ـ[جَوَاهِر الْعُقُود ومعين الْقُضَاة والموقعين وَالشُّهُود]ـ
الْمُؤلف: شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد المنهاجي الأسيوطي (الْمُتَوفَّى: 880هـ)
حققها وَخرج أحاديثها: مسعد عبد الحميد مُحَمَّد السعدني
الناشر: دَار الْكتب العلمية بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م
[ترقيم الْكتاب مُوَافق للمطبوع](1/1)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْمُقدمَة
الْحَمد لله رب الْعَالمين، الَّذِي أنزل الْقُرْآن الْكَرِيم على رَسُوله النَّبِي الامي، الصَّادِق، الامين، فشرح بِهِ صُدُور عباده الْمُؤمنِينَ، وَنور لَهُم بصائرهم وَجعل مِنْهُم أَوْلِيَاء وعارفين فاستنبطوا مِنْهُ الاحكام وميزوا بِهِ الْحَلَال من الْحَرَام، يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من طلب الْعلم وأدركه كَانَ لَهُ كفلان من الأجر، وَإِن لم يُدْرِكهُ كَانَ لَهُ كفل من الأجر " (1) إِن خير الْعُلُوم وأفضلها عِنْد الله علم الدّين والشرائع:، الْمُبين لما احتوت عَلَيْهِ الاحكام الالهية من عَدَالَة سَمَاوِيَّة يتَبَيَّن من خلالها حل الاشياء وحرمتها، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ
الانام، أما بعد فكتاب " جوَار الْعُقُود ومعين الْقَضَاء والمقعين وَالشُّهُود " الَّذِي عملت على ضَبطه فقد كَانَ رَوْضَة أنيقة يَسْتَطِيع أَن يجني من ثمارها ويستنير بكواكبها المشرقة كل ذِي حَاجَة لحكم أَو عقد أَو اتفاقية وفْق كتاب الله وَسنة نبيه، فَإِنَّهُمَا خير مَا يجب أَن نعض عَلَيْهِمَا بالنواجذ لانهما نبراس لكل ساع إِلَى هِدَايَة وَنبيه، أسأَل الله عزوجل أَن يَنْفَعنِي وإخواني الْمُسلمين بِعِلْمِهِ وهدايته، إِنَّه السَّمِيع الْبَصِير الْقَدِير على كل شئ وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
مُحَمَّد أَمِين الضناوي
__________
(1) رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي كتاب الرقَاق، بَاب: فضل الْعلم والعالم.(1/3)
هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْخَالِق، شمس الدّين السُّيُوطِيّ، ثمَّ القاهري، الشَّافِعِي المنهاجي: فَاضل مصري، ولد - كَمَا قَالَ لي، فِي جُمَادَى الاخرة سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة، وَقيل: سنة عشر - بأسيوط وَنَشَأ بهَا، وجاور بِمَكَّة مُدَّة، وَاسْتقر فِي الْقَاهِرَة.
فحفظ الْقُرْآن عِنْد سعد الدّين الواحي وَغَيره، والعمدة، وَأَرْبَعين النَّوَوِيّ، والشاطبية، والمنهاج الفرعي، والاصلي.
وسطور الاعلام فِي معرفَة الايمان والاسلام للحمصي فِيمَا زَعمه، أَنه عرض على الْجلَال البُلْقِينِيّ، وَالْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ، والبيجوري.
والشرف الاقفهسي، والتفهني، وقارئ الْهِدَايَة، والبساطي.
وَابْن مغلي، فِي آخَرين مِنْهُم: النَّجْم بن غبد الْوَارِث، والحمصي، أَنه تَلا لابي عَمْرو وَعلي الشَّمْس البوصيري.
وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الزكي الْمَيْدُومِيُّ.
وَالشَّمْس بن عبد الرَّحِيم، والبدر بن الْخلال، وَعَن الزكي أَخذ النَّحْو أَيْضا، وَعَن الشهَاب السخاوي - القادم عَلَيْهِم أسيوط - مَجْمُوع الكلائي، والملحة.
وَقيل: بل الشهَاب العجيمي - وَهُوَ الَّذِي سمعته مِنْهُ.
والْحَدِيث عَن شَيخنَا - يَعْنِي الْحَافِظ أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي - والتقي بن عبد الْبَارِي الكفيف وَغَيرهمَا.
وتكسب بِالشَّهَادَةِ، ومعاني الادب، وتميز فِيهِ.
وامتدح شَيخنَا - ابْن حجر - بقصيدة دالية، سَمعتهَا مِنْهُ فِي مَكَّة والقاهرة.
وكتبها - أَو جلها - فِي الْجَوَاهِر، كَذَا.
وكتبها عَنهُ البقاعي، مِنْهَا: يَا كعبة، قبل الْوُقُوف، ذخلتها من بَاب شيبَة، حمدك المتأكد
__________
(1) الاعلام خير الدّين الزركلي، ج د ص 334، الضَّوْء اللامع لاهل الْقرن التَّاسِع، شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي، ج 7 ص 13.(1/5)
وَجمع فِي الشُّرُوط كتابا سَمَّاهُ " جَوَاهِر الْعُقُود، وَمعنى الْقَضَاء وَالشُّهُود " فِي مُجَلد صخم، وَأذن لَهُ شَيخنَا فِي الْعُقُود.
صحب الامير جانم قريب الاشرف برسباي، فاختص بِهِ، وسافر مَعَه لحلب ثمَّ للشام.
وَكتب عَنهُ الْفُضَلَاء من نظمه ونثره.
وَجمع مجاميع فِي الادب والتاريخ.
وَلكنه يرْمى بالمجازفة.
وَلَا يحمد فِي شهاداته، وَقد أهين بِسَبَبِهَا فِي مَكَّة وَغَيرهَا.
وَلما كَانَ مجاورا بِمَكَّة أقْرض للتقي بن فَهد كِتَابه الْقَرِيب.
وَقَرَأَ بهَا البُخَارِيّ مرّة بعد أُخْرَى.
ثمَّ لقِيه حفيده الْعِزّ بحلب بعد دهر، وَكتب عَنهُ من نظمه قصائد.
ولقيني بِمَكَّة ثمَّ بِالْقَاهِرَةِ.
من كتبه " أتحاف الاخصاء بفضائل الْمَسْجِد الاقصى، فَضَائِل الشَّام: تحفة الظرفاء، هِدَايَة السالك إِلَى أوضح المسالك: التَّذْكِرَة المنهاجية (1)
__________
(1) قَالَ الزركلي فِي الاعلام: " رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي الاسكوريال (الرقم 292) وأظن أَن هُنَاكَ جُزْءا آخر مِنْهُ أَو أَكثر ".(1/6)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي، وَهُوَ حسبي.
وَنعم الْوَكِيل رب يسر بجودك الشَّامِل، وتمم بِفَضْلِك الْكَامِل.
الْحَمد لله الَّذِي جعل مدَار الاحكام الشَّرْعِيَّة على صِحَة إداء السهادة.
وميز بهَا مقادير أهل الرتب الْعلية.
فتميزوا عِنْد الحكم الْعدْل تميزا جرى بِهِ قلم الْقُدْرَة والارادة.
(وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قالو بلَى شهادنا) (الاعراف، 172) وَهَذَا أول دَلِيل على أَن الشَّهَادَة بِالْحَقِّ عنوان السَّعَادَة، وَحَيْثُ أقرُّوا بوحدانية، وَصَدقُوا رَسُوله، وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه، حصلوا من هَدْيه على النّظر والمعرفة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة، بكمالات الرقي فِي مَرَاتِب السِّيَادَة، وَكَذَلِكَ أطلق بتنفذ مَا خصهم بِهِ من المزية على غَيرهم من الامم أَلْسِنَة الاقلام فِي المحابر، وَأثبت لَهُم الْحجَّة بالتعديل فِي الْكتاب المسطور، إِثْبَاتًا عرفُوا إصداره وإيراده، من قَوْله الله جلّ اسْمه فِي كِتَابه العزير (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا) (الْبَقَرَة، 143) وناهيك بِهِ من وصف جمع الله بِهِ لعدول هَذِه ا، مة طارف الْفضل وتلاده.
أَحْمد حمد عبد عرى إيمَانه بِاللَّه وثيقه، ومواهب نعمه عَلَيْهِ من مزِيد شكره إِيَّاه مستفاده.
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة، الاخصلاص بهَا نَافِذ الحكم فِي الْجنان وَاللِّسَان، مَا مضى الامر بأدائها فِي الْبدَاءَة والاعادة.
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي اشتغلت ذمَّة عُلَمَاء أمته من تَقْرِير أَحْكَام شَرِيعَته بِحَق صَحِيح شَرْعِي وَجب الْعَمَل بِهِ، وَأَرَادَ الله إبرام حكمه وإنفاذه.
فَمن ائتمر بِمَا بِهِ أمروا، وانْتهى عَمَّا عَنهُ نهوا: حصل من شُرُوط الْوَفَاء على صِحَة الدَّعْوَى وَجرى من عوائد اللطف فِي الْقَضَاء على أجمل عَادَة.
صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه الَّذين أعلم لَهُم فِي مَكْتُوب الْمُبَايعَة تَحت الشَّجَرَة - تلو رسم شَهَادَتهم بنبوته ورسالته - عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول.
وأعلمهم بِمَا ثَبت
عِنْده من أَن الله وعده أَن ينصر بهم عباده.
وَيفتح على أَيْديهم معالقه وحصونه وبلاده.
وبشرهم مَعَ ذكل بقوله: (إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة(1/7)
يُقَاتلُون فِي سبل الله فيقاتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة والانجيل والقرءآن وَمن أوفي بعده من الله فاستبشروا ببعكم الذى بايعتم بِهِ وذالك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم (111)) التَّوْبَة: 111) فَمَا مِنْكُم إِلَّا من ملا بحبه قلبه: وَصرف إِلَى سَماع مَا بشر بِهِ سَمعه وبصره وفؤاد، صَلَاة تبلغ بِهِ مَعَهم فِي دَرَجَات الْمُحْسِنِينَ - من الْمَقَاصِد الْحَسَنَة الاسلاك والسلوك - الْحسنى وَزِيَادَة.
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.
وَبعد.
فَإِن توقيع الحكم الْعَزِيز ميزَان الْعدْل الرَّاجِح - ومحجة الصدْق الَّتِي سلوك نهجها القويم من أكبر الْمصَالح.
وَعَلِيهِ اعْتِمَاد الْحُكَّام فِيمَا يدْخل عَلَيْهِ النَّقْض والابرام من الاحكام بِالدَّلِيلِ الْوَاضِح.
فمصالح الامة فِي الْوَاقِع بتوقيع موقعيه موفورة.
ومهمات أُمُورهم المؤسسة على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة بالثبات مَشْهُورَة، ومتعدادت فضائلهم الجمة بِلِسَان الاجماع مشكورة، وعَلى أَيْديهم يُؤْخَذ الْحق وَيُعْطى، وبتعريفهم يحصل التَّمْيِيز فِي كل حَال بَين الصَّوَاب وَالْخَطَأ، وهم مِمَّن تَنْتَهِي إِلَيْهِم الامال والرغائب.
وهم المرتقون إِلَى أشرف المناصب وَأَرْفَع الْمَرَاتِب مدَار الْحل وَالْعقد عَلَيْهِم.
ومرجع التَّصَرُّف فِي وضع أَحْكَام الْحُكَّام إِلَيْهِم.
وهم - وَإِن مَالَتْ الْكتاب على اخْتِلَاف طبقاتهم فِيمَا يَكْتُبُونَ بِهِ إِلَى التدبيج والتفويف - فالعدول لَيْسَ لَهُم عدُول إِلَّا إِلَى القَوْل الْحق بِمُوجب الشَّرْع الشريف.
وَبِذَلِك ثَبت فَخْرهمْ وَاسْتقر.
وَإِن كتب غَيرهم الْمجْلس أَو الجنات، أَو الْمقر.
فكم كتبُوا إِقْرَار صَحِيحا شَرْعِيًّا، أذا تَأمله حَاكم الشَّرِيعَة المطهرة، تهلل وَجه إِنْسَان عينه وقر، وَكَيف لَا يجون ذَلِك؟ وباعهم فِي مواصفات الْبيُوع طويف، وعلمهم بِمَا يجوز بَيْعه وَمَا لَا يجوز لَا يشاركهم فِي الْخَلِيل.
وَلَا يُطيق الدُّخُول إِلَيْهِ بِسَبَب خَفِيف وَلَا ثقيل، وَلَهُم فِيمَا يفْسد البيع وَمَا لَا يُفْسِدهُ حكم تَفْرِيق الصَّفْقَة الَّتِي فَضِيلَة السَّبق فِي تفريقها لَا
تعرف إِلَّا لصَاحب نسبم الصِّبَا، وَلَا أَتَى أحد بِمَا أَتَى بِهِ فِي وسصف الاعيان الْمَنْصُوص فِيهَا على تَحْرِيم الرِّبَا.
ولعمري مَا دخل الْمُوثقُونَ لاخذ إصول هَذَا الْفَنّ، واجتنوبا ثماره اليانعة من فروعها، إِلَّا من بَاب بيع الْمُصراة بالمسرة.
ففازوا بالمرابحة واستغنوا بهَا عَن الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا، وأعرضوا عَن مجموعها، وَحين وقفُوا على اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين من اخْتِلَاف الائمة.
(فَألْقوا السّلم مَا كُنَّا نعمل من سوعم) (النَّحْل: 28) أمنُوا على خواطرهم السليمة من وَهن الرَّهْن الْمعَاد يَوْم الْمعَاد، ومعرة التَّفْلِيس وَالْحجر - فَلَا وَالله مَا ابتأسوا وَلَا يئسوا، بل عقدوا الصُّلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة، اعْتِمَادًا على مَا صَدره من الْحِوَالَة على الْعَام الْقَابِل وَالضَّمان المقبول.(1/8)
وعَلى الْجُمْلَة: فمحلهم قَابل للوصف بِكُل منقبة غراء.
أخصها تسميتهم عِنْد أهل الْعدْل " الْعُدُول ": من تلق مِنْهُم تقل: لاقيت سيدهم مثل النُّجُوم الَّتِي يهدي بهَا الساري وَكَانَ السببب الْبَاعِث على تَحْرِير هَذَا الْكتاب، وَتَقْرِير مَا حواه من الْمَعْنى الدَّقِيق الَّذِي اطرحت مِنْهُ القشر وَأثبت اللّبَاب: هُوَ أَنِّي وقفت على كثير من كتب الْمُتَقَدِّمين فِي الوثائق والشروط، وأتيت على مَا فِيهَا من المصطلحات الْحكمِيَّة، وتأملت الْمُخْتَصر مِنْهَا والمبسوط، فَإِذا هِيَ ذَات عِبَارَات مؤتلفة ومختلفة، وحالات قوانيت أوضاعها يُغْنِيك موصوفها عَن الصّفة، وَفِي غضونها من الْأَلْفَاظ مَا تمجه الاسماع لطوله وَبسطه.
وَرُبمَا حصل لمتأمله ملل أَدَّاهُ إِلَى الاخلال بمقصوده الْمُؤلف وَشَرطه.
وَرَأَيْت - مَعَ ذَلِك - أَن مصطلح الاولين بِالنِّسْبَةِ إل يأفهام الْمُتَأَخِّرين لما فِيهِ من التَّرْكِيب العجيب غَرِيب، وَمِنْه مَا هُوَ مُحْتَاج إِلَى التَّهْذِيب وتقريب وترتيب.
والمعلوم من طَرِيق الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم: أَن هَذَا الْعلم، وَإِن كَانَ بحرا لَا يصل أحد إِلَى قراره، وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَأْتِي من يحملهُ ويفصله بالعشر من معشاره - فقد اسْتعْمل
النَّاس فِيهِ فصوله جَامِعَة لمعاني الْكَلَام، وتصرفوا فِي موضعهَا تَصرفا توقفت عَلَيْهِ أَحْكَام الْحُكَّام.
وَمِنْهُم من سبرها ودربها، ورتبها، وبوبها، وحسبها وكتبها.
فَصَارَت مِمَّا لَا يجهل وَلَا يُنكر، وَإِذا وَقعت لَاحَدَّ من حقذاق حزبة نزلها بلطيف استنباطه على الاوضاع، وَإِن كَانَت فِي كتب الوثائق لم تذكر.
وَمثل ذَلِك كثير.
وَلَا ينبئك مثل خَبِير.
وَكَانَ قد وَقع لي شئ أشكل عَليّ، وخفي فِيهِ الصَّوَاب.
فعدلت إِلَى السُّؤَال عَنهُ من عدُول فضلاء، وأساطين من الموقعين النبهاء والنبلاء.
فَلم يأتني أحد مِمَّن سَأَلته بِجَوَاب.
وَرُبمَا قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب: لَا بَأْس أَن تضع فِي هَذَا الْفَنّ كتابا، تكشف فِيهِ ظلمَة مَا أبهم من الاشكال فيتضح.
فَقلت لَهُ: أبشر، فَإِن الْبَاب الَّذِي قرعته قد فتح.
وَهَا قد نهضت لذَلِك فاسترح.
وشرعت والشروع كَمَا علمت مُلْزم، وَأمر من أَمرنِي بذلك وَاجِب الِامْتِثَال، كونى بتمييزه وخيره وَشَرطه: أنصب وَأَرْفَع وأجزم.
واستخرت الله لاذي مَا خَابَ من استخاره، وَلَا نَدم من استجاره.
وَجعلت هَذَا الْكتاب ناطقا بِمَحَامِد الْكتب السَّابِقَة، وَإِنَّهَا لافصح ناطقة.
سلكت فِيهِ سَبِيل مصطلح أهل هَذَا الزَّمَان، منبها فِي كل بَاب من أبوابه على الحكم الْمُتَعَلّق بِهِ بأوضح بَيَان، ثمَّ على مسَائِل الْخلاف الْجَارِي فِي كل مَسْأَلَة بَين إمامنا الشَّافِعِي وَمَالك، وَأحمد، وَأبي(1/9)
حنيفَة النُّعْمَان، وَإِذا انْتهى ذكر الحكم وتفصيل الْخلاف، ذكرت المصطلح بِعِبَارَة وجيزة.
وسبكت معنى الالفاظ مَعَ الاحتصار فِي مَحَله سبكا، لَو رَآهُ السُّبْكِيّ لاقر أَنِّي سبكت إبريزه.
وقابلت بأَدَاء النصب تَمْيِيزه.
أَو لَو رأى مَجْمُوعه الْحسن بن حبيب لتلفع من مروط محاسنه بمرطين، أَو ابْن بهْرَام لشنف آذان الثريا من جَوَاهِر عقوده - إِذا حقق المناط - بقرطين: أَو ابْن الصَّيْرَفِي لظهر لَهُ الْفرق مَا بَين الدِّرْهَم وَالدِّينَار فِي الصّرْف، وَلَا عطى المواثيق والعهود أَن انتقاده يعجز عَن أَن يَأْتِي فِيهِ بتزييف حرف، أَو الشلقامي لعلم أَن فِي كَلَامه - على رَأْي أهل المساحة.
شلقمة ولتحلى بحالته الْمرة، وروى
أَحَادِيث كؤوس ورده عَن عَلْقَمَة، أَو ابْن الزلباني لقلى نَفسه بِنَار دهنه ودهن ناره المشتعلة، ولحرق بأصابعه لجين أَلْفَاظه، الَّتِي جهد أَن يقلبها إبريزا، فَمَا قعد مِنْهَا إِلَّا فِي شباك وسلسلة، أَو الشريف الجرواني لقَالَ: وَالله هَذِه مواهب إلهية، وفوائد سنية، ونقود ذهبية، يتعامل بهَا من الان فِي الديار المصرية، والممالك الاسلامة، وَإنَّهُ لكتاب ختمت بهكتب أهل هَذِه الصِّنَاعَة.
وأرجوا أَن يكون وَاسِطَة عقدهم، ورابطة مقتضياتهم، الَّتِي إِلَيْهَا يرجعُونَ فِي حلهم وعقدهم.
مَا تَأمله منصف خَبِير، فأمعن فِيهِ نظرا، وَرَأى وَجه الْمُنَاسبَة فِيهِ بَين الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة والوثائق الشَّرْعِيَّة وَجها مقمرا، إِلَّا تَيَقّن أَن طرفه الساري إِلَى أَبْوَاب هَذَا الْكتاب واثق من مَعْرُوف مُؤَلفه، وبشره بصباح عِنْده يحمده السرى، وَيَقُول - إِذا طالع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْفَوَائِد -: لاجرم أَن كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا.
وَقد عزمت على أَن لَا أدع فِي بَاب من أبوابه فرعا يتَعَلَّق بمقصود إِلَّا ذكرته بِقصد حُصُول الْفَائِدَة.
والتزمت أَنِّي لَا آتِي على لفظ رَكِيك، وَلَا كلمة ذَات معنى غَرِيب، إِلَّا نبهت على مَعْنَاهَا، وأشرت إِلَيْهِ بِحَسب الامكان على الْقَاعِدَة سائقا مَا لَا يسْتَغْنى الْكتاب عَنهُ فِي الْجُمْلَة، من تناسق مقْصده فِي غَايَة، أَو مُنَاسبَة بَين كلمة وَكلمَة فِي بداية أَو نِهَايَة.
وبنيت الْمَقْصُود مِنْهُ على قَوَاعِد وأصول، ورتبته على أَبْوَاب الْفِقْه، وَقسمت الابواب إِلَى فُصُول، وأضفت إِلَى كل بَاب مِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِهِ من المقتضيات الَّتِي هِيَ فِي حكمه، ليسهل تنَاولهَا، وضعا للشئ فِي مَحَله الَّذِي وضع برسمه.
وقدمت بَين يَدي ذَلِك كُله مُقَدّمَة كلهَا نتائج، وموضوع منطوقها يشْتَمل على ذكر مَا هُوَ شَرط فِي الشَّاهِد، وَمَا يَنْبَغِي أَن يَتَّصِف بِهِ من يُرِيد الدخوف فِي الْبَاب، فَلَا يكون عَنهُ خَارج، وَمَا أمكن أَن أسكت عَن ذكر الحلى الَّتِي ذكرهَا مُهِمّ، اعْتِمَادًا على وجودهَا(1/10)
فِي كتب هَذَا الْفَنّ، وَإِمْكَان مراجعتها فِي الامر الملم، بل أختم الْكتاب بفصل يتَضَمَّن
ذكر الحلى والكنى والالقاب، إِذْ هم مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ أهل هَذِه الصِّنَاعَة وأذيله - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - بِذكر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ أهل هَذَا الْعَصْر، من ألقاب الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَعُظَمَاء الْمُلُوك والسلاطين، وكفال الممالك الاسلامية، ونواب القلاع.
وَمن فِي معناهم من أَرْبَاب السيوف، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْكَاتِب من معرفَة ألقاب أَرْبَاب الاقلام، وأركان الدولة الشَّرِيفَة على النظام، وَقَضَاء الْقُضَاة ومشايخ الاسلام.
وَمن فِي درجتهم من الْعلمَاء الاعلام.
وسميته: جَوَاهِر الْعُقُود، ومعين الْقَضَاء ز الموقعين وَالشُّهُود، وَمَا هُوَ إِلَّا عقد من الْجَوْهَر فِي تناسبه وانتظامه، لَا، بل كالجوهر الْفَرد فِي انتظامه، يشبه عدم انقسامه.
وَأَنا أعْتَذر إِلَى كل وَاقِف عَلَيْهِ، وناظر إِلَيْهِ، من اتقصير، سَائِلًا بسط الْعذر فميا طَغى بِهِ الْقَلَم وَجرى بِهِ اللِّسَان، الَّذِي هُوَ فِي هَذَا الاسلوب قصير.
وَمن الله أسأَل - وَهُوَ أجل مسؤول، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب فِيمَا آل من الامر وفميا يؤول - أَن يمدني بالمعونة على مَا قصدته، والتوفيق إِلَى سَبِيل الرشاد فِيمَا أردته، فَلَيْسَ الا عَلَيْهِ اعتمادي، وَإِلَيْهِ تفويضي واستنادي، وأسأله النَّفْع بِهِ لي ولسائر الْمُسلمين، أَقُول: شَرط الشَّاهِد، مُسلم مُكَلّف حر، عدل، ذُو مُرُوءَة غير مُتَّهم، وَشرط الْعَدَالَة، اجْتِنَاب الْكَبَائِر والاصرار على صَغِيرَة، وَيجب على الموثق أَن يَتَّقِي الله، وَيكْتب كَمَا علمه الله، وَينْصَح فِيهِ لمن اسْتَعْملهُ، مَعَ الِاحْتِرَاز من الالفاظ المحتملة والمبهمة.
وَيسْتَحب أَن يكون من أهل الْعلم وَالدّين، متحليا بحلية الامانة، عَالما بالامور الشَّرْعِيَّة، حاويا طرفا كَبِيرا من العربة، سالكا مَسْلَك الْفُضَلَاء، مَاشِيا على نهج الْعُقَلَاء، عَارِفًا بقسمة الْفَرَائِض، ومراتب الْحساب، متصرفا فِي بسط مجموعها وموضوعها، وتبيين أُصُولهَا وفروعها،
وَيَنْبَغِي للموثق: أَن لَا يعود لِسَانه بِالْكَذِبِ، فَإِن الْعَدَالَة ملكة فِي النَّفس تمنعها عَن اقتراب الْكَبَائِر والرذائل الْمُبَاحَة، وَأَن يجْتَنب معاشرة الاراذل والاسافل ومحادثتهم، إِلَّا(1/11)
لضَرُورَة، لابد لَهُ مِنْهَا، فَإِن صناعته شريفة، ورتبته منيفة، بهَا يطلع على غوامض الامور، وأسرار الْمُلُوك، وأحوال الْجُمْهُور، وَبهَا يحفظ دِمَاء النَّاس وَأَمْوَالهمْ، وتنبني عَلَيْهَا أَقْوَالهم وأفعالهم، وَيَنْبَغِي أَن لَا يتَكَلَّم مَعَ الاخصام من الشُّهُود، إِلَّا الْعَارِف بالقضايا، وَأَن يُمَيّز بَين الْخَصْمَيْنِ، وَيعرف المشعود عَلَيْهِ من الْمَشْهُود لَهُ، وَلَا يبطن قَضِيَّة مَعَ أحد الْخَصْمَيْنِ يكون للاخر فِيهَا حَقًا، فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الاتهام فِي النَّصِيحَة.
وَرُبمَا أدَّت المباطنة مَعَ أحد الْخَصْمَيْنِ إِلَى زِيَادَة مخاصمة، وَرُبمَا عَاد ضَرَر ذَلِك على الشَّاهِد فِي الْحَال والمآل.
وَإِذا كَانَ أحد الشَّاهِدين مَعَ الْخَصْمَيْنِ، أَو مَعَ أَحدهمَا فِي مَسْأَلَة، فَلَا يتَكَلَّم فِيهَا الشَّاهِد الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِي كَلَام الاول.
فَإِن كَانَ صَوَابا وَإِلَّا رده عَلَيْهِ الثَّانِي، ونبهه على الصَّوَاب بِرِفْق، وَلَا يتنازعان فِي الْمجْلس بِحَضْرَة الاخصام، فَإِن ذَلِك يكسر الْحُرْمَة، ويهزيل الابهة 0 وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يسْرع فِي الْكِتَابَة، حَتَّى يُوقع الشَّهَادَة بِمَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق، فَإِن ذَلِك يقطع التَّنَازُع بَين الْخَصْمَيْنِ، وَرُبمَا الْمَشْهُود عَلَيْهِ ضَعِيفا، فَإِذا اشْتغل الشَّاهِد فِي الْكتاب رُبمَا أُغمي عَلَيْهِ، وَاسْتمرّ مغمورا إِلَى أَن يَمُوت، فَيفوت الْمَقْصُود.
وَلَا يكْتب الشَّاهِد على ظهر مَكْتُوب قبل تَحْرِير مَا يَقع بِهِ الاشهاد، فَرُبمَا حصل خلف بَينهمَا، فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى فَسَاد الْمَكْتُوب على صَاحبه، وتتطرق الرِّيبَة إِلَيْهِ، بل يلخص الْمَشْهُود بِهِ فِي مسودة، ثمَّ يُوقع الاشهاد بِهِ، ثمَّ يكْتب على ظهر الْمَكْتُوب، بعد أَن يُوقف عَلَيْهِ رَفِيقه الَّذِي يشْهد مَعَه فِي الْقَضِيَّة، ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى الْكتاب الَّذِي يُرِيد أَن يَكْتُبهُ، فَإِنَّهُ إِذا لم يفعل ذَلِك، وَشرع فِي الْكِتَابَة، مُعْتَمدًا على جودة ذهنه، وبادي
بديهته، ووثوقه من نَفسه بِعَدَمِ الْخَطَأ فِي الْغَالِب.
فقد يذهل وَيجْرِي الْقَلَم - الَّذِي هُوَ لِسَان الْيَد، وبهجة الضَّمِير، وسفير الْعُقُول، ووحي الْفِكر، ورائد الامور - بِغَيْر مُرَاد الْكَاتِب، فَإِن كَانَ الْمَكْتُوب إنْشَاء فَيحْتَاج إِلَى كشط، أَو إِلْحَاق.
فَيكون ذَلِك عَيْبا فِي الْمَكْتُوب، لَا سِيمَا إِن ذهل عَن الِاعْتِذَار عَنهُ.
وَخرج الْمَكْتُوب من يَده، فَيصير فِيهِ رِيبَة إِن بعد الزَّمَان، وَمَات الشَّاهِد أَو غَابَ، وَإِن غير امكتوب، فقد كلف نَفسه غرم ذَلِك، وَإِن كَانَت الْكِتَابَة على ظهر مَكْتُوب قديم قد توالت عَلَيْهِ خوطوط بالاحكام وَالثنَاء فِيهِ، فَيجْرِي الْقَلَم بِغَيْر الْمَقْصُود.
فَيحْتَاج إِلَى تَغْيِير ذَلِك الْفَصْل فِي فصل آخر.
فقد تتعذر الْكِتَابَة على الْمَكْتُوب، لضيقه أَو لضيق الزَّمَان.
فَإِن أبقاه على الْخَطَأ، أَو إصلحه بِالْمَقْصُودِ على عسر فِي الْكِتَابَة، وضيق فِي الْمَكْتُوب، أُدي ذَلِك إل يالكلام فِي الْمَكْتُوب وَالْكَاتِب.
وَهَذَا فِي حق موقعي الحكم العزير آكِد، من كَون أَن غَالب القضايا الْحكمِيَّة،(1/12)
والوقائع الَّتِي تقع بَين النَّاس ترد عَلَيْهِم بِقصد إِثْبَاتهَا وَالْحكم بهَا عِنْد حكام الشَّرِيعَة المطهرة.
فَالَّذِي يَنْبَغِي للموقع: إِنَّه إِذا استأدي مَكْتُوبًا ليثبته عِنْد الْحَاكِم: أَن لَا يدْخل بِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيه بِالْقِرَاءَةِ، ويتأمله، وَيسْأل عَن شُهُوده، وَعَن المُرَاد بإثباته، ليَكُون على بَصِيرَة من أمره، فَإِذا فعل ذَلِك كَانَ مستعدا للجواب.
وَيَنْبَغِي لَهُ: أَنه إِذا استقضى مَكْتُوبًا بِظَاهِرِهِ فصل، يُرِيد مَالِكه ثُبُوته، وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد الْحَاكِم فِي الْفَصْل المكتتب على ظَاهر الْمَكْتُوب - قبل الْوُقُوف على مَا فِي بَاطِنه وتأمله - فِيهِ تهاون، لِأَنَّهُ قد يكون الْحَاكِم الَّذِي ثَبت الْفَصْل المسطر على ظَاهر الْمَكْتُوب لَا يرى صِحَة الَّذِي فِي الْبَاطِن، والفصل الَّذِي بِظَاهِرِهِ مُتَعَلق بباطنه، فَإِذا ثَبت هَذَا الْفَصْل، ثمَّ تبين فَسَاد الْبَاطِن، الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ الْفَصْل الْمَذْكُور - فيتطرق من ذَلِك الْخلَل فِي الحكم، وَالْكَلَام فِي الْمَكْتُوب وَالْكَاتِب وَالْحَاكِم وَلذَلِك صور.
مِنْهَا: إِذا تزوج رجل امْرَأَة، وَطَلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ إِن رجلا حللها لَهُ، ثمَّ عَادَتْ إِلَى الاولى بعد الْمُحَلّل فِي فصل بِظَاهِر الْكتاب الاول، وَآل الْأَمر إِلَى ثُبُوت عقد هَذَا النِّكَاح.
وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من لَا يرى صِحَة الاستحلال، وَلَا صُحْبَة الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: إِذا صالحت الْمَرْأَة الْوَرَثَة على صَدَاقهَا وعَلى مِيرَاثهَا من زَوجهَا صَفْقَة وَاحِدَة، بِفِضَّة عَن فضَّة وَذهب ومصاغ وقماش وحيوان وَغير ذَلِك، وَلم تقبضه.
وَكتب الاشهاد الاول، وَكتب بعده إِبْرَاء.
وَقصد الْوَرَثَة ثُبُوت الْقَبْض وَالْإِبْرَاء.
وَمِنْهَا: إِذا طلق الرجل امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ، وعادت إِلَيْهِ، وَبقيت مَعَه بِطَلْقَة وَاحِدَة، ثمَّ خلعها خلعا عَارِيا عَن لفظ الطَّلَاق وَنِيَّته، وَلم يثبت ذَلِك عِنْد من يرى صِحَّته، ثمَّ أعادتها من ذَلِك الْخلْع بِظَاهِر كتابها، وَلم يحكم بِصِحَّتِهِ حَاكم، وَآل الْأَمر إِلَى ثُبُوته وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من يرى أَن الْخلْع طَلَاق.
وَمِنْهَا: إِن الرجل إِذا صَالح صلحا على إِنْكَار بمبلغ على حكم الْحُلُول - وَلم يحكم بِصِحَّتِهِ حَاكم، ثمَّ قبض الْمبلغ وَكتب بِهِ فصل بِظَاهِر الْمَكْتُوب وَضَمنَهُ إبارء وَأَرَادَ إِثْبَات ذَلِك وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من يرى بطلَان الصُّلْح على الْإِنْكَار.
وَمِنْهَا: إِن الرجل إِذا أسلم إِلَى رجل مائَة دِرْهَم فِي شئ من الطَّعَام الْمكيل أَو الْمَوْزُون.
فَحل الاجل وَقبض نصفه، ثمَّ تَقَايلا فِي النّصْف الثَّانِي، وَتَأَخر نصف رَأس(1/13)
المَال، وَكتب بذلك إِشْهَاد، ثمَّ اعْترف مُسْتَحقّ نصف رَأس المَال بِقَبض بِظَاهِر الْمَكْتُوب.
وَكتب بعد ذَلِك إِبْرَاء وَقصد الحكم بالابراء وَالْقَبْض.
وَمِنْهَا: إِذا صَالح إِنْسَان على حِصَّته من مِيرَاثه بمبلغ حَال قبل أَن يعلم مِقْدَار حِصَّته من التَّرِكَة، وَكتب بالمبلغ الْمصَالح بِهِ إِشْهَاد، ثمَّ بعد مُدَّة قبض الْمبلغ الْمصَالح بِهِ بِظَاهِر الاشهاد، وَأَرَادَ ثُبُوته وَالْحكم بِمُوجبِه على حَاكم يرى بطلَان هَذَا الصُّلْح.
