن: أي لا يزوجانها إلا به مطلقا سواء كان الوطئ حلالا أو حراما كالزنا.
ومثله ما لو كان الوطئ وهي نائمة، وذلك لأنها بذلك تسمى ثيبا فيشملها الخبر (قوله: وإن كانت الخ) غاية ثانية لما ذكر: أي لا يزوجانها إلا بالإذن وإن كانت ثيوبتها ثبتت بإخبارها، وذلك لأنها تصدق في دعواها الثيوبة قبل العقد بيمين، كما سيأتي قريبا، (قوله: إلا بإذنها) الاستثناء لغو والجار والمجرور متعلق بيزوجان: أي لا يزوجانها إلا بإذنها.
وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة فإن لم تكن ناطقة، فإذنها بالإشارة المفهمة أو بالكتابة (قوله: للخبر السابق) وهو الثيب أحق بنفسها: أي في الإذن أو في اختيار الزوج وليس المراد أنها أحق بنفسها في العقد كما يقوله المخالف كالحنفية.
وورد أيضا لا تنكحوا الأيامي حتى تستأمروهن رواه الترمذي، لكن يرد عليه أن الأيم شاملة للبكر وللثيب فلا يكون نصا في المدعي إلا أن
يقال حتى تستأمروهن.
أي وجوبا في الثيب، وندبا في غيرها (قوله: بالغة) حال من الضمير في إذنها (قوله: فلا تزوج الثيب إلخ) مفهوم قوله بالغة.
(وقوله: العاقلة) خرجت المجنونة فيزوجها أبوها وجدها عند فقده قبل بلوغها للمصلحة.
(وقوله: الحرة) خرجت القنة فيزوجها سيدها مطلقا ثيبا أو غيرها صغيرة أو كبيرة (قوله: حتى تبلغ) الأولى إسقاطه: إذ قوله فلا تزوج مفهوم قوله بالغة، كما علمت، (قوله: لعدم اعتبار إذنها) إذ شرط اعتباره البلوغ وهو مفقود.
وإلى ذلك أشار ابن رسلان في زبده بقوله:(3/355)
والأب والجد لبكر أجبراوثيب زواجها تعذرا بل إذنها بعد البلوغ قد وجب.
(قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي في قوله بجواز تزوج الثيب الصغيرة (قوله: وتصدق المرأة البالغة في دعوى بكارة) أي قبل العقد أو بعده.
بدليل التقييد بعد في دعوى الثيوبة بكونها قبل العقد والإطلاق هنا، فإذا ادعت بعد العقد أن أباها زوجها بغير إذنها وهي بكر ليصح العقد وادعى الزوج أن أباها زوجها من غير إذنها وهي ثيب ليبطل العقد، فالمصدق هي بلا يمين، لأن الأصل بقاء البكارة وعدم إبطال النكاح، أو ادعت قبل العقد أنها بكر فزوجها أبوها من غير إذنها صح العقد (قوله: وفي ثيوبة قبل العقد) أي وتصدق في دعوى ثيوبة قبل عقد عليها بيمينها ليسقط إجبار أبيها في تزويجها عن غير إذنها فلا يجوز لأبيها أن يزوجها بغير إذنها (قوله: وإن لم إلخ) غاية في تصديقها في دعوى الثيوبة بيمينها: أي تصدق وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا للثيوبة (قوله: فلا تسئل) الأولى ولا تسئل بالواو بدل الفاء.
(وقوله: عن السبب) أي في الثيوبة ولا يكشف عنها أيضا لأنها أعلم بحالها (قوله: وخرج بقولي قبل عقد) أي دعواها الثيوبة قبل العقد (قوله: دعواها الثيوبة) فاعل خرج.
وقوله بعد أن يزوجها: الأولى زوجها، بصيغة الماضي، أي ادعت بعد التزوج أنها كانت قبله ثيبا (قوله: بظنه بكرا) أي زوجها الأب وهو يظن أنها بكر.
وخرج به ما إذا زوجها بغير إذنها معتقدا أنها ثيب فالنكاح من أصله غير صحيح، فلا يحتاج إلى دعوى ولا جواب (قوله: فلا تصدق هي) أي الزوجة في دعواها الحاصلة بعد النكاح للثيوبة (قوله: لما في تصديقها من إبطال النكاح) أي والأصل عدم إبطاله وهو علة لعدم تصديقها (قوله: مع أن الأصل بقاء البكارة) أي التي ادعاها الأب أو الزوج (قوله: بل ولو شهدت أربع نسوة) أي بعد العقد، والإضراب انتقالي.
(وقوله: عند العقد) متعلق بثبوبتها: أي شهدن بعد العقد أنها كانت ثيبا عنده فلا تقبل شهادتهن.
(وقوله: لم يبطل) أي النكاح وهو جواب لو (قوله: لاحتمال إزالتها) أي البكارة، وهو تعليل لعدم بطلان النكاح بشهادتهن، أي وإنما لم يبطل بها لاحتمال زوال البكارة من غير وطئ، وهو لا يمنع الاجبار فيكون النكاح بغير إذنها صحيحا.
وقوله نحو إصبع: أي كسقطة أو حدة حيض كما تقدم (قوله: أو خلقت بدونها) أي ولاحتمال أنها خلقت من غير بكارة، والأولى أن يقول أو خلقها، بصيغة المصدر، عطفا على إزالتها (قوله: يجوز للأب تزويج صغيرة الخ) وعليه فالتقييد بالبلوغ في قوله وتصدق المرأة البالغة ليس بشرط بالنسبة لدعوى البكارة.
وفي الخطيب: ولو وطئت البكر في قبلها ولم تزل بكارتها كأن كانت غوراء فهي كسائر الأبكار.
اه.
وفي البجيرمي عليه حادثة وقع السؤال عنها وهي: أن بكرا وجدت حاملا وكشف عليها القوابل فرأينها بكرا.
هل يجوز لوليها أن يزوجها بالإجبار مع كونها حاملا أم لا؟ فأجاب بأنه يجوز لوليها تزويجها بالإجبار وهي حامل لاحتمال أن شخصا حك ذكره على فرجها فأمنى ودخل منيه في فرجها فحملت منه من غير زوال البكارة فهو غير محترم، فيصح نكاحها في هذه الصورة مع وجود الحمل.
واحتمال كونها زنت وأن البكارة عادت والتحمت فيه إساءة ظن بها.
فعملنا بالظاهر (قوله: ثم بعد الأصل) أي الأب وأبيه وإن علا.
وقوله عصبتها: أي تكون الولاية لعصبتها.
وهذا شروع في السبب الثاني من أسباب الولاية (قوله: وهو) أي العصبة وذكره باعتبار الخبر، وهذا بيان لضابط العصبة هنا (قوله: حاشية النسب) أي طرفه، وفيه استعارة بالكناية حيث شبه النسب(3/356)
بثوب له طرف، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو حاشية.
وخرج به عصبتها من صلبها كابنها فلا يزوج ابن أمه وإن علت لأنه لا مشاركة بينه وبينها في السب.
إذ ليس هناك رجل ينسبان إليه، بل هو لأبيه وهي لأبيها فلا يعتني بدفع العار عنه.
نعم: إن كان ابنها ابن عم لها أو نحو أخ بوطئ شبهة أو معتقا لها أو قاضيا زوج بذلك السبب لا بالبنوة (قوله: فيقدم الخ) أي أنه يقدم الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث، فيقدم أخ لأبوين لإدلائه بالأب والأم فهو أقوى من غيره (قوله: فأخ لأب) أي ثم بعده يقدم أخ لأب على غيره من سائر المنازل لإدلائه بالأب (قوله: فبنوهما كذلك) أي لأبوين أو لأب (قوله: فيقدم بنو الخ) مفرع على قوله فبنوهما كذلك (قوله: فبعد ابن الأخ) المناسب لما قبله أن يقول فبعد بني الأخوة لأبوين ولأب.
وقوله عم لأبوين: أي أخو أبيها من الأب والأم.
وقوله ثم لأب: أي ثم عمها لأب أي أخو أبيها من أبيه (قوله: ثم بنوهما كذلك) أي لأبوين أو لأب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب.
ومحله إن لم يكن ابن العم لأب أخا لأم وإلا قدم على ابن العم لأبوين لأنه أقوى لإدلائه بالجد وبالأم والثاني يدلي بالجد والجدة (قوله: ثم عم
الأب) أي ثم بعد بني الأعمام يقدم عم أبيها.
وقوله ثم بنوه: أي بنو عم الأب.
وقوله كذلك: راجع لعم الأب وبنيه: أي فيقدم عم أبيها الشقيق ثم لأب ثم بنو عم أبيها الشقيق ثم لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم الجد لأبوين ثم لأب ثم بنوه ثم عم أبي الجد ثم بنوه كذلك ثم عم جد الجد ثم بنوه كذلك (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء) أي تكون الولاية لمن كان عصبة بولاء أي غير المعتقة فإنها وإن كانت عاصبة إلا أنها لا تلي النكاح (قوله: كترتيب إرثهم) أي عصبة الولاء.
وتقدم في بابه أنه يقدم ابن المعتق على أبيه وأخوه وابن أخيه على جده وعمه على أبي جده (قوله: فيقدم معتق) أي ذكر، كما علمت، ولو شاركته أنثى (قوله: فعصباته) أي فبعد المعتق عصباته، وذلك لحديث الولاء لحمة كلحمة النسب وهي بضم اللام وفتحها الخلطة، ولأن العتق أخرجها من الرق إلى الحرية، فأشبه الأب في إخراجه لها إلى الوجود (قوله: ثم معتق المعتق) أي ثم بعد فقد عصبات المعتق تكون الولاية لمعتق المعتق (قوله: ثم عصباته) أي ثم بعد معتق المعتق تكون الولاية لعصبات معتق المعتق (قوله: وهكذا) أي ثم معتق معتق المعتق ثم عصباته وهكذا (قوله: فيزوجون أي الأولياء المذكورون) أي من جهة النسب ومن جهة الولاء.
(وقوله: على ترتيب ولايتهم) أي السابق بيانه من تقديم الأخ الشقيق على غيره وهكذا.
ولا يجوز أن ينتقل إلى المنزلة الثانية مع وجود الأولى.
فعلى هذا لو غاب الشقيق لا يزوج الذي لأب بل السلطان، كما سيأتي، في كلامه (قوله: بالغة) مفعول يزوجون: أي فيزوج من بعد الأصل من العصبات بالغة: أي عاقلة حرة (قوله: لا صغيرة) أي لا يزوجون: صغيرة ولو بكرا أو مجنونة لاشتراط الإذن وهي ليست أهلا له (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي فإنه جوز للأولياء المذكورين تزوج الصغيرة (قوله: بإذن ثيب الخ) لا يخفى ما في عبارته هنا وفيما سيأتي من الإظهار في مقام الإضمار الموجب للركاكة، فلو قال ويزوجون بالغة بإذنها إن كانت ثيبا بوطئ وبصمتها إن كانت بكرا لكان أولى وأخصر.
وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة، وإلا فإشارتها المفهمة أو كتابتها كافية في الإذن، كما تقدم، وقوله لخبر الدارقطني السابق: أي وهو الثيب أحق بنفسها من وليها ووجهه أنها لما مارست الرجال بقبلها زالت غباوتها وعرفت ما يضرها وما ينفعها (قوله: ويجوز الخ) أي يصح الإذن من الثيب بلفظ الوكالة لأن المعنى فيهما واحد.
وعبارة المغني: ولو أذنت بلفظ التزويج أو التوكيل جاز على النص، كما نقله في زيادة الروضة عن حكاية صاحب البيان، لأن المعنى فيهما واحد، وإن قال الراقمي الذين لقيناهم من الأئمة لا يعدونه إذنا لأن توكيل المرأة في النكاح باطل.
اه (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل للإذن الحاصل بلفظ الوكالة (قوله: ورضيت(3/357)
الخ) لا يصح عطفه على وكلتك لأنه تمثيل لما هو بلفظ الوكالة وهذا ليس كذلك ولا عطفه على الوكالة لأنه فعل لم يؤول بالمصدر وهو لا يصح عطفه على الاسم المحض، فلعل في العبارة حذفا وهو بقولها رضيت.
ثم رأيت في فتح الجواد التصريح به وعبارته: ويجوز بلفظ الوكالة، وقوله رضيت اه.
وقيد في التحفة والنهاية والمعنى الجواز بقولها رضيت الخ بما إذا كانوا يتفاوضون في ذكر النكاح.
وعبارة الأولين واللفظ للثاني: يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي وهم في ذكر النكاح، لا إن رضيت أمي أو بما تفعله مطلقا، ولا إن رضي أبي، إلا أن تريد به ما يفعله.
اه.
وقوله وهم في ذكر النكاح.
قال الرشيدي أي وهم يتفاوضون في ذكر النكاح.
اه.
(وقوله: مطلقا) أي سواء كانوا في ذكر النكاح أم لا.
اه.
ع ش (قوله: لا بما تفعله أمي) أي لا يصح الإذن بما تفعله أمي: أي مطلقا سواء كانوا في ذكر النكاح أم لا، كما علمت (قوله: لأنها لا تعتقد) علة لعدم صحة إذنها بقولها رضيت بما تفعله أمي: أي وإنما لم يصح لأن الأم لا تعقد: أي لا تفعل العقد (قوله: ولا إن رضي أبي) أي ولا يجوز قولها رضيت إن رضي أبي قال في الروض وشرحه إلا أن تريد به رضيت بما يفعله فيكفي.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية.
وقوله أو أمي: أي ولا يكفي رضيت إن رضيت به أمي: أي مطلقا سواء أرادت به ما ذكر أم لا (قوله: وبرضيت فلانا زوجا) أي ويجوز الإذن بقولها رضيت.
وفي لتحفة ما نصه.
(تنبيه) يعلم مما يأتي أواخر الفصل الآتي أن قولها رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للإذن للولي فله أن يزوجها بلا تجديد استئذان، ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد، لكن لا يقبل قولها فيه إلا ببينة.
قال الأسنوي وغيره: ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل كما اقتضاه كلامهم.
أي لأن ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه، وقيده بعضهم بما إذا قبل الإذن وإلا كان رده أو عضله إبطالا له فلا يزوجها إلا بإذن جديد.
قيل وفيه نظر، أي لما ذكرته.
اه.
(وقوله: لما ذكرته) أي من أن ولايته بالنص الخ (قوله: وكذا بأذنت) أي وكذا يصح الإذن بأذنت له أن يعقد لي.
(وقوله: وإن لم تذكر نكاحا) أي بعد قولها يعقد لي.
وقوله على ما بحث، ويؤيده ما تقدم من أنه يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي كما نص عليه في التحفة (قوله: ولو قيل لها) أي قال ولي البالغة الثيب لها.
وقوله أرضيت بالتزويج: أي أن أزوجك ولو لم يعين لها الزوج وقوله فقالت: أي المولية رضيت، أي به، وقوله كفى: أي قولها المذكور في الإذن (قوله: وصمت بكر) بالجر عطف على بإذن: أي ويزوجون بالغة بصمت بكر، أي سكوتها، وقد علمت ما فيه.
والمعنى: أن السكوت يكفي في حقها إذا استؤذنت وإن لم تعلم أن سكوتها إذن.
وكسكوتها: قولها لم لا يجوز أن
آذن؟ جوابا لقوله لها أيجوز أن أزوجك؟ أو تأذنين؟ لأنه يشعر برضاها.
(وقوله: ولو عتيقة) أي فإنه يكفي صمتها والغاية للرد على الزركشي حيث قال في ديباجه لا يكفي سكوت العتيقة (قوله: استؤذنت) قيد في الاكتفاء بالصمت.
وخرج به صمتها مع عدم استئذانها بأن زوجت بحضورها فلا يكفي (قوله: في كفء وغيره) أي في تزويجها على كفء وغير كفء ولا يشترط معرفتها عينه (قوله: وإن بكت) غاية أيضا في الاكتفاء بصمتها: أي ويكفي وإن بكت عند الاستئذان.
وقوله لكن من غير صياح أو ضرب خد: أما إذا بكت مع صياح أو ضرب خد فلا يكفي صمتها، لأنه يشعر بعدم رضاها (قوله: لخبر الخ) دليل الاكتفاء بصمتها إذا استؤذنت.
(وقوله: والبكر تستأمر) أي تستأذن.
(وقوله: وإذنها سكوتها) إذنها خبر مقدم وسكوتها مبتدأ مؤخر، والتقدير وسكوتها كإذنها، ثم حذفت الكاف مبالغة في التشبيه وقدم المشبه به.
هكذا يتعين.
ولا يصح أن يجعل إذنها مبتدأ وسكوتها خبرا، لأن السكون ليس إذنا حتى يجعل خبرا عنه، وإنما هو كالإذن.
اه.
بجيرمي بتصرف (قوله: وخرج بثيب بوطئ الخ) الأولى تقديمه على قوله وصمت بكر.
وقوله مزالة البكارة بنحو أصبع:(3/358)
أي كسقطة وحدة حيض، كما تقدم (قوله: فحكمها) أي مزالة البكارة بنحو ما ذكر (قوله: ويندب للأب والجد استئذان البكر البالغة) أي ولو سكرانة.
قال في التحفة: وعليه، أي ندب الاستئذان، حملوا خبر مسلم والبكر يستأمرها أبوها جمعا بينه وبين خبر الدارقطني السابق: أي بناء على ثبوت قوله فيه يزوجها أبوها الصريح في الإجبار.
اه.
(قوله: أما الصغيرة الخ) محترز البالغة.
(وقوله: فلا إذن لها) أي فلا إذن معتبر منها حتى أنه يندب استئذانها (قوله: وبحث ندبه) أي الاستئذان في المميز.
قال في التحفة: لإطلاق الخبر السابق ولأن بعض الأئمة أوجبه، ويسن أن لا يزوجها حينئذ إلا لحاجة أو مصلحة، وأن يرسل لموليته ثقة لا تحتشمها، والأم أولى، ليعلم ما في نفسها.
اه.
(قوله: ولغيرهما الاشهاد على الإذن) أي ويندب لغير الأب والجد الاشهاد على الإذن: أي إذن من يشترط إذنها وهي غير المجبرة.
وكان الأولى والأخصر له أن يذكر هذا عند قوله فيما تقدم لا يشترط الإشهاد على إذن معتبرة الإذن بأن يقول بعده بل يندب، كما نبهت عليه هناك، (قوله: فرع) الأولى فروع: إذ المذكور ثلاثة: وهي قوله لو أعتق جماعة الخ، وقوله ولو أراد الخ، وقوله ولو اجتمع الخ (قوله: لو أعتق جماعة أمة) المراد بها ما فوق الواحد فيصدق بالاثنين فما فوق (قوله: اشترط رضا كلهم) أي لأن الولاء لهم كلهم (قوله: فيوكلون إلخ) أي أو يباشرون معا.
وعبارة الروض وشرحه: (فرع) وإن أعتقها اثنان اشترط رضاهما فيوكلان أو يوكل أحدهما الآخر أو يباشران معا لأن كلا منهما إنما يثبت له
الولاء على نصفها، فكما يعتبر اجتماعهما على التزويج قبل العتق يعتبر بعده.
اه.
(قوله: ولو أراد أحدهم) أي الجماعة (قوله: زوجه الباقون مع القاضي) أما الباقون فعن أنفسهم، وأما القاضي فعن المتزوج: إذ ليس له أن يزوج نفسه على موليته بنفسه (قوله: فإن مات جميعهم الخ) وإن مات أحدهم كفى موافقة أحد عصبته للآخرين.
ولو مات ولا عصبة له استقل الباقون بتزويجها.
وقوله كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد: الأولى حذف كل الأولى لأنها توهم أنه لا بد من رضا كل واحد واحد من عصبة كل واحد مع أنه يكفي واحد فقط من عصبة كل واحد (قوله: ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة) أي كبنين أو أخوة.
وقوله جاز أن يزوجها أحدهم برضاها.
(تنبيه) لم يتعرض لما إذا اجتمع الأولياء من النسب.
وحاصل ذلك أنهم إذا اجتمعوا في درجة واحدة كإخوة أشقاء أو لأب أو أعمام كذلك فإن أذنت لكل منهم بانفراد فيه أو قالت أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني منه جاز لكل منهم أن يزوجها.
واستحب أن يزوجها أفقههم بباب النكاح، ثم أورعهم، ثم أسنهم، لكن برضا الباقين.
فإن أذنت لواحد منهم فقط فلا يزوجها غيره إلا وكالة عنه.
ولو قالت لهم كلهم زوجوه اشترط اجتماعهم، فإن تشاحوا في صورة إذنها لكل واحد منهم وقال كل منهم أنا الذي أزوجها فإن اتحد الخاطب أقرع بينهم وجوبا للنزاع فمن خرجت قرعته منهم زوج، وإن تعدد فمن ترضاه، فإن رضيت الكل أمر الحاكم بتزويجها من أصلحهم (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب والولاء) أي فقدهم حسا أو شرعا.
وقوله قاض: أي تكون الولاية له (قوله: لقوله - صلى الله عليه وسلم - الخ) دليل لكون الولاية بعد فقد المذكورين تثبت للقاضي (قوله: والمراد) أي بالسلطان من له ولاية: أي عامة أو خاصة.
وأتى بهذا لدفع ما يقال إن الدليل لم يطابق المدعي إذ المدعي القاضي والذي في الدليل السلطان.
وحاصل الدفع أن المراد بالسلطان كل من له سلطنة وولاية على(3/359)
المرأة عاما كان كالإمام أو خاصا كالقاضي والمتولي لعقود الأنكحة أو هذا النكاح بخصوصه (قوله: فيزوج الخ) بيان لشروط تزويج القاضي، وذكر ثلاثة شروط: أن يكون الزوج كفؤا، وأن تكون المرأة بالغة، وأن تكون في محل ولايته (قوله: بكفء) أي على كفء.
فالباء بمعنى على.
وقوله لا بغيره: أي لا على غير كفء (قوله: بالغة) مفعول يزوج.
وقوله كائنة في محل ولايته: أي القاضي وسواء كان الزوج فيه أيضا أم لا: بأن وكل الزوج فعقد الحاكم مع وكيله، فالعبرة بالمرأة.
(وقوله: حالة العقد) الظرف متعلق بكائنة (قوله: ولو مجتازة به) غاية لصحة تزويج القاضي من هي في محل ولايته: أي يصح ذلك ولو كانت مارة في محل ولايته لا مقيمة فيه (قوله: وإن كان إذنها الخ) غاية ثانية لها أيضا: أي
يصح ذلك وإن كانت وقت الإذن خارجة عن محل ولايته لكنها بعد ذلك دخلت فيه وعقد لها وهي فيه، فالعبرة أن تكون في محل الولاية وقت العقد سواء كان إذنها له فيه أيضا أم لا (قوله: أما إذا كانت الخ) مفهوم قوله كائنة في محل ولايته الخ.
وقوله حالته: أي العقد.
وقوله فلا يزوجها.
أي فلا يزوج القاضي من خرجت عن محل ولايته لأنه ليس له عليها ولاية (قوله: وإن أذنت إلخ) غاية في عدم صحة تزويجه لها: أي لا يصح وإن أذنت له (قوله: قبل خروجها منه) أي من محل ولايته (قوله: أو كان هو فيه) غاية ثانية له أيضا: أي لا يصح أن يزوج الخارجة عن محل ولايته وإن كان الخاطب فيه.
وقوله لأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب: علة لعدم صحة تزويجه إذا كان الخاطب في محل ولايته: أي وإنما لم يصح ذلك لأن الولاية لا تتعلق بالخاطب وإنما تتعلق بها نفسها، فالعبرة بها، لا به (قوله: وخرج بالبالغة الخ) كان عليه أن يذكر مخرج القيد الأول وهو قوله بكفء، ولعله لم يذكره اتكالا على ذكره في فصل الكفاءة.
وقوله اليتيمة: أي الصغيرة ولو مراهقة (قوله: فلا يزوجها) أي اليتيمة.
(وقوله: ولو حنفيا) أي ولو كان القاضي حنفيا فإنه لا يجوز له أن يزوجها، لكن بالشرط الذي ذكره وهو إن لم يأذن له السلطان الحنفي فيه، ومفهومه أنه إذا أذن له السلطان الحنفي فيه صح تزويج القاضي لها (قوله: وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء) محله إن أمكن ذلك منها بأن بلغت تسع سنين.
(وقوله: بلا يمين) متعلق بتصدق (قوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالحيض أو الإمناء إلا منها نفسها، وهو علة لتصديقها في دعواها ما ذكر بلا يمين (قوله: لا في دعوى إلخ) أي لا تصدق في دعوي البلوغ بالسن، وهو خمس عشرة سنة، إلا ببينة، وهي رجلان، وتقدم في باب الإقرار أنه إن شهد أربع نسوة بولادتها يوم كذا قبلن ويثبت بهن السن تبعا.
(وقوله: خبيرة) أي بسنها.
(وقوله: تذكر عدد السنين) هذا قيد في ثبوت البلوغ بالسن، أي أنه لا يثبت إلا إن ذكرت البينة عدد السنين الذي يحصل به البلوغ، وهو خمسة عشرة سنة، (قوله: وعدم وليها) الجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل نصب صفة لبالغة، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله فيزوج الخ المفرع على ما إذا فقد عصبة النسب والولاء.
(وقوله: أو غاب) أي أقرب أوليائها الخ، وهو معطوف على عدم وليها، فيفيد حينئذ أنه مفرع على ما قبله وهو لا يصح، وذلك لأن موضوع الكلام السابق، كما علمت، في فقد الولي مطلقا، وهذه المواضع موجود فيها الولي، لكن تعذر فيها تزويجه بسبب غيبته أو عضله أو احرامه الخ، فناب الحاكم منابه في التزويج بسبب ذلك، فكان الأولى أن يفصله عما قبله كأن يقول: وكذا يزوج القاضي فيما إذا غاب الأقرب الخ.
ويكون شروعا في مواضع مستقلة زيادة على ما تقدم يزوج فيها الحاكم.
تأمل.
وقد نظن بعضهم هذه المواضع التي يزوج فيها الحاكم مطلقا في قوله:
ويزوج الحاكم في صور أتت منظومة تحكي عقود جواهر(3/360)
عدم الولي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مسافة قاصر وكذاك إغماء وحبس مانع أمة لمحجور توالي القادر إحرامه وتعزز مع عضله إسلام أم الفرع وهي لكافر (وزاد بعضهم عليها) .
تزويج من جنت ولم يكن مجبر بعد البلوغ فضم ذاك وبادر (وقوله: عدم الولي) أي بأن لم يكن لها ولي أصلا.
(وقوله: وفقده) أي بأن فقد، أي غاب ولم يدر موته ولا حياته ولا محله بشرط أن لا يحكم بموته حاكم، فإن حكم بموته انتقلت للأبعد.
وقوله ونكاحه: أي لنفسه بأن أراد أن يتزوأ بنت عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة فإن الحاكم يزوجها له.
وقوله مسافة قاصر: مثلها ما إذا كان دون مسافة القصر وتعذر الوصول إليه.
وقوله وكذاك إغماء: ضعيف، والمعتمد أنه ينتظر ثلاثة أيام، فإن لم يفق انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها الحاكم أصلا.
وقوله وحبس مانع: أي من الاجتماع عليه.
وقوله أمة لمحجور: أي حجر سفه بأن بلغ غير رشيد أو بذر بعد رشده ثم حجر عليه لأنه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره، بخلاف حجر الفلس فلا يمنع الولاية لكمال نظره، والحجر عليه لحق الغرماء لا لنقص فيه.
وقوله توارى القادر: أي اختفاؤه.
والقادر يحتمل أنه تكملة للبيت، ويحتمل أنه احتراز عن المكره.
وقوله إحرامه: أي بالحج أو العمرة أو بهما.
وقوله وتعزز: أي تغلب بأن يمتنع من غير توار معتمدا على الغلبة.
فالفرق بين التواري والتعزز: أن التواري الامتناع مع الاختفاء، والتعزز الامتناع مع الظهور والقوة.
وقوله مع عضله: أي عضلا لا يفسق به بأن غلبت طاعاته على معاصيه، وإلا فتنتقل للأبعد بناء على منع ولاية الفاسق.
وقوله إسلام أم الفرع: أي أم الولد يعني إذا استولد الكافر أمة ثم أسلمت فإنه يزوجها الحاكم.
وقوله ولم يك مجبر: فإن كان هناك مجبر زوجها هو، لا الحاكم، هذا حاصل ما يتعلق بشرح الأبيات المذكورة.
وقد ذكر معظم ذلك المؤلف رحمه الله تعالى (قوله: أو غاب) فاعله ضمير مستتر يعود على وليها.
وقوله بعد: أي أقرب أوليائها تفسير مراد له، ولا يقال إن الفاعل محذوف وأن هذا تقديره لأنا نقول ليس هذا من المواضع التي يجوز حذف الفاعل فيها، وفائدة هذا التفسير بيان أنه إذا غاب الأقرب لا تنتقل الولاية للأبعد بل للحاكم (قوله: مرحلتين) منصوب بإسقاط الخافض: أي إلى مرحلتين.
والمراد إلى مسافة مقدارها بسير الأثقال مرحلتان، وهذه هي مسافة القصر (قوله: وليس له الخ) الجملة حالية: أي والحال أنه ليس لهذا الغائب وكيل حاضر هي التزويج، فإن كان له وكيل حاضر قدم على السلطان على المنقول المعتمد، خلافا للبلقيني (قوله: وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي) قال سم: أي بلا يمين، ثم قال في الروض وشرحه: وهل يحلفها وجوبا على أنها لم تأذن للغائب إن كان ممن لا يزوج إلا بإذن وعلى أنه لم يزوجها في الغيبة؟ وجهان.
اه.
والأوجه الوجوب في الصورتين.
م ر.
اه (قوله: وخلوها الخ) معطوف على غيبة الولي: أي وتصدق أيضا في دعوى خلوها من النكاح ومن العدة: أي ومن سائر موانع النكاح كالإحرام والمحرمية وسيصرح بهذه المسألة في المتن (قوله: وإن لم تقم بينة بذلك) غاية في تصديقها في دعواها ما ذكر: أي تصدق مطلقا سواء أقامت بينة على ما ادعته أم لا.
قال في المغني: لأن العقود يرجع فيها إلى قوله أربابها.
اه (قوله: ويسن طلب بينة بذلك) أي بما ادعته.
وقوله منها: أي المرأة، وهو متعلق بطلب: أي طلبها منها.
وعبارة المغني: وتستحب إقامة البينة بذلك ولا يقبل فيها الإشهاد مطلع على باطن أحوالها.
اه.
وقال في التحفة: فإن ألحت في الطلب بلا بينة ولا يمين أجيبت على الأوجه، وإن رأى القاضي التأخير لما يترتب عليه حينئذ من المفاسد التي لا تتدارك.
اه (قوله: وإلا فتحليفها) أي وإلا تأت بالبينة بعد الطلب فيسن تحليفها، ويدل على ذلك عبارة الروض ونصها: ويستحب تحليفها على ذلك: أي على غيبة وليها(3/361)
وخروجها عن النكاح والعدة.
اه.
وكتب الرشيدي على قول النهاية وإلا فتحليفها ما نصه: هذا لا حاجة إليه مع قوله وتصدق في غيبة وليها، إذ من المعلوم أن تصديقها إنما يكون باليمين على أنه لا يخفى ما في تعبيره بقوله وإلا من الإيهام.
اه.
وقوله إذ من المعلوم إلخ: فيه نظر لما تقدم عن سم من أنها تصدق بلا يمين.
وكتب ع ش ما نصه: وقوله وإلا أي بأن لم تقم بينة.
وقوله فتحليفها: أي وجوبا.
اه.
وفي قوله وجوبا نظر أيضا لما تقدم عن الروض (قوله: ولو زوجها) أي القاضي.
وقوله لغيبة الولي: أي لأجل أن وليها الخاص غائب.
والمراد غائب إلى مسافة القصر بدعواها مثلا وقوله فبان: أي وليها بعد النكاح وقوله أنه قريب من بلد العقد: أي أنه كان في دون مسافة القصر، ولا بد من تقييده، أخذا مما بعد بكونه لم يتعذر الوصول إليه، وإلا كان حكمه حكم من كان في مسافة القصر (قوله: لم ينعقد) أي النكاح.
وقوله إن ثبت قربه: أي ببينة (قوله: فلا يقدح في صحة الخ) أي فلا يؤثر في صحته مجرد قوله كنت قريبا من غير أن يأتي ببينة على قوله المذكور (قوله: خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا) أي من أنه يقدح قوله المذكور في الصحة ولو لم
يأت ببينة.
وعبارة الروض وشرحه: فإن زوجت في غيبته فبان الولي قريبا من البلد عند العقد ولو بقوله، كما يؤخذ من كلام نقله الزركشي عن فتاوى البغوي، لم ينعقد نكاحها لأن تزويج الحاكم لا يصح مع وجود الولي الخاص.
اه (قوله: أو غاب إلى دونهما) معطوف على قوله أو غاب مرحلتين ومقابل له: أي أو لم يغب إلى مرحلتين بل غاب إلى دونهما لكن تعذر الوصول إليه فللقاضي أن يزوجها عند غيبته حينئذ.
وخرج بقوله لكن تعذر الوصول إليه ما إذا لم يتعذر فلا يزوج إلا بإذنه كما لو كان مقيما.
وعبارة شرح الروض: أما ما دون مسافة القصر فلا يزوج حتى يرجع الولي فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيما.
نعم: لو تعذر الوصول إليه لفتنة أو خوف ففي الجيلي أن له أن يزوج بلا مراجعة في الأصح.
اه (قوله: لخوف في الطريق) متعلق بتعذر، واللام تعليلية: أي أو تعذر لأجل خوف حاصل في الطريق.
وفي شرح الروض: قال الأذرعي والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر الوصول إليه أن القاضي يزوج.
اه.
وقوله من القتل الخ: بيان للخوف (قوله: أو فقد) معطوف على عدم وليها لأن هذا نوع ثالث، وأما الذي قبله فهو من تتمة النوع الثاني، ولذلك عطفته عليه.
وقوله أي الولي: المناسب أن يقول كسابقه، أي أقرب الأولياء، ومثله يقال فيما بعده.
(وقوله: بأن لم يعرف الخ) تصوير للفقد، وهذا هو الفارق بينه وبين العدم في قوله عدم وليها.
وحاصل الفرق أن المعدوم هو الذي عرف عدمه، والمفقود هو الذي لم يعرف عدمه ولا حياته.
(وقوله: بعد غيبة الخ) متعلق بيعرف المنفي (قوله: هذا) أي ما ذكر من تزويج القاضي عند فقد الولي إن لم يحكم بموته حاكم،.
فإن حكم به انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها القاضي (قوله: أو عضل الولي الخ) معطوف على عدم وليها أيضا.
وعبارة التحفة مع الأصل: وكذا يزوج السلطان إذا عضل القريب أو المعتق أو عصبته إجماعا، لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناعه منه أو سكوته بحضرته بعد أمره به والخاطب والمرأة حاضران أو وكيلهما أو بينة عند تعززه أو تواريه.
نعم: إن فسق بعضله لتكرره منه مع عدم غلبة طاعاته على معاصيه أو قلنا بما قاله جمع إنه كبيرة زوج الأبعد، وإلا فلا: لأن العضل صغيرة وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع المسلمين مراده أنه عند عدم تلك الغلبة في حكمها لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة.
اه.
وقوله لتكرره منه: قال في الروض: ولا يفسق إلا إذا تكرر ثلاث مرات.
اه.
(قوله: ولو مجبرا) غاية في الولي: أي لا فرق فيه بين أن يكون مجبرا أو لا (قوله: أي منع) تفسير لعضل (قوله: مكلفة) مفعول عضل، وهو قيد أول.
وقوله أي بالغة عاقلة: تفسير(3/362)
للمكلفة.
وقوله دعت: أي طلبت المكلفة، وهو قيد ثان.
وقوله إلى تزويجها: متعلق بدعت.
وقوله من كفء: متعلق
بتزويجها، وهو قيد ثالث.
وبقي من القيود أن يكون الكفء معينا، وأن يثبت عضله عند القاضي، كما تقدم، إما بامتناعه من التزويج بعد أمر القاضي له أو ببينة تشهد بعضله، فإذا فقد واحد من هذه القيود لا يكون عاضلا، فلا يجوز للقاضي أن يزوجها (قوله: ولو بدون مهر مثل) أي يحصل العضل بطلبها التزويج على كفء ولو بدون مهر المثل، وذلك لأن المهر لها لا له، فإذا رضيت به لم يكن لعضله عذر (قوله: من تزويجها) متعلق بعضل.
وقوله به: أي بالكفء، والباء بمعنى على: أي عضلها من التزويج على كفء (قوله: فروع) أي خمسة: الأول قوله لا يزوج القاضي الخ، الثاني قوله ولا يزوج غير المجبر الخ الثالث قوله ولو ثبت توارى الخ، الرابع قوله وكذا يزوج الخ، الخامس قوله وإنما يزوج للقاضي الخ (قوله: لا يزوج الخ) يعني لو عينت للولي المجبر كفؤا وهو عين لها كفؤا آخر غير كفئها لا يكون عاضلا بذلك فلا يزوجها القاضي بل تبقى الولاية له، وذلك لأن نظره أعلى من نظرها، فقد يكون معينه أصلح لها من معينها.
وقوله وقد عين هو: أي المجبر.
وقوله وإن كان معينه: بصيغة اسم المفعول، وهو غاية لعدم تزويج القاضي حينئذ: أي لا يزوج القاضي حينئذ وإن كان من عينه المجبر أقل في الكفاءة بمن عينته هي لأنه لا يكون عاضلا بذلك (قوله: ولا يزوج غير المجبر) أي موليته.
وقوله ولو أبا أو جدا: غاية لغير المجبر.
وقوله بأن كانت ثيبا: تصوير لكون الأب أو الجد غير مجبر.
وقوله إلا ممن عينته: متعلق بيزوج، والاستثناء ملغى: أي لا يزوجها إلا على من عينته.
وذلك لأن أصل تزويجها متوقف على إذنها، فإذا عينت له شخصا تعين (قوله: وإلا) أي وإن لم يزوجها على من عينته سواء أراد تزويجها على غيره أم لم يرد أصلا.
وقوله كان عاضلا: جواب إن المدغمة في لا، وحينئذ يزوجها القاضي (قوله: ولو ثبت) أي ببينة.
وقوله توارى الولي أو تعززه: في حاشية الباجوري التواري: الهرب والتعزز: كأن يقول عند طلب التزويج منه أزوجها غدا، وهكذا فكلما يسئل في ذلك يوعد.
اه.
وتقدم فرق غير هذا في شرح الأبيات المار (قوله: زوجها الحاكم) جواب لو.
والمناسب لسابقه ولاحقه أن يقول القاضي (قوله: وكذا يزوج القاضي الخ) أي ومثل كونه يزوج فيما إذا ثبت التواري أو التعزز يزوج إذا أحرم الولي: أي بحج أو عمرة أو بهما معا صحيحا كان إحرامه أو فاسدا (قوله: أو أراد نكاحها) أي وكذا يزوج القاضي إذا أراد الولي أن يتزوج بموليته، لكن بشرط أن لا يكون لها ولي مساو له في الدرجة غيره بدليل المثال بعد.
فإن كان لها ولي غيره كذلك فإنه هو الذي يزوجها لا القاضي (قوله: كابن عم) أي أراد أن يتزوج على بنت عمه.
وقوله فقد من يساويه في الدرجة: فإن لم يفقد كأن كان لها ابنا عم متساويان في الدرجة وأراد أحدهما أن يتزوج بها فإن الآخر هو الذي يزوجها لا القاضي، كما علمت، وقوله ومعتق: معطوف على ابن عم: أي وكمعتق أراد أن يتزوج على
عتيقته فإن القاضي هو الذي يزوجها عليه وتقدم في الشرح أنه لو أعتق جماعة أمة وأراد واحد منهم أن يتزوج بها فإنه يزوجها القاضي مع الباقين (قوله: فلا يزوج الأبعد الخ) هذا تصريح بما علم من قوله فيزوج القاضي الخ: إذ يعلم منه أنه إذا كان هناك ولي أبعد لا تنتقل الولاية له بل للقاضي.
وقوله في الصور المذكورة: أي في الفروع وفيما قبلها غير الصورة الأولى، أعني صورة عدم الولي، لأنه لا يتصور فيها وجود ولي أبعد، إذ المراد فيها عدم الأولياء مطلقا (قوله: لبقاء الأقرب على ولايته) تعليل لكون القاضي هو الذي يزوج في الصور المذكورة لا الأبعد: أي وإنما زوج القاضي لا الأبعد لكون الأقرب باقيا على ولايته بدليل أنه في صورة الغيبة لو رجع هو الذي يزوج، وكذلك في صورة العضل والإحرام، والأبعد إنما يزوج إذا لم تكن الولاية ثابتة للأقرب بأن كان رقيقا أو صبيا أو مجنونا.(3/363)
(والحاصل) أن الولي الأقرب في صورة الغيبة وما بعدها باق على ولايته إلا أنه لما تعذر التزويج بسبب الغيبة ونحوها ناب عنه القاضي، والأبعد إنما يزوج عند انتفاء الولاية من الأقرب.
(واعلم) أنه اختلف في الإمام: هل يزوج بالولاية أو بالنيابة الشرعية؟ على وجهين.
وذكر في فتح الجواد أن فروعا تقتضي أن تزويج السلطان بالولاية العامة، وفروعا أخر تقتضي أنه بالنيابة الشرعية، وأن الذي يتجه أنه في نحو الغيبة بنيابة اقتضتها الولاية، وعند عدم الولي يزوج بالولاية.
اه (قوله: وإنما يزوج للقاضي) اللام زائدة، وكان الأولى إسقاطها.
وقوله أو طفله: لو قال أو محجوره لكان أولى ليشمل المجنون.
وقوله إذا أراد نكاح الخ: أي لنفسه أو لمحجوره ليطابق ما قبله.
(وقوله: من ليس لها ولي) أي خاص.
(وقوله: قاض آخر) فاعل يزوج.
(وقوله: بمحل ولايته) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقاض: أي قاض آخر كائن بمحل ولاية القاضي المتزوج، والمراد أن للقاضي الآخر ولاية على محل ولاية القاضي المتزوج بأن يكون لذلك المحل قاضيان لجواز تعدد القاضي في بلدة، فإذا أراد القاضيين أن يتزوج بمن ليس لها ولي خاص زوجه الآخر عليها كابني العم المتساويين في الدرجة (قوله: إذا كانت المرأة في عمله) الضمير يعود علي القاضي الآخر، وهو بيان لقيد ثان، وهو أنه لا بد في المرأة أن تكون في محل عمل القاضي الآخر لأجل أن تكون له ولاية عليها.
وهذا القيد يغني عن القيد الأول، أعني قوله بمحل ولايته، وذلك لأنه يلزم من كونها في محل عمل القاضي الآخر أن يكون هو في محل عمل القاضي المتزوج: إذ الفرض أن للقاضي المتزوج ولاية عليها، ولذلك لم يذكره في التحفة ونصها مع الأصل: فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها غيره لنفسه أو
لمحجوره زوجه من هي في عمله سواء من فوقه من الولاة ومن هو مثله أو خليفته لأن حكمه نافذ عليه.
وإن أراده الإمام الأعظم زوجه خليفته.
اه (قوله: أو نائب القاضي) معطوف على قاض آخر: أي أو يزوجه نائبه.
وقوله أو طفله.
معطوف على الضمير المستتر في يتزوج لوجود الفصل بالضمير المنفصل.
قال في الخلاصة: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل (قوله: ثم إن لم يوجد ولي ممن مر) أي من الأصل وعصبة النسب وعصبة الولاء والقاضي.
وصريح هذا يفيد أن المحكم لا يزوج إلا عند فقد الجميع حتى القاضي، وإذ كان كذلك فلا يلائم تفصيله الآتي، أعني قوله وإن لم يكن مجتهد إذا لم يكن ثم قاض، وإلا اشترط أن يكون المحكم مجتهدا فإنه يقتضي عدم اشتراط فقد القاضي في تزويج المحكم، وتفصيله المذكور هو الموافق لصريح عبارة التحفة المار نقلها على قول الشارح، فلا تزوج امرأة نفسها، وحينئذ فكان الأولى للمؤلف أن يعبر بعبارة موافقة لما ذكر (قوله: فيزوجها محكم) بصيغة اسم المفعول.
قال في التحفة: وهل يتقيد ذلك بكون المفوض إليه في محلها كما يتقيد القاضي بمحل ولايته، أو يفرق بأن ولاية القاضي مقيدة بمحل فلم يجاوزه بخلاف ولاية هذا فإن مناطها إذنها له بشرطه فحيث وجد زوجها وإن بعد محلها؟ كل محتمل.
والثاني أقرب اه.
وفي البجيرمي: فإن لم يوجد أحد تحكمه أمرها وخافت الزنا زوجت نفسها، لكن بشرط أن يكون بينها وبين الولي مسافة القصر.
ثم إذا رجعا للعمران ووجد الناس جددا العقد إن لم يكونا قلدا من يقول بذلك.
اه.
(قوله: عدل) خرج به غيره فلا يصح تزويجه لأنه غير أهل للتحكيم.
وقوله حر: خرج به غيره فلا يصح منه ذلك لذلك (قوله: ولته) أي فوضته.
وقوله مع خاطبها: إنما قيد بذلك لأن حكم المحكم لا يفيد إلا برضاهما به معا ولا بد أن يكون لفظا فلا يكفي السكوت.
نعم يكفي سكوت البكر إذا استئذنت في التحكيم.
وقوله أمرها: مفعول ثان لولت، وفي العبارة حذف: أي وولاه الخاطب أمره لأن المرأة تفوضه أمر نفسها والخاطب كذلك يفوضه أمر نفسه (قوله: ليزوجها منه) هذه العلة عين(3/364)
الأمر المفوض إلى المحكم: إذ هو التزويج، وإذا كان كذلك فينحل المعنى ولته أن يزوجها ليزوجها، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة، فالأولى حينئذ إسقاطها (قوله: وإن لم يكن مجتهدا) غاية لقوله فيزوجها محكم عدل: أي يزوجها ذلك المحكم وإن لم يكن مجتهدا.
وقوله إذا لم يكن إلخ: قيد في جواز تزويج المحكم مطلقا وإن كان ليس بمجتهد: أي محل جواز ذلك مطلقا إذا لم يوجد ثم أي في المحل الذي حكما المحكم فيه قاض.
(والحاصل) يجوز تحكيم المجتهد مطلقا سواء وجد حاكم ولو مجتهدا أم لا، وتحكيم العدل غير المجتهد بشرط أن لا يكون هناك قاض ولو غير أهل: سواء وجد مجتهد أم لا (قوله: وإلا) أي بأن كان ثم قاض ولو غير أهل.
وقوله فيشترط: أي في صحة تزويجه أن يكون المحكم مجتهدا (قوله: نعم إن كان الحاكم الخ) استدراك على اشتراط كون المحكم مجتهدا إذا وجد قاض (قوله: فيتجه أن لها أن تولي عدلا) أي غير مجتهد.
وقوله مع وجوده: أي الحاكم المذكور (قوله: وإن سلمنا أنه) أي الحاكم لا ينعزل بذلك: أي بأخذه الدراهم (قوله: بأن علم موليه) تصوير لعدم انعزاله مع أخذه الدراهم، فإن لم يعلم منه ذلك حال التولية انعزل بأخذه الدراهم لأنه مفسق، وذلك لما سيأتي في باب القضاء من أنه إذا ولى سلطان غير أهل للقضاء مع علمه بفسقه نفذت توليته وقضاؤه وإلا بأن ظن عدالته ولو علم فسقه لم يوله فلا (قوله: ولو وطئ في نكاح الخ) المناسب ذكر هذا عند قوله فيما تقدم فلا تزوج امرأة نفسها ولا بناتها، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه، وقد قدمت الكلام عليه هناك (قوله: بلا ولي) أي ولا محكم أيضا كما هو ظاهر (قوله: كأن زوجت نفسها) أي بحضرة شاهدين عند ابن حجر، ومثله لو زوجت نفسها بلا حضرة شاهدين عند م ر (قوله: ولم يحكم حاكم بصحته) أي النكاح، فإن حكم بها وجب المسمى ولا تعزير.
وقوله ولا ببطلانه: فإن حكم به فالوطئ زنا فيه الحد، لا المهر (قوله: لزمه) جواب لو.
وقوله مهر المثل: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وإن لم يجب أرش البكارة أخذا من قوله في الروض وشرحه في البيع الفاسد وحيث لا حد يجب المهر، فإن كان بكرا فمهر للتمتع بها، وقياسا على النكاح الفاسد وأرش البكارة لإتلافها، بخلافة في النكاح الفاسد لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، وأرش البكارة مضمون في صحيح البيع دون صحيح النكاح الخ.
اه.
سم (قوله: لفساد النكاح) أي ولخبر: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، ثلاثا، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححه (قوله: ويعزر به معتقد تحريمه) أي لارتكابه محرما لا حد فيه ولا كفارة (قوله: ويسقط عنه الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء (قوله: ويجوز لقاض الخ) مثله الولي الحاضر، ولكن لا يشترط فيه ما اشترط في القاضي إذا عرف لها زوجا معينا.
(والحاصل) أنه لو ادعت المرأة أنها خلية عن النكاح والعدة ولم تعين الزوج قبل قولها وجاز للولي اعتماد قولها سواء كان خاصا أو عاما، بخلاف ما لو قالت كنت زوجة لفلان وعينته وقد طلقني أو مات فإنه لا يقبل قولها بالنسبة إلى الولي العام إلا بإثبات، بخلاف الخاص فإنه يقبل قولها بالنسبة إليه مطلقا.
والقرق بينهما أن الأول نائب الغائبين ونحوهم
فينوب عن المعين ويحتاج إلى الإثبات لئلا يفوت حقه، بخلاف الثاني (قوله: أو طلقني الخ) أي أو قالت طلقني زوجي واعتددت (قوله: ما لم يعرف) أي القاضي.
وقوله لها: أي للمرأة المدعية ما ذكر.
وقوله زوجا معينا: أي باسمه أو شخصه، كما سيصرح به فيما بعد (قوله: وإلا إلخ) مفهوم القيد.
وقوله أي وإن عرف لها زوجا: أي بنفسه بدليل قوله(3/365)
بعد أو عينته (قوله: باسمه) متعلق بعرف: أي عرفه باسمه وإن لم يعرف شخصه.
وقوله أو شخصه: أي ذاته وإن لم يعرف اسمه.
وقوله أو عينته: أي باسم العلم: كأن قالت له إن فلانا كان زوجي وقد طلقني، أو باسم الإشارة: كأن قالت هذا زوجي وقد طلقني (قوله: شرط الخ) جواب إن المدغمة في لا.
وقوله في صحة تزويج الحاكم: الأولى تزويجه، إذ المقام للإضمار (قوله: دون الولي الخاص) سيأتي محترزه (قوله: إثبات) أي ببينة.
وقوله بنحو طلاق أو موت: الباء سببية متعلقة بفراق، أي فراقه بسبب طلاق أو موت ونحوهما كالفسخ (قوله: سواء الخ) تعميم في اشتراط إثبات الفرقة، أي يشترط إثباتها ببينة مطلقا سواء أغاب الزوج أم حضر (قوله: وإنما فرقوا بين المعين) أي حيث اشترط إثبات فراقه بالنسبة للحاكم.
وقوله وغيره، أي وبين غير المعين حيث لم يشترط فيه ذلك مطلقا.
وقوله مع أن المدار العلم بسبق الزوجية، أي علم الحاكم به.
وقوله أو بعدمه، أي عدم العلم بسبق الزوجية.
وقوله حتى يعمل بالأصل، أي فيعمل.
فحتى تفريعية والفعل مرفوع، أي فحقهم إذا كان المدار على ما ذكر أن يعملوا بالأصل في كل ولا يفرقوا بين المعين وغيره.
والأصل فيما إذا علم بسبق الزوجية بقاؤها حتى يثبت ما يرفعها سواء كان الزوج معينا أو لا، والأصل فيما إذا لم يعلم بسبق الزوجية وعدمها (قوله: لأن القاضي الخ) هذا وجه الفرق، فهو علة لفرقوا.
وقوله تأكد له، أي للقاضي وهو جواب لما.
وقوله الاحتياط، أي في تزويجها (قوله: والعمل الخ) أي وتأكد له العمل بالأصل وهو بقاء الزوجية (قوله: فاشترط) أي لصحة تزويج القاضي.
وقوله الثبوت: أي الإثبات، أي إثباتها الفراق لمخالفته الأصل (قوله: ولأنها الخ) عطف على قوله لأن القاضي (قوله: باسم العلم) أي باسمه الذي هو علم عليه، فالعلم، بفتحتين، والإضافة للبيان (قوله: كأنها ادعت عليه) أي بأنه فارقها (قوله: بل صرحوا بأنها دعوى) أي حقيقة والإضراب انتقالي (قوله: فلا بد من إثبات ذلك) أي الفراق لأن على المدعي البينة (قوله: بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية الخ) أي فلا يتأكد له الاحتياط، فلم يشترط الإثبات.
وقوله من غير تعيين بما ذكر: أي بالاسم أو الشخص (قوله: فاكتفى) أي القاضي.
وقوله بالخلو عن الموانع: متعلق بإخبارها (قوله: لقول الأصحاب أن الخ) هذه العلة تقتضي عدم اشتراط الإثبات في المعين أيضا بالنسبة
للحاكم ولكنه لم يعمل بها فيه بالنسبة إليه للاحتياط ولأن تعيينها بمنزلة دعوى منها عليه، كما تقدم.
وعبارة التحفة: وإلا اشترط في صحة تزويج الحاكم لها إثباتها لفراقه.
هذا ما دل عليه كلام الشيخين، وهو المعتمد، وإن كان القياس ما قاله جمع من قبول قولها في المعين أيضا حتى عند القاضي لقول الأصحاب أن العبرة في العقود بقول أربابها.
اه.
بحذف.
(وقوله: في العقود) أي إثباتا أو رفعا فلا يرد أن المدعي هنا الفراق وهو لا يسمى عقدا (قوله: وأما الولي الخاص) محترز قوله دون الولي الخاص.
(وقوله: فيزوجها إن صدقها) أي في أنها خلية من النكاح والعدة أو أن زوجها طلقها واعتدت منه (قوله: وإن عرف زوجها الأول) غاية في صحة تزويج الولي لها (قوله: من غير إثبات الخ) متعلق بيزوجها (قوله: لكن يسن له) أي للولي الخاص.
(وقوله: كقاض لم يعرف زوجها) أي كما أنه يسن لقاض الخ.
وقوله طلب: نائب فاعل يسن.
وقوله إثبات ذلك أي ما ادعته من أنها خلية من النكاح والعدة (قوله: وفرق بين القاضي والولي الخ) هذا عين قوله أولا وإنما فرقوا الخ إلا أنه هناك جعله بين المعين وغيره.
وهنا بين القاضي والولي، ولكن الحيثية واحدة، فالأولى(3/366)
إسقاط هذا اكتفاء بذلك (قوله: حيث فصل بين المعين وغيره) أي فاشترط الإثبات في الأول دون الثاني.
وقوله في ذلك: أي في القاضي.
وقوله دون هذا: أي الولي (قوله: لأن القاضي الخ) علة الفرق.
وقوله يجب عليه الاحتياط: في سم ما نصه: والفرق أنه إذا تعين الزوج فقد تعين صاحب الحق والقاضي له، بل عليه النظر في حقوق الغائبين ومراعاتها، بخلاف الولي الخاص.
اه.
(قوله: ويجوز لمجبر وهو الأب الخ) ظاهره وإن نهته عنه لأنه لما جاز له تزويجها بغير إذنها لم يؤثر نهيها.
اه.
سم (قوله: توكيل معين) خرج المبهم كأن يقول وكلت أحدكما فلا يصح توكيله.
وقوله صح تزوجه الجملة صفة لمعين: أي معين موصوف بكونه يصح أن يتزوج هو بنفسه.
وقيد به لما تقدم في باب الوكالة من أن شرط الوكيل صحة مباشرته ما وكل فيه.
وخرج به نحو الصبي والمجنون فلا يصح توكيلهما في النكاح لعدم صحة المباشرة منهما لأنفسهما (قوله: في تزويج موليته) متعلق بتوكيل: أي توكيله في تزويج موليته (قوله: بغير إذنها) أي كما يزوجها بغير إذنها.
نعم: يسن للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها، تحفة.
وقال سم: ولو وكل بغير إذنها ثم صارت ثيبا قبل العقد فيتجه بطلان التوكيل وامتناع تزويج الوكيل لخروج الولي عن أهلية التوكيل بغير إذنها، ويحتمل خلافه.
فليراجع.
اه.
وقوله بغير إذنها: أما لو وكل بإذنها فيستصحب ولا يبطل التوكيل (قوله: وإن لم يعين المجبر الزوج) أي يجوز توكيل المجبر في التزويج وإن لم يعين للوكيل الزوج: كأن قال له وكلتك في تزويج بنتي، وذلك لأن وفور شفقته
تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بنظره واختباره، ولا ينافيه اشتراط تعيين الزوجة لمن وكله أن يتزوج له لأنه لا ضابط له فيها يرجع إليه بخلافه في الزوج فإنه يتقيد بالكفء (قوله: وعلى وكيل) أي ويجب على وكيل.
(وقوله: إن لم يعين الولي الزوج) أي للوكيل فإن عينه له اتبع ما عين له، ولا يجب عليه رعاية حظ واحتياط في أمرها.
ومفاده أنه إذا عين له غير كفء تعين وصح تزويجها عليه، وهو مسلم إن كان برضاها، وإلا فلا: لأنه لا يصح منه أن يزوجها بنفسه عليه فضلا عن التوكيل فيه (وقوله: رعاية حظ) أي لها فلا يزوج بمهر المثل، وثم من يبذل أكثر منه: أي يحرم عليه ذلك وإن صح العقد كما هو ظاهر بخلاف البيع لأنه يتأثر بفساد المسمى، ولا كذلك النكاح.
اه.
(قوله: فإن زوجها بغير كفء) هذا لا يترتب على رعاية الأحظ والاحتياط لأن التزويج على كفء شرط للصحة لا للكمال حتى أنه يقال إذا لم يزوج على كفء لم يراع الأحظ والأكمل.
نعم: إن أريد بالاحتياط مطلق أمر مطلوب، سواء كان شرط صحة أو كمال، صح ترتبه عليه (قوله: أو بكفء وقد خطبها أكفأ منه) يعني لو خطبها أكفاء متفاوتون في الكفاءة لم يجز تزويجها بغير الأكفاء لأن تصرف الوكيل بالمصلحة وهي منحصرة فيه، وإنما لم يلزم الولي ذلك لأن نظره أوسع من نظر الوكيل ففوض الأمر إلى ما يراه أصلح وفي التحفة: ولو استويا كفاءة وأحدهما متوسط والآخر موسر تعين الثاني، كما قال بعضهم، ومحله إن سلم ما لم يكن الأول أصلح لحمق الثاني أو شدة بخله: اه.
(قوله: لم يصح التزويج) أي على غير الكفء في الصورة الأولى، وغير الأكفأ في الصورة الثانية.
قال ع ش: وقضيته عدم الصحة وإن كان غير الأكفأ أصلح من حسن اليسار وحسن الخلق ونحوهما، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدا.
اه.
(قوله: ويجوز التوكيل لغيره) دخل في الغير القاضي، فله التوكيل: قاله سم: ثم قال: وبه يتضح ما أجبت به في حادثة بزبيد، وهي أن قاضي بلدة صغيرة عارف بلغة العرب وبالعلوم الشرعية ولاه من له ذلك شرعا، ولم يأذن له في الاستخلاف وجاءه امرأة ورجل غريبان وأذنت له المرأة أن يزوجها بهذا الرجل ولم يكن لها ولي خاص في البلدة ولا في أعمالها، فهل للقاضي أن يفوض أمر العقد إلى غيره أم ليس له ذلك؟ وإذا قلتم بأنه يفوض: هل يكون من قبيل الاستخلاف؟ وإذا قلتم لا: فهل هو من قبيل التوكيل؟(3/367)
(فأجبت) بأن العقد صحيح، وإن ذلك من قبيل التوكيل أخذا من هذا الكلام، وعبارة الروض: ولغير المجبر التوكيل بعد الإذن له في النكاح.
اه.
ثم بلغني أن الزبيديين والمصريين أجابوا بعدم الصحة، إذ ليس له الاستخلاف.
ثم بلغني أن علامتهم الشمس الرملي رجع إلى الجواب بالصحة عند قدومه مكة للحج، ونقل لي صورة جوابه وهو ما
نصه: نعم العقد المذكور صحيح حيث كان الزوج كفؤا، إذ للولي سواء كان خاصا أم عاما التوكيل حيث لم تنهه عن ذلك.
اه.
(قوله: بأن لم يكن إلخ) تصوير لغير المجبر.
(وقوله: أو كانت موليته ثيبا) أي أو كان أبا أو جدا وكانت موليته ثيبا (قوله: فليوكل) دخول على المتن، والأولى إسقاطه لقرب العهد بمتعلقه.
وقوله بعد إذن حصل منها له فيه الضمير الأول الذي في الفعل يعود على الإذن، والثاني المجرور بمن يعود على المرأة المولية والثالث يعود على غير المجبر، والرابع يعود على التزويج، كما فسره به الشارح، ويصح توكيله بعد الإذن المذكور وإن لم تأذن له في التوكيل ولم تعين زوجا قال في التحفة: لأنه بالإذن صار وليا شرعا، أي متصرفا بالولاية الشرعية، فملك التوكيل عنه، وبه فارق كون الوكيل لا يوكل إلا لحاجة.
اه.
وقال سم: وهذا تصريح بأن الولي ولو غير مجبر ومنه القاضي يوكل وإن لاقت به المباشرة ولم يعجز عنها.
اه.
(قوله: إن لم تنهه) أي غير المجبرة.
وهو قيد لصحة توكيله: أي يصح ما لم تنهه عنه، فإن نهته عنه لم يصح التوكيل، وذلك لأنها إنما تزوج بالإذن ولم تأذن في تزويج الوكيل به نهته عنه.
وعبارة المنهاج: وغير المجبر إن قالت له وكل وكل، وإن نهته عن التوكيل فلا، وإن قالت له زوجني وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ولا نهته عنه فله التوكيل في الأصح.
اه.
بزيادة (قوله: وإذا عينت) أي بالاسم أو الشخص (قوله: فليعينه) أي الولي الرجل: أي فليعين الولي الرجل للوكيل (قوله: وإلا) أي بأن لم يعين أصلا: بأن أطلق أو عين غير ما عينته.
وقوله لم يصح تزويجه: أي الوكيل (قوله: ولو لمن عينته) غاية لعدم الصحة: أي لم يصح وإن كان زوجها الوكيل على الذي عينته (قوله: لأن الإذن الخ) علة لعدم صحة تزويج الوكيل الذي لم يعين له الولي الرجل الذي عينته: أي وإنما لم يصح حينئذ لأن إذن الولي للوكيل المطلق عن تعيين من عينته فاسد.
وإذا فسد ما ترتب عليه وهو التزويج: وقوله مع أن المطلوب: أي مطلوبها معين.
وقوله فاسد: خبر أن الأولى (قوله: وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج) حكاه بالمعنى وإلا فهو لم يقل هناك ما ذكر، وإنما قال بعد أذن له فيه (قوله: ما لو وكله) ما فاعل خرج، وهي واقعة على من يعقل، وهو الوكيل، وهذا خلاف الغالب ولو زائدة، وفاعل وكل ضمير يعود على الولي والبارز يعود على ما هو العائد والتقدير.
وخرج بما ذكر الوكيل الذي وكله الولي الخ.
ويحتمل أن تكون ما مصدرية ولو زائدة، وعليه فالضمير البارز لا يعود على ما، لأنها حينئذ حرف مصدري، وإنما يعود على الوكيل المعلوم والتقدير: وخرج بما ذكر توكيل الولي إياه الخ (قوله: قبل إذنها) أي غير المجبرة.
وقوله له: أي للولي.
وقوله فيه: أي التزويج (قوله: فلا يصح التوكيل) أي لأنه لا يملك التزويج بنفسه قبل الإذن فكيف يوكل غيره فيه؟ ومحله في غير الحاكم، أما هو فيصح توكيله قبل استئذانها، كما سيأتي، وقوله ولا النكاح:
عطف لازم على ملزوم، إذ يلزم من عدم صحة التوكيل عدم صحة النكاح (قوله: نعم.
لو وكل الخ) استدراك على عدم صحة التوكيل والنكاح فيما لو وكله الولي قبل إذنها له: أي لا يصحان إلا إن تبين أنها أذنت له قبل التوكيل فإنهما يصحان حينئذ.
(وقوله: قبل أن يعلم) أي الولي.
(وقوله: إذنها له) أي في التزويج.
وقوله ظانا حال من فاعل يعلم أو وكل.
(وقوله: فزوجها الوكيل) أي بالإذن المذكور.
(وقوله: صح) أي تزويج الوكيل.
(وقوله: إن تبين) أي بعد التزويج.
(وقوله: أنها كانت أذنت) أي للولي في التزويج.
(وقوله: لأن العبرة الخ) علة للصحة.
(وقوله: وإلا فلا) أي وإن لم(3/368)
يتبين ذلك فلا يصح النكاح (قوله: فروع) أي أربعة (قوله: لو زوج القاضي امرأة) أي ليس لها ولي غيره (قوله: قبل ثبوت توكيله) أي قبل ثبوت توكيلها إياه، فالإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل.
وثبوت ما ذكر يكون بشاهدين.
(وقوله: بل بخبر عدل) أي بل زوجها بأخبار عدل بأنها وكلته وخبر الواحد لا يثبت له التوكيل (قوله: نفذ وصح) فاعل الفعلين يعود على التزويج، ويحتمل أن يكون فاعل نفذ يعود على الإذن المعلوم من السياق، وفاعل صح يعود على التزويج، وهو الأولى، (قوله: لكنه) أي تزويجه بخبر عدل غير جائز.
أي حرام (قوله: لأنه تعاطى عقدا فاسدا إلخ) علة لعدم الجواز: أي وإنما لم يجز تزويجه المذكور بمعنى أنه يحرم عليه لأنه تعاطى عقدا فاسدا بحسب الظاهر.
إذ هو مبني على إخبار الواحد له بالوكالة، وهو لا يثبت به التوكيل، كما تقدم، ومقتضى العلة المذكورة أنه لا ينفذ ولا يصح، فحينئذ ينافي قوله المار نفذ وصح إلا أن يقال أن المراد بالنفوذ والصحة في الباطن بدليل التقييد في العلة بقوله في الظاهر، فلا تنافي (قوله: ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته) الولي مفعول أول وإذن مفعول ثان وامرأة فاعل.
وقوله فيه: أي في التزويج (قوله: فصدقها) أي الولي (قوله: ووكل) أي الولي القاضي وقوله فزوجها: أي القاضي (قوله: صح التوكيل والتزويج) أي لما تقدم أن الاشهاد على الإذن غير شرط.
فيقبل.
خبر الصبي.
والمرأة فيه، وإذا صح الإذن بذلك صح التوكيل والتزويج (قوله: ولو قالت امرأة) أي رشيدة خلية من النكاح ومن العدة (قوله: الآن) متعلق بتزويجي.
وقوله وبعد طلاقي: معطوف على الآن: أي أذنت لك في تزويجي الآن وفي تزويجي إذا طلقني هذا الزوج وانقضت عدتي منه: فالمأذون فيه شيئان: التزويج الآن، والتزويج بعد طلاقها وانقضاء عدتها (قوله: صح تزويجه) أي إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف.
وقوله بهذا الإذن: أي الواقع الآن.
وقوله ثانيا: أي بعد تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها تبعا لتزويجه الواقع أولا.
وتقدم في باب الوكالة اضطراب في ذلك، وأن الذي
رجحه في الروضة في النكاح الصحة (قوله: فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة) أي بهذه الحالة بأن قال له وكلتك الآن في تزويج موليتي لمن أراد أن يتزوجها وبعد طلاقها وانقضاء عدتها.
وقوله صح تزويجه أي الوكيل.
وقوله ثانيا: أي بعد تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها.
وقوله أيضا: كما صح تزويج الولي ثانيا (قوله: لأنه الخ) علة لصحة تزويج الولي والوكيل ثانيا، والضمير يعود على من ذكر منهما وإن كان صنيعه يفيد أنه علة للصحة في الثاني.
وقوله وإن لم يملكه.
أي التزويج ثانيا.
وقوله حال الإذن أي وقت إذنها له في التزويج.
وقوله لكنه: أي التزويج ثانيا تابع لما ملكه وهو التزويج أولا، فلذلك صح لأنه رب شئ يصح تبعا، ولا يصح استقلالا.
ومفاد ما ذكر أنها لو أذنت لوليها أن يزوجها إذا طلقت وانقضت عدتها أو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت وانقضت عدتها لم يصح التزويج في الصورتين.
لأنه لم يقع تبعا لغيره وهو مسلم في الثانية دون الأولى، كما في النهاية، ونصها: ويصح إذنها لوليها أن يزوجها إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لا توكيل الولي لمن يزوج موليته كذلك لأن تزويج الولي بالولاية الشرعية وتزويج الوكيل بالولاية الجعلية، وظاهر أن الأولى أقوى من الثانية فيكتفي فيها بما لا يكتفي في الجعلية، ولأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة.
اه.
ومثله في التحفة.
وقوله بالولاية الشرعية: أي المستفادة من جهة الشرع بعد إذنها له (قوله: ولو أمر القاضي) أما غيره فلا يصح منه ذلك مطلقا.
وقوله قبل استئذانها: أي إذنها وقوله فيه: أي في التزويج.
وقوله فزوجها: أي ذلك الرجل بعد أمر القاضي.(3/369)
وقوله بإذنها: أي للرجل المأمور بالتزويج.
وقوله جاز: أي صح التزويج منه (قوله: بناء على الأصح الخ) أما إن بنينا على خلاف الأصح من أن استنابته في شغل معين توكيل لا استخلاف فلا يصح تزويجه لعدم صحة تقدم التوكيل على الإذن منها.
(وقوله: أن استنابته) أي القاضي.
(وقوله: في شغل معين) أي كتحليف وسماع شهادة.
(وقوله: استخلاف) أي يجري مجرى الاستخلاف، كما في شرح الروض، (قوله: لو استخلف القاضي) أي الذي ليس هناك ولي غيره (قوله: لم يكف الكتاب) أي كتاب القاضي بالاستخلاف.
وقوله فقط: أي من غير لفظ (قوله: بل يشترط اللفظ) أي التلفظ بالاستخلاف.
(وقوله: عليه) أي على الكتاب، أي زيادة عليه، وقوله منه: متعلق باللفظ، والضمير يعود على القاضي (قوله: وليس للمكتوب إليه) أي من كتب له القاضي بأن يزوج فلانة.
(وقوله: الاعتماد على الخط) أي خط القاضي وحده (قوله: هذا) أي ما ذكر من أنه ليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط (قوله: وتضعيف البلقيني له) أي لما في أصل الروضة (قوله: مردود) خبر تضعيف.
وقوله بتصريحهم.
أي الفقهاء.
وقوله بأن الكتابة وحدها.
أي من غير إشهاد
بما تضمنته الكتابة بدليل ما بعده (قوله: لا تفيد) أي لا تكفي وحدها (قوله: بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك) أي على الاستخلاف الذي تضمنه الكتاب.
ثم إن هذا يفيد أن التلفظ بالاستخلاف مع الكتابة فقط لا يكفي، بل لا بد من الشهود على ذلك، وما تقدم يفيد الاكتفاء به.
فانظره (قوله: ويجوز لزوج توكيل في قبوله) أي كما يجوز للولي أن يوكل في تزويج موليته، ويجوز أيضا لهما معا أن يوكلا في ذلك فيقول وكيل الولي زوجت بنت فلان بن فلان، ويقول وكيل الزوج قبلت نكاحها له (قوله: فيقول وكيل الخ) شروع في بيان لفظ الوكيل ولفظ الولي مع وكيل الزوج.
(وقوله: زوجتك فلانة بنت فلان بن فلان) أي ويرفع نسبه إلى أن يحصل التمييز، ويكفي الاقتصار على فلانة أو بنت فلان إن حصل التمييز به (قوله: ثم يقول) أي وكيل الولي وجوبا بعد قوله ابن فلان.
(وقوله: أو وكالة عنه) أو للتخيير: أي هو مخير بين أن يقول موكلي أو يقول وكالة عنه.
وقوله إن جهل إلخ: قيد في اشتراط أن يقول الوكيل أحد اللفظين المذكورين (قوله: وإلا) أي وإن لم يجهلوها بأن علموها.
وقوله لم يشترط ذلك: أي قوله موكلي أو وكالة عنه، ومثله يقال فيما يأتي في وكيل الزوج، فلا بد من التصريح بالوكالة: بأن يقول قبلت نكاحها لفلان موكلي أو وكالة عنه إن جهلها الولي أو الشهود، وإلا فلا يشترط ذلك.
ثم أن الاشتراط المذكور إنما هو لجواز المباشرة، لا لصحة العقد، فيصح مع الجهل الوكالة، لكن مع الحرمة.
وعبارة التحفة.
(تنبيه) ظاهر كلامهم أن التصريح بالوكالة فيما ذكر شرط لصحة العقد وفيه نظر واضح: لقولهم العبرة في العقود حتى في النكاح بما في نفس الأمر، فالذي يتجه أنه شرط لحل التصرف لا غير.
اه.
(قوله: وان حصل العلم الخ) أي لا يشترط التصريح بالوكالة إذا علموا بها وإن حصل علمهم لذلك بأخبار الوكيل بالوكالة بأن أخبرهم من قبل العقد بأنه وكيل الولي في التزويج (قوله: ويقول الولي الخ) كان الأولى للمؤلف أن يذكر هذا عقب المتن بأن يقول فيقول الولي الخ لأنه هو المرتب عليه، وأما قوله أو لا فيقول وكيل الولي الخ فليس مفرعا على المتن.
نعم: هو مفرع على قوله سابقا ويجوز لمجبر توكيل في تزويج موليته فكان الأولى تقديمه عنده.
وقوله لوكيل الزوج: مثل وكيله وليه.
وقوله فلان بن(3/370)
فلان: أي وهو الزوج، فلو تركه وأتى بكاف الخطاب بدله، بأن قال زوجتك بنتي، لم يصح: كما سيصرح به (قوله: فيقول وكيله) أي الزوج ومقتضى التعبير بفاء التعقيب أنه لا يجوز تقديم القبول على الإيجاب، وليس كذلك: بل يجوز تقديم القبول عليه: بأن يقول وكيل الزوج قبلت نكاح فلانة بنتك لفلان، ويقول الولي زوجتها له (قوله: كما يقول ولي
الصبي) أي يقول قولا نظير قول ولي الصبي إذا أراد قبول النكاح للصبي (قوله: قبلت نكاحها له) الجملة تنازعها يقول الأولى ويقول الثانية فتجعل مقولة لأحدهما ويحذف نظيرها من الآخر.
والمراد بالنكاح الإنكاح وهو التزويج لأنه هو الذي يقبله الزوج، وليس المراد به المراكب من الإيجاب والقبول: إذ يستحيل قبوله، كما تقدم (قوله: فإن ترك) هو بالبناء للمعلوم، والضمير يعود على المذكور من الوكيل والولي.
ويصح بناؤه للمجهول وما بعده نائب فاعله.
وقوله فيهما: أي في الصورتين صورة قبول وكيل الزوج وصورة قبول ولي الصبي (قوله: لم يصح النكاح) جواب إن، وذلك لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول (قوله: وإن نوي) بالبناء للمجهول وما بعده نائب فاعل، ويصح أن يكون بالبناء للمعلوم أيضا، كالذي قبله، والكلام هنا على التوزيع: أي وإن نوى الوكيل الموكل في الصورة الأولى أو الولي الطفل في الصورة الثانية (قوله: كما لو قال إلخ) أي كما لا يصح النكاح لو قال الولي لوكيل الزوج أو وليه زوجتك بنتي، بكاف الخطاب، وقوله بدل فلان: حال من مقدر، والتقدير زوجتك، بكاف الخطاب، حال كونها بدل فلان: أي الاسم الظاهر (قوله: لعدم التوافق) علة لعدم صحة النكاح فيما لو تركت لفظة له، وعدم صحته فيما لو أبدل الاسم الظاهر بكاف الخطاب: أي وإنما لم يصح النكاح فيما إذا تركت لفظة له وفيما إذا أتى بكاف الخطاب بدل الاسم الظاهر لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول الذي هو شرط في صحته، وذلك لأن الإيجاب الصادر من الولي زوجت بنتي فلان ابن فلان والقبول الصادر من وكيل الزوج أو ولي الصبي قبلت نكاحها بإسناد النكاح إلى نفسه فلم يتوافقا، وكذلك فيما إذا قال الولي لوكيل الزوج أو وليه زوجتك بنتي، أو قال الوكيل أو الولي قبلت نكاحها له فإنهما لم يتوافقا (قوله: فإن ترك لفظة له) بالبناء للمجهول أو للمعلوم والفاعل وكيل الزوج أو وليه: أي ترك وكيل الزوج أو وليه لفظة له في القبول عنه بأن قال قبلت نكاحها فقط.
وقوله في هذه: أي فيما إذا قال الولي له زوجتك بكاف الخطاب، بدل الاسم الظاهر.
وانظر ما متعلق الجر والمجرور؟ فإنه لا يصح جعله لفظ ترك لأنه يصير المعنى فإن ترك لفظة له في هذه وهي زوجتك بنتي لأنه لم يترك شيئا منها.
ثم ظهر أن في الكلام اختصارا، والأصل فإن ترك لفظة له في القبول المقابل لهذه الحالة (قوله: انعقد) أي النكاح وهو جواب إن.
وقوله وإن نوى موكله: غاية لانعقاد النكاح للوكيل: أي ينعقد النكاح له وإن نوى الوكيل بقوله قبلت نكاحها جعل النكاح واقعا للموكل.
وإنما لم ينعقد للموكل إذا نواه لأن الشهود لا مطلع لهم على النية.
وفي المغني ما نصه: ولا يقع العقد للموكل بالنية، بخلاف البيع: لأن الزوجين هنا بمثابة الثمن والمثمن في البيع.
فلا بد من ذكرهما، ولأن البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص لآخر فيجوز أن يقع للوكيل ثم ينتقل للموكل والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل
النقل، ولأن إنكار الموكل في نكاحه للوكالة يبطل النكاح بالكلية.
بخلاف البيع لوقوعه للوكيل.
اه.
(قوله: فروع) لم يذكر إلا فرعين فكان الأولى أن يقول فرعان (قوله: من قال أنا وكيل في تزويج فلانة) أي والموكل له الولي خاصا أو عاما (قوله: فلمن الخ) الفاء واقعة في جواب الشرط، والجار والمجرور خبر مقدم، وقبول النكاح مبتدأ مؤخر.
وقوله صدقه: الضمير البارز يعود على من قال أنا وكيل.
ومثله ضمير منه (قوله: ويجوز لمن أخبره عدل) صنيعه يفيد أن من واقعة على غير الحاكم لأنه ذكر حكم الحاكم بقوله، أو لما يتعلق بالحاكم (قوله: بطلاق فلان) أي لزوجته.
وقوله أو موته: أي أو(3/371)
أخبره بموت فلان.
وقوله أو توكيله: الإضافة من إضافة المصدر لفاعله، أي أو أخبره عدل بتوكيل فلان إياك مثلا (قوله: أن يعمل به) أي بخبر العدل.
وقوله بالنسبة لما يتعلق بنفسه: أي بالنسبة للأمر الذي يتعلق بنفس المخبر، بفتح الباء، كأن علق عتق عبده أو طلاق زوجته مثلا على طلاق فلان زوجته أو على موته مثلا، فإذا صدق العدل في خبره عتق عليه عبده وطلقت عليه زوجته (قوله: وكذا خطه) أي وكذا يجوز له أن يعمل بخط العدل بالنسبة لما يتعلق بنفسه، وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه لا يجوز للمكتوب إليه الاعتماد على الخط لأن ذلك فيما يتعلق بغيره، بخلاف ما هنا (قوله: وأما بالنسبة لحق الغير) أي للحق الذي يتعلق بالغير وقوله أو لما يتعلق بالحاكم: أي أو بالنسبة للأمر الذي يتعلق بالحاكم والأمر الذي يتعلق به هو الحكم على الغير، والأولى والأخصر حذفه وجعل من، في قوله لمن أخبره، واقعة على الحاكم وغيره، وذلك لأن التفصيل الجاري في غير الحاكم من كونه له العمل بخبر العدل بالنسبة لنفسه لا بالنسبة للغير يجري أيضا في الحاكم وقوله فلا يجوز اعتماد عدل: إظهار في مقام الإضمار، والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله: أي فلا يجوز أن يعتمد كل من المخبر، بالفتح، ومن الحاكم على مقتضى صنيعه خبر العدل في ذلك: كما إذا أخبر عدل الولي أن فلانا طلق موليتك أو مات عنها فلا يجوز له أن يزوجها بذلك الخبر، أو كان إنسان وصيا على تبرعات فأخبره أن موصيه قد مات فلا يجوز له أن يعتمد ذلك ويقسم تلك التبرعات لأن ما ذكر حق يتعلق بالغير، لا به نفسه، ومثله في ذلك الحاكم فلو أخبره عدل بأن فلانا طلق زوجته أو مات فلا يجوز له أن يعمل بمقتضى ذلك، كأن يقسم التركة أو يزوجه إذا أذنت له فيه.
وقوله ولا خط قاض، ولو قال ولا خطه، أي العدل، بالضمير: قاضيا كان أو غيره، لكان أولى.
وقوله من كل ما ليس بحجة شرعية، بيان للعدل والخط، والحجة الشرعيه هنا رجلان (قوله: فرع) الأولى فروع، بصيغة الجمع، وهي في بيان تزويج العتيقة والأمة (قوله: يزوج عتيقة امرأة الخ) تقرأ عتيقة بالنصب على أنه مفعول مقدم وقوله وليها، فاعل
مؤخر.
وقوله امرأة: قيد خرج به عتيقة الرجل، فهو الذي يزوجها ثم عصبته، كما تقدم بيانه.
وقوله حية: صفة لامرأة، وهو قيد أيضا خرج به ما إذا كانت ميتة فإن الذي يزوج عتيقتها ابنها، كما سيصرح به، وقوله عدم ولي عتيقتها نسبا: أي فقد حسا أو شرعا ولي العتيقة من جهة النسب، وهو قيد أيضا خرج به ما إذا لم يفقد فإن الذي يزوجها الأقرب.
فالأقرب من الأولياء على ما تقدم من الترتيب، فلا يزوجها أولياء المعتقة إلا بعد فقد أولياء النسب.
(والحاصل) أن الذي يزوج العتيقة عند فقد أوليائها نسبا هو ولي المعتقة، ويستثنى من طرد ذلك ما لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة فإن الذي يزوجها حينئذ الحاكم، ومن عكسه ما لو كانت المعتقة مسلمة ووليها والعتيقة كافرين فيزوج الولي العتيقة، وإن كان لا يزوج المعتقة (قوله: تبعا لولايته عليها) أي أن ولي المعتقة يزوج العتيقة بطريق التبعية لولايته على نفس المعتقة.
وعبارة شرح التحرير: لأنه لما انتفت ولاية المرأة للنكاح استتبعت الولاية عليها الولاية على عتيقتها.
اه.
(قوله: فيزوجها) أي العتيقة وهو بيان للولي.
وقوله ثم جدها، أي المعتقة.
والمراد به أبو أبيها وإن علا، ولو عبر به، كما تقدم، لكان أولى.
لأن الجد شامل لما كان من جهة الأم مع أنه لا ولاية له (قوله: بترتيب الأولياء) الباء بمعنى على متعلقة بمحذوف: أي ثم تجري من بعد الأب والجد على ترتيب الأولياء في الإرث، فيقدم أخ شقيق على أخ الأب وهكذا الخ ما تقدم (قوله: ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية) أي لأنه لا يكون وليا للمعتقة لما تقدم أنه لا يزوج ابن ببنوة فلا يكون وليا لعتيقتها (قوله: بإذن عتيقة) متعلق بقوله يزوج: أي يزوجها بإذنها، ويكفي سكوتها إن كانت بكرا (قوله: ولو لم ترض المعتقة) غاية في التزويج بإذنها: أي يزوج العتيقة بإذنها سواء رضيت المعتقة أم لا.
وذلك لأن رضاها غير معتبر لأنه لا ولاية لها ولا إجبار، فلا فائدة له.
وقيل يعتبر رضاها لأن الولاء لها(3/372)
والعصبة إنما يزوجون بإدلائهم بها، فلا أقل من مراجعتها (قوله: فإذا ماتت المعتقة زوجها ابنها) أي ثم أبوها على ترتيب عصبات الولاء، ولو قال ولو ماتت المعتقة زوج عتيقتها من له الولاء عليها لكان أولى، لشموله لجميع ذلك قوله ويزوج أمة لما بين حكم تزويج العتيقة شرع في بيان حكم تزويج الأمة غير العتيقة.
وقوله امرأة: قيد خرج به أمة الرجل فإنه هو الذي يزوجها.
وقوله بالغة رشيدة: نعتان لامرأة.
ولو اقتصر على الثانية لكان أولى لإغنائها عن الأولى وذكر محترز الأولى بقوله ويزوج أمة صغيرة ولم يذكر محترز الثانية وهو المجنونة والمحجور عليها بسفه فيزوج أمتهما ولي مال ونكاح لهما من أب وإن علا وسلطان، لكن تزوج أمة السفيهة إلا بإذنها كأمة السفيه، إذ لا فرق، كما يستفاد من عبارة شرح المنهج، ونصها
مع الأصل: ولولي نكاح ومال من أب وإن علا وسلطان تزويج أمة موليه من ذي صغر وجنوه وسفه ولو أنثى بإذن ذي السفه اكتسابا للمهر والنفقة.
بخلاف عبده أي المولي لما فيه من انقطاع اكتسابه عنه.
اه.
وخرج بقوله ولي نكاح الأمة المملوكة لصغيرة عاقلة ثيب فلا تزوج أصلا لأنها تابعة لسيدتها وهي لا تزوج أصلا: إذ لا يلي نكاحها أحد حينئذ.
كما تقدم، وكما قال ابن رسلان: وثيب زواجها تعذرا وخرج به أيضا الأمة المملوكة لصغير وصغيرة بكر فيزوجها ما عدا السلطان من الأب والجد، وأما السلطان فلا يزوجها لأنه لا يلي نكاحهما حينئذ فلا يلي نكاح أمتهما، بخلاف الأب والجد فإنهما يليان نكاحهما فيليان نكاح أمتهما تبعا.
وسيصرح المؤلف ببعض ما ذكر (قوله: وليها) أي مطلقا، أصلا كان أو غيره، وهو فاعل يزوج (قوله: بإذنها) أي السيدة.
وقوله وحدها: حال من المضاف إليه: أي حالة كونها متوحدة في الإذن، أي منفردة به فلا يعتبر إذن الولي ولا إذن الأمة، كما سيصرح بهذا، وليس للأب إجبار أمتها على النكاح وإن كان له إجبار سيدتها عليه (قوله: لأنها) أي السيدة، وهو علة لكون التزويج يكون بإذنها وحدها.
وقوله المالكة لها: أي للأمة (قوله: فلا يعتبر الخ) تفريع على اشتراط إذن السيدة وحدها: أي وإذا اشترط إذن السيدة وحدها فلا يعتبر إذن الأمة لو لم تأذن السيدة (قوله: لأن لسيدتها إجبارها على النكاح) أي فلا فائدة حينئذ في إذن الأمة (قوله: ويشترط) أي في صحة إذنها.
وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة فإن كانت خرساء فيكفي في إذنها إشارتها المفهمة.
وقوله وإن كانت بكرا: غاية في اشتراط الإذن نطقا: أي يشترط ذلك وإن كانت السيدة بكرا، وذكر لأنها لا تستحي في تزويج أمتها (قوله: ويزوج أمة صغيرة) هو تركيب إضافي.
وقوله بكر: صفة للمضاف إليه.
وسيأتي محترزه (قوله: أو صغير) بالجر معطوف على صغيرة: أي أو أمة صغيرة (قوله: أب) فاعل يزوج.
وقوله فأبوه: أي فقط لأن لهما إجبار سيديهما فجاز لهما إجبارهما تبعا لسيديهما فلا يزوجهما غيرهما من السلطان ونحوه من بقية الأولياء (قوله: لغبطة) متعلق بيزوج: أي يزوجانها عند وجود غبطة، أي منفعة للسيدة أو السيد (قوله: كتحصيل مهر الخ) تمثيل للغبطة.
قال في المغني، وقيل لا يزوجها، أي الأب والجد، لأنه قد تنقص قيمتها، وقد تحبل فتهلك.
اه.
(قوله: لا يزوج عبدهما) أي الصغيرة والصغير: أي والمجنون والسفيه ذكرا أو أنثى.
وهذا مفهوم قوله أمة (قوله: لانقطاع كسبه عنهما) أي عن الصغيرة والصغير فلم يكن لهما مصلحة في التزويج حينئذ.
قال في التحفة: ولم ينظروا إلى أنها ربما تظهر مع تزويجه لندرته اه.
(قوله: خلافا لمالك) رضي الله عنه: أي فإنه قال بجواز
تزويج عبدهما إن ظهرت مصلحة فيه، وذلك بأن يكون إذا تزوج يكتسب ما يكفي زوجته ويكفيهما، وإذا لم يتزوج ربما انقطع عن ذلك بسبب ما يتولد عنه من الأمراض (قوله: ولا أمة ثيب صغيرة) محترز قوله بكرى أي ولا يزوج الأب فأبوه(3/373)
أمة ثيب صغيرة.
ومحله ما لم تكن مجنونة، وإلا جاز لهما أن يزوجا أمتها لأنهما يليان مالها ونكاحها (قوله: لأنه لا يلي نكاح مالكتها) أي فلا يلي نكاح أمتها بالأولى.
(والحاصل) أنه يشترط فيمن يلي نكاح الأمة أن يكون ولي مال مالكتها ونكاحها فيزوج أمة الصغيرة البكر والصغيرة الأب فأبوه لأنهما يليان نكاح السيدة أو السيد فيليان نكاح أمتهما تبعا، ويزوج أمة الرشيد وليها مطلقا ولو السلطان لأنه يلي نكاحها لكن بإذنها، ولا يزوج أمة الثيب الصغيرة الأب والجد والسلطان وغيرهم لهم لا يلوون نكاح السيدة فلا يلوون نكاح أمتها (قوله: ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب) وذلك لأن الولاية عليها من جهة الملك فهي قاصرة على المالك فلا تنتقل للقاضي عند غيبته (قوله: نعم إن رأى القاضي بيعها) مفعول رأى الثاني محذوف: أي أصلح.
وقوله لأن الحظ الخ: علة الصلاحية التي رآها القاضي.
وقوله فيه: أي في البيع، وقوله الغائب: أي المالك الغائب، وقوله من الإنفاق عليها: متعلق بالحظ، وأصله الأحظ: أي الأحظ له من الإنفاق عليها.
ولو قال لأنه أحظ له من الإنفاق لكان أولى (قوله: باعها) جواب إن (قوله: ويزوج سيد بالملك) أي لا بالولاية، وذلك لأن التصرف فيما يملك استيفاؤه، ونقله إلى الغير إنما يكون بحكم الملك كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة.
اه.
تحفة (قوله: ولو كان فاسقا) أي ولو كان السيد فاسقا.
وذلك لأن الفسق يمنع الولاية لا الملك، وتزويج السيد ليس بالولاية وإنما هو بالملك (قوله: أمته) أي ولو كانت كافرة أو كانت محرمة عليه كأخته.
وقوله المملوكة كلها له: أي لسيدها (قوله: لا المشتركة) أي لا يزوج المشتركة وهو مفهوم.
قوله المملوكة كلها.
وقوله ولو باغتنام: أي ولو حصل الاشتراك بسبب الاغتنام بأن غنم جماعة أمة، فهي مشتركة بينهم.
وقوله بينة: متعلق بالمشتركة (قوله: بغير رضا جميعهم) أي لا يجوز تزويجها بغير رضا جميع المالكين لها، أما مع رضاهم فيجوز (قوله: ولو بكرا صغيرة) الغاية للتعميم، لا المرد، إذ لا خلاف فيه.
ولو قال، كما في المنهاج بدلها بأي صفة كانت، أي صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا رشيدة أو غيرها، لكان أولى.
وقوله أو كبيرة: أي بكرا أو ثيبا.
وقوله بلا إذن منها: أي الكبيرة، والأولى إسقاطه أو إسقاط قوله بعد وله إجبارها الخ، وذلك لأن أحدهما يغني عن الآخر.
وفي المنهج والمنهاج الاقتصار على الثاني، وهو ظاهر (قوله: لأن النكاح الخ) علة لكونه أن يزوجها بلا إذن منها (قوله:
وهي) أي المنافع.
وقوله مملوكة له: أي والمالك يفعل في ملكه ما يشاء سواء رضي به المملوك أم لا (قوله: له إجبارها عليه) أي النكاح للعلة المارة آنفا، ومحله في غير المبعضة والمكاتبة، أما هما فلا يجبرهما عليه لأنهما في حقه كالأجنبيات، وفي غير المتعلق بها حق لازم كالرهن والجناية فليس للراهن تزويج المرهونة إلا على المرتهن أو بإذنه وليس للسيد تزويج الجانية المتعلقة برقبتها مال وهو معسر، وإلا صح، وكان اختيارا للفداء (قوله: لكن لا يزوجها لغير كفء الخ) لما كانت العلة المارة، وهي قوله لأن النكاح الخ وهي مملوكة له، توهم جواز تزويجها على غير كفء لها، كجواز بيعها عليه، أتى بالاستدراك المذكور لدفع هذا الإيهام.
وحاصله أن النكاح ليس كالبيع لأنه لا يقصد به التمتع، بخلاف النكاح، وعبارة المنهج وشرحه: وله إجبار أمته على نكاحها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا أو ثيبا عاقلة أو مجنونة، لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وبهذا فارقت العبد لكن لا يزوجها بغير كفء بعيب أو غيره إلا برضاها، بخلاف البيع لأنه لا يقصد به التمتع.
اه.
(قوله: بعيب الخ) الباء سببية متعلقة بمحذوف واقع خبر المبتدأ محذوف: أي وعدم الكفاءة فيه بسبب عيب مثبت للخيار كجذام وبرص وجنون، أو بسبب فسق أو بسبب حرفة دنيئة (قوله: إلا برضاها) إلا أداة حصر والجار والمجرور متعلق بيزوجها: أي لا يزوجها إلا برضاها.
وقوله له: اللام بمعنى الباء متعلقة(3/374)
برضاها: أي رضاها بغير الكفء (قوله: وله) أي للسيد.
وقوله تزويجها برقيق: أي على رقيق.
وقوله ودنئ نسب: أي لأن الحق في الكفاءة في النسب لسيدها، لا لها، وقد أسقطه هنا بتزويجها على من ذكر.
وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) لا يصح تزويج الأمة بمن به عيب مثبت للخيار للإضرار بها ويزوجها جوازا بغير رضاها ولو عربية من عربي دنئ النسب حرا كان أو عبدا.
وقضيته مع ما مر من أن بعض الخصال لا ينجبر ببعض أنه لا يزوجها إذا كان عربية من عجمي ولو حرا، بخلاف قول أصله ويزوجها من رقيق ودنئ النسب فإنه يقتضي أنه يزوجها منه، فينافي قوله فيما مر والأمة العربية بالحر العجمي: أي ولا يزوج الأمة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف: أي الخلاف، في انجبار بعض الخصال ببعض، كذا قاله الإسنوي، فعدول المصنف عن عبارة أصله إلى ما قاله لذلك والحق ما في الأصل ولا منافاة لأن الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها وقد أسقطه هنا بتزويجه لها ممن ذكر، وما مر محله إذا زوجها غير سيدها بإذن أو ولاية على مالكها لا يزوجها ممن لا يكافئها بسبب آخر.
أي غير دناءة النسب كعيب مثبت للخيار إلا برضاها وعليها تمكينه من نفسها لإذنها وله بيعها من العيب لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ويلزمها تمكينه لأنها صارت
ملكه.
اه.
بتصرف (قوله: لعدم النسب لها) أي للرقيقة.
قال البجيرمي: أي لعدم النسب المعتبر وإن كانت شريفة لأن الرق يضمحل معه جميع الفضائل اه.
(قوله: وللمكاتب) أي كتابة صحيحة، والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله تزويج أمته: مبتدأ مؤخر (قوله: لسيده) أي المكاتب، فلا يزوجها كما لا يزوج عبده لأن السيد مع المكاتب كالأجنبي (قوله: إن أذن له) أي المكاتب.
وقوله سيده: أي المكاتب، وقوله فيه: أي التزويج فإن لم يأذن له فيه لم يجز له ذلك كتبرعه.
قال ع ش: وإنما توقف تزويج المكاتب أمته على إذن السيد لأنه ربما عجز نفسه أو عجزه سيده فيعود هو وما في يده للسيد فاشترط إذن السيد له في التزويج وإذا زوج فهو مزوج عن نفسه لا عن سيده.
اه.
(قوله: ولو طلبت الأمة) أي من سيدها.
وقوله تزويجها: أي تزويج السيد إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل (قوله: لم يلزم) أي التزويج السيد: أي لا يجير عليه وإن كانت محرمة عليه كأخته (قوله: لأنه) أي التزويج بنقص قيمتها: أي ولفوات استمتاعه بمن تحل له (قوله: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت) أي ولا يزوجها الكافر لأنه لا يملك التمتع بها أصلا بل ولا سائر التصرفات فيها سوى إزالة الملك عنها وكتابتها.
وعبارة الأنوار، ولا يزوج الكافر أمته المسلمة ومستولدته لتزلزل ملكه وعدم تسلطه على أهل الإسلام.
اه.
وقوله بإذنه: متعلق بيزوج، والضمير للكافر (قوله: والموقوفة الخ) أي ويزوج الحاكم الأمة الموقوفة على جماعة لكن بإذنهم إن انحصروا، وخرج بالموقوفة العبد الموقوف فلا يزوج بحال، إذ الحاكم وولي الموقوف عليه وناظر المسجد ونحوه لا يتصرفون إلا بالمصلحة، ولا مصلحة في تزويجه لما فيه من تعلق المهر والنفقة (قوله: وإلا) أي وإن لم ينحصروا.
وقوله لم تزوج فيما يظهر.
قال في النهاية: إنها تزوج بإذن الناظر فيما يظهر، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، (قوله: ولا ينكح عبد) أي لا يصح نكاحه.
وقوله ولو مكاتبا: أي أو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة أو مبعضا (قوله: إلا بإذن سيده) أي الرشيد غير المحرم نطقا ولو بكرا، وذلك لخبر: أيما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وروى أبو داود: فنكاحه باطل اه.
شرح الروض (قوله: ولو كان السيد أنثى) أي ثيبا أو بكرا (قوله: سواء أطلق الإذن) أي إن النكاح بإذن السيد صحيح، سواء أطلق الإذن أم قيده، فهو تعميم لصحة النكاح بالإذن وإذا أطلق الإذن فله أن ينكحه حرة أو أمة ببلده وغيرها.
نعم للسيد منعه من الخروج إلى غير بلده.
(قوله: أم قيد بامرأة معينة) أي أم قيد السيد الإذن للعبد بنكاح امرأة معينة.
وقوله أو قبيلة: أي أو قيد الإذن له بنكاح امرأة من هذه القبيلة دون غيرها، ومثلها البلدة (قوله: فينكح بحسب إذنه) أي السيد، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر مرتبط بالشق الثاني: أعني أم قيد، أي وإذا قيد السيد الإذن بما ذكر فينكح(3/375)
بحسب إذنه له (قوله: ولا يعدل) أي العبد في نكاحه.
وقوله عما أذن: أي عن الأمر الذي أذن السيد.
وقوله له، أي للعبد.
وقوله فيه، أي في ذلك الأمر، فالضمير يعود على ما.
وقوله مراعاة لحقه: أي السيد، وهو تعليل لكونه ينكح بحسب الإذن ولا يعدل إلى غيره (قوله: فإن عدل عنه) أي عما أذن له فيه (قوله: لم يصح النكاح) أي وإن كانت المعدول إليها دونها مهرا وخيرا منها جمالا ونسبا ودينا وأقل مؤنة.
قال في التحفة: نعم لو قدر له مهرا فزاد عليه أو زاد على مهر المثل عند الإطلاق صحت الزيادة ولزمت ذمته فيتبع بها إذا عتق لأن له ذمة صحيحة.
اه.
(قوله: ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح) أي لحجره وللخبر المار.
قال في النهاية ومثله في التحفة: وقول الأذرعي يستثنى من ذلك ما لو منعه سيده فرفعه إلى حاكم يرى إجباره فأمره فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه فإنه يصح جزما، كما لو عضل الولي محل نظر، لأنه إن أراد صحته على مذهب ذلك الحاكم لم يصح الاستثناء أو على قولنا فلا وجه له.
اه.
وفي المغني: قال في الأم ولا أعلم من أحد لقيته ولا حكى لي عنه من أهل العلم اختلافا في أنه لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه.
اه.
ولا ينافي قوله لا أعلم ما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة أن نكاحه موقوف على إجازة السيد، وعن مالك أنه يصح وللسيد فسخه لأنه لم يبلغه ذلك.
اه.
(قوله: ويفرق بينهما) أي العبد وزوجته.
والذي يفرق هو الحاكم، كما يستفاد من عبارة ش ق (قوله: خلافا لمالك) أي في قوله بصحة نكاح العبد بلا إذن سيده، لكن للسيد فسخه، كما تقدم آنفا عن المغني، (قوله: فإن وطئ) أي العبد زوجته بهذا النكاح الباطل.
وقوله فلا شئ عليه لرشيدة مختارة: الذي في التحفة والنهاية أن عليه لها مهر المثل ويتعلق بذمته فقط، ولفظهما وإذا بطل لعدم الإذن تعلق مهر المثل بذمته فقط ويتجه أن محله في غير نحو الصغيرة، وإلا تعلق برقبته.
اه.
وما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى إنما هو في السفيه لا في العبد، كما هو صريح عبارة المنهاج، ونصها مع التحفة، ولو نكح السفيه بلا إذن فباطل، فإن وطئ منكوحته الرشيدة المختارة لم يلزمه شئ، أي حد، قطعا للشبهة، ومن ثم لحقه الولد ولا مهر ظاهرا ولو بعد فك الحجر وإن لم تعلم سفهه لأنها مقصرة بترك البحث مع كونها سلطته على بعضها، بخلافه باطنا بعد فك الحجر عنه، كما نص عليه في الأم، واعتمدوه، بخلاف صغيرة مجنونة ومكرهة ومزوجة بالإجبار ونائمة فيجب مهر المثل إذ لا يصح تسليطهن.
اه.
إذا علمت ذلك تعلم ما في كلامه من التخليط.
ثم رأيت في المغني نص على أن بعض الشارحين توهم أن العبد كالسفيه، ولعل شارحنا تبع هذا البعض في ذلك، ونص عبارته:
(تنبيه) قول المصنف باطل يقتضي أنه إذا وطئ لا يلزمه شئ كالسفيه، وليس مرادا، كما توهمه بعض الشارحين، بل يلزمه مهر المثل في ذمته، كما صرح به المصنف في نكاح العبد.
اه.
(قوله: أما السفيهة والصغيرة) أي ونحوهما من كل من ليست برشيدة مختارة مما تقدم.
وقوله فيلزم فيهما مهر المثل: أي ويتعلق برقبته، كما علمت (قوله: ولا يجوز للعبد) أي لا يصح ولو أذن له السيد فيه لأن العبد لا يملك ولو بتمليك سيده والتسري يفيد دخول المتسري بها في ملك المتسري.
وقوله ولو مأذونا في التجارة: أي ولو كان العبد مأذونا له في التجارة فلا يجوز له ذلك لأن التجارة لا تتناول ذلك.
وقوله أو مكاتبا: أي ولو مكاتبا (قوله: أن يتسرى) المصدر المؤول فاعل يجوز.
والتسري مطلق الوطئ، وشرعا يعتبر فيه ثلاثة أمور: الوطئ والإنزال ومنع الخروج.
والمراد به الأول لأن الرقيق يمنع من الوطئ، مطلقا، سواء وجد إنزاله ومنع الخروج أم لا، ولو عبر بيطأ، كما عبر به شيخ الإسلام، لكان أولى لئلا يوهم أن المراد به المعنى الشرعي مع أنه ليس كذلك.
فتنبه (قوله: لأن المأذون له) أي في التجارة وغيره بالأولى وهو علة لعدم جواز التسري بالنسبة لغير المكاتب.
وقوله لا يملك: أي ولو بتمليك سيده، كما علمت، لأنه ليس أهلا للملك، وأما الإضافة التي ظاهرها الملك في خبر الصحيحين: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع فهي للاختصاص، لا(3/376)
للملك (قوله: ولضعف الملك) علة لعدم جواز التسري بالنسبة للمكاتب (قوله: ولو طلب العبد النكاح) أي من السيد (قوله: لا يجب على السيد إجابته) أي لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده وينقص القيمة.
وقوله ولو مكاتبا: أي ولو كان العبد مكاتبا فلا تجب إجابته ومثله للبعض (قوله: ولا يصدق مدعي عتق) كان المناسب أن يقول، كعادته، فرع أو فرعان (قوله: من عبد أو أمة) بيان مدعي العتق (قوله: إلا بالبينة) أي فإنه يصدق بها (قوله: الآتي بيانها في باب الشهادة) عبارته هناك: والشهادة لما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وطلاق وعتق رجلان لا رجل وامرأتان.
انتهت (قوله: وصدق مدعي حرية إلخ) يعني لو ادعى عليه بالرق وقال أنا حر أصالة صدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الأيدي لموافقته الأصل وهو الحرية.
وقوله أصالة: أي لا بالعتق.
وقوله ما لم يصدق الخ: قيد لتصديقه بيمينه، أي يصدق بها ما لم يسبق منه وهو رشيد إقرار بالملك، وإلا صدق مدعي الرق.
وقوله أو لم يثبب: أي وما لم يثبت الرق ببينة تشهد برقة وإلا عمل بها.
ولو أقام هو أيضا بينة على حريته قدمت الأولى لأن معها زيادة علم بنقلها عن الأصل، وإذا ثبتت الحرية الأصلية رجع مشتريه على بائعة بثمنه وإن أقر المشتري له بالملك لأنه بناء على ظاهر اليد.
وسيذكر المؤلف هذه المسألة في باب الدعاوي والبينات بأبسط مما هنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الكفاءة أي في بيان خصال الكفاءة المعتبرة في النكاح لدفع العار والضرر.
وهي لغة: التساوي والتعادل.
واصطلاحا أمر يوجب عدمه عارا.
وضابطها مساواة الزوج للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح (قوله: وهي) أي الكفاءة.
وقوله معتبرة في النكاح لا لصحته: أي غالبا، فلا ينافي أنها قد تعتبر للصحة، كما في التزويج بالإجبار، وعبارة التحفة: وهي معتبرة في النكاح لا لصحته مطلقا بل حيث لا رضا من المرأة وحدها في جب ولا عنة ومع وليها الأقرب فقط فيما عداهما.
اه.
ومثله في النهاية وقوله بل حيث لا رضا، مقابل قوله لا لصحته مطلقا، فكأنه قيل لا تعتبر للصحة على الإطلاق وإنما تعتبر حيث لا رضا.
اه.
ع ش.
(والحاصل) الكفاءة تعتبر شرط للصحة عند عدم الرضا، وإلا فليست شرطا لها (قوله: بل لأنها حق للمرأة) أستفيد منه أن المراعى فيها جانب الزوجة لا الزوج.
وقوله والولي: أي واحدا كان أو جماعة مستوين في الدرجة، فلا بد مع رضاها بغير الكفء من رضا سائر الأولياء به.
ولا يكفي رضا أحدهم دون الباقين، كما سيأتي في كلامه، (قوله: فلهما) أي المرأة والولي (قوله: إسقاطها) أي الكفاءة: أي ولو كانت شرطا لصحة العقد مطلقا لما صح حينئذ.
والمراد بالسقوط رضاهما بغير الكفء وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - زوج بناته من غير كفء ولا مكافئ لهن، وأمر فاطمة بنت قيس نكاح أسامة فنكحته وهو مولى وهي قرشية ولو كانت شرطا للصحة مطلقا لما صح ذلك (قوله: ولا يكافئ حرة الخ) شروع في بيان خصال الكفاءة.
والذي يؤخذ من كلامه متنا وشرحا أنها ست وهي الحرية والعفة والنسب والدين والسلامة من الحرف الدنيئة والسلامة من العيوب، وبعضهم عدها خمسا وأدرج العفة في الدين ونظمها بقوله: شرط الكفاءة خمسة قد حررت ينبيك عنها بيت شعر مفرد(3/377)
نسب ودين حرفة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد والراجح أنه لا يشترط، كما سيأتي، في كلامه، لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أصحاب المروءات والبصائر.
وللعلامة مرعي الحنبلي: قالوا الكفاءة ستة فأجبتهم قد كان هذا في الزمان الأقدم
أما بنو هذا الزمان فإنهم لا يعرفون سوى يسار الدرهم ثم أن العبرة في هذه الخصال بحال العقد فلا يؤثر طروها بعده ما عدا الرق فإن طروه يبطل النكاح ولا وجودها مع زوالها قبله.
قال في التحفة: نعم ترك الحرف الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة.
كذا طلقه غير واحد، وهو ظاهر إن تلبس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليه البتة، وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعير بها.
وهل تعتبر السنة في الفاسق إذا تاب كالحرفة القياس؟ نعم: قال ثم رأيت ابن العماد والزركشي بحثا أن الفاسق إذا تاب لا يكافئ العفيفة: وينبغي حمله على ما إذا لم تمض سنة من توبته، وظاهر كلام بعضهم اعتماد إطلاقهما، لكن بالنسبة للزنا.
اه.
(قوله: حرة أصلية) مفعول يكافئ.
وقوله أو عتيقة: مقابل قوله أصلية (قوله: ولا من لا يمسها الرق) هو معنى قوله حرة أصلية، فكان عليه أن يقول ولا من لم يمس الرق آباءها أو الأقرب إليها منهم (قوله: غيرها) فاعل يكافئ وقدر الشارح عند كل صفة نظير هذا فيكون فاعل لفعل مقدر نظير المذكور وإن نظرت لأصل المتن ففاعل الفعل قوله بعد تتمة الصفات غير بالتنوين (قوله: بأن لا يكون) تصوير لكون الزوج غير مكافئ لها.
وقوله في ذلك.
أي فيما ذكر من كونها حرة أصلية الخ وذلك بأن تكون حرة أصلية وهو ليس كذلك بأن يكون رقيقا أو عتيقا، أو تكون هي عتيقة وهو رقيق أو تكون هي لم يمس آباءها الرق وهو مس آباء الرق، أو الأقرب إليها من الآباء لم يمسه الرق والأقرب إليه منهم مسه الرق: كأن يكون أبوه الثالث مسه الرق وأبوها الرابع مسه الرق، ففي جميع ذلك لا يكون كفأ لها (قوله: ولا أثر لمس الرق في الأمهات) أي لا يؤثر في الكفاءة مس الرق في الأمهات، فلو كانت حرة لم يمس أبويها الرق وهو كذلك لكن مس أمه الرق كافأها لأنه يتبع الأب في النسب لا الأم (قوله: ولا عفيفة الخ) أي ولا يكافئ عفيفة أي صالحة.
وقوله وسنية: أي غير مبتدعة.
وقوله وغيرهما: فاعل يكافئ.
أي لا يكافئهما غيرهما، وذلك لقوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟ لا يستوون) * (1) وقوله من فاسق ومبتدع: بيان لغيرهما (قوله: فالفاسق الخ) تفريع على ما يفهم من كلامه وذلك لأنه يفهم من كون العفيفة ليست كفأ للفاسق أن الفاسقة كفء له (قوله: إن استوى فسقهما) أي اتحدا نوعا وقدرا، فإن زاد فسقه أو اختلف فسقهما نوعا، بأن يكون شارب الخمر وهي زانية لم يكافئها (قوله: ولا نسيبة) أي ولا يكافئ نسيبة.
وقوله من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية: بيان للنسبية.
وقوله غيرها: فاعل يكافئ المقدر، أي لا يكافئ النسبية غير النسبية (2) ، وقد بسط الكلام على ذلك في الروض وشرحه فلنذكره تكميلا للفائدة.
(ونصه) ولا يكافئ العربية والقرشية والهاشمية إلا مثلها: لشرف العرب على غيرهم، ولأن الناس تفتخر بأنسابهما
أتم فخار، ولخبر: قدموا قريشا ولا تقدموها رواه الشافعي بلاغا: أي بلفظ بلغني، ولخبر مسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم وبنو
__________
(1) سورة السجدة، الاية: 18.
(2) (قوله غير النسيبة) كذا في الاصل هنا ومثله فيما سيأتي، والمناسب غير النسيب: لان غير صفة لمذكر هو الزوج، كما هو ظاهر.
اه.
مصححه(3/378)
هاشم وبنو المطلب أكفاء، لخبر البخاري: نحن وبنو المطلب شئ واحد ومحله في الحرة.
ولو نكح هاشمي أو مطلبي أمة فأتت منه ببنت فهي مملوكة لمالك أمها فله تزويجها من رقيق ودنئ النسب، كما سيأتي، وأفهم كلامه ما صرح به في الروضة من أن موالي كل قبيلة ليسوا أكفاء لها فسائر العرب، أي باقيهم، أكفاء: أي بعضهم أكفاء بعض.
وقال الرافعي: مقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب، لكن ذكر جماعة أنهم أكفاء، وجرى النووي على ما انتصر له المصنف، فقال مستدركا على الرافعي ما ذكره الجماعة هو مقتضى كلام الأكثرين، وذكر إبراهيم المروزي أن غير كنانة لا يكافئها، واستبدل له السبكي بخبر مسلم السابق فحصل في كونهم أكفاء وجهان.
وقد نقل الماوردي عن البصريين أنهم أكفاء وعن البغداديين خلافة فتفضل مضر على ربيعة وعدنان على قحطان اعتبارا بالقرب منه - صلى الله عليه وسلم -، وتقدم عنه نظيره في قسم الفئ والغنيمة.
وهذا هو الأوجه: اه.
وجرى في الأنوار على أن غير قريش من العرب بعضهم كفء لبعض وعبارته الثالثة: النسب فالعجمي ليس كفؤا للعربية ولا غير القرشي للقرشية ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية وهما كفآن، ويعتبر النسب في العجم كفي العرب وغير قريش من العرب بعضهم كفء بعض.
والعبرة في النسب بالآباء إلا في أولاد بنات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اه.
(قوله: يعني لا يكافئ إلخ) تفصيل لما أجمله أولا بقوله ولا نسيبة غيرها (قوله: عربية أبا) أي من جهة الأب (قوله: غيرها) فاعل يكافئ.
وقوله من العجم بيان للغير.
(واعلم) أنه يعتبر النسب في العجم كما يعتبر في العرب، كما تقدم، فالفرس أفضل من القبط، وبنو إسرائيل أفضل من القبط (قوله: وإن كانت أمة عربية) أي فلا عبرة بها لما تقدم من الأنوار أن العبرة في النسب بالآباء (قوله: ولا قرشية غيرها) أي ولا يكافئ قرشية غيرها.
وقوله من بقية العرب: بيان لغيرها (قوله: ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما) أي ولا يكافئ هاشمية أو مطلبية غيرها من بقية أصناف قريش كبني عبد شمس (قوله: وصح نحن وبنو المطلب شئ
واحد) وفي رواية: نحن وبنو المطلب هكذا: وشبك بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - وخرج بقوله وبنو المطلب بنو عبد شمس ونوفل فليسوا وبنو هاشم سواء، لأن هؤلاء، وإن كانوا أولاد عبد مناف كبني هاشم والمطلب، إلا أنهم أخرجهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آله لإيذائهم (قوله: فهما) أي بنو هاشم وبنو المطلب وقوله متكافئان: أي فيكافئ ذكور أحدهما بنات الآخر (قوله: ولا يكافئ من أسلم الخ) هذه الخصلة هي التي عبرت عنها بالدين.
وقوله من لها أب: مفعول يكافئ، أي لا يكافئ الذي ليس له أب في الإسلام المرأة التي لها ذلك (قوله: ومن له أبوان) أي ولا يكافئ من له أبوان.
وقوله لمن لها: اللام زائدة، ومن: مفعول يكافئ (قوله: على ما صرحوا به) هو المعتمد، وإن كان صنيعه يفيد خلافه.
وقوله لكن الخ: ضعيف.
وقوله فيه: أي في المذكور الذي صرحوا فيه بعدم التكافؤ (قوله: أنهما) أي من أسلم بنفسه ومن لها أب أو أكثر ومن له أبوان ومن لها ثلاثة آباء في الإسلام (قوله: واختاره) أي هذا الوجه الروياني وجزم به صاحب العباب وعللاه بأنه يلزم على الوجه الأول أن الصحابي لا يكون كفؤا لبنت التابعي، وجزم في التحفة بالأول وقال: وما لزم عليه من أن الصحابي ليس كفؤ بنت تابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي أن بعض الخصال لا يقابل ببعض، فاندفع ما للأذرعي.
اه.
ومثله في النهاية والمغني، وعبارة المغني: فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الإسلام، ومن له أبوان في الإسلام ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه.
(فإن قيل) قضية هذا أن من أسلم بنفسه من الصحابة رضي الله عنهم لا يكون كفؤا لبنات التابعين وهذا مشكل وكيف لا يكون كفؤا لهن وهو أفضل الأمة؟(3/379)
(أجيب) بأنه لا مانع من ذلك.
اه.
(قوله: ولا سليمة) أي ولا يكافئ سليمة.
وقوله من حرف، بكسر ففتح جمع حرفة: كقرب جمع قربة.
وقوله دنيئة: بالهمز وتركه (قوله: وهي الخ) بيان لضابط الحرف الدنيئة.
وقوله ما دلت ملابسته ما واقعة على الصنائع، وتذكير الضمير في قوله ملابسته باعتبار لفظ ما، والمعنى أن الحرف الدنيئة هي الصنائع التي دلت ملابستها.
أي مصاحبتها على انحطاط المروءة أي سقوطها (قوله: غيرها) فاعل يكافئ المقدر أي ولا يكافئ السليمة من الحرف الدنيئة غير السليمة.
وقد بسط الكلام على ما ذكر في الأنوار وعبارته: الخامسة الحرفة فأصحاب الحرف الدنيئة ليسوا بأكفاء للأشراف ولا لسائر المحترفة: فالكناس والحجام والفصاد والختان والقمام وقيم الحمام والحائك والحارس والراعي والبقار والزبال والنخال والإسكاف والدباغ والقصاب والجزار والسلاخ والحمال والجمال والحلاق
والملاح والمراق والهراس والفوال والكروشي والحمامي والحداد والصواغ والصباغ والدهان والدباس ونحوهم لا يكافئون ابنة الخياط والخباز والزراع والفخار والنجار ونحوهم.
وسلك المتولي الصراف والعطار في سلكهم، ويشبه أن يكون الصراف كالصواغ وأن يكون العطار كالبزاز والخياط لا يكافئ ابنة التاجر والبزاز والبياع والجوهري وهم لا يكافئون ابنة القاضي والعالم والزاهد المشهور والصنائع الشريفة بعضها أشرف ومن بعض كما تبين والدنيئة بعضها أدنأ من بعض.
فالذي سبب دناءته استعمال النجاسة: كالحجام والفصاد أدنى في الذي لا يستعملها كالخراز وشبهه.
وإذا شك في الشرف والدناءة أو في الشريف والاشرف أو الدنئ والأدنى فالمرجع إلى عادة البلد.
اه (قوله: فلا يكافئ من) هي اسم موصول فاعل يكافئ.
وقوله هو أو أبوه حجام: الجملة صلة الموصول (قوله: أو كناس) أي ولو للمسجد (قوله: أو راع) لا يرد أن الرعاية طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن الكلام فيمن أخذ الرعي حرفة يكتسب بها فقط، والأنبياء لم يتخذوه لذلك (قوله: بنت خياط) مفعول يكافئ وكان الأولى أن يسقط لفظ بنت، كما نص عليه البجيرمي، وعبارته، قوله بنت خياط، المناسب أن يقول لخياطة لأن الآباء لا تعتبر إلا بعد اتحاد الزوجين في الحرفة.
اه.
ح ل.
قال شيخنا العزيزي: ولم يقل ليس كفء خياطة مع أنه الملائم لما قبله للتنبيه على أن الحرفة تعتبر في الأصول كما تعتبر في الزوجين.
اه.
(قوله: ولا هو) أي ولا يكافئ: هو أي الخياط.
وقوله بنت تاجر: يأتي فيه وفيما بعده ما تقدم (قوله: وهو) أي التاجر.
وقوله من يجلب البضائع: أي يأتي بها من محلها إلى محل آخر ليبيعها فيه.
وقوله من غير تقييد بجنس: أي من البضائع كالرز (قوله: أو بزاز) بالجر عطف على تاجر: أي ولا يكافئ الخياط بنت بزاز (قوله: وهو) أي البزاز.
وقوله بائع البز: هو، بفتح الباء، القماش (قوله: ولا هما) أي ولا يكافئ التاجر والبزاز (قوله: بنت عالم أو قاض) قال في التحفة: الذي يظهر أن مرادهم بالعالم هنا من يسمى عالما في العرف وهو الفقيه والمحدث والمفسر لا غير، أخذا مما مر في الوصية، وحينئذ فقضيته أن طالب العلم وإن برع فيه قبل أن يسمى عالما يكافئ بنته الجاهل.
وفيه وقفة ظاهرة: كمكافأته لبنت عالم بالأصلين والعلوم العربية.
ولا يبعد أن من نسب أبوها لعلم يفتخر به عرفا لا يكافئها من ليس كذلك.
ويفرق بين ما هنا والوصية بأن المدار ثم على التسمية دون ما به افتخار؟ وهنا بالعكس، فالعرف هنا غيره ثم.
فتأمله.
اه (قوله: عدل) صفة لكل من العالم والقاضي، فلا عبرة بالفسق منهما، وفي شرح الرملي: وبحث الأذرعي أن العلم مع الفسق لا أثر له، إذ لا فخر له حينئذ في العرف فضلا عن الشرع.
وصرح بذلك في القضاء فقال إن كان القاضي أهلا فعالم وزيادة، أو غير أهل - كما هو الغالب في قضاة زمننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام - ففي النظر إليه
نظر، ويجئ فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب، بل هو أولى منهم بعدم الإعتبار: لأن النسبة إليه عار، بخلاف الملوك ونحوهم.
ومثله في التحفة (قوله: خلافا للروضة) في التحفة ما نصه: في الروضة أن الجاهل يكافئ(3/380)
العالمة، وهو مشكل: فإنه يرى اعتبار العلم في آبائها، فكيف لا يعتبره فيها؟ إلا أن يجاب بأن العرف يعير بنت العالم بالجاهل، ولا يعير العالمة بالجاهل.
اه.
وضعف في الأنوار ما في الروضة، وعبارته: قال الروياني الشيخ لا يكون كفؤا للشابة والجاهل للعالمة.
قال صاحب الروضة.
هو ضعيف وهذا التضعيف في الجاهل والعالمة ضعيف: لأن علم الآباء إذا كان شرفا للأولاد فكيف بعلمهم؟ ولأن الحرفة تراعى في الزوجة مع أنها لا توازي العلم.
وقد قطع بموافقة الروياني شارح مختصر الجويني وغيره.
اه (قوله: والأصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة) مقابله يقول إنه يعتبر: لأنه إذا كان معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين.
قال في النهاية: وعلى الأول، أي الأصح، لو زوجها وليها بالإجبار بمعسر بحال صداقها عليه لم يصح النكاح، وليس مبنيا على اعتبار اليسار، كما قاله الزركشي، بل لأنه بخسها حقها، فهو كما لو زوجها من غير كفء.
اه.
(قوله: لأن المال ظل زائل الخ) عبارة المغني: لأن المال ظل زائل، وحال حائل، ومال مائل، ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر.
وقال في التحفة: ويجاب عن الخبر الصحيح الحسب المال، وأما معاوية فصعلوك بأن الأول، أي الحسب، المال على طبق الخبر الآخر تنكح المرأة لحسبها ومالها الحديث.
أي أن الغالب في الأغراض ذلك.
ووكل - صلى الله عليه وسلم - بيان ذم المال إلى ما عرف من الكتاب والسنة في ذمة، لا سيما قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * إلى قوله: * (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا: كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب - لو سويت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء والثاني تصح بما يعد عرفا منفرا وإن لم يكن منفرا شرعا.
اه.
وقوله والثاني: معطوف على الأول، أي وهو وأما معاوية فصعلوك.
وفي المغني ما نصه: (فائدة) قال الإمام والغزالي: شرف النفس من ثلاث جهات: إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يعاد له شئ: الثانية: الإنتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبهم ربط الله تعالى حفظ الملة المحمدية: والثالثة الإنتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوي قال الله تعالى: * (وكان أبوهما صالحا) * قال: ولا عبرة بالإنتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب، وإن تفاخر الناس بهم، قال الرافعي: وكلام النقلة
لا يساعدهما عليه في عظماء الدنيا.
اه (قوله: ولا سليمة الخ) أي ولا يكافئ سليمة من عيب.
وهذه الخصلة معتبرة في الزوجين، وكذا في أبيهما وأمهما على أحد وجهين، وهو الأوجه عند م ر.
وعليه: فابن نحو الأجذم ليس كفؤا لمن أبوها سليم، وعند حجر خلافه قال: وزعم الأطباء الأعداء في الولد لا يعول عليه، والمراد بالعيب المثبت للخيار الذي تعتبر السلامة منه، في الكفاءة المشترك، وهو الجنون والجذام والبرص، لا الخاص بالرجل، وهو الجب والعنة، إذ لا معنى لكونها سليمة منها، ولا الخاص بها - وهو الرتق والقرن - إذ لا معنى لكونه غير سليم منهما (قوله: حالة العقد) قيد به لما تقدم أن العبرة في الخصال بحال العقد، لكن كان عليه أن يقيد به في جميعها، كما في التحفة والنهاية، (قوله: لخيار نكاح) أي لخيار فسخ نكاح، ففي الكلام مضاف مقدر (قوله: لجاهل به) متعلق بمثبت.
وقوله حالته: متعلق بجاهل، والضمير يعود على العقد.
وهذا بيان لشرط كون العيب مثبتا للخيار وأتى به للإيضاح، وإلا فهو ليس بصدد بيان شروطه.
والمعنى: أن العيب الذي تشترط السلامة منه هو المثبت لخيار فسخ النكاح وهو لا يكون مثبتا إلا لجاهل بالعيب حالة العقد دون العالم به عنده ويصدق منكر العلم به بيمينه ولو بعد الوطئ وعبارة الروض، وشرحه.
(فرع) لو نكح أحدهما الآخر عالما بالعيب القائم بالآخر غير العنة فلا خيار له كما في المبيع والقول فيما لو كان به عيب وادعى على الآخر علمه به ولو بعد الدخول فأنكر قوله بيمينه أنه لم يعلم به لأن الأصل عدم علمه به.
اه (قوله: كجنون الخ) تمثيل للعيب المثبت للخيار الذي يشترط السلامة منه.
وقوله ولو متقطعا: أي ولو كان الجنون متقطعا يأتي
__________
(1) سورة الزخرف، الايتان: 33، 34، 35.
(2) سورة الكهف، الاية: 82(3/381)
تارة ويذهب تارة.
وقوله وإن قل: أي الجنون.
وهذا ما جرى عليه شيخه ابن حجر، والذي جرى عليه م ر: أن الخفيف لا يضر، وعبارته: ويستثنى من المتقطع، كما قاله المتولي، الخفيف الذي يطرأ في بعض الأزمان.
اه.
ومثل الجنون في ثبوت الخيار: الخبل، كما ألحقه به الشافعي رضي الله عنه، كذا قيل.
وفي القاموس: أنه الجنون، وعليه: فلا إلحاق والإغماء المأيوس من زواله كالجنون (قوله: هو) أي الجنون.
وقوله يزول به الشعور، أي الإدراك من القلب لكن مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء (قوله: وجذام) بالجر معطوف على جنون: أي وكجذام.
وقوله مستحكم - بكسر الكاف - بمعنى محكم: يقال أحكم واستحكم: أي صار محكما.
وقيد بالإستحكام فيه وفيما بعده، دون الجنون،
للإشارة إلى أنه لا يشترط فيه الإستحكام.
والفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية، كما قاله الزركشي، فإذا جن أحد الزوجين ترتب عليه الجناية على الآخر بقتل أو نحوه، واعتمد الزيادي عدم الإستحكام في البرص والجذام كالجنون.
ومما جرب للجذام أن يؤخذ من دهن حب العنب ومرارة النسر أجزاء متساوية ويخلطان معا ويدلك بهما ثلاثة أيام.
ومما جرب للبرص أن يؤخذ ماء الورد ويطلى به ثلاثة أيام فإنه يبرأ بإذن الله تعالى (قوله: وهي) أي الجذام، وأنت الضمير باعتبار الخبر.
وقوله علة يحمر منها العضو: قال م ر ويتصور في كل عضو غير أنه يكون في الوجه أغلب.
اه.
وقوله ثم يتقطع: أي وبعده يتناثر، أي يتساقط (قوله: وبرص) هو بالجر عطف على جنون: أي وكبر ص.
وخرج به البهق فلا يؤثر (قوله: وهو) أي البرص (قوله: وإن قلا) أي الجذام والبرص فإنهما يؤثران (قوله: وعلامة الإستحكام في الأول) أي في الجذام.
(وقوله: اسوداد العضو) أي وإن لم يوجد تقطع ولا تناثر على المعتمد (قوله: وفي الثاني) أي وعلامة الإستحكام في الثاني، أي البرص.
وقوله عدم احمراره: أي العضو.
وعبارة غيره: وعلامة الإستحكام فيه وصوله للعظم بحيث لو فرك العضو فركا عنيفا لم يحمر اه (قوله: غير) فاعل يكافئ المقدر في قوله ولا سليمة: أي ولا يكافئ سليمة من العيب غيرها.
وهذا باعتبار حل الشارح، أما باعتبار المتن فهو فاعل يكافئ المصرح به أول الفصل، كما تقدم التنبيه عليه، وقوله ممن به عيب: بيان للغير.
وقوله منها: أي من العيوب الثلاثة (قوله: لأن النفس الخ) علة لعدم المكافأة المذكورة: أي لا يكافئ السليمة من العيوب من لم يسلم منها لأن النفس الخ.
وقول تعاف: أي تكره صحبة من به ذلك، أي المذكور من الجنون والجذام والبرص، لأن الأول يؤدي إلى الجناية، والأخيرين يعديان.
ففي الصحيحين: فر من المجذوم فرارك من الأسد وهذا محمول على غير قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له.
وذلك الغير هو الذي يحصل في قلبه خوف حصول المرض.
فقد جرت العادة بأنه يحصل له المرض غالبا.
وحينئذ فلا ينافي ما صح في الحديث لا عدوى لأنه محمول على قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له، فقد شوهد أنه.
لا يحصل له مرض ولا ضرر، أو يقال: المراد لا عدوى مؤثرة، فلا ينافي أنه قد تحصل العدوى، لكن بفعل الله تعالى فإن الحديث ورد ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من نسبة الفعل لغير الله تعالى (قوله: ولو كان بها الخ) كلام مستأنف، ولو شرطية جوابها قوله فلا كفاءة، ولا يصح جعلها غاية ويكون قوله فلا كفاءة تفريعا لأن موضوع هذه الخصلة لأن السليمة من العيوب لا يكافئها من هو متصف بها، وحينئذ فينحل المعنى السليمة من العيوب لا يكافئها من ذكر وإن كان بها عيب ولو متفقا، فيناقض آخر الكلام أوله.
لأنها إذا كان بها عيب فلا تكون سليمة من العيوب، لا سيما عند اتفاقهما في العيب.
وقوله وإن اتفقا أي العيبان كأن يكون جذماء، وهو كذلك، وذلك لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه.
وقوله أو كان ما بها أقبح: أي أو كان العيب الذي فيها أقبح من العيب الذي فيه: كأن تكون جذماء وهو أبرص، أو يكون الذي بها(3/382)
أكثر (قوله: أما العيوب الخ) مقابل قوله عيب مثبت لخيار.
وقوله كالعمى الخ: تمثيل للعيوب التي لا تثبت الخيار (قوله: وقطع الطرف) أي قطع عضو من أعضائه، وهو بفتح الراء، وأما بسكونها فهو العين.
وقوله وتشوه الصورة: أي قبح الخلقة بنقص فيها أو غيره (قوله: تتمة) أي في بيان العيوب التي تثبت الخيار، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل.
وحاصلها سبعة: الثلاثة المتقدمة وهي مشتركة، ويثبت الخيار بها للزوجين مطلقا، وجدت قبل العقد أو بعده، وللولي إن قارنت العقد وإن رضيت بها لأنه يعير بها.
واثنان خاصان بالرجل: وهما الجب والعنة، فيثبت الخيار بهما للزوجة، وإثنان خاصان بها: وهما الرتق والقرن، فيثبت بهما الخيار للزوج (قوله: ومن عيوب النكاح) أي العيوب المثبتة لفسخ النكاح (قوله: رتق) بفتحتين: وهو انسداد محل الجماع بلحم.
ولا تجبر على شق الموضع فإن شقته أو شقه غيرها وأمكن الوطئ فلا خيار لزوال المانع من الجماع، ولا تمكن الأمة من الشق إلا بإذن سيدها.
وقوله وقرن، بفتح القاف وفتح الراء، وقيل بسكونها، وهو انسداد محل الجماع بعظم (قوله: وجب) بفتح الجيم وتشديد الباء: وهو قطع الذكر أو بعضه والباقي دون الحشفة ولو بفعل الزوجة أو بعد الوطئ.
وقوله وعنة، بضم العين وتشديد النون، وهي العجز عن الوطئ في القبل لضعف الآلة أو القلب أو الكبد.
ولا بد في ثبوت الخيار بها من أن تكون من مكلف، بخلاف الصبي والمجنون فلا يسمع دعوى العنة في حقهما لأنها لا تثبت إلا بإقرار الزوج عند القاضي أو عند بينة تشهد على إقراره أو بيمينها بعد نكوله وإقرار كل من الصبي والمجنون لغو كنكوله ولا تثبت بالبينة لأنه لا إطلاع للشهود عليها.
ولا بد أيضا أن تكون قبل الوطئ فلا خيار له بعد الوطئ ولو مرة لأنها وصلت إلى مطلوبها وعرفت بذلك قدرته على الجماع مع توقع حصول الشفاء بزوالها وعود الداعية للإستمتاع، بخلاف حدوث الجب بعد الوطئ فإنه يثبت به الخيار ليأسها من الجماع وعدم توقع الإستمتاع، ولا بد من ضرب القاضي له سنة، كما فعله عمر رضي الله عنه وتابعه العلماء عليه، وقالوا: تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء، أو برودة فيزول في الصيف، أو يبوسة فيزول في الربيع، أو رطوبة فيزول في الخريف، فإذا مضت السنة ولم يطأ رفعت أمرها إلى القاضي لامتناع استقلالها بالفسخ، فإذا ادعى الوطئ وهي ثيب أو بكر غوراء ولم تصدقه صدق هو بيمينه أنه وطئ، ولا يطالب بوطئ، بخلاف البكر غير الغوراء فتحلف هي أنه لم يطأ،
وكذلك إن نكل عن اليمين في الثيب أو البكر الغوراء فإنها تحلف يمين الرد كغيرها (قوله: فلكل من الزوجين الخ) تفريع على كون المذكورات من عيوب النكاح.