فَجَمِيع مَا ذكر من هَذِه الصُّور وَمَا أشبههَا للْحَاكِم فِيهِ نظر.
وَإِذا شهد الشَّاهِد فِي مسودة بِصَدَاق، أَو عتق، أَو وقف، أَو وَصِيّه، أَو غير ذَلِك، فليكتب فِيهَا جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالواقعة مُسْتَوفى، ثمَّ يكْتب التَّارِيخ، وَيكْتب رسم شَهَادَته، وَيكْتب رَفِيقه، ويستكتب من حضر الْوَاقِعَة، وَلَا يهمل ذَلِك، فَإِنَّهُ رُبمَا احْتِيجَ إِلَى الشَّهَادَة بِتِلْكَ الْقَضِيَّة، وَتعذر حُضُور الشَّاهِدين الواضعين رسم شَهَادَتهمَا فِيهَا، أَو أَحدهمَا، بسفر أَو موت، فَلَا يُوجب من يشْهد بذلك، أَو لَا يُوجد من يشْهد على خطّ المتعذر، عِنْد من لَا يرَاهُ، أَو ترفع الْقَضِيَّة إِلَى من لَا يرى الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين، فيبطلها، فَيفوت الْمَقْصُود، وَهَذَا من بَاب الِاحْتِيَاط والتحرز.
وَلَا يستشهد فِي قَضِيَّة من لَا يعرفهُ، وَلَا من لَا تعرف لَهُ عَدَالَة، خُصُوصا فِيمَا لَا تجوز الشَّهَادَة فِيهِ إِلَّا بعدلين، كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاق، وَالْعِتْق، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَإِذا كَانَ الْجَمَاعَة من لَا يعرف الْمَرْأَة، وَفِيهِمْ من يعرفهَا، فليشهد عَلَيْهَا من يعرفهَا.
وَإِذا وَقعت قَضِيَّة مشكلة فَلَا يستبد بِالنّظرِ فِيهَا وَاحِد من الْجَمَاعَة، بل يشاور فِيهَا أَصْحَاب الرَّأْي والمعرفة من جماعته ورفقته وَغَيرهم، فَإِنَّهُ قد يكون فيهم من يعرف أصل الْقَضِيَّة، إِمَّا بصلاح، فَيَزْدَاد وضوحا، وَإِمَّا بِفساد، فيجتنب الْقَضِيَّة، وَيسلم من تبعتها وتعبها، وَيكون ذَلِك أخْلص لَهُ.
وَإِذا أشكل على الشَّاهِد أَمر تدبر وتذكر، وَلَا يشْهد إِلَّا على مصل الشَّمْس الطالعة، مَعَ الْعلم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، لَان الْعدْل المبرز، الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة لَا يقْدَح فِي شَهَادَته إِلَّا بالعداوة، بِخِلَاف غَيره.
وَيَنْبَغِي لمن أتصف بِصفة الْعَدَالَة، وتوقيع الحكم، وَالْجُلُوس لذَلِك فِي مجَالِس الْحُكَّام: أَن يسْلك من الادب مَا يَنْبَغِي سلوكه، وَإِذا جلس بَين يَدي الْحَاكِم فليجلس بسكينة ووقار، وَلَا يبْدَأ الْحَاكِم بالْكلَام فِيمَا دعى إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ، وَإِذا سَأَلَهُ الْحَاكِم عَن قَضِيَّة تتَعَلَّق بِهِ أَو بِغَيْرِهِ، فَلَا يسْرع الْجَواب، حَتَّى يتَأَمَّل مقَالَة الْحَاكِم، فَإِن كَانَ كَلَامه مُسْتَوْفيا(1/14)
لجَمِيع مَا طلب بِسَبَبِهِ، أَجَابَهُ بِلَفْظ وجيز مُحِيط بِجَمِيعِ ذَلِك، وإنم دلّ كَلَام الْحَاكِم على بعض مَا طلب بِسَبَبِهِ فَلَا يجِيبه بِجَمِيعِ الْقَضِيَّة إِلَّا بأذن مِنْهُ، لاحْتِمَال أَن يكون أَرَادَ السُّؤَال عَن ذَلِك الْبَعْض خَاصَّة، فَإِذا أذن لَهُ أجابة، وَإِلَّا فَيُجِيبهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنهُ خَاصَّة، وَإِذا كَانَ بِمَجْلِس الْحَاكِم جمَاعَة من الموقعين، وسألهم الْحَاكِم سؤالا، وَلم يعين وَاحِدًا مِنْهُم، فليجبه الْعَالم عَن جَمِيع مَا سَأَلَ عَنهُ، وَإِذا كَانَ فيهم من يعرف بعض الْقَضِيَّة، وَذَلِكَ الْبَعْض لَيْسَ هُوَ المُرَاد.
فَلَا يُجيب بشئ، حَتَّى يسْأَله عَنهُ على الْخُصُوص، وَإِن كَانُوا كلهم يعلمُونَ بِمَا سَأَلَ عَنهُ، يجب يَكْتَفِي بِجَوَاب وَاحِد مِنْهُم، فَلَا يجِيبه إِلَّا أحْسنهم نطقا وأفصحهم لِسَانا، وأوجزهم لفظا، فَإِن وَقع غير ذَلِك، فقد يخْتَلف الْجَواب، ويتوهم الْحَاكِم فيهم رِيبَة بِسَبَب ذَلِك.
وَقد يصدر مِنْهُ فِي حَقهم مَا لَا يرضونه.
وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يُكَرر الشَّهَادَة على الْخصم مرّة بعد أُخْرَى فِي قَضِيَّة وَاحِدَة.
وَلَا ينْفَرد بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ حُضُور رَفِيقه فِي الْمجْلس، بل ينبهه على سَماع مَا يَقع بِهِ الاشهاد.
فَإِن الشَّاهِد إِذا كرر الشَّهَادَة على الْخصم، رُبمَا يتخيل فينكر، أَو يعرض فِي فكره أَمر، فَإِذا أَرَادَ لَا شَاهد الثَّانِي أَن يشْهد عَلَيْهِ: أنكر وَامْتنع من الاشهاد فَيحْتَاج الامر إِلَى تَعب وعلاج، وَرُبمَا أثار ذَلِك عِنْد الشَّاهِد الاول شَحْنَاء أَو غيظا، أَو ضغينة تجره إِلَى هوى النَّفس، فَيَقَع فِي الْمَحْذُور وَالْعِيَاذ بِاللَّه، اللَّهُمَّ إِلَّا إِن يكون فِي الْمَسْأَلَة حزبة فِيهَا حق للْمَشْهُود عَلَيْهِ، أَو مَا علم الحكم فِي الْمَسْأَلَة، وَاحْتَاجَ إِلَى التَّعْرِيف بهَا، ليفهم معنى مَا يشْهد عَلَيْهِ بِهِ، وَإِن كَانَ الشَّاهِد الثَّانِي مَشْغُولًا فِي قَضِيَّة إخرى لم يسمع الاقرار، أَو لم يكن حَاضرا، ثمَّ حضر فَلَا بَأْس بالاعادة هَهُنَا، لِأَنَّهُ مَوضِع ضَرُورَة تُعَاد فِيهِ الشَّهَادَة لتتم.
وَيَنْبَغِي للموثق - خُصُوصا الْموقع - أَن يحسن خطه، وَلَا يقرطم الْحُرُوف، وَلَا
يداخلها فِي بَعْضهَا مداخلة يسْقط بهَا بعض الْحُرُوف، أَو تخل بِالْمَعْنَى، أَو تُؤدِّي إِلَى خلل فِي اللَّفْظ الْمَشْهُود بِهِ، وَلَا يُقيد مَوضِع الاطلاق، كَمَا لَا يُطلق مَوضِع التَّقْيِيد.
فَإِن فِي ذَلِك إخلالا بِالْعُقُودِ، وَسبب لحوصل الضَّرَر من ضيَاع حُقُوق الْمُسلمين وإتلافها أَو بَعْضهَا.
وَقد بَلغنِي من غير وَاحِد عَن بعض حكام الْمُسلمين بالديار المصرية: أَنه كَانَ يُعَزّر من اعْتمد شَيْئا من ذَلِك، حَتَّى كَانَت الشُّهُود فِي أَيَّامه يَكْتُبُونَ الوثائق - على اختلافها وتباين حالاتها - بالحروف الْعَرَبيَّة الْقَاعِدَة المنقوطة المشكولة، الَّتِي هِيَ فِي غَايَة الايضاح، وَهَذَا مَعْدُود من نصح هَذَا لاحاكم فِيهَا تولاه.
رَحمَه الله.(1/15)
وَيَنْبَغِي أَن يبين الشَّاهِد الْمبلغ الْمَشْهُود بِهِ وينصفه، بِحَيْثُ يقرأه كل أحد، ويحترز فِي مَوضِع جملَته وتنصيفه من الْقَلَم القبطي والديواني والرومي، فَإِن ذَلِك أنفى للتدليس، وَأبْعد للالحاق، والاصلاح فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، ويوضح التَّارِيخ إيضاحا جليا، يذكر الْيَوْم والشهر وَالسّنة، وَإِن ذكر السَّاعَة الَّتِي كتب فِيهَا فَهُوَ أَجود وَإِذا أَكثر الالحاق أَو الكشط فِي ورقة نبه عَلَيْهِ فِي موَاضعه.
وَإِذا كَانَ فِي الْمَكْتُوب ضرب على شئ غير صَحِيح كتب " وَفِيه ضرب فِي لاسطر الْفُلَانِيّ " يَعْنِي الْعَاشِر أَو الْحَادِي عشر، أَو أقل أَو أَكثر، من مَوضِع كَذَا إِلَى مَوضِع كَذَا، لَا يعْتد بِمَا تَحت الضَّرْب، فَهُوَ غير صَحِيح، وَإِن كَانَ مَا تَحت الضَّرْب صَحِيح، قَالَ، (وَمَا تَحت الضَّرْب صَحِيح مُعْتَد بِهِ فِي مَوْضِعه ".
وَإِذا انْتهى الْمَكْتُوب، عد سطوره وَكتب فِي أَسْفَله عدتهَا، وعد الاوصال.
وَكتب على كل وصل مِنْهَا عَلامَة يعرفهَا، وَقيد بِالْكِتَابَةِ مَعَ عدَّة السطور عدَّة الاوصال.
وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يدْخل فِي قَضِيَّة، إِلَّا إِذا علم من نَفسه النَّفْع بِهِ فِيهَا، وَلَا يُؤَدِّيهَا إِلَّا إِذا ذكرهَا.
فَإِن الخطوط تشتبه، وَرُبمَا أوقعه الِاشْتِبَاه فِي الْمَحْذُور، وَأَن يحْتَرز
من الْغَلَط، ويتيقظ كل التيقظ.
فَرُبمَا طَغى الْقَلَم، فجره إِلَى الْغَلَط.
وَيَنْبَغِي للموقع: أَنه إِذا أَرَادَ الدُّخُول على الْحَاكِم: فَلَا يدْخل إِلَّا وَمَعَهُ الالة الَّتِي لَا يتم الْمَقْصُود إِلَّا بهَا، وَهِي الدواة وَمَا بهَا من الاقلام.
وَيَنْبَغِي أَن يتَّخذ من أنابيب الاقلام أَقَله عقدا، وأكثفه شحما، وأصلبه قشرا وأعدله اسْتِوَاء، وسكينا حادا تعينه على بري الْقَلَم، يبريه من نَاحيَة نَبَات القصبة.
وَاعْلَم أَن مَحل الْقَلَم من الْكَاتِب كمحل الرمْح من الفهارس.
قَالَه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ.
ويبنغي أَن يكون مَا فِي الدواة من الاقلام ثَلَاثَة: قلم لعلامة الْحَاكِم، وقلم لنَفسِهِ، وقلم للاصلاح والالحاق بَين السطور، لانه إِذا كَانَ فِي الدواة قلم وَاحِد فقد تتعذر دَوَاة الْحَاكِم عِنْد إِرَادَة كِتَابَته على حكم.
فَيحْتَاج إِلَى قلم الْعَلامَة، فيقط الْقَلَم الَّذِي بِيَدِهِ، فيتعطل هُوَ بِسَبَبِهِ، أَو لَا يكون مَعَه مَا يقط بِهِ الْقَلَم، فينسب إِلَى قلَّة الْمُرُوءَة، أَو يكون الْحَاكِم مَرِيضا، أَو على سفر مجد، فيشتغل فِي طلب الدواة، أَو إصْلَاح الْقَلَم فَيَمُوت، أَو يُسَافر قبل ذَلِك، فَيفوت الْمَقْصُود من الْحَاكِم.
وأذا أَرَادَ الْكِتَابَة: فليضع الدواة عَن يَمِين، وَيَأْخُذ الْقَلَم بِيَمِينِهِ، وَيجْعَل القرطاس فِي يسَاره، وَيجْعَل رَأس القرطاس من أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله، وَمَوْضِع قطع الورقة مِمَّا يَلِي(1/16)
الْهَامِش، وَيجْعَل يهده فِي القرطاس على وركه الايمن، ويحاذي بالقلم شحمة أُذُنه، فَإِن ذَلِك أجمع للحواس، وأسرع فِي التفكر، وَيبدأ فَيكْتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، يطول الْبَاء، وَيفرق السِّين، وَيحسن " الله " ويمد " الرَّحْمَن " ويجر " الرَّحِيم " وَلَا يفعل فِي الْبَسْمَلَة مَا يَفْعَله كتاب القبط وَغَيرهم، من خلط حُرُوف الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة بَعْضهَا بِبَعْض، وَإِسْقَاط غَالب حروفها وتحريفها عَن موَاضعهَا، وتغييرها عَن رسمها المطبوع فِي كتاب الله العزير الَّذِي لَا يَأْتِ يه الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حكم حميد.
فَيكون من الَّذين
يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه، وَقد ثَبت أَنَّهَا آيَة من سُورَة النَّمْل، وَمن اعْتمد فِي الْبَسْمَلَة لَا شريفة خلاف مَا هِيَ مطبوعة عَلَيْهِ فِي كتاب الله عزوجل اسْتحق التَّأْدِيب.
وَكَانَ حَقِيقا أَن يحرمه الله بركتها وثوابها.
وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد الْبَسْمَلَة الشريف، من غير فصل بَينهمَا بواو وَلَا يهمل ذَلِك فَإِن فَصله إشهر من أَن يذكر، وَأكْثر من أَن يحصر، وَلَا يخفى ذَلِك على ذِي لَهُ وأدب.
ثمَّ يكْتب مَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق بَين الخوصم من إِقْرَار وَغَيره بِحَسب وقائعها، على مَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي بَابه، وَيَنْبَغِي للموثق: أَن يعرف مقادير النَّاس فينزلهم مَنَازِلهمْ.
وَيكْتب لكل شخص مَا يُنَاسِبه من الالقاب اللائقة بِهِ من الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالسُّلْطَان ومقدمي الالوف، وأرباب الْوَظَائِف بالابواب الشَّرِيفَة من أَرْبَاب الأقلام وَالسُّيُوف، وأمراء الطبلخانات والعشراوات.
وكفال الممالك الاسلامية وأمرائها، وأرباب وظائفها: ونواب القلاع وَغَيرهم، ثمَّ السادات الموَالِي قَضَاء الْقَضَاء ذَوي الْمذَاهب الاربعة بالديار المصرية، والممالك الشَّرِيفَة الاسلامية ونوابهم، وَمن هُوَ فِي درجتهم وموصوف فيهم بِالْعلمِ وَالدّين وَالْفضل، مُبَاشرَة الْوَظَائِف الدِّينِيَّة، والمناصب السّنيَّة، وينوه بِذكر ذَوي الْبيُوت العريقة، لَا سِيمَا من ترشح إِلَى أَن يكون قَاضِي الْقُضَاة.
فيذكر نَعته ولقبه بِحَسب مَا يعرف الموثق من مقَامه.
وَإِن كَانَ لَهُ وَظِيفَة خصصه بهَا قَاضِي الْقُضَاة أَو صَارَت إِلَيْهِ بِولَايَة من السُّلْطَان ذكرهَا، مثل إِفْتَاء دَار الْعدْل الشريف: أَو قَضَاء الْعَسْكَر الْمَنْصُور: إو نظر الاوقاف: إو نظر الجوالي، أَو نظر الْكسْوَة، أَو وكَالَة بَيت المَال الْمَعْمُور أَو غَيره، فَإِن عدم ذكر ذَلِك يحصل مِنْهُ تَأْثِير فِي النَّفس، وَإِذا ذكر ارتاحت لَهُ النُّفُوس وانبعثت لَهُ الخواطر.
وَيكْتب لِنسَاء الْمُلُوك والسلطاين: الادر (1) الشَّرِيفَة خوند، ولنساء الامراء
__________
(1) الادر والماد وزمن: من ينفتق صفاقه فَيَقَع قصبه فِي صفنة وَلَا ينفتق إِلَّا من جَانِبه الايسر أَو من يُصِيبهُ فتق فِي إِحْدَى خصييه، أدر كفرح الادرة بِالضَّمِّ، ويحرك، وخصية أدراء عَظِيمَة بِلَا فتق وَقوم
مآدير أدر.
(الْقَامُوس الْمُحِيط، مَادَّة الادر) ، وَهِي الَّتِي تسميها النَّاس القيلة كَمَا ورد فِي لِسَان الْعَرَب أَن لَفْظَة آلادر لَا تقال للْمَرْأَة أمنا لانه لم يسمع، وَإِمَّا أَن يكون لاخْتِلَاف الْخلقَة.(1/17)
المقدمين، وأرباب الْوَظَائِف، وَمن دونهن، ولنساء ذَوي الرتب الْعَالِيَة من قَضَاء الْقَضَاء وأرباب الاقلام بالابواب الشَّرِيفَة ودواوين الامراء، وَنسَاء التُّجَّار: الخواجكية والسفارة وَمن دونهن من أَصْحَاب الْحَرْف وأرباب الصَّنَائِع والسوقة، وَمن فِي معناهن مَا يَلِيق بِهن من النعوت والالقاب على قدر طبقاتهن وطبقات أَزوَاجهنَّ.
وَمن كَانَت مِنْهُنَّ لَهَا زوج أَو مُطلق أَو ولد تعرف بِهِ: عرفهَا بِهِ.
وَيكْتب لاهل الذِّمَّة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى والسامرة والفرنج مَا يَلِيق بهم، فَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ يَهُودِيّا: ربانا أَو قراء كتب الْيَهُودِيّ الربان أَو الْقُرَّاء، وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا: فإمَّا أَن يكون يعقوبيا أَو ملكيا، فَإِن كَانَ يعقوبيا كتب النَّصْرَانِي اليعقوبي، أَو النَّصْرَانِي الملكي، وَإِن كَانَ سامريا، كتب الْيَهُودِيّ السامري، وَإِن كَانَ فرنجيا: كتب الفرنجي الماغوصي، أَو الكيتلاني، وَيذكر صنائعهم وأماكنهم الَّتِي يُقِيمُونَ بهَا، وَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مُسلما والمشهود عَلَيْهِ من أهل الذِّمِّيّ والمشهود لَهُ مُسلما: اسْتحبَّ تَقْدِيم الْمَشْهُود لَهُ فِي هَذِه الصُّورَة، كَمَا اخْتَارَهُ كثير من الموثقين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين.
وَفِي ذَلِك يحسن قَوْله الْقَائِل: إِذا كَانَ مدحا فالنسيب الْمُقدم.
وَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مَعْرُوفا بنسبه كتب الموثق: وشهوده يعرفونه، أَو وشهوده بِهِ عارفون، أَو وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد شُهُوده.
وَيَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل تَقْدِيم اسْم الْمَشْهُود لَهُ، أذا كَانَ خَليفَة أَو سُلْطَانا، أَو مشارا إِلَيْهِ فِي الدولة، أعالما، أَو مدرسا، أَو مِمَّن لَهُ وجاهة يسْتَحق بهَا التَّقْدِيم، من جِهَة الدّيانَة وَالْعِبَادَة، والزهادة، وإفادة الْعُلُوم، وخدمة السّنة الشَّرِيفَة إِن كَانَ مَنْسُوبا إِلَى بَيت شرِيف: إو أصل عريق، أَو مُبَاشرَة وَظِيفَة دينية تَقْتَضِي الْحَال نَصبه فِيهَا على التَّمْيِيز على
الْمَشْهُود عَلَيْهِ، إِذا كَانَ دونه فِي الرُّتْبَة، على مَا جرت بِهِ عَادَة الْمُتَأَخِّرين اصْطِلَاحا، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا فِي الْجُمْلَة، بِحَيْثُ لَا يخفى على كثير من الناص، فَيَنْبَغِي أَن لَا يذكر معرفه.
فَإِن عدم ذكر ذَلِك يدل على مَعْرفَته.
فَإِن كَانَت مَعْرفَته قريبَة كتب " وَهُوَ مَعْرُوف " وَإِن كَانَت حَادِثَة كتب " وَقد عرفه شُهُوده " وَإِن كَانَ الموثق لَا يعرف الْمَشْهُود لَهُ وَلَا الْمَشْهُود عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَن يكْتب الْحلِيّ إِن كَانَ يعرف، وَألا فَيتْرك الْكِتَابَة لمن يعرف الْحلِيّ فيحليه، فالحلي بَاب كَبِير لَا يكَاد يدْخل الختلاط والاشتباه على من اعْتَمدهُ فِي وثائقه.
أَظن ذَلِك إِلَّا لِكَثْرَة معاملات النَّاس مَعَ بَعضهم بَعْضًا، وَكَثْرَة ترددهم إِلَى الشُّهُود فِي معاقداتهم وبيوعهم ومعاملاتهم، حَتَّى صَار غَالب الموثقين يعْرفُونَ الْمقر وَالْمقر لَهُ، أَو(1/18)
الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، أَو الضَّامِن والمضمون لَهُ وَمَا أشبه ذَلِك، معرفَة ت امة لَا يخالطها جَهَالَة لَا سِيمَا من قدمت هجرته مِنْهُم فِي مجَالِس الْحُكَّام ودكاكين الشُّهُود، وَلَا يغلب على ظَنِّي أَن ترك ذَلِك إِلَّا لذَلِك.
وَلَا بَأْس أَن يتحفظ الموثق، وَيحصل فِي حفظه أَنْوَاعه من الْحلِيّ مِمَّا هُوَ إشهر فِي الانسان، وَيُرَاجع فِيهَا بَاب الْحلِيّ.
فَإِنَّهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَيْهَا، فَإِن استعملها نفعته، وَإِن تَركهَا اعْتِمَادًا على معرفَة الْخُصُوم فَمَا تضره.
وَلَوْلَا خشيَة الاطاعة لذكرت مِنْهَا مَا يَنْبَغِي للموثق أَن يحفظه، وَلَكِن شَاهد النّظر أعدل من شَاهد الْفِكر، وَلَيْسَ العيان كالخبر، وَفِيمَا آتِي بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خَاتِمَة هَذَا الْكتاب، من بسط القَوْل فِي ذكر الْحلِيّ كِفَايَة، يحصل بهَا الاستفادة المستغنى بهَا عَن النّظر فِيمَا عَداهَا، وَأَرْجُو أَن تُؤْتى بهَا كل نفس هداها.
والان فقد آن أَوَان شروعي فِيمَا بنيت مَقْصُود هَذَا الْكتاب عَلَيْهِ، وأشرت فِي صدر ديباجته إِلَيْهِ، مقدما ذكر حكم كل بَاب وَمُقْتَضَاهُ، على قاعده مَذْهَب إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه.
مردفا ذكر تَقْرِير الحكم باخْتلَاف الائمة فِي مسَائِل الْبَاب، ثمَّ بالمصطلح على التَّرْتِيب.
وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه.
عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب.(1/19)
كتاب الْإِقْرَار
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ مِمَّا هُوَ فِي حكمه ومندرج تَحت اسْمه ورسمه
أما الحكم: فَالْأَصْل فِي الْإِقْرَار: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا}
وَقَوله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} وَقَوله تَعَالَى: {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى}
وَأما السّنة: فَروِيَ أَن ماعزا والغامدية أقرا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالزِّنَا
فَأمر برجمهما
وَقَالَ: (اغْدُ يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا
فَإِن اعْترفت فارجمها)
وَأما الْإِجْمَاع: فَلَا خلاف بَين الْأمة فِي تَعْلِيق الحكم بِالْإِقْرَارِ
وَأما الْقيَاس: فَإِن الْإِقْرَار آكِد من الشَّهَادَة لِأَنَّهُ لَا يتهم فِيمَا يقر بِهِ على نَفسه
فَإِذا تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ فَلِأَن يتَعَلَّق بِالْإِقْرَارِ أولى
وَالْإِقْرَار على أَرْبَعَة أَقسَام: أَحدهَا: لَا يقبل بِحَال
وَهُوَ إِقْرَار الْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ بِسَفَه
وَالثَّانِي: إِقْرَار لَا يقبل فِي حَال وَيقبل فِي حَال
وَهُوَ إِقْرَار الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس
وَالثَّالِث: إِقْرَار لَا يَصح فِي شَيْء وَيصِح فِي غَيره
مثل إِقْرَار الصَّبِي فِي الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَمثل إِقْرَار العَبْد فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالطَّلَاق
وَالرَّابِع: الْإِقْرَار الصَّحِيح
وَهُوَ الَّذِي لَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع وَهُوَ إِقْرَار الْحر الْبَالِغ(1/20)
لغير الْوَارِث
وَلَا يقبل الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار الصَّحِيح إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهُنَّ: فِي الرِّدَّة
وَالثَّانيَِة: فِي الزِّنَا
وَفِي سَائِر الْحُدُود قَولَانِ
وَالثَّالِثَة: أَن يَقُول رجل: وهبت هَذِه الدَّار من فلَان وأقبضته إِيَّاهَا ثمَّ يَقُول: مَا أقبضته إِيَّاهَا
فقد تقرر على أَن الْإِقْرَار يَصح من مُطلق التَّصَرُّف
وَأما المحجورون: فأقارير الصَّبِي وَالْمَجْنُون لاغية
وَلَو ادّعى الصَّبِي الْبلُوغ بالاحتلام وَقت الْإِمْكَان صدق وَلم يحلف
وَفِي دَعْوَاهُ الْبلُوغ بِالسِّنِّ يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ
وَالسَّفِيه والمفلس من حكم إِقْرَار الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَأما العَبْد: فَيقبل إِقْرَاره بِمَا يُوجب عَلَيْهِ عُقُوبَة
وَلَو أقرّ بدين جِنَايَة لَا توجب عُقُوبَة وَكذبه السَّيِّد: لَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَلَكِن يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق
وَلَو أقرّ بدين مُعَاملَة لم يقبل على السَّيِّد إِن لم يكن مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة
وَيقبل إِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ
وَيُؤَدِّي من كَسبه وَمَا فِي يَده
وَالْمَرِيض فِي مرض الْمَوْت يَصح إِقْرَاره
لَكِن لَو أقرّ لوَارِثه فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يقبل
وَالثَّانِي: لَا يقبل
وَلَو أقرّ لإِنْسَان فِي صِحَّته بدين وَلآخر فِي مَرضه بدين: لم يقدم الأول
وَلَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره على الْإِقْرَار
وَيشْتَرط فِي الْمقر لَهُ: أَهْلِيَّة اسْتِحْقَاق الْمقر بِهِ
فَلَو قَالَ: لهَذِهِ الدَّابَّة عَليّ كَذَا
فَهُوَ لَغْو
وَلَو قَالَ: عَليّ بِسَبَب هَذِه الدَّابَّة لمَالِكهَا كَذَا وَكَذَا: لزمَه مَا أقرّ بِهِ
وَلَو قَالَ: لحمل فُلَانَة عَليّ كَذَا بِإِرْث أَو وَصِيَّة لزمَه
وَإِذا كذب الْمقر لَهُ الْمقر ترك المَال فِي يَده
وَلَو رَجَعَ الْمقر عَن الْإِقْرَار فِي حَال تَكْذِيبه وَقَالَ: غَلطت قبل رُجُوعه فِي أرجح الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيّ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب:
اتّفق الْأَئِمَّة رَضِي الله عَنْهُم على أَن الْحر الْبَالِغ إِذا أقرّ بِحَق مَعْلُوم من حُقُوق الْآدَمِيّين لزمَه إِقْرَاره وَلَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع فِيهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالْعَبْد الصَّغِير غير الْمَأْذُون لَهُ: لَا يقبل إقرارهم وَلَا طلاقهم
وَلَا تلْزم عقودهم
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقبل إِقْرَاره على نَفسه وَلَا يقبل فِي حق سَيّده
وَالْإِقْرَار بِالدّينِ فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء يكون للْمقر لَهُم جَمِيعًا على قدر حُقُوقهم إِن وفت التَّرِكَة بذلك إِجْمَاعًا
فَإِن لم تف: فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يتحاصصون فِي الْمَوْجُود على قدر دُيُونهم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: غَرِيم الصِّحَّة يقدم على(1/21)
غَرِيم الْمَرَض
فَيبْدَأ بِاسْتِيفَاء دينه
فَإِن فضل شَيْء صرف إِلَى غَرِيم الْمَرَض وَإِن لم يفضل شَيْء فَلَا شَيْء لَهُ
وَلَو أقرّ فِي مرض مَوته لوَارث فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأحمد: لَا يقبل إِقْرَار الْمَرِيض لوَارث أصلا
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لَا يتهم ثَبت وَإِلَّا فَلَا
مِثَاله: أَن يكون لَهُ بنت وَابْن أَخ
فَإِن أقرّ لِابْنِ أَخِيه لم يتهم
وَإِن أقرّ لابنته اتهمَ
وَالرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي: أَن الْإِقْرَار للْوَارِث صَحِيح ومقبول
وَلَو مَاتَ رجل عَن ابْنَيْنِ
وَأقر أَحدهمَا بثالث وَأنكر الآخر لم يثبت نسبه الِاتِّفَاق وَلكنه يُشَارك الْمقر فِيمَا فِي يَده مُنَاصَفَة عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يدْفع إِلَيْهِ ثلث مَا فِي يَده لِأَنَّهُ قدر مَا يُصِيبهُ من الْإِرْث لَو أقرّ بِهِ الْأَخ الآخر وَقَامَت بذلك بَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح الْإِقْرَار أصلا وَلَا يَأْخُذ شَيْئا من الْمِيرَاث لعدم ثُبُوت نسبه
وَلَو أقرّ بعض الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت وَلم يصدقهُ الْبَاقُونَ
قَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزم الْمقر مِنْهُم بِالدّينِ جَمِيع الدّين
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه من الدّين بِقدر حِصَّته من مِيرَاثه
وَهُوَ أشهر قولي الشَّافِعِي
وَالْقَوْل الآخر: كمذهب أبي حنيفَة
فصل: وَمن أقرّ لإِنْسَان بِمَال وَلم يذكر مبلغه
قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: يُقَال لَهُ: سم مَا شِئْت مِمَّا يتمول
فَإِن قَالَ: قِيرَاط أَو حَبَّة
قبل مِنْهُ وَحلف أَنه لَا يسْتَحق أَكثر من ذَلِك
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْحبَّة مَال
وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم إِن كَانَ من أهل الْوَرق
وَعِشْرُونَ دِينَارا إِن كَانَ من أهل الذَّهَب وَهُوَ أول نِصَاب الزَّكَاة
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَلَيْسَ لمَالِك فِي ذَلِك نَص
وَعِنْدِي: أَنه يجب على مذْهبه ربع دِينَار
فَإِن كَانَ من أهل الْوَرق فَثَلَاثَة دَرَاهِم
وَلَو قَالَ: لَهُ على مَال عَظِيم أَو خطير
قَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح: لم يُوجد عَن أبي حنيفَة نَص مَقْطُوع بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا أَن صَاحِبَاه قَالَا: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم إِن كَانَ من أهل الْوَرق أَو عشرُون دِينَارا إِن كَانَ من أهل الذَّهَب
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول حَتَّى بفلس وَاحِد وَلَا فرق عِنْدهمَا بَين قَوْله: على مَال أَو مَال عَظِيم
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَلَيْسَ لمَالِك نَص فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا
وَكَانَ الْأَزْهَرِي بقول الشَّافِعِي
وَالَّذِي يقوى فِي نَفسِي: قَول أبي حنيفَة
وَلَو قَالَ: لَهُ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة
قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يلْزمه ثَلَاثَة دَرَاهِم
وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم الْمَالِكِي إِذْ لَا نَص فِيهَا لمَالِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه عشرَة دَرَاهِم
وَقَالَ صَاحِبَاه: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم
وَاخْتَارَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي(1/22)
فصل
: وَلَو قَالَ: عَليّ ألف دِرْهَم قبل تَفْسِير الْألف بِغَيْر الدَّرَاهِم حَتَّى لَو قَالَ: أردْت ألف جوزة قبل
وَكَذَا لَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف وكر حِنْطَة أَو ألف وجوزة أَو ألف وبيضة: لم يكن فِي جَمِيع هَذَا الْعَطف تَفْسِير للمعطوف عَلَيْهِ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَسَوَاء كَانَ الْعَطف من جنس مَا يُكَال أَو مَا يُوزن أَو مَا يعد أَو لَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ الْعَطف من جنس مَا يُكَال أَو يُوزن أَو يعد: فَهُوَ تَفْسِير للمعطوف عَلَيْهِ الْمُجْمل وَإِلَّا فَلَا يلْزمه عِنْده فِي الدَّرَاهِم ألف دِرْهَم
وَفِي الْجَوْز ألف جوزة وجوزة وَفِي الْحِنْطَة ألف كرّ وكر
فصل: وَالِاسْتِثْنَاء جَائِز فِي الْإِقْرَار
لِأَنَّهُ فِي الْكتاب وَالسّنة مَوْجُود فَيصح وَهُوَ من الْجِنْس جَائِز بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة
وَأما من غير الْجِنْس: فَاخْتَلَفُوا فِيهِ
فقا أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة
كمكيل وموزون ومعدود
كَقَوْلِه: لَهُ ألف دِرْهَم إِلَّا كرّ حِنْطَة صَحَّ
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت فِي الذِّمَّة إِلَّا قِيمَته كَثوب وَعبد لم يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس على الْإِطْلَاق
وَظَاهر كَلَام أَحْمد: أَنه لَا يَصح
وَكَذَلِكَ اسْتثِْنَاء الْأَقَل من الْأَكْثَر فَيصح بالِاتِّفَاقِ
وَاخْتلفُوا فِي عَكسه
فَعِنْدَ الثَّلَاثَة يَصح
وَعند أَحْمد لَا يَصح
وَإِذا قَالَ: عِنْدِي ألف دِرْهَم فِي كيس أَو عشرَة أَرْطَال تمر فِي جراب أَو ثوب فِي منديل فَهُوَ إِقْرَار بِالدَّرَاهِمِ وَالتَّمْر وَالثَّوْب دون الأوعية عِنْد مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أهل الْعرَاق: يكون الْجَمِيع لَهُ
فصل
: وَإِذا أقرّ العَبْد الَّذِي هُوَ غير مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة بِإِقْرَار يتَعَلَّق بعقوبة فِي بدنه كَالْقَتْلِ الْعمد
وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَذْف وَشرب الْخمر
قبل إِقْرَاره وأقيم عَلَيْهِ حد مَا أقرّ بِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد: لَا يقبل إِقْرَاره فِي قتل الْعمد
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن وَدَاوُد: لَا يقبل إِقْرَاره بذلك كَمَا لَا يقبل فِي المَال إِلَّا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة فَقَط
فَإِنَّهُ يقبل فيهمَا
والمأذون لَهُ إِذا أقرّ بِحُقُوق تتَعَلَّق بِالتِّجَارَة كَقَوْلِه: داينت فلَانا وَله عَليّ ألف دِرْهَم ثمن مَبِيع أَو مائَة دِرْهَم أرش عيب أَو قرض فَإِنَّهُ يقبل إِقْرَاره عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمَا كَانَ من دين لَيْسَ من مُتَضَمّن التِّجَارَة
فَإِنَّهُ فِي ذمَّته لَا يُؤْخَذ من المَال الَّذِي فِي يَده كَمَا لَو أقرّ بِغَصب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُؤْخَذ من المَال الَّذِي فِي يَده كَمَا يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يتَضَمَّن التِّجَارَة
فصل
: لَو أقرّ يَوْم السبت بِمِائَة وَيَوْم الْأَحَد بِمِائَة فمائة وَاحِدَة عِنْد(1/23)
مَالك @ 24 وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمُحَمّد وَأبي يُوسُف
وَلَا فرق عِنْدهم بَين الْمجْلس الْوَاحِد وَبَين الْمجَالِس المتعددة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد: كَانَ إِقْرَارا بِمِائَة وَاحِدَة أَو فِي مجَالِس: كَانَ إِقْرَارا مستأنفا وَلَو أقرّ بدين مُؤَجل وَأنكر الْمقر لَهُ الْأَجَل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: القَوْل قَول الْمقر لَهُ مَعَ يَمِينه أَنه حَال وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَول الْمقر مَعَ يَمِينه
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين أصَحهمَا: أَن القَوْل قَول الْمقر مَعَ يَمِينه
وَلَو شهد شَاهد لزيد على عَمْرو بِأَلف دِرْهَم
وَشهد لَهُ آخر بِأَلفَيْنِ ثَبت لَهُ الْألف بِشَهَادَتِهِمَا
وَله أَن يحلف مَعَ الشَّاهِد الَّذِي زَاد ألفا آخر
هَذَا مَذْهَب مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت لَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَة شَيْء أصلا لِأَنَّهُ لَا يقْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمَرِيض فِي مَرضه بِاسْتِيفَاء دُيُونه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل قَوْله فِي دُيُون الصِّحَّة دون الْمَرَض
وَقَالَ مَالك: إِذا أقرّ فِي الْمَرَض بِقَبض دينه مِمَّن لَا يتهم لَهُ قبل إِقْرَاره وبرىء من كَانَ عَلَيْهِ الدّين سَوَاء كَانَ أَدَاؤُهُ فِي الصِّحَّة أَو الْمَرَض وَإِن أقرّ لمن يتهم لَهُ لم يقبل إِقْرَاره فِي الْمَرَض أَو الصِّحَّة
وَقَالَ أَحْمد: يقبل قَوْله فِي ذَلِك
وَيصدق فِي دُيُون الصِّحَّة وَالْمَرَض مَعًا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا علق الْإِقْرَار بِالْمَشِيئَةِ
مثل أَن يَقُول: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم إِن شَاءَ الله
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ: يبطل الْإِقْرَار بِالِاسْتِثْنَاءِ
وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه مَا أقرّ بِهِ مَعَ الِاسْتِثْنَاء
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: كَانَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم وَقَبضهَا أَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن مَبِيع هلك قبل قَبضه
فَكَانَ مَبِيعًا من شَرط ضَمَانه الْقَبْض
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمن خمر أَو خِنْزِير
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: بِعته إِلَى أجل مَجْهُول أَو تكفلت بِشَرْط الْخِيَار
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يسْقط أَصله وَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ
وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَوْله فِي الْكل وَلَا يلْزمه شَيْء
محتجا فِي ذَلِك بِمذهب ابْن مَسْعُود
وَعَن الشَّافِعِي: قَولَانِ كالمذهبين أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه: مُوَافقَة أبي حنيفَة وَمَالك
انْتهى
وَيَنْبَنِي على مُقْتَضى الحكم فِي هَذَا الْبَاب ومسائل الْخلاف: صور مُخْتَلفَة الْمعَانِي مؤتلفة المباني مِمَّا قوبل فصح
وعذب لَفظه وَفهم مَعْنَاهُ واتضح وَيُسمى عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ: المصطلح
وَهُوَ أَنْوَاع
وَاعْلَم علمك الله الْعلم وزينك بالتقوى والحلم أَن الْإِقْرَار لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون من ذكر مُفْرد أَو من ذكرين مثنيين أَو جمَاعَة أَو مؤنث أَو خُنْثَى أَو أخرس(1/24)
أَصمّ أَو غير أَصمّ أَو منحبس اللِّسَان عَن النُّطْق لضعف حصل لَهُ أَو أعجمي لَا يحسن الْعَرَبيَّة أَو عبد مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَفِي غَيرهَا أَو مكَاتب أَو عبد خَال عَن إِذن سَيّده أَو مراهق أَو مَجْنُون مطبق أَو معتوه يفِيق فِي وَقت ويجن فِي وَقت أَو سَكرَان مقرّ بِنسَب أَو غَيره على الْخلاف الْمَذْكُور
وَالْإِقْرَار لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون إِقْرَارا بدين لَازم للذمة عَن قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غَيره وَإِمَّا أَن يكون إِقْرَارا بِقَبض فِي وَفَاء دين أَو ثمن مَبِيع أَو أُجْرَة مأجور أَو حِصَّة من مَال تَرِكَة أَو مبلغ صدَاق أَو مصالحة عَن شَيْء أَو دِيَة مقتول أَو حِصَّة مِنْهَا أَو نُجُوم كِتَابَة أَو غير ذَلِك من المواصفات الَّتِي يصدر فِيهَا بِالْقَبْضِ
ومدار الْأَمر فِي ذَلِك كُله: على قَاعِدَة وصور تشْتَمل على أَبْوَاب وفصول
أما الْقَاعِدَة: فَهُوَ أَن يذكر اسْم الْمقر وَاسم أَبِيه وجده وشهرته وَمَا يعرف بِهِ وَاسم الْمقر لَهُ أَو الْمَقْبُوض مِنْهُ كَذَلِك
وَقدر الْمبلغ الْمقر بِهِ من نقد أَو غَيره مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة
وَيذكر الْحُلُول فِي الدّين أَو الْأَجَل الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَإِقْرَار الْمقر فِي الدّين بالملاءة وَالْقُدْرَة على مَا أقرّ بِهِ وَيذكر الْعِوَض فِي ذَلِك مِمَّا يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة أَو تَبْيِين السَّبَب الَّذِي لزمَه الدّين بِهِ أَو قَبضه بِمُقْتَضَاهُ إِمَّا أَن يكون بدل قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب الملزمة وَيذكر الرَّهْن إِذا كَانَت فِيهِ أَو الضَّامِن إِن كَانَ فِي الذِّمَّة أَو ضَمَان وَجه وبدن بِسَبَب الدّين وَإِذن الْمَضْمُون للضامن فِي الضَّمَان فِي الْحَالَتَيْنِ واعتراف الضَّامِن فِي ضَمَان الذِّمَّة أَنه مَلِيء بِمَا ضمنه قَادر عَلَيْهِ عَارِف بِمَعْنى ضَمَان الذِّمَّة ولزومه شرعا وبالمضمون لَهُ فِيهِ
وَفِي ضَمَان الْوَجْه: أَنه عَارِف بِمَعْنى الضَّمَان الْمَذْكُور وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا وتسلم الْمَضْمُون من الْمَضْمُون لَهُ التسلم الشَّرْعِيّ
وَإِن كتب فِي ضَمَان الذِّمَّة الْحَالَات السِّت وَهِي: الْعسر واليسر وَالْمَوْت والحياة والغيبة والحضور وَقبُول الْمَضْمُون لَهُ عقد الضَّمَان فِي الْمجْلس: خرج من الْخلاف
وَيخْتم بِتَصْدِيق الْمقر لَهُ أَو الْمَقْبُوض مِنْهُ على ذَلِك إِن حضر مجْلِس الْإِقْرَار وَإِلَّا فَلَا
وَيخْتم ذَلِك كُله بالتاريخ
وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْفَوَائِد الَّتِي تنبني عَلَيْهِ ثمَّ رسم شَهَادَة الشُّهُود فِي ذَلِك أَو عَلامَة الْحَاكِم إِن كَانَ الْإِشْهَاد وَقع فِي مجْلِس حكمه إِمَّا بالاعتراف أَو غَيره
وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْأَقْضِيَة ذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ القَاضِي وَبَيَان معرفَة الرَّسْم فِي الْكِتَابَة على المكاتيب الْحكمِيَّة والإسجالات وَالْعرُوض وشروح الْمجَالِس وصور(1/25)
الدَّعَاوَى وأوراق الاعتقالات والرقم للشُّهُود وتمييز بَعضهم على بعض على المصطلح فِي ذَلِك من الْعَلامَة والتواريخ إِلَى الحسبلة إِلَى غير ذَلِك مُبينًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَسَيَأْتِي فِي كتاب الشَّهَادَات بَيَان معرفَة رسم الشَّاهِد فِي الْكِتَابَة على المكاتيب والحجج والمساطير وَبَيَان موَاضعهَا وَكَيْفِيَّة رسم الشَّهَادَة بعد التَّارِيخ على اخْتِلَاف مراتبها وتباين حالاتها فِي الْوَضع بِاعْتِبَار علو رُتْبَة الشَّاهِد بِالنِّسْبَةِ إِلَى مرافقة ورتبة الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَبِمَا يُنَاسب كل مَحل وَاضحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالْمُسْتَحب لمن كتب كتابا فِي هَذَا الْمَعْنى أَو غَيره: إِذا افتتحه بالبسملة والحمدلة وَالصَّلَاة على النَّبِي: أَن يخْتم أَيْضا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي ثمَّ بقوله: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
فَإِن ذَلِك فِيهِ النجاح والفلاح وَقد جرى على نهجه القويم السّلف وَالْخلف تبركا وتيمنا لَا سِيمَا الحسبلة
وَقد سَأَلت بعض الْأَعْيَان عَن الْحِكْمَة فِي ختم الْحُكَّام فِي علاماتهم بالحسبلة وَختم النَّاس فِي كتبهمْ ومطالعاتهم فِي الْغَالِب بهَا دون غَيرهَا فَقَالَ: الْحِكْمَة فِي ذَلِك والسر فِيهِ ظَاهر مَعْلُوم من قَوْله تَعَالَى: {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء} وَمِنْهُم: شيخ قديم هِجْرَة فِي الْكتاب أَخْبرنِي عَن بعض شُيُوخه: أَنه أَفَادَهُ أَن الحسبلة لَا تكون فِي مَكْتُوب وَيحصل لكَاتبه بِسَبَبِهِ سوء أبدا
وَأما الصُّور: فَمِنْهَا صُورَة إِقْرَار ذكر مُفْرد لذكر مُفْرد بدين يَقُول: أقرّ فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَهُوَ مَعْرُوف لشهوده إِقْرَارا شَرْعِيًّا فِي صِحَّته وسلامته وطواعيته واختياره: أَن فِي ذمَّته بِحَق صَحِيح شَرْعِي لفُلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ من الذَّهَب الأشرفي أَو الْعين الهرجة الْمصْرِيّ المصكوك بصكة الْإِسْلَام كَذَا وَكَذَا أشرفيا أَو كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا أَو من الْفضة الطّيبَة الْخَالِصَة السالمة من الْغِشّ المتعامل بهَا يَوْمئِذٍ بالديار المصرية أَو مُعَاملَة دمشق المحروسة كَذَا وَكَذَا درهما
فَإِن كَانَ وزنا قَالَ: وزنا بصنج الْفضة وَإِن كَانَت عددا قَالَ عددا أَو من الْقَمْح الطّيب الْجَدِيد الصعيدي أَو الْبُحَيْرِي أَو الفول أَو الشّعير أَو السمسم أَو الزَّيْت أَو الْعَسَل أَو غير ذَلِك من النُّقُود أَو الْعرُوض أَو الْحُبُوب أَو الأدهان أَو غير ذَلِك من الْأَصْنَاف يقوم لَهُ بذلك جملَة وَاحِدَة حَالا أَو على حكم الْحُلُول أَو مقسطا عَلَيْهِ فِي غرَّة كل شهر أَو فِي سلخ كل شهر يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا على مَا يَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ بَينهمَا وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وبقبض الْعِوَض الشَّرْعِيّ عَن ذَلِك عوضا شَرْعِيًّا
مَعْلُوما عِنْدهمَا الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة وَإِن عين الْعِوَض فَيَقُول: وَقبض الْعِوَض الشَّرْعِيّ عَن ذَلِك كَذَا(1/26)
وَكَذَا ويصفه بِمَا يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة وَصفا تَاما أَو يَقُول: وَأَن ذَلِك ثمن الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصفه ثمَّ يَقُول: ابْتَاعَ ذَلِك مِنْهُ بِالْقدرِ الْمقر بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ وتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة أَو يكون الْمقر بِهِ مُسلما فِيهِ فَيَقُول: وبقبض رَأس مَال السّلم الشَّرْعِيّ عَن ذَلِك فِي مجْلِس التعاقد بَينهمَا على ذَلِك
وَإِن عينه وَذكر قدره فَهُوَ أَجود وَإِن حضر الْمقر لَهُ مجْلِس الْإِشْهَاد فَيَقُول: وَصدقه الْمقر على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَ فِيهِ رهنا فَيَقُول بعد اسْتِيفَاء ذكر الْعِوَض: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ تَحت يَد الْمقر لَهُ أَعْلَاهُ توثقة على الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وتصرفه وحيازته إِلَى حِين صُدُور هَذَا الرَّهْن
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه وَصفا تَاما
وَإِن كَانَ مَكَانا وَصفه وحدده ثمَّ يَقُول: رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَإِن كَانَ الرَّهْن معادا فَيَقُول بعد قَوْله: مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن معادا إِلَيْهِ لينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء أَحْكَام الرَّهْن الْمَذْكُور
وَإِن أحضر ضَامِنا يضمنهُ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون ضمنه فِي الذِّمَّة أَو ضمن وَجهه وبدنه
فَإِن كَانَ الضَّمَان فِي الذِّمَّة فَيَقُول: وَحضر بِحُضُور الْمقر الْمَذْكُور فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَضمن وكفل فِي ذمَّته وَمَاله مَا فِي ذمَّة الْمقر الْمَذْكُور من الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ للْمقر لَهُ أَعْلَاهُ على حكمه ضمانا شَرْعِيًّا فِي الْعسر واليسر وَالْمَوْت والحياة والغيبة والحضور بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك الْإِذْن الشَّرْعِيّ وَأقر أَنه مَلِيء بِمَا ضمنه قَادر عَلَيْهِ عَارِف بِمَعْنى الضَّمَان ولزومه شرعا وبالمضمون لَهُ فِيهِ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة وَقبل الْمَضْمُون لَهُ فِيهِ عقد الضَّمَان فِي الْمجْلس قبولا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ ضمنه ضَمَان وَجه وبدن فَيَقُول: وَحضر بِحُضُور الْمقر الْمَذْكُور فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَضمن وَجه وبدن وإحضار الْمقر الْمَذْكُور للْمقر لَهُ فِيهِ بِسَبَب الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ مَتى التمس إِحْضَاره مِنْهُ فِي ليل أَو نَهَار صباحا أَو مسَاء ضمانا شَرْعِيًّا بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ
وَمَتى تعذر إِحْضَاره كَانَ عَلَيْهِ الْقيام بِمَا يلْزمه من ذَلِك شرعا على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ واعترف بِمَعْرِِفَة معنى ذَلِك وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا
قبل الْمَضْمُون لَهُ ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ
وَإِن كَانَ الْإِقْرَار على اثْنَيْنِ: أَتَى فيهمَا بِلَفْظ التَّثْنِيَة
فَيَقُول فِي إقرارهما: فِي صحتهما وسلامتهما وطواعيتهما واختيارهما
وَيقومَانِ لَهُ بذلك مقسطا عَلَيْهِمَا وأقرا(1/27)
بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وقبضا الْعِوَض الشَّرْعِيّ عَن ذَلِك
وصدقهما الْمقر لَهُ على ذَلِك وَبِه شهد عَلَيْهِمَا
وَإِن كَانَ الْإِقْرَار من جمَاعَة: أَتَى بواو الْجمع وميمها فيهم
وينبه فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع على لُزُوم الدّين بِالْإِقْرَارِ إِن كَانَ عَلَيْهِمَا أَو عَلَيْهِم بِالسَّوِيَّةِ أَو مُتَفَاضلا وَإِن كَانَ على وَاحِد أقل من الآخر ذكر الَّذِي عَلَيْهِ الْأَقَل أَولا وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر بعده
وَفِي الصُّورَة الْأَقَل وَالْأَكْثَر يَقُول: إِن فِي ذمتهما أَو فِي ذمتهم بِحَق صَحِيح شَرْعِي على مَا يفصل فِيهِ: لفُلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ كَذَا وَكَذَا
وَإِذا انْتهى ذكر جملَة الْمبلغ الْمقر بِهِ وتنصيفه فَصله تَفْصِيلًا مطابقا للجملة الْمقر بهَا وَبَين مَا على كل وَاحِد من ذَلِك
فَإِذا انْتهى تَفْصِيل الْجُمْلَة يَقُول: يقومان أَو يقومُونَ لَهُ بذلك إِمَّا جملَة وَاحِدَة حَالا وَإِمَّا مقسطا أَو يكون الْبَعْض حَالا وَالْبَعْض مقسطا فيذكر الْحُلُول أَولا وَيذكر التقسيط بعده
ويوضح مُدَّة الْأَجَل إيضاحا يَنْتَفِي بِهِ الْإِبْهَام فِي الشَّهْر وَالسّنة وَإِن كَانَ التقسيط بِالْيَوْمِ أَو بالأسبوع فَيَقُول: عِنْد التَّارِيخ وَبِه شهد عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَحَد مثلا أَو الْإِثْنَيْنِ أَو غَيرهمَا من بَقِيَّة أَيَّام الْأُسْبُوع
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه: إِذا كَانَ الْإِقْرَار بِالدّينِ من اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة فَيكْتب الموثق: أقرّ فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَن فِي ذمتهم وَلَا يَقُول: أقرّ كل من فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَن فِي ذمَّته
فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي لُزُوم كل من المقرين بِجَمِيعِ الدّين ويتعدد على كل مِنْهُم بطرِيق اللُّزُوم فِي لَفْظَة (كل) وَكَذَلِكَ فِي الضَّمَان وَغَيره من الْعُقُود الملزمة للذمة
وَهَذَا مَحل احْتِرَاز
وَالْخُنْثَى يلْحق بالذكورية وَيَقُول فِيهِ: وَهُوَ خُنْثَى مُشكل يمِيل إِلَى الرِّجَال وَالنِّسَاء دفْعَة وَاحِدَة بِإِقْرَارِهِ
وَالْأُنْثَى تلْحق بهَا تَاء التَّأْنِيث مثل: أقرَّت وَحَضَرت وأشهدت وصدقت وَتقوم
وَفِي التَّثْنِيَة كالمذكر بِالْألف وَيلْحق تَاء التَّأْنِيث مثل: أقرتا وحضرتا وصدقتا وأشهدتا وتقومان وَفِي جمَاعَة النِّسَاء: أقررن وحضرن وأشهدن وصدقن ويقمن
والأخرس والأصم يَقُول فِيهِ: بِإِشَارَة مفهمة قَائِمَة مِنْهُ مقَام النُّطْق فَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ أخرسا وَهُوَ قارىء فَيقْرَأ الْكتاب ويتحمل عَلَيْهِ الشَّهَادَة بِالْإِشَارَةِ وَيَقُول فِيهِ: وَهُوَ أخرس اللِّسَان أَصمّ الْأُذُنَيْنِ عَاقل عَارِف بِمَا يجب عَلَيْهِ شرعا خَبِير بتدبير نَفسه عَالم بِمَا يَنْفَعهُ ويضره بِالْإِشَارَةِ المفهمة الْقَائِمَة مقَام النُّطْق مِنْهُ
والأخرس الَّذِي(1/28)
هُوَ غير الْأَصَم تحصل الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ من الشَّاهِد وَالْإِشَارَة المفهمة مِنْهُ
والمنحبس لِسَانه عَن النُّطْق لضعف حصل لَهُ يَقُول فِيهِ: أقرّ فلَان الْفُلَانِيّ الَّذِي انحبس لِسَانه عَن النُّطْق لضعف حصل لَهُ
وَهُوَ فِي صِحَة عقله وَحُضُور حسه وفهمه
والأعجمي: يتَحَمَّل عَلَيْهِ من يعرف لِسَانه وَإِن كَانَ يعرف الْعَرَبيَّة وَيفهم مَعْنَاهَا استنطق بهَا وَيَقُول: الَّذِي استنطق بِالْعَرَبِيَّةِ وَعرف مَعْنَاهَا
وَالْعَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَغَيرهَا يَقُول فِيهِ: أقرّ فلَان ابْن عبد الله الْبَالِغ أَو الرجل الْكَامِل وَيذكر نَوعه وجنسه ثمَّ يَقُول: الَّذِي هُوَ فِي رق مَوْلَاهُ فلَان وَأذن لَهُ فِي التِّجَارَة وَغَيرهَا وَفِي البيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء بِسَبَب مَا أذن لَهُ فِيهِ فِيمَا يرى فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لسَيِّده الْمَذْكُور
وَالْعَبْد الْخَالِي عَن إِذن سَيّده يتبع بِإِقْرَارِهِ إِذا عتق وَهُوَ أَن يَأْخُذ مَالا من شخص بِغَيْر إِذن سَيّده ويتلف فِي يَده
والمراهق: يَصح إِقْرَاره فِي الْقرب وَالْوَصِيَّة على الْخلاف الْمَذْكُور
وَالْمَجْنُون المطبق: لَا يَصح مِنْهُ
وَالْمَعْتُوه كَالْمَجْنُونِ وَالَّذِي يفِيق فِي وَقت ويجن فِي وَقت: يَصح مِنْهُ وَقت الْإِفَاقَة
وَيَقُول فِيهِ: الَّذِي يجن فِي وَقت ويفيق فِي وَقت
وَهُوَ فِي حَال هَذَا الْإِقْرَار مُفِيق عَارِف بِمَا يبديه من قَول وَفعل
فصل
: إِذا كَانَ الْإِقْرَار بِالدّينِ مَكْتُوبًا باسم شخص وَأقر بِهِ لغيره يَقُول: أشهد عَلَيْهِ فلَان الْمَذْكُور وباطنه: أَنه لما داين فلَانا الْمقر الْمَذْكُور بَاطِنه بِالدّينِ الْمعِين بَاطِنه كَانَ من مَال فلَان الْفُلَانِيّ وصلب حَاله وَأَنه كتب اسْمه على سَبِيل النِّيَابَة عَنهُ
وَأَنه كَانَ أذن لَهُ فِي مُعَاملَة الْمقر الْمَذْكُور بَاطِنه ومداينته وَرَضي بِذِمَّتِهِ وان فلَانا الْمَذْكُور يسْتَحق مُطَالبَة الْمقر الْمَذْكُور بذلك وَقَبضه مِنْهُ واستخلاصه بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ وَصدقه الْمقر لَهُ على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِذا كَانَ الدّين على شخص لشخص وصير الْمقر لَهُ الدّين لشخص آخر
يَقُول: أشهد عَلَيْهِ فلَان: أَن مبلغ الدّين الْمعِين بَاطِنه وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا
صَار وَوَجَب لفُلَان الْفُلَانِيّ بطرِيق صَحِيح شَرْعِي من وَجه حق لَا شُبْهَة فِيهِ وَأَنه يسْتَحق جَمِيع الْمبلغ الْمقر بِهِ الْمعِين بَاطِنه دونه وَدون كل أحد بِسَبَبِهِ استحقاقا شَرْعِيًّا وَأقر أَنه لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك حق وَلَا شُبْهَة حق وَلَا اسْتِحْقَاق وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ وَصدقه الْمقر لَهُ الْمَذْكُور على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويؤرخ(1/29)
وَإِذا كَانَ الدّين حَالا وَانْظُر صَاحب الدّين الْمَدِين فِيهِ
يَقُول: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه أنظر فلَانا الْمقر الْمَذْكُور بَاطِنه بمبلغ الدّين الْمعِين بَاطِنه
وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا على أَن يقوم لَهُ بذلك مقسطا عَلَيْهِ فِي كل يَوْم أَو فِي كل أُسْبُوع أَو فِي كل شهر أَو جملَة وَاحِدَة بعد مُضِيّ كَذَا وَكَذَا شهرا من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا إنظارا شَرْعِيًّا لعلمه بِحَالهِ وَأَنه لَا يقدر على وَفَاء ذَلِك إِلَّا كَذَلِك على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
قبل ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك على حكم الإنظار المشروح أَعْلَاهُ
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِن نذر صَاحب الدّين أَنه لَا يُطَالب الْمَدْيُون بِالدّينِ إِلَّا مقسطا أَو بعد مُضِيّ شهر أَو سنة يَقُول: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه نذر لله تَعَالَى أَنه لَا يُطَالب فلَانا الْفُلَانِيّ الْمَذْكُور بَاطِنه بِمَالِه فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ الْمعِين بَاطِنه
وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا إِلَّا مقسطا أَو جملَة وَاحِدَة بعد مُضِيّ كَذَا وَكَذَا شهرا من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا نذرا شَرْعِيًّا يلْزمه الْوَفَاء بِهِ على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
ويؤرخ
مَسْأَلَة: إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ من دِرْهَم إِلَى عشرَة لزمَه تِسْعَة فِي الْأَصَح أَو عَليّ مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة فثمانية أَو إِلَى عشرَة فَكَذَا فِي الصَّحِيح
أَو دِرْهَم فِي عشرَة
وَأَرَادَ الْحساب فعشرة أَو الْمَعِيَّة فأحد عشر أَو الظّرْف فدرهم أَو أطلق
فَكَذَا على الْمَشْهُور
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان من الدَّرَاهِم المتعامل بهَا يَوْمئِذٍ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ: من دِرْهَم إِلَى عشرَة أَو مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم
أَو دِرْهَم فِي عشرَة وَأَنه أَرَادَ الْحساب أَو الْمَعِيَّة أَو أَرَادَ الظّرْف أَو أطلق ويكمل ويؤرخ
وَإِذا أَرَادَ ثُبُوت ذَلِك عَن القَاضِي يَقُول بعد اسْتِيفَاء صدر الإسجال إِلَى قَوْله على الرَّسْم الْمَعْهُود فِي مثله: مَا نسب إِلَى الْمقر الْمُسَمّى بَاطِنه من الْإِقْرَار المشروح بَاطِنه على مَا نَص وَشرح بَاطِنه وباطنه مؤرخ بِكَذَا وجريان حلف الْمقر لَهُ فِيهِ الْحلف الشَّرْعِيّ والإعذار لمن لَهُ الْإِعْذَار فِي ذَلِك ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَحكم بِمُوجب ذَلِك وَمن مُوجبه: أَن الَّذِي يجب على الْمقر الْمَذْكُور فِيهِ بِمُقْتَضى إِقْرَاره المشروح فِيهِ: كَذَا وَكَذَا درهما حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة ويكمل على الْعَادة
وَيَنْبَنِي على الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب الوفاقية والخلافية: أَحْكَام وصور(1/30)
مِنْهَا: مَا إِذا كَانَ الْإِقْرَار من بَالغ عَاقل بمبلغ ثمن مَبِيع طَاهِر جَائِز بَيْعه برهن حِصَّة شائعة فِي مَكَان كَامِل وَالرَّهْن معَاذًا فَهَذَا صَحِيح على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَحده
فَإِن رهن الْحصَّة الشائعة عِنْد أبي حنيفَة بَاطِل
وَالرَّهْن الْمعَاد عِنْده وَعند مَالك وَأحمد بَاطِل
وَعلة الْبطلَان: هِيَ كَون الْمُرْتَهن قبض الرَّهْن ثمَّ أَعَادَهُ
فالإعادة هِيَ عِلّة الْبطلَان
وَفِي صُورَة الْإِقْرَار بذلك يَقُول: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا يَقُول لَهُ بذلك حَالا وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وَأَن ذَلِك ثمن الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويذكره إِذا كَانَ مَبِيعًا طَاهِرا جَائِزا بَيْعه ابْتَاعَ ذَلِك مِنْهُ وتسلمه تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة وَصدقه الْمقر لَهُ الْمَذْكُور على ذَلِك وَرهن الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ تَحت يَد الْمقر لَهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ توثقة على الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ: مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وتصرفه إِلَى حِين صُدُور هَذَا الرَّهْن
وَذَلِكَ جَمِيع الْحصَّة الَّتِي مبلغها كَذَا وَكَذَا سَهْما من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما شَائِعا ذَلِك فِي جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده رهنا شَرْعِيًّا صَحِيحا مَقْبُولًا مَقْبُوضا بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول معادا إِلَى الرَّاهِن الْمَذْكُور ولينتفع بِهِ مَعَ بَقَاء حكم الرَّهْن ولزومه ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا يكون إِقْرَارا صَحِيحا عِنْد أبي حنيفَة بَاطِلا عِنْد البَاقِينَ
وَفِي صُورَة الْإِقْرَار بذلك يَقُول: أقرّ فلَان الْمُرَاهق الَّذِي ناهز الِاحْتِلَام طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَّته وسلامته بِحُضُور وليه فلَان وإذنه لَهُ فِي الْإِقْرَار: أَن فِي ذمَّته لفُلَان من الدَّرَاهِم أَو الذَّهَب كَذَا وَكَذَا يقوم لَهُ بذلك حَالا وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وان ذَلِك ثمن خَمْسَة قوانين من خشب الآبنوس وَعظم العاج مطعمة بعرق اللوري كَامِلَة الأوتار واللوالب ابتاعها مِنْهُ وتسلمها وتسلم مثله لمثل ذَلِك تسلما شَرْعِيًّا وَرهن الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عِنْد الْمقر لَهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وتصرفه حَالَة الرَّهْن
وَذَلِكَ جَمِيع المزبلة السرجين الَّتِي ارتفاعها ثَلَاث عصي بالعصى الْمَعْهُودَة الَّتِي يتماسح بهَا الزبالون الَّتِي طولهَا ثَلَاثَة أَذْرع بالذراع التجاري وَطول هَذِه المزبلة قبْلَة وَشمَالًا ثَلَاث عصي وعرضها شرقا وغربا عصوان وثلثي عصي بالعصى الْمَذْكُورَة رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن
وَقبل الْمُرْتَهن الْمَذْكُور عقد هَذَا الرَّهْن قبولا شَرْعِيًّا ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ العَبْد الْقِنّ الرَّقِيق بِمَا يُوجب عَلَيْهِ عُقُوبَة أَو أقرّ بدين جِنَايَة مَعَ تَكْذِيب السَّيِّد لَهُ يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بِهِ إِذا عتق أَو أقرّ بدين مُعَاملَة(1/31)
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان ابْن عبد الله رَقِيق فلَان الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَة عقله وبدنه: أَن فِي ذمَّته لفُلَان كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول وَأَن ذَلِك لزمَه عَن أرش جِنَايَة جناها على الْمقر لَهُ الْمَذْكُور يتبعهُ بهَا إِذا عتق
وَإِذا كَانَ الْإِقْرَار يُوجب عُقُوبَة كتب: أقرّ فلَان ابْن عبد الله رَقِيق فلَان الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية: أَنه شرب الْخمر الْمُسكر وَأَنه وَجب عَلَيْهِ بذلك الْحَد وجوبا شَرْعِيًّا
أَو أقرّ: أَنه زنا بِجَارِيَة فلَان أَو بفلانة بنت فلَان وَأقر بذلك ثَلَاث مَرَّات وَأَنه وَجب عَلَيْهِ بذلك الْحَد
أَو أقرّ: أَنه قذف فلَانا قذفا صَحِيحا يُوجب عَلَيْهِ الْحَد
أَو أقرّ: أَنه جنى على فلَان جِنَايَة بدنية وَهُوَ: أَنه جرحه فأجافه
أَو أقرّ: أَنه قلع عينه الْفُلَانِيَّة أَو قطع أَنفه أَو أُذُنه أَو غير ذَلِك من جراحات الرَّأْس وَالْبدن
فَكل ذَلِك يقبل إِقْرَاره فِيهِ وَيصِح ويستوفى مِنْهُ الْحَد
ويقتص مِنْهُ على الْجِنَايَة
وكل ذَلِك صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي
فَإِذا أقرّ العَبْد الْمَأْذُون لَهُ بِمَال يتَعَلَّق بِالتِّجَارَة الَّتِي فِي يَده كتب: أقرّ فلَان ابْن عبد الله رَقِيق فلَان ومأذونه فِي التِّجَارَة بِتَصْدِيق سَيّده على ذَلِك: أَن فِي ذمَّته لفُلَان كَذَا وَكَذَا حَالا وَأَن ذَلِك لزمَه من مُعَاملَة كَانَت بَينهمَا مُتَعَلقَة بِمَال التِّجَارَة الَّتِي بِيَدِهِ يقوم لَهُ بذلك من كَسبه وَمَا فِي يَده من مَال التِّجَارَة وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ العَبْد الْمَأْذُون بِمَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد فِي رِوَايَة عَنهُ وَيُبَاع فِيمَا إِذا أقرّ بِهِ عِنْدهمَا
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ: تتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بهَا إِذا عتق
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان ابْن عبد الله العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة من سَيّده فلَان: أَن فِي ذمَّته لفُلَان كَذَا وَكَذَا بدل قرض شَرْعِي أَو عَن أرش جِنَايَة جناها عَلَيْهِ أَو دِيَة مورث الْمقر لَهُ فلَان الَّذِي قَتله الْمقر الْمَذْكُور خطأ أَو هُوَ مَا غصبه مِنْهُ وَأرش مَا نقص الْمَغْصُوب أَو قيمَة مَا غصبه مِنْهُ وَهلك الْمَغْصُوب فِي يَده
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَإِن كَانَ عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
فَيَقُول: يُبَاع العَبْد الْمَذْكُور فِي هَذَا الْقَرْض أَو الْجِنَايَة أَو الْغَصْب
وَلَا يذكر فِي الْغَصْب أرش مَا نقص من الْمَغْصُوب
فَإِن أَبَا حنيفَة: لَا يُوجب أرش النَّقْص
وَإِن كَانَ عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك فَيَقُول: يتبع بذلك بعد الْعتْق(1/32)
فَإِن كَانَت جِنَايَة بدنية كتب إِقْرَار العَبْد بصورته وَيَقُول: وَوَجَب للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ الاقتصاص مِنْهُ بنظير مَا جنى عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ إِقْرَاره بقتل الْعمد فَجَائِز عِنْد الثَّلَاثَة إِلَّا أَحْمد
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يقبل إِقْرَاره بِهِ فِي الرّقّ وَيتبع بِهِ إِذا عتق
وَصُورَة إِقْرَاره بِهِ: أقرّ فلَان ابْن عبد الله العَبْد الْمَأْذُون لسَيِّده فلَان طَائِعا مُخْتَارًا من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار: أَنه قتل فلَانا عمدا أَو ضربه بمحدد عمدا ضَرْبَة فَمَاتَ مِنْهَا
وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَتْل بذلك
وَكَذَلِكَ الْمَحْجُور عَلَيْهِ يقبل إِقْرَاره فِي ذَلِك
وَيكْتب كَمَا تقدم فِي العَبْد الْمَأْذُون
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ الْمَرِيض فِي مرض مَوته لوَارِثه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان فِي صِحَة عقله