وقوله الخيار فورا: أي لأن الخيار خيار عيب وهو على الفور كما في الخيار بعيب المبيع.
فمن أخر بعد ثبوت حقه سقط خياره وتقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا يكون مخالطا للعلماء مخالطة تستدعي عرفا معرفة ذلك، ولا ينافي الفورية ضرب السنة في العنة لأنها لا تثبت بعد مضي السنة والرفع بعدها إلى القاضي، وحينئذ فلها الفسخ ولكن بعد قول القاضي ثبتت عندي عنته أو ثبت حق الفسخ (قوله: في فسخ النكاح) .
(اعلم) أن الفسخ يفارق الطلاق في أربعة أمور: الأول أنه لا ينقص عدد الطلاق فلو فسخ مرة ثم جدد العقد ثم فسخ ثانيا وهكذا لم تحرم عليه الحرمة الكبرى، بخلاف ما إذا طلق ثلاثا فإنها تحرم عليه الحرمة المذكورة ولا تحل له إلا بمحلل.
الثاني إذا فسخ قبل الدخول فلا شئ عليه، بخلاف ما إذا طلق فإن عليه نصف المهر.
الثالث إذا فسخ لتبين العيب بعد الوطئ لزمه مهر المثل، بخلاف ما إذا طلق حينئذ فإن عليه المسمى.
الرابع إذا فسخ بمقارن للعقد فلا نفقه لها وإن كانت حاملا، بخلاف ما إذا طلق في الحالة المذكورة فتجب النفقة.
وأما السكنى فتجب في كل من الفسخ والطلاق حيث كان بعد الدخول (قوله: بما وجد الخ) متعلق بالخيار، والباء سببية: أي الخيار بسبب ما وجد من العيوب.
وقوله في الآخر: متعلق بوجد (قوله: بشرط أن يكون بحضور الحاكم) أي إنما يصح الخيار فورا في فسخ النكاح إن كان حاصلا بحضور الحاكم، وذلك لأن الفسخ بالعيوب المذكورة أمر مجتهد فيه كالفسخ بإعسار فتوقف ثبوتها على مزيد نظر(3/383)
واجتهاد، وهو لا يكون إلا من الحاكم فلو تراضيا بالفسخ بها من غير حاكم لم ينفذ، ويغني عنه المحكم بشرط ولو مع وجود القاضي.
نعم إن لم تجد حاكما ولا محكما نفذ فسخها للضرورة، كما قالوه في الإعسار بالنفقة، (قوله: وليس منها) أي من العيوب المثبتة للخيار، فهو مرتبط بقوله ومن عيوب النكاح الخ (قوله: استحاضة) أي وإن لم تخفظ لها عادة بأن تحيرت وإن حكم أهل الخبرة باستحكامها (قوله: وبخر) بفتحتين نتن الفم وغيره كالأنف، وقيل نتن الأنف يسمى نخرا بالنون (قوله: وصنان) هو بضم الصاد.
وظاهر إطلاقه أنه لا فرق فيه بين أن يكون مستحكما أو يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع الوسخ (قوله: وقروح سيالة) أي كالمبارك المعروف (قوله: وضيق منفذ) أطلق جعله من العيوب الغير المثبتة للخيار وليس كذلك، بل فيه تفصيل: هو أنه إن تعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها
كان من العيوب المثبتة للخيار، وإلا فلا.
وعبارة التحفة.
ومثله، أي المنسد محل جماعها، ضيق المنفذ بحيث يفضيها كل واطئ.
كذا أطلقوه.
ولعل المراد بحيث يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها، سواء أدي لإفضائها أم لا، ثم قال: قال الأسنوي وكما يخير بذلك فكذلك تتخير هي بكر آلته بحيث يفضي كل موطوءة.
اه.
بتصرف.
والإفضاء رفع ما بين قبلها ودبرها، أو رفع ما بين مدخل الذكر ومخرج البول على الخلاف فيه.
(قوله: ويجوز لكل من الزوجين خيار إلخ) شروع في بيان خيار الشرط بعد بيان خيار العيب.
وحاصل الكلام عليه أنه لو شرط في أحد الزوجين وصف لا يمنع صحة النكاح كمالا كان كجمال وبكارة وحرية أو نقصا كضدها أو لا، ولا كبياض وسمرة، فأخلف المشروط صح النكاح لأن خلف الشرط إذا لم يفسد البيع المتأثر بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى، ولكل من الزوجين الخيار إن بان الموصوف دون ما شرط كأن شرط أنها حرة فبانت أمة وهو حر يحل له نكاح الأمة وقد أذن سيدها في نكاحها أو أنه حر فبان عبدا وهي حرة وقد أذن له سيده في نكاحه، فإن بان مثل ما شرط أو خيرا مما شرط كإسلام وبكارة وحرية بدل أضدادها صح النكاح ولا خيار لأنه مساو أو أكمل.
وحكم المهر هنا كحكمه في خيار العيب، فإن كان الفسخ قبل وطئ فلا مهر أو بعده، أو معه فمهر المثل (قوله: بخلف شرط) أي بوصف لا يمنع صحة النكاح كما علمت بخلاف ما إذا كان يمنعها كأن شرط كونها أمة وهو حر لا يحل له نكاحها أو شرط كونها مسلمة وهو كافر فالنكاح يبطل بذلك من أصله.
وخرج بقوله خلف شرط خلف العين كزوجني على زيد فزوجها على عمرو فإن النكاح يبطل جزما.
وقوله وقع في العقد الجملة صفة لشرط: أي شرط موصوف بكونه وقع في العقد.
وقوله لا قبله: تصريح بمفهوم، قوله في العقد: أي أما إذا وقع قبله فلا يؤثر.
وذلك لأنه إنما يؤثر إذا ذكر في العقد، بخلاف ما إذا سبقه (قوله: كأن شرط في أحد الزوجين الخ) هو شامل لما إذا كان الشارط الزوجة أو الولي ولما إذا كانت الزوجة مجبرة، أو غير مجبرة: أي وقد أذنت في معين وشرطت ما ذكر فإن إذنها في النكاح للمعين بمثابة إسقاط الكفاءة منها ومن الولي.
اه.
بجيرمي.
وقوله حرية بالرفع نائب فاعل شرط.
وقوله أو يسار: أي غنى.
وقوله أو بكارة: ومعنى كون الزوج بكرا أنه لم يتزوج إلى الآن.
اه.
بجيرمي.
وقوله أو سلامة من عيوب: أي غير عيوب النكاح، وأما هي فهي مثبتة للخيار مطلقا سواء شرطت السلامة منها أم لا.
وعبارة البجيرمي: فإن وجد عيب من عيوب النكاح كان لها الخيار مطلقا وإن كان الوصف من غيرها من بقية خصال الكفاءة كالحرية والنسب والحرفة، فإن شرط منها كان لها الخيار وإلا فلا.
اه (قوله: كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا) أي أو نسيبة أو غنية أو شباب.
ومثله يقال في الزوج كأن يقول ولي الزوجة للزوج زوجتك
بشرط أنك بكر أو حر أو غني أو شباب أو يقول ذلك لوكيل الزوج (قوله: فإن بان أدنى مما شرط) إسم بان يعود على أحد الزوجين، لكن على تقدير مضاف، ومتعلق شرط محذوف: أي فإن بان أحد الزوجين: أي وصفه أدنى من الوصف الذي فيه وما ذكر مرتب على مقدر.
أي فإذا شرط وأخلف الشرط فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ.
قال في التحفة: نعم الأظهر(3/384)
في الروضة أن نسبه إذا بان مثل نسبها أو أفضل لم تتخير وإن كان دون المشروط، وكذا لو شرطت حريته فبان قنا وهي أمة على الأوجه.
اه.
وخرج بقوله أدنى ما لو بان مثله أو خيرا منه فلا فسخ (قوله: ولو بلا قاض) غاية لقوله فله فسخ، وهي للرد، كما يستفاد من عبارة التحفة ونصها: والخيار فوري، ونازع فيه الشيخان بأنه مجتهد فيه فليكن، كما مر اه.
أي كعيب النكاح.
ومثلها النهاية (قوله: ولو شرطت بكارة) أي شرط الزوج أنه لا يتزوجها إلا إن كانت بكرا.
وقوله فوجدت ثيبا.
أي فوجدها ثيبا (قوله: وادعت ذهابها عنده) أي ادعت أن البكارة ذهبت عند الزوج بعد العقد.
والمراد لا بوطئه بأن يكون بنحو سقطه ليغاير ما بعده.
وقوله فأنكر: أي أنها ذهبت عنده.
وقوله صدقت بيمينها: جواب لو.
وقوله لدفع الفسخ: أي لأجل ذلك (قوله: أو ادعت افتضاضه لها) أي أو ادعت أنها دخلت عليه بكرا، وأنه هو الذي أزال بكارتها.
فلو قال عند قوله وادعت ذهابها عنده بوطئه أو بغيره لكان أخصر.
وقوله فأنكر: أي الزوج ما ادعته وادعى أنه ما افتضها بل وجدها ثيبا (قوله: فالقول قولها بيمينها) عبر أولا بقوله صدقت بيمينها وهنا بما ذكر تفننا، وقوله أيضا: أي كما تصدق في الصورة الأولى لدفع الفسخ (قوله: لكن يصدق الخ) راجع للصورتين قبله ودفع بهذا الإستداراك ما قد يتوهم من أنه إذا كان القول قولها بيمينها في الصورتين أنها تستحق المهر كاملا مع أنه ليس كذلك.
(والحاصل) القول قولها بالنسبة لدفع الفسخ، والقول قوله بالنسبة لتشطير المهر.
(قوله: إن طلق قبل الدخول) أي قبل الوطئ فإن طلق بعد الوطئ وقال وطئتها ووجدتها ثيبا وقالت أزالها بوطئه صدقت الزوجة فيجب المهر لأنه كان يمكنه معرفة كونها بكرا بغير الوطئ (قوله: ولا يقابل الخ) لو قدم هذا على التتمة لكان أولى لأنه من متعلقات خصال الكفاءة ومعنى عدم مقابلة بعض خصال الكفاءة ببعض أنه لا تجبر خصلة في الزوج رديئة بخصلة حميدة.
فلو كان الزوج نسيبا معيبا وهي سليمة من العيوب وغير نسيبة فلا يجبر النسب العيب ويكون كفؤا لها.
ومثله ما لو كان ابن البزاز عفيفا وابنة العالم غير عفيفة فلا يكون كفؤا لها.
ومثله ما ذكره المؤلف بقوله فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي لأنه ليس كفؤا لها، وذلك لما بالزوج من النقص المانع من الكفاءة - وهو الرق - ولا ينجبر بما فيه من
الفضيلة الزائدة وهي كونه عربيا.
وبقوله ولا حر ة فاسقة بعبد عفيف: أي لا تزوج حرة فاسقة بعبد عفيف لما مر (قوله: وليس من الحرف الدنيئة خبازة) بكسر ففتح: أي ولا نجارة بالنون ولا تجارة بالتاء (قوله: ولو اطرد عرف الخ) وحاصل ذلك أن ما نص عليه الفقهاء من رفعه أو دناءة في الخصال نعول عليه، وما لم ينص الفقهاء عليه يرجع فيه إلى عرف البلد.
قال في التحفة: وهل المراد بلد العقد أو بلد الزوجة؟ كل محتمل.
والثاني أقرب: لأن المدار على عارها وعدمه.
وذلك وإنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها، أي التي هي به حالة العقد - وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف، ولعله باعتبار عرف بلده.
اه.
وقوله وذكر في الأنوار: قد نقلنا بعض عبارته فيما تقدم، فارجع إليه إن شئت: وقوله لم يعتبر: أي العرف المطرد بعد نص الفقهاء (قوله: ويعتبر عرف بلدها) قال في النهاية: أي التي هي بها حالة العقد.
وقال ع ش: قضيته اعتبار بلد العقد وإن كان مجيئا لها لعارض كزيارة وفي نيتها العود إلى وطنها، وينبغي خلافه.
ثم رأيت في سم على حجر ما نصه: قوله أي التي هي بها، إن كان المراد التي بها على وجه التوطن فواضح، وإن كان المراد على عزم العود لبلدها فمشكل.
اه.
وقوله فيما لم ينصوا عليه: أي في الحرف التي لم ينصوا عليها بدناءة ولا برفعة (قوله: وليس للأب تزويج ابنه الخ) لو أخر هذا وذكره في فصل في نكاح الأمة لكان أنسب وإن كان ذكره هنا فيه نوع مناسبة من جهة أن(3/385)
الامة لا تكافئ الحر.
وقوله أمة: أي أو معيبة بعيب يثبت الخيار، ويجوز تزويجه من لا تكافئه بنسب أو حرفة أو غيرهما من سائر الخصال غير العيوب.
وذلك لأن الرجل لا يعير باستفراش من لا تكافئه.
نعم: يثبت له الخيار إذا بلغ.
وقوله لأنه مأمون العنت: أي الذي هو شرط في جواز نكاح الأمة.
وفي التحفة بعده: قال الزركشي قد يمنع هذا في المراهق لأن شهوته إذ ذاك أعظم.
(فإن قيل) فعله ليس زنا.
(قيل) وفعل المجنون كذلك مع أنهم جوزوا له نكاح الأمة عند خوف العنت فهلا كان المراهق كذلك؟ اه.
ولك رده بأن وطئ المجنون يشبه وطئ العاقل إنزالا ونسبا وغيرهما، بخلاف وطئ المراهق فلا جامع بينهما.
وادعاء أن شهوته إذ ذاك أعظم ممنوع لأنها شهوة كاذبة إذ لم تنشأ عن داع قوي وهو انعقاد المني.
اه (قوله: ويزوجها بغير كفء الخ) أي يصح أن يزوجها عليه الخ.
وقوله ولي: فاعل يزوجها.
ولا فرق فيه بين أن يكون منفردا: أي ليس هناك ولي غيره أو ليس منفردا بدليل قوله بعد أو أوليائها (قوله: لا قاض) معطوف على ولي (قوله: برضا كل) متعلق بيزوجها.
وقوله منها الخ: بيان لكل.
وقوله ومن وليها: إن كان هو المباشر للعقد فلا حاجة إلى ذكره لأن مباشرته تستلزم الرضا منه، وإن كان غيره
من بقية الأولياء أغنى عنه قوله بعد أو أوليائها.
وعبارة متن المنهاج: زوجها الولي غير كفء برضاها أو بعض الأولياء المستوين برضاها ورضا الباقين صح التزويج.
اه.
فلو صنع مثل صنيعه لكان أولى (قوله: أو أوليائها) أي أو منها مع أوليائها: أي باقيهم.
فلو زوجها أحد الأولياء بغير كفء برضاها فقط ولم يرض باقي الأولياء لم يصح لأن لهم حقا في الكفاءة إلا في إعادة النكاح المختلع رضوا به أو لا بأن زوجها أحدهم به برضاها ورضاهم ثم اختلعها زوجها فأعادها له أحدهم برضاها دون الباقين فإنه يصح، ويكفي رضاهم به أولا.
أفاده في الروض وشرحه.
وقوله المستوين: أي في درجة واحدة كإخوة.
وخرج به ما إذا لم يكونوا مستوين كأخ وعم فلا عبرة بالأبعد الذي هو العم لأنه لا حق له في الكفاءة.
فلو زوجها الأقرب غير كفء برضاها فليس له اعتراض عليه ولا نظر لتضرره بلحوق العار بنسبه لأن القرابة يكثر انتشارها فيشق اعتبار رضا الكل.
وقوله الكاملين: أي البالغين العاقلين.
وخرج به غيرهم فلا يعتبره رضاه (قوله: لزوال المانع) علة لقوله يزوجها برضا كل: أي يزوجها مع رضاهم لزوال المانع من صحة النكاح وهو الكفاءة برضاهم.
وإنما زال المانع بذلك لما تقدم أن الكفاءة ليست بشرط للصحة فتسقط بالرضا (قوله: أما القاضي الخ) مفهوم قوله لا قاض.
وقوله فلا يصح له تزويجها لغير كفء: يستثنى منه ما لو كان عدم الكفاءة بسبب جب أو عنة فيصح للقاضي تزويجها على المجبوب والعنين برضاها.
وقوله على المعتمد: لا ينافيه خبر فاطمة بنت قيس السابق أول الفصل: إذ ليس فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - زوجها أسامة بل أشار عليها به ولا يدري من زوجها فيجوز أن يكون زوجها ولي خاص برضاها، ومقابل المعتمد أنه يصح كما في التحفة ونصها: وقال كثيرون، أو الأكثرون، ويصح.
وأطال جمع متأخرون في ترجيحه وتزييف الأول، وليس كما قالوا.
اه.
قوله وأطال جمع متأخرون في ترجيحه: رأيت في بعض هوامش فتح الجواد ما نصه: إختار جماعة من الأصحاب الوجه القائل بالصحة مطلقا منهم الشيخ أبو محمد والإمام الغزالي والعبادي، ومال إليه السبكي ورجحه البلقيني وغيره، وعليه العمل.
اه.
مشكاة المصباح لبا مخرمة.
اه (قوله: إن كان لها ولي الخ) سيأتي محترزه (قوله: لأنه) أي القاضي.
(وقوله: كالنائب عنه) أي عن الولي الخاص الغائب أو المفقود.
(وقوله: فلا يترك) أي القاضي.
(وقوله: الحظ له) أي للولي الخاص المذكور والحظ له هو تزويجها على كفء (قوله: وبحث جمع متأخرون أنها) أي المرأة التي غاب وليها أو فقد (قوله: قال شيخنا وهو) أي البحث المذكور متجه مدركا.
وعبارته بعد كلام، ثم رأيت جمعا متأخرين بحثوا أنها لو لم تجد كفؤا وخافت العنت لزم القاضي إجابتها قولا واحدا للضرورة كما أبيحت الأمة(3/386)
لخائف العنت.
اه.
وهو متجه مدركا.
والذي يتجه نقلا ما ذكرته أنه إن كان في البلد حاكم يرى تزويجها من غير الكفء تعين، فإن فقد ووجدت عدلا تحكمه ويزوجها تعين، فإن فقدا تعين ما بحثه هؤلاء.
اه (قوله: أما من ليس لها ولي أصلا الخ) محترز قوله إن كان لها ولي الخ.
ثم إن تفصيله المذكور بين أن يكون لها ولي غائب أو نحوه فلا يصح تزويج الحاكم على الأصح، وبين أن لا يكون لها ولي أصلا فيصح على المختار ليس في التحفة والنهاية، بل الذي فيهما مع الأصل أنه لا يزوج الحاكم بغير كفء على الأصح مطلقا، لا فرق في ذلك بين أن لا يكون لها ولي أصلا وبين أن يكون لها ولي غائب أو فقد، ثم ذكرا مقابله ولم يفصلا فيه التفصيل المذكور، ثم نقلا عن جمع تخصيص المقابل، وهو القول بالصحة، بما إذا لم يكن تزويجه لنحو غيبة الولي أو عضله وإلا لم يصح تزويجه قطعا لبقاء حقه وولايته.
وفي المنهج وشرحه والروض وشرحه: الجزم بعدم صحة تزويج الحاكم بغير كفء برضاها من غير تفصيل ولا ذكر خلاف.
إذا علمت هذا تعلم ما في كلامه وتعلم أيضا ما في قوله بعد صحيح على المختار فإنه إن كان جاريا فيه على مقابل الأصح ورد عليه أنه يقول بالصحة مطلقا من غير تفصيل، وإن كان جاريا على ما جرى عليه جمع من تخصيص القول بالصحة بما إذا لم يكن تزويجنه لنحو غيبة الولي ورد عليه أنه إذا كان لها ولي غائب لا يصح تزويجه قطعا.
وهو قد أشار إلى الخلاف فيه بقوله فيما سبق على المعتمد.
ويمكن أن يقال إن المؤلف رحمه الله تعالى جار على طريقة ثالثة توسط فيها ففصل التفصيل المذكور.
تأمل (قوله: فرع) الأولى فرعان لأنه ذكر اثنين: الأولى قوله لو زوجت من غير كفء الخ.
الثاني قوله فإن أذنت في تزويجها الخ (قوله: لو زوجت) أي المرأة مطلقا بكرا كانت أو ثيبا.
وقوله من غير كفء: أي على غير كفء.
وقوله بالإجبار: أي بأن يكون الولي أبا أو جدا وهي بكر (قوله: أو بالإذن) أي أو زوجت بإذنها بأن كانت ممن يعتبر إذنها: كأن يكون الولي غير مجبر أو هي ثيب بالغ.
وقوله المطلق عن التقييد بكفء أو بغيره: أي أذنت في تزويجها من غير تعيين زوج بأن قالت له أذنت لك في تزويجي: فإن قيدت الإذن بكفء تعين، أو غير كفء: فإن كان المزوج الولي الخاص صح تزويجها عليه كما تقدم (قوله: لم يصح التزويج) أي على الأصح، ومقابله يصح لكن لها الخيار حالا إن كانت بالغة، وبعد البلوغ إن كانت صغيرة، كما في متن المنهاج، وعبارته، ويجري القولان في تزويج الأب بكرا صغيرة أو تزويج الأب أو غيره بالغة غير كفء بغير رضاها، ففي الأظهر التزويج باطل، وفي الآخر يصح، وللبالغة الخيار، وللصغيرة إذا بلغت.
اه (قوله: فإن أذنت في تزويجها) أي معتبرة الإذن.
وقوله بمن ظنته كفؤا أي على معين ظنته كفؤا.
وقوله فبان: أي من ظنته كفؤا.
وقوله خلافه: أي خلاف كونه كفؤا وهو كونه غير كفء (قوله: صح النكاح)
جواب إن (قوله: ولا خيار لها) أي في فسخ النكاح.
وقوله لتقصيرها بترك البحث: علة لعدم ثبوت الخيار لها (قوله: نعم إلخ) استدراك من عدم ثبوت الخيار لها وقوله إن بان: أي الذي ظنته كفؤا.
وقوله معيبا أو رقيقا: قال ع ش أي بخلاف ما لو بان فاسقا أو دنئ النسب أو الحرفة مثلا فلا خيار لها حيث أذنت فيه، بخلاف ما لو زوجت من ذلك بغير إذنها فالنكاح باطل.
اه.
(قوله: تتمة) أي في بيان بعض آداب النكاح.
وقد ذكرت معظمها قبيل مبحث الأركان (قوله: يجوز للزوج) ومثله المتسري (وقوله: كل تمتع منها) أي من زوجته: أي أو من أمته (قوله: بما سوى حلقة دبرها) أما التمتع بها بالوطئ(3/387)
فحرام: لما ورد أنه اللوطية الصغرى وأنه لا ينظر الله إلى فاعله وأنه ملعون (قوله: ولو بمص بظرها) أي ولو كان التمتع بمص بظرها فإنه جائز.
قال في القاموس: البظر - بالضم - الهنة، وسط الشفرة العليا.
اه.
والهنة هي التي تقطعها الخاتنة من فرج المرأة عند الختان (قوله: أو استمناء بيدها) أي ولو باستمناء بيدها فإنه جائز.
وقوله لا بيده: أي لا يجوز الاستمناء بيده، أي ولا بيد غيره غير حليلته، ففي بعض الأحاديث لعن الله من نكح يده.
وإن الله أهلك أمة كانوا يعبثون بفروجهم وقوله وإن خاف الزنا: غاية لقوله لا بيده، أي لا يجوز بيده وإن خاف الزنا.
وقوله خلافا لأحمد: أي فإنه أجازه بيده بشرط خوف الزنا وبشرط فقد مهر حرة وثمن أمة (قوله: ولا افتضاض بأصبع) ظاهر صنيعه أنه معطوف على قوله لا بيده، وهو لا يصح: إذ يصير التقدير ولا يجوز استمناء بافتضاض، ولا معنى له.
فيتعين جعله فاعلا لفعل مقدر: أي ولا يجوز افتضاض: أي إزالة البكارة بأصبعه.
وفي البجيرمي ما نصه: قال سم ولا يجوز إزالة بكارتها بأصبعه أو نحوها، إذ لو جاز ذلك لم يكن عجزه عن إزالتها مثبتا للخيار لقدرته على إزالتها بذلك.
اه (قوله: ويسن ملاعبة الزوجة) ومثلها الأمة المتسرى بها.
وقوله إيناسا: أي لأجل الإيناس بها (قوله: وأن لا يخليها إلخ) أي ويسن أن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال: أي تحصينا لها، ولأن غاية ما تطيق المرأة في الصبر عن الجماع ثلاث ليال، ولذلك لم يسوغ الشارع للحر أكثر من أربع (قوله: بلا عذر) متعلق بيخليها المنفي، فإن كان هناك عذر قائم بها، كحيض أو نفاس، أو به، كمرض، لا يكون عدم الإخلاء المذكور سنه (قوله: وأن يتحرى إلخ) أي ويسن أن يجتهد في أن يكون جماعه في وقت السحر، وذلك لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ: إذ هو مع أحدهما مضر غالبا (قوله: وأن يمهل إلخ) أي ويسن أن يمهل: أي يؤخر نزع ذكره من فرجها إذا تقدم إنزاله حتى تنزل.
ويظهر ذلك بإخبارها أو بقرائن (قوله: وأن يجامعها الخ)
أو ويسن أن يجامعها عند القدوم من سفره.
قال ع ش: أي يجامعها في الليلة التي تعقب سفره، بل أو في يومه إن اتفقت خلوة.
اه (قوله: وأن يتطيبا للغشيان) أي ويسن أن يتطيب الزوجان للوطئ (قوله: وأن يقول كل) أي ويسن أن يقول كل من الزوجين ما ذكر، وذلك لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره وفي رواية للبخاري لم يضره شيطان أبدا قال في النهاية: وليتحر استحضار ذلك أي قوله بسم الله الخ، عند الإنزال، فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره.
اه.
وقوله ولو مع اليأس من الولد: غاية في سن القول المذكور: أي يسن أن يقول كل منهما ذلك ولو مع اليأس من الولد لكونها كبيرة أو صغيرة أو حاملا.
كذال في ع ش.
والمراد بيأس الحامل من الولد: أي الطارئ، إذ الحامل لا يتصور أن تحمل (قوله: والتقوي) مبتدأ خبره قوله وسيلة لمحبوب.
وقوله له: أي للجماع.
وقوله بأدوية: متعلق بالتقوي.
وقوله مباحة: خرجت المحرمة فيحرم التقوي بها.
وقوله بقصد صالح: أي مع قصد صالح.
(وقوله: كعفة الخ) تمثيل للقصد الصالح.
(وقوله: وسيلة لمحبوب) وهو الجماع المصحوب بالقصد الصالح.
(وقوله: فليكن) أي التقوي بأدوية مباحة (قوله: ويحرم عليها) أي الزوجة، ومثلها الأمة، وقوله منعه: أي الزوج.
وقوله من استمتاع جائز: أي جماعا كان أو غيره (قوله: ويكره لها أن تصف الخ) محل الكراهة، كما هو ظاهر، إذا كانت الموصوفة خلية لأنه إذا علق بها يمكنه أن يتزوجها، بخلاف الحليلة فينبغي حرمته إذا غلب على ظنها أنه يؤدي إلى فتنة، كذا في فتح الجواد(3/388)
(قوله: لغير حاجة) متعلق بتصف: أي يكره ذلك إذا كان لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كأن أرسلها تنظر امرأة لأجل إرادة التزويج عليها فلا يكره، كما مر في مبحث الخطبة (قوله: وله الوطئ الخ) أي ويجوز للزوج - ومثله السيد - أن يجامع أهله عند عدم الماء في وقت الصلاة وإن علم خروج الوقت قبل وجود الماء ويتيمم حينئذ ويصلي من غير إعادة، كما صرح بذلك في النهاية في باب التيمم ونص عبارتها: ويجوز للرجل جماع أهله وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم ويصلي من غير إعادة.
اه.
وكتب ع ش قوله وإن علم إلخ ما نصه.
هذا ظاهر حيث كانا مستنجيين بالماء، وإلا لم يجز له جماعها - كما مر - لما فيه من التضمخ بالنجاسة، ولما يترتب عليه من بطلان تيممه إذا علم أنه لم يجد ماء في وقت الصلاة.
هذا وقد مر أنه لا يكلف الاستنجاء من المذي لأنه يضعف شهوته فيعفي عنه لكن بالنسبة للجماع لا لما أصاب بدنه منه أو ثوبه.
وعليه فلو علم أنه لا يجد ماء يغسل به ما أصابه منه بعد الجماع فينبغي حرمته إذا كان الجماع بعد دخول
الوقت لا قبله فلا يحرم لعدم مخاطبته بالصلاة الآن وهو لا يكلف تحصيل شروط الصلاة قبل دخول وقتها.
اه.
(قوله: وأنها لا تغتسل الخ) الذي يظهر أن الواو بمعنى أو، وأنها صورة ثانية لجواز الوطئ وليست من تتمة ما قبلها، ولكن لم يظهر ما تعطف عليه ثم ظهر أنه معطوف على مدخول يعلم ويقدر ما يناسبه: أي وله الوطئ في زمن يعلم أنها لا تغتسل عقب وطئه فيه وأنه يخرج وقت المكتوبة فتفوت الصلاة بأن يكون الزمن الذي وطئها فيه لا يسع إلا الوطئ والغسل عقبه والصلاة.
تأمل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في نكاح الأمة أي في بيان حكمه: صحة وعدمها (قوله: حرم لحر) أي كامل الحرية بخلاف الرقيق كلا أو بعضا فيجوز له نكاح الأمة وإن لم توجد الشروط ما عدا إسلام الأمة فهو شرط فيه أيضا فلا يجوز له إذا كان مسلما أن يتزوج إلا أمة مسلمة (قوله: ولو عقيما أو آيسا) غاية في الحرمة وهي للتعميم: أي لا فرق فيها بين أن يكون الحر عقيما أو آيسا أو لا (قوله: نكاح أمة لغيره) أي العقد على أمة غيره وإنما قيد بقوله لغيره لأنه لا يجوز له نكاح أمته: أي العقد عليها مطلقا وجدت الشروط أم لا.
نعم: إن أعتقها جاز له نكاحها، بل يستحب، لأنه ورد: أن له أجرين: أجرا على إعتاقها، وأجرا على نكاحها.
وأمة ولده مثل أمته في ذلك.
(وقوله: ولو مبعضة) تعميم في الأمة: أي لا فرق فيها بين أن تكون رقيقة كاملة أو مبعضة فهي كالرقيقة، لأن إرقاق بعض الولد محظور كإرقاق كله.
نعم: إذا جاز له نكاح الأمة ووجد مبعضة وجب تقديمها على كاملة الرق لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله (قوله: إلا بثلاثة شروط) قد نظمها ابن رسلان في زبده فقال: وإنما ينكح حر ذات رق مسلمة خوف الزنا ولم يطق صداق حرة الخ (قوله: أحدها بعجز) أي أحد الشروط مصور بعجز، فالباء للتصوير (قوله: عمن تصلح لتمتع) أي عن نكاح من تصلح للتمتع.
وقال في التحفة: هل المراد صلاحيتها باعتبار طبعه أو باعتبار العرف؟ كل محتمل وتمثيلهم بالصالحة بمن تحتمل وطأ ولا بها عيب خيار ولا هرمة ولا زانية ولا غائبة ولا معتدة يرجح الثاني.
اه.
(قوله: ولو أمة)(3/389)
غاية لمن تصلح للتمتع التي يشترط العجز عنها.
ولا فرق في الأمة بين أن تكون مملوكة أو زوجة، فلو تزوج أولا بأمة بالشروط فلا يجوز له أن يتزوج ثانيا بأمة أخرى إلا إن انتقل إلى جهة أخرى فيجوز له أن يتزوج وهكذا إلى أربع، وله بعد ذلك جمعهن والقسم بينهن لأنه دوام ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء (قوله: أو رجعية) أي ولو كانت التي تصلح للتمتع
رجعية فيشترط العجز عنها (قوله: لأنها) أي الرجعية وهو علة لمقدر: أي وإنما اشترط العجز عنها لأن الرجعية في حكم الزوجة.
(وقوله: في حكم الزوجية) الأولى بإسقاط الياء (قوله: ما لم تنقض عدتها) تقييد لقوله في حكم الزوجية: أي هي في حكمها ما لم تنقض عدتها، فإن انقضت صارت بائنا وليست في حكم الزوجة (قوله: بدليل التوارث) الإضافة للبيان.
وهو دليل لكونها في حكم الزوجة: أي أن الدليل على أنها في حكم الزوجة التوارث، فهو يرثها إذا ماتت، وهي ترثه إذا مات (قوله: بأن لا يكون تحته الخ) الباء لتصوير العجز عمن تصلح للتمتع: أي ويتصور العجز عنها بأن لا يكون تحته شئ ممن يصلح للتمتع بأن لا يكون تحته شئ أصلا أو كان ولكن لا يصلح للتمتع (قوله: ولا قادرا الخ) المنصوب خبر يكون محذوفة هي واسمها: أي وبأن لا يكون مريد نكاح الأمة قادرا، فهو تصوير للعجز المذكور.
(وقوله: على نكاح حرة) المقام للإضمار، فكان الأولى والأخصر أن يقول ولا قادر: عليها أي على من تصلح للتمتع إما لعدمه أو لفقره (قوله: لعدمها) علة لعدم القدرة: أي وليس قادرا على نكاح الحرة لأجل كونها معدومة: أي بأن لم يجدها في بلده أو في مكان قريب لا يشق قصده وأمكن انتقالها معه.
ومثل عدمها عدم رضاها به لقصور نسبه أو نحوه.
(وقوله: أو فقره) أي أو لأجل فقره: أي عدم وجود المهر الذي طلبته منه (قوله: أو التسري) أي أو ليس قادرا على التسري.
فهو بالجر معطوف على نكاح.
(وقوله: بعدم أمة) الباء سببية: أي ليس قادرا على التسري بسبب عدم وجود أمة في ملكه.
(وقوله: أو ثمن معطوف على أمة) أي أو بسبب عدم وجود ثمن يشتري به أمة يتسراها (قوله: ولو وجد الخ) أفاد بهذا أن المراد بالقدرة المنفية في قوله ولا قادرا القدرة بغير الاقتراض والهبة، فإن كان قادرا لكن بالاقتراض أو بالهبة فلا تعبر قدرته ويجوز له نكاح الأمة (قوله: مالا) تنازعه كل من يقرض ويهب.
(وقوله: أو جارية) خاص بالثاني: أي أو يهب جارية.
(وقوله: لم يلزمه القبول) أي للقرض وللهبة لما في ذلك من المنة (قوله: بل يحل مع ذلك) أي مع وجود من يقرضه أو يهبه (قوله: لا لمن له ولد موسر) ليس له شئ قبله يصلح لأن يعطف عليه فيتعين جعل مدخول لا محذوفا هو متعلق الجار والمجرور بعدها: أي لا يجوز نكاح الأمة لمن له ولد موسر لأنه يجب عليه إعفاف والده.
ولو قال وبأن لا يكون له ولد موسر عطفا على قوله بأن لا يكون تحته شئ من ذلك ويكون تصويرا للعجز المذكور في المتن لكان أولى (قوله: أما إذا كان تحته إلخ) مفهوم قوله عمن تصلح لتمتع، والأنسب والأخصر أن يقول أو يكون تحته من لا تصلح للتمتع كصغيرة الخ.
ويحمل قوله أولا بأن لا يكون تحته شئ من ذلك على ما إذا لم يكن تحته شئ أصلا، وذلك لأن العجز في المتن بمعنى النفي وهو إذا دخل على مقيد بقيد يصدق بنفي المقيد والقيد وبنفي القيد وحده فيحتاج تصوير
العجز لصورتين: أن لا يكون تحته شئ أصلا، أو يكون ولكن لا تصلح للتمتع (قوله: فتحل الأمة) جواب أما، وإنما حلت له حينئذ مع وجود المذكورات لأنها لا تعفه فوجودها كالعدم (قوله: وكذا إن كان تحته زانية) أي وكذا يحل له نكاح الأمة إن كان تحته زانية للعلة السابقة (قوله: ولو قدر على غائبة في مكان قريب) أي بأن يكون دون مسافة القصر.
وقوله لم يشق قصدها: الجملة صفة لغائبة: أي غائبة موصوفة بكونها لم يشق الذهاب إليها في المكان الذي هي فيه (قوله: وأمكن انتقالها) أي من مكانها لبلده: أي الزوج، وجملة ما ذكره من القيود الثلاثة: أن تكون في مكان قريب، وأن لا(3/390)
يلحقه مشقة ظاهرة في قصدها، وأن يمكن انتقالها معه (قوله: أما لو كان تحته الخ) محترز قوله ولو قدر على غائبة في مكان قريب الخ.
ثم إن المتبادر من قوله تحته أن الغائبة زوجته فيفيد أن التفصيل المذكور جار فيها فقط وليس كذلك، بل هو إنما يجري في الغائبة التي يريد أن يتزوجها: وأما الزوجة فأطلقوا فيها أن غيبتها تبيح نكاح الأمة من غير تفصيل.
وقال في التحفة والنهاية: إن إطلاقهم صحيح، وفرقا بين الزوجة وبين غيرها بأن الطمع في حصول حرة لم يألفها يخفف العنت.
والذي اعتمده ابن قاسم وقال لا ينبغي العدول عنه جريان التفصيل لها أيضا إذا علمت هذا فكان الأولى أن يقول أما لو قدر على غائبة في مكان بعيد الخ فتحمل على حرة غير زوجة أو على ما يشملها والزوجة على ما اعتمده سم.
تأمل (قوله: ولحقه مشقة ظاهرة) أي في سفره لها.
والأولى التعبير بأو لأن هذا محترز القيد الثاني.
وقوله بأن ينسب الخ: تصوير لضابط المشقة الظاهرة.
وقوله إلى مجاوزة الحد في قصدها: المراد منه أن يحصل له لوم وتعيير من الناس بقصدها (قوله: أو يخاف الزنا) عطف على جملة ولحقه مشقة: أي أو لم تلحقه مشقة ظاهرة لكن يخاف الزنا مدة قصدها: فأي ولا يقدر على منع نفسه منه؟ فالمراد خوف مخصوص فلا يرد أن خوف الزنا شرط في صحة نكاح الأمة: أي فائدة في التصريح به هنا.
وحاصل الجواب أن الذي جعل شرطا مطلق خوف، أي قدر على منع نفسه مما يخافه أو لا، كان ذلك الخوف في مدة السفر أو لا، وأن المراد به هنا خوف مخصوص بكونه في مدة السفر وبكونه ليس له قدرة على منع نفسه منه (قوله: فهي) أي الغائبة التي في مكان بعيد أو التي يلحقه مشقة ظاهرة في طلبها (قوله: كالتي لا يمكن الخ) أي كالغائبة التي لا يمكن انتقالها إلى وطنه: أي فهي كالعدم ولو لم تحصل له مشقة في قصدها أو لم يخف الزنا مدة سفره لها.
وهذا محترز قوله وأمكن انتقالها لبلده.
ولو قال قبل قوله فهي كالعدم أو لم يكن انتقالها إلى بلده لكان أولى وأخصر (قوله: لمشقة الغربة له) تعليل لمحذوف: أي ولا يكلف المقام معها لمشقة الغربة له، والرخصة لا تحتمل هذا التضييق
(قوله: وثانيها) أي الشروط (قوله: بخوفه زنا) الباء للتصوير: أي ثانيها مصور بخوف زنا: أي بتوقعه لا على ندور: بأن يغلب على ظنه الوقوع فيه أو يحتمل الوقوع فيه وعدمه على سواء.
وقوله بغلبة شهوة: الباء سببية، أي بخوفه الزنا الحاصل بسبب غلبة شهوته وضعف تقواه.
ويحتمل - وهو الأقرب - أن تكون الباء بمعنى مع: أي بخوفه زنا مع غلبة شهوته وضعف تقواه، بخلاف خوف الزنا مع ضعف شهوته أو مع قوتها وقوة تقواه فلا يبيح نكاح الأمة - كما سيبينه بعد - (قوله: فتحل) أي الأمة: أي نكاحها.
وهذا تفريع على الشرط الأول وهو العجز، والثاني وهو خوف الزنا.
(وقوله: للآية) تعليل للحل بالنسبة للشرطين المذكورين: وهي قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت منكم) * (1) والطول: السعة.
والمراد به المهر.
والمراد بالمحصنات: الحرائر، ووصفهن بالمؤمنات جرى على الغالب.
لأن الحرة الكتابية كالحرة المسلمة في منع الأمة (قوله: فإن ضعفت شهوته وله تقوى إلخ) محترز قوله بغلبة شهوة وضعف تقواه.
وقوله أو مروءة: عطفها على التقوى من عطف الخاص على العام لأنها توقي الأدناس المحرمة والمباحة فيسقطها الأكل والشرب في السوق، بخلاف التقوى فإنها توقي المحرمات - سواء توقي معها المباحات أم لا - فلا يسقطها الأكل والشرب وقوله أو حياء: الذي يظهر أن المروءة تستلزم الحياء: إذ من لا مروءة له لا حياء فيه (قوله: يستقبح معه الزنا) الجملة صفة لحياء: أي حياء يستقبح معه الزنا.
وعبارة الروض: يستقبح معهما الزنا.
اه.
فالضمير يعود على المروءة وعلى الحياء (قوله: أو قويت شهوته) معطوف على فإن ضعفت شهوته.
وقوله وتقواه: أي وغلبت تقواه، فالاثنان يستويان في الغلبة (قوله: لم تحل له الامة)
__________
(1) سورة النساء، الاية: 25(3/391)
جواب إن (قوله: لأنه لا يخاف الزنا) أي أصلا، أو يخافه على ندور.
وهو علة لعدم حل نكاح الأمة حينئذ (قوله: ولو خاف الزنا الخ) هذا مرتب على مقدر مرتبط بقوله بخوفه زنا.
والمراد بخوف الزنا عمومه - لا خصوصه - فلو خاف الزنا من أمة الخ.
وعبارة المغني: والمراد بالعنت عمومه، لا خصوصه، حتى لو خاف العنت من أمة بعينها الخ (قوله: لم تحل له) أي سواء وجد الطول أم لا، ولا عبرة بعشقه لها لأنه داء تهيجه البطالة وإطالة الفكر.
وكم ممن ابتلي به وزال عنه؟ ولله در القائل: ليس الشجاع الذي يحمي فريسته يوم القتال ونار الحرب تشتعل لكن من غض طرفا أو ثنى قدما عن الحرام فذاك الفارس البطل
(قوله: أن تكون الأمة) أي التي يريد أن ينكحها مسلمة.
وذلك لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) * (1) (وقوله: يمكن وطؤها) أي بأن لا تكون صغيرة ولارتقاء ولا قرناء (قوله: فلا تحل له الأمة الكتابية) مفهوم الشرط المذكور.
وإنما جاز له وطئ أمته الكتابية بملك اليمين - كما سيصرح به - لأن المحذور في نكاح الأمة الذي هو إرقاق الولد منتف فيها (قوله: وعند أبي حنيفة يجوز للحر نكاح أمة غيره) أي وإن لم يخف الزنا.
(فائدة) قال المناوي في شرح الخصائص: خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم نكاح الأمة المسلمة لأن نكاحها مقيد بخوف العنت وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة ونكاحها غني عن المهر ابتداء وانتهاء، وبرق الولد ومنصبه منزه عنه.
ولو قدر له نكاح أمة كان ولده منها حرا.
اه.
بجيرمي (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول قوله لو نكح الخ الثاني وولد الأمة الخ، الثالث ولو غر الخ (قوله: بشروطه) أي النكاح، وهي العجز عمن تصلح للتمتع وخوف الزنا وإسلام الأمة (قوله: ثم أيسر) أي بأن قدر على صداق الحرة (قوله: أو نكح الحرة) أي بعد نكاح الأمة - كما هو فرض المسألة - بخلاف ما لو عقد عليهما معا فإنه يصح في الحرة ولا يصح في الأمة (قوله: لم ينفسخ نكاح الأمة) أي لأنه دوام، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء (قوله: وولد الأمة) أي أمة الغير.
(وقوله: من نكاح أو غيره) تعميم في الولد، أي لا فرق فيه بين أن يكون من نكاح: أي عقد صحيح.
وقوله أو غيره: أي غير نكاح.
وقوله كزنا إلخ: تمثيل لغير النكاح.
وقوله أو شبهة: أي لا تقتضي حريته كأن اشتبهت على الواطئ بزوجته المملوكة أو نكحها وهو موسر.
أما التي تقتضي الحرية كأن غر بها فولدها حر، كما سيصرح به (قوله: بأن نكحها وهو موسر) الباء لتصوير الشبهة المقتضية لإرقاق الولد (قوله: قن) خبر المبتدأ الذي هو ولد الأمة وقوله لمالكها: أي الأمة (قوله: ولو غر) أي الحر.
وقوله بحرية أمة: أي بأن قال له وليها إنها حرة لا أمة.
وقوله وتزوجها: أي بناء على أنها حرة (قوله: فأولادها الحاصلون منه) أي من هذا المغرور.
وقوله ما لم يعلم برقها: قيد في حرية الأولاد: أي محلها مدة عدم علمه برقها: أي قبل انعقاد الأولاد فإن علمه قبل الانعقاد فالأولاد أرقاء.
وعبارة شرح الروض: أما الحاصلون بعد علمه برقها فأرقاء.
والمراد بالحصول العلوق ويعلم ذلك بالوضع، فإن وضعتهم لأقل من ستة أشهر من وطئه بعد علمه فأحرار.
وإلا فأرقاء.
قاله الماوردي.
قال الزركشي: ولا بد من اعتبار قدر
__________
(1) سورة النساء، الاية: 25(3/392)
زائد للوطئ والوضع.
اه (قوله: وإن كان) أي ذلك المغرور عبدا وحينئذ يلغز ويقال لنا ولد حر بين رقيقين (قوله:
ويلزمه الخ) مرتب على كون الأولاد أحرارا: أي وإذا كانوا كذلك فيلزم المغرور وإن كان معذورا قيمتهم لسيد الأمة لأنه قوت عليه رقهم التابع لرقها بظنه حريتها.
نعم إن كان المغرور عبدا لسيدها فلا شئ عليه.
إذ لا يجب للسيد على عبده مال، وكذا إن كان الغار سيدها لأنه لو غرم رجع عليه.
ثم إن المغرور إذا غرم يرجع على الغار له لأنه الموقع له في الغرامة وهو لم يدخل في العقد على أن يغرمها.
ويتصور التغرير بالحرية للأمة منها أو من وكيل السيد في تزويجها أو منهما أو من سيدها في مرهونة زوجها هو بإذن المرتهن وهو معسر بالدين الذي عليه وفي جانية زوجها هو بإذن المجنى عليه وهو معسر أيضا، وفيمن اسمها حرة فقال زوجتك حرة ونحو ذلك مما يتصور فيه التغرير من السيد، وفي الغالب لا يتصور منه.
وذلك لأنه إذا قال زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة عتقت عليه.
ثم إن التغريم المذكور محله إذا انفصل الولد حيا، أما إذا انفصل ميتا بلا جناية فلا شئ فيه (قوله: وحل لمسلم حر) أي وكذا كتابي.
وقوله وطئ أمته الكتابية: أي ذمية كانت أو حربية، لكن يكره وطؤها لئلا تفتنه بفرط ميله إليها أو ولده (قوله: لا الوثنية ولا المجوسية) أي لا يجوز وطؤهما لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) (قوله: تتمة) أي في بيان متعلقات نكاح الرقيق (قوله: لا يضمن سيد الخ) المراد به هنا مالك الرقبة والمنفعة معا، فإن اختلفا، كموصى له بمنفعته، اعتبر إذن مالك الرقبة في الأكساب النادرة كاللقطة وإذن الموصى له في الأكساب المعتادة كحرفة.
اه.
بجيرمي (قوله: بإذنه) الباء سببية متعلقة بيضمن: أي لا يكون إذنه في النكاح سببا في ضمانه ما ذكر، وذلك لأنه لم يتلزمه تعريضا ولا تصريحا (قوله: وإن شرط في إذنه ضمان) أي وإن ذكر في إذنه في النكاح ما يدل على الضمان: كأن قال تزوج وعلي المهر والنفقة فإنه لا يضمنهما، وذلك لتقدم ضمانه على وجوبهما وضمان ما لم يجب باطل.
قال في التحفة: بخلافه - أي الضمان بعد العقد - فإنه يصح في المهر إن علمه لا النفقة إلا فيما وجب منها قبل الضمان وعلمه.
اه (قوله: بل يكونان) أي المهر والمؤنة.
وقوله في كسبه: أي مع أنهما في ذمته لأن تعلقهما بكسبه فرع تعلقهما بذمته.
قال في النهاية: وكيفية تعلقهما بالكسب أن ينظر في كسبه كل يوم فتؤدي منه النفقة لأن الحاجة لها ناجزة، ثم إن فضل شئ صرف للمهر الحال حتى يفرغ ثم يصرف للسيد ولا يدخر شيئا منه للنفقة أو الحلول في المستقبل لعدم وجوبهما.
اه (قوله: وفي مال تجارة) أي ويكونان أيضا في مال تجارة ربحا ورأس مال، لأن ذلك دين لزمه بعقد مأذون فيه فصار كدين التجارة، ولا ترتيب بينه وبين الكسب، كما أفادته واو العطف، فإن لم يف أحدهما كمل من الآخر.
وقوله أذن له فيها: أي أذن السيد له في التجارة (قوله: ثم إن لم يكن مكتسبا) أي عجز عن الإكتساب (قوله: ولا مأذونا) أي له في التجارة (قوله: فهما) أي المهر والمؤنة.
وقوله في ذمته فقط: أي
فيطالب بهما بعد العتق واليسار (قوله: كزائد على مقدر له) أي بأن قدر السيد له مهرا فزاد عليه، فالزائد يكون في ذمته فقط ولا يتعلق بالكسب ومال التجارة (قوله: ومهر وجب) أي وكمهر وجب الخ: أي فإنه يتعلق بذمته فقط.
وقوله في نكاح فاسد: خرج به الوطئ في نكاح صحيح، فالمهر فيه يتعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: لم يأذن فيه سيده) أي لم يأذن في النكاح الفاسد بخصوصه سيده، فإن أذن له فيه تعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: ولا يثبت مهر أصلا الخ) أي لأنه لا يثبت له على عبده دين.
وهذا إذا كان غير مكاتب.
أما هو فيلزمه المهر لأنه مع السيد في المعاملة كالأجنبي.
قال م ر:
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 221(3/393)
وأما المبعض فالظاهر أنه يلزمه بقسط ما فيه من الحرية.
اه.
(قوله: وقيل يجب) أي المهر على عبده أولا ثم يسقط عنه.
وفي المغني ما نصه: وهل وجب المهر ثم سقط أو لم يجب أصلا؟ ظاهر كلام المصنف الثاني، وجرى عليه في المطلب.
وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا زوجه بها وفوض بعضها.
ثم وطئها بعدما أعتقه.
فإن قلنا بعدم الوجوب فلا شئ للسيد عليه، وإن قلنا بالوجوب وجب للسيد عليه مهر المثل لأنه وجب بالوطئ وهو حر.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الصداق أي في بيان أحكامه: كسنية ذكره في العقد، أو كراهته، وهو بفتح الصاد، ويجوز كسرها، ويجمع جمع قلة على أصدقة، وكثرة على صدق، بضمتين، ويؤخذ الجمعان المذكوران من قول ابن مالك: في اسم مذكر رباعي بمد ثالث افعله عنهم اطرد وقوله: وفعل لاسم رباعي بمدقد زيد قبل لام اعلالا فقد والأول مثل طعام وأطعمة ورغيف وأرغفة وعمود وأعمدة.
والثاني مثل قضيب وقضب وعمود وعمد.
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) أي تكرمة وعطية، وقوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن) * (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمريد التزوج التمس ولو خاتما من حديد رواه الشيخان: أي اطلب شيئا تجعله صداقا ولو كان الملتمس خاتما من حديد.
والمخاطب بإيتاء المهور إلى النساء الأزواج عند الأكثرين، وهو الظاهر، وقيل الأولياء لأنهم كانوا في الجاهلية بأخذونها ولا يعطون النساء منها شيئا، بل بقي منه بقية الآن في بعض البلاد (قوله: وهو) أي الصداق شرعا ما
ذكر، وأما لغة فهو اسم لما وجب بالنكاح فقط، فيكون المعنى الشرعي أعم من اللغوي على عكس القاعدة من أن اللغوي أعم من المعنى الشرعي، وهذا مبني على أنه لا فرق بين الصداق والمهر.
أما على ما قيل من أن الصداق ما وجب بالنكاح والمهر ما وجب بغير ذلك فلا يكون المعنى الشرعي أعم من المعنى اللغوي لكنه على خلاف القاعدة أيضا لأن القاعدة أن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي كما علمت وهذا مساو له (قوله: ما وجب) أي مال أو منفعة وجب للمرأة على الرجل غالبا وقد يجب للرجل على المرأة كما لو أرضعت إحدى زوجتيه وهي الكبرى الأخرى وهي الصغرى فيجب على المرضعة نصف مهر مثل الصغرى للزوج، ويجب على الزوج للصغرى نصف المسمى إن كان صحيحا، وإلا فنصف مهر المثل.
وإنما وجب على المرضعة للزوج نصف المهر ولم يجب المهر كله مع أنها فوتت عليه البضع اعتبارا لما يجب له بما يجب عليه، وقد يجب للرجل على الرجل كما في شهود الطلاق إذا رجعوا بعد حكم الحاكم بالفراق فإنهم يغرمون مهر المثل للزوج.
وقوله بنكاح: أي بسبب نكاح: أي عقد صحيح، وهذا في غير المفوضة وهي القائلة لوليها زوجني بلا مهر أو على أن لا مهر لي، أما هي فمهرها لا يجب بالعقد بل بأحد ثلاثة أشياء: بفرض الزوج على نفسه، وبفرض الحاكم على الزوج، وبالوطئ.
وقال بعضهم: إن وجوب مهرها وإن كان مبتدأ بالفرض وغيره لكن أصله العقد فشمله قوله بنكاح.
وقوله أو وطئ: أي في شبهة أو في تفويض، فإذا وطئها بشبهة وجب عليه مهر المثل.
ومنها الوطئ في النكاح الفاسد.
وكان على الشارح أن يزيد في التعريف أو تفويت بضع قهرا ليشمل مسألة الارضاع
__________
(1) سورة النساء، الاية: 4.
(2) سورة النساء، الاية: 25(3/394)
ومسألة رجوع الشهود السابقتين.
وعبارة غيره: ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود.
اه.
وهي أولى (قوله: وسمى بذلك) ضمير سمى يعود على ما في قوله ما وجب، واسم الإشارة يعود على الصداق.
وأفاد به بيان حكمة تسمية ما ذكر بلفظ الصداق.
وقوله لإشعاره: أي ما وجب، أي بذله، فالضمير يعود على ما أيضا بتقدير مضاف.
وقوله بصدق رغبة بذله: وهو الزوج.
وقوله في النكاح: متعلق برغبة.
قوله الذي هو: أي النكاح بمعنى العقد.
وقوله الأصل في إيجابه: أي الصداق (قوله: يقال له) أي لما سمى بالصداق.
وقوله مهر: نائب فاعل يقال، والمراد أنه يسمى بالمهر كما يسمى بالصداق.
وسمى أيضا نحلة، وفريضة، وحباء، وأجرا، وعقرا، وعلائق، فهي ثمانية نظمها
بعضهم في بيت مفرد فقال: صداق ومهر نحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علائق وزاد بعضهم ثلاثة في بيت فقال: وطول نكاح، ثم خرس تمامها ففرد وعشر عد ذاك موافق والعقر، بضم العين، اسم لدية فرج المرأة ثم استعمل في المهر.
والعلائق جمع عليقة، بفتح فكسر، والخرس، بضم الخاء وسكون الراء، وزيد على ذلك أيضا صدقة، بفتح أوله وتثليث ثانيه، وبضم أوله أو فتحه مع إسكان ثانيه، وبضمهما، وعطية فيكون المجموع ثلاثة عشر اسما، ونطق القرآن العظيم منها بستة: الصدقة والنحلة في قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) والنكاح في قوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) * (2) والأجر في قوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * (3) والفريضة في قوله: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * (4) والطول في قوله: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * (5) ووردت السنة بالباقي (قوله: وقيل الصداق الخ) حاصل هذا القيل التفرقة بين المسمى بالصداق والمسمى بالمهر.
وقوله ما وجب بتسمية في العقد: عبارة البجيرمي: وقيل الصداق ما وجب بالعقد.
والمهر ما وجب بغيره كوطئ الشبهة.
اه.
(قوله: سن الخ) شروع في بيان حكم ذكر المهر في صلب العقد وفي غيره.
وقوله ولو في تزويج أمته بعبده: الغاية للرد على من قال إنه لا يستحب التسمية في هذه الصورة، وهو المعتمد إن لم يكن أحدهما مكاتبا.
وعبارة المنهج: نعم لو زوج عبده بأمته ولا كتابة لم يسن ذكره: إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ فلا حاجة إلى تسميته، بخلاف ما لو كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا إذ المكاتب كالأجنبي.
اه.
ومثلها عبارة النهاية، ونصها: نعم لو زوج عبده بأمته لا يستحب ذكره في الجديد، إذ لا فائدة فيه.
كذا في المطلب والكفاية.
وفي نسخ العزيز المعتمدة وفي بعض نسخه والروضة أن الجديد الاستحباب.
قال الأذرعي: والصواب الأول.
اه.
وظاهر عبارة التحفة الموافقة لهما ونصها بعد قوله يسن، ولو في تزويج أمته بعبده على ما مر.
اه.
(وقوله: على ما مر) هو قوله نعم تسن تسميته على ما في الروضة واعترض بأن الأكثرين على عدم ندبها.
اه.
وقد مشى عليه الشارح نفسه، في مبحث شروط النكاح، عند قوله ولا مع تأقيت.
فتنبه.
وقوله ذكر صداق: نائب فاعل سن.
وقوله في عقد: أي في أثنائه، فلا اعتبار بذكره قبله أو بعده (قوله: وكونه من فضة) معطوف على ذكر: أي وسن كونه من فضة.
ويسن أيضا أن لا يدخل بها حتى يدفع شيئا من الصداق، خروجا من خلاف من أوجبه، قال بعضهم:
وحكمة ذلك أن الله تعالى لما خلق حواء اشتقا لها آدم ومد يده إليها فلقال الله له: يا آدم حتى تؤدي مهرها.
قال وما
__________
(1) سورة النساء، الاية: 4.
(2) سورة النور، الاية: 33.
(3) سورة النساء، الاية: 25.
(4) سورة النساء، الاية: 24.
(5) سورة النساء، الاية: 25(3/395)
مهرها.
قال وما مهرها؟ قال مهرها أن تصلي على محمد - صلى الله عليه وسلم - ألفا في نفس واحد.
فصلى خمسمائة مرة فتنفس.
فقال: يا آدم الذي صليته هو مقدم الصداق، والذي بقي عليك هو مؤخره.
وفي رواية: إن الله تعالى لما خلق حواء قال له آدم يا رب زوجني من حواء.
فقال له يا آدم حتى تعطيني مهرها.
قال وما مهرها يا رب؟ قال: مهرها أن تصلي على محمد حبيبي مائة مرة في نفس.
فصلى آدم سبعين مرة ثم انقطع نفسه.
فقال له الرب لا بأس عليك.
الذي صليته مقدم المهر، والذي بقي عليك مؤخره فلذلك تجد بعض الناس يقدمون النصف ويؤخرون النصف.
وبعضهم يقدم نحو الثلثين ويؤخر نحو الثلث، وهو الأغلب المتعارف بيننا الآن في هذه الأزمان (قوله: للاتباع فيهما) أي في ذكر الصداق وفي كونه من فضة (قوله: وعدم زيادة الخ) معطوف أيضا على ذكر: أي وسن عدم زيادة على خمسمائة درهم.
وقوله أصدقه إلخ: هو بالرفع خبر المبتدأ محذوف، وبالجر بدل أو عطف بيان من خمسمائة درهم، وهو في قوة التعليل لسنية عدم الزيادة على ذلك: أي وإنما سن ذلك لأنها أصدقة بناته - صلى الله عليه وسلم - كما صح عن سيدنا عمر رضي الله عنه في خطبته أنه قال: لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كنت مكرمة في الدنيا أو تقوي عند الله كان أولى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولا يرد على هذا إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار لأنه لم يكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان من النجاشي إكراما له - صلى الله عليه وسلم - فإنها كانت تحت عبد الله بن جحش وهاجرت معه إلى الحبشة فتنصر وبقيت على الإسلام رضي الله عنها فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري في تزويجها من النجاشي فأصدقها النجاشي أربعمائة دينار وجهزها من عنده وأرسلها مع شرحبيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع (قوله: أو نقصان الخ) معطوف على زيادة: أي وسن عدم نقصان عن عشرة دراهم، خروجا من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه لا يجوز عند التسمية أقل منها (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد عن ذكره: أي الصداق (قوله: وقد يجب) أي ذكر الصداق في العقد (قوله:
كأن كانت المرأة الخ) تمثيل للعارض الموجب لذكره في العقد.
وقوله غير جائزة التصرف: أي لصغر أو جنون أو سفه، أي وقد حصل الاتفاق مع الزوج على أكثر من مهل المثل فتفوت الزيادة مع أنه مصلحة للزوجة المذكوة.
ومن صور وجوب التسمية أيضا ما لو كانت الزوجة جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها من غير تفويض وقد حصل الاتفاق على أكثر من مهر المثل، فلو سكت لوجب مهر المثل فتفوت المصلحة مع أن تصرف الولي يكون بها.
ومنها أيضا ما لو كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر المثل فتجب تسمية ما وقع الاتفاق عليه، فلو سكت عن التسمية لوجب مهر المثل فتحصل زيادة على الزوج، والمصلحة في هذه الصورة عائدة على الزوج، وفيما قبلها على الزوجة.
وقد تحرم التسمية، كما لو زوج محجورة بمن لم ترض إلا بأكثر من مهر مثلها (قوله: وما صح كونه ثمنا الخ) هذه في المعنى قضية شرطية صورتها: وكل ما صح جعله ثمنا صح جعله صداقا.
والذي يصح جعله ثمنا هو الذي وجدت فيه الشروط السابقة في باب البيع: من كونه طاهرا منتفعا به مقدورا على تسلمه مملوكا لذي العقد.
وقوله صح كونه صداقا: أي في الجملة، فلا يرد ما لو زوج عبده لحرة وجعل رقبته صداقا لها فإنه يصح مع صحة جعله ثمنا لأنه منع منه هنا مانع وهو أنه لا يجتمع الملك والنكاح لتناقضهما (قوله: وإن قل) غاية لقوله ما صح كون ثمنا: أي كل ما صح أن يكون ثمنا ولو قليلا يصح كونه صداقا، ولا حاجة إلى تقييد القلة بأن لا تنتهي إلى حد لا يتمول: لأنه حينئذ لا يصح كونه ثمنا فهو خارج من موضوع المسألة (قوله: لصحة كونه عوضا) عبارة شرح المنهج: لكونه، أي الصداق، عوضا بإسقاط لفظ صحة، وهو الأولى: إذ لا معنى للعلة بدون إسقاطه، وهي علة لما تضمنته الشرطية السابقة، والمعنى: وإنما اشترط في صحة ما يجعل صداقا صحة جعله ثمنا لكون الصداق عوضا عن الاستمتاع بالبضع، فهو كالثمن.
نعم: إن جعل علة للغاية كان لزيادة لفظ صحة معنى، أي وإنما صح أن يكون قليلا لصحة كون القليل عوضا إلا أنه بعيد.
تأمل (قوله: فإن عقد مما لا يتمول) أي بما لا يقابل بمال سواء كان في حد ذاته مالا كنواة أو غيره كترك حد قذف فلا حاجة حينئذ إلى زيادة، وما لا(3/396)
يقابل بمال كما زاده بعضهم (قوله: كنواة الخ) تمثيل لما لا يتمول (قوله: وقمع باذنجان) في المصباح: القمع ما على الثمرة ونحوها، وهو الذي تتعلق به مثل عنب وحمل، والجمع أقماع.
اه.
بتصرف (قوله: وترك حد قذف) أي بأن قذفته واستحقت الحد وأراد أن يجعل تركه صداقا لها فلا يصح لأنه لا يقابل بمال (قوله: فسدت التسمية) جواب إن، ومع فساد التسمية النكاح صحيح لأن النكاح لا يفسد بفساد المسمى.
وذلك لأن عقد النكاح مشتمل على عقدين: عقد
للنكاح قصدا وبالذات، وعقد للصداق تبعا وبالعرض.
فإذا صح ما بالذات صح التابع له أو فسد هو فسد ولا كذلك ما لو فسد التابع، فإن المتبوع على الصحة، كما هو ظاهر، أفاده البجيرمي (قوله: لخروجه عن العوضية) علة الفساد: أي فسدت التسمية بما لا يتمول لكونه لا يكون عوضا (قوله: ولها) الضمير يعود على معلوم من السياق، وهو الزوجة الرشيدة التي لم يدخل بها (قوله: كولي ناقصة) بالإضافة.
وقوله بصغر: الباء سببية متعلق بناقصة: أي نقصها بسبب صغر أو جنون، أي أو سفه، (قوله: وسيد أمة) معطوف على ولي ناقصة: أي ولسيد أمة (قوله: حبس نفسها) أي عن تمكين الزوج منها: أي أو حبس الولي أو السيد لها عنه.
وكان عليه أن يزيد ما ذكر ليطابق ما قبله.
وإذا حبست نفسها أو حبسها الولي بسبب عدم تسليم الصداق استحقت النفقة وغيرها وجوبا مدة الحبس لأن التقصير منه.
(فإن قيل) كيف ساغ لها الحبس مع أنه لا يجب إلا بالوطئ أو بالموت؟ (يجاب) بأنه لما جرى سبب وجوبه وهو العقد جاز لها الطلب.
وقوله لتقبض غير مؤجل: اللام تعليلية متعلقة بحبس: أي لها الحبس لأجل أن تقبض ما هو لها من المهر غير المؤجل (قوله: من المهر الخ) بيان لغير المؤجل.
والمراد بالمهر الذي ملكته بالنكاح.
فخرج ما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها أو باع أمته بعد التزويج فليس لها الحبس لأنه ملك للوارث أو المعتق أو البائع لا لها فهي لم تملكه.
وخرج أيضا ما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها فليس لها حبس نفسها لأنها إنما ملكته بالوصية لا بالنكاح.
وقوله المعين: أي كتزوجتها بهذا العبد.
وقوله أو الحال: بأن التزمه في الذمة وشرط أن يؤديه حالا كتزوجتها بمائة ريال حالة (قوله: سواء كان الخ) تعميم في غير المؤجل: أي لا فرق في غير المؤجل الذي حبست نفسها لأجله بين أن يكون بعض المهر بأن استلمت بعضه وبقي البعض، أو كله بأن لم تستلم منه شيئا (قوله: أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها) أي لرضاها بالتأجيل (قوله: وإن حل الخ) غاية لقوله فلا حبس لها: أي فلا حبس لها ولو حل الأجل قبل تسليمها نفسها له لأنها قد وجب عليها أن تسلم نفسها قبل الحلول فلا يرتفع بالحلول.
ولو تنازع الزوجان في البداءة بالتسليم بأن قال الزوج لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك وقالت هي لا أسلمك نفسي حتى تسلم المهر أجبر فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر بتمكين لنفسها، فإذا مكنت أعطاه لها وإن لم يأتها الزوج.
ولو بادرت فمكنته طالبته بالمهر.
فإن لم يطأ امتنعت حتى يسلم المهر.
ولو بادر فسلم المهر لزمها التمكين إذا طلبه، فإذا امتنعت ولو بلا عذر لا يسترد المهر لتبرعه بالمبادرة (قوله: ويسقط حق الحبس) أي للزوجة.
وقوله بوطئه: أي الزوج.
والإضافة من إضافة المصدر لفاعله.
وقوله إياها: مفعوله.
وقوله طائعة كاملة: حالان من المفعول أو الثاني حال من فاعل طائعة
وتسمى الحال المتداخلة (قوله: فلغيرها) الضمير عود على القيد الثاني: أعني كاملة: أي فلغيهر الكاملة من صغيرة ومجنونة الحبس بعد الكمال: أي البلوغ والإفاقة، وكان عليه أن يذكر محترز القيد الأول أيضا، أعني طائعة، وهو الإكراه.
ولو قال أما لو أكرهها أو كانت غير كاملة حال الوطئ ثم كملت بعده فلها الحبس لأوفى بالمراد (قوله: إلا أن يسلمها الولي بمصلحة) أي إلا أن يسلم غير الكاملة وليها بمصلحة تعود إليها كالنفقة والكسوة وكحفظها فليس لها الحبس(3/397)
بعد الكمال.
وعبارة شرح الروض: نعم لو سلم الولي الصغيرة أو المجنونة بالمصلحة فينبغي كما في الكفاية أنه لا رجوع لها وإن كملت، كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه الأخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح، بخلاف ما لو سلمها بغير مصلحة، انتهت (قوله: وتمهل وجوبا) أي بعد تسليم الصداق لها.
وقوله لنحو تنظف: كإزالة وسخ واستحداد، وذلك لأن ما ذكر منفر، فإزالته أدعى إلى بقاء النكاح.
وخرج بنحو التنظيف الجهاز والسمن ونحوهما فلا تمهل لها (قوله: بالطلب منها) متعلق بتمهل.
وفي حاشية الجملة ما نصه: ونفقة مدة الإمهال على الزوج لأنها معذورة في ذلك.
كذا في حاشية ح ل.
وفي ع ش على م ر ما يصرح بأنه لا نفقة لها.
وعبارته على قول الأصل ولا تسلم صغيرة ولا مريضة حتى يزول مانع وطئ.
قوله: حتى يزول إلخ: أي ولا نفقة لهما لعدم التمكين وينبغي أن مثلهما من استمهلت لنحو تنظف وكل من عذرت في عدم التمكين.
اه.
(قوله: ما يراه قاض) ما واقعة على زمن، فهي ظرف باعتبار معناها متعلق بتمهل: أي تمهل زمنا يراه قاض لأنه أمر مجتهد فيه فأنيط به (قوله: من ثلاثة أيام فأقل) بيان لما، ولا يجوز مجاوزتها لأن غرض التنظيف يحصل فيها غالبا (قوله: لا لانقطاع الخ) معطوف على لنحو تنظف: أي لا تمهل لانقطاع حيض ونفاس لأن مدتهما قد تطول ويتأتى التمتع معهما بلا وطئ كما في الرتقاء.
قال في النهاية: وقول الزركشي إن قياس ما ذكروه في الأمهال للتنظيف أن تمهل الحائض إذا لم تزد مدة حيضها على مدة التنظيف.
وصرح به في التتمة فيختص عدم إمهالها بما إذا كانت مدة الحيض تزيد على ثلاثة أيام وإلا فتمهل: مردود.
اه.
أي فلا تمهل وإن قل.
ع ش.
وقال في شرح الروض: وكالحيض فيما قاله، أي الزركشي، النفاس.
اه.
(قوله: نعم لو الخ) الأولى حذف لفظ نعم وجعل واو العطف في محلها: إذ لا معنى للاستدراك لأن المستدرك منه، وهو قوله لا لانقطاع الخ، معناه أنها تسلم نفسها له، والاستدراك يفيد هذا المعنى.
وقوله خشيت: أي الحائض أو النفساء.
وقوله أنه يطؤها: أي في حال الحيض والنفاس.
وقوله سلمت نفسها: أي لزوجها.
وقوله وعليها الامتناع: أي من الوطئ (قوله: فإن علمت أن
امتناعها) أي من الوطئ.
وقوله واقتضت القرائن بالقطع: أي بالجزم بأن يطأها (قوله: لم يبعد أن لها بل عليها الامتناع) أي من التسليم: أي أنها لا تسلم نفسها فحصل الفرق بين الامتناع الأول والثاني، فالأول بمعنى الامتناع من الوطئ والثاني بمعنى الامتناع من التسليم.
وعبارة شرح الروض: ولو علمت أنه يطؤها ولا يراقب الله تعالى فهل لها أن تمتنع؟ فيه تردد للإمام قال: ولا يبعد تجويز ذلك أو إيجابه.
اه.
وقوله حينئذ: أي حين إذ علمت ذلك واقتضت القرائن الخ (قوله: ولو أنكح الولي) المراد به ما يعم المجبر وغيره، وذلك لأن ما عدا الصغيرة والمجنونة لا يختص بالمجبر (قوله: صغيرة) أي بكرا.
وقوله أو مجنونة: أي بكرا أو ثيبا (قوله: بكرا) صفة لكل من صغيرة ومن رشيدة.
ولو قدم لفظ بكرا على قوله رشيدة لكان أولى: لأن البكارة ليست بقيد في الرشيدة.
وقوله بلا إذن: متعلق بأنكح.
والمراد بلا إذن من الرشيدة في النقص عن مهر المثل، سواء أذنت في النكاح أم لا، ليشمل المجبرة فإنه لا يشترط إذنها في النكاح.
وإنما قدم على قوله بدون مهر المثل، مع أن المراد منه ما تقدم، لأن قوله بدون مهر المثل متعلق بأنكح المرتبط بالصغيرة وبالرشيدة، فلو أخره لتوهم أنه راجع أيضا للصغيرة وللرشيدة مع أنه إنما هو راجع للثانية فقط: إذ الصغيرة ليس لها إذن (قوله: أو عينت) أي الرشيدة بكرا أو غيرها، وهو معطوف على مقدر مرتبط بقوله بلا إذن: أي بلا إذن ولم تعين له قدرا أو عينته بأن قالت له زوجني بألف فزوجها بدونه.
وقوله فنقص عنه: أي عن القدر الذي عينته له.
وخرج بنقص عنه ما لو زاد عليه فينعقد بالزائد، كما في نظيره من وكيل البيع المأذون له فيه بقدر فزاد عليه وانظر لو كان الناقص عن القدر الذي عينته زائدا على مهر المثل، فهل يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل أم لا؟ وعبارة التحفة، وبحث الزركشي، كالبلقيني، أنها لو كانت سفيهة فسمى دون مأذونها لكنه زائد على مهر مثلها انعقد بالمسمى لئلا يضيع الزائد عليها، وطرداه في(3/398)
الرشيدة وهو متجه في السفيهة، لا لما نظرا إليه، بل لأنه لا مدخل لإذنها في الأموال، فكأنها لم تأذن في شئ لا في الرشيدة، لأن إذنها معتبر في المال أيضا فاقتضت مخالفته ولو بما فيه مصلحة لها فساد المسمى ووجوب مهر المثل.
اه.
(قوله: أو أطلقت) أي الرشيدة الإذن: أي في النكاح ولا حاجة إلى ذكر هذه المسألة بعد قوله أو رشيدة بلا إذن: إذ المراد، كما تقدم، بلا إذن في النقص عن مهر المثل أذنت في النكاح أم لا.
فالشق الأول، أعني ما إذا أذنت في النكاح ولم تأذن في النقص، هو عين هذه المسألة إلا أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام، والمؤلف تبع شيخ الإسلام في العبارة المذكورة.
وعبارة المنهاج: ولو قالت لوليها زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح.
فلو أطلقت فنقص عن مهر مثل
بطل.
وفي قول يصح بمهر مثل.
(قلت) الأظهر صحة النكاح في الصورتين بمهر المثل والله أعلم.
اه.
وهي ظاهرة.
وقوله ولم تتعرض لمهر: أي سكت عن قدره، وهو بيان لمعنى الإطلاق (قوله: صح النكاح) جواب لو.
وقوله على الأصح: أي لأن فساد الصداق لا يفسد النكاح كما مر.
وفارق عدم صحته من غير كفء بأن إيجاب مهر المثل هنا تدارك لما فات من المسمى، وذاك لا يمكن تداركه.
ومقابل الأصح يحكم بفساد النكاح (قوله: لفساد المسمى) علة لصحته بمهر المثل (قوله: كما إذا قبل) أي ولي الطفل: أي فإنه يصح بمهر المثل.
وقوله لطفله: أي أو مجنون أو سفيه (قوله: بفوق مهر مثل) أي مما لا يتغابن بمثله، وهو متعلق بقبل.
وقوله من ماله: أي حالة كون ذلك الفوق مع مهر المثل من مال الطفل.
وعبارة الجمل: وقوله بفوق مهر مثل: أي بمهر مثل فما فوق حالة كون المجموع من مال المولى، أما لو كان من مال الولي أو قدر المهر من مال المولى والزائد من مال الولي فإنه يصح في هاتين بالمسمى.
اه.
(قوله: ولو ذكروا) الضمير يعود على معلوم من المقام وهو الزوج والولي والزوجة الرشيدة أو غيرها ممن ينضم للولي والزوج في الغالب وعبارة التحفة مع الأصل: فان توافقوا، أي الزوج والولي والزوجة الرشيدة، فالجمع باعتبارها أو باعتبار من ينضم للفريقين غالبا.
اه.
وقوله مهرا سرا: أي سواء كان بالتوافق أو بالعقد.
وقوله وأكثر منه جهرا: يقال فيه ما في الذي قبله.
وقوله لزمه ما عقد به: أي ما وقع العقد عليه اعتبارا بالعقد سواء قل أو كثر.
فلو وقع الاتفاق على ألفين ووقع العقد على ألف لزمه الألف، أو وقع الاتفاق على ألف ووقع العقد على ألفين لزمه الألفان.
هذا إن لم يتكرر العقد.
فإن تكرر لزمه ما وقع العقد الأول عليه قل أو كثر، اتحدت شهود العلانية والسر أم لا.
وذلك لأن العبرة بالعقد الأول، وأما الثاني فهو لاغ لا عبرة به.
وقد بين هذا بقوله وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين، أي أو العكس: بأن عقد سرا بألفين ثم أعيد جهرا بألف، فيلزمه الألفان.
وعلى هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي رضي الله عنه في موضع على أن المهر مهر السر، وفي آخر على أنه مهر العلانية: أي فالأول محمول على ما تقدم عقد السر، والثاني محمول على تقدم عقد العلانية (قوله: وفي وطئ نكاح أو شراء) الجار والمجرور خبر مقدم.
وقوله مهر مثل: مبتدأ مؤخر.
والشارح جعل قوله مهر مثل فاعلا لفعل محذوف.
وعليه فيكون الجار والمجرور متعلقا به، والأولى أن يجعله كما ذكرت: إذ لا يجوز حذف الفعل إلا بقرينة تدل عليه، وهذا بيان لشبهة الطريق.
وقوله فاسد: أي كل من النكاح والشراء (قوله: كما في وطئ الشبهة) التشبيه يفيد أن ما تقدم من وطئ النكاح والشراء الفاسدين ليس من وطئ الشبهة وليس كذلك.
ولو قال، كما في المنهج، وفي وطئ شبهة كنكاح فاسد الخ لكان
أولى.
(واعلم) أن الشبهة إما أن تكون شبهة طريق، وهي التي يقول بحلها عالم، وذلك كما في الوطئ بالنكاح الفاسد(3/399)
والشراء الفاسد، وإما أن تكون شبهة الفاعل: وذلك كوطئ الأجنبية على ظن أنها حليلة، وإما أن تكون شبهة المحل: كما إذا وطئ أب أمة ولده أو شريك الأمة المشتركة أو سيد مكاتبته، وقد تقدم الكلام عليها في مبحث الرضاع (قوله: يجب مهر مثل) محله إن كانت الشبهة منها بأن لا تكون زانية وإلا فلا وجوب: سواء كان هو زانيا أم لا ويعتبر المهر وقت الوطئ لأنه وقت الإتلاف لا وقت العقد لفساده.
وقوله لاستيفائه: أي الواطئ، وهو علة لوجوب مهر المثل عليه (قوله: ولا يتعدد) أي المهر.
وقوله بتعدد الوطئ: المراد بتعدده كما قاله الدميري، أي يحصل بكل مرة فضاء الوطر مع تعدد الأزمنة.
فلو كان ينزع ويعود فالأفعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرا فهو وقاع واحد بلا خلاف.
أما إذا لم تتواصل الأفعال فتتعدد الوطآت وإن لم يقض وطره.
(والحاصل) أنه متى نزع قاصدا الترك أو بعد قضاء الوطر ثم عاد تعدد، وإلا فلا.
اه.
نهاية (قوله: إن اتحدت الشبهة) الأولى أن يقول، كما في التحفة، لاتحاد الشبهة.
وذلك لأنه لم يذكر في كلامه من أنواع الشبهة إلا نوعا واحدا وهو النكاح الفاسد أو الشراء الفاسد، فلا يناسب أن يقيد ذلك بقوله إن اتحدت الشبهة.
نعم: لو عبر كالمنهج بالعبارة التي نبهت عليها آنفا لكان قوله إن اتحدت مناسبا.
(والحاصل) أنه لا يتعدد المهر بتعدد الوطئ إن اتحد شخص الشبهة، فإن لم يتحد شخص الشبهة تعدد المهر سواء اتحد الجنس أم تعدد، كما لو وطئ مرارا بشبهة الفاعل أو شبهة الطريق أو شبهة المحل بشرط أن لا يؤدي المهر قبل تعدد الوطئ، وإلا تعدد المهر.
وذلك كأن وطئ امرأة مرة بنكاح فاسد.
وفرق بينهما ثم مرة أخرى بنكاح فاسد أو وطئها يظنها زوجته ثم علم الواقع ثم وطئها مرة أخرى يظنها زوجته أيضا.
وهذان المثالان لتعدد شخصها مع اتحاد جنسها، وهو شبهة الطريق في الأول، وفي الثاني شبهة الفاعل.
ومثال تعدد الشخص مع تعدد الجنس أن يطأها بنكاح فاسد ويفرق بينهما ثم يطأها مرة أخرى يظنها زوجته أو بالعكس.
ففي جميع ما ذكر يتعدد المهر.
ثم إن العبرة في عدم التعدد عند اتحادها أن تكون من الواطئ والموطوءة، فإن فقدت الشبهة منه مع وجودها منها تعدد المهر مطلقا.
فلو كرر وطئ نائمة أو مكرهة أو مطاوعة بشبهة اختصت بها تكرر المهر، لأن سببه الإتلاف وقد تعدد بتعدد الوطآت (قوله: ويتقرر كله الخ)
المراد بالتقرر الأمن من سقوطه كله بالفسخ أو شطره بالطلاق، لا وجوبه، لأنه يجب بالعقد (قوله: ويموت) أي في نكاح صحيح لا فاسد، فلا يستقر المهر بالموت فيه.
وقد يسقط المهر بالموت، كما لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها.
ومثل الموت مسخ أحدهما حجرا كله أو نصفه الأعلى (قوله: ولو قبل الوطئ) تفيد الغاية أنه إذا وطئ ثم مات تقرر المهر بالموت وليس كذلك، بل يتقرر بالوطئ.
وفي التحفة والنهاية وشرح المنهج إسقاطها، وهو المتعين، (قوله: لإجماع الصحابة على ذلك) أي على تقرره كله بالموت: أي ولبقاء آثار النكاح بعده من الوارث وغيره (قوله: أو وطئ) أي ويتقرر كله بوطئ: أي وإن حرم كوقوعه في حيض أو في دبرها.
وخرج بتقرره بالموت وبالوطئ غيرهما كاستدخال مائة وخلوة ومباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا بالشطر، لآية * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (1) أي تجامعون (قوله: ويسقط الخ) شروع في بيان ما يرفع المهر وما ينصفه وغيرهما.
وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: أي كله) أي الصداق.
وهو بيان للفاعل المستتر، لا هو الفاعل نفسه: إذ لا يجوز حذفه في غير مواضع الحذف، كما تقدم التنبيه عليه غير مرة (قوله: بفراق وقع منها) أي بسبب عيب فيه أو بسبب ردتها فإنه بالردة ينفسخ النكاح حالا إذا كان قبل الوطئ (قوله: قبله) متعلق بالفعل الذي قدره وهو قوله وقع منها (قوله: أي قبل وطئ) أي في قبل أو دبر ولو بعد استدخال مني.
تحفة (قوله: كفسخها إلخ) تمثيل لما يحصل به الفراق منها (قوله: بعيبه) الباء سببية متعلق بفسخها: أي فسخها
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 237(3/400)
بسبب عيب كائن في الزوج.
وقوله بإعساره: أي بمهرها أو بالنفقة (قوله: وكردتها) عطف على كفسخها: أي وكإرضاعها زوجة له صغيرة، وكإسلامها ولو تبعا لأحد أبويها عند غير ابن حجر، أما عنده فيتشطر المهر.
قال: وما جزم به شيخنا، بأنه لا فرق: أي بين إسلامها تبعا وغيره، فهو لا يلائم ما قالوه: أي من تشطر المهر فيما لو أرضعته أمها أو أرضعتها أمه، بجامع أن إسلام الأم كإرضاعها سواء فكما لم ينظروا لإرضاعها فكذلك لا ينظر لإسلامها.
اه.
(قوله: أو بسببها) معطوف على منها: أي أو وقع الفراق لكن منه بسببها.
وإنما سقط المهر في الأول لأنها هي المختارة للفرقة فلذلك سقط العوض، وفي الثاني لأنها لما كانت بسببها كانت كأنهاها الفاسخة (قوله: ويتشطر المهر) أي في كل فراق لا يكون منها ولا بسببها.
والمراد من تشطيره عود نصف المهر إلى الزوج إن كان هو المؤدي عن نفسه أو أداه عنه وليه، وإلا عاد للمؤدي بنفس الفراق وإن لم يختر العود.
وذلك لظاهر الآية.
وقيل المراد من التشطير أن له خيار الرجوع في النصف
إن شاء تملكه وإن شاء تركه (قوله: بطلاق) أي بائنا كان أو رجعيا لكن بعد انقضاء العدة، وصورة الرجعي قبل الدخول أن يكون بعد استدخال المني فهو طلاق قبل الدخول لكنه رجعي (قوله: ولو باختيارها) غاية في التشطر: أي يتشطر بالطلاق ولو كان الطلاق وقع باختيارها (قوله: كأن فوض إلخ) تمثيل لما كان باختيارها (قوله: أو علقه) أي طلاقها بفعلها: كإن دخلت الدار فأنت طالق.
وقوله ففعلت: أي المعلق عليه الطلاق، وهو الدخول للدار (قوله: أو فورقت بالخلع) معطوف على فوض: أي وكأن فورقت.
فهو مندرج فيما كان باختيارها (قوله: وبانفساخ نكاح) معطوف على بطلاق في المتن: أي ويتشطر المهر بانفساخ للنكاح.
وقوله بردته: أي الزوج، أي أو بإسلامه، ولو تبعا، أو لعانه أو إرضاع أمه لها وهي صغيرة أو إرضاع أمها له وهو صغير.
ففي كل ذلك يتشطر المهر للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (1) وقياسا عليه في الباقي.
وقوله وحده.
تقدم حكم ردتها وحدها.
وبقي ما لو ارتدا معا، والعياذ بالله تعالى، فهل هي كردتها فيسقط المهر كله أو كردته فينصف؟ وجهان.
أصحهما الثاني تغليبا لسببه (قوله: وصدق نافي وطئ من الزوجين) أي إذا اختلفا في الوطئ وعدمه، وكان المصدق الذي ينفي الوطئ لأن الأصل عدمه.
واستثنى مسائل ذكر بعضها الشارح يكون المصدق فيها المثبت.
وقد نظمها بعضهم بقوله: إذا اختلف الزوجان في وطئه لها فمن منهما ينفيه فالقول قوله سوى صور ست فمثبته هو المصدق فاحفظ ما تبين نقله إذا اختلفا في الوطئ قبل طلاقها وجاء له منها على الفرش نجله فأنكره فالقول في ذاك قولها ويلزمه شرعا لها المهر كله كذلك عنين يقول وطئتها زمان امتهال حيث يمكن فعله كذلك مول قال إني وطئتها وفئت فلا تطليق يلغى ومثله إذا طاهرا كانت وقال لسنة سمت أنت فيها طالق صح عقله فقال بهذا الطهر إني وطئتها وما طلقت لم ينقطع منه حبله ومن طلقت منه ثلاثا وزوجت بغير وفيها قال ما غاب قبله فقالت بلى قد غاب فالقول قولها وأدرك ذاك الزوج الأول حله وإن زوجت عرس بشرط بكارة فقالت لنا إن الثيوبة فعله
وأنكره فالقول في ذاك قولها وليس له منها خيار ينيله
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 237(3/401)
وقوله في ذاك قولها: أي لترجيح جانبها بالولد، فإن نفاه عنه صدق بيمينه لانتفاء المرجح.
وقوله وقال لسنة: بالنون المشددة.
وقوله سمت: أي السنة.
وقوله أنت فيها طالق: مقول القول، يعني إذا قال لطاهر أنت طالق للسنة فقال وطئت في هذا الطهر فلا طلاق حالا لكونه بدعيا وقالت لم تطأ فيه فيقع حالا صدق لأن الأصل بقاء العصمة، والطلاق السني هو ما وقع في طهر خلا عن وطئ فيه، والبدعي بخلافه.
وقوله وفيها قال: أي الغير ما غاب قبله بضم القاف.
أي ما غابت حشفته في فرجها فلا تحل للأول.
وقوله فالقول قولها: أي لتحل للأول ويقبل قوله بالنسبة لتشطير المهر.
وقوله فالقول في ذاك قولها: أي بالنسبة لدفع الفسخ، وأما بالنسبة لتشطير المهر فالقول قوله هو (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله: لأن الأصل عدمه) أي عدم الوطئ وهو علة لكون المصدق نافي الوطئ (قوله: إلا إذا نكحها الخ) استثناء من قوله وصدق نافي وطئ إلخ.
(واعلم) أن هذه الصورة قد تقدمت في عيوب النكاح (قوله: ثم قال) أي الزوج.
وقوله فقالت: أي الزوجة: أي أنكرت قوله المذكور وقالت بل زالت البكارة بوطئك (قوله: فتصدق بيمينها لدفع الفسخ) أي لأجل أن لا يفسخ النكاح (قوله: ويصدق هو) أي بيمينه، كما تقدم للشارح التقييد به، وقوله لتشطيره: أي لأجل تشطير المهر.
أي عدم دفع كله لها.
وقوله إن طلق قبل وطئ: أي بعد الاختلاف المذكور وقبل وطئ فإن طلقها بعد الوطئ فلا يتشطر المهر، بل يجب كله، كما هو ظاهر، (قوله: وإذا اختلفا إلخ) شروع في بيان التحالف عند الاختلاف في قدر المهر أو صفته.
وقد عقد له الفقهاء فصلا مستقلا (قوله: أي الزوجان) أي أو وارثاهما أو وارث أحدهما والآخر (قوله: في قدره) أي كأن قالت نكحتني بألف فقال بخمسائة.
وقوله أي المهر المسمى: أي في العقد، وإنما قيده بالمسمى ليخرج ما لو وجب مهر المثل لنحو فساد تسمية ولم يعرف لها مهر مثل فاختلف فيه فيصدق الزوج بيمينه لأنه غارم والأصل براءة ذمته عما زاد.
أفاده م ر.
(قوله: وكان ما يدعيه الزوج أقل) أي كالمثال السابق.
وخرج به ما إذا كان أكثر فإنها تأخذ ما ادعته ويبقى في يده الزائد كمن أقر لشخص بشئ فكذبه (قوله: أو في صفته) معطوف على في قدره: أي أو اختلفا في صفته.
والمراد بها ما يشمل الجنس والحلول والأجل وقدر الأجل بدليل البيان بعده وهو قوله من نحو جنس الخ فإنه بيان للصفة.
ويدخل تحت نحوه الحلول والأجل وقدر الأجل والصحة (قوله: كدنانير) أي ادعتها هي دونه: كأن قالت تزوجتك بألف دينار فقال بل بألف درهم، وهو تمثيل للاختلاف في الجنس.
وقوله وحلول: معطوف على دنانير: أي وكحلول ادعته هي دونه، كأن قالت تزوجتك بمائة حالة فقال بل مؤجلة، وهو تمثيل للاختلاف في نحو الجنس، ومثله ما بعده.
وقوله وقدر أجل: معطوف على دنانير أيضا، وذلك كأن قالت تزوجتك بمائة مؤجلة إلى شهرين فقال بلى إلى ثلاثة أشهر.
وقوله وصحة: معطوف أيضا على دنانير: كأن قالت زوجتك بمائة صحيحة فقال بل مكسرة: ثم إن عطف المذكورات على دنانير أولى من عطفها على نحو جنس لأنه عليه يكون قد وفى بالأمثلة للجنس ولنحوه، بخلافه على الثاني فلا يكون موفيا بذلك ويلزم عليه أيضا تخريج العطف على أنه من عطف الخاص على العام، وهو خلاف الأصل فيه.
وقوله وضدها: راجع للجميع، أي الدنانير وما بعدها، أي كدنانير وضدها وهو الدراهم، وحلول وضده وهو الأجل، وقدر أجل وضده.
والمراد به أن يكون مدعاه أكثر من مدعاها في القدر.
وبقي ما لو اختلفا في أصل تسمية المهر أو في تسمية قدر المهر.
كأن ادعى تسمية فأنكرتها لتأخذ مهر المثل أو ادعت تسمية قدر فأنكرها الزوج (قوله: ولا بينة) أي والحال أنه لا بينة لواحد منهما أصلا (قوله: أو تعارضت إلخ) أي أو وجدت بينة لكل منهما ولكن تعارضتا بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى، فإن لم يكن التاريخ واحدا حكم بمقدمة التاريخ (قوله: تحالفا) جواب إذا.
وقوله كما في البيع: أي كالتحالف المار في البيع، ولكن هنا يبدأ في اليمين بالزوج لقوة جانبه، وكيفية التحالف المار فيه أن(3/402)
يحلف كل واحد يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول الزوج مثلا: والله ما تزوجتها بألف دينار ولقد تزوجتها بألف درهم، وتقول هي والله ما تزوجته بألف درهم ولقد تزوجته بألف دينار (قوله: ثم بعد التحالف يفسخ المسمى) أي على ما مر في البيع أيضا من أنهما يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم ولا ينفسخ بنفس التحالف (قوله: ويجب مهر المثل) أي لأن التحالف يوجب رد البضع، وهو متعذر فوجبت قيمته وهو مهر المثل.
فمهر المثل سببه التحالف والفسخ وهو غير المهر الذي ادعاه الزوج لأنه فسخ وصار لغوا بدعوى الزيادة عليه.
أفاده البجيرمي (قوله: وإن زاد) أي مهر المثل على ما ادعته الزوجة.
وهذا في صورة الاختلاف في قدر المهر (قوله: وهو) أي مهر المثل وقوله ما يرغب به عادة أي قدر ما يرغب فيه في العادة.
وخرج بها ما لو شذ واحد لفرط سعته ويساره فرغب بزيادة فلا عبرة به.
وقوله في مثلها نسبا: أي ولو في العجم.
واعتبار النسب هو الركن الأعظم لأن الرغبات تختلف به مطلقا.
وقوله وصفة الأولى حذفه
لأنه يشمله.
قوله الآتي قريبا ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض إلخ.
وقوله من نساء عصباتها: بيان لمثله والمراد لو فرضن ذكورا: إذ ليس في النساء عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة وهي المنسوبات إلى من تنسب المنكوحة إليه من الآباء فتراعى أخت لأبوين ثم لأب ثم بنت أخ كذلك ثم عمة كذلك ثم بنت عمة كذلك وليس منهن الأم والجدة والخالة.
قال في فتتح الجواد: وتقدم نساء عصباتها وإن غبن عن بلدها، فإن كن ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها (قوله: فإن جهل مهرهن) أي نساء عصباتها.
وعبارة متن المنهاج: فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهن فأرحام.
اه.
وهي أولى (قوله: فيعتبر مهر رحم لها) أي فيعتبر مهر ذوات رحم لها وذلك لأنهن أولى من الأجانب.
والمراد بذوات الأرحام هنا الأم وقراباتها لا ذوو الأرحام المذكورون في الفرائض لأن الأم وأمهاتها لسن من ذوي الأرحام المذكورين في الفرائض، بل من أصحاب الفروض (قوله: كجدة وخالة) تمثيل لذوات الرحم لها (قوله: قال الماوردي والروياني تقدم الأم إلخ) أي من ذوات الأرحام: أي تعتبر الأم أولا ثم الأخت للأم (قوله: فالجدات الخ) أي وتقدم القربى من كل جهة على البعدي.
وقوله فالخالة: أي فبعد الجد أب الخالة وهي أخت الأم (قوله: فبنت الأخت) أي فبعد الخالة بنت الأخت.
وقوله أي للأم: بيان للأخت (قوله: فبنت الخالة) أي فبعد بنت الأخت تعتبر بنت الخالة (قوله: ولو اجتمع الخ) هذا من قول الماوردي والروياني كما يدل عليه عبارة المغني ونصها.
(تنبيه) ظاهر كلامه أن الأم لا تعتبر، وليس مرادا، فقد قال الماوردي تقدم من نساء الأرحام الأم ثم الجدات ثم الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال.
وعلى هذا قال ولو اجتمعت أم أب وأم أم فأوجه ثالثها، وهو الأوجه، التسوية.
اه (قوله: فالذي يتجه استواؤهما) قال سم في الكنز للأستاذ أبي الحسن البكري: والأقرب، تقدم، أم الأم.
اه (قوله: فإن تعذرت) أي ذوات الأرحام.
وفي بعض نسخ الخط فإن تعذرن، بنون النسوة، وهو أولى.
والمراد تعذر معرفة ما يرغب فيه من مهورهن: إما لكونهن لم يوجدن، وإما لكونهن لم ينكحن.
وقوله اعتبرت: أي المنكوحة بمثلها في الشبه من الأجنبيات.
وعبارة فتح الجواد: ومن تعذرت معرفة أقاربها تعتبر بمن يساويها من نساء بلدها ثم أقرب البلاد إليها ثم أقرب النساء بها شبها: أي فتعتبر الأمة بأمة مثلها، والبدوية ببدوية وهكذا.
اه (قوله: ويعتبر مع ذلك) أي مع ما ذكر من رعاية مثلها نسبا (قوله: ما يختلف به غرض) أي رعاية ما يختلف به ذلك وعبارة فتح الجواد مع الأصل ويعتبر زيادة على رعاية النسب موجب رغبة، أي ما يوجب الرغبة، أي أو ضدها من الصفات والإعتبارات المرغبة والمنفردة:(3/403)
كشرف سيد أمة أو معتقها وخسته، وكيسار وعفة وجمال وبكارة وفصاحة وضدها، فإن فضلتهن أو نقصت عنهن فرض اللائق بالحال.
اه.
(قوله: كسن الخ) تمثيل لما يختلف به الغرض من الصفات (قوله: ويسار) قال في النهاية: وإنما لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار، ومدار المهر على ما تختلف به الرغبات.
اه.
(قوله: فإن اختصت) أي المنكوحة.
وقوله عنهن: أي عن أمثالها.
وقوله بفضل: أي بصفة فاضلة من الصفات المذكورة.
وقوله أو نقص: معطوف على فضل: أي أو اختصت بنقص أي بصفة ناقصة من أضداد الصفات المذكورة.
وقوله زيد عليه: أي على مهر من أشبهتها وزادت المنكوحة عليها بصفة فاضلة.
وقوله أو نقص منه: أي من المهر المذكور.
وقوله لائق بالحال: تنازعه كل من زيد ونقص.
والمعنى زيد على المهر أو نقص من المهر لائق بها بحسب ما فيها من الزيادة أو النقصان.
وقوله بحسب ما يراه قاض: أي لأن ما ذكر من الزيادة أو النقصان أمر مجتهد فيه فأنيط بالحاكم (قوله: ولو سامحت واحدة) أي ولو سامحت واحدة من العصبة ببعض مهرها.
وقوله لم يجب موافقتها: أي لا يجب على الباقيات المسامحة أيضا وذلك لأن العبرة بالغالب، ومحله ما لم تكن المسامحة لنقص نسب يفتر الرغبة وإلا فتعتبر.
قال في الروض وشرحه: وإن كن كلهن أو غالبهن يسامحن قوما دون قوم اعتبرناه، فلو جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم خففنا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرهم، وكذا لو سامحن للشريف دون غيرهم.
اه (قوله: وليس لولي عفو عن مهر لموليته) أي على الجديد ولا يرد عليه قوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (1) لأن الذأي بيده ذلك الزوج لا الولي: إذ لم يبق بيده بعد العقد عقدة بخلاف الزوج فإن بيده العقدة من حين العقد إلى الفرقة إن شاء أمسكها وإن شاء حلها بالفرقة.
قال في النهاية: والقديم له ذلك، وله شروط.
أن يكون الوليد أبا أو جدا، وأن يكون قبل الدخول، وأن تكون بكرا صغيرة عاقلة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون الصداق دينا في ذمة الزوج لم يقبض.
اه (قوله: كسائر ديونها) أي كسائر الديون التي تستحقها في ذمة الزوج أو غيره، فلا يجوز للولي العفو عنها.
وقوله وحقوقها: عطفه على الديون من عطف العام على الخاص: إذ هي شاملة للديون ولغيرها كحد القذف (قوله: ووجدت من خط) أي بخط فمن بمعنى الباء (قوله: إن الحيلة في براءة الزوج) أي فقط، لا في سقوط حقها مطلقا، إذ الحيلة التي ذكرها فيها انتقال الحق في ذمة الزوج إلى ذمة الولي، فحقها باق في ذمة الولي (قوله: إن يقول الولي الخ) المصدر المؤول خبر أن.
وقوله طلق موليتي: أي الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة.
وقوله على خمسمائة درهم: أي على دفع خمسمائة درهم لك.
وقوله علي: أي حال كونها ثابتة علي أدفعها لك.
وخرج ما لو قال على موليتي
فلا يصح (قوله: فيطلق) أي على الشرط الذي ذكره الولي (قوله: ثم يقول الزوج) أي للولي.
وقوله أحلت الخ: مقول القول (قوله: فيقول الولي قبلت) أي الحوالة المذكورة لها (قوله: فيبرأ الزوج) أي وينتقل حقها حينئذ إلى ذمة وليها كما عرفت (قوله: ويصح التبرع بالمهر من مكلفة) بالغة عاقلة وخرج بذلك الصغيرة والمجنونة فلا يصح إبراؤهما (قوله: بلفظ الإبراء) أي بلفظ مشتقاته: كأبرأتك وأنت برئ من الصداق الذي لي عليك (قوله: والعفو) أي وبلفظ العفو أي مشتقاته: كعفوت عنك في الصداق وأنت معفو عنك في الصداق (قوله: والإسقاط) أي وبلفظ الإسقاط: أي مشتقاته
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 237(3/404)
أيضا كأسقطت عنك صداقي وهو ساقط عنك (قوله: والإحلال والتحليل) أي وبلفظهما أي مشتقاتهما أيضا كأن تقول له أنت في حل من الصداق الذي في ذمتك أو حللتك من الصداق الذي لي عليك (قوله: والإباحة والهبة) أي بلفظ مشتقاتهما: كأبحتك الصداق أو وهبته لك (قوله: وإن لم يحصل قبول) أي يصح التبرع بهذه الألفاظ وإن لم يحصل قبول من الزوج: إذ الإبراء لا يحتاج إلى قبول (قوله: مهمات) أي ثلاث (قوله: لو خطب الخ) هذه المسألة قد تقدمت في آخر باب الهبة، وقد نقلت هناك، وفي باب النكاح سؤالا وجوابا عن الشهاب الرملي فيها.
فلا تغفل (قوله: بلا لفظ) أي يدل على التبرع، وهو وما بعده متعلقان بكل من الفعلين قبله: أعني أرسل ودفع.
وقوله إليها: أي إلى مخطوبته ومثلها وليها أو وكيلها.
وقوله مالا: تنازعه كل من الفعلين المتقدمين وقوله قبل العقد: متعلق بكل منهما أيضا (قوله: أي ولم يقصد التبرع) ويعرف القصد بإقراره (قوله: ثم وقع الإعراض) أي عن العقد.
وقوله منها أو منه: أي حال كونه صادرا منها أو منه (قوله: رجع) جواب لو والرجوع إما عليها أو على وليها أو وكيلها.
وقوله بما وصلها: أي بما استلمته منه سواء كان بالإرسال أو الدفع (قوله: كما صرح به) أي بالرجوع جمع محققون.
وعبارة التحفة بعد قوله بما وصلها منه كما أفاده كلام البغوي واعتمده الأذرعي ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح.
وعبارة قواعده: خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم ينكحها رجع بما ساقه إليها لأنه ساقه بناء على إنكاحه ولم يحصل ذكره الرافعي الخ (قوله: ولو أعطاها) أي أعطى زوجته التي لها في ذمته صدق بعد العقد مالا (قوله: فقالت الخ) أي فاختلفا فيه فقالت هذا الذي أعطيتني إياه هدية لا صداق، وقال هو بل أعطيتك إياه على أنه الصداق الذي لك في ذمتي.
وقوله صدق: أي الزوج.
وعبارة الأنوار: ولو انفقا على قبض مال منه أو بعث مال إليها فقال دفعته أو بعثته مهرا وقالت هبة
أو هدية: فإن اتفقا على أنه تلفظ وقال قلت إنه صداق وقالت أنه هبة أو هدية ولا بينة صدق بيمينه، ولو اتفقا على أنه لم يتلفظ واختلفا في نيته صدق بيمينه سواء كان من جنس الصداق أو غيره، فإذا حلف فإن كان من جنس الصداق وقع عنه وإلا فإن رضيا ببيعه بالصداق فذاك وإلا استرده وأدى الصداق، فإن كان تالفا فله البدل، وقد يتقاصان.
اه (قوله: وإن كان) أي المال المختلف فيه من غير جنس الصداق: بأن كان المال المذكور دراهم والمسمى في العقد مثلا دنانير (قوله: ولو دفع لمخطوبته) أي قبل العقد مالا.
وقوله وقال الخ: أي واختلفا فيه قبل العقد أو بعده فقال الزوج أنا وقت دفعه قصدت جعله عن الصداق الذي سيجب علي بالعقد، وقالت هي بل هو هدية أهديته.
ومثله ما إذا قال جعلته عن الكسوة التي ستجب علي بالعقد والتمكين وقالت هي بل هدية (قوله: فالذي إلخ) جواب لو.
وقوله يتجه تصديقها: أي المخطوبة (قوله: إذ لا قرينة هنا) أي في هذه المسألة على صدقه في قصده والفرض أنه لا بينة.
والإحتراز به عن المسألتين الأوليين، أي مسألة ما إذا خطب امرأة وأرسل إليها مالا قبل العقد ولم يقصد التبرع ثم وقع الإعراض، ومسألة ما إذا أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداق، فإن فيهما قرينة على صدقه في قصده: أما الأولى فلأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعثه أو دفعه إليها لتتم تلك الخطبة، وأما في الثانية فقرينة وجود الدين مع غلبة قصد براءة الذمة تؤكد صدق الدافع.
أفاده في التحفة (قوله: ولو طلق في مسألتنا) انظر ما المراد بمسألته هل الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ فإنه ساق المسائل الثلاث ولم يختص بواحدة منها حتى تصح الحوالة عليها؟ والظاهر أنه يعني بها المسألة الأولى - وهي(3/405)
قوله ولو خطب ثم أرسل أو دفع الخ - بقرينة العلة الآتية فإنها هي التي دفع فيها لأجل العقد، إذا علمت ذلك فكان الأولى أن يقول في المسألة الأولى: ثم رأيت هذه اللفظة في عبارة شيخه، فلعلها سرت له منها.
فتنبه (قوله: لم يرجع بشئ) أي عليها (قوله: خلافا للبغوي) أي القائل بأن له الرجوع.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم المتعة، وهي، بضم الميم وكسرها، لغة التمتع.
وشرعا مال يدفعه لمن فارقها أو لسيدها بشروط تأتي.
والأصل فيها قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * (1) وقوله تعالى: * (ومتعوهن) * (2) هي واجبة، ولا ينافي الوجوب قوله: * (حقا على المحسنين) * (3) لأن فاعل الوجوب محسن أيضا.
والحكمة فيها جبر الإيحاش الحاصل بالفراق.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: أن وجوب المتعة مما يغفل عنه النساء، فينبغي تعريفهن إياه وإشاعته بينهن ليعرفن ذلك (قوله: تجب عليه الخ) لا فرق في وجوبها بين المسلم والكافر، والحر والعبد، والمسلمة
والذمية، والحرة والأمة، وهي لسيد الأمة وفي كسب العبد (قوله: لزوجة موطوءة) وكذا غير الموطوءة التي لم يجب لها شئ أصلا.
وهي المفوضة التي طلقت قبل الفرض ووالوطئ فتجب لها المتعة لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) * (4) أما التي وجب لها نصف المهر فلا متعة لها لأن النصف جابر للإيجاش الذي حصل لها بالطلاق مع سلامة بضعها.
ولو قال، كغيره، لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن لم يجب لها المهر أصلا أو وجب لها المهر كله لكان أولى: لما في عبارته من الإيهام الذي لا يخفى (قوله: ولو أمة) أي ولو كانت الزوجة أمة وهو حر بشروطه أو عبد (قوله: متعة) فاعل تجب (قوله: بفراق) الباء سببية متعلقة بتجب: أي تجب بسبب الفراق (قوله: بغير سببها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لفراق: ي فراق حاصل بغير سببها: أي وبغير سببهما وبغير سبب ملكه لها، وذلك كطلاقه وإسلامه وردته ولعانه، بخلاف ما إذا كان الفراق حصل بسببها كإسلامها وردتها وملكها له وفسخها بعيبه وفسخه بعيبها أو بسببهما: كأن ارتدا معا أو بسبب ملكه لها بأن اشتراها بعد أن تزوجها فلا متعة في ذلك كله (قوله: وبغير موت أحدهما) معطوف على بغير سببها: أي وفراق حاصل بغير موت أحد الزوجين: أي أو موتهما معا.
وخرج به ما إذا كان الفراق بموت أحدهما: أي أو موتهما فلا متعة فيه (قوله: وهي) أي المتعة شرعا.
(وقوله: ما يتراضى الخ) أي مال يتراضى الزوجان عليه (قوله: وقيل أقل مال الخ) أي وقيل إن المتعة هي أقل مال يجوز أن يجعل صداقا بأن يكون متمولا طاهرا منتفعا به (قوله: ويسن أن لا ينقص) أي المال الذي يجعل متعة.
(وقوله عن ثلاثين درهما) أي أو ما قيمته ذلك.
وفي المغني: قال في البويطي وهذا أدنى المستحب، وأعلاه خادم، وأوسطه ثوب.
اه.
ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل - كما قاله ابن المقري، فإن بلغته أو جاوزته جاز لإطلاق الآية.
قال البلقيني وغيره: ولا يزيد وجوبا على مهر المثل ولم يذكروه.
اه (قوله: فإن تنازعا) أي الزوجان في قدر المتعة.
وقوله قدرها القاضي: أي باجتهاده.
وقوله بقدر حالهما: أي معتبرا حالهما وقت الفراق لقوله تعالى: * (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * (5) وقيل يعتبر حاله فقط لظاهر الآية المذكورة وكالنفقة، ويرد بأن قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * (6) فيه إشارة إلى اعتبار حالهن أيضا، وقيل يعتبر حالها فقط لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر بها وحدها.
وقوله من يساره وإعساره: هذا بيان لحال الزوج.
وقوله ونسبها وصفتها: بيان لحال الزوجة.
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 241.
(2) سورة البقرة، الاية: 236.
(3) سورة البقرة، الاية: 236.
(4) سورة البقرة، الاية: 236.
(5) سورة البقرة، الاية: 236.
(6) سورة البقرة، الاية: 241(3/406)
(قوله: خاتمة) أي في بيان حكم الوليمة.
وذكرها عقب الصداق لأن من جملة الولائم وليمة الإملاك الذي هو العقد والصداق ملازم لعقد النكاح، فلما ذكر الصداق كأنه ذكر عقد النكاح الذي هو سبب للوليمة.
اه.
بجيرمي.
والوليمة مأخوذة من الولم: وهو الإجتماع، لأن الناس يجتمعون لها، وهي تقع على كل طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره، لكن استعمالها مطلقا في العرس أشهر وفي غيره مقيدة: فيقال وليمة ختان أو غيره (قوله: الوليمة لعرس) هو بضم العين مع ضم الراء وإسكانها: يطلق على العقد وعلى الدخول، وأما بكسر العين وسكون الراء فهو اسم للزوجة أو التقييد به لبيان الواقع وليس للإحتراز عن غيره: إذ الوليمة مستحبة لغير العرس أيضا، كما سينص عليه، (قوله: سنة مؤكدة) أي لثبوتها عنه - صلى الله عليه وسلم - قولا وفعلا: ففي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - أولم على بعض نسائه بمدين من شعير، وأنه أولم على صفية بتمر وسمن وأقط، وقال لعبد الرحمن بن عوف، وقد تزوج، أولم ولو بشاة.
والأمر فيه للندب قياسا على الأضحية وسائر الولائم (قوله: للزوج الرشيد) أي عليه: فاللام بمعنى على.
وقوله وولي غيره: أي وعلى ولي غير الرشيد من أب أو جد.
قال في التحفة: فلو عملها غيرهما - أي الزوج والولي: كأبي الزوجة - أو هي عنه، فالذي يتجه أن الزوج إن أذن تأدت السنة عنه فتجب الإجابة إليها وإن لم يأذن فلا، خلافا لمن أطلق حصولها.
وقوله من مال نفسه: حال من ولي غيره: أي حال كون الولي يفعلها من مال نفسه، أما إذا فعلها من مال موليه فتحرم (قوله: ولا حد لأقلها) أي الوليمة.
وقوله لكن الأفضل للقادر شاة: عبارة النهاية: وأقلها للمتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه.
قال النسائي، رحمه الله تعالى، والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه: وبأي شئ أولم من الطعام جاز.
وهي يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره ولو موسرا.
اه.
وكتب ع ش: قوله من سكر وغيره: أي فيكفي في أداء السنة.
والمفهوم من مثل هذا التعبير أنه ليس بمكروه ولا حرام، خلافا لمن توهمه من ضعفه الطلبة.
اه (قوله: ووقتها الأفضل بعد الدخول) عبارة المغني:
(تنبيه) لم يتعرضوا لوقت الوليمة، واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها به.
والأفضل فعلها بعد الدخول لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول، فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن خالف الأفضل.
اه.
(قوله: وقبله) متعلق بيحصل: أي ويحصل أصل السنة بالوليمة قبل الدخول حال كونها واقعة بعد العقد، وإذا قصد بها حينئذ وليمة العقد والدخول معا حصلا.
ولو بالقهوة أو الشربات، كما يعلم مما تقدم قريبا (قوله: والمتجه استمرار طلبها) أي الوليمة (قوله: بعد الدخول) الأولى إسقاطه لما علمت أن وقتها يدخل بالعقد، فحينئذ يكون الطلب منه ولو لم يدخل بها.
وعبارة التحفة: ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر.
اه.
ومثلها النهاية.
(قوله: وإن طال الزمن) ظاهره أنها أداء أبدا.
وفي البجيرمي ما نصه: قال الدميري والظاهر أنها تنتهي بمدة الزفاف للبكر سبعا وللثيب ثلاثا.
اه: أي ففعلها بعد ذلك يكون قضاء.
اه (قوله: كالعقيقة) أي نظير العقيقة فإنه يستمر طلبها وإن طال الزمن والطلب موجه على الولي إلى البلوغ إن أيسر ثم من بعده يكون المولى مخيرا بين أن يعتق عن نفسه أو يترك ذلك (قوله: أو طلقها) عطف على قوله طال الزمن: أي وإن طلقها فهي يستمر طلبها (قوله: وهي) أي الوليمة وقوله ليلا أولى أي من كونها في النهار.
وعبارة النهاية: ونقل ابن الصلاح أن الأفضل فعلها ليلا لا نهارا لأنها في مقابلة نعمة ليلية.
ولقوله سبحانه وتعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) * (1) وكان ذلك ليلا.
اه.
وهو متجه إن ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها ليلا.
اه.
وكتب ع ش عليه: أي ولم يثبت ذلك، فلا يتم الإستدلال على سنها ليلا بأنه عليه السلام فعلها كذلك.
اه.
(قوله:
__________
(1) سورة الاحزاب، الاية: 53(3/407)
وتجب الخ) وذلك لخبر الصحيحين إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب: عرسا كان أو غيره وحملوا الأمر في ذلك على الندب بالنسبة لوليمة غير العرس، وعلى الوجوب في وليمة العرس.
وأخذ جماعة بظاهره من الوجوب فيهما، ويؤيد الأول ما في مسند أحمد عن الحسن دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فلم يجب وقال لم يكن يدعى له على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي خبر الصحيحين مرفوعا: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ففيه التقييد بوليمة العرس، وعليها حمل خبر مسلم: شر الطعام طعام الوليمة: تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله أي شر الطعام طعام الوليمة في حال كونها تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، كما هو شأن الولائم، فإنه يقصد بها الفخر والخيلاء، ومن لم يجب الدعوة في غير هذه الحالة فقد عصى الله
ورسوله، فتجب الإجابة في غير هذه الحالة المذكورة لما سيأتي من أن من شروط وجوب الإجابة أن لا يخص بالدعوة الأغنياء لغناهم (قوله: على غير معذور بأعذار الجمعة) خرج به المعذور بأعذار الجمعة فلا تجب عليه الإجابة، والمراد بأعذار الجمعة ما يتأتى منها هنا من نحو مرض ووحل ما لا يتأتى منها هنا كجوع وعطش فليسا عذرا هنا لأن المقصود من الوليمة الأكل والشرب (قوله: وقاض) معطوف على معذور: أي وتجب على غير قاض أيضا، أما هو فلا تجب الإجابة عليه وفي معناه كل ذي ولاية عامة، بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أنه سيخاصم حرمت عليه الإجابة (قوله: الإجابة) فاعل تجب (قوله: إلى وليمة عرس) المقام للإضمار: إذ هي المتقدم ذكرها.
وخرج بوليمة العرس غيرها فلا تجب الإجابة له، بل تسن، كما تقدم، وكما سيذكره، قال في التحفة: ومنه.
وليمة التسري كما هو ظاهر.
اه (قوله: عملت بعد عقد) شروع في بيان شروط الإجابة، والجملة المذكورة حالية: أي حال كونها عملت بعد العقد.
وقوله لا قبله: هو مفهوم البعدية، أي فلا عملت قبله فلا تجب الإجابة وإن اتصلت بالعقد لأن ما يفعل قبله ليس وليمة عرس (قوله: إن دعاه مسلم) خرج به ما لو كان كافرا فلا تطلب إجابته: نعم: تسن إجابة ذمي.
وكما يشترط أن يكون الداعي مسلما يشترط أيضا أن يكون المدعو مسلما أيضا، فلا تجب الإجابة على كافر ولا تسن لانتفاء المودة معه.
وقوله بنفسه: متعلق بدعاه، أي دعاه بنفسه، وقوله أو نائبه.
الثقة: معطوف على نفسه، أي أو دعاه بنائبه الثقة: أي العدل (قوله: وكذا مميز) أي وكذلك تجب الإجابة إن دعاه إليها بإرسال مميز لم يعهد منه كذب (قوله: وعم بالدعاء الخ) عطف على دعاه.
والمراد عند تمكنه منه، وإلا فلا يجب التعميم بقرينة ما بعده.
وقوله بوصف قصده: أي الداعي (قوله: كجيرانه الخ) تمثيل للموصوفين بوصف قصده، وهو الجوار.
والمراد بالجيران هنا أهل محلته ومسجده دون أربعين دارا من كل جانب (قوله: فلو كثر الخ) عبارة فتح الجواد: أن عم بالدعاء الموصوفين بوصف قصده، كجيرانه أو عشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته، لا جميع الناس لتعذره، بل لو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الإستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة، على الأوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص الغني أو غيره.
اه.
وقوله أو عجز عن الإستيعاب: أي أو لم تكثر عشيرته لكن عجز عن استيعاب الموجودين لفقره (قوله: لم يشترط) أي في وجوب الإجابة: وقوله عموم الدعوة: أي للموصوفين بوصف قصده حتى لو دعا واحدا لكون طعامه لا يكفي إلا واحدا لفقره لم يسقط عنه وجوب الإجابة (قوله: بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني) أي لأجل غناه.
فلو خص الغني بالدعوة لأجل غناه لم تجب الإجابة عليه فضلا عن غيره، وذلك لخبر شر الطعام السابق، بخلاف ما لو خصه لا لغناه، بل لجوار أو اجتماع
حرفة، فتجب الإجابة.
وقوله أو غيره: أي وان لا يظهر منه قصد تخصيص لغير الغنى، ومقتضاه أنه لو خص الفقراء بالدعوة لم تجب الإجابة، وهو أيضا قضية عبارة فتح الجواد السابقة.
وقضية قول شيخ الإسلام في المنهج وشرح الروض(3/408)
بأن لا يخص بها أغنياء ولا غيرهم.
وقضية قول ابن حجر مثلا بعد قول المصنف وأن لا يخص الأغنياء.
وكتب عليه ابن قاسم ما نصه: قضية قوله مثلا إنه قد يضر تخصيص الفقراء، ويوجه بأنه لو كان جيرانه وأهل حرفته مثلا كلهم فقراء أو بعضهم أغنياء فخصص الفقراء لما ذكر، فالوجه عدم الوجوب حينئذ لأن هذا التخصيص موغر للصدور، كما لا يخفى، ولو كانوا كلهم أغنياء فخصص بعضهم لا لما ذكر فالوجه عدم الوجوب أيضا.
ولعله لا يشمله قولهم أن لا يخص الأغنياء بناء على أن المتبادر منه تخصيصهم بالنسبة للفقراء.
نعم: لو خصص فقراء جيرانه أو أهل حرفته أو بعضهم لعدم كفاية ما يقدر عليه فآثر الفقراء لأنهم أحوج اتجه الوجوب، فظهر أنه لا ينبغي إطلاق أنه لا يضر تخصيص الفقراء.
فليتأمل اه.
وقوله لا لما ذكر: أي لا لكونهم جيرانه أو عشيرته.
وفي البجيرمي خلافه ونصه: ونقل عن شيخنا زي.
أنه لو خص الفقراء وجبت الإجابة عليهم.
اه.
ح ل.
وهذا هو المعتمد.
فالشرط أن لا يخص الأغنياء لغناهم، كما يفهم من الأصل، اه.
(قوله: وان يعين الخ) أي ويشترط لوجوب الإجابة أن يعين الخ، فإن وما بعدها في تأويل مصدر نائب فاعل لفعل مقدر، ولا يصح عطفه على قوله وعم الخ المسلط عليه إن الشرطية، كما هو ظاهر، ولو قال وعين، بصيغة الماضي، المدعو لكان أولى، وكذا يقال فيما بعد من القيود.
وقوله بعينه: أي بأن يقول تفضل يا فلان عندي.
وقوله أو وصفه: أي المحصور فيه بأن يقول لنائبه: ادع عالم البلدة أو مفتيها وليس ثم إلا هو (قوله: فلا يكفي) أي في وجوب الإجابة، وهو مفرع على مفهوم قوله وأن يعين الخ.
وقوله من أراد فليحضر: فاعل يكفي قصد لفظه، أي لا يكفي هذا اللفظ.
وقوله أو ادع من شئت أو لقيت: أي ولا يكفي ادع الخ، وفي الكلام حذف: أي لا يكفي قوله لغيره ادع يا فلان من شئت أو من لقيته (قوله: بل لا تسن الإجابة حينئذ) أي حين إذ لم يعين المدعو بعينه أو وصفه أو حين إذ قال من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت.
وعبارة الروض وشرحه: لا إن نادى في الناس، كأن فتح الباب وقال ليحضر من أراد، أو قال لغيره ادع من شئت، فلا تطلب الإجابة من المدعو لأن امتناعه حينئذ لا يورث وحشة.
اه.
ومثل قوله ليحضر من أراد: إحضر إن شئت، ما لم تظهر قرينة على جريان ذلك على وجه التأدب أو الإستعطاف مع ظهور رغبته في حضوره، وإلا لزمت الإجابة (قوله: وإن لا يترتب الخ) معطوف على أن يعين المجعول نائب فاعل لفعل مقدر: أي ويشترط أن لا
يترتب على الإجابة خلوة محرمة.
فإن ترتب عليها خلوة محرمة بأن يكون الداعي امرأة أجنبية من غير حضور محرم لا لها ولا للمدعو لم تجب الإجابة (قوله: فالمرأة الخ) مفرع على منطوق الشرط وعلى مفهومه، فقوله فالمرأة الخ مفرع على المنطوق وهو أن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة.
وقوله لا الرجل: مفرع على المفهوم وهو ترتب الخلوة المحرمة على إجابته.
وقوله تجيبها المرأة أي وجوبا (قوله: إن أذن زوجها) أي المرأة المدعوة في الإجابة، ولا بد من سن الوليمة للمرأة الداعية وإلا لم تجب الإجابة.
قال في فتح الجواد.
ولا يتصور كون المرأة تولم إلا عن موليها وهي وصية أو قيمة.
اه.
وقال في التحفة: ومن صور وليمة المرأة إن لم تولم عن الرجل بإذنه.
كذا قيل.
وفيه نظر: فإن الذي يظهر حينئذ أن العبرة بدعوته لا بدعوتها لأن الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج الفظرة عن الغير بإذنه وحينئذ، فيتعين أن يزاد في التصوير إن أذن لها في الدعوة أيضا.
اه.
ومثله في النهاية (قوله: لا الرجل) أي لا يجيبها الرجل بل تحرم عليه لما يترتب على الإجابة من الخلوة المحرمة.
وبقيت صورة مندرجة في مفهوم الشرط وهو أن المرأة لا تجيب الرجل، ومثل المرأة الأمرد الذي يخشى من حضوره ريبة أو تهمة فلا تجب الإجابة وإن أذن له الولي، خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد وغلبت فيه محبة الأولاد.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (قوله: إلا إن كان إلخ) قد علمت أن قوله لا الرجل مرتب على ما إذا ترتب على الإجابة وجود الخلوة المحرمة الذي هو مفهوم الشرط السابق، وحينئذ فينحل المعنى لا يجيبها الرجل مع الخلوة المحرمة إلا إن كان هناك مانع خلوة، أما مع الخلوة فلا يجيبها الخ، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة والتكرار: إذ الإستثناء المذكور مكرر مع قوله بعد وكذا مع عدمها، فكان الأولى(3/409)
والأخصر أن يقول لا الرجل فلا يجيبها مطلقا وكذا إن لم تكن خلوة محرمة وخص بالطعام.
وعبارة الروض وشرحه: والمرأة تجيبها المرأة وكذا يجيبها الرجل لا مع خلوة محرمة فلا يجيبها إلى طعام مطلقا أو: مع عدم الخلوة فلا يجيبها إلى طعام خاص به كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة إلخ.
اه.
(قوله: كمحرم الخ) تمثيل لمانع الخلوة.
وقوله لها: أي للمرأة الداعية.
وقوله أوله: أي أو محرم للرجل المدعو.
وقوله أو امرأة: معطوف على محرم: أي وكوجود امرأة، أي أخرى ثقة يحتشمها الرجل (قوله: أما مع الخلوة الخ) مفهوم قوله إن كان هناك مانع خلوة (قوله: فلا يجيبها) أي فلا يجب الرجل المدعو المرأة الداعية.
وقوله مطلقا: أي خص بالطعام أولا (قوله: وكذا مع عدمها) أي وكذا لا يجيبها مع عدم الخلوة إن كان الطعام خاصا به.
وقوله كأن جلست: تمثيل لعدم خلوة مع
اختصاصه بالطعام (قوله: خوف الفتنة) مرتبط بقوله فلا يجيبها مطلقا وبقوله وكذا مع عدمها: أي أنه لا يجيبها مع الخلوة أو مع عدمها أو مع اختصاصه بالطعام خوف الفتنة والتهمة، ويحتمل جعله مرتبا بقوله لا الرجل: أي لا يجيبها الرجل خوف الفتنة، وهو أولى (قوله: بخلاف ما إذا لم تخف) أي الفتنة فإنها يجيبها (قوله: فقد كان سفيان الخ) دليل على أنه إذا لم تخف الفتنة أجابها.
وقوله وأضرابه: أي أمثاله: كالجنيد سيد الطائفة، والسري السقطي وغيرهم، نفعنا الله بتراب أقدامهم، وأمدنا بمددهم آمين، (قوله: لم تحرم الإجابة) جواب إن.
وقوله بل لا تكره: إضراب انتقالي، وصرح في التحفة بوجوب الإجابة حينئذ، وعبارتها: ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة.
اه.
ومثلها النهاية (قوله: أن لا يدعى الخ) معطوف على وأن يعين أيضا: أي ويشترط أن لا يدعى لنحو خوف منه الخ: أي بل يدعى لقصد التقرب والتودد أو لنحو علمه أو صلاحه أو ورعه أولا بقصد شئ (قوله: أو لإعانته عل باطل) أي وأن لا يدعى لأجل أن يعين المدعو الداعي على باطل (قوله: ولا إلى شبهة الخ) معطوف على لنحو خوف منه: أي وأن لا يدعى إلى شبهة في مال الداعي: قال في التحفة: أي قوية، ثم قال: وقيدت بقوية لأنه لا يوجد الآن ملك ينفك عن شبهة.
اه.
(قوله: بأن لا يعلم حرام) تصوير لنفي الشبهة (قوله: أما إذا كان في شبهة) الأنسب بالمقابلة أما إذا ادعى إلى شبهة (قوله: بأن علم) أي المدعو اختلاطه: أي المال كله.
وقوله أو طعام: بالجر عطف على الضمير، وفيه العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وفيه خلاف، ومنعه الجمهور وأجازه ابن مالك.
قال في الخلاصة: وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما الخ: أي أو علم اختلاط طعام الوليمة.
وقوله بحرام: متعلق باختلاط (قوله: وإن قل) أي الحرام، خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من تقييده بالكثرة، لكن يؤيده أنه لا تكره معاملة من في ماله حرام والأكل منه إلا حينئذ.
ويجاب بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة.
كذا في التحفة والنهاية (قوله: فلا تجب) جواب أما (قوله: بل تكره إن كان أكثر ماله حراما) أي كما تكره معاملته (قوله: فإن علم الخ) مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله إن كان أكثر ماله حراما: أي وهو لم يعلم أن الطعام الذي دعي إليه عين ذلك الحرام.
(وقوله: حرمت الإجابة) جواب إن.
(وقوله: وإن لم يرد الأكل منه) أي من الطعام الحرام، وهو غاية لحرمة الإجابة (قوله: كما استظهره شيخنا) أي في التحفة وفتح الجواد (قوله: ولا إلى محل فيه منكر) معطوف على قوله لنحو خوف منه أيضا: أي ويشترط أيضا لوجوب الإجابة أن لا(3/410)
يدعى إلى محل فيه منكر: أي في محل حضوره منكر محرم ولو صغيرة كآنية نقد يباشر الأكل منها، بخلاف مجرد حضورها بناء على ما يأتي في صورة غير ممتهنة أنه لا يحرم دخول محلها وكنظر رجل لامرأة أو عكسه، وبه يعلم أن إشراف النساء على الرجل عذر.
وكآلة مطربة محرمة كذي وتر وزمر ولو شبابة وطبل كوبة وكمن يضحك بفحش وكذب، أما محرم ونحوه مما مر بغير محل حضوره، كبيت آخر من الدار، فلا يمنع الوجوب، كما صرح به بعضهم، ويوافقه قول الحاوي إذا لم يشاهد الملاهي لم يضر سماعها كالتي بجواره.
ونقله الأذرعي عن قضية كلام كثيرين منهم الشيخان، ثم نقل عن قضية كلام آخرين عدم الفرق بين محل الحضور وسائر بيوت الدار واعتمده فقال المختار: إنه لا تجب الإجابة بل تجوز لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو.
وكذا في التحفة والنهاية.
(وقوله: لا يزول) أي المنكر بحضوره، أي المدعو، فإن كان يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر، وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر.
ووجود من يزيله غيره لا يمنع الوجوب عليه لأنه ليس للإجابة فقط، كما علمت، ولو لم يعلم بالمنكر إلا بعد حضوره نهاهم، فإن عجز خرج، فإن عجز لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن (قوله: ومن المنكر ستر جدار بحرير) أي ولو للنساء، ومثله فراش حرير في دعوة اتخذت للرجال.
ثم أن العبرة في المنكر باعتقاد المدعو كشرب النبيذ عند الحنفي والمدعو شافعي فتسقط الإجابة عن الشافعي فقط.
قال في التحفة: ولا ينافيه ما يأتي في السير أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد الفاعل تحريمه لأن ما هنا في وجوب الحضور ووجوبه مع وجود محرم في اعتقاده فيه مشقة عليه فسقط وجوب الحضور لذلك، وأما الإنكار ففيه إضرار بالفاعل ولا يجوز إضراره إلا إن اعتقد تحريمه، بخلاف ما إذا اعتقد المنكر فقط لأن أحدا لا يعامل بقضية اعتقاد غيره.
فتأمله.
اه (قوله: وفرش) بالرفع عطف على ستر جدار: أي ومن المنكر فرش مغصوبة أو مسروقة: أي وجودها في محل الحضور، ومنه أيضا فرش جلود السباع وعليها الوبر لأنه شأن المتكبرين (قوله: ووجود من الخ) أي ومن المنكر وجود من يضحك الحاضرين (قوله: فإن كان إلخ) أي فإن وجد المنكر في محل حضوره حرمت الآجابة، فكان تامة وفاعلها يعود على المنكر (قوله: ومنه) أي ومن المنكر.
(وقوله: صورة حيوان) خرج صورة غيره كالأشجار والسفن والشمس والقمر فليست من المنكر (قوله: ومشتملة) صفة لصورة.
وقوله على ما لا يمكن بقاؤه بدونه: أي على الجزء الذي لا يمكن بقاء الحيوان بدونه كالرأس والوسط.
وقوله وإن لم يكن إلخ: غاية في كون الصورة المذكورة من المنكر.
وقوله لها: أي لتلك الصورة المشتملة على ما لا يمكن بقاء الحيوان بدونه (قوله: كفرس الخ) تمثيل لصورة الحيوان التي ليس لها نظير: أي في الحيوانات.
وقوله بأجنحة: أي مع أجنحة أو مصور بأجنحة، فالياء
بمعنى مع أو للتصوير (قوله: وطير بوجه إنسان) أي وكطير مع وجه إنسان أو مصور به، فالباء يأتي فيها ما في الذي قبلها (قوله: على سقف الخ) صفة ثانية لصورة: أي صورة كائنة على سقف الخ.
والمراد أنها تكون مرفوعة كأن كانت على سقف أو ثوب، بخلاف غير المرفوعة كأن كانت على أرض ونحوها مما تمتهن فيه الصورة فلا تحرم الإجابة (قوله: أو ستر) أي أو على ستر.
وقوله علق لزينة: أي أو منفعة.
ويفرق بين هذا وحل التضبيب لحاجة بأن الحاجة تزيل مفسدة النقد ثم لزوال الخيلاء لا هنا لأن تعظيم الصورة بارتفاع محلها باق مع الإنتفاع به.
اه.
تحفة (قوله: أو ثياب ملبوسة) أي أو كانت الصورة على ثياب ملبوسة: أي شأنها أن تلبس، فتدخل الموضوعة على الأرض (قوله: أو وسادة) هي مرادفة للمخدة.
وقوله منصوبة: أي مرفوعة.
قال البجيرمي: وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم -: امتنع من الدخول على عائشة رضي الله عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت؟ فسألت عن سبب امتناعه من الدخول، فقال ما بال هذه النمرقة؟ قالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أصحاب هذه التصاوير يعذبون يوم القيامة، يقال لهم احيوا ما خلقتم متفق عليه.
والنمرقة بالضم:(3/411)
وسادة صغيرة: أي فهي كانت منصوبة حينئذ أي حين إرادة دخوله - صلى الله عليه وسلم -.