وتوعك جِسْمه وَثُبُوت فهمه: أَن فِي ذمَّته لابنته لصلبه فُلَانَة كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول وَأَن ذَلِك لزم ذمَّته لَهَا بِسَبَب كَذَا وَكَذَا
وَيكون الْمقر لَهُ من الْوَرَثَة ابْنَته الْمَذْكُورَة وَأَخ لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو ابْن أَخ أَو بَيت المَال فَهُوَ يتهم فِي هَذِه الصُّورَة
وَهِي بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي
وَلَو أقرّ لِابْنِ أَخِيه أَو لبيت المَال لَا يكون مُتَّهمًا فِي ذَلِك
فَيكون ثَابتا عِنْد مَالك صَحِيحا عِنْد الشَّافِعِي بَاطِلا عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَمِنْهَا: مَا إِذا داين الْأَب أَو الْجد للْأَب أَو الْوَصِيّ شخصا بدين لمحجوره
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر وَالِده وَتَحْت نظره بالأبوة شرعا أَو الَّذِي هُوَ فِي حجر جده أبي أَبِيه وولايته بالأبوة شرعا أَو الْيَتِيم الَّذِي هُوَ تَحت نظر فلَان ووصيته بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور الَّتِي جعل لَهُ فِيهَا النّظر فِي حَاله وَالْكَلَام لَهُ وَالتَّصَرُّف فِي مَاله بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء والمعاملة والمداينة وَسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة للْيَتِيم الْمَذْكُور إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشروح فِي كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر لشهوده والمؤرخ بَاطِنه بِكَذَا الثَّابِت مضمونه مَعَ قبُول الْمُوصى إِلَيْهِ الْمَذْكُور الْوَصِيَّة الْمَذْكُورَة بعد موت الْمُوصي بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ المؤرخ بِكَذَا من الدَّرَاهِم أَو الذَّهَب كَذَا وَكَذَا حَالا أَو مقسطا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأَن ذَلِك ثمن قماش مُخْتَلف الألوان ويصفه بِمَا يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة ابتاعه من وَالِد الْمقر لَهُ أَو جده أَو وَصِيّه
وتسلمه تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة(1/33)
وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
واعترف الْمقر الْمَذْكُور: أَن ذَلِك ثمن الْمثل عَن الْمَبِيع الْمَذْكُور لَا حيف فِيهِ وَلَا شطط وَلَا غبينة وَلَا فرط وَلَا فَسَاد فِي الْمُعَامَلَة وَصدقه وَالِد الْمقر لَهُ أَو جده أَو وَصِيّه على ذَلِك كُله التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ وَرهن الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عِنْد المداين الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين هَذَا الرَّهْن
وَذَلِكَ جَمِيع التركيبة الزركش الذَّهَب الهرجة المركبة على حَاشِيَة حَرِير أَبيض الَّتِي زنتها كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا بِمَا فِيهِ من الْحَاشِيَة المركبة عَلَيْهَا والبطانة وَالْحَرِير والريش رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ مَقْبُولًا ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ الْوَالِد أَو الْجد للْوَلَد بمبلغ أَو عقار أَو غَيره
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن وَلَده لصلبه أَو ولد وَلَده لصلبه فلَان الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجره وَتَحْت ولَايَته بِحكم الْأُبُوَّة شرعا: ملك عَلَيْهِ وَاسْتحق دونه من وَجه صَحِيح شَرْعِي مُعْتَبر مرضِي سوغه الشَّرْع الشريف وارتضاه وَأَجَازَهُ وأمضاه جَمِيع الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصفه وَصفا تَاما أَو جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا واستحقاقا لَازِما مرضيا وَأَن ذَلِك فِي يَده وحيازته لوَلَده الْمَذْكُور يتَصَرَّف لَهُ فِيهِ التَّصَرُّف التَّام الْمُعْتَبر بِمَا لَهُ عَلَيْهِ من الْولَايَة الشَّرْعِيَّة وَأقر أَنه لَا يسْتَحق مَعَه فِي الْمَكَان الْمَذْكُور وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ حَقًا وَلَا بَقِيَّة من حق بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَأَن بَاطِن هَذَا الْإِقْرَار كظاهره وَظَاهره كباطنه عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ
والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا
وَإِن كَانَ وَلَده الْمقر لَهُ بَالغا عَاقِلا أَو امْرَأَة كَامِلَة
قَالَ: وَصدق الْمقر لَهُ الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَقبل من الْمقر الْمَذْكُور هَذَا الْإِقْرَار قبولا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ الْإِقْرَار لأَجْنَبِيّ ذيله أَيْضا بالتصديق وَالْقَبُول
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ الْمقر بِهِ انْتقل إِلَى الْمقر لَهُ بِسَبَب مُتَقَدم على الْإِقْرَار مثل أَن يكون قد انْتقل إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ من أمه أَو بالتمليك أَو الْهِبَة أَو الْوَصِيَّة من قريب أَو أَجْنَبِي
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده ملك من أَمْلَاك فلَان وَحقّ من حُقُوقه وواجب من واجباته وَأَنه بِيَدِهِ وَفِي حيازته وتصرفه
انْتقل إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من مُوَرِثه فلَان أَو بِوَجْه من وُجُوه الِانْتِقَالَات الَّتِي ذَكرنَاهَا من قبل تَارِيخه انتقالا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأَنه لَا يسْتَحق مَعَه فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا فِي حق من حُقُوقه حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا علاقَة(1/34)
وَلَا تبعة وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ الزَّوْج لزوجته بصداقها الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ عِنْد عدم الصَدَاق المكتتب بَينهمَا
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لزوجته فُلَانَة المستمرة فِي عصمته وَعقد نِكَاحه إِلَى يَوْم تَارِيخه من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول أَو التنجيم وَأَن هَذِه الْجُمْلَة هِيَ جَمِيع مبلغ صَدَاقهَا الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ التَّزْوِيج الشَّرْعِيّ بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخه وَادعت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة عدم الصَدَاق الْمَذْكُور عدما لَا يقدر على وجوده وَحلفت على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيّ وَأقر الزَّوْج الْمَذْكُور واعترف: أَنه دخل بِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَة وأفضى إِلَيْهَا واستحقت جَمِيع الصَدَاق الْمَذْكُور فِي ذمَّته على الحكم المشروح أَعْلَاهُ استحقاقا شَرْعِيًّا بِحكم مَا اسْتحلَّ من فرجهَا أَو من بضعهَا واستمتع بهَا وَأَنه لم يجر بَينهمَا طَلَاق وَلَا فرقة وَلَا فسخ نِكَاح وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بَاقِيَة بَينهمَا إِلَى الْآن وَحَضَرت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وصدقت على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا وَقع إِقْرَار لجِهَة وقف لمدرسة أَو مَسْجِد أَو غير ذَلِك أَو مَكَان وَقفه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لمستحق أوقاف الْمَسْجِد الْفُلَانِيّ أَو بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّة كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك هُوَ الْقدر الَّذِي استولى عَلَيْهِ أَو تحصل تَحت يَده أَو وصل إِلَيْهِ من ريع أوقاف الْجِهَة الْمَذْكُورَة من حوانيت أَو مغل قَرْيَة من سنة كَذَا أَو عَن كَذَا وَكَذَا شهرا من سنة كَذَا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَصدقه على ذَلِك مُصدق شَرْعِي سَائِغ تَصْدِيقه فِي ذَلِك شرعا ويكمل ويؤرخ
وَإِن كَانَ الْإِقْرَار بمَكَان وقف كتب: أقرّ فلَان أَن جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وقف صَحِيح شَرْعِي وَحبس صَرِيح مؤيد مرعي وَصدقَة دائمة مستمرة على الْمَسْجِد الْفُلَانِيّ أَو الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة يصف الْمَسْجِد أَو الْمدرسَة ويحدد تصرف أجوره ومنافعه فِي مصَالح الْمَكَان الْمَذْكُور من عِمَارَته وفرشه وتنويره وَإِقَامَة شعائره ومعاليم أَرْبَاب الْوَظَائِف بِهِ على مَا يرَاهُ فلَان النَّاظر فِي أمره بِمُقْتَضى أَن الْمقر الْمَذْكُور كَانَ وَقفه على الْمَكَان الْمَذْكُور بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخه
وَأخرجه عَن ملكه وحيازته وَجعل النّظر فِيهِ لمن كَانَ نَاظرا على الْمَكَان الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَرفع يَده عَنهُ وَسلمهُ إِلَى(1/35)
النَّاظر الْمَذْكُور فتسلمه مِنْهُ لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور وَصدقه النَّاظر الْمَذْكُور على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ لمَكَان وقف بِاسْتِحْقَاق الِانْتِفَاع بِأَرْض مُعينَة أَو قَرْيَة أَو حَانُوت أَو غير ذَلِك مُدَّة أَو كَانَ الْإِقْرَار لرجل بِعَيْنِه أَو امْرَأَة بِالِانْتِفَاعِ بِشَيْء من الْأَشْيَاء مُدَّة مُعينَة
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَن مستحقي أوقاف الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصف الْمَكَان ويحدد مستحقون الِانْتِفَاع بِجَمِيعِ الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة الَّتِي بِبَلَد كَذَا وأراضيها ويحددها الْجَارِيَة هَذِه الْقرْيَة فِي ملك الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَيَده وحيازته بحقوقه كلهَا الدَّاخِلَة فِيهَا والخارجة عَنْهَا استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بِحَق ثَابت لَازم مُعْتَبر شَرْعِي لمُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه
تصرف مغلات هَذِه الْقرْيَة ومنافعها وأجورها إِلَى مصَالح الْمَكَان الْمَوْقُوف الْمشَار إِلَيْهِ
وَفِي عِمَارَته وَفِي فرشه وتنويره وتعاليم أَرْبَاب وظائفه على مُقْتَضى شَرط واقفه الْمعِين فِي كتاب وَقفه لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ من غير مَانع وَلَا مُنَازع وَلَا معَارض وَلَا رَافع ليد من تَارِيخه وَإِلَى حِين انْتِهَاء الْمدَّة الْمَذْكُورَة
وَذَلِكَ عِنْد وجود السَّبَب الَّذِي اطلع عَلَيْهِ وَهُوَ: أَن وَالِده مُوَرِثه الْقرْيَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ: كَانَ أجرهَا من نَاظر شَرْعِي فِي الْوَقْف الْمَذْكُور الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ بِأُجْرَة مَعْلُومَة وَأَن وَالِده قبض الْأُجْرَة يَوْم أجرهَا بِتَمَامِهَا وكمالها واستحقت جِهَة الْوَقْف الِانْتِفَاع بالقرية الْمَذْكُورَة الِاسْتِحْقَاق الشَّرْعِيّ إِلَى حِين فرَاغ الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَصدق النَّاظر الشَّرْعِيّ على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
وَصُورَة مَا يكْتب فِيمَا إِذا كَانَ الْإِقْرَار لرجل أَو امْرَأَة بِعَينهَا: أقرّ فلَان أَن فلَانا اسْتحق واستوجب الِانْتِفَاع بِجَمِيعِ الْقطعَة الأَرْض الْبيَاض السليخة الْمعدة للزَّرْع أَو الْقطعَة الأَرْض لسقي الشّجر بِهِ وبجميع الْغِرَاس الْأَشْجَار الْقَائِمَة بهَا الْمُخْتَلفَة الثِّمَار ويحدد وزرعها واستغلالها الْمدَّة كَذَا وَكَذَا سنة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا ووجوبا تَاما كَامِلا لَازِما مُعْتَبرا مرضيا من وَجه صَحِيح شَرْعِي وَسلم الْمقر الْمَذْكُور جَمِيع الْمقر بِهِ الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه إِلَى الْمقر لَهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ يستغله بِسَائِر وُجُوه الاستغلالات الشَّرْعِيَّة الْمدَّة الْمَذْكُورَة من غير معَارض وَلَا مُنَازع لَهُ فِي ذَلِك فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ مَعَ بَقَاء رَقَبَة الْملك الْمَذْكُور فِي يَد الْمقر الْمَذْكُور واستحقاقه الأَرْض الْمَذْكُورَة الِاسْتِحْقَاق الشَّرْعِيّ
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ الْإِقْرَار بِملك بَين جمَاعَة أقرّ بَعضهم لبَعض
وَتسَمى المواصفة
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: هَذَا كتاب مواصفة صَحِيحَة شَرْعِي وَإِقْرَار مُعْتَبر(1/36)
مرعي اكتتبه فلَان ابْن فلَان وَفُلَان ابْن فلَان وَفُلَان ابْن فلَان الْمُجْتَمع نسبهم فِي جدهم الْأَعْلَى فلَان الْمَذْكُور ليَكُون حجَّة لَهُم فِيمَا يؤول أَمرهم إِلَيْهِ ونصا بَينا عِنْد اخْتلَافهمْ يرجعُونَ إِلَيْهِ ويعتمدون عَلَيْهِ
وأقروا عِنْد شُهُوده بمضمونه واعترفوا عِنْدهم بِمَعْرِِفَة ظَاهره ومكنونه
وَأشْهدُوا عَلَيْهِم طائعين مختارين فِي صِحَة مِنْهُم وسلامة وَجَوَاز أَمر ونفوذ تصرف وخلو عَن مَوَانِع صِحَة الْإِقْرَار حِين يَدْعُو إِلَى المواصفة فِيمَا هُوَ لَهُم وملكهم وَفِي أَيْديهم وَتَحْت تصرفهم ومنتقل إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من جدهم فلَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ إِلَى أَوْلَاده فلَان وَفُلَان وَفُلَان آبَاء المقرين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ ثمَّ إِلَى المقرين الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا
وَذَلِكَ: جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَالْمَكَان الْفُلَانِيّ وَالْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصف كل مَكَان مِنْهَا ويحدد ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله ومنافعه ومرافقه وطرقه وأحجاره وأخشابه وأبوابه وأعتابه وأنجافه ومجاري مياهه فِي حُقُوقه ورسومه وَبِكُل حق هُوَ لذَلِك وَمَا هُوَ مَعْرُوف بِهِ ومنسوب إِلَيْهِ ومحسوب من جملَته على تناهي الْجِهَات أجمعها
وَأَن ذَلِك بَينهم أَثلَاثًا لَا مزية لأَحَدهم على الآخر بِوَجْه من وُجُوه الاختصاصات إِلَّا بِمَا هُوَ لَهُ من ذَلِك بِالسَّبَبِ الْمعِين أَعْلَاهُ وَأَن كلا مِنْهُم رَاض بذلك مقرّ بِهِ مُلْتَزم حكم الْإِقْرَار بِمُوجبِه
لَا حق لَهُ مَعَ صَاحبه فِيمَا هُوَ مُخْتَصّ بِهِ من ذَلِك حَسْبَمَا اتَّفقُوا وتراضوا على ذَلِك
عرف كل مِنْهُم الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا فَمَتَى ادّعى أحد مِنْهُم على الآخر بِدَعْوَى تخَالف ذَلِك أَو شَيْئا مِنْهُ بِنَفسِهِ أَو بوكيله
كَانَت دَعْوَاهُ وَدَعوى من يَدعِي عَنهُ بَاطِلَة
وَإِن أَقَامَ بَيِّنَة كَانَت كَاذِبَة أَو أدلى بِحجَّة كَانَت داحضة
لَا صِحَة لَهَا وَلَا حَقِيقَة لأصلها
قبل كل مِنْهُم ذَلِك من الآخر لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا وتصادقوا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا ويكمل ويؤرخ
صُورَة أُخْرَى فِي المواصفة: أقرّ فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَن جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصف ويحدد يَنْقَسِم بَينهم على أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما
من ذَلِك مَا هُوَ لفُلَان المبدأ بِذكرِهِ: الرّبع وَالثمن شَائِعا فِيهِ وَمَا هُوَ للْمقر الثَّانِي: السُّدس وَالثمن شَائِعا فِيهِ وَمَا هُوَ للْمقر الثَّالِث: الرّبع شَائِعا فِيهِ
وَمَا هُوَ للْمقر الرَّابِع: نصف السُّدس مشَاعا فِيهِ
وَأقر كل مِنْهُم أَنه لَا يملك فِي الْملك الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه سوى مَا عين لَهُ أَعْلَاهُ بِغَيْر زَائِد على ذَلِك وَأقر كل مِنْهُم: أَنه لَا يسْتَحق مَعَ الآخرين فِيمَا صَار إِلَيْهِم من ذَلِك حَقًا وَلَا بَقِيَّة من حق وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
قبل كل مِنْهُم ذَلِك من الآخر قبولا شَرْعِيًّا وَرَضوا بِهِ وتصادقوا عَلَيْهِ تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا وَقعت مُهَايَأَة بَين جمَاعَة فِي ملك(1/37)
برضى شَرِيكه الْمَذْكُور ليسكنها على الحكم المشروح أَعْلَاهُ ثمَّ يُعِيدهَا لشَرِيكه ليسكنها الْمدَّة الَّتِي تلِي مدَّته بِحكم التداول الْمُتَّفق عَلَيْهِ المشروح
ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا أقرّ وَارِث بِقَبض مَا خصّه من مِيرَاث مُوَرِثه وَأَبْرَأ بعده
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان أَمِين الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أَو الْمُتَكَلّم الشَّرْعِيّ على تَرِكَة فلَان مورث الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أَو مَنْصُوب الشَّرْع الشريف أَو الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على تَرِكَة فلَان وعَلى بَنَاته لصلبه فُلَانَة وفلانة وفلانة القاصرات عَن دَرَجَة الْبلُوغ اللَّاتِي هن تَحت نظره بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من والدهن الَّتِي جعل لَهُ فِيهَا الحوطة على تركته والبداءة مِنْهَا بمؤنة تَجْهِيزه وتكفينه ووفاء دُيُونه وَقسم مَا فضل بَين ورثته الْمُسْتَحقّين لميراثه شرعا
فَمن كَانَ مِنْهُم بَالغا راشدا سلم إِلَيْهِ مَاله وَأشْهد عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ وَمن كَانَ صَغِيرا حفظ مَاله تَحت يَده إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشروح فِي كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر لشهوده المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ المؤرخ بِكَذَا من الدَّرَاهِم أَو من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا درهما أَو دِينَارا
وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي جَرّه إِلَيْهِ الْإِرْث الشَّرْعِيّ من مُوَرِثه الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِحَق الثُّلُث من جَمِيع مَا تَركه مُوَرِثه الْمَذْكُور من دَرَاهِم وَذهب وَثمن قماش ونحاس وأثاث وحيوان وصامت وناطق وَغير ذَلِك مَا عدا الْعقار الْفُلَانِيّ الْكَائِن بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصف ويحدد المخلف عَن الْمُورث الْمَذْكُور
فَإِن نصِيبه فِيهِ بَاقٍ إِلَى الْآن قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا بِحَضْرَة شُهُوده ومعاينتهم لذَلِك وَذَلِكَ بعد أَن أحضر الْوَصِيّ الْمَذْكُور أوراق الحوطة الشَّرْعِيَّة المتضمنة عرض مَا هُوَ مخلف عَن الْمُورث الْمَذْكُور المشمولة بخطوط الْعُدُول المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بعد أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ انحصار إِرْث الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور فِي بَنَاته الثَّلَاث وَابْن أَخِيه الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَأَن الْبَنَات الْمَذْكُورَات صغيرات داخلات تَحت حجر الشَّرْع الشريف وَأَن ابْن الْأَخ الْمَذْكُور غَائِب حَال وَفَاة مُوَرِثه الْمَذْكُور عَن الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة الْمُوجبَة للحوطة من قبل الْحَاكِم شرعا وَبعد إِحْضَار أوراق الْمَبِيع بالأسواق مشمولة بخطوط الْعُدُول الْمشَار إِلَيْهِم وتنزيل أصل الحوطة على الْمَبِيع ومقابلته بِهِ
فصح وَوَافَقَ وَلم يبْق مَا هُوَ خَارج عَن الْمَبِيع سوى الْعقار فَإِنَّهُ لم يبع مِنْهُ شَيْء
وَحسب نصيب الْمقر الْقَابِض فَكَانَ الْقدر الْمَقْبُوض أَعْلَاهُ بعد المصروف الْمعِين فِي أوراق الْمَبِيع الْمَعْلُوم عِنْد الْعُدُول الَّذِي صدق الْقَابِض على صِحَّته وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ وَأقر الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أَنه لَا يسْتَحق وَلَا يسْتَوْجب فِي التَّرِكَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وَلَا على الْوَصِيّ الدَّافِع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَلَا فِي جِهَته وَلَا تَحت يَده بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا فضَّة وَلَا(1/38)
الْمدَّة الَّتِي تلِي مدَّته بِحكم التداوالمتفق عَلَيْهِ المشروح ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا مَا إِذا أقرّ وَارِث بِقَبض مَا خصّه من الْمِيرَاث مُوَرِثه وَأَبْرَأ بعده
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان أَنهم تهايؤوا فِي جَمِيع الْأَمْلَاك الَّتِي بِأَيْدِيهِم وحيازتهم وَتَحْت تصرفهم إِلَى حِين هَذِه الْمُهَايَأَة ومنتقلة إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدهم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الَّتِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أَو الْأَمْكِنَة الَّتِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصف كل مَكَان مِنْهَا ويحدد ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُدُود ذَلِك كُله وحقوقه إِلَى آخِره مُهَايَأَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
مَاضِيَة مُعْتَبرَة مرضية
جرت بَينهم عَن ترَاض مِنْهُم مَعَ بَقَاء رَقَبَة الْملك فِي ذَلِك بَينهم على حكم الإشاعة فَأصَاب الأول مِنْهُم: الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا
وَأصَاب الثَّانِي: الْمَكَان الْفُلَانِيّ
وَأصَاب الثَّالِث: الْمَكَان الْفُلَانِيّ
وَوَجَب لكل مِنْهُم الِانْتِفَاع بِمَا أَصَابَهُ من هَذِه الْأَمَاكِن الْمَذْكُورَة بالسكن والإسكان والارتفاق بِهِ بِالْمَعْرُوفِ وتصادقوا على أَن قيمَة كل مَكَان من الْأَمْكِنَة المحدودة الموصوفة بأعاليه وَأُجْرَة الْمثل لكل وَاحِد مِنْهَا: مقاربة للقيمة وَالْأُجْرَة من كل مَكَان من البَاقِينَ
وَأَنه لَيْسَ بَين قيمَة كل مَكَان مِنْهَا وَلَا فِي أُجْرَة الْمثل عَنْهَا تفَاوت كَبِير وَأَنَّهُمْ لَا غبن عَلَيْهِم فِي ذَلِك وَلَا شطط وَلَا حيف وَلَا فرط
وَأَن مَا أصَاب كل وَاحِد مِنْهُم بِحَق هَذِه الْمُهَايَأَة ومقتضاها الْجَارِي حكمه بَينهم على الحكم المشروح أَعْلَاهُ يُقَارب الْوَفَاء بِنَصِيبِهِ والإكمال لحقه الْوَاجِب لَهُ شرعا
ويكمل ويؤرخ
صُورَة أُخْرَى فِي الْمُهَايَأَة بَين شَرِيكَيْنِ: أقرّ فلَان وَفُلَان: أَن لَهما وَفِي أَيْدِيهِمَا وملكهما وتصرفهما جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وتوصف وتحدد فَمن ذَلِك: مَا هُوَ ملك فلَان المبدأ بِذكرِهِ كَذَا وَكَذَا سَهْما شَائِعا فِيهَا وَمَا هُوَ ملك فلَان الْمثنى بِذكرِهِ كَذَا وَكَذَا سَهْما شَائِعا فِيهَا وَأَن كلا مِنْهُمَا وَاضع يَده على حِصَّته الْمعينَة لَهُ فِيهِ يتَصَرَّف فِيهَا تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم من غير ممانع وَلَا معَارض وَلَا مُنَازع وأنهما عارفان بهَا الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
وَلما كَانَ فِي يَوْم تَارِيخه اتفقَا وتراضيا على الْمُهَايَأَة بَينهمَا فِي مَنْفَعَة الدَّار الْمَذْكُورَة على قدر حِصَّة كل مِنْهُمَا وَأَن كلا مِنْهُمَا اخْتَار السكن فِي هَذِه الدَّار سفلا وعلوا مُدَّة شَهْرَيْن كَامِلين
أَولهمَا يَوْم تَارِيخه بِحِصَّتِهِ
وَهِي الثُّلُثَانِ وعَلى أَن فلَانا الْمثنى بِذكرِهِ يسكن بعده فِيهَا شهرا وَاحِدًا يَلِي الشَّهْرَيْنِ الْمَذْكُورين بِحِصَّتِهِ وَهِي الثُّلُث شَائِعا مِنْهَا
وأنهما يتداولان ذَلِك كَذَلِك بالسكن شَهْرَيْن ثمَّ شهرا ابْتِدَاء ذَلِك يَوْم تَارِيخه مُهَايَأَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة نَافِذَة تواجباها بِإِيجَاب وَقبُول بِاتِّفَاق وتراض واعترفا بِمَعْرِِفَة مَعْنَاهَا
وَأقر فلَان المبدأ بِذكرِهِ أَنه تسلم الدَّار الْمَذْكُورَة(1/39)
ذَهَبا وَلَا قماشا وَلَا نُحَاسا وَلَا أثاثا وَلَا وَدِيعَة وَلَا عَارِية وَلَا قبضا وَلَا رُجُوعا بمقبوض وَلَا مصاغا وَلَا حَيَوَانا صامتا وَلَا ناطقا وَلَا إِرْثا وَلَا موروثا وَلَا مصروفا وَلَا بَقِيَّة مِنْهُ وَلَا نَصِيبا وَلَا شِقْصا وَلَا اختصاصا وَلَا شركَة وَلَا مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونا وَلَا معدودا وَلَا مذروعا وَلَا محاكمة وَلَا مخاصمة وَلَا مُنَازعَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا مَالا فِي الذِّمَّة وَلَا شَيْئا فِي الْيَد وَلَا قَلِيلا وَلَا كثيرا وَلَا جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا وَلَا مَا تصح بِهِ الدَّعْوَى شرعا وَلَا يَمِينا بِاللَّه تَعَالَى على ذَلِك وَلَا على شَيْء مِنْهُ وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه سوى مَا يسْتَحقّهُ من حِصَّته فِي الْعقار المخلف عَن مُوَرِثه الْمَذْكُور والمستثنى أَعْلَاهُ بالفريضة الشَّرْعِيَّة بِغَيْر زَائِد على ذَلِك
وَصدقه الْوَصِيّ الدَّافِع الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ الْإِقْرَار من الْوَرَثَة وَأَنَّهُمْ وقفُوا على تَرِكَة مُورثهم واقتسموها بنيهم
وَوصل إِلَى كل مِنْهُم مَا خصّه مِنْهَا بالفريضة الشَّرْعِيَّة
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان وَفُلَان وفلانة وَيذكر الْوَرَثَة كلهم ذُكُورا وإناثا ثمَّ يَقُول: وهم وَرَثَة فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه المستحقون لميراثه المستوعبون لجميعه: أَن مُورثهم الْمَذْكُور لما درج بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله وضربوا الحوطة على تركته وجمعوها وحصروها وحرروا مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من نقد وَعرض وقماش وأثاث وحيوان ودقيق وصامت وناطق ومكيل وموزون ومذروع ومعدود وعقار وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُتَمَوّل شرعا
وَوَضَعُوا أَيْديهم على مَا وجدوا من نقد وَبَاعُوا بَاقِي التَّرِكَة بِأَنْفسِهِم ووكلائهم وجمعوا الْأَثْمَان كلهَا صرفُوا مِنْهَا مَا يجب صرفه من كلفة تجهيز مُورثهم ووفوا دُيُونه ونفذوا وَصَايَاهُ الَّتِي وصّى بصرفها الْمعِين وَغير معِين وَمَا جرت الْعَادة بِهِ من كلفة الْمَبِيع فِي الْأَسْوَاق من أُجْرَة دلالين وعدول وَغير ذَلِك من المصاريف الشَّرْعِيَّة والعادية والعرفية وأضافوا مَا بَقِي من أَثمَان المبيعات إِلَى الْعين الْحَاصِلَة تَحت أَيْديهم
فَجَاءَت جملَة ذَلِك جَمِيعه كَذَا وَكَذَا
واقتسموا ذَلِك بَينهم بالفريضة الشَّرْعِيَّة على مَا صحت مِنْهُ مسألتهم وَكَانَ مَا خص فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بِحَق الثّمن كَذَا وَكَذَا
وَمَا خص الْأُم بِحَق السُّدس كَذَا وَكَذَا وَمَا خص أَوْلَاده الذُّكُور بِالسَّوِيَّةِ بَينهم كَذَا وَكَذَا وَمَا خص بَنَاته الْمَذْكُورَات كَذَا وَكَذَا
وانفصل الْحَال بَينهم على ذَلِك
واعترف كل مِنْهُم بِصِحَّة هَذِه الْقِسْمَة وجريانها بَينهم على نهج السداد والاستقامة من غير حيف وَلَا شطط وَلَا ضَرَر وَلَا إِضْرَار بِأحد مِنْهُم
وَأَن الَّذِي صَار إِلَيْهِ وَقَبضه هُوَ جَمِيع حَقه من التَّرِكَة الْمَذْكُورَة
وَأَن كلا مِنْهُم لم يتَأَخَّر لَهُ فِي يَد أحد من مشاركيه من(1/40)
الْوَرَثَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ من نصِيبه الْمُخْتَص بِهِ الدِّرْهَم الْفَرد وَلَا أقل من ذَلِك وَلَا أَكثر وَأقر كل مِنْهُم أَنه لَا يسْتَحق على الآخر بِسَبَب هَذِه التَّرِكَة وَلَا على أحد من الوكلاء الَّذين تصرفوا عَمَّن وَكلهمْ من الْوَرَثَة فِي بيع شَيْء من ذَلِك أَو قَبضه أَو صرفه حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويكمل الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق
وَيسْتَعْمل من أَلْفَاظه الْمَذْكُورَة فِي الصُّورَة الَّتِي قبل هَذِه مَا يَلِيق بالواقعة ثمَّ يَقُول: وَأَبْرَأ كل مِنْهُم ذمَّة الآخر من سَائِر العلق والتبعات والدعاوى والمطالبات والمحاكمات على اخْتِلَاف الْحَالَات والأيمان الْوَاجِبَات إِبْرَاء صَحِيحا شَرْعِيًّا عَاما شَامِلًا جَامعا مَانِعا حاسما قَاطعا مسْقطًا لكل حق وتبعة وَدَعوى وَيَمِين تتقدم على تَارِيخه وَإِلَى تَارِيخه قبل كل مِنْهُم ذَلِك من الآخر قبولا شَرْعِيًّا
وتصادقوا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا ويكمل ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا قبض وَرَثَة مقتول دِيَة مُورثهم من قَاتله وأبرؤوه بَرَاءَة شَامِلَة
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان وَفُلَان ولدا فلَان وفلانة زَوجته: أَنهم قبضوا وتسلموا من فلَان من الْفضة عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة: مَا هُوَ للزَّوْجَة الْمَذْكُورَة كَذَا وَكَذَا وَمَا هُوَ لكل ابْن كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِم وبيدهم وحوزهم وَذَلِكَ دِيَة مُورثهم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ الَّذِي اعْترف الدَّافِع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بقتْله عمدا
فَعَفَا الْوَرَثَة المذكورون أَعْلَاهُ عَن الْقصاص وَعدلُوا إِلَى الدِّيَة وَرَضوا بهَا دَرَاهِم حَيْثُ تعذر حُصُول مائَة من الْإِبِل وأقروا أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ قبل الدَّافِع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بعد ذَلِك حَقًا كثيرا وَلَا قَلِيلا
وَلَا دِيَة عمد وَلَا خطأ وَلَا شبه عمد وَلَا شبه خطأ وَلَا قصاصا وَلَا محاكمة وَلَا مخاصمة وَلَا مُنَازعَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا قودا وَلَا مَا تصح بِهِ الدَّعْوَى شرعا وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه وأبرؤوا ذمَّته من سَائِر العلق والتبعات
ويكمل على نَحْو مَا سبق فِي الصُّورَة الَّتِي قبل هَذِه
ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا صَالح الْعَاقِلَة ولي الْمَقْتُول عَمَّا وَجب عَلَيْهِ من دِيَة قتل الْخَطَأ مقسطا بِمَال معجل وَوَقع إِبْرَاء
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان وَفُلَان ولدا المرحوم فلَان أَنَّهُمَا قبضا وتسلما من عَاقِلَة قَاتل أَبِيهِمَا الْمَذْكُور فلَان وهم فلَان وَفُلَان إِلَى آخِرهم كَذَا وَكَذَا
وَهَذِه الْجُمْلَة دَفعهَا الْعَاقِلَة المذكورون إِلَى القابضين الْمَذْكُورين مصالحة عَن دِيَة والدهما الْمَذْكُور الَّتِي أوجبهَا الشَّرْع الشريف على عَاقِلَة قَاتل والدهما مقسطا عَلَيْهِم قبضا تَاما وافيا وأبرآ ذمَّة الْعَاقِلَة الدافعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ من بَاقِي الدِّيَة وَهُوَ كَذَا وَكَذَا بَرَاءَة(1/41)
شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط قبلوا ذَلِك مِنْهُمَا قبولا شَرْعِيًّا
وأقرا أَنَّهُمَا لَا يستحقان قبل الْعَاقِلَة الدافعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا دِيَة وَلَا بَاقِي دِيَة وأنهما لَا يستحقان على الْقَاتِل الْمَذْكُور حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا محاكمة وَلَا مخاصمة وَلَا مُنَازعَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا مُطَالبَة بقتل عمد وَلَا خطأ وَلَا قصاصا وَلَا مَا تصح بِهِ الدَّعْوَى شرعا
وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ وأبرآ ذمَّته وَذمَّة عَاقِلَته من سَائِر العلق والتبعات ويكمل على نَحْو مَا سبق
ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ جمَاعَة قتلوا وَاحِدًا فَاخْتَارَ الْوَلِيّ قتل وَاحِد مِنْهُم أَو اثْنَيْنِ
وَأخذ من البَاقِينَ حصتهم فِي الدِّيَة بِشَرْط أَن الدِّيَة توزع على الْجَمِيع
فَمَا خرج على الْمَقْتُول قصاصا سقط من الدِّيَة بنظيره وَأخذ الْبَاقِي من المعفو عَنْهُم فَإِذا كَانَ القاتلون خَمْسَة مثلا فاقتص من اثْنَيْنِ وَأخذ الدِّيَة من ثَلَاثَة فَالْوَاجِب على الثَّلَاثَة ثَلَاثَة أَخْمَاس الدِّيَة وَأحسن مَا يَقع الْإِشْهَاد بذلك فِي مجْلِس حَاكم شَرْعِي
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: بعد أَن ثَبت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَن فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا قتلوا فلَانا قتلا عمدا مَحْضا بمحدد باعترافهم أَو بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة بعد وجود الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِي قتل الْعمد شرعا وَأَن فلَانا الْمُدَّعِي عَلَيْهِم بذلك ولد الْمَقْتُول لصلبه وَأَن إِرْثه انحصر فِيهِ من غير شريك لَهُ فِي ذَلِك الثُّبُوت الشَّرْعِيّ اخْتَار الْوَارِث الْمَذْكُور قتل اثْنَيْنِ مِنْهُم وهما: فلَان وَفُلَان
وَعدل عَن الْقصاص من البَاقِينَ إِلَى مَا وَجب عَلَيْهِم من الدِّيَة وَهُوَ ثَلَاثَة أخماسها فدفعوا إِلَيْهِ مَا وَجب عَلَيْهِم مِنْهَا
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فَقَبضهُ مِنْهُم قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وَأقر أَنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِم بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا مُطَالبَة بقصاص وَلَا دِيَة
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانُوا ثَلَاثَة قتلوا وَاحِدًا وَثَبت أَن اثْنَيْنِ قتلا عمدا
وَالثَّالِث: قتل خطأ
فَسقط الْقصاص بذلك وَوَجَبَت دِيَة الْخَطَأ
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان وَمن الْأَخَوَيْنِ الشقيقين فلَان وَفُلَان وَلَدي فلَان كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ دِيَة وَالِده الْمَذْكُور الَّذِي ثَبت أَن الدَّافِع الأول قصد رمي طير بِسَهْم فَوَقع السهْم فِي وَالِد الْقَابِض الْمَذْكُور وَأَنه لم يقْصد الرَّمْي إِلَيْهِ وَلَا تَعَمّده وَلَا اعْتدى عَلَيْهِ وَأَن الدَّافِع الثَّانِي والدافع الثَّالِث تعمداه ورمياه بسهميهما عمدا فأزهقا روحه ظلما وعدوانا
وبمقتضى ذَلِك سقط الْقصاص وَوَجَبَت دِيَة الْخَطَأ على القاتلين الْمَذْكُورين فدفعوها إِلَى ولي الْمَقْتُول فقبضها مِنْهُم قبضا شَرْعِيًّا(1/42)
وَأقر أَنه لَا يسْتَحق بعد ذَلِك على الدافعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا شَارك رجل رجلا فِي قتل وَلَده
فَوَجَبَ الْقصاص على شريك الْأَب
فَعَفَا الْأَب وَالأُم عَن الشَّرِيك الْقَاتِل
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: بعد أَن تصادق فلَان وَفُلَان على أَنَّهُمَا اشْتَركَا فِي قتل فلَان ولد الْمُصدق الأول لصلبه
وأنهما ضرباه بسيفهما أَو بمحددهما عمدا عُدْوانًا فأزهقا روحه
وَمَات من ذَلِك
فَوَجَبَ الْقصاص على شريك الْأَب وَسقط عَن الْوَالِد لكَونه سَببا لوُجُوده فَلَا يكون هُوَ سَببا لإعدام وَالِده وَعَفا وَالِد الْمَقْتُول عَن الشَّرِيك الْمَذْكُور وَحَضَرت فُلَانَة وَالِدَة الْمَقْتُول الْمَذْكُور وأسقطت حَقّهَا من الْقصاص عَن الشَّرِيك الْمَذْكُور وعفت عَنهُ وَرجعت إِلَى مَا يَخُصهَا من الدِّيَة وَهُوَ الثُّلُث
فَدفع إِلَيْهَا الشَّرِيك الْمَذْكُور مَا يَخُصهَا من الدِّيَة وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فقبضته مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وأقرت أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بقصاص وَلَا دِيَة بِسَبَب وَلَدهَا الْمَذْكُور
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويؤرخ
وَمِنْهَا: حر وَعبد اشْتَركَا فِي قتل عبد أَو حر وذمي اشْتَركَا فِي قتل ذمِّي أَو حَرْبِيّ وَغير حَرْبِيّ اشْتَركَا فِي قتل مُسلم
فَفِي الصُّورَة الأولى: يسْقط الْقصاص عَن الْحر وَيجب على العَبْد وَيَأْخُذ سيد العَبْد من الْحر نصف قيمَة عَبده
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم فلَان وَهُوَ دَافع عَن نَفسه وَمن فلَان وَهُوَ دَافع من مَاله مصالحة عَن عَبده الْقِنّ فلَان كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ قيمَة العَبْد الْقَتِيل الَّتِي لَا حيف فِيهَا وَلَا شطط قبضا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ: بعد أَن اعْترف الدَّافِع الأول وَعبد الدَّافِع الثَّانِي بقتل الْقَتِيل الْمَذْكُور وإزهاق نَفسه وَأَنه تعين وَوَجَب بِالشَّرْعِ الشريف الرُّجُوع على الأول بِنصْف الْقيمَة وَالْقصاص على عبد الدَّافِع الثَّانِي وَعَفا الْمقر الْقَابِض عَن الْقصاص إِلَى أَخذ الْقيمَة وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ وَأقر الْقَابِض الْمَذْكُور أَنه لَا يسْتَحق على الدَّافِع الأول وعَلى عبد الدَّافِع الثَّانِي حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره
ويؤرخ
وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة: يسْقط الْقصاص عَن الْحر وَيرجع ولي الذِّمِّيّ إِلَى نصف دِيَة قتيله من ذَلِك الْحر وَيقبض من الذِّمِّيّ أَو يعْفُو عَن الْقصاص إِلَى نصف الدِّيَة
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: الصُّورَة بِحَالِهَا كَمَا تقدم فِي الَّتِي قبلهَا وَإِنَّمَا يكون الْكَلَام فِي مَوضِع الْقيمَة فِي العَبْد: ذكر الدِّيَة فِي الذِّمِّيّ وَأَخذهَا من قَاتله الْحر
وَذكر(1/43)
الْقصاص من الذِّمِّيّ الْقَاتِل أَو الْعَفو عَنهُ وَالرُّجُوع إِلَى مَا يجب عَلَيْهِ من الدِّيَة ثمَّ الْإِقْرَار من ولي الذِّمِّيّ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق
كَمَا تقدم
وَفِي الثَّالِثَة: الصُّورَة أَيْضا بِحَالِهَا وَيكون الْكَلَام فِيمَا يتَعَلَّق بالحربي وَغير الْحَرْبِيّ
إِذا قتلا مُسلما
وَالله أعلم
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب كثير فِيمَا يتَعَلَّق بشجاج الرَّأْس وَالْوَجْه والجراح فِي الْبدن
وسنذكره فِي مَحَله من كتاب الْجراح وَكتاب الدِّيات
وَإِنَّمَا قدمنَا ذكر هَذِه الصُّورَة فِي هَذَا الْبَاب لتعلقها بِالْإِقْرَارِ فِي الْقَبْض وَالْإِبْرَاء
وَمِنْهَا: مَا إِذا قبض صَاحب الدّين دينه من الْمقر أَو أَبرَأَهُ من الْبَعْض وَقبض الْبَعْض وخصم مسطور الدّين
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان الْمقر لَهُ الْمَذْكُور بَاطِنه: أَنه قبض وتسلم من فلَان الْمقر الْمَذْكُور بَاطِنه جَمِيع مبلغ الدّين الْمعِين بَاطِنه
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَمن جملَة مبلغ الدّين الْمعِين بَاطِنه كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وأبرأه من مبلغ كَذَا وَكَذَا بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا لتتمة الْمَقْبُوض والمبرأ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي كَانَ للقابض الْمَذْكُور فِي ذمَّة المقبض الْمَذْكُور بِمُقْتَضى هَذَا المسطور أَو بِمُقْتَضى مساطير شَرْعِيَّة مكتتبة من قبل تَارِيخه أحضرت لشهوده وَقطعت فِي يَوْم تَارِيخه
وَأَن ذَلِك آخر مَا يسْتَحقّهُ الْقَابِض الْمَذْكُور فِي ذمَّة الْقَبْض الْمَذْكُور مِمَّا كَانَ لَهُ فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ بِمُقْتَضى مسطور أَو مساطير مُتَقَدّمَة التَّارِيخ على تَارِيخه بعد كل حِسَاب وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق من الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق وَيخْتم بتصادقهما على ذَلِك كُله التصادق الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا انْفَصل الشريكان فِيمَا كَانَ بَينهمَا من الشّركَة وتفاسخاها وتسلم كل مِنْهُمَا حَقه وتبارءا من الطَّرفَيْنِ
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان وَفُلَان أَنَّهُمَا تفاسخا عقد الشّركَة الَّتِي كَانَت بَينهمَا فِي مَال التِّجَارَة الْمُخْتَلفَة الْأَصْنَاف من الذَّهَب والجواهر واللالىء وَالْعرُوض والبضائع على اخْتِلَاف الصِّفَات وتحاسبا على ذَلِك كُله وضبطاه واقتسماه قسْمَة عدل بَينهمَا على قدر الْمَالَيْنِ وَصَارَ إِلَى كل مِنْهُمَا حَقه من ذَلِك بِتَمَامِهِ وكماله
وانفصلا فِي ذَلِك على الِاتِّفَاق والتراضي انفصالا شَرْعِيًّا وَأقر كل مِنْهُمَا: أَنه لَا يسْتَحق على الآخر(1/44)
بعد ذَلِك بِسَبَب الشّركَة الْمَذْكُورَة وَلَا بِسَبَب غير ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا مَالا من عين وَلَا دين وَلَا بَقِيَّة من دين وَلَا حجَّة بدين وَلَا شركَة وَلَا بَاقِي شركَة وَلَا وَدِيعَة وَلَا عَارِية وَلَا أَمَانَة وَلَا غصبا وَلَا خِيَانَة وَلَا حليا وَلَا زركشا وَلَا لؤلؤا وَلَا قيمَة عَن ذَلِك وَلَا مُتَقَوّما وَلَا مثلِيا وَلَا قماشا وَلَا نُحَاسا وَلَا أثاثا وَلَا مكيولا وَلَا مَوْزُونا وَلَا معدودا وَلَا مذروعا وَلَا مَنْقُولًا وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا رَقِيقا وَلَا حَيَوَانا وَلَا صامتا وَلَا ناطقا وَلَا محاسبة وَلَا غَلطا فِيهَا وَلَا مَالا فِي الذِّمَّة وَلَا شَيْئا فِي الْيَد وَلَا مَا يتمول شرعا وَلَا شَيْئا من الْأَشْيَاء كلهَا قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وتباين أجناسها وَلَا يَمِينا بِاللَّه تَعَالَى على ذَلِك
وَلَا على شَيْء مِنْهُ وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا ويذيل بِالْبَرَاءَةِ من الْجَانِبَيْنِ على نَحْو مَا تقدم شَرحه ويؤرخ
وَمِنْهَا: مَا إِذا قبضت الزَّوْجَة من مَال تَرِكَة زَوجهَا مبلغ صَدَاقهَا وَمَا خصها من الْإِرْث وَالْإِبْرَاء مِمَّا عدا ذَلِك
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرَّت فُلَانَة وَهِي الَّتِي كَانَت زوجا لفُلَان وَتُوفِّي عَنْهَا إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من قبل تَارِيخه أَنَّهَا قبضت وتسلمت من مَال تَرِكَة زَوجهَا فلَان على يَد وَلَده فلَان أَو وَصِيّه الشَّرْعِيّ فلَان أَو مَنْصُوب الشَّرْع الشريف فلَان كَذَا وَكَذَا
فَمن ذَلِك: مَا هُوَ نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الشَّاهِد بَينهمَا بِأَحْكَام الزَّوْجِيَّة إِلَى حِين الْوَفَاة الْمحْضر لشهوده والمؤرخ بَاطِنه بِكَذَا الثَّابِت مضمونه
وحلفها على اسْتِحْقَاق ذَلِك فِي ذمَّة زَوجهَا الْمَذْكُور إِلَى حِين وَفَاته وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك ولشيء مِنْهُ وإعذار من لَهُ الْإِعْذَار فِي ذَلِك بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ: مبلغ كَذَا وَكَذَا وَمَا هُوَ جملَة مَا خصها من تَرِكَة زَوجهَا الْمَذْكُور بعد وَفَاء دُيُونه الْمُسْتَحقَّة عَلَيْهِ شرعا بِحَق الثّمن بِقِيمَة ذَلِك
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا وَلم يتَأَخَّر لَهَا بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وأقرت أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ على زَوجهَا الْمَذْكُور وَلَا فِي ذمَّته وَلَا فِي تركته وَلَا على ورثته وَلَا على الْوَصِيّ الدَّافِع الْمَذْكُور بِسَبَب التَّرِكَة الْمَذْكُورَة حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا صَدَاقا وَلَا بَقِيَّة من صدَاق وَلَا كسْوَة وَلَا نَفَقَة وَلَا وَاجِبا وَلَا قيَاما بِوَاجِب وَلَا دينا وَلَا عينا وَلَا إِرْثا وَلَا موروثا وَلَا مَا يتمول شرعا وَلَا يَمِينا بِاللَّه تَعَالَى على ذَلِك وَلَا على شَيْء مِنْهُ
وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه وصدقها الدَّافِع الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا ويؤرخ(1/45)
وَمِنْهَا: مَا إِذا كَانَ الْقَبْض بِسَبَب حمولة غلال أَو غَيره من مَكَان إِلَى مَكَان
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان كَذَا وَكَذَا وَذَلِكَ زبون مَا سيحمله لَهُ على ظهر مركبه المورقي الْكَامِل الْعدة والآلة وَالرِّجَال وَغير ذَلِك من الغلال أَو القماش أَو الْعَسَل أَو الْحَطب أَو غير ذَلِك من البضائع من نَاحيَة كَذَا إِلَى نَاحيَة كَذَا على ظهر الْبَحْر العذب أَو الْملح كَذَا وَكَذَا أردبا أَو قِنْطَارًا حسابا عَن كل مائَة أردب بِالْكَيْلِ الْفُلَانِيّ أَو مائَة قِنْطَار بالقنطار الْفُلَانِيّ كَذَا وَكَذَا
وَعَلِيهِ الشُّرُوع فِي ذَلِك من اسْتِقْبَال الْيَوْم الْفُلَانِيّ بِنَفسِهِ وَرِجَاله وَالْخُرُوج مِمَّا سيصير إِلَيْهِ من ذَلِك من غير عجز وَلَا نقص وَلَا قفافة وَلَا كيالة مَعَ سَلامَة الله تَعَالَى وعونه
وَله الْمُؤْنَة على جاري الْعَادة إِن اتفقَا عَلَيْهَا وتعاقدا على ذَلِك تعاقدا شَرْعِيًّا واعترف كل مِنْهُمَا بِمَعْرِِفَة مَا عقد عَلَيْهِ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا ويؤرخ
وَمِنْهَا: الْإِقْرَار بِالنّسَبِ وَهُوَ تَارَة يكون من زَوجته وَتارَة يكون من وَطْء شُبْهَة وَتارَة يكون قد نَشأ من استيلاد وَتارَة يكون قد نَشأ من وَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه
فَأَما الزَّوْجِيَّة فَيكْتب: أقرّ فلَان أَنه تزوج بفلانة تزويجا شَرْعِيًّا بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها من قبل تَارِيخه وَدخل بهَا وأصابها واستولدها على فرَاشه ولدا يُسمى فلَان وَأَن الْوَلَد الْمَذْكُور وَلَده لصلبه وَنسبه لَاحق بنسبه
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا
وَإِن كَانَ الْوَلَد مِمَّن تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ فَيكْتب: وَصدقه الْوَلَد الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ من وَطْء شُبْهَة فَيكْتب: أقرّ فلَان أَنه من قبل تَارِيخه: وجد امْرَأَة على فرَاش ظَنّهَا زَوجته فُلَانَة أَو مملوكته فُلَانَة وَأَنه وَطئهَا بِالظَّنِّ الْمَذْكُور
وَهِي مطاوعة لَهُ ظانة كظنه لما يجب فِي حَقّهَا وَأَنه أولدها من ذَلِك الْوَطْء ولدا يُسمى فلَان وَأَن نسبه لَاحق بنسبه
وَأَنه مُلْتَزم بِمَا يجب عَلَيْهِ لَهَا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَت الْمَوْطُوءَة أمة: فَيكْتب
وَأَنه مُلْتَزم بِمَا يجب عَلَيْهِ من قيمَة الْوَلَد إِن خرج حَيا ومهرها وَقِيمَة الْأمة إِن مَاتَت حَالَة الطلق وصدقته على ذَلِك إِن أمكن مِنْهَا التَّصْدِيق
وَصُورَة مَا يكْتب فِي الْأمة: يشْهد على الواطىء أَنه وطىء فُلَانَة أمة فلَان على الحكم المشروح فِيهِ وَأَنه أولدها ولدا يُسمى فلَان وَأَن قِيمَته كَذَا ومهرها كَذَا
وَإِن مَاتَت من الطلق فَيكْتب: وَأَن قيمتهَا كَذَا وَيشْهد على السَّيِّد أَنه قبض ذَلِك مِنْهُ(1/46)
بِمُقْتَضى أَنه وطىء جَارِيَته فُلَانَة وَطْء شُبْهَة
وانها مَاتَت من الطلق بِالْوَلَدِ الْمَذْكُور وَلزِمَ الواطىء الدَّافِع قيمتهَا
وَهُوَ الْقدر الْمَقْبُوض الْمعِين أَعْلَاهُ
تَصَادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِن كَانَ من استيلاد فَيكْتب: أقرّ فلَان أَنه ابْتَاعَ جَمِيع الْجَارِيَة وَيذكر جِنْسهَا المدعوة فُلَانَة من قبل تَارِيخه ابتياعا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِإِيجَاب وَقبُول وتسلم وَتَسْلِيم شرعيين وَأَنه جعلهَا فراشا لَهُ واستولدها على فرَاشه ولدا يُسمى فلَان وَأَن الْوَلَد الْمَذْكُور وَلَده لصلبه وَنسبه لَاحق بنسبه وَأَن فُلَانَة الْمَذْكُورَة صَارَت بِحكم هَذَا الِاسْتِيلَاد مُسْتَوْلدَة وَأم ولد تعْتق بِمَوْتِهِ وَأَن لَهُ وَطأهَا وإجارتها واستخدامها مَا دَامَت فِي حكم الِاسْتِيلَاد وَأُمَّهَات الْأَوْلَاد وصدقته على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِن كَانَ من وَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه: فَتَارَة يكون الابْن وَطئهَا قبل الْأَب أَو لم يكن وَطئهَا
فَإِن لم يكن وَطئهَا كتب: أقرّ فلَان أَنه وطىء فُلَانَة جَارِيَة وَلَده فلَان وَأَنه أولدها من ذَلِك الْوَطْء ولدا ذكرا يُسمى فلَان وَأَن الْوَلَد الْمَذْكُور حر نسيب وَأَن نسبه لَاحق بنسبه وَيثبت بذلك أُميَّة الْوَلَد
وَلَزِمَه الْمهْر وَقِيمَة الْأُم لوَلَده الْمَذْكُور وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا يلْزمه قيمَة الْوَلَد
وَذَلِكَ بِحُضُور وَلَده سيد الْأمة الْمَذْكُور واعترافه: أَنه لم يكن وطىء الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة إِلَى الْآن وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى وَطْء أَبِيه الْمَذْكُور واستيلاده إِيَّاهَا حرمت عَلَيْهِ أبدا
وَإِن كَانَ الابْن قد وَطئهَا فَيكْتب: واعترف الابْن الْمَذْكُور: أَنه وطىء الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة قبل وَالِده وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى ذَلِك حرمت عَلَيْهِ أبدا
وَأما الْبَرَاءَة الْمُجَرَّدَة عَن الْقَبْض: فَهِيَ مَأْخُوذَة من الْأَلْفَاظ المستعملة فِي الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق كَمَا تقدم
وَهِي إِمَّا أَن تصدر بِالْإِبْرَاءِ فألفاظها وطرقها مَعْلُومَة مشروحة هِيَ وألفاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق كَمَا سبق
والحاذق الفهيم من الموقعين يضيف إِلَى كل وَاقعَة من أَلْفَاظ المصطلح مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ ليَكُون ذَلِك أقوم وَأقوى فِي سد أَبْوَاب الذرائع الَّتِي تنشأ الْخُصُومَات بِسَبَبِهَا
فَإِن الْغَالِب فِيهَا وَفِيمَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْخلَل مِنْهَا إِنَّمَا يكون فِي الْغَالِب بِسَبَب إخلال الْكَاتِب فِيهَا بِمَا هُوَ من متعلقاتها ومقتضياتها لفظا أَو معنى
وَهَذَا بَاب وَاسع جدا لَا يسعنا فِيهِ إِلَّا الِاقْتِصَار على مَا ذَكرْنَاهُ وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم(1/47)
كتاب الْبيُوع
بَاب أَحْكَام البيع وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
البيع جَائِز
وَالْأَصْل فِي جَوَازه: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {تكتبوها وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم}
وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه}
والمداينة لَا تكون إِلَّا فِي بيع
وَقَوله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} قَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير: هَذِه الْآيَة فِي التِّجَارَة فِي مواسم الْحَج
وَأما السّنة: فَروِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اشْترى فرسا وَجَارِيَة) و (بَاعَ حلسا وَقَدحًا)
وروى قيس بن وَائِل الْجُهَنِيّ قَالَ: كُنَّا نسمى على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم السماسرة
فسمانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باسم أحسن مِنْهُ فَقَالَ: (يَا معاشر التُّجَّار إِن البيع يحضرهُ اللَّغْو وَالْحلف
فشوبوه بِشَيْء من الصَّدَقَة)
وَرُوِيَ عَن رَافع بن خديج قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله أَي الْكسْب أطيب قَالَ: (عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور) و (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجتاز فِي السُّوق بكرَة وَعَشِيَّة ينْهَى عَن الشَّيْء بعد الشَّيْء)
وَأما الْإِجْمَاع: فأجمعت الْأمة على جَوَازه
وروى أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ (كَانَ بزازا) وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو اتّجر أهل الْجنَّة لم يتجروا إِلَّا فِي الْبَز) وَقَالَ: (خير تجاراتكم الْبَز) وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يَبِيع الْحِنْطَة والأقط
وَكَانَ الْعَبَّاس بن عبد(1/48)
الْمطلب رَضِي الله عَنهُ عطارا
وَكَانَ أَبُو سُفْيَان يَبِيع الْأَدِيم وابتاعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بَرِيرَة بمشورة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْبيع فِي اللُّغَة: إِعْطَاء شَيْء وَأخذ شَيْء
وَفِي الشَّرْع: عبارَة عَن إِيجَاب وَقبُول
والبيوع على أَرْبَعَة أَقسَام
أَحدهَا: بيع صَحِيح قولا وَاحِدًا
وَالثَّانِي: بيع فَاسد قولا وَاحِدًا
وَالثَّالِث: بيع هَل هُوَ صَحِيح أم لَا على قَوْلَيْنِ
وَالرَّابِع: بيع مَكْرُوه
فَأَما البيع الصَّحِيح: فسبعة أَنْوَاع: بُيُوع الْأَعْيَان وبيوع الصِّفَات وَالصرْف والمرابحة وَشِرَاء مَا يُبَاع وَبيع الْخِيَار وَبيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ
وَأما البيع الْفَاسِد: فعشرون نوعا: بيع مَا لم يقبض وَبيع مَا لم يقدر على تَسْلِيمه وَبيع حَبل الحبلة وَبيع المضامين والملاقيح وَالْمُلَامَسَة والمنابذة والمحاقلة والمزابنة وَبيع مَا لم يملك والربا وَبيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَبيع المَاء مُفردا وَبيع الْحَصَاة وَبيع الثِّمَار قبل الإبار وَبيع وَشرط وَبيع الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَبيع عسب الْفَحْل وَبيع الْأَعْمَى وَبيع الْغرَر
وَأما البيع الَّذِي هُوَ على قَوْلَيْنِ: فاثنا عشر نوعا: بيع خِيَار الرُّؤْيَة وَبيع تَفْرِيق الصَّفْقَة وَبيع الْوَقْف وَبيع العَبْد الْمُسلم من الْكَافِر وَبيع الْعَرَايَا وَالْجمع بَين بيع وَعقد آخر وَالْبيع بِشَرْط الْبَرَاءَة وَالْبيع بِشَرْط الْعتْق وَالْبيع بِشَرْط الرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْوَلَاء وَشِرَاء الْأَعْمَى وَأَن يَبِيع عَبْدَيْنِ بِثمن وَاحِد على أَنه بِالْخِيَارِ فِي أَحدهمَا
وَأما البيع الْمَكْرُوه: فتسعة أَنْوَاع: بيع تلقي الركْبَان وَبيع النجش وَبيع الْمُسلم على بيع الْمُسلم وَبيع الْمُصراة وَبيع الْعِنَب مِمَّن يعصره خمرًا وَبيع السِّلَاح مِمَّن يقتل الْمُسلمين ظلما وَبيع الشباك مِمَّن يصيد فِي الْحرم وَبيع التَّدْلِيس وَبيع العربان
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب: اعْلَم أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على حل البيع وَتَحْرِيم الرِّبَا
وَاتفقَ الْأَئِمَّة على أَن البيع يَصح من كل بَالغ عَاقل مُخْتَار مُطلق التَّصَرُّف وعَلى أَنه لَا يَصح بيع الْمَجْنُون
وَاخْتلفُوا فِي بيع الصَّبِي
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إِذا كَانَ مُمَيّزا لَكِن أَبُو حنيفَة يشْتَرط فِي انْعِقَاده إِذْنا سَابِقًا من الْوَلِيّ إِذن إجَازَة لاحقة وَأحمد يشْتَرط فِي الِانْعِقَاد إِذن الْوَلِيّ
وَبيع الْمُكْره لَا يَصح عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح(1/49)
والمعاطاة لَا ينْعَقد بهَا البيع على الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك: ينْعَقد بهَا البيع
وَبيع المصادر صَحِيح عِنْد مَالك
وَاخْتَارَهُ ابْن الصّباغ وَالنَّوَوِيّ وَجَمَاعَة من الشَّافِعِيَّة وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأحمد مثله
والأشياء الحقيرة: هَل يشْتَرط فِيهَا الْإِيجَاب وَالْقَبُول كالخطيرة قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة: لَا يشْتَرط لَا فِي الحقيرة وَلَا فِي الخطيرة وَقَالَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: يشْتَرط فِي الخطيرة دون الحقيرة
وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ مَالك: لَا يشْتَرط مُطلقًا وكل مَا رَآهُ النَّاس بيعا فَهُوَ صَحِيح جَائِز
وَقدر الحقير برطل خبز
وَينْعَقد البيع بِلَفْظ الاستدعاء عِنْد الثَّلَاثَة كبعني فَيَقُول: بِعْتُك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْعَقد
فصل
: وَإِذا انْعَقَد البيع: ثَبت لكل من الْمُتَبَايعين خِيَار الْمجْلس مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يتخايرا عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يثبت خِيَار الْمجْلس
وَيجوز شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَلَا يجوز فَوق ذَلِك
وَقَالَ مَالك: يجوز على حسب مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة
وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف المبيعات
فالفاكهة الَّتِي لَا تبقى أَكثر من يَوْم لَا يجوز الْخِيَار فِيهَا أَكثر من يَوْم
والعزبة الَّتِي لَا يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام يجوز شَرط الْخِيَار فِيهَا أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام
وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: يثبت من الْخِيَار مَا يتفقان على شَرطه كالأجل
وَإِن شَرط الْخِيَار إِلَى اللَّيْل لم يدْخل اللَّيْل فِي الْخِيَار عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْخل فِيهِ
وَإِذا مَضَت مُدَّة الْخِيَار من غير اخْتِيَار فسخ وَلَا إجَازَة لزم البيع عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك: لَا يلْزم بِمُجَرَّد ذَلِك
وَإِذا بَاعه سلْعَة على أَنه إِن لم يقضه الثّمن فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا بيع بَينهمَا
فَذَاك شَرط فَاسد يفْسد البيع
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ البَائِع: بِعْتُك على أَنِّي إِذا رددت عَلَيْك الثّمن بعد ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا بيع بَيْننَا عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع صَحِيح وَيكون فِي القَوْل الأول إِثْبَات خِيَار المُشْتَرِي وَحده
وَيكون فِي القَوْل الثَّانِي: إِثْبَات خِيَار البَائِع وَحده
وَلَا يلْزم تَسْلِيم الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك: يلْزم
فصل
: وَمن ثَبت لَهُ الْخِيَار فسخ البيع بِحُضُور صَاحبه وَفِي غيبته عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ فسخ إِلَّا بِحُضُور صَاحبه(1/50)
وَإِذا اشْترط فِي البيع خِيَار مَجْهُول بَطل الشَّرْط وَالْبيع عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ مَالك: يجوز وَيضْرب لَهما خِيَار مثله فِي الْعَادة
وَظَاهر قَول أَحْمد صحتهما
وَقَالَ ابْن أبي ليلى بِصِحَّة البيع وَبطلَان الشَّرْط
وَإِذا مَاتَ من لَهُ الْخِيَار فِي الْمدَّة انْتقل إِلَى وَارثه عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط الْخِيَار بِمَوْتِهِ
وَفِي الْوَقْت ينْتَقل الْملك فِيهِ إِلَى المُشْتَرِي فِي مُدَّة الْخِيَار
وَللشَّافِعِيّ أَقْوَال
أَحدهَا: بِنَفس العقد وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّانِي: بِسُقُوط الخي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَالثَّالِث وَهُوَ الرَّاجِح أَنه مَوْقُوف إِن أَمْضَاهُ ثَبت انْتِقَاله بِنَفس العقد وَإِلَّا فَلَا
وَلَو كَانَ الْمَبِيع جَارِيَة لم يحل للْمُشْتَرِي وَطئهَا فِي مُدَّة الْخِيَار على الْأَقْوَال كلهَا وَيحل للْبَائِع وَطْؤُهَا على الْأَقْوَال كلهَا عِنْد الثَّلَاثَة وَيَنْقَطِع بِهِ الْخِيَار
وَقَالَ أَحْمد: لَا يحل وَطْؤُهَا لَا للْمُشْتَرِي وَلَا للْبَائِع
فصل: بيع الْعين الطاهرة صَحِيح بِالْإِجْمَاع
وَأما بيع الْعين النَّجِسَة فِي نَفسهَا كَالْكَلْبِ وَالْخمر والسرجين فَهَل يَصح أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح بيع الْكَلْب والسرجين وَأَن يُوكل الْمُسلم ذِمِّيا فِي بيع الْخمر وابتياعها
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي بيع الْكَلْب فَمنهمْ من أجَازه مُطلقًا وَمِنْهُم من كرهه وَمِنْهُم من خص الْجَوَاز بالمأذون فِي إِمْسَاكه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز بيع شَيْء من ذَلِك أصلا وَلَا قيمَة الْكَلْب إِن قتل أَو أتلف
والدهن إِذا تنجس: هَل يطهر بِغسْلِهِ الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه لَا يطهر فَلَا يجوز بَيْعه عِنْده وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع الدّهن النَّجس بِكُل حَال
وَلَا يجوز بيع أم الْوَلَد بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ دَاوُد بِجَوَاز ذَلِك
وَحكي عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَبيع الْمُدبر جَائِز عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا
وَلَا يجوز بيع الْوَقْف عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بَيْعه مَا لم يتَّصل بِهِ حكم حَاكم أَو يُخرجهُ الْوَاقِف مخرج الْوَصَايَا
وَالْعَبْد الْمُشرك يجوز بَيْعه من الْمُشرك صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ صَغِيرا لَا يجوز بَيْعه من مُشْرك