اه (قوله: لأنها الخ) الضمير يعود على صورة الحيوان لكن يبعده قوله بعد تشبه الأصنام لأن الصورة الواحدة لا تشبه المتعدد وهو الأصنام، إلا أن يقال لفظ صورة مفرد مضاف فيعم، فحينئذ المراد بها متعدد وهو جملة صور، ويؤيده تعبير المنهج بصور حيث قال: ومن المنكر صور حيوان مرفوعة ويحتمل أن الضمير يعود على السقف وما بعده مما اشتمل على صورة الحيوان فهو أولى، وعلى كل فهو علة لكونها من المنكر: أي وإنما كانت صور الحيوان المذكورة.
وهذه الأفراد السقف وما بعده المشتملة على الصورة من المنكر لأنها تشبه الأصنام (قوله: فلا تجب الاجابة في شئ من الصور المذكورة) أنظر ما المراد بها؟ فإن كان المراد ما ذكره بقوله ومن المنكر ستر جدار الخ.
وهو الذي يظهر من صنيعه، كان مكررا مع قوله أولا فإن كان حرمت الإجابة بالنسبة لبعض الصور، وإن كان المراد بها صور الحيوان المذكور اعترض بأنه لم يتقدم له ذكر صور بالجمع وإنما ذكر صورة واحدة ويمكن اختيار الثاني.
ويجاب بما مر من أنها مفرد مضاف فيعم، والمراد به صور متعددة ويكون مؤيدا لما قدمته.
وفي المغني ما نصه: (تنبيه) قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح
عدم تحريمه حيث قال: وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه: وجهان.
وبالتحريم قال الشيخان أبو محمد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، ورجحه الإمام الغزالي في الوسيط.
اه.
وفي الشرح الصغير عن الأكثرين أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الأسنوي، وهذا هو الراجح، كما جزم به صاحب الأنوار، ولكن حكى في البيان عن عامة الأصحاب التحريم، وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور، خلافا لما فهمه الإسنوي، اه (قوله: ولا أثر بحمل النقد إلخ) عبارة التحفة.
(فرع) لا يؤثر حمل النقد الذي عليه صورة كاملة لأنه للحاجة ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها ولأن السلف كانوا يتعاملون بها من غير نكير ومن لازم ذلك عادة حملهم لها، وأما الدراهم الإسلامية فلم تحدث إلا في زمن عبد الملك، وكان مكتوبا عليها اسم الله واسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
اه (قوله: كالصور ببساط الخ) وذلك لأن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل.
وقد يؤخذ منه أن ما رفع من ذلك للزينة محرم، وهو محتمل: إلا أن يقال إنه موضوع لما يمتهن به، فلا نظر لما يعرض له.
ويؤيده اعتبارهم التعليق في الستر دون اللبس في الثوب نظرا لما أعد له كل منهما.
اه: تحفة.
وكتب سم ما نصه: قوله من ذلك يشمل المخدة لكن التردد فيها هنا الذي أفاده قوله وهو محتمل الخ لا يوافق جزمه فيها بالحرمة بقوله السابق وسادة منصوبة الخ.
اه (قوله: ومخدة) معطوف على بساط: أي وبمخدة ينام أو يتكأ عليها (قوله: وطبق) معطوف أيضا على بساط: أي وكالصور الكائنة بطبق.
قال في القاموس: الطبق محركة غطاء كل شئ، والجمع أطباق وأطبقه.
اه.
وقوله وخوان: قال فيه أيضا: كغراب وكتاب، ما يؤكل عليه الطعام.
اه (قوله: وقصعة وإبريق) معطوفان أيضا على بساط: أي وكالصور الكائنة بقصعة وبإبريق (قوله: وكذا إن قطع رأسها الخ) أي وكذلك يجوز حضور محل فيه صورة قطع رأسها: قال في التحفة: وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه: نعم يظهر أنه لا يضر فقدان الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك.
اه.
وقوله فقد ما لا حياة بدونه: أي كفقد النصف الأسفل (قوله: لزوال ما به الحياة) أي وهو الرأس، وهو علة لجواز حضور المحل الذي فيه الصورة التي قطع رأسها (قوله: ويحرم ولو على نحو أرض تصوير حيوان) لا ينافي الجزم بالحرمة هنا التفصيل السابق لأنه بالنسبة للاستدامة وجواز التفرج وما هنا بالنسبة لأصل الفعل ولا أجرة للتصوير المذكور لأن المحرم لا يقابل بأجرة وهو من الكبائر لما ورد فيه من الوعيد: كخبر(3/412)
البخاري أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور أي من أشدهم وفي رواية أن الملائكة لا تدخل بيتا
فيه كلب ولا صورة والمراد ملائكة الرحمة.
وفي رواية زيادة نحو الجرس وما فيه بول منقوع (قوله: وإن لم يكن له) أي لذلك المصور نظير، كما مر من تصوير فرس بأجنحة (قوله: نعم يجوز تصوير لعب البنات) هي التي يسمونها عروسة لأن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بها عنده - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وحكمته) أي جواز تصوير لعب البنات.
(وقوله: تدريبهن) أي تعليمهن.
(وقوله: أمر التربية) أي تربية من يأتي لهن من الأولاد إذا كبرن (قوله: ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا راس) الأولى أن يقول، كما في التحفة، وخرج بحيوان تصوير ما لا رأس له فيحل (قوله: خلافا للمتولي) أي فإنه قال بحرمة تصوير صورة بلا رأس (قوله: ويحل صوغ الخ) والحاصل يحل صوغ ما يحل استعماله، ويحرم صوغ ما لا يحل استعماله ولا أجرة لصانعه كآلة لهو وآنية نقد.
وتقدم في باب الزكاة ما يحل استعماله للرجال والنساء وما لا يحل فارجع إليه إن شئت (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الصوغ والنسج يحل للنساء (قوله: نعم صنعته) هي شاملة للصوغ والنسج وقوله لمن لا يحل استعماله: وهو الرجل، والأولى والأخصر أن يقول ويحل صوغ حلى ونسج حرير لمن يحل له استعماله، ويحرم لمن يحرم عليه استعماله (قوله: ولو دعاه اثنان) أي فأكثر.
ولو قال ولو دعاه جماعة لكان أولى (قوله: أجاب) أي المدعو لاثنين.
وقوله أسبقهما: أي الإثنين.
وقوله دعوة تمييز: أي من جهة الدعوة (قوله: فإن دعواه معا) أي بأن كلماه في آن واحد (قوله: أجاب الأقرب رحما) أي أجاب الأقرب له من جهة الرحم.
والمراد بالرحم كل قريب محرما كان أو غيره.
وقوله فدارا: أي ثم إذا اتحدا في القرب من جهة الرحم أجاب الأقرب دارا له.
وقوله ثم بالقرعة: أي ثم إذا اتحدا في القرب حما ودارا أقرع بينهما، فمن خرجت القرعة له أجابه (قوله: وتسن إجابة سائر الولائم) وهي إحدى عشرة: منها ما ذكره الشارح ومنها ما لم يذكره.
وقد نظمها بعضهم مع أسمائها بقوله: إن الولائم عشرة مع واحد من عدها قد عز في أقرانه فالخرس عند نفاسها وعقيقة للطفل والإعذار عند ختانه ولحفظ قرآن وآداب لقد قالوا الحذاق لحذقه وبيانه ثم الملاك لعقده ووليمة في عرسه فاحرص على إعلانه وكذاك مأدبة بلا سبب يرى ووكيرة لبنائه لمكانه ونقيعة لقدومه ووضيعة لمصيبة وتكون من جيرانه والخرس، بضم الخاء المعجمة وبالسين المهملة، ويقال بالصاد.
والإعذار، بكسر الهمزة وإعجام الذال،
والحذاق، بكسر الحاء المهملة، وبذال معجمة، والمأدبة، بضم الدال وفتحها، (قوله: كما عمل الخ) أي كالذي يعمل منه ويصنع للختان وللولادة والسلامة من الطلق والقدوم المسافر ولختم القرآن (قوله: وهي) أي الولائم مستحبة في كلها كالإجابة.
(فائدة) في فتاوى الحافظ السيوطي في باب الوليمة (سئل) عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ قال: (والجواب) عندي أن أصل عمل المولد الذي(3/413)
هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
اه.
وقد بسط الكلام على ذلك شيخ الإسلام ببلد الله الحرام مولانا وأستاذنا العارف بربه المنان سيدنا أحمد بن زيني دحلان في سيرته النبوية، ولا بأس بإيراده هنا، فأقول: قال رضي الله عنه ومتعنا والمسلمين بحياته.
(فائدة) جرت العادة أن الناس إذا سمعوا ذكر وضعه - صلى الله عليه وسلم - يقومون تعظيما له - صلى الله عليه وسلم - وهذا القيام مستحسن لما فيه من تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين يقتدى بهم.
قال الحلبي في السيرة فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره فأنشد منشده قول الصرصري في مدحه - صلى الله عليه وسلم -: قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياما صفوفا أو جثيا على الركب فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من بالمجلس، فحصل أنس كبير في ذلك المجلس وعمل المولد.
واجتماع الناس له كذلك مستحسن.
قال الإمام أبو شامة شيخ النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك - مع ما فيه من الإحسان للفقراء - مشعر بمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله رحمة للعالمين.
قال السخاوي: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من
بركاته كل فضل عميم.
وقال ابن الجوزي: من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام، وأول من أحدثه من الملوك الملك المظفر أبو سعيد صاحب أربل، وألف له الحافظ ابن دحية تأليفا سماه التنوير في مولد البشير النذير، فأجازه الملك المظفر بألف دينار وصنع الملك المظفر المولد، وكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا، بطلا عاقلا، عالما عادلا، وطالت مدته في ملك إلى أن مات وهو محاصر الفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة، محمود السيرة والسريرة.
قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: (حكى) لي بعض من حضر سماط المظفر في بعض المواليد فذكر أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده في الموالد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم، ويطلق لهم البخور، وكان يصرف على الموالد ثلاثمائة ألف دينار.
واستنبط الحافظ ابن حجر تخريج عمل المولد على أصل ثابت في السنة، وهو ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، ونحن نصومه شكرا.
فقال نحن أولى بموسى منكم وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الإثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يخرج له من بين إصبعيه ماء يشربه كما أخبر بذلك العباس في منام رأى فيه أبا لهب.
ورحم الله القائل، وهو حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر، حيث قال: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمد فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا قال الحسن البصري، قدس الله سره: وددت لو كان لي مثل جبل أحد ذهبا لأنفقته على قراءة مولد الرسول.
قال الجنيدي البغدادي رحمه الله: من حضر مولد الرسول وعظم قدره فقد فاز بالإيمان.
قال معروف الكرخي قدس الله سره:(3/414)
من هيأ لأجل قراءة مولد الرسول طعاما، وجمع إخوانا، وأوقد سراجا، ولبس جديدا، وتعطر وتجمل تعظيما لمولده حشره الله تعالى يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين، وكان في أعلى عليين.
ومن قرأ مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على دراهم مسكوكة فضة كانت أو ذهبا وخلط تلك الدراهم مع دراهم أخر وقعت فيها البركة ولا يفتقر صاحبها ولا تفرغ يده ببركة
مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال الإمام اليافعي اليمنى: من جمع لمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إخوانا وهيأ طعاما وأخلى مكانا وعمل إحسانا وصار سببا لقراءة مولد الرسول بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويكون في جنات النعيم.
وقال السري السقطي: من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قصد روضة من رياض الجنة لأنه ما قصد ذلك الموضع إلا لمحبة الرسول.
وقد قال عليه السلام: من أحبني كان معي في الجنة قال سلطان العارفين جلال الدين السيوطي في كتابه الوسائل في شرح الشمائل: ما من بيت أو مسجد أو محلة قرئ فيه مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هلا حفت الملائكة بأهل ذلك المكان وعمهم الله بالرحمة والمطوقون بالنور - يعني جبريل وميكائل وإسرافيل وقربائيل وعينائيل والصافون والحافون والكروبيون - فإنهم يصلون على ما كان سببا لقراءة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وما من مسلم قرئ في بيته مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا رفع الله تعالى القحط والوباء والحرق.
والآفات والبليات والنكبات والبغض والحسد وعين السوء واللصوص عن أهل ذلك البيت، فإذا مات هون الله تعالى عليه جواب منكر ونكير، وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
(وحكي) أنه كان في زمان أمير المؤمنين هارون الرشيد شاب في البصرة مسرف على نفسه وكان أهل البلد ينظرون إليه بعين التحقير لأجل أفعاله الخبيثة، غير أنه كان إذا قدم شهر ربيع الأول غسل ثيابه وتعطر وتجمل وعمل وليمة واستقرأ فيها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ودام على هذا الحال زمانا طويلا، ثم لما مات سمع أهل البلد هاتفا يقول: احضروا يا أهل البصرة واشهدوا جنازة ولي من أولياء الله فإنه عزيز عندي، فحضر أهل البلد جنازته ودفنوه، فرأوه في المنام وهو يرفل في حلل سندس واستبرق، فقيل له بم نلت هذه الفضيلة؟ قال بتعظيم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وحكي) أنه كان في زمان الخليفة عبد الملك بن مروان شاب حسن الصورة في الشام، وكان يلهو بركوب الخيل فبينما هو ذات يوم على ظهر حصانه إذ أجفل الحصان وحمله في سكك الشام ولم يكن له قدرة على منعه فوقع طريقه على باب الخليفة فصادف ولده ولم يقدر الولد على رد الحصان فصدمه بالفرس وقتله، فوصل الخبر إلى الخليفة فأمر بإحضاره، فلما أن أشرف إليه خطر على باله أن قال إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة أعمل وليمة عظيمة وأستقرئ فيها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما حضر قدامه ونظر إليه ضحك بعدما كان يخنقه الغضب، فقال: يا هذا أتحسن السحر؟ قال لا والله يا أمير المؤمنين.
فقال عفوت عنك، ولكن قل لي ماذا قلت؟ قال: قلت إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة الجسيمة أعمل له وليمة لأجل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقال الخليفة قد عفوت عنك، وهذه ألف دينار لأجل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنت في حل من دم ولدي.
فخرج الشاب وعفى عن القصاص وأخذ ألف دينار ببركة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإنما أطلت
الكلام في ذلك لأجل أن يعتني ويرغب جميع الإخوان، في قراءة مولد سيد ولد عدنان، لأن من لأجله خلقت الأرواح والأجسام، بحق أن يهدى له الروح والمال والطعام.
وفقنا الله وإياكم لقراءة مولد نبيه الكريم على الدوام، وإنفاق المال لأجله في سائر الأوقات والأيام آمين (قوله: فروع) أي خمسة عشر: الأول قوله يندب الأكل الخ، الثاني قوله ويجوز للضيف أن يأخذ مما قدم الخ، الثالث قوله وصرح الشيخان الخ، الرابع قوله وورد بسند ضعيف الخ، الخامس قوله ويسن للآكل الخ، السادس قوله ويحرم أن يكبر اللقم الخ، السابع قوله ولو دخل على آكلين الخ، الثامن قوله ولا يجوز للضيف أن يطعم الخ، التاسع قوله ويكره للداعي الخ، العاشر قوله ويحرم للأراذل الخ، الحادي عشر قوله ولو تناول الخ، الثاني عشر قوله ويجوز للإنسان أخذ الخ، الثالث عشر قوله ولزم مالك طعام الخ، الرابع عشر قوله ويجوز نثر الخ، الخامس عشر قوله ويحرم أخذ فرخ الخ (قوله: يندب الأكل الخ) عبارة المنهاج: ولا تسقط إجابة بصوم، فإن شق على الداعي صوم نفل فالفطر أفضل.
اه.
وإنما لم تسقط لخبر مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب: فإن كان مفطرا(3/415)
فليطعم، وإن كان صائما فليصل فليدع: أي بدليل رواية فليدع بالبركة، وإذا دعي وهو صائم فلا يكره أن يقول إني صائم حكاه القاضي: أبو الطيب عن الأصحاب: أي إن أمن الرياء كما هو ظاهر، واستثنى البلقيني منه ما لو دعاه في نهار رمضان والمدعوون كلهم مكلفون صائمون فلا تجب الإجابة.
إذ لا فائدة فيها إلا مجرد نظر الطعام والجلوس من أول النهار إلى آخره مشق فإن أراد هذا فليدعهم عند الغروب وقال وهذا واضح.
اه.
نهاية.
وقوله في صوم نفل: خرج به الفرض كنذر مطلق وقضاء ما فات من رمضان فيحرم الخروج منه ولو توسع وقته (قوله: لإرضاء ذي الطعام) أي لأجل إرضائه، فاللام للتعليل، وقوله بأن شك الخ: أي ويتصور كون الأكل لأجل ما ذكر بأن كان يشق على ذي الطعام بقاؤه على صومه، فالباء للتصوير وما جرى عليه من التقييد بمشقة الإمساك هو طريقه المراوزة، وأطلق الإمام الشافعي والعراقيون الحكم فيندب الأكل عندهم مطلقا.
كذا في شرح الروض.
(قوله: للأمر بالفطر) أي في رواية البيهقي وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم قال له يتكلف لك أخوك المسلم وتقول إني صائم إفطر ثم اقض يوما مكانه أي إن شئت (قوله: ويثاب على ما مضى) يعني إذا أفطر نصف النهار مثلا يثاب على القدر الذي صامه منه (قوله: وقضى ندبا) أي لأنه صوم نفل (قوله: فإن لم يشك عليه) أي ذي الطعام.
وقوله إمساكه: أي بقاؤه على صومه (قوله: لم يندب الإفطار) جواب ان (قوله: بل الإمساك أولى) أي بل بقاؤه على صومه أولى من فطره (قوله: قال الغزالي الخ)
عبارته الثالث: أي من آداب إجابة الوليمة أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر، فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر وليحتسب في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم، وأفضل ذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن تحقق أنه متكلف فليتعلل وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمن امتنع بعذر الصوم يتكلف لك أخوك وتقول إني صائم وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالإفطار، فالإفطار عبادة بهذه النية وحسن خلق، فثوابه فوق ثواب الصوم، ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب، وقد قيل الكحل والدهن أحد القراءين.
اه.
(قوله: ويجوز للضيف) هو من يحضر الوليمة بإذن سمي باسم ملك يأتي برزقه قبل مجيئه لأهل المنزل بأربعين يوما وينادي فيهم هذا رزق فلان بن فلان، وأما الطفيلي فهو الذي يحضر الطعام بلا إذن من صاحبه.
وسمي بذلك نسبة لرجل من غطفان يقال له طفيل كان يحضر كل وليمة تفعل من غير دعوة.
وقوله أن يأكل: أفهم أنه لا يجوز له أن يتصرف فيه بغير الأكل، وسيصرح به بقوله ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة.
والمعتمد أنه يملكه بوضعه في فمه ملكا مراعى بمعنى أنه إن ازدرده استقر على ملكه وإن أخرجه من فمه تبين بقاؤه على ملك صاحبه وقيل ليس هو من باب الملك.
وإنما هو إتلاف بإذنه.
وقوله مما قدم له قال في النهاية أفهم حرمة أكل جميع ما قدم له، وبه صرح بن الصباح ونظر فيه، إذا قل، واقتضى العرف أكل جميعه.
والذي يتجه النظر في ذلك للقرينة القوية، فإن دلت على أكل الجميع حل وإلا امتنع.
اه.
ومثله في التحفة (قوله: بلا لفظ من المضيف) متعلق بيجوز: أي يجوز له الأكل من غير لفظ صادر من المضيف يدل على الإذن فيه اكتفاء بالقرينة العرفية، كما في الشرب من السقايات التي في الطرق.
(فائدة) قال النووي في الإذكار.
(إعلم) أنه يستحب لصاحب الطعام أن يقول لضيفه عند تقديم الطعام: بسم الله.
أو كل، أو نحو ذلك من العبارات المصرحة بالإذن في الشروع في الآكل.
ولا يجب هذا القول، بل يكفي تقديم الطعام إليهم، ولهم الأكل بمجرد ذلك من غير اشتراط لفظ.
وقال بعض أصحابنا لا بد من لفظ، والصواب الأول، وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإذن في ذلك محمول على الاستحباب.
اه.
بتصرف.
ويسن للضيف أن يدعو للمضيف بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة الأخيار، وذكركم الله فيمن عنده، وأفطر عندكم الصائمون.
اللهم أخلف على باذليه، وهن آكليه واطرح البركة فيه (قوله: نعم) استدراك على قوله بلا لفظ الموهم جواز الأكل(3/416)
مطلقا.
وقوله إن انتظر: أي المضيف.
وقوله غيره: أي غير الذي حضر.
ومثله ما لو لم تتم السفرة.
وقوله لم يجز: أي الأكل.
وقوله قبل حضوره: أي المنتظر.
وقوله إلا بلفظ منه: أي إلا بإذن من المضيف له لفظا (قوله: وصرح الشيخان الخ) ما صرحا به لا يختص بالضيف، بل يجزي في طعام نفسه، كما هو ظاهر (قوله: فوق الشبع) أي المتعارف لا المطلوب شرعا، وهو أكل نحو ثلث البطن.
اه.
ع ش.
وقوله وآخرون بحرمته: أي وصرح آخرون بحرمة الأكل فوق الشبع، وذلك لأنه مؤذ للمزاج.
وجمع في التحفة والنهاية بين القولين بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره، والثاني على خلافه.
ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به، كما هو ظاهر، وفي البجيرمي.
والأحسن أن يقال إن التحريم محمول على حالة الضرر سواء كان من ماله أو من مال غيره، والقول بالكراهة على غيرها.
اه (قوله: قال مالك هو) أي الاعتماد على يده اليسرى.
وقوله نوع من الاتكاء: أي المنهي عنه (قوله: جاثيا) حال مؤكدة.
قال في القاموس: جثا: كدعا ورمى جثوا وجثيا - بضمهما - جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه اه.
وقوله وظهور قدميه: أي وعلى ظهور قدميه بأن يجعلها مما يلي الأرض ويجعل بطونها مما يلي وركيه (قوله: ويكره الأكل متكئا) أي لخبر أنا لا آكل متكئا (قوله: وهو) أي المتكئ.
وقوله المعتمد الخ: عبارة شرح الروض: قال النووي: قال الخطابي: المتكئ هنا الجالس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الإكثار من الطعام، وأشار غيره إلى أنه المائل على جنبه، ومثله المضطجع، كما فهم بالأولى، اه.
وفي الباجوري على الشمائل ما نصه: ومعنى المتكئ المائل إلى أحد الشقين معتمدا عليه وحده.
وحكمه كراهة الأكل متكئا أنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل نهمة، والكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء.
نعم: لا بأس بأكل ما يتنقل به مضطجعا.
اه.
وقوله على وطاء: قال في القاموس: والوطاء كسحاب وكتاب خلاف الغطاء.
اه.
وفي المصباح: والوطاء وزان كتاب المهاد الوطئ.
اه (قوله: ومضطجعا) معطوف على متكئا: أي ويكره الأكل حال كونه مضطجعا على جنبه الأيمن أو الأيسر، وبالأولى الأكل مع الاستلقاء (قوله: إلا فيما يتنقل به) بتقديم التاء الفوقية على النون، وذلك كنحو الفاكهة من كل ما لا يعد للشبع فلا يكره أكله مع الاتكاء أو الاضطجاع (قوله: لا قائما) أي لا يكره الأكل قائما (قوله: والشرب قائما خلاف الأولى) عبارة الروض وشرحه: والشرب قاعدا أولى منه قائما أو مضطجعا، فالشرب قائما بلا عذر خلاف الأولى، كما اختاره في الروضة، لكنه صوب في شرح مسلم كراهته، وأما شربه - صلى الله عليه وسلم - قائما فلبيان الجواز.
قال في شرح مسلم: ويستحب لمن شرب قائما عالما أو ناسيا أن يتقيأه: لخبر مسلم لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقئ اه
(واعلم) أنه استثنى بعضهم شرب ماء زمزم وقال: إنه يسن الشرب منه قائما اتباعا، فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب من زمزم وهو قائم ورده الباجوري في حاشية الشمائل بما نصه: وإنما شرب - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم، مع نهيه عنه، لبيان الجواز، ففعله ليس مكروها في حقه، بل واجب، فسقط قول بعضهم إنه يسن الشرب من زمزم قائما اتباعا له - صلى الله عليه وسلم -، ولا حاجة لدعوي النسخ أو تضعيف النهي لأنه حيث أمكن الجمع وجب المصير إليه.
ثم قال: قال ابن القيم للشرب قائما آفات منها: أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء، ويلاقي المعدة بسرعة، فربما برد حرارتها ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن فيضر ضررا بينا، ومن ثم سن أن يتقيأه، ولو فعله سهوا، لأنه يحرك أخلاطا يدفعها القئ.
ويسن لمن شرب قائما أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد الذي شرب الماء قائما وقاعدا فإنه بسبب ذلك يندفع عنه الضرر.
وذكر الحكماء أن تحريك الشخص إبهامي رجليه حال الشرب قائما يدفع ضرره.
اه (قوله: ويسن للآكل الخ) تقدم أول الكتاب، في مبحث سنن الوضوء، أنه تستجب(3/417)
التسمية قبل الأكل والشرب، فإن تركها أوله قال في ثنائه بسم الله أوله وآخره.
قال النووي في الإذكار: وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره قال الترمذي حديث حسن صحيح.
ثم قال: قلت أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، فإن ترك في أوله عامدا أو ناسيا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكله استحب أنه يسمي: للحديث المتقدم.
والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه.
ويستحب أن يجهر بالتسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على التسمية وليقتدي به في ذلك.
اه.
باختصار.
وقوله أن يغسل اليدين إلخ: قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدئ به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه.
اه (قوله: ويقرأ سورتي إلخ) أي ويسن أن يقرأ بعد الأكل سورة الإخلاص وسورة قريش، ويسن أيضا أن يقول بعد الأكل، وقبل قراءة السورتين، (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة.
اللهم كما أطعمتني طيبا فاستعملني صالحا، الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا.
الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني وأرواني) قال في الأذكار: وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام
ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه قال الترمذي حديث حسن (قوله: ولا يبتلع إلخ) أي ويسن أن لا يبتلع ما يخرج من آثار الطعام بالخلال بخلاف ما يجمعه بلسانه من بين الأسنان فإنه يبتلعه (قوله: ويحرم أن يكبر اللقم) قيده في التحفة بما إذا قل الطعام.
وقال ابن عبد السلام: ولو كان يأكل قدر عشرة والمضيف جاهل به لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الأكل لانتفاء الإذن اللفظي والعرفي فيما وراءه.
اه.
وقوله مسرعا: أي حال كونه مسرعا في الأكل.
وقوله حتى يستوفى أكثر الطعام: حتى تعليلية، أي يكبر اللقم لأجل أن يستوفى أكثر الطعام.
وقوله ويحرم (1) : بضم الياء وكسر الراء، وهو بالنصب معطوف على يستوفى: أي ولأجل أن يحرم غيره من بقية الضيوف (قوله: ولو دخل) أي إنسان غير ضيف.
وقوله على آكلين: أي على جماعة يأكلون.
وقوله فأذنوا له: أي في الأكل معهم.
وقوله لم يجز له: أي للداخل (قوله: إلا إن ظن أنه عن طيب نفس) أي إلا إن ظن أن إذنهم له صادر عن طيب نفوسهم فيجوز له الأكل حينئذ.
وقوله لا لنحو حياء: أي لا ظن أن إذنهم له لنحو حياء منه فيحرم عليه الأكل معهم، ومن ثم حرم إجابة من عرض بالضيافة تجملا وأكل هدية من ظن منه أنه لا يهدى إلا خوف المذمة (قوله: ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة) أي من الطعام الذي قدم له، وذلك لعدم الإذن له في غير الأكل.
نعم: له تلقيم صاحبه، ما لم يفاضل المضيف طعامهما، كأن خص أحدهما بعالي الطعام والآخر بسافله، وإلا فليس له ذلك.
وقوله إلا إن علم رضا الداعي: أي فإنه لا يحرم.
والمراد بالعلم ما يشمل الظن، بأن توجد القرائن القوية على رضاه به، بدليل التقييد بالظن في مسألة الأخذ الآتية قريبا (قوله: ويكره للداعي تخصيص الخ) وذلك لما فيه من كسر الخاطر للبعض الآخر (قوله: ويحرم للأراذل أكل الخ) أي لأنه لا دلالة على الإذن لهم فيه، بل العرف زاجر لهم عنه (قوله: ولو تناول ضيف) أي من المضيف له.
وقوله إناء طعام: التركيب إضافي: أي إناء فيه طعام.
وقوله فانكسر: أي الإناء.
وقوله منه: أي من الضيف (قوله: ضمنه) أي
__________
(1) (قوله بضم الياء الخ) لا يتعين هذا الضبط بل هو لغية كما في القاموس والكثير باب وعلم.
اه(3/418)
الإناء دون الطعام لأنه أباحه، كما يعلم مما تقدم للشارح في باب العارية في مسألة الكوز: وهي أنه لو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه، أي الماء مجانا، ضمنه دون الماء، أو بعوض والماء قدر كفايته فعكسه.
اه.
وتقدم في الكتابة عليه تعليل ذلك وجملة مسائل.
فارجع إليه إن شئت.
وقوله لأنه: أي الإناء وقوله في يده: أي الضيف.
وقوله في حكم العارية: أي وهي مضمومة (قوله: ويجوز للإنسان أخذ من نحو صديقه) أي يجوز
له أن يأخذ من طعام صديقه وشرابه ويحمله إلى بيته.
قال في التحفة: وإذا جوزنا له الأخذ، فالذي يظهر أنه إن ظن الأخذ بالبدل كان قرضا ضمنيا، أو بلا بدل توقف المالك على ما ظنه.
اه (قوله: ويختلف) أي ظن الرضا.
وعبارة غيره.
وتختلف قرائن الرضا في ذلك باختلاف الأحوال ومقادير الأموال.
اه.
(قوله: وبحال المضيف) أي يسارا إعسارا (قوله: ومع ذلك) أي ظن الرضا.
وقوله مراعاة نصفة، بفتحات، العدل (قوله: فلا يأخذ الخ) تفريع على الانبغاء المذكور.
وقوله إلا ما يخصه: أي القدر الذي يخصه من الطعام المقدم إليهم.
وقوله أو يرضون به: أي أو الذي يرضون بأخذه.
وكتب سب ما نصه: قوله إلا ما يخصه أو يرضون به، لعل هذا إذا وكل المالك الأمر إليهم، وإلا فالأوجه جواز ما رضي به بإذن أو قرينة.
اه.
وقوله عن طيب نفس: أي نفوسهم كلهم.
وقوله لا عن حياء: أي وأما إذا كان عن حياء فإنه يحرم عليه أخذه (قوله: وكذا يقال الخ) أي أن مثل ما قيل في أخذه من نحو طعام صديقه يقال في القران بين تمرتين أو سمسمتين أو عنبتين في لقمة واحدة: أي فإن ظن رضا المالك بذلك جاز وإلا فلا.
ومع ذلك ينبغي له مراعاة النصفة للحاضرين، والقران - بكسر ففتح - الاقتران والجمع (قوله: أما عند الشك في الرضا) مفهوم قوله مع ظن رضا مالكه.
وقوله فيحرم الأخذ: أي أخذه من طعام صديقه (قوله: كالتطفل) أي كحرمة التطفل، وهو حضور الوليمة من غير دعوة إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الأنس والانبساط (قوله: ما لم يعم) قيد في حرمة التطفل: أي محل الحرمة حيث لم يعم دعوته، فإن عم لم يحرم، كما في شرح الروض نقلا عن الإمام وعبارته وقيد ذلك أي حرمة التطفل، الإمام بالدعوة الخاصة، أما العامة، كأن فتح الباب ليدخل من شاء، فلا تطفل.
اه.
وقوله كأن فتح الباب الخ.
تمثيل لعموم الدعوة (قوله: ولزم مالك طعام) أي مطعوم أعم من المأكول والمشروب.
وقوله إطعام: فاعل لزم مؤخر، وما قبله مفعول مقدم.
وقوله مضطر: أي محتاج إلى طعام.
وقوله قدر سد رمقه: الرمق بقية الروح، والمراد يطعمه بقدر ما يسد الخلل الحاصل في بقية الروح.
وزاد في التحفة في باب الأطعمة، أو إشباعه بشرطه.
وعبارته مع الأصل: أو وجد طعام حاضر غير مضطر لزمه، أي مالك الطعام، إطعام، أي سد رمق، مضطر أو إشباعه بشرطه.
اه.
وقوله بشرطه: هو أنه لو اقتصر على سد الرمق يخاف تلفا: أي محذور تيمم (قوله: إن كان) أي المضطر.
وقوله معصوما: سيذكر محترزه.
وقوله مسلما أو ذميا: بدل معصوما أو عطف بيان (قوله: وإن احتاجه الخ) غاية في لزوم الإطعام.
وقوله مالكه: إنما أظهر ولم يضمر مع تقدم مرجعه لئلا يتوهم رجوعه إلى المضطر وإن كان بعيدا.
وقوله مآلا: أي في المآل، أي المستقبل (قوله: وكذا بهيمة الغير) أي ومثل المعصوم بهيمة الغير: أي فيلزم مالك الطعام إطعامها (قوله: بخلاف حربي إلخ) أي فلا يلزم
مالك الطعام إطعامهم إذا اضطروا لعدم احترامهم (قوله: فإن منع) أي المضطر.
فالفعل مبني للمجهول.
ويحتمل بناؤه للمعلوم، وفاعله ضمير يعود على المالك، والمفعول محذوف: أي فإن منع المالك المضطر في إطعامه الطعام.
وقوله فله: أي المضطر أخذه قهرا وله أن يقاتل عليه، فإن قتل أحدهما صاحبه كان صاحب الطعام مهدر الدم لا قصاص فيه ولا(3/419)
دية ولا كفارة وكان المضطر مضمونا بالقصاص أو الدية والكفارة (قوله: إن حضر) أي العوض عند المضطر.
وقوله وإلا: أي وإن لم يحضر عنده فهو نسيئة (قوله: ولو أطعمه) أي أطعم مالك الطعام المضطر.
وقوله ولم يذكر عوضا: أي لم يذكر المالك للمضطر أنه أطعمه إياه بعوض لا مجانا.
وقوله فلا عوض له: أي للمالك على المضطر.
وقوله لتقصيره: أي بعدم ذكر العوض (قوله: ولو اختلفا) أي المالك والمضطر.
وقوله في ذكر العوض: فالمالك يقول ذكرته والمضطر ينكره.
وقوله صدق المالك بيمينه: أي حملا للناس على هذه المكرمة (قوله: ويجوز نثر نحو سكر) أي كلوز ودنانير أو دراهم.
والنثر الرمي مفرقا.
وعبارة المنهاج: ويحل نثر سكر وغيره في الأملاك.
اه (قوله: وتركه أولى) أي وترك النثر أولى، ولا يكره في الأصح: لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - حضر أملاكا فيه أطباق اللوز والسكر فأمسكوا، فقال ألا تنتهبون؟ فقالوا نهيتنا عن النهبى.
فقال وإنما نهيتكم عن نهبة العساكر، أما الفرسان فلا.
خذوا على اسم الله.
فجاذبنا وجاذبناه اه.
تحفة (قوله: ويحل التقاطه) أي المنثور (قوله: ويكره أخذه) ضعيف.
والمعتمد أنه خلاف الأولى.
وعبارة المنهج وشرحه: وتركهما، أي نثر ذلك والتقاطه، أولى لأن الثاني يشبه النهبى والأول تسبب إلى ما يشبهها.
نعم: إن عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولا يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى.
اه.
وعبارة النهاية مع الأصل: ويحل التقاطه، وتركه أولى وقيل أخذه مكروه لأنه دناءة.
نعم: إن علم أن الناثر لا يؤثر به ولم يقدح أخذه في مروءته لم يكن تركه أولى، ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذ منه أو التقطه أو بسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه بالأخذ، ولو صبيا، وإن سقط منه بعد أخذه.
فلو أخذه غيره لم يملكه، وحيث كان أولى به وأخذه غيره ففي ملكه وجهان جاريان: فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء في حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره، لكن الأصح في الصور كلها الملك، كالإحياء، ما عدا صورة النثار لقوة الاستيلاء فيها.
اه.
وقوله الملك: أي للآخذ الثاني، ومثله في التحفة (قوله: ويحرم أخذ فرخ إلخ) يعني إنه يحرم على الشخص أن يأخذ فرخ طير عشش ذلك الطير في ملك غيره وأخذ سمك دخل مع الماء حوض غيره، وحيث حرم الأخذ لم يملكه لو
أخذه، كما في فتح الجواد، ونصه مع الأصل: وجاز لقط إلا إن أخذه ممن أخذه.
أو بسط ذيله له ولو صبيا ومجنونا فوقع فيه لأنه يملكه بالأخذ، والوقوع في نحو الذيل وإن سقط منه بعد أخذه وخرج.
بله وقوعه فيه اتفاقا فإنه لا يملكه، بل يكون أولى به فيحرم على غيره أخذه إلا إن ظن رضاه أو سقط من ثوبه وإن لم ينفضه.
وإذا حرم لم يملكه آخذه: كأخذ فرخ طير عشش بملك الغير أو سمك دخل مع الماء حوضه أو ثلج وقع في ملكه، وإنما ملك المحيي ما تحجره الغير لأن المتحجر غير مالك فليس الإحياء تصرفا في ملك الغير، بخلاف هذه الصور.
اه.
بحذف والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في القسم والنشوز أي في بيان حكمهما: كوجوب التسوية بين الزوجات وغير ذلك مما يترتب عليهما، إنما ذكر القسم بعد الوليمة نظرا لكون الأفضل فعلها بعد الدخول، وهو أيضا يكون بعده.
وذكر بعده النشوز لأنه يترتب غالبا على ترك القسم ولقوة المناسبة بينهما جمعهما في ترجمة واحدة.
والقسم، بفتح القاف وسكون السين، مصدر قسمت الشئ.
والمراد به العدل بين الزوجات، وأما بالكسر فالنصيب، وبفتح القاف مع فتح السين اليمين والنشوز الخروج عن الطاعة (قوله:(3/420)
يجب قسم الخ) وذلك لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1) ، وخبر إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل، أي ساقط رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وقوله لزوجات: أي حقيقة فخرجت الرجعية ودخل الإماء، وذلك بأن تزوج رقيق أمتين فيجب عليه القسم بينهما أو تزوج حر بالشروط أمة فسقمت ثم تزوج أمة أخرى فيجب عليه القسم بينهما.
والمراد بالجمع ما فوق الواحد فتدخل الاثنتان والثلاث والأربع.
وخرجت الواحدة فلا يجب عليه فيها شئ، لكن يستحب أن لا يعطلها بأن يبيت عندها لأنه من المعاشرة بالمعروف.
وفي البجيرمي: لا فرق في وجوب القسم بين المسلمة والذمية.
ذكره في البيان.
اه (قوله: هن بات عند بعضهم) قيد في الوجوب، فلو لم يبت عند بعضهن لم يجب عليه القسم ولا إثم عليه بذلك، لكن يستحب أن لا يعطلهن وإن يحصنهن بالوطئ.
ثم إن البيتوتة المختصة بالليل ليست بقيد، بل المدار على صيرورته عند بعضهن ليلا أو نهارا، كما في التحفة، ونصها مع الأصل: نعم إن بات في الحضر أي صار ليلا أو نهارا فالتعبير ببات لأن شأن القسم الليل، لا لإخراج مكثه نهارا عند إحداهن، فإن الأوجه أنه يلزمه أن يمكث مثل ذلك الزمن عند الباقيات.
اه.
وقوله بقرعة: متعلق بقسم.
وقوله أو غيرها: أي القرعة (قوله: فيلزمه قسم لمن بقي الخ) هذا عين قوله يجب قسم الزوجات: إذ اللزوم والوجوب بمعنى واحد.
والمراد بقوله
لزوجات بقيتهن لا كلهن بدليل قوله إن بات عند بعضهن، ولا يقال أنه أعاده لأجل الغاية وهي ولو قام بهن عذر لأنا نقول يصح جعلها غاية لوجوب قسم الزوجات وبالجملة فالأولى إسقاطه والاقتصار على الغاية (قوله: ولو قام بهن عذر) أي يلزمه القسم للباقيات، ولو قام بهن عذر، وذلك لأن المقصود الانس لا الوطئ ويلزمه ذلك فورا ولو بدون طلب، كما في سم، وترك القسم كبيرة كما في ع ش (قوله: كمرض وحيض) تمثيل للعذر، ومثلهما رتق وقرن وإحرام وجنون إن أمن من الشر (قوله: وتسن التسوية بينهن) أي بين الزوجات (قوله: في سائر أنواع الإستمتاع) أي وطأ كانت أو غيره (قوله: ولا يؤاخذ بميل القلب إلى بعضهن) أي لأنه أمر قهري ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (قوله: وإن لا يعطلهن) أي ويسن أن لا يعطلهن أي إن لم يبت عند بعضهن، وإلا وجب عدم التعطيل، كما علمت (قوله: بأن يبيت) تصوير لانتفاء التعطيل (قوله: ولا قسم بين إماء) أي غير زوجات ولو كن مستولدات: قال تعالى: * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (2) أشعر ذلك بأنه لا يجب العدل الذي هو فائدة القسم في ملك اليمين، فلا يجب القسم فيه (قوله: ولا إماء وزوجة) أي ولا قسم بين إماء وزوجة، لما مر (قوله: ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف) أي لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (3) وفي شرح الروض: النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة كالطاعة، وملازمة المسكن وحقوقها عليه كالمهر والنفقة والكسوة والمعاشرة بالمعروف: قال تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * (4) والمراد تماثلهما في وجوب الأداء، وقال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1) .
اه (قوله: بأن يمتنع كل) أي من الزوجين، وهو تصوير للتعاشر بالمعروف (قوله: ويؤدي) معطوف على يمتنع: أي وبأن يؤدي كل إلى صاحبه حقه.
وقوله مع الرضا: متعلق بكل من يمتنع ويؤدي.
وقوله وطلاقة الوجه: أي ومع طلاقة الوجه، وهي عدم العبوسة، ولبعضهم: البر شئ هين: وجه طلق وكلام لين (قوله: من غير أن يحوجه الخ) متعلق أيضا بكل من الفعلين قبله: أي يمتنع عما ذكر ويؤدي إليه حقه من غير أن يحوج أحدهما الآخر إلى مؤنة.
__________
(1) سورة النساء، الاية: 19.
(2) سورة النساء، الاية: 3.
(3) سورة النساء، الاية: 19.
(4) سورة النساء، الاية: 228(3/421)
وقوله وكلفة: العطف للتفسير، والمراد المشقة.
وقوله في ذلك أي في الامتناع المذكور وأداء ما عليه للآخر من الحقوق (قوله: غير معتدة) منصوب على الاستثناء من زوجات: أي يجب القسم للزوجات إلا المعتدة الخ.
وقوله عن وطئ شبهة: فإن كانت معتدة عنه بأن وطئ إحدى زوجاته أجنبي بشبهة فلا قسم لها حتى تعتد بل يحرم، كما يفهمه التعليل بعد قوله لتحرم الخلوة بها (قوله: وصغيرة) أي وغير صغيرة لا تطيق الوطئ (قوله: وناشزة) أي وغير ناشزة ودخل في مدعيه الطلاق (قوله: أي خارجة عن طاعته) تفسير للناشزة (قوله: بأن تخرج بغير الخ) تصوير لخروجها عن طاعته (قوله: ولو مجنونة) غاية في الناشزة: أي يشترط أن تكون غير ناشزة ولو كانت مجنونة فنشوزها يسقط حقها كنشوز العاقلة وإن كانت لا تأثم به (قوله: وغير مسافرة) عطف على غير معتدة.
وقوله وحدها: خرج ما إذا سافرت معه ولم يمنعها فحقها باق.
وقوله لحاجتها: خرج ما إذا كانت لحاجته بإذنه فيقضي لها من نوب الباقيات، فإن كان من غير إذنه سقط حقها (قوله: فلا قسم لهن) أي للمعتدة والصغيرة والناشزة والمسافرة، وهو تفريع على مفهوم وقوله غير معتدة الخ.
ويصح جعله قوله جواب شرط مقدر: أي أما المعتدة من وطئ الشبهة والصغيرة والناشزة والمسافرة فلا قسم لهن لعدم استحقاقهن له.
وانظر: هل يحرم القسم عليه لهن لأن فيه تضييع حق الباقيات أم لا؟ وقد قدمت أن قوله لتحريم الخلوة بالمعتدة يقتضي حرمته عليه فيها، ولكن بقي النظر فيما عداها من الناشزة والصغيرة الخ (قوله: كما لا نفقة لهن) أي لا نفقة واجبة عليه لهن.
وفي المغني مع الأصل ما نصه: ويستحق القسم مريضة وقرناء وقرناء ورتقاء وحائض ونفساء، ثم قال: وضابط من يستحق القسم كل من وجبت نفقتها ولم تكن مطلقة لتخرج الرجعية.
ويستثنى من استحقاق المريضة القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة.
وضابط من لا يستحقه هو كل امرأة لا نفقة لها، وضابط من يجب عليه القسم كل زوج عاقل ولو سكران أو سفيها أو مراهقا، فإن جار المراهق فالإثم على وليه، أي إذا قصر، وإن جار السفيه فعلى نفسه لأنه مكلف.
وأما المجنون إذا أطبق جنونه أو تقطع ولم ينضبط فلا يلزم الولي الطواف به عليهن، سواء أمن منه الضرر أم لا، إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه أو كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة أو مال إليه بميله إلى النساء فيلزمه أن يطوف به عليهن أو يدعوهن إلى منزله أو يطوف به على بعضهن ويدعو بعضهن إذا كان ثم عذر بحسب ما يرى.
اه.
بحذف (قوله: ولو ظهر زناها) أي ظهر زنا واحدة من زوجاته برؤيته أو بالشيوع (قوله: حل له) أي زوجها (قوله: منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه) أي يمتنع من قسمه لها لتختلع منه بمال (قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة ولفظها بعد وهو أصح القولين وهو بعيد، ولعل الأصح القول الثاني.
ويأتي
أول الخلع ما يصرح به.
وينبغي أن يكون محل الخلاف إذا ظهر زناها في عصمته لا قبلها.
اه.
وقوله ويأتي أول الخ: عبارته هناك: ولو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا، كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد أو لا بقصد ذلك وقع بائنا.
وعليه يحمل ما نقلاه عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين.
اه.
ومثله يأتي للشارح نقلا عن شرح المنهاج والإرشاد (قوله: وهو) أي كونه يحل له منع قسمها وحقوقها ظاهر.
وقوله إن أراد.
أي القائل بذلك وهو الروياني لأن الأذرعي ناقل عنه.
وقوله يحل له ذلك: أي منع قسمها وحقوقها.
وقوله باطنا: أي في الباطن.
وقوله معاقبة الخ: تعليل للحل باطنا.
وقوله لتلطيخ فراشه: علة العلة (قوله: أما في الظاهر) أي أما بالنسبة للظاهر (قوله:(3/422)
فدعواه عليها ذلك الخ) كان الأنسب في المقابلة أن يقول فلا يحل له ذلك بمعنى أن الحاكم يمنعه من ذلك ولا يقبل دعواه عليها بذلك (قوله: بل الخ) الإضرار انتقالي.
وقوله ولو ثبت زناها: أي بالبنية أو بإقرارها.
وقوله لا يجوز للقاضي أن يمكنه: أي الزوج.
وقوله من ذلك: أي ترك القسم والحقوق (قوله: وله) أي للزوج دخول في ليل لو قال في أصل، كما في المنهج، لكان أولى ليشمل ما إذا كان الأصل النهار (قوله: لواحدة) متعلق بمحذوف صفة لليل: أي ليل كائن لواحدة من زوجاته وهي صاحبة النوبة (قوله: على زوجة أخرى) أي وهي غير صاحبة النوبة (قوله: لضرورة) متعلق بيجوز المقدر.
وقوله لا لغيرها: أي لا يجوز دخوله لغير ضرورة، ولو كان لحاجة: كعيادة مريض (قوله: كمرضها المخوف) تمثيل للضرورة.
ومثله الخوف على عياله من حريق وسرقة وقوله ولو ظنا.
أي ولو كان مخوفا بالظن لا باليقين.
قال الغزالي: أو احتمالا، فيدخل ليتبين الحال: أي ليعرف هل هو مخوف أو لا؟ (قوله: وله دخول في نهار) لو قال في تابع لكان أولى ليشمل ما لو كان ليلا.
وقوله لحاجة هي: أعم من الضرورة (قوله: كوضع متاع الخ) تمثيل للحاجة.
وقوله أو أخذه: أي المتاع من الزوجة الأخرى.
وقوله وعيادة: أي لها بأن كانت مريضة.
وقوله وتسليم نفقة: أي لها.
وقوله وتعرف خبر: أي منها (قوله: بلا إطالة في مكث) قيد للصورتين، أعني الدخول ليلا والدخول نهارا، فهو متعلق بكل منهما.
والمعنى أنه يشترط فيهما أن يخفف المكث (قوله: عرفا) يعني أنه يقدر عدم طول المكث بالعرف ومن ثم لم يلزمه أن يقضي لحظة وما قاربها وإن جامع فيها لأنه يتسامح بالزمن القصير.
قال في التحفة: ويظهر ضبط العرف في طول المكث بفوق ما من شأنه أن يحتاج إليه عند الدخول لتفقد الأحوال عادة فهذا القدر لا يقضيه مطلقا وما زاد عليه يقضيه مطلقا.
وإن فرض أن الضرورة امتدت فوق ذلك اه.
وقوله فهذا القدر: أي ما من شأنه الخ.
وقوله مطلقا: قال
ابن قاسم ظاهره سواء وصله بما زاد أو لا، فإذا طال فوق هذا القدر قضى ما زاد عليه دونه، وإذا لم يقض هذا القدر في الأصل ففي التابع بالأولى، كما لا يخفي، اه (قوله: على قدر الحاجة) متعلق بإطالة: أي بلا إطالة على قدر الحاجة، وكان عليه أن يزيد وعلى قدر الضرورة، لما علمت أن عدم الإطالة قيد فيه أيضا (قوله: وإن أطال فوق الحاجة) أي أو فوق الضرورة، كما علمت (قوله: عصى) جواب أن وقوله لجوره: أي ظلمه وهو علة العصيان (قوله: وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها) ظاهره أنه يقضي الجميع قدر الحاجة أو الضرورة وما زاد عليهما، وهو أيضا ظاهر المنهج، ولكنه يخالف ما مر عن التحفة من أنه يقضي الزائد فقط.
ونقل البجيرمي عن الزيادي تفصيلا في ذلك فقال: (والحاصل) أنه إذا دخل في الأصل لضرورة وطال زمن الضرورة أو أطاله فإنه يقضي الجميع، وإن دخل في التابع لحاجة وطال زمن الحاجة فلا قضاء، وإن أطاله قضى الزائد فقط.
ثم قال: أما حكم الدخول فإن كان في الأصل لضرورة جاز، وإلا حرم.
وفي التبع إن كان ثم أدنى حاجة جاز، وإلا حرم.
ثم قال: ونظم بعضهم المعتمد من هذه المسألة فقال: للزوج أن يدخل للضرورة لضرة ليست بذات النوبة في الأصل مع قضاء كل الزمن إن طال أو أطاله فأتقن وإن يكن في تابع لحاجة وقد أطال وقت تلك الحاجة قضى لذي زيد فقط ولا يجب قضاؤه في الطول هذا ما انتخب وإن يكن دخوله لا لغرض عصى ويقضي لا جماعا إن عرض(3/423)
(قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه يقضي وجوبا لذات النوبة من نوبة المدخول عليها مطلقا سواء كان الدخول لضرورة أو لحاجة ليلا كان أو نهارا.
وقوله ما في المهذب: هو متن لأبي إسحاق التبريزي (قوله: وفضية كلام المنهاج) وعبارته: والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة.
اه.
قال في المغني: أي وإن طال الزمان لأن النهار تابع مع وجود الحاجة.
اه.
(قوله: وأصليهما) أي أصل المنهاج، وهو المحرر للرافعي، وأصل الروضة وهو العزيز شرح الوجيز المسمى بالشرح الكبير للرافعي أيضا.
وقوله خلافه: خبر المبتدأ الذي هو قضية، والضمير يعود على ما في المهذب.
وقوله فيما إذا دخل الخ: هذا محل المخالفة.
والمعنى أن مقتضى كلام المنهاج والروضة وأصليهما يخالف ما في
المهذب إذا كان الدخول واقعا في النهار لحاجة.
وقال في المغني: فيحمل كلام المهذب وغيره، كما قال شيخي، على ما إذا طال الزمان فوق الحاجة، وكلام المتن على ما إذا طال الزمان بالحاجة، ورأيت في بعض الشراح ضعف ما في المهذب، وبعضهم ضعف ما في المتن.
وحيث أمكن الجمع فهو أولى.
اه.
(قوله: فلا تجب الخ) المقام ليس للتفريع، فكان الأولى التعبير بالواو.
وقوله في غير الأصل: أما الأصل فيجب التسوية في قدر الإقامة فيه، كما في التحفة والنهاية (قوله: كأن كان) أي غير الأصل نهارا.
وأتى بكاف التمثيل إشارة إلى أنه قد يكون ليلا (قوله: أي في قدرها) بيان لقوله في الإقامة.
ولو قال من أول الأمر فلا تجب التسوية في قدر الإقامة لكان أخصر.
والمراد أنه لو أقام عند صاحبة النوبة في غير الأصل الذي هو النهار إن جعل الأصل الليل أو الليل إن جعل الأصل النهار لم يجب أن يقسم عند الأخرى إذا جاءت نوبتها في غير الأصل مثل إقامته عند تلك، بل له أن ينقص عنها أو يزيد عليها وكذا لا تجب التسوية في أصل الإقامة في غير الأصل، فلو أقام فيه عند بعضهن وترك الإقامة فيه عند البعض الآخر لم يحرم عليه، كما في التحفة، ونصها: وكذا في أصلها على ما اقتضاه الإطلاق، ولكن الذي بحثه الإمام أخذا من كلامهم امتناعه إن كان قصدا.
وجرى عليه الأذرعي فقال: لا أشك أن تخصيص إحداهن بالإقامة عندها نهارا على الدوام، والانتشار في نوبة غيرها يورث حقدا وعداوة وإظهار ميل وتخصيص.
اه.
(قوله: لأنه) أي غير الأصل وقت التردد (قوله: وهو) أي التردد.
وقوله يقل ويكثر: أي بحسب الحاجة (قوله: وعند حل الدخول) أي بأن كان لضرورة أو لحاجة (قوله: يجوز له أن يتمتع) وذلك لخبر عائشة رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هي نوبتها فيبيت عندها رواه أحمد والحاكم وصحيح إسناده، والمسيس: الوطئ (قوله: ويحرم) أي التمتع بالجماع للخبر المار.
وقوله لا لذاته: أي أن الحرمة لا لذات الجماع، وإنما هي لأمر خارج وهو كونه في نوبة الغير.
وعبارة الخطيب: ولو جامع من دخل عليها في نوبة غيرها عصى وإن قصر الزمن وكان لضرورة.
قال الإمام: واللائق بالتحقيق القطع بأن الجماع لا يوصف بالتحريم ويصرف التحريم إلى إيقاع المعصية لا إلى ما وقعت به المعصية.
وحاصله أن تحريم الجماع لا لعينه بل لأمر خارج.
اه.
وكتب بجيرمي ما نصه: قوله لا يوصف بالتحريم، أي من حيث خصوص كونه وطأ، وأما من حيث صرف زمن صاحبة الوقت لغيرها فمعصية توصف بالتحريم.
وقوله إلى إيقاع المعصية: أي إيقاع الوطئ في هذا الزمن.
قوله لا إلى ما وقعت به المعصية وهو الجماع نفسه، وفيه أن الوطئ ليس معصية.
فالأولى أن يقول ويصرف التحريم إلى الإقدام على الفعل أو صرف الزمن له.
وقوله لأمر خارج: وهو كونه في نوبة الغير.
اه.
(قوله: ولا(3/424)
فصل في الطلاق
أي في بيان أحكامه: ككونه مكروها أو حراما وواجبا أو مندوبا، وككونه يفتقر إلى نية في الكناية ولا يفتقر إليها في الصريح، والأصل فيه قبل الإجماع الكتاب: كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * أي عدد الطلاق الذي تملك الرجعة بعده مرتان، فلا ينافي أنه ثلاث، وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - أين الثالثة؟ فقال: * (أو تسريح بإحسان) * ولذلك قال الله تعالى بعده: *
(فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وكقوله تعالى: * (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * والسنة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فليس من خصائص هذه الأمة - يعني أن الجاهلية كانوا يستعملونه في حل العصمة أيضا لكن لا يحصرونه في الثلاث.
وفي تفسير ابن عادل روي عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك، ثم راجعها بقصد مضاررتها، فنزلت هذه الآية: * (الطلاق مرتان) *.
وأركانه خمسة: زوج، وصيغة، وقصد، ومحل، وولاية عليه.
وكلها تعلم من كلامه (قوله: وهو لغة حل القيد) أي أن الطلاق معناه في اللغة حل القيد: أي فكه سواء كان ذلك القيد حسيا: كقيد البهيمة، أو معنويا: كالعصمة.
فلذلك كان المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لأن القيد فيه المعبر عنه بالعقد معنوي.
ومن المعنى اللغو قولهم ناقة طالقة: أي محلول قيدها إذا كانت مرسلة بلا قيد.
ومنه أيضا ما في قول الإمام مالك: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتفكها بين الخلائق طالقه وقد نظم بعضهم ما تضمنه هذان البيتان في قوله:
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 229.
(2) يشير إلى الاية الكريمة: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229] .
(3) سورة البقرة، الاية: 230.
(4) سورة الطلاق، الاية: 1.(4/5)
قيد بخطك ما أبداه فكرك من نتائج تعجب الحذاق الفضلا فما نتائج فكر المرء بارزة في كل وقت إذا ما شاءها فعلا (قوله: وشرعا حل الخ) المراد بالحل إزالة العلقة التي بين الزوجين وعرف الطلاق الشرعي النووي في تهذيبه بأنه
تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح.
وقوله: عقد النكاح: الإضافة للبيان، تعبيره بعقد أصرح في المراد من تعبير غيره بقيد (قوله: باللفظ الآتي) متعلق بحل، وهو مشتق طلاق، وفراق وسراح وغير ذلك (قوله: وهو إما وجب الخ) والحاصل تعتريه الأحكام الخمسة، وذكر منها غير المباح للخلف في وجوده وأثبته الإمام وصوره بما إذا لم يشتهها ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها (قوله: كطلاق مول) تمثيل للطلاق الواجب.
والمولى - بضم الميم وكسر اللام - وهو الحالف أن لا يطأ زوجته في العمر أو زائدا عن أربعة أشهر، فإن مضت أربعة أشهر طالبته بالوطئ، فإن أبي وجب عليه الطلاق، فإن أباه طلقها الحاكم عليه طلقة واحدة - كما سيأتي في بابه - واندرج تحت الكاف طلاق الحكمين إن رأياه فهو واجب أيضا.
وقوله لم يرد الوطئ: الجملة صفة لمول: أي مول موصوف بكونه لم يرد الوطئ، فإن أراده فلا طلاق، لكن عليه إذا وطئ كفارة يمين - كما سيأتي - (قوله: أو مندوب) معطوف على واجب (قوله: كأن يعجز عن القيام بحقوقها) أي الزوجة، وهو تمثيل للمندوب.
وقوله ولو لعدم الميل: أي ولو كان العجز حصل لعدم الميل إليها: أي بالكلية ولا ينافي هذا تصوير الإمام المباح بما إذا لم يشتهها لأن المراد من قوله لم يشتهها أي شهوة كاملة وهو صادق بوجود شهوة عنده غير كاملة.
(والحاصل) في المندوب لم يوجد منه ميل أصلا، وفي المباح يوجد منه ميل لكنه غير كامل فلا تنافي بيتهما وعبارة الروض وشرحه: ويستحب الطلاق لخوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره.
اه.
وهي أولى من عبارة شارحنا (قوله: أو تكون الخ) بالنصب معطوف على يعجز.
أي أو كأن تكون غير عفيفة - أي فاسقة - وينبغي أن يقيد فسقها بغير الفجور بها، وإلا كأن التقييد بقوله، بعدما لم يخش الفجور بها غير ظاهر (قوله: ما لم يخش الفجور بها) قيد في الندبية أي محل ندب طلاقها ما لم يخش الفجور بها: أي فجور الغير بها لو طلقها، وإلا فلا يكون مندوبا لأن في ابقائها صونا لها في الجملة، بل يكون مباحا، وينبغي أنه إن علم فجور غيره بها لو طلقها وانتفاء ذلك عنها ما دامت في عصمته حرمة طلاقها إن لم يتأذ ببقائها تأذيا لا يحتمل عادة.
كذا في ع ش (قوله: أو سيئة الخلق) معطوف على غير عفيفة: أي أو تكون سيئة الخلق وبين المراد بها بقوله: (أي بحيث لا يصير على عشرتها عادة) أي بأن تجاوزت الحد في ذلك.
وقوله وإلا إلخ.
أي وإن لم يكن المراد بها ما ذكر فلا يصح لأنه يلزم أن كل رجل يندب له طلاق زوجته لأن كل امرأة سيئة الخلق ولا يتصور أنها توجد امرأة في أي وقت وليست بسيئة الخلق (قوله: وفي الحديث الخ) ساقه دليلا على عدم وجود امرأة غير سيئة الخلق، وفيه أن المدعي سيئة الخلق والذي في الحديث المرأة الصالحة فلا يصلح دليلا لما ذكر إلا أن يقال إن إساءة
الخلق تستلزم عدم الصلاح في الغالب فينتج المدعى.
تأمل (قوله: كناية إلخ) أي أن قوله كالغراب الأعصم كناية عن ندرة وجود المرأة الصالحة لأن الغراب المذكور كذلك (قوله: إذ الأعصم هو أبيض الجناحين) أي وهذا نادر، وعبارة التحفة: إذ الأعظم وهو أبيض الجناحين وقيل الرجلين أو إحداهما كذلك اه (قوله: أو يأمره) أي وكأن يأمره، فهو بالنصب عطف على يعجز أو على تكون.
وقوله به: أي بالطلاق (قوله: من غير تعنت) أي بأن يكون لغرض صحيح، فإن كان بتعنت بأن لا يكون لذلك - كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات - فلا يندب الطلاق إذا أمره أحد والديه به وفي(4/6)
القاموس: عنته تعنيتا - أي شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه.
ويقال جاءه متعنتا: أي طالبا زلته (قوله: أو حرام) عطف على واجب.
وقوله كالبدعي: أي كالطلاق البدعي، وهو تمثيل للحرام (قوله: وهو) أي البدعي.
وقوله: طلاق مدخول بها: أي موطوأة ولو في الدبر أو مستدخلة ماءه المحترم.
وقوله في نحو حيض: متعلق بطلاقها: أي طلاقها في نحو حيض كنفاس، وإنما حرم الطلاق فيه لتضررها بطول العدة: إذ بقية دمها لا تحسب منها، ومن ثم لا يحرم في حيض حامل عدتها بالوضع.
وقوله: بلا عوض منها: قيد في الحرمة - أي يحرم الطلاق في نحو حيض إن كان بلا عوض صادر منها.
وخرج به ما إذا كان طلاقها بعوض صادر منها فلا يحرم فيه، وذلك لأن بذلها المال يشعر باضطرارها للفراق احالا.
وقيد بقوله منها ليخرج ما إذا كان العوض صادرا من أجنبي فيحرم أيضا فيه، وذلك لأن خلعه لا يقتضي اضطرارها إليه (قوله: أو في طهر جامعها فيه) معطوف على في نحو حيض - والتقدير: أي أو طلاق مدخول بها في طهر جامعها فيه.
ولا يخفى أن الشرط وطؤها في الطهر، سواء دخل عليها قبل أم لم يدخل عليها - فما يفهمه كلامه من اشتراط الدخول بها قبل ليس مرادا.
ثم إن محل حرمة ذلك فيمن تحبل لعدم صغرها ويأسها وعدم ظهور حمل بها وإلا فلا حرمة - كما صرح به في متن المنهاج (قوله: وكطلاق من لم يستوف الخ) معطوف على قوله كالبدعي، فهو تمثيل للحرام أيضا ومحل حرمته ما لم ترض بعد القسم، وإلا فلا حرمة.
ولو سألته الطلاق قبل استيفائها حقها من القسم لم يحرم - كما بحثه ابن الرفعة، ووافق الأذرعي - بل بحث القطع به، وتبعه الزركشي، وذلك لتضمن سؤالها الرضا بإسقاط حقها.
وقوله دورها: هو كناية عما هو مفروض على الزوج للزوجات من الليالي أو الأيام، والمراد بها هنا حصتها منه (قوله: وكطلاق المريض الخ) معطوف على قوله كالبدعي أيضا.
وقوله بقصد الخ: قيد في الحرمة أي يحرم طلاق المريض لزوجته إذا قصد حرمانها من الإرث، وإلا فلا يحرم (قوله: ولا يحرم الخ) إنما أتى به ردا على من قال إنه يحرم وأدرجه في قسم الحرام، وإنما لم
يحرم لأن عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحرمتها عليه.
رواه الشيخان، فلو حرم لنهاه عنه ليعلمه هو أو من حضره (قوله: بل يسن الاقتصار على واحدة) وحينئذ فيكون الجمع بين الثلاث خلاف السنة (قوله: أو مكروه) معطوف على واجب (قوله: بأن سلم الحال من ذلك كله) أي مما يقتضي الوجوب أو الندب أو الحرمة (قوله: للخبر الصحيح) دليل الكراهة (قوله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق) استشكل الحديث بأنه يفيد أن الحلال مبغوض، وأن الطلاق أشد بغضا مع أن الحلال لا يبغض أصلا.
وأجيب بأن المراد من الحلال المكروه فقط لا سائر أنواع الحلال، ولا ينافي ذلك وصفه بالحل لأنه يطلق ويراد منه الجائز، وإنما كان المكروه مبغوضا لله لأنه نهى عنه نهي تنزيه، والطلاق أشد بغضا إلى الله من غيره لما فيه من قطع النسل الذي هو المقصود الأعظم من النكاح، ولما فيه من إيذاء الزوجة وأهلها وأولادها.
واستشكل أيضا بأن حقيقة البغض الإنتقام أو إرادته، وهذا إنما يكون في الحرام لا في الحلال حتى على تأويله بالمكروه وأشار الشارح إلى الجواب عنه بقوله وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه، وهذا على تسليم أن حقيقة البغض في حقه تعالى ما ذكر، فإن كان المراد بها في حقه تعالى عدم الرضا به وعدم المحبة فلا إشكال.
وقوله لمنافاتها: أي حقيقة البغض.
وقوله لحله: أي الطلاق (قوله: إنما يقع لغير بائن) أي لزوجة غير بائن: أي بطلاق أو فسخ والغير صادق بغير المطلبة وبالمطلقة طلاقا رجعيا.
فقوله ولو كانت رجعية: تصريح بما فهم، وإنما لحق الطلاق الرجعية لأنها في حكم الزوجات هنا.
وفي الإرث وصحة الظهار والإيلاء واللعان - كما تقدم - وهذه الخمسة عناها الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى.
وقوله لم تنقض عدتها:(4/7)
الجملة صفة لرجعية موصوفة بكونها لم تنقض عدتها، فإن انقضت عدتها صارت بائنا فلا يلحقها الطلاق (قوله: فلا يقع لمختلعة) أي لإنقطاع عصمتها بالكلية في تلك الخمس وغيرها.
وخبر المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة موضوع، ووقفه على أبي الدرداء ضعيف.
اه.
تحفة.
وهذا مفهوم قوله: غير بائن، أما البائن - كالمختلعة - فلا يقع طلاقها (قوله: رجعية انقضت عدتها) أي ولا يقع لرجعية انقضت عدتها، وهذا مفهوم قوله: لم تنقض عدتها (قوله: طلاق) فاعل يقع.
وقوله مختار مكلف: قيدان في وقوع الطلاق، وسيذكر محترزهما.
وقوله أي بالغ عاقل تفسير للمكلف (قوله: فلا يقع طلاق صبي ومجنون) أي ونائم،
وذلك لخبر: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ صححه أبو داود وغيره.
وحيث رفع عنهم القلم بطل تصرفهم.
والمراد قلم خطاب التكليف، وأما قلم خطاب الوضع فهو ثابت في حقهم بدليل ضمان ما أتلفوه، ولكن يرد على ذلك أن الطلاق من باب خطاب الوضع، وهو ربط الأحكام بالأسباب، فكان مقتضاه وقوعه عليهم.
ويجاب بأن خطاب الوضع يلزمه حكم تكليفي كحرمة الزوجة عليهم، وخطاب التكليف مرفوع فيلزم من رفع اللازم وهو خطاب التكليف رفع الملزوم في خصوص مسألة الطلاق.
وأما خطاب الوضع في غيرها فثابت كالإتلاف لأنهم يضمنون ما أتلفوه.
اه.
بجيرمي (قوله: ومتعد بسكر) معطوف على مختار: أي ويقع طلاق متعد بسكر لأنه وإن لم يكن مكلفا هو في حكمه تغليظا عليه، وكذا سائر تصرفاته فيما له وعليه.
ومثله المتعدي بجنونه فإنه يقع طلاقه وكذا سائر تصرفاته على المذهب، فقوله فلا يقع طلاق صبي ومجنون: أي غير متعد بجنونه (قوله: أي بشرب خمر الخ) الباء سببية متعلقة بمتعد: أي متعد بذلك بسبب شربه الخمر وأكله بنجا أو حشيشا، والمراد تعاطي ذلك عن قصد وعلم، وإلا فلا يكون تعديا (قوله: لعصيانه الخ) علة لوقوع الطلاق من المتعدي بسكره: أي وإنما وقع الطلاق منه مع كونه لا عقل له لأنه عاص بإزالته (قوله: بخلاف سكران لم يتعد الخ) أي وبخلاف مجنون لم يتعد بجنونه (قوله: كأن أكره عليه) أي على تناول مسكر، وهو تمثيل لغير المتعدي بسكره (قوله: أو لم يعلم) أي أو تناوله وهو لم يعلم أنه مسكر بأن تعاطي شيئا على زعم أنه شراب أو دواء.
فإذا هو مسكر (قوله: فلا يقع طلاقه) أي السكران الذي لم يتعد بسكره (قوله: إذا صار بحيث لا يميز) أي انتهى إلى حالة فقد فيها التمييز، أما إذا لم ينته إلى هذه الحالة فإنه يقع عليه الطلاق (قوله: لعدم تعديه) علة لعدم وقوع طلاق غير المتعدي بسكره (قوله: وصدق مدعي إكراه في تناوله) أي من المسكر.
وقوله بيمينه: متعلق بصدق (قوله: إن وجدت قرينة عليه) أي على الإكراه (قوله: كحبس) تمثيل للقرينة على الإكراه (قوله: وإلا) أي وإن لم توجد قرينة.
وقوله فلا بد من البينة: أي تشهد بإكراهه (قوله: ويقع طلاق الهازل) أي ظاهرا وباطنا إجماعا، وللخبر الصحيح: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة وخصت لتأكيد أمر الإبضاع، وإلا فكل التصرفات كذلك.
وفي رواية والعتق وخص لتشوف الشارع إليه (قوله: بأن قصد لفظه) أي الطلاق أي نطق به قصدا، وهو تصوير للهزل بالطلاق.
وقوله دون معناه أي دون قصد معناه، وهو حل عصمة النكاح (قوله: أو لعب به) بصيغة الفعل عطف على الهازل الذي هو اسم فاعل من عطف الفعل على الاسم المشبه له: أي ويقع طلاق الذي هزل به أو الذي لعب به.
وقوله بأن لم يقصد شيئا: أي لا لفظه ولا معناه: وهو تصوير للعب بالطلاق ثم إن
مفاده مع مفاد تصوير الهزل المار التغاير بينهما، ونظر فيه في التحفة ونصها: ولكون اللعب أعم مطلقا من الهزل عرفا، إذا الهزل يختص بالكلام عطفه عليه وإن رادفه لغة.
كذا قال الشارح، وجعل غيره بينهما تغايرا ففسر الهزل بأن يقصد اللفظ دون المعنى واللعب بأن لا يقصد شيئا وفيه نظر: إذ قصد اللفظ لا بد منه مطلقا بالنسبة للوقوع باطنا.
اه.
وفي(4/8)
المغني: لو نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق طلقت - كما نقلاه عن النص وأقراه - اه (قوله: ولا أثر لحكاية طلاق الغير) أي لا ضرر في حكاية طلاق الغير: كقوله: قال: زيد زوجتي طالق فلا تطلق زوجة الحاكي لطلاق غيره.
وقوله وتصوير الفقيه: أي ولا أثر لتصوير الفقيه الطلاق كأن قال الفقيه تصويرا لصورة الطلاق بالثلاث (قوله: وللتلفظ به الخ) أي ولا أثر للتلفظ بالطلاق تلفظا مصورا بحالة، هي كونه لا يسمع نفسه، وذلك لأنه يشترط في وقوع الطلاق التلفظ به حيث يسمع نفسه، فإن اعتدل سمعه ولا مانع من نحو لغط، فلا بد أن يرفع صوته به بقدر ما يسمع نفسه، بالفعل وإن لم يعتدل سمعه أو كان هناك مانع من نحو لغط فلا بد أن يرفع صوته بحيث لو كان معتدل السمع ولا مانع لسمع فيكفي سماعه تقديرا وإن لم يسمع بالفعل (قوله: واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان) في ترغيب المشتاق.
سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطلاق حال الغضب الشديد المخرج عن الاشعار: هل يقع الطلاق أم لا؟ وهل يفرق بين التعليق والتنجيز أم لا؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم الإشعار؟.
فأجاب: بأنه لا اعتبار بالغضب فيها.
نعم: إن كان زائل العقل عذر.
اه.
بحذف.
وقوله: وإن ادعى زوال شعوره: أي إدراكه.
وقوله بالغضب: أي بسبب الغضب، وهو متعلق بزوال (قوله: لا طلاق مكره) معطوف على طلاق مختار باعتبار الشرح.
أما باعتبار المتن فمكره معطوف على مكلف: أي لا يقع طلاق مكره إذا وجدت شروطه الآتية - خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذلك لخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وخبر: لا طلاق في إغلاق بكسر الهمزة: أي إكراه.
والمراد الإكراه على طلاق زوجة المكره - بفتح الراء - وخرج به ما إذا كان على طلاق زوجة المكره - بكسر الراء - كأن قال له: طلق زوجتي وإلا لأقتلنك فطلقها فإنه يقع على الصحيح لأنه أبلغ في الإذن.
وقوله بغير حق: متعلق بمكره وسيذكر محترزه (قوله: بمحذور) متعلق بمكره أيضا: أي مكره بما يحذر منه: أي يخاف منه من أنواع العقوبات.
قال ح ل: ولو في ظن المكره فلو خوفه بما ظنه محذورا فبان خلافه كان مكرها.
اه.
وضابط المحذور: هو الذي يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه.
وقوله مناسب: أي
الحال المكره - بفتح الراء - وذلك لأن المحذور يختلف باختلاف طبقات الناس، فقد يكون إكراها في حق شخص دون آخر كالصفعة فهي إكراه لذي المروءة دون غيره، فاعتبر فيه ما يناسبه (قوله: كحبس طويل) تمثيل للمحذور (قوله: وكذا قليل) أي حبس قليل.
والمناسب أن يقول: قصير.
وقوله لذي مروءة يعني أن الحبس القصير يعد محذورا لكن لذي المروءة (قوله: وصفعة) معطوف على حبس: أي وكصفعة: أي ضربة واحدة.
قال في المصباح: الصفعة المرة وهو أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع، بل يقال: ضربه بجمع كفه.
اه.
وقوله له: أي لذي المروءة.
وقوله في الملأ: أي بين الناس.
وفي حواشي البجيرمي.
قال الشاشي إن الاستخفاف في حق الوجيه إكراه وابن الصباغ أن الشتم في حق أهل المروءة إكراه.
اه (قوله: وكإتلاف مال) معطوف على كحبس، ولو حذف الكاف - كالذي قبله - لكان أولى.
مثل إتلاف المكره - بكسر الراء - لمال المكره أخذه منه، بجامع أن كلا تفويت مال على مالكه.
كذا في ع ش.
وقوله يضيق عليه: أي يتأثر به، فقول الروضة أنه ليس بإكراه محمول على مال قليل لا يبالي به كتخويف موسر: أي سخي بأخذ خمسة دنانير كما في حلية الروياني.
اه.
نهاية.
(قوله: بخلاف الخ) أي بخلال إتلاف نحو خمسة دراهم لو لم يطلق زوجته في حق موسر فإنه لا يعد إكراها لأنها لا تضييق عليه.
وقوله في حق موسر: قال في التحفة: ويظهر ضبط الموسر المذكور بمن تقضي العادة بأنه يسمح ببذل ما طلب منه ولا يطلق، ويؤيده قول كثيرين إن الإكراه بإتلاف المال يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم.
اه (قوله:(4/9)
وشرط الإكراه) أي شروطه، فهو مفرد مضاف، فيعم.
وذكر الشارح منها ثلاثة شروط، وبقي منها أن لا ينوي وقوع الطلاق، وإلا وقع، لأن صريح الطلاق في حقه كناية، وسيصرح الشارح بمفهوم هذا الشرط بقوله فإذا قصد المكره الخ، وأن لا يظهر منه قرينة اختيار.
فإن ظهرت منه وقع عليه الطلاق، وذلك بأن أكرهه شخص على طلاق بثلاث فطلق واحدة أو اثنتين أو على طلقة فطلق اثنتين أو ثلاثا، أو على مطلق طلاق فطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، أو على طلاق إحدى زوجتيه على الإبهام فعين واحدة منهما أو على طلاق معينة فأبهم أو على الطلاق بصيغة من صريح أو كناية أو تنجيز أو تعليق فأتى بضدها ففي جميعها يقع عليه الطلاق لأن مخالفته تشعر باختياره لما أتى به فلا إكراه.
فإن قلت: حيث كان يقع في جميع هذه الصور: فما صورة الطلاق الذي لم يقع؟.
قلت: صورته أن يكره على أصل الطلاق فيأتي به فقط كأن يقول طلقتها أو يسأله فيقول له: أطلق ثلاثا أو اثنتين فإذا
عين له شيئا أتى بما عينه له ولا يتجاوزه،.
وإن لم يعين شيئا اقتصر على أصل الطلاق.
وقال بعضهم: يشترط أن يسأله ما ذكر (قوله: قدرة المكره) بكسر الراء (قوله: على تحقيق ما هدد به) أي على إيجاد المحذور الذي خوف المكره به: وقوله عاجلا: قيد سيأتي محترزه (قوله: بولاية) أي بسبب ولاية، وهو متعلق بقدرة: أي قدرته عليه بسبب أنه وال.
وقوله أو تغلب: أي بسببه كأن تغلب ذو شوكة على بلدة وأكرهه على طلاق زوجته (قوله: وعجز المكره) بفتح الراء، وهو معطوف على قدرة.
وقوله: عن دفعه: أي المكره بكسر الراء.
وقوله: بقرار الخ، متعلق بدفع: أي عجزه عن أن يدفع المكره - بكسر الراء - الفرار أو الإستغاثة: أي طلب الغوث ممن يخلصه منه: أي ونحو ذلك كالتحصن بحصن يمنعه منه (قوله: وظنه) بالرفع عطف على قدرة: أي وشرط ظنه - أي المكره بفتح الراء، وكذا الضمير في أنه وفي امتنع، والضمير البارز في خوفه.
وأما ضمير فعل وضمير خوف المستتر فهو يعود على المكره - بكسر الراء - وضمير به يعود على ما.
وفي المغنى: تنبيه: تعييره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه وهو الأصح.
اه.
(قوله: فلا يتحقق العجز) أي دفع المكره بكسر الراء (قوله: بدون اجتماع ذلك كله) أي قدرة المكره على ما هدد به وعجز المكره عن الدفع بكل شئ يمكنه وظنه ما ذكر (قوله: ولا يشترط التورية) أي في عدم وقوع طلاق المكره، فلا يقع وإن لم يور.
قال في شرح الروض: والتورية من وريت الخبر تورية أي سترته وأظهرت غيره، مأخوذ من وراء الإنسان: كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر ذكره الجوهري.
قال النووي في أذكاره: ومعناها أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ ولكنه خلاف ظاهره.
اه (قوله: بأن ينوي غير زوجته) تصوير للتورية: أي كأن يريد بقوله طلقت فاطمة غير زوجته، وعبارة المغني مع الأصل: ولا تشترط بأن كان ينوي بقوله: طلقت زينب مثلا غيرها: أي غير زوجته أو ينوي بالطلاق حل الوثاق.
اه (قوله: أو يقول سرا عقبه) أي الطلاق إن شاء الله: أي ويكون قاصدا به التعليق.
وفي المغني أيضا: وعبارة الروضة وأصلها أو قال في نفسه إن شاء الله.
فإن قيل: لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا، بل لا بد من التلفظ به.
أجيب: بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله سرا بحيث لم يسمعه المكره، لا أنه نواه أو إن ما ذكر من اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره.
أما هو فيكفي بقلبه - كما نقله الأذرعي عن القاضي حسين عن الأصحاب - وهي فائدة حسنة (قوله: فإذا قصد الخ) مفهوم شرط مطوي، وهو أن لا ينوي إيقاع الطلاق كما
تقدم التنبيه عليه آنفا (قوله: كما إذا أكره بحق) أي فإنه يقع عليه وهو محترز قوله بغير حق وكان عليه أن يقول كعادته.(4/10)
وخرج بقولي بغير حق ما إذا أكره بحق (قوله: وكأن قال: مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي) تمثيل للإكراه بحق.
قال سم: هذا يدل على أن المراد بالإكراه بحق ما يعم كون المكره به حقا لا خصوص كون نفس الإكراه حقا فإنه ليس له الإكراه على الطلاق وإن استحق قتله.
اه.
قال في المغني: وصور جمع الإكراه بحق بإكراه القاضي المولي بعد مدة الإيلاء على طلقة واحدة، فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسخ بذلك وينعزل به.
فإن قيل: المولى لا يؤمر بالطلاق عينا بل به أو بالفيئة، ومثل هذا ليس إكراها يمنع الوقوع.
أجيب: بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة فرفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه، فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير إليها وبالطلاق، فإن لم يفعل ذلك أجبر على الطلاق عينا.
هكذا أجاب به ابن الرفعة وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح، وهو أن القاضي يكره المولي على الفيئة أو الطلاق والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز عنه بغير حق.
اه.
ببعض تصرف (قوله: أو قال رجل لآخر الخ) محترز قوله عاجلا (قوله: فطلق) أي في الصورتين.
وقوله فيقع: أي الطلاق.
وقوله فيهما: أي في صورة القود، وفي صورة الوعد بالقتل في المستقبل (قوله: بصريح) متعلق بيقع: أي إنما يقع الطلاق بصريح الخ، وهو شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركانه وهي لفظ يدل على فراق إما صريحا وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق وألفاظه خمسة: طلاق، وفراق، وسراح، وخلع، ومفاداة، كما قال ابن رسلان في زبده: صريحه سرحت أو طلقت خالعت أو فاديت أو فارقت وإنما كانت صريحا لاشتهارها في معنى الطلاق وورودها في القرآن مع تكرر بعضها فيه وإلحاق ما لم يتكرر منها بما تكرر.
وحكمه أنه لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق به لأنه لا يحتمل غير الطلاق، فلا يتوقف وقوع الطلاق فيه على نية إيقاعه، بل يقع وإن نوى عدمه.
نعم: لا بد من قصد اللفظ مع معناه عند عروض صارف اللفظ عن معناه كنداء من اسم زوجته طالق بقوله لها: يا طالق، فإن كان قاصدا لفظ الطلاق مع معناه وقع الطلاق، وإلا بأن قصد النداء أو أطلق لم يقع.
ومثله في ذلك حكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه.
وإما كناية وهي كل لفظ احتمل ظاهره غير الطلاق، ولا تنحصر ألفاظها.
وحكمها أنها تحتاج إلى نية إيقاع الطلاق بها.
قال ابن رسلان: وكل لفظ لفراق احتمل فهو كناية بنية حصل (قوله: وهو) أي الصريح في الطلاق.
وقوله ما لا الخ: أي لفظ لا يحتمل ظاهره معنى غير الطلاق (قوله: كمشتق طلاق الخ) أي وأما الطلاق وما بعده ففيه تفصيل يشعر به كلامه، وهو أنه إن وقع مفعولا أو فاعلا أو مبتدأ فصريح، وإلا فكناية (قوله: ولو من عجمي) أي ولو صدر مشتق الطلاق من عجمي فإنه يقع طلاقه به.
وقوله عرف أنه موضوع الخ: الجملة صفة لعجمي أي عجمي موصوف بكونه عرف أن هذا اللفظ موضوع لحل عصمة النكاح الذي هو معنى الطلاق، وهو قيد لا بد منه.
وخرج به ما لو تلفظ به وهو لا يعرف ذلك فإنه لا يقع طلاقه.
وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو لفظ عجمي به أي الطلاق بالعربية مثلا إذ الحكم يعم كل من تلفظ بغير لغته ولم يعرف معناها لم يقع كمتلفظ بكلمة كفر لا يعرف معناها ويصدق في جهله معناه للقرينة، ومن ثم لو كان مخالطا لأهل تلك اللغة بحيث تقضي العادة بعلمه به لم يصدق ظاهرا ويقع عليه، وقيل إن نوى معناها عند أهلها وقع لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه وردوه بأن المجهول لا يصح(4/11)
قصده.
اه (قوله: أو بعده عنها) معطوف على حل عصمة النكاح: أي أو عر ف أن هذا اللفظ موضوع لبعده هو عن زوجته وإن لم يعرف معناه الأصلي: أي حل عصمة النكاح، وإنما اكتفى بمعرفة أن هذا اللفظ موضوع لما ذكر لأنه لازم لمعناه الأصلي، إذ يلزم من حل عصمة النكاح بعده عن زوجته (قوله: وفراق وسراح) معطوفان على طلاق: أي ومشتق فراق وسراح - بفتح السين - ومثله مشتق الخلع والمفاداة، لكن مع ذكر المال أو نيته (قوله: لتكررها) علة الصراحة في المشتقات من هذه المصادر أي وإنما كانت صريحة لتكررها في القرآن كما تقدم (قوله: كطلقتك الخ) مثله ما لو قال: طلقك الله فهو من الصريح، وذلك لأن ما استقل به الشخص كالطلاق والابراء والعتق إذا أسند إلى الله تعالى كان صريحا لقوته بالاستقلال، وما لا يستقل به الشخص كالبيع والإقالة إذا أسند إلى الله تعالى كان كناية.
وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: ما فيه الإستقلال بالإنشاء وكان مسندا لذي الآلاء فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا دراية
(قوله: أو زوجتي) أي أو يقول طلقت أو فارقت أو سرحت زوجتي فيأتي بالإسم الظاهر بدل ضمير المخاطبة (قوله: وكأنت طالق أو مطلقة) أشار بتعداد الأمثلة إلى أنه لا فرق في المشتق بين أن يكون فعلا أو اسم فاعل أو اسم مفعول.
وقوله بتشديد اللام المفتوحة: احترز به عن مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام المفتوحة أو المكسورة فإنه كناية وإن كان الزوج نحويا وليس بصريح (قوله: ومفارقة ومسرحة) أي أو أنت مفارقة أو مسرحة ويقرآن بصيغة اسم مفعول مع تشديد راء الثانية أما بصيغة اسم الفاعل فكناية (قوله: أما مصادرها) هذا محترز قوله مشتق بالنسبة لجميع الألفاظ: أي ما مصادر هذه المشتقات فهي كناية لكن حيث وقعت خبرا كما يدل عليه أمثلته بخلاف ما إذا وقعت مبتدأ فإنها صرائح غالبا.
ومثله ما لو وقعت مفعولا أو فاعلا، وذلك كأن قال الطلاق لازم علي أو واجب علي، فإن قال: فرض علي كان كناية والفرق أن الفرض قد يراد به المقدر فتطرق إليه الإحتمال فاحتاج إلى النية للتعيين، بخلاف اللزوم والوجوب فإن معناهما الثبوت لا غير.
ولو قال: علي الطلاق فهو صريح أيضا، خلافا لبعضهم وكأن قال أوقعت عليك الطلاق أو يلزمني الطلاق (قوله: ويشترط ذكر مفعول الخ) أي ضمير أو اسم ظاهر.
وقوله ومبتدأ مع نحو طالق: أي وذكر مبتدأ مع ذلك، سواء كان بلفظ الضمير كأنت أو بالاسم الظاهر.
كزوجتي أو امرأتي (قوله: فلو نوي أحدهما) أي المفعول أو المبتدأ.
وقوله لم يؤثر: فلا يقع به الطلاق (قوله: كما لو قال طالق الخ) إن أراد التمثيل لحذف المبتدأ أشكل عليه قوله: أو امرأتي الخ فإنه فيه حذف الخبر لا المبتدأ وإن أراد التنظير أشكل عليه المثال الأول فإنه لا يصلح له: إذ هو عين ما قبله، فكان الأولى له أن يقول كما لو قال أنت أو امرأتي ونوى لفظ طالق.
والمراد كما لو ذكر المبتدأ وحذف الخبر فإنه لا يؤثر عليه (قوله: إلا إن سبق ذكرها) أي لم يؤثر إلا إن سبق ذكر زوجته في سؤال: أي ونحوه والمراد إلا إن دل دليل على المحذوف: أي فإنه يؤثر (قوله: في نحو طلق امرأتك) لو حذف لفظ في لكان أولى ومثله أطلقت زوجتك إلا أن الفعل بعده يكون كناية - كما سيصرح به - بخلافه بعد طلق أو طلقي نفسك فإنك صريح، والفرق - كما في التحفة - أنه بعدهما امتثال لما سبقه الصريح في الإلزام، فلا احتمال فيه، بخلافه بعده فإنه وقع جوابا لما لا إلزام فيه فكان كناية ومثل لما يدل على المفعول ولم يمثل لما يدل على المبتدأ أو الخبر والأول: كأن تقول له أنا طالق فقال لها: طالق، والثاني كأن يقول نساء المؤمنين(4/12)
طوالق، وأنت يا زوجتي التقدير طالق (قوله: أو فوض إليها) أي فوض الطلاق إليها والتفويض هو تمليكها الطلاق، ويشترط لوقوع الطلاق تطليقها فورا - كما سيصرح به - وقوله بطلقي نفسك: أي بقوله لها طلقي نفسك (قوله: فيقع) أي
الطلاق.
وقوله فيهما: أي في الصورتين صورة ما إذا سبق ذكرها وصورة التفويض (قوله: وترجمته) بالجر عطف على مشتق طلاق: أي وكترجمته.
وقوله: أي مشتق بيان للضمير.
وقوله ما ذكر: أي من الطلاق وما بعده.
وقوله بالعجمية: متعلق بترجمته - أو كترجمته بالعجمية وهي ما عدا العربية من سائر اللغات (قوله: فترجمة الطلاق صريح) أي لشهرة استعمالها عندهم في معناها شهرة العربية عند أهلها، ولا ينافي تأثير الشهرة هنا عدمه في أنت علي حرام لأن ما هنا موضوع للطلاق بخصوصه بخلاف ذاك، وإن اشتهر فيه.
وفي البجيرمي: وترجمة الطلاق بالعجمية: سن بوش فسن أنت، وبوش طالق.
اه.
وقوله على المذهب: قال في المغنى: والطريق الثاني وجهان: أحدهما أنه كناية اقتصارا في الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكره على لسان حملة الشرع.
اه (قوله: وترجمة صاحبيه) أي الفراق والسراح.
وقوله صريح أيضا على المعتمد: قال في التحفة بعده على ما اقتضاه ظاهر أصله، واعتمده الأذرعي، ونقل عن جمع الجزم به، لكن الذي في أصل الروضة عن الإمام والروياني وأقراه أنها كناية لبعدها عن الاستعمال.
اه.
وظاهرها اعتماد أنها كناية وجزم بها في شرح الإرشاد فقال أما ترجمة السراح والفراق فكناية، خلافا للحاوي كما صححه في أصل الروضة وإن أطال جمع في رده.
اه.
وجزم بها في النهاية أيضا، فعلم أن قوله على المعتمد هو جار فيه - على ما اقتضاه ظاهر أصل المنهاج - وهو المحرر، وعلى ما اعتمده الأذرعي.
وقد علمت أن المعتمد خلافه (قوله: الجزم به) أي بهذا المعتمد، وهو ضعيف كما علمت (قوله: ومنه أعطيت) أي ومن الصريح أعطيت الخ (قوله: ويا طالق) فيه تفصيل مضى (قوله: ويا مطلقة بتشديد اللام) أي المفتوحة وقد علمت أنه احترز به عن مطلقة بتخفيف اللام مع سكون الطاء فإنه كناية (قوله: لا أنت طلاق ولك الطلاق) أي ليس من الصريح قوله: أنت طلاق ولك الطلاق (قوله: بل هما) أي أنت طلاق ولك الطلاق كنايتان (قوله: كإن فعلت كذا) أي كدخول الدار، والكاف للتنظير.
وقوله ففيه: أي ففي فعلك طلاقك، وهنا وقع المصدر مبتدأ وهو كناية فهو من غير الغالب (قوله: لأن المصدر الخ) علة للكناية في جميع المثل.
وقوله: لا يستعمل في العين: أي على وجه الإخبار، أما على غيره فيستعمل فيها كأوقعت عليك الطلاق - كما تقدم - وقوله إلا توسعا: أي بضرب من التجوز كتأويل المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول كما هنا، وكتقدير مضاف وككونه على المبالغة، ففيه الأوجه الثلاثة الجارية في نحو زيد عدل: أي عادل أو ذو عدل أو هو نفس العدل مبالغة (قوله: ولا يضر الخطأ في الصيغة) منه قوله: أنت طوالق.
وقوله مخاطبا لزوجته: أنتم أو أنتن طالق.
وقوله: إذا لم يخل بالمعنى: أي فإن أخل بالمعنى كأن قال: أنت طالب أو طالع مثلا ضر (قوله: كالخطأ في الإعراب) أي فإنه لا يضر، كما
لو قال: أنت طالقا بالنصب (قوله: فروع) أي خمسة (قوله: لو قالت له طلقني فقال هي مطلقة) هذا من أفراد الخطأ في الصيغة - كما يفهم من التحفة -: إذ المقام للخطاب فعدوله إلى الغيبة من غير نكتة خطأ (قوله: فلا يقبل الخ) أي لو ادعى أنه أراد غير زوجته المخاطبة لا يقبل، وذلك لأن تقدم طلبها يصرف لفظ الطلاق إليها (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن(4/13)
نقدم السؤال يصرف اللفظ إليها لو لم يتقدم شئ احتيج إلى نيته (قوله: في نحو الخ) لو قال كما في نحو الخ لكان أولى (قوله: قال البغوي إلخ) اعلم أن الأصح في أفعال المقاربة أن إثباتها إثبات ونفيها نفي كبقية الأفعال.
فإذا قلت: كاد زيد أن يقوم كان المعنى قرب زيد من القيام، أو قلت ما كاد زيد أن يقوم كان المعنى لم يقرب زيد من القيام، وعلى كل فالقيام منتف.
وقيل إن إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيد أن يفعل كان المعنى أنه لم يفعل وعليه قوله تعالى: * (يكاد زيتها يضئ) * أي أنه لم يضئ، ومعنى ما كاد زيد أن يفعل أنه فعل: أي لم يقتصر على مقاربة الفعل، بل فعل، وعليه قوله تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * أي أنهم فعلوا بدليل فذبحوها وإلا تناقض، وعلى هذا جرى البغوي والعراقي فقالا: لو قال: ما كدت أن أطلقك يكون إقرارا بالطلاق وهو باطل - كما في النهاية عن الأشموني ولفظها - وقول البغوي: لو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق نظر فيه الغزي بأن النفي الداخل على كاد لا يثبته على الأصح، إلا أن يقال: وآخذناه للعرف.
قال الأشموني: المعنى ما قاربت أن أطلقك وإذا لم يقارب طلاقها كيف يكون مقرا به، وإنما يكون إقرارا بالطلاق على قول من يقول إن نفيها إثبات وهو باطل.
اه (قوله: ولو قال) أي الزوج وقوله لوليها: أي زوجته.
وقوله زوجها: بصيغة الأمر.
وقوله فمقر بالطلاق أي فهو مقر بالطلاق: أي وبانقضاء العدة كما هو ظاهر.
ومحله إن لم تكذبه وإلا لزمتها العدة مؤاخذة لها بإقرارها اه.
تحفة (قوله: قال المزجد المخ) تأييد لما قبله (قوله: لو قال) أي الزوج.
وقوله هذه: أي مشيرا لزوجته زوجة فلان.
وقوله حكم بارتفاع نكاحه: أي لأن قوله المذكور إقرار بالطلاق - كما في المسألة التي قبله (قوله: إن غبت عنها) أي عن الزوجة (قوله: فما أنا لها بزوج) أي أنا لست لها بزوج (قوله: بأنه إقرار) متعلق بأفتى.
وقوله: بزوال الزوجية الخ.
قال ع ش: قد يقال تعريف الإقرار بأنه إخبار بحق سابق لغيره لم ينطبق على ما ذكر لأنه حين الإخبار لم تكن الغيبة وجدت حتى يكون ذلك إخبارا عن الطلاق بعدها، فكان الأقرب أنه كناية - كما قدمناه عن حجر - في نحو إن فعلت كذا فلست لي بزوجة.
اه.
وكتب الرشيدي قوله بأنه إقرار لا يخفى أن هذا بالنظر للظاهر، وانظر ما الحكم في الباطن إذا قصد به إنشاء التعليق؟ اه (قوله:
فلها) أي الزوجة.
وقوله بعدها: أي السنة.
وقوله: ثم بعد انقضاء عدتها: أي ثم بعد السنة يعتبر انقضاء عدتها (قوله: تزوج) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله وهو فلها.
وقوله لغيره: أي غير زوجها (قوله: فوائد) أي تتعلق بالطلاق (قوله: ولو قال) أي أجنبي لآخر: أي زوج (قوله: أطلقت زوجتك) مقول القول (قوله: ملتمسا الإنشاء) حال من فاعل قال: أي قال ذلك حال كونه ملتمسا من الزوج أي طالبا منه إنشاء الطلاق وإحداثه لأنه استفهام، واستعمال الإستفهام في الطلب تجوز لا حقيقة - كما هو ظاهر - (قوله: فقال) أي الزوج مجيبا له نعم أو إي - بكسر الهمزة وسكون الياء: أي أو جير.
وقوله وقع: أي الطلاق.
وقوله وكان صريحا: أي في إيقاع الطلاق، وذلك لأن كلمة الجواب قائمة مقام طلقتها، وهو صريح فما قام مقامه مثله (قوله: فإذا قال: طلقت) أي بدل قوله نعم.
وقوله كان كناية: أي على الأوجه عند ابن حجر.
قال سم: وفي شرح الروض أيضا وفي النهاية الأصح أنه صريح.
اه (قوله: لأن نعم الخ) بيان للفرق بين نعم - حيث أنها من الصرائح - وطلقت - حيث أنها من الكنايات (قوله: فاحتملت الجواب) وعليه يقع الطلاق.
وقوله والابتداء:
__________
(1) سورة النور، الاية: 35.
(2) سورة البقرة، الاية: 71.(4/14)
وعليه لا يقع، فلما تطرق إليه الإحتمال اندرج في سلك الكناية فاحتاج إلى النية (قوله: أما إذا قال) أي الأجنبي.
وقوله له: أي للزوج.
وقوله ذلك: أي أطلقت زوجتك.
وقوله مستخبرا: أي حال كونه مستخبرا: أي مستفهما أنه وقع منه طلاق أم لا.
وقوله فأجاب: أي الزوج بنعم.
وقوله فإقرار بالطلاق: أي لأنه صريح إقرار (قوله: ويقع) أي الطلاق عليه.
وقوله ظاهرا: أما باطنا فلا يقع.
وقوله إن كذب: أي في إقراره بقوله: نعم (قوله: ويدين) أي يعمل بدينه باطنا.
وفي البجيرمي: التديين لغة أن يوكل إلى دينه، واصطلاحا عدم الوقوع فيما بينه وبين الله أن كان صادقا على الوجه الذي أراده.
اه (قوله: وكذا إلخ) أي وكذا يقع عليه الطلاق ظاهرا لو جهل الزوج حال السؤال: أي هل أراد السائل به التماس الإنشاء أو الاستخبار.
وفي سم ما نصه: فرع: لو قصد السائل بقوله: أطلقت زوجتك الإنشاء فظنه الزوج مستخبرا، وبالعكس فينبغي اعتبار ظن الزوج وقبول دعواه ظن ذلك.
اه (قوله: فإن قال) أي في صورة الإقرار.
وقوله أردت: أي بقولي نعم طلاقا سابقا وقد راجعت الآن (قوله: صدق بيمينه) جواب إن (قوله: لإحتماله) أي ما يدعيه (قوله: ولو قيل لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا) أي وكان القائل ملتمسا الإنشاء أو مستخبرا كالذي قبله والفرق بينهما بالتقييد بثلاثا في هذه دون تلك (قوله: فقال) أي الزوج
طلقت.
وقوله وأراد واحدة: أي قال إني أردت طلقة واحدة: أي منشأة أو إقرارا (قوله: صدق بيمينه) أي في أنه طلق طلقة واحدة (قوله: لأن طلقت محتمل للجواب) وعليه يقع الطلاق ثلاثا تنزيلا للجواب على السؤال.
وقوله والابتداء: وعليه لا يقع شئ أصلا ولما احتمل ما ذكر صار كناية في الطلاق، وفي العدد أيضا.
فإذا نوى طلقة واحدة وقعت لا غير ويصدق في ذلك بيمينه (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل احتمال ما ذكر الجواب والابتداء (قوله: لو قالت) أي لزوجها.
وقوله فقال: أي الزوج.
وقوله ولم ينو عددا: أي لا واحدة ولا أكثر (قوله: فواحدة) أي فتقع طلقة واحدة وذلك لاحتمال قوله لها: طلقتك الجواب والابتداء ولا يتعين للجواب وإلا وقع ثلاثا لا غير، ولا يقال هنا لما احتمل ما ذكر صار كناية في الطلاق لأنه صريح فيه مطلقا - سواء نوى به الجواب أو الابتداء - وإنما يقال فيه لما احتمل الابتداء لم يختص بعدد، فهو بحسب النية إن نوى شيئا تعين وإن لم ينو شيئا يحمل على أقل المراتب وهو طلقة واحدة ونصه: ولو قالت طلقني ثلاثا فقال: طلقتك ولم ينو عددا فواحدة، وفيه نظر.
قال في شرحه: لأن الجواب منزل على السؤال فينبغي وقوع ثلاث - كما مر - فيما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية طلقت، وقد يجاب عنه بأن السائل في تلك مالك للطلاق بخلافه في ذلك.
اه (قوله: ولو قال) أي الزوج.
وقوله ابنتك طالق: مقول القول (قوله: وقال) أي الزوج وقوله أردت بنتها الأخرى: أي التي هي ليست زوجته، فإن لم يقل ذلك لا يصدق فتطلق عليه زوجته (قوله: صدق بيمينه) أي فلا تطلب عليه زوجته وذلك لصلاحية اللفظ لهما.
واستشكل ذلك بما لو أوصى بطبل من طبوله فإنه ينصرف للصحيح.
وأجيب بأنهما على حد واحد لأن ذاك حيث لا نية له وهنا إذا لم تكن له نية ينصرف لزوجته (قوله: كما لو قال لزوجته إلخ) الكاف للتنظير.
أي نظير ما لو قال: لزوجته وأجنبية إحداكما طالق: أي فإن يصدق بيمينه ولا تطلق عليه زوجته (قوله: وقال قصدت الأجنبية) فإن لم يقل ذلك طلقت عليه زوجته كالذي قبله قال في التحفة: نعم إن كانت الأجنبية مطلقة منه أو من غيره لم ينصرف لزوجته على ما بحثه الإسنوي لصدق اللفظ عليهما صدقا واحدا مع أصل بقاء الزوجية.
اه (قوله: لتردد اللفظ الخ) علة لتصديقه بيمينه فيما لو قال لزوجته وأجنبية ما ذكر: أي وإنما صدق بيمينه لتردد اللفظ وهو إحداكما(4/15)
بين زوجته والأجنبية فصحت إرادتها: أي الأجنبية.
وفي بعض النسخ إرادته - بضمير المذكر - وعليه يكون الضمير عائدا على الزوج، ومتعلق إرادة محذوفا: أي إرادته للأجنبية.
ويصح على هذا أيضا أن تكون العلة للمسألتين المنظرة، والمنظر بها إلا أنه يجعل المتعلق شيئين الأجنبية وبنت أم زوجته (قوله: بخلاف ما لو قال) أي ابتداء وبعد سؤال طلاق.
وقوله زينب طالق: أي ولم يرفع في نسبها ما تتميز به.
اه.
مغني (قوله: وقصد أجنبية) أي وقال لم أقصد زوجتي، بل قال قصدت أجنبية اسمها زينب (قوله: فلا يقبل قوله) أي الزوج في إرادته الأجنبية، وذلك لأنه خلاف المتبادر (قوله: بل يدين) أي فيما بينه وبين الله تعالى لإحتماله وإن بعد قال في التحفة بعده: إذ الاسم العلم لا اشتراك ولا تناول فيه وضعا، فالطلاق مع ذلك لا يتبادر إلا إلى الزوجة، بخلاف إحداكما فإنه يتناول الأجنبية كما يتناول الزوجة وضعا تناولا واحدا فأثرت فيه نية الأجنبية.
اه.
بتصرف (قوله: مهمة) أي في بيان ما لو أبدل حرفا من لفظ الطلاق بآخر (قوله: ولو قال عامي إلخ) خرج به الفقيه، فما ذكره كناية فيه مطلقا سواء كان ت لغته كذلك أم لا.
وقوله أعطيت تلاق الخ: في سم (فرع) لو قال: أنت دالق بالدال فيمكن أن يأتي فيه ما يأتي في تالق بالتاء لأن الدال والطاء أيضا متقاربان في الإبدال، إلا أن هذا اللفظ لم يشتهر في الألسنة كاشتهار تالق، فلا يمكن أن يأتي فيه القول بالوقوع مع فقد النية.
اه (قوله: وقع به) أي باللفظ المذكور بالطلاق (قوله: وكان) أي اللفظ المذكور.
وقوله صريحا في حقه: أي العامي.
وأطلق م ر أنه كناية، وقال: بناء على أن الاشتار لا يلحق غير الصريح به بل كان القياس عدم الوقوع.
ولو نوى لإختلاف مادتهما: إذ التلاق من التلاقي، والطلاق الافتراق.
اه (قوله: إن لم يطاوعه لسانه الخ) قيد في صراحة هذا اللفظ.
وقوله: إلا على هذا اللفظ المبدل: أي الحرف المبدل عن غيره كالتاء في المثال الأول بدل الطاء (قوله: وإلا) أي بأن طاوعه لسانه على الصواب ولم يكن ممن لغته كذلك فهو كناية (قوله: لأن ذلك الإبدال له أصل في اللغة) علة لوقوع الطلاق باللفظ المبدل مطلقا صريحا كان أو كناية وإن كان المتبادر من صنيعه أنه راجع لما بعد وإلا.
وفي التحفة بعد التعليل المذكور ما نصه: يؤيده إفتاء بعضهم فيمن حلف لا يأكل البيظ - بالظاء المشالة - بأنه يحنث بنحو بيض الدجاج إن كان من قوم ينطقون بالمشالة في هذا أو نحوه.
اه.
وفي سم ما نصه في فتاوى السيوطي بسط كبير فيمن قال لزوجته: أنت تالق ناويا به الطلاق هل يقع به طلاق؟ قال: فأجبت الذي عندي أنه إن نوى به الطلاق وقع سواء كان عاميا أو فقهيا ولا يقال: إنه بمنزلة ما لو قال: أنت تالق فإنه لا يقع به شئ لأن حرف التاء قريب من مخرج الطاء ويبدل كل منهما من الآخر في كثير من الألفاظ فأبدلت التاء طاء في قولهم طرت يده وترت: أي سقطت وضرب يده بالسيف فأطرها وأترها: أي قطعها وأبدلت التاء طاء في نحو مصطفى ومضطر، ثم أيد الوقوع من المنقول بمسألة ما إذا اشتهر اللفظ للطلاق كالحلال علي قال: ولا يظن أحد اختصاصه بلفظ الحلال على حرام ونحوه فإنما ذكر هذه على سبيل التمثيل.
فالضابط لفظ يشتهر في بلد أو فريق استعماله في الطلاق، وهذا اللفظ اشتهر في ألسنة العوام استعماله فيه فهو كناية في حقهم عند النووي
وصريح عند الرافعي، وأما في حق غيرهم من الفقهاء.
وعوام بلد لم يشتهر عندهم ذلك في لسانهم فكناية، ولا يأتي.
قوله بأنه صريح قال: وأما من قال: إن تالقا من التلاق - وهو معنى غير الطلاق - فكلامه أشد سقوطا من أن يتعرض لرده، فإن التلاق لا يبنى منه وصف على فاعل.
اه.
وقوله: وأما من قال الخ يرد كلام م ر السابق (قوله: ويقع بكناية) أصل المتن وبكناية، فهو معطوف على قوله: سابقا بصريح وهو مقابل له وتقدير الشارح لفظ يقع حل معنى لا إعراب لأن متعلقه مذكور وهو يقع أول الفصل والكناية في اللغة الخفاء والإيماء إلى الشئ من غير تصريح به، فلما كانت الألفاظ(4/16)
الآتية فيها خفاء وإيماء إلى الطلاق من غير تصريح به سميت كناية (قوله: وهي ما يحتمل الطلاق وغيره) أي الكناية لفظ يحتمل الطلاق، ويحتمل غير الطلاق، لكن احتماله للأول أقرب.
وفي ترغيب المشتاق ضابط الكناية أن يكون للفظ إشعار قريب بالفرقة ولم يسمع استعماله فيه شرعا.
اه.
وذلك كقوله: أنت برية فإنه يحتمل الطلاق لكون المراد برية من الزوج ويحتمل غير الطلاق لكون المراد برية من الدين أو من العيوب وهكذا.
وخرج بذلك ما لا يحتمل ما ذكر نحو قومي واقعدي وأطعميني واسقيني وزوديني وما أشبه ذلك فلا يقع به طلاق وإن نواه لأن اللفظ لا يصلح له (قوله: إن كانت مع نية الخ) قيد في وقوع الطلاق بالكناية: أي يقع الطلاق بالكناية إن كانت مع نية لإيقاع الطلاق زاد في التحفة: ومع قصد حروفه أيضا، ثم قال: فإن لم ينو ذلك لم يقع إجماعا سواء الكناية الظاهرة، وهي المقترن بها قرينة كأنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا - وغيرها - كلست لي بزوجة إلا إن وقع في جواب دعوى فإنه إقرار.
وقد يؤخد من ذلك ما بحثه ابن الرفعة أن السكران لا ينفذ طلاقه بها لتوقفه على النية وهي مستحيلة منه، فمحل نفوذ تصرفه السابق إنما هو بالصرائح فقط، ولك أن تقول شرط الصريح أيضا قصد لفظه مطلقا أو لمعناه كما تقرر والسكران يستحيل عليه قصد ذلك أيضا، فكما أوقعوه به ولم ينظروا لذلك فكذا هي.
اه.
بتصرف.
وكتب سم قوله: قصد لفظه الخ.
قد يقال: المراد بهذا الشرط عدم الصارف لا حقيقة القصد، فلا دليل فيه لما ذكره، ولا وجه للإيقاع عليه بالكناية ما لم يقر بأنه نوى، وهو مراد ابن الرفعة.
اه.
(قوله: مقترنة بأولها) أي وإن عزبت في آخرها استصحابا لحكمها في باقيها.
وخرج بقوله: أولها آخرها فلا يكفي اقتران النية به لأن انعطافها على ما مضى بعيد (قوله: ورجح في أصل الروضة الخ) ورجح في المنهاج اشتراط الإقتران بكل اللفظ.
وعبارته: وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ.
قال في المغني: فلو قارنت أوله وعزبت قبل آخره لم يقع طلاق.
اه.
فتحصل أن الأقوال ثلاثة، وقد صرح بها كلها في فتح الجواد مع الأصل وعبارتهما: وشرط تأثير
الكناية أن يكون لفظها مصحوبا بنية للطلاق إجماعا، وأن تكون النية قد قارنت أوله.
وفي المنهاج جميعه.
وفي أصل الروضة تكفي مقارنتها ولو لآخره، وصحح كلا جماعة - كما بينته في الأصل - مع بيان أن الأخير هو الأوجه.
وتعليل الأول بأن انعطافها على ما مضى بعيد، بخلاف استصحاب ما وجد يجاب عنه بأن هذا إنما ينظر إليه في العبادات، وأما غيرها فالقصد صون اللفظ عن نحو الهذيان، وصونه يحصل باقتران النية بجزء من أجزائه فليس هنا انعطاف يستبعد وأن الأوجه أيضا أن اللفظ المختلف في الإقتران به هو جميع أنت بائن مثلا لا بائن فقط.
اه.
(قوله: وهي) أي الكناية (قوله: كأنت الخ) أتى بالكاف لأن كنايات الطلاق لا تنحصر فيما ذكر، بل هي كثيرة والضابط فيها كل لفظ أشعر بالفرقة إشعارا قريبا ولم يسمع استعماله فيه شرعا ولا عرفا، ثم إن الشارح أتى في جميع هذه الكنايات بالمعنى الموقع للطلاق وترك الاحتمال الآخر لأن الأول هو المقصود (قوله: أو حرمتك) جملة فعلية، ويقرأ الفعل بتشديد الراء المفتوحة (قوله: ولو تعارفوه طلاقا) أي أن ما ذكر من قوله أنت علي حرام وما بعده كناية وإن اشتهر عندهم في الطلاق، وذلك لأن التحريم قد يكون بغير الطلاق.
وقوله خلافا للرافعي: أي حيث قال أنه صريح في الطلاق إن اشتهر.
وعبارة المنهاج: ولو اشتهر لفظ للطلاق كالحلال أو حلال الله علي حرام فصريح في الأصح.
قلت: الأصح انه كناية والله أعلم.
قال في التحفة: أي لأنه لم يتكرر في القرآن للطلاق ولا على لسان حملة الشريعة.
اه.
(قوله: ولو نوى تحريم عينها) أي نوى بقوله: أنت علي حرام وما بعده تحريم عينها أو فرجها أو وطئها أي أو رأسها أو رجلها ولم ينو به الطلاق (قوله: لم تحرم) أي لما روى النسائي أن ابن عباس سأله من قال ذلك فقال كذبت: أي ليست زوجتك عليك بحرام ثم تلا أول سورة التحريم.
اه.
تحفة (قوله: وعليه مثل كفارة يمين) أي وعلى من قال: أنت علي حرام ونوى تحريم عينها أو وطئها، أو نحو ذلك مثل(4/17)
كفارة اليمين حالا وإن لم يطأها بعد ذلك: كما لو قاله لأمته أخذا من قصة مارية رضي الله عنها النازل فيها قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم) * الآية على الأشهر عند أهل التفسير كما قاله البيهقي، روى النسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها أي وهي مارية أم ولده إبراهيم فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله تعالى: * (لم تحرم ما أحل الله لك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي أوجب عليكم كفارة كالكفارة التي تجب في الإيمان.
وقال البيضاوي: تحلة أيمانكم أي تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة الخ، وإنما قال: وعليه مثل الخ، لأن هذا اللفظ ليس يمينا إذ اليمين ما كانت بأسماء الله وصفاته ومحل وجوبها في غير نحو رجعية ومعتدة ومحرمة كأخته المملوكة
له، وذلك لصدقه في وصفهن بالتحريم (قوله: ولو قال: هذا الثوب أو الطعام) أي أو نحوهما من كل ما ليس ببضع.
وقوله: فلغو لا شئ فيه أي لا كفارة فيه ولا غيرها.
وعبارة الروض وشرحه: ولو حرم الشخص غير الأبضاع كأنه قال: هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي فلا كفارة عليه.
بخلاف الأبضاع لاختصاصها بالإحتياط ولشدة قبولها التحريم بدليل تأثير الظهار فيها دون الأموال وكالأموال - فيما يظهر - قول الشخص: لغير زوجة ولا أمة له أنت حرام علي.
اه.
وفي المعنى لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة - كما علم مما مر - ويكفيه كفارة واحدة، كما لو حلف لا يكلم جماعة وكلمهم.
اه (قوله: وأنت خلية أي من الزوج) ويحتمل خلية من المال أو من العيال فإذا قصد الطلاق وقع وإلا فلا.
وقوله أو بريئة منه: أي الزوج ويحتمل من الدين أو العيوب فلا يقع إلا إن قصده (قوله: وبائن) هو اللغة الفصحى والقليل بائنة.
وقوله أي مفارقة.
بيان للمعنى المقصود هنا وهو بصيغة اسم المفعول من الفراق.
ويحتمل أنه من البين وهو البعد لبعد مكانها عنه فلا يقع به الطلاق إلا إن قصده (قوله: وكأنت حرة) إنما كان كناية لصلاحيته للمراد وهو زوال ملكه عنها الذي هو الانتفاع بالبضع، ولغير المراد وهو زوال الملك عنها بالعتق مثلا.
فإذا قصد المعنى الأول الذي هو معنى الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: ومطلقة بتخفيف اللام) أي المفتوحة أو المكسورة.
وقوله أو أطلقتك: إنما كان مع الذي قبله من الكناية لاحتمالهما الإطلاق من الوثاق والإطلاق من عصمة النكاح، فإذا قصد المعنى الثاني وقع وإلا فلا (قوله: وأنت كأمي أو بنتي أو أختي) أي في العطف والحنو أو في التحريم: أي أنت محرمة علي لأني طلقتك كتحريم أمي الخ، فإذا قصد إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: وكيا بنتي الخ) قال في: شرح الروض: وإنما لم يكن صريحا لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة.
اه.
وقوله: لممكنة كونها بنته: أي قال: يا بنتي لزوجة ممكنة كونها بنته.
وقوله باحتمال السن: أي بأن يمكن أن مثله يولد له مثلها.
وقوله وإن كانت معلومة النسب: أي من غيره وهو غاية، لكون يا بنتي من ألفاظ الكناية (قوله: وكأعتقتك) .
اعلم أن كل لفظ صريح أو كناية في الإعتاق كناية في الطلاق وكل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية في الإعتاق وذلك لدلالة كل منهما على إزالة ما يملكه وقوله: وتركتك أي لأني طلقتك ويحتمل تركتك من النفقة.
وقوله وقطعت نكاحك: أي لأني طلقتك ويحتمل قطعت الوطئ عنك.
وقوله: وأزلتك أي من نكاحي لأني طلقتك ويحتمل أزلتك من داري.
وقوله وأحللتك: يحتمل أحللتك للأزواج لأني طلقتك ويحتمل أحللتك من الدين الذي لي عندك فقول الشارح: أي للأزواج بيان للإحتمال الأول المراد هنا وقوله: وأشركتك مع فلانة يحتمل الطلاق ويحتمل أشركتك معها في المال أو
في الدار.
وقوله: وقد طلقت أي فلانة والجملة حالية.
وقوله منه: أي من القائل لزوجته ما ذكر.
وقوله أو من غيره: أي
__________
(1) سورة التحريم، الاية: 1.
(2) سورة التحريم، الاية: 1.(4/18)
زوج غيره (قوله: وكتزوجي) أي لأني طلقتك ويحتمل من التزوج وهو مطلق الإختلاط: أي اختلطي وامتزجي بي (قوله: وأنت حلال لغيري) أي لأني طلقتك، ويحتمل إذا طلقتك في المستقبل فأنت حلال لغيري أو أنت حلال لغيري من قبل أن أتزوج بك (قوله: بخلاف قوله للولي زوجها فإنه صريح) أي في الإقرار بالطلاق ليوافق ما قدمه من أن قوله للولي ما ذكر إقرار بالطلاق ويفيد هذا ما صرح به في النهاية من أن عندهم ألفاظا يجعلونها كناية في الإقرار ونصها: وفي قوله: بانت مني أو حرمت علي كناية في الإقرار به.
وقوله لوليها زوجها: إقرار بالطلاق.
وقوله لها تزوجي وله زوجنيها: كناية فيه.
اه.
وقوله فيه: قال ع ش: أي في الإقرار.
اه (قوله: واعتدي أي لأني طلقتك) ويحتمل اعتدي من الغير الواطئ بشبهة مثلا، أو أن اعتدي بمعنى عدي الأيام مثلا كاعتد عليهم بالسخلة.
اه.
ش ق (قوله: وودعيني من الوداع) أي لأني طلقتك، ويحتمل اجعلي عندي وديعة (قوله: وكخذي طلاقك) يحتمل الطلاق الذي هو حل عصمة النكاح ويحتمل الطلاق الذي هو فك الوثاق وقوله: ولا حاجة لي فيك: يحتمل لأني طلقتك - كما قاله الشارح - ويحتمل لأني قضيت حاجتي بنفسي من غير احتياج إليك (قوله: ولست زوجتي) أي لأني طلقتك فنفي الزوجية مترتب على الإنشاء الذي نواه، ويحتمل لا أعاملك معاملة الزوجة في النفقة عليك، والقسم مثلا بل أترك ما ذكر، فالمراد نفي بعض آثار الزوجية.
فلما احتمل ما ذكر - ولو كان احتمالا غير ظاهر - احتاج لنية الايقاع.
وقوله إن لم يقع: في جواب دعوى بأن قال ذلك ابتداء.
وقوله وإلا فإقرار: أي وإن وقع في جواب دعوى بأن ادعت عليه بأنها زوجته لتطلب منه النفقة فأنكر وقال: لست بزوجتي فيكون اقرارا بالطلاق.
قال سم: هل يشترط وقوع الدعوى عند الحاكم؟ اه.
قال ع ش: أقول الظاهر أنه لا يشترط الخ.
اه.
وكتب الرشيدي على قول م ر فإقرار ما نصه: ربما يأتي في الدعاوى والبينات ما يخالف هذا فليراجع.
انتهى.
عبارته هناك: ولو ادعت زوجية رجل فأنكر فحلفت اليمين المردودة ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له اصابتها لأن إنكار النكاح ليس بطلاق.
قاله الماوردي: ومحل حل اصابتها باعتبار الظاهر لا الباطن إن صدق في الإنكار.
اه.
وقوله لأن إنكار الخ: هذا هو محل المخالفة (قوله: وذهب طلاقك) يحتمل أن المراد خرج وجرى مني طلاقك إن فعلت كذا، ويحتمل أن المراد ذهب عني فلا أريده بعد أن كنت مصمما عليه.
وقوله أو سقط طلاقك: يحتمل
أن المراد سقط وطرح من لساني الطلاق: أي إني طلقتك، ويحتمل أن المراد سقط عني طلاقك: أي لا يقع على.
وقوله إن فعلت كذا: راجع للصورتين.
والتاء يحتمل أن تكون تاء المتكلم ويحتمل أن تكون تاء المخاطبة (قوله: وكطلاقك واحد وثنتان) يحتمل أن المراد الإخبار بأن الطلاق الذي تبينين به واحد وثنتان، ويحتمل أن المراد إنشاء طلاقك واحد وثنتان: أي إني أنشأت طلاقك بالثلاث (قوله: فإن قصد به الإيقاع الخ) يحتمل أنه راجع لقوله: وكطلاقك واحد وثنتان وهو المتبادر من صنيعه، ويحتمل أنه راجع لجميع ما تقدم من ألفاظ الكناية، وعليه فضمير به يعود على المذكور (قوله: وكلك الطلاق) أي فإنه كناية وقوله أو طلقة أي أو لك طلقة فإنه كناية (قوله: وكذا سلام عليك) أي فإنه كناية.
وقوله على ما قاله ابن الصلاح: أي معللا له بأنه يقال عند الفراق.
اه.
مغني (قوله: ونقله شيخنا في شرح المنهاج) لم ينقله عن أحد - كما يعلم من عبارته - ونصها: وسلام عليك وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما.
اه.
وبقي من ألفاظ الكناية تجردي وتزودي واخرجي وسافري وتقنعي وتستري وبرئت منك والزمي أهلك ونحو ذلك (قوله: لا منها الخ) أي ليس من ألفاظ الكناية مثل طلاقك عيب أو نقص وقلت كلمتك أو أعطيت كلمتك أو حكمك وليس منها أيضا نحو قومي واقعدي(4/19)
وأغناك الله وأحسن الله جزاءك واغزلي والباب مفتوح، وذلك لعدم إشعارها بالفرقة إشعارا قريبا فلا يقع بها طلاق وإن نواه (قوله: فلا يقع به) أي بما ذكر.
ولو قال بها - أي بالألفاظ المذكورة من قوله لا منها الخ - لكان أنسب بما بعده فإنه فيه أنث الضمير (قوله: وإن نوى الخ) غاية في عدم وقوع الطلاق بالألفاظ المذكورة.
وقوله بها: متعلق بما بعده ويحتمل أنه متعلق بنوى (قوله: لأنها الخ) تعليل لعدم الوقوع: أي وإنما لم يقع بها الطلاق وإن نواه لأنها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف، بل هي من الكنايات التي تحتمل الطلاق بتعسف، وشرط الكناية الأولى - كما تقدم عن ترغيب المشتاق والتعسف هو ارتكاب الأمور الشاقة (قوله: ولا أثر الخ) أي ولا عبرة باشتهار هذه الألفاظ التي ليست من الكنايات في الطلاق في بلدة من قطر (قوله: ولو نطق بلفظ من هذه الألفاظ الملغاة) أي التي ليست من الكنايات، وذلك كطلاقك عيب وما بعده (قوله: فقال له الآخر:) الأولى حذف أل.
وقوله مستخبرا: أي طالبا الإخبار.
وخرج به ما إذا قال ذلك: ملتمسا إنشاء الطلاق فإنه يقع بقوله نعم (قوله: ظانا الخ) حال من فاعل قال العائد على الزوج: أي قال الزوج نعم ظانا أن الطلاق يقع باللفظ الذي نطق به أولا، وهو طلاقك عيب مثلا (قوله: لم يقع) أي الطلاق بقوله نعم ظانا ما ذكر، وهو جواب لو (قوله: كما أفتى به) أي بعدم الوقوع شيخنا (قوله: وسئل البليقني الخ) تأييد لفتوى شيخه المذكورة (قوله:
عما لو قال لها) أي لزوجته.
وقوله: أنت علي حرام: مقول القول (قوله: وظن) أي الزوج.
وقوله أنها طلقت به ثلاثا أي بقوله لها أنت علي حرام (قوله: فقال لها: أنت طالق ثلاثا) أي بعد قوله لها أولا: أنت علي حرام.
وقوله ظانا الخ: حال من فاعل قال: أي قال الزوج: أنت طالق ثلاثا حالة كونه ظانا وقوع الطلاق الثلاث بالعبارة الأولى: أي قوله: أنت علي حرام (قوله: فأجاب) أي البلقيني.
وقوله بأنه: أي الزوج (قوله: لا يقع عليه طلاق بما أخبر به ثانيا) في بعض نسخ الخط بانيا بالباء الموحدة وهي أنسب بقوله: على الظن المذكور، وعلى ما في معظم النسخ من أنه بالثاء المثلثة يكون قوله: على الظن المذكور متعلقا بحال محذوفة وتقدر بانيا.
وخرج به ما إذا قال ذلك لا بانيا له على الظن المذكور فيقع به الطلاق ثلاثا لأنه صريح به (قوله: ويجوز لمن ظن صدقه) أي الزوج في قوله: إنه قال: أنت طالق ثلاثا بناء على الظن المذكور.
وقوله أن لا يشهد عليه: أي بوقوع الطلاق ثلاثا (قوله: فرع) أي في بيان أن الكتابة كناية سواء صدرت من ناطق أو من أخرس، فإن نوى بها الطلاق وقع لأنها طريق في إفهام المراد - كالعبارة - ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق أن يكتب إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك (قوله: لو كتب) أي إلى زوجته أو إلى وليها.
وفي المغني ما نصه: تنبيه: احترز بقوله: كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق وإن نوى الزوج، كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته: أنت بائن، ونوى خلافا للصيمري في قوله أنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره.
اه وقوله صريح طلاق: أي كطلقتك أو طلقت بنتك.
وقوله أو كنايته: أي كأنت خلية أو بنتك خلية مني (قوله: ولم ينو إيقاع الطلاق) أي بما كتبه.
وخرج به ما(4/20)
إذا نواه من غير تلفظ به فإنه يقع على الأظهر - كما في المنهاج - ونصه: فإن نواه فالأظهر وقوعه.
قال في المغني: لأن الكناية طريق في إفهام المراد، وقد اقترنت بالنية ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ.
اه (قوله: فلغو) أي فالمكتوب لغو لأن الكتابة تحتمل النسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها (قوله: ما لم يتلفظ الخ) قيد في كون المكتوب لغوا، وخرج به ما لو تلفظ به مع عدم النية فإنه يقع.
وقوله بصريح ما كتبه: أي بما كتبه الصريح في الطلاق، فالإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف.
وأفاد به أنه إذا تلفظ بالمكتوب الكنائي ولم ينو إيقاع الطلاق لا يقع وهو كذلك إذ الكناية محتاجة إلى النية مطلقا - سواء كتبت أولم تكتب - فتحصل أن التلفظ بالمكتوب من غير نية يقع به الطلاق إذا كان صريحا، فإن كان كناية فلا بد مع التلفظ به من النية (قوله: نعم، يقبل الخ) تقييد لوقوع الطلاق بالتلفظ بالمكتوب من غير نية: أي أن محل الوقوع بما ذكر عند عدم النية إذا لم يقل أردت قراءة المكتوب لا إنشاء الطلاق، وإلا صدق
بيمينه لاحتمال ما قاله.
أما إذا نوى عند الكتابة إيقاع الطلاق ثم تلفظ به وقال أردت قراءة المكتوب فلا يفيد قوله المذكور شيئا.
إذ العبرة بالنية فيقع عليه الطلاق.
واعلم أن الخلاف السابق في اقتران النية بأول الكناية أو جميعها أو بأي جزء يجري في الكتابة أيضا.
نتبيه: تعرض للكتابة ولم يتعرض للإشارة.
وحاصله أن إشارة الأخرس بالطلاق يعتد بها سواء كان قادرا على الكتابة أم لا، وسواء كان خرسه عارضا أو أصليا.
ثم إن فهم طلاقه بها كل أحد كأن قيل له: طلق فأشار بثلاث أصابع فصريحة وإن اختص بفهم الطلاق منها فظنون فكناية - وإن انضم إليها قرائن - وقيل إن لم يفهمها أحد فلغو.
وتعرف نية الأخرس فيما إذا كانت إشارته كناية بإشارة أخرى أو كتابة.
ومثل الطلاق في ذلك سائر العقود.
والحلول كالفسخ والعتق والأقارير والدعاوي وغيرها.
نعم: لا يعتد بها في الشهادة والصلاة والحنث.
وقد نظمها بعضهم في قوله: إشارة الأخرس مثل نطقه فيما عدا ثلاثة لصدقه في الحنث والصلاة والشهادة تلك ثلاثة بلا زيادة يعني لو حلف أن لا يتكلم فأشار بذلك لم يحنث أو شهد بالإشارة لا تقبل لأنها يحتاط لها أو أشار في صلاته لا تبطل صلاته فلو باع في صلاته بالإشارة انعقد البيع ولا تبطل صلاته.
وبه يلغز ويقال: لنا إنسان يبيع ويشتري في صلاته عامدا عالما ولا تبطل صلاته.
ويتصور الحلف على عدم الكلام مع أنه أخرس فيما إذا كان الخرس طارئا على الحلف به (قوله: ولا يلحق الكناية بالصريح) أي لا يجعلها من الصريح بحيث لا تحتاج إلى نية.
وقوله: طلب المرأة الطلاق: أي تقدم طلب المرأة للطلاق على اللفظ الكنائي بأن تقول له: طلقني فيقول لها: أنت برية مثلا (قوله: ولا قرينة غضب) الإضافة بيانية: أي ولا يلحقها به قرينة هي غصب (قوله: ولا اشتهار الخ) أي ولا يلحقها به أيضا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات في الطلاق كأنت حرام علي (قوله: وصدق منكر نية) أي أو مثبتها بدليل التفريع الآتي.
وقوله بيمينه، متعلق بصدق (قوله: في أنه الخ) متعلق بيمينه، وفي بمعنى على: أي يصدق بخلفه على أنه ما نوى بالكناية الطلاق (قوله: فالقول الخ) في معنى التعليل لما قبله.
ولو قال: لأن القول الخ لكان أولى (قوله: إثباتا ونفيا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف أي فالقول في إثبات النية أو نفيها.
وقوله: قول الناوي: الأنسب قول المتلفظ بالكناية، إذ قال في حالة النفي لا يسمى ناويا (قوله: إذ لا تعرف) أي النية، وهو تعليل لكون القول في النية قول الناوي.
وقوله إلا منه: أي من الناوي (قوله: فإن لم تمكن الخ) مقابل لمحذوف: أي هذا إن أمكن معرفة نيته فإن لم تمكن الخ.
وقوله مراجعة(4/21)
نيته: الإضافة لأدنى ملابسة أي مراجعته في نيته.
ولو قال: معرفة نيته لكان أولى.
وقوله: بموت الخ: الباء سببية متعلق بتمكن: أي لم تمكن بسبب موت أو فقد (قوله: لم يحكم الخ) جواب إن.
وقوله: بوقوع الطلاق، أي على من لم تمكن معرفة نيته لفقد أو موت (قوله: لأن الأصل بقاء العصمة) علة عدم الحكم عليه بوقوع الطلاق (قوله: فروع) أي سبعة، والفرع الأول منها قد صرح به في كلامه قبل قوله ويقع بكناية (قوله: من اسم زوجته فاطمة مثلا) أي أو هند أو عائشة (قوله: فقال) أي الزوج.
وقوله ابتداء: أي من غير تقدم سؤال أو جوابا: أي أو قال ذلك جوابا لطلبها الطلاق.
وقوله فاطمة.
طالق: مقول القول (قوله: وأراد غيرها) أي وقال: أردت فاطمة غير زوجتي (قوله: لم يقبل) أي على الأصح، وقيل يقبل - كما في الروض وشرحه - ونصهما: وإن قال: زينب طالق وأراد غير زوجته قبل إلا إن سبق استدعاؤها - كذا نقله الأصل هنا عن فتاوي القفال - والأصح عدم القبول - كما جزم به المصنف في الباب الخامس في الشك في الطلاق - اه.
(قوله: ومن قال لامرأته: يا زينب أنت طالق) أي ومن خاطب امرأته بقوله لها: يا زينب أنت طالق.
وقوله واسمها عمرة: أي والحال أن امرأته اسمها عمرة لا زينب (قوله: طلقت) أي امرأته عليه، وهو جواب من، وقوله للإشارة: أي المعنوية الحاصلة بالنداء إذ هو التوجه للمخاطب والإقبال عليه بحرف من حروف النداء (قوله: ولو أشار) أي الزوج أي بندائها.
وقوله وقال: يا عمرة لو قال بقوله يا عمرة لكان أولى: إذ الإشارة في المثال بالنداء وإن كان غير متعين (قوله: واسم زوجته عمرة) أي كالمشار إليها (قوله: لم تطلق) أي زوجته المسماة بعمرة لوجود القرينة الصارفة للفظ عنها وهي الإشارة إلى الأجنبية (قوله: مشيرا لإحدى امرأتيه) أي بأن قال: امرأتي هذه (قوله: وأراد الأخرى) أي وقال: أردت بأمرأتي طالق الأخرى لا المشار إليها (قوله: قبل بيمينه) قال: في شرح الروض: ولا يلزمه بالإشارة شئ، وقيل: لا يقبل بل تطلقان جميعا.
اه.
(قوله: ومن له زوجتان) من موصولة واقعة مبتدأ خبر قوله: قبل وصلة الموصول جملة له زوجتان (قوله: اسم كل واحدة منهما) : أي من زوجتيه (قوله: وعرف أحدهما) أي أحد الأبوين: أي اشتهر أحدهما.
وقوله بزيد: أي بدل محمد (قوله: فقال) أي الزوج.
وقوله فاطمة بنت محمد: الجملة مقول القول: أي قال هذا اللفظ.
وقوله ونوى بنت زيد: الجملة حالية.
أي قال: ذل ك حال كونه ناويا ببنت محمد بنت زيد (قوله: قبل) أي ما نواه، ومثله ما لو نوى بنت محمد الذي لم يشتهر بزيد.
فلو لم ينو بنت المشهور بزيد ولا بنت محمد الآخر بل أطلق أو قصد مبهمة لم تطلق عليه بنت محمد معينا بل يقع على إحداهما مبهمة ويلزمه البيان في الحالة الأولى والتعيين في الحالة
الثانية، كما صرح به في متن المنهاج في صورة من قال لزوجته: إحداكما طالق، وكما يستفاد من عبارة الروض وشرحه ونصهما: وإن كان أبو زوجتيه مسميين لمحمد وغلب على أحدهما عند الناس زيد فقال بنت محمد طالق لم تطلق بنت محمد معينا حتى يريد نفسه: أي المعين فتطلق بنته لأن العبرة في اسم الشخص بتسمية أبويه لا بتسمية الناس وقد تعدد الأسماء.
اه.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد لكن مع تصرف، كما يعلم من عبارته.
وقوله لم يقبل.
أي قول الزوج أردت بفاطمة غير زوجتي.
وقوله في المسألة الأولى: وهي من اسم زوجته فاطمة الخ (قوله: نعم يتجه قبول إراداته الخ) لم يستوجه هذا في التحفة، بل جعله أحد احتمالين على السواء ونصها: بعد قول المصنف ولو قال: زينب طالق وقال: قصدت الأجنبية فلا يقبل على الصحيح.
وهل يأتي بحث الأسنوي هنا فيقبل منه تعيين زينب التي عرف لها طلاق منه أو من غيره أو يفرق لأن المتبادر هنا لزوجته أقوى فلا يؤثر فيه ذلك؟ كل محتمل.
اه (قوله: ولو قال:) أي(4/22)
الزوج.
وقوله: زوجتي عائشة بنت محمد طالق: الجملة مقول القول.
وقوله وزوجته خديجة: أي والحال أن زوجته اسمها خديجة بنت محمد لا عائشة (قوله: طلقت) أي زوجته (قوله: لأنه لا يضر الخطأ في الإسم) عبارة التحفة إلغاء للخطأ في الإسم لقوله زوجتي الذي هو القوي بعدم الإشتراط فيه، ويؤيدها ما مر من صحة زوجتك بنتي زينب وليست له إلا بنت اسمها فاطمة لأن البنتية لا اشتراك فيها - بخلاف الاسم فإفتاء بعضهم بعدم الوقوع نظرا للخطأ في الإسم غير صحيح.
اه.
(قوله: ولو قال) أي الزوج وقوله لإبنه المكلف: خرج به ابنه غير المكلف.
فقوله: ما ذكر لا يحتمل التوكيل: إذ شرطه أن يكون الوكيل مكلفا (قوله: قل لأمك أنت طالق) الجملة مقول القول.
وقوله ولم يرد التوكيل: أي ولا الإخبار - كما هو ظاهر - فإن أراد أحدهما تعين.
وقوله: يحتمل التوكيل: أي توكيل ابنه بطلاق أمه، وهو جواب لو.
وقوله فإذا قاله: الضمير المستتر يعود على الابن، والبارز يعود على الموكل فيه - وهو الطلاق - بأن يقول لها: طلقتك أو أنت طالق (قوله: لها) أي لأمه.
وقوله طلقت: أي أمه بقول الابن لها ما ذكر.
وقوله كما تطلق: الكاف للتنظير.
وقوله به: أي بقول الابن لها ما ذكر.
وقوله: لو أراد التوكيل: أي لو أراد الأب عند الأمر التوكيل (قوله: ويحتمل أنها تطلق) أي بقول الأب لابنه ما ذكر ويكون الابن مخبرا لأمه بالحال التي وقعت منه وهي الطلاق، وكان الأنسب أن يقول - كما في الروض - ويحتمل الإخبار أي إخبار أمه بما وقع منه، فكأنه قال: يا بني أخبر أمك بأني طلقتها.
وعبارة الروض: وقوله: قل لأمك: أنت طالق: يحتمل التوكيل والأخبار.
وقال في شرحه: أي إنها تطلق ويكون الابن مخبرا لها بالحال.
اه.
(قوله: قال الأسنوي: ومدرك التردد) أي منشأ التردد بين الحمل على الوكالة والحمل على الإخبار.
وقوله: إن الامر بالامر بالشئ الخ: وذلك كأن يقول الأب مثلا لإبنه قل لأمك: سافري أو مر أمك فلتسافر فالأم مأمورة الابن وهو مأمور الأب، فإن جعلنا الأمر من الابن كصدوره من الآمر الأول، وهو الأب كان أيضا الأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار من الأب - كما في مثال الشارح - وهو قول الأب لإبنه: قل لأمك أنت طالق ففيه أمر الابن باخبار أمه بأنها طالق وهو بمنزلة قول الأب لها: أنت طالق فيقع الطلاق بمجرد قوله للابن ما ذكر وإن لم نجعله كصدوره من الآمر الأول فلا يكون الأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار منه فلا يقع عليه الطلاق بمجرد الأمر بل بقول الابن لأمه المأمور به.
وهذا هو الأقرب، لأن الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بطلك الشئ - كما هو مقرر في محله - (قوله: كان الأمر بالأخبار) أي الذي هو في مسألتنا (قوله: فيقع) أي الطلاق بمجرد قول الأب لإبنه: قل لأمك أنت طالق (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يجعل الامر بالامر بالشئ كصدوره من الأول فلا يكون الأمر بالأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار من الأب فلا يقع الطلاق بمجرد الأمر (قوله: قال الشيخ زكريا) أي في شرح الروض.
واعلم أن العبارة كلها من قوله ولو قال إلخ في الروض وشرحه وصنيعه يفيد خلافه.
وقوله وبالجملة: أي فأقول قولا متلبسا بجملة الكلام وحاصله.
وقوله فينبغي أن يستفسر: أي يطلب من الأب تفسير ما أراده عند أمر ابنه: هل هو التوكيل أو الأخبار؟ ويرد عليه أن الفرض أنه لم يرد شيئا عند الأمر فكيف يطلب منه ذلك، ويمكن أن يكون المراد يطلب منه تعيين أحد هذين الشيئين: إما التوكيل وإما الإخبار.
فالمراد من التفسير التعيين.
فتنبه (قوله: فإن تعذر استفساره) أي بموت أو فقد.
وقوله: عمل بالإحتمال الأول: وهو الحمل على التوكيل.
وقوله حتى لا يقع: أي لأجل أن لا يقع الطلاق.
فحتى تعليلية.
وقوله بقوله: أي قول الأب لإبنه ما ذكر.
وقوله: بل بقول الابن: أي بل يقع بقول الابن لأمه ما ذكر (قوله: لأن الطلاق لا يقع بالشك) علة لعدم وقوعه بقول الأب، وذلك الشك في كونه أراد التوكيل أم الأخبار (قوله: ولو قال إلخ)(4/23)
شروع في بيان تعدد الطلاق بنية العدد فيه.
وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة.
وقوله طلقتك: أي أو نحوه من سائر الصرائح كأنت طالق أو مسرحة أو مفارقة، وكذا الكناية، وذلك للخبر الصحيح إن ركانة طلق امرأته ألبتة ثم قال: ما أردت إلا واحدة فحلفه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وردها إليه.
دل على أنه لو أراد ما زاد عليها وقع، وإلا لم يكن لإستحلافه فائدة.
وقوله ونوى عددا: يأتي في نية العدد ما مر في نية أصل الطلاق في الكناية من اقترانها بكل اللفظ أو أوله أو أي جزء منه (قوله:
اثنتين) بدل من عددا.
وقوله أو واحدة: معطوف على اثنتين.
وأفاد به أن المراد بالعدد ما يشمل الواحد والأكثر لا المصطلح عليه (قوله: وقع منوي) قال في التحفة: لأن اللفظ لما احتمله بدليل جواز تفسيره به كان كناية فيه فوقع قطعا.
واستشكل بأنه لو نذر الإعتكاف ونوى أياما ففي وجوبها وجهان.
قال الزركشي: وكأن الفرق أن الطلاق تدخله الكناية - بخلاف الإعتكاف.
اه.
وليس - أي الفرق المذكور - بشاف، بل ليس بصحيح - كما هو ظاهر - والذي يتجه في الفرق أن التعدد في الأيام خارج عن حقيقة الإعتكاف الشرعية لأن الشارع لم يربطها بعدد معين، بخلاف التعدد في الطلاق فإنه غير خارج عن حقيقته الشرعية، فكان المنوي هنا داخلا في لفظه لإحتماله له شرعا، بخلافه ثم فإنه خارج عن لفظه، والنية وحدها لا تؤثر في النذر.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله والذي يتجه في الفرق الخ.
قد يناقش في هذا الفرق بأنه لاخفاء أن معنى كونه نوى أياما أنه نوى الإعتكاف في تلك الأيام والإعتكاف في تلك الأيام غير خارج عن حقيقة الإعتكاف كعدم خروج العدد عن حقيقة الطلاق.
فليتأمل.
اه (قوله: ولو في غير موطوءة) تعميم في وقوع ما نواه: أي يقع ما نواه من عدد الطلاق فيمن طلقها مطلقا سواء كانت مدخولا بها أم لا (قوله: فإن لم ينوه) أي عددا لا واحدا ولا أكثر.
وقوله وقع طلقة واحدة: أي وقع عليه طلقة واحدة (قوله: ولو شك في العدد الخ) مثله الشك في أصل الطلاق ولو صرح به كغيره لكان أولى.
وعبارة المنهاج مع التحفة: شك في أصل طلاق منجزا ومعلق هل وقع منه أو لا؟ فلا يقع إجماعا، أو في عدده بعد تحقق أصل الوقوع فالأقل لأنه اليقين.
ولا يخفى الورع في الصورتين، وهو الأخذ.
بالأسوأ.
اه.
- قوله الملفوظ: أي كأن شك في التلفظ بواحدة أو باثنتين.
وقوله أو المنوي: أي بأن شك في أنه نوى في قوله: طلقتك وقوع طلقة أو أكثر (قوله: فيأخذ بالأقل) أي له ذلك.
وقوله: ولا يخفى الورع: أي وهو الأخذ بالاسوأ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن شك في وقوع طلقتين منه أو ثلاث فالإحتياط جعلها ثلاثا، ولا ينكحها حتى تنكح زوجا غيره (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو قال) أي الزوج.
وقوله طلقتك واحدة وثنتين: مقول القول (قوله: فيقع به الثلاث) محله إن قال: لمدخول بها، وإن كان ظاهر صنيعه يفيد الاطلاق حيث قيد في المسألة الثانية بالمدخول بها ولم يقيد به هنا فإن قاله لغيرها تقع واحدة فقط لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ وعبارة متن الإرشاد مع شرحه: لو قال: لموطوءة أنت طالق واحدة بل ثنتين أو عكسه وقع عليه ثلاث.
اه.
وفي الروض وشرحه: ولو قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو قال: أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وكذا لو لم يكرر أنت فيقع به الثلاث لكن إن قصد الاستئناف أو أطلق: فإن قصد تأكيد الأولى بالأخريين فواحدة، أو تأكيدها بالثانية فقط أو تأكيد الثانية بالثالثة فثنتان.
فإن قصد تأكيد
الأولى بالثالثة فثلاث لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد والشرط التوالي.
ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أو أنت طالق وطالق فطالق، أو بل طالق فثلاث يقعن، ولا يقبل منه إرادة التوكيد لوجود العلة المقتضي للمغايرة.
ومحل هذا كله في المدخول بها أيضا.
أما غيرها فلا يقع فيها إلا واحدة وإن قصد الإستئناف لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ.
ويخالف قولهم: أنت طالق ثلاثا حيث يقع به الثلاث مطلقا مدخولا بها أولا، لأن ثلاثا بيان لما قبله فليس مغايرا له - بخلاف العطف والتكرار.
اه.
بتصرف (قوله: ولو قال للمدخول بها) خرج غيرها فلا تقع فيها إلا واحدة لأنها تبين بها(4/24)
- كما تقدم - (قوله: كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض) هذه المسألة مصرح بها في الروض - لا في شرحه - وعبارة الروض: ويقع للممسوسة بقوله: أنت طالق طلقة بل طلقتين ثلاث ثم قال: وإن قال لغير ممسوسة أنت طالق ثلاثا أو إحدى عشرة طلقت ثلاثا أو واحدة ومائة أو إحدى وعشرين أو طلقة ونصفا أو طلقة بل طلقتين أو ثلاثا فواحدة.
قال في شرحه: أي فواحدة فقط تقع لأنها بانت بها لعطف ما بعدها عليها - بخلافه في إحدى عشرة لأنه مركب، فهو بمعنى المفرد (قوله: ويقع طلاق الوكيل الخ) شروع في بيان الوكالة في الطلاق (قوله: في الطلاق) متعلق بالوكيل: أي أنه وكيل في الطلاق بأن قال له الزوج وكلتك في أن تطلق زوجتي (قوله: بطلقت فلانة) متعلق بيقع: أي يقع بهذا اللفظ.
وقوله ونحوه: أي نحو طلقت كسرحت، وفارقت وأنت مطلقة أو مسرحة أو مفارقة (قوله: وإن لم ينو) أي الوكيل.
وقوله: أنه مطلق لموكله: أي موقع الطلاق عن موكله.
قال في شرح الروض بعده: وقيل تعتبر نيته وعلى الأول يشترط عدم الصارف بأن لا يقول: طلقتها عن غير الموكل أخذا مما سيأتي قبيل الديات أنه لو قال وكيل المقتص: قتلته بشهوة نفسي لا عن الموكل لزمه القصاص - كذا نبه عليه الإسنوي - ويحتمل الفرق بأن طلاق الوكيل لا يقع إلا لموكله، بخلاف القتل.
اه (قوله: ولو قال) أي الزوج (قوله: أعطيت) مفعوله الأول محذوف: أي أعطيتك بناء على ما في بعض النسخ من أن بيدك من الشرح، وإلا فلا (قوله: أو جعلت بيدك) أي أو قال الزوج الآخر جعلت بيدك (قوله: طلاق زوجتي) تنازعه كل من أعطيت وجعلت (قوله: أو قال له) أي قال الزوج لآخر.
وقوله رح بطلاقها: أي اذهب.
وقوله وأعطها: أي إياه (قوله: فهو) أي قول الزوج المذكور.
وقوله توكيل: أي لذلك الآخر في الطلاق (قوله: يقع الخ) الأولى زيادة الواو: وقوله بتطليق الوكيل: أي لزوجة موكله (قوله: لا بقول الزوج الخ) أي لا يقع بقول الزوج الموكل هذا اللفظ: أي أعطيت وما بعده (قوله: بل تحصل الفرقة) الأولى والأخصر أن يحذف هذا وما بعده إلى قوله بإعلامها ويزيد واو العطف
بأن يقول عاطفا على قوله لا بقول الزوج ولا بإعلامها الخ (قوله: متى شاء) ظرف لقول الوكيل وقوله طلقت فلانة: مقول قول الوكيل (قوله: لا بإعلامها الخبر) أي لا تحصل الفرقة بإعلام الوكيل إياها الخبر.
وقوله: بأن فلانا الخ تصوير للخبر أي الخبر المصور والمبين بما ذكر (قوله: ولا بإعلامها الخ) معطوف على بإعلامها (قوله: وإذا قال) أي الموكل.
وقوله له: أي للوكيل.
وقوله لا تعطه: أي الطلاق.
أي لا توقعه إلا في يوم كذا.
وقوله فيطلق أي الوكيل، وهو جواب إذا (قوله: ثم إن إلخ) كالاستدراك من صحة إيقاعه بعده: أي فمحل جواز إيقاعه بعد اليوم المعين ما لم يقصد الموكل ذلك اليوم الذي عينه بخصوصه لا قبله ولا بعده، وإلا تعين.
ولا يجوز بعده كما لا يجوز قبله: وقوله طلق: أي الوكيل وهو جواب أن.
وقوله فيه: أي في اليوم الذي قصد تقييد وقوع الطلاق به.
وقوله لا بعده: أي لا يجوز أن يطلق بعد ذلك اليوم المقصود التقييد به، وبالأولى عدم الجواز قبله (قوله: ولو قال لها الخ) شروع في بيان تفويض الطلاق إلى الزوجة، وقد أفرده الفقهاء بترجمة.
والأصل فيه الإجماع، واستؤنس له بأنه - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * الخ، ووجهه أنه لما فوض إليهن سبب الفراق وهو اختيار الدنيا جاز أن يفوض إليهن المسيب الذي هو الفراق.
وقوله المكلفة: أي ولو سفيهة حيث لا عوض، وإلا فيشترط فيها أن تكون رشيدة.
وقوله منجزا بصيغة اسم المفعول حال من قوله: طلقي نفسك مقدم عليه: أي قال طلقي نفسك حال كونه منجزا، أو بصيغة
__________
(1) سورة الاحزاب، اللاية: 28.(4/25)
اسم الفاعل حال من فاعل قال: أي قال ذلك حالة كونه منجزا.
قوله: لا معلقا له.
ويصح جعله صفة لمصدر محذوف: أي قال: قولا منجزا ولكن يقرأ بصيغة اسم المفعول كالأول، والأول أقرب لصنيعه.
وقوله طلقي نفسك مثله ما لو فوض إليها بالكناية: كأن قال لها: أبيني نفسك.
ومنها المثال الآتي.
وقوله: إن شئت ليس بقيد إن أخره فإن قدمه لم يقع طلاق أصلا لأنه تعليق.
وسيأتي أنه مبطل.
ق ل.
اه.
جمل (قوله: فهو) أي قوله المذكور.
وقوله تمليك للطلاق: أي لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة، قوله ملكتك طلاقك (قوله: لا توكيل) أي على المعتمد.
وقيل إنه توكيل كما لو فوض طلاقها لأجنبي.
وعليه لا يشترط فور في تطليقها نفسها - كما في الوكالة - وقوله بذلك: أي بالطلاق (قوله: وبحث الخ) اعتمده م ر اه سم.
وقوله أن منه: أي من التفويض.
وقوله: قوله طلقيني: أي قول الزوج لزوجته طلقيني.
وقوله: فقالت: أي زوجته فورا.
وقوله: أنت طالق: قال ع ش: خرج به ما لو قال: طلقت نفسي فإنه صريح لأنها أنت بما تضمنه قوله:
طلقيني اه (قوله: لكنه كناية) أي لكن المذكور من قوله لها: طلقيني.
وقولها له: أنت طالق: كناية والأول كناية تفويض من الزوج، والثاني كناية طلاق من الزوجة (قوله: فإن نوى) أي بقوله: طلقيني التفويض: أي تفويض الطلاق إليها: أي ونوت هي بقولها له: أنت طالق تطليق نفسها - كما صرح به في التحفة - وقوله طلقت: أي بالثلاث إن نواها وإلا فواحدة وإن ثلثت.
اه.
ح ل (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينو التفويض إليها فلا يقع الطلاق.
ومثله ما لو لم تنو هي الطلاق فلا يقع الطلاق (قوله: وخرج بتقييدي) أي الزوجة.
وقوله غيرها: أي غير المكلفة (قوله: لفساد عبارتها) تعليل لمحذوف: أي فلا يصح التفويض إليها ولا يقع منها طلاق لفساد عبارتها: أي العبارة الظاهرة كالعقود ونحوها (قوله: وبمنجز) معطوف على بتقييدي: أي وخرج بمنجز وكان الأولى الحكاية فينصبه.
وقوله المعلق: فاعل خرج: أي فلا يصح التفويض به (قوله: فلو قال الخ) تفريع على المخرج (قوله: لغا) أي بطل قوله المذكور، ولا يصح أن يكون تفويضا.
ومحله إن جرينا على قول التمليك، وذلك لأن التمليك لا يصح تعليقه: كما إذا قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر - بخلافه على قول التوكيل.
قال في التحفة: لما مر فيه أن التعليق يبطل خصوصه لا عموم الإذن (قوله: وإذا قلنا الخ) أي وإذا جرينا على الأصح من أن التفويض تمليك لا توكيل (قوله: فيشترط إلخ) جواب إذا.
وقوله لوقوع الطلاق: أي لصحته (قوله: تطليقها) نائب فاعل يشترط: أي تطليق نفسها.
وقوله: ولو بكناية: أي ولو كان التعليق الصادر منها بلفظ كناية كأن قالت: أبنت نفسي أو حرمت نفسي عليك.
ولو أخرج الغاية عما بعده لكان أولى.
وقوله فورا: هذا محط الشرطية، وإنما اشترطت الفورية لأن التطليق هنا جواب التمليك.
فكان كقبوله، وقبوله فوري (قوله: بأن لا يتخلل الخ) تصوير للفورية.
وقوله فاصل: أي ينقطع به القبول عن الإيجاب.
وقوله بين تفويضه: أي الزوج والظرف متعلق بفاصل أو بمحذوف صفة له: أي فاصل واقع بين تفويض الزوج لها وبين إيقاعها الطلاق (قوله: نعم) استثناء من اشتراط الفورية (قوله: لأنه) أي الفصل بقولها كيف يكون تطليق نفسي.
وقوله فصل يسير: قال في التحفة بعده: وظاهره أن الفصل اليسير لا يضر إذا كان غير أجنبي - كما مثل به - وأن الفصل بالأجنبي يضر مطلقا - كسائر العقود - وجرى عليه الأذرعي وفيه نظر: لأنه ليس محض تمليك ولا على قواعده.
فالذي يتجه أنه لا يضر اليسير ولو أجنبيا: كالخلع.
اه.
ومثله في النهاية (قوله: بطلقت الخ) متعلق بتطليقها (قوله: لا بقبلت) أي لا يقع الطلاق بقولها قبلت.
وعبارة التحفة: قول الزركشي عدوله عن شرط قبوله إلى تطليقها يقتضي تعينه وهو مخالف لكلام الشارح والروضة(4/26)
حيث قالا: إن تطليقها يتضمن القبول، وهو يقتضي الإكتفاء بقولها: قبلت إذا قصدت به التعليق، وأن حقها أن تقول حالا: قبلت، طلقت.
والظاهر اشتراط القبول على الفور، ولا يشترط التطليق على الفور.
اه.
بعيد جدا، بل الصواب تعينه، وكلامهما لا يخالف ذلك: لما قررته في معناه أن هذا التضمن أوجب الفورية لا الإكتفاء بمجرد القبول لأنه لا ينتظم مع قوله طلقي نفسك وإن قصدت به التطليق.
اه (قوله: وقال بعضهم: كمختصري الروضة الخ) هو بكسر الصاد جمع مختصر بصيغة اسم الفاعل.
وفي شرح الروض ما نصه: وما ذكره المصنف كبعض مختصري الروضة من عدم اشتراط الفور في ذلك على القول بأن التفويض تمليك هو ما جزم به صاحب التنبيه، ووجهه ابن الرفعة بأن الطلاق لما قبل التعليق سومح في تمليكه والأصل إنما ذكره تفريعا على القول بأنه توكيل، وصوبه في الذخائر - وهو الحق -.
اه (قوله: في متى شئت) أي في قول الزوج لها: طلقي نفسك متى شئت بتأخير أداة التعليق، فاندفع ما قيل إن التفويض منجز فلا يصح تعليقه.
أفاده البجيرمي.
(قوله: فتطلق متى شاءت) أي فتطلق نفسها متى شاءت لأن متى للتراخي - كما سيأتي (قوله: وجزم به) أي بقول بعضهم المذكور.
وقوله صاحبا التنبيه والكفاية: صاحب التنبيه هو أبو إسحاق الاسفرايني وصاحب الكفاية ابن الرفعة (قوله: لكن المعتمد الخ) أي لما مر أن التطليق في جواب التمليك، وهو يشترط فيه الفورية (قوله: وإن أتى) أي الزوج في صيغة التعويض.
وقوله بنحو متى: أي من كل أداة تدل على التراخي (قوله: ويجوز له) أي للزوج.
وقوله رجوع: أي عن التفويض إليها.
وقوله قبل تطليقها: أي قبل أن تطلق نفسها.
وقوله كسائر العقود: أي فإنه يجوز فيها الرجوع بعد الإيجاب وقبل القبول (قوله: فائدة) أي في بيان جواز تعليق الطلاق، وقد أفردوه بترجمة مستقلة (قوله: كالعتق) أي قياسا على العتق فإنه يجوز تعليقه (قوله: بالشروط) متعلق بتعليق، والمراد منها أدوات التعليق كإن ومتى وإذا وكلما كإن دخلت الدار فأنت طالق.
ثم إن أدوات التعليق لا تقتضي بالوضع فورا في الإثبات بل هي فيه للتراخي إلا إذا وإن مع المال أو شئت خطابا كأن قال: إذا أعطيتني ألفا أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، وكذا أن قال: إن ضمنت لي ألفا أو إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، أو قال: إذا شئت أو إن شئت فأنت طالق فلا تطلق إلا إن أعطته الألف أو ضمنته له أو شاءت فورا، لأنه تمليك على الصحيح.
أما في النفي فتقتضي الفور إلا إن.
فلو قال: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا باليأس من الدخول كأن ماتت أو مات قبلها فيحكم بالوقوع قبيل موتها أو موته بما يسع الدخول وفائدة ذلك الإرث والعدة فإن كان بائنا لم يرثها ولا ترثه، فإذا مات هو ابتدأت العدة قبل موته بزمن لا يسع الدخول وتعتد عدة طلاق لا وفاة، ولو أتى بإذا وقال: أنت طالق إذا لم تدخلي الدار وقع الطلاق بمضي
زمن يمكن فيه الدخول من وقت التعليق ولم تدخل ولا تقتضي الأدوات أيضا تكرارا في المعلق عليه بل متى وجد مرة واحدة من غير نسيان ولا إكراه ولا جهل انحلت اليمين ولا يؤثر وجوده مرة أخرى إلا كلما فإنها تفيد التكرار.
وقد نظم بعضهم قاعدة الأدوات في قوله: أدوات التعليق في النفي للفورسوى إن وفي الثبوت رأوها للتراخي إلا إذا إن مع المال وشئت وكلما كرروها وقد سأل بعضهم ابن الوردي بقوله: أدوات التعليق تخفى علينا هل لكم ضابط لكشف غطاها فأجابه بقوله: كلما للتكرار وهي ومهما إن إذا أي من متى معناها(4/27)
للتراخي مع الثبوت إذا لم يك معها إن شئت أو أعطاها أو ضمان والكل في جانب النفي لفور لا إن قدا في سواها وقوله للتراخي مع الثبوت: أي بالتفصيل الذي علمته وكما يقع التعليق بالأدوات المذكورة يقع التعليق بالأوقات فتطلق بوجودها.
فإذا قال: أنت طالق شهر كذا أو في أوله أو رأسه أو غرته أو هلاكه وقع الطلاق بأول جزء من الليلة الأولى منه، أو أنت طالق في آخر شهر كذا أو سلخه أو فراغه أو تمامه وقع الطلاق بآخر جزء منه، أو أنت طالق في نهار شهر كذا أو في أول يوم منه طلقت بفجر اليوم الأول منه، أو أنت طالق في أول آخر شهر كذا طلقت بأول اليوم الأخير منه لأنه أول آخره، أو أنت طالق في آخر أوله طلقت بآخر اليوم الأول منه لأنه آخر أوله أو أنت طالق في نصف شهر كذا طلقت بغروب خامس عشره، وإن نقص الشهر أو في نصف نصفه الأول طلقت بطلوع فجر الثامن لأن نصف نصفه سبع ليال ونصف ليلة وسبعة أيام ونصف يوم والليل سابق النهار فأخذنا نصف الليلة الثامنة الذي كان يستحقه النصف الأول وأعطيناه للنصف الثاني فقابلنا ليلة بنصف يوم فصار ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيان نصفا آخر، ولو علقت بما بين الليل والنهار طلقت بالغروب إن علق نهارا وبالفجر إن علق ليلا لأن كلا منهما عبارة عن مجموع جزء من الليل وجزء من النهار: إذ لا فاصل في الحقيقة بينهما.
ويقع التعليق أيضا بالصفات كأنت طلاقا سنيا أو بدعيا وليست في حال سنة في
الأول ولا في حال بدعة في الثاني فتطلق إذا وجدت الصفة، بخلاف ما إذا كانت في ذلك الحال وقال: سنيا أو بدعيا فتطلق في الحال (قوله: ولا يجوز الرجوع فيه) أي في التعليق.
وقوله قبل وجود الصفة: أي المعلق عليها، وهي معلومة وإن لم يتقدم لها ذكر (قوله: ولا يقع) أي الطلاق (قوله: قبل وجود الشرط) المقام للإضمار: إذ المراد به الصفة المعلق عليها (قوله: ولو علقه) أي الطلاق.
وقوله بفعله شيئا: أي على أن يفعل هو بنفسه شيئا كإن دخلت الدار فأنت طالق: وخرج بفعله ما لو علقه على فعل غيره.
فإن كان ممن يبالي بتعليقه بحيث يشق عليه طلاق زوجته ويحزن له لصداقة أو نحوها وفعله ناسيا أو جاهلا لم يقع أيضا كما إذا علقه على فعل نفسه، وإن كان ممن لا يبالي بذلك وقع.
وقوله ففعله ناسيا الخ: عبارة التحفة.
تنبيه مهم: محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل، أما إذا أنكره فشهد الشهود عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه لم يقبل - كما بحثه الأذرعي - وتبعوه.
وأفتيت به مرارا للتناقض في دعواه فألغيت وحكم بقضية ما شهدوا به اه.
وفي ترغيب المشتاق في أحكام الطلاق ما نصه: حلف أنه يجامع زوجته في ليلة معينة فعجز عن الوطئ قبل تمكنه منه بأن وجدها حائضا أو طلع الفجر أو نسي أو جب ذكره أو عن أو ماتت فلا حنث في الجميع للعذر.
اه.
وقوله: لم تطلق لكن اليمين منعقدة فلو فعله بعد ذلك عامدا عالما مختارا حنث (قوله: ولو علق الطلاق إلخ) أي بأن قال إن ضربتك بغير ذنب فأنت طالق (قوله: لم يحنث) أي فلا يقع عليه الطلاق لعدم وجود الصفة المعلق عليها وهي الضرب بغير ذنب لأن الشتم ذنب.
وقوله: إن ثبت ذلك: أي شتمها له أي ببينة أو بإقرارها (قوله: وإلا) أي وإن لم يثبت ذلك.
وقوله صدقت: أي في عدم شتمها له.
وقوله فتحلف: أي على أنها ما شتمته ويقع الطلاق (قوله: مهمة) أي في بيان حكم الإستثناء بإلا ونحوها وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يجوز الإستثناء) أي لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب.
والاستثناء هو مأخوذ من الثني وهو الرجوع والصرف لأن المتكلم رجع عن مقتضى كلامه وصرفه عن ظاهره بالإستثناء.
وقد يقال: كيف هذا مع أن الإستثناء معيار العموم ولا عموم في قوله: أنت طالق ثلاثا ويجاب بأن اصطلاح الفقهاء أعم من ذلك.
اه.
بجيرمي (قوله: بنحو إلا) أي بإلا وأخواتها من أدوات الإستثناء: كغير(4/28)
وسوى (قوله: بشرط أن يسمع نفسه الخ) ذكر لصحة الإستثناء شرطين أن يسمع نفسه أي يتلفظ به مسمعا نفسه، وأما إسماع غيره فليس شرطا لصحته.
وإنما يعتبر لتصديقه فيه لأنه لو ادعى الاستثناء وأنكرته الزوجة صدقت فتحلف على
نفيه، وأن يتصل الإستثناء بالعدد الملفوظ: أي اتصالا عرفيا لا حقيقيا لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت وبقي عليه من الشروط أن ينوي الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه، وأن لا يستغرق المستثنى المستثنى منه.
فلو فقد شرط من هذه الشروط لغا الإستثناء وصار كأنه لم يذكر.
فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين ولم يسمع نفسه بالإستثناء أو لم يتصل الإستثناء بما قبله أو لم ينو الاستثناء قبل الفراغ، أو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع الطلاق ثلاثا ولغا الإستثناء.
لكن محل إلغاء المستغرق ما لم يتبع باستثناء آخر، وإلا صح.
فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين وقع اثنتان لأن الإستثناء من النفي إثبات وعكسه فالمعنى أنت طالق ثلاثا تقع إلا ثلاثا لا تقع إلا اثنتين تقعان فيقع اثنتان.
ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة وقعت واحدة على وزان ما قبله (قوله: فيقع طلقة) أي لأنك أخرجت من الثلاث اثنتين فبقي منها واحدة فهي التي تقع (قوله: أو إلا واحدة) أي أو قال: طلقتك ثلاثا إلا واحدة (قوله: طلقتان) أي فيقع عليه طلقتان لأنه أخرج من الثلاث واحدة فيبقى منها اثنتان وهما اللتان وقعتا (قوله: ولو قال: أنت طالق إن شاء الله) أي أو إذا أو متى أو مهما شاء الله، ومثل الإثبات النفي: كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين.
أما هي فيتوقف وقوع الطلاق المعلق على مشيئتهم على وقوع المشيئة منهم (قوله: لم تطلق) أي إن قصد التعليق بالمشيئة نفيا أو إثباتا قبل فراغ اليمين ولم يفصل بينهما وأسمع نفسه، وذلك للخبر الصحيح من حلف ثم قال: إن شاء الله فقد استثنى وهو شامل للطلاق وغيره وخرج بقصد التعليق ما إذا سبق لسانه إليه أو قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئة الله أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا أو أطلق؟ فإنه يقع الطلاق ويلغو الاستثناء.
ومحل كون التعليق بالمشيئة يمنع وقوع الطلاق عند قصده في غير حالة النداء.
أما فيها فلا يمنع.
فلو قال: يا طالق إن شاء الله وقع طلقة.
والفرق أن النداء يشعر بحصول الطلاق حالته والحاصل لا يعلق بخلاف غيره كأنت طالق فإنه قد يستعمل عند القرب من الطلاق وتوقع الحصول فيقبل التعليق (قوله: وصدق مدعى الخ) الأنسب ذكره عند قوله: المار لإطلاق مكره الخ (قوله: أو إغماء) أي أو مدعي إغماء.
وقوله حالته: أي الطلاق (قوله: أو سبق لسان) أي أو مدعي سبق لسان، وكان المناسب ذكر هذا عند قوله: أول الفصل ولا أثر لحكاية طلاق الغير الخ بأن يقول: ولا لسبق لسانه بالطلاق وهو في الحقيقة مفهوم شرط لم يذكره المؤلف وذكره غيره وهو أن يقصد لفظ الطلاق مع معناه أي يقصد استعماله فيه.
وعبارة الأنوار: الركن الخامس القصد إلى حروف الطلاق بمعنى الطلاق فلو سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في غفلة أو محاورة وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع الطلاق.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية.
وقوله إلى لفظ الطلاق: متعلق بسبق: أي سبق لسانه إلى لفظ
الطلاق مع كون القصد النطق بلفظ غيره (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله: إن كان ثم قرينة) أي على ما ادعاه، وهو قيد في تصديقه بيمينه (قوله: كحبس الخ) تمثيل للقرينة (قوله: وإلا تكن هناك) أي في دعواه الإكراه أو الإغماء أو سبق اللسان (قوله: فلا يصدق) جواب إن المدغمة في لا النافية (قوله: من قال لزوجته) أي المسلمة (قوله: مريدا حقيقة الكفر) وهي الخروج عن دين الإسلام (قوله: جرى فيها) أي الزوجة.
وقوله ما تقرر في الردة وهو أنه إن لم يدخل بها تنجزت الفرقة بكفره بتكفيره إياها وإن دخل بها فإن جمعهما إسلام في العفة دام نكاحها، وإلا فالفرقة حاصلة من حين الردة (قوله: أو الشتم) بالنصب عطف على حقيقة: أي أو مريدا الشتم.
وقوله فلا طلاق: أي إن جراد الشتم لا يقع عليه(4/29)
الطلاق (قوله: وكذا ان لم يرد شيئا) أي وكذا لا يقع عليه الطلاق إن لم يرد بقوله لها يا كافرة شيئا - لا حقيقة الكفر ولا الشتم (قوله: لأصل بقاء العصمة) إضافة أصل إلى ما بعده للبيان، وهو علة لعدم وقوعه عند عدم إرادة شئ.
وقوله: وجريان ذلك للشتم كثيرا: علة ثانية له: أي فلما كان جريانه للشتم كثيرا حمل عليه حالة عدم إرادة شئ في عدم وقوع الطلاق.
وقوله مرادا به: أي بقوله يا كافرة عند عدم إرادة حقيقة الكفر كفر النعمة، ويحرم عليه ذلك ويعزر به (قوله: فرع في حكم المطلقة بالثلاث) أي أو اثنتين.
والأول في حق الحر والثاني في حق العبد، وذلك الحكم هو أنه لا يجوز له مراجعتها إلا بعد وجود خمسة شروط: الأول انقضاء عدتها من المطلق، والثاني: تزويجها بغيره تزويجا صحيحا، والثالث: دخوله بها، والرابع: بينونتها منه، والخامس: انقضاء عدتها منه.
وكلها ذكرها المصنف - ما عدا الأول - ويمكن اندراجه في قوله: بنكاح صحيح: إذا النكاح في العدة فاسد (قوله: حرم لحر) أي على حر فاللام بمعنى على.
وقوله: ومن طلقها: أي نكاح من طلقها أي نجز طلاقها بنفسه أو وكيله أو علقه بصفة ووجدت تلك الصفة.
وقوله: ولو قبل الوطئ: أي سواء طلقها قبله أو بعده وهو غاية للحرمة.
وقوله ثلاثا: أي معا أو مرتبا ولا يحرم جمع الطلقات الثلاث - كما ذكر أول الفصل - والقول بحرمته ضعيف، وكذا اثنتان في حق الرقيق (قوله: ولعبد الخ) أي وحرم على عبد ولو مدبر إنكاح من طلقها ثنتين، وذلك لأنه روى عن عثمان رضي الله عنه وزيد بن ثابت ولا مخالف لهما من الصحابة.
رواه الشافعي رضي الله عنه (قوله: في نكاح أو أنكحة) مرتبط بكل من طلاق الحر وطلاق العبد.
والمراد بالجمع ما فوق الواحد: إذ لا يتصور في الرقيق إلا نكاحان، ومعنى تطليقها في أنكحة أن ينكحها أو لا - ثم يطلقها وبعد انقضاء عدتها يراجعها بنكاح جديد.
وهكذا (قوله: حتى تنكح زوجا غيره) أي تنتهي الحرمة بنكاحها زوجا غيره مع وجود بقية
الشروط: أي ولو كان عبدا بالغا - بخلاف العبد الصغير لأن سيده لا يجبره على النكاح.
قال في الإقناع: فليحذر مما وقع لبعض الرؤساء والجهال من الحيلة لدفع العار من نكاحها مملوكه الصغير ثم بعد وطئه يملكه لها لينفسخ النكاح، وقد قيل إن بعض الرؤساء فعل ذلك وأعادها فلم يوفق الله بينهما وتفرقا.
اه.
وأما الحر الصغير فيكفي لكن بشرط كونه يمكن جماعه، ولكن لا يقع طلاقه إلا بعد بلوغه (قوله: بنكاح صحيح) وذلك لأنه تعالى علق الحل بالنكاح، وهو إنما يتناول النكاح الصحيح.
وخرج بالنكاح ما لو وطئت بملك اليمين أو بشبهة فلا يكفي.
وخرج بالصحيح الفاسد كما لو شرط على الزوج الثاني في صلب العقد أنه إذا وطئ طلق أو فلا نكاح بينهما.
فإن هذا الشرط يفسد النكاح فلا يصح التحليل، وعلى هذا يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله المحلل والمحلل له بخلاف ما لو تواطأوا على ذلك قبل العقد ثم عقدوا من غير شرط مضمرين ذلك فلا يفسد النكاح، به لكنه يكره: إذ كل ما لو صرح به أبطل، بكون إضماره مكروها (قوله: ثم يطلقها إلى قوله: معلوم) في بعض نسخ الخط ذكره عقب قوله: مع اقتضاض لبكر وهو أولى، وأولى منه تأخيره عن قوله بانتشار - كما هو ظاهر - وفي بعض نسخ الطبع إسقاطه بالكلية وهو خطأ.
والمعنى ثم بعد أن تنكح زوجا غيره يشترط أن يطلقها ذلك الغير وتنقضي عدتها منه (قوله: كما هو) أي المذكور من الطلاق وانقضاء العدة معلوم: أي وإن لم يصرح به في الآية الآتية: (قوله: ويولج بقبلها) معطوف على تنكح: أي وحتى يولج بقبلها.
أي ولو حائضة أو صائمة أو مظاهرا منها أو معتدة عن شبهة طرأت في نكاح المحلل أو محرمة بنسك أو كان هو محرما به أو صائما فيصح التحليل وإن كان الوطئ حراما، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه التحليل كما لا يحصل به التحصين.
وقوله حشفة: أي ولو كان عليها حائل كأن لف عليها خرقة وقوله منه: متعلق بمحذوف صفة لحشفة - أي حشفة كائنة من الزوج الآخر - وهو قيد خرج به ما لو أتى بحشفة للغير مقطوعة وأدخلها فلا يكفي (قوله: أو قدرها) أي أو يولج قدر الحشفة.
وقوله من فاقدها: الجار(4/30)
والمجرور متعلق بمحذوف حال من قدرها: أي أو يولج قدرها حال كونه من فاقدها: أي مقطوعها وخرج به إيلاج قدر الحشفة مع وجودها كأن يثني ذكره ويدخل قدرها فلا يحصل به التحليل (قوله: مع افتضاض لبكر) متعلق بيولج، وهو شرط في التحليل: أي يشترط في تحليل البكر مع إيلاج الحشفة افتضاضها فلا بد من إزالة البكارة ولو كانت غوراء (قوله: وشرط كون الإيلاج بانتشار للذكر) أي بالفعل لا بالقوة على الأصح - كما أفهمه كلام الأكثرين - وصرح به الشيخ أبو حامد وغيره.
فما قيل إن الإنتشار بالفعل لم يقل به أحد مردود.
وقال الزركشي: وليس لنا نكاح يتوقف على الإنتشار
إلا هذا.
وخرج به ما إذا لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيرهما فلا يحضل به التحليل حتى لو أدخل السليم ذكره بأصبعه من غير انتشار لم يحصل به التحليل.
وقوله: أي معه: أفاد به أن الباء الداخلة على انتشار بمعنى مع.
وقوله: وإن قل: أي ضعف الإنتشار فإنه يكفي (قوله: أو أعين بنحو أصبع) غاية ثانية ونائب الفاعل ضمير يعود على الإنتشار: أي وإن استعان الواطئ عليه بنحو أصبع: أي مرور نحو أصبع له أولها.
وعبارة الروض وشرحه: بشرط الإنتشار للآلة وإن ضعف الإنتشار واستعان باصبعه أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة.
اه (قوله: ولا يشترط) أي في التحليل.
وقوله: إنزال أي للمني (قوله: وذلك) أي حرمتها عليه حتى تنكح الخ.
وقوله للآية وهي: * (فإن طلقها - أي الثالثة - فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * (قوله: والحكمة في اشتراط التحليل) أي وهو نكاحها زوجا غيره وتطليقها وانقضاء عدتها (قوله: التنفير من استيفاء ما يملكه) أي الزوج من الطلاق ثلاثا إن كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا وأوضح الإمام القفال حكمة اشتراط التحليل فقال وذلك لأن الله تعالى شرح النكاح للإستدامة وشرع الطلاق الذي يملك فيه الرجعة لأجل الرجعة، فكأن من لم يقبل هذه الرخصة صار مستحقا للعقوبة، ونكاح الثاني فيه غضاضة على الأول.
اه.
وقوله غضاضة: أي مرارة.
والمراد لازمها: وهو الصعوبة (قوله: ويقبل قولها أي المطلقة في تحليل) أي فإذا ادعت أنها نكحت زوجا آخر وأنه طلقها وانقضت عدتها تصدق في ذلك لكن بيمينها على ما سيأتي (قوله: وانقضاء عدة) معطوف على تحليل من عطف الخاص على العام: إذ التحليل شامل له ولغيره من بقية الشروط (قوله: عند إمكان) متعلق بيقبل أن يقبل قولها عند إمكانه بأن مضى زمن يمكن فيه التزوج وانقضاء العدة (قوله: وإن كذبها الثاني الخ) غاية للقبول: أي يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الثاني الذي هو المحلل في وطئه لها بأن قال لها: إني لم أطأك.
وقوله لعسر إثباته: أي الوطئ، وهو تعليل لقبول ما ذكر مع التكذيب المذكور.
ومقتضاه أنه لا يقبل قولها في أصل النكاح إذا أنكره الثاني: إذ لا يعسر إثباته وليس كذلك بل يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الزوج فيه.
نعم: إن انضم معه الولي والشهود وكذبها الجميع فلا يقبل قولها - كما هو صريح التحفة - ونصها: ويكره تزوج من ادعت التحليل لزم إمكانه ولم يقع في قلبه صدقها وكذبها زوج عينته في النكاح أو الوطئ وإن صدقناه في نفيه حتى لا يلزمه مهر أو نصفه ما لم ينضم لتكذيبه في أصل النكاح تكذيب الولي والشهود.
اه.
وفي ق ل على الجلال ما نصه: وتصدق في عدم الإصافة وإن اعترف بها المحلل فليس للأول تزوجها وتصدق في دعوى الوطئ إذا أنكره المحلل أو الزوج كما تصدق إذا ادعت التحليل وإن كذبها الولي أو الشهود أو الزوج أو اثنان من هؤلاء الثلاثة لا إن كذبها الجميع، ويكره نكاح من ظن كذبها فيه.
ولو رجع الزوج عن
التكذيب قبل أو رجعت هي عن الإخبار بالتحليل قبلت قبل عقد الزوج - لا بعده - اه (قوله: وإذا الخ) أصل المتن: وللأول نكاحها.
فقوله: إذا ادعت الخ دخول عليه (قوله: وحلفت عليهما) أي على النكاح وانقضاء العدة.
قال البجيرمي: لا يحتاج إلى الحلف إلا إذا أنكر المحلل بعد طلاقه الوطئ.
أو قال ذلك وليها، أما إذا لم يعارض أحد وصدقها الزوج الأول فلا يحتاج إلى يمينها - كما أفاده شيخنا الحفناوي.
اه (قوله: وإن ظن كذبها) غاية في الجواز:
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 230.(4/31)
أي جاز للأول ذلك وإن ظن كذبها.
وعبارة الروض وشرحه: وله أي للأول - تزوجها وإن ظن كذبها، لكن يكره فإن كذبها - بأن قال: هي كاذبة منعناه من تزوجها إلا إن قال بعده تبينت صدقها - فله تزوجها لأنه ربما انكشف له خلاف ما ظنه.
اه (قوله: لأن العبرة الخ) علة لجواز نكاحها مع ظنه كذبها.
وقوله بقول أربابها: أي أصحابها: أي والزوجة المدعية ذلك منهم في الجملة أو قوله ولا عبرة بظن الخ من جملة العلة.
وقوله: لا مستند له: أي شرعي وعبارة التحفة، وإنما قبل قولها في التحليل من ظن الزوج كذبها لما مر أن العبرة في العقود بقول أربابها وأن لا عبرة بالظن إذا لم يكن له مستند شرعي، وقد غلط المصنف - كالإمام المخالف - في هذا، ولكن انتصر له الأذرعي وأطال.
اه (قوله: ولو ادعى الثاني) أي المحلل.
وقوله الوطئ: أي أنه وطئها.
وقوله: وأنكرته، أي الوطئ (قوله: لم تحل للأول) أي لأن القول - كما تقدم في الصداق - قول نافي الوطئ (قوله: ولو قالت: لم أنكح الخ) عبارة شرح الروض: ولو قالت: أنا لم أنكح ثم رجعت وقالت: كذبت بل نكحت زوجا ووطئني وطلقني واعتددت وأمكن ذلك وصدقها الزوج فله نكاحها.
ولو قالت: طلقني ثلاثا ثم قالت: كذبت ما طلقني إلا واحدة أو اثنتين فله التزوج بها بغير تحليل.
قال في الأنوار: ووجهه أنها لم تبطل برجوعها حقا لغيرها.
وقد يقال: أبطلت حق الله تعالى وهو التحليل.
اه (قوله: وادعت نكاحا) أي تحل به للأول.
وقوله بشرطه: أي النكاح الذي تحل به للأول وشرطه مفرد مضاف فيعم: أي شروطه وهي كونه صحيحا وكونها وطئت فيه وكون الزوج المحلل طلقها وكونها انقضت عدتها (قوله: جاز للأول نكاحها إن صدقها) خرج به ما لو كذبها فلا يجوز له نكاحها وانظر لو ظن كذبها: هل يجوز له أن يتزوج بها أيضا كما إذا لم يسبق إنكار منها أو لا؟ وعلى عدم الجواز فانظر الفرق بين ما هنا وبين ما تقدم من أنه يجوز له فيه نكاحها وإن ظن كذبها، ويمكن أن يفرق بتقديم إنكار النكاح هنا دون ما تقدم (قوله: أي المطلقة) بيان للفاعل: وقوله زوجها الأول: بيان للمفعول (قوله: أنها تحللت) أي نكحت نكاحا
صحيحا بشروطه السابقة (قوله: ثم رجعت) أي عما أخبرت به وبين الرجوع بقوله: وكذبت نفسها (قوله: قبلت دعواها) أي الرجوع عن قولها الأول (قوله: قبل عقد عليها) متعلق بقبلت أو بمحذوف حال من نائب فاعله الذي قدره الشارح (قوله فلا يجوز له) أي للأول نكاحها، وهو مفرع على قبول دعواها (قوله: لا بعده) معطوف على قبل عقد.
وقوله أي لا يقبل الخ: بيان لمفهومه.
وقوله: إنكارها التحليل: أي وهو دعواها التي عبر بها آنفا، وكان الأنسب التعبير بها هنا أيضا (قوله: لأن رضاها بنكاحه) أي الأول، وهو علة لعدم قبول ذلك بعد العقد.
وقوله يتضمن الاعتراف.
أي الإقرار منها بوجود التحليل.
وقوله: فلا يقبل منها خلافه: أي خلاف ما اعترفت به (قوله: وإن صدقها الثاني في عدم الإصابة) أي الوطئ وهو غاية لعدم قبول إنكارها بعد العقد، وكان المناسب أن يقول في عدم التحليل لفقد شرط من شروطه كالإصابة.
وقوله لأن الحق الخ: علة لعدم قبول إنكارها بعد العقد، والمراد بالحق انتفاعه بالبضع بسبب العقد (قوله: على رفعه) أي الحق أي إزالته.
فرع: قال في التحفة: وفي الحاوي لو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه - بخلاف ما لو غابت زوجته وأختها فرجعت: أي الأخت وزعمت موتها لم تحل له.
اه.
(قوله: تتمة) أي فيما يثبت به الطلاق (قوله: إنما يثبت الطلاق) أي على الزوج المنكر له (قوله: كالإقرار به) أي(4/32)
بالطلاق.
وصورة ذلك أن يقر بالطلاق ثم ينكره فإذا ادعى عليه بإقراره به لا يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين (قوله: بشهادة الخ) متعلق بيثبت.
وقوله رجلين الخ: ذكر ثلاثة شروط الذكورة والحرية والعدالة، فلو فقد واحد منها لا يحكم بوقوع الطلاق - كما بينه بعد بالتفريع (قوله: فلا يحكم إلخ) وذلك لأنه مما يظهر للرجال غالبا وهو لا يقبل فيه شهادة النساء.
وقوله بوقوعه: أي الطلاق.
وقوله: بشهادة الأناث: أي على الطلاق أو على الإقرار به (قوله: ولو مع رجل) غاية في عدم جواز الحكم بشهادة الأناث (قوله: أو كن أربعا) أي ولو كانت الأناث أربعا فلا يقبل لما علمت (قوله: ولا بالعبيد) معطوف على قوله بشهادة الأناث: أي ولا يحكم بوقوعه بالعبيد أي بشهادتهن، وهذا مفهوم الحرية والذي قبله مفهوم الذكورة.
وقوله ولو صلحاء: أي ولو كانت العبيد صلحاء فلا يحكم بشهادتهم.
وقوله: ولا بالفساق، معطوف على قوله: بشهادة الأناث: أي ولا يحكم بالفساق أي بشهادتهم وهذا مفهوم العدالة (قوله: ولو كان إلخ) غاية في عدم جواز الحكم بشهادة الفساق (قوله: بلا عذر) قيد في إخراج المكتوبة عن وقتها الذي يفسق به.
وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يكون
مفسقا (قوله: ويشترط للأداء) أي أداء الشهادة بالطلاق عند الحاكم وقبولها منه.
والمراد يشترط لصحة الشهادة على الطلاق أداء وقبولا.
وقوله أن يسمعاه: أي المذكور من الطلاق والإقرار به فلا تقبل شهادة الأصم به.
وقوله: ويبصر المطلق، أي أو المقر به فلا نقبل شهادة الأعمى فيه لجواز أن تشتبه الأصوات، وقد يحاكي الإنسان صوت غيره فيشتبه به إلا أن يقر شخص في إذنه فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود عليه معروف الإسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم بأنه المشهود عليه (قوله: حين النطق به) أي بالطلاق (قوله: فلا يصح تحملهما) أي الشاهدين.
وهو تفريع على مفهوم الشرط الثاني: أعني أن يبصرا فقط بدليل ما بعده، وكان الأولى أن يفرع عليه وعلى ما قبله وهو أن يسمعاه بأن يقول: فلا يصح تحملهما لكونهما أصمين أو لم يريا المطلق (قوله: من غير أن يريا المطلق) أي لعمي قائم بهما أو ظلمة (قوله: لجواز اشتباه الأصوات) تعليل لعدم صحة التحمل اعتمادا على الصوت (قوله: وأن يبينا الخ) معطوف على أن يسمعاه: أي ويشترط أن يبين الشاهدان اللفظ الصادر من الزوج من صريح أو كناية.
وهذا شرط للقبول (قوله: ويقبل فيه) أي في الطلاق (قوله: شهادة أبي المطلق وابنها) أي الذي يأتي للشارح في باب الشهادة أنه لا ترد شهادة الفرع على أبيه بطلاق ضرة أمه وعبارته هناك: ولا ترد على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما رجعي فتقبل قطعا.
هذا كله في شهادة حسبه الخ.
ومثله في المنهاج، ولم يذكر ابن حجر وم ر أنه يجوز ذلك في مسألتنا.
ثم رأيت في الروض - في باب الشهادة - ما ذكره الشارح، وعبارته مع شرحه: وتقبل شهادته على الأب بتطليق ضرة أمه وقد قذفها وإن جر نفعا إلى أمه: إذ لا عبرة بمثل هذا الجر لا شهادته لأمه بطلاق أو رضاع إلا إن شهد لها حسبة.
اه.
لكن الذي في العبارة المذكورة شهادة الابن بطلاق زوجها لها لا شهادة أبيها له، ويمكن أن يقاس على الابن.
فكما قبلت شهادة الإبن بالطلاق قبلت شهادة الأب فيصح ما قاله المؤلف هنا من قبول شهادة أبي المطلقة وابنها (قوله: إن شهد أحسبه) وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الإستشهاد.
وخرج بذلك ما لو شهدا لا حسبة، بل بتقدم دعوى فلا تقبل شهادتهما لها للتهمة (قوله: ولو تعارضت الخ) يعني لو ادعى الزوج أنه طلقها طلاقا معلقا وادعت هي أنه منجز وأقاما بينتين متعارضتين بأن لم تؤرخا بتاريخين مختلفين بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى - كما تقدم غير مرة - قدمت بينة التعليق لأن معها زيادة علم بسماع التعليق والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/33)
فصل في الرجعة
أي في بيان أحكامها.
وذكرها عقب الطلاق لأنها تترتب عليه في الجملة: أي فيما إذا كان رجعيا وأصلها الإباحة، وتعتريها أحكام النكاح السابقة، وهي: الوجوب على من طلق إحدى زوجتيه قبل أن يوفي لها ليلتها، والحرمة فيما إذا ترتب عليها عدم القسم أو عجز عن الإنفاق، والكراهة حيث سن الطلاق، والندب حيث كان الطلاق بدعيا والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة: كما قال الشافعي رضي الله عنه: وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والرد والإمساك مفسران بالرجعة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل فقال لي: يا محمد راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
وأركانها ثلاثة: مرتجع، ومحل، وصيغة، والمراد بالمرتجع الزوج أو من يقوم مقامه من وكيل فيما إذا وكل أن يراجع زجته وولي فيما إذا جن من قد وقع عليه الطلاق وكان الصلاح في الرجعة، وشرط فيه أهلية عقد النكاح بنفسه، بأن يكون بالغا عاقلا مختارا، وشرط في المحل كونه زوجة موطوءة وفي معنى الوطئ استدخال المني المحترم معينة قابلة للحل مطلقة مجانا لم يستوف عدد طلاقها وتكون الرجعة في العدة.
فخرج بالزوجة الأجنبية، وبالموطوءة والملحقة بها المطلقة قبل الوطئ وما في معناه فلا تصح رجعتها لبينونتها بالطلاق قبل الدخول وبالمعينة المبهمة، فلو طلق إحدى زوجتيه مبهمة ثم راجعها أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما مبهمة لم تصح الرجعة، وبالقابلة للحل المرتدة فلا تصح رجعتها في حال ردتها لأن مقصود الرجعة الحل والردة تنافيه، وكاذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا.
وبالمطلقة المفسوخ نكاحها فلا رجعة فيها وإنما تسترد بعقد جديد، وبمجانا المطلقة بعوض فلا رجعة فيها أيضا بل تحتاج إلى عقد جديد، وبلم يستوف عدد طلاقها المطلقة ثلاثا فلا تحل له إلا بمحلل - كما تقدم - ويفي العدة ما إذا انقضت عدتها فلا تحل له إلا بعقد جديد.
وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالمراد صريحا كان أو كناية بشرط عدم التعليق ولو بمشيئتها وعدم التأقيت.
فلو قال: راجعتك إن شئت، فقالت: شئت لم تصح الرجعة، وكذا لو قال: راجعتك شهرا.
ولا تصح النية من غير لفظ ولا بفعل كوطئ، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
نعم: لو صدر ذلك من كفار واعتقدوه رجعة ثم ترافعوا إلينا وأسلموا أقررناهم ويقوم مقام اللفظ الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة كسائر العقود.
وجميع هذه الأركان مع معظم الشروط تفلم من كلامه (قوله: هي) أي الرجعة بفتح الراء وكسرها، والأول أفصح: وقوله لغة المرة: أي حتى على الكسر.
ولا يخالفه قول ابن مالك: وفعله لمرة كجلسة وفعله لهيئة كجلسة
لأن ذلك أغلبي - لا كلي - وقوله: من الرجوع: حال من المرة: أي حال كون المرة كائنة من الرجوع، سواء كان من الطلاق أو غيره، فيكون المعنى اللغوي أعم من الشرعي (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: رد المرأة) من إضافة
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 228.
(2) سورة البقرة، الاية: 229.(4/34)
المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي رد الزوج أو القائم مقامه المرأة (قوله: إلى النكاح) أي الكامل، وإلا فهي قبل الرد في نكاح لأن لها حكم الزوجة في النفقة ونحوها كلحوق الطلاق والظهار، إلا أنه ناقص لعدم جواز التمتع بها (قوله: من طلاق) متعلق برد، وهو قيد أول خرج به وطئ الشبهة والظهار والإيلاء فإن استباحة الوطئ فيها بعد زوال المانع لا يسمى رجعة: وقوله: غير بائن، قيد ثان خرج به البائن: كالمطلقة بعوض، والمطلقة ثلاثا، وقد تقدم حكمهما.
وقوله في العدة: أي عدة الطلاق، وهو متعلق برد خرج به ما إذا انقضت العدة فلا تحل له إلا بعقد جديد - كما تقدم - وقال بعضهم: إن هذا للإيضاح لأنها بعدها تصير بائنا، وفي التحفة والنهاية وغيرهما زيادة على وجه مخصوص بعد قوله في العدة ويشار به إلى شروط الرجعة المعتبرة في صحتها وقد علمتها (قوله: صح رجوع مفارقة) أي امرأة مفارقة: أي فارقها زوجها وهو شروع في بيان شروط الرجعة، وذكر منها ستة: أن يكون الفراق بطلاق، وأن لا يبلغ أكثره، وأن يكون مجانا، وأن يكون بعد وطئ، وأن يكون قبل انقضاء العدة، وأن يكون الرجوع بصيغة.
وبقي منها كون المطلقة قابلة للحل للمراجع، فلو أسلمت الكافرة واستمرت وراجعها في كفره لم يصح، وكونها معينة - كما تقدم التنبيه على ذلك - (قوله: بطلاق) متعلق بمفارقة (قوله: دون أكثره) الظرف متعلق بمحذوف صفة لطلاق: أي طلاق لم يبلع أكثره (قوله: فهو) أي أكثر الطلاق.
وقوله ثلاث لحر: أي ثلاث طلقات بالنسبة للحر: وقوله: وثنتان لعبد: أي وهو بالنسبة للعبد ثنتان (قوله: مجانا) حال من النكرة وهو طلاق، وهو جائز عند بعضهم (قوله: بلا عوض) بيان لمجانا (قوله: بعد وطئ) متعلق بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق (قوله: أي في عدة وطئ) أنظر هذا التفسير فإنه إن جعل تفسير مراد لقوله: بعد وطئ المتعلق بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق لزم تعلقه هو بهما أيضا فيصير التقدير مفارقة في أثناء العدة أو طلاق كائن في أثناء العدة وهو لا معنى له، وإن جعل قيدا زائدا متعلقا برجوع كان مكررا مع قوله قبل انقضاء عدة إذا علم ذلك فالصواب إسقاطه أو تأخيره عن قوله قبل انقضاء عدة ويكون تفسير مراد له لأن قوله قبل انقضاء صادق بما إذا قارنت الرجعة الانقضاء - كما في البجيرمي - وفي هذه الحالة لا تصح الرجعة، كما نص عليه في التحفة فبتفسيره بما ذكر تخرج هذه الحالة
(قوله: قبل انقضاء عدة) متعلق برجوع: أي رجوع قبل انقضاء عدة: أي قبل تمام عدة الزوج فلو وطئت في عدته بشبهة وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل من الشبهة وبعد ذلك تكمل عدة الطلاق، فلو راجعها في عدة الشبهة صح لكونها رجعة قبل تمام عدة ولكن لا يستمتع بها حتى تقضيها (قوله: فلا يصح رجوع مفارقة الخ) شروع في أخذ محترزات القيود المارة (قوله: بغير طلاق) محترز قوله: بطلاق.
وقوله كفسخ: تمثيل للمفارقة بغير طلاق: أي فلا تصح الرجعة فيه لأنه إنما شرع لدفع الضرر فلا يليق به جواز الرجعة (قوله: ولا مفارقة الخ) معطوف على مفارقة بغير طلاق.
وقوله: بدون ثلاث مع عوض: محترز قوله: مجانا، وقوله: كخلع، تمثيل للمفارقة بالعوض.
وقوله: لبينونتها، علة لعدم صحة الرجوع فيه - أي وإنما لم يصح لبينونتها بالعوض: إذ هي تملك نفسها به (قوله: ومفارقة قبل وطئ) معطوف أيضا على مفارقة بغير طلاق، وهو محترز قوله بعد وطئ.
وقوله إذ لا عدة عليها: علة لعدم صحة الرجعة أيضا: أي فلا يصح الرجوع في المفارقة قبل الوطئ لأنه لا عدة عليها، وشرط الرجعة أن تكون في عدة (قوله: ولا من انقضت عدتها) الموصول واقع على مفارقة ومعطوف على مفارقة بغير طلاق أيضا أي ولا يصح رجوع المفارقة التي انقضت عدتها.
وقوله لأنها صارت أجنبية علة له: أي وإنما لم يصح ممن انقضت عدتها لأنها صارت أجنبية بانقضاء العدة (قوله: ويصح تجديد نكاحهن) أي المفارقة بالفسخ والمفارقة بعوض والمفارقة قبل الوطئ والمفارقة التي انقضت عدتها (قوله: بإذن جديد) هذا في غير المفارقة قبل الوطئ إذا كانت بكرا، أما هي فلا يشترط إذن جديد منها (قوله: ولا مفارقة بالطلاق الثلاث) معطوف أيضا(4/35)
على مفارقة بغير طلاق أيضا، وهو محترز قوله: دون أكثره على سبيل اللف والنشر المشوش، ولعله ارتكبه لكون الحكم في غير الأخيرة واحدة بخلافه في الأخيرة فإنه مخالف له - كما بينه بقوله فلا يصح نكاحها - أي المفارقة بالطلاق الثلاث إلا بعد التحليل: أي بأن تنكح زوجا آخر ويطلقها وتنقضي عدتها (قوله: وإنما يصح الرجوع براجعت الخ) شروع في بيان الصيغة.
وقوله أو رجعت: أي بتخفيف الجيم: قال تعالى: * (فإن رجعك الله) * (قوله: زوجتي) تنازعه كل من راجعت ورجعت وقوله أو فلانة: أي هو مخير بين أن يقول: زوجتي أو يقول: فلانة ويذكر اسمها كفاطمة، ومثله ما لو أتي بضمير المخاطبة كراجعتك وفي المغنى تنبيه لا يكفي مجرد راجعت أو ارتجعت أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة ذلك إلى مظهر: كراجعت فلانة، أو مضمر.
كراجعتك، أو مشار إليه: كراجعت هذه.
اه: (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في صحة الرجوع الخ، وهي للتعميم: أي يصح بما ذكر ويكون صريحا فيه - سواء أضافه إلى نفسه: كإلي نكاحي، أو إلي
بتشديد التحتية، أم لا (قوله: لكن يسن) إستدراك من صحته بدون ذلك الموهم أنه غير سنة أيضا.
وقوله: أن يزيد أحدهما: أي هو إلى نكاحي، أو إلي بتشديد الياء، وقوله مع الصيغة: أي صيغة الرجعة بأن يقول: رجعت زوجتي إلى نكاحي أو إلي (قوله: ويصح) أي الرجوع.
وقوله: برددتها إلى نكاحي: أي إلي وهو صريح أيضا لكن مع الإضافة المذكورة.
قال م ر: لأن الرد وحده المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول، فقد يفهم منه الرد إلى أهلها بسبب الفراق، فاشترط ذلك في صراحته، خلافا لجمع.
اه.
ومثله في التحفة (قوله: وبأمسكتها) أي ويصح بأمسكتها، وهو صريح.
ولا يشترط فيه الإضافة لكن تندب فيه، خلافا لما في الروضة من اشتراط ذلك فيه أيضا كالرد (قوله: وأما عقد النكاح الخ) أي وأما جريان صورة عقد النكاح على الرجعية بإيجاب وقبول فكناية رجعة، وذلك بأن يبتدئ وليها بإيجاب بأن يقول له: زوجتك بنتي فيقول المرتجع: قبلت نكاحها قاصدا الرجعة.
وفي البجيرمي: فإذا جرى بينه وبين الولي عقد النكاح بإيجاب وقبول فهو كناية في الرجعية لأن ما كان صريحا في شئ لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار، فإن نوى فيما إذا عقد على الرجعة بإيجاب وقبول الرجعة حصلت وإلا فلا.
ولا يلزم المال الذي عقد به.
اه.
وقوله: تحتاج إلى نية: ظاهره أن الولي ينوي بقوله: زوجتك الإرجاع، والمرتجع: ينوي الإرتجاع، والظاهر أن الولي لا يشترط نيته ذلك.
إذ لا فائدة فيها.
فليراجع (قوله: ولا يصح تعليقها) أي صيغة الرجعة، ومثل التعليق التأقيت فهو لا يصح أيضا كراجعتك شهرا.
وقوله: كراجعتك الخ: تمثيل للتعليق.
وقوله إن شئت: هو بكسر الهمزة والتاء، فلو ضم التاء من شئت أو فتح الهمزة من أن أو أبدلها بإذا صحت الرجعة لا فرق بين النجوى وغيره، وقيل يفرق بين النجوى وغيره - وهو المعتمد - اه.
بجيرمي (قوله: ولا يشترط الإشهاد عليها) أي على الرجعة، وهذا في الجديد لأن الرجعة في حكم إستدامة النكاح، ومن ثم لم يحتج لولي ولا لرضاها، ولقوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * ولخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: قال لعمر: مره فليراجعها ولم يذكر فيها إشهادا.
وفي القديم يجب الإشهاد، لظاهر آية: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * قال في المغني: وأجاب الأول بحمل ذلك على الإستحباب: كما في قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * للأمن من الجحود، وإنما وجب الإشهاد على النكاح لإثبات الفراش، وهو ثابت هنا (قوله: فروع) أي ثلاثة الأول قوله يحرم الخ، الثاني قوله: وتصدق الخ، الثالث قوله ولو ادعى رجعة الخ (قوله: يحرم التمتع برجعية الخ) أي قبل الرجعة
__________
(1) سورة التوبة، الاية: 83.
(3) سورة الطلاق، الاية: 2.
(2) سورة البقرة، الاية: 228.
(4) سورة البقرة، الاية: 282.(4/36)
لأنها مفارقة كالبائن وأيضا النكاح يبيحه فيحرمه الطلاق لأنه ضده.
قال سم: وعد في الزواجر من الكبائر وطئ الرجعية قبل ارتجاعها من معتقد تحريمه، ثم قال: وعد هذا كبيرة إذا صدر من معتقد تحريمه غير بعيد إلى آخر ما أطال في بيانه.
اه (قوله: ولو بمجرد نظر) غاية لمقدر: أي يحرم التمتع بسائر التمتعات ولو كان بمجرد النظر: سواء كان بشهوة أو غيرها (قوله: ولا حد إن وطئ) أي ولا حد على المطلق طلاقا رجعيا إن وطئها قبل الرجعة وإن اعتقد تحريمه، وذلك للخلاف الشهير في إباحته وحصول الرجعة به.
نعم.
يجب عليه لها بالوطئ مهر المثل للشبهة ولو راجع بعده لأن الرجعة لا ترفع أثر الطلاق وتستأنف له عدة من تمام الوطئ لكونه شبهة، فإذا حملت منه أو كانت حاملا فله مراجعتها فيهما ما لم تضع لوقوع عدة الحمل عن الجهتين، وإذا لم تحمل منه ولم تكن حاملا فله مراجعتها فيما بقي من عدة الطلاق دون ما زاد عليها من عدة وطئ الشبهة، فلو وطئها بعد مضي قرأين مثلا استأنفت للوطئ ثلاثة أقراء، ودخل فيها ما بقي من عدة الطلاق.
والقرء الأول من الثلاثة واقع عن العدتين فليراجع فيه، والآخران لعدة الوطئ فلا رجعة فيهما (قوله: بل يعزر) أي إن وطئ.
قال في شرح الروض: ومثل الوطئ سائر التمتعات ويشترط في تعزيره أن يكون عالما بالحرمة معتقدا تحريمه عليه، فإن كان جاهلا أو معتقدا حله فلا يعزر لعذره (قوله: وتصدق) أي الرجعية.
وقوله في انقضاء العدة: متعلق بتصدق.
وقوله: بغير الأشهر، متعلق بانقضاء.
وخرج به ما إذا ادعت انقضاءها بالأشهر وأنكر هو فإنه يكون هو المصدق بيمينه، وذلك لرجوع اختلافهما إلى وقت الطلاق وهو يقبل قوله في أصله، فكذا في وقته.
إذ من قبل في شئ قبل في صفته.
وقوله من أقراء أو وضع: بيان لغير الأشهر.
وقوله إذا أمكن: أي انقضاؤها بما ادعته، أما إذا لم يمكن لصغر أو يأس أو عقم أو قرب زمن فيصدق هو بلا يمين في الصغيرة على المعتمد، وباليمين في الآيسة ونحوها.
واعلم: يمكن انقضاؤها بوضع للتام في الصورة الإنسانية بستة أشهر عددية وهي مائة وثمانون يوما ولحظتان، لحظ للوطئ ولحظة للوضع من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح، ولمصور بمائة وعشرين يوما ولحظتين ولمضغة بثمانين يوما ولحظتين، ويمكن انقضاؤها بأقراء لحرة طلقت في طهر سبق بحيض باثنين وثلاثين يوما ولحظتين لحظة للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وذلك بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيض وفي حيض بسبعة وأربعين يوما ولحظة من حيضة رابعة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر، ثم
تطعن في الحيض لحظة.
ويمكن انقضاؤها بها لغير حرة من أمة أو مبعضة طلقت في طهر سبق بحيض بستة عشر يوما ولحظتين بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة وفي حيض بأحد وثلاثين يوما ولحظة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر وتحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، فإن جهلت أنها طلقت في طهر أو حيض حمل أمرها على الحيض للشك في انقضاء العدة والأصل بقاؤها.
وخرج بقولنا سبق بحيض ما لو طلقت في طهر لم يسبقه حيض فأقل إمكان انقضاء الإقرار للحرة ثمانية وأربعون يوما ولحظة لأن الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء لعدم احتواشه بين دمين ولغيرها اثنان وثلاثون يوما ولحظة.
واعلم: أن اللحظة الأخيرة في جميع صور انقضاء العدة بالإقراء لتبين تمام القرء الأخير لا من العدة فلا رجعة فيها، ويجوز للغير العقد عليها فيها على المعتمد، وأن الطلاق في النفاس كهو في الحيض.
وسيصرح الشارح بمعظم ما ذكر في باب العدة، وإنما ذكرته هنا تعجيلا للفائدة (قوله: وإن أنكره) أي الإنقضاء الذي ادعته، وهو غاية لتصديقها فيه بيمينها (قوله: أو خالفت عادتها) أي في الحيض بأن كانت عادتها في كل شهرين حيضة فادعت أنها حاضت في شهر حيضة (قوله: لأن النساء الخ) علة لتصديقها بيمينها في ذلك ولو مع إنكار الزوج له.
وقوله: مؤتمنات على أرحامهن: أي على ما فيها من حمل وغيره: أي والمؤتمن على شئ يصدق فيه (قوله: ولو ادعى) أي المطلق طلاقا رجعيا.
وقوله(4/37)
رجعة: مفعول ادعى.
وقوله في العدة: متعلق برجعة أي: ادعى أنه راجعها في أثناء العدة (قوله: هي منقضية) الجملة حالية: أي ادعى ذلك والحال أنها قد انقضت والمراد أنه ادعى بعد انقضائها أنه قد راجعها في العدة.
وخرج به ما إذا ادعى رجعة في العدة وهي باقية فيصدق هو لقدرته على إنشائها.
وقوله: ولم تنكح، معطوف على الجملة الحالية قبله فيكون هو حالا أيضا: أي ادعى ذلك والحال أنها لم تنكح غيره.
وخرج به ما إذا نكحت غيره ثم ادعى أنه راجعها في العدة فإذا لم يقم بينة فتسمع دعواه لتحليفها، فإن أقرت غرمت له مهر مثل للحيلولة ولا ينفسخ النكاح ثم إن مات الثاني أو طلقها رجعت للأول بلا عقد عملا بإقرارها واستردت منه غرمته له وإن أقام بينة بأنه راجعها انفسح نكاح الثاني (قوله: فإن اتفقا الخ) جواب لو: أي فلو ادعى ذلك ففيه تفصيل وهو أنهما إن اتفقا الخ.
وقوله: على وقت الإنقضاء: أي على الوقت الذي تنقضي العدة فيه لولا الرجعة.
وقوله كيوم الجمعة: مثال لوقت الإنقضاء (قوله: وقال) أي لمطلق طلاقا رجعيا.
وقوله راجعت قبله: أي قبل وقت الإنقضاء الذي هو يوم الجمعة كيوم الخميس (قوله: فقالت:) أي الرجعية.
وقوله بل بعده: أي بل راجعت بعده، أي بعد وقت الإنقضاء كيوم السبت (قوله: حلفت أنها لا تعلم أنه راجع) أي قبل وقت الإنقضاء الذي هو يوم الجمعة وإنما حلفت على نفي العلم لأن الرجعة فعل الغير - وهو الزوج - والحلف على فعل الغير إنما يكون على نفي العلم فقط (قوله: فتصدق) أي الرجعية بحلفها على نفي العلم (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديقها.
وقوله قبله: أي وقت الإنقضاء (قوله: فلو اتفقتا الخ) الأولى أن يقول: أو اتفقا كما في المنهاج، عطفا على اتفقا الأولى: إذ هو من جملة التفصيل الذي صرحت به آنفا.
وقوله كيوم الجمعة، تمثيل لوقت الرجعة المتفق عليه (قوله: وقالت) أي الرجعية.
وقوله انقضت: أي العدة: وقوله يوم الخميس.
أي وهو قبل يوم الرجعة.
وقوله وقال: أي المطلق المذكور.
وقوله: بل انقضت أي العدة.
وقوله يوم السبت: أي الذي هو بعد يوم الرجعة (قوله: صدق) أي المطلق المذكور، أي فتصح رجعته..وقوله: إنها أي العدة، وقوله: ما انقضت يوم الخميس: أي بل يوم السبت (قوله: لإتفاقهما الخ) علة لتصديقه بيمينه، وبقي ما إذا لم يتفقا على شئ بل اقتصر هو على أن الرجعة سابقة واقتصرت على أن الإنقضاء سابق صدق بيمينه من سبق إلى القاضي، فإن ادعيا معا بأن قالت: انقضت عدتي مع قوله راجعتك صدقت هي لأن الإنقضاء لا يعلم غالبا إلا منها.
وقوله والأصل إلخ: هذا من جملة العلة بل هو محطها.
وقوله قبله: أي قبل وقت الرجعة (قوله: ولو تزوج رجل مفارقته) أي عقد رجل على مفارقته بعد انقضاء العدة، ومثله بالأولى ما لو راجعها في العدة وقوله: ولو بخلع، أي ولو كان الفراق بخلع وهذا بناء على الأصح أن الخلع ينقص عدد الطلاق فالخلع طلقة واحدة وتعود إليه إذا عقد عليها ببقية الطلاق.
أما على مقابله فلا طلاق حتى أنه تعود إليه ببقيته (قوله: ولو بعد أن نكحت الخ) أي ولو تزوج بها بعد نكاحها زوجا آخر (قوله: ودخوله بها) بالجر عطف على المصدر المؤول من أن ونكحت: أي تزوج بها بعد نكاحها آخر وبعد دخول الآخر بها (قوله: عادت إليه) جواب لو.
وقوله ببقيته: أي فالزوج الآخر فيما إذا تزوجت لا يهدم الطلاق قبل استيفاء عوده، لأن عددها متوقف عليه فوجوده وعدمه سواء، بخلاف ما إذا تزوجت على آخر بعد استيفاء عدد الطلاق فإنه يهدمه وتعود له كالزوجة الجديدة.
وقوله فقط راجع للبقية: أي عادت إليه بالبقية لا غير: أي فلا تعود إليه بكل عدد الطلاق.
وقوله من ثنتين: بيان للبقية وهذا فيما إذا طلقها واحدة وكان المطلق حرا.
وقوله أو واحدة: وهذا فيما إذا طلقها ثنتين وكان المطلق كذلك أو واحدة ولكن كان رقيقا والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/38)
فصل أي في بيان أحكام الإيلاء.
كالتخيير بين الفيئة والطلاق: وذكره بعد الرجعية لصحته للرجعية.
والأصل فيه قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * وإنما عدى فيها بمن، وهو إنما يتعدى بعلى يقال: آلى على كذا لأنه ضمن معنى البعد فكأنه قال: * (للذين يؤلون، مبعدين أنفسهم، من نسائهم) * وهو حرام للإيذاء، وهل هو صغيرة أو كبيرة؟ خلاف.
فقيل إنه كبيرة كالظهار والمعتمد أنه صغيرة وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه وخصه بالحلف على الإمتناع من وطئ الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر، وأركانه ستة: حالف ومحلوف به، ومحلوف عليه، ومدة، وصيغة، وزوجة، وشرط في الحالف أن يكون زوجا مكلفا مختارا يتصور منه الجماع فلا يصح من غير الزوج كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لا يتصور منه الجماع كمجبوب وأشل وشرط في المحلوف به أن يكون واحدا من ثلاثة: إما اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته تعالى، وإما تعليق طلاق أو عتق، وإما التزام ما يلزم بالنذر كصلاة وصوم وغيرهما من القرب.
وسيأتي حكم ما إذا حلف بواحد منها.
وشرط في المحلوف عليه ترك وطئ شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطئ ولا من وطئها في دبرها أو في قبلها في نحو حيض أو إحرام.
وشرط في المدة أن تكون زائدة على أربعة أشهر، فلو كانت أربعة أشهر أو أقل فلا يكون إيلاء بل مجرد حلف.
وشرط في الصيغة لفظ يشعر بإيلاء وهو إما صريح كقوله: والله لا أغيب حشفتي في فرجك أو لا أطؤك أو لا أجامعك أو نحو ذلك وإما كناية كقوله: والله لا أمسك أو لا أباضعك أو لا أباشرك أو لا آتيك ونحو ذلك ثم أن الإيلاء المستكمل للشروط يرتفع حكمه بواحد من أربعة أمور: بالوطئ مدة الإيلاء، والطلاق البائن، وانقضاء مدة الحلف.
وموت بعض المحلوف عليهن في قوله: لأربع من النساء والله لا أطؤكن.
وجميع ما ذكر يعلمن كلامه (قوله: الإيلاء حلف الخ) أي شرعا، وأما لغة فهو مطلق الحلف.
قال الشاعر: وأكذب ما يكون أبو المثنى إذا آلى يمينا بالطلاق وهو من آلى بالمد يؤلى بالهمز إذا حلف ويرادفه اليمين والقسم، ولذلك قرأ ابن عباس: * (للذين يقسمون من نسائهم) * وقيل من الألية بالتشديد وهي اليمين والجمع إلا بالتخفيف كعطية وعطايا.
قال الشاعر: قليل الألايا حافظ ليمينه فإن سبقت منه الألية برت
وقوله زوج: أي حرا كان أو رقيقا.
وقوله يتصور وطؤه: أي ويمكن طلاقه ليخرج به الصبي والمجنون.
وخرج بالأول المجبوب والأشل - كما تقدم - (قوله: على امتناعه) متعلق بحلف.
وقوله من وطئ الخ: متعلق بامتناع.
وقوله زوجته: أي التي يتصور وطؤها، وذلك بأن يقول: والله لا أطؤك.
ومثله ما لو قال: والله لا أجامعك فإن قال: أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع الإجتماع لم يقبل ظاهرا ويدين باطنا فتجري عليه أحكام الإيلاء ظاهرا ولا يأثم باطنا إثم الإيلاء
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 226.(4/39)
لأنه لم يحلف على الإمتناع من الوطئ في الفرج بل على الإمتناع من الوطئ بالقدم في الأولى والإجتماع في الثانية.
وقوله مطلقا: صفة لمصدر محذوف: أي امتناعا مطلقا: أي غير مقيد بمدة، وذلك كأن يقول: والله لا أطؤك ويسكت ومثل الإطلاق ما لو أبد كقوله: والله لا أطؤك أبدا (قوله: أو فوق أربعة أشهر) معطوف على مطلقا: أي أو امتناعا مقيدا بأكثر من أربعة أشهر، وظاهره ولو بما لا يسع الرفع إلى القاضي، وهو معتمد م ر وحجر، وفائدة ذلك حينئذ أنه يأثم إثم الإيلاء وإن لم يترتب عليه الرفع إلى القاضي، واعتمد زي وسم أنه لا بد أن يكون فوق أربعة أشهر بما يمكن فيه الرفع إلى القاضي، وعليه فلا يأثم فيما إذا كان الزائد على الأربعة أشهر لا يسع الرفع إلى القاضي إثم الإيلاء وإن كان يأثم إثم الإيذاء لإيذائها بقطع طمعها من الوطئ تلك المدة.
وخرج بقيد الفوقية على أربعة أشهر ما إذا قال: والله لا أطؤك أربعة أشهر فلا يكون موليا بل يكون حالفا لأن المرأة تصبر على الزوج هذه المدة كما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه خرج ذات ليلة فسمع امرأة تنشد أبياتا وهي هذه: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يصدني وأكرم بعلي أن تنال مراتبه فسأل عمر رضي الله عنه بعض بناته كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: أربعة أشهر ويعيل صبرها بعدها (قوله: كأن يقول: الخ) أتى بمثالين الأول: للمطلق، والثاني: للمقيد بفوق أربعة أشهر (قوله: أو حتى يموت فلان) معطوف على فوق أربعة أشهر: أي أو يقول لا أطؤك حتى يموت فلان، وهو يفهم أن الفوقية على الأربعة الأشهر تعتبر ولو في ظنه بأن يغلب على ظنه بقاء ما علق به إلى تمام العدة كالمثال المذكور، فإن الموت مستبعد ظنا وإن كان قريبا في الواقع
(قوله: فإذا مضت الخ) مرتب على محذوف تقديره ويمهل المولي وجوبا حرا كان أو رقيقا أربعة أشهر ولاء، فإذا مضت أربعة أشهر الخ ويقطع الولاء مانع من الوطئ.
قام بها حسيا كان كنشوز وحبسها ومرضها وشرعيا كصوم فرض، فإذا زال المانع منها تستأنف مدة الإيلاء ولا يقطعه حيض أو نفاس ولا مانع قام به كجنونه ومرضه.
وقوله من الإيلاء: الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من أربعة أشهر: أي حال كونها مبتدأة من الإيلاء وهذا في غير الرجعية، أما فيها فتبتدئ من وقت الرجعة فإذا طلقها طلاقا رجعيا ثم آلى منها لم تحسب المدة حتى يراجع.
وقوله بلا وطئ: متعلق بمضت: أي مضت من غير وطئ.
وخرج به ما إذا وطئها في الأربعة الأشهر فينحل الإيلاء ويلزمه كفارة اليمين في الحلف بالله تعالى، ومثل الوطئ في ذلك الطلاق البائن وموت بعض المحلوف عليهن لما تقدم ان هذه الأمور ترفع حكم الإيلاء.
وعبارة الإرشاد وشرحه: فإن تمت هذه الأربعة ولم ينحل الايلاء بوطئ أو غيره، كزوال الملك عن القن المعلق عتقه بالوطئ طالبته الخ.
اه (قوله: فلها مطالبته) أي بالقاضي: أي بأن تطلب من القاضي أن يطلب منه ذلك.
ثم إن ظاهر العبارة أنها تردد الطلب بين الفيئة والطلاق، وهو المعتمد، خلافا لمن قال: إنها ترتب فتطلب منه أولا الفيئة فإن لم يفئ تطلب منه الطلاق.
وقوله بالفيئة: بفتح الفاء وكسرها مأخوذة من فاء إذا رجع لرجوعه إلى الوطئ الذي امتنع منه، محل مطالبتها بالفيئة إذا لم يقم به مانع شرعي كإحرام أو صوم واجب وإلا طالبته بالطلاق فقط لحرمة والفيئة عليه حينئذ، فإن كان المانع القائم به طبيعيا كخوف بطء برء وعجز عن افتضاض بكرا دعاه وحلف عليه طالبته بفيئة اللسان بأن يقول: إذا قدرت فئت فتكتفي بالوعد كما قال القائل: قد صرت عندك كمونا بمزرعة إن فاته السقي أغنته المواعيد ولا تطالبه بالوطئ لأنه عاجز عنه ويكفي منه ما يندفع به الأذى الذي حصل من اللسان.
ولو استمهل للفيئة باللسان لم يمهل، إذ لا كلفة عليه في الوعد.
وقال في المنهج وشرحه: ويمهل إذا استمهل يوما فأقل ليفئ فيه لأن مدة الإيلاء(4/40)
مقدرة بأربعة أشهر فلا يزاد عليها بأكثر من مدة التمكن من الوطئ عادة كزوال نعاس وشبع وجوع وفراغ صيام.
اه (قوله: وهي) أي الفيئة (قوله: أو بالطلاق) معطوف على بالفيئة: أي أو مطالبته بالطلاق: أي إن لم يفئ وذلك للآتي (قوله: فإن أبى) أي امتنع من الفيئة ومن الطلاق، وقوله طلق عليه القاضي: أي بطريق النيابة عنه طلقة واحدة، وذلك كأن يقول: أوقعت على فلانة عن فلان طلقة، أو حكمت عليه في زوجته بطلقة، فلو زاد عليها لغا الزائد.
وقد نظم ذلك ابن رسلان
في زبده فقال: حلفه أن لا يطأ في العمر زوجته، أو زائدا عن أشهر أربعة، فإن مضت لها الطلب بالوطئ في فرج وتكفير وجب أو بطلاقها، فإن أباهما طلق فرد طلقة من حكما (قوله: وينعقد الإيلاء بالحلف بالله تعالى) أي أو صفة من صفاته وذلك كأن يقول: والله أو والرحمن لا أطؤك خمسة أشهر.
وقوله: وبتعليق طلاق أو عتق: أي على وطئها كأن يقول لها: إن وطئتك فأنت طالق أو فعبدي حر.
وقوله أو التزام قربة: كأن يقول: لله علي صوم أو عتق أو ألف درهم إن وطئتك (قوله: وإذا وطئ) أي في مدة الإيلاء في القبل فخرج الدبر واستدخال المني، وقوله مختارا: قيد للزوم الكفارة، وأما الفيئة فتحصل بالوطئ مكرها وكذا ناسيا أو جاهلا أو مجنونا أو وهي كذلك وباستدخالها ذكره فلا مطالبة لها بعده ولا يحنث ولا ينحل الإيلاء إن بقي قدر مدته، فإن وطئ بعده عامدا عالما مختارا انحل الإيلاء وحنث أيضا.
اه.
ش ق (قوله: بمطالبة) متعلق بوطئ.
وقوله أو دونها: أي دون مطالبة (قوله: لزمته كفارة يمين) أي وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد أو كسوتهم، فإن عجز عن ذلك فصيام ثلاثة أيام وهي واجبة عليه حنثه، وأما المغفرة والرحمة في * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * فلما عصى به من الإيلاء فلا ينفيان الكفارة المستقر وجوبها في كل حنث (قوله: إن حلف بالله) فإن حلف بالتزام قربة تخير بين ما التزمه، وكفارة اليمين أو بتعليق نحو طلاق وقع عليه لوجود المعلق عليه الذي هو الوطئ والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 226.(4/41)
فصل أي في بيان أحكام الظهار كلزوم الكفارة إذا صار عائدا وذكر عقب الإيلاء لكونه مثله في التحريم وكونه كان طلاقا في الجاهلية لا رجعة فيه.
وهو لغة مأخوذ من الظهر بمعنى الإستعلاء لما فيه من استعلاء شئ على شئ آخر.
وشرعا تشبيه الزوج زوجته غير البائن بأنثى لم تكن حلاله، وإنما عبروا بالظهار المأخوذ من الظهر ولم يعبروا بالبطان المأخوذ من البطن مثلا مع أنه يصح التشبيه بالبطن لأن صيغته المتعارفة في الجاهلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي وخصوا الظهر لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج ففي قوله: أنت علي كظهر أمي كناية تلويحية عن الركوب،
فكأنه قال: أنت لا تركبين كما لا تركب الأم، والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * الآية.
وسبب نزولها أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم وكان قد عمي فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال لها: حرمت عليه.
فقالت يا رسول الله أنظر في أمري معه فإني لا أصبر عنه ومعي منه صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فقال لها: حرمت.
فكرر وكررت ثلاث مرات.
فلما أيست منه اشتكت إلى الله تعالى وحدتها وفاقتها فأنزل الله * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فاستوقفته زمنا طويلا ووعظته.
وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك يا أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة.
أتدرون من هذه العجوز؟ هي التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ والظهار حرام من الكبائر: لقوله تعالى فيه * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ولأن فيه إقداما على إحالة حكم الله تعالى وتبديله، وهذا أخطر من كثير من الكبائر وقضيته الكفر لولا خلو الإعتقاد عن ذلك وأركانه أربعة: مظاهر، ومظاهر منها، ومشبه به، وصيغة، وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه فلا يصح من غير زوج من أجنبي وإن نكح من ظاهر منها وسيد فلو قال لأمته أنت علي كظهر أمي لم يصح، ولا يصح من صبي ومجنون ومكره لعدم صحة طلاقهم.
وشرط في المظاهر منها كونها زوجة ولو رجعية فلا يصح من أجنبية ولو مختلعة ولا من أمة مملوكة، بخلاف الزوجة الأمة فيصح الظهار منها.
وشرط في المشبه به أن يكون كل أنثى أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم تكن حلاله قبل كأمه وبنته وأخته من النسب ومرضعة أبيه أو أمه وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته أو معها فيما يظهر وأخته من الرضاعة إن كانت ولادتها بعد إرضاعه أو معه فيما يظهر، فخرج بالأنثى الذكر والخنثى لأن كلا منهما ليس محلا للتمتع وبالمحرم أخت الزوجة لأن تحريمها من جهة الجمع وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن تحريمهن ليس للمحرمية بل لشرفه - صلى الله عليه وسلم -، وبقولنا: لم تكن حلاله قبل زوجة أبيه التي نكحها بعد ولادته وأخته من الرضاعة التي كانت مولودة قبل إرضاعه فلا يكون التشبيه بها ظهارا لأنها كانت حلالا له وإنما طرأ تحريمها: وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالظهار وفي معناه الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة.
ثم هو إما صريح كأنت أو رأسك أو يدك أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة كظهر
__________
(1) سورة المجادلة، الاية: 3.
(2) سورة المجادلة، الاية: 1.
(3) سورة الجادلة، الاية: 2.
(4) الكلام فيه خلل في الاصل.(4/42)
أمي أو كيدها أو رجلها وإن لم يكن لها يد أو رجل أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة أيضا، بخلاف الباطنة فيهما على المعتمد كالكبد والطحال والقلب، وبخلاف ما لا يعد جزءا كاللبن والريق، وإما كناية كأنت كأمي أو كعينها أو غيرها مما يذكر للكرامة كرأسها، فإن قصد الظهار كان ظهارا وإلا فلا.
وجميع ما ذكر يعلم من كلامه تصريحا وتلويحا (قوله: إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه) فلا يصح ممن لا يصح طلاقه كالصبي والمجنون والمكره كما تقدم آنفا.
(واعلم) أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية كالإيلاء فغير الشرع حكمه إلى تحريم المظاهر منها بعد العود ولزوم الكفارة ففيه شبه باليمين من حيث لزوم الكفارة وشبه بالطلاق من حيث ترت ب التحريم عليه ولذلك صح توقيته نظرا للأول وتعليقه نظرا للثاني، فإقا قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي تكون مظاهرا منها بدخولها الدار.
ولو قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، فإذا ظاهر من الضرة صار مظاهرا منهما عملا بمقتضى التنجيز والتعليق وتأقيته يكون بيوم أو بشهر أو غيرهما فلو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهارا وإيلاء فتجري عليه أحكامهما فبالنظر للإيلاء تصبر عليه المرأة أربعة أشهر ثم تطالبه بالفيئة أو الطلاق، فإن وطئ زال حكم الإيلاء وصار عائدا في الظهار بالوطئ في المدة فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز له وطؤها ثانيا حتى يكفر أو تنقضي المدة وكالمقيد بالزمان المقيد بالمكان كأن قال: أنت علي كظهر أمي في مكان كذا فيصير عائدا بالوطئ فيه فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز وطؤها ثانيا في هذا المكان حتى يكفر (قوله: وهو) أي الظهار.
وقوله أن يقول الخ: وهذا باعتبار صورته الأصلية الكثيرة الغالبة، وإلا فمثل القول الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة كما تقدم (قوله: أنت) أي أو رأسك أو يدك ونحو ذلك من كل عضو ظاهر.
وقوله كظهر أمي: أي أو بطنها أو عينها أو يدها أو رجلها - كما تقدم - وقوله ولا بدون علي: أي أن الظهار هو قول ما ذكر سواء زاد لفظ على بعد أنت أو لم يزده كالمثال الذي ذكره (قوله: وقوله) أي الزوج.
وقوله أنت كأمي: أي أو كعينها أو رأسها مما يذكر للكرامة.
وقوله كناية: أي فإن قصد به الظهار كان ظهارا وإلا فلا (قوله: وكالأم محرم) أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فإذا قال: أنت علي كظهر أختي من النسب أو من الرضاع أو كظهر أم زوجتي كان ظهارا (قوله: لم يطرأ تحريمها) الجملة صفة لمحرم: أي محرم لم يطرأ تحريمها على المظاهر.
وخرج به من طرأ تحريمها عليه كزوجة ابنه وأم زوجته وزوجة أبيه بعد ولادته فإن هؤلاء كن حلالا له والتحريم فيهن طارئ، فلو شبه زوجته بواحدة منهن لم يكن
مظاهرا منها - كما تقدم - (قوله: وتلزمه كفارة ظهار) أي وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد طعام فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، بخلاف كفارة اليمين فإنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الإطعام والكسوة والإعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام.
ومثل كفارة الظهار كفارة جماع نهار رمضان، ومثلها أيضا كفارة القتل إلا أنها لا إطعام فيها اقتصارا على الوارد.
وقوله بالعود: الباء سببية متعلقة بتلزم: أي تلزم الكفارة بسبب العود ولو طلقها بعده فلا تسقط عنه الكفارة بعد العود بالطلاق بعده.
ومثل الطلاق غيره من أنواع الفرقة، وذلك لإستقرارها بالإمساك بعد الظهار زمنا يسع الفرقة ولم يفارق.
وظاهر عبارته وجوب الكفارة بالعود فقط وهو أحد أوجه ثلاثة، ثانيها وجوبها بالظهار والعود شرط، ثالثها: وجوبها بهما معا، وهو المعتمد الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين وجبت باليمين والحن ث جميعا، وينبني على ذلك أنه على الأخير يجوز تقديمها على العود لأنها حينئذ لها سببان فيجوز تقديمها على أحد السببين، وعلى الأولين لا يجوز تقديمها على العود لأن لها سببا وشرطا على الثاني وسببا فقط على الأول ومحل جواز تقديمها عليه على الآخر إن كانت بغير الصوم، فإن كانت به فلا يجوز تقديمها عليه لأنه عبادة بدنية والعبادة البدنية لا تقدم على وقتها (قوله: وهو) أي العود.
وقوله أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه: أي يسكت عن طلاقها بقدر نطقه بما يقع به فراقها كطلقتك وأنت طالق ولو جاهلا أو ناسيا، وإنما سمي الإمساك المذكور عود لأنه عاد لما قاله: أي خالفه ونقضه يقال: قال فلان قولا وعاد له أو فيه: أي نقضه وخالفه وذلك لأن(4/43)
قوله: أنت علي كظهر أمي يقتضي أن لا يمسكها زوجة بعد، فإذا أمسكها زوجة بعد فقد عاد في قوله ومحل كون الإمساك المذكور يكون عودا في الظهار غير المؤقت وغير المقيد بمكان وفي غير الرجعية.
أما في الأول والثاني فلا يصير عائدا إلا بالوطئ في الوقت أو في المكان وأما في الثالث فلا يصير عائدا إلا بالرجعة.
وقد نظم ابن رسلان في زبده حاصل مسائل الظهار فقال: قول مكلف ولو من ذمي لعرسه، أنت كظهر أمي أو نحوه، فإن يكن لا يعقب طلاقها، فعائد يجتنب الوطئ كالحائض، حتى كفرا بالعتق ينوي الفرض عما ظاهرا رقبة مؤمنة بالله جل سليمة عما يحل بالعمل
إن لم يجد، يصوم شهرين على تتابع، إلا لعذر حصلا وعاجز، ستين مدا ملكاستين مسكينا، كفطرة حكى والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/44)
فصل في العدة أي في بيان أحكامها: ككونها تحصل بوضع الحمل أو بالاقراء أو بالأشهر وإنما أخر الكلام عليها إلى هنا لترتبها غالبا على الطلاق، وإنما قدم الكلام على الإيلاء والظهار عليها لأنهما كانا طلاقا في الجاهلية وللطلاق تعلق بهما، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة، كما هو ظاهر.
وقولهم لا يكفر جاحدها لأنها غير ضرورية ينبغي حمله على بعض تفاصيلها، وإنما كررت الاقراء الملحق بها الأشهر مع حصول البراءة بواحد استظهارا: أي طلبا لظهور ما شرعت لأجله وهو براءة الرحم واكتفى بها مع أنها لا تفيد تيقن البراءة لأن الحامل قد تحيض لكونه نادرا وهي من الشرائع القديمة (قوله: هي مأخوذة من العدد) أي لغة، كما يفيده مقابله الآتي وقيل هي لغة إسم مصدر لاعتد، والمصدر الاعتداد (قوله: لاشتمالها) أي العدة بالمعنى الشرعي، فهو بيان لحكمة تسمية المعنى الشرعي بها فيكون تعليلا لمحذوف: أي وإنما سميت المدة التي تتربص فيها المرأة بالعدة التي هي مأخوذة من العدد لاشتماله تلك المدة على عدد أقراء أو أشهر، ولو أخر هذا التعليل عن المعنى الشرعي وزاد وسميت بذلك لكان أولى وأوضح (قوله: غالبا) راجع لقوله على عدد: أي أن اشتمالها على عدد هو في الغالب، واحترز به عن وضع الحمل فإنه لا عدد في صورته وعن عدة الأمة بشهر ونصف (قوله: وهي) أي العدة: وقوله شرعا: أي في الشرع (قوله: مدة تتربص فيها المرأة) أي تنتظر وتمنع نفسها عن النكاح في تلك المدة وشملت المرأة الحرة والأمة، وخرج بها الرجل فلا عدة عليه قالوا إلا في حالتين الأولى ما إذا كان معه امرأة وطلقها رجعيا وأراد التزوج بمن لا يجوز جمعها معها كأختها الثانية ما إذا كان معه أربع زوجات وطلق واحدة منهن رجعيا وأراد التزوج بخامسة فلا يجوز له ذلك في الحالتين المذكورتين إلا بعد انقضاء العدة وفي كون العدة واجبة على الرجل فيهما نظر، بل غاية ما فيه أنه يتربص بلا تزوج حتى تنقضي العدة الواجبة على المرأة (قوله: لمعرفة الخ) علة التربص أي تتربص في تلك المدة لأجل معرفة براءة رحمها من الحمل، وهذا بالنسبة لغير الصغيرة والآيسة والمراد بالمعرفة ما يشمل الظن إذ ما عدا وضع الحمل يدل عليها ظنا والرحم
جلدة معلقة في فرج المرأة فمها كالكيس يجتمع فيه مني الرجل ومني المرأة فيتخلق منهما الولد (قوله: أو للتعبد) معطوف على لمعرفة الخ فهو علة ثانية للتربص أي أو تتربص في تلك المدة لأجل التعبد، وهذا بالنسبة للصغيرة والآيسة وهو المغلب في العدة بدليل عدم الإكتفاء بقرء واحد مع حصول البراءة به، وبدليل وجوب عدة الوفاة وإن لم يدخل بها.
قال في التحفة: وقول الزركشي لا يقال فيها أي في العدة تعبد لأنها ليست من العبادات المحضة عجيب.
اه.
(قوله: وهو) أي التعبد.
وقوله اصطلاحا: أي في اصطلاح الفقهاء.
وقوله: ما لا يعقل معناه: أي أمر لا تدرك حكمته، بل الشارح تعبدنا به ثم إن في جعل ما خبرا عن التعبد مسامحة: إذ الأمر الواقع عليه لفظ ما بمعنى المتعبد به فهو ليس عين التعبد.
وقوله عبادة كان: أي كالصلاة.
وقوله أو غيرها: كالعدة في بعض أحوالها (قوله: أو لتفجعها) معطوف على لمعرفة إلخ، فهو علة ثالثة للتربص أي أو تتربص لتفجعها: أي توجعها وتحزنها يقال: فجعته المصيبة: أي أوجعته وفي(4/45)
البجيرمي: وقد يجتمع التعبد مع التفجع في فرقة الموت عمن لا يولد له أو كانت قبل الدخول وقد تجتمع براءة الرحم مع التفجع فيمن يولد له في فرقة الموت وقد تجتمع الثلاثة كما في هذا المثال لأن العدة فيها نوع من التعبد دائما واجتماع الأقسام بعضها مع بعض مأخوذ من ذكر أو لأنها مانعة خلو فتجوز الجمع اه.
وقوله: على زوج مات: متعلق بتفجع.
أي لتفجعها على فراق زوج بالموت (قوله: وشرعت) أي العدة وقوله صونا الخ فيه أنه لا يشمل نحو الصغيرة وغير المدخول بها في عدة الوفاة.
وأجيب بأنه حكمة وهي لا يلزم اطرادها.
وقوله: عن الاختلاط فيه أن الرحم إذا دخله مني الرجل انسد فمه فلا يقبل منيا آخر فلا يتصور اختلاط.
وأجيب بأن المراد به الإشتباه (قوله: تجب عدة لفرقة زوج حي) سيأتي مقابله في قوله وتجب لوفاة زوج.
وفي البجيرمي: ومثل فرقة الحياة مسخه حيوانا، ومثل فرقة الموت مسخه جمادا.
اه.
(قوله: بطلاق الخ) الباء سببية متعلق بفرقة أي فرقة حاصلة بسبب طلاق (قوله: أو فسخ نكاح) أي بعيبه أو عيبها، ومثل الفسخ الإنفساخ بلعان أو رضاع أو غيره كردة (قوله: حاضر الخ) يحتمل جعله بدلا من زوج فيكون تعميما فيه.
ويحتمل أن يكون مضافا إليه لفظ نكاح.
وقوله مدة طويلة: متعلق بغائب: أي غائب مدة طويلة.
وفي التقييد به نظر لأنه على الإحتمال الأول يكون قوله حاضر أو غائب مرتبطا بكل من الطلاق أو من الفسخ فبالنسبة للطلاق لا فرق بين أن يكون المطلق غائبا مدة طويلة أو قصيرة، ومثله بالنسبة للفسخ ولا يرد عليه ما سيأتي في باب النفقات من أن كثيرين اختاروا في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ لأنه يلزم من التعذر المذكور أن تكون المدة طويلة، وعلى الإحتمال الثاني يكون
قوله: حاضر، أو غائب مرتبطا بالفسخ فقط.
ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون الذي يفسخ غائبا مدة طويلة أو قصيرة ولا يرد عليه ما سيأتي أيضا لما تقدم آنفا فتنبه (قوله: وطئ) الجملة صفة ثانية لزوج من الوصف بالجملة بعد الوصف بالمفرد: أي ويشترط في ثبوت العدة وطئ الزوج لها، ولا بد أن يكون الواطئ ممن يمكن وطؤه كصبي تهيأ له وأن تكون ممن يمكن وطؤها ومثل الوطئ إدخال منيه المحترم حال خروجه وحال دخوله على ما اعتمده ابن حجر وحال خروجه فقط وإن لم يكن محترما حال دخوله على ما اعتمده م ر، وذلك كما إذا احتلم الزوج وأخذت الزوجة منيه وأدخلته فرجها ظانة أنها مني أجنبي فإن هذا محترم حال الخروج وغير محترم حال الدخول وتجب به العدة إذا طلقت الزوجة بعده وقبل الوطئ على معتمد الثاني دن الأول لأنه اعتبر أن يكون محترما في الحالين.
وفي سم: ولو وطئ زوجته ظانا أنها أجنبية وجبت العدة بلا إشكال بل لو استدخلت هذا الماء زوجة أخرى وجبت العدة فيما يظهر.
اه.
وقوله في قبل أو دبر: تعميم في الوطئ (قوله: بخلاف ما إذا لم يكن وطئ) أي ولم تدخل منيه المحترم: أي فلا عدة عليها وإن وجدت خلوة، وذلك لقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * (1) (قوله: وإن تيقن براءة رحم) غاية في وجوب العدة على الموطوءة: أي تجب العدة عليها وإن تيقن ذلك، وذلك لأن العدة إنما وجبت لعموم الأدلة، ولأن المغلب فيها جهة التعبد كما تقدم (قوله: كما في صغيرة وصغير) تمثيل للمتيقن براءة رحمها وكون الزوج صغيرا ليس بقيد في تيقن براءة رحمها، بل متى كانت صغيرة تيقن ذلك ولو كان كبيرا (قوله: ولوطئ الخ) معطوف على لفرقة: أي وتجب عدة لوطئ حصل مع شبهة كائنة في حلة (قوله: كما في نكاح فاسد) أي كما في وطئه بنكاح فاسد، فإن الوطئ بالنكاح المذكور شبهة (قوله: وهو) أي وطئ الشبهة.
وقوله: كل ما لم يوجب حدا على الواطئ.
أي وإن أوجبه على الموطوءة كما لو زنى المراهق ببالغة أو المجنون بعاقلة فتلزمها العدة لاحترام
__________
(1) سورة الاحزاب، الاية: 49.(4/46)
الماء (قوله: لا يستمتع) أي الزوج.
وقوله بموطوءة بشبهة.
أي بزوجته التي وطئت بشبهة.
وقوله مطلقا: أي استمتاعا مطلقا وطئا كان أو غيره (قوله: حملا كانت) أي سواء كانت عدة الشبهة بالحمل أو بغيره من الأقراء والأشهر (قوله: حتى تنقضي الخ) غاية في النفي: أي لا يستمتع بها إلى أن تنقضي عدتها بوضع الحمل أو غيره، فإذا انقضت عدتها بذلك جاز له الإستمتاع بها (قوله: لإختلال النكاح الخ) علة لعدم الاستمتاع: أي لا يستمتع بها لأنه قد اختل نكاحه بسبب تعلق
حق الغير بها وذلك الحق هو العدة لوطئ الشبهة (قوله: قال شيخنا ومنه) أي ومن التعليل المذكور، وهو اختلال النكاح بما ذكر.
وكتب ع ش على قول م ر: ومنه يؤخذ حرمة نظر ما نصه: هذا يخالف ما مر له قبيل الخطبة من جواز النظر لما عدا ما بين السرة والركبة من المعتدة عن شبهة، وعبارته: وخرج بالتي تحل زوجته المعتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين السرة والركبة.
اه.
ويمكن الجواب بأن الغرض مما ذكره هنا مجرد بيان أنه يؤخذ من عبارة المصنف ولا يلزم من ذلك اعتماده، فليراجع وليتأمل، على أنه قد يمنع أخذ ذلك من المتن لأن النظر بلا شهوة لا يعد تمتعا وهذا بناء على أن الضمير في منه راجع للمتن، أما إن جعل راجعا لقول الشارح لإختلال النكاح الخ لم يبعد الأخذ.
اه.
وقوله لم يبعد الأخذ فيه أن الإشكال، وهو المخالفة المذكورة لا يرتفع بذلك.
وقوله والخلوة بها: بالرفع عطف على النظر: أي ويحرم الخلوة بها (قوله: وإنما يجب لما ذكر) أي لفرقة زوج حي ولوطئ شبهة وهو دخول على المتن (قوله: بثلاثة قروء) الباء للتصوير متعلق بعدة: أي تجب عدة صورة بثلاثة قروء: أي وإن طالت أو استعجلت الحيض بدواء أو اختلفت عادتها فيه أو كانت حاملا من زنا لأن حمل الزنا لا حرمة له، ولو جهل حال الحمل ولم يمكن لحوقه بالزوج بأن ولدت لأكثر من أربع سنين من وقت إمكان وطئ الزوج لها حمل على أنه من زنا من حيث صحة نكاحها معه وجواز وطئ الزوج لها وعلى أنه من شبهة من حيث عدم عقوبتها بسببه، فإن أتت به للإمكان منه لحقه ولم ينتف عنه إلا بلعان ولو أقرت بأنها من ذوات الأقراء ثم كذبت نفسها وزعمت أنها من ذوات الأشهر لم يقبل لأن قولها الأول يتضمن أن عدتها لا تنقضي بالأشهر فلا يقبل رجوعها فيه، بخلاف ما لو قالت لا أحيض زمن الرضاع ثم كذبت نفسها وقالت: أحيض زمنه فيقبل أفاده م ر (قوله: والقرء الخ) اعلم أنه اختلف في القرء فقيل أنه مشترك بين الحيض والطهر، وقيل حقيقة في الطهر مجاز في الحيض، وقيل عكسه ولكن المراد به هنا: أي في العدة الطهر، كما روى عن عمر وعلي وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولقوله تعالى: * (فلطلقوهن لعدتهن) * (1) أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة وهو زمن الطهر لأن الطلاق في الحيض حرام ولا يصح إرادته هنا وإلا لكنا مأمورين بالحرام والإحتراز بقوله هنا عن الإستبراء، فإن المراد به الحيض ومن استعماله فيه ما في خبر النسائي: تترك الصلاة أيام أقرائها وقوله طهر بين دمي حيضتين: إضافة دمي إلى ما بعده من إضافة الأعم للأخص فهي للبيان: أي طهر كائن بين دمين هما حيضتان.
وقوله أو حيض ونفاس: أي أو كائن طهرها بين دمي حيض ونفاس ويتصور عد الطهر قرءا بينهما بما إذا طلقها زوجها وهي حامل من زنا أو وطئ شبهة وكانت تحيض في حملها فحاضت ثم طهرت ثم نفست فيحسب هذا الطهر قرءا
لأنه بين حيض ونفاس.
ومثل الطهر بين ما ذكر الطهر الكائن بين نفاسين كأن طلقت حاملا من زنا أو من وطئ شبهة ثم وضعت فشرعت في عدة الطلاق ثم حملت من زنا فيحسب الطهر بين النفاسين قرءا ثم تأتي بعد الوضع الثاني بقرأين آخرين إن لم يتقدم طهرها الذي طلقت فيه حيض ولا نفاس، وإلا فبقرء واحد (قوله: فلو طلق إلخ) مفرع على كون القرء هو الطهر الكائن بين حيضتين الخ أي فلو لم يكن بين ذلك كأن طلق من لم تحض أولا: أي من لم يسبق منها حيض،
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 1.(4/47)
ومثله من لم تنفس كذلك وقوله ثم حاضت: أي بعد الطلاق: أي أو نفست (قوله: لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا) أي لم يعد قرءا وقوله: إذ لم يكن إلخ: علة لعدم حسبانه قرءا (قوله: بل لا بد إلخ) إضراب انتقالي، وقوله بعد الحيضة إلخ الظرف متعلق بمحذوف صفة لثلاثة أي ثلاثة أطهار واقعة بعد الحيضة.
وقوله المتصلة بالطلاق: أي بالطهر الذي طلق فيه (قوله: ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها) أي غير من لم تحض أولا وهي التي حاضت لأن نفي النفي إثبات يعني إذا طلقت في طهر مسبوق.
بحيض ولو قل يحسب قرءا - كما سيذكره - قريبا في قوله فمن طلقت طاهرا الخ (قوله: وتجب العدة بثلاثة أقراء) الأول إسقاطه لأنه يغني عنه قوله سابقا في الدخول على بثلاثة أقراء، وإنما يجب لما ذكر عدة، وليس هناك طول عهد حتى يقال: إنه أعاده لطوله كما هو عادة المؤلفين (قوله: على حرة تحيض) متعلق بتجب (قوله: لقوله تعالى: الخ) دليل على وجوب العدة عليها (قوله: * (والمطلقات يتربصن) *) أي ينتظرن ويبعدن أنفسهن عن النكاح ثلاثة قروء: أي أطهار (قوله: فمن طلقت طاهرا) لا يخفاك أن هذا مفرع على تفسير القرء بأنه الطهر بين الحيضتين، وأن قوله المار ويحسب بقية الطهر الخ مفرع عليه أيضا.
وهذا يؤدي مؤدي ذلك ويزيد عليه فكان الملائم والأخصر أن يقدم هذا بجنب المفرع عليه ثم يعطف عليه قوله: المار، فلو طلق أو يجعل قوله: فلو طلق باقيا في محله ويقدم هذا أيضا ويجعله معطوفا عليه وعلى الحالتين يحذف قوله ويحسب الخ.
فتنبه (قوله: وقد بقي إلخ) الجملة حالية: أي طلقت والحال أنه بقي من طهرها لحظة (قوله: انقضت عدتها الخ) جواب من قوله (قوله: لإطلاق القرء على أقل لحظة) أي فيصدق على القرءين مع بعض القرء ثلاثة قروء كما صدق على الشهرين مع بعض الثالث أشهر في قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) * (1) (قوله: وإن وطئ فيه) غاية في إطلاق القرء على أقل لحظة (قوله: أو حائضا) عطف على طاهرا (قوله: وإن لم يبق الخ) غاية مما بعده فكان الأولى تأخيره عنه (قوله: فتنقضي عدتها الخ) أي ولا يحسب الحيض الذي
طلقت فيه قرءا (قوله: وزمن الطعن في الحيضة) أي الثالثة فيما إذا طلقت طاهرا أو الرابعة فيما إذا طلقت حائضا وقوله: ليس من العدة، خبر المبتدأ الذي هو لفظ زمن (قوله: بل يتبين به) أي بزمن الطعن في الحيضة.
وقوله انقضاؤها: أي بالأقراء السابقة عليه.
تنبيه: سكت المؤلف عما إذا طلقت وهي ذات نفاس، وظاهر كلام الروضة في باب الحيض أنه لا يحسب من العدة فلا بد من ثلاثة أقراء بعد النفاس.
كذا في المغني وع ش، وسكت أيضا عن عدة المستحاضة.
وحاصله أن عدة المستحاضة غير المتحيرة حرة كانت أو أمة بأقرائها المردودة هي إليها حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما ومميزة لتمييزها كذلك ومبتدأة ليوم وليلة في الحيض وتسع وعشرين في الطهر فعدتها تسعون يوما من ابتداء دمها إن كانت حرة لإشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا، وعدة المتحيرة الحرة ثلاثة أشهر هلالية لإشتمال كل شهر على حيض وطهر، وهذا إذا طلقت في أول الشهر كأن علق الطلاق به، أما لو طلقت في أثنائه فإن بقي منه ما يسع حيضا وطهرا بأن يكون ستة عشر يوما فأكثر حسب قرءا لإشتماله على حيض وطهر لا محالة فتكمل بعده شهرين هلاليين وإن بقي منه خمسة عشر يوما
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 228.
(2) سورة البقرة، الاية: 197.(4/48)
بأقل لم يحسب قرءا لاحتمال أنه حيض فتعتد بعده بثلاثة أشهر، أما الرقيقة فقال البارزي: تعتد بشهر ونصف.
وقال البلقيني: هذا قد يتخرج على أن الأشهر أصل في حقها وليس بمعتمد، فالفتوى على أنها إذا طلقت أول الشهر اعتدت بشهرين أو وقد بقي أكثره فبباقيه، والثاني أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية وهذا هو المعتمد.
(قوله: وتجب عدة بثلاثة أشهر الخ) أي لقوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) * أي فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر من الثاني لدلالة الأول عليه.
وقوله هلالية: أي لا عددية.
وقوله: ما لم تطلق أثناء شهر: قيد لكونها هلالية: أي أن محل كونها هلالية إذا لم تطلق أثناء شهر بأن طلقت أوله (قوله: وإلا تمم الخ) أي وإلا لم تطلق الخ بأن طلقت أثناء شهر تمم الأول المنكسر من الشهر الرابع ثلاثين يوما سواء كان المنكسر ناقصا أو تاما (قوله: إن لم تحض) أي لصغر أو لعلة أو جبلة منعتها رؤية الدم: أي ولم تبلغ سن اليأس لئلا يتكرر مع ما بعده (قوله: أو حاضت أولا) أي أو رأت الحيض قبل اليأس (قوله: ثم انقطع) أي الحيض (قوله: ويئست
من الحيض) أي من عوده عليها (قوله: ببلوغها الخ) الباء لتصوير اليأس: أي أن اليأس مصور ببلوغها الخ.
وقوله إلى سن: إلى زائدة أو أصلية، ويضمن العامل وهو بلوغ معنى وصول.
وقوله تيأس فيه النساء: أي كل النساء في كل الأزمنة باعتبار ما يبلغنا خبره ويعرف، وقيل المعتبر في اليأس يأس عشيرتها: أي نساء أقاربها من الأبوين الأقرب إليها فالأقرب لتقاربهن طبعا وخلقا (قوله: وهو) أي سن اليأس.
وقوله: اثنتان وستون سنة الخ: عبارة النهاية: وحدوده باعتبار ما بلغهم باثنتين وستين سنة، وفيه أقوال أخر: أقصاها خمس وثمانون سنة وأدناها خمسون.
اه.
وفي شرح الروض: ولا يبالي بطول مدة الإنتظار احتياطا وطلبا لليقين.
اه (قوله: ولو حاضت الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء بدل الواو.
وقوله من لم تحض قط: سيأتي محترزه وهو الآيسة.
وقوله في أثناء الخ: متعلق بحاضت (قوله: اعتدت بالاطهار) أي استأنفت العدة بالاطهار إجماعا، وذلك لأنها الأصل في العدة وقد قدرت عليها قبل الفراغ من بدلها فتنتقل إليها كالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء التيمم.
قال في المغنى: ولا يحسب ما بقي من الطهر قرءا.
اه (قوله: أو بعدها) معطوف على في أثناء الخ: أي أو حاضت بعد العدة بالأشهر.
وقوله: لم تستأنف العدة بالاطهار: أي لأن حيضها حينئذ لا يمنع صدق القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن (قوله: بخلاف الآيسة) هذا محترز قوله من لم تحض قط: أي بخلاف الآيسة إذا حاضت فإن فيها تفصيلا حاصله أنها إذا حاضت في أثناء الأشهر الثلاثة وجبت الأقراء لأنها الأصل ولم يتم البدل ويحسب ما مضى قرءا لاحتواشه بدمين فتضم إليه قرءين، وإذا حاضت بعدها فإن نكحت زوجا آخر فلا شئ عليها لأن عدتها انقضت ظاهرا ولا ريبة مع تعلق حق الزوج بها، وإن لم تنكح استأنفت العدة بالاقراء لتبين عدم يأسها، وأنها ممن يحضن مع عدم تعلق حق بها (قوله: ومن انقطع حيضها) أي قبل الطلاق أو بعده في العدة برماوي (قوله: بلا علة) متعلق بانقطع وسيأتي مقابله في قوله.
وأما من انقطع حيضها بعلة الخ.
وقوله تعرف: الجملة صفة لعلة (قوله: لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس) أي وإن طال صبرها، وذلك لأن الأشهر إنما شرعت للتي لم تحض وللآيسة وهذه غيرهما.
وفي ع ش ما نصه: انظر هل يمتد زمن الرجعة إلى اليأس أم ينقضي بثلاثة أشهر كنظيره السابق في المتحيرة؟ الظاهر الأول اه.
عميرة.
وهل مثل الرجعة النفقة أم لا؟ فيه نظر أيضا.
والأقرب الأول لأن النفقة تابعة للعدة وقلنا ببقائها وطريقه في الخلاص من ذلك أن يطلقها بقية الطلقات الثلاث.
اه وقوله: ثم تعتد بالاقراء: أي إذا حاضت.
وقوله أو الاشهر:
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 4.(4/49)
أي إذا أيست فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: وفي القديم) الجار والمجرور خبر مقدم والمصدر المؤول بعد مبتدأ مؤخر (قوله: وهو) أي القول القديم.
وقوله إنها: أي من انقطع حيضها (قوله: تتربص تسعة أشهر) وفي قول قديم أيضا تتربص أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل، ثم إن لم يظهر حمل تعتد بالأشهر (قوله: ثم تعتد الخ) أي ثم بعد مضي تسعة أشهر تعتد بثلاثة أشهر.
وفي التحفة: وقيل: ثلاثة من التسعة عدتها اه (قوله: ليعرف الخ) علة لتربصها تسعة أشهر لا لكونها تعتد بعدها ثلاثة أشهر لأن معرفة فراغ الرحم تحصل بالتسعة الأشهر المتربصة، وحينئذ علة كونها تعتد بعدها بما ذكر التعبد.
وقوله فراغ الدم: عبارة التحفة: فراغ الحرم.
اه.
وهي أولى لأن المراد فراغه من الحمل لا من الدم ولعل في عبارته تحريفا من النساخ.
وقوله إذ هي: أي التسعة الأشهر وهو علة للعلة: أي وإنما كان يعرف فراغ الرحم بها لأنها غالب مدة الحمل (قوله: وانتصر له الخ) أي استدل الشافعي لقوله القديم: بأن سيدنا عمر قضى به، ومع ذلك فهو ضعيف.
إذ المعتمد الجديد (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن هذا القول قضى به سيدنا عمر ولم ينكر عليه (قوله: أما من انقطع حيضها إلخ) محترز قوله: بلا علة تعرف (قوله: كرضاع الخ) تمثيل للعلة التي تعرف.
وقوله ومرض: أي وإن لم يرج برؤه كما شمله إطلاقهم، خلافا لما اعتمده الزركشي.
اه.
نهاية.
وقوله خلافا الخ: قال ع ش لعله يقول: إن عدتها ثلاثة أشهر إلحاقا لها بالآيسة.
اه (قوله: فلا تتزوج الخ) أي لأن سيدنا عمر رضي الله عنه حكم بذلك في المرضع رواه البيهقي، بل قال الجويني هو كالإجماع من الصحابة رضي الله عنهم.
وقولهم اتفاقا: هو محل المخالفة بينهما وبين من انقطع حيضها بلا علة (قوله: وإن طالت المدة) أي فلا يجوز لها التزوج.
وفي الخطيب.
قال بعض المتأخرين: ويتعين التفطن لتعليم جهلة الشهود هذه المسألة فإنهم يزوجون منقطعة الحيض لعارض أو غيره قبل بلوغ سن اليأس ويسمونها بمجرد الانقطاع آيسة ويكتفون بمضي ثلاثة أشهر ويستغربون القول بصبرها إلى سن اليأس حتى تصير عجوزا فليحذر من ذلك: اه (قوله: وتجب العدة لوفاة) مقابل قوله أول الفصل وتجب العدة لتفرقة زوج حي (قوله: حتى الخ) غاية في وجوب عدة الوفاة على المتوفى عنها زوجها: أي تجب العدة عليها ولو كانت مطلقة طلاقا رجعيا بأن طلقها طلاقا رجعيا ثم مات قبل انقضاء عدتها، وحينئذ فتنتقل إلى عدة الوفاة ويسقط عنها بقية عدة الطلاق فتحد وتسقط نفقتها، بخلاف ما إذا مات عن بائن فإنها لا تنتقل إليها بل تكمل عدة الطلاق لأنها ليست زوجة فلا تحد ولها النفقة إن كانت حاملا، وقيد بالحرة لأجل أن يصح تقييده العدة بعد بأربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي التي عدتها ما ذكر، وأما الأمة فهي على النصف من ذلك (قوله: وغير موطوءة) معطوف على حرة رجعية: أي وتجب عدة الوفاة على غير
الموطوءة بأن مات قبل أن يطأها لكونها صغيرة أو غير ذلك، بخلاف فرقة الحياة فإنها إن كانت قبل الوطئ لا تجب عدة عليها لآية * (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الخ.
قال في المغني: وإنما لم يعتبر هنا الوطئ كما في عدة الحياة لأن فرقة الوفاة لا إساءة فيها من الزوج فأمرت بالتفجع وإظهار الحزن بفراقه، ولهذا وجب الإحداد كما سيأتي، ولأنها قد تنكر الدخول ولا تنازع - بخلاف المطلقة - ولأن مقصودها الأعظم حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ولهذا اعتبرت الأشهر.
اه (قوله: وان كانت ذات إقراء) غاية في كون عدة الوفاة بالأشهر، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بأربعة
__________
(1) سورة الاحزاب، الاية: 49.(4/50)
أشهر وعشرة أيام (قوله: بأربعة أشهر وعشرة أيام) أي بعد وضع الحمل إن كانت حاملا من شبهة لأن عدة الحمل مقدمة مطلقا تقدمت أو تأخرت عن الموت بأن وطئت بشبهة في أثناء العدة وحملت فإنها تقدم عدة الشبهة وبعد وضع الحمل تبني على ما مضى من عدة الوفاة، فإن كانت حاملا من زنا انقضت عدتها بمضي الأشهر مع وجوده لأنه لا حرمة له.
ثم إن الأربعة الأشهر معتبرة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر، وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام وإلا تعتبر ثلاثة من الأهلة، ويكمل من الرابع ما يكمل أربعين يوما ولو جهلت الأهلة حسبتها كاملة.
قال في التحفة: وكأن حكمة هذا العدد وما مر أن النساء: لا يصبرن عن الزوج أكثر من أربعة أشهر فجعلت مدة تفجعهن، وزيدت العشرة استظهارا.
ثم رأيت شرح مسلم ذكر أن حكمة ذلك أن الأربعة بها يتحرك الحمل وتنفخ الروح، وذلك يستدعي ظهور الحمل إن كان.
اه.
وقوله ولياليها: في المغني ما نصه.
تنبيه: إنما قال: بلياليها لأن الأوزاعي والأصم قالا: تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام قالا: لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام.
ورد بأن العرب تغلب صيغة التأنيث في العدد خاصة فيقولون سرنا عشرا ويريدون به الليالي والأيام وهذا يقتضي أنه لو مات في أثناء الليل ليلة الحادي والعشرين من الشهر أن هذه العشرة التي هي آخر الشهر لا تكفي مع أربعة أشهر بالهلال بل لا بد من تمام تلك الليلة، والذي يظهر أن ذلك يكفي.
اه.
(قوله: للكتاب الخ) دليل لكون عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام: أي وهو قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * وقوله والسنة: أي والإجماع لكن في غير اليوم العاشر نظرا إلى عشرا إنما يكون للمؤنث وهو الليالي لا غير، كما تقدم (قوله: وتجب على المتوفي عنها زوجها) صادق بالحامل من شبهة فيقتضي أنه يجب عليها
الإحداد حالة الحمل وليس كذلك، بل يجب عليها بعد الوضع.
ولو قال: وتجب على المعتدة عن وفاة لكان أولى لعدم صدقه على ما ذكر.
وقوله العدة بما ذكر: أي بأربعة أشهر وعشرة أيام (قوله: مع إحداد) الظرف متعلق بمحذوف حال من العدة: أي تجب العدة حال كونها مصحوبة بالإحداد وهو من أحد، ويقال فيها الحداد من حد لغة المنع واصطلاحا الإمتناع من الزينة في البدن (قوله: يعني يجب الإحداد عليها) أي على المتوفى عنها زوجها.
وقوله أيضا: أي كما يجب عليها العدة.
واعلم، أن ترك الإحداد كل المدة أو بعضها كبيرة فتعصي به إن علمت حرمة الترك، ومع ذلك تنقضي عدتها ولو بلغها وفاة زوجها بعد انقضاء العدة.
فلا إحداد عليها الانقضاء عدتها، كما لو بلغها طلاقه بعد انقضاء العدة فإنه لا عدة عليها (قوله: بأي صفة كانت) أي المتوفى عنها زوجها: أي سواء كانت رجعية أو صغيرة أو غيرهما (قوله: للخبر المتفق عليه) دليل لوجوب الإحداد.
وقوله: لا يحل الخ: بدل أو عطف بيان من الخبر (قوله: فوق ثلاث) أي وأما الثلاث وما دونها فيحل فيهما للمرأة الإحداد في نحو القريب من سيد وصديق ومملوك وصهر.
والضابط من حزنت لموته فلها الإحداد عليه ثلاثة أيام، ومن لا فلا.
كذا في البجيرمي نقلا عن الزيادي (قوله: أربعة أشهر وعشرا) متعلق بمحذوف بينه الشارح بقوله: أي فإنه الخ وقوله أي يجب: تفسير مراد للحل الذي هو الجواز (قوله: لأن الخ) علة لكون المراد من الحل الوجوب.
وحاصله أن ما جاز بعد امتناعه: أي نفيه واجب غالبا ولك أن تقول: أن ما جاز بعد الإمتناع يصدق بالوجوب المجمع عليه كما هنا، لا هو نفس الوجوب.
وبيان ذلك أنه أولا نفى الحل بقوله: لا يحل ثم أعيد ثانيا مثبتا
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 234.(4/51)
بالمفهوم، فعلم أن المراد به ما قابل الإمتناع فيصدق بالوجوب (قوله: وللإجماع على إرادته) أي إرادة الوجوب في الحديث لا الجواز.
وقوله إلا ما حكي عن الحسن البصري: أي إلا ما نقل عنه من عدم وجوبه فلا يكون قادحا في الإجماع (قوله: وذكر الإيمان) أي في الحديث.
وقوله للغالب: أي أن المحدة تكون مؤمنة (قوله: أو لأنه) أي الإيمان.
وقوله أبعث: أي أشد باعثا وحاملا لها على الإمتثال للمأمور به (قوله: وإلا فمن الخ) أي وإن لم نقل إن ذكر الإيمان للغالب أو لأنه أبعث فلا يصح التقييد به لأن من لها أمان كالذمية والمعاهدة والمستأمنة كذلك (قوله: يلزمها ذلك) أي الإحداد بمعنى أنا نلزمها به لو رفع الأمر إلينا.
قال سم: بل ويلزم من لا أمان لها أيضا لزوم عقاب في الآخرة بناء على
الأصح من مخاطبة الكفار بفروع الشريعة.
اه (قوله: ويلزم الولي الخ) أي ويلزم الولي أن يأمر موليته صغيرة كانت أو مجنونة بالإحداد (قوله: تنبيه) أي في بيان معنى الإحداد اصطلاحا (قوله: الإحداد) مبتدأ خبره قوله ترك الخ (قوله: على المتوفي عنها زوجها) قد علمت ما فيه (قوله: ترك لبس مصبوغ لزينة) أي ليلا ونهارا من حرير أو غيره كثوب أصفر أو أحمر وخرج بقوله: لزينة ما صبغ لا لزينة، بل لأجل احتمال وسخ كالأسود والأخضر والأزرق فلا يحرم عليها لبسه إلا إن كانت من قوم يتزينون به كالأعراب فيحرم.
وقوله وإن خشن: غاية للحرمة (قوله: ويباح إبريسم) هو بالمعنى الشامل للقز مطلق الحرير، ومثله بالأولى قطن وصوف وكتان لم تصبغ (قوله: وترك التطيب) معطوف على ترك الأول: أي والإحداد الواجب عليها أيضا ترك التطيب فيحرم عليها التطيب في بدن أو ثوب أو طعام أو شراب أو كحل وضابط الطيب المحرم عليها كل ما حرم على المحرم، لكن يلزمها هنا إزالة الطيب الكائن معها حال الشروع في العدة (قوله: والتحلي الخ) معطوف على التطيب: أي والإحداد الواجب أيضا ترك التحلي.
وقوله نهارا: أما ليلا فجائز لكن مع الكراهة إن كان لغير حاجة، فإن كان لحاجة فلا كراهة.
قال في المغني: فإن قيل: لبس المصبوغ يحرم ليلا فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب: بأن ذلك يحرم الشهوة، بخلاف الحلي.
اه.