وَلبن الْمَرْأَة طَاهِر بالِاتِّفَاقِ
وَيجوز بَيْعه عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز بَيْعه(1/51)
وَبيع دور مَكَّة صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يَصح وَيكرهُ إِجَارَتهَا عِنْدهمَا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أصَحهمَا عدم الصِّحَّة فِي البيع وَالْإِجَارَة وَإِن فتحت صلحا
وَبيع دود القز صَحِيح عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح
وَلَا يَصح بيع مَا لَا يملكهُ بِغَيْر إِذن مَالِكه على الْجَدِيد الرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي
وعَلى الْقَدِيم مَوْقُوف
فَإِن أجَازه مَالِكه نفذ وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح البيع وَيُوقف على إجَازَة مَالِكه وَالشِّرَاء لَا يُوقف على الْإِجَازَة
وَقَالَ مَالك: يُوقف الْجَمِيع على الْإِجَازَة
وَقَالَ أَحْمد: فِي الْجَمِيع رِوَايَتَانِ
وَلَا يَصح بيع مَا لم يسْتَقرّ ملكه عَلَيْهِ مُطلقًا كَالْبيع قبل قَبضه عقارا كَانَ أَو مَنْقُولًا عِنْد الشَّافِعِي
وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع الْعقار قبل الْقَبْض
وَقَالَ مَالك: بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض لَا يجوز وَبيع مَا سواهُ يجوز
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ الْمَبِيع مَكِيلًا أَو معدودا أَو مَوْزُونا لم يجز بَيْعه قبل قَبضه
وَإِن كَانَ غير ذَلِك: جَازَ
وَالْقَبْض فِيمَا ينْقل: النَّقْل وَفِيمَا لَا ينْقل كالعقار وَالثِّمَار على الْأَشْجَار التَّخْلِيَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْقَبْض فِي الْجَمِيع التَّخْلِيَة
فصل: وَلَا يجوز بيع مَا لَا يقدر على تَسْلِيمه
: كالطير فِي الْهَوَاء والسمك فِي المَاء وَالْعَبْد الْآبِق بالِاتِّفَاقِ
وَحكي عَن ابْن عمر: أَنه أجَاز بيع الْآبِق
وَرُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَابْن أبي ليلى: أَنَّهُمَا أجازا بيع السّمك فِي بركَة عَظِيمَة وَإِن احْتِيجَ فِي أَخذه إِلَى مُؤنَة كَبِيرَة
وَلَا يجوز بيع عين مَجْهُولَة كَعبد من عبيد وثوب من أَثوَاب عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع عبد من ثَلَاثَة أعبد وثوب من ثَلَاثَة أَثوَاب بِشَرْط الْخِيَار لَا فِيمَا زَاد
وَلَا يَصح بيع الْعين الغائبة عَن الْمُتَعَاقدين الَّتِي لم تُوصَف لَهما عِنْد مَالك
وعَلى الرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح وَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار فِيهِ إِذا رَآهُ
وَاخْتلف أَصْحَابه فِيمَا إِذا لم يذكر الْجِنْس وَالنَّوْع كَقَوْلِه: بِعْتُك مَا فِي كمي
وَقَالَ أَحْمد: فِي صِحَة بيع الْغَائِب رِوَايَتَانِ
أشهرهما: يَصح
وَلَا يَصح بيع الْأَعْمَى وشراؤه إِذا وصف لَهُ الْمَبِيع وإجارته وَرَهنه وهبته على الرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي إِلَّا إِذا كَانَ قد رأى شَيْئا قبل الْعَمى وَهُوَ مِمَّا لَا يتَغَيَّر كالحديد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح بَيْعه وشراؤه وَيثبت الْخِيَار إِذا لمسه(1/52)
وَلَا يجوز بيع الباقلاء فِي قشره عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِالْجَوَازِ
والمسك طَاهِر وَكَذَا فأرته إِن انْفَصل من حَيّ على الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَبيعه صَحِيح بِالْإِجْمَاع
وَلَا يجوز بيع الْحِنْطَة فِي سنبلها على أصح قولي الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح
فصل: وَإِذا قَالَ: بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة كل قفيز بدرهم
صَحَّ ذَلِك عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح فِي قفيز وَاحِد مِنْهَا
وَلَو قَالَ: بِعْتُك عشرَة أَقْفِزَة من هَذِه الصُّبْرَة وَهِي أَكثر من ذَلِك صَحَّ بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ دَاوُد: لَا يَصح
وَلَو قَالَ: بِعْتُك هَذِه الأَرْض كل ذِرَاع بدرهم أَو هَذَا القطيع كل شَاة بدرهم صَحَّ البيع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح
وَلَو قَالَ: بِعْتُك من هَذِه الأَرْض عشرَة أَذْرع وَهِي مائَة ذِرَاع صَحَّ البيع فِي عشرهَا مشَاعا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح وَلَو بَاعه عشرَة أَقْفِزَة من صبرَة وكالها لَهُ وَقَبضهَا
فَعَاد المُشْتَرِي وَادّعى أَنَّهَا تِسْعَة وَأنكر البَائِع
فل لشافعي قَولَانِ أَحدهمَا: أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي وَهُوَ المحكي عَن أبي حنيفَة
وَالثَّانِي: أَن القَوْل قَول البَائِع وَهُوَ قَول مَالك
وَيصِح عِنْد الثَّلَاثَة بيع النَّحْل وَلَو فِي كواراته إِن شوهد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بيع النَّحْل لَا يجوز
وَلَا يجوز بيع اللَّبن فِي الضَّرع عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك: يجوز أَيَّامًا مَعْلُومَة إِذا عرف قدر حلابها
وَلَا يجوز بيع الصُّوف على ظهر الْغنم عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك: يجوز بِشَرْط الجز
وَيجوز بيع الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جزَافا عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز
فَإِن بَاعَ شَاة على أَنَّهَا لبون
قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز
وَلَو قَالَ: بِعْتُك هَذِه بِمِائَة مِثْقَال ذهب وَفِضة لم يَصح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح وَيجْعَل نِصْفَيْنِ
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز شِرَاء الْمُصحف
وَاخْتلفُوا فِي بَيْعه فأباحه الثَّلَاثَة من غير كَرَاهَة وَكَرِهَهُ أَحْمد وَصرح ابْن قيم الجوزية بِالتَّحْرِيمِ
وَلَا يَصح بيع الْمُصحف وَلَا بيع(1/53)
الْمُسلم من كَافِر على أرجح قولي الشَّافِعِي
وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح البيع وَيُؤمر بِإِزَالَة ملكه عَنهُ
وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن مَالك
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح
وَثمن مَاء الْفَحْل حرَام وَأُجْرَة ضرابه حرَام عِنْد الثَّلَاثَة
وَعند مَالك: جَوَاز أَخذ الْعِوَض عَن ضراب الْفَحْل وَيحرم كِرَاء الْفَحْل عِنْده مُدَّة مَعْلُومَة لينزو على الْإِنَاث
وَيحرم التَّفْرِيق بَين الْأُم وَالْولد حَتَّى يُمَيّز
فَإِن فرق بِبيع بَطل عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز
فصل: وَإِذا بَاعَ عبدا بِشَرْط الْعتْق
صَحَّ البيع عِنْد الثَّلَاثَة
وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة: أَنه لَا يَصح
وَإِن بَاعَ عبدا بِشَرْط الْوَلَاء لم يَصح بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ الأصطخري من أَصْحَاب الشَّافِعِي: يَصح البيع وَيبْطل الشَّرْط
وَإِن بَاعَ بِشَرْط يُنَافِي مُقْتَضى البيع كَمَا إِذا بَاعَ عبدا بِشَرْط أَن لَا يَبِيعهُ أَو لَا يعتقهُ أَو دَارا بِشَرْط أَن يسكنهَا البَائِع أَو ثوبا بِشَرْط أَن يخيطه لَهُ بَطل البيع عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَعَن ابْن أبي ليلى وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن: البيع جَائِز وَالشّرط فَاسد
وَقَالَ ابْن شبْرمَة: البيع وَالشّرط جائزان
وَقَالَ مَالك: إِذا شَرط من مَنَافِع البيع يسير كسكنى الدَّار صَحَّ
وَقَالَ أَحْمد: إِن شَرط سُكْنى الْيَوْم واليومين لم يفْسد العقد
وَإِذا قبض الْمَبِيع بيعا فَاسِدا لم يملكهُ الْقَابِض بِاتِّفَاق الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا قَبضه بِإِذن البَائِع بعوض لَهُ قيمَة: ملكه بِالْقَبْضِ بِقِيمَتِه
وَللْبَائِع أَن يرجع فِي الْعين مَعَ الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة والمنفصلة إِلَّا أَن يتَصَرَّف المُشْتَرِي فِيهَا تَصرفا يمْنَع الرُّجُوع فَيَأْخُذ قيمتهَا
وَلَو غرس فِي الأَرْض الْمَبِيعَة بيعا فَاسِدا وَبنى لم يكن للْبَائِع قلع الْغِرَاس وَلَا الْبناء إِلَّا بِشَرْط ضَمَان النُّقْصَان
وَله أَن يبْذل الْقيمَة ويتملكها عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ استرجاع الأَرْض وَيَأْخُذ قيمتهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: ينْقض الْبناء ويقلع الْغِرَاس وَترد الأَرْض على البَائِع
فصل
: إِذا جمع فِي البيع بَين مَا يجوز بَيْعه وَمَا لَا يجوز كَالْحرِّ وَالْعَبْد أَو عَبده وَعبد غَيره أَو ميتَة ومذكاة فللشافعي أَقْوَال أظهرها وَهُوَ قَول مَالك يَصح فِيمَا يجوز وَيبْطل فِيمَا لَا يجوز
وَالثَّانِي: الْبطلَان فيهمَا
وَإِذا قُلْنَا بالأظهر يُخَيّر المُشْتَرِي إِن جهل
فَإِن أجَاز فبحصته من الثّمن على الرَّاجِح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْفساد فِي أَحدهمَا ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع كَالْحرِّ وَالْعَبْد فسد فِي الْكل
وَإِن كَانَ بِغَيْر ذَلِك صَحَّ فِيمَا يجوز بقسط من الثّمن كأمته وَأم وَلَده
وَقَالَ فِيمَن بَاعَ مَا سمي عَلَيْهِ وَمَا لم يسم(1/54)
عَلَيْهِ من الذَّبِيحَة: إِنَّه لَا يَصح فِي الْكل
وَخَالفهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ فِيمَن بَاعَ بِخَمْسِمِائَة نَقْدا أَو خَمْسمِائَة إِلَى الْعَطاء فسد العقد إِلَى الْكل
وَقَالَ أَحْمد: رِوَايَتَانِ كالقولين
وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد
فَمنع أَحْمد وَحده صِحَّته وجوازه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ جَائِز مَعَ كَرَاهَة إِحْضَار السّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع وَينْعَقد البيع
وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز بيع الملاهي
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا وَلَا ضَمَان على متلفها
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح بيعهَا
وَإِن أتلفهَا إتلافا شَرْعِيًّا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيعهَا وَيضمن متلفها ألواحا غير مؤلفة تأليفا يلهى
فصل
: والأعيان الْمَنْصُوص على تَحْرِيم الرِّبَا فِيهَا سِتَّة: الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْبر وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب وَالْملح
وَالذَّهَب وَالْفِضَّة: يحرم فيهمَا الرِّبَا عِنْد الشَّافِعِي بعلة وَاحِدَة لَازِمَة وَهِي أَنَّهَا من جنس الْأَثْمَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعلَّة فيهمَا: مَوْزُون جنس
فَيحرم الرِّبَا فِي سَائِر الموزونات
وَأما الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة: فَفِي علتها للشَّافِعِيّ قَولَانِ الْجَدِيد: إِنَّهَا مطعومة
فَيحرم الرِّبَا فِي المَاء والأدهان على الْأَصَح
وَالْقَدِيم: إِنَّهَا مطعومة أَو مكيلة أَو موزونة
وَقَالَ أهل الظَّاهِر: الرِّبَا غير مُعَلل وَهُوَ مُخْتَصّ بالمنصوص عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعلَّة فِيهَا إِنَّهَا مكيلة فِي جنس
وَقَالَ مَالك: الْعلَّة الْقُوت وَمَا يصلح الْقُوت فِي جنس
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا: كَقَوْل الشَّافِعِي
وَالثَّانيَِة: كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ ربيعَة: كل مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة يحرم فِيهِ الرِّبَا فَلَا يجوز بيع بعير ببعيرين
وَحكى ابْن سِيرِين: أَن الْعلَّة الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ
وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم قَالُوا: (إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة) فَلَا يحرم التَّفَاضُل
وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على أَنه لَا يجوز بيع الذَّهَب بِالذَّهَب مُنْفَردا وَالْوَرق بالورق مُنْفَردا تبرها ومضروبها وحليها إِلَّا مثلا بِمثل وزنا بِوَزْن يدا بيد وَيحرم نَسِيئَة
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح إِذا كَانَ بمعيار إِلَّا مثلا بِمثل يدا بيد
وَيجوز بيع التَّمْر بالملح وَالْملح بِالتَّمْرِ متفاضلين يدا بيد
وَيجوز أَن يَتَفَرَّقَا قبل الْقَبْض إِلَّا عِنْد أبي حنيفَة
وَلَا يجوز بيع المصوغ بالمضروب مُتَفَاضلا عِنْد الثَّلَاثَة
وَعَن مَالك: أَنه يجوز أَن يَبِيعهُ بِقِيمَتِه من جنسه
وَلَا يجوز التَّفَرُّق قبل التَّقَابُض فِي بيع المطعومات بَعْضهَا بِبَعْض عِنْد الشَّافِعِي(1/55)
وَمَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز
وَيخْتَص تَحْرِيم ذَلِك عِنْده بِالذَّهَب وَالْفِضَّة
فصل
: وَمَا عدا الذَّهَب وَالْفِضَّة والمأكول والمشروب: لَا يحرم فِيهِ شَيْء من جِهَات الرِّبَا
وَهِي النِّسَاء والتفاضل والتفرق قبل التَّقَابُض
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ يحرم النِّسَاء
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز بيع حَيَوَان بحيوانين من جنسه يقْصد بهما أمرا وَاحِدًا من ربح وَغَيره فَإِذا كَانَ البيع بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير بِأَعْيَانِهَا فَإِنَّهَا تتَعَيَّن عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تتَعَيَّن بِنَفس البيع
وَلَا يجوز بيع الدَّرَاهِم المغشوشة بَعْضهَا بِبَعْض
وَيجوز أَن يشترى بهَا سلْعَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْغِشّ غَالِبا لم يجز
فصل
: وكل شَيْئَيْنِ اتفقَا فِي الِاسْم الْخَاص من أصل الْخلقَة: فهما جنس وَاحِد
وكل شَيْئَيْنِ اخْتلفَا: فهما جِنْسَانِ
وَقَالَ مَالك: الْبر وَالشعِير جنس وَاحِد وَفِي اللحمان والألبان للشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا: أَنَّهُمَا أَجنَاس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَلَا رَبًّا فِي الْحَدِيد والرصاص وَمَا أشبههما عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْعلَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة الثمينة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: تتعدى إِلَى النّحاس والرصاص وَمَا أشبههما
وَيعْتَبر التَّسَاوِي فِيمَا يُكَال ويوزن بكيل الْحجاز ووزنه
وَمَا جهل يُرَاعى فِيهِ عَادَة بلد البيع
قَالَ أَبُو حنيفَة: مَا لَا نَص فِيهِ يعْتَبر فِيهِ عَادَة النَّاس فِي الْبِلَاد
وَمَا يحرم فِيهِ الرِّبَا لَا يجوز بيع بعضه بِبَعْض وَمَعَ أحد الْعِوَضَيْنِ جنس آخر يُخَالِفهُ فِي الْقيمَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَكَذَلِكَ لَا يُبَاع نَوْعَانِ من جنس تخْتَلف قيمتهمَا بِأحد النَّوْعَيْنِ كمد عَجْوَة وَدِرْهَم بمدي عَجْوَة وكدينار صَحِيح ودينار قراضة بدينارين صَحِيحَيْنِ
وَأَجَازَهُ أَحْمد إِلَّا فِي النَّوْعَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل ذَلِك جَائِز
وَلَا يجوز بيع رطبَة بيابسة على الأَرْض كَبيع الرطب بِالتَّمْرِ على الأَرْض
وَيجوز عِنْد الشَّافِعِي فِيمَا دون خَمْسَة أوسق
وَالرَّاجِح عِنْده: أَنه لَا يخْتَص بالفقراء
وَهُوَ قَول أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يخرصه رطبا ويبيعه بِمثلِهِ تَمرا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك بِحَال
وَقَالَ مَالك: يجوز فِي مَوضِع مَخْصُوص وَهُوَ أَن يكون قد وهب لرجل ثَمَرَة نَخْلَة من حَائِط وشق عَلَيْهِ دُخُوله إِلَيْهَا فيشتريها مِنْهُ بِخرْصِهَا من التَّمْر بعجلة
وَيجوز بيع العريا فِي عُقُود مُتَفَرِّقَة وَإِن زَاد على خَمْسَة أوسق: وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز أَكثر من عرية وَاحِدَة(1/56)
وَلَا يجوز بيع الْحبّ بالدقيق من جنسه عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ مَالك: يجوز بَيْعه بِهِ كَيْلا
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز بَيْعه بِهِ وزنا
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يجوز بيع الدَّقِيق بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضلا
وَلَا يجوز بيع الْحِنْطَة بدقيقها عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد يجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع أَحدهمَا بِالْآخرِ إِذا اسْتَويَا فِي النعومة والخشونة
وَلَا يجوز بيع دقيقه بخبزه
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: يجوز بيع الْحِنْطَة بالخبز مُتَفَاضلا وَلَا يجوز بيع الْخبز بالخبز إِذا كَانَا رطبين أَو أَحدهمَا
وَقَالَ أَحْمد: يجوز متماثلا
وَإِن بَاعَ ذَهَبا بِذَهَب جزَافا: لم يَصح
وَعند أبي حنيفَة: أَنَّهُمَا إِن علم التَّسَاوِي بَينهمَا قبل التَّفَرُّق صَحَّ وَإِن علم بعد التَّفَرُّق لم يَصح
وَعند زفر: أَنه يَصح بِكُل حَال
وَإِذا تصارفا ثمَّ تقابضا بعض ثمن الصّرْف وتفرقا بَطل العقد كُله
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز فِيمَا تقابضاه وَيبْطل فِيمَا لم يتقابضاه
وَإِن تفارقا قبل أَن يتقابضا فالصرف فَاسد بالِاتِّفَاقِ
وَلَا يجوز بيع حَيَوَان يُؤْكَل بِلَحْم من جنسه عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز ذَلِك
وَأَجْمعُوا على أَن بيع الْحَيَوَان بِاللَّحْمِ يدا بيد جَائِز
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز
وَأَجْمعُوا على أَن بيع المَاء من مثل الْفُرَات والنيل جَائِز
فصل
: وَيدخل فِي بيع الدَّار: الأَرْض وكل بِنَاء حَتَّى حمامها إِلَّا الْمَنْقُول كالدلو والبكرة والسرير بالِاتِّفَاقِ
وَتدْخل الْأَبْوَاب المنصوبة والإجانات والرف وَالسّلم المسمرات
وَعَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: مَا كَانَ من حُقُوق الدَّار لَا يدْخل فِي البيع وَإِن كَانَ مُتَّصِلا بهَا وَعَن زفر: أَنه إِذا كَانَ فِي الدَّار آلَة وقماش دخل فِي البيع
وَإِذا بَاعَ نخلا عَلَيْهِ طلع غير مؤبر دخل فِي البيع أَو مؤبرا لم يدْخل عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون للْبَائِع بِكُل حَال
وَقَالَ ابْن أبي ليلى: الثَّمَرَة للْمُشْتَرِي بِكُل حَال
وَإِذا بَاعَ غُلَاما أَو جَارِيَة وَعَلَيْهَا ثِيَاب لم تدخل فِي البيع بالِاتِّفَاقِ
وَعَن ابْن عمر: أَنه يدْخل فِي البيع جَمِيع مَا عَلَيْهَا
وَقَالَ قوم: يدْخل مَا تستر بِهِ الْعَوْرَة
وَلَا يدْخل الْحَبل والمقود واللجام فِي بيع الدَّابَّة بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ قوم: يدْخل
وَإِذا بَاعَ شَجَرَة وَعَلَيْهَا ثَمَرَة للْبَائِع لم يُكَلف قطع الثَّمَرَة عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِلَى أَوَان الجداد فِي الْعَادة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه قطعه فِي الْحَال
وَلَا يجوز بيع الثَّمر وَالزَّرْع قبل بَدو صَلَاحه من غير شَرط الْقطع عِنْد مَالك(1/57)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح بَيْعه مُطلقًا وَيَقْتَضِي ذَلِك الْقطع عِنْده
وَإِن بَاعَ الثَّمَرَة بعد بَدو صَلَاحهَا: جَازَ عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد بِكُل حَال
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بيعهَا بِشَرْط التبقية
وَإِنَّمَا يعْتَبر فِي جَوَاز البيع تبقية مَا كَانَ مَعَه فِي الْبُسْتَان
فَأَما مَا كَانَ فِي بُسْتَان آخر فَلَا يتبعهُ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ مَالك: يجوز بيع مَا جاوره إِذا كَانَ الصّلاح معهودا
وَعنهُ أَيْضا: إِذا بدا الصّلاح فِي نَخْلَة جَازَ بيع ثمار الْبَلَد
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا بدا الصّلاح فِي جنس من الثَّمَرَة فِي الْبُسْتَان: جَازَ بيع جَمِيع أَجنَاس الثِّمَار فِي ذَلِك الْبُسْتَان
وَإِذا بَاعَ الثَّمَرَة الظَّاهِرَة وَمَا يظْهر بعد ذَلِك لم يَصح البيع عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك: يَصح
وَإِذا بَاعَ صبرَة وَاسْتثنى مِنْهَا أمدادا وآصعا مَعْلُومَة لم يَصح وَلَا يجوز أَن يَسْتَثْنِي من الشَّجَرَة غصنا عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك: يجوز ذَلِك
وَإِذا قَالَ: بِعْتُك ثَمَرَة هَذَا الْبُسْتَان إِلَّا ربعهَا صَحَّ بالِاتِّفَاقِ
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: أَنه لَا يَصح
وَلَا يجوز أَن يَبِيع الشَّاة ويستثني شَيْئا مِنْهَا جلدا أَو غَيره لَا فِي سفر وَلَا فِي حضر عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد: يجوز فِي السّفر دون الْحَضَر
فصل
: وَأَجْمعُوا على منع بيع حَبل الحبلة
وَهُوَ فِي قَول الشَّافِعِي: أَن يَبِيع بِثمن إِلَى أَن تحمل هَذِه النَّاقة وتلد وَيحمل وَلَدهَا
وَفِي قَول أبي عبيد أَن يَقُول: إِذا ولدت هَذِه النَّاقة وَولد وَلَدهَا فقد بِعْتُك الْوَلَد
وَأَجْمعُوا على فَسَاد بيع المضامين والملاقيح
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ مَا فِي الأصلاب وَمَا فِي الْبُطُون
وَنهى عَن بيع المحاقلة والمزابنة
وتلقى الركْبَان خَارج الْمَدِينَة لَا يجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا أرى بِهِ بَأْسا
فصل
: والتصرية فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم تَدْلِيس فِي البيع على المُشْتَرِي وَهُوَ حرَام بالِاتِّفَاقِ
وَهل يثبت بِهِ الْخِيَار قَالَ الثَّلَاثَة: نعم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا
وَمن حلب الْمُصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أمْسكهَا وَإِن شَاءَ ردهَا وصاعا من تمر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ ردهَا إِذْ لَا يَسْتَطِيع رد مَا أَخذ مِنْهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَابْن أبي ليلى: يرد مَعهَا قيمَة اللَّبن
وَإِذا ثَبت للْمُشْتَرِي خِيَار الرَّد فَلَا يفْتَقر الرَّد إِلَى رضى البَائِع وحضوره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ قبل الْقَبْض افْتقر إِلَى حُضُوره
وَإِن كَانَ بعده: افْتقر إِلَى رِضَاهُ بِالْفَسْخِ أَو حكم حَاكم(1/58)
وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد على التَّرَاخِي
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على الْفَوْر
وَإِذا قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي: أمسك الْمَبِيع وَخذ أرش الْعَيْب لم يجْبر المُشْتَرِي
وَإِن قَالَه المُشْتَرِي: لم يجْبر البَائِع بالِاتِّفَاقِ
فَإِن تَرَاضيا عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْح عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَرجحه ابْن سُرَيج من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة والمرجح عِنْد جُمْهُور أَصْحَابه الْمَنْع
ونظيرها فِي الشُّفْعَة
وَقَالَ أَحْمد: للْمُشْتَرِي إمْسَاك البيع ومطالبة البَائِع بِالْأَرْشِ وَيجْبر البَائِع على دَفعه إِلَيْهِ
وَإِذا لَقِي البَائِع فَسلم عَلَيْهِ قبل الرَّد لم يسْقط حَقه فِي الرَّد بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: يسْقط
وَإِذا حدث بِالْمَبِيعِ عيب بعد قبض الثّمن لم يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك: عُهْدَة الرَّقِيق إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا فِي الجذام والبرص وَالْجُنُون
فَإِن عهدته إِلَى سنة يثبت لَهُ الْخِيَار
وَإِذا بَاعَ اثْنَان عينا ثمَّ ظهر بهَا عيب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يمسك حِصَّته وَأَرَادَ الآخر أَن يرد حِصَّته: جَازَ للْوَاحِد عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن ينْفَرد بِالرَّدِّ دون الآخر
وَإِذا زَاد الْمَبِيع زِيَادَة متميزة كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَة أمسك الزِّيَادَة ورد الأَصْل عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الزِّيَادَة ولدا رده مَعَ الأَصْل
أَو ثَمَرَة أمْسكهَا ورد الأَصْل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: حُصُول الزِّيَادَة فِي يَد المُشْتَرِي تمنع الرَّد بِالْعَيْبِ بِكُل حَال
وَلَو كَانَ الْمَبِيع جَارِيَة فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي ثمَّ علم بِالْعَيْبِ
فَلهُ أَن يردهَا وَلَا يرد مَعهَا شَيْئا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يردهَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى: يردهَا وَيرد مَعهَا مهر مثلهَا
ويروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَإِذا وجد المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبا
وَنقص فِي يَده لِمَعْنى لَا يقف استعلام الْعَيْب عَلَيْهِ كَوَطْء الْبكر وَقطع الثَّوْب وتزويج الْأمة امْتنع الرَّد لَكِن يرجع بِالْأَرْشِ عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك: يردهَا وَيرد مَعهَا أرش الْبكارَة وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد بِنَاء على أَصله
فَإِن الْعَيْب الْحَادِث عِنْده لَا يمْنَع الرَّد
وَإِن وجد الْعَيْب وَقد نقص الْمَبِيع لِمَعْنى يقف استعلام الْعَيْب عَلَيْهِ أَي لَا يعرف الْقَدِيم إِلَّا بِهِ كالرابح وَهُوَ جوز الْهِنْد وَالْبيض والبطيخ فَإِن كَانَ الْكسر قدرا لَا يُوقف على الْعَيْب إِلَّا بِهِ امْتنع الرَّد عِنْد أبي حنيفَة
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَالرَّاجِح من مذْهبه: أَن لَهُ الرَّد
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَيْسَ لَهُ رد وَلَا أرش(1/59)
وَإِن وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا وَحدث عِنْده عيب لم يجز لَهُ الرَّد عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنه يرضى البَائِع وَيرجع بِالْأَرْشِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد: هُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يرد وَيدْفَع أرش الْعَيْب الْحَادِث عِنْده وَبَين أَن يمسِكهُ وَيَأْخُذ أرش الْقَدِيم
فصل
: وَالْعَيْب: مَا يعده النَّاس عَيْبا كالعمى والصمم والخرس وَالْعَرج والبخر وَالْبَوْل فِي الْفراش وَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَالْقَذْف وَترك الصَّلَاة وَالْمَشْي بالنميمة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البخر وَالْبَوْل فِي الْفراش وَالزِّنَا عيب فِي الْجَارِيَة دون العَبْد
وَإِذا وجد الْجَارِيَة مغنية لم يثبت لَهُ الْخِيَار
وَقَالَ مَالك بِثُبُوتِهِ
وَإِذا اشْترى عبدا فَوَجَدَهُ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة وَقد ركبته الدُّيُون لم يثبت لَهُ الْخِيَار عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك
وَعَن أَحْمد: لَهُ الْخِيَار
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع بَاطِل بِنَاء على أَصله فِي تعلق الدّين بِرَقَبَتِهِ
وَلَو اشْترى عبدا على أَنه كَافِر فَخرج مُسلما فَلهُ الْخِيَار بالِاتِّفَاقِ
وَإِن اشْتَرَاهُ مُطلقًا فَبَان كَافِرًا فَلَا خِيَار لَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ الْخِيَار
وَلَو اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا ثيب فَخرجت بكرا فَلَا خِيَار لَهُ
وَلَو اشْترى جَارِيَة فَبَان أَنَّهَا لَا تحيض فَلَا خِيَار لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ الْخِيَار
وَإِذا علم بِالْعَيْبِ بعد أكل الطَّعَام أَو هَلَاك العَبْد رَجَعَ بِالْأَرْشِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يرجع
وَإِذا ملك عبدا مَالا وَبَاعه وَقُلْنَا: إِنَّه يملك لم يدْخل مَاله فِي البيع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه المُشْتَرِي بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: يدْخل مَاله فِي مُطلق البيع تبعا
وَكَذَا إِذا أعْتقهُ
وروى ذَلِك عَن مَالك
وَمن بَاعَ عبدا فعهدته عِنْد مَالك: ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها كل مَا حدث بِهِ فِي هَذِه الْمدَّة من شَيْء كَمَا لَو مَاتَ فعهدته وضمانه على بَائِعه
وَنَفَقَته عَلَيْهِ ثمَّ يكون بعد ذَلِك عَلَيْهِ عُهْدَة السّنة من الْجُنُون والجذام والبرص
فَمَا حدث بِهِ من ذَلِك فِي تِلْكَ السّنة رده المُشْتَرِي
فَإِذا انْقَضتْ السّنة وَلم يظْهر ذَلِك فَلَا عُهْدَة على البَائِع
وَإِن كَانَت جَارِيَة تحيض فحتى تخرج من الْحَيْضَة ثمَّ تبقى عُهْدَة السّنة كَالْعَبْدِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: كل مَا حدث من عيب قبل قبض المُشْتَرِي فَمن ضَمَان البَائِع أَو بعد قَبضه فَمن ضَمَان المُشْتَرِي
وَلَو بَاعَ عبدا جانيا فَالْبيع صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ(1/60)
أَحدهمَا: الصِّحَّة
وَالثَّانِي: الْبطلَان وَهُوَ الْأَصَح
وَإِذ بَاعَ بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب فل لشافعي أَقْوَال
أَحدهَا: أَنه يبرأ من كل عيب على الْإِطْلَاق
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي: أَنه لَا يبرأ من شَيْء من الْعُيُوب حَتَّى يُسمى الْعَيْب
وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّالِث وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد جُمْهُور أَصْحَابه أَنه لَا يبرأ إِلَّا من عيب بَاطِن فِي الْحَيَوَان لم يعلم بِهِ البَائِع
وَقَالَ مَالك: الْبَرَاءَة فِي ذَلِك جَائِزَة فِي الرَّقِيق دون غَيره فَيبرأ مِمَّا لَا يُعلمهُ وَلَا يبرأ مِمَّا علمه
وَالْإِقَالَة عِنْد مَالك بيع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فسخ
وَهُوَ الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: هِيَ قبل الْقَبْض فسخ وَبعده بيع إِلَّا فِي الْعقار فَبيع مُطلقًا
فصل
: وَمن اشْترى سلْعَة جَازَ لَهُ بيعهَا عِنْد الشَّافِعِي بِرَأْس مَالهَا وَأَقل وَأكْثر من البَائِع وَغَيره قبل نقد الثّمن وَبعده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا من بَائِعهَا بِأَقَلّ من الثّمن الَّذِي ابتاعها بِهِ قبل نقد الثّمن فِي الْمَبِيع الأول