وقوله: بحلي ذهب أو فضة متعلق بالتحلي: أي ترك التحلي بحلي ذهب أو فضة فلو تحلت بذلك حرم لأنه يزيد في حسنها كما قيل: وما الحلي إلا زينة لنقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا وقوله أن يزورا: أي يحسن ويزين من التزوير، وهو تحسين الكذب (قوله: ولو نحو خاتم) أي ولو كان ذلك الحلي نحو خاتم كخلخال وسوار فإنه يحرم (قوله: أو قرط) هو بضم القاف وسكون الراء: وهو حلق يعلق في شحمة الأذن وينبغي أن محل حرمته ما لم يحصل لها ضرر بتركه، وإلا جاز لها لبسه (قوله: أو تحت الثياب) أي أو كان الحلي لبسته من تحت الثياب فيحرم (قوله: للنهي عنه) تعليل لوجوب ترك التحلي بحلي ذهب أو فضة: أي وإنما وجب ذلك للنهي عن الحلي في رواية أبي داود والنسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المتوفي عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختضب (قوله: ومنه مموه) أي ومن الحلي الواجب تركه نحاس مموه بذهب أو فضة، ومثله المموه بغيرهما إن كان مما يحرم التزين به (قوله: ولؤلؤ) معطوف على مموه: أي ومن الحلي أيضا لؤلؤ فيحرم التزين به لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: * (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) * وهذا هو الأصح، ومقابله يقول: لا حرمة بالتزين به لأنه
__________
(1) سورة فاطر، الاية: 33.(4/52)
يحل للرجل (قوله: ومنها العقيق) أي ومن الجواهر العقيق فيحرم عليها التحلي به (قوله: وكذا نحاس) أي وكذلك من الحلي نحو نحاس كرصاص بالقيد الآتي وحينئذ فتقييد الحلي فيما مر بكونه من ذهب أو فضة محله إن كانت من قوم لا يتحلون إلا بهما، وإلا فليس بقيد.
وعبارة المغني: والتقييد بالذهب والفضة يفهم جواز التحلي بغيرهما كنحاس ورصاص وهو كذلك إلا إن تعود قومها التحلي بهما أو أشبها الذهب والفضة، بحيث لا يعرفان إلا بتأمل أو موها بهما فإنهما يحرمان.
قال الأذرعي: والتمويه بغير الذهب والفضة: أي مما يحرم تزينها به كالتمويه بهما، وإنما اقتصروا على ذكرهما اعتبارا بالغالب.
اه (قوله: أن كانت) أي المرأة المعتدة بعدة الوفاة.
وقوله يتحلون بهما: أي بالنحاس والعاج وهو عظم الفيل (قوله: وترك الإكتحال) عطف على ترك الأول أيضا: أي والإحداد الواجب أيضا ترك الإكتحال.
وقوله بإثمد: أي ونحوه مما يكتحل به للزينة.
وقوله إلا لحاجة: أي كرمد فتكتحل به لكن ليلا فقط وتمسحه نهارا ويجوز للضرورة نهارا أيضا، وذلك لخبر أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا.
فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقالت: هو صبر لا طيب فيه.
فقال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار (قوله: ودهن) بالجر عطف على الإكتحال: أي وترك دهن وهو بفتح الدال مراد به المصدر.
وقوله شعر رأسها: أي ولحيتها إن كانت وبقية شعور وجهها (قوله: لا سائر البدن) بالجر عطف على رأسها: أي لا يجب عليها ترك دهن سائر شعور البدن، وكما يحرم عليها الدهن يحرم عليها طلاء وجهها بالإسفيذاج - بالذال المعجمة - وهو ما يتخذ من الرصاص يطلى به الوجه وبالدمام - بكسر الدال المهملة وضمها - وهي ما يطلى به الوجه للتحسين، وهو الحمرة التي يورد بها الخد وهو المسمى عند العامة بحسن يوسف.
ويحكى أن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه كان إذا ذكر أحد عنده بسوء ينهى عنه ويقول: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغضا، إنه لدميم أي معمول بالدمام المتقدم، ويحرم عليها أيضا خضاب ما ظهر من بدنها كالوجه واليدين والرجلين بنحو الحناء وتطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها: أي ناصيتها على جبهتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبها بالكحل وتدقيقه بالحف وهو إزالة شعر ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة بالتحفيف (قوله: وحل تنظف بغسل) أي لرأس أو بدن ولو بدخول
حمام ليس فيه خروج محرم وحل أيضا امتشاط بلادهن واستعمال نحو سدر وإزالة شعر لحية أو شارب أو إبط أو عانة وقلم ظفر (قوله: وإزالة وسخ) بالجر عطفا على غسل: أي وحل تنظف بإزالة وسخ (قوله: وأكل تنبل) بالرفع عطفا على تنظف: أي وحل لها أكل تنبل إذ هو ليس من أنواع الطيب (قوله: وندب إحداد لبائن الخ) وفي قول قديم يجب كالمتوفي عنها زوجها بجامع الإعتداد عن النكاح.
ورد بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به: أي مهجورة متروكة بسبب الطلاق ونفسها قائمة منه فلا تحزن عليه أو بخلع، فالخلع إنما هو منها لكراهتها له أو بفسخ، فالفسخ إما منها أو منه لعيب قائم بها فلا يليق بها إيجاب الاحداد (قوله: لئلا يفضي الخ) علة الندب: أي وإنما ندب لئلا يفضي تزيينها إلى فسادها (قوله: وكذا الرجعية) أي وكذا يندب الإحداد للرجعية، كما نقله في الروضة كأصلها عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله عنه، ثم نقل عن بعض الأصحاب أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها.
اه.
شرح المنهج (قوله: إن لم ترج عوده بالتزين) قيد في ندب الإحداد للرجعية (قوله: فيندب) أي التزين، وهو مفرع على محذوف: أي إذا ترجت العود فيندب لها التزين، وعلى ما ذكر حمل حجر ما أطلقه الأصحاب من أولوية التزين لها.
تنبيه: قال سم: حيث طلب الإحداد أو أبيح وتضمن تغيير اللباس لأجل الموت كان مستثنى من حرمة تغيير اللباس للموت المقرر في باب الجنائز.
اه.
(قوله: وتجب على المعتدة بالوفاة الخ) وذلك لقوله تعالى في الطلاق: *(4/53)
(أسكنوهن من حيث سكنتم) * أي مكانا من مكان سكناكم، ولخبر، فريعة - بضم الفاء - بنت مالك في الوفاة أن زوجها قتل فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى أهلها، وقالت إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فأذن لها في الرجوع قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذي وغيره (قوله: وبطلاق) معطوف على بالوفاة: أي وعلى المعتدة بطلاق.
وقوله بائن: مفاد التقييد به أن المفارقة بطلاق رجعي لا يجب عليها ملازمة المسكن، وليس كذلك بدليل قوله بعد أما الرجعية الخ.
ولو قال: أو بطلاق ولو بائنا وقيد قوله: ولها الخروج بغير الرجعية لكان أولى وأنسب بقوله: أما الرجعية الخ.
تأمل (قوله: أو فسخ) أي أو انفساخ بردة أو لعان أو رضاع.
ح ل (قوله: ملازمة مسكن) فاعل تجب: أي وتجب على المعتدة بالوفاة وما بعده ملازمة مسكن فلا تخرج بنفسها منه وليس لزوج ولا غيره أن يخرجها منه ولو وافقها الزوج على خروج منه بغير حاجة لم يجز وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقا لله تعالى وقد وجبت وهي في ذلك
المسكن.
قال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * والإضافة في قوله: * (من بيوتهن) * لسكناهن فيها، وإلا فالبيوت للأزواج.
وفسر ابن عباس وغيره الفاحشة المبينة بأن تبذو على أهل زوجها حتى يشتد أذاهم ومثل أهل الزوج جيرانها، فإن اشتد أذاهم بها جاز إخراجها كما أنه إذا اشتد أذاها بهم جاز خروجها (قوله: كانت فيه الخ) الجملة صفة لمسكن.
أي مسكن موصوف بأنها كانت فيه عند الموت أو عند الفرقة أي بإذن الزوج وكان لائقا بها حينئذ وأمكن بقاؤها فيه لإستحقاقه منفعته، فإن فورقت بوفاة أو غيرها وهي في مسكن لم يأذن فيه بأن انتقلت من مسكنها الأول إلى المسكن الثاني بغير إذن الزوج لها فيلزمها أن ترجع للأول وتعتد فيه لعصيانها بذلك، بخلاف ما لو انتقلت إليه بإذنه فإنها تعتد فيه وجوبا وإن كان أبعد من الأول أو رجعت إليه لأخذ متاع، وذلك لإعراضها عن الأول بحق أو لم يكن لائقا بها فلا تكلف السكنى فيه كالزوجة أو لم يمكن بقاؤها فيه كأن تعلق به حق كرهن وقد بيع في الدين لتعذر وفائه من غيره ولم يرض مشتريه بإقامتها فيه بأجرة المثل فتنتقل منه إلى غيره (قوله: إلى انقضاء عدة) متعلق بملازمة: أي وتجب الملازمة إلى أن تنقضي العدة، فإذا انقضت فلا وجوب (قوله: ولها الخروج نهارا الخ) وذلك لما رواه مسلم عن جابر قال: طلقت خالتي سلمى فأرادت أن تجذنخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: جذي عسى أن تتصدقي أو تفعلي معروفا قال الشافعي رضي الله عنه، ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهارا.
وورد ذلك في البائن، ويقاس بها المتوفي عنها زوجها.
وضابط من يجوز لها الخروج لما ذكره ومن لا يجوز لها ذلك كل معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج في النهار لشراء طعام وقطن وبيع غزل للحاجة، أما من وجبت نفقتها من رجعية أو بائن حامل أو مستبرأة فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بالنفقة (قوله: لا ليلا) أي لا يجوز لها الخروج في الليل مطلقا لذلك لأنه مظنة الفساد إلا إذا لم يمكنها ذلك نهارا: أي وأمنت كما بحثه أبو زرعة.
اه.
تحفة وقوله ولو أوله: أي لا يجوز لها الخروج في الليل ولو كان في أوله (قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن لها الخروج أوله (قوله: لكن لها خروج ليلا الخ) إستدراك من امتناعه ليلا، وإنما جاز لها فيه للغزل ونحوه لما رواه الشافعي والبيهقي رحمهما الله تعالى أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا فنبيت عند إحدانا، فأذن لهن - صلى الله عليه وسلم - أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة من بيتها (قوله: إلى دار جاره الملاصق) أي لدارها، ومثله ملاصق الملاصق والمقابل، وفي تقييده الجار بما ذكر إشارة إلى أن المراد به هنا الذي مر في الوصية وهو الذي لم يتجاوز داره أربعين دارا من كل جانب فما كان من الأربعين فهو جار ولو لم يكن ملاصقا ولا
ملاصق الملاصق فلو أوصى لجيرانه يقسم على أربعين دارا من كل جانب.
وقوله: لغزل وحديث، متعلق بخروج.
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 6.
(2) سورة الطلاق، الاية: 1.(4/54)
وقوله ونحوهما: أي كخياطة (قوله: لكن الخ) تقييد لجواز الخروج المذكور (قوله: أن يكون ذلك) أي الخروج إلى دار جارتها، والمراد ما يترتب عليه وهو مكثها عند جارتها.
ولو صرح به وقال: أن يكون مكثها بقدر العادة لكان أولى.
وقوله: بقدر العادة وقال بعضهم: تمكث عند جارتها لذلك حصة لم تكن معظم الليل، وإلا فيحرم عليها ذلك (قوله: وإن لا يكون عندها الخ) أي وبشرط أن لا يكون عندها أي المعتدة: أي في دارها التي هي فيه من يؤنسها ويحدثها فإن وجد من ذكر عندها فلا يجوز لها ذلك ولم يذكر هذا الشرط الرملي (قوله: وأن ترجع الخ) أي وبشرط أن ترجع إلى دارها وتبيت فيه، فلو لم ترجع بل باتت عند جارتها حرم عليها ذلك (قوله: أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه) مقابل قوله: المعتدة بالوفاة الخ.
والأنسب بالمقابلة أن يقول: أما الرجعية فيجب عليها ملازمة السكنى أيضا، ولكن لا تخرج إلا بإذنه أو يقول ما قدمته هناك.
وقوله إلا بإذنه: هذا هو محل المخالفة بين الرجعية وغيرها، فالأولى لا تخرج إلا بالإذن والثانية لها الخروج ولو بلا إذن لحاجة، أما حالة الضرورة فهما سواء في جواز الخروج (قوله: لأن عليه) أي الزوج وهو علة لامتناع الخروج عليها إلا بإذنه أو لضرورة.
وقوله كالزوجة: الكاف للتنظير.
والمراد نظير الزوجة الحقيقية فإنها يمتنع عليها الخروج إلا بإذنه لكونه قائما بجميع مؤنها (قوله: ومثلها) أي الرجعية بائن حامل: أي فيمتنع عليها الخروج إلا بإذنه لكونه قائما بجميع مؤنها أيضا (قوله: وتنتقل) أي المعتدة مطلقا بوفاة أو غيرها جوازا.
وقوله من المسكن: أي الذي كانت فيه عند الموت أو الفرقة (قوله: لخوف على نفسها) اللام تعليلية متعلقة بتنتقل: أي تنتقل لأجل خوف على نفسها إذا دامت فيه: أي من نحو ريبة للضرورة.
قال في التحفة: وظاهر أنه يجب الإنتقال حيث ظنت فتنة كخوف على نحو بضع ومن ذلك أن ينتجع قوم البدوية وتخشى من التلف.
اه.
وقوله أو ولدها: أي أو خوف على ولدها.
وقوله أو على المال: أي أو خوف على المال.
وقوله ولو لغيرها: أي ولو كان المال لغيرها وهو موضوع عندها على سبيل الأمانة كوديعة.
وقوله وإن قل: أي ذلك المال والذي يظهر أنه لا بد من أن يكون متمولا: إذ لا وجه لجواز الخروج للخوف على نحو حبة بر.
وفي التحفة زيادة أو اختصاص (قوله: وخوف هدم الخ) الأولى أن يقول: من نحو هدم الخ فيبدل لفظ خوف بلفظة من نحو لأن هذا هو المخوف منه وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو نحو ولدها أو مال ولو لغيرها كوديعة
وإن قل أو اختصاص كذلك فيما يظهر من نحو هدم أو غرق أو سارق أو لخوف على نفسها ما دامت فيه من ريبة الخ.
اه.
فلو عبر مثلهما لكان أولى، ولعله حصل تحريفه من النساخ بإبدال لفظة من نحو بخوف.
فتنبه (قوله: أو تأذن بالجيران) الأولى والأخصر أن يقول كالمنهج أو شدة تأذيها بالجيران لأنه معطوف على خوف، ومثل تأذيها بالجيران ما لو تأذى الجيران بها أذى شديدا فيجوز لها الانتقال لما روى مسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها - صلى الله عليه وسلم - عنهم إلى بيت ابن أم مكتوم ولا يعارضه رواية نقلها لخوف مكانها لإحتمال تكرر الواقعة: قال في التحفة.
تنبيه: يتعين حمل المتن على ما إذا كان تأذيهم بأمر لم تتعد هي به، وإلا أجبرت على تركه ولم يحل لها الإنتقال حينئذ.
اه (قوله: وعلى الزوج سكنى المفارقة) أي ويجب على الزوج سكنى المفارقة مطلقا بوفاة أو طلاق بائن أو رجعي أو فسخ وفي الوفاة تكون السكنى في تركته حيث وجدت وتقدم على الديون المرسلة في الذمة.
قال ع ش: وتقدم على مؤنة التجهيز لأنه حق تعلق بعين التركة وليس هو من الديون المرسلة في الذمة.
وينبغي أن هذا إذا كان ملكه أو يستحق منفعته مدة عدتها بإجارة.
ويحتمل أنه إذا خلفها في بيت معار أو مؤجر وانقضت المدة أنها تقدم بأجرة المسكن على مؤن التجهيز أيضا، ويحتمل - وهو الظاهر - أنها تقدم بأجرة يوم الموت فقط لأن ما بعده لا يجب إلا بدخوله فلم يزاحم مؤن التجهيز.
اه.
وفي التحفة: ويسن للسلطان حيث لا تركة ولا متبرع إسكانها من بيت المال.
كذا أطلقوه.
ولو(4/55)
قيل يجب كوفاء دينه بل أولى - لأن هنا حقا لله أيضا لم يبعد.
اه (قوله: ما لم تكن) أي المفارقة مطلقا ناشزة، فإن كانت كذلك فليس عليه سكناها.
ومثل الناشزة كل من لا نفقة لها عليه كصغيرة لا تحتمل الوطئ.
وعبارة المنهج وشرحه: هذا حيث تجب نفقتها على الزوج لو لم تفارق فلا تجب سكنى لمن لا نفقة لها عليه من ناشزة ولو في العدة وصغيرة لا تحتمل الوطئ وأمة لا تجب نفقتها.
اه.
وقوله: لا تجب نفقتها بأن لم تكن مسلمة ليلا ونهارا ح ل (قوله: وليس له مساكنتها) أي ليس للزوج مساكنتها: أي المعتدة منه بطلاق ولو رجعيا أو فسخ، أما الموت فمتعذر كما هو ظاهر.
ومحل هذا حيث كان المسكن واحدا، فلو تعدد بأن كانت الدار مشتملة على حجرتين وسكن أحدهما حجرة والآخر حجرة جاز ذلك مع الكراهة، ولو لم يكن محرم إن لم تتحد المرافق كمطبخ ومستراح وممر ومرقى وأغلق باب بينهما أو سد، فإن اتحدت اشترط المحرم كما لو لم تكن إلا حجرة واحدة.
وقوله ولا دخول الخ: أي وليس له دخول محل هي أي المعتدة ساكنة فيه: أي وإن لم يكن على جهة المساكنة (قوله: مع انتفاء نحو المحرم) الظرف متعلق بكل من مساكنة ومن دخول
المنفيين: أي ليس له المساكنة المقارنة لانتفاء نحو المحرم وليس له الدخول المقارن لإنتفاء نحو المحرم من زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية، فإن وجد محرم لها بصير مميز يحتشم بحيث يمنع وجوده وقوه خلوة بها أو محرم له أنثى أو زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية وكل منهن ثقة محتشم جاز ذلك لكن مع الكراهة، وإنما حلت خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما، بخلاف خلوة امرأتين برجلين لما في وقوع فاحشة من امرأة بحضور مثلها من البعد لأنها تحتشمها، ولا كذلك الرجل مع مثله (قوله: فيحرم الخ) لما كان امتناع المساكنة والدخول المفهوم من النفي السابق قد يكون على طريق الإستحباب، فلا يتعين للتحريم صرح بالتحريم.
وقوله ذلك: أي المذكور من المساكنة والدخول عليها (قوله: لأن ذلك الخ) علة التحريم: أي وإنما حرم ذلك عليه لأنه يجر إلى الخلوة المحرمة.
قال في المغني: ولأن في ذلك إضرارا بها وقد قال تعالى: * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) * أي في المسكن.
اه (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن ذلك يجر الخ يلزمها أن تمنعه من مساكنتها أو الدخول عليها.
وقوله إن قدرت عليه: أي على المنع المذكور (قوله: وكما تعتد حرة بما ذكر) أي بالأقراء أو بالأشهر (قوله: أي غير الحرة) وهي من فيها رق ولو مبعضة.
وقوله بنصف من عدة الحرة: أي فتعتد ذات الأشهر شهرا ونصفا وتعتد ذات الأقراء قرءين بتكميل المنكسر - كما سيأتي - وهذا في غير الوفاة، أما فيها فتعتد بشهرين وخمسة أيام ولو كانت من ذوات الأقراء (قوله: لأنها على النصف) أي لأن غير الحرة جارية على نصف الحرة: أي ولقول سيدنا عمر رضي الله عنه: وتعتد الأمة بقرأين وقوله في كثير من الأحكام: أي كما تقدم في القسم أن للحرة ليلتين وللأمة ليلة وكما سيأتي في باب الحدود إن شاء الله تعالى أنها إذا زنت الحرة المكلفة تجلد مائة وتغرب عاما والأمة على النصف، وإذا شربت الأولى الخمر تحد أربعين والأمة على النصف وغير ذلك وخرج بالكثير القليل كضرب المدة في العنة ومدة الزفاف وكسن الحيض وأقله وأكثره وكبينونتها بالثلاث فيما إذا تزوجت على حر وأبانها ففي جميعها ساوت الحرة.
تنبيه: لو عتقت في عدة رجعية فكحرة فتكمل ثلاثة أقراء لأن الرجعية كالزوجة في معظم الأحكام فكأنها عتقت قبل الطلاق، بخلاف ما إذا عتقت في عدة بينونة لأنها كالأجنبية فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة، أما لو عتقت مع العدة كأن علق طلاقها وعتقها بشئ واحد فإنها تعتد عدة حرة وفي عكس ما ذكر بأن صارت الحرة أمة: كأن التحقت بدار الحرب فتكمل عدة حرة على أوجه الوجهين (قوله: وكمل الطهر الثاني) أي مع أنها إذا كانت على النصف كما ذكر فحقه أن
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 6.(4/56)
تكون عدتها قرءا ونصفا.
وقوله: إذ لا يظهر الخ علة التكميل، وجعله في شرح الروض علة لعلة قبلها وعبارته: وإنما كمل القرء الثاني لتعذر تبعيضه كالطلاق إذ لا يظهر الخ.
اه.
وهي أولى.
وإنما تعذر تبعيضه لأن أكثر الطهر لا آخر له ولا تعتبر عادتها فيه لأنه ربما أنها تخالف عادتها فاحتيط لذلك، وأوجبوا عليها تكميل القرء.
وقوله نصفه: أي الطهر وقوله إلا بظهور كله: أي لا يظهر النصف إلا بظهور الكل: أي لا يتبين، ويتضح لنا إلا إذا تم ظهور الكل وتمام ظهوره يكون بعود الدم (قوله: فلا بد الخ) تفريع على العلة أو على المعلل.
وقوله من الإنتظار.
أي تنتظر نفسها وتتربص فلا تتزوج.
وقوله إلى أن يعود الدم: أي فإذا عاد تمت مدة الإنتظار والتربص فيجوز لها بعد ذلك أن تتزوج لانقضاء العدة (قوله: وتعتدان الخ) لما أنهى الكلام على عدة الحائل شرع في بيان عدة الحامل.
وقوله أي الحرة والأمة: بيان لألف التثنية.
وقوله لوفاة متعلق بتعتدان: أي تعتدان عدة وفاة.
وقوله أو غيرها: أي الوفاة أي غير مدة الوفاة كعدة الطلاق أو الفسخ (قوله: وإن كانتا تحيضان) غاية لكون عدة الحامل بوضع الحمل، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بوضع حمل (قوله: بوضع حمل) متعلق بتعتدان والمراد تنقضي عدتهما بوضع حمل، وذلك لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * وهو مخصص لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * ولأن القصد من العدة براءة الرحم وهي حاصلة بالوضع.
ثم إنه يتوقف انقضاؤها على انفصال جميع الولد فلا أثر لخروج بعضه متصلا أو منفصلا، ويتوقف أيضا على وضع الولد الأخير من توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر فالثاني حمل آخر.
وقوله حملتا: أي الحرة والأمة وقدره لأجل تعلق الجار والمجرور بعده ولا حاجة لتقديره ويكون الجار والمجرور بعده صفة لحمل: أي حمل منسوب لصاحب العدة من زوج أو واطئ شبهة.
وخرج به ما إذا كان منسوبا لغيره فلا تنقضي العدة به.
ثم إن كان الحمل بوطئ شبهة انقضت عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد للزوج وإن كان من زنا فوجوده كعدمه: إذ لا إحترام له فإن كانت من ذوات الأشهر بأن لم تحض قبل الحمل اعتدت بها أو من ذوات الإقراء اعتدت بها وعليه لو زنت في العدة وحملت من الزنا لم تنقطع العدة (قوله: ولو مضغة الخ) غاية لكون عدة الحامل بالوضع أن تعتد بذلك ولو كان ما وضعته من الحمل مضغة تتصور لو بقيت في بطنها، ومثله بالأولى ما لو كان فيها صورة آدمي بالفعل.
وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنقضي بمضغة فيها صورة آدمي خفية على غير القوابل أخبر بها بطريق الجزم أهل الخبرة ومنهم القوابل لأنها حينئذ تسمى حملا وعبروا بأخبر لأنه لا يشترط لفظ شهادة إلا إذا وجدت دعوى عند قاض أو محكم،
وإذا اكتفى في الأخبار بالنسبة للباطن فليكتف بقابلة - كما هو ظاهر - أخذا من قولهم لمن غاب زوجها فأخبرها عدل بموته أن تتزوج باطنا فإن لم يكن فيها صورة خفية ولكن قلن: أي القوابل مثلا لا مع تردد هي أصل آدمي ولو بقيت تخلقت انقضت العدة بوضعها أيضا على المذهب لتيقن براءة الرحم بها كالدم بل أولى.
اه.
وقوله فليكتف بقابلة: أي بالنسبة للباطن، أما بالنسبة للظاهر فلا بد من أربع قوابل بشرط عدالتهن كما في سائر الشهادات أو رجلين أو رجل وامرأتين (قوله: لا بوضع علقة) أي لا تنقضي العدة بوضع علقة، وذلك لأنها تسمى دما لا حملا ولا يعلم كونها أصل آدمي، ومثلها بالأولى النطفة (قوله: يلحق ذا العدة الخ) أي بشرط أن لا تنكح آخر أو نكحته، ولكن لم يمكن كون الولد منه بأن كان صبيا أو ممسوحا أو ولدته لدون ستة أشهر من نكاحه كما سيعلم مما بعده.
وقوله إلى أربع سنين: متعلق بمحذوف: أي إذا وضعت لستة أشهر ولحظتين أو أكثر، وتنتهي الكثرة بوضعه لأربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل بدليل الاستقراء.
وحكي عن مالك أنه قال: جاورتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاث أبطن في اثنتي
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 4.
(2) سورة البقرة، الاية: 228.(4/57)
عشرة سنة، فحمل كل بطن أربع سنين (قوله: من وقت طلاقه) أي تحسب الأربع سنين من وقت فراقه بتنجيز أو تعليق، وهذا محمول على مقارنة الوطئ للفراق، وإلا لزادت مدة الحمل على أربع سنين مع أنهم حصروا أكثر مدة الحمل في أربع سنين مع لحظة الوطئ فقط.
وفي شرح المنهج: من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، ثم قال فيه واعتباري للمدة في هذه من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، لا من الفراق الذي عبر به أكثر الأصحاب هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما أطلقوه تساهل الخ.
اه (قوله: لأن أتت به الخ) أي لا يلحق ذا العدة إن أتت إلخ.
ومثله في عدم اللحوق به ما لو أتت به من لم تنكح آخر لأكثر من أربع سنين من وقت الوطئ لعدم الإمكان (قوله: وإمكان لأن يكون منه) أي من غير ذي العدة (قوله: بأن أتت به الخ) تصوير لإمكان كونه منه.
وقوله بعد نكاحه: أي الغير وبين المصنف حكم ما إذا أمكن كونه من الأول أو من الثاني، وبقي عليه بيان حكم ما إذا أمكن كونه منهما كأن ولدته لستة أشهر من وطئ الثاني ولدون أربع سنين من طلاق الأول.
وحاصله أنه يعرض على قائف: فإن ألحقه بأحدهما فكالإمكان منه فقط وقد مر حكمه، أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو اشتبه عليه الأمر انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه، ومثله ما لو فقد القائف كأن كان بمسافة القصر، وأما إذا لم يمكن كونه منهما كأن ولدته لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين من وطئ الأول فهو منفي عنهما (قوله:
وتصدق المرأة الخ) قد ذكر هذا بعينه في آخر فصل الرجعة قبيل فصل الإيلاء، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: وإمكان الإنقضاء) أي للعدة.
وقوله ستة أشهر: أي عددية وهي مائة وثمانون يوما من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح.
اه ش ق.
وقوله ولحظتان: أي لحظة للوطئ ولحظة للوضع، وهذا في وضع التام.
أما في غيره فإن كان مصورا فإمكان انقضاء العدة بوضعه مائة وعشرون يوما ولحظتان وإن كان مضغة فإمكان ذلك فيها ثمانون يوما ولحظتان (قوله: وبالأقراء) معطوف على بالولادة: أي وإمكان انقضاء العدة بالإقراء لحرة طلقت في طهر: أي سبق بحيض اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، لحظة للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وبيان ذلك أن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيضة الثالثة لحظة (قوله: وفي حيض الخ) معطوف على في طهر: أي وإمكان انقضاء العدة بالإقراء لحرة طلقت في حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة: أي من حيضة رابعة، وبيانه بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، وقد تقدم الكلام كله مع بيان عدة الأمة والمبعضة فارجع إليه إن شئت (قوله: فائدة ينبغي تحليف إلخ) أي يجب عليه فالمراد من الإنبغاء الوجوب كما يفيده عبارته فيما مر حيث جزم بذلك وهي تصدق بيمينها في انقضاء العدة بغير الأشهر إلخ، ومثله في متن الإرشاد.
وعبارته مع الشرح: وإذا تنازع الزوجان فادعت انقضاء العدة بممكن وضع أو أقراء صدقت إن حلفت وإن خالفت عادتها لعسر إقامة البينة وائتمانها على ما في رحمها فإن نكلت صدق إن أراد رجعة.
اه.
(قوله: ولا يقبل دعواها الخ) يعني المرأة المطلقة لو تزوجت على آخر ثم بعده ادعت أنها تزوجت عليه وعدتها لم تنقض بقصد فساد النكاح لا يقبل دعواها ذلك لأن رضاها بالنكاح عليه يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة (قوله: فلو ادعت بعد الطلاق الخ) يعني إذا اختلفا بعد الطلاق في الدخول وعدمه فادعت هي الدخول بها لأجل أن تأخذ المهر كله وأنكر هو الدخول بها ويتشطر المهر صدق هو بيمينه.
وقوله لأن الأصل(4/58)
عدمه: أي الدخول.
وقوله وعليها العدة إلخ: أي ويجب عليها العدة مع سقوط المهر.
وقوله مؤاخذة الخ: علة لوجوب العدة عليها.
وقوله وإن رجعت: أي عما أقرت به وهو غاية لوجوب العدة عليها (قوله: فرع لو انقضت العدة الخ) المناسب ذكر هذا الفرع في باب الرجعة بعد قوله: ولو ادعى رجعة وهي منقضية ولم تنكح الخ أو يذكر ذلك هنا، وذلك لأن ما هنا محترز قوله: هناك ولم تنكح (قوله: فادعى مطلقها) أي طلاقا رجعيا كما هو ظاهر، وقوله عليها أو على الزوج
الثاني: أي أو عليهما معا، فأو مانعة خلو (قوله: فأثبت) أي مطلقها، فالضمير المستتر يعود له ومثله ضمير له الآتي.
وقوله ذلك: أي ما ادعاه من الرجعة، ومثله ضمير به الآتي.
وقوله أو لم يثبت: أي ذلك بالبينة وقوله لكن أقرا الخ: قيد فيما إذا لم يثبت ذلك.
وقوله له: أي لمطلقها (قوله: أخذها) أي انتزعها مطلقها من الزوج سواء دخل بها أم لا (قوله: ما يستلزم فساد النكاح) أي وهو الرجعة وذلك لأنه إذا ثبتت الرجعة لم يصح نكاحها لأنها زوجة (قوله: ولها عليه) أي الثاني.
وقوله مهر المثل: أي لا المسمى لفساد النكاح (قوله: فلو أنكر الثاني الرجعة) أي مع إنكارها لها أيضا، وإلا كانت عين المسألة الثانية.
وقوله صدق بيمينه، فلو نكل عن اليمين حلف الأول وأخذها (قوله: أو أقرت هي دون الثاني) أي فإنه أنكر ذلك وحلف عليه (قوله: فلا يأخذها) أي مطلقها.
وقوله لتعلق حق الثاني: أي بها وهو استحقاق الإنتفاع بالبضع (قوله: حتى تبين من الثاني) أي بموت له أو فسخ أو طلاق بائن (قوله: إذ لا يقبل إقرارها عليه) أي على الثاني: أي بالنسبة للثاني وهو علة لعدم أخذها إلى أن تبين.
وقوله بالرجعة: متعلق بإقرار.
وقوله ما دامت في عصمته: أي الثاني.
وقوله لتعلق حقه أي الثاني وقوله بها أي المقرة بالرجعة للأول (قوله: ما إذا بانت) الأولى فإذا بانت لأنه مفاد الغاية السابقة.
وقوله منه: أي من الثاني (قوله: فتسلم للأول) أي مدعي الرجعة.
وقوله بلا عقد: أي لأنه ادعى الرجعة، وهي لا تحتاج إلى عقد (قوله: وأعطت وجوبا الأول) أي الزوج الأول المدعي للرجعية.
وقوله قبل بينونتها: أي من الثاني.
وعبارة الروض وشرحه: وقبل ذلك - أي زوال حق الثاني - يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة: أي لأنها حالت بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال حق الثاني رد لها المهر لإرتفاع الحيلولة (قوله: للحيلولة) أي لا للفيصولة وحكم الذي للحيلولة أنه يكون كالرهن عنده، بخلاف الذي للفيصولة فإنه لا يكون كذلك بل يستبد به ويتملكه من تسلمه.
وقوله بينه: أي الأول.
وقوله وبين حقه: أي وهو الانتفاع بالبضع - كما تقدم - وقوله بالنكاح الثاني: متعلق بالصادرة: أي أنها صدرت منها بسبب نكاحها الثاني (قوله: حتى لو زال) أي النكاح الثاني بينونتها منه.
وقوله أخذت المهر: أي من الأول.
وقوله لإرتفاع الحيلولة: علة لأخذ (قوله: ولو تزوجت امرأة الخ) الفرق بين هذه المسألة وبين ما قبلها أنه في هذه المسألة وقع الإختلاف في أصل الطلاق وفيما قبلها في الرجعة مع الإتفاق على الطلاق.
وقوله في حيالة - بالياء المثناة - قال في القاموس: الحيال خيط يشد به من بطان البعير إلى حقبه وقبالة الشئ وقعد حياله، وبحياله بإزائه.
اه.
وفي بعض نسخ الخط، بالباء الموحدة وهو الموافق للروض، والمراد على كل أنها تحت عهدة زوج(4/59)
(قوله: بأن ثبت ذلك) أي كونها تحت الزوج، والباء للتصوير (قوله: ولو بإقرارها) أي ولو ثبت ذلك بإقرارها.
وقوله به: أي بكونها كانت تحت زوج (قوله: قبل نكاح الثاني) متعلق بإقرارها، واحترز به عما إذا أقرت بالزوجية للأول بعد نكاح الثاني فإنه لا يقبل إقرارها عليه نظير ما لو نكحت بإذنها ثم ادعت رضاعا محرما فإنه لا يقبل، ولا يصح جعله متعلقا بثبت لأنه يفيد أنه إذا ثبت ذلك ببينة بعد نكاح الثاني لا تقبل فلا يأخذها وهو لا يصح (قوله: فادعى عليها الأول) أي الزوج الأول الذي كانت تحت حياله (قوله: بقاء نكاحه) مفعول ادعى.
وقوله: وأنه لم يطلقها، معطوف على بقاء نكاحه: أي وادعى أنه لم يطلقها (قوله: وهي) أي من تزوجت على غير زوجها الأول.
وقوله أنه: أي الأول.
وقوله وانقضت عدتها منه: أي وأنه انقضت عدتها منه: أي الأول.
وقوله قبل أن تنكح الثاني: الظرف متعلق بكل من طلقها وانقضت عدتها.
وقوله: ولا بينة بالطلاق، أي والحال أنه لا بينة تشهد بالطلاق (قوله: فحلف) أي الأول المدعى عليه الطلاق (قوله: أخذها) أي الأول.
وقوله من الثاني: أي الزوج الثاني (قوله: لأنها أقرت له بالزوجية) أي فيما إذا ثبتت بالإقرار: أي أو لأنها ثبتت له بالبينة (قوله: وهو) أي إقرارها بالزوجية إقرار صحيح.
وقوله إذ لم يتفقا: أي الزوج الأول والزوجة وهو علة لصحة الإقرار.
وقوله على الطلاق: أي الرافع للزوجية، بخلاف المسألة السابقة فإنهما اتفقا فيها في على الطلاق وادعى بعده رجعة، فإذا أقرت هي بها دون الثاني لا يقبل إقرارها، كما تقدم (قوله: وتنقطع عدة إلخ) شروع في حكم معاشرة المفارق للمعتدة، وقد ترجم له الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: بغير حمل) خرج به عدة الحمل فلا تنقطع بما ذكر، بل تنقضي بوضعه مطلقا (قوله: بمخالطة الخ) الباء سببية متعلقة بتنقطع.
وقوله مفارق: يقرأ بصيغة اسم الفاعل.
وقوله لمفارقة يقرأ بصيغة اسم المفعول أي زوجة مفارقة: أي فارقها زوجها وقوله رجعية: صفة لمفارقة (قوله: فيها) أي في العدة، وهو متعلق بمخالطة أو بمحذوف صفة لها: أي مخالطة حاصلة في العدة (قوله: لا بائن) معطوف على رجعية: أي لا تنقطع العدة بمخالطة مفارق لبائن لأنه لا شبهة لفراشه، وعبارة المغني: لأن مخالطتها محرمة بلا شبهة فأشبهت المزني بها فلا أثر للمخالطة.
اه.
وقوله: ولو بخلع غاية في البائن: أي ولو كانت بينونتها بسبب خلع فإنها لا تنقطع عدتها بالمخالطة (قوله: كمخالطة الزوج زوجته) قيد في المخالطة التي تقطع العدة، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمخالطة: أي مخالطة كائنة كمخالطة الزوج زوجته، وذلك بأن يدوم على حالته التي كان معها قبل الطلاق من النوم معها ليلا أو نهارا والخلوة بها كذلك وغير ذلك.
وقوله بأن كان الخ: تصوير للمخالطة المذكورة.
وقوله يختلي بها.
أي بالرجعية (قوله: ويتمكن عليها) على بمعنى من كما هو مصرح بها في بعض نسخ الخط، والمراد التمكن من الإستمتاع
بها.
وقوله: ولو في الزمن اليسير: غاية في الإختلاء بها والتمكن منها: أي ولو كان ما ذكر يحصل في زمن يسير قال الرشيدي: هو صادق بما إذا قل الزمن جدا، ولعله غير مراد، وأنه إنما احترز به عن اشتراط دوام المعاشرة في كل الأزمنة (قوله: سواء أحصل الخ) تعميم في انقطاع العدة بالإختلاء والتمكن منها: أي لا فرق في ذلك بين أن يكون حصل منه وطئ أو لا، وأفاد به أن المدار في انقطاع العدة على وجود الإختلاء والتمكن بحيث لو أراد الوطئ لأمكن (قوله: فلا تنقضي العدة) أي زمن المخالطة وإن طال الزمن جدا كعشر سنين، وهو مفرع على انقطاع العدة (قوله: لكن إذا زالت الخ) استدراك من قوله: وتنقطع عدة الخ رفع به ما يوهمه الانقطاع من وجوب الإستئناف.
وقوله المعاشرة: عبر بها هنا وفيما تقدم بالمخالطة تفننا وهو ارتكاب فنين من التعبير مؤداهما واحد (قوله: بأن نوى الخ) تصوير لزوال المعاشرة، وهو(4/60)
يفيد أنها لا تزول إلا بالنية (قوله: كملت) بالبناء للمعلوم: أي كملت هي عدتها، وهو جواب إذا.
وقوله على ما مضى: متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر: أي حال كونها بانية للعدة على ما مضى منها قبل المعاشرة، والمراد أنها لا تستأنف عدة جديد بعد زوال المعاشرة ومحل ما ذكر أن مضى زمن بعد الطلاق بلا معاشرة فإن لم يمض زمن بعده بلا معاشرة بأن استمرت المعاشرة من حين الطلاق استأنف العدة من حين زوالها (قوله: وذلك لشبهة الفراش) اسم الإشارة يعود عى المذكور من عدم انقضاء العدة، والإضافة على معنى اللام: أي وإنما لم تنقض العدة بالمخالطة في الرجعية لوجود شبهة للإستفراش بها وهي كونها كالزوجة في الأحكام المار بيانها غير مرة.
وعبارة المغني: فلا تنقضي عدتها وإن طالت المدة لأن الشبهة قائمة، وهي بالمخالطة مستفرش بها، فلا يحسب زمن الإستفراش من العدة، كما لو نكحت غيره في العدة وهو جاهل بالحال لا يحسب زمن استفراشه من العدة.
اه (قوله: كما لو نكحها الخ) الكاف للتنظير، والفاعل يعود على مطلق شخص، والمفعول يعود على امرأة أجنبية في عدة طلاق رجعي: أي هذا نظير ما لو نكح مطلقة من غيره طلاقا رجعيا في العدة وهو جاهل بالحال فإنها تنقطع ولا يحسب زمن استفراشه.
هكذا يتعين حل العبارة - كما تنطق به عبارة المغني المارة - ولو عبر مثله لكان أولى: لأن عبارته توهم أن الزوج نكح المطلقة منه مطلقا طلاقا رجعيا في العدة وهو لا يصح لأنه إن أراد بالنكاح من قوله: نكحها العقد فهو باطل لأنه تقدم أن العقد على الرجعية رجعة لكن بالنية وإن أراد به الوطئ فلا يصح أيضا لأنه يلزم عليه أن يكون المنظر عين المنظر به.
فتأمل.
وقوله حائلا: الذي في التحفة والنهاية جاهلا، فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ.
وقوله في العدة: متعلق
بنكحها (قوله: فلا يحسب) جواب لو ولا حاجة إليه مع ما بعده لأنه قد علم من كاف التنظير.
وقوله زمن إستفراشه: أي من نكح المعتدة من غيره.
وقوله منها: أي العدة (قوله: بل تنقطع) أي العدة.
وقوله من حين الخلوة: أي بها ولو لم يوجد وطئ (قوله: ولا يبطل بها) أي بالخلوة: وقوله ما مضى: أي من العدة (قوله: فتبني عليه) أي على ما مضى، وهذا هو معنى عدم بطلان ما مضى بها.
وقوله إذا زالت: أي الخلوة (قوله: ولا يحسب) أي من العدة.
وقوله الأوقات: أي التي لم تحصل فيها خلوة (قوله: ولكن لا رجعة الخ) إستدراك من المتن: أي لا تنقطع عدتها بالمخالطة في العدة، ولكن لا رجعة الخ، ولو أبقي المتن على حاله ولم يزد أداة الإستدراك لكان أولى، وإنما لم يجز له الرجعة بعدها للإحتياط والتغليظ عليه فهي كالبائن بعد مضي عدتها الأصلية إلا في لحوق الطلاق خاصة - كما صرح به المؤلف - والحاصل، هي بعد انقضاء عدتها الأصلية كالبائن في تسعة أحكام: في إنه لا يصح رجعتها ولا توارث بينهما ولا يصح منها إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا نفقة ولا كسوة ولا يصح خلعها، بمعنى أنه إذا خالعها وقع الطلاق رجعيا ولا يلزم العوض.
ولذلك قال بعضهم: ليس لنا امرأة يلحقها الطلاق ولا يصح خلعها إلا هذه.
وإذا مات عنها لا تنتقل لعدة الوفاة.
وكالرجعية في خمسة أحكام في لحوق الطلاق وفي وجوب سكناها، وفي أنه لا يحد بوطئها وليس له تزوج نحو أختها ولا أربع سواها (قوله: أي بعد العدة) أي بعد انقضائها، والمراد صورة وإلا فلا يصح لأن الغرض في هذه أن عدتها لا تنقضي بسبب المخالطة.
وقوله على المعتمد: مقابله يثبت له الرجعة بعدها.
وفي شرح الروض ما نصه: وما نقله كأصله عن البغوي من عدم ثبوت الرجعة هو ما جزم به في المنهاج، ونقله في المحرر عن المعتبرين.
وفي الشرح الصغير عن الأئمة: قال في المهمات: والمعروف من المذهب المفتي به ثبوت الرجعة كما ذهب إليه القاضي، ونقله البغوي في فتاويه عن الأصحاب.
فالرافعي نقل اختيار البغوي دون منقوله وذكر نحوه الزركشي، لكن يعارض نقل البغوي له عن الأصحاب نقل الرافعي مقابله عن المعتبرين والأئمة كما مر.
اه (قوله: وإن لم تنقض عدتها) الأولى إسقاطه لأن فرض المسألة في الرجعية المخالطة وهي لا تنقضي عدتها بسبب المخالطة (قوله: لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها) أي العدة الصورية(4/61)
(قوله: أنه لا مؤنة لها) أي عليه.
وقوله بعدها: أي بعد العدة الصورية (قوله: وجزم به) أي بما رجحه البلقيني (قوله: فقال: لا توارث الخ) لا يدل على المدعي.
فلعل في العبارة سقطا يعلم من عبارة التحفة ونصها: ومؤنتها عليه إلى انقضاء العدة لكن الذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها.
وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يصح إيلاء منها ولا ظهار
ولا لعان ولا مؤنة لها ويجب لها السكنى لأنها بائن إلا في الطلاق ولا يحد بوطئها.
اه بحذف.
فالساقط من عبارتنا الذي كان عليه أن يأتي به هو قوله: ولا مؤنة لها، فكان عليه أن يأتي به.
وقوله ولا يحد بوطئها: أي لشبهة اختلاف العلماء في حصول الرجعة بالوطئ كما تقدم في بابها (قوله: تتمة) أي في بيان تداخل العدتين (قوله: لو اجتمع عدتا شخص الخ) ذكر حكم اجتماع عدتين من جنس واحد لشخص واحد، وبقي عليه ما إذا كانا من جنسين له أيضا كحمل وأقراء كأن طلقها حاملا ثم وطئها قبل الوضع أو طلقها حائلا ثم وطئها وأحبلها، وحكم ذلك كحكم ما إذا كانا من جنس واحد فتتداخلان وتنقضيان بوضعه وما إذا كانا لشخصين سواء كان من جنس كأن كانت في عدة زوج أو وطئ شبهة فوطئت من آخر بشبهة أو نكاح فاسد فلا تداخل لتعدد المستحق، بل تعتد لكل منهما عدة كاملة.
وتقدم عدة الطلاق على وطئ الشبهة وإن سبق وطئ الشبهة الطلاق لقوتها باستنادها إلى عقد جائز أو كانا من جنسين كأن وجد حمل من أحد الشخصين فكذلك لا تداخل لكن عدة الحمل تقدم مطلقا - سواء كان من المطلق أو من الواطئ بشبهة - ففيما إذا كان من الأول ثم وطئت بشبهة تنقضي عدة الطلاق بوضعه ثم بعد مضي زمن النفاس تعتد بالأقراء، وفي عكسه تنقضي عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد أو تكمل للطلاق.
فتحصل أن الأقسام أربعة: وذلك لأن العدتين إما أن يكونا لشخص أو لشخصين، وعلى كل إما أن يكونا من جنس أو من جنسين (قوله: مطلقا) أي سواء كان الوطئ بشبهة أم لا كما يدل عليه التقييد بعد، وفيه أن وطئ الرجعية إلا يكون لا شبهة فلا يصح التعميم المذكور.
وأجيب بأن المراد بالشبهة فيها شبهة الفاعل بأن ظنها زوجته غير المطلقة أو كان جاهلا معذورا بأنه يحرم عليه وطؤها (قوله: أو البائن) معطوف على الرجعية.
أي أو وطئ مطلقته البائن.
وقوله بشبهة: متعلق بوطئ: أي وطئها بشبهة.
والمراد شبهة الفاعل كما في الذي قبله.
وخرج ما لو وطئها بغير شبهة: بأن كان عالما بأنها المطلقة فلا عدة للوطئ لأنه غير محترم لكونه زنا (قوله: تكفي عدة أخيرة) هي هنا عدة الوطئ أي تغني عما بقي من عدة الطلاق وقوله منهما: أي العدتين عدة الطلاق وعدة الوطئ (قوله: فتعتد الخ) هذا هو معنى الإكتفاء بالعدة الأخيرة منهما (قوله: من فراغ الوطئ) أي وهو إخراج الحشفة ح ل.
بجيرمي (قوله: وتندرج) أي تدخل.
وقوله فيها: أي العدة الأخيرة.
وقوله بقية الأولى: أي عدة الطلاق هنا: أي فيكون قدر تلك البقية مشتركا واقعا عن الجهتين (قوله: فإن كرر الوطئ) أي مطلقا في الرجعية وبشبهه في البائن (قوله: استأنفت أيضا) أي من فراغ الوطئ، ويندرج في عدته بقية الأولى وهكذا (قوله: لكن لا رجعة الخ) إستدراك من اندراج بقية الأولى في عدة الثانية.
وقوله حيث لم يبق من الأولى: أي عدة لطلاق الرجعي، وذلك كأن وطئها بشبهة بعد قرءين من عدة الطلاق ولم يراجعها إلا بعد
تمام القرء الثالث فلا تصح الرجعة، فإن بقي منها بقية كأن راجعها في القرء الثالث صحت الرجعة.
فائدة: قد يجب على المرأة أربع عدد، وذلك كما لو طلقت الأمة فشرعت في العدة فلما قرب انقضاؤها عتقت فإنها تنتقل لعدة الحرائر، فلما قرب انقضاؤها مات زوجها فإنها تنتقل لعدة الوفاة، فلما قرب انقضاؤها وطئت بشبهة وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل (قوله: فرع في حكم الإستبراء) أي كحرمة الاستمتاع بالأمة التي حدث له ملكها حتى يستبرئها.
وقد أفرده الفقهاء بباب(4/62)
مستقل وإنما ذكر عقب العدة لإشتراكهما في أصل البراءة وخص بهذا الاسم لأنه اكتفى فيه بأقل ما يدل على براءة الرحم كحيضة في ذوات الحيض وشهر في ذوات الأشهر بخلاف العدة فإنه لما لم يكتف فيها بذلك خصت باسم العدة المأخوذة من العدد لإشتمالها عليه غالبا.
والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - في سبايا أوطاس: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة وأوطاس بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين: وقاس الشافعي رضي الله عنه غير المسببة عليها بجامع حدوث الملك، ومن لا تحيض بمن تحيض في اعتبار قدر الطهر والحيض وهو شهر غالبا (قوله: وهو) أي الإستبراء.
وقوله شرعا الخ: أي وأما لغة فهو طلب البراءة وقد يطلق بمعنى تحصيلها والإتصاف بها، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه أي حصل برأتهما واتصف بها (قوله: تربص بمن فيها رق) أي صبر وانتظار بمن فيها رق ولو مبعضة، والمتربص بها هو السيد فيما إذا أراد التمتع بها أو تزويجها أو هي نفسها فيما إذا زال فراشه عنها بعتقها، فلا بد من أن تتربص وتنتظر نفسها بنفسها، ولا يجوز لها أن تتزوج حالا.
وقد يكون الإستبراء في الحرة كما إذا كان لها ولد من غير زوجها ومات ذلك الولد فإنه يسن له إستبراؤها لأنها ربما تكون حاملا فيكون الحمل أخا للميت من الأم فيرث منه السدس، ولو عبر بالمرأة كما في شرح المنهج لكان أولى لشمولها الحرة وغيرها.
وقوله: عند وجود سبب مما يأتي: وهو حدوث الملك أو زوال الفراش، وهذا باعتبار الأصل والغالب، وإلا فقد يجب الإستبراء بغير ذلك كأن وطئ أمة غيره يظن أنها أمته فيجب فيها الإستبراء لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين.
وخرج بيظن أنها أمته ما لو ظنها زوجته الحرة فإنها تعتد بثلاثة قروء أو زوجته الأمة فتعتد بقرءين (قوله: للعلم الخ) علة لمقدر: أي وإنما شرع الترب ص ليحصل العلم بالبراءة، وهذا فيمن تحبل.
وقوله أو للتعبد: وهذا في البكر، ومن استبرأها بائعها قبل بيعها والمشتراة من صبي أو امرأة (قوله: يجب استبراء) أي على السيد بالنسبة لما إذا أراد التمتع بأمته أو تزويجها بعد أن وطئها أو عليها بالنسبة لزوال الفراش عنها بعتقها بموته أو إعتاقها فيجب عليها أن تستبرئ
نفسها بنفسها فلا يحل لها أن تتزوج قبل ذلك - كما تقدم - وقد يستحب الإستبراء كما في الحرة السابقة وكما في الأمة التي اشتراها زوجها فتستبرئ استحبابا ليتميز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ثم يعتق بالملك وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أمه أم ولد، وكما في الأمة الموطوءة فإنه يستحب لمالكها قبل بيعها استبراؤها ليكون على بصيرة (قوله: لحل تمتع) تعليل لوجوب الإستبراء: أي وإنما وجب لأجل حل التمتع بها.
وقوله أو تزويج: معطوف على تمتع: أي أو لحل تزويج فلا يحل للسيد أن يزوج أمته على غيره إلا بعد استبرائها لكن بشرط أن يكون قد وطئها، ويعلم منه أن الإستبراء إنما يجب على الرجل دون المرأة لأنها لا تستمتع بجاريتها ولأن شرط وجوب الإستبراء في صورة التزويج الآتية أن تكون الأمة موطوءة لسيدها وهذا لا يتأتى في المرأة اه.
جمل (قوله: بملك أمة الخ) ذكر لوجوب الإستبراء سببين ملك الأمة: أي حدوثه وزوال فراشه ويرد على الأول ما لو فسخت المكاتبة كتابة صحيحة الكتابة أو فسخها السيد عند عجزها عن النجوم فيجب استبراؤها مع عدم حدوث الملك وما لو أسلمت الأمة المرتدة أو السيد المرتد أو أسلما معا بعد ردتهما فإنه يجب استبراؤها مع عدم ذلك، ويرد على الثاني ما لو أراد تزويج موطوءته مستولدة كانت أو غيرها فإنه يجب استبراؤها قبل تزويجها مع أنها عند إرادة التزويج لم يزل فراشه عنها.
وأجيب بأن هذين سببان باعتبار الأصل والغالب.
وهذه الصور جاءت على خلاف ذلك وقال بعضهم: ما ذكر ليس بسبب حقيقة والسبب في الحقيقة إنما هو حل التمتع أو روم التزويج ولكل منهما أسباب: فمن أسباب الأول الملك، ومن أسباب الثاني وطؤه الأمة التي يريد تزويجها.
ويمكن حمل كلام المؤلف عليه بجعل قوله: لحل تمتع أو تزويج علة لوجوب الإستبراء، وجعل الباء من قوله بملك الخ سببية مرتبطة بحل التمتع لا بوجوب الإستبراء في المتن: أي يجب الإستبراء لأجل حل التمتع ولأجل حل تزويجها والأول يحصل بسبب ملك الأمة والثاني يحصل بزوال الفراش عنه على اللف والنشر المرتب (قوله: ولو معتدة) غاية في وجوب الإستبراء بملك الأمة: أي يجب بذلك ولو كانت الأمة التي استبرأها معتدة بوطئ شبهة مثلا.
وعبارة الجمل: قوله ولو معتدة، أي فيجب عليها الإستبراء بعد انقضاء العدة وهذا بالنسبة لحل التمتع، أما بالنسبة لحل(4/63)
التزويج فيكفي فيه انقضاء العدة، وهذا كله إن كانت العدة لغيره فإن كانت العدة له فلا استبراء وتنقطع بملك لها، والصواب أن معتدته يجب عليها الإستبراء أيضا لكن تنقطع العدة، فالفارق بين معتدته ومعتدة غيره إنما هو انقطاع العدة وعدم انقطاعها.
اه.
وهذا محله في إرادة التمتع، أما في إرادة التزويج فلا يجب الإستبراء، كما صرح به في الروض
(قوله: بشراء الخ) الباء سببية متعلقة بملك.
أي أن الملك حصل له بسبب شرائه للأمة وقوله أو إرث: أي لها: وقوله أو وصية: أي بها له مع قبولها.
وقوله أو هبة: أي بها له.
وقوله مع قبض: قيد في الهبة إذ هي قبله لا تملك.
وقوله أو سبي: أي حاصل منه لها، فهذه كلها أسباب للملك.
وقوله بشرطه: أي بوجود شرط السبي: أي التملك به.
وقوله: من القسمة أو اختيار تملك: بيان لشرطه أو تنويع الخلاف، يعني أنه اختلف فيما يحصل به التملك بالسبي: فقيل القسمة - أي قسمة الإمام السبي - على المستحقين - وهو الراجح - وقيل اختيار التملك: أي بأن يقول كل واحد منهم اخترت نصيبي وهو مرجوح وفي البجيرمي ما نصه: عن الجويني والقفال وغيرهما أنه يحرم وطئ السراري اللاتي يجلبن من الروم والهند والترك إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير ظلم أي يفرز خمس الخمس لأهله.
اه.
سم.
والمعتمد جواز الوطئ لاحتمال أن يكون السابي ممن لا يلزمه التخميس كذمي ونحن لا نحرم بالشك.
م ر.
اه.
وسيذكر الشارح مسألة حكم السراري المجلوبة من الروم والهند نقلا عن شيخه في أواخر باب الجهاد بأبسط من هذا (قوله: وإن تيقن براءة رحم) غاية وجوب الإستبراء: أي يجب الإستبراء وإن تيقن الخ للتعبد - كما مر - (قوله: كصغيرة) تمثيل لتيقن براءة رحمها (قوله: وبكر) في كون البكر تتيقن براءة رحمها نظرا لأنه يمكن شغله باستدخال المني من غير وطئ.
وأجيب بأن ذلك نادر فلا عبرة به (قوله: وسواء أملكها الخ) تعميم في وجوب الإستبراء فهو معطوف على الغاية.
ولو قال ومملوكة من صبي الخ: عطفا على كصغيرة لكان أولى وأخصر.
إذ هي من أفراد من تيقن براءة رحمها (قوله: فيجب) أي الإستبراء، وهو تفريع على الغاية وعلى التعميم.
وقوله فيما ذكر: أي الصغيرة وما بعدها (قوله: بالنسبة لحل التمتع) أي وأما بالنسبة لحل التزويج فلا يجب الإستبراء - كما في الروض وشرحه - وعبارتهما: وإن اشترى أمة غير موطوءة أو أمة من امرأة أو صبي أو أمة استبرأها البائع فله تزوجها بلا استبراء، فإن أعتقها فله تزويجها قبل الإستبراء، ويذكر أن الرشيد طلب حيلة مسقطة للاستبراء.
فقال له أبو يوسف من الحنفية: أعتقها ثم تزوجها.
اه.
وقوله استبرأها البائع: الجملة صفة أمة.
وقوله فله تزوجها: أي على الغير، وهو جواب إن وقوله فله تزويجها: أي لنفسه (قوله: وبزوال فراش) عطف على بملك أمة: أي ويجب الإستبراء عليها بزوال فراش أي ملك.
وقوله له: أي للسيد، وهو قيد في الفراش.
وخرج به ما لو أعتق أمته المزوجة أو المعتدة من زوج فلا إستبراء لأنها ليست فراشا للسيد ولأن الإستبراء لحل التمتع أو التزويج وهي مشغولة بحق الزوج من الزوجية أو عدة النكاح.
وقوله عن أمة: متعلق بزوال.
وقوله موطوءة: خرج غيرها، فلا إستبراء عليها بعتقها (قوله: غير مستولدة أو مستولدة) تعميم في الموطوءة (قوله: بعتقها) متعلق بزوال، والباء سببية (قوله: أي بإعتاق)
بيان لما يحصل به العتق: أي أن العتق الحاصل لها تارة يكون بإعتاق السيد لها وتارة يكون بموته (قوله: كل واحدة منهما) أي من المستولدة وغيرها (قوله: أو موته) عطف على إعتاق، ويتصور عتقها بموته بما إذا كانت مستولدة أو مدبرة لأن غيرهما لا يعتق بالموت، بل ينتقل الملك للورثة (قوله: لا إن استبرأ الخ) إستثناء من وجوب الإستبراء على من زال فراشها بالعتق أو بالموت أي يجب عليها الإستبراء إلا إن استبرأها سيدها قبل إعتاقها وكانت غير مستولدة فلا يجب عليها.
وعبارة المنهج وشرحه: ولو استبرأ قبله - أي قبل العتق - مستولدة فإنه يجب عليها الإستبراء لما مر، لا إن استبرأ قبله غيرها: أي غير مستولدة ممن زال عنها الفراش فلا يجب الإستبراء فتتزوج حالا.
إذ لا تشبه منكوحة بخلاف المستولدة فإنها تشبهها فلا يعتد بالإستبراء الواقع قبل زوال فراشها.
اه.
ولو صنع الشارح كصنيعها لكان أولى وأوضح (قوله: غير(4/64)
مستولدة) مفعول استبرأ.
وقوله ممن زال عنها الفراش: بيان للمضاف الذي هو لفظ غير والمراد زال عنها الفراش بالإعتاق الذي استبرأها قبله.
وحاصل هذه المسألة: أنه لو استبرأ السيد أمته غير المستولدة بأن مضت مدة الإستبراء وهو لم يطأها فيها ثم زال فراشه عنها بالإعتاق فلا إستبراء عليها فلها أن تتزوج حالا (قوله: فلا يجب) أي الإستبراء عليها، وهو مفرع على مفهوم قوله لا إن استبرأها أو جواب شرط محذوف: أي فإن استبرأها كما ذكر فلا يجب إستبراء، ولو حذفه لكان أخصر وأولى، لأنه يعلم من استثنائه مما يجب الإستبراء فيه (قوله: بل إلخ) إضراب انتقالي (قوله: إذ لا إلخ) علة لعدم وجوب الإستبراء.
وقوله هذه: أي غير المستولدة التي استبرأها سيدها قبل زوال الفراش (قوله: بخلاف المستولدة) أي فإنها تشبه المنكوحة.
قال في التحفة: والفرق بين غير المستولدة وبين المستولدة ظاهر: إذ الأولى لا تشبه المنكوحة، بخلاف الثانية لثبوت حق الحرية لها فكان فراشها أشبه بفراش الحرة المنكوحة اه.
بالمعنى وقوله: أشبه بفراش الحرة: أي وهي تجب عليها العدة.
اه (قوله: ويحرم بل لا يصح الخ) هذا يفيد أن السبب في الإستبراء روم التزويج، وهو يؤيد ما تقدم عن بعضهم أن السبب الحقيقي، إما حل التمتع أو روم التزويج.
وقوله تزويج موطوءته.
أي أو موطوءة غيره إن كان الماء محترما وأراد تزويجها لغير صاحبه ولم يكن البائع استبرأها قبل البيع ما يعلم من التفصيل الذي ذكره الشارح (قوله: قبل مضي استبراء) في التحفة، وإنما حل بيعها قبله مطلقا لأن القصد من الشراء ملك العين والوطئ قد يقع وقد لا، بخلاف النكاح لا يقصد به إلا الوطئ (قوله: حذرا من اختلاط الماءين) أي اشتباه أحدهما بالآخر فليس المراد حقيقة الإختلاط لأنه تقدم أن الرحم لا يحتوي على ماءين (قوله: أما غير موطوءته) صادق بصورتين بما إذا لم توطأ أصلا وبما
إذا وطئها غيره، وقد أفادهما بقوله فإن كانت الخ (قوله: فله) أي المالك، والمناسب للتقابل أن يقول فلا يحرم تزويجها.
وقوله تزويجها: أي قبل مضي مدة الاستبراء، وكذا يقال فيما بعده.
وقوله مطلقا: أي من كل أحد (قوله: أو موطوءة غيره) أي أو كانت موطوءة غير المالك المريد لتزويجها بأن كانت موطوءة البائع لها قبل استبرائها أو موطوءة بشبهة أو بزنا (قوله: فله) أي للمالك الذي هو المشتري.
وقوله تزويجها ممن الماء منه: أي على من الماء منه، ولا فرق فيه بين أن يكون الماء محترما أم لا، مضت مدة الإستبراء عنده أم لا، ويدل على ذلك ما بعده (قوله: وكذا من غيره) أي وكذا له أن يزوجها على غير من الماء منه لكن بشرط أن يكون الماء غير محترم بأن كان وطؤه لها بزنا، أو محترما لكن مضت مدة الإستبراء منه: أي عند صاحب الماء قبل انتقالها للمشتري (قوله: ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء) أي كما يجوز أن ينكح المعتدة منه.
إذ لا إختلاط هنا، ومن ثم لو اشترى أمة فزوجها لبائعها الذي لم توطأ غيره لم يلزمه استبراء كما لو أعتقها فأراد بائعها أن يتزوجها.
وخرج بموطوءته ومثلها من لم يطأها أو وطئت زنا أو استبرأها من انتقلت منه إليه من وطئها غيره وطئا غير محرم فلا يحل له تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها.
اه.
تحفة.
وقوله من وطئها: فاعل خرج (قوله: وهو) مبتدأ خبره حيضة.
وقوله أي الاستبراء: أي قدره.
وقوله لذات أقراء حال من المبتدأ على رأى أو من الخبر مقدم عليه وهو المسوغ لمجئ الحال من النكرة (قوله: حيضة كاملة) إنما كان العبرة هنا بالحيض وفي العدة بالطهر لان الاقراء فيها متكررة فتعرف البراءة بتكرر الحيض ولا تكرر هنا فيعتمد الحيض الدال على البراءة فمن انقطع حيضها صبرت إلى أن تحيض فتستبرأ بحيض، فإن لم تحض صبرت إلى سن اليأس ثم استبرئت بشهر على نحو ما تقدم في العدة وأقل مدة إمكان الاستبراء إذا جرى سببه في الطهر يوم وليلة ولحظتان وفي الحيض ستة عشر يوما ولحظتان (قوله: فلا تكفي بقيتها) أي الحيضة: أي لا يحصل بهذه البقية من الحيض الاستبراء بخلاف بقية الطهر في العدة فإنها تحسب(4/65)
قرءا والفرق أن بقية الطهر تستعقب الحيضة الدالة على البراءة، وهذه تستعقب الطهر ولا دلالة له على البراءة (قوله: ولو وطئها إلخ) أي لو وطئ السيد أمته في الحيض: أي وقبل مضي مدة الاستبراء كما يدل عليه آخر العبارة، ولو صرح به كالروض وشرحه لكان أولى.
وعبارضة الروض وشرحه.
فرع: وطئ السيد أمته قبل الاستبراء أو في أثنائه لا يقطع الاستبراء وإن أثم به لقيام الملك بخلاف العدة فإن حبلت منه قبل الحيض بقي التحريم حتى تضع كما لو وطئها ولم تحبل أو حبلت منه في أثنائه حلت له بانقطاعه لتمامه.
قال
الإمام: هذا إن مضى قبل وطئه أقل الحيض وإلا فلا تحل له حتى تضع كما لو أحبلها قبل الحيض.
اه (قوله: فحبلت منه) أي الواطئ (قوله: فإن كان) أي الحبل.
وقوله قبل مضي أقل الحيض: الظرف متعلق بمحذوف خبر كان: أي فإن كان حاصلا قبل مضي أقل الحيض وهو يوم وليلة (قوله: انقطع الاستبراء) أي انقطع بالحبل اعتبار الاستبراء بالحيض واعتبر الاستبراء بالوضع، فإذا وضعت حل وطؤها كما يفيده قوله وبقي التحريم إلى الوضع أي بقي تحريم الوطئ عليه إلى أن تضع (قوله: فإذا وضعت ارتفع التحريم) ولا يلزم استبراء ثان بعد الوضع (قوله: كما لو حبلت إلخ) الكاف للتنظير: أي هو نظير ما لو حبلت الامة من وطئه لها في حال طهارتها فإنه يبقي التحريم إلى الوضع فإذا وضعت ارتفع (قوله: وإن حبلت بعد مضي أقله) أي الحيض، وهو يوم وليلة (قوله: كفى) أي مضى أقله في الاستبراء: أي فيحل له بعده التمتع بها ولا يصبر إلى الوضع (قوله: لمضي حيض إلخ) علة لقوله وكفى: أي وإنما كفى ذلك لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (قوله: ولذات أشهر) معطوف على لذات أقراء أي والاستبراء لذات أشهر شهر.
وقوله من صغيرة الخ: بيان لذات الاشهر وقوله شهر: أي ما لم تحض فيه، فإن حاضت فيه استبرئت بالحيضة لانها صارت من ذوات الأقراء.
اه.
ع ش (قوله: ولحامل) معطوف أيضا على ذات أقراء: أي والاستبراء لامة حامل.
وقوله لا تعتد بالوضع: أي ليس لها عدة بالوضع، وهو قيد في كون الاستبراء في حق الحامل وضع الحمل.
وخرج به ما لو كانت تعتد بالوضع بأن ملكها معتدة عن الزوج أو وطئ شبهة أو عتقت حاملا من شبهة وهي فراش لسيدها فلا يكون الاستبراء بالوضع، بل يلزمها أن تستبرئ بعده (قوله: وهي) أي التي لا تعتد بالوضع.
وقوله التي حملها من الزنا: أي ولم تحض فإن حاضت كفت حيضة ولا عبرة بالحمل، ولو كانت من ذوات الشهور ومضى شهر فكذلك.
(والحاصل) أن الاستبراء في الحامل من الزنا يحصل بالاسبق من الوضع والحيضة فيمن تحيض وبالاسبق من الوضع والشهر في ذوات الأشهر (قوله: أو المسبية الحامل) أي من كافر وأفاد بذكرها وما بعدها أن الحمل قد يكون من غير زنا ويكون الاستبراء بالوضع، واندفع بذلك حصر بعضهم الحامل التي لا تعتد بالوضع في التي حملها من زنا وقال: لأنه إن كان من سيدها صارت به أم ولد ولا يصح بيعها وإن كان من زوج انقضت عدتها به ولا يدخل الاستبراء في العدة بل يجب الاستبراء بعده ويكون الولد في هذه رقيقا وإن كان من شبهة نقصت عدة الشبهة بوضعه والولد حر ويغرم الواطئ قيمته لسيد الامة ولا يصح بيعها وهي حامل به لان الحامل بحر لاتباع فيتعين أن يكون الحمل من الزنا.
وحاصل الدفع أنا لا نسلم أنها تنحصر في ذلك بل تارة تكون حاملا من زنا، وتارة تكون غيرها كالمسبية المذكورة وما بعدها
(قوله: أو التي هي حامل من السيد إلخ) أي أو الامة التي هي حامل من السيد ثم زال عنها فراشه بعتقها فإنها ليس لها عدة بالوضع، فإذا رام تزويجها لا بد من إستبرائها ويكون إستبراؤها بالوضع (قوله: سواء الخ) تعميم في الاخيرة وهي الحامل التي زال فراش السيد عنها بالعتق: أي لا فرق فيها بين أن تكون مستولدة من قبل هذا الحمل بأن ولدت منه أولا ثم وطئها(4/66)
وحملت منه ثم أعتقها ورام أن يزوجها فيكون استبراؤها بالوضع، والتعميم المذكور ساقط من عبارة التحفة والنهاية (قوله: وضعه) أي الاستبراء الحامل وضع الحمل لحصول البراءة به وللخبر السابق (قوله: لو اشترى نحو وثنية) أي كمجوسية (قوله: أو مرتدة) أي أو اشترى مرتدة (قوله: فحاضت) أي الوثنية ونحوها المرتدة (قوله: ثم بعد فراغ الحيض) الظرف متعلق بأسلمت بعده.
وقوله أو في أثنائه أي الحيض (قوله: ومثله) أي مثل الحيض الشهر أي فلو أسلمت بعده أو في أثنائه لم يكف مضي الشهر عن الاستبراء قال في التحفة: وكذا الوضع على ما صرح به.
اه (قوله: لم يكف حيضها إلخ) أي فلا بد من إستبراء ثان بعد الاسلام.
وقوله أو نحو: أي الحيض من الشهر أو الوضع وقوله في الاستبراء: متعلق بيكفي (قوله: لأنه الخ) علة لعدم الاكتفاء بما ذكر في الاستبراء.
وقوله لا يستعقب: إن جعلت السين والتاء زائدتين فما بعده فاعل به وحذف مفعوله.
أي لا يعقبه ويتسبب عنه حل التمتع وإن جعلا للطلب فما بعده مفعول والفاعل ضمير مستتر يعود على المذكور من الحيض ونحوه: أي لا يستلزم، ويطلب حل التمتع واعترض التعليل المذكور بأنه يأتي في المحرمة أي إذا اشتراها محرمة فحاضت قبل التحلل فإنه يعتد به مع أنه لا يستعقب الحل (قوله: الذي هو) أي حل التمتع بعد مضي الحيضة أو الشهر القصد في الاستبراء: أي وهذا القصد لم يحصل بما ذكر فلا يكفي في الاستبراء، ولذلك قال القفال: كل إستبراء لا يتعلق به استباحة الوطئ لا يعتد به أي إلا استبراء المرهونة قبل انفكاك الرهن فيعتد به لأنه يحل للراهن وطؤها بإذن المرتهن فهي محل الاستمتاع.
وفرق ابن حجر بينها وبين ما لو اشترى عبد مأذون لها في التجارة أمة وعليه دين حيث لا يعتد باستبرائها قبل سقوط الدين فليس للسيد وطؤها مع أنه يجوز للسيد وطؤها بإذن العبد والغرماء ح ل اه.
جمل.
وقوله وفرق ابن حجر: عبارته ويفرق بينها وبين ما قبلها بأنه يحل وطؤها بإذن المرتهن فهي محل للاستمتاع، بخلاف غيرها حتى مشتراة المأذون لان له حقا في الحجر وهو لا يعتد بإذنه.
فإن قلت: هي تباح له بإذن العبد والغرماء فساوت المرهونة.
قلت: الاذن هنا أندر لاختلاف جهة تعلق العبد والغرماء بخلافه في المرهونة.
اه.
بحذف (قوله: وتصدق المملوكة بلا يمين في قولها حضت) أي تصدق في انقضاء الاستبراء قال في
التحفة: وإذا صدقناها فكذبها فهل يحل له وطؤها قياسا على ما لو ادعت التحليل فكذبها بل أولى أولا ويفرق محل نظر.
والاول أوجه.
اه (قوله: لانه) أي الحيض لا يعلم إلا منها، وهو علة لتصديقها بلا يمين في قولها ذلك قال البجيرمي: ولانها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم الحيض فللسيد وطؤها بعد الطهر وهذا حيث أمكن كما تصدق الحرة في انقضاء عدتها حيث أمكن لانها مؤتمنة على رحمها.
اه (قوله: وحرم في غير مسبية تمتع الخ) وهل هو كبيرة أو لا؟ فيه نظر والأقرب الأول، لكن لا يخفى أن الوطئ وإن كان حراما لعدم الاستبراء لكنه ليس بزنا لوجود شبهة الملك، ومحل حرمته ما لم يخف الزنا فإن خافه جاز له أفاده ع ش وغيره (قوله: ولو بنحو نظر بشهوة) أي ولو كان التمتع بنحو نظر بشهوة، فإنه يحرم وفي سم ما نصه.
قوله ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة قد يشمل الاستمتاع بنحو شعرها وظفرها بمس أو نظر بشهوة أو بجزئها المنفصل وهو غير بعيد ما لم يوجد نقل بخلافه.
فرع: وقع السؤال إستطرادا عن النظر لاجل الشراء.
هل يجوز إذا كان بشهوة كما في نظر الخطبة أو يفرق؟ فيه نظر.
اه.
بتصرف (قوله: ومس) يفيد عدم تقييده بما إذا كان بشهوة وتقييد النظر بما إذا كان بشهوة أنه يحرم المس ولو بغير شهوة (قوله: قبل الخ) متعلق بحرم (قوله: لادائه إلى الوطئ المحرم) علة لحرمة التمتع لكن بغير الوطئ وإلا لم يصح لأنه يصير المعنى يحرم التمتع بالوطئ لادائه إلى التمتع بالوطئ ولا معنى له (قوله: ولاحتماله إلخ) علة ثانية لحرمة التمتع(4/67)
مطلقا سواء كان بوطئ أو غيره.
وقوله إنها حامل بحر: أي بأن وطئت بشبهة أو وطئها سيدها (قوله: فلا يصح نحو بيعها) أي وإذا كانت حاملا بحر فلا يكون بيعها صحيحا وإذا لم يكن صحيحا لا يجوز للمشتري أن يتمتع بها لأنها باقية على ملك البائع (قوله: نعم إلخ) استدراك من حرمة التمتع بها دفع به ما يتوهم من حرمة الخلوة أيضا.
وقوله تحل له الخلوة بها: أي لتفويض الشرع أمر الاستبراء إلى أمانته نعم: إن كان مشهورا بالزنا وعدم المسكة حيل بينه وبينها (قوله: أما في المسبية الخ) مقابل قوله غير مسبية.
وقوله فيحرم الوطئ الخ إنما فارقت المسبية غيرها لتيقن ملكها ولو حاملا فلم يجر فيها الاحتمال السابق، وإنما حرم وطؤها صيانة لمائه أن يختلط بماء حربي لا لحرمته ولم ينظر والاحتمال كونها أم ولد لمسلم فلم يملكها سابيا لندرته وقوله الاستمتاع بغيره أي لا يحرم عليه الاستمتاع بغير الوطئ وقوله من تقبيل ومس: بيان لغير الوطئ (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - الخ) تعليل لحرمة الوطئ وعدم حرمة غيره.
وقوله لم يحرم إلخ أي في الخبر المار أول الفرع وقوله في سبايا أوطاس ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
وقوله منها: أي المسبية.
وقوله
غيره: أي الوطئ (قوله: مع غلبة إلخ) فيه أن هذا لا يختص بالسبايا فلا ينتج المدعي.
وقوله إلى مس الاماء: هذا بالنسبة لامتداد الايدي، وكان حقه أن يزيد وإلى النظر إليهن ليكون مقابل امتداد الاعين.
وقوله سيما الحسان: أي خصوصا في الغلبة المذكورة الاماء الحسان (قوله: ولان ابن عمر الخ) معطوف على قوله لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ (قوله: من سبايا أوطاس) وقيل من سبايا جلولاء وجمع بينهما بأن جلولاء كانوا معاونين لهوازن لكونهم حلفاءهم: أي معاهدين لهم فيمكن أن السبايا من هوازن أو من جلولاء وقسموها في الموضع المسمى بأوطاس، فتكون الجارية الواقعة لابن عمر من جلولاء.
وقصة ابن عمر رضي الله عنهما أنه اتفق أن واحدة سبيت من نسائهم فلما نظر عنقها كإبريق أي سيف فضة فلم يتمالك الصبر عن تقبيلها والناس ينظرونه ولم ينكر أحد عليه فصار إجماعا سكوتيا لا يقال الاجماع لا ينعقد في حياته - صلى الله عليه وسلم - لأنا نقول المراد ولم ينكر عليه أحد من الصحابة بعد موته - صلى الله عليه وسلم - لا يقال تقبيله لها خارم للمروءة لانا نقول: لعله اعتقد عدم وجود أحد عنده فقوله والناس ينظرون: أي وهو لم يعلم بذلك أو أنه فعله إغاظة للكفار أو باجتهاده (قوله: وألحق الماوردي الخ) قال سم ظاهر كلامهم يخالفه.
اه.
(قوله: بالمسبية) متعلق بألحق.
وقوله في حل الاستمتاع: هذا هو وجه الالحاق.
وقوله كل الخ: مفعول ألحق.
وقوله من لا يمكن حملها أي أمة لا يمكن حملها لمانع منه كصغر وإياس وحمل من زنا موجود في بطنها: إذ الحامل لا يتصور أن تحمل على حملها الحاصل (قوله: كصبية الخ) تمثيل للتي لا يمكن حملها (قوله: لا تصير أمة الخ) وهذا بخلاف الزوجة فإنها تصير فراشا بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للامكان من الخلوة بها لحقه وإن لم يعترف بالوطئ.
والفرق أن مقصود النكاح التمتع والولد فاكتفى فيه بالامكان من الخلوة وملك اليمين قد يقصد به التجارة والاستخدام فلا يكتفي فيه إلا بالامكان من الوطئ اه.
شرح المنهج (قوله: إلا بوطئ منه) أي من السيد.
ومثل الوطئ دخول مائة المحترم فيه.
وقوله في قبلها: خرج به الدبر فلا تصير فراشا بالوطئ فيه، وقيل تصير فراشا به فعليه إذا ولدت للامكان منه يلحقه (قوله: ويعلم ذلك) أي الوطئ.
وقوله بإقراره: أي السيد.
وقوله به: أي الوطئ.
وقوله أو ببينة: أي على الوطئ أو على إقراره به (قوله: فإذا الخ) تفريع على كونها تصير بالوطئ فراشا، وعبارة التحفة مع الاصل: وإذا تقرر أن الوطئ يصيرها فراشا فإذا ولدت للامكان الخ (قوله: للامكان من وطئه) أي عند الامكان أو مع الامكان، فاللام(4/68)
بمعنى عند أو مع.
والمعنى أنها إذا ولدت ولدا يمكن أن يكون من وطئه بأن يكون بين زمن الولادة وزمن الوطئ ستة أشهر (قوله: لحقه وإن لم يعترف به) أي بأن سكت عن استلحاقه، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - ألحق الولد بزمعة بمجرد الفراش: أي بعد
علمه الوطئ بوحي أو إخبار فإن نفي الولد بعد إقراره بالوطئ وادعى استبراءا بعد الوطئ بحيضة وقبل الوضع بستة أشهر وحلف على ذلك لم يلحقه الولد، وذلك لان الوطئ الذي هو المعول عليه في اللحوق عارضه دعوى الاستبراء فبقي محض الامكان ولا تعويل عليه في ملك اليمين والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/69)
فصل في النفقة أي في بيان أحكامها.
واعلم، أن للنفقة ثلاثة أسباب: الزوجية والقرابة والملك، وذكر في هذا الفصل الاولين، وذكر الثالث في فصل الحضانة، وكان الأولى ذكره في هذا الفصل جمعا بين الاسباب، وبدأ بنفقة الزوجة لانها أقوى لكونها معاوضة في مقابلة التمكين من التمتع ولا تسقط بمضي الزمان وأخرت إلى هنا لوجوبها في النكاح وبعده كأن طلقت وهي حامل أو كان الطلاق رجعيا.
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع: فمن الأول قوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * ومن الثاني خبر: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (قوله: من الانفاق) يرد عليه أن النفقة مصدر مجرد والانفاق مصدر مزيد ولا يشتق المجرد من المزيد.
ويمكن أن يجاب بأن المراد مأخوذة من الانفاق والاخذ أوسع دائرة من الاشتقاق (قوله: وهو) أي الانفاق.
وقوله الإخراج: أي دفع ما يسمى نفقة لمن يستحقه، ثم إن الانفاق لا يستعمل إلا في الخير: كما إن الاسراف لا يستعمل إلا في غيره.
ومن بلاغات الزمخشري: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف.
وهو من رد العجز إلى الصدر (قوله: يجب) أي وجوبا موسعا فلا يحب س ولا يلازم لكن لو طالبته وجب عليه الدفع، فإن تركه مع القدرة عليه أثم.
ح ل.
بجيرمي (قوله: المد الآتي) أي ذكره في المتن، ثم إن المؤلف قدر هنا فاعلا للفعل وجعل الفاعل بحسب صنيع المتن خبرا وقدر له مبتدأ (قوله: وما عطف عليه) أي المد الآتي وهو مدان ومد ونصف: أي وما تعلق به من الادم وما بعده (قوله: لزوجة) متعلق بيجب (قوله: ولو أمة ومريضة) الغاية للتعميم: أي لا فرق في وجوب ما ذكر للزوجة بين أن تكون أمة أو تكون حرة، ولا فرق أيضا بين أن تكون صحيحة أو مريضة (قوله: مكنت من الإستمتاع بها) أي بأن عرضت نفسها عليه كأن تقول إني مسلمة نفسي إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو إن تأتيني.
ومحل ذلك إذا كان في بلدها فإن غاب عن بلدها رفعت الأمر إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم بلد الزوج ليعلمه بالحال فيجئ إليها أو يوكل في الانفاق عليها فإن لم يفعل شيئا من الامرين فرضها القاضي في ماله من حين إمكان وصوله
هذا أن كانت بالغة عاقلة فإن كانت صغيرة أو مجنونة.
فالعبرة بعرض وليها لانه هو المخاطب بذلك، ولا بد من التمكين التام فلو مكنته وقتا دون وقت كأن تمكنه الليل دون النهار أو في دار دون دار فلا نفقه لها.
وخرج بتمكينها من الإستمتاع بها ما لو لم تمكنه من ذلك فهي ناشزة ولا نفقة لها.
وقوله ومن نقلها الخ: أي ومكنته من نقلها إلى حيث شاء الزوج.
وخرج به ما لو امتنعت من ذلك فهي ناشزة أيضا ولا نفقة لها.
وقوله عند أمن الطريق: والمقصد قيد في اشتراط تمكين نفسها له من نقلها إلى حيث شاء: أي يشترط ذلك إذا كان كل من الطريق والمقصد آمنا، وإلا فلا يشترط فلو امتنعت من ذلك حينئذ فليست بناشزة وعليه نفقتها.
وقوله ولو بركوب بحر إلخ: غاية في اشتراط التمكين من النقل معه: أي يشترط ذلك ولو كان النقل يكون بركوب بحر لانه يلزمها إجابته إليه على الأوجه - كما في فتح الجواد.
وقوله غلبت فيه السلامة: قيد في ركوب البحر.
وخرج به ما لو لم تغلب فيه السلامة فلا يشترط أن تمكن من نقلها الذي يحصل بركوبه بمعنى أنها لو(4/70)
امتنعت من ذلك لا تكون ناشزة فلا تسقط نفقتها (قوله: فلا تجب) أي المذكورات من المد وما عطف عليه وما يتعلق به، ويصح عوده على المؤن المعلومة من المقام، وهو تفريع على قوله مكنت المجعول قيدا للوجوب.
وقوله بالعقد: أي وقبل التمكين وذلك لانه يوجب المهر فلا يوجب عوضين ولانها مجهولة بسبب جهل حال الزوج من يسار أو إعسار أو توسط والعقد لا يجوب مالا مجهولا، ولانه - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، فلو كانت النفقة واجبة بالعقد لساقها إليها ولو وقع لنقل (قوله: خلافا للقديم) أي القائل بوجوبها بالعقد كالمهر بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء وكتب الرشيدي ما نصه قوله والقديم تجب بالعقد - أي وتستقر - بالتمكين كما صرح به الجلال، ثم قال عقبه فإن امتنعت سقطت اه.
وانظر ما معنى وجوبها بالعقد عليه؟ ولعله يظهر ذلك فيما لو مات أحدهما قبل التمكين فيستحق مؤنة ما بعد العقد وقبل الموت (قوله: وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما) أي وتجب بفجر كل يوم - كما سيصرح به - وإنما وجبت به لأن الواجب - كما سيأتي - الحب فيحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه، فلو حصل التمكين ابتداء في أثناء اليوم وجبت بالقسط حتى لو حصل وقت الغروب كما يقع كثيرا وجبت كذلك.
وخرج بقوله ابتداء ما لو كان ذلك بعد نشوز بأن كانت ناشزة ثم مكنت نفسها في أثناء اليوم فلا تجب نفقة ذلك اليوم لانها تسقط بالنشوز فلا تعود بالطاعة (قوله: ويصدق هو بيمينه إلخ) أي لو اختلف الزوجان في التمكين وعدمه بأن ادعته هي وأنكره هو ولا بينة صدق بيمينه لأن الأصل عدمه، فلو نكل عن اليمين حلفت هي يمين الرد
واستحقت النفقة لأن اليمين المردودة كالاقرار أو كالبينة (قوله: وهي الخ) أي وتصدق هي فيما لو اتفقا على التمكين وادعى هو نشوزها بعده وهي عدمه أو ادعى هو الانفاق عليها وادعت هي عدمه، وذلك لأن الأصل عدم النشوز وعدم الانفاق.
وقوله: والانفاق عليها: بالجر عطف على النشوز (قوله: وإذا مكنت من يمكن التمتع بها) من واقعة على الزوجة، وهي فاعل الفعل ومفعوله محذوف: أي وإذا مكنت الزوجة التي يمكن التمتع بها زوجها وجبت عليه المؤن.
وقوله ولو من بعض الوجوه: أي ولو كان التمتع بها من بعض الوجوه - لا من كلها (قوله: وجبت مؤنها) أي على زوجها (قوله: ولو كان الزوج طفلا) غاية لوجوب المؤن عليه وهي للرد على من قال: لا تجب عليه لانه لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه.
وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والاظهر أنها تجب لكبيرة - أي لمن يمكن وطؤها وإن لم تبلغ كما هو ظاهر على صغير لا يمكن وطؤه إذا عرضت على وليه لأن المانع من جهته، والثاني: لا تجب لانه لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه فلا يلزمه غرم.
انتهت (قوله: وإن عجزت عن وطئ الخ) ظاهر صنيعه أنه غاية لقوله: وجبت مؤنها المرتب على من يمكن التمتع بها.
ويرد عليه أنه لا يلائمه قوله بعد لا إن عجزت بالصغر لانه ينحل المعنى لا إن عجزت: أي من يمكن التمتع بها بالصغر، ولا يخفى ما فيه ولو قدم الشارح هذه الغاية على قوله وإذا مكنت الخ لكان أولى: لانه يصير عليه غاية لقوله: وإنما تجب بالتمكين وهو ظاهر - كما في فتح الجواد - وعبارته: وتجب لها بالتمكين وإن عجزت عن وطئ الخ ما ذكره الشارح، وحاصل المعنى أنها تجب المؤن بالتمكين وإن عجزت عن وطئ بسب ب غير الصغر، وذلك لان المرض يطرأ ويزول.
ومثله الجنون والرتق وإن كان لا يزول لكنه قد رضي به مع التمتع ممكن بغير الوطئ في الجميع وهو كاف من بعض الوجوه - كما صرح به قبل - وقوله أو جنون: أي مقارن للتسليم أو حادث بعده (قوله: لا إن عجزت بالصغر) أي لا تجب ان عجزت بالصغر.
وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والاظهر ان لا نفقة ولا مؤنة لصغيرة لا تحتمل الوطئ وإن سلمت له لان تعذر وطئها لمعنى قائم بها فليست أهلا للتمتع، والثاني لها النفقة لانها حسبت عنده وفوات الاستمتاع لسبب هي فيه معذورة كالمريضة والرتقاء، وفرق الاول بما مر في التعليل.
اه.
(قوله: فلا نفقة لها) الأولى إسقاطه لأن(4/71)
معنى قوله لا إن عجزت الخ لا تجب المؤن ان عجزت.
وقوله وان سلمها الخ: غاية لعدم وجوب النفقة لها (قوله: إذ لا يمكن التمتع بها) أي ولا من وجه، وهو علة لعدم وجوب النفقة (قوله: بخلاف من تحتمله) أي الوطئ وهو محترز قوله لا تحتمل الوطئ (قوله: ويثبت ذلك) أي تمكينها له الموجب للنفقة.
وقوله بإقراره: أي الزوج.
وقوله وبشهادة البينة به: أي
بالاقرار.
وقوله أو بأنها في غيبته الخ: أي ويثبت ذلك بشهادة البينة بأنها في حال غيبته باذلة للطاعة.
قال ع ش: وهذا إنما يحتاج إليه إذا لم يسبق تمكين منها أو سبق نشوز، وإلا فالقول قولها في عدم النشوز من غيبته.
وقوله ونحو ذلك: بالجر معطوف على إقراره: أي ويثبت بنحو ذلك كرفع أمرها للحاكم وإظهار أنها مسلمة له (قوله: ولها مطالبته بها الخ) أي للزوجة إذا أراد زوجها أن يسافر سفرا طويلا أن تطالبه بالنفقة مدة سفره، ويلزم القاضي إجابتها في منعه من السفر حتى يترك لها النفقة منه أو يوكل من ينفق عليها أو يطلقها - كما سيصرح به الشارح - قال في التحفة: ويفرق بينها وبين من له دين مؤجل فإنه لا منع له وإن كان يحل عقب الخروج بأن الدائن ليس في حبس المدين وهو المقصر برضاه بذمته، ولا كذلك الزوجة فيهما: إذ لا تقصير منها وهي في حبسه فلو مكناه من السفر الطويل بلا نفقة ولا منفق لادى ذلك إلى إضرارها بما لا يطاق الصبر عليه لا سيما الفقيرة التي لا تجد منفقا فاقتضت الضرورة إلزامه ببقاء كفايتها عند من يثق به.
اه.
وهذه المسألة مكررة مع قوله الآتي ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر، فكان المناسب الاقتصار على أحدهما وعلى الثانية أولى لان فيها زيادة الطلاق (قوله: ولو رجعية) غاية لوجوب ما ذكر للزوجة: أي يجب ما ذكر لها ولو كانت زوجة حكما كالرجعية (قوله: وإن كانت) أي الرجعية.
وقوله حائلا: أي غير حامل (قوله: أي يجب لها ما ذكر) أي وهو المد الآتي، وما عطف عليه ولو أبدل ما ذكر بما يأتي لكان أولى (قوله: ما عدا آلة التنظيف) أي أما هي فلا تجب عليه لها.
نعم: لها ما يزيل الوسخ فقط - كما سيذكره - (قوله: لبقاء حبسه لها) علة لوجوبها للرجعية (قوله: ولامتناعه) متعلق بما بعده: أي لم يجب لها آلة التنظيف لامتناع الزوج عنها: أي عن الاستمتاع بها لكونه قد طلقها (قوله: ويسقط مؤنتها) أي الرجعية ما يسقط مؤنة الزوجة: أي مما يتصور فيها كالنشوز - بخلاف ما لا يتصور فيها كالعجز عن الوطئ بسبب الصغر، وذلك لانها إذا طلقت قبل الوطئ تبين ولا تكون رجعية.
وقوله كالنشوز: أي بخصوص الخروج عن المسكن والسفر والردة، وأما نشوزها بامتناعها من الإستمتاع بها فلا يتصور فيها (قوله: وتصدق) أي الرجعية.
وقوله في قدر أقرائها فلو ادعت أن قرأها - أي طهرها - تسع وعشرون يوما غالبه وادعى هو أن قرأها خمسة عشر يوما أقله صدقت هي لانها مؤتمنة على ما في رحمها (قوله: إن كذبها) قيد في اليمين (قوله: وإلا) أي وإن لم يكذبها، فلا يمين عليها (قوله: وتجب النفقة) الاولى التعبير هنا وفي جميع ما يأتي بالمؤنة لانها تشمل الكسوة والمسكن - بخلاف النفقة فإنها خاصة بالقوت والحامل البائن يجب لها النفقة والكسوة والمسكن لا الاولى فقط.
وعبارة المنهج مع شرحه: ولا مؤنة من نفقة وكسوة لحامل بائن وتجب لحامل إلخ.
اه.
وقوله أيضا: أي كما تجب لرجعية.
وقوله لمطلقة
حامل: إنما وجبت لها لآية * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * ولانه كالمستمتع برحمها لاشتغاله بمائه، ثم إن وجوب النفقة لها بسبب الحمل لا للحمل على الأصح لأنها تلزم المعسر وتتقدر بالامداد بحسب يسار الزوج وإعساره وتسقط بالنشوز - ولا تسقط بمضي الزمان ولو كانت للحمل لتقدرت بقدر كفايته وهي متعذرة ولم تجب على المعسر وسقطت بمضي الزمان.
وقوله بالطلاق الثلاث: متعلق ببائن.
وقوله أو الخلع: معطوف على الطلاق: أي أو بائن
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 6.(4/72)
بالخلع.
وقوله أو الفسخ: معطوف أيضا على الطلاق: أي أو بائن بالفسخ، وفيه أن عبارته تفيد أن البائن بالفسخ مطلقة مع أنه تقدم أن الفسخ لا يحسب طلاقا، فالأولى أن يقول وتجب لحامل بائن إلخ.
ويحذف لفظ مطلقة.
وقوله بغير مقارن: متعلق بالفسخ: أي الفسخ بسبب غير مقارن للعقد بأن يكون طرأ بعده كردة، أما إذا قارن العقد بأن وجد حالته كعيب أو غرور فلا نفقه لها بفسخه به.
قال في التحفة: لانه يرفع العقد من أصله.
اه.
وتوقف فيه سم وقال الجمل: هذا التعليل ضعيف، والمعتمد أنه يرفعه من حينه ومع ذلك لا تستحق.
اه (قوله: وان مات الزوج قبل الوضع) غاية لوجوب النفقه للمطلقة الحامل: أي تجب النفقة لها وإن مات قبل أن تضع حملها لما علمت أن الاصح أن النفقة تجب لها لا للحمل ولان البائن لا تنتقل لعدة الوفاة ولان المؤن وجبت قبل الموت فاغتفر بقاؤها في الدوام لانه أقوى من الابتداء وإذا مات أخرجت من تركته.
وقوله ما لم تنشز: قيد لوجوب النفقة.
وخرج به ما لو نشزت بأن خرجت من المسكن لغير حاجة فانها تسقط نفقتها (قوله: ولو أنفق) أي الزوج عليها.
وقوله يظنه: أي الحمل.
وقوله فبان عدمه: أي تبين أن لا حمل وقوله رجع عليها: أي بما دفعه لها بعد عدتها لانه بان أن لا شئ عليه (قوله: أما إذا إلخ) محترز قوله بائن بالطلاق الثلاث الخ.
وقوله فلا نفقة: أي لها عليه، وذلك لخبر الدارقطني: ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة وإنما وجبت فيما لو توفي بعد بينونتها لانها وجبت قبل الوفاة فاغتفر بقاؤها في الدوام لانه أقوى من الابتداء ولان البائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة كما مر آنفا (قوله: وكذا لا نفقة) أي أصلا لا على الزوج ولا على الواطئ بشبهة.
وقوله لزوجة إلخ: أي ولو كانت رجعية لكن يشترط فيها أن تحمل من وطئ الشبهة، أما إذا لم تحمل فيجب لها النفقة لان عدة الطلاق حينئذ مقدمة على عدة الشبهة - كما في فتح الجواد - وعبارته مع الأصل: وتجب لزوجة ورجعية لا إذا تلبست إحداهما بعدة شبهة بأن وطئت الزوجة بشبهة وإن لم تحبل أو الرجعية بها وحبلت لانتفاء تمكين الزوجة: إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة
ولان الرجعية مشغولة بحق غيره واشترط حبلها لان عدة الشبهة لا تقدم إلا حينئذ كما مر.
اه.
بتصرف.
(قوله: بأن وطئت بشبهة) أي ولو بنكاح فاسد، والباء لتصوير المتلبسة بعدة الشبهة (قوله: وإن لم تحبل) غاية في عدم وجوب النفقة (قوله: لانتفاء التمكين) علة لعدم وجوب النفقة: أي وإنما لم تجب لانتفاء التمكين منها الموجب للنفقة (قوله: إذ يحال إلخ) علة للعلة أي وإنما انتفى التمكين لانه يحال بينها وبينه إلى انقضاء عدة الشبهة (قوله: ثم الواجب الخ) دخول في على المتن.
وقول ممن مر: بيان لنحو الزوجة وهو الرجعية والحامل البائن بما تقدم (قوله: مد طعام) خبر الواجب (قوله: من غالب الخ) بيان للمد: أي حال كونه كائنا من غالب قوت محل إقامتها سواء كان من بر أو غيره كأقط كالفطرة وإن لم يلق بها ولا ألفته: إذ لها إبداله، فإن اختلف غالب قوت محل إقامتها وجب لائق به يسارا وضده ولا عبرة بما يتناوله هو توسعا أو بخلا (قوله: لا إقامته) أي لا من غالب قوت محل إقامة الزوج (قوله: ويكفي) أي في براءة ذمته من النفقة.
وقوله دفعه: أي المد، ومثله بقية المؤن ويكفي الوضع بين يديها مع التمكن من الاخذ والدفع يكون لها إن كانت كاملة، وإلا فلوليها وسيد غير المكاتبة.
وقوله كالدين في الذمة: أي فإنه يكفي فيه الدفع من غير افتقار إلى إيجاب وقبول (قوله: قال شيخنا) أي في شرح الارشاد، ونص عبارته: ويكفي دفعة من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة، ومنه يؤخذ إلخ.
اه.
وقوله ومنه يؤخذ: أنظر من أين يؤخذ ذلك؟ فإن كان من جعل أدائه كأداء الدين ففيه نظر: لأنه لا بد في وقوع ما دفعه عن الدين من قصد الأداء عن جهة الدين، كما يعلم من عبارة شرح الروض الآتية قريبا، وكما تقدم عن ابن حجر في باب الضمان ونصه هناك: قال السبكي في تكملة شرح المهذب عن الامام متى أدى المدين بغير قصد شئ حالة الدفع لم يكن شيئا ولم يملكه المدفوع إليه، بل لا بد من قصد الأداء عن جهة الدين، وكثير من الفقهاء يغلط في هذا ويقول أداء(4/73)
الدين لا تجب فيه النية.
اه.
وجرى عليه الزركشي وغيره.
اه.
وإن كان من الاكتفاء بالدفع بقطع النظر عن التشبيه فمحتمل، ويدل على هذا التقييد بقوله هنا: أي في النفقة فقط لا في الدين إلا أنه بعيد.
تأمل.
وقوله عدم الصارف: أي أن لا يكون صارف يصرف الأداء عن جهة النفقة بأن ينوي به مثلا غير أدائها كالتبرع أو قضاء دينه الذي عليه لها غير النفقة (قوله: خلافا لابن المقري ومن تبعه) أي فإنهم اشترطوا قصد الاداء.
وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله وعليه دفع حب إلخ - قال في شرح الروض: بأن يسلمه لها بقصد أداء ما لزمه كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ.
اه.
وقضية قوله كسائر الديون اعتبار القصد فيها (قوله: على معسر) متعلق بالواجب الذي قدره الشارح أو يجب في المتن.
وقوله ولو
بقوله: أي ولو ثبت إعساره بقوله كأن قال أنا معسر وحلف على ذلك فإنه يصدق بيمينه.
وقوله ما لم يتحقق له مال: قيد في ثبوت إعساره بقوله، وخرج به ما لو تحقق له ذلك فإنه لا يثبت إعساره بقوله بل لا بد من البينة.
وعبارة النهاية: ولو ادعت يسار زوجها صدق بيمينه إن لم يعهد له مال وإلا فلا، فإن ادعى تلفه ففيه تفصيل الوديعة.
اه.
وقوله ففيه تفصيل الوديعة هو أنه إن ادعى تلفه مطلقا: أي من غير ذكر سبب له أصلا أو سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف دون عمومه فإنه يصدق بيمينه وإن عرف عمومه ولم يتهم فيصدق بلا يمين وإن ذكر سببا ظاهرا وجهل طولب ببينة بوجوده ثم يحلف أنها تلفت به (قوله: وهو) أي المعسر.
وقوله من لا يملك إلخ: بيان لضابط المعسر.
والمعنى أن ضابط المعسر هو من لا يملك شيئا من المال يكون به غير مسكين بأن لا يملك شيئا أصلا أو يملك شيئا منه يكون معه مسكينا فالمراد بالمعسر هنا مسكين الزكاة بالنسبة للمال، أما بالنسبة للكسب فلا كما تفيده الغاية بعد فالذي يكتسب قدر كفايته كل يوم معسر هنا لا في الزكاة ويعتبر إعساره، ومثله اليسار والتوسط بطلوع فجر كل يوم لأنه وقت الوجوب فنعتبر ما عنده عند طلوع الفجر.
هذا إذا كانت ممكنة عنده، أما الممكنة بعده فيعتبر عقب التمكين (قوله: ولو مكتسبا) غاية للمتن.
أي أنه يجب على المعسر مد طعام ولو كان مكتسبا، فاكتسابه لا يخرجه عن الاعسار.
ويصح أن يجعل غاية لضابط المعسر في الشرح: أي أن ضابط المعسر هو الذي لا يملك الخ، ولو كان مكتسبا لا يخرجه عن كونه لا يملك شيئا.
وقوله وإن قدر على كسب واسع غاية في المكتسب: أي أن المكتسب معسر ولو قدر على الكسب الواسع فالقدرة عليه لا تخرجه عن الاعسار في النفقة وإن كانت تخرجه عن استحقاق سهم المساكين في الزكاة.
وكتب ع ش ما نصه: قوله وإن قدر زمن كسبه على مال واسع: أي فهو معسر في الوقت الذي لا مال بيده وإن كان لو اكتسب حصل مالا كثيرا وموسر حيث اكتسب وصار بيده مال وقت طلوع الفجر.
اه.
وفي سم ما نصه: قوله ومنه كسوب، أي قادر على المال بالكسب، فإن حصل مالا منه نظر فيه باعتبار ما يأتي في قوله ومسكين الزكاة معسر بأنه قد يكون معسرا وقد يكون غيره.
اه (قوله: وعلى رقيق) معطوف على معسر: أي ويجب مد أيضا على رقيق: أي من فيه رق ولو كان مكاتبا أو مبعضا، وذلك لضعف ملكه إن كان مكاتبا، ونقص حاله إن كان مبعضا، وعدم ملكه إن كان غيرهما (قوله: ومدان على موسر) معطوف على مد على معسر من عطف المفردات: أي والواجب مدان على موسر، وإنما فاوتوا بين المعسر والموسر في قدر الواجب لقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) * وأما كون الواجب على الموسر خصوص المدين وعلى المعسر خصوص المد فبالقياس على الكفارة بجامع أن كلا مال وجب بالشرع ويستقر في الذمة وأكثر ما وجب في الكفارة لكل
مسكين نصف صاع وهو مدان، وذلك في كفارة نحو الحلق في النسك، وأقل ما وجب له مد في كفارة نحو اليمين، وهو يكتفي به الزهيد ويقنع به الرغيب، ولما أوجبوا على الموسر الاكثر، وعلى المعسر الاقل أوجبوا على المتوسط ما بينهما
__________
سورة الطلاق، الاية: 7.(4/74)
لأنه لو ألزمناه بالمدين لضره ذلك ولو اكتفينا منه بالمد لضرها ذلك فأوجبنا عليه قدرا وسطا وهو مد ونصف.
قال في النهاية: وإنما لم يعتبر شرف المرأة وضده لانها لا تعير بذلك ولا الكفاية كنفقة القريب لانها تجب للمريضة والشبعانة، وما اقتضاه ظاهر خبر هند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف من تقديرها بالكفاية الذي ذهب إلى اختياره جمع من حيث الدليل وأطالوا القول فيه: يجاب عنه بأنه لم يقدرها فيه بالكفاية فقط، بل بها بحسب المعروف، وحينئذ فما ذكروه هو المعروف المستقر في العقول - كما هو واضح - ولو فتح للنساء باب الكفاية من غير تقدير لوقع التنازع لا إلى غاية فتعين ذلك التقدير اللائق بالعرف.
اه (قوله: وهو) أي الموسر.
وقوله من لا يرجع: أي يصير فهو من رجع بمعنى صار ومعسرا خبره.
وقوله مدين: مفعول المصدر، والمعنى أن ضابط الموسر هو الذي لو كلفناه كل يوم مدين لا يصير معسرا.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله من لا يرجع الخ - بأن يكون الفاضل من ماله بعد التوزيع على العمر الغالب أو سنة مدين - ح لي.
اهـ.
وقوله على العمر الغالب: أي إن لم يستوفه.
وقوله أو سنه.
أي أن استوفاه.
(والحاصل) أن الموسر هو الذي عنده ما يكفيه بقية العمر الغالب ويزيد عليه مدان فإن لم يكن عنده ما يكفيه العمر الغالب أو كان عنده ما يكفيه ولم يزد عليه شئ فمعسر، وإن زاد عليه شئ ولم يبلغ مدين فمتوسط.
وفي حاشية الشرقاوي ما نصه، وهناك ضابط للشيخين أخصر من ذلك، وهو أن من زاد دخله على خرجه فموسر، ومن استوى دخله وخرجه فمتوسط، ومن زاد خرجه على دخله فمعسر.
اه (قوله: ومد ونصف الخ) معطوف أيضا على مد إلخ: أي فالواجب مد ونصف على متوسط (قوله: وهو) أي المتوسط.
وقوله من يرجع إلخ: أي من يصير بتكليفه مدين كل يوم معسرا (قوله: وإنما تجب النفقة إلخ) هذا ليس دخولا على المتن، وإنما هو بيان لكون الوجوب يعتبر بفجر كل يوم وذلك لأنه لو جعل دخولا لاقتضى أن قوله وقت طلوع الخ قد ذكره قبل مع أنه لم يذكره.
ولو زاد الشارح عند قوله أول الفصل وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما وقت طلوع الفجر لصح أن يكون دخولا ومعنى كون وجوب النفقة يعتبر وقت طلوع الفجر أنها تطالبه بها من حينئذ لاحتياجها إلى طحنه ونحوه كما مر ويلزم من اعتبار الوجوب وقته اعتبار يساره وإعساره وتوسطه
وقته أيضا، كما قدمته، فتعتبر ما عنده عند طلوع الفجر، فإذا وجدناه يزيد على كفاية العمر الغالب بمدين فهو موسر فيلزمه في هذا اليوم مدان، ويختلف ذلك بالرخص والغلاء وقلة العيال وكثرتهم حتى أن الشخص الواحد قد يلزمه لزوجته نفقة موسر ولا يلزمه لو تعددت إلا نفقة متوسط أو معسر (قوله: إن لم تؤاكله) قيد للمتن: أي يجب عليه لها المد إلخ إن لم تأكل عنده معه أو وحدها أو أرسل إليها الطعام فأكلته بحضرته أو غيبته وإلا سقط، وذلك لاطباق الناس عليه في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وبعده ولم ينقل خلافه، ولا أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن لهن الرجوع ولا قضاء من تركة من مات.
وقوله على العادة: أي أكلا كائنا على العادة بأن تتناول كفايتها من غير تمليك ولا اعتياض.
وفي شرح الروض: قال في المهمات: والتصوير بالاكل معه على العادة يشعر بأنها إذا أتلفته أو أعطته غيرها لم تسقط - أي النفقة - عنه.
اه.
وقوله لم تسقط: أي ويرجع عليها ببدل ما أتلفته أو أعطته، كما هو ظاهر، وقوله برضاها: متعلق بتؤاكله، وهو قيد سيذكر محترزه.
وقوله وهي رشيدة: الجملة حالية وهي قيد آخر سيذكر محترزه أيضا.
وكون المعتبر رضاها وهي رشيدة محله إذا كانت حرة، فإن كانت أمة فالعبرة فيها إذا أوجبنا نفقتها على الزوج بأن كانت مسلمة له ليلا ونهارا برضا سيدها المطلق التصرف لا برضاها (قوله: فلو أكلت إلخ) محترز قوله على العادة، وكان المناسب أن يذكر مفهوم المنطوق المستكمل للقيود بأن يقول: فإن آكلته على العادة برضاها وهي رشيدة لم يجب عليه المد إلخ، ثم بعد ذلك يذكر مفهوم القيود (قوله: وجب لها تمام الكفاية) أي فتطالبه بالتفاوت بين ما أكلته وبين كفايتها في أكلها المعتاد.
وانظر هل ولو كان قدر الكفاية عادة زائدا على الواجب شرعا أو لا بد من أن يكون قدره والذي يؤخذ من كلام سم الثاني ونصه: قوله: إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت، هل المراد التفاوت بين ما أكلته وكفايتها أو بينه وبين الواجب شرعا؟ فيه نظر، ويتجه الثاني: إذ الواجب شرعا هو اللازم له دون ما(4/75)
زاد عليه إلى حد الكفاية إذا كانت أكثر منه.
اه.
وقوله على الاوجه: مثله في فتح الجواد، ومفاده أن مقابل الاوجه هو أنه لا يجب لها تمام الكفاية فانظره فإنه لم يصرح به في التحفة والنهاية والأسنى وغيرها (قوله: وتصدق الخ) أي إذا ادعت عليه أن ما أكلته دون الكفاية وأرادت منه تمامها وادعي هو أنها أكلت كفايتها فتصدق هي، أي باليمين، لأن الأصل عدم قبضها ما نفته (قوله: ولو كلفها الخ) أي أكرهها على أن تأكل معه من غير رضاها، وهذا محترز قوله برضاها.
وقوله: (أو وآكلته إلخ:) أي أو أكلت معه برضاها من غير إذن الولي حال كونها غير رشيدة لصغرها أو جنونها أو سفهها وقد حجر عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ أو طرأ وحجر عليها وإلا لم يحتج لاذن الولي ومثلها كما تقدم ما لو كانت قنة ولو
رشيدة لم يأذن سيدها المطلق التصرف، وإلا فوليه.
وقوله بلا إذن ولي: فإن كان بإذنه سقطت نفقتها به.
قال في التحفة: واكتفى بإذن الولي مع أن قبض غير المكلفة لغو لان الزوج بإذنه يصير كالوكيل في الانفاق عليها، وظاهر أن محله إن كان لها فيه حظ، وإلا لم يعتد باذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها.
اه.
ومثله في النهاية (قوله: فلا تسقط إلخ) جواب لو.
وقوله به: أي بالاكل معه (قوله: وحينئذ) أي حين إذ لم تسقط نفقتها.
وقوله هو: أي الزوج.
وقوله متطوع.
أي بما أكلته معه (قوله: فلا رجوع له بما أكلته) تفريع على كونه متطوعا بالنفقة، ومحل ما ذكر إن كان غير محجور عليه، وإلا فلوليه الرجوع: كذا في م ر (قوله: خلافا للبلقيني) أي في قوله انها تسقط نفقتها به - كما في المغنى - وعبارته: وأفتى البلقيني بسقوطها بذلك، قال: وما قيده النووي غير معتمد.
اه.
(قوله: ولو زعمت) أي الرشيدة الآكلة معه برضاها.
وقوله أنه متطوع: أي أنه قاصد بإطعامها معه التبرع فالنفقة باقية.
وقوله وزعم أنه مؤد عن النفقة: أي أنه قاصد بذلك النفقة (قوله: صدق بيمينه على الأوجه) أي كما لو دفع لها شيئا ثم ادعى كونه عن المهر وادعت هي الهدية فإنه المصدق باليمين، ومقابل الاوجه ما في الاستقصاء من أنها تصدق بلا يمين - كما في التحفة - ونصها: ولو قالت له قصدت بإطعامي التبرع فنفقتي باقية فقال بل قصدت النفقة صدق بلا يمين على ما في الاستقصاء والقياس وجوبها: أي اليمين.
اه.
(قوله: وفي شرح المنهاج) أي مع المتن لان قوله سقطت نفقتها متن، وعبارة الشرح فقط، بل قال شارح أو أضافها رجل إكراما له.
اه.
(قوله: إكراما له) أي للزوج وحده، فإن كان لهما فينبغي سقوط النصف أولها لم يسقط شئ.
اه.
ع ش.
(قوله: ويكلف الخ) أي يكلف الحاكم من أراد سفرا طويلا بعد طلبها للنفقة طلاقها أو توكيل من ينفق عليها أي ثقة ينفق عليها من مال حاضر: أي يبقيه عنده وكإبقاء المال عند من ذكر دينه على موسر مقر باذل وجهة ظاهرة اطردت العادة باستمرارها، فإن لم يفعل شيئا من ذلك منعه الحاكم من السفر (قوله: ويجب ما ذكر) أي المد أو المدان أو المد والنصف (قوله: بأدم) هو بضم الهمزة والدال المهملة أو سكونها ما يؤكل به الخبز مما يطيبه ويصلحه فيصير ملائما للنفس، فهو من أسباب الصحة، وأفضله اللحم، ثم اللبن، ثم عسل النحل.
وفي التحفة والنهاية.
وبحث الأذرعي إنه إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفي به في حق من يعتاد اقتياته وحده.
اه.
ويجب لها أيضا الفاكهة التي تغلب في أوقاتها، كخوخ ومشمش وتين ونحو ذلك، وما جرت بها لعادة، من الكعك والسمك والنقل في العيد والقهوة والدخان إن اعتادت شربهما، وما تطلبه المرأة عند ما يسمى بالوحم مما يسمى بالملوحة إذا اعتيد أيضا، ويجب السراج أيضا في أول الليل لجريان العادة بذلك.
والضابط أنه يجب لها كل ما جرت به العادة.
وقوله أي مع أدم: أفاد به أن الباء بمعنى مع.
وقوله اعتيد: أي جرت به العادة، فالعادة هي المحكمة في ذلك.
فإن جرت عادة بلدها بشئ من أنواع الادم اتبعت هذا إن كان في بلدها أدم غالب، فإن لم يكن فيها ما ذكر: كأن يكون فيها أدمان على السواء وجب اللائق بحال الزوج من يسار أو إعسار: ويختلف الادم باختلاف الفصول: فيجب في كل فصل ما يعتاده الناس فيه.
قال في التحفة: حتى الفواكه(4/76)
فيكفي عن الادم على ما اقتضاه كلامهما.
اه.
وكتب سم قوله فيكفي عن الادم: المتجه أنه يجب، وأنه المعتبر في قدرها ما هو اللائق بأمثاله، وأنها إن أغنت عن الادم بأن تأتي عادة التأدم بها لم يجب معها أدم آخر، وإلا وجب.
اه.
(قوله: وان لم تأكله) أي يجب لها ما جرت به العادة من الادم وإن لم تأكله لانه حقها (قوله: كسمن الخ) تمثيل للادم (قوله: وزيت) أي الزيت الطيب ومثله الشيرج، وهو دهن السمسم، وورد فيه كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة وفي رواية فإنه طيب مبارك (قوله: ولو تنازعا فيه) أي في الادم من السمن والزيت والتمر: أي في قدره.
وقوله أو في اللحم: أي قدره.
وقوله قدره قاض باجتهاده: أي لأنه لا تقدير فيهما من جهة الشرع.
وقوله مفاوتا في قدر ذلك: أي الادم.
وقوله بين الموسر وغيره هو المتوسط والمعسر: أي فينظر القاضي ما يحتاجه المد من الادم فيفرضه على المعسر ويضاعفه على الموسر ويجعل ما بينهما على المتوسط وينظر في اللحم إلى عادة المحل من اسبوع أو غيره (قوله: وتقدير الحاوي كالنص الخ) في التحفة: وتقدير الشافعي بمكيلة سمن أو زيت حملوه على التقريب وهي أوقية قال جمع: أي حجازية، وهي أربعون درهما، لا بغدادية، وهي نحو اثني عشر، لانها لا تغني عنها شيئا، ونص على الدهن لانه أكمل الادم وأخفه مؤنة.
اه (قوله: ويجب أيضا لحم) إفراده عما قبله يفيد أنه ليس من الادم وقد يطلق اسم الادم عليه فيكون من ذكر الخاص بعد العام لفضله.
ويدل على كونه أدما حديث سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم أفاده البجيرمي.
وقوله اعتيد قدرا ووقتا: عبارة المنهج: ويجب لحم يليق به كعادة المحل، قال في شرحه: قدرا ووقتا.
اه.
ومثله المنهاج، وهي أولى: لأن معنى عبارة المؤلف يجب لحم محتاد من جهة القدر والوقت أو في القدر والوقت، ومفاده أنه لا يجب لحم ليس معتادا كذلك، ولا يخفى ما فيه.
فلو صنع كصنيعهما لكان أولى.
وقوله قدرا ووقتا: أي ونوعا وكيفية من كونه مطبوخا أو مشويا أو نحو ذلك.
وقوله بحسب يساره: أي ويعتبر بحسب ما يليق به يسارا وإعسارا وتوسطا ولا يتقدر بشئ: إذ لا توقيف فيه (قوله: وإن لم تأكله) غاية في وجوب اللحم: أي يجب على العادة وإن لم تأكله زوجته وقوله أيضا: أي كما يجب الادم وإن لم تأكله (قوله: فإن اعتيد مرة في الاسبوع) أي فإن جرت العادة
بأكله مرة واحدة في الاسبوع (قوله: فالاولى كونه يوم الجمعة) أي فالأولى أن يكون أكله في يوم الجمعة لانه أحق بالتوسيع (قوله: أو مرتين) معطوف على مرة: أي أو اعتيد كونه، أي أكله، مرتين من الاسبوع.
وقوله فالجمعة والثلاثاء: أي فالأولى أن يكون ذلك في يوم الجمعة ويوم الثلاثاء (قوله: والنص) مبتدأ.
وقوله رطل لحم بدل منه.
وقوله محمول خبره: أي وتقدير اللحم في النص برطل على المعسر ورطلين على الموسر محمول على قلة اللحم في أيام الشافعي بمصر: أي فعادتهم فيها ما ذكر.
قال في التحفة: وقول جمع لا يزاد على النص لانه فيه كفاية لمن يقنع ضعيف.
اه (قوله: فيزاد) أي على ما في النص.
وقوله بحسب عادة المحل: أو محل الزوجة (قوله: والاوجه أنه الخ) في التحفة وبحث الشيخان عدم وجوب الادم يوم اللحم، ولهما احتمال بوجوبه على الموسر إذا أوجبنا عليه اللحم كل يوم ليكون أخذهما غذاء، والآخر عشاء، واعتمد الاذرعي الاول.
اه.
وفي حاشية الجمل: قال أبو شكيل والذي يظهر توسط بين ذلك وهو أنه يجب لها مع اللحم لصف الادم المعتاد في كل يوم إن كان اللحم لا يكفيها إلا مرة واحدة.
وهذا التفصيل كالمتعين: إذ لا يتجه غيره فيقال إن أعطاها من اللحم ما يكفيها للوقتين، فليس لها في ذلك اليوم أدم غيره وإن لم يعطها إلا ما يكفيها لوقت واحد وجب، أي نصفه، قاله في التنبيه شوبري.
اه.
وقوله إن كفاها إلخ: قيد في انتفاء وجوب الادم يوم اللحم.
وقوله وإلا: أي وإن لم يكفها غذاء وعشاء.
وقوله وجب: أي الادم والمراد تمام كفايتها منه، وبه وافقت عبارة(4/77)
المؤلف التفصيل الذي ذكره أبو شكيل (قوله: ومع ملح الخ) معطوف على بأدم، وصرح في المعطوف بمعنى الباء، وهو المعية ولو صرح بها لكان أولى: لانه على حاله يلزم أن مع معطوفة على الباء ومدخول مع معطوف على مدخول الباء، ولا يصح عطف الاسم على الحرف.
وهكذا يقال في جميع ما يأتي: أي ويجب ما ذكر مع أدم ومع ملح.
وقوله وحطب: أي ومع حطب، أي ونحوه من كل ما يوقد به (قوله: وماء شرب) في شرح م ر: ويجب لها أيضا ماء تشربه، كما أفهمه قوله آلات أكل وشرب، لانه إذا وجب الظرف وجب المظروف، وأما قدره فقال الزركشي والدميري: الظاهر أنه الكفاية قالا ويكون إمتاعا لا تمليكا حتى لو مضت عليه مدة ولم تشربه لم تملكه، وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحا وخواصها عذبا وجب ما يليق بالزوج.
اه.
لكن مقتضى كلام الشيخين وغيرهما أنه تمليك، وهو المعتمد، اه (قوله: لتوقف الحياة) علة لوجوب ماء الشرب.
وقوله عليه: أي ماء الشرب (قوله: ومع مؤنة) أي تتعلق بالقوت وبالادم (قوله: كأجرة طحن الخ) تمثيل للمؤنة المتعلقة بما ذكر، ومحل وجوب ما ذكر ما لم يتول ذلك بنفسه، وإلا فلا أجرة ولو باعته أو أكلته حبا
استحقتها.
ويوجه بأنه بطلوع الفجر تلزمه تلك المؤن فلم تسقط بما فعلته.
وقوله وعجن الخ: أي وأجرة عجن وأجرة خبز وأجرة طبخ.
وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس هل يجب على الرجل إعلام زوجته بأنها لا تجب عليها خدمته بما جرت به العادة من الطبخ والكنس ونحوهما مما جرت به عادتهم أم لا؟ وأجبنا عنه بأن الظاهر الاول لانها إذا لم تعلم بعدم وجوب ذلك ظنت أنه واجب وأنها لا تستحق نفقة ولا كسوة إن لم تفعله فصارت كأنها مكرهة على الفعل، ومع ذلك لو فعلته ولم يعلمها فيحتمل أنه لا يجب لها أجرة على الفعل لتقصيرها بعدم البحث والسؤال عن ذلك.
اه (قوله: ما لم تكن من قوم إلخ) قيد في وجوب أجرة المذكورات عليه (قوله: وجزم غيرهما) أي غير ابن الرفعة والاذرعي وقوله بأنه لا فرق: أي في وجوب المؤن بين أن تكون من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم أم لا (قوله: ومع آلة) أي ويجب ما ذكر مع آلة: أي تليق به ولا يعتبر حالها (قوله: كقصعة) بفتح القاف، وفي المثل: لا تفتح الخزانة ولا تكسر القصعة.
وقوله وكوز: آلة للشرب، ومثله الجرة.
وقوله وقدر ومغرقة: مثالان لالة الطبخ وهي بكسر الميم ما يغرف به.
وقوله وإبريق: هذا مثال لآلة الوضوء فكان حقه أن يزيد بعد قوله وشرب ووضوء (قوله: من خشب الخ) راجع للقصعة وما بعدها.
وقوله ولا يجب: أي ما ذكر من القصعة وما بعدها من نحاس.
نعم: إن اطرد عادة أمثالها بكونه نحاس وجب، إذ المعول عليه فيما يجب لها عليه عادة أمثالها: م ر (قوله: ويجب لها) أي للزوجة - ولو رجعية - ومثلها الحامل البائن كما مر (قوله: ولو معسرا) هو من لا مال له أو له مال لا يكفيه لو وزع على العمر الغالب كما تقدم (قوله: أول كل ستة أشهر) أي من وقت التمكين واستشكل تعبيره بستة أشهر وإن تبع فيه شيخ الاسلام بما إذا وقع التمكين في نصف فصل الشتاء مثلا فإنه يلزم عليه أنه لا تتم الستة أشهر إلا في نصف فصل الصيف وعكسه.
ومن المعلوم أن ما يلزم من الكسوة في الشتاء غير ما يلزم منها في الصيف، فيلزم على تغليب نصف الشتاء أنه يلزم في نصف الصيف ما ليس لازما فيه ويسقط ما كان لازما فيه، وعلى تغليب نصف الصيف أنه يسقط في نصف الشتاء ما كان لازما فيه، ويلزم فيه ما ليس لازما، وكل باطل.
ولذلك عبر في المنهاج بقوله أول شتاء وأول صيف.
والمراد بالشتاء ما يشمل الربيع، وبالصيف ما يشمل الخريف.
فالسنة عند الفقهاء فصلان، وإن كانت في الاصل أربعة، وهي الشتاء والربيع والصيف والخريف.
قال في التحفة: هذا إن وافق أول وجوبها أول فصل الشتاء وإلا أعطيت وقت وجوبها ثم جددت بعد كل ستة أشهر.
وقوله أعطيت الخ.
أي بالقسط.
قال ع ش: بأن يعتبر قيمة ما يدفع إليها عن جميع الفصل فيسقط عليه ثم ينظر لما مضى قبل التمكين، ويجب فيه ما بقي من القيمة فيشتري لها من جنس الكسوة ما يساويه والخيرة لها في تعيينه.
اه.
وفي سم ما نصه: قال الدميري: والظاهر أن هذا(4/78)
التقدير في غالب البلاد التي تبقي فيها الكسوة هذه المدة، فلو كانوا في بلاد لا تبقى فيها تلك المدة لفرط الحرارة أو لرداءة ثيابها اتبعت عادتهم، وكذلك لو كانوا يعتادون ما يبقى سنة كالاكسية الوثيقة والجلود كأهل السراة بالسين المهملة فالاشبه اعتبار عادتهم.
اه (قوله: كسوة) بكسر الكاف وضمها، وإنما وجبت لما روى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث: وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وقوله تكفيها طولا وضخامة: أي المعتبر كفايتها، وهي تختلف بطولها وقصرها وسمنها وهزالها فلا يكفي ما ينطلق عليه اسم الكسوة إذا لم يكفها.
ولو اعتاد أهل البلد تقصيرها كثياب الرجال لم يعتبر ذلك، وإنما لم تقدر الكسوة كالنفقة لمشاهدة كفاية البدن المانعة من وقوع تنازع فيها، ويختلف أيضا عددها باختلاف البلاد حرا أو بردا وجودتها وضدها بيساره وضده، فيفاوت بين الموسر وغيرها في الجودة والرداءة لا في عدد الكسوة لانه لا يختلف بذلك (قوله: فالواجب قميص) قال في المغني: هو ثوب مخيط يستر جميع البدن وفي ذلك إشعار بوجوب الخياطة على الزوج وبه صرح في الروضة كأصلها (قوله: ما لم تكن إلخ) قيد في وجوب القميص (قوله: فيجبان) مفرع على مفهوم القيد: أي فإن كانت ممن اعتدن الازار والرداء فانهما يجبان دون القميص (قوله: وإزار) معطوف على قميص: أي والواجب أيضا إزار (قوله: وسراويل) الواو بمعنى أو، وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن ويصون العورة، وهو معرب مؤنث عند الجمهور، وقيل مذكر.
اه.
مغني (قوله: وخمار) معطوف على قميص أيضا (قوله: أي مقنعة) تفسير للخمار، وهي بكسر الميم شئ من القماش يوضع على الرأس (قوله: ولو لامة) أي فإنه يجب لها (قوله: ومكعب) بكسر الميم وسكون الكاف وتخفيف العين أو بضم الميم وفتح الكاف وتشديد العين.
وقوله أي ما يلبس في رجلها.
تفسير مراد له، وذلك كالمداس والبابوج والصرمة، وكالقبقاب إن جرت العادة به (قوله: ويعتبر في نوعه) أي المكعب.
وقوله عرف بلدها: أي لا بلده (قوله: نعم إلخ) استدراك من وجوب المكعب لها (قوله: ويجب ذلك) أي ما ذكر من القميص وما بعده.
وقوله لها: أي للزوجة ونحوها مما مر.
وقوله مع لحاف لشتاء: أي مع زيادة لحاف في الشتاء (قوله: يعني وقت البرد) أي أن المراد بالشتاء الذي يزاد فيه اللحاف وقت البرد ولو في غير وقت الشتاء (قوله: ويزيد في الشتاء الخ) لا يحسن ارتباطه بما قبله، ولو قال ومع جبة الخ عطفا على مع لحاف لكاف أولى أخصر.
وقوله محشوة: أي بالقطن أو نحوه كصوف.
وفي المغنى: فان اشتد البرد فجبتان أو فروتان فأكثر بقدر الحاجة، وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود وجب لها من الحطب والفحم بقدر العادة.
اه (قوله: أما في غير وقت
البرد الخ) مقابل قوله مع لحاف لشتاء الخ (قوله: فيجب لها الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فلا تجب زيادة جبة محشوة.
وقوله أو نحوه: أي الرداء كالملحفة أي الملاءة التي يتلحف بها وهي غير لحاف الشتاء، كما يدل عليه عبارة المغني ونصها: وتجب لها ملحفة بدل اللحاف أو الكساء في الصيف.
اه (قوله: أن كانوا إلخ) قيد في وجوب الرداء ونحوه، والضمير يعود على قوم هذه الزوجة.
ولو قال إن كانت من قوم الخ لكان أولى.
وقوله يعتادون فيه: أي في غير وقت البرد.
وقوله غطاء غير لباسهم: أي غطاء زائدا على لباسهم: أي ما يلبسونه من القميص ونحوه كالازار والرداء (قوله: أو ينامون عرايا) معطوف على يعتادون: أي أو كانوا ممن ينامون عرايا - أي يعتادون النوم عرايا - أي مجردين من لباسهم.
والمراد يعتادون ذلك من استعمال غطاء آخر بدله، وليس المراد أنهم يعتادون ذلك من غير غطاء لانه حينئذ تنكشف عورتهم وهو حرام، كما هو مقرر معلوم، (قوله: كما هو السنة) الضمير يعود على العري عند النوم: أي أن العري عند النوم هو السنة، والمراد بالعري فيه أيضا التجرد من ثيابهم التي يلبسونها مع استعمال غطاء بدلها لا التجرد مطلقا من غير أخذ(4/79)
غطاء لان هذا مخالف للسنة لا من السنة.
إذ يترتب عليه كشف العورة المحرم، وممن صرح بأن العري عند النوم هو السنة العلامة الرملي في شرح المنهاج في باب شروط الصلاة وعبارته هناك: ولو نام في ثوب فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من العري عند النوم، ثم رأيت صورة سؤال رفع للعلامة السيد محمد بن عبد الرحمن الاهدل رحمه الله تعالى في المراد من العري في نظير العبارة المذكورة، فأجاب رحمه الله تعالى بما يؤيد ما قررته فيه ولفظها.
سئل: ما المراد بالتعري في قول الايعاب ولو نام في ثيابه فكثر فيها دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من التعري عند النوم اه.
فأجاب: المراد بالتعري التجرد عن اللباس الذي كان على بدنه ثم يأخذ غطاء غير لباسه أو يتجرد عما سوى الازار كما يدل على ذلك الاحاديث الواردة في ذلك، وليس المراد بالتعري التعري عن جميع الثياب على البدن، فإن ذلك يؤدي إلى كشف العورة لغير ضرورة، وذلك حرام، بل معدود من جملة الكبائر، كما في الزواجر.
اه.
ملخصا.
وقوله أو يتجرد عما سوى الازار: هذا احتمال ثان في المراد من التعري، والاول الذي اقتصرت عليه أولى، وذلك لأن الحكمة في سنية التعري خوف إصابة النجاسة لملبوسه عند النوم، وهو لا يشعر به وهي غير مغتفرة.
لان النوم فيه ينزل
منزلة العمد في إصابة النجاسة، كما تفيده العبارة المارة، وإذا كان لابسا لازاره انتفت الحكمة المذكورة.
فتنبه (قوله: فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء) أي غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه.
وهذا مقابل قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم، وإنما اقتصر عليه ولم يأت بمقابل قوله أو ينامون عرايا وهو أو لم يناموا عرايا لان ذلك يعني عنه، وذلك لأنه يلزم من كونهم لم يعتادوا عند النوم غطاء غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه أنهم لم يناموا عرايا (قوله: لم يجب ذلك) أي الرداء ونحوه بل الواجب عليه لباسهم فقط، وعبارة المغني: قال الروياني وغيره لو كانوا لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره.
اه (قوله: ولو اعتادوا ثوبا للنوم وجب) إن كان المراد اعتادوا ثوبا للنوم غير لباسهم كان عين قوله فيجب لها رداء أو نحوه بالنسبة للحالة الأولى: أعني قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء وإن كان المراد أنهم يعتادون ثوبا مع التجرد من لباسهم أغنى عنه ذلك بالنسبة للحالة الثانية.
أعني قوله أو ينامون عرايا.
وعبارة التحفة: ويختلف عددها، أي الكسوة باختلاف محل الزوجة بردا وحرا، ومن ثم لو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به بعضهم وجودتها وضدها بيساره وضده اه.
ولو صنع المؤلف كصنيع شيخه لكان أولى (قوله: ويختلف جودة الكسوة الخ) عبارة المنهاج مع المغني: وجنسها أي الكسوة قطن: أي ثوب يتخذ منه لانه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه ورعونة، ويختلف ذلك بحال الزوج من يسار وإعسار وتوسط، فيجب لامرأة الاول من لينه والثاني من غليظه والثالث مما بينهما هذا إن اعتدنه، فإن جرت عادة البلد لمثله بكتان أو حرير وجب في الأصح مع وجوب التفاوت في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وغيره عملا بالعادة، والثاني لا يلزمه ذلك، بل يقتصر على القطن لما مر وتعتبر العادة في الصفاقة ونحوها.
نعم: لو جرت العادة بلبس الثياب الرفيعة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة فإنه لا يعطيها منها اه.
(قوله: وضدها) أي الجودة وهي الرداءة.
وقوله بيساره: أي الزوج، وهو متعلق بيختلف.
وقوله وضده: أي اليسار، وهو الاعسار، وعبارته: لا تشمل حالة التوسط بين الجودة والرداءة وبين اليسار والاعسار ويمكن أن يقال إن المراد بالضد مطلق الخلاف، فالمراد بضد الجودة خلافها وهو صادق بحالة التوسط وبحالة الرداءة، والمراد بضد اليسار خلافه وهو صادق بالاعسار وبحالة التوسط (قوله: ويجب عليه) أي الزوج (قوله: توابع ذلك) أي الكسوة (قوله: من نحو الخ) بيان للتوابع.
وقوله تكة: وهو مضاف إلى ما بعده وهي ما يتمسك بها السراويل.
وقوه وزر: معطوف على نحو من عطف(4/80)
الخاص على العام، وهو بكسر الزاي واحد أزرار القميص - كما في المختار - وقال في المصباح: زر الرجل القميص زرا
من باب قتل أدخل الازرار في العرى.
اه.
وقوله وخيط وأجرة خياط: معطوفان أيضا على نحو تكة (قوله: وعليه) أي ويجب على الزوج مطلقا موسرا كان أو متوسطا أو معسرا، لكن يفاوت بينهم في الكيفية.
وقوله فراش: أي كطراحة ومضربة وثيرة: أي لينة وقطيفة، أي دثار مخمل، أي له خمل، ويجب لها أيضا ما تقعد عليه من بساط ثخين له وبرة كبيرة وهو المسمى بالسجادة في الشتاء، ونطع بكسر النون وفتحها مع إسكان الطاء وفتحها وهو الجلد كالفروة في الصيف بالنسبة للموسر، ونحو لباد في الشتاء وحصير في الصيف بالنسبة للمعسر.
وتقدم قريبا وجوب ما تتغطى به كاللحاف في الشتاء والرداء في الصيف.
واعلم، أنه لا يجب تجديد ما ذكر من الفراش وما بعده في كل فصل كالكسوة، بل يجب تصليحه كلما احتاج لذلك بحسب ما جرت به العادة، وهو المسمى عند الناس بالتنجيد (قوله: ومخدة) بكسر الميم وهي ما يوضع الرأس عليها، وسميت بذلك لوضع الخد عليها (قوله: ولو اعتادوا على السرير) أي اعتادوا النوم عليه.
وقوله وجب: أي السرير، ولو اعتادوا النوم على فراش الجلوس لم يجب غيره (قوله: يجب تجديد الكسوة إلخ) أعاده مع أن قوله فيما تقدم ويجب لها أول كل ستة الخ: يفيد مفاده لاجل التقييد بقوله التي لا تدوم سنة ولاجل بيان حكم ما إذا تلفت في أثناء الفصل (قوله: التي لا تدوم سنة) فإن كانت تدوم سنة كالاكسية الوثيقة فلا يجب تجديدها في كل فصل، كما تقدم، (قوله: بأن تعطاها الخ) تصوير لتجديدها (قوله: ولو تلفت) أي الكسوة، وفي البجيرمي: قال المنوفي وكذا لو أتلفتها أو تمزقت قبل أو ان التمزق لكثرة نومها فيها وتحاملها عليها لم يلزمه الابدال أيضا.
اه (قوله: ولو بلا تقصير) غاية في التلف (قوله: ولم يجب تجديدها) أي الكسوة لانه وفاها عليه كالنفقة إذا تلفت في يدها فلا يجب عليه اعطاؤها بدلها (قوله: ولها عليه إلخ) أي ويجب للزوجة ولو أمة على الزوج.
وقوله آلة تنظف: أي ما له دخل في التنظيف: أي إزالة الوسخ والرائحة الكريهة فيشمل نحو الاجانة مما يغسل فيه، وشمل نحو مرتك - بفتح الميم وكسرها - إذا تعين لدفع صنان، أما إذا لم يتعين كأن كان يندفع بماء وتراب فلا يجب (قوله: وإن غاب عنها) أي يجب عليه آلة التنظيف وإن غاب الزوج عنها ولو كانت الغيبة طويلة، وظاهر هذا عدم الاكتفاء بما يزيل شعثها فقط، وحينئذ فيتدافع مع قوله الآتي وليس لحامل بائن ومن زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث الخ، إلا أن يقال أن المراد بآلة التنظيف ما له دخل في التنظيف ولو من بعض الوجوه وهو ما يزيل الشعث فقط فلا تدافع، والغاية المذكورة ساقطة من عبارة التحفة وهو أولى (قوله: لاحتياجها إليه) أي إلى التنظيف وهو علة لوجوب آلة التنظيف.
وقوله كالادم: أي نظير الادم في وجوبه لها (قوله: فمنها) أي من آلة التنظيف.
وقوله سدر: هو شجر النبق.
وقوله ونحوه: أي كصابون وأشنان وغاسول (قوله: كمشط) بضم الميم وسكون الشين أو ضمها وبكسر الميم مع سكون الشين ما تمشط به المرأة شعرها، وهو تمثيل لنحو السدر بالنسبة للشرح، وتمثيل لآلة التنظيف بالنسبة للمتن (قوله: وسواك) قال سم: هو ظاهر إن احتيج إليه لتنظيف الفم لتغير لونه أو ريحه، أما لو لم يحتج إليه لذلك بأن لم يكن فيه تغير مطلقا وإنما احتاجت لمجرد التعبد به وإقامة سنية الاستياك ففي الوجوب نظر.
اه (قوله: وخلال) هو بكسر الخاء ما تخلل به أسنانها، ومثله المدري وهو ما تفرق به شعر رأسها (قوله: وعليه دهن إلخ) أي ويجب عليه دهن لرأسها الخ: أي أما دهن الاكل فتقدم في الادم (قوله: وكذا الخ) أي وكذلك يجب الدهن لجميع بدنها.
وقوله إن اعتيد: راجع لما بعد كذا: أي أنه يجب الدهن لجميع بدنها إن جرت العادة به، وإلا فلا يجب (قوله: من شيرج) بيان للدهن وهو بفتح الشين: دهن السمسم، ويتبع في نوع الدهن عادة بلدها، فإن دهن أهله بزيت كالشام أو شيرج كالعراق(4/81)
أو سمن كالحجاز وجب كذلك، وكذلك يتبع في قدره العادة.
ولو اعتيد أن يكون مطيبا ببنفسج أو ورد وجب أيضا (قوله: فيجب الدهن إلخ) مفرع على محذوف كان الأولى التصريح به وهو: ويعتبر في تعيين زمنه العادة.
(والحاصل) يعتبر في تعيين نوعه وقدره وزمنه عادة محلها (قوله: وكذا دهن لسراجها) أي وكذلك يجب لها دهن لسراجها بحسب العادة، وعبارة المغني: سكتوا عن دهن السراج، والظاهر، كما قاله بعض المتأخرين، وجوبه ويتبع فيه العرف حتى لا يجب على أهل البوادي شئ.
اه.
وعبارة البجيرمي: ويجب لها زيت السراج بأول الليل وقضية تقييدهم بأول الليل عدم وجوبه كل الليل إذا جرت العادة بإسراج كل الليل، ويمكن توجيهه بأنه خلاف السنة: إذ يسن إطفاؤه عند النوم والاقرب وجوبه عملا بالعادة وإن كان مكروها كوجوب الحمام لمن اعتاده.
اه.
بحذف (قوله: وليس لحامل الخ) مثلها الرجعية كما يعلم من عبارة النهاية ونصها: والاوجه عدم وجوب آلة التنظيف لبائن حامل وإن أوجبنا نفقتها كالرجعية.
نعم: يجب لها ما يزيل شعثها فقط إلخ.
اه.
وقوله والوسخ: معطوف على الشعث، من العطف بالمرادف (قوله: ويجب عليه) أي الزوج.
وقوله الماء: أي أو ثمنه.
وقوله بسببه.
متعلق بالواجب: أي الواجب بسبب الزوج: أي أنه هو السبب في وجوبه عليه كأن لاعبها فأنزلت أو جامعها (قوله: كغسل جماع) تمثيل للغسل الواجب بسببه، والاولى حذف المضاف وجعله تمثيلا للسبب.
وقوله ونفاس: يعني ولادة ولو بلا بلل لان الحاجة إليه من قبله، وبه يعلم أنه لا يلزمه إلا ماء الفرض لا السنة.
اه.
تحفة.
وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما لو انقطع دم
النفاس قبل مجاوزة غالبه أو أكثره فأخذت منه أجرة الحمام واغتسلت ثم عاد عليها الدم بعد ذلك فهل يجب عليه إبدال الاجرة لتبين أنه من بقايا الاول وعذرها في ذلك أم لا؟ فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر أن يقال لا يجب إبدالها قياسا على ما لو دفع لها ما تحتاج إليه من الكسوة ونحوها وتلف قبل مضي زمن يجدد فيه عادة حيث لا يبدل.
اه (قوله: لا حيض) بالجر عطف على جماع: أي لا يجب عليه الماء للغسل من الحيض وإن وطئ فيه أو بعد انقطاعه فيما يظهر لأنه ليس بسببه.
وقوله واحتلام.
وألحق به استدخالها لذكره وهو نائم أو مغمى عليه لانتفاء صنعه كغسل زناها ولو مكرهة وولادتها من وطئ شبهة فماء هذه عليها دون الواطئ، وبه يعلم أن العلة مركبة من كونه زوجا وبفعله.
اه.
شرح م ر (قوله: وغسل نجس) انظر هو معطوف على ما إذا، فإن جعل معطوفا على حيض أفاد أنه لا يجب عليه الماء لغسل ما تنجس من بدنها أو ثوبها وليس كذلك بل يجب عليه ذلك وإن لم يكن بتسببه كماء نظافتها بل أولى وأن عطف على غسل جماع صار تمثيلا للغسل الواجب بسببه، وأفاد حينئذ أنه لا يجب عليه الماء لغسل النجاسة إلا إذا كانت بسببه مع أنه ليس كذلك لأنه يجب عليه الماء لها مطلقا وإن عطف على قوفه للغسل الواجب صح ذلك، وأفاد وجوبه عليه مطلقا إلا أنه بعيد من صنيعه لما يلزم عليه من تفريق المعطوفات، فكان الأولى أن يسلك مسلك شيخه في التعبير - وعبارته.
ويلزم أيضا ماء وضوء وجب لتسببه فيه وحده - بخلاف ما وجب لغير ذلك - كأن تلامسا معا فيما يظهر وماء غسل ما تنجس من بدنها وثيابها وإن لم يكن بتسببه كما اقتضاه إطلاقهم كماء نظافتها بل أولى.
اه.
وقوله ولا ماء وضوء: الاولى حذف المضاف ويكون معطوفا على حيض لانه مع وجوده عطفه يصير التقدير، ولا يجب عليه الماء لماء وضوء، وفي ذلك ركاكة لا تخفى.
والحاصل: كأن حق التعبير ما بينته لك.
وقوله إلا إذا نقضه: أي الوضوء.
وقوله بلمسه: يتعين أن تكون الإضافة من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف: أي للمس الزوج إياها (قوله: لا عليه طيب) معطوف على قوله ولها عليه آلة تنظف: أي لا يجب عليه لها طيب: أي لانه لزيادة التلذذ فهو حقه فإن أراده هيأه ولزمها استعماله.
وقوله إلا لقطع ريح كريه: أي كأثر الحيض فيجب عليه لها من الطيب ما تقطعه به (قوله: ولا كحل) أي ولا يجب كحل، ومثله الخضاب لما(4/82)
تقدم آنفا.
قال في التحفة: ونق الماوردي أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن المرأة السلتاء: أي التي لا تخضب، والمرهاء: أي التي لا تكتحل: من المره - بفتحتين - أي البياض، ثم حمله على من فعلت ذلك حتى يكرهها ويفارقها.
وفي رواية ذكرها غيره إني لابغض المرأة السلتاء والمرهاء والكلام في المزوجة لكراهة الخضاب أو حرمته لغيرها.
اه.
(قوله: ودواء) عطف
على طيب: أي لا يجب عليه دواء لمرضها ومنه ما يحتاج إليه المرأة بعد الولادة لما يزيل ما يصيبها من الوجع الحاصل في بطنها ونحوه فلا يجب عليه.
أفاده ع ش.
وقوله وأجرة طبيب معطوف على طيب أيضا: أي ولا يجب عليه أجرة طبيب: أي وحاجم وفاصد وخاتن، وإنما لم تجب عليه كالدواء لانها لحفظ الاصل وهو لا يجب عليه كما لا يجب عمارة الدار المستأجرة، وأما آلة التنظيف فإنها نظير غسل الدار وكنسها.
أفاده البجيرمي (قوله: ولها) أي للزوجة، ولو رجعية ومثلها البائن الحامل.
وقوله طعام أيام المرض إلخ: إنما وجب لها ذلك لانها محبوسة له (قوله: وتصرفه الخ) أي ولها أن تصرفه لانه حقها (قوله: تنبيه الخ) الأولى تأخيره عن قوله ولها عليه مسكن لانه متعلق به أيضا كما نبه عليه بقوله أما المسكن الخ (قوله: يجب الخ) أي يتعين.
وقوله في جميع ما ذكر متعلق بيجب.
وقوله من الطعام إلخ: بيان لما.
وقوله وآلة ذلك: أي الطعام والادم.
وقوله والكسوة والفرش: أي ومن الكسوة والفرش.
وقوله وآلة التنظيف: أي ومن آلة التنظيف (قوله: أن يكون تمليكا) المصدر المؤول فاعل يجب: أي يجب بمعنى يتعين كونه تمليكا لها لا إمتاعا، وقيل هو إمتاع.
وينبني على هذا الخلاف أنه على الأول يشترط أن يكون ملكا للزوج وأن الحرة وسيد الامة كل منهما يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره إلا أن تضيق على نفسها أو يضيق سيد الامة عليها في طعام أو غيره بما يضرها فله منعهما من ذلك لحق التمتع، وينبني عليه أيضا أنه لا يسقط بمستأجر ولا مستعار.
قال في الروض وشرحه، فلو لبست المستعار وتلف فضمانه يلزم الزوج لانه المستعير وهي نائبة عنه في الاستعمال، والظاهر أن له عليها في المستأجر أجرة المثل لأنه إنما أعطاها ذلك عن كسوتها.
اه.
وقوله بالدفع: أي للحرة أو لسيد الامة، وقيد في شرح الروض الدفع المذكور بشرط قصد أداء ما لزمه كسائر الديون، ومثله في النهاية وعليه لو وضعها بين يديها من غير قصد شئ لا يعتد به.
وفي سم خلافه ونصه: قوله وتملكه بمجرد الدفع ولا يتقيد بشرط قصد الدفع عما لزمه، بل يكفي عن القصد المذكور الوضع بين يديها مع التمكن من الاخذ.
اه (قوله: دون إيجاب وقبول) أي دون اشتراط إيجاب وقبول (قوله: وتملكه هي) أي الزوجة وما ألحق بها (قوله: فلا يجوز آخذه) أي ما ذكر من الطعام وما بعده، وهذا تفريع على كونها تملكه بالقبض (قوله: أما المسكن) مقابل قوله ويجب في جميع ما ذكر من الطعام الخ (قوله: فيكون إمتاعا) أي حكمه أن يكون إمتاعا: أي انتفاعا لا تمليكا لانها تستمتع به (قوله: حتى يسقط) أي فيسقط: فحتى تفريعية، والفعل بعدها مرفوع (قوله: لانه لمجرد الانتفاع) علة لكونه إمتاعا، وفيه تعليل الشئ بنفسه: إذ الامتاع هو الانتفاع، كما فسره به البجيرمي.
فإن قلت: هو علة لقوله فيسقط بمضي الزمان.
قلت: هو مفرع على كونه امتاعا - كما علمت - والقاعدة أن المفرع عليه علة في المفرع فيصير مكررا معه لان التقدير عليه فيسقط بمضي الزمان لانه إمتاع لانه لمجرد الانتفاع.
فلو قال بدل هذه العلة، كما في شرح المنهج، لأنه لا يشترط أن يكون ملكه لكان أولى (قوله: كالخادم) الكاف للتنظير: أي أن المسكن مثل الخادم في كونه إمتاعا، وهذا بخلاف نفقته فهي كنفقتها وهي تمليك لا إمتاع وعبارة المنهج: والمسكن والخادم إمتاع لا تمليلك.
قال في شرحه: لما مر أنه لا يشترط كونهما ملكه.
اه (قوله: وما جعل تمليكا إلخ) بيان لما يترتب على التمليك غير ما قدمته.
وقوله يصير دينا بمضي الزمان: أي إذا مضت مدة وهو لم يكسها أو ينفق عليها، فالنفقة أو الكسوة لجميع ما مضى من تلك المدة دين لها عليه لانها استحقت ذلك في ذمته وفي التحفة ما نصه.(4/83)
فرع: ادعت نفقة أو كسوة ماضية كفى في الجواب لا تستحق علي شيئا وكذا نفقة اليوم إلا أن عرف التمكين على ما بحثه بعضهم وفيه نظر، بل الاوجه أنه يكفي وإن عرف ذلك لان نشوز لحظة يسقط نفقة جميعه وتصدق بيمينها في عدم النشوز وعدم قبض النفقة.
اه (قوله: ويعتاض عنه) أي عما جعل تمليكا: أي أنه يجوز أن يستبدل الطعام الواجب لها بغيره، وكذا الكسوة (قوله: ولا يسقط) أي ما جعل تمليكا.
وقوله بموت: أي حصل لها أو له.
وقوله أثناء الفصل: أي أو اليوم، ومثل الاثناء - على المعتمد - ما لو حصل الموت أول الفصل فتجب كلها لها، ولا يقال كيف تجب كلها بمضي لحظة من الفصل؟ لانا نقول ذلك جعل وقتا للايجاب فلم يفترق الحال بين قليل الزمان وكثيره ومن ثم ملكتها بالقبض وجاز لها التصرف فيها، بل لو أعطاها نفقة وكسوة مستقبلة جاز وملكت بالقبض وجاز لها التصرف فيها كتعجيل الزكاة ويسترد إن حصل مانع اه.
تحفة بتصرف (قوله: ولها عليه مسكن) أي ويجب للزوجة على زوجها مسكن: أي تهيئته لان المطلقة يجب لها ذلك لقوله تعالى: * (أسكنوهن) * لزوجة أولى (قوله: تأمن فيه) شرط في المسكن: أي يشترط فيه، أي الاكتفاء به، أن تأمن الزوجة فيه.
وقوله لو خرج عنها: أي تأمن إذا خرج عنها وتركها فيه (قوله: على نفسها) متعلق بتأمن قال ع ش: يؤخذ منه أنه لا يجب عليه أن يأتي لها بمؤنسة حيث أمنت على نفسها، فلو لم تأمن أبدل لها المسكن بما تأمن على نفسها فيه.
فتنبه له فإنه يقع فيه الغلط كثيرا اه.
وقوله ومالها: أي أو اختصاصها.
وقوله وإن قل: أي المال، فهو غاية لاشتراط الامان فيه (قوله: للحاجة إلخ) تعليل لوجوب المسكن عليه وقوله بل للضرورة إليه: أي المسكن، والإضراب انتقالي.
(قوله: يليق بها عادة) شرط آخر للمسكن، وكان على الشارح أن يقدر قبله ما يناسبه كأن
يقول: ولا بد أن يليق بها أو نحوه.
والمعنى: أنه يشترط في المسكن أن يكون لائقا بها بحسب العادة بأن يكون من دار أو حجرة أو غيرهما كشعر أو صوف أو خشب أو قصب، وإنما اعتبر المسكن بحالها بخلاف النفقة والكسوة - حيث اعتبرتا بحاله يسارا وغيره - لان المعتبر فيهما التمليك منه وفيه الامتاع فروعي حاله فيهما وحالها فيه ولانهما إذا لم يليقا بها يمكنها إبدالهما بلائق فلا إضرار، بخلاف المسكن فإنها ملزمة بملازمته فتتضرر به إذا لم يكن لائقا.
ولبعضهم: ما كان إمتاعا كمسكن وجب لمرأة فراع حالها تثب وإن يكن تملكا كالكسوة فحال زوج راعها لا الزوجة (قوله وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى) أي يجب لها المسكن وإن كانت من قوم لا يعتادون المسكن.
قال في فتح الجواب: والذي يظهر في هذه أنه يعتبر اللائق بها لو كانت من أهل المحل الذي يريد إسكانها به فيعتبر بمن يماثلها من أهله نسبا وغيره نظير ما مر في مهر المثل وغيره.
اه.
وفي النهاية ما نصه: وذكر ابن الصلاح أن له نقل زوجته من حضر لبادية وإن خشن عيشها لان نفقتها مقدرة أي لا تزيد ولا تنقص وأما خشونة عيش البادية فهي بسبيل من الخروج عنها بالابدال - كما مر - قال: وليس له سد طاق مسكنها عليها، وله إغلاق الباب عليها عند خوف لحوق ضرر له من فتحه وليس له منعها من نحو غزل وخياطة في منزله.
اه.
وما ذكره آخرا يتعين حمله على غير زمن الاستمتاع الذي يريده أو على ما إذا لم يتعذر به، وفي سد الطاقات محمول على طاقات لا ريبة في فتحها، وإلا فله السد بل يجب عليه - كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى - أخذا من إفتاء ابن عبد السلام بوجوبه في طاقات ترى الاجانب منها: أي وعلم منها تعمد رؤيتهم.
اه (قوله: ولو معارا ومكترى) غاية في المسكن وهي للتعميم: أي لا فرق بين أن يكون مملوكا له أو معارا أو مكترى، وذلك لحصول المقصود بما ذكر (قوله: ولو سكن الخ) لو شرطية، جوابها قوله لم يلزمه أجرة (قوله: بإذنها) أي
__________
(1) الطلاق، الاية: 6.(4/84)
له في السكنى معه (قوله: أو لامتناعها) أي أو لم يكن بإذنها لكن كانت ممتنعة من الانتقال معه إلى بيته أو بلده (قوله: أو في منزل الخ) معطوف على قوله في منزلها: أي أو سكن معها في منزل نحو أبيها كأمها (قوله: بإذنه) أي نحو أبيها: أي أو منعه من النقلة (قوله: لم يلزمه أجرة) عبارة المغني: سقط حق السكنى ولا مطالبة لها بأجرة سكناها معها إلخ.
اه (قوله: لان الاذن العرى الخ) هذا التعليل قاصر على صورة الاذن، وكان عليه أن يزيد بعده ولان امتناعها أو منع نحو أبيها
من النقلة معه أمارة على رضاها أو رضاه بسكنى الزوج، فهو منزل منزلة الاذن، ولو سكن معها مع السكوت وعدم الامتناع من النقلة معه لزمته الاجرة (قوله: ينزل على الاعارة) أي يحمل على إعارة المسكن.
وقوله والاباحة: معطوف على الاعارة من عطف اللازم إذ الاعارة عقد يتضمن إباحة الانتفاع بالمعار (قوله: وعليه) أي ويجب على الزوج.
وقوله ولو معسرا: الغاية للرد: أي يجب على الزوج الاخدام، ويستوي فيه الموسر والمتوسط والمعسر (قوله: خلافا لجمع) أي قائلين بعدم وجوبه على المعسر، واستدلوا بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب لسيدتنا فاطمة على سيدنا علي رضي الله عنهما خادما لاعساره.
قال في التحفة: ويرد بأنه لم يثبت أنهما تنازعا في ذلك فلم يوجبه، وأما مجرد عدم إيجابه من غير تنازع فهو لما طبع عليه - صلى الله عليه وسلم - من المسامحة بحقوقه وحقوق أهله على أنها واقعة حال محتملة فلا دليل فيها.
اه (قوله: أو قنا) معطوف على معسرا: أي ولو كان الزوج قنا مكاتبا أو غيره (قوله: إخدام حرة) وفي المغني ما نصه: أفهم قوله إخدام أن الزوج لو قال أنا أخدمها بنفسي ليسقط عني مؤنة الخادم لم يلزمها الرضا به لانها تستحي منه وتعير به، وأنها لو قالت أنا أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم أو ما يأخذ من نفقة لم يلزمه الرضا بذلك لانها تصير مبتذلة.
اه.
ملخصا (قوله: بواحدة لا أكثر) ظاهره وإن احتاجت إلى الاكثر، وهو كذلك، إلا إن مرضت واحتاجت لاكثر من واحدة فيجب قدر الحاجة.
كذا في البجيرمي (قوله: لأنه) أي الاخدام وهو تعليل لوجوب الاخدام عليه.
وقوله من المعاشرة بالمعروف: أي المأمور بها (قوله: بخلاف الامة) أي بخلاف الزوجة الأمة فلا يجب إخدامها ولو مبعضة ما لم تكن مريضة لان العرف على أن تخدم نفسها لنقصها.
وقوله وإن كانت جميلة: أي وإن كانت تخدم في بيت سيدها (قوله: تخدم) الجملة صفة لحرة، وهو شرط في وجوب الاخدام لها: أي يجب الاخدام لها بشرط أن تكون ممن تخدم.
وقوله أي يخدم مثلها: أفاد به أن الشرط أن يكون مثلها ممن يخدم سواء هي خدمت بالفعل أو لم تخدم به، فلو كان مثلها لا يخدم ولكن هذه خدمت بالفعل في بيت أهلها لا يجب على الزوج إخدامها.
وقوله عند أهلها: متعلق بيخدم أي أن العبرة في خدمة مثلها ببيت أهلها (قوله: فلا عبرة إلخ) محترز قوله عند أهلها يعني لو ارتفعت في بيت زوجها وترفهت فيه بحيث صار يليق بحالها في بيت الزوج الخادم لم يجب، كما صرح به الشيخ أو حامد في تعليقه وأقره في الروضة، (قوله: وإنما يجب عليه الاخدام الخ) الأولى والأخصر أن يقول والاخدام الواجب عليه يكون بحرة الخ إذ لا معنى للحصر ولا للغاية.
وعبارة المنهاج: وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها إخدامها بحرة أو أمة له أو مستأجرة الخ اه وحاصل ذلك أن له الاخدام بكل ما يحصل المقصود به، لكن بشرط حل النظر من الجانبين فله ذلك بحرة ولو متبرعة.
وقول ابن الرفعة لها الامتناع من المتبرعة للمنة يرد بأن المنة
عليه لا عليها وبأمة له أو مستأجرة وبصبي غير مراهق وبنحو محرم لها أو مملوك لها وبممسوح لا بنحو مراهق ولا بذمية مع مسلمة لحرمة النظر ولا بنفسه: أي الزوج لانها تستحي منه وتعير به، كما تقدم (قوله: صحبتها) الجملة صفة لحرة، والضمير المستتر يعود إليها والبارز يعود على الزوجة: أي له الاخدام بحرة صحبت زوجته، والمراد صحبتها لتخدمها من غير استئجار لها بل بالنفقة فقط (قوله: أو مستأجرة) أي له الاخدام بمستأجرة للخدمة (قوله: أو بمحرم) أي لزوجته (قوله: أو مملوك لها) أي أو له وكان أمة أو عبدا غير مراهق.
وقوله ولو عبدا: غاية في المملوك لها، ولا فرق بين أن يكون(4/85)
صغيرا أو كبيرا (قوله: أو بصبي) الأولى حذف الباء - كالذي قبله - وقوله غير مراهق: فإن كان مراهقا لا يجوز إخدامها (قوله: فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد الخ) الفاء فاء الفصيحة الواقعة في جواب سؤال حاصله: إذا وجب الاخدام عليه فما الواجب عليه للخادم من النفقة؟ فأجاب بأن الواجب إلخ.
ثم إنه لا يخفى ما في عبارته من إيهام أن الواجب للخادم مطلقا ما ذكره مع أن فيه تفصيلا، وهو أنه إن كان مستأجرا فعليه أجرته فقط، وإن كان ملكا له فعليه كفايته سواء كانت مدا وثلثا أو تزيد أو تنقص فليس عليه نفقة مقدرة، وإن كان حرة صحبتها أو محرما أو مملوكا لها فله ما ذكره بقوله مد وثلث ومن إيهام التقييد بالذي عينه وهو أن الذي عينته هي ليس لها ما ذكره مع أن معينها إذا رضي به كمعينه في التفصيل المذكور.
ويدل لما ذكرته عبارة فتح الجواد ونصها: ثم الخادم إن لم يعينه الزوج بأن كان ملكه وجب له كفايته من غير تقدير وإن عين، فإن كان مستأجرا لم يجب له غير أجرته، وإن كان ملكها أو حرة صحبتها ورضي الزوج وجب لمن عينتها منهما أو عينها هو صبح كل يوم مد الخ.
اه.
بحذف.
وأصرح منها عبارة المنهاج ونصها: فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها أو بأمته أنفق عليها بالملك أو بمن صحبتها لزمه نفقتها وجنس طعامها: أي التي صحبتها جنس طعام الزوجة إلخ.
اه (قوله: مد وثلث) قال في التحفة: ووجهه أن نفقة الخادمة على المتوسط ثلثا نفقة المخدومة عليه فجعل الموسر كذلك إذ المد والثلث ثلثا المدين.
اه (قوله: على موسر) الملائم أن يقول عليه: أي الزوج إن كان موسرا ومد إن كان معسرا أو متوسطا (قوله: ومتوسط) إنما ألحقوه بالمعسر في الخادم لا في الزوجة لان مدار نفقة الخادم على سد الضرورة (قوله: مع كسوة) أي مع أدم له على الصحيح لان العيش لا يتم بدونه وهو، كما في التحفة، كجنس أدم المخدومة ودونه نوعا، وأما قدره فهو بحسب الطعام.
وفي وجوب اللحم وجهان، والذي يتجه ترجيحه منهما اعتبار عادة البلد.
وقوله أمثال الخادم: أي واللائق بالخادم دون ما يليق للمخدومة جنسا ونوعا (قوله: من
قميص الخ) بيان لكسوة (قوله: ومقنعة) تقدم بيانها، والاولى ذكرها بعد قوله ويزاد للخادمة لايهام تقديمه أن المقنعة مشتركة بين الخادم والخادمة وليس كذلك.
وعبارة فتح الجواد ويزاد ذكر قبعا وأنثى مقنعة وخمارا وخفا وملحفة.
اه.
وعبارة شرح المنهج: وقدر الكسوة قميص ونحو مكعب وللذكر نحو قمع وللانثى مقنعة وخف ورداء لحاجتها إلى الخروج، ولكل جبة في الشتاء لا سراويل، وله ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة لبد وكساء في الشتاء وبارية في الصيف ومخدة.
اه.
وكتب البجيرمي على قوله لا سراويل ما نصه: هذا مبني على عرف قديم وقد اطرد العرف الآن بوجوبه للخادمة، وهذا هو المعتمد.
زي.
اه (قوله: ويزاد للخادمة خف وملحفة) أي ملاءة.
وقوله إذا كانت تخرج: قيد في زيادة ما ذكر (قوله: وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة على المعتمد) قال سم والأوجه كما أفاده الشيخ - أي شيخ الاسلام - وجوب الخف والرداء للمخدمة أيضا فإنها تحتاج للخروج إلى حمام أو غيره من الضرورات وإن كان نادرا م ر.
ش.
اه (قوله: لأن إلخ) علة لعدم الوجوب (قوله: والاحتياج إليه) أي إلى الخروج.
وقوله نادر: أي والنادر لا حكم له (قوله: تنبيه ليس على خادمها إلخ) عبارة التحفة، وفي المراد بإخدامها الواجب خلاف، والمعتمد منه أنه ليس على خادمها إلا ما يخصه إلى آخر ما ذكره الشارح، وزاد عليه ولو منعها من أن تتولى خدمة نفسها لتفوز بمؤنة الخادم لانها تصير بذلك مبتذلة.
اه.
وقوله إلا ما يخصها: أي إلا الامر المختص بها، وسيذكر محترزه.
وقوله وتحتاج إليه: قيد، فلو كان الامر يخصها لكن لا تحتاج إليه فإنه لا يجب على الخادم فعله (قوله: كحمل الماء الخ) تمثيل للامر الذي يخصها وتحتاج إليه.
وقوله للمستحم: هو بضم الميم مع فتح التاء والحاء موضع الغسل.
وقوله والشرب: معطوف على(4/86)
المستحم: أي وكحمل الماء للشرب (قوله: وصبه على بدنها) أي وكصب الماء عليه، فهو معطوف على حمل (قوله: وغسل الخ) معطوف على حمل أيضا: أي وكغسل خرق الحيض، وقوله والطبخ: معطوف أيضا على حمل: أي وكالطبخ لاكلها (قوله: أما ما لا يخصها) أي بل يخص الزوج.
وقوله كالطبخ الخ: تمثيل للذي لا يخصها.
وقوله لاكله: أي الزوج.
وقوله: وغسل ثيابه: أي وكغسل ثيابه أي الزوج (قوله: فلا يجب) جواب أما.
وقوله على واحد منهما: أي من الخادم والزوجة، والأنسب بالمقابلة أن يقول فلا يجب على الخادم كما لا يجب على الزوجة (قوله: بل هو) أي ما لا يخصها مما ذكر (قوله: فيوفيه) أي فيوفي الزوج ما يخصها بل يخصه.
وقوله بنفسه أو بغيره: أي يوفيه: أي يفعله إن شاء بنفسه وإن شاء بغيره باستئجار أو غيره (قوله: مهمات الخ) الملائم ذكرها في آخر التنبيه المار قبيل قوله ولها مسكن أو
يؤخر التنبيه عن قوله ولها مسكن - كما نبهت على هذا هناك - وذلك لأنه إنما ذكرها هنا مع أن غالبها قد تقدم في باب الهبة لكونها لها تعلق بالتنبيه المذكور من جهة أنها كالتقييد لما ذكر فيه من كون الطعام والكسوة والفرش تملكه بمجرد الدفع إليها ولا يحتاج ذلك إلى إيجاب وقبول، وبيانه أن ظاهر هذا أنها تملك ما ذكر بالدفع إليها مطلقا سواء كان من جنس الواجب عليه أم لا مع أنه ليس كذلك بل لا بد من تقييده بكونه من جنس الواجب عليه، وإلا فلا بد من لفظ الايجاب والقبول أو قصد الهدية ويستفاد التقييد المذكور من المهمات والمراد من معظمها ويدل لما ذكرته سياق التحفة ونصها بعد كلام وظاهر أنها على الأول أي على أن المذكورات من الطعام وما بعده تمليك لا إمتاع تملكه بمجرد الدفع والاخذ من غير لفظ وإن كان زائدا على ما يجب لها لكن في الصفة دون الجنس فيقع عن الواجب بمجرد إعطائه لانه الصفة الزائدة وقعت تابعة فلم تحتج للفظ، بخلاف الجنس فلا تملكه إلا باللفظ لانه قد يعيرها قصدا لتجملها به ثم يسترجعه منها وحينئذ فكسوتها الواجبة لها باقية في ذمته.
وفي الكافي: لو اشترى حليا أو ديباجا إلى آخر ما ذكره المؤلف.
اه.
فتنبه (قوله: لو اشترى) أي الزوج.
وقوله حليا أو ديباجا: أي ونحوهما من كل ما يتخذ للزينة (قوله: وزينها به) أي زين الزوج زوجته بالمذكور من الحلي والديباج (قوله: لا يصير إلخ) الجملة جواب لو: أي لا يصير المذكور من الحلي والديباج ملكا لها بنفس التزيين المذكور بل إنما يصير بصدور الايجاب والقبول منهما أو بقصد الهدية منه لها بذلك (قوله: ولو اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية) أي فادعت هي أنه أهدى لها الحلي والديباج المذكورين وادعى هو أنه لم يهدهما لها وإنما جعلهما عندها عارية (قوله: صدق) أي الزوج لأن الأصل عدم التمليك (قوله: ومثله وارثه) أي مثل الزوج في ذلك وارثه: يعني لو اختلفت هي ووارث الزوج في الاهداء والعارية صدق الوارث (قوله: ولو جهز) أي أعطى الاب بنته، وهذه المسألة ذكرها هنا استطرادي لأنها ليس لها تعلق بالزوج والزوجة (قوله: بجهاز) هو بفتح الجيم ويجوز الكسر، الامتعة (قوله: لم تملكه إلخ) جواب لو الثانية، وكان حقه أن يصرح بهذا أيضا في المسألة الأولى (قوله: والقول إلخ) أي أن ادعت البنت بأنه ملكها إياه بإيجاب وقبول وادعى هو بأنه لم يملكها فالقول قول الاب في أنه لم يملكها (قوله: ويؤخذ مما تقرر) أي من أنها لا تملك ما ذكر إلا بالايجاب والقبول (قوله: أن ما يعطيه الزوج) أي لزوجته.
وقوله صلحة: اسم للشئ المعطى لاجل المصالحة إذا غضبت.
وقوله أو صباحية: هي اسم للشئ المعطى صبح الزواج ويسمى صبيحة (قوله: كما اعتيد) أي إعطاء الصلحة والصباحية ببعض البلاد (قوله: لا تملكه) أي ما أعطاه الزوج لها(4/87)
من الصلحة والصباحية (قوله: إلا بلفظ) أي مفيد للتمليك، ويصح أن يقرأ بغير تنوين ويكون هو وما بعده مضافين إلى إهداء (قوله: خلافا لما مر) أي في باب الهبة من أنها تملكه من غير لفظ ونص عبارته هناك.
ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوي ابن الخياط إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه فإنها تملكه ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ومن ذلك ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج، مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت أو تزوج عليها فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها.
انتهت.
ثم إن قوله هنا الحناطي وهناك ابن الخياط يعلم أنه وقع تحريف في النسخ ولم يعلم الاصح منهما (قوله: وإفتاء الخ) مبتدأ.
وقوله غير صحيح خبره (قوله: بأنه) أي الحال والشأن (قوله: لو أعطاها) أي زوجته قبل الدخول.
وقوله مصروفا للعرس: أي لوليمة الزواج.
وقوله ودفعا: أي أعطاها دفعا أي مهرا.
وقوله وصباحية: أي أو أعطاها صباحية (قوله: فنشزت) أي بعد أن أعطاها ما ذكر (قوله: استرد) أي الزوج، وهو جواب لو.
وقوله الجميع: أي جميع ما ذكر من مصروف العرس والدفع والصباحية (قوله: إذ التقييد بالنشوز إلخ) تعليل لعدم الصحة.
وقوله لا يتأتى في الصباحية: أي لا يأتي فيها (قوله: لما قررته فيها) أي في الصباحية، وهو تعليل لعدم تأتي النشوز فيها، وذلك لأنه إن دفعها لها بلفظ الاهداء أو قصده صارت ملكا لها سواء وقع منها ذلك أم لا (قوله: أنها كالصلحة) في عبارة التحفة إسقاط لفظة أنها وهو الاولى لانه على إثباتها يستفاد أنه قرر حكم الصلحة أولا ثم قاس عليها الصباحية مع أنه لم يصنع كذلك (قوله: لانه إن تلفظ الخ) هذا عين الذي قرره فيلزم تعليل الشئ بنفسه، فالاولى أن يبدل لام التعليل بمن البيانية، وقد علمت معنى العلة المذكورة آنفا (قوله: فليس بواجب) أي عليه (قوله: فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه) أي سواء وقع منها نشوز أم لا، ويفهم منه أنها لو لم تصرفه أو صرفته لا بإذنه لا يضيع عليه بل هو باق على ملكه في لاول وتغرمه له في الثاني (قوله: وأما الدفع: أي المهر فإن كان قبل الدخول استرده) اسم كان يحتمل أن يعود على النشوز المعلوم من السياق وضمير استرده يعود على الدفع بمعنى المهر المفروض وقوعه قبل الدخول وهو الذي ربط المبتدأ بالجملة الواقعة خبرا، ويحتمل أن يعود على الدفع المذكور ويقدر مضاف ومتعلق والتقدير على الأول، وأما الدفع الواقع قبل النشوز، كما هو أصل فرض المسألة، فإن كان النشوز وقع قبل الدخول أيضا استرده وعلى الثاني، وأما الدفع فإن كان تسليمه وقع قبل الدخول استرده بالنشوز الواقع قبله أيضا والاول أقرب إلى صنيعه وأولى لما في الثاني من كثرة الحذف، ثم إنه إذا استرده يبقيه عنده إلى زوال النشوز وحصول التمكين فإذا زال النشوز وحصل التمكين رده كله لها أو إلى طلاقها، فإذا طلقها رد لها النصف وأخذ
هو النصف وكان حقه أن يسترد منها النصف فقط لأنه هو الذي يستحقه على تقدير أنه يطلقها.
ولذلك كتب السيد عمر على قول التحفة استرده ما نصه: محل تأمل إن أريد استرداد جميعه.
اه.
ولعل ما ذكرته هو وجه التأمل.
ثم إني رأيت في الروض وشرحه في باب الصداق ما يخالف ما ذكر من استرداده ونص عبارته: لو امتنعت من تسليم نفسها بلا عذر وقد بادر بتسليم الصداق لم يسترده لتبرعه بالمبادرة كما لو عجل الدين المؤجل فإنه لا يسترده.
اه.
ومثله في فتح الجواد (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن النشوز حاصلا قبل الدخول فلا يسترده على الإحتمال الأول: أي وإن لم يعط الدفع لها قبل الدخول، بل أعطى بعده فلا يسترده على الثاني (قوله: لتقرره) أي الدفع.
وقوله به: أي بالدخول (قوله: فلا يسترد بالنشوز) لا حاجة إليه لأنه عين قوله فلا (قوله: وتسقط الخ) المراد بالسقوط ما يشمل عدم الوجوب من أول الأمر حتى لو طلع الفجر وهي ناشزة فلا وجوب، ويقال سقطت بمعنى أنها لم تجب من أول الأمر وإن كان السقوط فرع الوجوب فغلب ما في الاثناء على ما في الابتداء وسمى الكل سقوطا.
وقوله المؤن: المراد بها ما يشمل المسكن (قوله: بنشوز) متعلق(4/88)
بتسقط.
وقوله منها: متعلق بمحذوف صفة لنشوز: أي نشوز حاصل من الزوجة (قوله: إجماعا) مرتبط بقوله تسقط: أي تسقط بالاجماع (قوله: أي بخروج الخ) تفسير للنشوز (قوله: وإن لم تأثم) غاية في سقوط المؤن بالنشوز: أي تسقط به وإن لم تكن تأثم به وتسقط أيضا بما ذكر وإن قدر على ردها للطاعة وتركه (قوله: كصغيرة إلخ) تمثيل لغير الآثمة بالنشوز (قوله: ومكرهة) قال ع ش: ومن ذلك ما يقع كثيرا من أن أهل المرأة يأخذونها مكرهين لها من بيت زوجها وإن كان قصدهم بذلك إصلاح شأنها كمنعهم للزوج من التقصير في حقها بمنع النفقة أو غيرها.
اه.
(قوله: ولو ساعة أو ولو لحظة) غايتان في سقوط المؤن: أي تسقط المؤن بالنشوز ولو نشزت ساعة أو لحظة فلا يشترط نشوزها في كل اليوم أو كل الفصل فلو عادت للطاعة في بقية اليوم أو بقية الفصل لا تعود نفقة ذلك اليوم ولا كسوة ذلك الفصل، بل تنفق على نفسها بقية ذلك اليوم وتكسو نفسها بقية الفصل ثم بعد ذلك اليوم ينفق عليها الزوج، وبعد ذلك الفصل يكسوها، وفي حاشية الجمل ما نصه: وهذا كله ما لم يتمتع بها، أي بالناشزة، فإن تمتع بها ولو لحظة لم تسقط بل تجب نفقة اليوم بكمالها وكسوة الفصل بكمالها على معتمد م ر وإن قيل بالتقسيط على زمن التمتع وغيره.
اه.
شيخنا.
وفي ق ل على الجلال: ولا تعود بعودها للطاعة في بقية الليلة أو اليوم أو الفصل ما لم يستمتع بها على المعتمد، كما تقدم، اه (قوله: فتسقط نفقة ذلك اليوم إلخ) مفرع على سقوطها بنشوزها ساعة أو لحظة: أي وإذا نشزت ساعة أو لحظة سقطت ذلك اليوم كله
وذلك الفصل كله.
قال سم: بقي النشوز بالنسبة لما يدوم ولا يجب كل فصل كالفرش والاواني وجبة البرد فهل يسقط ذلك ويسترد بالنشوز ولو لحظة في مدة بقائها أو كيف الحال؟ للاذرعي فيه تردد واحتمالات يراجع ويحرر الترجيح، وقال أيضا: بقي المسكن فانظر ما يسقط منه بالنشوز هل سكنى ذلك اليوم أو الليلة أو الفصل أو زمن النشوز فقط حتى لو أطاعته بعد لحظة استحقته لانه غير مقدر بزمن معين؟ فيه نظر، ولا يبعد سقوط سكنى اليوم والليلة الواقع فيهما النشوز.
اه.
قال البجيرمي: والظاهر أن مثل السكنى غيرها من الفرش والغطاء وغيرهما: اه (قوله: ولا توزع الخ) هذا لازم لسقوطها كل اليوم وكل الفصل (قوله: ولو جهل سقوطها) أي النفقة.
وقوله بالنشوز: متعلق بسقوط (قوله: فأنفق) أي عليها جاهلا بذلك (قوله: رجع عليها) أي إذا تبين له أنها كانت ناشزة (قوله: ممن يخفى عليه ذلك) أي سقوطها بالنشوز، والظاهر أن المراد بمن يخفى عليه ذلك غير الفقيه ولو كان مخالطا للعلماء.
إذ هذه المسألة من فروع المسائل الدقيقة (قوله: وإنما لم يرجع) أي عليها في صورة النكاح وعلى سيدها في صورة الشراء، وهذا وارد على رجوع الزوج بما أنفقه عليها عند جهله بالنشوز.
وقوله فاسد: صفة لكل من نكاح وشراء (قوله: وإن جهل ذلك) أي الفساد، وهو غاية لعدم الرجوع (قوله: لأنه شرع في عقدهما) أي النكاح والشراء، والاضافة للبيان، إذ المراد بالنكاح والشراء العقد أيضا بدليل وصفهما بالفساد، وفيه أن هذا التعليل لا يجدي شيئا لان من جهل سقوط نفقتها بالنشوز كذلك شرع في عقدها على أن يضمن مؤنتها فلو قال لانهما: أي المنكوحة بنكاح فاسد والمشتراة بشراء فاسد تحت حبسه وقبضته والناشزة ليست كذلك لكان أولى، ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية بأنه شرع إلخ ما نصه: فيه وقفة لا تخفى.
اه.
ولعل وجهه ما ذكرته.
تأمل (قوله: ولا كذلك هنا) أي وليس في صورة جهله بسقوط نفقتها بالنشوز شارعا في عقدها على أن يضمن مؤنتها، وقد علمت ما فيه (قوله: وكذا من الخ) أي ومثل من أنفق في نكاح الخ من وقع عليه طلاق باطنا الخ لأنه شرع في عقدها على أن يضمن المؤن بوضع اليد على ما ذكره، والاولى أن يقال لان هذه المطلقة طلاقا باطنا تحت حبس الزوج وتمكنه.
وقوله باطنا: وذلك بأن علق طلاقها بالثلاث على شئ فوجد الشئ(4/89)
المعلق عليه وهو لم يعلم به (قوله: ويحصل النشوز) دخول على المتن (قوله: بمنع الزوجة الزوج من تمتع) أي ولو بحبسها ظلما أو بحق وإن كان الحابس هو الزوج، كما اقتضاه كلام ابن المقري واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، ويؤخذ منه بالاولى سقوطها بحبسها له ولو بحق للحيلولة بينه وبينها - كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى - أو باعتدادها بوطئ
شبهة.
اه.
نهاية وكتب الرشيدي قوله وإن كان الحابس هو الزوج هو غاية في قوله أو بحق فقط كما يعلم من التحفة.
اه.
ومحل كون المنع المذكور يحصل به النشوز إذا لم يكن على وجه التدلل أي التحبب وإظهار الجمال، وإلا فلا تكون ناشزة به (قوله: ولو بنحو لمس) أي ولو منعته من التمتع بنحو لمس كنظر، كأن غطت وجهها أو تولت عنه وإن مكنته من الجماع فإنه يحصل النشوز به (قوله: أو بموضع عينه) أي ولو منعته من التمتع بها في موضع منها قد عينه كيدها وفخذها فإنه يحصل النشوز به (قوله: لا إن منعته عنه لعذر) أي لا يحصل النشوز إن منعت زوجها عن التمتع بها لعذر (قوله: ككبر آلته) مثال للعذر لكن في غير اللمس: إذ هو ليس عذرا من منع اللمس (قوله: بحيث لا تحتمله) تصوير للكبر: أي حال كون الكبر مصورا بحالة لا تحتملها الزوجة (قوله: ومرض الخ) معطوف على كبر: أي وكمرض قائم بها يضر مع وجوده الوطئ فلا يحصل النشوز بمنعها من الوطئ حينئذ (قوله: وقرح في فرجها) معطوف على مرض من عطف الخاص على العام (قوله: وكنحو حيض) لا حاجة لزيادة الكاف كالذي قبله وإنما لم تسقط النفقة به وبما قبله من الاعذار لانه إما عذر دائم ككبر الذكر أو يطرأ ويزول كنحو الحيض والمرض وهي معذورة فيه وقد حصل التسليم الممكن ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه (قوله: ويثبت كبر آلته الخ) قال ع ش: وسكت عن بيان ما يثبت به المرض والقياس أنه لا يثبت إلا برجلين من الاطباء لانه مما تطلع عليه الرجال غالبا.
اه.
وقوله بإقراره: أي الزوج وهو متعلق بيثبت.
وقوله أو برجلين: معطوف على بإقراره.
وقوله من رجال الختان: أي من الرجال الذين لهم معرفة بالختان، وإنما خصهم لانهم غالبا لهم اطلاع على آلات الرجال فيميزون به صغيرها وكبيرها (قوله: ويحتالان) أي الرجلان، وقوله لانتشار ذكره: أي إذا كانت معرفة الكبر متوقفة عليه.
وقوله بأي حيلة: متعلق بيحتالان، وقوله غير إيلاج ذكره في فرج محرم: أما به فيحرم.
وقوله أو دبر: معطوف على فرج محرم من عطف الخاص على العام (قوله: أو بأربع نسوة) معطوف على بإقراره: أي ويثبت كبر آلته بأربع نسوة أي شهادتهن (قوله: فإن لم يمكن معرفته) أي كبر الآلة (قوله: إلا بنظرهن) أي الاربع النسوة، وقوله إليهما، أي إلى الرجل وزوجته، وقوله مكشوفي الفرجين: حال من ضمير إليهما، وقوله حال: منصوب بإسقاط الخافض: أي نظرهن في حال انتشار عضوه أي ذكره (قوله: جاز) أي النظر وهو جواب إن.
وقوله: ليشهدن علة الجواز (قوله: فرع لها الخ) قد تقدم الصداق، وإنما أعاده هنا ليرتب عليه عدم حصول النشوز وسقوط النفقة به، وكان الأخصر أن يقول وكعدم إقباضه إياها الصداق الحال أصالة قبل الوطئ عطفا على ككبر آلته.
وذلك لأنه من جملة الاعذار (قوله: الحال أصالة) أي ابتداء.
وخرج به ما إذا نكحها بمهر مؤجل ثم حل فليس لها الامتناع
من التمتع لانه قد وجب عليها التمكين قبل الحلول (قوله: قبل الوطئ) متعلق بمنع (قوله: بالغة) حال من مقدر: أي قبل وطئها حال كونها بالغة ولو عبر بكاملة كما عبر به في باب الصداق لكان أولى لتخرج المجنونة (قوله: إذ لها الامتناع) تعليل لقوله لها منع الخ، وهو عين المعلل، كما لا يخفى، وقوله حينئذ: أي حين إذ كان لقبض الصداق الحال (قوله:(4/90)
فلا يحصل إلخ) هذا هو ثمرة كونها لها الامتناع.
وقوله: ولا تسقط الخ: عطف لازم على ملزوم.
وقوله بذلك: أي بامتناعها لقبض الصداق.
وقيد في فتح الجواد عدم السقوط بما إذا كانت عنده ونص عبارته: فلا تسقط مؤنتها بذلك إذا كانت عنده لعذرها.
اه.
(قوله: فإن منعت) أي تمتعه بها فالمفعول محذوف.
وقوله لقبض الصداق المؤجل: أي وإن حل قبل الامتناع، وهو محترز قوله الحال (قوله: أو بعد الوطئ) محترز قوله قبل الوطئ.
وقوله طائعة: حال من محذوف واقع مفعولا للمصدر - كما تقدم - (قوله: فتسقط) أي النفقة، وهو جواب إن (قوله: فلو منعته لذلك) أي لقبض الصداق الخ (قوله: بعد وطئها) متعلق بمنعته.
وقوله مكرهة أو صغيرة: هذا محترز قوله بالغة مختارة.
وقوله: ولو بتسليم الولي: أي ما لم يكن تسليمه لمصلحة، كما صرح به في باب الصداق، والغاية راجعة لقوله أو صغيرة فقط (قوله: فلا) أي فلا تسقط نفقتها لانها إذا وطئت غير كاملة لها أن تمنع نفسها بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، ومثله ما لو وطئت مكرهة فلها أن تمنع نفسها بعد زوال الاكراه (قوله: ولو ادعى وطأها إلخ) يعني لو ادعى وطئ من منعته نفسها لقبض الصداق الحال أصالة بتمكينها نفسها له وطلب منها أو من وليها تسليمها إليه وادعت هي عدم تمكينها نفسها له وامتنعت من التسليم فإنها هي المصدقة في ذلك، وعبارة الروج وشرحه: فصل القول قول من ينكر الوطئ من الزوجين بيمينه وإن وافق على جريان خلوة لأن الأصل عدمه، فلو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت لتسليم المهر صدقت أو ادعت جماعها قبل الطلاق وطلبت جميع المهر فأنكره صدق.
اه (قوله: وطلب) بصيغة الماضي عطف على ادعى ومتعلقه محذوف: أي منها أو من وليها (قوله: فأنكرته) أي الوطئ بتمكينها نفسها له (قوله: وامتنعت) أي لاجل قبض الصداق الحال (قوله: صدقت) أي باليمين ولا تسقط نفقتها (قوله: وخروج من مسكن) معطوف على بمنع من تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بخروج من مسكن (قوله: أي المحل) تفسير للمراد من المسكن: أي أن المراد منه المحل الذي رضي بإقامتها فيه سواء كان محله أو محله أو محل أبيها (قوله: ولو لعيادة الخ) غاية لكون الخروج يعد نشوزا أي يعد الخروج نشوزا ولو كان لعيادة مريض أو كان زوجها غائبا، وقوله بتفصيله: أي الخروج بالنسبة لما إذا كان
الزوج غائبا.
وقوله الآتي: أي قريبا عند قوله ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز إلخ.
وحاصله أنه إذا كان الزوج غائبا وخرجت بلا إذنه لعيادة أو زيارة قريب ولم يمنعها أو يرسل إليها به لم يكن نشوزا وإلا عد نشوزا (قوله: بلا إذن إلخ) متعلق بخروج أي يحصل النشوز بخروج منه بلا إذن أصلا من الزوج ولا ظن رضاه، فإن كان الخروج بإذنه أو بظن رضاه فلا يحصل به النشوز (قوله: فخروجها) مبتدأ خبره قوله عصيان ونشوز.
وهذا تصريح بما علم مما قبله.
وقوله أو عيادة غير محرم: أي قريب، أما الخروج لعيادة المحرم: أي القريب، فلا يكون عصيانا ونشوزا، لكن بشرط أن لا يمنعها منه (قوله: أن لها اعتماد العرف) أي ولو لم يأذن لها أو تظن رضاه، وقوله الدال: أي ذلك العرف.
وقوله على رضا أمثاله: أي الزوج، وقوله بمثل: الخ متعلق برضا (قوله: وهو) أي ما أخذه الاذرعي وغيره من كلام الامام (قوله: ما لم تعلم إلخ) قيد في كونه محتملا: أي محل كونه محتملا إذا لم تعلم بأن للزوج غيرة زائدة تقطعه عن أمثاله: أي تفرده عنهم (قوله:(4/91)
في ذلك) أي في مثل الخروج الذي تريده (قوله: تنبيه يجوز لها الخروج الخ) هذا كالاستثناء مما قبله، فكأنه قال الخروج من المسكن عصيان ونشوز إلا في هذه المواضع (قوله: منها) أي المواضع التي يجوز لاجلها الخروج.
وقوله إذا أشرف البيت أي كله أو بعضه الذي يخشى منه كما هو ظاهر.
اه.
تحفة (قوله: وهل يكفي قولها إلخ) أي إذا ادعى الزوج عليها بأنها خرجت لغير ضرورة وادعت هي أنها خرجت خشية انهدام البيت وليس هناك قرينة تدل على ذلك، فهل يكفي قولها المذكور فلا تسقط نفقتها أو لا يكفي مجرد قولها المذكور إلا إذا انضم إليه قرينة تدل عادة على الانهدام؟ (قوله: قال شيخنا: كل) أي من الشقين محتمل.
وقوله والأقرب الثاني: من مقول قول شيخه وهو أنه لا بد من قرينة تدل عليه (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز لاجلها الخروج (قوله: إذا خافت على نفسها أو مالها) قال في النهاية: ويتجه أن الاختصاص الذي له وقع كذلك اه.
وكتب ع ش: قولها أو مالها أي وإن قل أخذا من إطلاقه هنا وتقييده الاختصاص بماله وقع، ولو اعتبر في المال كونه ليس تافها جدا لم يكن بعيدا.
اه (قوله: ومنها) أي المواضع المذكورة، وقوله إذا خرجت إلى القاضي لطلب إلخ: أي إذا خرجت إلى القاضي لاجل طلب حقها من زوجها والمراد خرجت ليخلص لها القاضي حقها من الزوج (قوله: ومنها) أي من المواضع المذكورة، وقوله: خروجها لتعلم العلوم العينية: أي كالواجب تعلمه من العقائد والواجب تعلمه مما يصحح الصلاة والصيام والحج ونحوها (قوله: أي للاستفتاء) أي لامر تحتاج إليه بخصوصه وأرادت السؤال عنه أو تعلمه أما إذا أرادت الحضور لمجلس علم لتستفيد أحكاما تنتفع بها
من غير احتياج إليها حالا أو الحضور لسماع الوعظ فلا يكون عذرا (قوله: حيث لم يغنها) قيد في جواز الخروج لتعلم ما ذكر: أي محل جواز ذلك إذا لم يغنها الزوج الثقة عن الخروج لذلك، أما إذا أغناها عن ذلك بأن كان يعلمها ما تحتاج إليه فلا يجوز لها الخروج، وقوله أو نحو محرمها: أي وحيث لم يغنها نحو محرمها ممن يحل له النظر كعبدها قال في التحفة بعده: ويظهر أنها لو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة وامتنع من أن يعلمها أو يسأل لها أجبره القاضي على أحد الأمرين ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها.
اه.
وقوله فيما استظهره شيخنا: راجع لنحو محرمها (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز الخروج لأجلها، وقوله: إذا خرجت لاكتساب نفقة: أي لاجل اكتساب نفقتها: وقوله أو سؤال: أي سؤال النفقة: أي طلبها على وجه الصدقة، وقوله أو كسب: أي عمل صنعة (قوله: ومنها) أي المواضع المذكورة (قوله: إذا خرجت على غير وجه النشوز) يفيد التقييد به أن الخروج لزيادة أو عيادة قريب قد يكون على وجه النشوز أنه حينئذ يسقط النفقة، والتعليل الآتي في قوله لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا يفيد خلافا وحينئذ يقع تدافع بين مفاده ومفاد التعليل، وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها: وتسقط بالخروج إلا إن لم يعد نشوزا: كأن خرجت لطلب حقها منه أو للزيارة أو للعيادة لاحد من محارمها بلا إذن مع تلبسه بغيبة عن البلد.
اه.
فالاولى إسقاط التقييد المذكور أو يزيد قبل قوله لزيارة الخ لفظ كأن خرجت لزيارة الخ ويكون تمثيلا للخروج الذي ليس على وجه النشوز، كما في عبارة فتح الجواد المذكورة، (قوله: في غيبة الزوج عن البلد) قال سم: خرج خروجها في غيبته في البلد فهو نشوز.
اه.
قال ع ش: وينبغي أن مثل غيبته عن البلد خروجها مع حضوره حيث اقتضى العرف رضاء بمثل ذلك، ومن ذلك ما لو جرت عادته بأنه إذا خرج لا يرجع إلا آخر النهار مثلا فلها الخروج ونحوها إذا كانت ترجع إلى بيتها قبل عوده وعلمت منه الرضا بذلك.
اه.
وقوله ع ش موافق لما أخذه الاذرعي من كلام الامام أن لها اعتماد العرف(4/92)
الدال على رضا أمثاله الخ (قوله: لزيارة أو عيادة) مضافان لما بعدهما فيقرآن من غير تنوين.
وعبارة المنهاج: لزيارة ونحوها وكتب سم: قوله ونحوها منه موت أبيها وشهود جنازته فما نقله الزركشي عن الحموي شارح التنبيه مقيد بحضوره.
اه.
وقوله فما نقله: أي من أنه ليس لها الخروج لموت أبيها ولا لشهود جنازته: وقوله مقيد بحضوره، أي محمول على الزوج الحاضر في البلد وذلك لتمكنها من استئذانه.
وقوله قريب.
قال في التحفة: قضية التعبير هنا بالقريب أنه لا فرق بين المحرم وغيره، لكن قضية تعبير الزركشي بالمحارم وتبعه في شرح الروض تقيده بالمحرم.
وهو
متجه.
اه.
وقوله لا أجنبي أو أجنبية: أي ليس من المواضع التي يجوز الخروج لها إذا خرجت لزيارة أو عيادة أجنبي أو أجنبية.
وقوله على الأوجه: مقابله يقول لها الخروج للزيارة والعيادة مطلقا سواء كان لقريب أو نحوه (قوله: لان الخروج لذلك) أي لزيارة أو عيادة قريب وهو تعليل لكون الخروج لزيارة أو عيادة القريب جائزا لا تصير به ناشزة (قوله: وظاهر أن محل ذلك) أي كون الخروج المذكور لا يعد نشوزا، وقوله إن لم يمنعها: أي قبل السفر.
وقوله أو يرسل لها بالمنع: قال ع ش: أي أو تدل القرينة على عدم رضاه بخروجها في غيبته مطلقا.
اه.
(قوله: وبسفرها) معطوف على منع من تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بسفرها: أي مطلقا سواء كان طويلا أو قصيرا ولا ينافي هذا قول الشارح بعد أي بخروجها إلى محل يجوز القصر منه لأنه لا يلزم من خروجها إليه أن يكون سفرها طويلا (قوله: أي بخروجها وحدها) تفسير مراد للسفر الذي يحصل النشوز به (قوله: إلى محل يجوز القصر منه) أي وهو خارج السور إن كان أو العمران وقوله للمسافر، أي سفرا طويلا وهو متعلق بيجوز (قوله: ولو لزيارة إلخ) غاية لحصول النشوز لخروجها وحدها.
أي يحصل بخروجها.
أي ولو كان ذلك الخروج لزيارة أبويها أو للحج، ولو قال أو للنسك لكان أولى ليشمل العمرة (قوله: بلا إذن منه) أي الزوج والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من سفرها: أي يحصل النشوز بالسفر في حال كونه بغير إذن من الزوج، وقوله ولو لغرضه: أي ولو كان سفرها بلا إذن لغرض الزوج: أي حاجته فيحصل به النشوز (قوله: ما لم تضطر) قيد في حصول النشوز بالسفر المذكور، أي محل حصول النشوز بسفرها بلا إذنه ما لم تضطر إلى السفر، وإلا فلا يحصل النشوز به.
وقوله كأن الخ: تمثيل لحالة الاضطرار.
وقوله جلا جميع أهل البلد.
أي تفرقوا عنها.
قال في القاموس: جلا القوم عن الموضع، ومنه جلوا وجلاء، وأجلوا تفرقوا.
اه.
وقوله أو بقي من لا تأمن معه: أي أو لم يجل جميع أهل البلد ولكن بقي من لا تأمن معه على نفسها أو مالها (قوله: أو بإذنه إلخ) أي ويحصل النشوز بسفرها بإذنه أيضا ولكن كان سفرها لغرضها أو لغرض أجنبي (قوله: فتسقط المؤن) مفرع على جميع ما قبله والمراد بالمؤن ما يشمل الكسوة فتسقط كسوة ذلك الفصل، كما تقدم، وتقدم أيضا الخلاف في المسكن.
فلا تغفل، وقوله لعدم التمكين: أي بسبب سفرها المذكور (قوله: ولو سافرت بإذنه لغرضهما) أي الزوج والزوجة أو لاجنبي بدلها (قوله: فمقتضى المرجح) مبتدأ خبره قوله عدم السقوط.
وقوله في الايمان، متعلق بالمرجح.
وقوله فيما إذا قال إلخ: بدل من في الايمان بدل بعض.
وقوله إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق: الجملة مقول لقوله: وقوله فخرجت لها: أي فخرجت بقصد الذهاب إلى الحمام وبقصد غيره.
واعلم: أنه يوجد في غالب النسخ فخرجت لها ولغيرها بتأنيث الضمير، وهذا مبني على أن الحمام مؤنث، وهو خلاف الغالب.
وفي حاشية عبادة على الشذور ما نصه: قوله وحمامات هذا بناء أن حمامات مذكر وهو قول جل أهل اللغة، وقال بعض أهل اللغة الحمام مؤنثة.
اه.
وقوله أنها لا تطلق: أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من المرجح أو(4/93)
عطف بيان له: أي فمقتضى الذي رجح في الايمان وهو أنها لا تطلق عدم سقوط المؤن.
وقوله هنا: أي فيما إذا سافرت لغرضها (قوله: لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط) أي سقوط المؤن هنا قياسا على عدم وجوب المتعة إذا ارتدا معا ولانه إذا اجتمع مقتض ومانع يقدم المانع (قوله: لا بسفرها معه) أي لا يحصل النشوز بسفرها مع زوجها إلا إن منعها من الخروج معه فخرجت ولم يقدر على ردها فيحصل النشوز به وتسقط المؤن، وقوله بإذنه: ليس بقيد كما يدل على ذلك عبارة الفتح وهي: ولا إن سافرت معه ولو لحاجتها بلا إذن وإن عصت.
اه.
ومثلها عبارة شرح المنهج.
ثم إن هذا محترز قوله فيما مر وحدها.
قوله ولو في حاجتها: أي ولو سافرت معه لأجل قضاء حاجة نفسها (قوله: ولا بسفرها بإذنه لحاجته) أي ولا يحصل النشوز بسفرها وحدها بإذنه لحاجته، وهذا محترز قوله بلا إذن منه.
وقوله ولو مع حاجة غيره: الاولى إسقاطه لأنه يغني عنه.
قوله فيما تقدم ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا: إذ الغير صادق بها وبأجنبي (قوله: فلا تسقط المؤن) مفرع على قوله لا بسفرها إلخ: أي وإذا لم يحصل النشوز بما ذكر فلا تسقط المؤن به (قوله: لانها ممكنة) أي في الأولى وهي ما إذا سافرت معه، وكان الأولى زيادته بدليل المقابلة (قوله: وهو) أي الزوج (قوله: المفوت لحقه في الثانية) وهي ما إذا سافرت وحدها بإذنه (قوله: لو امتنعت من النقلة معه) أي لسفر معه.
وقوله لم تجب النفقة: أي لما تقدم من أنها لا تجب إلا إن مكنته من التمتع بها ومن نقلها إلى حيث شاء (قوله: إلا أن كان) أي الزوج، وهو استثناء من عدم وجوب النفقة إذا امتنعت من النقلة معه (قوله: فتجب) أي النفقة (قوله: ويصير تمتعه بها الخ) أي ويصير بسب التمتع بها كأنه عفا من النقلة معه ورضي ببقائها في محلها، وقوله حينئذ أي حين إذ امتنعت من النقلة والظرف متعلق بتمتعه (قوله: وقضيته) أي ما ذكر في الجواهر من أن امتناعها من النقلة مع التمتع بها لا يسقط النفقة.
وقوله جريان ذلك.
أي عدم سقوط النفقة بالتمتع.
وقوله في سائر صور النشوز: أي في سائر أنواع النشوز الذي يتأتى منه هنا كالخروج من المسكن، وأما الذي لا يتأتى كالنوع الاول منه وهو منعها من التمتع بها لانها إذا منعته فكيف يقال إذا تمتع بها لا تسقط نفقتها إلا أن يقال يتأتى التمتع مع كراهتها له ومنعها منه بأن يتمتع بها قهرا عنها.
وقوله وهو: أي الاقتضاء المذكور.
وقوله
محتمل: في التحفة بعده ونوزع فيه بما لا يجدي وما مر في مسافرة معه بغير إذنه من وجوب نفقتها لتمكينها وإن أتمت بعصيانه صريح فيه، وظاهر كلام الماوردي أنها لا تجب إلا زمن التمتع دون غيره.
نعم: يكفي في وجوب نفقة اليوم تمتع لحظة منه بعد النشوز وكذا الليل.
اه.
وقوله صريح فيه.
أي في جريان ذلك في سائر صور النشوز (قوله: وتسقط المؤن) الملائم لما قبله أن يقول ويحصل النشوز وإن كان يلزمه سقوط المؤن، وقوله أيضا: أي كما تسقط بما قبله (قوله: بإغلاقها الباب في وجهه) أي وبعبوسها بعد لطف وطلاقة وجه وبكلام خشن بعد أن كان بلين لأن ما ذكر كله يعد نشوزا (قوله: وبدعواها طلاقا بائنا كذبا) أي وتسقط المؤن بدعواها ما ذكر لأنها لا تكون إلا عن كراهة فتعد نشوزا في العرف (قوله: وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان) لأنه قد يكون لسوء الخلق (قوله: وإن استحقت التأديب) غاية في كون ما ذكر من الشتم والايذاء ليس من النشوز: أي ليس منه وإن كانت تستحق عليه التأديب.
قال البجيرمي: والمؤدب لها هو الزوج فيتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعه إلى القاضي لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا.
قال الزركشي: وينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين(4/94)
الرفع إلى القاضي.
اه (قوله: مهمة لو تزوجت زوجة المفقود الخ) هذه المهمة مختصرة من عبارة الروض وشرحه ونصهما.
(فصل) زوجة المفقود المتوهم موته لا تتزوج غيره حتى يتحقق: أي يثبت بعدلين موته أو طلاقه وتعتد لأنه لا يحكم بموته في قسمة ماله وعتق أم ولده فكذا في فراق زوجته ولان النكاح معلوم بيقين فلا يزال إلا بيقين، ولو حكم حاكم بنكاحها قبل تحقق الحكم بموته نقض لمخالفته للقياس الجلي، ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لانها ناشزة به وإن كان فاسدا، وكذا تسقط عنه إن فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى طاعته لان النشوز إنما يزول حينئذ ولا نفقة لها على الزوج الثاني.
إذ لا زوجية بينهما ولا رجوع له بما أنفقه عليها لانه متبرع إلا فيما كلفه من الإنفاق عليها بحكم حاكم فيرجع عليها به.
فلو تزوجت قبل ثبوت موته أو طلاقه وبأن المفقود ميتا قبل تزوجها بمقدار العدة صح التزوج لخلوه عن المانع في الواقع فأشبه ما لو باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا.
اه (قوله: قبل الحكم بموته) أي حكم القاضي بموته ببينة تشهد به أو باجتهاده عند مضي مدة لا يعيش مثله إليها في غالب العادة فإن تزوجت بعد الحكم بموته ثم تبينت حياته لا تسقط نفقتها لانها ليست ناشزة حينئذ (قوله: سقطت نفقتها) أي
عن المفقود (قوله: ولا تعود إلخ) يعني لو تبين عدم موته فلا تعود نفقتها عليه إلا بعد علمه بعودها إلى طاعته والتفريق بينها وبين زوجها الثاني لان نكاحها عليه فاسد (قوله: يجوز للزوج الخ) ويجوز له منعها أيضا من أكل سم وممرض لها خشية الهلاك ومن تناول منتن كثوم وكراث وبصل وفجل دفعا للضرر، لا منعها من نحو غزل في منزله إلا مع من يستحي من أخذها من بينهن لقضاء وطره (قوله: ولو لموت أحد أبويها) أي له ذلك ولو كان الخروج لموت أحد أبويها (قوله: ومن إن تمكن من دخول الخ) أي وله منعها من إن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله، أما هي فليس له منعها إن كنت ممن تخدم، فإن كانت ممن لا تخدم فله منعها من إن تمكن من دخولها وإن أنفقت عليها، كما في الفتح، ونص عبارته: وله منع لمن تخدم من زيادة خادم آخر من مالها ولمن لا تخدم أن تتخذ خادما وإن أنفقته.
اه.
وقوله ولو أبويها أو ابنها: أي ولو كان ذلك الغير أبويها أو ابنها.
وقوله من غيره: أي غير زوجها الآن أي حال كون ذلك الابن من زوج غيره (قوله: لكن يكره منع أبويها) أي من دخول منزله (قوله: حيث لا عذر) أي في المنع، فإن كان عذر كفسق أبويها أو إساءة خلقهما بحيث يحملانها على النشوز وخروجها عن الطاعة فلا يكره منعهما (قوله: فإن كان المسكن الخ) مقابل المحذوف: أي ما تقدم من جواز المنع له من تمكين دخول غير خادمة واحدة إذا لم يكن المسكن ملكها بأن كان ملكه أو مستأجره فإن كان ملكها لم يمنع إلخ.
وقوله لم يمنع شيئا من ذلك: الاولى لم يمنع ذلك ويحذف لفظ شيئا ولفظ من الجارة لأن اسم الإشارة عائد على تمكينها من دخول غير خادمة واحدة فقط وهو شئ واحد، ولا يصح عوده على جميع ما تقدم من منعها من الخروج من المنزل ومن منعها من التمكين المذكور لان له منعها من الخروج مطلقا سواء كان مسكنها أو مسكنه ثم رأيت هذه اللفظة سرت له من عبارة فتح الجواد ونصها: وله منعها من إن تمكن من دخول غير خادمة ولو أبويها أو ابنها وله منعهم أيضا من دخوله وإخراجهم منه وله إخراج سائر أموالها ما عدا خادمها من منزله.
نعم: إن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك.
اه.
وهو ظاهر فيها لان المتقدم أشياء متعددة، فإذا كان المسكن ملكها ليس له أن يمنع شيئا منها.(4/95)
(قوله تتمة) أي في بيان بعض أحكام تتعلق بالنشوز الجلي والنشوز الخفي، وحاصله أنها إذا نشزت نشوزا جليا أو ظاهرا كأن خرجت من المنزل ثم غاب عنها زوجها وعادت إلى الطاعة بعودها إلى المنزل في حال غيبته فلا تجب عليه مؤنتها ولو علم ذلك.
نعم: إن رفعت أمرها للحاكم وأظهرت له التسليم وكتب الحاكم لحاكم بلده ليعلم بالحال ويحضر
فورا ليستلمها أو يرسل من يستلمها عنه، فإن علم ذلك ولم يفعل ما ذكر وجبت عليه وهو غائب فيفرض القاضي لها من ماله الحاضر إن كان، وإلا فيقترض لها عليه، وإن نشزت نشوزا خفيا كأن ارتدت بعد الوطئ ثم غاب عنها زوجها أو امتنعت من تمتعه بها ولم تخرج من المنزل ثم غاب وعادت إلى الطاعة باسلامها في الصورة الأولى وبرجوعها عن الامتناع من التمتع في الثانية فتجب لها المؤن بمجرد ذلك ولو لم ترفع أمرها إلى الحاكم، لكن بشرط أن يعلم بذلك بأن ترسل له يعودها إلى الطاعة (قوله: لو نشزت بالخروج من المنزل) أي كان نشوزها بسبب خروجها من المنزل (قوله: فغاب) أي الزوج (قوله: وأطاعت) أي الزوجة في حال غيبته (قوله: بنحو عودها للمنزل) متعلق بأطاعت، وانظر ما يندرج تحت قوله نحو مما يحصل به العود إلى الطاعة؟ وهو ساقط من عبارة المغني وهو أولى (قوله: لم تجب مؤنها) جواب لو (قوله: في الأصح) مقابله يقول مؤنها تجب لعودها إلى الطاعة فإن الاستحقاق زال بخروجها عن الطاعة، فإذا زال العارض عاد الاستحقاق.
اه.
نهاية (قوله: لخروجها عن قبضته) أي الزوج، وهو علة لعدم وجوب مؤنها.
وعبارة المغني: لانتفاء التسليم والتسلم، إذ لا يحصلان مع الغيبة.
اه.
وهو أولى من عبارتنا (قوله: فلا بد من تجديد تسليم) أي تسليم نفسها له.
وقوله وتسلم: أي منه (قوله: ولا يحصلان) أي التسليم والتسلم.
وقوله مع الغيبة: أي غيبة الزوج.
والمراد لا يحصلان بغير الطريق الذي سيذكره (قوله: فالطريق في عود الاستحقاق) أي لها في حال غيبته.
وقوله إن يكتب الحاكم: أي بعد أن ترفع أمرها إليه وتظهر له التسليم.
وعبارة فتح الجواد.
وإنما يحصل بذلك بأن تبعث وكيلا لقاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده أو تثبت هي ذلك عند قاضي بلدها ثم ينهيه إلى قاضي بلده ليعلمه فإذا علم خرج فورا أو وكل من يذهب إليها ويستلمها وتجب المؤن من حين التسليم، فإن امتنع قدر له مدة يمكن عوده فيها ثم بعدها يفرض نفقتها في ماله إن كان وإلا اقترض عليه أو أذن لها أن تنفق لترجع.
فإن جهل موضعه كتب القاضي لقضاة البلاد الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة، فإن لم يظهر فرضها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها لاحتمال موته أو طلاقه ويجري ذلك كله فيما لو غاب الزوج عن بلدها وأرادت القرض عليه ابتداء.
اه (قوله: فإذا علم) أي الزوج بعودها إلى الطاعة وعاد إليها من سفره (قوله: أو أرسل الخ) معطوف على عاد أي أو لم يعد ولكن أرسل من يتسلمها (قوله: أو ترك ذلك) أي العود إليها أو إرسال من يتسلمها.
وقوله لغير عذر: خرج به ما إذا منعه من العود أو التوكيل عذر فلا يعود الاستحقاق ولا يفرض عليه القاضي شيئا لعدم تقصيره (قوله: وقضية إلخ) مبتدأ خبره أن النفقة تعود الخ، وقوله قول الشافعي: أي أن النفقة تجب بالعقد فمقول القول محذوف معلوم مما سبق ومن التعليل الآتي.
وقوله
تعود عند عودها للطاعة: أي مطلقا سواء حصل تجديد تسليم وتسلم أم لا.
وهذا هو مقابل الاصح المار (قوله: لان الموجب في القديم إلخ) لا يخفى ما في هذا التعليل: إذ هو عين القول القديم فلا يصح أن يؤتى به ويجعل علة لقضيته.
وإذا علمت ذلك فكان الأولى تقديمه على قوله إن النفقة تعود الذي هو خبر عن قضية الخ.
وحذف لام الجر مع لفظ في القديم وجعله مقولا لقول الشافعي في القديم بأن يقول: وقضية قول الشافعي في القديم: ان الموجب، أي للنفقة، العقد لا التمكين أن النفقة تعود الخ (قوله: وبه قال مالك) أي بمقتضى قول الشافعي القديم قال مالك (قوله: وصرحوا(4/96)
الخ) صنيعه يقتضي أنه تأييد للقضية المذكورة وليس كذلك لأن القضية المذكورة مفروضة في النشوز الجلي وهو الخروج من المنزل، وما صرحوا به مفروض في الخفي وهو الردة، وبينهما فرق، فلا يصح أن يكون تأييدا وساقه في التحفة لاجل بيان مخالفة النشوز بالردة للنشوز بالخروج عن المسكن وذكره عقب قوله ولا يحصلان مع الغيبة بلفظ، وبه فارق نشوزها بالردة الخ.
اه.
فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى.
وقوله أن نشوزها بالردة، أي الحاصل بسب الردة.
وقوله يزول: أي النشوز فتستحق النفقة من وقته لكن حيث أعلمته به، كما في ع ش، وقوله مطلقا: أي سواء حصل تجديد تسليم وتسلم بالطريق الذي ذكره أم لا (قوله: لزوال المسقط) أي للنفقة وهو الردة.
وكتب الرشيد: قوله: لزوال المسقط أي مع كونها في قبضته ليفارق نظيره.
اه.
(قوله: وأخذ منه) أي من كون النشوز بالردة يزول بالاسلام مطلقا لزوال المسقط، ووجه المناسبة بين المأخوذ والمأخوذ منه ان النشوز في كل منهما خفي (قوله: لو نشزت في المنزل) أي نشزت وهي في المنزل بنوع خفي من أنواع النشوز (قوله: ثم عادت للطاعة) أي بصريح لفظ يدل عليه.
وقوله عادت نفقتها: أي مطلقا أيضا لزوال المسقط وهو منعها نفسها منه (قوله: وهو كذلك الاصح) هذا من جملة كلام الاذرعي فكان ينبغي أن يزيد قبله لفظ قال.
اه.
رشيدي.
قال في التحفة بعده: قال وحاصل ذلك الفرق بين النشوز الجلي والنشوز الخفي.
اه.
ويتجه أن مراده بعودها للطاعة إرسال إعلامه بذلك، بخلاف نظيره في النشوز الجلي.
وإنما قلنا ذلك لان عودها للطاعة من غير علمه بعيد، كما هو ظاهر، وهل إشهادها عند غيبته وعدم حاكم كإعلامه؟ فيه نظر.
وقياس ما مر في نظائره نعم.
اه.
ومثله في النهاية (قوله: ولو التمست زوجة إلخ) هذه مسألة مستقلة، فكان الأولى أن يقول فرع لو الخ.
كعادته، وكما في التحفة.
وقوله من القاضي: متعلق بالتمست (قوله: أن يفرض الخ) المصدر المؤول مفعول التمست.
وقوله فرضا عليه: أي على زوجها الغائب (قوله: اشترط) أي في فرض القاضي لها فرضا، وقوله ثبوت النكاح: أي بعدلين، وقوله
وإقامتها: بالرفع عطفا على ثبوت المضاف: أي واشترط أيضا إقامة الزوجة في مسكن الغائب.
ويحتمل أنه بالجر عطفا على المضاف إليه.
وقوله وحلفها: بالرفع لا غير معطوف على ثبوت أيضا: أي واشترط حلفها على أنها تستحق النفقة لكونها قد مكنته ولم تنشز.
وقوله وأنها لم تقبض: أي وحلفها على أنها لم تقبض من زوجها الغائب نفقة مدة مستقبلة وهي مدة الغيبة (قوله: فحينئذ) أي فحين إذ ثبت نكاحها وإقامتها في المنزل وحلفت على ما ذكر يفرض القاضي لها عليه نفقة المعسر ولو كان ما يفرضه من الدراهم.
قال في التحفة بعده: ويظهر أن محل ذلك، أي الفرض المذكور، إن كان له مال حاضر بالبلد تريد الاخذ منه، وإلا فلا فائدة للفرض إلا أن يقال له فائدة: هي منع المخالف من الحكم بسقوطها بمضي الزمان، وأيضا فيحتمل ظهور مال له بعد فتأخذ منه من غير احتياج لرفع إليه.
اه.
(قوله: إلا إن ثبت يساره) أي فيفرض لها نفقة الموسر.
فائدة: تتعلق بالمسألة المذكورة في سم ما نصه.
(سئل) شيخنا الشهاب الرملي عن امرأة غاب عنها زوجها وترك معها أولادا صغارا ولم يترك عندها نفقة ولا أقام لها منفقا وضاعت مصلحتها ومصلحة أولادها وحضرت إلى حاكم شافعي وأنهت له ذلك وشكت وتضررت وطلبت منه أن يفرض لها ولاولادها على زوجها نفقة، ففرض لهم عن نفقتهم نقدا معينا في كل يوم وأذن لها في إنفاق ذلك عليها وعلى أولادها أو في الاستدانة عليه عند تعذر الاخذ من ماله والرجوع عليه بذلك وقبلت ذلك منه، فهل التقدير والفرض صحيح؟ وإذا قدر الزوج لزوجته نظير كسوتها عليه حين العقد نقدا كما يكتب في وثائق الانكحة ومضت على ذلك مدة وطالبته بما قدر لها عن تل ك المدة وادعت عليه بذلك عند حاكم شافعي واعترف به وألزمه فهل إلزامه صحيح أم لا؟ وهل إذا مات الزوج وترك زوجته ولم يقدر لها كسوة وأثبتت وسألت الحاكم الشافعي أن(4/97)
يقدر لها عن كسوتها الماضية التي حلفت على استحقاقها نقدا وأجابها لذلك وقدره لها كما تفعله القضاة الآن فهل له ذلك أو لا؟ وهل ما تفعله القضاة من الفرق للزوجة والاولاد عن النفقة أو الكسوة عند الغيبة أو الحضور نقدا صحيح أو لا.
فأجاب: تقدير الشافعي في المسائل الثلاث صحيح إذ الحاجة داعية إليه، والمصلحة تقتضيه فله فعله ويثاب عليه، بل قد يجب عليه.
اه (قوله: فرع في فسخ النكاح) أي بالاعسار بالمؤن، وقد ترجم الفقهاء له بباب مستقل والأصل فيه خبر الدارقطني والبيهقي الآتي وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا أعسر الزوج مالا وكسبا لائقا بأقل نفقة أو كسوة أو مهر وجب قبل وطئ ولم تصبر زوجته فلها الفسخ بالطريق الآتي بيانه، أما لو امتنع من الانفاق وهو موسر أو متوسط
أو معسر لا عن أقل نفقة أو كسوة سواء حضر أو غاب فليس لها الفسخ وإن انقطع خبره على المعتمد الذي عليه النووي والرافعي (قوله: وشرع) أي الفسخ، وقوله دفعا لضرر المرأة: أي تضررها بعد النفقة أو الكسوة أو المهر (قوله: يجوز لزوجة الخ) أي ويجوز لها الصبر فهي مخيرة بين الفسخ وبين الصبر (قوله: أي بالغة عاقلة) أي ولو كانت سفيهة فهي كالرشيدة هنا (قوله: لا لولي غير المكلفة) أي لا يجوز الفسخ لولي غير المكلفة، وكذا ولي المكلفة بالاولى، وعبارة التحفة والنهاية: لا لولي امرأة حتى صغيرة ومجنونة الخ.
اه.
وإنما لم يجز الفسخ للولي لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع فلا يفوض لغير مستحقه، وإذا لم تجز الفسخ له تكون النفقة في مالها إن كان وإلا فعلى من تلزمه قبل النكاح وإن كانت تصير دينا على الزوج (قوله: فسخ الخ) فاعل يجوز.
وقوله أي زوج: أفاد به أن من نكرة موصوفة.
وقوله أعسر الخ: الحاصل شروط هذه المسألة خمسة تعلم من كلامه: الاول الاعسار فخرج ما إذا امتنع مع عدم الاعسار، الثاني كونه بالنفقة أو الكسوة أو المسكن أو المهر بشرطه الآتي فخرج ما إذا أعسر بنحو الادم، الثالث كون النفقة لها فخرج ما إذا أعسر بنفقة الخادم، الرابع كون الاعسار بنفقة المعسر فخرج ما إذا أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط مع القدرة على نفقة المعسر، الخامس كون النفقة مستقبلة فخرج ما لو أعسر بالنفقة الماضية (قوله: مالا وكسبا) منصوبان على التمييز: أي أعسر من جهة المال ومن جهة الكسب فليس عنده مال ولا قدرة على كسب ينفق عليها من أحدهما (قوله: لائقا به) صفة لكسبا وليس بقيد بل مثل اللائق غيره إذا أراد تحمل المشقة بمباشرته، كما في التحفة، وقوله حلالا: صفة ثانية وخرج به الحرام فلا أثر لقدرته عليه فلها الفسخ قال في التحفة: وأما قول الماوردي والروياني الكسب بنحو بيع الخمر كالعدم وبنحو صنعة آلة لهو محرمة له أجرة المثل فلا فسخ لزوجته، وكذا ما يعطاه منجم وكاهن لانه عن طيب نفس فهو كالهبة فردوه بأن الوجه أنه لا أجرة لصانع محرم لاطباقهم على أنه لا أجرة لصانع آنية النقد ونحوها، وما يعطاه نحو النجم إنما يعطاه أجرة لا هبة فلا وجه لما قالاه.
اه (قوله: بأقل نفقة) متعلق بأعسر.
وقوله تجب: أي النفقة في المستقبل، والمراد تجب لها بدليل قوله في المفاهيم ولا بنفقة الخادم، وكان الأولى التصريح به لأن ما ذكر هو محترزه (قوله: وهو) أي أقل النفقة مد (قوله: أو أقل كسوة) معطوف على أقل نفقة: أي أو أعسر بأقل كسوة.
وقوله تجب: أي لها في المستقبل كالذي قبله (قوله: كقميص الخ) تمثيل لاقل الكسوة (قوله: بخلاف الخ) مرتبط بمحذوف يعلم من عبارة الفتح الآتي نقلها تقديره، والمراد بأقل الكسوة ما لا بد منه كقميص الخ بخلاف نحو سراويل الخ - إلا أن قوله وفرش وما بعده لا يناسب ذكره هنا لأنه ليس من أنواع الكسوة وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها مع
الأصل أو عن أقل كسوة وهي كسوة المعسر إذ لا بقاء بدونها غالبا وقيد ابن الصلاح البعض: أي المفهوم من لفظ أقل بما لا بد منه كخمار وجبة شتاء بخلاف نحو نعل وسراويل واختاره الزركشي وهو متجه.
اه.
بزيادة يسيرة.
إذا علمت ذلك فكان الأولى للشارح أن لا يذكره هنا وأن يزيد ما قدرته.
وقوله وفرش الخ: في ع ش ما نصه: وبحث م ر الفسخ بالعجز عما لا بد منه من الفرش بأن يترتب على عدمه الجلوس والنوم على البلاط والرخام المضر ومن الاواني كالذي يتوقف عليه(4/98)
نحو الشرب.
اه.
سم (قوله: لعدم بقاء إلخ) تعليل لجواز الفسخ بالاعسار بأقل النفقة وأقل الكسوة، وقوله بدونهما: أي أقل النفقة وأقل الكسوة (قوله: فلا فسخ بالاعسار بالادم) هذا محترز قوله عن أقل نفقة بناء على أن المراد بأقل النفقة ما لا تقوم النفس بدونه كما أشار إليه الشارح بقوله فيما تقدم وهو مد: أي لا غيره، وقوله وإن لم يسغ القوت: أي بدون الادم، فالمتعلق محذوف وقوله ولا بنفقة الخادم قد علمت أن هذا محترز ما قدرته وهو لفظ لها.
وقوله ولا بالعجز عن النفقة الماضية محترز قوله نفقة تجب ومثل العجز عن النفقة الماضية العجز عن الكسوة الماضية أيضا فلا فسخ به.
واعلم: أن ما ذكر من الادم ونفقة الخادم والنفقة الماضية وإن كان لا يحصل الفسخ بالعجز عنها يصير دينا حتى في ذمة المعسر لأنها في مقابلة التمكين وقد وجد.
وقوله كنفقة الامس: تمثيل للنفقة الماضية.
وقوله وما قبله: أي قبل الامس (قوله: لتنزيلها إلخ) علة لعدم جواز الفسخ بالعجز عن النفقة الماضية فقط لا كما يفيده صنيعه أنه علة لجميع ما قبله أي وإنما لم يجز الفسخ بالعجز عنها لأنها منزلة منزلة دين آخر غير النفقة الماضية الكائنة عليه لها وتوضيح ذلك أنها إذا كان لها دين غير دين النفقة عند زوجها وأعسر به فليس لها الفسخ به، فكذلك دين النفقة الماضية لانها منزلة منزلته (قوله: أو أعسر بمسكن) معطوف على أعسر بأقل الخ: أي ويجوز فسخ نكاح من أعسر بمسكن ولم يقل بأقل مسكن كسابقه لعدم تصور الاقل فيه: إذ الواجب على المعسر مسكن لائق بحالها بخلاف سابقيه، فإن الواجب فيهما ما يليق بحاله يسارا وإعسارا أو توسطا فيتصور فيهما أقل ووسط وأكثر، وإنما كان لها الفسخ بعجزه عن المسكن لشدة الحاجة إليه كالنفقة، وخالف بعضهم فجعله كالادم، وهو ضعيف (قوله: وإن لم يعتادون) غاية في كونها لها الفسخ بالاعسار المسكن: أي لها الفسخ بذلك وإن لم يعتد أهل محلتها المسكن (قوله: أو أعسر بمهر الخ) معطوف على أعسر بأقل نفقة أيضا: أي ويجوز لها فسخ نكاح من أعسر بمهر لكن بشروط أربعة مذكورة في كلامه: أن يكون واجبا بتسمية وبدونها، وأني يكون حالا، وأن لا تقبض منه شيئا، وأن يكون إعساره به قبل وطئها طائعة، فلا فسخ بإعساره بغير الواجب كمفوضة قبل
الفرض، وذلك لانها إذا فوضت لوليها المهر بأن قالت له زوجني بما شئت فلا يجب على الزوج إلا بعد أن يفرضه على نفسه أو يفرضه الحاكم عليه، كما تقدم، ولا بغير الحال ولا بعد قبضها منه شيئا ولا بعد الوطئ (قوله: واجب) صفة لمهر وهو الشرط الاول.
وقوله حال: صفة ثانية وهو الشرط الثاني.
وقوله لم تقبض منه شيئا: الجملة صفة ثالثة وهو الشرط الثالث.
وقوله حال الخ: هو الشرط الرابع.
وقوله به أي بالمهر (قوله: قبل وطئ طائعة) أي قبل وطئها حال كونها طائعة (قوله: فلها الفسخ) أي إذا أعسر بالمهر بدليل سياق كلامه وليس مرتبطا بجميع ما قبله وأعاده - مع أنه معلوم - لاجل العلة بعده وهي قوله للعجز الخ (قوله: عن تسليم العوض) هو المهر (قوله: مع بقاء المعوض بحاله) هو البضع، وذلك لان تلفه إنما هو بالوطئ، فإذا لم يوجد بقي على حاله.
والقاعدة أنه إذا لم يسلم أحد العاقدين العوض وكان المعوض باقيا بعينه رجع فيه مالكه وفسخ العقد (قوله: وخيارها) أي في الفسخ.
وقوله حينئذ: أي حين إذا أعسر بالمهر المذكور، وليس والمراد حينئذ أعسر بأقل النفقة وبأقل الكسوة وبالمسكن وبالمهر فيكون راجعا لجميع ما قبله لانه غير صحيح: إذ الفورية خاصة في الخيار بالاعسار بالمهر.
وأما ما عداه فسيصرح المؤلف بأنه بعد توفر شروط الفسخ يمهل ثلاثة أيام، وحينئذ فلا يكون فوريا.
وقوله عقب الرفع: قال ع ش: أما الرفع نفسه فليس فوريا، فلو أخرت مدة ثم أرادته مكنت.
والفرق أنه بعد الرفع ساغ لها الفسخ فتأخيرها رضا بإلاعسار وقبل الرفع لم تستحق الفسخ الآن لعدم الرفع المقتضي لاذن القاضي لاستحقاقها الفسخ.
وقوله فوري: قال في شرح الروض: وعلم من كونه على الفور بعد الطلب أنه لا يمهل ثلاثة أيام ولا دونها وبه صرح الماوردي والروياني.
قال الاذرعي: وليس بواضح بل قد يقال بأن الامهال هنا هو أولى لانها تتضرر بتأخير النفقة، بخلاف المهر.
اه.
قال سم: وما قاله الاذرعي هو الوجه، والفورية إنما تعتبر بعد الامهال.
اه(4/99)
(قوله: فيسقط الفسخ) أي خياره فليس لها الخيار بالفسخ إذا أخرته بلا عذر عن الرفع إلى الحاكم أو عن الامهال على ما قاله الاذرعي، واستوجهه سم، وقوله كجهل مثال للعذر، فإذا جهلت أن الخيار فوري وأخرته عن الرفع المذكور لها الفسخ بعد ذلك (قوله: ولا فسخ بعد الوطئ) أي طائعة وكان حقه أن يذكره كما ذكره فيما تقدم لاجل أن يلائم التفريع بعده (قوله: لتلف المعوض) تعليل لعدم جواز الفسخ: يعني ليس لها الفسخ بما ذكر لكون المعوض، وهو البضع، قد تلف بالوطئ، والعوض، وهو المهر، صار دينا في ذمته بتمكينها له لأنه يشعر برضاها بذمته.
والفسخ لا يتصور إلا إذا كان المعوض باقيا بحاله، والعوض ليس في الذمة، فصار حكمه حينئذ حكم عجز المشتري عن الثمن بعد قبض المبيع وتلفه
(قوله: فلو وطئها مكرهة) محترز طائعة التي قدرتها أو التي ذكرت في كلامه (قوله: فلها الفسخ بعده) أي بعد وطئها الذي أكرهت عليه لان وجوده كعدمه، وقوله أيضا: أي كقبل الوطئ (قوله: قال بعضهم إلخ) مرتبط بقوله ولا فسخ بعد الوطئ فالاستثناء منه، فكان الأولى تقديمه على قوله ولو وطئها مكرهة.
واستوجه في النهاية القول المذكور وقوله له: أي للزوج وقوله وهي صغيرة: أي والحال أنها صغيرة: أي أو مجنونة.
وقوله بغير مصلحة: متعلق بسلمها والمصلحة كأن كانت تحتاج إلى الانفاق وليس هناك من ينفق عليها فيسلمها له لاجل الانفاق (قوله: فلها الفسخ حينئذ) أي حين إذ سلمها الولي بغير مصلحة وحبست نفسها عنه عقب بلوغها أو عقب إفاقتها من الجنون، وقوله إن عجز عنه: أي عن المهر (قوله: ولو بعد الوطئ) الاولى عدم ذكر هذه الغاية لأن الإستثناء من قوله ولا فسخ بعد الوطئ، كما علمت (قوله: لان وجوده) أي الوطئ: وقوله هنا: أي في حالة ما إذا سلمها الولي له بغير مصلحة.
وقوله كعدمه: أي الوطئ (قوله: أما إذا قبضت بعضه) مفهوم قوله لم تقبض منه شيئا (قوله: فلا فسخ لها) أي بعجزه عن بقيته (قوله: على ما أفتى إلخ) أي أن عدم الفسخ مبني على ما أفتى به الخ، وهذا هو المعتمد عند ابن حجر.
قال: لان البضع لا يقبل التبعيض فبأداء البعض يدور الامر بين أن يغلب عليه حكم المقبوض أو حكم غيره، والاول أولى لتشوف الشارع إلى بقاء النكاح.
اه.
وقوله حكم المقبوض: أي فلا فسخ.
وقوله أو حكم غيره: أي فيثبت الفسخ.
وقال في التحفة: وفارق جواز الفسخ بالفلس بعد قبض بعض الثمن بإمكان التشريك فيه دون البضع.
اه (قوله: وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ) أي لانه يلزم على عدم جوازه إجبارها على تسليم نفسها بتسليم بعض الصداق ولو درهما واحدا من صداق هو ألف درهم وهو في غاية البعد، وقوله واعتمده الاذرعي: أي وقال هو الوجه نقلا ومعنى، واعتمد هذا الخطيب في مغنيه أيضا (قوله: يتحقق العجز) أي المثبت للفسخ.
وقوله عما مر: أي من أقل النفقة وأقل الكسوة والمسكن والمهر (قوله: بغيبة ماله) أي الزوج (قوله: لمسافة القصر) خرج غيبته لدون مسافة القصر فلا يتحقق العجز بها لأنه في حكم الحاضر فيكلف إحضاره عاجلا (قوله: فلا يلزمها الصبر) أي فلها الفسخ حالا لتضررها بالانتظار الطويل.
قال في شرح الروض: وفرق البغوي بين غيبته موسرا وغيبة ماله بأنه إذا غاب ماله فالعجز من جهته، وإذا غاب هو موسرا فقدرته حاصلة والتعذر من جهتها.
اه (قوله: إلا إن قال أحضر الخ) أي فيلزمها الصبر، وعبارة شرح المنهج: نعم، لو قال أنا أحضره مدة الامهال فالظاهر إجابته ذكره الأذرعي وغيره.
اه.
وقوله مدة الامهال: قال في الجمل أي إمهال المعسرين وهي ثلاثة أيام، فإذا لم يحضره فيها أمهل ثلاثة أخرى، فإذا لم يحضره فيها فسخت ولا يمهل مدة ثالثة.
اه.
شيخنا.
اه.
ثم إن هذا في غير الاعسار بالمهر لأنه(4/100)
ليس فيه إمهال بل الفسخ فيه فوري، كما علمت (قوله: أو بتأجيل دينه الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز أيضا بتأجيل دينه الذي له على غيره إن كان الاجل بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر فما فوق، فإن كان بدون قدر ذلك فلا يتحقق العجز به (قوله: أو بحلوله الخ) معطوف على بغيبة ماله أي ويتحقق العجز أيضا بحلول الدين مع كون المدين معسرا، وقوله ولو الزوجة: أي ولو كان المدين الزوجة (قوله: لأنها الخ) تعليل للاخير، وقوله لا تصل لحقها: أي لكون الزوج ليس عنده إلا الدين الذي على معسر وقوله والمعسر منظر كالعلة لقوله لا تصل لحقها، وإنما كان منظرا لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (قوله: وبعدم وجدان الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز بعدم وجدان المكتسب من يستعمله لانه حينئذ في حكم المعسر وقوله إن غلب ذلك: أي أن كان عدم وجود من يستعمله غالبا لا نادرا: أي وتعذرت النفقة لذلك، كما في حاشية الجمل نقلا عن الروض وشرحه، ونص عبارته: وإن كانت تحصل البطالة على الجعلاء: أي العملة بأن لم يجدوا من يستعملهم وتعذرت النفقة لذلك وكان ذلك يقع غالبا لانادرا جاز لها الفسخ لتضررها.
اه.
وفي النهاية: فلو كان يكتسب في كل يوم ما يفي بثلاثة ثم يبطل ثلاثة ثم يكتسب ما يفي بها فلا فسخ لعدم مشقة الاستدانة حينئذ فصار كالموسر، ومثله نحو نساج ينسج في الاسبوع ثوبا أجرته تفي بنفقة الاسبوع، ومن تجمع له أجرة الاسبوع في يوم منه وهي نفي بنفقة جميعه، وليس المراد أنا نصبرها أسبوعا بلا نفقة، وإنما المراد أنه في حكم واحد نفقتها وينفق مما استدانه لامكان الوفاء.
ويعلم من ذلك أنا مع كوننا نمكنها من مطالبته ونأمره بالاستدانة والانفاق لا نفسخ عليه لو امتنع لما تقرر أنه في حكم الموسر الممتنع.
اه.
(قوله: أو بعروض) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز أيضا بعروض مانع كمرض يمنعه عن الكسب، ولا بد من تقييد ذلك بكونه لا يتوقع زوال المانع عن قرب، كما يفيده عبارة التحفة والنهاية ونصهما: ولا أثر لعجزه إن رجى برؤه قبل مضي ثلاثة أيام.
اه.
وفي الروض وشرحه: فلو أبطل من كان يكتسب في الاسبوع نفقة جميعه الكسب أسبوعا لعارض فسخت لتضررها لا لامتناع له من الكسب فلا تفسخ اه.
(قوله: فائدة) أي في بيان حكم ما إذا كان عند زوجة الغائب بعض ماله وكان معسرا بمامر (قوله: من صداق الخ) بيان للدين الحال.
وقوله أو غيره: أي غير الصداق كدين نفقة المدة الماضية أو الحاضرة أو دين آخر غيرها (قوله: وكان عندها) أي زوجة الغائب.
وقوله بعض ماله: أي الغائب، (وقوله: وديعة) أي على سبيل الوديعة والامانة (قوله: فهل لها) أي لزوجة الغائب.
وقوله أن تستقل: أي من غير حاكم.
وقوله بأخذه: أي
بعض مال الغائب، وقوله لدينها: أي لاجل دينها الصداق أو غيره، وقوله بلا رفع: هذا هو معنى استقلالها (قوله: ثم) أي بعد أخذها إياه في مقابلة دينها.
وقوله تفسخ به: أي بالاعسار بالنفقة أو نحوها مما مر.
وقوله أو لا: أي أو لا تستقل به بل لا بد من الرفع إلى الحاكم (قوله: بل ترفع الأمر إلى القاضي) أي وهو بعد ذلك يأذن لها في أخذه بعد ثبوت دينها عليه عنده (قوله: لأن النظر إلخ) علة لعدم جواز استقلالها بالاخذ (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله ليس لها الاستقلال الخ.
وقوله أن علمت أنه: أي القاضي.
(وقوله: لا يأذن لها) أي في أخذ ما عندها من مال الغائب لدينها (قوله: جاز لها الخ)
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 280.(4/101)
جواب إن (قوله: وإذا فرغ المال) أي المودع عندها، والمناسب وإذا أخذت المال في مقابلة مالها عليه (قوله: وأرادت الفسخ بإعسار الغائب) أي بالنفقة أو بالصداق أو نحوهما (قوله: فإن إلخ) أي ففي ذلك تفصيل وهو أنه إن لم يعلم إلخ.
وقوله المال: أي الذي كان عندها لزوجها الغائب وأخذته لدينها (قوله: ادعت) أي عند القاضي، وهو جواب إن.
وقوله إعساره: أي بما مر.
وقوله وأنه لا مال الخ: أي وادعت أنه لا مال لزوجها الغائب حاضر في البلد، وقوله ولا ترك نفقة: أي وادعت أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي ببينة أو بإقراره كما سيأتي (قوله: على الاخيرين) أي كونه لا مال له حاضر وكونه لم يترك لها نفقة (قوله: ناوية الخ) أي لاجل البراءة من الكذب.
ومحل هذا إذا ترك لها نفقة فإن لم يترك لها نفقة أصلا فلا حاجة إليه كما هو ظاهر، وقوله بعدم ترك النفقة: أي وبعدم وجود مال (قوله: وفسخت بشروطه) أي الفسخ وهي ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليهما (قوله: وإن علم المال) مقابل قوله فإن لم يعلم المال أحد (قوله: فلا بد من بينة بفراغه) أي فلا بد في فسخها بالاعسار من بينة تشهد بفراغ المال المودع عندها، وقوله أيضا: أي كما أنه لا بد من بينة على الاعسار ومن حلفها على أنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة مستقبله (قوله: فلا فسخ الخ) وذلك لانتفاء الاعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلاص حقها في الحاضر بالحاكم بأن يلزمه بالحبس وغيره وفي الغائب يبعث الحاكم إلى قاضي بلده (قوله: على المعتمد) لا يلائمه التقييد بقوله بعد إن لم ينقطع خبره لانه المعتمد عدم الفسخ مطلقا انقطع خبره أو لا، فالصواب إسقاطه (قوله: بامتناع غيره) أي غير من أعسر بأقل النفقة أو أقل الكسوة أو بالمسكن أو بالصداق بشروطه، وهو صادق بالموسر والمتوسط والمعسر القادر على نفقة المعسرين، فقوله بعد موسرا أو متوسطا: أي أو معسرا قادرا على ما ذكر (قوله: من الانفاق) متعلق بامتناع: أي فلا فسخ بامتناعه من الانفاق:
أي أو الكسوة أو المسكن أو المهر ومثله امتناع القادر على الكسب من الاكتساب فيجبره الحاكم على الاكتساب (قوله: حضر أو غاب) الجملة في محل نصب حال من غير: أي حال كون غير المعسر حاضرا في البلد أو غائبا عنها (قوله: إن لم ينقطع خبره) المعتمد أنه متى امتنع من الإنفاق وهو قادر على نفقة المعسرين يمتنع الفسخ مطلقا حضر أو غاب انقطع خبره أولا.
وعبارة شرح م ر: وشمل كلامه من تعذر تحصيلها منه لغيبته وإن طالت وانقطع خبره فقد صرح في الام بأنه لا فسخ ما دام موسرا وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله: أي ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين أخذا مما يأتي والمذهب نقل، كما قاله الأذرعي، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
وإن اختار كثيرون الفسخ، وجزم به الشيخ في شرح منهجه.
اه.
ومثله في التحفة، وفي ق ل ما نصه: قوله لافسخ بمنع موسر ولا متوسط سواء حضر أو غاب وإن انقطع خبره بأن تواصلت القوافل إلى الاماكن التي يظن وصوله إليها ولم تخبر به وإن لم يبلغ العمر الغالب سواء غاب موسرا أو معسرا أو جهل حاله وإن شهدت بينة بأنه غاب معسرا وهذا ما اعتمده شيخنا.
ز ي.
وم ر.
وقال الاذرعي: إنه نص الشافعي وما نقل مما يخالف ذلك مردود.
نعم: لو شهدت البينة أنه معسر الآن اعتمادا على إعساره السابق على غيبته من غير أن تصرح بذلك قبلت ولها الفسخ بذلك.
وقال شيخ الإسلام في المنهج وغيره وتبعه العلامة الطبلاوي.
وغالب المتأخرين أن لها الفسخ بانقطاع خبره وعزى أيضا لوالد شيخنا م ر في بعض حواشيه وهو غير معتمد له.
اه (قوله: فإن انقطع خبره الخ) مفهوم إن لم ينقطع (قوله: ولا مال له حاضر) أي في البلد، فإن كان له مال حاضر امتنع الفسخ ومثله ما إذا غاب ماله دون مسافة القصر فيمتنع الفسخ لأنه في حكم الحاضر (قوله: جاز لها الفسخ) جواب إن (قوله: لان تعذر واجبها) أي الزوجة من النفقة والكسوة ونحوهما مما مر، وهو علة لجواز الفسخ.
وقوله بانقطاع خبره: الباء سببية متعلقة بتعذر (قوله: كتعذره) أي الواجب، والجار والمجرور خبر أن (قوله: كما جزم به) أي بجواز الفسخ عند انقطاع خبره(4/102)
(قوله: وخالفه تلميذه شيخنا) عبارته بعد كلام: فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول، كما علمت.
اه.
وقد علمت أن م لا مخالف أيضا له (قوله: واختار الخ) هذا قول ثالث أعم مما جزم به شيخ الإسلام، وهو ضعيف أيضا (قوله: في غائب) أي زوج غائب وهو متعلق باختار، وقوله تعذر تحصيل النفقة: أي سواء كان التعذر بانقطاع خبره أم لا.
ومثل النفقة سائر ما يجب لها: إذ لا فرق بين أنواع ما يجب لها (قوله: الفسخ) مفعول اختار (قوله: وقواه) أي ما اختاره كثيرون (قوله: وقال) أي ابن الصلاح في فتاويه (قوله: إذا تعذرت النفقة) أي أو
نحوها من كل ما هو واجب لها كما علمت (قوله: لعدم مال حاضر) علة التعذر (قوله: مع عدم إمكان أخذها) أي النفقة، وقوله منه: أي من الزوج الغائب، وقوله حيث هو: أي في المكان الذي هو مستقر فيه.
وقوله بكتاب متعلق بأخذها.
وقوله حكمي: نسبة للحاكم بأن ترفع أمرها لحاكم بلدها ويكتب كتابا لحاكم بلده (قوله: وغيره) أي غير الكتاب الحكمي (قوله: لكونه لم يعرف الخ) علة لعدم إمكان أخذها منه (قوله: أو عرف) أي موضعه (قوله: ولكن تعذرت مطالبته) أي لكونه ظالما مثلا (قوله: عرف حاله) أي من تعذر أخذ النفقة منه، وقوله في اليسار والاعسار في بمعنى من البيانية لحاله، وقوله أو لم يعرف: أي حاله من ذلك (قوله: فلها الفسخ) الجملة جواب إذا (قوله: والافتاء بالفسخ) من مقول ابن الصلاح.
وقوله هو الصحيح: ضعيف (قوله: ونقل شيخنا كلامه) أي كلام ابن الصلاح.
وقوله في الشرح الكبير: هو الامداد (قوله: وقال في آخره) أي وقال شيخنا في آخر كلامه.
وقوله وأفتى بما قاله: أي ابن الصلاح (قوله: إذا لم يكن له) أي لزوجها الغائب.
وقوله مال كما سبق: أي حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو (قوله: لها الفسخ) جواب إذا (قوله: لقوله تعالى وما جعل الخ) علة لكونها لها الفسخ (قوله: بعثت بالحنيفية) أي بالطريق الحنيفية: أي المائلة عن سائر الاديان إلى الدين الحق القيم.
وقوله السمحة: أي السهلة التي لا يكلف فيها أحد إلا وسعه، وقوله ولان مدار الفسخ على الاضرار: أي أصل الفسخ مرتب على إضرار الزوجة (قوله: موجود فيها) أي في المرأة، وقوله إذا لم يكن الخ: قيد في وجود الضرر فيها، وقوله وإن كان موسرا: غاية في وجود الضرر حينئذ (قوله: إذ سر الفسخ الخ) الأولى حذف هذا والإقتصار على قوله بعد لا سيما الخ لأنه عين قوله ولان مدار الفسخ الخ (قوله: فيكون تعذر إلخ) مفرع على كونها إذا لم يكن له مال كما سبق، وقوله حكمه حكم الاعسار: أي وهو كونه يثبت الفسخ (قوله: وبالجملة) أي فأقول قولا متلبسا بجملة الكلام وحاصله (قوله: عدم جواز الفسخ كما سبق) أي على الوصف الذي سبق وهو كونه في
__________
(1) سورة الحج، الاية: 78.(4/103)
غائب تعذر تحصيل النفقة منه (قوله: والمختار الجواز) أي جواز الفسخ وهو ضعيف كما علمت (قوله: وجزم) أي ابن زياد، وقوله في فتيا له أخرى: أي غير هذه الفتيا التي اختار فيها الجواز، وقوله بالجواز: أي جواز الفسخ حينئذ (قوله: ولا فسخ بإعسار بنفقة إلخ) هذا كالتقييد لجواز الفسخ بالاعسار المار فكأنه قال محله إذا ثبت الاعسار وإلا لم يجز الفسخ (قوله: ونحوها) أي النفقة كالكسوة والمسكن (قوله: قبل ثبوت إلخ) الظرف متعلق بمحذوف خبر لا: أي لا فسخ كائن
قبل ثبوت الاعسار (قوله: بإقراره) متعلق بثبوت (قوله: أو بينة) معطوف على إقراره (قوله: تذكر) أي البينة في الشهادة، وقوله إعساره الآن: أي إذا أرادت البينة تشهد بالاعسار لا بد من أن نقول أنه معسر الآن سواء كانت معتمدة في ذلك على ما كان من إعساره حال الغيبة أم لا بدليل قوله ويجوز للبينة الخ (قوله: ولا تكفي إلخ) المقام للتفريع على قوله تذكر إعساره الآن: أي فلا تكفي بينة تذكر أنه غاب عنهم وهو معسر وذلك لاحتمال طرو الغنى له بعد غيبته والذي يظهر أن الاقرار ميل البينة فلا بد من إقراره بأنه معسر الآن.
فلو أقر بأنه كان معسرا فلا يكفي للعلة المذكورة (قوله: ويجوز للبينة الخ) يعني يجوز للبينة الاقدام على الشهادة بإعساره الآن اعتمادا على حالة الزوج التي غاب وهو متلبس بها وهي الاعسار ويقبلها القاضي وإن علم أنها إنما شهدت معتمدة على ما كان عليه.
وقوله أو يسار: الأولى إسقاطه، إذ الكلام في الاعسار (قوله: ولا تسئل إلخ) أي ولا يسأل القاضي البينة إذا شهدت بالاعسار ويقول لها من أين لك أنه معسر الآن؟ (قوله: فلو صرح بمستنده) أي فلو صرح الشاهد بمستنده في شهادته بإعساره الآن وهو استصحاب حالته التي غاب وهو متلبس بها، والأولى أن يقول فلو صرحت بمستندها بتأنيث الضمير العائد على البينة وقوله بطلت الشهادة في التحفة ما يقتضي تقييد البطلان بما إذا ذكرته على سبيل الشك لا على سبيل التقوية ونصها بعد كلام: بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي.
اه.
وسيأتي للشارح مثل هذا في آخر فصل الشهادات نقلا عن ابن أبي الدم وعبارته هناك: وشرط ابن أبي الدم في الشهادات بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة ومثلها الاستصحاب، ثم اختار، وتبعه السبكي وغيره، أنه إن ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة، ثم قال: مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا فلا.
اه.
بحذف (قوله: عند قاض) متعلق بثبوت (قوله: أو محكم) قال في النهاية: بشرطه.
اه.
وكتب ع ش: قوله بشرطه، أي بأن يكون مجتهدا ولو مع وجود قاض أو مقلدا وليس في البلد قاضي ضرورة.
اه (قوله: فلا بد) أي في صحة الفسخ، وقوله من الرفع إليه: أي رفع أمرها إلى من ذكر من القاضي أو المحكم، ولا بد أيضا من ثبوت إعساره عنده (قوله: فلا ينفذ) أي الفسخ منها وهو مفرع على فلا بد الخ.
وقوله قبل ذلك: أي قبل الرفع إليه (قوله: ولا يحسب عدتها) أي إذا فسخت بالشروط المذكورة.
وقوله إلا من الفسخ: أي لا من الرفع للقاضي (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة (قوله: فإن فقد قاض الخ) مفرع في كلامه على عدم جواز الفسخ حتى يثبت إعساره عند قاض أو محكم وقوله بمحلها: أي الزوجة، والجار والمجرور متعلق بفقد: أي فقد في محلها من ذكر (قوله: أو عجزت عن الرفع إلخ) أي أو لم يفقد القاضي أو
المحكم لكن عجزت عن الرفع.
وقوله إلى القاضي: أي أو المحكم.
ولو قال أو عجزت عن الرفع إليه بالضمير العائد على من ذكر من القاضي والمحكم لوفى بالمراد وسلم من الاظهار في محل الاضمار، والمراد بالعجز الشرعي لان العجز الحسي، وهو الفقد، قد ذكره بقوله فإن فقد قاض (قوله: كأن قال الخ) تمثيل للعجز عن الرفع ويمثل أيضا بما إذا فقد(4/104)
الشهود أو غابوا.
وقوله لا أفسخ حتى تعطيني مالا قال ع ش: ظاهره وإن قل وقياس ما مر في النكاح من أن شرط جواز العدول عن القاضي للمحكم غير المجتهد حيث طلب القاضي مالا أن يكون له وقع جريان مثله هنا.
اه (قوله: استقلت بالفسخ) أي بشرط الامهال الآتي وهو جواب إن (قوله: وينفذ) أي الفسخ إذا استقلت به (قوله: ظاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع فلها أن تتزوج بعد انقضاء العدة (قوله: وكذا باطنا) أي ينفذ باطنا: أي بحسب ما بينها وبين الله (قوله: خلافا لمن قيد) أي النفوذ.
وقوله بالاول: هو نفوذه ظاهرا فقط (قوله: لان الفسخ الخ) علة للنفوذ مطلقا ظاهرا وباطنا، وقوله على أصل صحيح: وهو الاعسار بما مر.
وقوله وهو: أي بناؤه على أصل صحيح مستلزم لنفوذه باطنا، ولا ينافيه أن شرط نفوذه ثبوت الاعسار عند القاضي أو المحكم لان محله إذا لم تعجز عنه (قوله: جزموا بذلك) أي بالنفوذ باطنا ممن جزم به شيخ الإسلام في شرح الروض ونص عبارته: فإن استقلت بالفسخ لعدم حاكم ومحكم ثم أوجرت عن الرفع نفذ ظاهرا وباطنا للضرورة.
اه (قوله: وفي فتاوى شيخنا ابن زياد الخ) هو مع ما بعده تأييد لما قاله شيخه ابن حجر.
والحاصل: الذي يستفاد من هذه النقول أن محل وجوب الرفع إلى القاضي أو المحكم وثبوت الاعسار عنده عند الامكان فإن لم يمكن ذلك لفقد القاضي أو المحكم أو لطلبه مالا أو لفقد الشهود أو غيبتهم جاز لها الفسخ بنفسها مع الاشهاد عليه (قوله: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار) أي لفقدهم أو لغيبتهم (قوله: جاز الخ) جواب لو (قوله: إذا تعذر القاضي) أي والمحكم (قوله: أو تعذر الاثبات) أي أو لم يتعذر القاضي ولكن تعذر إثبات الاعسار عنده، وقوله لفقد الخ: علة تعذر الاثبات: أي وإنما تعذر إثبات الاعسار لفقد الشهود أو غيبتهم عن البلد (قوله: فلها أن تشهد بالفسخ) جواب إذا ومفاد هذا أنه لا بد من الاشهاد ولم يتعرض ابن حجر لذلك ويمكن أن يقال إن عدم تعرضه له لكونه معلوما لأنه لا بد من الإشهاد على الفسخ (قوله: وتفسخ بنفسها) أي وتستقل بالفسخ بنفسها لتعذر القاضي (قوله: كما قالوا إلخ) أي قياسا على قولهم في المرتهن الخ.
وقوله إذا غاب الراهن: وقد حل الاجل وأراد المرتهن استيفاء حقه منه.
(قوله: وتعذر إثبات الرهن) أي لفقد الشهود أو لغيبتهم أو لكون القاضي يطلب مالا (قوله: أن له) أي للمرتهن وهو مقول
القول، وقوله بيع الرهن: أي المرهون، وقوله دون مراجعة قاض: أي من غير أن يراجع المرتهن القاضي (قوله: بل هذا) أي فسخها بنفسها عند تعذر القاضي أو الشهود، وقوله أهم: أي من بيع المرتهن الرهن عند تعذر ذلك لتضررها بعدم الفسخ، وقوله أعم وقوعا: أي أكثر وجودا وحصولا (قوله: فإذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الخ) فيه أنه لم يبين فيما تقدم أن شروط الفسخ ملازمتها الخ، وصنيعه يوهم أنه قد تقدم منه ذلك وأيضا هذه ليست شروطا للفسخ لأنه قد نص على أن شرط الفسخ الاعسار بما مر والاعسار له قيود، وهي: أن يكون بأقل النفقة أو الكسوة أو المسكن أو المهر، وأن يثبت عند القاضي بإقراره أو بينة، ولو سلم أن شروط النفقة شروط للفسخ بالاعسار بطريق اللزوم، إذ المراد بالاعسار الاعسار بنحو النفقة، ولا يقال ذلك إلا إذا كان ثابتا عليه وهو لا يثبت عليه إلا بملازمتها المسكن ونحوه من كل ما لا يسقط النفقة، فكان ينبغي أن ينص عليه بأن يقول: وشرط للفسخ شروط النفقة.
ولو قال فإذا أثبتت إعساره عند القاضي أو المحكم يمهله القاضي ثلاثة أيام ثم يفسخ هو أو يأذن لها فيه ولا يجوز الفسخ إلا بشرط ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليها وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة لكان أولى وأسبك (قوله:(4/105)
وعدم صدور نشوز منها) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص (قوله: وحلفت عليهما) أي على ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها.
وقوله وعلى أن إلخ: الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله: أي وحلفت أن لا مال له حاضر وعلى أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي بإقراره أو ببينة.
وقوله بنحو النفقة: متعلق بالاعسار (قوله: على المعتمد) أي في أن الفسخ إنما يجوز لها بالاعسار (قوله: أو تعذر تحصيلها) جملة فعلية معطوفة على جملة وأثبتت الاعسار، ويحتمل أن يقرأ تعذر بصيغة المصدر فيكون معطوفا على الاعسار: أي وأثبتت تعذر تحصيلها.
وقوله على المختار: أي في أنه يجوز لها الفسخ إذا غاب وتعذر تحصيل النفقة منه.
وهو ضعيف (قوله: يمهل القاضي إلخ) جواب إذا (قوله: أو المحكم) أي أو يمهل المحكم إذا فقد القاضي، وقوله ثلاثة من الايام، صفة لموصوف محذوف أي يمهل وجوبا إمهالا ثلاثة أيام بلياليها (قوله: وإن لم يستمهله الزوج) غاية في وجوب إمهال القاضي أو المحكم المدة المذكورة والسين والتاء للطلب: أي يجب الامهال وإن لم يطلب الزوج من القاضي المهلة (قوله: ولم يرج الخ) معطوف على الغاية فهو غاية أي يجب الامهال للزوج المدة المذكورة وإن لم يرج الزوج حصول شئ في المستقبل ينفقه عليها (قوله: ليتحقق إعساره) علة للامهال (قوله: في فسخ) متعلق بيمهل، وقوله لغير إعساره بمهر:
متعلق بفسخ.
وخرج به الفسخ لاعساره بالمهر فإنه لا مهلة فيه، بل يكون على الفور عقب الرفع إلى القاضي، كما صرح به بقوله فإنه: أي الفسخ بالاعسار بالمهر على الفور، وقد علمت عند قوله وخيارها فوري ما نقله في شرح الروض عن الاذرعي من أن الفورية ليست بواضحة وأن الامهال فيه أولى لانه إذا ثبت في الإعسار بالنفقة التي ضررها بتأخيرها أكثر فليثبت في الاعسار بالمهر بالاولى (قوله: وأفتى شيخنا أنه لا إمهال الخ) أي بل تنجز الفسخ عقب ثبوت الاعسار (قوله: ثم بعد إمهال إلخ) أي ثم بعد مضي مدة الامهال المذكورة (قوله: يفسخ هو) أي ولو بعد رضاها بإعساره.
اه.
فتح الجواد (قوله: أثناء الرابع) عبارة المنهاج: صبيحة الرابع (قوله: في الرجل) متعلق بمحذوف صفة لخبر: أي الخبر الوارد، وقوله لا يجد شيئا: الجملة حال من الرجل، وقوله ينفق على امرأته: الجملة صفة لشيئا، وقوله يفرق بينهما، بدل من لفظ خبر أو عطف بيان له أو مقول لقول محذوف: أي قال عليه السلام فيه يفرق بينهما، وعبارة فتح الجواد: وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يفرق بينهما وهو وإن أعله ابن القطان لكن يعضده عمل عمر وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم بقضيته.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم، وصح عن سعيد بن المسيب أن ذلك سنة، قال الشافعي رضي الله عنه: ويشبه أن يكون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اه (قوله: وقضى) أي حكم وقوله به: أي بالخبر المذكور: أي بمقتضاه (قوله: ولو فسخت بالحاكم على غائب) أي ثبت إعساره عنده.
وقوله لم يبطل: أي الفسخ، وقوله إلا إن ثبت أنها تعلمه: عبارة التحفة.
فرع: حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له بالبلد ما لا يخفى على بينة الاعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك وبأنها تعلمه وتقدر عليه فحينئذ يبطل الفسخ قاله الغزالي وفي الاحتياج إلى إقامته البينة بعلمها وقدرتها نظر ظاهر لأنه بيان ببينة الوجود أنه موسر وهو لا يفسخ عليه وإن تعذر تحصيل النفقة منه كما مر.
اه.
ومثله في النهاية، وفي حاشية الجمل ما نصه: وانظر على قول شيخ الإسلام ومن تبعه لو حضر وادعى أن له مالا بالبلد هل يقبل قوله ويبطل الفسخ أو لا؟.
اه.(4/106)
(قوله: ويسهل الخ) أي وإنها يسهل عليها أخذ النفقة من المال الذي تعلمه في البلد (قوله: بخلاف نحو إلخ) مفهوم قوله ويسهل عليها أخذ النفقة منه: أي بخلاف ما لو ادعى مالا له في البلد، وعلمت به لكنه لا يسهل عليها أخذ النفقة منه كعقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه لا يبطل به الفسخ لانه حينئذ كالعدم.
وقوله لا يتيسر بيعه: أي إن احتيج إلى بيعه بأن لم تف غلته لو أجر بالنفقة كما هو ظاهر.
وكتب ع ش: قوله لا يتيسر بيعه، لعل المراد لا يتيسر بيعه بعد مدة قريبة فيكون
كالمال الغائب فوق مسافة القصر.
اه.
(قوله: أو تفسخ هي) معطوف على قوله يفسخ هو.
وقوله بإذنه: إنما توقف فسخها على إذنه لانه مجتهد فيه كالعنة فلا ينفذ منها قبل ذلك ظاهرا ولا باطنا.
وقوله أي القاضي: أي أو المحكم (قوله: بلفظ فسخت النكاح) متعلق بكل من الفعلين السابقين: أعني قوله: أولا ويفسخ هو، وقوله ثانيا أو تفسخ هي (قوله: فلو سلم نفقة الرابع) أي قدر عليها ح ل، وهذا مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله بإذنه وهو ما لم تسلم لها نفقة الرابع (قوله: فلا تفسخ إلخ) جواب لو، والاولى فيه أن يقول لم تفسخ.
وقوله بما مضى: أي من نحو النفقة (قوله: لانه صار دينا) علة لعدم الفسخ: أي لا تفسخ بما مضى إذا سلمها نفقة اليوم الرابع لأن ما مضى من النفقة صار دينا عليه ولا فسخ بالاعسار بالدين.
قال في شرح المنهج: ولو سلم بعد الثلاث نفقة يوم وموافقا على جعلها ما مضى ففي الفسخ احتمالان في الشرحين والروضة بلا ترجيح، وفي المطلب الراجح منعه اه.
(قوله: ولو أعسر) أي من أمهل المدة المذكورة، وقوله بعد أن سلم نفقة الرابع: متعلق بأعسر، وقوله بنفقة الخامس: متعلق بأعسر أيضا (قوله: بنت على المدة) أي بنت الزوجة الفسخ على مدة الامهال الماضية بمعنى أنه يعتد بها وتفسخ الآن.
وقوله ولم تستأنفها: هو معنى البناء على المدة المارة أو لازم لها (قوله: وظاهر قولهم) مقول لقول محذوف: أي بنفقة الخامس، وهو ثابت في عبارة التحفة والنهاية، فلعله في الشرح ساقط من النساخ (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول من أن المفتوحة واسمها وخبرها خبر ظاهر (قوله: استأنفتها) أي مدة الامهال فلا تفسخ إلا بعد مضي ثلاثة أخرى من بعد اليوم الرابع الذي وقع الانفاق فيه (قوله: هو) أي الاستئناف الذي هو ظاهر قولهم المذكور محتمل (قوله: ويحتمل أنه الخ) وعليه فتبنى على ما مضى إذا أعسر بنفقة السادس لان المتخلل أقل من ثلاثة.
وقوله إن تخللت ثلاثة: أي فصلت ثلاثة أيام ينفق فيها بين الاعسار الاول الذي مضت مدة الامهال له وبين الاعسار الثاني.
والحاصل: الضابط على هذا الاحتمال أن يقال أنه متى أنفق ثلاثة متوالية وعجز استأنفت، وإن أنفق دون الثلاثة بنت على ما قبله (قوله: أو أقل فلا) أي أو تخلل أقل من الثلاثة فلا يجب الاستئناف، بل تبنى وتفسخ حالا: كالمثال المار (قوله: ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول) أي لما فيه من المنة، ومن ثم لو سلمها للزوج وهو سلمها لها لزمها القبول لانتفاء المنة ثم إن محل عدم لزوم قبول تبرعه إذا لم يكن أصلا للزوج ولا سيدا له فإن كان له أصلا أبا أو جدا وإن علا لزمها القبول لكن بشرط أن يكون الزوج تحت حجره، وكذلك إن كان سيدا ووجهه في الأول أنه يقدر دخول ما تبرع به في ملك المؤدي عنه ويكون الولي كأنه وهب وقبل له ووجهه في الثاني أن علقة السيد بقنه أتم من علقة الوالد بولده.
وبحث بعضهم أن تبرع ولد الزوج الذي يلزمه إعفافه كذلك فيلزمها القبول (قوله: بل لها الفسخ) الاضراب انتقالي (قوله: لها إلخ) الجار والمجرور خبر مقدم، وقوله الخروج: مبتدأ مؤخر، وقوله في مدة الامهال: متعلق به (قوله:(4/107)
والرضا بإعساره) أي وفي مدة الرضا بإعساره، وذلك لانها في حالة إعساره مخيرة بين الفسخ وبين الرضا بإعساره مع عدم الفسخ، فإذا رضيت لها الخروج في مدة الرضا نهارا، وقوله قهرا عليه: أي بالقهر على زوجها المعسر (قوله: لسؤال الخ) متعلق بالخروج: أي لها الخروج لاجل طلب نفقة أو اكتسابها، وقوله وإن كان لها: غاية في جواز الخروج لما ذكر: أي يجوز لها الخروج لما ذكر وإن كان لها مال يكفيها لنفقتها أو أمكن كسبها في بيتها من غير خروج (قوله: وليس لها منعها) أي من الخروج لما ذكر.
قال: في النهاية: والاوجه تقييد ذلك بعدم الريبة، وإلا منعها من الخروج أو خرج معها.
اه ومثله في التحفة (قوله: لان حبسه لها) أي حبس الزوج: أي منعه لها من الخروج وغيره (قوله: إنما هو) أي الحبس، وقوله في مقابلة إنفاقه عليها: أي فإذا لم يوجد الانفاق فليس له حبسها (قوله: وعليها إلخ) أي ويجب عليها الرجوع إلى مسكنها: أي الذي رضي به الزوج.
وقوله ليلا: ظرف متعلق برجوع (قوله: لانه وقت الايواء) أي لان الليل وقت الايواء: أي السكون والراحة، وهو علة لوجوب الرجوع ليلا: وفي البجيرمي نقلا عن ع ش: ويؤخذ منه أنه لو توقف تحصيلها: أي الراحة على مبيتها في غير منزله كان لها ذلك.
اه.
وقوله دون العمل: أي ليس الليل وقت العمل والشغل (قوله: ولها منعه من التمتع) عبارة النهاية ولها منعه من التمتع بها، كما قاله البغوي ورجحه في الروضة، وقال الروياني: ليس لها ذلك، وحمل الاذرعي وغيره الاول على النهار: أي وقت التحصيل والثاني على الليل وبه صرح في الحاوي وتبعه ابن الرفعة.
انتهت.
ومثله في التحفة (قوله: قال شيخنا وقياسه الخ) خالفه في النهاية وعبارتها: والاوجه عدم سقوط نفقتها مع منعها له من الاستمتاع زمن التحصيل فإن منعته ذلك في غير مدة التحصيل سقطت زمن المنع اه (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول قوله لا فسخ الخ، الثاني قوله: ولو زوج أمته الخ الثالث قوله: ولو أعسر الخ (قوله: لا فسخ في غير مهر إلخ) أي لا يجوز لسيد الامة إذا زوج أمته وأعسر الزوج بغير المهر من النفقة والكسوة والمسكن أن يفسخ النكاح مطلقا ولو كانت غير مكلفة لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع للمرأة لا دخل للسيد فيه، وما يجب لها من ذلك وإن كان ملكا له لكنه في الاصل لها ويتلقاه السيد من حيث أنها لا تملك أما إذا أعسر بالمهر فله الفسخ به مطلقا لانه محض حقه لا تعلق للامة به ولا ضرر
عليها في فواته ولانه في مقابلة البضع فكان الملك فيه: لسيدها.
ويشبه ذلك بما إذا باع عبدا وأفلس المشتري بالثمن يكون حق الفسخ للبائع لا للمشتري.
قال في التحفة: نعم.
المبعضة لا بد لمن الفسخ فيها من موافقتها هي والسيد أي مالك البعض، كما اعتمده الأذرعي، أي بأن يفسخا معا أو يوكل أحدهما الآخر كما هو ظاهر.
اه.
ومثله في النهاية وشرح المنهج (قوله: وليس له منعها من الفسخ بغيره) أي ليس للسيد إذا أرادت أمته الفسخ بإعساره بغير المهر أن يمنعها منه لان حق قبضه لها وفي الروض وشرحه: وتستقل الامة بالفسخ للنفقة كما تفسخ بجبه وعنته ولانها صاحبة حق في تناول النفقة، فإذا أرادت الفسخ لم يكن للسيد منعها، ولو كانت الأمة صغيرة أو مجنونة أو اختارت المقام مع الزوج لم يفسخ السيد لما مر ولأن النفقة في الاصل لها ثم يتلقاها السيد لأنها لا تملك فيكون الفسخ لها لا لسيدها.
اه (قوله: ولا الفسخ به الخ) لفظ فسخ يحتمل أن يكون معطوفا على منعها، فهو مرفوع، وضمير به عليه يحتمل عوده على غير المهر، وهذا هو الملائم والاقرب لما بعده من التقييد والتعليل، ويحتمل عوده على المهر.