وَيجوز أَن يَبِيع مَا اشْتَرَاهُ مُرَابحَة بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَن يبين رَأس المَال وَقدر الرِّبْح
وَيَقُول: بعتكها بِرَأْس مَالهَا وَربح دِرْهَم فِي كل عشرَة
وَكَرِهَهُ ابْن عَبَّاس وَابْن عمر
وَمنع إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه جَوَازه
وَإِذا اشْترى شَيْئا بِثمن مُؤَجل لم يُخَيّر بِثمن مُطلق بالِاتِّفَاقِ بل يبين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يلْزم العقد إِذا أطلق وَيثبت الثّمن فِي ذمَّته مُؤَجّلا وعَلى مَذْهَب الْأَئِمَّة: يثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا لم يعلم بالتأجيل
وَإِذا اشْترى شَيْئا من أَبِيه أَو من ابْنه جَازَ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة مُطلقًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز حَتَّى يبين من اشْترى مِنْهُ
فصل: والنجش حرَام وَهُوَ أَن يزِيد فِي الثّمن لَا لرغبة فِي الشِّرَاء بل ليخدع غَيره فَإِن اغْترَّ بِهِ إِنْسَان فَاشْترى فشراؤه صَحِيح عِنْد الثَّلَاثَة وَإِن أَثم الْغَار
وَقَالَ مَالك: الشِّرَاء بَاطِل
وَيحرم بيع الْحَاضِر للبادي بالِاتِّفَاقِ
وَهُوَ أَن يقدم غَرِيب بمتاع تعم الْحَاجة إِلَيْهِ ليَبِيعهُ بِسعْر يَوْمه فَيَقُول بلدي: اتركه عِنْدِي لأبيعه قَلِيلا قَلِيلا
وَيحرم بيع العربون وَهُوَ أَن يَشْتَرِي السّلْعَة وَيدْفَع إِلَيْهِ درهما ليَكُون من الثّمن إِن رَضِي السّلْعَة وَإِلَّا فَهُوَ هبة
وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بذلك
وَيجوز بيع الْعينَة عِنْد الشَّافِعِي مَعَ الْكَرَاهَة
وَهُوَ أَن يَبِيع سلْعَة بِثمن إِلَى أجل ثمَّ(1/61)
يَشْتَرِيهَا من مشتريها نَقْدا بِأَقَلّ من ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك
وَيحرم التسعير عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك: إِذا خَالف أحد أهل السُّوق بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فَيُقَال: إِمَّا أَن تبيع بِسعْر السُّوق أَو تنعزل عَنْهُم
فَإِن سعر السُّلْطَان على النَّاس فَبَاعَ الرجل مَتَاعه وَهُوَ لَا يُرِيد بَيْعه كَانَ مكْرها
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِكْرَاه السُّلْطَان يمْنَع صِحَة البيع
وإكراه غَيره: لَا يمْنَع
والاحتكار فِي الأقوات حرَام بالِاتِّفَاقِ
وَهُوَ أَن يبْتَاع طَعَاما فِي الغلاء ويمسكه لِيَزْدَادَ ثمنه
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الكالىء بالكالىء
وَهُوَ بيع الدّين بِالدّينِ
وَثمن الْكَلْب خَبِيث وَكره مَالك بَيْعه مَعَ الْجَوَاز
فَإِن بيع لم يفْسخ البيع عِنْده على كلب أمكن الِانْتِفَاع بِهِ
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز أصلا وَلَا قيمَة لَهُ إِن قتل أَو أتلف
وَبِه قَالَ أَحْمد
فصل
: وَإِذا حصل الِاخْتِلَاف بَين الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن وَلَا بَيِّنَة تحَالفا بالِاتِّفَاقِ
وَالأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه يبْدَأ بِيَمِين البَائِع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبْدَأ بِيَمِين المُشْتَرِي
فَإِن كَانَ الْمَبِيع هَالكا وَاخْتلفَا فِي قدر ثمنه تحَالفا عِنْد الشَّافِعِي وَفسخ البيع وَرجع بِقِيمَة الْمَبِيع إِن كَانَ مُتَقَوّما
وَإِن كَانَ مثلِيا وَجب على المُشْتَرِي مثله وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَإِحْدَى الرِّوَايَات عَن مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تحالف بعد هَلَاك الْمَبِيع وَيكون القَوْل قَول المُشْتَرِي
ويروى ذَلِك عَن أَحْمد وَمَالك
وَقَالَ زفر وَأَبُو ثَوْر: القَوْل قَول المُشْتَرِي بِكُل حَال
وَقَالَ الشّعبِيّ وَابْن سُرَيج: القَوْل قَول البَائِع وَاخْتِلَاف ورثتهما كاختلافهما
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد وَارِث البَائِع تحَالفا وَإِن كَانَ فِي يَد وَارِث المُشْتَرِي: فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَإِن اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي شَرط الْأَجَل أَو قدره أَو فِي شَرط الْخِيَار أَو قدره أَو فِي شَرط الرَّهْن وَالضَّمان بِالْمَالِ أَو بالعهدة: تحَالفا عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تحالف فِي هَذِه الشَّرَائِط
وَالْقَوْل قَول من ينفيها
وَإِذا بَاعه عينا بِثمن فِي الذِّمَّة
ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ البَائِع: لَا أسلم الْمَبِيع حَتَّى أَقبض الثّمن
وَقَالَ المُشْتَرِي: فِي الثّمن مثله
فللشافعي أَقْوَال أَصَحهَا: يجْبر البَائِع على تَسْلِيم الْمَبِيع ثمَّ يجْبر المُشْتَرِي على تَسْلِيم الثّمن
وَفِي قَول: يجْبر المُشْتَرِي
وَفِي قَول: لَا إِجْبَار
فَمن سلم أجبر صَاحبه
وَفِي قَول يجبران
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجْبر المُشْتَرِي أَولا(1/62)
وَإِذا تلف الْمَبِيع قبل الْقَبْض بِآفَة سَمَاوِيَّة انْفَسَخ البيع عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ مَالك وَأحمد: إِذا لم يكن الْمَبِيع مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونا وَلَا معدودا فَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي
وَإِذا أتْلفه أَجْنَبِي فللشافعي أَقْوَال
أَصَحهَا: أَن البيع لَا يَنْفَسِخ بل يتَخَيَّر المُشْتَرِي بَين أَن يُجِيز وَيغرم الْأَجْنَبِيّ أَو يفْسخ وَيغرم البَائِع الْأَجْنَبِيّ
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَهُوَ الرَّاجِح من مَذْهَب مَالك
وَإِن أتْلفه البَائِع انْفَسَخ كالآفة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَنْفَسِخ بل على البَائِع قِيمَته
وَإِن كَانَ مثلِيا فَمثله
وَلَو كَانَ الْمَبِيع ثَمَرَة على شَجَرَة فتفلت بعد التَّخْلِيَة
قَالَ أَبُو حنيفَة: التّلف من ضَمَان المُشْتَرِي وَهُوَ الْأَصَح من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ التّلف أقل من الثُّلُث فَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي
وَالثلث فَمَا زَاد من ضَمَان البَائِع وَقَالَ أَحْمد: إِن تلف بِأَمْر سماوي كَانَ من ضَمَان البَائِع أَو بِنَهْب أَو سَرقَة فَمن ضَمَان المُشْتَرِي
انْتهى
المصطلح
: اعْلَم أَن حالات أوضاع المكاتبات والمبايعات تخْتَلف باخْتلَاف الْمعَانِي الَّتِي تنشأ عَنْهَا بِاعْتِبَار الْعبارَات والألفاظ الَّتِي هِيَ الْآن مستعملة فِي ذَلِك
وَهِي تشْتَمل على فَوَائِد يَنْبَغِي التَّعْرِيف بهَا ليستفاد مِنْهَا مَا لَا بَأْس باستفادته مِمَّا يَنْبَنِي على الْقَاعِدَة الْمَشْرُوطَة فِي الْبيُوع وَغَيرهَا من الْعُقُود
أما الْقَاعِدَة الْمَشْرُوطَة فِي الْبيُوع وَغَيرهَا من الْعُقُود: فَهِيَ ذكر المُشْتَرِي وَالْبَائِع إِذا تبَايعا بأنفسهما أَو بوكيلهما أَو أَحدهمَا بِنَفسِهِ وَالْآخر بوكيله
وَذكر الْمَبِيع إِن كَانَ كَامِلا أَو حِصَّة مِنْهُ
وجريانه فِي ملك البَائِع أَو الْمَبِيع عَنهُ أَو الْمَبِيع عَلَيْهِ إِلَى حِين صُدُور البيع وَوَصفه بِمَا يُخرجهُ عَن الالتباس والاشتباه وتحديده من جهاته الْأَرْبَع
وَذكر الثّمن وحلوله أَو تَأْجِيله أَو قَبضه وَذكر النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتسلم وَالتَّسْلِيم أَو التَّخْلِيَة والتفرق بالأبدان عَن ترَاض أَو اشْتِرَاط الْخِيَار وَضَمان الدَّرك فِي ذَلِك وَمَعْرِفَة الْمُتَعَاقدين بِمَا تعاقدا عَلَيْهِ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
والتاريخ
وَأما غير الْمُسْتَعْمل مِنْهَا فَفِي التَّعْرِيف بِهِ فَوَائِد: الْفَائِدَة الأولى: الْبدَاءَة بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة بقوله: (شترى) أَو (هَذَا مَا شترى) أَو (هَذَا كتاب مبايعة) أَو غير ذَلِك
وَكله جَائِز
وَقد كتب عَليّ بن أبي طَالب عَن رَسُول الله فِي صلح الْحُدَيْبِيَة (هَذَا مَا صطلح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله) وَقَالَ الله تَعَالَى: {هَذَا مَا توعدون ليَوْم الْحساب}(1/63)
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: رفع نسب الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِلَى الْجد احْتِرَازًا من قَول أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يكون تعريفا عِنْده حَتَّى ينْسب إِلَى الْجد فَبِهَذَا الْمُقْتَضى لَا يضر ذكر الْجد
الْفَائِدَة الثَّالِثَة: التَّعْرِيف بالصناعة أَو الْقَبِيلَة أَو الْبَلَد
فَإِنَّهُ قد تتفق الْأَنْسَاب والصناعات دون الْقَبِيلَة والبلد فالأحوط ذكر ذَلِك لينتفي التشابه
الْفَائِدَة الرَّابِعَة: قَوْله: (جَمِيع الدَّار الكائنة بِمَدِينَة كَذَا) وَلَا يَقُول: (فِي مَدِينَة كَذَا) فقد يحمل ذَلِك على وَقت البيع لِأَنَّهُ قد يجوز أَن يُقَال بعد ذَلِك: (هَذِه الدَّار الَّتِي من مَدِينَة كَذَا فِي بلد كَذَا) فَيرجع ذَلِك إِلَى وَقت العقد: أَنه كَانَ فِي مَكَان كَذَا
الْفَائِدَة الْخَامِسَة: قَوْله فِي الْحُدُود: (وَهِي لَهَا وَمِنْهَا
وَآخر غاياتها) لاخْتِلَاف النَّاس فِي الْحَد
هَل هُوَ من الْمَحْدُود أَو خَارج عَنهُ فَإِذا صرح بِهِ كَانَ أبلغ فِي الِاحْتِرَاز وَإِزَالَة الالتباس
وَلِهَذَا أنكر على بَعضهم قَوْله: (حَدهَا دَار فلَان) ] فَقيل لَهُ: أدخلت دور النَّاس فِي الْمَبِيع
وَكتب آخر: (حَدهَا حد دَار فلَان) فَقيل لَهُ: جعلت حد دَار فلَان حدا لهَذَا المُشْتَرِي
وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التَّنَاقُض
قَالَ الله تَعَالَى: {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ أفبالباطل} فَجعل مَا حوله خَارِجا عَنهُ
وسابق رَسُول الله بَين الْخَيل إِلَى غَايَة
فَكَانَ مَا بعد الْغَايَة خَارِجا عَنْهَا
الْفَائِدَة السَّادِسَة: اسْتِيفَاء ذكر الْحُدُود الْأَرْبَعَة احْتِرَازًا من قَول بَعضهم (إِذا حدث بِثَلَاثَة حُدُود وَلها حُدُود أَرْبَعَة جَازَ
وَإِذا حدت بحدين لم يجز) وَمِمَّا يدل على بعد مَا قَالَه: أَنه لَا فرق بَين أَن يتْرك حدا من الْأَرْبَعَة أَو يتْرك حَدَّيْنِ
إِذْ الْمَقْصُود من ذكر الْحُدُود: إِنَّمَا هُوَ التَّعْرِيف
وَترك الْحَد والحدين وَالثَّلَاثَة سَوَاء فِي بَاب عدم التَّعْرِيف
الْفَائِدَة السَّابِعَة: أَن يَقُول: (ملاصقة لدار تعرف بفلان) وَلَا يكْتب: (ملاصقة لدار فلَان) لِأَن فِي ذَلِك إِضَافَة ملكهَا إِلَيْهِ
فَمنع الْمقر بذلك إِن ابتاعها مِمَّن هِيَ فِي يَده من وجوب الدَّرك لِأَنَّهُ مقرّ لَهُ بِالْملكِ مُصدق لَهُ فِي أَنه بَاعَ مَا ملك
فَبَطل بذلك الرُّجُوع بالدرك على بَائِعهَا عِنْد الِاسْتِحْقَاق
فَإِذا كتب: (تعرف بفلان) كَانَ أولى لِأَن الشَّيْء قد يعرف بفلان وَلَا يكون ملكه
وَحكي عَن ابْن سُرَيج والطَّحَاوِي وَغَيرهمَا: أَن ذَلِك لَا يمْنَع الرُّجُوع بالدرك وَأَن لَا يحمل ذَلِك على حَقِيقَة الْملك للْغَيْر وَإِنَّمَا كَانَ من حَيْثُ الظَّاهِر
وَالْيَد تدل على الْملك وَإِن كَانَ جَائِزا فَيَنْبَغِي أَن يحْتَرز مِنْهُ على قَول من حمل ذَلِك على الْإِقْرَار بِالْملكِ فَيَنْتَفِي الْوَهم وَيَزُول الخيال
الْفَائِدَة الثَّامِنَة: أَن يَقُول: (جَمِيع الدَّار الْكَامِلَة أَرضًا وَبِنَاء أَو أرْضهَا وبناؤها) وَلَا يدْخل الْوَاو على (أرْضهَا) فِي الأول لِأَن (الدَّار) هِيَ الأَرْض وَالْبناء
فَإِذا كتب(1/64)
(وأرضها) كَمَا كتب بعض أهل الْعرَاق: صَارَت الدَّار والأر شَيْئَيْنِ متغايرين
والمعقود عَلَيْهِ شَيْء وَاحِد
وَهَذِه دقيقة خُفْيَة
الْفَائِدَة التَّاسِعَة: أَن يَقُول: (سفل جَمِيع الدَّار وعلوه) وَلَا يَقُول: (سفلها وعلوها) كَمَا كتب بعض أهل الْبَصْرَة
وَمعنى الِاحْتِرَاز فِي ذَلِك: أَنه لَيْسَ لكل الدَّار سفل وعلو
فَيدْخل فِي الْمَبِيع مَا لَيْسَ مِنْهُ
الْفَائِدَة الْعَاشِرَة: أَن يكْتب: (مسيل مَائِهَا وملقي ثلجها فِي حُقُوقهَا) لِأَن الْحُقُوق هِيَ الْخَالِصَة لَهَا
فَإِذا لم يكْتب (فِي حُقُوقهَا) أوهم أَن ذَلِك لَيْسَ هُوَ من حُقُوقهَا
الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة: أَن يكْتب: (وكل حق هُوَ لَهَا دَاخل فِيهَا وخارج مِنْهَا) وَلَا يكْتب كَمَا كتب البصريون وَأهل الْعرَاق: (وكل حق هُوَ لَهَا دَاخل فِيهَا وخارج) لِاسْتِحَالَة الدَّاخِل من الْحُقُوق أَن يكون خَارِجا
وَالْخَارِج مِنْهَا أَن يكون دَاخِلا لتضاد ذَلِك
الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة: أَن يكْتب التَّفَرُّق قبل ذكر الْقَبْض وَالتَّسْلِيم
وَإِن كَانَ جَائِزا أَن يذكرهُ بعدهمَا لِمَعْنى وَهُوَ أَن حُقُوق التَّسْلِيم وَالْقَبْض إِنَّمَا تجب بعد تَمام البيع
فَكَانَ ذكر مَا يتم مَعَه مبدى على مَا لَا يتم أولى
الْفَائِدَة الثَّالِثَة عشرَة: أَن يكْتب التَّخْيِير قبل التَّفَرُّق للْخَبَر الْمَرْوِيّ عَن رَسُول الله فِي قَوْله: (حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار) وَهُوَ قَول: (قد اخترنا إِمْضَاء البيع وإنفاذه قبل التَّفَرُّق) ثمَّ يفترقان بعد هَذَا الِاخْتِيَار
الْفَائِدَة الرَّابِعَة عشرَة: أَن يكْتب: (التَّفَرُّق بالأبدان) احْتِرَازًا من قَول من يَقُول: إِنَّه لَا يَصح بالْقَوْل وَهُوَ مَالك وَأَبُو حنيفَة
فَإِذا ذكرا مَعًا زَالَ الْإِشْكَال
الْفَائِدَة الْخَامِسَة عشرَة: أَن يكْتب: (وَغَابَ كل وَاحِد مِنْهَا عَن صَاحبه) لحَدِيث أبي بردة
وَهُوَ قَوْله فِي رجل مكث مَعَ بَائِعه يَوْمًا وَلَيْلَة: (مَا أراكما تفرقتما) والأغلب أَنَّهُمَا صليا وتطهرا للصَّلَاة فزايلا الْمَكَان نَفسه وَلم يغب أَحدهمَا عَن الآخر
فَذكر غيبَة أَحدهمَا عَن الآخر ضرب من التَّأْكِيد لَا أَن ترك ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي نفس العقد فَيفْسد بِتَرْكِهِ
الْفَائِدَة السَّادِسَة عشرَة: ذكر نقد الثّمن ووزنه لِأَنَّهُ لَا يجوز إِلَّا أَن يكون مَعْلُوما
فَإِذا ذكر وَزنه الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد كَانَ ثمن الْمَبِيع مَعْلُوما
الْفَائِدَة السَّابِعَة عشرَة: أَن يبْدَأ بِقَبض الثّمن تَحَرُّزًا من قَول مَالك
فَإِنَّهُ يَقُول: إِن الدَّار إِذا تسلمها المُشْتَرِي وَدفعهَا بَائِعهَا إِلَيْهِ كَانَ ذَلِك دَلِيلا عِنْده على قبض الثّمن(1/65)
وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه أَنه وفاه ثمنهَا
فَإِذا بَدَأَ بِذكر قبض الثّمن ثمَّ ذكر التَّسْلِيم بعده زَالَ الْإِشْكَال
الْفَائِدَة الثَّامِنَة عشرَة: ذكر دفع الْمُبْتَاع الثّمن إِلَى البَائِع تَحَرُّزًا من قَول أبي حنيفَة: إِن من قبض شَيْئا بِغَيْر الدّفع من الْمُبْتَاع فَهُوَ كلا قبض ثمنا كَانَ أَو غَيره
الْفَائِدَة التَّاسِعَة عشرَة: التَّحَرُّز فِي قَوْله: (شِرَاء صَحِيحا شَرْعِيًّا) بل يَقُول: (شِرَاء شَرْعِيًّا) لِأَن الِاعْتِرَاف بِصِحَّتِهِ اعْتِرَاف بِأَن بَائِعه بَاعَ مَا ملكه
فَإِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا للْغَيْر لم يكن لمشتريه الرُّجُوع على بَائِعه بِالثّمن
وَالْأولَى أَن يكْتب فِيهِ: (لَا على سَبِيل رهن) لهَذَا الْمَعْنى وَلَا يكْتب (لَا فَسَاد فِيهِ) لِأَن الِاعْتِرَاف أَنه لَا فَسَاد فِيهِ بِنَفْي الرُّجُوع بالدرك عِنْد الِاسْتِحْقَاق
الْفَائِدَة الْعشْرُونَ: أَن يكْتب: (وَلَا اشْتِرَاط خِيَار يُفْسِدهُ) لِأَن من الْخِيَار مَا إِذا اشْترط فِي عقد البيع عِنْد طَائِفَة وَهُوَ مَا زَاد على الثَّلَاث يُفْسِدهُ
الْفَائِدَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ: أَن يَقُول: (وَلَا غير ذَلِك من الشُّرُوط سوى شُرُوطه الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْكتاب) لينتفي بذلك كل شَرط خَارج عَن مضمونه مِمَّا يجوز اشْتِرَاطه
الْفَائِدَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ: ذكر نظر الْمُتَبَايعين إِلَى الْمَبِيع عِنْد العقد وَقَبله لِأَن من النَّاس من يَقُول: لَو رَآهُ ثمَّ غَابَ عَنهُ فَاشْتَرَاهُ: إِن الشِّرَاء جَائِز
وَمِنْهُم من يَقُول: لَا يجوز
وَإِن اقْتصر على ذكر الرُّؤْيَة عِنْد الشِّرَاء كَانَ كَافِيا
الْفَائِدَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ: التَّنْبِيه على أَن يَد البَائِع على الْمَبِيع عِنْد البيع تَحَرُّزًا من قَول عبيد بن جرثومة وَقَول عبد الله بن الْحسن
فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِن من بَاعَ مَا لَيْسَ فِي يَده فبيعه بَاطِل
الْفَائِدَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ: ذكر بَقَاء الْمَبِيع فِي الْيَد إِلَى حِين تَسْلِيمه لمبتاعه على الصّفة الَّتِي بَاعهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قد يحدث فِي يَد البَائِع قبل التَّسْلِيم وَالْقَبْض وَقبل التَّفَرُّق: عيب
فَيكون ضَمَانه على البَائِع
وَيكون لمبتاعه الْخِيَار فِي قَبضه نَاقِصا عَمَّا ابتاعه
وَإِلَى هَذَا ذهب الْمُزنِيّ
وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ كثير من الْأَصْحَاب
وَمن النَّاس من قَالَ: إِن الَّذِي حدث فِي يَد البَائِع إِنَّمَا حدث فِي ملك المُشْتَرِي إِذا كَانَ حُدُوثه من غير جِنَايَة من البَائِع
وَلَا خِيَار لَهُ
وَهُوَ قَول مَالك وَغَيره مِمَّن قَالَ: إِن افْتِرَاق الْمُتَبَايعين بالْقَوْل دون الْبدن
الْفَائِدَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ: أَن يَقُول: (سلم فلَان إِلَى فلَان جَمِيع مَا بَاعه إِيَّاه) وَلَا يكْتب: (جَمِيع مَا وَقع عَلَيْهِ عقد هَذَا البيع) لِأَن البيع وَاقع على الْمَبِيع وعَلى ثمنه وَإِنَّمَا(1/66)
يلْزمه تَسْلِيم الْمَبِيع لَا تَسْلِيم الثّمن إِذْ لَا يتَصَوَّر ذَلِك
الْفَائِدَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ: أَن يَقُول فِي ضَمَان الدَّرك: (إِن على فلَان البَائِع الْخُرُوج لفُلَان المُشْتَرِي من جَمِيع الْوَاجِب لَهُ بِسَبَب هَذَا الدَّرك إِذا اسْتحق الْمَبِيع احْتِرَازًا من اخْتِلَاف النَّاس فِي الْوَاجِب بِسَبَب الِاسْتِحْقَاق
فَمنهمْ من يَقُول: (عَلَيْهِ أَن يخلص الدَّار من يَد مستحقها بِمَا عز وَهَان ويدفعها إِلَى المُشْتَرِي) وَهُوَ قَول أهل الْعرَاق
وَوُقُوع البيع بِاشْتِرَاط هَذَا الْخَلَاص مُفسد لَهُ عِنْد كثير من الْعلمَاء
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي ومتبعيه
وَمِنْهُم من قَالَ: (عَلَيْهِ دَار مثلهَا) وَهَذَا أَيْضا فَاسد لِأَن الدَّار لَا مثل لَهَا إِذْ لَيست هِيَ من ذَوَات الْأَمْثَال
فَيكون هَذَا الشَّرْط غير مَقْدُور عَلَيْهِ
وَمِنْهُم من قَالَ: (يرد النَّفَقَة الَّتِي أنفقها المُشْتَرِي
وَقِيمَة الْغِرَاس وَالزَّرْع وَالْبناء الْقَائِم يَوْم الِاسْتِحْقَاق) وهم أهل الْعرَاق وَعند آخَرين: البيع مفسوخ على هَذِه الْوُجُوه
مِنْهُم مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَلَا شكّ أَن الدَّرك إِذا أطَاق فَكل يحملهُ على مَا يرَاهُ فِي مذْهبه فِي رد مَا يرى رده على المُشْتَرِي بِسَبَب الِاسْتِحْقَاق
الْفَائِدَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ: أَن يقْرَأ على الْمُتَبَايعين الْمَكْتُوب
لِأَن من النَّاس من زعم أَنه لَا يجوز أَن يشْهد على مَا فِي الْكتاب إِلَّا بعد قِرَاءَته وَحُصُول الْعلم من الْمُتَعَاقدين بمضمونه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء
وَحُصُول علم الشُّهُود بِمَا فِيهِ
الْفَائِدَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ: اعْتِرَاف الْمُتَعَاقدين أَنَّهُمَا سمعاه وفهماه وعرفاه لِأَنَّهُ لَيْسَ كل من يقْرَأ يسمعهُ وَلَا كل من يسمعهُ يفهمهُ
فَإِذا جمع بَين السماع والفهم والمعرفة زَالَ الْإِشْكَال
الْفَائِدَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ: ذكر الطواعية وَصِحَّة الْعقل وَالْبدن ليزول يذكر (الطواعية) الْإِكْرَاه وَبِغَيْرِهِ الْحجر وَالْمَرَض وَإِن كتب: (وَجَوَاز الْأَمر) فَهُوَ آكِد فِي نفي الْحجر وَالْمَرَض
الْفَائِدَة الثَّلَاثُونَ: التَّصْرِيح بِمَعْرِِفَة الشُّهُود بالمتعاقدين
لإِجْمَاع الْأمة على أَن من شهد على شخص لَا يعرفهُ باسمه وَنسبه لَا يَصح إِلَّا أَن يكون الْمَشْهُود عَلَيْهِ حَاضرا عِنْد الْحَاكِم فَيشْهد الشَّاهِدَانِ على إِقْرَاره مُوَاجهَة
فَتَصِح الشَّهَادَة على هَذَا الْعين فِي الْحَال
الْفَائِدَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ: إِيضَاح التَّارِيخ الْإِيضَاح الْجَلِيّ بِالْيَوْمِ والشهر وَالسّنة كَمَا تقدم
إِذْ لَا يخفى مَا فِي ذَلِك من الْفَوَائِد فِي تعَارض الْبَينَات وَطلب الْحُقُوق كلهَا وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا(1/67)
الْفَائِدَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ: أَن الْمَبِيع إِذا وَقع بَين اثْنَيْنِ أذن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي بيع مَا بَاعه لِأَن بعض أهل الْعلم قَالَ: من بَاعَ شِقْصا شَائِعا من مَبِيع وَقع بَيْعه على نصف نصِيبه دون كُله
إِذْ لَا جُزْء إِلَّا ولشريكه جُزْء شَائِع فِيهِ فيحترز بِالْإِذْنِ من كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي بيع مَا بَاعه
لِئَلَّا يخرج من الْمَبِيع فِي نصِيبه شَيْء
وَهَذَا القَوْل مَنْسُوب إِلَى عبد الله بن الْحسن
وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا مَال أَكثر من مَال الآخر فَلَا يَصح الْإِذْن مِنْهُ فِيمَا زَاد على حَقه حَتَّى يُوكله على قَول الشَّافِعِي وَغَيره
انْتهى
وَالْبيع تَارَة يكون لشخص من شخص لأنفسهما
وَتارَة يكون البيع من وَكيل شخص لشخص
وَتارَة يكون البيع من وَكيل شخص لوكيل شخص
فمثال الأول: اشْترى فلَان لنَفسِهِ من فلَان البَائِع عَن نَفسه
وَمِثَال الثَّانِي: اشْترى فلَان لنَفسِهِ من فلَان الْقَائِم فِي بيع مَا سَيذكرُ فِيهِ لمن عين فِيهِ بِالثّمن الَّذِي سيعين بطرِيق الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة عَن فلَان الْفُلَانِيّ حَسْبَمَا وَكله فِي ذَلِك وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم المتعاهد بِشَهَادَة شُهُوده أَو بِمُقْتَضى الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة المحضرة لشهوده المتضمنة لذَلِك المؤرخة بِكَذَا الثَّابِت مضمونها فِي مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَمِثَال الثَّالِث: اشْترى فلَان الْقَائِم فِي ابتياع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ لمُوكلِه فلَان حَسْبَمَا وَكله فِي ذَلِك إِلَى آخِره لمُوكلِه الْمَذْكُور وبماله من فلَان الْقَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ بطرِيق الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة عَن فلَان حَسْبَمَا وَكله فِي ذَلِك إِلَى آخر مَا ذكر الْوَكِيل الْمَذْكُور: أَن ذَلِك بيد مُوكله الْمَذْكُور وَملكه تَحت تصرفه إِلَى حَالَة هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع الشَّيْء الْفُلَانِيّ وَيذكر فِي مُشْتَرِي الْوَكِيل دفع الثّمن من مَال مُوكله الْمَذْكُور
وتسلم الْمَبِيع لمُوكلِه وَأَن ضَمَان الدَّرك فِي ذَلِك لَازم ومرجوع بِهِ حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف ويقتضيه وَإِن حضر الْمُوكل واعترف بوصول الثّمن إِلَيْهِ من وَكيله كتب حُضُوره واعترافه بذلك وتصديقه
وَمَا يَقع من التعاقد من وَصِيّ أَو مَنْصُوب من جِهَة الْحَاكِم أَو وَكيل فِي بَيت المَال الْمَعْمُور أَو أَب أَو جد على مَحْجُور يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَاعْلَم أَن المبيعات تخْتَلف باخْتلَاف أَنْوَاعهَا ومواصفاتها الَّتِي هِيَ مُشْتَمِلَة عَلَيْهَا
وَهِي لَا تَخْلُو: إِمَّا أَن يَقع عقد التبايع بَين الْمُتَبَايعين على دَار كَامِلَة أَرضًا وَبِنَاء أَو بِنَاء دون أَرض أَو حِصَّة من ذَلِك أَو من غَيره
والحصة لَا تَخْلُو: إِمَّا أَن تكون مشَاعا فِي(1/68)
الْمَبِيع أَو مقسومة مفروزة مِمَّا تجوز فِيهِ الْقِسْمَة شرعا
فَإِن كَانَ الْمَبِيع دَارا كَامِلَة أَرضًا وَبِنَاء كتب بعد استكمال الْأَلْفَاظ فِي الصَّدْر: وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْكَامِلَة أَرضًا وَبِنَاء بِمَدِينَة كَذَا من عمل كَذَا وصفتها على مَا دلّت عَلَيْهِ الْمُشَاهدَة أَو على مَا تصادق عَلَيْهِ الْمُتَبَايعَانِ: أَنَّهَا تشْتَمل على بَاب مربع أَو مقنطر يدْخل مِنْهُ إِلَى دهليز مربع أَو مستطيل ويصف مَا بهَا من الْأَبْنِيَة والأواوين والقبب والخزاين والخرستانات والرخام والبلاط وبركة المَاء وجريان المَاء إِلَيْهَا من النَّهر الْفُلَانِيّ أَو من قناة كَذَا بِحَق قديم وَاجِب دَائِم مُسْتَمر لَيْلًا وَنَهَارًا
وَإِذا انْتهى الْوَصْف يَقُول: مَنَافِع ومرافق وَحُقُوق
ويحددها بحدودها الْأَرْبَعَة من غير إخلال بِشَيْء مِنْهَا ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوقهَا كلهَا ومنافعها ومرافقها وطرقها وعلوها وسفلها وأحجارها وأخشابها وأبوابها وأعتابها وأنجافها ومنجورها ومجاري مياهها فِي حُقُوقهَا ورسومها وحقها من المَاء الْوَاصِل إِلَيْهَا من الْقَنَاة الْمَذْكُورَة أَو من النَّهر الْفُلَانِيّ الْمَذْكُور وَهُوَ حق وَاجِب مَعْلُوم بَين الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ مُسْتَمر لَيْلًا وَنَهَارًا مَا جرى المَاء فِي الْقَنَاة الْمَذْكُورَة وَوصل إِلَى الْبركَة الْمَذْكُورَة فِي كيزانها وبرابخها المختصة بهَا الآخذة من الْمقسم الْفُلَانِيّ الْمُتَّصِل بالقناة الْمَذْكُورَة وَذَات الأسطحة الْعَالِيَة على ذَلِك المحضرة أَو غير المحضرة وَذَات الْقَنَاة الْخَاصَّة لذَلِك أَو الْمُشْتَركَة وَمَا يعرف بهَا وينسب إِلَيْهَا من كل حق هُوَ لَهَا وَمِنْهَا دَاخل فِيهَا وخارج عَنْهَا ومعدود من جُمْلَتهَا على تناهي الْجِهَات أجمعها الْمَعْلُوم عِنْدهَا الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة شِرَاء شَرْعِيًّا ويكمل ويؤرخ
وَإِن كَانَ الْمَبِيع بِنَاء على أَرض محكرة
كتب: جَمِيع أبنية الدَّار الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصف ذَلِك وَصفا تَاما ويحدد وَيكْتب بعد قَوْله: وَمَا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة لَهُ شرعا خلا قَرَار ذَلِك الْحَامِل لأبنية الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه
فَإِنَّهُ خَارج عَن هَذَا البيع وَغير دَاخل فِيهِ
وَعَلِيهِ من الحكر فِي كل سنة كَذَا وَكَذَا وَعلم المُشْتَرِي بذلك واطلع عَلَيْهِ وَرَضي بِهِ وأقدم عَلَيْهِ ويكمل
وَإِن كَانَت الأَرْض حاملة لبِنَاء المُشْتَرِي كتب: جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الحاملة(1/69)
للأبنية الْجَارِيَة فِي ملك المُشْتَرِي الْمَذْكُور
ويشتمل مَا عَلَيْهَا من الْأَبْنِيَة على قاعة ويصفها ويحددها ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ الْمَبِيع بَيْتا من ربع أَو مخزنا من خَان أَو حانوتا من سوق
كتب: جَمِيع المخزن الْفُلَانِيّ أَو الطَّبَقَة الْفُلَانِيَّة أَو الْحَانُوت الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ من جملَة حُقُوق الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصف الْمَكَان الَّذِي يَبِيع مِنْهُ الْمَكَان الْوَاقِع عَلَيْهِ عقد البيع ويحدده وَيذكر المخزن أَو الطَّبَقَة أَو الْحَانُوت فِي أَي حد هُوَ وَفِي أَي صف من صُفُوف الْمَكَان الْمَبِيع مِنْهُ وَإِن حدد الطَّبَقَة أَو الْحَانُوت أَيْضا فَهُوَ أحوط
وَإِن كَانَ الْمَبِيع سطح حوانيت دون السّفل
كتب: جَمِيع سطح الحوانيت الكائنة بِالْوَضْعِ الْفُلَانِيّ الَّتِي عدتهَا كَذَا وَكَذَا دون سفلها الْآتِي ذكر ذَلِك وَوَصفه وتحديده فِيهِ: الْجَارِي سطح الحوانيت الْمَذْكُورَة بيد البَائِع وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حَالَة البيع وارتفاع الحوانيت من وَجه الأَرْض إِلَى نِهَايَة علوها كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وذرع سطح جَمِيع هَذِه الحوانيت الدَّاخِل فِي أَحْكَام هَذَا البيع دون سفله من مشرقيه إِلَى غربيه مِمَّا يَلِي قبليه كَذَا وَمن شرقيه إِلَى بحريه مِمَّا يَلِي بحريه كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل أَو الذِّرَاع الْحَدِيد ويحدد
وَإِن كَانَ الْمَبِيع سطح قاعة أَو سطح دَار
ذكر الْموضع والسقع وَالطَّرِيق المسلوك فِيهَا وَصفَة القاعة أَو الدَّار وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ وذرع السَّطْح على مَا تقدم وحدوده
وَإِن كَانَ الْمَبِيع بَيْتا علوا من دَار دون سفله
كتب: جَمِيع الْبَيْت الْعُلُوّ الْمَبْنِيّ على الْبَيْت السّفل الَّذِي هُوَ من الدَّار الْفُلَانِيَّة
ويحدد الدَّار وَيَقُول: وَهَذَا الْبَيْت الْمُشْتَرى عَن يَمِين الدَّاخِل إِلَى هَذِه الدَّار من بَابهَا الْمُشْتَملَة عَلَيْهِ الْآن أَو على يسرته أَو تِلْقَاء وَجهه
ويحدد السّفل دون الْعُلُوّ بِحُدُودِهِ الْأَرْبَعَة ثمَّ يذكر ذرعه طولا وعرضا ثمَّ يَقُول: وَطَرِيق هَذَا الْبَيْت الْعلوِي أَو ويصعد إِلَى هَذَا الْبَيْت الْعلوِي من على الدرجَة الَّتِي بمَكَان كَذَا من هَذِه الدَّار إِن كَانَت فِي داخلها أَو فِي خَارِجهَا وذرع الْموضع لهَذِهِ الدرجَة من كل جَانب مِنْهَا حَتَّى يذكر الجوانب كلهَا وَطَرِيقه مسلوك إِلَيْهَا من ساحة هَذِه الدَّار ودهليزها
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع السّفل من الدَّار دون الْعُلُوّ
كتب كَمَا تقدم إِلَّا أَنه يكْتب فِي ذكر الْحُقُوق: (وسفله
وكل حق هُوَ لَهُ) وَلَا يكْتب علوه لِأَن علو الْبَيْت مُخْتَلف فِيهِ
فَمن قَائِل: إِن السّقف والعلو يدْخل فِي الْمَبِيع أبدا إِلَّا أَن يستثنيه
وَمن قَائِل: إِن السّقف لصَاحب السّفل
وَمن قَائِل: إِنَّه لصَاحب الْعُلُوّ
وَمِنْهُم من زعم أَنه مُشْتَرك بَينهمَا
فَإِذا(1/70)
كتب: (بِجَمِيعِ حُقُوقه الَّتِي هِيَ لَهُ) فقد استوعب بذلك مَا هُوَ مِنْهُ