والمعنى على الأول: وليس للسيد الفسخ بغير المهر عند رضاها بإعساره أو كونها غير مكلفة وفيه أن هذا عين قوله أولا لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، وعلى الثاني وليس للسيد الفسخ بالمهر: أي بالاعسار به عند رضاها بإعساره به وهو باطل لان للسيد الفسخ به مطلقا ويحتمل(4/108)
أن يكون معطوفا على الفسخ فهو مجرور ويجري في ضمير به الاحتمالان المذكوران، والمعنى حينئذ وليس للسيد منعها من الفسخ بغير المهر على أن الضمير يعود عليه أو ليس له منعها من الفسخ بالمهر على أن الضمير يعود عليه والاول مكرر مع ما قبله والثاني باطل لان الفسخ بالمهر يتعلق بالسيد لا غير، وعبارة المنهج مع شرحه: ولا فسخ في غير مهر لسيد أمة بل له أن كانت غير صبية ومجنونة إلجاؤها إليه بأن يترك واجبها ويقول لها افسخي أو اصبري على الجوع، أو العري دفعا للضرر عنه.
أما في المهر فله الفسخ بالاعسار لانه محض حقه.
اه.
وعبارة فتح الجواد مع الارشاد: وتفسخ من فيها رق دون سيدها لنفقة أو كسوة أو مسكن ويفسخ سيد لمهر خاصة لانه محض حقه وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به عند رضاها أو عدم تكليفها لان النفقة في الاصل لها الخ.
اه.
فأنت ترى المؤلف خلط صدر عبارة المنهج بعجز عبارة فتح الجواد فأوجب عدم الالتئام في عبارته، فكان عليه أن يسلك مسلك العبارة الاولى أو مسلك العبارة الثانية ويحذف قوله ولا الفسخ به ويكون التقييد والتعليل بعد مرتبطين بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة (قوله: عند رضاها الخ) متعلق بقوله ولا فسخ به بناء على احتمال الرفع مع احتمال عود الضمير على غير المهر: أي وليس للسيد الفسخ بغير المهر عند
رضاها بإعصار به أو عدم تكليفها، فإن لم ترض به وكانت مكلفة فهي التي تباشر الفسخ لا السيد أما على بقية الاحتمالات فهو متعلق بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، ومثله التعليل بعده (قوله: لأن النفقة الخ) أي ليس للسيد الفسخ بغير المهر لان النفقة في الاصل لها وإن كانت تؤول بعد ذلك له من حيث إن الامة لا تملك شيئا (قوله: بل له إلجاؤها) أي ليس له الفسخ بغير المهر عند رضاها لكن له إلجاؤها إلى الفسخ لكن محله إذا كانت مكلفة إذ لا ينفذ من غيرها، وقوله: بأن لا ينفق عليها تصوير للالجاء، فمعنى الالجاء أن لا ينفق عليها ولا يمونها حتى تفسخ فإذا فسخت أنفق عليها واستمتع بها أو زوجها على غيره وكفى نفسه مؤنتها (قوله: دفعا للضرر عنه) تعليل لجواز الالجاء له (قوله: ولو زوج أمته بعبده الخ) مثله ما لو زوج أمته بأصل له يلزمه إعفافه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه (قوله: فلا فسخ لها) أي للأمة.
وقوله ولاله: أي للسيد، وقوله إذ مؤنتها: أي الامة وكذا مؤنة العبد وفي بعض النسخ مؤنتهما فيكون الضمير عائدا عليهما.
وقوله عليه: أي على السيد (قوله: ولو أعسر سيد المستولدة) أي منه.
وقوله عن نفقتها: متعلق بأعسر (قوله: قال أبو زيد أجبر الخ) وقال في النهاية: أجبر على تخليتها للكسب لتنفق منه أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها أو تزويجها ولا بيعها من نفسها فإن عجزت عن الكسب أنفق عليها من بيت المال.
قال القمولي: ولو غاب مولاها ولم يعلم له مال ولا لها كسب ولا كان بيت مال فالرجوع إلى وجه أبي زيد بالتزويج أولى للمصلحة وعدم الضرر.
اه (قوله: فائدة إلخ) المناسب تقديم هذه الفائدة وذكرها في شرح قوله فلا فسخ إن لم ينقطع خبره (قوله: لو فقد الزوج قبل التمكين) أي غاب وانقطع خبره قبل أن تمكنه الزوجة من نفسها.
ثم إن هذا يقتضي تقييد الخلاف المار في منقطع الخبر بالممكنة، وهو أيضا مقتضى كلامه المار: إذ هو مفروض في موسر أو متوسط ممتنع من الانفاق، ولا يقال إنه ممتنع إلا إذا وجب عليه ولا يجب عليه إلا بعد التمكين (قوله: فظاهر كلامهم أنه لا فسخ) أي قولا واحدا.
وانظر لم لم يجر فيه الخلاف المار في منقطع الخبر بعد التمكين بجامع التضرر في كل وقد مر أن مدار الفسخ على الضرر ولا شك أنه حاصل لها؟ ويمكن أن يفرق بينهما بأن الفسخ إنما هو للاعسار بالنفقة أو لتعذرها بانقطاع خبره والمفقود قبل التمكين لم تجب عليه نفقة حتى يقال إنه أعسر بها أو تعذر تحصيل النفقة منه.
فتنبه.
(قوله: ومذهب مالك رحمه الله تعالى) في الباجوري: مذهب المالكية إذا غاب الزوج ولم يترك لها مالا تفسخ عندهم، فلو فعل ذلك مالكي ثم حضر الزوج فللشافعي نقضه، اه، بالمعنى (قوله: لا فرق) أي في جواز الفسخ(4/109)
(قوله: إذا تعذرت) أي بغيبته، وقوله وضربت المدة: معطوف على تعذرت النفقة (قوله: وهي) أي المدة.
وقوله عنده: أي عند مالك رضي الله عنه.
وقوله للتفحص عنه: علة لضرب المدة المذكورة عنده: أي وتضرب المدة لاجل التفحص عنه: أي السؤال والتفتيش عنه (قوله: ثم يجوز الفسخ) أي ثم بعد ضرب المدة المذكورة يجوز لها الفسخ عندهم (قوله: تتمة) أي في بيان حكم مؤن الاقارب: الاصول والفروع.
والأصل في وجوبها للاصول قوله تعالى في حق الابوين * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * وقوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) * ومن المعروف والاحسان القيام بكفايتهما عند حاجتهما، وخبر أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه، فكلوا من أموالهم والاجداد والجدات ملحقون بهما في ذلك.
والأصل في وجوبها للفروع قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * إذ إيجاب الاجرة لارضاع الاولاد يقتضي إيجاب نفقتهم، وقوله عليه الصلاة والسلام لهند خذي ما يكفيك ولدك بالمعروف رواه الشيخان.
وأولاد الاولاد ملحقون بهم (قوله: يجب على موسر) أي من أصل أو فرع، والكلام على التوزيع، فإن كان الموسر فرعا فيجب عليه الكفاية لاصله، وإن كان أصلا يجب عليه الكفاية لفرعه، وقوله ذكر أو أنثى: تعميم في الموسر (قوله: ولو بكسب) غاية للموسر، وهي للرد: أي يجب عليه ولو كان يساره بسب قدرته على كسب يليق به، وهذا يفيد أنه يجب على الاصل اكتساب نفقة فرعه، وهو كذلك إذ كان عاجزا عن الكسب، كما في سم، وعبارته: يجب على الاصل القادر اكتساب نفقة فرعه العاجز لنحو زمانة كصغر - لا مطلقا - اه.
وقوله يليق به: ولا بد أن يكون حلالا أيضا.
وعبارة التحفة مع الاصل: ويلزم كسوبا كسبها، أي المؤن، في الاصح إن حل ولاق به وإن لم تجر عادته به لان القدرة بالكسب كهي بالمال في تحريم الزكاة وغيرها، وإنما لم يلزمه، أي الكسب لوفاء دين لم يعص به لانه على التراخي، وهذه فورية ولقلة هذه وانضباطها بخلافه، ولا يجب لاجلها، أي المؤن، سؤال زكاة ولا قبول هبة، فإن فعل وفضل شئ عما مر أنفق عليه منه.
اه (قوله: بما فضل) متعلق بموسر: أي يجب على موسر بما فضل إلخ فإن لم يفضل شئ عما ذكر فلا وجوب لأنه ليس من أهل المواساة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شئ فلذي قرابتك وقوله عن قوته: أي حاجته من كل ما لا يغنى لمثله عنه كمسكن وملبس وفرش وماء وضوء.
وقوله: وقوت ممونة: أي حاجة من يمونه من زوجته وخادمها وأم ولده.
وقوله يومه وليلته: الضمير فيهما يعود على الانفاق المعلوم من المقام، والظرف متعلق بفضل: أي موسر بما فضل عن قوته وقوت ممونه في يوم الانفاق وليلته: أي التي تأخرت عنه (قوله: وإن لم يفضل عن دينه) أي يجب عليه ما ذكر وإن لم يكن فاضلا عن دينه (قوله: كفاية الخ)
فاعل يجب، وهو مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى اللام أو من: أي يجب على موسر كفاية لنفقة الخ لقوله عليه السلام خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ويجب إشباعه شبعا يقدر معه على التردد والتصرف، ولا يجب ما زاد على ذلك وهو المبالغة في إشباعه، كما لا يكفي سد الرمق، ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته، وقوله: مع أدم ودواء: أي ومسكن، وعبارة البجيرمي: دخل في الكفاية القوت الادم والكسوة، وخالف البغوي في الادم.
وتجب الكسوة بما يليق به لدفع الحاجة والمسكن وأجرة الفصد والحجامة وطبيب وشرب الادوية ومؤنة الخادم إن احتاج إليه لزمانة أو مرض.
اه.
ثم إنه يباع لكفاية القريب ما يباع للدين من عقار وغيره كالمسكن والخادم والمركوب ولو احتاجها لانها مقدمة على وفاء الدين فبيع فيها ما يباع فيه بالاولى.
قال في شرح المنهج: وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة، والثاني لا لانه يشق، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له، ورجح النووي في نظيره من نفقة
__________
(1) سورة لقمان، الاية: 15.
(2) سورة العنكبوت، الاية: 8.
(3) سورة الطلاق، الاية: 6.(4/110)
العبد الثاني فليرجع هنا.
وقال الاذرعي.
أنه الصحيح أو الصواب، قال ولا ينبغي قصر ذلك على العقار.
اه (قوله: لاصل) متعلق بكفاية، وكما تجب الكفاية له تجب لقنه المحتاج له وزوجته إن وجب إعفافه بأن احتاج إلى النكاح.
وقوله وإن علا: أي الاصل.
وقوله ذكر أو أنثى: أي لا فرق في الاصل بين أن يكون ذكرا أو أنثى (قوله: وفرع) معطوف على الاصل.
وقوله وإن نزل: أي الفرع ولو كان من جهة البنات فشمل ولد الابن وولد البنت وقوله كذلك أي ذكرا أو أنثى.
تنبيه: اقتصاره على الاصل والفرع يخرج غيرهما من سائر الاقارب كالاخ والاخت والعم والعمة، وأوجب أبو حنيفة رضي الله عنه نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الابعاض تمسكا بقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * وأجاب الشافعي، رضي الله عنه، بأن المراد مثل ذلك في نفي المضارة كما قيده ابن عباس، وهو أعلم بكتاب الله تعالى، أفاده في المغني (قوله: إذا لم يملكاها) أي الكفاية.
قال في المنهج وشرحه، وكانا حرين معصومين وعجز الفرع عن كسب يليق به، ثم قال: وبما ذكر، أي من تقييد الفرع بالعجز والاطلاق في الاصل، علم أنهما لو قدرا على كسب لائق بهما وجبت لاصل لا فرع لعظم حرمة الأصل الخ.
اه.
وقوله حرين: أي كلا أو بعضا.
قال في حاشية الجمل: فالمبعض تجب عليه نفقه قريبة بتمامها.
كما في شرح م ر، خلافا لمن قال يجب عليه بقدر ما فيه من الحرية ولمن قال لا يجب عليه شئ.
وعبارة الخطيب على المنهاج: وأما المبعض فإن كان منفقا فعليه نفقة تامة لتمام ملكه فهو
كحر الكل وقيل بحسب حريته، وإن كان منفقا عليه فتبعض نفقته على القريب والسيد بالنسبة إلى ما فيه من رق وحرية.
اه (قوله: وان اختلفا دينا) غاية في وجوب الكفاية: أي تجب الكفاية للاصل أو الفرع مطلقا سواء اختلفا في الدين أو اتفقا، فلا يضر في ذلك اختلاف الدين فيجب على المسلم نفقة الكافر، لكن بشرط العصمة وعكسه لعموم الادلة ولوجود الموجب وهو البعضية فإن قيل هلا كان وجوب النفقة كالميراث في اشتراط اتفاق الدين؟ أجيب، بأن الميراث مبني على الموالاة والمناصرة، ولا موالاة ولا مناصرة عند اختلاف الدين، والنفقة مبنية على الحاجة، وهي موجودة عند الاتفاق وعند الاختلاف (قوله: لا إن كان أحدهما الخ) مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج: أي تجب الكفاية لاصل وفرع إن كانا معصومين لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا وإنما لم تجب كفايتهما لانها مواساة وهما ليسا من أهلها لأنه لا حرمة لهما.
إذ أمر الشارع بقتلهما (قوله: قال شيخنا في شرح الإرشاد ولا إن كان زانيا الخ) عبارته: ويجب قوام بعض له من أصل أو فرع معصوم لا مرتد وحربي، وكذا زان محصن وتارك الصلاة بشرطه أخذا من التعبير بمعصوم وقياسا لهما على من قبلهما.
اه.
إذا علمت ذلك فالمؤلف حكى قوله بالمعنى.
وقوله بشرطه: أي بشرط عدم عصمته، وهو أن يكون قد أمره الامام بها واستتابه فلم يتب (قوله: خلافا لما قاله في شرح المنهاج) عبارته: وهل يلحق بهما أي المرتد والحربي نحو زان محصن بجامع الاهدار أو يفرق بأنهما قادران على عصمة نفسيهما فكان المانع منهما بخلافه فإن توبته لا تعصمه ويسن له الستر على نفسه وكذا للشهود على ما يأتي فكان من أهل المواساة لعدم مانع قائم به يقدر على إسقاطه؟ كل محتمل.
والثاني أوجه.
اه.
قال ع ش: ومقتضى ما علل به أن مثله، أي الزاني المحصن، قاطع الطريق بعد بلوغ خبره للامام.
اه (قوله: ولا إن بلغ فرع الخ) هذا مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج أيضا وهو، وعجز الفرع عن كسب يليق به: أي فلا تجب الكفاية على الاصل إن بلغ فرع وترك كسبا له قدرة عليه وكان لائقا به، بخلاف الاصل تجب له وإن ترك كسبا لاق بمثله لما تقدم ويستثنى من الأول ما لو كان مشتغلا بعلم شرعي ويرجى منه النجابة والكسب يمنعه فتجب كفايته حينئذ ولا يكلف الكسب.
وفي حاشية الجمل: وقع السؤال عما لو حفظ القرآن ثم نسيه بعد البلوغ وكان الاشتغال بحفظه يمنعه من الكسب هل يكون ذلك كاشتغاله بالعلم أم لا؟ والجواب عنه أن الظاهر أن يقال فيه إن تعين طريقا بأن تتيسر القراءة في غير أوقات الكسب كان كالاشتعال بالعلم، وإلا فلا.
اه.
وخرج بقوله
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 233.(4/111)
بلغ ما إذا لم يبلغ فكفايته تكون على الولي مطلقا ولو كان مكتسبا وترك الكسب اختيارا.
نعم: يجوز له أن يحمله على الاكتساب إذا أطاقه وينفق عليه من كسبه وله إيجاره لذلك ولو لاخذ نفقته الواجبة له عليه (قوله: ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح) أي في وجوب كفايتهما فيجب لهما الكفاية مع القدرة عليه.
وفي البجيرمي: قال زي وقدرة الام أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها وهو واضح في الام، وأما البنت ففيه نظر إذا خطبت وامتنعت لأن هذا من باب التكسب والفرع إذا قدر عليه كلفه إلا أن يقال أن التكسب بذلك يعد عيبا.
اه (قوله: لكن تسقط الخ) الأولى حذف أداة الاستدراك ووضع حرف العطف موضعها.
وعبارة التحفة: وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ لتعذر إيجاب نفقتين.
كذا قيل.
وفيه نظر: لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر فكان القياس اعتباره، إلا أن يقال إنها بقدرتها عليه مفوتة لحقها، وعليه فمحله في مكلفة فغيرها لا بد من التمكين، وإلا لم تسقط عن الاب فيما يظهر.
اه (قوله: وفيه) أي سقوط نفقتها بالعقد نظر، وهو غير ظاهر على القديم من أنها تجب بالعقد (قوله: لان نفقتها الخ) علة النظر (قوله: وإن كان الزوج معسرا) غاية لقوله تسقط نفقتها بالعقد: أي تسقط نفقتها به وإن كان الزوج معسرا لا يملك نفقتها، وقوله: ما لم تفسخ قيد في سقوط نفقتها بذلك مع إعسار الزوج: أي محله ما لم تفسخ النكاح بالاعسار، فإن فسخت استحقت النفقة على الأصل أو الفرع (قوله: ولا تصير مؤن القريب إلخ) أي لا تصير مؤن القريب الأصل أو الفرع بفوتها بمضي الزمان دينا عليه، بل تسقط بذلك وإن تعدى المنفق بالمنع، وذلك لانها وجبت لدفع الحاجة الناجزة مواساة وقد زالت، بخلاف نفقة الزوجة.
وفي حاشية الجمل ما نصه: قال بعضهم قد علم من ظاهر كلامهم المذكور أن في النفقة المذكورة، أي نفقة القريب، شائبة إمتاع من حيث سقوطها بمضي الزمان، وشائبة إباحة من حيث عدم تصرفه فيها بغير أكله، وشائبة تمليك من حيث ملكه لها بالدفع من غير صيغة وعدم استردادها منه لو أيسر فيأكلها.
اه.
ق ل.
على الجلال.
اه (قوله: إلا باقتراض قاض إلخ) أي فإنه حينئذ تصير دينا عليه، ويشترط في اقتراض القاضي أن يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الاصل.
وقوله لغيبة: متفق متعلق باقتراض، واللام للتعليل.
وقوله أو منع: أي أو منعه من الإنفاق عليه.
وقوله صدر منه: أي من المنفق (قوله: لا بإذن منه) أي لا تصير دينا بإذن صادر من القاضي في الاقتراض وما ذكر هو الذي جرى عليه شيخ الإسلام في شرح المنهج، وقال فيه خلافا لما وقع في الأصل: أي من صيرورتها دينا بذلك، ونص عبارة الاصل: ولا تصير دينا إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض.
اه.
قال في التحفة والنهاية: وبحث أنها لا تصير دينا إلا بعد الاقتراض.
اه (قوله: ولو منع الزوج أو القريب الانفاق) أي امتنع من
الإنفاق على من يجب عليه الانفاق له (قوله: أخذها المستحق) أي من مال الزوج أو القريب الموسر وعبارة المغني وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه إن وجد جنسها، وكذا لم يجده في الاصح وله الاستقراض إن لم يجد له مالا وعجز عن القاضي ويرجع إن أشهد.
اه.
قال في النهاية: والاوجه جريان ذلك في كل منفق (قوله: فرع) الأولى فروع لأنه ذكر ثلاثة فروع: الأول قوله: من له أب وأم الخ، الثاني قوله: من له أصل وفرع الخ، الثالث قوله: ويجب على أم إلخ (قوله: من له أب) أي وإن علا.
وقوله وأم: وإن علت (قوله: فنفقته على الأب) أي ولو كان بالغا استصحابا لما كان في صغره ولعموم خبر هند السابق (قوله: وقيل هي) أي النفقة عليهما أي على الأب والأم معا.
وقوله لبالغ: أي عاقل وإنما وجبت له عليهما لاستوائهما فيه - بخلاف ما إذا كان صغيرا أو مجنونا لتميز الاب بالولاية عليهما (قوله: ومن له أصل وفرع) أي وهو عاجز.
وقوله فعلى الفرع: أي فنفقته على الفرع وإن بعد كأب وابن ابن لان عصوبته أقوى وهو أولى(4/112)
بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته، وقيل إنها على الاصل، وقيل عليهما لاشتراكهما في البعضية (قوله: أو له) أي من أيسر.
وقوله محتاجون من أصول وفروع: أي وغيرهما ممن تلزمه نفقته كزوج وخادمها بدليل قوله بعد ثم زوجته.
وعبارة التحفة: ومن له محتاجون من أصوله وفروعه أو أحدهما مع زوجة وضاق موجوده عن الكل.
اه (قوله: قدم نفسه) أي للحديث إبدأ بنفسك الخ.
وقوله ثم زوجته: أي لأن نفقتها آكد لانها لا تسقط بغناها ولا بمضي الزمان، ولانها وجبت عوضا والنفقة على القريب مواساة.
قال في التحفة: ومر أن مثل الزوجة خادمها وأم ولده.
اه.
وقوله وإن تعددت أي الزوجة فيقدم المتعدد من الزوجات على بقية الاقارب (قوله: ثم الاقرب فالاقرب) أي ثم قدم الأقرب فالأقرب من أصوله وفروعه فيقدم الاب على الجد والابن على ابن الابن (قوله: نعم لو كان الخ) هذا مفهوم قوله قدم الاقرب فالاقرب: أي فإن استووا في القرب فالحكم ما ذكره بقوله قدم الخ، فلو ذكره لا على وجه الاستدراك بل على وجه المفهوم لكان أولى.
وقوله: الابن الصغير، ويقدم بالرضيع والمريض على غيره (قوله: ثم الأب) قال في التحفة الاوجه ان الاب المجنون مستو مع الولد الصغير أو المجنون ويقدم من اختص من أحد مستويين قربا بمرض أو ضعف، كما تقدم، بنت ابن على ابن بنت لضعفها وإرثها وأبو أب على أبي أم لارثه وجد أو ابن ابن زمن على الأب أو ابن غير زمن، ولو استوى جمع من سائر الوجوه وزع ما يجده عليهم إن سد مسدا من كل وإلا أقرع.
اه.
بتصرف (قوله: ثم الولد الكبير) أي العاقل (قوله: ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ) أي لان الولد لا يعيش بدونه غالبا أو لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا به.
قال في التحفة ومع
ذلك لها طلب الاجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل.
اه.
وفي ع ش: فلو امتنعت من إرضاعه ومات فالذي ذكره ابن أبي شريف عدم الضمان لأنه لم يحصل منها فعل يحال عليه سبب الهلاك، قياسا على ما لو أمسك على المضطر واعتمده شيخنا إلخ اه (قوله: وهو) أي اللبأ، ويقرأ بالهمزة مع القصر، وقوله اللبن أول الولادة: أي اللبن النازل أول الولادة، والذي في التحفة والنهاية هو ما ينزل بعد الولادة (قوله: ومدته) أي اللبأ.
وقوله يسيرة: أي قليلة (قوله: وقيل يقدر) أي اللبأ: أي مدته (قوله: وقيل سبعة) أي وقيل يقدر بسبعة أيام، والمعتمد أنه يرجع في قدره إلى أهل الخبرة (قوله: ثم بعده) أي بعد إرضاع اللبأ.
وقوله إن لم توجد: أي للارضاع، وقوله إلا هي: أي الأم، وقوله أو أجنبية: أي أو لم توجد إلا أجنبية (قوله: وجب إرضاعه على من وجدت) أي من الام أو الاجنبية إبقاء وحفظا للطفل (قوله: ولها) أي للمرضعة منهما.
وقوله طلب الاجرة ممن تلزمه مؤنته: عبارة المغني: ولها طلب الاجرة من ماله إن كان، وإلا فمن تلزمه نفقته.
اه (قوله: وإن وجدتا) أي الام والاجنبية.
وقوله: لم تجبر الام: على الارضاع، وذلك لقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * يعني فإن تضايقتم في الارضاع فامتنع الاب من الاجرة والام من فعله فسترضع له، أي للاب، أخرى ولا تكره الام على إرضاعه ح ل جلال (قوله: خلية كانت) أي الأم.
وقوله أو في نكاح أبيه: أي أو كانت في نكاح أبي الطفل (قوله: فإن رغبت) أي الأم، وقوله في إرضاعه: أي ولو بأجرة مثله، وقوله فليس لابيه منعها: أي من إرضاعه لانها أشفق على الولد من الاجنبية ولبنها له أصلح وأوفق، وخرج بأبيه غيره كأن كانت منكوحة غير أبيه فله منعها (قوله: إلا أن طلبت) أي الام فوق أجرة المثل: أي أو تبرعت بإرضاعه أجنبية أو رضيت بأقل من أجرة المثل دون الام فله منعها من ذلك.
وعبارة الروض وشرحه: فلو وجدت متبرعة بإرضاعه نزعه من أمه ودفعه إلى المتبرعة
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 6.(4/113)
لترضعه إن لم تتبرع أمه بالارضاع لأن في تكليفه الاجرة مع المتبرعة إضرارا به، وكالمتبرعة الراضية بدون أجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بها، والراضية بأجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بأكثر منها.
ولو ادعى وجودها، أي المتبرعة أو الراضية، بما ذكر وأنكرت هي صدق بيمينه لانها تدعي عليه أجرة والاصل عدمها ولانه يشق عليه إقامة البينة.
انتهت (قوله: وعلى أب أجرة مثل الخ) أي إذا رغبت الام في الارضاع وطلبت أجرة المثل وأجيبت فعلى الاب تلك الاجرة، لكن بشرط أن لا يوجد متبرع بالارضاع، فإن وجد نزعه منها حيث لم تتبرع به ودفعه للمتبرع.
وكان الاخصر والاسبك للشارح أن يحذف
هذا وما بعده ويزيد عقب قوله إلا إن طلبت فوق أجرة المثل ما زدته أعني أو تبرعت بإرضاعه الخ.
تأمل (قوله: وكمتبرع راض بما رضيت) لعل لفظه دون ساقطة من النساخ قبل ما، والاصل وكمتبرع راض بدون ما رضيت به، وعبارة فتح الجواد: وكمتبرع راض بدون أجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بها أو بدون ما رضيت به وإن كان دونها.
اه.
مهمة: إذا أرضعت الام بأجرة المثل استحقت النفقة إن لم ينقص إرضاعها تمتعه وإلا فلا، كما لو سافرت لحاجتها بإذنه فإنه لا نفقة لها، كذا قال الشيخان.
قال في التحفة: واعترضهما الاذرعي بأن ذاك فيما إذا لم يصحبها في سفرها وإلا فلها النفقة وهو هنا مصاحبها فلتستحقها، ويفرق بأن شأن الرضاع أن يشوش التمتع غالبا، فإن وجد ذلك بحيث فات به كمال التمكين سقطت وإلا فلا فلم ينظروا هنا للمصاحبة.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/114)
فصل الحضانة أي في بيان أحكام الحضانة ونفقة الملوك والحضانة، بفتح الحاء، لغة الضم وشرعا ما سيذكره بقوله تربية الخ.
وتثبت لكل من له أهلية من الرجال والنساء، لكن الاناث أليق بها لانهن بالمحضون أشفق وعلى القيام بها أصبر، وبأمر التربية أبصر، وإذا نوزع في الاهلية فلا بد من ثبوتها عند الحاكم ومؤنتها في مال المحضون ثم الاب ثم الام ثم هو من محاويج المسلمين فتكون المؤنة في بيت المال إن انتظم وإلا فعلى مياسير المسلمين (قوله: والاولى بالحضانة) أي الاحق بها، وهو مبتدأ خبره قوله الآتي أم وما بينهما اعتراض، وإنما كانت أولى لخبر البيهقي إن امرأة قالت يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء.
وإن أباه طلقني، وزعم أنه ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي قال في التحفة والنهاية: نعم يقدم عليها ككل الاقارب زوجة محضون يتأتى وطؤه لها وزوج محضونة تطيق الوطئ: اه.
واعلم: أن المستحق للحضانة إن تمحض أناثا قدم الام ثم أمها تهاثم أمهات الاب ثم أخت ثم خالة ثم بنت أخت ثم بنت أخ ثم عمة وقد نظمها بعضهم فقال: أم فأمها بشرط أن ترث فأمهات والد لقد ورث أخت فخالة فبنت أخته فبنت أخ يا صاح مع عمته وإن تمحض ذكورا ثبتت الحضانة لكل قريب وارث ولو غير محرم وترتيبهم كترتيب ولاية النكاح لا الارث فيقدم
الجد على الاخ هنا، وإن لم يقدم عليه في الارث، ولا تسلم مشتهاة لغير محرم، بل تسلم لثقة وهو يعينها وإن اجتمع الذكور والاناث قدمت الام ثم أمهاتها ثم الاب ثم أمهاته ثم الجد لاب ثم أمهاته ثم الأقرب فالأقرب من الحواشي ذكرا كان أو أنثى، فتقدم الاخوة والاخوات على غيرهما كالخالة والعمة فإن استويا قربا قدمت الانثى لما تقدم من أن النساء أبصر وأصبر فتقدم أخت على أخ وبنت أخ على ابن أخ، فإن استويا ذكورة أو أنوثة كأخوين أو بنتين قدم بقرعة من خرجت قرعته على غيره والخنثى كالذكر هنا.
فالاحوال ثلاثة: اجتماع الاناث فقط، اجتماع الذكور فقط، اجتماعهما، المصنف رحمه الله تعالى اقتصر على الحالة الثالثة، كما سترى ولم يستوفها (قوله: وهي تربية من لا يستقل) أي بفعل ما يصلحه ويقيه عما يضره كأن يتعهده بغلس جسده وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وغير ذلك، والمراد بمن لا يستقل من لا يقوم بأموره كصغير ومجنون قال في الروض وشرحه: المحضون كل صغير ومجنون ومختل وقليل التمييز.
وقوله إلى التمييز: أي وتستمر التربية إلى التمييز: قال في التحفة: واختلف في انتهائها في الصغير فقيل بالبلوغ، وقال الماوردي بالتمييز وما بعده إلى البلوغ كفالة والظاهر أنه خلاف لفظي نعم: يأتي أن ما بعد التمييز يخالف ما قبله في التخيير وتوابعه.
اه.
وهذا بالنسبة للصغير، وأما المجنون فتستمر تربيته إلى الافاقة (قوله: لم يتزوج بآخر) أي بزوج آخر: أي غير أبيه ويشترط فيه أن لا يكون له حق في الحضانة، كعم الطفل وابن عمه، وإلا فلا تسقط حضانتها بالتزوج عليه وهذا أحد شروط الحضانة المنظومة في قول بعضهم:(4/115)
الحق في الحضانة للجامع تسع شرائط بلا منازع بلوغه وعقله حريته إسلامه لمسلم عدالته إقامة سلامة من ضرر كبرص وفقده للبصر ومرض يدوم مثل الفالج كذا خلوها من التزوج إلا إذا تزوجت بأهل حضانة وقد رضى بالطفل وعدم امتناع ذات الدرمن الرضاع بأخذ الاجر وقوله إقامة: أي في بلد المحضون فلو اراد الحاضن سفرا ولو قصيرا انتقلت الحضانة إلى غيره ممن هو مقيم في بلده، نعم: إن أراد أحد الابوين يسفر نقلة من بلد إلى بلد آخر فالاب أولى بحضانته من الام ولا يضر سفره إن أمن
الطريق والمقصد حفظا للنسب لأنه لو ترك مع الام لضاع نسبه ومثل الاب بقية العصبة.
وقوله وعدم امتناع الخ: يعني يشترط إذا كان المحضون رضيعا وكانت الحاضنة ذات لبن أن لا تمتنع من إرضاعه، فإن امتنعت منه سقطت حضانتها، وقوله لو بأخذ الاجر: يعني: لو رضيت ترضعه بالاجرة ووجدت متبرعة تسقط حضانتها أيضا، فلو شرطية، وجوابها محذوف (قوله: فأمهاتها) أي الام ويشترط أن يكن وارثات فلا حضانة لغير الوارثات كأم الجدة الفاسدة وهي أم أبي أم.
ومحل الترتيب المذكور ما لم يكن للمحضون بنت، وإلا قدمت في الحضانة عند فقد الام على الجدات وتقدم إنه إذا كان له زوجة أو زوج يقدمان على سائر الاقارب حتى الابوين (قوله: وإن علت) إن أعيد الضمير للامهات فذكره مستدرك لانهن جمع مضاف لمعرفة فيعم وإن أعيد للام كان ذكر الامهات مستدركا فالأولى حذفه (قوله: فأمهاته) أي الاب ويشترط أيضا أن يكن وارثات فلا حضانة لغيرهن كالجدة الفاسدة المارة (قوله: فأخت) أي للمحضون ولو كانت لام (قوله: فبنت أخت فبنت أخ) إنما قدمت الأولى على الثانية لانه إذا اجتمعت الاخت مع الاخ قدمت الاخت وبنت المقدم مقدمة على بنت غيره.
وقوله فعمة: إنما أخرت عن الخالة لانها تدلي بذكر والخالة تدلى بأنثى وما كان مدليا بأنثى يقدم في هذا الباب على المدلى بذكر.
(واعلم) أنه تقدم أخت وخالة وعمة لابوين عليهن لاب لزيادة قرابتهن ويقدمن إذا كن لاب عليهن إذا كن لام لقوة الجهة (قوله: والمميز إلخ) أفاد به أن الترتيب السابق إنما هو في المحضون غير المميز، وأما المميز فيكون عند من اختاره ولو على خلاف الترتيب السابق وسن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان والمدار على التمييز لا على السن.
قال ابن الرفعة: ويعتبر في تمييزه أن يعرف أسباب الاختيار، وذلك موكل إلى نظر الحاكم، وقوله أسباب الاختيار: هي الدين والمحبة وكثرة المال وغير ذلك مما يفضي إلى ميله لاحدهما (قوله: إن افترق أبواه من النكاح) أي وصلحا للحضانة فخرج بالأول ما إذا لم يفترقا فإنه يكون عندهما وخرج بالثاني ما إذا لم يصلح إلا أحدهما فإنه يتعين وما إذا لم يصلح واحد منهما فإنها تنتقل الكفالة لمن بعدهما إن صلح وإلا عين الحاكم وجوبا من يصلح لها.
قال سم: وينبغي أن يكون كالافتراق من النكاح ما إذا لم يفترقا منه لكنهما لا يجتمعان بأن اختلف محلهما وكان كل منهما لا يأتي للآخر لأن ذلك في معنى الافتراق من النكاح، وكذا إذا كان يأتيه لكن أحيانا لا يتأتى فيها القيام بمصالحه.
اه (قوله: كأن عنده من اختاره منهما) أي للخبر الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم - خير غلاما بين أبيه وأمه وإنما يدعى بالغلام المميز، ومثله الغلامة، أي فإن اختار الاب سلم إليه وإن اختار الام
سلم إليها، فإن اختارهما معا أقرع بينهما وسلم لمن خرجت قرعته منهما وله بعد اختيار أحدهما اختيار الآخر لانه قد يظهر له الأمر على خلاف ما ظنه كأن يظن أن في الاب خيرا فيظهر له أن فيه شرا أو يتغير حال من اختاره أو لا فيحول إلى من اختاره ثانيا وهكذا حتى إذا تكرر منه ذلك نقل إلى من اختاره ما لم يظهر أن ذلك لقلة تمييزه وإلا ترك عند من كان عنده قبل التمييز: وكما يقع التخيير بين الابوين يقع أيضا عند فقد أحدهما بين الذي لم يفقد من الابوين وبين(4/116)
غيره ممن له الحضانة وعند فقدهما معا يقع بين غيرهما كذلك، فإذا كان المفقود الاب يقع التخيير بين الام والجد إن وجد فإن لم يوجد وقع التخيير بينها وبين من على حاشية النسب كأخ وعم وإذا فقدت الام وقع التخيير بين الاب والاخت لغير أب فقط بأن كانت شقيقة أو لأم أو بين الاب والخالة إن لم توجد الاخت وإذا فقدا معا وقع بين الاخت أو الخالة وبقية العصبة على الاوجه.
قال في التحفة وظاهر كلامهم أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين.
اه.
(قوله: ولاب اختير الخ) أي ويجوز لاب اختاره المحضون أن يمنعه من زيارة أمه إن كان أنثى وذلك لتألف الصيانة وعدم الخروج والام أولى منها بالخروج لزيارتها.
قال في التحفة: وإفتاء ابن الصلاح بأن الام إذا طلبتها أرسلت إليها محمول على معذورة عن الخروج للبنت لنحو تخدر أو مرض أو منع نحو زوج، ويظهر أن محل إلزام ولي البنت بخروجها للام عند عذرها بناء على ما ذكر حيث لا ريبة في الخروج قوية، وإلا لم يلزمه.
اه.
وقوله لا الذكر: أي فلا يمنعه من زيارة أمه لئلا يكون ساعيا في العقوق وقطع الرحم، وهو أولى منها بالخروج لانه ليس بعورة، فإن منعه حرم عليه (قوله: ولا تمنع الام إلخ) يعني لا يمنع الاب المختار الام من زيارة ابنها أو بنتها في بيته بل يمكنها من دخوله لذلك، وعبارة شرح البهجة: وإذا زارت لا يمنعها الدخول لبيته ويخلى لها حجرة، فإن كان البيت ضيقا خرج ولا تطيل المكث في بيته وعدم منعها الدخول لازم، كما صرح به الماوردي، فقال: يلزم الاب أن يمكنها من الدخول ولا يولها على ولدها للنهي عنه، وفي كلام غيره ما يفهم عدم الوجوب، وبه أفتى ابن الصلاح فقال: فإن بخل الاب بدخولها إلى منزله أخرجها إليها، فإن أبى تعين أن يبعثها إلى الام، فإن امتنع الزوج من إدخالها إلى منزله نظرت إليها والبنت خارجة وهي داخله ثم نقل عن بعضهم أن الدخول من غير إطالة لغرض الزيارة لا منع منه.
انتهت (قوله: على العادة) أي كيوم من الاسبوع لا في كل يوم.
قال في النهاية: إلا أن يكون منزلها قريبا فلا بأس بدخولها كل يوم.
اه.
قال ع ش: وقد يتوقف في الفرق بين قريبة المنزل وبعيدته، فإن المشقة في حق البعيدة إنما هي على الام.
اه.
قال
الرشيدي: ثم ظهر أن وجهة النظر للعرف، فإن العرف أن قريب المنزل كالجار يتردد كثيرا - بخلاف بعيده.
اه (قوله: والام أولى بتمريضهما) أي الابن والبنت لانها أهدى إليه وأشفق عليهما، وقوله عند الاب: أي في بيت الاب، وقوله إن رضي: أي الاب بتمريضهما في بيته، وقوله وإلا فعندها: أي وإن لم يرض أن يكون التمريض في بيته فليكن عندها في بيتها ويعودهما الاب، وليحترز حينئذ في هذه الحالة وفي التي قبلها عن الخلوة المحرمة (قوله: وإن اختارها ذكر الخ) هذا مقابل قوله ولاب اختير إلخ.
وكان المناسب في التقابل أن يقول بدل قوله ولاب اختير الخ فإن اختاره ذكر لم يمنعه من زيارة أمه أو أنثى فله منعها ثم يقول ولا تمنع الأم الخ ثم يقول وإن اختارها الخ (قوله: فعندها ليلا) أي فيكون عند الام المختارة ليلا.
وقوله وعنده نهارا أي ويكون عند الاب نهارا، وذلك ليعلمه الامور الدينية على ما يليق به وإن لم يكن لائقا بأبيه، فإذا كان أبوه حمارا وهو عاقل حاذق جدا فالذي يليق به أن يكون عالما مثلا، وإن كان أبوه عالما وهو بليد جدا فالذي يليق به مثلا أن يكون حمارا فيؤد به بالذي يليق، فمن أدب ولده صغيرا سر به كبيرا.
ويقال: الادب على الآباء والصلاح على الله تعالى.
وما أحسن قول بعضهم: علم بنيك إن أردت صلاحه لا خير في ولد إذا لم تضرب أو ما ترى الاقلام حين قصامها إن لم تقط رؤوسها لم تكتب؟ وقال آخر: منن الاله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الاولاد فضع العصا أدبا لهم كي يسلكوا سبل الرشاد ومنهج الازهاد(4/117)
(قوله: أو اختارتها) أي الأم.
وقوله أنثى: أي محضونة أنثى (قوله: فعندها أبدا) أي فتكون عند الام ليلا ونهارا، وذلك لاستواء الزمنين في حقها: إذ الاليق بها سترها ما أمكن (قوله: ويزورها الاب) أي مع الاحتراز عن الخلوة، وقوله على العادة: في المغني ما نصه: (تنبيه) قوله على العادة يقتضي منعه من زيارتها ليلا، وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة والريبة، وظاهر أنها لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز له دخوله إلا بإذن منه، فإن لم يأذن أخرجتها إليه ليراها ويتفقد حالها ويلاحظها بقيام تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها، وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذي لا تستقل الام بضبطه فيكونان عند الام ليلا ونهارا ويزورهما الاب ويلاحظهما بما مر وعليه ضبط المجنون.
اه.
(قوله: ولا يطالب إحضارها عنده) أي
لتألف الصيانة وعدم الخروج كما مر (قوله: ثم إن لم يختر) أي المجنون المميز ذكرا كان أو أنثى، وقوله: واحدا منهما: أي الأب أو الأم (قوله: فالام أولى) أي من الاب لان الحضانة لها ولم يختر غيرها (قوله: وليس لاحدهما الخ) يعني إذا كن المحضون رضيعا فليس لاحد الأبوين: أي أو غيرهما ممن له الحضانة عند فقدهما فطمه عن الرضاع قبل مضي حولين.
قال في النهاية: لانهما تمام مدة الرضاع، فإن تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين إلا إذا كان الفطام قبلهما أصلح للولد فيجاب طالبه: كفطمه عند حمل الام أو مرضها ولم يوجد غيرها.
اه.
(قوله: ولهما فطمه الخ) أي إا تراضيا فلهما فطمه قبل مضي حولين.
لقوله تعالى: * (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور) * أي لاهل الخبرة أن ذلك يضرأ أو لا فلا جناح عليهما وقوله إن لم يضر: أي الفطم قبلهما بأن اكتفي عن اللبن بالطعام (قوله: ولاحدهما بعد حولين) أي ولاحدهما فطمه من غير رضا الآخر بعد مضي حولين، وذلك لاستكمال مدة الرضاع، ولم يقيده بعدم الضرر كالذي قبل نظرا للغالب، إذ لو فرض أن الفطم يضره بعدهما لضعف خلقته أو لشدة حر أو برد لزم الاب بذل أجرة الرضاع بعدهما حتى يجتزئ بالطعام وتجبر الام على إرضاعه بالاجرة إن لم يوجد غيرها، أفاده في التحفة (قوله: ولهما الخ) أي وللابوين الزيادة في الرضاع علي الحولين (قوله: حيث لا ضرر) أي بالزيادة عليهما فإن حصل ضرر له بالزيادة عليهما فليس لهما ذلك (قوله: لكن أفتى الحناطي) هو بحاء مهملة ونون معناه الحناط: كخباز، ويقال ومع فاعل وفعال فعل في وهو من صيغ النسب منسوب لبيع الحنطة.
قال ابن مالك ومع فاعل وفعال فعل في نسب أغنى عن اليافقبل لكن زادوا عليه ياء النسب لتأكيد النسبة، قال ابن السمعاني: لعل بعض أجداده كان يبيع الحنطة وهو أبو عبد الله الحسين له مصنفات كثيرة في الفقه وأصوله، اه.
ذكره الاسنوي في المهمات اه.
بجيرمي (قوله: بأنه يسن عدمها) أي الزيادة اقتصارا على الوارد، وقوله إلا لحاجة: أي فلا يسن عدمها والحاجة كشدة حر أو برد (قوله: ويجب على مالك إلخ) شروع في بيان نفقة المماليك من الارقاء وغيرهم، وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل، والمناسب تقديمه على الحضانة (قوله: كفاية رقيقه) أي لان السيد يملك كسبه وتصرفه فيه فتلزمه كفايته، والمعتبر كفايته في نفسه باعتبار حاله زهادة ورغبة، كما في نفقة القريب، ولا بد من مراعاة حال السيد أيضا يسارا وإعسارا فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس وخسيسه (قوله: إلا مكاتبا) أي فلا تجب كفايته على سيده ولو كانت الكتابة فاسدة لاستقلاله بالكسب.
نعم: إن عجز نفسه ولم يفسخ سيده كتابته فعليه كفايته، ومثل المكاتب الامة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا فلا تجب كفايتها على
السيد (قوله: ولو أعمى إلخ) غاية في وجوب كفاية الرقيق: أي تجب كفاية رقيقه ولو لم ينتفع السيد به كأن كان أعمى أو
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 233.(4/118)
زمنا: أي أو مستأجرا أو موصى بمنفعته أبدا أو معارا وذلك لخبرة للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، وخبر كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته رواهما مسلم.
وقيس بما فيهما ما في معناهما من سائر المؤن (قوله: ولو غنيا) في هذه الغاية نظر: إذ العبد لا يملك شيئا حتى أنه يتصف بالغني اللهم إلا أن يقال إنه قد يتصور أن يكون غنيا فيما إذا كان مبعضا وكان بينه وبين سيده مهايأة وملك ببعضه الحر ففي اليوم الذي لسيده تكون كفايته عليه ولو ملك أموالا كثيرة، أو يقال إن ذلك بحسب الظاهر بأن كان مأذونا له في التجارة، أو يقال أنه جاز على القول القديم بأنه يملك إذا ملكه سيده، وقوله أو أكولا: أي ولو كان كثير الاكل بحيث يزيد فيه على أمثاله فانه تجب كفايته (قوله: نفقة وكسوة) منصوبان على التمييز لقوله كفاية، ومثلهما سائر مؤنة حتى ماء طهارته ولو سفرا وتراب تيممه إن احتاجه (قوله: من جنس إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنفقة وكسوة.
أي نفقة وكسوة كائنين من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد.
(والحاصل) تجب كفايته من غالب قوت أرقاء البلد من قمح وشعير وذرة ونحو ذلك، ومن غالب أدمهم من سمن وزيت ومن غالب كسوتهم من قطن أو صوف ونحو ذلك.
فلا يجب أن يكون طعامه من طعام سيده، ولا أن يكون أدمه من أدم سيده، ولا أن تكون كسوته من كسوة سيده، ولكن يسن ذلك (قوله: ولا يكفي) أي في كسوة الرقيق ساتر العورة لان فيه إهانة وتحقيرا له (قوله: وإن لم يتأذ به) أي لنحو حر وبرد، وهو غاية لعدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: نعم إن اعتيد) أي ساتر العورة كبلاد السودان، وهو استدراك من عدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: كفى) أي سائر العورة.
وقوله إذ لا تحقير: علة له، قال في النهاية: فلو كانوا لا يستترون أصلا وجب ستر العورة لحق الله تعالى.
ويؤخذ من التعليل إن الواجب ستر ما بين السرة والركبة.
اه.
قال ع ش: أي ولو أنثى وينبغي أن محله إذا لم يرد إخراجها بحيث تراها الاجانب، وإلا وجب ستر جميع بدنها.
اه (قوله: وعلى السيد) المقام للاضمار ولو حذفه لكان أخصر ويكون قوله بعد ممن الخ معطوفا على نفقة وكسوة، وقوله ثمن دوائه: مثله سائر المؤن كماء طهارته، كما علمت (قوله: وكسب الرقيق) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي وكسب الرقيق يكون ملكا لسيده (قوله: ينفقه منه) أي ينفق عليه من كسبه، وقوله
إن شاء: أي الانفاق منه وإلا فمن غيره (قوله: ويسقط ذلك الخ) أي يسقط ما ذكر من النفقة والكسوة وثمن الدواء وأجرة الطبيب بمضي الزمان فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي بنفسه أو مأذونه، وقوله كنفقة القريب: أي قياسا على نفقة القريب بجامع وجوب الكفاية (قوله: ويسن أن يناوله إلخ) أي ويسن للسيد أن يعطى رقيقه مما يتنعم هو به، وذلك لخبر إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه وقوله من طعام إلخ: بيان لما يتنعم به (قوله: والافضل إجلاسه معه للاكل) أي ليتناول القدر الذي يشتهيه فإن لم يفعل أو امتنع هو من جلوسه معه توقيرا له فليروغ له في الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة أو لقمتين ثم يناوله لخبر الصحيحين إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكله أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه والمعنى فيه تشوف النفس لما تشاهده وهذا يقطع شهوتها.
اه.
نهاية.
وقوله فليروغ: أي يروى.
وقوله أحدكم: مفعول مقدم وخادمه فاعل مؤخر (قوله: ولا يجوز أن يكلفه) أي الرقيق للخبر السابق.
وقوله كالدواب: أي كما لا يجوز أن يكلف الدواب ما ذكر، وقوله عملا لا يطيقه: أي لا يطيق الرقيق الدوام عليه فيحرم عليه أن يكلفه عملا يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه، وكذلك الدواب يحرم عليه أن يحملها ما لا تطيق الدوام عليه (قوله: وإن رضي) أي بما لا يطيقه وهو غاية لعدم الجواز.
وقوله إذ يحرم عليه: أي الرقيق وهو علة لمحذوف: أي وإن رضي فلا يعتبر رضاه: إذ(4/119)
يحرم عليه أن يضر نفسه، وعبارة ع ش: وبقي ما لو رغب العبد في الاعمال الشاقة من تلقاء نفسه، فهل يجب على السيد منعه منها؟ فيه نظر.
والأقرب عدم الوجوب لانه الذي أدخل الضرر على نفسه، ويحتمل المنع لانه قد يؤدي إلى ضرر يجر إلى إتلافه أو مرضه الشديد، وفي ذلك تفويت مالية على السيد بتمكينه فينسب إليه فينزل منزلة ما لو باشر إتلافه.
اه (قوله: فإن أبى السيد إلا ذلك) أي تكليفه من العمل على الدوام ما لا يطيقه، وكذا لو حمله على كسب محرم، وقوله بيع عليه: أي باعه الحاكم قهرا عنه (قوله: إن تعين البيع طريقا) أي في خلاصه بأن لم يمتنع من تكليفه ذلك إلا به (قوله: وإلا أو جر عليه) أي وإن لم يتعين البيع طريقا أو جر عليه، وفي المغني ما نصه: تنبيه: قد علم مما تقرر أن القاضي إنما يبيعه إذا تعذرت إجارته كما ذكره الجرجاني وصاحب التنبيه وإن كان قضية كلام الروضة وأصلها أن الحاكم يخير بين بيعه وإجارته هذا في غير المستولدة، أما هي فيخليها للكسب أو يؤجرها ولا يجبر على عتق.
اه.
(قوله: أما في بعض الأوقات) مفهوم قوله على الدوام (قوله: فيجوز أن يكلفه عملا شاقا) قال في
فتح الجواد.
ويظهر أن محله إن أمن عاقبة ذلك الشاق بأن لم يخف منه محذور تيمم ولو نادرا وإن كان مآلا.
اه (قوله: ويبع العادة في إراحته الخ) عبارة الروض وشرحه: ويتبع السيد في تكليفه رقيقه ما يطيقه العادة في إراحته في وقت القيلولة والاستمتاع وفي العمل طرفي النهار ويريحه من العمل، أما الليل إن استعمله نهارا أو النهار إن استعمله ليلا وإن اعتادوا: أي السادة الخدمة من الارقاء نهارا مع طرفي الليل لطوله اتبعت عادتهم، وعلى العبد بذل الجهد وترك الكسل في الخدمة.
اه.
وقوله وقت القيلولة: الاولى كوقت القيلولة (قوله: والاستمتاع) أي وقت الاستمتاع: أي التمتع فيما إذا كان رقيقه مزوجا (قوله: وله منعه الخ) أي وللسيد أن يمنع رقيقه من صوم التطوع وصلاة التطوع، وعبارة فتح الجواد: وله منعه من نفل نحو صوم وصلاة بتفصيله السابق في الزوجة على الأوجه.
اه.
وقوله بتفصيله السابق: حاصل التفصيل الذي ذكره فيها إنه إذا كان الزوج حاضرا وليس به مانع وطئ وكان نحو الصوم نفلا غير راتب فله منعها منه بخلاف ما إذا كان غائبا أو به مانع كإحرام أو كان نحو الصوم فرضا أو كان نفلا راتبا فليس له في الجميع منعها ولا تسقط المؤن بفعله، وأنت خبير بأن التفصيل المذكور لا يظهر إلا في الأمة التي يريد الاستمتاع بها.
وفي شرح الروض في باب الصوم ما نصه: والامة المباحة لسيدها كالزوجة وغير المباحة كأخته والعبد إن تضررا بصوم التطوع لضعف أو غيره لم يجز بغير إذن، وإلا جاز ذكره في المجموع وغيره.
اه.
(قوله: وعلى مالك إلخ) أي ويجب على مالك علف، وهو بسكون اللام وبفتحها المعلوف، وذلك لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الارض بفتح الخاء وكسرها أي هوامها، وقوله دابته: أي التي لم يرد بيعها ولا ذبح ما يحل منها، كما في التحفة والنهاية، أما إذا أراد ذلك حالا بأن كان شارعا في البيع في الاولى ومتعاطيا لاسباب الذبح في الثانية فلا يجب عليه ذلك.
وقوله المحترمة: سيذكر محترزها (قوله: ولو كلبا محترما) هو غير العقور، وهو غاية في الدابة التي يجب على مالكها علفها.
وفيها نظر: إذ الكلب لا يمل ك وإنما تثبت عليه اليد كسائر الاختصاصات: فلو قال وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم لكان أولى.
واعلم: أن الكلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام عقور وهذا لا خلاف في عدم احترامه وندب قتله وما فيه نفع من اصطياد أو حراسة، وهذا لا خلاف في احترامه وحرمة قتله وما لا نفع فيه ولا ضرر وهذا فيه خلاف، ومعتمد الرملي فيه أنه محترم (قوله: وسقيها) عطف على علف أي وعليه سقيها أي وسائر ما ينفعها.
قال في النهاية: والواجب علفها وسقيها حتى تصل لاول الشبع والري دون غايتهما ويجوز غصب العلف لها وغصب الخيط لجراحتها ببدلها إن تعينا ولم يباعا، ثم
قال: ويجب على مالك النحل أن يبقى له من العسل في الكوارة قدر حاجتها إن لم يكفها غيره، وإلا فلا يلزمه ذلك، وإن(4/120)
كان في الشتاء وتعذر خروجها كان المبقى أكثر فإن قام شئ مقام العسل في غذائها لم يتعين العسل، قال الرافعي: وقد قيل يشوي دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فتأكل منها ويجب على مالك دود القز إما تحصيل ورق التوت ولو بشرائه، وإما تخليته لاكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة، ويجوز تشميسه عند حصول نوله وإن هلك به كما يجوز ذبح الحيوان.
اه (قوله: أن لم تألف إلخ) قيد في وجوب العلف عليه والسقي.
وقوله الرعي: أي والشرب في طريقها (قوله: ويكفها) هكذا وجد بالنسخ التي بأيدينا بصورة المجزوم وليس بظاهر، بل الصواب ويكفيها بصورة المرفوع وتكون الواو حالية، والمعنى هذا إن لم تألف الرعي حال كونه كافيا لها، وقوله وإلا: أي بأن ألفته حال كونه كافيا كفى إرسالها له عن العلف وقوله والشرب أي إن كان في مرعاها نحو غدير تشرب منه، وإلا لزمه السقي، كما هو ظاهر، وقوله حيث لا مانع: أي من الرعي والشرب كثلج أو سبع، فإن وجد مانع فلا يكفي إرسالها لذلك (قوله: فإن لم يكفها) أي الدابة المرسلة للرعي وقوله لزمه: أي المالك وقوله التكميل: أي تكميل كفايتها (قوله: فإن امتنع الخ) عبارة الخطيب: فإن امتنع المالك مما ذكر وله مال أجبرها الحاكم في الحيوان المأكول على أحد ثلاثة أمور: بيع له أو نحوها مما يزول ضرره به أو علف أو ذبح وأجبر في غيره على أحد أمرين: بيع أو علف.
ويحرم ذبحه لنهي عن ذبح الحيوان إلا لاكله فإن لم يفعل ما أمره الحاكم به ناب عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدابة أو جزءا منها أو إكراها عليه، فإن تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها.
اه.
وبها يعلم ما في عبارة الشارح حيث لم يفصل فيها بين من كان له مال ومن لم يكن له وحيث سكت عن الامر الثالث: أعني إجباره على العلف وعن حكم غير المأكول (قوله: فإن أبى) أي ما أخبره الحاكم به من إزالة ملكه أو الذبح (قوله: فعل الحاكم) أي بنفسه أو مأذونه.
وقوله الاصلح من ذلك: أي من إزالة الملك أو الذبح (قوله: ورقيق كدابة في ذلك كله) أي مما يتأتى فيه وهو أنه يجبر السيد على إزالة ملكه عنه إن امتنع من الإنفاق عليه، فإن أبى باعه الحاكم عليه.
وأما الذبح فلا يتأتى فيه ولو حذف لفظ التوكيد لكان أولى، بل قوله المذكور يغني عنه قوله المار في الرقيق فإن أبى السيد إلا ذلك بيع الخ (قوله: ولا يجب علف غير المحترمة) أي غير دابته المحترمة.
وانظر ما مفاد هذه الاضافة؟ لا يقال مفادها الاختصاص لانا نقول الفواسق لا تثبت عليها يد لاحد بملك ولا باختصاص.
تأمل.
شوبري، ويمكن أن يقال الاضافة تأتى لادنى ملابسة وما هنا كذلك.
اه.
بجيرمي.
وجمل، ومن الواضح أنه مع عدم
وجوب العلف عليه يمتنع عليه حبسها حتى تموت جوعا لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: وهي) أي غير المحترمة الفواسق الخمس، وبقد نظمها بعضهم فقال: خمس فواسق في حل وفي حرم يقتلن بالشرع عمن جاء بالحكم كلب عقور غراب حية وكذا حدأة فأرة خذ واضح الكلم وفي البجيرمي ما نصه: قال في المصباح الفسق أصله خروج الشئ على وجه الفساد وسميت هذه الحيوانات فواسق استعارة وامتهانا لهن لكثرة خبثهن وأذاهن.
اه.
ثم إن عبارة الشارح تقتضي حصر غير المحترم في الفواسق الخمس لانها جملة معرفة الطرفين، وليس كذلك: إذ بقي منها أشياء كالدب والنسر ونحوهما، فلو قال كالفواسق، بالكاف، لكان أولى (قوله: ويحلب مالك إلخ) قال في المختار حلب يحلب بالضم حلبا بفتح اللام وسكونها.
اه.
وقوله ما لا يضر: أي قدرا لا يضر بها، قوله ولا بولدها: أي ولا يضر بولدها: أي لانه غذاؤه ما في ولد الامة، بل قال الاصحاب لو كان لبنها دون غذاء ولدها، وجب عليه تكميل غذائه من غيرها، وإنما يحلب الفاضل عن ريه.
اه.
نهاية (قوله: وحرم ما ضر أحدهما) أي للنهي الصحيح عنه (قوله: ولو لقلة العلف) في التحفة تخصيص الغاية بما يضر الام،(4/121)
وهو الظاهر: أي ولا يحلب ما يضرها ولو كان الضرر الحاصل لها في الحلب بسبب قلة العلف، وعبارة الخطيب: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة علفها ولا ترك الحلب أيضا إذا كان يضرها فإن لم يضرها كره للاضافة اه (قوله: والظاهر ضبط الضرر) أي الذي يحرم ارتكابه في الحلب وقوله بما يمنع على حذف مضاف: أي بترك ما يمنع أي القدر الذي يمنع وأخذ ما عداه، وقوله من نمو أمثالهما: أي الولد وأمه، وإذا كان هذا هو ضابط الضرر يكون الواجب حينئذ عليه ترك القدر الذي ينمو به أمثالهما وأخذ ما عداه (قوله: وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت) انظر ما مرجع الضمائر البارزة؟ والظاهر أن الثاني والثالث يعودان على الولد المعلوم من المقام، وأما الاول فظاهر السياق أنه يعود على الضرر، وهو مشكل، إذ ضبطه حينئذ ليس بما يحفظه عن الموت، بل بما لا يحفظه، وإلا لنافاه قوله بعد المفرع عليه فالواجب الترك له إلخ، وعبارة شرح الروض: والواجب في الولد، كما قال الروياني، أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت.
قال في الأصل: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا قال الأذرعي، وهذا التوقف هو الصواب الموافق لكلام الشافعي والأصحاب.
اه.
ومثله في النهاية ونصها: قال الروياني والمراد أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت.
قال الرافعي: وقد يتوقف في الاكتفاء
بهذا الخ.
وكتب ع ش قوله وقد يتوقف الخ: فيقال يجب أن يترك له ما ينميه نمو أمثاله.
اه (قوله: ويسن أن لا يبالغ إلخ) أي لخبر دع داعي اللبن (قوله: وأن يقص) أي ويسن أن يقص أظفاره: أي لئلا يؤذيها.
قال في فتح الجواد: ويحرم حلبها مع طول ظفره إن آذاها.
اه (قوله: ويجوز الحلب إن مات الولد) محط الجواز قوله بأي حيلة كانت، وإلا فجواز الحلب قد علم من قوله سابقا ويحلب مالك الخ.
وقيد ذلك بموت الولد لان الغالب عند موته وذهاب اللبن أو قلته ما لم يتحايل على خروجه، والعرب يحشون جلده بتراب أو نحوه ويجعلونه أمامها يخيلون لها أنه حي كي لا يذهب لبها أو يقل (قوله: ويحرم التهريش بين البهائم) أي تسليط بعضها على بعض.
قال في القاموس: التهريش التحريك بين الكلاب، والإفساد بين الناس، والمهارشة تحريك بعضها على بعض.
اه (قوله: ولا يجب عمارة إلخ) لما أنهى الكلام على حكم ماله روح شرع في بيان حكم ما لا روح له، وحاصل الكلام على ذلك أن ما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارته لانتفاء حرمة الروح، وهذا إذا كان المالك له رشيد، أما إذا كان غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه وحفظ ثمره وزرعه، وكذا وكيل وناظر وقف، وإذا لم تجب العمارة لا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره، ويكره أيضا ترك سقي الزرع والشجر عند الامكان لما فيه من إضاعة المال.
فإن قيل: إضاعة المال تقتضي التحريم.
أجيب: بأن محل الحرمة حيث كانت الاضاعة ناشئة عن فعل كإلقاء متاع في البحر بلا خوف ورمي الدراهم في الطريق، بخلاف ما إذا كانت ناشئة عن ترك عمل كما هنا فإنها لا تحرم، ولكنها تكره، كما علمت (قوله: بل يكره تركه) أي التعمير المأخوذ من لفظ عمارة، وفي بعض نسخ الخط تركها، أي العمارة، وهو الأولى الموافق لما في التحفة.
وقوله إلى أن تخرب، بفتح الراء.
فإن قيل: إن العمارة التي يكره تركها لا تكون إلا لدار قد خرجت والغاية تفيد خلافه.
أجيب: بأن الفرض أن الدار التي يكره ترك عمارتها ليست خربة بالكلية، وإنما فيها بعض مواضع خربة تحتاج إلى إصلاح ولو ترك لخربت بالكلية بحيث تصير لا تصلح للسكنى.
وقوله بغير عذر متعلق بترك: أي يكره الترك لها بلا عذر، أما إذا كان بعذر، كأن لم توجد مؤن العمارة، فلا يكره تركها (قوله: كترك سقي زرع وشجر) أي فإنه يكره (قوله: دون(4/122)
ترك زراعة الارض وغرسها) أي فلا يكره (قوله: ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت) قال ع ش: بل قد تجب العمارة إن
ترتب على تركها مفسدة بنحو اطلاع الفسقة على حريمه مثلا.
قال في النهاية: والزيادة على العمارة خلاف الاولى وربما قيل بكراهتها، وفي صحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب وفي أبي داود كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبال يوم القيامة إلا ما أي إلا ما لا بد منه: أي ما لم ينفق بالانفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم.
اه.
وقوله مقصدا صالحا: ومنه أن ينتفع بغلته بصرفها في وجوه القرب أو على عياله.
اه.
ع ش (قوله: والاخبار الدالة إلخ) قال في الزواجر: أخرج ابن أبي الدنيا عن عمار بن ياسر قال: إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين: إلى أين؟ وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه؟ قال أصحابه هذه لفلان، رجل من الانصار، فسكت وحملها في نفسه حتى إذ جاء صاحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سلم عليه الناس، فأعرض عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب في وجهه والاعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه قال: والله إني لانكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا خرج فرأى قبتك، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالارض، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يرها.
قال ما فعلت القبة؟ قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما؟ أي إلا مالا بد منه.
اه.
ومن الاخبار ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يبني بيتا ويقول سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وعن ميسرة قال: ما بنى عيسى عليه السلام بنيانا قط، فقيل له ألا تبني بيتا؟ فقال لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به.
وعن ابن مطيع أنه نظر يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى، ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى حتى ارتفع صوته (قوله: محمولة) خبر الاخبار أي ما فيها (قوله: على من فعل ذلك) أي ما زاد على سبعة أذرع وقوله للخيلاء: اللام تعليلية متعلقة بفعل: أي فعله لاجل الخيلاء والتكبر على الناس، أما إذا كان لا لأجل ذلك فلا يمنع من الزيادة المذكورة (قوله: والله سبحانه وتعالى أعلم) أي من كل ذي علم، قال الله تعالى: * (وفوق كل ذي علم عليم) * أي حتى ينتهي الامر إلى الله سبحانه وتعالى فهو أعلم من كل ذي علم، وكأن المصنف قصد بذلك التبري من دعوى الاعلمية، ففي باب العلم من صحيح البخاري في قصة موسى مع الخضر مع نبينا وعليهما الصلاة والسلام ما يقتضي طلب ذلك حيث سئل موسى عن أعلم الناس، فقال أنا، فعتب الله عليه: إذ لم يرد العلم إليه، أي كأن يقول: الله أعلم، وفي القرآن العظيم: الله أعلم حيث يجعل رسالته ويسن لمن سئل عما لا يعلم: أن يقول: الله ورسوله أعلم.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام ويكره للانسان أن يدعو على نفسه أو على ولده أو ماله أو خدمه.
لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيها عطاء فيستجيب له وأما خبر إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه فضعيف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة يوسف، الاية: 76.
(2) سورة الانعام، الاية: 124.(4/123)
باب الجناية
أي في بيان أحكامها: كوجوب القود والدية، والتعبير بها أولى من تعبير بعضهم بالجراح، وذلك لانه يخرج القتل بالسحر ونحوه كالخنق، ويخرج إزالة المعاني كالسمع، فيقتضي أن الحكم فيها ليس كالحكم في الجراح، وليس كذلك، وقد تقدم حكمه تأخير الجنايات عن المعاملات والمناكحات، والمراد بها هنا الجنايات على الابدان وأما الجناية على الاموال والاعراض والانساب وغيرها فستأتي في كتاب الحدود والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * وخبر لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة وشرع القصاص في الجنايات حفظا للنفوس لان الجاني إذا علم أنه إذا جنى يقتص منه انكف عن الجناية، فيترتب على ذلك حفظ نفسه ونفس المجني عليه، كما شرعت الحدود الآتية حفظا للانساب والعقول والاموال والاديان، ثم إن مذهب أهل السنة والجماعة أن القتل لا يقطع الاجل، وأن من قتل مات بأجله، خلافا للمعتزلة في قولهم القتل يقطع الاجل متمسكين بخبر إن المقتول يتعلق بقاتله يوم القيامة ويقول: يا رب ظلمني وقتلني وقطع أجلي وهو متكلم في إسناده، وبتقدير صحته فهو منظور فيه للظاهر من أنه لو لم يقتل لاحتمل أن يعيش، أو محمول على مقتول سبق في علم الله تعالى أنه لو لم يقتل لكان يعطى أجلا زائدا.
قال صاحب الجوهرة: وميت بعمره من يقتل وغير هذا باطل لا يقبل (قوله: من قتل وقطع) بيان للجناية، وقوله وغيرهما: أي كالجرح الذي لا يزهق وإزالة المعاني كالسمع والبصر ونحوهما (قوله: والقتل ظلما) هو ما كان عمدا بغير حق (قوله: أكبر الكبائر بعد الكفر) أي لخبر سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب
أعظم عند الله؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك.
قيل ثم أي؟ قال في أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك رواه الشيخان.
وخبر لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها رواه أبو داود بإسناد صحيح.
واعلم، أن توبة القاتل تصح منه لان الكافر تصح توبته فهذا أولى، لكن لا تصح توبته إلا بتسليم نفسه لورثة القتيل ليقتصوا منه أو يعفوا عنه على مال ولو غير الدية أو مجانا فإذا تاب توبة صحيحة وسلم نفسه لورثة القتيل راضيا بقضاء الله تعالى عليه فاقتصوا منه أو عفوا عنه سقط عنه حق الله بالتوبة، وحق الورثة بالقصاص أو بالعفو عنه وأما حق الميت فيبقى متعلقا بالقاتل لكن الله يعوضه خيرا ويصلح بينهما في الآخرة، فإن لم يتب ولو يقتص منه بقيت عليه الحقوق الثلاثة ثم إذا أصر على ذلك إلى أن مات فلا يتحتم عذابه بل هو في خطر المشيئة، كسائر أصحاب الكبائر غير الكفر، فإن شاء الله غفر له وأرضى الخصوم وإن شاء عذبه لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وإن عذبه لا يخلد في النار.
وأما قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * فمحمول على المستحل
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 178.
(2) سورة النساء، الاية: 48.
(3) سورة النساء، الاية: 93.(4/124)
لذلك، أو المراد بالخلود فيه: المكث الطويل، فإن الدلائل تظاهرت على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم (قوله: وبالقود) أي القصاص، وهو متعلق بالفعل الذي بعده.
وقوله أو العفو: أي على مال أو مجانا.
وقوله لا تبقى مطالبة أخروية.
هذا إذا تاب عند تسليم نفسه للقود أو عند العفو عنه من الورثة توبة صحيحة، وإلا بقيت عليه المطالبة من الله، كما علمت أن الحقوق ثلاثة: حق الله تعالى، وحق الورثة، وحق المقتول.
والحق الاول لا يسقط إلا بتوبة صحيحة (قوله: والفعل) أي جنس الفعل بدليل الاخبار عنه بثلاثة، والمراد بالفعل ما يشمل القول كشهادة الزور وكالصياح، وقوله المزهق: أي المخرج للروح وهذا القيد لا مفهوم له لان غير المزهق تأتي فيه الثلاثة الاقسام التي ذكرها، وعبارة شرح المنهج: هي أي الجناية على البدن سواء كانت مزهقة للروح أو غير مزهقة من قطع نحوه ثلاثة الخ.
وقوله ثلاثة: أي ولا رابع لها، ووجه ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه بأن لم يقصد الجناية أصلا كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله أو قصد الجناية على زيد فأصاب عمرا فهو الخطأ المحض سواء كان بما يقتل غالبا أو لا، وأن قصد عين المجني عليه فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد المحض، وإن كان بما لا يقتل غالبا فهو شبه العمد.
قال ابن رسلان في زبده:
فعمد محض هو قصد الضارب شخصا بما يقتله في الغالب والخطأ الرمي لشاخص بلا قصد أصاب بشرا فقتلا ومشبه العمد بأن يرمي إلى شخص بما في غالب لن يقتلا (قوله: عمد) أي محض، وقوله وشبه عمد: ويقال لهذا عمد خطأ وخطأ عمد وخطأ شبه عمد وحقيقته مركبة من شائبة العمد وشائبة الخطأ، وقوله وخطأ أي محض (قوله: لا قصاص إلا في عمد) أي للاجماع (قوله: بخلاف شبهه) أي العمد فلا قصاص فيه: لخبر إلا أن في قتيل عمد الخطأ، قتيل السوط والعصا مائة من الإبل وقوله والخطأ أي وبخلاف الخطأ فلا قصاص فيه لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * (قوله: وهو) أي العمد، وقوله قصد فعل: أي قتل وخرج به ما إذا لم يقصد كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله فلا قصاص فيه لانه خطأ.
وقوله ظلما.
الأولى حذفه لأنه سيذكر شروط القصاص كلها ويذكره معها والمراد كونه ظلما من حيث الاتلاف، فخرج ما إذا قصده بحق كالقتل قودا أو دفعا لصائل أو لباغ أو بغير حق لكن لا من حيث الاتلاف، أي إزهاق الروح، كأن استحق حز رقبته فقده نصفين فإنه لا قود فيهما بل هو في الاول جائز وفي الثاني وإن كان غير جائز لكنه من حيث العدول عن الطريق المستحق إلى غيره لا من حيث الاتلاف (قوله: وعين شخص) معطوف على فعل.
أي وقصد عين شخص أي ذاته، وخرج به ما لو قصد إصابة زيد مثلا فأصاب السهم عمرا فلا يلزمه القود لأنه لم يقصد عين المصاب (قوله: يعني الانسان) أي أن المراد بالشخص الانسان لا ما يشمل الانسان وغير، وقوله إذ لو قصد الخ: تعليل لكون المراد من الشخص الانسان: أي وإنما كان المراد من الشخص الانسان، لا مطلق شخص، لانه لو قصد شخصا ظنه ظبية أو نخلة أو نحوهما فرماه ثم تبين أنه إنسان كان قتله له خطأ لا عمدا لانه وإن قصد الشخص الذي هو الظبية ولم يقصد الانسان المصاب وفي هذا التعليل نظر لأنه يقتضي أنه إذا قصد إنسانا عند الرمي وأصاب إنسانا آخر غيره كان عمدا مع أنه خطأ كما تقدم.
إذا علمت ذلك فكان المناسب أن يقيد الانسان المفسر للشخص بالمصاب ويأتي بدل صورة التعليل المذكور بصورة التفريع بأن يقول فلو قصد شخصا الخ.
والصورة المعلل بها خارجة بقوله قصد عين شخص، وذلك لأنه إذا رمى شخصا على زعم أنه ظبية ثم تبين أن المصاب المرمي إنسان فهو لم يقصد عين المصاب وقت الرمي كالصورة المتقدمة.
__________
(1) سورة النساء، الاية: 92.(4/125)
تأمل (قوله: بما يقتل) متعلق بقصد: أي قصده بما يقتل أي بشئ يقتل في الغالب ولو بالنظر لبعض المحال كغرز الابرة في المقتل، وعلم منه بالأولى ما لو قصده بما يقتل قطعا.
وخرج به ما لو قصده بما يقتل لا غالبا بأن كان نادرا كغرز إبرة الخياط بغير مقتل ولم يظهر لها أثر أو لا غالبا ولا نادرا بأن كان على حد سواء كضرب غير متوال في غير مقتل فإنه شبه عمد ولا قود فيه كما سيصرح به (قوله: جارحا كان) أي الشئ الذي يقتل (قوله: كغرز إبرة الخ) تمثيل للجارح.
والمراد كالابرة، كما في البجيرمي عن زي إبرة الخياط، أما المسلة التي يخاط بها الظروف، فهي مما يقتل غالبا مطلقا سواء كان في مقتل أو لا، وقوله بمقتل: مصدر ميمي أريد به المكان، ومثله ما لو غرزها في بدن نحو هرم أو نحيف أو صغير أو كانت مسمومة وغرزها في كبير، وقوله كدماغ الخ: تمثيل للمقتل، وفي المغني المقتل، بفتح المثناة الفوقية واحد المقاتل، وهي المواضع التي إذا أصيبت قتلت كعين ودماغ وأصل أذن وحلق وثغرة نحر إلخ.
اه.
وقوله وخاصرة: هي ما بين رأس الورك وآخر ضلع في الجنب، ومثله الخصر والكشح، وقوله وإحليل: وهو مخرج البول من ذكر الانسان واللبن من الثدي.
وقوله ومثانة: هي موضع الولد أو موضع البول.
أفاد ذلك كله في القاموس، وقوله وعجان بكسر العين (قوله: وهو) أي العجان المحل الذي بين الخصية والدبر (قوله: أو لا) أي أو لا يكون جارحا (قوله: كتجويع إلخ) تمثيل لما لا يكون جارحا (قوله: وسحر) أي وكسحر فإذا قتل به اقتص منه وفي التحفة ما نصه ومر قبيل هذا الكتاب أنه لا ضمان على القاتل بالعين وإن تعمد ونقل الزركشي عن بعض المتأخرين أنه أفتى بأن لولي الدم قتل ولي قتل مورثه بالحال لان فيه اختيارا كالساحر وحينئذ فينبغي أن يأتي فيه تفصيله اه.
وفيه نظر، بل الذي يتجه خلافه لأن غايته أنه كعائن تعمد وقد اعتيد منه دائما قتل من تعمد النظر إليه على أن القتل بالحال حقيقة إنما يكون لمهدر لعدم نفوذ حاله في محرم إجماعا.
اه.
وقوله تفصيله أي الساحر وهو أنه إذا قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فيكون عمدا فيه القود وإن كان يقتل نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ وفيهما الدية على العاقلة (قوله: وقصدهما) مبتدأ خبره شبه عمد (قوله: أي الفعل والشخص) تفسير لضمير قصدهما، قال في التحفة والنهاية: وإن لم يقصد عينه.
اه (قوله: بغيره) متعلق بقصد: أي قصدهما بغير الشئ الذي يقتل في الغالب (قوله: شبه عمد) أي يقال له شبه عمد واعترض في المغنى على ضابطه المذكور فقال: يرد على طرده التعزير ونحوه فإنه قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا وليس شبه عمد بل خطأ وعلى عكسه ما لو قال الشاهدان الراجعان لم نعلم أنه يقتل بقولنا وكانا ممن يخفى عليهما ذلك فحكمه حكم شبه العمد مع وجوب قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبا.
اه (قوله: سواء أقتل كثيرا) تعميم في غير الذي يقتل
في الغالب، وأفاد به أن الكثرة لا تنافي عدم الغلبة وهو كذلك.
إذ قد يكون الشئ كثيرا في نفسه وليس بغالب، وقوله أم نادرا أي أم قتل نادرا لكن بحيث يكون سببا في القتل وينسب إليه القتل عادة لا نحو قلم مما لا ينسب إليه القتل عادة لان ذلك مصادفة قدر فلا شئ فيه، لا قود ولا دية ولا غيرهما، وقد أفاد الشارح هذا القيد بالتمثيل بقوله بعد كضربة يمكن عادة الخ (قوله: كضربة الخ) تمثيل للنادر لان الضربة الواحدة يندر القتل بها ولم يمثل للكثير، ومثاله نحو الضرب الكثير غير المتوالي في غير مقتل كما تقدم وقوله يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، كما إذا كانت بنحو سوط (قوله: بخلافها) أي الضربة وقوله بنحو قلم كثوب أو منديل (قوله: أو مع خفتها) أي أو كانت الضربة بنحو عصا مثلا لكن كانت خفيفة جدا (قوله: فهدر) أي لا شئ فيها، لا قصاص ولا دية ولا غيرهما (قوله: ولو غرز إبرة إلخ) المقام للتفريع.
وحاصل مسألة الابرة أنه إن غرزها في مقتل أو في بدن نحيف أو صغير فعمد مطلقا وإن لم يكن معه ألم فإن غرزها في غير ذلك كبدن كبير فإن تألم بذلك فعمد أيضا وإلا فشبه عمد وإن غرزها فيما لا يؤلم كجلدة عقب فهدر لعلمنا بأنه لم يمت به والموت(4/126)
عقبه موافقة قدر، وقد علمت المراد بالابرة فلا تغفل (قوله: كألية وفخذ) تمثيل لغير المقتل (قوله: وتألم حتى مات) أي تألم تألما شديدا دام به حتى مات (قوله: وإن لم يظهر أثر) إن شرطية جوابها قوله فشبه عمدا، والانسب بما قبله وإن لم يتألم (قوله: ومات حالا) أي أو بعد زمن يسير: أي عرفا فيما يظهر.
اه.
تحفة (قوله: فشبه عمد) قال في التحفة: كالضرب بسوط خفيف.
اه (قوله: ولو حبسه الخ) الانسب تأخير هذه المسألة وذكرها في التنبيه الآتي لان منع الطعام والشراب من أسباب الهلاك لا من مباشرته.
وقوله كأن أغلق بابا عليه: مثال للحبس، والاغلاق ليس بقيد، بل مثله ما لو لم يغلقه ووضع عليه حارسا يمنعه من ذلك.
وقوله ومنعه الخ: عطف على جملة حبسه قال في النهاية: وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه وإن علم هلاكه به وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام خوف عطش أو من طلب ذلك: أي وقد جوز إجابته لذلك فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان حيث كان حرا لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية.
قال الفوراني: وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه، أما الرقيق فيضمنه باليد.
اه.
وقوله الطعام والشراب: أي معا: وقوله أو أحدهما: أي أو منعه أحدهما، أي الطعام أو الشراب، ومثل منعه من الطعام أو الشراب منعه من اللباس، كما في المدابغي، وسأنقل لك عبارته (قوله: والطلب لذلك) معطوف على الطعام والشراب: أي ومنعه الطلب للطعام والشراب (قوله: حتى مات إلخ) أي حبسه ومنعه من ذلك إلى أن مات
بالجوع أو بالعطش أو بكليهما (قوله: فإن مضت مدة) أي من ابتداء منعه إلى موته وهو جواب لو، وقوله بموت مثله: أي المحبوس الممنوع من الطعام والشراب، وقوله فيها: أي في تلك المدة، وقوله جوعا أو عطشا: أي يموت بالجوع وبالعطش، فهما منصوبان بإسقاط الخافض (قوله: فعمد) أي ففعله المذكور عمد موجب للقود، وقوله لظهور الخ: علة لكونه عمدا وقوله به: أي بالفعل المذكور من الحبس ومنع الطعام والشراب: أي ولما كان قصد الاهلاك بالفعل المذكور ظاهرا أحيل الهلاك عليه (قوله: ويختلف ذلك) أي المدة التي يحصل الموت فيها غالبا عند منع الطعام والشراب، وذكر اسم الاشارة باعتبار تأويلها بالمذكور أو بالزمن، وعبارة شرح المنهج، وتختلف المدة باختلاف حال الممنوع قوة وضعفا والزمن حرا أو بردا ففقد الماء في الحر ليس كهو في البرد.
اه (قوله: باختلاف حال المحبوس) متعلق بيختلف، وقوله والزمن معطوف على حال: أي وباختلاف الزمن (قوله: قوة) أي وضدها وهو راجع لحال المحبوس، وقوله وحرا: أي وضده وهو راجع للزمن (قوله: وحد الاطباء الجوع) أي ضبطوا زمنه.
وقوله باثنين وسبعين ساعة: أي فلكية وهي ثلاثة أيام بلياليها.
اه.
رشيدي (قوله: فإن لم تمض المدة المذكورة) أي التي يموت فيها غالبا مثله (قوله: ومات) أي المحبوس الممنوع من الطعام والشراب مدة لا يموت مثله غالبا فيها (قوله: فإن لم يكن إلخ) جواب أن وقوله جوع أو عطش سابق: أي على الحبس والمنع المذكورين (قوله: فشبه عمد) أي لأن ما ذكر لا يقتل غالبا.
قال في التحفة والنهاية: وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها.
اه (قوله: فيجب نصف ديته) لا يصح تفريعه على ما قبله لان شبه العمد يجب فيه دية كاملة كالخطأ، ثم ظهر من عبارة التحفة مع الاصل أن في عبارة الشارح سقطا من النساخ بعد قوله فشبه عمد وقبل قوله فيجب نصف ديته ونصهما لتعرف ذلك السقط بعده فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإن كان بعد جوع وعطش سابق وعلم الحابس الحال فعمد لشمول حده السابق له وإلا يعلم الحال فلا يكون عمدا في الأظهر لأنه لم يقصد الهلاك، ولو أتى بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك(4/127)
بالامرين.
اه.
بتصرف.
وقوله بالامرين: هما الجوع أو العطش السابق على الحبس، والجوع أو العطش الواقع بعده فاعتبر للسابق نصف الدية وللاحق نصفها والواقع من الحابس هو الثاني فوجب عليه النصف.
ومثلهما عبارة المدابغي على الخطيب ونصها: فرع: من حبس آدميا ومنعه الزاد والماء أو عراه فمات فإن كان زمنا يموت فيه غالبا جوعا أو عطشا أو برد فعمد أو لا يموت فيه، فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإلا فإن حبسه زمنا إذا ضم للاول مات وعلم
سابق جوعه وعطشه فعمد محض وإن جهل وجب نصف دية شبه العمد، فلو أطمعه وسقاه حتى مات ضمنه إن كان عبدا لا حرا أو أخذ زاده أو ماءه أو ثيابه بمفازة فمات جوعا أو عطشا أو بردا هدر.
اه (قوله: تخويفا له) مفعول لأجله: أي أشار إليه بسكين لاجل أن يخوفه (قوله: فسقطت) أي السكين، وقوله عليه: أي على الانسان المشار إليه، وقوله من غير قصد متعلق بسقطت.
أي سقطت لا بقصد السقوط بأن انفلتت من يده (قوله: إلى أنه عمد) متعلق بمال: أي مال إلى أن فعله المذكور عمد، فإذا مات وجب القود (قوله: وفيه نظر) أي في كونه عمدا نظر لأنه لم يقصد عينه: أي المشار إليه المصاب، وقوله بالآلة: أي بسقوطها عليه كما في ع ش وعبارته: قوله لأنه الخ، فيه نظر، فإنه حيث أشار كان قاصدا عينه بالاشارة.
نعم: خصوص الاشارة التي وجدت منه لا تقتل غالبا، وسقوط السكين من يده لم يقصده، ويمكن حمل كلام الشارح على هذا بأن يقال لم يقصد عينه بسقوط الآلة.
اه (قوله: فالوجه أنه غير عمد) أي بل هو شبه عمد لانه قصد الفعل، وهو التخويف الذي لا يقتل غالبا (قوله: يجب قصاص بسبب) هو ما يؤثر في تحصيل ما يؤثر في التلف كالاكراه فإنه يؤثر داعية القتل في المكره، وهذه الداعية تؤثر في التلف، وخرج به الشرط فإنه لا يؤثر في الفعل ولا يحصله بل يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كحفر بئر مع التردي فيها فإن المفوت هو التخطي جهته والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر، ومن ثم لم يجب فيه قود مطلقا، ثم السبب تارة يكون حسيا كالاكراه، وتارة يكون عرفيا كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف، وتارة يكون شرعيا كشهادة الزور وقوله كمباشرة الكاف للتنظير: أي نظير مباشرة القتل فإنه يجب بها القصاص وهي ما أثر في التلف وحصله، فتحصل أن المباشرة ما ذكر وإن السبب ما أثر في التلف فقط، ولم يحصله ومنه منع الطعام السابق، والشرط ما لا يؤثر فيه ولا يحصله، وتقدم المباشرة على السبب، ثم هو على الشرط - كما سيذكره (قوله: فيجب) أي القصاص وقوله على مكره، بكسر الراء، أي مكره إنسانا بأن يقتل آخر معينا سواء كان إماما أو متغلبا، ومنه آمر خيف من سطوته لو خولف فأمره كالاكراه.
ويشترط لوجوب القصاص عليه أن يكون عالما بأن المقتول آدمي سواء علم به المكره، بفتح الراء، أم لا، وشرط لوجوبه على المكره، بفتح الراء، أن يكون عالما به أيضا سواء علم به المكره بكسر الراء أم لا فلا يتوقف وجوب القصاص على علمهما به معا.
والحاصل: أن المكره والمكره إما أن يكونا عالمين بأن المقتول آدمي أو جاهلين به، أو الاول عالما والثاني جاهلا أو بالعكس، فيجب القود على كل منهما في الصورة الأولى، وتجب الدية على عاقلتهما في الثانية لانه خطأ، ويجب القود على المكره، بكسر الراء، وحده في الثالثة، وعلى عاقلة المكره - بفتحها - نصف الدية، والرابعة بعكس الثالثة.
وقوله بغير حق: خرج به ما إذا أبره الامام آخر على قتل من استحق القتل فلا شئ فيه أصلا (قوله: بأن قال اقتل هذا) أي إشارة لآدمي علمه، كما علمت، وخرج بقوله هذا المشار به لمعين ما لو قال له اقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها، وما لو قال له اقتل زيدا أو عمرا فقتلهما أو أحدهما فلا قصاص على المكره - بكسر الراء - لأنه ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به في الصورة الأولى، فكأنه اختار قتل نفسه ولتفويض تعيين عين المقتول إلى المكره بفتح الراء في الثانية فصار له اختيار في القتل، فالقود يكون عليه (قوله: وعلى مكره أيضا) أي ويجب القصاص أيضا على مكره، بفتح الراء،(4/128)
لكن بشرط علمه بأن المقتول آدمي، كما علمت.
قال في التحفة: وقيد البغوي وجوب القود عليه بما إذا لم يظن أن الاكراه يبيح الاقدام، وإلا لم يقتل جزما، وأقره جمع لان القصاص يقسط بالشبهة ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا أمكن خفاء ذلك عليه.
اه.
وإنما وجب القصاص عليه مع أنه مكره لانه آثر نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كالمضطر الذي قتل غيره ليأكله فإن عليه الضمان، وقيل لا قصاص عليه لعموم خبر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (قوله: وعلى من ضيف إلخ) أي ويجب القصاص أيضا على من ضيف بمسموم، ومثل التضييف به دس السم في طعام المقتول، وقوله بمسموم يقتل غالبا: عبارة التحفة: بمسموم يعلم كونه يقتل غالبا فأفادت أنه لا بد من علم المضيف بذلك فلو لم يعلم به فلا قود، وخرج بقوله غالبا ما إذا كان يقتل لا غالبا ففيه الدية لا القود.
وقوله غير مميز: أي صبيا كان أو مجنونا، وهو مفعول ضيف (قوله: فإن ضيف به) أي بالمسموم الذي يعلم أنه يقتل غالبا، وقوله مميزا: سواء كان بالغا أم لا (قوله: أو دسه) أي السم.
وقوله في طعامه: أي المميز.
وخرج به ما لو دسه في طعام نفسه فأكل منه من يعتاد الدخول له وقتله فإنه هدر.
وقوله الغالب أكله منه: أي الذي يغلب أكل المميز من ذلك الطعام.
قال سم: هذا القيد وقع في المنهاج وغيره من كتب الشيخين ولم يذكره الاكثرون وهو تقييد لمحل الخلاف المذكور حتى يتأتى القول بوجوب القصاص، وإلا فدية شبه العمد واجبة مطلقا، سواء كان الغالب أكله منه أو لا، خلافا لما ذكره كثير من الشراح من إهداره إذا لم يكن الغالب أكله منه.
نبه على ذلك شيخنا الشهاب الرملي.
فقول الشارح الآتي فهدر ممنوع.
اه.
(قوله: فأكله جاهلا) أي بأن فيه سما وخرج به ما لو أكله عالما به ومات فإنه يكون هدرا (قوله: فشبه عمد) لا يخفى أن هذا لا يصدق عليه حد شبه العمد المتقدم لأنه تقدم أن يكون بما لا يتلف غالبا، إلا أن يكون ذاك مخصوصا بالآلة وهذا في السبب.
تأمل.
ح ل.
بجيرمي (قوله: فيلزمه ديته) أي دية شبه العمد (قوله: ولا قود) أي على المضيف أو الداس للسم (قوله:
لتناوله الطعام باختياره) هذا هو الفارق بينه وبين غير المميز (قوله: وفي قول قصاص) أي وفي قول يجب قصاص على المضيف أو الداس للسم (قوله: لتغريره) أي من ذكر من المضيف أو الداس: أي للتغرير الحاصل منه للمميز الآكل فهو كالاكراه.
وفرق بأن في الاكراه إلجاء دون هذا (قوله: وفي قول لا شئ) أي لا قصاص ولا دية (قوله: تغليبا للمباشرة) قال في النهاية: ورد بأن محل تغليبها حيث اضمحل السبب معها كالممسك مع القاتل، ولا كذلك هنا.
اه.
وقوله كالممسك مع القاتل: يعني إذا أمسك شخص آخر فجاء آخر وقتله فالقصاص على القاتل لا على الممسك تغليبا للمباشرة (قوله: وعلى من ألقى) من واقعة على المميز القادر على الحركة، ومفعول ألقى محذوف.
والمعنى: يجب القصاص على مميز قادر على الحركة ألقى غيره وقوله في ماء: أي جار أو راكد، ومثل الماء النار، ولو قال، كما في المنهج، فيما لا يمكنه التخلص منه لكان أولى، وقوله مغرق: أي لمثله وخرج به ما لو ألقاه في ماء غير مغرق: كماء منبسط يمكنه الخلاص منه عادة فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فإنه هدر لا ضمان فيه ولا كفارة لانه المهلك لنفسه، وقوله لا يمكنه التخلص منه: أي من الغرق فيه كلجة وقت هيجانها.
وقوله بعوم: الباء سببية متعلقة بالتخلص.
وقوله أو غيره: أي غير العوم (قوله: وإن التقمه حوت) غاية في وجوب القصاص: أي يجب القصاص على الملقى وإن التقم الملقى بفتح القاف حوت.
وقوله ولو قبل وصوله للماء: أي ولو وقع التقام الحوت له قبل أن يصل الماء (قوله: فإن أمكنه تخلص) مفهوم قوله لا يمكنه التخلص منه، وقوله ومنعه منه: أي التخلص بذلك، وقوله عارض: أي بعد الالقاء، فإن كان العارض موجودا عند الالقاء فالقصاص.
ح ل.
وقوله كموج وريح: تمثيل للعارض.
وقوله فهلك: أي الملقى (قوله: فشبه عمد) أي فالفعل المذكور وهو الالقاء شبه عمد (قوله: ففيه ديته) مفرع على كونه شبه عمد: أي فيلزمه في(4/129)
هلاك من أمكنه التخلص ومنعه منه عارض دية شبه العمد (قوله: وإن أمكنه) أي التخلص، وقوله فتركه الخ: أي فتركه لا لعارض بل خوفا أو عنادا (قوله: فلا دية) أي على الملقى ولا كفارة عليه أيضا.
قال في التحفة والنهاية: لانه الملك لنفسه، إذ الأصل عدم الدهشة، ومن ثم لزمته الكفارة.
اه.
وقوله لزمته: أي لزمت من أمكنه التخلص وتركه الكفارة لقتله نفسه.
اه.
ع ش.
(قوله: فرع) الأولى فرعان لانه ذكرهما الأول قوله لو أمسكه الخ، الثاني قوله ولا قصاص الخ.
(قوله: لو أمسكه شخص الخ) مثله ما لو ألقاه من مكان عال فتلقاه آخر بسيف وقده نصفين أو حفر بئرا فرداه فيها آخر، فالقصاص على القاد والمردي (قوله: ولو للقتل) أي ولو كان إمساكه لاجل قتله والغاية للرد على الإمام مالك
رضي الله عنه القائل أنه إذا أمسكه للقتل يكون القصاص عليهما لانه شريك.
اه.
بجيرمي وقوله فالقصاص على القاتل: أي الاهل للضمان أما غير الاهل كمجنون أو سبع ضار أو حية فلا أثر له لانه كالآلة والقود على الممسك (قوله: ولا قصاص على من أكره) من واقعة على المكره - بكسر الراء - والفعل مبني للمعلوم، ومفعوله محذوف: أي على الذي أكره غيره، وقوله على صعود شجرة، أي أو على نزول بئر (قوله: فزلق) أي فصعد الشجرة فزلق وفي المصباح زلقت القدم زلقا من باب تعب لم تثبت حتى سقطت.
اه (قوله: بل هو) أي إكراهه على صعود الشجرة شبه عمد لأنه لا يقصد به القتل غالبا، وقيل هو عمد فيجب القصاص لتسببه في قتله فأشبه ما لو رماه بسهم (قوله: إن كانت) أي الشجرة، وهو قيد لكونه شبه عمد، وقوله مما يزلق أي من الشجر الذي يزلق على مثلها في الغالب، وقال سم: المعتمد أنه شبه عمد وإن لم تزلق غالبا والتقييد بالازلاق غالبا لاجل الضعيف، وهو أن ذلك عمد.
م ر.
اه (قوله: وإلا فخطأ) أي وإن لم تكن مما يزلق على مثلها، فهو خطأ، وسيأتي بيان ما يترتب على الخطأ وشبه العمد (قوله: وعدم قصد أحدهما) أي أو عدم قصدهما معا: أي الفعل وعين الشخص والمثال الاول من مثاليه يصلح له (قوله: بأن لم يقصد الفعل إلخ) تصوير لعدم قصد أحدهما.
واعلم: أنه يلزم من عدم قصد الفعل عدم قصد الشخص، إذ يستحيل فقد قصد الفعل دون فقد قصد الشخص وإن كانت عبارته تفيد خلافه (قوله: كأن زلق إلخ) تمثيل لعدم قصد الفعل (قوله: أو قصده) أي الفعل فقط ولم يقصد الشخص (قوله: كأن رمى الخ) تمثيل لقصد الفعل فقط، ومثله من رمى زيدا فأخطأ السهم وأصاب عمرا، أو رمى إنسانا ظنه شجرة فبان إنسانا فهو خطأ في الصورتين لأنه لم يقصد عين الشخص المصاب، وقوله لهدف: هو الغرض الذي يرمي إليه، ويسمى بالنيشان.
قال في المصباح: الهدف بفتحتين كل شئ عظيم مرتفع، ويطلق أيضا على الغرض.
اه (قوله: فخطأ) الاولى حذف الفاء كما حذفها من سابقه لانه خبر، وهو لا تدخل عليه الفاء إلا بشروط مفقودة هنا (قوله: ولو وجد بشخص إلخ) شروع في بيان حكم الجناية من اثنين، وقد ترجم له في المنهاج بفصل مستقل (قوله: أي حال كونهما الخ) أفاد أن متعلقة بمحذوف حال من شخصين، وفيه مجئ الحال من النكرة وهو ضعيف، وأفاد أيضا أنها تدل على الاتحاد في الزمن وفيه خلاف فجوزه ثعلب ومن تبعه ومنعه ابن مالك محتجا بقول إمامنا رضي الله عنه في أن من قال لزوجتيه إن ولدتما معا فأنتما طالقان أنه لا يشترط في وقوع الطلاق الاقتران بالزمن، وبعضهم حمل قول ابن مالك على ما إذا لم توجد قرينة فإن وجدت دلت على الاقتران في الزمان والقرينة هنا قد وجدت وهي قوله بعد أو وجدا به مرتبا، وقوله
بأن تقارنا في الاصابة: أي وإن لم يتقارنا في ابتداء الرمي (قوله: فعلان) نائب فاعل وجد، وقوله مزهقان للروح: أي مخرجان لها (قوله: مذففان) بكسر الفاء المشددة.
وقوله: أي مسرعان تفسير لمذففان، إذ التذفيف الاسراع (قوله: كجز(4/130)
للرقبة) أي صادر من أحدهما، وقوله وقد للجثة: أي صادر من الآخر لكن الفعلان وقعا معا (قوله: أولا) أي أو لم يوجد منهما فعلان مذففان فقول الشارح أي غير مذففين: حل معنى، ولو عبر بما عبرت به لكان أولى (قوله: كقطع عضوين) أي اشتركا فيهما أو قطع كل واحد عضوا في آن واحد (قوله: أي جرحين) التفسير لا يصلح هنا، فلعله حصل تحريف في النساخ بإبدال أو بأي، وعبارة التحفة: أو جرحين أو جرح من واحد.
اه.
وهي ظاهرة، والمراد أو جرحا جرحين بأن اشتركا فيهما أو جرح كل واحد جرحا في بدنه، ويشترط في ذلك أن يكون كل واحد لو انفرد لقتل (قوله: أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر) لكن يشترط ما مر أنه لو انفرد جرح الواحد لقتل، وكذا لو انفردت الاجراح العشرة لقتلت (قوله: فقاتلان) أي فهما قاتلان، فهو خبر لمبتدأ محذوف، والجملة جواب ولو وجد (قوله: فيقتلان) أي بشروط القصاص الآتية (قوله: إذ رب جرح الخ) علة لكن بالنسبة للصورة الأخيرة: أعني قوله أو جرح من واحد وعشرة من آخر كما هو ظاهر.
وقوله له نكاية: أي تأثير (قوله: فإن ذفف إلخ) مفهوم قوله مذففان، وقوله: أحدهما: أي الفعلين.
وقوله فقط: أي دون الفعل الآخر (قوله: فهو) أي الذي ذفف فعله، فالضمير يعود على معلوم وقوله فلا يقتل الآخر: أي الذي لم يذفف فعله (قوله: وإن شككنا في تذفيف جرحه) أي الآخر الذي لم نوجب قتله والملائم إبدال جرحه بفعله: إذ هو أعم يصدق بالجرح وبقطع العضو، والغاية المذكورة لعدم قتل الآخر (قوله: لأن الأصل عدمه) أي عدم تذفيف جرحه، وهو تعليل لمحذوف: أي وإنما لم نقتله إذا شككنا في تذفيف جرحه لأن الأصل عدمه (قوله: والقود لا يجب بالشك) أي مع سقوطه بالشبهة.
اه.
نهاية (قوله: أو وجدا) أي الفعلان.
وقوله به: أي بالشخص المقتول، وقوله مرتبا: أي بأن لم يقترنا في الاصابة، وهو مفهوم قوله معا (قوله: فالقاتل الاول) جملة مركبة من مبتدأ وخبر: أي فالقاتل هو الاول، أي الذي جرحه أولا أو قطع عضوه أولا (قوله: إن أنهاه) أي أوصله بجنايته إلى حركة مذبوح، وحينئذ يعطى حكم الاموات، وهذا قيد لكون القاتل هو الاول (قوله: بأن لم يبق الخ) تصوير لانهائه: أي وصوله إلى حركة المذبوح: أي ويتصور وصوله إلى حركة مذبوح بما إذا لم يبق فيه بسبب الجرح إدراك وإبصار ونطق وحركة، وقوله اختياريات: صفة للاربعة قبله.
قال في التحفة: وأفهم التقييد بالاختيار أنه لا أثر لبقاء الاضطرار فهو معه في حكم الاموات ومنه ما لو قد بطنه
وخرج بعض أحشائه عن محله خروجا يقطع بموته معه فإنه وإن تكلم بمنتظم كطلب من وقع له ذلك ماء فشربه، ثم قال: هكذا يفعل بالجيران ليس عن رؤية واختيار فلم يمنع الحكم عليه بالموت، بخلاف ما لو بقيت أحشاؤه كلها بمحلها فإنه في حكم الاحياء لانه قد يعيش مع ذلك كما هو مشاهد حتى فيمن خرق بعض أمعائه لان بعض المهرة فعل فيه ما كان سببا للحياة مدة بعد ذلك.
اه.
وفي المغني ما نصه: وإن شك في وصوله إلى حركة مذبوح رجع إلى أهل الخبرة، كما قال الرافعي، أي وعمل بقول عدلين منهم وحالة المذبوح تسمى حاله اليأس وهي التي لا يصح فيها إسلام ولا ردة ولا شئ من التصرفات وينتقل فيها ماله لورثته الحاصلين حينئذ لا لمن حدث ولو مات له قريب لم يرثه.
اه (قوله: ويعزر الثاني) أي لهتكه حرمة الميت (قوله: وإن جنى الثاني قبل إنهاء الاول إليها) أي إلى حركة المذبوح، (قوله: وذفف) أي الثاني: أي جرحه (قوله: كحز به) الباء بمعنى اللام أي كحز صادر منه له: أي للمقتول ويحتمل أن تكون الباء بمعنى من والضمير يعود على الثاني، وقوله بعد جرح: هو بفتح الجيم لانه مثال للفعل وهو مصدر.
أما الاثر الحاصل بالجرح فهو جرح بالضم.
اه.
ع ش (قوله: فالقاتل الثاني) أي فعليه القصاص لان الجرح الصادر من الاول إنما يقتل بالسراية وحز الرقبة الصادر من الثاني إنما يقطع أثرها، ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أو يتيقن(4/131)
الهلاك بها بعد يوم أو أيام لأن له في الحال حياة مستقرة وقد عهد عمر في هذه الحالة وعمل بعهده ووصاياه.
اه.
مغني.
ببعض زيادة (قوله: وعلى الأول) أي ويجب على الجارح الاول، وقوله قصاص العضو: أي إن كان عمدا، وقوله أو مال: أي إن كان غير عمد (قوله: بحسب الحال) أي من عمد أو ضده على التوزيع المار (قوله: وإن لم يذفف الثاني) أي لم يسرع جرحه في الهلاك، وهذا مفهوم قوله وذفف أي الثاني.
وقوله أيضا: أي كالاول (قوله: ومات المجني) أي عليه.
وقوله بالجنايتين: أي الواقعتين من الاول ومن الثاني مع عدم تذفيفهما (قوله: كأن قطع الخ) تمثيل للجنايتين اللتين لم تذففا (قوله: فقاتلان) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهما قاتلان فيقتص منهما معا (قوله: لوجود السراية) علة لثبوت كونهما قاتلين بالجنايتين الصادرتين منهما، وقوله منهما: أي من الجنايتين.
قال في المغني بعد العلة المذكورة: ولا يقال إن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول.
اه (قوله: لو اندملت الجراحة) أي برئت.
قال المصباح: اندمل الجرح تراجع إلى البرء.
اه (قوله: فإن قال إلخ) جواب لو (قوله: إنها) أي الحمى من الجرح (قوله: فالقود) أي يلزم الجارح (قوله: وإلا فلا ضمان) أي وإن لم يقل عدلا طب أنها من الجرح فلا ضمان: أي فلا يلزمه شئ لا قصاص ولا
غيره من حيث الهلاك، وأما من حيث الجرح فيلزم منه ما ترتب عليه (قوله: وشرط إلخ) شروع في بيان شروط الاخذ الاخذ بالقصاص المتعلقة بالقتل وبالقتيل وبالقاتل، وكان الأولى أن يذكر أولا أركان القود ثم يذكر ما يتعلق بكل من الشروط كما صنع في المنهج وعبارته: أركان القود في النفس ثلاثة: قتيل وقاتل وقتل، وشرط فيه أي في القتل ما مرأي من كونه عمدا ظلما، وفي القتيل عصمة ثم قال: وشرط في القاتل أمران: التزام للاحكام ومكافأة حال جناية.
اه.
(قوله: أي للقصاص في النفس) أي لاخذ القصاص بالنسبة للنفس.
وقوله في القتل: متعلق بشرط (قوله: كونه) أي القتل، (وقوله: عمدا ظلما) خبران عن الكون من جهة النقصان، وقد تقدم أن المراد بكونه ظلما من حيث الاتلاف (قوله: فلا قود في الخطأ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * وهو وما بعده مفهوم قوله عمدا.
(وقوله: وغير الظلم) مفهوم قوله ظلما (قوله: وفي قتيل عصمة) أي وشرط في قتيل وجود عصمة، قال في التحفة: من أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق.
اه (قوله: بإيمان) أي مع عدم نحو صيال وقطع طريق للخبر الصحيح فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (قوله: أو أمان يحقن دمه) أي يحفظه (قوله: بعقد ذمة أو عهد) أي أو أمان مجرد ولو من الآحاد: كأن يقول شخص أنت تحت أماني أو ضرب الرق عليه لانه يصير مالا للمسلمين ومالهم في أمان، ولو قال كعقد، بكاف التمثيل، لشمل الامان جميع ذلك ودليل أن عقد الذمة أي الجزية يحقن الدم قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * ودليل الثاني والثالث قوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * (قوله: فيهدر الحربي الخ) أي لعدم العصمة في الجميع، ولقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *، وقوله والمرتد: أي ويهدر المرتد لخبر من بدل دينه فاقتلوه والمراد يهدر في حق معصوم، لا على مثله، كما يستفاد مما يأتي، والفرق بينه وبين الحربي، حيث أهدر مطلقا، أن المرتد ملتزم للاحكام فعصم على مثله،
__________
(1) سورة النساء، الاية: 92.
(2) سورة التوبة، الاية: 29.
(3) سورة التوبة، الاية: 6.
(4) سورة التوبة، الاية: 5.(4/132)
ولا كذلك الحربي (قوله: وزان محصن) أي ويهدر زان محصن.
وقوله قتله مسلم: خرج به ما لو قتله غير المسلم كذمي غير حربي أو مرتد فإنه يقتل به، أما الحربي، فلا يقتل به، كما سيأتي، قال في التحفة مع الاصل: والزاني المحصن إن
قتله ذمي، والمراد به غير الحربي أو مرتد قتل به: إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه.
اه.
وقوله: ليس: أي القاتل المسلم.
وقوله زانيا محصنا: أي أو نحوه من كل مهدر، كما سيذكره (قوله: سواء الخ) تعميم في إهدار الزاني المحصن.
وقوله ببينة: هي في الزنا أربعة شهود (قوله: أم بإقرار) معطوف على بينة أي أم ثبت زناه بإقراره بأنه زنى، وقوله لم يرجع عنه: أي عن إقراره فإن رجع عنه قتل قاتله إن علم برجوعه، كما في التحفة (قوله: الزاني المحصن) فاعل خرج (قوله: فيقتل) أي الزاني المحصن، وقوله به: أي بقتله للزاني المحصن الذي هو مثله (قوله: ما لم يأمره الامام بقتله) قيد في قوله به، وخرج به ما لو أمره به فلا يقتل به، بل ولا ضمان عليه (قوله: قوله: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن) أي القاتل لمثله، وقوله في ذلك: أي كونه يقتل إذا قتل مثله (قوله: كل مهدر) نائب فاعل يلحق (قوله: كتارك صلاة) أي كسلا بعد أمر الامام له بها وامتناعه منها، وإلا فهو معصوم، ولا عبرة بأمر غير الامام (قوله: وقاطع طريق متحتم قتله) أي بأن قتل في الطريق من يكافئه (قوله: والحاصل أن المهدر معصوم الخ) أي بشرط المكافأة فيما سيأتي فلا يرد عليه ما إذا كان القتيل مرتدا والقاتل مسلما زانيا محصنا أو قاطع طريق فإنه سيذكر أن المسلم ولو مهدرا بنحو زنا لا يقتل بكافر لعدم التكافؤ بينهما في الإسلام.
وقوله في الاهدار متعلق بمثله: أي مثله في مطلق الاهدار (قوله: وإن اختلفا) أي المهدران وقوله في سببه: أي الاهدار أي كتارك صلاة قتل زانيا محصنا (قوله: ويد السارق) بالنصب عطف على المهدر: أي وأن يد السارق وقوله مهدرة إلا على مثله: أي على سارق مثله فإنها لا تكون مهدرة عليه فيطالب بها إذا جنى عليها (قوله: سواء المسروق منه وغيره) أي سواء كان ذلك المثل الذي لا تهدر يد السارق بالنسبة إليه من سرق منه وغيه (قوله: ومن عليه قصاص إلخ) أي ومن وجب عله قصاص كائن كغيره ممن ليس عليه ذلك في العصمة، وقوله في حق غير المستحق: متعلق بما تعلق به الخبر، أما في حق المستحق فليس هو كغيره فلو قتله المستحق لا يقتل ولو بغير أمر الإمام (قوله: فيقتل قاتله) أي من عليه قصاص إذا كان غير المستحق (قوله: ولا قصاص على حربي) أي ولا دية أيضا إذا قل غيره في حال حرابته (قوله: وإن عصم بعد) أي بعد جنايته بإسلام أو عقد ذمة.
وقوله لعدم التزامه: أي للاحكام وهو علة لكونه لا قصاص عليه لو قتل (قوله: ولما تواتر إلخ) علة ثانية لكون الحربي لا قصاص عليه أيضا (قوله: من عدم الافادة) بيان لما: أي من عدم أخذ القود ممن أسلم (قوله: كوحشي قاتل حمزة) أي فإنه عليه الصلاة والسلام لم يقتله لانه قتل في حال حرابته.
نعم: قال له عليه السلام: أن استطعت أن تغيب عنا وجهك فافعل لأنه عليه الصلاة والسلام حزن على عمه حزنا شديدا، وقد استشهد في أحد رضي الله عنه (قوله:
بخلاف الذمي) مثله المرتد لالتزامه الاحكام، كما مر (قوله: فعليه القود) أي القصاص إذا قتل غيره لالتزامه للاحكام وقوله وإن أسلم: أي الذمي فالقود يبقى عليه إذ الاسلام يثبته ولا يرفعه (قوله: وشرط في قاتل تكليف) أي وعدم حرابة أيضا لما تقدم تقريبا أن الحربي لا قود عليه وكان عليه أن يزيد ما ذكر ويؤخر قوله المتقدم ولا قصاص على حربي الخ عنه(4/133)
(قوله: فلا يقتل صبي ولا مجنون) أي لعدم تكليفهما، وقوله حال القتل: هو منصوب بإسقاط الخافض متعلق بكل من صبي ومجنون (قوله: والمذهب وجوبه) أي القود.
قال في النهاية: وفي قول لا وجوب عليه كالمجنون أخذا مما مر في الطلاق في تصرفه.
اه (قوله: على السكران المتعدي) مثله كل من تعدى بإزالة عقله (قوله: فلا قود إلخ) مفهوم قوله المتعدي الخ.
وقوله على غير متعد به.
أي بتناول المسكر كأن أكره على شرب مسكر أو شرب ما ظنه دواء أو ماء فإذا هو مسكر.
قال ع ش: ويصدق في ذلك وإن قامت قرينة على كذبه للشبهة فيسقط القصاص عنه وتجب الدية.
اه (قوله: ولو قال كنت وقت القتل صبيا إلخ) قال في الروض: وإن قامت بينتان بجنونه وعقله تعارضتا.
اه.
قال سم: وينبغي أن يجري ذلك إذا قامتا بصباه وبلوغه.
اه.
ولو قال أنا صبي الآن وأمكن صدق من غير حلف لان التحليف لاثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه، وقوله وأمكن صباه فيه: أي في وقت القتل.
وخرج بقوله وأمكن صباه ما إذا لم يمكن صباه بأن كان عمره نحو عشرين سنة مثلا وكان القتل من قبل بسنة مثلا (قوله: أو مجنونا) أي أو قال كنت وقت القتل مجنونا، وقوله وعهد جنونه: أي ولو مرة ولو متقطعا، وهو قيد خرج به ما إذا لم يعهد جنونه فلا يصدق (قوله: فيصدق بيمينه) جواب لو، والضمير يعود على المذكور من مدعي الصبا والجنون.
وفي التحفة ما نصه: ولو اتفقا على زوال عقله وادعى الجنون والولي المسكر صدق القاتل بيمينه، ومثله، كما هو ظاهر ما لو قال زال بما لم أتعد به وقال الولي بل بما تعديت به.
اه (قوله: ومكافأة) معطوف على تكلي ف: أي وشرط مكافأة (قوله: أي مساواة) أي من المقتول لقاتله، وقوله حال جناية: أي فلا عبرة بما حدث بعدها، فلو قتل مسلم كافرا لا يقتل به ولو ارتد المسلم بعد لعدم المساواة حال الجناية (قوله: بأن لا يفضل) فاعله يعود على القاتل، وقوله قتيله: مفعوله، والباء لتصوير المكافأة (قوله: بإسلام الخ) الاحسن تعلقه بيفضل المنفي: أي بأن لا يفضل القاتل على قتيله بإسلام، فإن فضل عليه به لا يقتل ولا يفضل عليه بحرية، فإن فضل عليه بها لا يقتل به ولا يفضل عليه بأصالة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل أصلا والمقتول فرعا فلا يقتل ولا يفضل عليه بسيادة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل سيدا والمقتول عبده فلا يقتل به
(قوله: فلا يقتل مسلم الخ) هذا مفهوم قوله بإسلام، وإنما لم يقتل المسلم بالكافر لخبر البخاري ألا لا يقتل مسلم بكافر وقوله بكافر: أي ولو ذميا، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال: ويقتل المسلم بالذمي.
ووافق الإمام الشافعي رضي الله عنه على عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا الإمام مالك والإمام أحمد وإسحاق رضي الله عنهم.
وحكي: أنه رفع إلى أبي يوسف مسلم قتل كافرا فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه من شاعر يكنى أبا المضرح وفيها هذه الابيات: يا قاتل المسلم بالكافر جرت، وما العادل كالجائر يا من ببغداد وأطرافها من فقهاء الناس أو شاعر جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر فاسترجعوا وابكوا على دينكم واصطبروا فالاجر للصابر فأخذ أبو يوسف الرقعة ودخل بها إلى هارون الرشيد فأخبره بالحال وقرأ عليه الرقعة فقال له الرشيد تدارك هذا الامر بحيلة لئلا يكون منه فتنة، فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة وأداء الجزية فلم يأتوا بها، فأسقط القود وحكم بالدية، وهذا إذا كان مفضيا إلى استنكار النفوس وانتشار الفتن كان العدول عنه أحق وأصوب.
واعلم: أنه يقتل الذمي أو المعاهد أو المرتد بمثله ولو أسلم القاتل بعد للمكافأة حال الجناية، ويقتل من ذكر(4/134)
بالمسلم أيضا لانه إذا قتل بمثله فيمن فوقه أولى (قوله: ولا حر بمن فيه رق) هذا مفهوم قول أو حرية: أي ولا يقتل حر بمن فيه رق لقوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * ولخبر لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني.
وحكى الروياني أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فقال: أقدم حكاية قبل ذلك: كنت في أيام فقهي ببغداد قائما ذات ليلة على شاطئ نهر الدجلة إذ سمعت غلاما يترنم ويقول: خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل بالعبد فقال له الامير حسبك فقد أغنيت عن الدليل، وقوله خذوا بدمي: أي بدله وهو الدية لئلا ينافي قوله بعد ولا تقتلوه.
واعلم: أنه يقتل بالرقيق مطلقا سواء استويا كقنين ومكاتبين أم لا: كأن كان أحدهما قنا والآخر مدبرا أم مكاتبا أم
أم ولد.
نعم لا يقتل مكاتب بقنه وإن ساواه رقا أو كان أصله على المعتمد لتمييزه عليه بسيادته، والفضائل لا يقابل بعضها ببعض (قوله: ولا أصل بفرعه) هذا مفهوم قوله أو أصالة: أي ولا يقتل أصل بقتل فرعه، وإن نزل لخبر: لا يقاد للابن من أبيه رواه الحاكم وصححه.
وبقية الاصول كالاب وبقية الفروع كالابن والمعنى فيه أن الاصل كان سببا في وجود الفرع فلا يكون الفرع سببا في عدمه، وكما لا يقتل الاصل إذا قتل فرعه كذلك لا يقتل إذا قتل عتيق الفرع أو أمة أو زوجته ونحوهم من كل ما للفرع فيه حق لأنه إذا لم يقتل بجنايته على الفرع نفسه فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى.
واعلم: أنه أسقط مفهوم قوله أو سيادة فكان عليه أن يزيده بأن يقول ولا سيد برقيقه (قوله: ويقتل الفرع بأصله) أي بشرط المكافأة في الاسلام والحرية ويستثنى المكاتب إذا قتل أباه وهو يملكه بأن اشتراه أسيرا فإنه لا يعتق عليه فلا يقتل به كما مر ويقتل المحارم بعضهم ببعض إذ لا تميز (قوله: ويقتل جمع بواحد) أي بقتلهم واحدا لكن بشرط وجود المكافأة ويجب على كل واحد كفارة (قوله: كأن جرحوه جراحات) أي كأن جرح الجمع واحدا جراحات بمحدد أو بمثقل.
وقوله لها: أي للجراحات، وقوله دخل في الزهوق: أي خروج الروح، وأفاد بهذا أنه لا يشترط أن تكون كل واحدة من الجراحات تقتل غالبا لو انفردت بل الشرط أن يكون لها دخل في الزهوق.
وخرج به ما لو لم يكن لها دخل في الزهوق بأن كانت خفيفة بحيث لا تؤثر في القتل فلا اعتبار بها ولا شئ على صاحبها (قوله: وإن فحش بعضها) أي الجراحات، وهو غاية في الجراحات التي توجب القتل للجمع، وقوله أو تفاوتوا في عددها: أي كأن صدر من واحد جراحة واحدة، ومن آخر أكثر وهكذا، وهو غاية أيضا فيما ذكر (قوله: وإن لم يتواطأوا) أي يتوافقوا على قتله بأن جرح كل واحد منهم اتفاقا (قوله: وكأن ألقوه) معطوف على قوله كأن جرحوه.
قال في التحفة: وكأن ضربوه ضربات وكل قاتلة لو انفردت أو غير قاتلة وتواطأوا اه.
وقوله وتوطأوا: راجع لغير القاتلة وإنما لم يعتبروا التواطؤ في الجراحات مطلقا لانها لا يقصد بها الهلاك غالبا (قوله: لما روى الشافعي الخ) علة لكون الجمع يقتلون بواحد: أي ولأنه لو لم يجب عليه الاشتراك لكان كل من أراد قتل شخص استعان بغيره واتخذ الناس ذلك ذريعة لسفك الدماء فوجب القصاص عند الاشتراك لحقن الدماء (قوله: غيلة) بكسر المعجمة وهي أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، وقوله أي خديعة: تفسير لها، وقوله بموضع خال: متعلق بقتلوا (قوله: وقال) أي سيدنا عمر.
وقوله ولو تمالا: أي اجتمع، وقوله أهل
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 178.(4/135)
صنعاء: إنما خصهم لان القاتلين كانوا منهم.
بجيرمي (قوله: ولم ينكر عليه) أي ولم ينكر أحد من الصحابة على سيدنا عمر (قوله: فصار) أي الحكم بقتل جمع بواحد إجماعا (قوله: وللولي العفو عن بعضهم) أي وقتل الباقين، وقوله على حصته من الدية: أي على أخذ ما يخص ذلك البعض من الدية (قوله: باعتبار عدد الرؤوس) أي فلو كانوا عشرة مثلا وعفا عن واحد منهم أخذ عشر الدية لأنه هو الذي يخصه لو وزعت الدية عليهم (قوله: دون الجراحات) أي دون اعتبار الجراحات، وإنما لم تعتبر لان تأثيرها لا ينضبط بل قد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة.
هذا في صورة الجراحات، وأما في صورة الضربات فالمعتبر عددها، لا عدد الرؤوس، فلو كانوا ثلاثة وضرب واحد ضربة وواحد ضربتين وواحد ثلاثا فعلى الاول سدس الدية وعلى الثاني ثلثها وعلى الثالث نصفها لان مجموع الضربات ست فتوزع الدية عليهم بنسبة ما لكل من الضربات إلى المجموع.
قال في التحفة: وفارقت الضربات الجراحات بأن تلاقى ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت، بخلاف هذه.
اه (قوله: ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم) بأن قتلهم دفعة واحدة قتل بواحد منهم بالقرعة وللباقين الديات من تركته لتعذر القصاص، ولو قتله غير الاول في الاولى وغير من خرجت قرعته في الثانية عصى ووقع قتله قصاصا وللباقين الديات.
قال في النهاية: ولو قتله أولياء القتلى جميعا وقع القتل عنهم موزعا عليهم فيرجع كل منهم إلى ما يقتضيه التويع من الدية، فإن كانوا ثلاثة حصل لكل منهم ثلاث حقه وله ثلثا الدية.
اه (قوله: لو تصارعا) أي طرح كل صاحبه على الارض بشدة فتولد من ذلك قتل أو كسر عضو.
قال في القاموس: الصرع والطرح على الارض.
اه (قوله: ضمن بقود أو دية) أي بحسب الحال من عمد أو غيره (قوله: كل الخ) فاعل ضمن.
وقوله منهما: أي من المتصارعين وقوله ما تولد: مفعول ضمن.
وقوله من الصراعة متعلق بتولد: أي يضمن كل ما نشأ في الآخر من الصراعة، فإذا مات كل منهما أخذت دية كل من تركة الآخر (قوله: لأن كلا الخ) تعليل للضمان، وقوله لم يأذن: أي للآخر، وقوله فيما يؤدي: أي في التصارع الذي يؤدي إلى نحو قتل، وقوله أو تلف عضو: معطوف على نحو من عطف الخاص على العام (قوله: ويظهر أنه لا أثر الخ) أي لا عبرة بما جرت به العادة من عدم المطالبة فيما تولد من الصراعة (قوله: بل لا بد في انتفائها) أي المطالبة، وقوله من صريح الاذن: أي بأن يقول كل واحد للآخر صارعني وأذنت لك في كل ما تقدر عليه مما يؤدي إلى قتلي أو شجي أو نحو ذلك، فإنه حينئذ لا ضمان على كل مما تولد في الآخر بالصراعة (قوله: تنبيه) أي فيما يوجب القصاص في غير النفس مما يأتي (قوله: يجب قصاص في أعضاء) أي أطراف
وهي خمسة عشر: أذن، عين، جفن، أنف، شفة، لسان، سن، لحى، يد، رجل، حلمة، ذكر، أليان، أنثيان، شفران، وكما يجب القصاص في الاطراف كذلك يجب في إزالة ما ضبط من المعاني وهو ستة: بصر، سمع، بطش، ذوق، شم، كلام.
أما مالا يضبط منها كالنطق، والصوت، والمضغ، والبطش، والمشي، وقوة الاحبال، والامناء، والجماع، والعقل فلا قود فيه ويجب أيضا في الموضحة من الجروح، وهي الجراحة التي تصل إلى العظم بعد خرق الجلدة التي عليه وإن لم ير العظم لصغر الجرح كغرز إبرة وصلت إليه دون غيرها منها: كالحارصة وهي ما شق الجلد قليلا، والدامية هي التي تشقه وتدميه، والباضعة هي التي تقطع اللحم بعد الجلد، والمتلاحمة وهي التي تغوص في اللحم ولا تبلغ الجلدة التي بينه وبين العظم، والهاشمة وهي التي تكسر العظم، والمنقلة وهي التي تنقله من محله إلى محل آخر.
وإنما وجب في الموضحة دون غيرها لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها بأن يقاس مثلها طولا وعرضا من عضو(4/136)
الشاج، ويوضح بالموسى ونحوه بخلاف البقية (قوله: حيث أمكن من غير ظلم) أي حيث أمكن القصاص من غير تعد إلى ما لا يستحق، وذلك بأن يكون العضو الذي قطعه الجاني له مفصل وقطعه من المفصل كمرفق وكوع ومفصل القدم والركبة أو لم يكن له مفصل لكن له نهايات مضبوطة كالعين والاذن والجفن والمارن والشفة واللسان والذكر والانثيين، أما ما لا يمكن القصاص فيه من غير ظلم فلا قصاص فيه ككسر العظام لعدم الوثوق بالمماثلة لانه لا ينضبط.
نعم: إن أمكن في كسر السن بقول أهل الخبرة وجب كأن يكون أصل الجناية بنحو منشار أو مبرد فتنشر سن الجاني كذلك (قوله: كيد الخ) تمثيل للاعضاء التي يمكن القصاص فيها من غير تعد (قوله: وأنثيين) أي بيضتين ويشترط لوجوب القصاص فيهما قطعهما بجلدتيهما، بخلاف قطعهما دون جلدتيهما بأن سلهما منهما مع بقائهما فلا قود فيهما لتعذر الانضباط حينئذ (قوله: وهو) أي المارن.
ما لان من الانف (قوله: ويشترط القصاص الطرف) بفتح الراء، وأما بسكونها فجفن العين.
وقوله والجرح: فيه أنه لم يذكر قصاص الجرح فيما تقدم، فكان الأولى الاقتصار على الأول، وقوله ما شرط للنفس: أي لقصاص النفس: أي فيقال هنا يشترط في قطع الطرف أن يكون عمدا وظلما ويشترط في المقطوع منه عصمة، ويشترط في القاطع تكليف ومكافأة بما سبق.
والحاصل: كل من لا يقتل بشخص لا يقطع بقطع طرف ذلك الشخص، فلا يقطع الصبي والمجنون بقطع طرف غيرهما كما لا يقتلان به، ولا يقطع الوالد بقطع طرف ولده وكما لا يقتل به، ولا يقطع المسلم بقطع طرف الكافر كما لا
يقتل به، ولا يقطع الحر بقطع طرف العبد كما لا يقتل به وهكذا، ويشترط أيضا زيادة على ما تقدم شرطان أحدهما الاشتراك في الاسم الخاص للطرف المقطوع كاليمني باليمنى واليسرى باليسرى، ويستفاد هذا الشرط من قوله بعد ولا يؤخذ يمين الخ.
ثانيهما أن لا يكون بأحد العضوين نحو شلل فلا تقطع يد أو رجل صحيح بشلاء، ولا تؤخذ عين صحيحة بحدقة عمياء، ولا لسان ناطق بأخرس لعدم المماثلة (قوله: ولا يؤخذ يمين الخ) هذا مفهوم قيد الاشتراك في الاسم الخاص الذي طواه ولم يذكره، وكان الأولى ذكره ليرتب عليه ما ذكر (قوله: وأعلى بأسفل) أي ولا يؤخذ طرف أعلى بطرف أسفل كجفن أعلى بجفن أسفل وكشفة عليا بشفة سفلى (قوله: ولا قصاص في كسر عظم) أي لعدم الوثوق بالمماثلة فيه لأنه لا ينضبط - كما مر - (قوله: ولو قطعت إلخ) عبارة التحفة مع الاصل: وله أي المقطوع بعض ساعده أو فخذه سواء سبق القطع كسر أم لا كما أفاده كلامه هنا مع قوله الآتي ولو كسر عضده وأبانه قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر وإن تعدد ذلك المفصل ليستوفي بعض حقه وحكومة الباقي لانه لم يأخذ عوضا عنه وفيما إذا كسر من الكوع له التقاط أصابعها وأناملها وإن تعددت المفاصل لعدم قدرته على محل الجناية ومفصل غير ذلك وأفهم قوله أبانه أنه لا بد في وجوب القود من المفصل بعد الكسر واعتمده البلقيني وغيره، فلو كسر بلا فصل لم يقتص منه بقطع أقرب مفصل.
اه.
بحذف (قوله: ويقطع جمع) أي أيديهم (قوله: بيد) أي بقطعها (قوله: تحاملوا عليها دفعة) خرج به ما إذا لم يتحاملوا كذلك بأن تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع واحد من جانب وآخر من جانب حتى التقت الحديدتان فلا تقطع يد واحد منهما، بل على كل منهما حكومة تليق بجنايته، وقوله بمحدد: أي أو بمثقل كأن أبانوها بضربة اجتمعوا عليها كما في النفس، وقوله فأبانوها: أي ولو بالقوة شرح م ر: أي كأن صارت معلقة بالجلدة اه.
ع ش (قوله: ومن قتل) من واقعة على الجاني والفعل مبني للمعلوم (قوله: بمحدد) أي أو بمثل كحجر (قوله: أو خنق) بكسر النون مصدرا.
اه.
تحفة ونهاية.
وكتب الرشيدي قوله بكسر النون مصدرا: أي ككذب ومضارعه يخنق، بضم النون، كما(4/137)
قاله الجوهري.
وجوز فيه الفارابي إسكان النون وتبعه المصنف في تحريره فقال: ويجوز إسكان النون مع فتح الخاء وكسرها، قال وحكى صاحب المطالع فتح النون وهو شاذ وغلط قوله اقتص الانسب بما بعده بناؤه للمعلوم وفاعله ضمير مستتر يعود على المستحق ومتعلقه محذوف أي اقتص المستحق منه بمثله، ويحتمل أن يكون بالبناء للمجهول، وقوله إن شاء: ضميره يعود على المستحق، ومفعوله محذوف: أي إن شاء المثل فإن شاء السيف اقتص به وإن لم يرض الجاني
لانه أسهل وأسرع في القتل، وقوله بمثله: نائب فاعل: أي يأخذ منه المستحق القصاص بمثل ما قتل به (قوله: أو بسحر) معطوف على قوله بمحدد: أي ومن قتل بسحر يقتص منه بالسيف لا غير لتعذر المثل هنا لحرمته، ومثل السحر نحوه من كل ما يحرم فعله كلواط وخمر فيقتص فيهما بالسيف لا غير، لا يقال إن التجويع والتغريق يحرم فعلهما أيضا، فكيف يتقص بهما؟ لانا نقول التجويع ونحوه إنما حرم فعلهما من حيث إنه يؤدي إلى إتلاف النفس والاتلاف هنا مستحق فلا يمتنع بخلاف نحو الخمر فإنه يحرم من حيث ذاته وإن أمن الاتلاف به.
ثم إن محل قتل الساحر بالسحر إذا كان عمدا بأن قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فإن كان نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ فيهما الدية على العاقلة إن صدقوه وإلا فعليه، وقد تقدم هذا التفصيل أول الباب.
تنبيه: قال في التحفة: تعلم السحر وتعليمه حرامان مفسقان مطلقا على الاصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده.
ويحرم فعله ويفسق به أيضا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعا فيهما.
نعم: سئل الامام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به وأخذ منه حل فعله لهذا الغرض وفيه نظر، بل لا يصح: إذ إبطاله لا يتوقف على فعله، بل يكون بالرقي الجائزة ونحوها مما ليس بسحر، وفي حديث حسن النشرة من عمل الشيطان قال ابن الجوزي هي حل السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر.
اه: أي فالنشرة التي هي من السحر محرمة وإن كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر فإنها مباحة كما بينها الائمة، وذكروا لها كيفيات، وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر، قال لانه حينئذ صلاح لا ضرر، لكن خالفه الحسن غيره، وهو الحق، لانه داء خبيث من شأن العالم به الطبع على الافساد والاضرار به ففطم الناس عنه رأسا، وبهذا يرد على من اختار حله إذا تعين لرد قوم يخشى منهم، قال: كما يجوز تعلم الفلسفة المحرمة، وله، أي للسحر، حقيقة عند أهل السنة، ويؤثر نحو مرض وبغضاء وفرقة.
اه.
(قوله: موجب العمد) بفتح الجيم أي ما يوجبه العمد ويقتضيه، وهو مبتدأ خبره قوله قيد، وهو بفتح الواو، (قوله: سمي ذلك الخ) أي إنما سمي القصاص بالقود لانهم، أي المستحقين، يقودون الجاني بحبل وغيره إلى محل قتله (قوله: والدية) هي شرعا المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها فشملت الاروش والحكومات.
والأصل فيها قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * وخبر الترمذي الآتي (قوله: عند سقوطه) أي القود عن الجاني.
وقوله بعفو: متعلق بسقوط، وقوله عنه أي عن القود أو عن الجاني، وقوله عليها: أي الدية وذلك بأن يقول المستحق له عفوت عنك على أن تعطيني الدية (قوله: أو بغير عفو) المراد بغيره
موت القاتل بجناية أو غيرها قبل الاقتصاص منه ولا يشمل قتل الوالد ولده فإن الواجب قيد الدية ابتداء والكلام هنا في سقوط القود بعد ثبوته، وفي ع ش ما يقتضي أن المراد بالغير ما يشمل قتل الوالد ولده وعليه يكون المراد بالسقوط ما يشمل عدم ثبوته بالكلية: اه.
بجيرمي ملخصا (قوله: بدل عنه) أي عن القود.
قال في شرح المنهج، أي على ما قاله الدارمي وجزم به الشيخان.
والاوجه ما اقتضاه كلام الشافعي والاصحاب، وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بدل ما جنى عليه، وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة.
وليس كذلك.
اه.
(قوله: فلو عفا المستحق) عنه أي عن القود أو عن الجاني، وقوله مجانا: أي بلا مال.
والمراد صرح له بذلك بأن قال له عفوت عنك بلا شئ، وقوله أو مطلقا: أي أو
__________
(1) سورة النساء، الاية: 92.(4/138)
عفا عن عفوا.
مطلقا: أي من غير تعرض للدية بأن قال له عفوت عنك وأطلق (قوله: فلا شئ) أي يجب على الجاني (قوله: وهي) مبتدأ خبره مائة بعير (قوله: لقتل حر) خرج به الرقيق ففيه القيمة بلغت ما بلغت تشبيها له بالدواب بجامع الملكية.
وقوله مسلم: خرج به الكافر ففيه ثلث دية المسلم إن كان كتابيا وثلث خمس ديته إن كان مجوسيا، وقوله معصوم: أي غير جنين، وخرج غير المعصوم كزان محصن وقاطع طريق ومرتد وتارك صلاة وحربي فلا دية فيه ولا كفارة، وقيده سم بما إذا لم يكن القاتل مثله، وخرج بما زدته الجنين ففيه الغرة عبد أو أمة (قوله: مائة بعير) أي لأن الله تعالى أوجب في الآية دية وبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب عمرو بن حزم في قوله: في النفس مائة من الابل رواه النسائي وصححه ابن حبان، ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الاجماع، وأن أول من سنها مائة عبد المطلب، وقيل غيره.
ثم إن محل كونها مائة إذا صدر القتل من حر ملتزم للاحكام، أما إذا صدر من رقيق فإن كان قنا لغير القتيل أو مكاتبا فالواجب أقل الأمرين من قيمة القن والدية أو مبعضا وبعضه القن مملوك لغير القتيل، فالواجب من جهة الحرية القدر الذي يناسبها من الدية كنصف ومن جهة الرقيق أقل الأمرين من قيمة باقيه الرقيق أو الباقي من الدية.
أما القن للقتيل فلا يتعلق به شئ.
إذ السيد لا يجب له على قنه شئ أو صدر من غير ملتزم الاحكام كالحربي فلا شئ عليه أصلا، كما مر (قوله: مثلثة) بالنصب حال من مائة لتخصيصها بالاضافة، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف.
أي وهي مثلثة (قوله: في عمد وشبهة) أي في القتل عمدا أو شبهة، والجار والمجرور متعلق بمثلثة (قوله: أي ثلاثة أقسام) بيان لمعنى كونها مثلثة (قوله: فلا نظر لتفاوتها عددا) أي بل المدار على كونها تقسم ثلاثة أجزاء وإن كان بعضها أكثر عددا كالقسم الثالث فإن أربعون (قوله: ثلاثون حقة) وهي ما
لها ثلاث سنين، سميت بذلك لأنها استحق أن يطرقها الفحل، أو أن تركب ويحمل عليها (قوله: وثلاثون جذعة) وهي مالها أربع سنين، سميت بذلك لأنها أجزعت، أي أسقطت مقدم أسنانها (قوله: وأربعون خلفة) قال في المصباح: الخلفة، بكسر اللام، اسم فاعل يقال خلفت خلفا من باب تعب إذا حملت، فهي خلفة مثل تعبة.
اه.
وعند الجمهور لا جمع لها من لفظها، بل من معناها وهي مخاض بمعنى الحوامل، وقال ابن سيده تجمع على خلفات، وقوله بقول خبيرين: متعلق بحامل - يعني أن حملها يثبت بقول عدلين من أهل الخبرة (قوله: ومخمسة) معطوف على مثلثة: أي خمسة أقسام متساوية وفي العدد لعدم زيادة بعض الاقسام على بعض، وكان الملائم لما قبله أن يأتي بهذا التفسير، وقوله في خطأ: أي في القتل خطأ والجار والمجرور متعلق بمخمسة (قوله: من بنات مخاض) متعلق بمخمسة أيضا، وبنت المخاض هي ما لها سنة ودخلت في الثانية (قوله: وبنات لبون) هي ما لها سنتان ودخلت في الثالثة.
وقد سبق الكلام في الزكاة على بيان ما ذكر، وإنما عدته هنا لبعد العهد (قوله: وحقاق وجذاع) لو قال وحقات وجذعات لكان أولى: إذ المعتبر فيهما الاناث: قال م ر: لان أجزاء الذكور منهما لم يقل به أحد من أصحابنا.
اه (قوله: من كل) الجار والمجرور خبر مقدم وعشرون مبتدأ مؤخر، وضمير منها يعود على المذكورات من بنات المخاض وما بعده (قوله: لخبر الترمذي) دليل لكونها مثلثة بالنسبة للعمد وشبهه ومخمسة وبالنسبة للخطأ، قال سم: لفظه بالنسبة للعمد من قتل عمدا رجع إلى أولياء المقتول إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة اه.
(قوله: إلا إن وقع الخطأ إلخ) استثناء من كونها مخمسة في الخطأ: أي هي مخمسة فيه إلا إن وقع القتل خطأ في حرم مكة فلا تخمس بل تثلث مطلقا سواء كان القاتل والمقتول فيه أو كان فيه أحدهما بأن كان القاتل فيه والمقتول في الحل أو بالعكس أو كلاهما بالحل لكن قطع السهم في مروره هواء الحرم.
هذا إذا كان المقتول مسلما، فإن كان كافرا فلا تغلظ ديته بالتثليث لانه ممنوع من دخول الحرم، واختلف ابن حجر والرملي في تغليظها بما ذكر فيما إذا دخله لضرورة وقتل فيه فقال الاول تغلظ وقال الثاني لا.
قال الخطيب هو الاوجه.
(قوله: أو في أشهر حرم) معطوف على في حرم مكة فهو(4/139)
مستثنى أيضا مما تقدم أي وإلا إذا وقع القتل خطأ في الأشهر الحرم.
أي في بعضها سواء كان المقتول مسلما أو كافرا (قوله: ذي القعدة) بدل من أشهر حرم، وهي بفتح القاف على المشهور سمي بذلك لقعودهم عن كالقتال فيه، وقوله ذي الحجة، بكسر الحاء، على المشهور سمي بذلك لوقوع الحج فيه، وقوله والمحرم، بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء
المفتوحة، سمي بذلك لأن أول تحريم القتال كان فيه على ما قيل، وقيل لتحريم الجنة على إبليس فيه، وقوله ورجب: بالصرف إذا لم يرد به معين كما هنا؟ فإن أريد به معين منع من الصرف، سمي بذلك لأن العرب كانت ترجبه: أي تعظمه.
ثم إن عدها على هذا الترتيب وجعلها من سنتين قال في شرح مسلم: هو الصواب، خلافا لمن بدأ بالمحرم لتكون من سنة واحدة (قوله: أو محرم رحم) معطوف على أشهر حرم، فهو مستثنى أيضا مما تقدم: أي وإلا إذا وقع القتل خطأ في محرم رحم (قوله: بالاضافة) أي إضافة محرم إلى رحم: أي محرم نشأت محرميته من جهة الرحم: أي القرابة، واحترز بذلك عن المحرم الذي لم تنشأ محرميته من الرحم بل من الرضاع أو المصاهرة كبنت عم هي أخت من الرضاع أو أم زوجة فإنه لا تغلظ ديته بالتثليث (قوله: فمثلثة) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهي مثلثة في الثلاثة أقسام (قوله: كما فعله) أي التثليث فيها (قوله: ولعظم) متعلق بما بعده، وقوله حرمة الثلاثة: أي حرم مكة والاشهر الحرم والمحرم والرحم، وقوله زجر عنها: أي نهي عن القتل فيها، وقوله بالتغليظ من هذا الوجه: أي وهو التثليث.
واعلم: أن دية العمد مغلظة من ثلاثة وجوه: كونها مثلثة، وكونها معجلة، وكونها على الجاني.
ودية الخطأ مخففة من ثلاثة أوجه: كونها مخمسة، وكونها مؤجلة، وكونها على العاقلة، ودية شبه العمد والخطأ الواقع في الثلاثة المذكورة: مغلظة من وجه واحد وهو التثليث، ومخففة من وجهين وهما التأجيل وكونها على العاقلة (قوله: ولا يلحق بها) أي بهذه الثلاثة، والكلام على التوزيع بالنسبة للمجموع: أي ولا يلحق بحرم مكة حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بوجوب جزاء الصيد فيه دون حرم المدينة ولا الاحرام في غير الحرم لان حرمته عارضة غير مستمرة، ولا يلحق بالاشهر الحرم رمضان، وإن كان سيد الشهور، لان المتبع في ذلك التوقيف (قوله: ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة) محترز قوله رحم، وكذا لا أثر لما لو كان الرحم غير محرم كبنت العم (قوله: وخرج بالخطأ) أي الذي يغلظ فيه إذا وقع في واحد من الثلاثة المارة، (وقوله: ضداه) العمد وشبهه (قوله: فلا يزيد واجبهما) أي فلا يزاد التغليظ في واجبهما وهو الدية، وقوله بهذه الثلاثة: أي بوقوعهما في واحد من هذه الثلاثة، (وقوله: اكتفاء بما فيهما من التغليظ) أي والمغلظ لا يغلظ نظير قولهم المكبر لا يكبر (قوله: وأما دية الانثى الخ) لم يتقدم له مقابل، وهو متحرز قوله فيما تقدم ذكره، وبين محترزه ولم يبين محترز بقية القيود، وكان عليه أن يبينها وقد علمتها، (وقوله: فنصف دية الذكر) أي لما روى البيهقي: دية المرأة نصف دية الرجل وألحق بالانثى هنا الخنثى لان زيادته عليها مشكوك فيها، ففي قتل المرأة أو الخنثي خطأ عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا، وفي قتلها أو قتله عمدا أو شبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة.
تتمة: قال في الإقناع: يدخل التغليظ والتخفيف في دية المرأة والذمي ونحوه ممن له عصمة، وفي قطع الطرف وفي دية الجرح بالنسبة لدية النفس، ولا يدخل قيمة العبد تغليظ ولا تخفيف، بل الواجب قيمته يوم التلف على قياس سائر المتقومات، ولا تغليظ في قتل الجنين بالحرم، كما يقتضيه إطلاقهم، وصرح به الشيخ أبو حامد، وإن كان مقتضى النص خلافه، ولا تغليظ في الحكومات، كما نقله الزركشي عن تصريح الماوردي، وإن كان مقتضى كلام الشيخين خلافه.
اه.
(قوله: ودية عمد على جان) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي ودية عمد كائنة على الجاني.
(وقوله:(4/140)
معجلة) أي حالة بالنصب حال من الضمير المستتر في الخبر، ويحتمل أن يكون بالرفع خبرا والجار والمجرور قبله متعلق به (قوله: كسائر أبدال المتلفات) أي فإنها معجلة على من أتلفها (قوله: ودية غيره) أي غير العمد، (وقوله: من شبه الخ) بيان للغير، (وقوله: وإن تثلثت) أي دية الخطأ بأن وقع في المواضع الثلاثة المتقدمة (قوله: على عاقلة) جمع عاقل على غير قياس سميت بذلك لعقلهم الابل بفناء دار المستحق، وقيل لتحملهم عن الجاني العقل: أي الدية (قوله: مؤجلة بثلاث سنين) قال في شرح المنهج: والظاهر تساوي الثلاث في القسمة وأن كل ثلث آخر سنته.
اه.
وما ذكر من تأجيلها ثلاث سنين محله في حق دية نفس كاملة بإسلام وحرية وذكورة، فإن كانت غير كاملة بأن كان المقتول كافرا معصوما فتؤجل ديته بسنة أو كان رقيقا، فإن كانت قيمته قدر دية نفس كاملة فتؤجل ثلاث سنين في آخر كل سنة قدر ثلث الدية، وإن زادت على ذلك يزاد في التأجيل.
والحاصل التأجيل في الرقيق بحسب قيمته ولا يتقدر بثلاث سنين، بل قد يزيد عليها وقد ينقص عنها، أو كان غير ذكر بأن كان أنثى أو خنثى فديته تؤجل سنتين: يؤخذ في السنة الأولى قدر ثلث دية النفس الكاملة وهو ثلاث وثلاثون وثلث، وفي السنة الثانية الباقي وهو سدس.
(قوله: على الغني منهم) أي من العاقلة، وهو هنا من يملك زائدا على كفاية ممونه بقية العمر الغالب عشرين دينارا، (وقوله: نصف دينار) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، (وقوله: والمتوسط) أي وعلى المتوسط منهم ربع دينار، وهو هنا من يملك زائدا على ذلك أقل من عشرين دينارا وفوق ربع دينار، ويعتبر الغني وغيره آخر السنة (قوله: كل سنة) ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله: أي نصف دينار كائن على الغني في كل سنة وربع دينار كائن على المتوسط في كل سنة (قوله: فإن لم يفوا) أي العاقلة بالواجب، (وقوله: فمن بيت المال) أي فيوفي من بيت المال، (وقوله: فإن تعذر) أي بيت المال بأن كان غير منتظم، (وقوله: فعلى الجاني) أي فباقي الدية
يكون على الجاني (قوله: لخبر الصحيحين) دليل على كون دية غير العمد تكون على العاقلة، ولفظ الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأتين اقتتلتا فحذفت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وفي رواية وأن العقل على عصبتها وفي رواية لأبي داود وبرأ الولد أي من العقل (قوله: والمعنى في كون الخ) أي والحكمة في ذلك، (وقوله: فيهما) أي شبه العمد والخطأ (قوله: أن القبائل في الجاهلية) أي قبل الاسلام، (وقوله: كانوا الخ) خبر أن (وقوله: بنصرة الجاني منهم) أي من القبائل، والمراد كل قبيلة تنصر الجاني.
منها (قوله: ويمنعون) أي القبائل، (وقوله: أولياء الدم) أي المستحقين، (وقوله: أخذ حقهم) أي استيفاء القصاص (قوله: فأبدل الشرع الخ) أي جعل الشرع بدل تلك النصرة والحمية من منعهم أولياء الدم حقهم بذل المال: أي دفع المال لاولياء الدم (قوله: وخص تحملهم) أي لعاقلة للدية، (وقوله: بالخطأ وشبه العمد) متعلق بخص: أي خص بهما.
(وقوله: لانهما) أي الخطأ وشبه العمد، (وقوله: مما يكثر) أي وقوعه (قوله: فحسنت إعانته) أي الجاني فيهما.
(وقوله: لئلا يتضرر) أي الجاني وهو تعليل لحسن إعانته، (وقوله: بما هو معذور فيه) أي من الخطأ أو شبهه (قوله: وأجلت الدية عليهم) أي على العاقلة (قوله: رفقا بهم) أي بالعاقلة، وهو علة لجعل الدية مؤجلة عليهم (قوله: وعاقلة إلخ) بيان لضابط العاقلة التي تتحمل الدية (قوله: المجمع على إرثهم) خرج به ذو الارحام فلا(4/141)
يعقلون إلا إن عدمت عصبات النسب والولاء وبيت المال (قوله: إذا كانوا ذكورا) خرج بهم الاناث والخناثى فلا يعقلن.
نعم: إن بان أن الخنثى ذكر غرم حصته التي أداها غيره.
(وقوله: مكلفين) خرج غيرهم من الصبيان والمجانين فلا يعقلون ويشترط فيهم أيضا الحرية والاتفاق في الدين، فلا يعقل الرقيق، ولو مكاتبا، ولا مسلم عن كافر وعكسه، (وقوله: غير أصل وفرع) خرج الاصل والفرع فلا يعقلان (قوله: ويقدم منهم) أي من العصبات، (وقوله: الاقرب فالاقرب) أي فيقدم الاخوة لأبوين ثم لأب ثم يتوهم وإن سفلوا ثم الاعمال لأبوين ثم لأب ثم بنوهم ثم معتق الجاني الذكر ثم عصبته، إلا أصله وفرعه كأصل الجاني وفرعه ثم معتق المعتق ثم عصبته - إلا الاصل والفرع كما مر - ثم معتق أبي الجاني ثم عصبته - إلا الاصل والفرع، وهكذا أبدا، ولا يعقل عتيق عن معتقه كما لا يرثه، فإن فقد العاقل ممن ذكر عقل ذوو الارحام إن لم ينتظم أمر بيت المال، وإن انتظم عقل فيؤخذ منه قدر الواجب، فإن لم يكن بيت المال فكل الواجب على الجاني بناء على أن الدية تجب عليه ابتداء ثم تتحملها العاقلة، وهو الاصح (قوله: ولا يعقل إلخ) المقام للتفريع
على قوله على الغني إلخ، وكان الأولى تقديمه عنده.
(وقوله: فقير) هذا مفهوم قوله على الغني والمتوسط.
(وقوله: ولو كسوبا) أي فلا يعتبر كسبه هنا، (وقوله: وامرأة) أي ولا تعقل امرأة، وهذا مفهوم ذكورا، والمناسب أن يأتي فيه وفيما بعده بصيغة الجمع بأن يقول: ونساء وخناثى وغير مكلفين.
(وقوله: وخنثى) هذا مفهوم قوله ذكورا أيضا، (وقوله: غير مكلف) محترز مكلفين (قوله: ولو عدمت) بالبناء للمفعول: أي فقدت (قوله: في المحل الذي يجب تحصيلها منه) أي وهو محل الدافع من جان أو عاقلة أو أقرب محل إليه (قوله: حسا) أي فقدت في الحس بأن لم توجد في المحل المذكور أصلا، (وقوله: أو شرعا) أي أو فقدت في الشرع (قوله: بأن وجدت الخ) وهو وما بعده مثالان للفقد الشرعي، (وقوله: فيه) أي في المحل الذي يجب تحصيلها منه (قوله: أو بعدت إلخ) أي أو وجدت بثمن المثل لكن بعدت عن المحل الذي يجب تحصيلها منه.
(وقوله: وعظمت المؤنة والمشقة) أي في نقلها من المحل الذي هي فيه وضبط الامام عظم المؤنة بأن يزيد مجموع الامرين من مؤنة إحضارها وما يدفعه في ثمنها في محل الاحضار على قيمتها بمحل الفقد (قوله: فالواجب قيمتها) هذا إن لم يمهل الدافع، فإن أمهل بأن قال له المستحق أنا أصبر حتى وجد الابل لزمه امتثاله لانها الاصل، فإن أخذت القيمة فوجدت الابل لم ترد لتشتري الابل لانفصال الامر بالاخذ.
اه.
بجيرمي (قوله: وقت وجوب التسليم) أي تسليم الابل (قوله: من غالب نقد البلد) أي أن القيمة تكون من غالب نقد البلد: أي محل الفقد الواجب تحصيلها منه.
وفي سم ما نصه: هل المراد بالمحل المذكور بلده أو أقرب البلاد إليه حيث فرض فقدها منهما بعد وجودها فيهما؟ وقد يؤيد الاول أن بلده هي الاصل، ولا معنى لاعتبار غيرها مع وجود شئ فيه.
اه.
(قوله: الواجب عند عدمها) أي الإبل (قوله: في النفس الكاملة) متعلق بالواجب (قوله: ألف مثقال ذهبا) والمعتبر فيه وفيما بعده المضروب الخالص.
قال في التحفة والنهاية: ولا تغليظ هنا على الأصح.
اه.
ومقابله يقول إن غلظت الدية ولو من وجه واحد زيد عليها قدر الثلث لاجل التغليظ، ففي الدنانير ألف وثلثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا، وفي الفضة ستة عشر ألف درهم (قوله: تنبيه) أي في بيان ما يتعلق بقطع الاطراف من وجوب دية كاملة، أو نصفها، أو عشرها، أو نصف العشر (قوله: وكل عضو مفرد) أي كاللسان والذكر أو حشفته (قوله: فيه جمال ومنفعة) خرج ما لا جمال فيه ولا منفعة كالذكر الاشل وكلسان الاخرس خلقيا كان الاخرس أو عارضيا، فإن فيه حكومة لان الشرع لم ينص على ما يجب فيه ولم يبينه(4/142)
فوجبت فيه حكومة وهي جزء من الدية نسبته إلى دية النفس كنسبة ما نقص من قيمته بسبب الجناية لو كان رقيقا إليها
سليما، فلو كانت قيمة المجني على يده مثلا لو كان رقيقا عشرة لو لم يجن عليها وصارت بالجناية تسعة فالنقص عشر فيجب عشر دية النفس وهو عشر من الإبل (قوله: إذا قطعه) أي ذلك العضو (قوله: وجبت فيه) أي في العضو المقطوع، وهو جواب إذا، وجملة الشرط والجواب خبر كل (قوله: مثل دية إلخ) أي في التغليظ وضده والتعجيل وضده، (وقوله: صاحب العضو) أي المقطوع، (وقوله: إذا قتله) أي خطأ أو شبه عمد (قوله: وكذا كل عضوين) أي ومثل العضو المقطوع في وجوب دية كاملة كل عضوين من جنس واحد، والمراد كل عضوين فيهما جمال ومنفعة، أما ما لا منفعة فيهما ولا جمال، كأن يكون فيهما شلل، ففيهما الحكومة كما مر (قوله: ففيهما) أي العضوين المقطوعين الكائنين من جنس واحد.
(وقوله: الدية) أي الكاملة.
(قوله: وفي أحدهما) أي العضوين اللذين من جنس واحد.
(وقوله: نصفها) أي الدية (قوله: ففي قطع الاذنين الدية) أي إذا كان القطع من أصلهما بغير إيضاح سواء كان سميعا أم أصم، وذلك لخبر عمرو بن حزم في الاذن خمسون من الابل رواه الدارقطني والبيهقي، ولانهما عضوان فيهما جمال ومنفعة فوجب أن تكمل فيهما الدية، فإن حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية أرش والجناية في بعض الاذن بقسطه ويقدر بالمساحة، ولو أيبسهما بالجناية عليهما بحيث لو حركتا لم تتحركا فدية كما لو ضرب يده فشلت، ولو قطع أذنين يابستين بجناية أو غيرها فحكومة (قوله: ومثلهما العينان) أي ومثل الاذنين العينان أي فتجب فيهما دية كاملة لخبر عمرو بن حزم بذلك، وحكى ابن المنذر فيهما الاجماع ولانهما من أعظم الجوارح نفعا فكانتا أولى بإيجاب الدية، وفي كل عين نصفها ولو عين أحول وهو من في عينيه خلل دون بصره، وعين أعمش وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف رؤيته، وعين أعور وهو ذاهب حس إحدى العينين مع بقاء بصره في الاخرى، وعين أخفش وهو صغير العين المبصرة وعين أعشى وهو من لا يبصر ليلا، وعين أجهر وهو من لا يبصر في الشمس لان المنفعة باقية بأعين من ذكر، ومقدار المنفعة لا ينظر إليه (قوله: والشفتان) أي ومثلهما أيضا الشفتان ففي قطعهما معا دية كاملة، وفي كل شفة نصفها عليا كانت أو سفلى رقيقة أو غليظة صغيرة أو كبيرة، وإشلالهما كقطعهما، وفي شقهما بلا إبانة حكومة، ولو قطع شفة مشقوقة وجبت ديتها إلا حكومة الشق (قوله: والكفان بأصبعهما) أي ومثلهما أيضا الكفان مع أصبعهما، وأصبع مفرد مضاف فيعم جميع الاصابع، ففي قطعهما مع الاصابع دية واحدة فقط لانهما كالعضو الواحد بدليل قطعهما في السرقة بدليل قوله تعالى: * (فاقطعوا أيديهما) * وفي قطع إحداهما النصف، ومحل ما ذكر إن قطعت من مفصل الكف وهو الكوع، فإن قطع ت من فوق الكف وجب مع دية الكف حكومة كما مر، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا معها بأن قطعت الاصابع أولى ثم بعد مدة قطعت الكف
فلكل حكمه ففي كل أصبع عشر الدية وفي الكف حكومة (قوله: والقدمان بإصبعهما) أي ومثلهما أيضا القدمان مع إصبعهما أي أصابعهما ففي قطعهما معها دية واحدة فقط، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا مع الاصابع بأن قطعت الاصابع أولا ثم بعد مدة قطعت القدمان فلكل حكمه، كما مر (قوله: وفي كل أصبع) أي أصلية أما الزائدة ففيها حكومة وفي كل أنملة من أصابع اليدين أو الرجلين من غير إبهام ثلث العشر لان كل أصبع له ثلاث أنامل إلا الابهام فله أنملتان ففي أنملته نصفها عملا بقسط واجب الاصبع (قوله: وفي كل سن) أي أصلية تامة مثغورة غير مقلقلة صغيرة كانت أو كبيرة بيضاء أو سوداء.
وخرج بقيد الاصلية الزائدة وهي الخارجة عن سمت الاسنان الاصلية لمخالفة نباتها لها ففيها حكومة كالاصبع الزائدة، وبقيد التامة ما لو كسر بعض الظاهر منها ففيه قسطه من الارش، وبقيد المثغورة ما لو قلع سن
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 38.(4/143)
صغير أو كبير لم يثغر فينظر فيه: فإن بان فساد المنبت فكالمثغورة وإن لم يتبين الحال حتى مات ففيها الحكومة، وبقيد غير المقلقلة المقلقلة، أي المتحركة، فإن بطلت منفعتها ففيها الحكومة، وقوله خمس: أي من الابل وهي نصف العشر.
قال في المنهج وشرحه: ولو قلعت الاسنان كلها وهي اثنان وثلاثون فبحسابه وإن زادت على دية ففيها مائة وستون بعيرا وإن اتحد الجاني لظاهر خبر عمرو ولو زادت على ثنتين وثلاثين فهل يجب لما زاد حكومة أو لكل سن منه أرش؟ وجهان بلا ترجيح للشيخين، وصحح صاحب الانوار الاول والقمولي والبلقيني الثاني، وهو الأوجه، اه.
تتمة: تجب دية كاملة في ذهاب واحد من المعاني كالسمع والبصر والكلام والذوق والمضغ وغيرها مما تقدم أول الباب، وتجب أيضا في المارن وهو ما لان من الانف مشتملا على طرفين وحاجز، وفي كل من الثلاثة ثلث الدية، وفي اللحيين، وهما العظمان تنبت عليهما الأسنان السفلى، فإن زال معهما شئ من الاسنان وجبت ديته أيضا لأن كلا منهما له منفعة مستقلة، وفي الجفون الاربعة، ولو كانت لاعمى، لان فيها جمالا ومنفعة، وتدخل حكومة الاهداب في ديتها ولو أزال الاهداب فقط وجبت فيها حكومة كسائر الشعر إن فسد منبتها لان الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد الاصلية وإن لم يفسد منبتها وجبت التعزير فقط، ويجب ثلث الدية في مأمومة وهي الجراحة التي تبلغ خريطة الدماغ ولا تخرقها، وفي جائفة وهي جراحة تنفذ إلى جوف باطن محيل للغذاء أو الدواء كبطن أو طريق له كصدر وفي ثلث لسان وثلث كلام وما مر من أحد طرفي الانف أو الحاجز، ويجب ربعها في جفن واحد من جفون العين وفي ربع شئ مما مر
كربع الاذن واللسان، فتحصل أن الواجب في دية غير النفس من الطرف والجرح، والمعنى قد يكون دية كاملة، وقد يكون نصفها، وقد يكون ثلثها، وقد يكون ربعها، وقد يكون عشرها، وقد يكون نصف عشرها، وقد علمت أمثلتها كلها فتفطن (قوله: ويثبت القود للورثة إلخ) شروع في بيان مستحق القود ومستوفيه (قوله: العصبة) بدل من الورثة وهي كل من لبس له فروض مقدرة، (وقوله: وذي الفروض) الاولى وذوي، بصيغة الجمع، وهم كل من له فروض مقدرة كالزوجين والام والاخ من الأم (قوله: بحسب إرثهم) متعلق بيثبت: أي يثبت القود لمجموع الورثة بحسب إرثهم: أي يوزع عليهم بحسب إرثهم كالدية فإنها تثبت لهم بحسب ذلك والقود يثبت لهم بطريق التلقي عن الميت لا ابتداء على المعتمد فإذا عفي عنه على مال تعلقت به الديون وجهز منه لأن ذلك من جملة تركه الميت، وقيل يثبت لهم ابتداء فلا يوفي الدين من المال الذي عفي عليه على هذا (قوله: ولو مع بعد القرابة) غاية في ثبوته للورثة: أي يثبت القود لهم بحسب إرثهم مطلقا سواء كان إرثهم ثابتا لهم مع قرابة قريبة أو بعيدة أو مع عدمها رأسا.
وعبارة المنهاج مع شرح م ر: الصحيح ثبوته لكل وارث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم المال، سواء أورث بنسب وإن بعد: كذي رحم إن ورثناه، أم بسبب كالزوجين والمعتق والامام فيمن لا وارث له مستغرق.
انتهت (قوله: كذي رحم) تمثيل لذي القرابة البعدية.
(وقوله: إن ورثناه) أي ذا الرحم، أي بأن فقد أرباب الاستحقاق ولم ينتظم بيت المال (قوله: أو مع عدمها) أي القرابة (قوله: كأحد الزوجين) تمثيل للورثة العادمة للقرابة (قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا كان المستحق للقود غير كامل أو كان غائبا (قوله: يحبس الجاني) أي يحبسه الحاكم وجوبا من غير توقف على طلب ولي ولا حضور غائب ضبطا للحق من عذر مستحقه، وإنما توقف حبس الحامل التي أخر قتلها لاجل الحمل على طلبه للمسامحة فيها رعاية للحمل.
كذا في التحفة.
(قوله: إلى كمال الصبي) أي فينتظر حتى يكمل بالبلوغ، ومثله المجنون فينتظر حتى يكمل بالافاقة، وإنما انتظر ذلك لان القود للتشفي ولا يحصل باستيفاء غير المستحق له من ولي أو حاكم أو بقية الورثة، فإن كان الصبي والمجنون فقيرين محتاجين للنفقة جاز لولي المجنون غير الوصي العفو على الدية دون ولي الصبي لان له غاية تنتظر، بخلاف المجنون، وفي ع ش ما نصه: لو استوفاه أي القود، الصبي في حال صباه فينبغي الاعتداد به، (وقوله: من الورثة) أي حال كون الصبي من الورثة، (وقوله: بالبلوغ) متعلق بكمال (قوله: وحضور الغائب) معطوف على كمال: أي ويحبس(4/144)
الجاني إلى حضور المستحق للقود الغائب، (وقوله: أو إذنه) أي الغائب لبقية الورثة في أخذ القود (قوله: فلا يخلى
بكفيل) مفرع على قوله يحبس الجاني: أي وإذا كان الجاني يحبس: أي وجوبا فلا يترك مطلقا من غير حبس بضامن، (وقوله: لأنه) أي الجاني، (وقوله: قد يهرب) بضم العين مضارع هرب بفتحها مثل طلب يطلب، وقوله فيفوت الحق: مفرع على الهرب (قوله: والكلام الخ) أي والكلام المذكور في الجاني من كونه يحبس إلى كمال الصبي أو حضور الغائب ولا يخلى بكفيل محله في جان غير قاطع طريق (قوله: أما هو) أي قاطع الطريق (قوله: إذا تحتم قتله) أي بأن أخذ المال وقتل (قوله: فيقتله الامام) في شرح الروض قاطع الطريق أمره إلى الامام لتحتم قتله، لكن يظهر أن الإمام إذا قتله يكون لنحو الصبي الدية في ماله: أي قاطع الطريق لأن قتله لم يقع عن حقه.
اه.
(وقوله: مطلقا) أي سواء كان المستحق صبيا أم لا غائبا أم لا (قوله: ولا يستوفي القود إلا واحد الخ) أي ويمتنع اجتماعهم على قتل أو نحو قطع ولا يمكنهم الامام من ذلك لو أرادوه لان فيه تعذيبا، ومن ثم لو كان القود بنحو إغراق جاز اجتماعهم، كما صرح به البلقيني، اه شرح م ر (قوله: أو من غيرهم) أي أو واحد من غير الورثة، ويتعين الغير في قود نحو طرف، ولا يجوز أن يكون مستوفيه منهم لانه ربما بالغ في ترديد الآلة فشدد عليه (قوله: بتراض منهم) أي من الورثة كلهم إذا كان المستوفى واحدا من غيرهم، (وقوله: أو من باقيهم) أي الورثة إذا كان المستوفي واحدا منهم، فالكلام على سبيل اللف غير المرتب (قوله: أو بقرعة بينهم) معطوف على بتراض، وما ذكر مختص بما إذا كان المستوفى واحدا منهم: أي ويستوفي القود واحد منهم بقرعة إذا لم يتراضوا: أي يتفقوا على شئ، وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: وليتفقوا على مستوف له، وإلا بأن لم يتفقوا على مستوف وقال كل أنا أستوفية فقرعة يجب على الإمام فعلها بينهم فمن خرجت له استوفى بإذن الباقي إذ له منعه وطلب الاستيفاء بنفسه بأن يقول لا تستوف وأنا أستوفي.
انتهت (قوله: ولو بادر إلخ) المقام للتفريع: أي فلو أسرع أحد المستحقين في القتل من غير إذن الباقين (قوله: فلا قصاص عليه) أي على المبادر لان له حقا في قتله في هذه الحالة.
قال في النهاية: نعم لو حكم حاكم بمنعه من المبادرة قتل جزما أو باستقلاله لم يقتل جزما كما لو جهل تحريم المبادرة.
اه.
ومثله في التحفة (قوله: قبل عفو منه) أي من المبادر بالقتل، (وقوله: أو من غيره) أي أو قبل عفو من غيره من بقية الورثة (قوله: وإلا فعليه القصاص) أي وإن لم يكن القتل قبل العفو منه أو من غيره بأن كان بعده فيجب على المبادر من المستحقين القصاص والمستحق له ورثة الجاني الذي بودر بقتله ولبقية ورثة المجني عليه أولا قسط الدية من تركته لفوات القود بغير اختيارهم (قوله: ولو قتله) أي الجاني من غير إذن المستحقين (قوله: أخذ الورثة) أي ورثة المجني عليه أولا (قوله: من تركة الجاني) أي لأنه هو القاتل لمورثهم فهو المطالب بالحق (وقوله: لا من الاجنبي) أي لا
توجد من الاجنبي لانهم ليس لهم حق عليه والحق إنما هو لوارث الجاني.
على الاجنبي الذي جنى عليه فإما أن يقتص منه أو يعفو عنه (قوله: ولا يستوفي الخ) أي لخطره احتياجه إلى النظر لاختلاف العلماء في شروطه.
قال في شرح المنهج: نعم لا يحتاج مالك رقيق في رقيقه إلى الاذن ولا مضطر لاكل من له عليه قود ولا منفردا لا يراه أحد وعجز عن الاثبات اه.
(وقوله: إلا بإذن الامام) ويتعين عليه أن لا يأذن إلا لعارف بالاستيفاء أهل له أما غير العارف أو غير الاهل كالشيخ والزمن والمرأة فلا يأذن له في الاستيفاء.
(وقوله: أو نائبه) أي الذي تنالت ولايته إقامة الحدود عليه اه.
م ر (قوله: فإن استقل) أي المستحق.
(وقوله: به) أي القود (وقوله: عزر) أي عزره الامام التعزير اللائق به على حسب ما(4/145)
يراه.
(قوله تتمة) أي في حكم ما يلقى في البحر إذا أشرفت السفينة على الغرق من جواز الالقاء أو وجوبه.
وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا أشرفت سفينة فيها متاع وركاب على غرق وخيف غرقها بما فيها يجوز طرح متاعها عند توهم النجاة بأن اشتد الامر وقرب اليأس ولم يفد الالقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا نوع خوف غير قوي حفظا للروح، ويجب طرح ذلك عند ظن النجاة مع قوة الخوف لو لم يطرح، وينبغي للمالك، إذا تولى، الالقاء بنفسه أو غيره بإذنه العام له تقديم الاخف قيمة من المتاع والحيوان حفظا للمال حسب الامكان، فإن لم يلق من وجب عليه الالقاء حتى حصل الغرق وهلك به شئ أثم ولا ضمان (قوله: يجب عند هيجان البحر) أي شدة اضطرابه بسبب كثرة الامواج فيه وتعرض المؤلف لحالة الوجوب ولم يتعرض لحالة الجواز، وقد علمتها في الحاصل المار (قوله: وخوف الغرق) أي خوفا قويا بحيث يغلب الهلاك لو لم يطرح وإلا فلا يجب كما علمت (قوله: إلقاء) فاعل يجب (قوله: من المتاع) بيان لغير الحيوان (قوله: لسلامة الخ) علة لوجوب إلقاء غير حيوان: أي يجب الالقاء لاجل سلامة حيوان محترم ولو كلبا (قوله: وإلقاء الدواب الخ) معطوف على إلقاء غير الحيوان أي ويجب إلقاء الدواب لاجل سلامة الآدمي المحترم (قوله: إن تعين) أي إلقاء الدواب بأن لم يمكن في دفع الغرق غيره، فإن أمكن غيره في دفع الغرق لم يجب بل لا يجوز أفاده في الروض وشرحه.
وقوله لدفع الغرق: أي غرق الآدمي المحترم (قوله: وإن لم يأذن المالك) غاية لوجوب الالقاء في الصورتين: أي يجب إلقاء ما ذكر من المتاع أو الدواب سواء أذن المالك لهما فيه أو لم يأذن لكنه يضمن الملقى فيما إذا كان بغير الاذن كما سيصرح به، (قوله: أما المهدر) مفهوم محترم الذي هو قيد في الحيوان في الآدمي (قوله: كحربي) أي وككلب عقور وتارك الصلاة بعد أمر الامام وقاطع الطريق (قوله: فلا يلقى) أي في البحر،
وقوله لأجله.
أي المهدر وقوله مال مطلقا: أي سواء كان متاعا أو دواب (قوله: بل ينبغي أن يلقي هو) أي المهدر.
قال في التحفة: ويؤيده بحث الأذرعي أنه لو كان، ثم أسرى وظهر للامام المصلحة في قتلهم بدأ بهم قبل المال اه.
(وقوله: بدأ بهم) أي في إلقائهم في البحر قبل المال (قوله: لاجل المال) أي سلامته (قوله: ويحرم إلقاء العبيد للاحرار) أي لسلامة الاحرار، وكذلك يحرم إلقاء كافر لمسلم وجاهل لعالم متبحر ولو انفرد وغير شريف لشريف لاشتراك الجميع في أصل التكريم وإن تفاوتوا في الصفات، وحينئذ فيبقون كلهم، فإما أن يغرقوا كلهم، أو يسلموا كلهم (قوله: والدواب الخ) أي ويحرم إلقاء الدواب لاجل سلامة ما لا روح له من الامتعة (قوله: ويضمن ما ألقاه) أي من غير الحيوان لاجل سلامة الحيوان المحترم ومن الدواب لاجل سلامة الآدمي المحترم، ولا ينافي الضمان عدم الاثم في الالقاء لانه واجب مطلقا، كما صرح به، لان الاثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان لأن من باب خطاب الوضع (قوله: ولو قال) أي شخص من ركاب السفينة، (وقوله: لآخر) أي شخص آخر غير المالك، (وقوله: ألق الخ) الجملة مقول القول، وقوله متاع زيد: خرج به ما لو قال له ألق متاعك وعلي ضمانه فألقاه لزم الآمر ضمانه وإن لم يكن له في السفينة شئ ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فصار كقوله أعتق عبدك عني بكذا فأعتق، بخلاف ما لو اقتصر على قوله ألق متاعك ففعل فلا ضمان، ويشترط لضمان الآمر شرطان: أن يخاف الغرق، وأن لا يختص مالكه بفائدة الالقاء بأن يختص بها الملتمس أو أجنبي أو أحدهما مع المالك (قوله: ضمنه الملقى) أي لانه المباشر للاتلاف.
قال في التحفة: نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الامر لان ذلك آلة له.
اه.(4/146)
تنبيه: قال في المغني: سكت المصنف عن المضمون أهو المثل ولو صورة كالقرض أو المثل في المثلى والقيمة في المقوم أو القيمة مطلقا؟ ظاهر كلامهم الاخير، وإن كان الملقى مثليا، ورجحه البلقيني لما في إيجاب المثل من الاجحاف، وجزم في الكفاية بالوسط، ورجحه الاذرعي، وهو كما قال شيخي أوجه من كلام البلقيني، خلافا لبعض المتأخرين، وتعتبر قيمة الملقى حيث أوجبناها قبل هيجان البحر إذ لا قيمة له حينئذ.
اه.
بتصرف، وفي الروض وشرحه ما نصه: فرع: لو لفظ البحر المتاع الملقى فيه على الساحل وظفرنا به أخذه المالك واسترد الضامن منه عين ما أعطى إن كان باقيا، وبدله إن كان تالفا ما سوى الارش الحاصل بالغرق فلا يسترده.
اه (قوله: فرع أفتى أبو إسحاق إلخ) عبارة
التحفة في فصل عدة الحامل.
فرع: اختلفوا في التسبب لاسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما، والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة، ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالامارات، وفي حديث مسلم أنه يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة: أي ابتداؤه كما مر في الرجعة، ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله، كما صرح به كثيرون، وهو وظاهر.
اه.
والذي رجحه م ر أنه بعد نفخ الروح يحرم مطلقا ويجوز قبله ونص عبارته في باب أمهات الاولاد بعد كلام.
قال الدميري: لا يخفى أن المرأة قد تفعل ذلك بحمل زنا وغيره، ثم هي إما أمة فعلت ذلك بإذن مولاها الواطئ لها وهي مسألة الفراتي أو بإذنه وليس هو الواطئ وهو صورة لا تخفى، والنقل فيها عزيز، وفي مذهب أبي حنيفة شهير، ففي فتاوى قاضيخان وغيره أن ذلك يجوز، وقد تكلم الغزالي عليها في الاحياء بكلام متين غير أنه لم يصرح بالتحريم.
اه.
والراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله.
اه.
(قوله: يحل سقي أمته) الامة ليس بقيد كما يعلم ذلك من عبارة التحفة في النكاح ونص عبارته: واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة إلخ.
اه.
(قوله: مطلقا) المراد بالاطلاق هنا وفيما يأتي ما يشمل العلقة والمضغة وحالة ما بعد نفخ الروح (قوله: وكلام الاحياء يدل على التحريم) أي وليس صريحا فيه وعبارته بعد أن قرر أن العزل خلاف الاولى: وليس هذا كالاستجهاض والوأد، أي قتل الاطفال، لانه جناية على موجود حاصل، فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا.
اه.
(قوله: قال شيخنا الخ) عبارته.
فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقي أمته لتسقط ولدها ما دام علقة ومضغة وبالغ الحنفية فقال: يجوز مطلقا، وكلام الاحياء يدل على التحريم مطلقا وهو الاوجه كما مر اه.
أي في فصل عدة الحامل، وقد علمت عبارته آنفا.
(قوله: خاتمة) أي في بيان وجوب الكفارة (قوله: تجب الكفارة إلخ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) *، وخبر واثلة بن الاسقع قال: أتينا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال:
__________
(1) سورة النساء، الاية: 92.(4/147)
أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار رواه أبو داود وصححه الحاكم وغيره.
وقوله على من قتل: أي على كل قاتل ولو كان كافرا غير حربي أو صبيا أو مجنونا أو عبدا أو أمة، ولا فرق في القتل بين أن يكون بمباشرة أو تسبب أو شرط، فدخل فيه شاهد الزور والمكره، بكسر الراء، وحافر بئر عدوانا.
واعلم، أنه لا كفارة في القتل بالحال كأن توجه ولي بحاله إلى شخص فقتله كما أنه لا ضمان فيه بقود ولاية، كما مر عن التحفة، ولا في القتل بالدعاء كما نقل ذلك عن جماعة من السلف.
قال مهران بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير بن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد، فقال قتلت رجل فقال لا: ولكنها دعوة وافقت أجلا، ولا في القتل بالعين كما لا ضمان فيه بالقود ولا بالدية كما مر وإن اعترف به وإن كان ذلك حقا.
وينبغي للامام حبس العائن أو أمره بلزوم بيته ويرزقه من بيت المال ما يكفيه إن كان فقيرا لان ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر من مخالطة الناس.
وبندب للعائن أن يدعو للمعيون بأن يقول له باسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم بارك فيه ولا تضره.
أو يقول: حصنتك بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنك السوء بألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهكذا ينبغي للانسان إذا رأى نفسه سليمة وأحواله مستقيمة أن يقول ذلك ولو في نفسه.
وكذلك ينبغي للشيخ إذا استكثر تلامذته أو استحسن حالهم أن يقول ذلك، ومثله الوالد في ولده، وفي الأذكار ما نصه: ذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمهم الله في كتابه التعليق في المذهب قال: نظر بعض الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما فاستكثرهم وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أنك عنتهم ولو أنك إذ عنتهم حصنتهم لم يهلكوا.
قال وبأي شئ أحصنهم؟ فأوحى الله تعالى إليه تقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال المعلق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي، رحمه الله، إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم حصنهم بهذا المذكور.
اه.
(قوله: من يحرم قتله) أي من كل نفس معصومة عليه فدخل فيه نفسه لانها معصومة عليه وعبد نفسه، ودخل أيضا الزاني المحصن ونحوه من كل مهدر إذا كان هو، أي القاتل، مهدرا مثله لما مر أنه معصوم بالنسبة لمثله.
وخرج به الحربي وكل مهدر إذا لم يكن القاتل مثله وباغ وصائل ومقتص منه قتله المستحق فلا كفارة في قتلهم كما لا ضمان فيهم بقود ولا دية - كما مر - (قوله: خطأ
كان) أي القتل.
(وقوله: أو عمدا) أي أو شبه عمد لكن تجب في الخطأ على التراخي وفي العمد وشبهه على الفور تداركا للاثم (قوله: وهي) أي الكفارة.
(وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقبة: أي مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل أو الكسب (قوله: فإن لم يجد) أي الرقبة بشروطها، والمراد لم يجدها حسا بأن فقدها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن مثلها أو وجدها بثمنها وعجز عنه، (وقوله: فصيام شهرين) أي فعليه صيام شهرين مع النية.
ويشترط فيها ما مر في باب الصوم من تبييتها وتعيينها بكونها من الكفارة، ولا يشترط نية التتابع على المعتمد، فإن عجز المكفر عن الصيام فلا إطعام على الاصح.
نعم: لو مات أطعم عنه بدلا عن الصوم الواجب - كما علم مما مر في باب الصوم - (وقوله: متتابعين) أي بأن لا يفصل بين أيام الصوم فاصل فينقطع التتابع بفطر يوم ولو بعذر لا ينافي الصوم كمرض، بخلاف العذر الذي ينافي كجنون وحيض ونفاس فلا يقطع التتابع.
واعلم أن صوم الفرض من حيث التتابع وعدمه ثلاثة أنواع: الاول ما يجب فيه التتابع وهو صوم رمضان وكفارة الظهار وكفارة القتل وكفارة الجماع في نهار رمضان عمدا وصوم النذر الذي شرط فيه التتابع، الثاني ما يجب فيه التفريق: وهو صوم التمتع والقران وفوات النسك وترك الواجب فيه وصوم النذر المشروط فيه التفريق، الثالث ما يجوز فيه الامران: وهو قضاء رمضان وكفارة الجماع في النسك وكفارة اليمين وفدية الحلق والصيد والشجر واللبس والتطيب والاحصار وتقليم الاظفار ودهن غير الرأس أو اللحية في الاحرام وصوم النذر المطلق والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/148)
باب في الردة
أي في بيان أحكامها، أعاذنا الله وأحبتنا وجميع المسلمين منها، وإنما ذكر هذا الباب بعدما قبله لانه جناية مثله، لكن ما تقدم من أول الجناية إلى هنا متعلق بالنفس وهذا متعلق بالدين، وأخره عما تقدم، وإن كان هذا أهم، لكثرة وقوع ذلك اه.
ع ش، وحاصل الكلام على أنواع الردة أنها تنحصر في ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها يتشعب شعبا كثيرة.
فمن الأول: الشك في الله أو في رسالة رسوله أو في شئ من القرآن أو في اليوم الآخر أو في وجود الجنة أو النار أو في حصول الثواب للمطيع والعقاب للعاصي أو فيما هو مجمع عليه مما هو معلوم من الدين بالضرورة أو اعتقاد فقد صفة من صفاته تعالى أو تحليل ما هو حرام، ومن الثاني السجود لصنم أو لشمس أو مخلوق آخر، ومن الثالث قوله لمسلم يا كافر أو يا عديم الدين قاصدا بالاول أن دينه المتلبس به وهو الاسلام كفر، وبالثاني أن ما هو متصف به لا
يسمى دينا، أو قوله لو آخذني الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض والشدة ظلمني، أو قوله أنا أفعل بغير تقدير الله عند سماعه من يقول فعلك هذا بتقدير الله تعالى، أو قوله لو شهد عندي جميع المسلمين ما قبلتهم استهزاء بهم وسخرية، أو قوله للمفتي عند إعطائه جواب سؤال استفتاه فيه أي شئ هذا الشرع ويرمي الجواب استخفافا بالشرع، أو قوله: وقد أمر بحضور مجلس علم أي شئ أعمل بمجلس العلم، أو لعنة الله على كل عالم قاصد الاستخاف ان لم يرد الاستغراق وإلا لم يشترط الاستخفاف لشموله الانبياء والملائكة، أو قوله يكون الابعد قوادا إن صليت أو صمت، أو ما أصبت خيرا منذ صليت، أو الصلاة لا تصلح لي قاصدا بذلك الاستخفاف أو الاستهزاء، أو قول مريض طال مرضه توفني مسلما أو كافرا إن شئت، أو قول معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين لانهم يقضون حق معلمي أولادهم لكن إن قصد الخيرية المطلقة ومما يخشى منه الكفر، والعياذ بالله تعالى، شتم رجل اسمه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاكرا النبي، والكلام بكلام الدنيا عند سماع قرآن أو أذان، وقوله للقراء هؤلاء آكلوا الربا، وقوله لصالح وجهه كالخنزير، أو أنا أريد المال سواء كان من حلال أو حرام.
واعلم: أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك فيجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ذلك لعلهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبط أعمالهم ويخلدون في أعظم العذاب، وأشد العقاب، ومعرفة ذلك أمر مهم جدا، وذلك لأن من لم يعرف الشر يقع فيه وهو لا يدري، وكل شر سببه الجهل، وكل خير سببه العلم، فهو النور المبين، والجهل بئس القرين، وقد استوفى الكلام على جميع أنواع الردة وبيان المختلف فيه منها والمتفق عليه ابن حجر في كتابه المسمى بالاعلام بقواطع الاسلام، فمن أراد الاحاطة بجميع ذلك فعليه بالكتاب المذكور (قوله: الردة لغة الرجوع) أي عن مطلق شئ إلى غيره سواء كان رجوعا عن الاسلام إلى غيره وهو الكفر أو عن شئ آخر إلى غيره فالمعنى اللغوي أعم من الشرعي كما هو الغالب (قوله: وهي) أي الردة.
(وقوله أفحش أنواع الكفر) أي أغلظ من غيرها من بقية أنواع الكفر وذلك لقوله تعالى: * (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * الآية، وقوله تعالى: * (ومن يبتغ
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 217.(4/149)
غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) * ولخبر البخاري من بدل دينه فاقتلوه (وقوله: ويحبط بها العمل) أي الحاصل منه قبل الردة فكأنه لم يعمل شيئا ويترتب على ذلك وجوب مطالبته به في الآخرة، (وقوله إن اتصلت بالموت) فإن لم تتصل
به بأن أسلم قبله فلا يحبط بها العمل وإنما يحبط بها ثوابه فقط فيدعو له العمل مجردا عن الثواب، ويترتب على ذلك أنه لا يجب عليه قضاؤه ولا يطالب به في الآخرة (قوله: فلا يجب إعادة إلخ) مفرع على مفهوم قوله إن اتصلت بالموت وهو فإن لم تتصل بالموت فلا يحبط عمله فلا يجب إعادة، ولعله سقط هذا المفهوم من النساخ (قوله: وقال أبو حنيفة تجب) أي الاعادة لانها يحبط بها عنده العمل مطلقا ولو لم تتصل بالموت (قوله: وشرعا) معطوف على لغة (قوله: قطع مكلف) من إضافة المصدر لفاعله، وخرج به الكفر الاصلي فلا يسمى ردة وهي تفارقه في أمور منها أن المرتد لا يقر على ردته فلا يقبل منه إلا الاسلام، ومنها أنه يلزم بأحكامنا لالتزامه لها بالاسلام، ومنها إنه لا يصح نكاحه، ومنها تحرم ذبيحته ولا يستقر له ملك ولا يسبى ولا يفادي ولا يمن عليه ولا يرث ولا يورث، بخلاف الكافر الاصلي في جميع ذلك، (قوله: فتلغو) أي الردة: أي لا يؤاخذ بها (وقوله من صبي ومجنون) أي وسكران غير معتد بسكره (قوله: ومكره عليها) أي وتلغو من مكره عليها لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (قوله: إسلاما) أي دوام إسلام، وهو مفعول قطع، وخرج به قطع الصلاة ونحوها فلا يسمى ردة (قوله: بكفر) متعلق بقطع، وقوله عزما تمييز محول عن المضاف والاصل بعزم كفر (قوله: حالا أو مآلا) يعني أن العزم على الكفر يقطع الاسلام سواء عزم أن يكفر حالا أو عزم أن يكفر غدا، ومثل العزم على التردد فيه فيكفر به أيضا (قوله: فيكفر به حالا) أي فيكفر بعزمه على الكفر في المآل: أي المستقبل حالا (قوله: أو قولا أو فعلا) معطوفان على عزما فهما منصوبان عى التمييز أيضا لان المعطوف على التمييز تمييز وهما محولان عن المضاف أيضا، والتقدير أو قول كفر أو فعله، وقد علمت بعضا من الاقوال المكفرة والافعال كذلك، ومن الاول أيضا غير ما تقدم أن يقول الله ثالث ثلاثة، ومن الثاني غير ما تقدم أن يلقى مصحفا وكتب علم شرعي أو ما عليه اسم معظم في قاذورة ولو طاهرة، وأما ضرب الفقيه مثلا للاولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم أو رميهم بها من بعد فقال ع ش: الظاهر أنه ليس كفرا لأن الظاهر من حال الفقيه أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن.
نعم: ينبغي حرمته لاشعاره بعدم التعظيم كما قالوه فيما لو روح بالكراسة على وجهه (قوله: باعتقاد) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لما قبله، وظاهر عبارته أن الاعتقاد وما بعده من العناد والاستهزاء مختصان بالقول والفعل وليس كذلك، بل تأتي الثلاثة أيضا في العزم على الكفر، كما صرح بذلك في التحفة والنهاية فعزمه عليه يكون مع اعتقاد أو عناد أو استهزاء، قال بعضهم لا يظهر الاستهزاء في العزم.
وقوله أي معه: أفاد أن الباء بمعنى مع (قوله: أو مع عناد) أي بأن عر ف أن الحق باطنا وامتنع أن يقر به كأن يقول الله ثالث ثلاثة، أو يسجد لصنم عنادا لمن يخاصمه مع اعتقاد أن الله واحد، أو أن السجود لا يكون إلا لله (قوله: أو مع
استهزاء) مثل م ر للاستهزاء في القول بما إذا قيل له قلم أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعله وإن كان سنة أو لو جاءني به النبي ما قبلته ما لم يرد المبالغة في تبعيد نفسه أو يطلق فإن المتبادر منه التبعيد، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا للسبكي في أنه ليس من التنقيص قول من سئل في شئ لو جاءني جبريل أو النبي ما فعلته.
اه (قوله: بخلاف الخ) مقابل قوله باعتقاد وما معه: أي أن هذه الثلاثة أعني العزم على الكفر، أو قوله أو فعله تقطع الاسلام، ويحصل بها الردة بالاعتقاد أو العناد أو الاستهزاء.
أما إذا لم تقترن بها بل اقترنت بسبق لسان أو حكاية كفر أو غير ذلك فلا تقطع الاسلام ولا يحصل بها الردة.
(وقوله: ما لو اقترن به) ما واقعة على الثلاثة الأول: أعني العزم والقول والفعل، وضمير به يعود عليها.
(وقوله:
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 85.
(2) سورة النحل، الاية: 106.(4/150)
كسبق لسان إلخ) تمثيل لما يخرجه عن الكفر.
(وقوله: أو حكاية كفر) أي كفر غيره كأن يقول قال فلان أنا الله مثلا.
(وقوله: أو خوف) أي كأن يكون في بلاد الكفر وأمروه بالسجود لصنم فسجد له خوفا منهم أن يقتلوه لو لم يسجد، ومثل ما ذكر من سبق اللسان وما بعده الاجتهاد فيما لم يقم الدليل القاطع على خلافه كاعتقاد المعتزلة عدم رؤية الباري في الآخرة أو عدم عذاب القبر أو نعيمه فلا يكفرون بذلك لانه اقترن به اجتهاد (قوله: وكذا قول الولي) أي مثل ما اقترن به ما يخرجه عن الردة قول الولي في حال غيبته أنا الله فلا يقتل لعدم تكليفه حينئذ.
وعبارة المغني: وخرج بذلك من سبق لسانه إلى الكفر أو أكره عليه فإنه لا يكون مرتدا، وكذا الكلمات الصادرة من الاولياء في حال غيبتهم، وفي أمالي الشيخ ابن عبد السلام أن الولي إذا قال أنا الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي الولاية لانهم غير معصومين، وينافي هذا قول القشيري من شرط الولي أن يكون محفوظا كما إن من شرط النبي أن يكون معصوما، فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع، فالولي الذي توالت أفعاله على الموافقة، وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق فتوقف فيه، وقال هذا رجل خفي علي أمره، وأما أقول فيه شيئا، وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو والجنيد وفقهاء عصره، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط، فإن مات وإلا ضرب ألفا أخري، فإن لم يمت قطعت يداه ورجلاه ثم ضرب عنقه، ففعل به جميع ذلك لست بقين من ذي الحجة ستة تسع وثلثمائة والناس مع ذلك يختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفره لانه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري، تبعا لغيره، على كفر من شك في كفر طائفة، كابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد، وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم، ولكن كلام هؤلاء
جار على اصطلاحهم: إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يعرف فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافرا.
اه.
وفي شرح الروض بعد كلام: والحق أن هؤلاء، أي الطائفة كابن عربي، مسلمون أخيار وكلامهم جار على اصطلاحهم كسائر الصوفية وهو حقيقة عندهم في مرادهم وإن افتقر عند غيرهم ممن لو اعتقد ظاهره عنده كفر إلى تأويل: إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره بالمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وقد نص على ولاية ابن عربي جماعة علماء عارفون بالله منهم الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والشيخ عبد الله اليافعي ولا يقدح فيه وفي طائفة ظاهر كلامهم المذكور عند غير الصوفية لما قلناه ولانه قد يصدر عن العارف بالله إذا استغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر بالحلول والاتحاد لقصود العبارة عن بيان حاله الذي ترقى إليه وليست في شئ منهما كما قاله العلامة السعد التفتازاني وغيره.
اه.
في حاشية الامير علي عبد السلام الناس في التوحيد متفاوتون، فالعامة الاسلامية اقتصروا على علم ظاهر لا إله إلا الله، ومنهم من ترقى إلى معرفة ما يمكن بالبراهين الفكرية، ومنهم من فتح عليه بأمور وجدانية، ومنهم من ذاق الكل من الله وإليه فرضي بكل شئ من هذه الحيثية، كما سبقت الاشارة إليه غير مرة، ومنهم من غاب عن المغايرة وطفح في سكره حيث قال أنا الله، أو ما في الجبة إلا الله، أو ما في الكون إلا الله، فمنهم من عذرهم بذلك، ومنهم من عاقبهم، والكل على خير إن شاء الله تعالى حيث صح الأصل.
اه (قوله: وما وقع) مبتدأ، خبره غير مراد به ظاهره، والمعنى أن ما وقع في عبارات القوم مما يوهم الكفر كالكلمات المتقدمة غير مراد به ظاهره، بل له معنى صحيح عندهم اصطلحوا عليه (قوله: كما لا يخفى على الموفقين) أي المنورين البصيرة (قوله: نعم يحرم الخ) استدراك على كون ما وقع من هذه الطائفة غير مراد ظاهره بل له معنى صحيح عندهم (قوله: مطالعة) فاعل يحرم (قوله: فإنها) أي مطالعة كتبهم، (وقوله: مزلة قدم) أي موضع زللها، والمراد من طالع كتبهم وهو لا يعرف حقيقة اصطلاحهم يكون ذلك له سببا في زلله وخروجه(4/151)
عن سنن أهل الحق والاستقامة إلى سنن أهل البدع والضلالة (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنها مزلة قدم (قوله: وقول ابن عبد السلام إلخ) عبارة التحفة: وقوله ابن عبد السلام يعزر ولي قال أنا الله ولا ينافي ذلك ولايته لانه غير معصوم فيه نظر لأنه إن كان غائبا فهو غير مكلف لا يعزر كما لو أول بمقبول، وإلا فهو كافر، ويمكن حمله على ما إذا شككنا في حاله
فيعزر فطما له ولا يحكم عليه بالكفر لاحتمال عذره ولا بعدم الولاية لانه غير معصوم.
اه (قوله: وذلك) أي المكفر قولا أو فعلا أو عزما، لكن الأمثلة التي ذكرها بعضها يناسب الاول، وبعضها يناسب الثاني، وبعضها يناسب الثالث فتكون على التوزيع، (وقوله: كنفي صانع) أي وجوده وهو الله سبحانه وتعالى والذي نفى الصانع الدهرية وهم طائفة يزعمون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع، ومثله نفي صفة من صفاته الواجبة له تعالى إجماعا كالقدم والبقاء ونكر لفظ صانع لانه هو الوارد ففي حديث الطبراني والحاكم اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع (قوله: ونفي نبي) أي نبوته، والمراد نبي من الانبياء الذين يجب الإيمان بهم تفصيلا، وهم الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن وقد نظمهم بعضهم في قوله: حتم على كل ذي التكليف معرفة لانبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا (قوله: أو تكذيبه) أي نبي من الانبياء، ومثل التكذيب تنقيصه بأي منقص كان: كأن صغر اسمه مريدا تحقيره.
وخرج بتكذيبه الكذب عليه فلا يكون كفرا وإن كان حراما.
قال في التحفة: وقول الجويني أن الكذب على نبينا - صلى الله عليه وسلم - كفر بالغ ولده إمام الحرمين في تزييفه وأنه زلة.
اه (قوله: وجحد مجمع عليه) أي إنكار ما أجمع على إثباته أو على نفيه فدخل فيه جميع الواجبات المجمع عليها وجميع المحرمات كذلك، ودخل أيضا القرآن فمن أنكر وجوب شئ من الواجبات كالصلاة والصوم أو حرمة شئ من المحرمات المجمع عليها كالزنا واللواط وشرب الخمر أو أنكر شيئا من القرآن، ولو آية، كفر بذلك، وسبب التكفير به - كما في التحفة - أن في إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة تكذيبا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: معلوم من الدين بالضرورة) أي معلوم من أدلة ديننا علما يشبه الضروري الذي لا يحتاج إلى نظر واستدلال بحيث استوى في معرفته العامة والخاصة.
قال اللقاني: ومن لمعلوم ضرورة جحد من ديننا يقتل كفرا ليس حد (قوله: من غير تأويل) متعلق بجحد، أي جحد من غير تأويل: أي أو بتأويل قطعي بالبطلان كجحد أهل اليمامة وجوب الايمان بعد موته - صلى الله عليه وسلم - قائلين أنه لا يجب الايمان إلا في حياته لانقطاع شريعته بموته كبقية الانبياء فهذا التأويل باطل قطعا لان شريعته - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، أما ما كان بتأويل غير قطعي البطلان كجحد كفر فرعون وإثبات إيمانه تمسكا بظاهر
قوله تعالى: * (قال آمنت) * الآية فلا يكون مكفرا لوجود تأويل وإن كان فاسدا لان الايمان لا ينفع عند يأس الحياة بأن وصل لآخر رمق كالغرغرة وإدراك الغرق في الآية من ذلك كما هو واضح لكنه غير قطعي الفساد.
والحاصل كفر فرعون مجمع عليه لما ذكر لكن من جحد ذلك لا يكفر لوجود تأويل ما قال وفي التحفة بعد كلام: وبما تقرر علم خطأ من كفر القائلين بإسلام فرعون لانا وإن اعتقدنا بطلان هذا القول لكنه غير ضروري وإن فرض أنه
__________
(1) سورة يونس، الاية: 90.(4/152)
مجمع عليه بناء على أنه لا عبرة بخلاف أولئك إذ لم يعلم أن فيهم من بلغ مرتبتة الاجتهاد.
اه (قوله: وان لم يكن فيه نص) غاية في تكفير جاحد مجمع عليه: أي يكفر به وإن لم يكن لهذا المجمع عليه نص من القرآن أو السنة كالاجماع السكوتي (قوله: كوجوب الخ) تمثيل للمجمع عليه فإذا جحده كفر.
وقوله نحو الصلاة: أي كالصيام والزكاة والحج (قوله: وتحليل نحو البيع والنكاح) عطف على وجوب: أي وكتحليل الخ: أي فهو مجمع عليه، فمن جحده كفر (قوله: وندب الرواتب) أي السنن الراتبة: أي فهو مجمع عليه، فمن أنكره كفر، وقوله والعيد: عطف على الرواتب أي وندب العيد: أي صلاته قال في الاعلام وفي تعليق البغوي من أنكر السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر، والمراد إنكار مشروعيتها لانها معلومة من الدين بالضرورة ومنكر هيئة الصلاة زعما منه أنها لم ترد إلا مجملة وهذه الصفات والشروط لم ترد بنص جلي متواتر يكفر أيضا إجماعا اه.
(قوله: بخلاف مجمع عليه إلخ) محترز قوله معلوم من الدين بالضرورة.
(وقوله: لا يعرفه إلا الخواص) أي دون العوام.
قال ع ش: ظاهره وإن علمه ثم أنكره وهو المعتمد.
وفي شرح البهجة لشيخ الاسلام ما يخالفه.
اه.
(قوله: كاستحقاقه بنت الابن السدس) تمثيل للمجمع عليه الذي لا يعرفه إلا الخواص: أي فمن جحده لا يكفر به (قوله: وكحرمة نكاح المعتدة) أي فمن جحدها لا يكفر.
قال ع ش: أي مع اعترافه بأصل العدة وإلا فإنكار العدة من أصلها كفر لثبوته بالنص وعلمه بالضرورة.
اه.
(قوله: وبخلاف المعذور) محترز قيد ملحوظ.
أي وجحد مجمع عليه من غير عذر وكان الأولى التصريح به (قوله: كمن قرب عهده بالإسلام) تمثيل للمعذور، ومثله من نشأ ببادية بعيدة عن العلماء (قوله: وسجود لمخلوق) معطوف على نفي صانع: أي وكسجود لمخلوق سواء كان صنما أو شمسا أو مخلوقا غيرهما فيكفر به لانه أثبت لله شريكا.
قال في الإعلام.
سواء كان السجود في دار الحرب أم في دار الإسلام بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره وما في الحلية عن القاضي عن النص أن المسلم لو
سجد للصنم في دار الحرب لم يحكم بردته ضعيف وواضح أن الكلام في المختار.
اه.
(قوله: اختيارا) خرج المكره كأن كان في دار الحرب وأكرهوه على السجود لنحو صنم.
وقوله من غير خوف: لا حاجة إليه لأنه يغني عنه ما قبله (قوله: ولو نبيا) أي ولو كان المخلوق نبيا فإنه يكفر بالسجود له (قوله: وإن أنكر الاستحقاق) أي يكفر بالسجود للمخلوق وإن أنكر استحقاقه له واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة (وقوله: أو لم يطابق الخ) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص.
قال في الاعلام: وفي المواقف وشرحها من صدق بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك سجد للشمس كان غير مؤمن بالاجماع لان سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق ونحن نحكم بالظاهر، فلذلك حكمنا بعدم إيمانه لان عدم السجود لغير الله داخل في حقيقة الايمان حتى لو علم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم واعتقاد الالهية، بل سجد لها وقلبه مطمئن بالتصديق لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله وإن أجرى عليه حكم الكافر في الظاهر.
اه.
(قوله: من دخل دار الحرب) أي من المسلمين (قوله: فسجد) أي من دخل دار الحرب.
(وقوله: لصنم) أي أو نحوه كشمس (قوله: أو تلفظ بكفر) معطوف على سجد لصنم (قوله: ثم ادعى إكراها) خرج به ما إذا لم يدعه فيحكم بكفره مطلقا (قوله: فإن فعله) أي المذكور من السجود والتلفظ بالكفر، والجملة جواب من (وقوله: في خلوته) أي ليس بين أيديهم) (وقوله: لم يقبل) أي لأن قرينة حاله تكذبه (قوله: أو بين أيديهم) معطوف على الجار والمجرور قبله: أي أو فعله بين أيديهم.
(وقوله: قبل) لان قرينة حاله وهي أسره وكونه بين أيديهم تصدقه (قوله: أو تاجر) معطوف على أسير: أي فإن فعله بين(4/153)
أيديهم وهو تاجر فلا يقبل لان عدم الاسر يدل على كذبه (قوله: وخرج بالسجود الركوع) أي فلا يكفر به ولكنه يحرم (قوله: لأن صورته) أي الركوع، وهو علة لعدم كفره بالركوع (قوله: بخلاف السجود) أي فإن صورته لا تقع في العادة لمخلوق (قوله: أن محل الفرق بينهما) أي الركوع والسجود، (وقوله: عند الإطلاق) أي عند عدم قصده شيئا أي أو عند قصده تعظيمه لكن لا كتعظيم الله.
قال البجيرمي: الحاصل أن الانحناء لمخلوق، كما يفعل عند ملاقاة العظماء، حرام عند الاطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى.
اه.
(قوله: فإنه) أي من قصد تعظيم مخلوق بالركوع كتعظيم الله (وقوله لا شك في الكفر) أي في كفره.
فأل عوض عن الضمير.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ قصد ما ذكر (قوله: وكمشى إلى الكنائس) معطوف على كسجود لمخلوق: أي والمكفر أيضا كمشى إلى الكنائس حالة كونه متلبسا بزيهم: أي بهيئتهم التي يتلبسون بها كأن يشد على وسطه زنارا وهو خيط غليظ فيه ألوان
يشد في الوسط فوق الثوب أو يخيط فوق الثياب بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونها أو يضع البرنيطة فيكفر بذلك وأفهم قوله وكمشي إلى الكنائس بزيهم أنه لو فقد أحدهما كأن مشى إلى الكنائس لا بزيهم بل بزي المسلمين أو تزيا بزيهم من غير مشي إليها لا يكفر، وهو كذلك (قوله: وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر) أي فيكفر به.
قال في الاعلام: والمراد بالمستقذر النجاسات مطلقا، بل والقذر الطاهر، كما صرح به بعضهم، ثم قال: وكإلقاء المصحف ونحوه في القذر تلطيخ الكعبة أو غيرها من المساجد بنجس، ولو قيل إن تلطيخ الكعبة بالقذر الطاهر كذلك لم يبعد، إلا أن كلامهم ربما يأباه.
اه.
وقال في التحفة: وقضية قوله كإلقاء أن الالقاء ليس بشرط وأن مماسة شئ من ذلك بقذر كفر أيضا، وفي إطلاقه نظر، ولو قيل لا بد من قرينة تدل على الاستهزاء لم يبعد.
اه.
وقال سم: اختلف مشايخنا في مسح القرآن من لوح المتعلم بالبصاق، فأفتى بعضهم بحرمته مطلقا وبعضهم بحرمته إن بصق على القرآن ثم مسحه، وبحله إن بصق على نحو خرقة ثم مسح بها.
اه.
وقال ع ش: ما جرت به العادة من البصاق على اللوح لازالة ما فيه ليس بكفر، وينبغي عدم حرمته أيضا، ومثله ما جرت العادة به أيضا من مضغ ما عليه قرآن أو نحوه للتبرك به أو لصيانته عن النجاسة.
اه.
(قوله: قال الروياني أو علم شرعي) قال في الاعلام أيضا: وهل مراد الروياني بالعلوم الشرعية الحديث والتفسير والفقه وآلاتها كالنحو وغيره وإن لم يكن فيه آثار السلف أو يختص بالحديث والتفسير والفقه؟ الظاهر الاطلاق، وإن كان بعيد المدرك في ورقة من كتاب نحو مثلا ليس فيها اسم معظم.
اه.
(قوله: ومثله) أي العلم الشرعي، وقوله ما فيه اسم معظم: أي من أسماء الله أو أسماء الانبياء أو الملائكة (قوله: وتردد في كفر) عطف على نفي صانع: أي وكتردد في كفر هل يفعله أم لا؟ فإنه يكفر به حالا.
قال في شرح الروض: لان استدامة الايمال واجبة والتردد ينافيها.
اه.
فإن قلت: التردد من أي قسم من الاقسام السابقة: هل هو من العزم أو الفعل أو القول؟.
قلت: يحتمل أن يكون من العزم لأن المراد به القصد مطلقا سواء كان مع جزم أو مع تردد، ويحتمل أن يكون من الفعل ويراد به ما يشمل الفعل القلبي، ويحتمل أن يكون من الثالث بأن يراد من التردد التردد اللساني لكن الموافق للقلبي كما هو ظاهر (قوله: وكتكفير مسلم) أي بأن قال له يا كافر.
وقوله لذنبه: أي لاجل ارتكابه ذنبا من الذنوب، وهو ليس بقيد، بل مثله بالأولى ما إذا كفره من غير ذنب.
(وقوله: بلا تأويل) أي فيكفر به إن كفره بلا تأويل للكفر ككفر النعمة مثلا، وإلا فلا يكفر (قوله: لانه سمى الاسلام كفرا) علة لمقدر: أي فيكفر من كفر مسلما من غير تأويل لانه سمى الاسلام المتلبس به كفرا، وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قال الرجل لاخيه يا كافر فقد باء بها أي رجع بكلمة الكفر (قوله:
وكالرضا بالكفر) أي فيكفر به.
قال في الاعلام: ومن المكفرات أيضا أن يرضى بالكفر ولو ضمنا: كأن يسأله كافر يريد(4/154)
الاسلام أن يلقنه كلمة الاسلام فلم يفعل أو يقول له اصبر حتى أفرغ من شغلي أو خطبتي ولو كان خطيبا، وكأن يشير عليه بأن لا يسلم وإن لم يكن طالبا لاسلام فيما يظهر.
اه.
(قوله: فيكفر في الحال) تفريع على جميع ما مر من نفي صانع إلى هنا بدليل قوله في كل ما مر.
(وقوله: لمنافاته) أي ما مر للاسلام (قوله: وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن) أي لانه مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة.
(قوله: أو حرفا منه) أي أو أنكر حرفا من القرآن: أي أو آية مجمعا عليها كبسملة النمل التي في وسطها، أما بسملة الفاتحة فلا يكفر من نفاها منها لعدم الاجماع عليها، ومثله ما لو زاد فيه آية معتقدا أنها منه فيكفر به.
تنبيه: قال شيخنا الاستاذ العارف بربه المنان سيدنا السيد أحمد بن زيني دحلان في كتابة له في التجويد ما نصه: قد كفر بعضهم من وقف على نحو قوله تعالى: * (وقالت اليهود) * وابتدأ بقوله: * (عزير ابن الله) * أو * (وقالت النصارى) * وابتدأ بقوله: * (المسيح ابن الله) * أو وقالت اليهود وابتدأ بقوله: * (يد الله مغلولة) * أو * (ما أنتم بمصرخي) * وابتدأ بقوله: * (إني كفرت) * والمحققون على أنه لا يطلق القول بالتكفير ولا بالحرمة، بل إن كان مضطرا وابتدأ بما بعده غير معتقد لمعناه لا يكفر وإن اعتقد معناه كفر مطلقا وقف أم لا، وعليه يحمل كلام من أطلق فإن وقف متعمدا غير معتقد المعنى حرم ولم يكفر.
اه.
(قوله: أو صحبة أبي بكر) أي أو أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عنه فيكفر به لثبوتها بالقرآن، وفي إنكارها تكذيب للقرآن، وظاهره أنه لا يكفر بإنكار صحبة غيره.
وفي رسالة شيخنا الاستاذ في فضل أبي بكر رضي الله عنه ما نصه: ومن الآيات الدالة على فضله قوله تعالى: * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا أبو بكر رضي الله عنه، ومن ثم من أنكر صحبته كفر إجماعا، ولا كذلك إنكار صحبة غيره.
اه.
وفي البجيرمي: قال الشهاب الرملي: لو قال أبو بكر لم يكن من الصحابة كفر، ولو قال ذلك لغير أبي بكر لم يكفر، وفيه نظر: لأن الاجماع منعقد على صحابة غيره، والنص وارد شائع.
قلت: وأقل الدرجات أن يتعدى ذلك إلى عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لان صحابتهم يعرفها الخاص والعام من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنافي صحبة أحدهم مكذب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
اه (قوله: أو قذف عائشة رضي الله عنها) أي وكذلك يكفر من قذف عائشة لان القرآن نزل ببراءتها، ففي قذفها حماها الله تكذيب للقرآن (قوله: ويكفر في وجه إلخ) قال في الاعلام:
وفي وجه حكاه القاضي حسين في تعليقه أنه يلحق بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - سب الشيخين وعثمان وعلي رضي الله عنهم فقال: من سب الصحابة فسق ومن سب الشيخين أو الحسنين يكفر أو يفسق وعبارة البغوي: من أنكر خلافة أبي بكر يبدع ولا يكفر، ومن سب أحدا من الصحابة ولم يستحل يفسق، واختلفوا في كفر من سب الشيخين.
قال الزركشي كالسبكي وينبغي أن يكون الخلاف إذا سبه لامر خاص به، أما لو سبه لكونه صحابيا فينبغي القطع بتكفيره لان ذلك استخفاف بحق الصحبة، وفيه تعريض بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى الترمذي أنه - صلى الله عليه وسلم -: رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر وهكذا القول في شأن غيرهما من الصحابة.
وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: يقول الله تعالى: من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب - وفي رواية فقد استحل محارمي، ولا شك أنا نتحقق ولاية العشرة، فمن آذى واحدا منهم فقد بارز الله تعالى بالمحاربة فلو قيل يجب عليه ما يجب على المحارب لم يبعد ولا يلزم هذا في غيرهم إلا من تحققت ولايته بإخبار
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 113.
(2) سورة التوبة، الاية: 30.
(3) سورة البقرة، الاية: 113.
(4) سورة التوبة، الاية: 30.
(5) سورة المائدة، الاية: 64.
(6) سورة إبراهيم، الاية: 22.
(7) سورة إبراهيم، الاية: 22.
(8) سورة التوبة، الاية: 40.(4/155)
الصادق.
اه (قوله: لا من قال الخ) أي لا يكفر من قال لخصمه وقد أراد الخصم بالله تعالى لا أريد الحلف بالله تعالى بل بالطلاق أو الاعتاق (قوله: أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك المو ت) أي لا يكفر بذلك ولا يكفر أيضا من قال لمسلم سلبك الله الايمان أو لكافر لا رزقك الله الايمان لانه مجرد دعاء عليه بتشديد الامر والعقوبة عليه، ولا إن دخل دار الحرب وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير، ولا إن صلى بغير وضوء متعمدا أو بنجس أو إلى غير القبلة ولم يستحل ذلك، ولا إن تمنى حل ما كان حلالا في زمنه قبل تحريمه: كأن تمنى أنه لا يحرم الله الخمر، ولا إن شد الزنار على وسطه أو وضع قلنسوة المجوس على رأسه أو دخل دار الحرب للتجارة أو لتخليص الاساري، ولا إن قال النصرانية خير من المجوسية، ولا إن قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها.
صرح بذلك كله في شرح الروض (قوله: تنبيه ينبغي للمفتي) أي يتعين عليه.
(وقوله: أن يحتاط إلخ) أي أن يسلك طريق الاحتياط في الافتاء بتكفير أحد، فلا يفتي بذلك إلا بعد الفحص الشديد واليقين السديد (قوله: لعظم خطره) أي التكفير وذلك لانه ربما كفر مسلما بلفظ غير مكفر فيكفر، وقوله وغلبة
عدم قصده أي المكفر، وقوله سيما: أي خصوصا من العوام فإنهم يتلفظون بكلمات مكفرة ولا يقصدون معناها (قوله: وما زال أئمتنا على ذلك) أي على الاحتياط فيه قال في التحفة بعده: بخلاف أئمة الحنفية فإنهم توسعوا بالحكم بمكفرات كثيرة مع قبولها للتأويل بل مع تبادره منها، ثم رأيت الزركشي قال عن ما توسع به الحنفية أن غالبه في كتب الفتاوى نقلا عن مشايخهم وكان المتورعون من متأخري الحنفية ينكرون أكثرها ويخالفونهم ويقولون هؤلاء لا يجوز تقليدهم لانهم غير معروفين بالاجتهاد ولم يخرجوها على أصل أبي حنيفة لأنه خلاف عقيدته: إذ منها إن معنا أصلا محققا هو الايمان فلا نرفعه إلا بيقين.
فليتنبه لهذا وليحذر ممن يبادر إلى التكفير في هذه المسائل منا ومنهم فيخاف عليه أن يكفر لانه كفر مسلما.
اه.
ملخصا.
فائدة: قال الغزالي: من زعم أن له مع الله حالا أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم نحو شرب الخمر وجب قتله، وإن كان في الحكم بخلوده في النار نظر.
وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لان ضرره أكثر.
اه (قوله: ويستتاب إلخ) شروع في بيان ما يجب على المرتد والعياد بالله تعالى بشئ مما مر وحاصل ذلك أنه يجب عليه العود فورا إلى دين الاسلام، ولا يحصل إلا بالتلفظ بالشهادتين والاقلاع، عما وقعت به الردة والندم على كل ما صدر منه والعزم على أن لا يعود لمثله.
ويجب عليه أيضا قضاء ما فاته من واجبات الشرع في مدة الردة، فإذا فعل ذلك كله حكم عليه بالعود إلى الاسلام لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * ولخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم فإن لم يعد لذلك بنفسه وجب على الإمام أو نائبه أن يأمره بذلك فورا بأن يقول له تب وارجع لدين الاسلام وإلا قتلتك.
(وقوله وجوبا) أي استتابة واجبة والفرق بينه وبين تارك الصلاة حيث ندبت استتابته أن جريمة المرتد تقتضي تخليده في النار ولا كذلك جريمة تارك الصلاة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المرتد (قوله: لانه كان محترما بالاسلام) علة للاستتابة.
أي إنما استتيب أولا ولم يقتل من غير استتابة لانه كان محترما بالاسلام أي ولانه - صلى الله عليه وسلم - أمر في امرأة ارتدت أن يعرض عليها الاسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت (قوله: وربما عرضت له شبهة) كالعلة الثانية للاستتابة: أي ولانه ربما عرضت له شبهة اقتضت ردته فيسعى في إزالتها قال في التحفة: بل الغالب أنها، أي الردة، لا تكون عن عبث محض.
اه.
وقال في
__________
(1) سورة الانفال، الاية: 38.(4/156)
الروض وشرحه، ولو سأل المرتد قبل الاستتابة أو بعدها إزالة شبهة عرضت له نوظر بعد إسلامه لا قبله لانه الشبهة لا
تنحصر فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء، وهذا ما صححه الغزالي.
وفي وجه يناظر أولا لان الحجة مقدمة على السيف.
اه (قوله: ثم إن لم يتب) أي المرتد وقوله بعد الاستتابة: أي طلب التوبة منه (قوله: قتل) أي كفرا لا حدا فلا يجب غسله ولا تكفينه ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه عنهم بالردة (قوله: أي قتله الحاكم) فلو قتله غيره عزر لافتياته على الامام، ومحله إذا كان المرتد حرا، فإن كان رقيقا جاز للسيد قتله في الأصح لأنه ملكه فله فعل ما يتعلق به من تأديب ونحوه (قوله: بضرب الرقبة) متعلق بقتل: أي قتل بضرب رقبته بسيف.
(وقوله لا بغيره) أي غير ضرب الرقبة بسيف كإحراق وتغريق وذلك لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: بلا إمهال) متعلق بكل من قوله يستتاب.
(وقوله: قتل) كما يدل عليه: تفسيره بعد (قوله: لخبر البخاري الخ) دليل للقتل حالا (قوله: فإذ أسلم الخ) الأولى تقديمه على قوله ثم إن لم يتب الخ لأنه مفرع على الاستتابة: أي فإذا امتثل أمر الامام وتاب بأن عاد إلى الإسلام صح إسلامه وترك.
(وقوله: وإن تكررت ردته) غاية لصحة إسلامه إذا أسلم.
(وقوله: لاطلاق النصوص) راجع للغاية: أي تقبل توبته وإن تكررت منه الردة لاطلاق النصوص كقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وكخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (قوله: نعم يعزر من تكررت ردته) استدراك من صحة إسلامه إذا تكررت منه الردة: أي يصح إسلامه مع تكررها لكنه يعزر لزيادة تهاونه بالدين، (وقوله: لا في أول مرة) عطف على محذوف: أي فيعزر في المرة الثانية والثالثة لا في أول مرة أما فيها فلا يعزر (وقوله: إذا تاب) متعلق بيعزر (قوله: خلافا لما زعمه جهلة القضاة) أي من تعزيره في أول مرة.
وعبارة التحفة: ولا يعزر مرتد تاب على أول مرة خلافا لما يفعله جهلة القضاة.
اه.
(قوله: تتمة) أي في بيان ما يحصل به الاسلام مطلقا على الكافر الاصلي وعلى المرتد (قوله: إنما يحصل إسلام إلخ) عبارة التحفة ولا بد في الاسلام مطلقا وفي النجاة من الخلود في النار كما حكى عليه الاجماع في شرح مسلم من التلفظ بالشهادتين الخ (قوله: بالتلفظ بالشهادتين) متعلق بيحصل وإنما توقف صحة الاسلام عليه لان التصديق القلبي أمر باطني لا اطلاع لنا عليه فجعله الشارع منوطا بالنطق بالشهادتين الذي مدار الاسلام عليه (وقوله: من الناطق) خرج به الاخرس فلا يطالب بالنطق، بل إذا قامت قرينة على إسلامه كالاشارة كفى في حصول الاسلام (قوله: فلا يكفي ما بقلبه من الإيمان) أي في إجراء أحكام المؤمنين في الدنيا عليه بناء على ن النطق شرط في الايمان أو في النجاة من النار بناء على أنه شطر منه.
والحاصل: اختلف في النطق بالشهادتين: هل هو شرط في الايمان لاجل إجراء الاحكام عليه أو شطر منه، أي
جزء منه، فذهب إلى الاول محققو الاشاعرة والماتريدية وغيرهم.
ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الاحكام الدنيوية، ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الاحكام الدنيوية غير مؤمن عند الله، وذهب إلى الثاني قوم محققون كالامام أبي حنيفة وجماعة من الاشاعرة، وعليه فيكون الايمان عند هؤلاء اسما لعملي القلب واللسان جميعا وهما التصديق والاقرار، ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يتفق له الاقرار
__________
(1) سورة الانفال، الاية: 38.(4/157)
في عمره لا مرة ولا أكثر مع القدرة على ذلك لا يكون مؤمنا لا عندنا ولا عند الله تعالى، وهذا ضعيف.
والمعتمد الاول (قوله: وإن قال به) أي بالاكتفاء بما في قبه من الايمان (قوله: ولو بالعجمية) أي يحصل الاسلام بالتلفظ بالشهادتين، ولو أتى بهما بالعجمية.
(قوله: وإن أحسن العربية: غاية للغاية) وكلاهما للرد (قوله: لا بلغة إلخ) أي لا يكفي في حصول الاسلام الاتيان بهما بلغة لقنها له العارف بتلك اللغة وهو لا يفهم المراد منها (قوله: ثم الاعتراف) عطف على التلفظ: أي إنما يحصل الاسلام بالتلفظ وبالاعتراف لفظا برسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى غير العرب.
(وقوله ممن ينكرها) حال من الاعتراف: أي حالة كون الاعتراف المشروط ممن ينكر رسالته إلى غير العرب ويقول إنها خاصة بالعرب (قوله: فيزيد العيسوي إلخ) قال في الاسنى: العيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى اسحاق بن يعقوب الاصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد أنه - صلى الله عليه وسلم - رسول إلى العرب خاصة، وخالف اليهود في أشياء غير ذلك منها أنه حرم الذبائح.
اه.
(وقوله: محمد رسول) الأولى أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق، لان المزيد الجار والمجرور فقط (قوله: أو البراءة) ظاهر صنيعه أنه معطوف على محمد رسول الله الخ.
ويكون المعنى أو يزيد البراءة من كل الخ، وهو صريح عبارة الفتح ونصها: نعم العيسوي لا بد في صحة إسلامه أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو يبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام.
اه.
(قوله: فيزيدك المشرك إلخ) لا يناسب تفريعه على ما قبله، فالاولى الاتيان بواو الاستئناف بدل الفاء (قوله: وبرجوعه الخ) عطف على قوله بالاعتراف يعني إذا اعتقد مكفرا من المكفرات، فلا بد مع النطق بالشهادتين منرجوعه عن اعتقاده.
قال ع ش: كأن يقول برئت من كذا، فيبرأ منه ظاهرا أما في نفس الأمر فالعبرة بما في نفسه.
اه.
(قوله: ومن جهل القضاة) الجار والمجرور خبر مقدم، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها بعد مبتدأ مؤخر (قوله: أن من ادعى عليه عندهم) أي عند القضاة، (وقوله: بردة) أي أنكرها.
(وقوله: أو جاءهم يطلب
الحكم بإسلامه) أي بعد أن نسبت إليه الردة.
(وقوله ويقولون أي القضاة له) أي لمن ادعى عليه بالردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه.
(وقوله: تلفظ بما قلت) أي مما نسب إليك من ألفاظ الردة، وهذا مقول يقولون (قوله: وهذا) أي ما يقولون له غلط فاحش لما يلزم عليه من إعادة لفظ الكفر على لسانه (قوله: فقد قال الشافعي إلخ) استدلال على كون ما يفعله القضاة غلطا فاحشا.
(وقوله: إذا ادعى على رجل) أي عندي.
(وقوله: لم أكشف عن الحال) أي عن السبب الذي ارتد به (قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله) في التحفة إسقاط واو العطف وكتب سم عليها هذا النص فيه تصريح بأن لا يشترط عطف إحدى الشهادتين على الاخرى، ويوافقه قولهم لو أذن كافر غير عيسوي حكم باسلامه بالشهادتين مع أن الاذان لا عطف على شهادتيه.
اه.
(قوله: ويؤخذ من تكريره) أي الإمام الشافعي رضي الله عنه.
(وقوله لفظ أشهد) مفعول تكرير.
وقوله أنه: نائب فاعل يؤخذ.
(وقوله: لا بد منه) أي من التكرير.
قال سم: ينبغي أن يغني عنه العطف.
اه.
وفي حاشية العلامة الباجوري على الجوهرة ما نصه: ولا بد من لفظ أشهد وتكريره ولا يشترط أن يأتي بحرف العطف على ما قاله الزيادي ورجع إليه الرملي آخرا، فلا يكفي إبدال لفظ أشهد بغيره وإن كان مرادفا لما فيه من معنى التعبد ولا بد من ترتيب الشهادتين وموالاتهما ثم قال: وما تقدم من الشروط مبني على المعتمد في مذهبنا معاشر الشافعية، وبه قال ابن عرفة من المالكية حيث قال: لا بد أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله(4/158)
وخالف الابي شيخه ابن عرفة فقال: لا يتعين ذلك بل يكفي كل ما يدل على الايمان فلو قال الله واحد ومحمد رسول الله كفى، ونحوه ما قاله الابي لبعض من الشافعية وهو العلامة ابن حجر، وللنووي ما يوافقه أيضا، فيكون في المسألة قولان لاهل كل من المذهبين.
قال المصنف في شرحه: وأولهما أولى بالتعويل.
اه (قوله: وهو) أي وجوب التكرير (قوله: في الكفارة) أي في بابها وقوله وغيرها: أي غير الكفارة (قوله: لكن خالف فيه) أي في وجوب التكرير (قوله: وفي الأحاديث ما يدل لكل) أي من وجوب التكرير وعدمه (قوله: بالايمان بالبعث) متعلق بأمر والبعث عبارة عن احياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الاجزاء الاصلية وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويندب أيضا أمره بجميع ما يجب به الايمان من عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير والميزان.
والصراط والنار والجنة ونحو ذلك مما أخبر به نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قوله: ويشترط لنفع الاسلام) أي لكونه منجيا في الدار الآخرة (قوله: مع ما مر) أي من التلفظ بالشهادتين (قوله: تصديق القلب بوحدانية الله تعالى) أي بأن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ولا بد
أيضا من تصديقه بما يجب له سبحانه وتعالى وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه تفصيلا، ومجموع ذلك واحد وأربعون عقيدة قد تقدم بيانها أول الكتاب، ثم بعد ذلك تصديقه بأن الله متصف بكل كمال منزه عن شائبة النقصان (قوله: ورسله) معطوف على وحدانية الله تعالى: أي ويشترط تصديق القلب برسله: أي بأن لله رسلا أرسلهم فضلا منه ورحمة للعباد ليعلموا الناس الشرائع والاحكام وأنه لا يعلم عددهم إلا الله تعالى لقوله تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) * لكن ما قام الدليل بمعرفتهم تفصيلا يجب تصديق القلب بهم كذلك، وهؤلاء هم الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن، وما قام الدليل بمعرفتهم إجمالا يجب تصديق القلب بهم كذلك، ولا بد من تصديقه بما يجب لهم عليهم الصلاة والسلام من الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة وبما يستحيل عليهم من أضداد هذه الاربعة، وبما يجوز في حقهم من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى النقص في مراتبهم العلية (قوله: وكتبه) معطوف على وحدانية أيضا: أي ويشترط تصديق القلب بكتبه أي المنزلة من السماء على الانبياء، والمراد بها ما يشمل الصحف واختلف في عددها والمشهور أنها مائة وأربعة: المنزل على شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والكتب الاربعة، أعني التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ويشترط أيضا تصديق القلب بملائكته وهم أجسام لطيفة نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون شأنهم الطاعات ومسكنهم السموات * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (قوله: واليوم الآخر) أي ويشترط تصديق القل ب باليوم الآخر وهو يوم القيامة، وأوله من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى على الصحيح، وقيل إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وسمي باليوم الآخر لانه آخر أيام الدنيا بمعنى أنه متصل بآخر أيام الدنيا لانه ليس منها حتى يكون آخرها، وسمي بيوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم وقيامهم بين يدي خالقهم وقيام الحجة لهم وعليهم، ويشترط أيضا تصديق القلب بما يقع فيه من هول الموقف: أي ما ينال الناس فيه من الشدائد لطول الموقف، قيل ألف سنة - كما في آية السجدة، وقيل خمسين ألف سنة، كما في آية سأل، ولا تنافي لان العدد لا مفهوم له وهو مختلف باختلاف أحوال الناس فيطول على الكفار ويتوسط على الفساق ويخف على الطائعين حتى يكون كصلاة ركعتين (قوله: فإن اعتقد هذا) أي ما ذكر من وحدانية الله تعالى والرسل والكتب واليوم الآخر (قوله: ولم يأت بما مر) أي بالشهادتين (قوله: لم يكن مؤمنا) أي عندنا وعند الله إن قلنا بالشطرية أو عندنا فقط إن قلنا بالشرطية كما
__________
(1) سورة غافر، الاية: 78.
(2) سورة التحريم، الاية: 6.(4/159)
مر، ومحل ما ذكر إذا لم يكن عدم الاتيان بهما عن إباء بأن عرضت عليه الشهادتان فأبى، فإن كان كذلك فهو كافر مطلقا على القولين (قوله: وإن أتى به) أي بما مر من الشهادتين، (وقوله: بلا اعتقاد) أي لما مر من الوحدانية، وما بعدها (قوله: ترتب عليه الحكم الدنيوي) أي فهو مؤمن عندنا في الدنيا ويترتب عليه الاحكام الدنيوية في مناكحته وأكل ذبيحته ومن غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين بعد موته لحديث أمرت أن أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر وليس مؤمنا عند الله بل هو منافق في الدرك الاسفل من النار: ثبتنا الله على الايمان ورزقنا التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في الجنان.
بجاه سيدنا محمد سيد ولد عدنان.
آمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/160)
باب الحدود
أي باب في بيان الحدود أسبابها.
والحدود جمع حد، وهو لغة المنع، وشرعا ما ذكر من الجلد أو الرجم ونحو ذلك من كل عقوبة مقدرة.
وسميت بذلك لمنعها من ارتكاب الفواحش.
وشرعت حفظا للكليات الستة المنظومة في قول اللقاني: وحفظ دين ثم نفس مال نسب ومثلها عقل وعرض قد وجب فشرع القصاص حفظا للنفس وقتل الردة حفظا للدين، وقد تقدمك وحد الزنا حفظا للنسب، وحد القذف حفظا للعرض، وحد السرقة حفظا للمال، وحد الشرب حفظا للعقل.
وبيان ذلك أنه إذا علم القاتل أنه إذا قتل قتل انكف عن القتل فكان ذلك سببا لحفظ النفس، وهكذا يقال في الباقي.
واعلم: أن ارتكاب الكبائر لا يسلب الايمان ولا يحبط الطاعات: إذ لو كانت محبطة لذلك للزم أن لا يبقى لبعض العصاة طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخوله الجنة.
قال السبكي: والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة بلغت مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة القائلين بخلود أهل الكبائر في النار ذكره المناوي (قوله: أولها) أي أول الحدود وقوله حد الزنا.
هو بالقصر لغة حجازية، وبالمد لغة تميمية (قوله: وهو) أي الزنا.
وقوله أكبر الكبائر بعد القتل: أي لقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * ولاجماع أهل الملل على تحريمه فلم يحل في ملة قط، ولهذا كان حده أشد الحدود في الجملة (قوله: وقيل هو) أي الزنا (وقوله مقدم عليه) أي على القتل لان فيه جناية على النسب وعلى العرض.
وفي ع ش ما نصه: وفي كلام بعض شراح الجامع الصغير أن أكبر الكبائر الشرك بالله ثم قتل
النفس وأن ما وراء ذلك من السبع الموبقات وغيرها كالزنا لا ترتيب فيه وإنما يقال في كل فرد منه من أكبر الكبائر.
اه (قوله: يجلد وجوبا) أي لقوله تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * وقوله: فاجلدوا أمر وهو للوجوب.
وقوله إمام أو نائبه: هذا إذا كان الزاني حرا أو مبعضا، فإن كان رقيقا لا يتحتم فيه الامام، بل يجوز للسيد أن يحده ولو بغير إذن الامام كما سيذكره لخبر مسلم إذا زنت أمة أحدكم فليحدها وخبر أبي داود والنسائي أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم (قوله: دون غيرهما) أي الإمام أو نائبه فلا يستوفي الحد.
وقوله خلافا للقفال: أي القائل بأن لغير الامام أن يستوفيه (قوله: حرا) خرج الرقيق فلا يجلد مائة بل نصفها، كما سيذكره، (وقوله: مكلفا) أي ولو حكما فشمل السكران المتعدي بسكره.
وخرج به الصبي والمجنون والسكران غير المتعدي فلا يجلدون، ولا بد أن يكون المكلف ملتزما للاحكام.
وخرج به الحربي والمستأمن وأن يكون واضح الذكورة وخرج الخنثى المشكل إذا أولج آلة الذكورة في فرج فلا يحد لان إيلاجه لا يسمى زنا لاحتمال أنوثته وكون هذا عضوا زائدا (قوله: زنى بإيلاج حشفة) أي
__________
(1) سورة الاسراء، الاية: 32.
(2) سورة النور، الاية: 2.(4/161)
إدخال حشفة، ولا بد فيها أن تكون أصلية ومتصلة فخرج إيلاج غير الحشفة كأصبعه أو الحشفة الزائدة، ولو احتمالا، كما لو اشتبه الاصلي بالزائد أو المنفصلة فلا حد في جميع ما ذكر لأنه لا يسمى زنا (قوله: أو قدرها) أي أو إيلاج قدر الحشفة، وقوله من فاقدها: خرج به ما لو ثنى ذكره وأدخل قدر الحشفة مع وجودها فلا حد لانه كإدخال بعض أصبع.
اه.
بجيرمي (قوله: في فرج الخ) متعلق بإيلاج، ويشترط فيه أن يكون واضحا فلا حد في إيلاج فرج الخنثى المشكل لأنه لا يسمى زنا لاحتمال كون هذا المحل زائدا وشمل الفرج فرج نفسه كأن أدخل ذكره في دبره فيحد به.
قال البجيرمي: ونقل عن بعض أهل العصر خلافه فاحذره.
وقوله آدمي حي: سيأتي محترزهما (قوله: قبل أو دبر) بدل من فرج ثم يحتمل عدم تنوينهما وإضافتهما إلى ما بعدهما ويحتمل تنوينهما وما بعدهما بدل من آدمي.
(وقوله: ذكر أو أنثى) أي ولو صغيرا فلو أولج مكلف ذكره في فرج صغيرة ولو بنت يوم فإنه يحد كما أن المرأة المكلفة لو أدخلت ذكر صبي ولو ابن يوم في فرجها فإنها تحد (قوله: مع علم تحريمه) أي الزنا والظرف متعلق بزنا أو بإيلاج، وخرج به الجاهل بالتحريم فلا يحد بخلاف الجاهل بوجوب الحد مع علمه بالتحريم فإنه يحد (قوله: فلا حد بمفاخذة إلخ) محترز قوله
بإيلاج الخ: إذ لا إيلاج في فرج في جميع ذلك، (وقوله: واستمناء) أي تعمد طلب إخراج المني.
وقوله: بيد نفسه أو غير حليلته: فإن كان بيدها فلا حرمة ولا تعزير، وبالاولى عدم وجوب الحد (قوله: بل يعزر فاعل ذلك) أي ما ذكر من المفاخذة والمساحقة والاستمناء وإنما عزر لحرمته (قوله: ويكره) أي الاستمناء.
(وقوله: بنحو يدها) أي حليلته (قوله: كتمكينها) الإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل: أي كتمكين الزوج إياها من العبث واللعب بذكره فإنه يكره عليه ذلك (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الاستمناء بيدها وتمكينها من العبث بذكره، وهو علة الكراهة، (وقوله: في معنى العزل) أي عزل المني عن الحليلة وهو مكروه (قوله: ولا بإيلاج إلخ) أي ولا حد بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت: أي لأنه مما ينفر الطبع عنه فلا يحتاج إلى الزجر عنه.
قال في شرح الروض: لكن يعزر.
اه.
وهذا محترز قوله آدمي حي (قوله: ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة) أي إذا وطئت (قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي في وجوب ذبحها، وهذا مبني على وجوب الحد على الفاعل.
قال في الروض وشرحه: قال في الأصل، وقيل يحد واطئ البهيمة وعليه فقيل حده قتله مطلقا وقيل قتله إن كان محصنا وعلى وجوب القتل لا يختص القتل به بل يجب به: أي بالايلاج فيها ذبح البهيمة المأكولة ولا بإيلاج في دبرها وعليه حمل حديث الترمذي وغيره من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة بخلاف غير المأكولة لما في قتلها من ضياع المال بالكلية والمأكولة إذا ذبحت يحل أكلها لانها مذكاة.
اه.
ملخصا.
وفي المغنى: اختلفوا في علة ذلك: أي وجوب ذبح البهيمة عند القائل به فقيل لاحتمال أن تأتي بولد مشوه الخلق فعلى هذا لا تذبح إلا إذا كانت أنثى وقد أتاها في الفرج، وقيل إن في بقائها تذكارا للفاحشة فيعبر بها وهذا هو الأصح فعلى هذا لا فرق بين الذكر والانثى.
اه (قوله: وإنما يجلد من ذكر) يصح أن يكون الفعل مبنيا للمعلوم والموصول فاعله وهو واقع على الإمام أو نائبه ومفعوله محذوف: أي وإنما يجلد الإمام أو نائبه حرا مكلفا الخ، أو الفاعل ضمير مستتر يعود على الإمام أو نائبه والموصول مفعوله وهو واقع على الحر المكلف الخ.
ويصح أن يكون مبنيا للمجهول، والموصول نائب فاعل وهو واقع على الحر المكلف الخ (قوله: مائة من الجلدات) منصوب على المفعولية المطلقة ليجلد (قوله: ويغرب عاما) أي من بلد الزنا تنكيلا له وإبعادا من موضع الفاحشة.
واعلم: أن شروط التغريب سبعة: أولها: أن يكون بأمر الإمام أو نائبه فلو تغرب بنفسه لم يحسب، ثانيها: أن يكون إلى مسافة القصر فأكثر فلا يكفي ما دونها لتواصل الاخبار إليه غالبا فلا يحصل له الايحاش بالبعد عن الاهل والوطن، ثالثها: أن يكون إلى بلد معين فلا يرسله الامام إرسالا وإذا عين له الامام جهة فليس له أن يختار غيرها،(4/162)
رابعها: أن يكون الطريق والمقصد آمنين، خامسها: أن لا يكون بالبلد الذي يغرب إليه طاعون لانه يحرم الدخول في البلد الذي فيه الطاعون والخروج منه لغير حاجة، سادسها: كونها عاما في الحر ونصف عام في الرقيق، سابعها: كون التغريب عاما أو نصفه ولاء فلا يجوز التفريق لان الايحاش لا يحصل بالمفرق، وذكر المؤلف منها ثلاثة.
وفي المغني ما نصه: تنبيه: أفهم عطفه التغريب بالواو أنه لا يشترط الترتيب بينهما: أي بين الجلد والتغريب، فلو قدم التغريب على الجلد جاز.
اه (قوله: ولاء) راجع لكل من قوله مائة من الجلدات.
وقوله ويغرب عاما: وإن كان ظاهر العبارة يقتضي أنه مختص بالثاني، فلو فرق الجلدات فإن دام الالم به لم يضر، وإن زال الالم، فإن كان الماضي خمسين لم يضر أيضا لانه حد الرقيق فقد حصل حد في الجملة وإن كان دونها ضر ووجب الاستئناف، أو فرق العام أو نصفه استأنف من أول العام، وقوله لمسافة القصر: متعلق بيغرب فلا يكفي التغريب لما دون مسافة القصر لأنه في حكم الحضر لتواصل الاخبار فيها إليه، والمقصود إيحاشه بالبعد عن الاهل والوطن، (وقوله: فأكثر) أي من مسافة القصر: أي على حسب ما يراه الإمام (قوله: إن كان الواطئ أو الموطوءة حرا) الأولى أن يقول إن كان من ذكر من الحر المكلف الذي زنى بإيلاج الخ بكرا، ثم يقول ومثله في ذلك الموطوءة، وذلك لان اشتراط كون الواطئ حرا قد صرح به، فيلزم بالنسبة إليه التكرار وهذا قيد للجلد مائة والتغريب عاما (قوله: وهو) أي البكر.
(وقوله من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح) أي بأن وطئ أو وطئت من غير نكاح أصلا أو بنكاح لكنه فاسد، أما إن وطئ أو وطئت في نكاح صحيح فيرجم لانه حينئذ محصن (قوله: لا إن زنى من ظن حل) أي لا يجلد مائة ويغرب عاما إن زنى ظانا حل الزنا لعذره.
(وقوله: بأن ادعاه) أي الحل وقوله وقد قرب إلخ خرج به ما إذا ادعاه وهو بين المسلمين فلا تقبل دعواه ويحد.
قال ع ش: ويؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها: وهي أن شخصا وطئ جارية زوجته وأحبلها مدعيا جهله وإن ملك له زوجته ملك له وهو، أي الجواب، عدم قبول ذلك منه وحده وكون الولد رقيقا وعدم خفاء ذلك على مخالطنا.
اه (قوله: أو مع تحليل عالم إلخ) أي ولا إن زنى باعتبار مذهبه ولكن وجد عالم يحكم على ذلك الوطئ بأنه حلال وليس بزنا فإنه لا يجلد به ولا يغرب ولا يعاقب عليه في الآخرة لوجود الشبهة، وقوله يعتد بخلافه: خرج به ما لا يعتد بخلافه كإباحة الشيعة ما فوق الاربع، فإذا وطئ زائدا عليهن يحد (قوله: لشبهة إباحته) علة لعدم الجلد والتغريب: أي وإنما لم يجلد ويغرب لشبهة إباحة العالم وطأه وهذه
الشبهة تسمى شبهة الطريق: أي المذهب، وأما شبهة الفاعل فهي فيمن وطئ أجنبية ظانا أنها زوجته وشبهة المحل تكون فيمن وطئ أمة مشتركة وكوطئ الاصل جارية ولده وحد فيهما أيضا.
وقد نظم الثلاثة بعضهم في قوله: اللذ أباح البعض حله فلاحد به وللطريق استعملا وشبهة الفاعل كأن أتى لحرمة يظن حلا مثبتا ذات اشتراك ألحقن وسمين هذا الاخير بالمحل فاعلمن (قوله: وإن لم يقلده) أي العالم، وهو غاية لعدم الجلد والتغريب عند وجود شبهة عالم.
(وقوله: الفاعل) أي الزاني (قوله: كنكاح بلا ولي) مثال لما إذا زنى مع تحليل عالم (قوله: أو بلا شهود) أي وكنكاح بولي وبلا شهود، وقوله كمذهب مالك: قال في النهاية على ما اشتهر عنه لكن المعروف من مذهبه اعتبارهم في صحة الدخول حيث لم يقع وقت العقد (قوله: بخلاف الخالي عنهما) أي عن الولي وعن الشهود فإنه يجب فيه الحد لعدم الشبهة ولا نظر لخلاف داود لعدم الاعتداد به، هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على أنه يعتد به وأنه شبهة يسقط بها الحد ونص عبارة النهاية أو(4/163)
بلا ولي وشهود كما نقل عن داود، وصرح به المصنف في شرح مسلم لجعله من أمثلة نكاح المتعة الذي لا حد فيه جريانه مؤقتا بدون ولي وشهود، فإذا انتفى مع وجود التأقيت المقتضي لضعف الشبهة فلان ينتفي مع انتفائه بالاولى.
وقد أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى.
اه (قوله: وكنكاح متعة) معطوف على كنكاح بلا ولي، فهو مثال لما إذا زنى مع تحليل عالم ونكاح المرأة إلى مدة وهو باطل، لكن لو نكح به شخص لم يحد لشبهة ابن عباس رضي الله عنهما.
واعلم: إن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه.
قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما بين الركن والباب وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وعن إمامنا الشافعي رضي الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة.
وما نقل عن ابن عباس من جوازها رجع عنه فقد قال بعضهم والله ما فارق ابن عباس الدنيا حتى رجع إلى قول الصحابة في تحريم المتعة.
ونقل عنه أنه قام خطيبا يوم عرفة وقال أيها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم والخنزير.
وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن
المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون: ما لي أراك متغيرا؟ قال لما حدث في الإسلام.
قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا.
قال المتعة زنا؟ قال نعم المتعة زنا قال ومن أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله.
أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك اليمين؟ قال: لا قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا.
قال: فقد صار متجاوزا هذين من العادين، وأما السنة فقد روى الزهري بسند إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهري قالوا نعم.
فقال المأمون استغفر الله نادوا بتحريم المتعة.
وقد تقدم معظم ذلك في باب النكاح عند قول المؤلف ولا مع تأقيت، وقد تقدم هناك أيضا تفسير نكاح المتعة بتفسير غير هذا التفسير الذي ذكرته هناك (قوله: ولو من معتقد تحريمه) أي لا يحد ولو صدر هذا المذكور من النكاح بلا ولي وبلا شهود أو نكاح المتعة ممن يعتقد تحريمه، وعبارة الروض وشرحه: ويسقط بالشبهة في الجهة، أي الطريق، وهي إباحة بعض العلماء الوطئ بجهة: كالنكاح بلا ولي - كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود كمذهب مالك، ونكاح المتعة كمذهب ابن عباس، ولو اعتقد المولج التحريم في هذه الشبهة نظرا لاختلاف العلماء.
اه (قوله: نعم إن حكم حاكم) استدراك من عدم الحد إذا زنى مع تحليل عالم.
(وقوله بإبطال النكاح) أي أو بالتفرقة بينهما ووقع الوطئ بعدم علم الواطئ به، (وقوله: حد) أي قطعا، (وقوله: لارتفاع الشبهة حينئذ) أي حين إذ حكم الحاكم بإبطال النكاح المختلف فيه.
وفي المغني ما نصه: تنبيه: محل الخلاف في النكاح المذكور، كما قاله الماوردي، أن لا يقارنه حكم، فإن حكم شافعي ببطلانه حد قطعا أو حنفي أو مالكي بصحته لم يحد قطعا.
اه (قوله: ويحد) أي من ذكر من الحر المكلف الحد المار، وهو مائة جلدة ويغرب أيضا عاما (قوله: في مستأجرة للزنا بها) أي في وطئ امرأة استأجرها لاجل أن يزني بها (قوله: إذ لا شبهة)
__________
(1) سورة المؤمنون، الاية: 1.(4/164)
أي موجودة وهو تعليل للحد في المستأجرة (قوله: لعدم الاعتداد الخ) أي وإنما انتفت الشبهة في المستأجرة لان عقد
الاستئجار لذلك باطل ولا يعتد بالعقد الباطل في وجه من الوجوه (قوله: وقول أبي حنيفة أنه) أي الاستئجار للزنا.
(وقوله: شبهة) أي فلا يحد به وقوله ينافيه الجملة خبر قول، وكتب سم ما نصه: مما يمنع هذه المنافاة أن الاكراه شبهة دافعة للحد مع أنه لا يثبت النسب.
اه.
(وقوله: الإجماع على عدم ثبوت النسب بذلك) أي بذلك الاستئجار، والمراد بذلك الوطئ الحاصل بالاستئجار: أي ولو كان شبهة لثبت النسب به (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن قول الامام ينافيه الاجماع الخ، وقوله ضعف مدركه، بضم الميم، مصدر ميمي بمعنى إدراك، والمراد ما يدرك منه الحكم من نحو دليل.
اه.
بجيرمي.
وقوله ولم يراع خلافه: قال في التحفة بعده: هذا ما أورده شارح عليه، وهو لا يتم إلا لو قال إنه شبهة في إباحة الوطئ، وهو لم يقل بذلك بل بأنه شبهة في درء الحد، فلا يرد عليه ما ذكر وإنما الذي يرد عليه إجماعهم على أنه لو اشترى حرة فوطئها أو خمرا فشربها حد ولم تعتبر صورة العقد الفاسد.
اه (قوله: وكذا في مبيحة) أي وكذا يحد في وطئ مبيحة: أي إباحة الوطئ، وقوله لان الاباحة الخ: علة للحد، وقوله هنا: أي في الوطئ.
(وقوله: لغو) أي فلا يعتد به (قوله: ومحرمة عليه) بالجر عطف على مبيحة: أي وكذا يحد في وطئ محرمة عليه.
وقوله لتوثن: اللام للاجل متعلقة بمحرمة: أي محرمة عليه لاجل توثن، (وقوله: أو لنحو بينونة كبرى) أي أو محرمة عليه لنحو بينونة كبرى وهي التي تكون بالطلاق ثلاثا، ويدخل تحت النحو الرضاع والمصاهرة والقرابة (قوله: وإن كان قد تزوجها) غاية لحده بوطئ المحرمة عليه بما ذكر: أي يحد بوطئها وإن كان عقد عليها لان العقد ليس بشبهة.
وقال الإمام أحمد وإسحاق: يقتل ويؤخذ ماله لحديث فيه صححه يحيى بن معين، (وقوله: خلافا لأبي حنيفة) أي في قوله: إن صورة العقد شبهة، وفي المغني ما نصه.
فروع: لو ادعى الجهل بتحريم الموطوءة بنسب لم يصدق لبعد الجهل بذلك قاله الاذرعي لان الجهل مع ذلك النسب ولم يظهر لنا كذبه فالظاهر تصديقه أو تحريمها برضاع فقولان أظهرهما، كما قاله الأذرعي، تصديقه إن كان ممن يخفى عليه ذلك أو بتحريمها بكونها مزوجة لا معتدة وأمكن جهله بذلك صدق بيمينه وحدت هي دونه إن علمت تحريم ذلك.
اه.
(قوله: أما مجوسية تزوجها إلخ) قال في الروض وشرحه: وخرج بالوثنية المجوسية ففيها، كما في الأصل عن البغوي، أنه يجب الحد وعن الروياني لا يجب للخلاف في صحة نكاحها، وهذا نقله الروياني في التجربة عن النص.
قال الاذرعي والزركشي: فهو المذهب اه.
وقوله فلا يحد بوطئها: أي المجوسية (قوله: للاختلاف في حل نكاحها) علة لعدم الحد، وإنما اختلفوا فيه لان المجوس كان لهم كتاب منسوب إلى زرداشت، فلما بدلوه رفع على
الأصح (قوله: ولا يحد بالايلاج في قبل مملوكة له الخ) عبارة الفتح مع الأصل: ولا إن كان مع شبهة في المحل كالايلاج في قبل أمة مملوكة له لكنها حرمت عليه بنحو محرمية بنسب أو غيره أو توثن أو تمجس أو إسلام ونحو شركة لغيره فيها، وكلايلاج في قبل أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الاخيرة وشبهة الاعفاف الواجب له في الجملة فيها، وظاهر كلامه هنا وجوب الحد بالايلاج في دبر الاخيرتين، وفيه نظر بينته في الأصل (قوله: أو شركة لغيره) أي شركة ثابتة لغير الواطئ معه في الأمة الموطوءة (قوله: أو توثن أو تمجس) معطوفان على نحو محرمية عطف الخاص على العام: أي أو حرمت عليه مملوكته بسبب توثن أو تمجس (قوله: ولا بإيلاج في أمة فرع) أي ولا يحد بإيلاج في أمة فرع، وقوله ولو(4/165)
مستولدة: أي ولو كانت أمة فرع مستولدة له (قوله: لشبهة الملك) أي لا يحد في وطئ المذكورات لقيام شبهة الملك في غير الصورة الاخيرة وهي الايلاج في أمة الفرع (قوله: وشبهة الاعفاف فيها) أي في الصورة الاخيرة: أي لان مال الولد كله محل لاعفاف الاصل والامة من جملة مال الولد (قوله: وأما حد ذي رق) أي وتغريبه ففي الكلام اكتفاء، وهو محترز قوله إن كان حرا.
وقوله محصن أو بكر: بدل من ذي رق أو عطف بيان، والمحصن ضد البكر.
وقوله ولو مبعضا: أي ولو كان ذو الرق مبعضا (قوله: فنصف الخ) جواب أما.
وقوله وتغريبه: بالجر عطف على حد الحر: أي ونصف تغريبه (قوله: فيجلد الخ) بيان لنصف حد الحر وتغريبه (قوله: ويحد الرقيق الإمام أو السيد) فحده لا يتعين فيه الامام بل للسيد أن يحده بنفسه للخبر المار: فإن تنازعا قدم الامام (قوله: ويرجم) هو من باب نصر (قوله: بأن يأمر الخ) تصوير لرجم الإمام أو نائبه، فمعنى رجمه أن يأمر الناس الخ.
فإسناد الرجم إليه على سبيل المجاز العقلي (قوله: فيرموه) ويسن لامرأة حفرة إلى صدرها إن لم يثبت زناها بإقرار لئلا تنكشف، بخلاف ما إذا ثبت بالاقرار فلا تسن لها ليمكنها الهرب إن رجعت (قوله: بحجارة معتدلة) خرج بالمعتدلة الحصيات الخفيفة لئلا يطول تعذيبه والصخرات لئلا تدفعه فيفوت به التنكيل المقصود، وليس لما يرجم به تقدير لا جنسا ولا عددا فقد تصيب الاحجار مقاتله فيموت سريعا، وقد يبطئ موته (قوله: وإن كان) أي الزاني محصنا.
واعلم: أن الاحصان لغة المنع.
قال تعالى: * (لتحصنكم من بأسكم) * وشرعا عبارة عن البلوغ والعقل والحرية والوطئ في نكاح صحيح (قوله: حتى يموت) أي يرجم حتى يموت (قوله: إجماعا) روى الشيخان عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال: الرجم حق على من زنى إذا كان محصنا، وقال: إن الله بعث محمدا نبيا وأنزل عليه كتابا، وكان فيما
أنزل عليه آية الرجم فتلوناها ووعيناها وهي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
قال وقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه (قوله: لأنه - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا والغامدية) أي أمر برجمهما.
قال البجيرمي: ظاهره أن ماعزا زنى بالغامدية، وليس كذلك، بل هو زنى بامرأة وهي زنت برجل آخر.
روى أبو داود والنسائي عن يزيد بن أبي نعيم عن أبيه أبي نعيم قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي هزال فأصاب جارية من الحي تسمى فاطمة، وقيل غير ذلك، وكانت أمة لابي هزال، فقال أبو هزال ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك.
فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك وأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لماعز قبل رجمه لو سترته بتوبتك لكان خيرا لك وأما الغامدية فهي امرأة من غامد، حي من الازد، وفي حديثها: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له اه.
ملخصا.
واعلم أنه يسن للزاني ولكل من ارتكب معصية أن يستر على نفسه: لخبر: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد رواه الحاكم (قوله: ولا يجلد مع الرجم) محله إذا زنى بعد الاحصان أما لو زنى قبله ثم زنى بعده فإنه يج ب جلده ثم رجمه على الأصح من وجهين في الروضة، وهو المعتمد، لانهما عقوبتان مختلفتان فلا يتداخلان لكن يسقط التغريب بالرجم (قوله: وتعرض عليه توبة) أي ويستحب أن تعرض على الزاني المحصن قبل الرجم توبة لتكون خاتمة أمره (قوله: ويؤمر) أي الزاني المحصن إذا أرادوا رجمه (قوله:
__________
(1) سورة الانبياء، الاية: 80.(4/166)
ويجاب لشرب) أي إذا طلب عند الرجم ماء يشربه فيجاب له (قوله: ولصلاة ركعتين) أي ويجاب أيضا لصلاة ركعتين إذا طلبها (قوله: ويعتد بقتله بالسيف) أي فلا يرجم بعده: إذ لا فائدة فيه، وقوله لكن فات الواجب وهو الرجم بالحجارة (قوله: والمحصن مكلف) أي وإن طرأ تكليفه أثناء الوطئ فاستدامه قيل لا معنى لاشتراط التكليف في الاحصان بعد اشتراطه في مطلق وجوب الحد، ويرد بأن له معنى هو أن حذفه يوهم أن اشتراطه لوجوب الحد لا لتسميته محصنا فبين بتكريره أنه شرط فيهما، ويلحق بالمكلف هنا أيضا السكران.
اه.
تحفة وقوله حر أي كله مسلما كان أو كافرا لانه - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين.
كما في الصحيحين، زاد أبو داود: وكانا قد أحصنا (قوله: وطئ أو وطئت) أي حال الكمال بالبلوغ والعقل والحرية فلا بد من وقوعه حال الكمال بما ذكر كما أنه لا بد أن يكون الزنا حال الكمال، فلا يرجم إلا من كان كاملا
في الحالين وإن تخللهما نقص كجنون ورق بخلاف ما لو وطئ وهو ناقص بأن كان صبيا أو مجنونا ثم زنى وهو كامل فلا يرجم، ولا يرد النائم إذا استدخلت المرأة ذكره من حيث إنه صار محصنا وليس بمكلف عند الفعل لأنا نقول هو مكلف استصحابا بالحالة قبل النوم والاظهر أن الكامل من رجل أو امرأة يكون محصنا بوطئ ناقص كما لو كانا كاملين (قوله: بقبل) متعلق بكل من الفعلين قبله والباء مستعملة في التعدية بالنسبة للاول، وفي الظرفية بالنسبة للثاني، والمراد به على الاول ذكر الواطئ، وعلى الثاني فرج المرأة، ويحتمل جعلها للظرفية مطلقا ويقدر لكل منهما متعلق: أي وطئ بذكر أصلي في قبل أو وطئت به في قبلها، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه تحصين، كما لا يحصل به تحليل، (قوله: في نكاح صحيح) أي عقد صحيح، وهو متعلق بكل من الفعلين أيضا.
وإنما اعتبر في الاحصان الوطئ في نكاح صحيح لان به قضي الواطئ الشهوة واستوفى اللذة فحقه أن يمتنع عن الحرام، فإذا وقع فيه غلظ عليه بالرجم (قوله: ولو في حيض) أي يكون محصنا بالوطئ المذكور، ولو وقع في زمن حيض: أي أو نحوه من كل ما يحرم الوطئ معه حرمة عارضية كالوطئ في نهار رمضان أو في الاحرام أو في عدة شبهة (قوله: فلا إحصان لصبي أو مجنون) محترز قوله مكلفا وإنما لم يكونا محصنين لنقصهما فلا يرجمان وإنما يؤدبان إن كان لهما نوع تمييز بما يزجرهما عن الوقوع في الزنا، وقوله أو قن: أي ولا إحصان لقن فلا يرجم وذلك لأنه على النصف من الحر كما تقدم والرجم لا نصف له، وهذا محترز قوله حر وقوله وطئ: أي من ذكر من الصبي والمجنون والقن، وقوله في نكاح: أي صحيح (قوله: ولا لمن وطئ في ملك يمين) أي ولا إحصان لمن وطئ في ملك يمين، وهو محترز قوله في نكاح، وقوله أو نكاح فاسد: محترز قوله صحيح (قوله: ثم زنى) معطوف على وطئ في نكاح ووطئ في ملك اليمين أي ولا إحصان لصبي أو مجنون أو قن وطئ بمن زنى ولمن وطئ في ملك اليمين ثم زنى ولا حاجة إليه إذ الكلام في بيان مفاهيم قيود الاحصان (قوله: وأخر وجوبا رجم إلخ) قال في الروض وشرحه: ويؤخر وجوبا حدود الله كقطع السرقة لمرض يرجى زواله وشدة حر وبرد إلى البرء واعتدال الزمان لئلا يهلك المحدود لان حقوقه تعالى مبنية على المساهلة بخلاف حقوق الآدميين كقصاص وحد قذف فلا تؤخر لانها مبنية عن المضايقة، لا الرجم، فلا يؤخر بشئ مما ذكر ولو ثبت زناه بإقرار لان نفسه مستوفاة ويؤخر للحمل وانقضاء الفطام ولو كان الحمل من زنا، كما في استيفاء القصاص، اه.
(قوله: لوضع حمل) أي إلى وضعه، وقوله وفطام: أي وإلى فطم الرضيع، فإذا وضعت ومضت مدة الرضاع رجمت (قوله: لا لمرض إلخ) أي لا يؤخر الرجم لاجل مرض، وقوله يرجى برؤه منه: هو ليس بقيد، بل مثله بالأولى ما لا يرجى برؤه، وذكر في المنهاج قولا أنه إن ثبت بإقراره يؤخر
ندبا، وذلك لانه بسبيل من الرجوع (قوله: وحر وبرد) معطوفان على مرض: أي ولا يؤخر الرجم لاجل حر وبرد مفرطين (قوله: نعم يؤخر الجلد الخ) لا معنى للاستدراك: إذ الكلام في الرجم، فالاولى حذف أداة الاستدراك والاتيان بواو(4/167)
العطف في محلها، وقوله لهما: أي لحر وبرد مفرطين إلى اعتدال الوقت (قوله: ولمرض يرجى برؤه منه) أي ويؤخر الجلد أيضا لمرض يرجى برؤه منه، فإن لم يرج برؤه منه لا يؤخر، ولا تفرق السياط على الايام وإن احتمل التفريق بل يضرب في الحال.
إذ لا غاية تنتظر لكن لا يضرب بسياط لئلا يهلك، بل يضرب بعثكال، أي عرجون عليه مائة غصن مرة، فإن كان عليه خمسون غصنا فمرتين، فإن برئ بعد ضربه بذلك أجزأه الضرب به (قوله: أو لكونها حاملا) أي ويؤخر الجلد لذلك كما يؤخر الرجم (قوله: لأن القصد الردع) علة لتأخير الجلد (قوله: ويثبت الزنا بإقرار حقيقي) خرج الحكمي وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم: كأن ادعى شخص على آخر أنه زنى وأراد تحليفه على أنه لم يزن فنكل ثم رد اليمين على المدعى فحلف اليمين المردودة فإنها كالاقرار لكن لا يثبت بها الزنا في حق المدعى عليه، وإنما يسقط بها الحد عن القاذف، وقوله مفصل قال البجيرمي: كأن يقول أدخلت حشفتي فرج فلانة على سبيل الزنا ولا بد أن يذكر الاحصان أو عدمه.
اه.
وقوله نظير ما في الشهادة: أي من اعتبار التفصيل فيها كما يأتي (قوله: ولو بإشارة أخرس) غاية في الإقرار: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار بإشارة أخرس، لكن بشرط أن يفهمها كل أحد (قوله: ولو مرة) غاية ثانية للاقرار أيضا: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار مرة وهي للرد (قوله: ولا يشترط إلخ) المقام للتفريع، وقوله تكرره: أي الاقرار أربع مرات، وقوله خلافا لأبي حنيفة: أي وأحمد فإنهما اشترطا أن يكون الاقرار أربعا لحديث ماعز لان كل مرة قائمة مقام شاهد، وأجاب أئمتنا بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كرره على ماعز في خبره لانه شك في عقله، ولهذا قال له: أبك جنون؟ ولم يكرره في الغامدية (قوله: وبينة) معطوف على إقرار: أي ويثبت الزنا أيضا ببينة وهي أربعة شهود لقوله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * (قوله: فصلت إلخ) يعني إنه يشترط في البينة أن تفصل وتفصيلها يكون بذكر المزني بها لاحتمال أن لا حد بوطئها وبذكر الكيفية: أي كيفية ما وجد منه من إدخال الحشفة أو قدرها لاحتمال إرادة المباشرة فيما دون الفرج بقولها إنه زنى وذكر مكان الوطئ وزمانه لان المرأة قد تحل في مكان دون مكان وفي زمان دون زمان، ولو اختلفت البينة في مكانه ووقته بطلب الشهادة (قوله: كاشهد الخ) تمثيل للشهادة المستكملة للقيود السابقة (قوله: ولو أقر) أي الزاني بالزنا (قوله: ثم رجع عن ذلك) أي عن إقراره (قوله: قبل الشروع)
متعلق برجع.
وقوله أو بعده: أي بعد الشروع (قوله: بنحو كذبت الخ) متعلق برجع أيضا (قوله: وإن قال إلخ) غاية لمقدر: أي يقبل رجوعه بذلك وإن قال بعد الرجوع كذبت في رجوعي ولو أخر هذه الغاية عن قوله سقط الحد لكان أولى للاستغناء به عن تقدير ما ذكر (قوله: أو كنت فاخذت) معطوف على قوله بنحو كذبت فيكون متعلقا بقوله رجع أيضا: أي أو رجع بقوله كنت فاخذت فظننته زنا وأقررت به (قوله: وإن شهد حاله بكذبه) أي يقبل الرجوع بما ذكر وإن شهد حاله بكذبه أي في ظنه أن المفاخذة زنا بأن يكون ممن لا يخفى عليه ذلك (قوله: بخلاف ما أقررت به) أي بخلاف قوله بعد إقراره أنا ما أقررت به فلا يقبل به الرجوع (قوله: لأنه) أي قوله ما أقررت به.
وقوله مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به: أي بإقراره.
اه.
سم (قوله: سقط الحد) جواب لو، فلو قتل بعد سقوطه عنه بالرجوع وجب على قاتله الدية لا القود لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع، وأفهم قوله سقط الحد أن غيره لا يسقط عنه كمهر من قال زنيت بها مكرهة ثم رجع عن قوله وهو كذلك كما صرح به في فتح الجواد، وقال: لانه حق آدمي.
وفي سم: لو أقر بالزنا فهل تسقط عدالته بإقراره بالزنا ثم يعود حكمها برجوعه؟ فيه نظر.
اه.
(قوله: لأنه الخ) علة لسقوط الحد (قوله: عرض لماعز بالرجوع)
__________
(1) سورة النساء، الاية: 15.(4/168)
أي بقوله عليه الصلاة والسلام له: لعلك قبلت.
لعلك لمست.
أبك جنون (قوله: فلولا أنه لا يفيد) الصواب حذف لا - كما في التحفة والنهاية - وذلك لان لولا تفيد امتناع الجواب لوجود الشرط فلو كانت لا ثابتة لكان المعنى ثبت امتناع عدم التعريض لوجود عدم الافادة، وهو غير مستقيم لأن القصد ثبوت الافادة لا عدمها (قوله: ومن ثم سن الرجوع) أي ومن أجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض لماعز بالرجوع سن لمن أقر بذلك الرجوع عن إقراره ويتوب بينه وبين الله تعالى فإن الله يقبل توبته إذا أخلص نيته (قوله: وكالزنا في قبول الرجوع عنه) أي عن الإقرار به.
وقوله كل حد لله تعالى: أي كل موجب حد.
إذ الذي يقربه ثم يرجع عنه الموجب ويدل له تمثيل الشارح له بعد بقوله كشرب الخ: إذ هو لا يصح تمثيلا للحد وإنما هو لموجبه (قوله: بالنسبة للقطع) راجع للسرقة أي يقبل الرجوع في السرقة بالنسبة لسقوط الحد عنه وهو القطع، أما بالنسبة للمال المسروق فلا يقبل رجوعه بل يؤخذ منه.
(قوله: وأفهم كلامهم) المناسب وأفهم قولي ولو أقر ثم رجع لأن ما ذكره مفهوم قوله وأن كان هو مفهوم كلامهم أيضا (قوله: أنه) أي الزنا (قوله: لا يتطرق إليه) الضمير عائد على الزنا، لكن بتقدير مضاف: أي لا يتطرق إلى إثباته بالبينة رجوع (قوله: وهو كذلك) أي ما أفهمه كلامهم من عدم تطرق
الرجوع إليه كذلك (قوله: لكنه) أي الزنا أي حده يتطرق إليه: أي إلى حده السقوط، وقوله بغيره: أي غير الرجوع (قوله: كدعوى زوجية) أي لمن زنى بها وهو تمثيل لتطرق السقوط بغير الرجوع (قوله: وملك أمة) أي وكدعوى ملك أمة زنى بها، وقوله وظن كونها حليلة: أي وكدعوى أن هذه الاجنبية التي زنى بها يظن أنها حليلته ففي جميع ما ذكر يسقط عنه حد الزنا الثابت بالبينة لوجود الشبهة وقد قال عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات (قوله: وثانيها حد القذف) أي وثاني الحدود حد القذف، والقذف لغة الرمي: يقال قذف النواة أي رماها وشرعا الرمي بالزنا في معرض التعيير: أي في مقام هو التعيير: أي التوبيخ.
وألفاظه ثلاثة: صريح، وكناية، وتعريض.
فالاول هو ما اشتهر فيه ولم يحتمل غيره كقوله لرجل أو امرأة زنيت أو زنيت بفتح التاء وكسرها أو يا زاني، ولا يضر اللحن بالتذكير للمؤنث وعكسه.
والثاني هو ما احتمل القذف واحتمل غيره: كقوله زنأت بالهمز في الجبل أو نحوه فهو كناية لان ظاهره يقتضي الصعود، وكقوله لرجل يا فاجر يا فاسق يا خبيث ولامرأة يا فاجرة يا خبيثة يا فاسقة وأنت تحبين الخلوة أو الظلمة أو لا تردين يد لامس، فإن نوى به القذف حد وإلا فلا، وإذا ادعى عليه بأنه أراده وأنكره صدق بيمينه في أنه ما أراده.
والثالث هو ما لا يحتمل ظاهره القذف، كقوله لغيره في خصومة أو غيرها يا ابن الحلال وأنا لست بزان أو ليست أمي بزانية فليس بقذف وإن نواه (قوله: وهو) أي القذف، وقوله من السبع الموبقات: أي المهلكات من أوبقته الذنوب إذا أهلكته، وهي: السحر، والشرك بالله تعالى، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات: أي الحرائر البريئات (قوله: وحد قاذف الخ) وذلك لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهلال بن أمية حين قذف زوجته بشريك بن سحماء: البينة أو حد في ظهرك، ولما قال - صلى الله عليه وسلم - له ذلك، قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا أينطلق يلتمس البينة؟ فجعل - صلى الله عليه وسلم - يكرر ذلك.
فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت آية اللعان (قوله: مكلف) أي بالغ عاقل، فلا حد على صبي ومجنون لنفي الايذاء بقذفهما لعدم تكليفهما، لكن يعزران إذا كان لهما نوع تمييز، وقوله مختار: خرج المكره بفتح الراء فلا حد عليه لعدم قصد الايذاء بذلك.
وقوله ملتزم للاحكام: أي فلا حد على غير
__________
(1) سورة النور، الاية: 4.(4/169)