وَاحْترز بِهِ من الِاخْتِلَاف
وَأما ذكر الطَّرِيق والمرقى إِلَى الْبَيْت الْعلوِي: فَلَا بُد مِنْهُ لاخْتِلَاف الْفُقَهَاء فِي بطلَان البيع فِيمَن بَاعَ بَيْتا لَا طَرِيق لَهُ
فَإِن أمكنه اتِّخَاذ ممر صَحَّ
وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: أصَحهمَا الْبطلَان
وَإِن كَانَ الْمَبِيع قَرْيَة
كتب: جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بقرية كَذَا من عمل كَذَا ومضافات كَذَا وعدة فدنها كَذَا وَكَذَا فدانا عامرة آهلة
وتشتمل هَذِه الْقرْيَة على أَرَاضِي معتمل ومعطل وَسَهل ووعر وأقاصي وأداني ومصايف ومشاتي ومسارح ومراعي وبيادر وأنادر وعامر وغامر ودمن ومغارات وكهوف وجباب وصهاريج وعيون مَاء سارحة وأشجار مثمرة وَغير مثمرة وغراس ونصوب وبيوت ومساكن وَمَنَافع ومرافق وَحُقُوق ويحددها
ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وحجره ومدره وبيادره وأنادره ومعتمله ومعطله وسهله ووعره وأقاصيه وأدانيه ومصايفه ومشاتيه ومسارحه ومراعيه ودمنه ومغاراته وكهوفه وجبابه وصهاريجه وعيونه السارحة فِيهِ الْمعدة لسقي بعض أراضيه وأشجاره وغروسه ونصوبه وأصوله وفروعه وثماره وسقيه ومساكنه ومرابعه ومراتعه ومجاري مياهه فِي حُقُوقه ورسومه وَبِكُل حق هُوَ لذَلِك أَو لشَيْء مِنْهُ مَعْرُوف فِيهِ ومنسوب إِلَيْهِ دَاخل الْحُدُود الْمَذْكُورَة وخارج عَنْهَا من سَائِر الْحُقُوق الْوَاجِبَة لجميعه شرعا
خلا مَا فِي ذَلِك من مَسْجِد لله تَعَالَى ومقبرة للْمُسلمين وَطَرِيق سالك ورزق وإقطاعات جيشية وأحباسية وخلا مَا هُوَ وقف على مَسْجِد الْقرْيَة الْمَذْكُورَة
وَهُوَ قِطْعَة أَرض من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة بهَا غراس يعرف بِكَذَا ويحددها
فَإِن ذَلِك غير دَاخل فِي عقد هَذَا التبايع الْمَعْلُوم ذَلِك عِنْد الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع حِصَّة من قَرْيَة شائعة أَو مقسومة مفروزة كتب: جَمِيع الْحصَّة الشائعة أَو المقسومة المفروزة
وقدرها كَذَا وَكَذَا سَهْما من أصل كَذَا وَكَذَا سَهْما
أَو قدرهَا كَذَا وَكَذَا فدانا من أصل كَذَا وَكَذَا فدانا من جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بقرية كَذَا من عمل كَذَا
ويصف الْقرْيَة ويحددها ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَلنَا فِي هَذَا الْمحل تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: إِن كَانَ فِي الْقرْيَة حصيد فَلَا يَكْتُبهُ
لكَونه مَجْهُولا إِلَّا أَن يكون مَكِيلًا
فيذكر كَيْله وَلَا يكْتب: (خلا حق الله تَعَالَى إِن وَجب) لما فِيهِ من الْجَهَالَة وَإِن كتب فليعين قدر حق الله فِيهَا
وَهُوَ سهم وَاحِد أَو سَهْمَان حَتَّى يَنْتَفِي الْجَهْل والإضراب عَن ذكر ذَلِك أولى لِأَن ترك ذكره لَا يمْنَع من وُجُوبه(1/71)
وَإِن كَانَ فِي الْقرْيَة طَرِيق لقوم اسْتَثْنَاهُ وَكتب: إِلَّا مَا لفُلَان من الاجتياز فِي هَذِه الْقرْيَة بِحَق وَاجِب دون أَن يملك شَيْئا من رقبته أَو تكون رَقَبَة هَذَا الطَّرِيق مَمْلُوكَة لرجل بِعَيْنِه لَا مرفق فِيهِ لغيره بالاجتياز فَيَسْتَثْنِي أَيْضا وينبه على ذَلِك وَبَعض أهل الْعرَاق كتب: (خلا مَا فِيهَا من مَسْجِد ومقبرة)
فَإِنَّهُ غير دَاخل فِي هَذَا العقد
فَإِن كتب على هَذِه الصّفة كَانَ جَائِزا
وَإِن ترك ذكر الِاسْتِثْنَاء فِي ذَلِك كَانَ جَائِزا لِأَنَّهُ مَعْلُوم عِنْد الْمُتَعَاقدين: أَن الْمَسَاجِد والمقابر والأوقاف الَّتِي فِيهِ لَا تدخل فِي البيع وَلَا يحل العقد عَلَيْهَا
وَالَّذِي أرَاهُ أَن ذكرهَا وَذكر حُدُودهَا لتعلم أولى احْتِرَازًا من اسْتثِْنَاء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم
الثَّانِي: المحتش والمحتطب
قَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن بشير: إِن الحذاق من أَصْحَاب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يذكرُونَهُ
وَكره ابْن سَعْدَوَيْه ذكره لِأَنَّهُ قد يكون مُشْتَركا بَين صَاحب الْقرْيَة وَبَين الْمُسلمين
وَعَامة أَصْحَاب أبي حنيفَة يذكرُونَهُ
انْتهى
وَإِن كَانَ الْمَبِيع بستانا شجريا كتب: جَمِيع الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بِكَذَا الْكَائِن بِظَاهِر مَدِينَة كَذَا الْمُشْتَمل على سياج دائر عَلَيْهِ ومحيط بِهِ وعَلى جوسق أَو قاعة أَو منظرة وبحرة مستطيلة ويصف القاعة أَو المنظرة أَو الْجَوْسَقِ وَصفا تَاما على مَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ يَقُول: ويشتمل الْبُسْتَان الْمَذْكُور على أَشجَار وغراس مُخْتَلف الْأَنْوَاع وَالثِّمَار يسقى بِمَاء يصل إِلَيْهِ من نهر كَذَا
فَأَما مَاء الْجَوْسَقِ أَو القاعة: فَإِنَّهُ يجْرِي إِلَيْهَا المَاء من النَّهر الْمَذْكُور أبدا دَائِما مستمرا مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَوصل إِلَيْهِ وَإِلَى الشاذروان الَّذِي هُوَ بالقاعة
وَأما الْبُسْتَان: فَإِنَّهُ يجْرِي إِلَيْهِ المَاء من النَّهر الْمَذْكُور برسم شربه وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة بكمالهما وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ وَلَيْلَة الثُّلَاثَاء بكمالهما من كل أُسْبُوع دَائِما مستمرا مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَوصل إِلَيْهِ
ويحدد الْبُسْتَان
وَإِن كَانَ سقيه من الْآبَار أَو السواقي: فَيكْتب فِي كل بِلَاد على اصْطِلَاح أَهلهَا وَيكْتب: فِيمَا يسْقِي من الْآبَار الهمالية والصدور البحرية دَار الْبَقر والشونة وَالْعدة الْخشب
وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الْجذع والأتراس والمحلة والطونس والقواديس والقائم
وَصفَة الْبِئْر واستطالتها وتدويرها
وَإِن كَانَت ذَات وَجه أَو وَجْهَيْن أَو ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة(1/72)
وأبنيتها وحيطانها وهراميسها الْمَعْلُوم ذَلِك عِنْدهمَا الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع أشجارا بِأَرْض مَوْقُوفَة على جِهَة مُتَّصِلَة كتب: جَمِيع الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة الأثمار الْقَائِمَة بِقِطْعَة أَرض بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ من بلد كَذَا وَيعرف ذَلِك ببستان كَذَا وعدة أشجاره يَوْمئِذٍ كَذَا وَكَذَا ولهذه الْأَشْجَار حق شرب من مَاء قناة كَذَا أَو نهر كَذَا
أَو ناعورة كَذَا فِي وَقت كَذَا أَو يَوْم كَذَا أَو لَيْلَة كَذَا ويحدد وَيَقُول: بِحَق ذَلِك كُله إِلَى آخِره فَإِذا وصل إِلَى قَوْله: (وَمَا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة لَهُ شرعا) يَقُول: (خلا الأَرْض الحاملة لهَذِهِ الْأَشْجَار والحوائط المحيطة بهَا فَإِنَّهَا غير دَاخِلَة فِي عقد هَذَا البيع
وَهِي من جملَة الْأَوْقَاف الْجَارِيَة فِي الْجِهَة الْفُلَانِيَّة وَللْمُشْتَرِي الْمَذْكُور الْمُرُور فِيهَا بِنَفسِهِ وأجرائه ودوابه وَمن أَرَادَ وَهِي جَارِيَة فِي إِيجَار المُشْتَرِي مُدَّة طَوِيلَة بِعقد إِجَارَة جرى بَينه وَبَين البَائِع بِمَا مبلغه فِي كل سنة كَذَا وَكَذَا
وَهِي نَظِير الْأُجْرَة الَّتِي اسْتَأْجرهَا بهَا البَائِع الْمَذْكُور من النَّاظر الشَّرْعِيّ على الْوَقْف الْمَذْكُور وَأذن البَائِع للْمُشْتَرِي فِي دفع الْأُجْرَة عَن كل سنة إِلَى مستحقي قبضهَا مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ من نَاظر شَرْعِي أَو غَيره إِذْنا شَرْعِيًّا ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع الثِّمَار كتب: جَمِيع ثَمَرَة الْأَشْجَار الْقَائِمَة بالبستان الْفُلَانِيّ الَّتِي بدا صَلَاحهَا
وطاب أكلهَا وَجَاز قطافها وَبَيْعهَا بِشَرْط الْقطع أَو بِشَرْط التبقية إِلَى أَوَان الجداد إِذا كَانَت الثَّمَرَة نخلا وَإِن كَانَت غير ذَلِك: فَإلَى أَوَان قطاف تِلْكَ الثَّمَرَة على الْعَادة
وعدة الْأَشْجَار كَذَا وَكَذَا شَجَرَة ويصف الْبُسْتَان ويحدده
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن كَانَ الْمَبِيع حَماما كتب: جَمِيع الْحمام العامر الدائر الْمَعْرُوف بِكَذَا الْكَائِن بِمَدِينَة كَذَا الْمعد لدُخُول الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو لأَحَدهمَا الْمُشْتَمل على بوابة مقنطرة مقرنصة بالرخام أَو مربعة يدْخل مِنْهَا إِلَى دهليز مستطيل مبلط ومسلخ بِهِ مصاطب دَائِرَة ومقاطيع سفلية وعلوية وفسقية برسم المَاء الْبَارِد وَبَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى بَيت أول بِهِ حَوْض أَو حوضان للْمَاء الْبَارِد وَبَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى بَيت الْحَرَارَة بِهِ أَرْبَعَة أحواض متقابلة وجرن صوان أَو رُخَام ومطهر سكندري وَثَلَاث خلاوي بِأَبْوَاب مقنطرة
أَحدهَا: بَاب الْمجَاز المتوصل مِنْهُ إِلَى بَيت الْحَرَارَة
ويعلو ذَلِك قباب معقودة وأقبية مغموسة بِالْحِجَارَةِ أَو بالآجر والكلس
وَذَات الجامات الرخام الملون
وَأَرْض ذَلِك مفروشة بالرخام المقصص المجزع أَو الألواح أَو غير ذَلِك ويشتمل الْحمام الْمَذْكُور على خزانَة ومصنع وَقدر من نُحَاس وَأَرْبَعَة قدور من الرصاص وأقيم ومنشر(1/73)
ومستوقد وَدَار الدَّوَابّ والشونة والسراب الْمَنْسُوب لَهَا فِي تخوم الأَرْض
وَيجْرِي المَاء إِلَى هَذَا الْحمام من قناة كَذَا فِي كيزانه وبرابخه المختصة بِهِ من مقسم كَذَا
وَهُوَ نصف إِصْبَع من أَصَابِع الذِّرَاع النجاري أبدا لَيْلًا وَنَهَارًا مَا جرى المَاء فِي الْقَنَاة الْمَذْكُورَة وَوصل إِلَيْهِ
وَيَقُول: وَذَات الْبِئْر المَاء الْمعِين المطوية بالآجر والجير والساقية الْخشب المركبة على فوهتها والمقاسم والمغائص ومجاري المَاء
وَإِن كَانَ من حُقُوق ذَلِك دكاكينا أَو طباقا ذكرهَا
ويحدده ثمَّ يَقُول: بِحُقُوق ذَلِك كُله ومجاري مياهه الظَّاهِرَة ومصارف مياهه الهاربة فِي حُقُوقه ورسومه
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع طاحونا كتب: جَمِيع الطاحونة الْبَيْت الأرحاء الْمَعْرُوفَة بِكَذَا الراكبة على نهير كَذَا ظَاهر مَدِينَة كَذَا من قبليها أَو شماليها الْمُشْتَملَة على ثَلَاثَة أَزوَاج حِجَارَة معدة لطحن الْغلَّة وعَلى إصطبل وآلات وَمَنَافع وَحُقُوق وتحدد ثمَّ يَقُول: بِحَق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وعدده وآلاته وأحجاره الْمعدة للطحن فِيهِ وأسبابه ومرونه وحدايده وقلاقله وفوده وسكره ومجاري مياهه فِي حُقُوقه ورسومه
وبحق دوران أحجارها من مَاء النَّهر الْمَذْكُور الْجَارِي فِي فودها الْمُخْتَص بهَا
وَقدر طوله ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بالذراع النجاري وَعرضه ذراعان
وَله كتفان قائمان عرض كل مِنْهُمَا ذِرَاع وَاحِد بالذراع الْمَذْكُور
وَهُوَ حق قديم وَاجِب مُسْتَمر أبدا مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَوصل إِلَيْهَا فِي فودها وَمَا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة لجميعه شرعا
وَإِن كَانَت مِمَّا يَدُور بالدواب كتب: الْمُشْتَملَة على بَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى مسطاح بِهِ تَابُوت أَو تابوتين معدان للدقيق وجرن حجر صوان معد للْمَاء برسم غسل الْقَمْح وَبَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى حجر وَاحِد فَارسي أَو حجرين مُتَقَابلين دائرين مكملي الْعدة والآلة بالقاعدة وَالْقلب والفأس الْحَدِيد والهرميس وَالْحَلقَة المحددة يتَوَصَّل من ذَلِك إِلَى دَار الدَّوَابّ ثمَّ إِلَى الْبِئْر المَاء الْمعِين والمراغة ثمَّ إِلَى سلم يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى علو ذَلِك الْمُشْتَمل على الْمضَارب الْمعدة لخزن الْقَمْح والسطح العالي على ذَلِك
وَذَات الْمرَافِق والحقوق
ويكمل على مُقْتَضى اصْطِلَاح أهل كل بلد
وَإِن كَانَ الْمَبِيع أَرضًا نهرية مضربا لطاحونة وأرضا مستطيلة كتب: جَمِيع القطعتي الأَرْض المتلاصقتين
وَبِهِمَا مضرب يصلح لبِنَاء طاحونة وفودها وسكرها وساقيتها على مَا يَأْتِي ذكره
وَهَاتَانِ القطعتان: إِحْدَاهمَا شرقية مربعة
وَالْأُخْرَى: غربية مستطيلة
وهما مجاورتان للنهر الْفُلَانِيّ من شمَالي الْبَلَد بِحَضْرَة الْمَكَان الْفُلَانِيّ ذرع الْقطعَة المربعة الشرقية قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا وشرقا وغربا كَذَا وَكَذَا ويحددها ثمَّ يَقُول: وذرع الْقطعَة الغربية المستطيلة قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وشرقا وغربا كَذَا وَكَذَا
ويحددها أَيْضا ثمَّ يَقُول: بِحَق ذَلِك(1/74)
كُله وطرقه ومرافقه وفوده وساقيته وَمحل سكره ومجاري مياهه فِي حُقُوقه ورسومه وبحقه من المَاء الْوَاصِل إِلَيْهِ من النَّهر الْمَذْكُور لإدارة أحجاره الَّتِي تبنى فِيهِ أبدا مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَبِمَا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة لَهُ شرعا شِرَاء شَرْعِيًّا لَازِما لبِنَاء طاحونة تَامَّة كَامِلَة راكبة على النَّهر الْمَذْكُور تسع ثَلَاثَة أَزوَاج حِجَارَة معدة لطحن الْغلَّة وُفُود وسكر وساقية وإصطبل وَمَنَافع ومرافق وَبِنَاء سَائِر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وإجراء مَاء النَّهر الْمَذْكُور لإدارة أحجارها حَسْبَمَا شرح أَعْلَاهُ وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع ناعورة كتب: جَمِيع الناعورة الراكبة على النَّهر الْفُلَانِيّ
الْمَعْرُوفَة بِكَذَا ظَاهر مَدِينَة كَذَا من قبليها أَو شماليها
وتشتمل على فخذين مبنيين بِالْحِجَارَةِ والكلس يجْرِي المَاء بَينهمَا لدورانها على سكر مستطيل من الْحِجَارَة العجالية والهرقلية والعتالية والأعتاب المستطيلة وعَلى فلكة خشب مستديرة مركبة بَين الفخذين وعَلى قلب وفوقية وبتوس ذرع دَائِرَة فلكها كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالنجاري
وَهِي من ذَات وَجْهَيْن أَو ذَات وَجه وَاحِد
كَامِلَة الدسر والمسامير والقار والزفت
ويحددها ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وأحجاره وأرضه وأبنيته وأخشابه وفلكته ونفيره وفوقيه وبتوسه وساقاته وأضلاعه وصلبانه وبحقه من مَاء النَّهر الْمَذْكُور لغرف الناعورة مِنْهُ أبدا دَائِما مستمرا مَا جرى المَاء فِيهِ وَوصل إِلَيْهَا
وَهُوَ حق قديم مَعْلُوم مؤبد يسْقِي بِهِ المُشْتَرِي مَا شَاءَ من الْبَسَاتِين والأراضي وَغير ذَلِك وَمِمَّا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة لَهُ شرعا شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع أَرضًا نهرية تصلح لبِنَاء ناعورة كتب: جَمِيع القطعتي الأَرْض المتلاصقتين اللَّتَيْنِ هما مضرب يصلح لبِنَاء ناعورة وسكرها على مَا يَأْتِي ذكره
وَهَاتَانِ القطعتان إِحْدَاهمَا شرقية ذرعها كَذَا وَحدهَا كَذَا
وَالْأُخْرَى غربية ذرعها كَذَا وَحدهَا كَذَا
وهما على كتف النَّهر الْفُلَانِيّ من شمَالي بلد كَذَا بِحَضْرَة الْمَكَان الْفُلَانِيّ ثمَّ يكْتب: بِحُقُوق ذَلِك كُله وبحق بِنَاء فَخذيهِ وسكره ومجاري مياهه وبحقه من مَاء النَّهر الْمَذْكُور الْوَاصِل إِلَيْهِ لإدارة ناعورة تُوضَع بِهِ وبحق غرفها من المَاء الْمَذْكُور أبدا دَائِما مستمرا لَيْلًا وَنَهَارًا
وَهُوَ حق وَاجِب مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَوصل إِلَيْهِ
بِمُقْتَضى مَا وَقع بَين الْمُتَبَايعين أَو بَين البَائِع وَبَين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور حِين ابْتَاعَ ذَلِك مِنْهُ لبِنَاء ناعورة وإدارتها وغرفها من النَّهر الْمَذْكُور بِمُقْتَضى كتاب التبايع الشَّاهِد لَهُ بذلك شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل(1/75)
وَإِن كَانَ الْمَبِيع حِصَّة من مقسم المَاء كتب: جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها سِتَّة أسْهم مثلا من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من جَمِيع مقسم المَاء الَّذِي هُوَ بِمَدِينَة كَذَا بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ والكلس
وقراره خَاص لَهُ
وَبِه جرن مُسْتَقر يجْرِي إِلَيْهِ المَاء من نهر كَذَا إِلَى طوالع ونوازل وبرابخ إِلَى أَن يصل وَيَنْتَهِي إِلَيْهِ وَمَاء هَذَا الْمقسم آخذ من الْمقسم الْفُلَانِيّ الَّذِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
ومجموع مَا فِي هَذَا الْمقسم الْمَبِيع مِنْهُ هَذِه الْحصَّة من الْمقسم الْآخِذ مِنْهُ الَّذِي هُوَ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ الْمقسم الْمَأْخُوذ مِنْهُ آخذ من نفس النَّهر الْمَذْكُور ببرابخ مُخْتَصَّة بِهِ
وَهَذَا الْمقسم الْمَبِيع مِنْهُ يشْتَمل جرنه على مَا جملَته سِتَّة أَصَابِع من أَصَابِع الذِّرَاع النجاري وَهُوَ مَفْرُوض من جوانبه بفروض يَنْقَسِم مَاؤُهُ فِيهَا إِلَى مستحقيها
فَمِنْهَا هَذَا الْمَبِيع الْمعِين فِيهِ
وَهُوَ إِصْبَع وَاحِد وَنصف إِصْبَع من جملَة سِتَّة أَصَابِع وَهِي جَمِيع مَاء الْمقسم الْمَذْكُور
وَهَذَا الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ يجْرِي مَاؤُهُ إِلَى ملك المُشْتَرِي الْمَذْكُور دَائِما لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يحبس عَنهُ أبدا وَلَا يَنْقَطِع مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور ووصار إِلَيْهِ
ينْتَفع بِهِ المُشْتَرِي الْمَذْكُور فِي ملكه
ويقسطه فِيهِ كَيفَ شَاءَ من بركَة إِلَى أُخْرَى إِلَى صهريج ومطبخ ومرتفق ومشرب غراس وَغير ذَلِك مِمَّا يَقع عَلَيْهِ اخْتِيَاره من غير اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ ويحدد الْمقسم ثمَّ يَقُول: بِحَق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وأرضه وأبنيته وطوالعه ونوازله وبرابخه وكيزانه وجرنه ومقره وممره وبحق الْحصَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ من مَائه الْمعِين فِيهِ الْوَاصِل إِلَيْهِ وَمَا يخْتَص بِهِ من الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة الْوَاجِبَة لَهُ شرعا شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع عين مَاء كتب: جَمِيع الْعين الْمَعْرُوفَة بِكَذَا الَّتِي هِيَ بِبَلَد كَذَا وَجَمِيع الأَرْض المحيطة بهَا من جوانبها ومبتدأها من مَوضِع كَذَا واستدارتها كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وعمقها كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بِذِرَاع كَذَا ظَاهر مَائِهَا غير متفرق وذرع الأَرْض المحيطة بهَا من جوانبها كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
فَائِدَة: الْكِتَابَة فِي بيع الْعين على هَذِه الصّفة أولى من أَن يكْتب: اشْترى مِنْهُ الْعين وحريمها
وَهُوَ خَمْسمِائَة ذِرَاع على مَا جَاءَ فِي الْخَبَر: (أَن حريمها خَمْسمِائَة ذِرَاع) لِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِي حَرِيم الْعُيُون والآبار والأنهار
فَمنهمْ من ذكر أَنه أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَمِنْهُم من قَالَ سِتُّونَ وَمِنْهُم من قَالَ مَا بلغ حبلها يَعْنِي فِي الْآبَار وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه على قدر الرَّمْي بالمخارق وَهُوَ مَجْهُول لَا يعلم قدره لاخْتِلَاف قُوَّة الرَّامِي
فَإِذا كتب مَا ذَكرْنَاهُ سلم من الْخلاف
انْتهى
وَإِن كَانَ الْمَبِيع بِئْر مَاء معِين كتب: جَمِيع الْبِئْر المَاء الْمعِين المبنية بالطوب الْآجر والطين والجير أَو الْحجر أَو القرميد والكلس
وَجَمِيع الساقية الْخشب المركبة على(1/76)
فوهتها ويصفها وَيذكر حُدُود الْبِئْر الْأَرْبَعَة وَمِقْدَار دورها إِن كَانَت مستديرة أَو مربعة
وَإِن كَانَ الْمَبِيع جبا محتفرا حفرا مربعًا أَو مدورا كتب: ذرعه قبْلَة وَشمَالًا وشرقا وغربا وذرع دوره وتربيعه واعتماقه وذرع سفله ويصف مَا على رَأسه من خرزة وَمَا بجانبي الخرزة من عمودين من حَدِيد أَو حجر وَمَا يعلوهما من عتبَة أَو قنطرة من حَدِيد أَو قَائِمَة من خشب وحلقة من حَدِيد وبكرة من خشب الْجَوْز ملبسة بنحاس أَو مطوقة بالحديد دَائِرَة على قضيب من حَدِيد وسطل من حَدِيد أَو من نُحَاس ويحدده
ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وأرضه الَّتِي هِيَ حريمه
وَمن جملَة حُقُوقه وخرزه وعمده وبكرته وسطله ومصارف مياهه الْمُنْفَصِلَة بعد الِاسْتِيفَاء مِنْهُ وَالِانْتِفَاع بِهِ
وَإِن كَانَ لَهُ مصول كتب: وَجَمِيع المصول الْمُشْتَمل على بركَة يعلوها قبو مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ الْكِبَار العجالية والسيور والأعتاب المستطيلة وَصُورَة بنائِهِ صُورَة زلحفة الْعُلُوّ كالسفل وطهره مركوك بفرش من الْحِجَارَة والكلس يستطرق إِلَيْهِ من بَاب مربع فِي درج من الْحِجَارَة متخذ ذَلِك الْبَاب لتحرزه من الطين الراسب بأرضه وتنقيته وتنظيفه
وَلِهَذَا الصهريج حق مَا وَاصل إِلَيْهِ فِي قناة صَغِيرَة الوسع مدفونة فِي الأَرْض متخذة من الْحِجَارَة المنقورة آخذ من نهر كَذَا
وَهُوَ حق قديم وَاجِب مُسْتَمر
مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَوصل إِلَيْهِ
ويحدد الصهريج والمصول ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وبنائه ورصاصه المغترس فِي أرضه وخرزته وسطله وبلاطه ومصبه ومصارف مياهه فِي حُقُوقه ورسومه وقناته الْوَاصِل فِيهَا المَاء من النَّهر الْمَذْكُور إِلَيْهِ وبسائر الْحُقُوق الْوَاجِبَة لجميعه شرعا شِرَاء شَرْعِيًّا ويكمل
وَصُورَة وَقفه وَمَا يوقفه المُشْتَرِي على مَصَالِحه يَأْتِي فِي كتاب الْوَقْف إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَإِن كَانَ الْمَبِيع دولابا ذكر بقعته وعمقه
وَهل هُوَ مستطيل أَو مربع وذرع دوره وَمَا هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ من بكرَة وقائم وقلب وبقر وسائق وقائد وكيزان وحبال ويحدده
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع جبا معدا لخزن الْغلَّة أَو صهريجا لخزن الزَّيْت أَو غير ذَلِك مِمَّا يدّخر فِي الْجبَاب
ذكر بقعته وضيق رَأسه وَطول رقبته واتساع حالاته وذرع سفله وعمقه
وَإِذا انْتهى ذكر وَصفه حدده
وَإِن كَانَ الْمَبِيع مَوضِع الجليد وَهُوَ فِي غير ديار مصر كتب: جَمِيع الْبَيْت(1/77)
الْمَعْرُوف بِبَيْت الجليد وموقعه بِبَلَد كَذَا
فَإِن كَانَ محفورا كتب طوله وَعرضه وعمقه محررا بالذراع
وَكتب حُقُوقه وعماراته وبناءه وَسَائِر مرافقه ومحبس مَائه
وكل شَيْء هُوَ لَهُ على مِثَال شَرط الدَّار
ويصفه وَصفا تَاما ويحدده
وَإِن كَانَ محتبس مَائه مُتَّصِلا بِهِ ذكره مَعَه
وَذكر المحتبس من الْجَانِب الَّذِي يتَّصل بِأحد الْحُدُود
وَإِن كَانَ نَائِبا عَنهُ ذكر حُدُوده الَّتِي هِيَ لَهُ على تناهي الْوُجُوه كلهَا من مجْرى مَاء وساقية أَو عين وقناة مِنْهُ للمجرى
كَمَا سبق فِي غَيره
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع نَهرا كتب: جَمِيع النَّهر الْفُلَانِيّ وَجَمِيع الأَرْض الَّتِي على جانبيه وَهِي كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا طولا
وعمق هَذَا النَّهر كَذَا وَكَذَا ومأخذه من نهر كَذَا ومصبه إِلَى نهر كَذَا ويحدد الأَرْض
ويكمل
فَائِدَة: إِنَّمَا يذكر العمق فِي النَّهر لِأَنَّهُ قد يُزَاد فِي الْحفر فِي عمقه
فَيكون ضَرَرا على النَّهر الَّذِي هُوَ آخذ مِنْهُ مَانع لزِيَادَة المَاء الَّذِي ينصب مَاء هَذَا النَّهر فِيهِ
انْتهى
وَإِن كَانَ الْمَبِيع مركبا كتب: جَمِيع الْمركب المورقي أَو الباطوسي الدرمونة أَو الْعقبَة أَو المبطن أَو القياسية أَو الحراقة أَو الشختور أَو الزورق أَو الككة أَو الْعَامَّة أَو الشيني أَو الْقطعَة أَو السَّفِينَة أَو الْفلك أَو غير ذَلِك من مراكب الْبَحْر الْملح أَو العذب على اصْطِلَاح لُغَة أهل الْبَحْر فِي ذَلِك
وَإِن كَانَ الْمركب من مراكب الْبَحْر الْملح ذكر مَا فِيهِ من الصواري والقلاع والخصف أَو الْقطن والمراسي والحبال والسرياقات والأخشاب والآلات والستاير
وَيَقُول فِي وصف كل وَاحِد من هَذِه السفن: الصَّحِيحَة الخالية من الْكسر والشقوق والخروق الْكَامِلَة الألواح والدسر والحبال والسرياقات المحكمة المقنبطة بالقنب والقار والزفت والفتبار
وَفِي مراكب الْبَحْر العذب يذكر النَّوْع والصواري والجوامير والقرايا والقلاع وعدة مفصلاتها وبيلماناتها
وَإِن كَانَت منورة أَو ياسمينية مربعة أَو جنَاحا وعدة مراسيه وحباله ومهدته ومجاديفه ودوامسه وجساطينه وأصاقيله ودفاته ومرماته ومداريه
وَمَا هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ من سد السويين وتغطية الحتين وذرع طوله بالذراع النجاري ومحمله من الغلات والحبوب والأحطاب
ويكمل الْأَوْصَاف على لُغَة أهل كل بَحر مُعْتَمدًا على وَصفهم فِي تَسْمِيَة ذَلِك الْمَبِيع وَمَا بِهِ من الْعدَد والآلات الْمعدة لَهُ فِي عرفهم الدَّاخِلَة فِي عقد البيع
فَإِذا انْتهى من ذَلِك يَقُول: شِرَاء شَرْعِيًّا
ويكمل
فَائِدَة: الزورق صَغِير خَال من المرساة والصواري والقلاع وَهُوَ فِي الْبَحْر الْملح بِهَذِهِ الصّفة
وَفِي الْبَحْر العذب: يسير بالصواري والقلاع والمرساة(1/78)
والشيني: دَقِيق مسنم السّفل حاد الْمُقدم والمؤخر أَسْفَله خَال من التثقيل مفروش بِالدُّفُوفِ للمعاتلة بمقاديف ومرساة وستائر وَعدد معلقَة بِهِ
خَال من الصواري والقلاع
والككة: عريضة السّفل والعلو مقدمها ومؤخرها حاد متسعة ذَات طباق
الطَّبَقَة السُّفْلى مِنْهَا: للحديد والقطن والأثقال
وَالثَّانيَِة للحريم والجواري وَالرَّقِيق والعلو: للرِّجَال ويشتمل علوها على صَار أَو اثْنَيْنِ وعَلى قلع أَو اثْنَيْنِ وعَلى مرساة أَو اثْنَيْنِ وحبال وسرياقات وصهريج برسم المَاء الحلو
والقطعة: أكبر من الككة وسفلها وعلوها متسع جدا وتشتمل على طَبَقَات فِي السّفل وعَلى طباق فِي الْعُلُوّ ذَات رواشن مشقفة مدهونة بطاقات مشرفة ومطلة على الْبَحْر وصهاريج وأفران ومرتفقات
وَأَرْض مفروشة بِالتُّرَابِ لزرع الخضراوات وصواري وقلاع ومراسي وَلَيْسَ بهَا مقاديف
فَإِنَّهَا لَو اجْتمعت خلائق كَثِيرَة على تحريكها بالمقاديف لعجزوا وَلَا يسيرها إِلَّا الله تَعَالَى بالرياح الْعَاصِفَة
وَأما السَّفِينَة والفلك: فهما أكبر من الْقطعَة
وهما من نوع الْفلك الَّتِي صنعها نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَركب هُوَ وَمن أمره الله بالركوب فِيهَا
انْتهى
وَإِن كَانَ الْمَبِيع قبانا كتب: جَمِيع القبان الْمُشْتَمل على قَصَبَة من حَدِيد مكفتة مشجرة مطعمة بِالْفِضَّةِ أَو بِالنُّحَاسِ الْأَصْفَر أَو الْأَحْمَر
فَإِن كَانَ محرزا فِي الْقَضِيب كَبِيرا وصغيرا
فَيَقُول: وَفِي القصبة بَابَانِ محرزان الْكَبِير مِنْهَا يخرج من مائَة رَطْل إِلَى مائَة وَخمسين رطلا
وَالْبَاب الصَّغِير آخِره مائَة رَطْل
فَإِن كَانَ قبانا كَبِيرا يَقُول: ويشتمل هَذَا القبان على متحدين
الأول مِنْهُمَا: إِلَى جِهَة القصبة يخرج مائَة وَخمسين رطلا أَو يخرج مائَة وَثَمَانِينَ رطلا بالدمشقي
وَهَذَا نِهَايَة مَا يُخرجهَا القبان
وَهَذَا يُسمى رومي
والقبان الصَّغِير يُسمى فرسطوني
وَيخرج خمسين رطلا
وصغير الصَّغِير وَهُوَ الَّذِي يكون رطلان أَو ثَلَاثَة أَرْطَال وَآخره عشرَة أَرْطَال ثمَّ يَقُول: مَفْرُوض بعلامات يخرج فِي الْبَاب الْكَبِير من كَذَا إِلَى كَذَا
وَفِي الْبَاب الصَّغِير من كَذَا إِلَى كَذَا
وَفِي صَغِير الصَّغِير من كَذَا إِلَى كَذَا
وَيذكر فِي كل وَاحِد نِهَايَة مَا يُخرجهُ بفروض مَعْلُومَة على القنتين من فولاذ وقنتنين كَبِير وصغير وعقرب ورمانة وطبق وسلاسل من حَدِيد شِرَاء شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ الْمَبِيع رَقِيقا فالرقيق تخْتَلف أجناسه وحلاه
فالتركي مِنْهُ أَنْوَاع قياط ونيمان ومغل وقبجق وخطامي وجركس وروس وآص وبلغار وتتر وآق وجقطاي وكرج وروم وأرمن
والسودان أَجنَاس: أمحري حبشِي وتكروري(1/79)
ونوبي وزغاوي وداجوي وهندي وخلنجي وبجاوي وزنجي ويمني وسروي ومولد
فَإِذا كتب عَهده بِبيع جنس من هَذِه الْأَجْنَاس ذكر الْجِنْس والشبه والحلية وَالْإِسْلَام أَو غير مُسلم
وَالْبُلُوغ أَو مراهقا أَو عشاريا أَو تساعيا أَو ثمانيا أَو سباعيا أَو سداسيا أَو خماسيا أَو رباعيا أَو ثلاثيا أَو فطيما أَو رضيعا
ذكرا أَو أُنْثَى
وَإِن كَانَ بَالغا كتب اعترافه لبَائِعه بِالرّقِّ والعبودية
وَإِن كَانَ الْمَبِيع مَمْلُوكا تركيا كتب جَمِيع الْمَمْلُوك التركي المغلي أَو غَيره وَمن حليته: حِين طر شَاربه وَهُوَ ظَاهر اللَّوْن أبيضه وَاضح الْجَبْهَة أدعج الْعَينَيْنِ طَوِيل الْأَهْدَاب أكحل الجفون متطامن قَصَبَة الْأنف سهل الْخَدين مضرج الوجنتين ألعس الشفتين مفلج الْأَسْنَان صَغِير الْفَم طَوِيل الْعُنُق تَامّ الْقَامَة صَغِير الْقَدَمَيْنِ شِرَاء شَرْعِيًّا ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع جَارِيَة تركية كتب: جَمِيع الْجَارِيَة الغنجاقية الْجِنْس الْمسلمَة الدّين المدعوة فُلَانَة بنت عبد الله الْبَالِغ المعترفة لبائعها الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية وَمن حليتها: أَنَّهَا شَابة ظَاهِرَة اللَّوْن مشربَة بحمرة وَاضِحَة الْجَبْهَة كَمَا تقدم فِي الصُّورَة الَّتِي قبل هَذِه بِصِيغَة التَّأْنِيث
وَإِن كَانَ الْمَبِيع أسود كتب: جَمِيع العَبْد الْأسود التكروري الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف لبَائِعه الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية وَمن حليته: أَنه آدم اللَّوْن قطط الشّعْر سهل الْخَدين صبيح الْوَجْه معتدل الْقَامَة
ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَبِيع جَارِيَة سَوْدَاء كتب: جِنْسهَا ولونها وَأَنَّهَا مسلمة بَالِغَة
واعترافها لبائعها بِالرّقِّ والعبودية
ووصفها بأتم مَا هِيَ مُشْتَمِلَة عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف الظَّاهِرَة
وَإِن كَانَ الْمَبِيع عبدا بِعَبْد أَو عبدا أسود بمملوك أَبيض أَو عبدا أَبيض أَو أسود بِجَارِيَة أَو عبدا أسود أَو مَمْلُوكا أَبيض أَو جَارِيَة بدار أَو فرس أَو بغل أَو حمَار أَو عرُوض قماش أَو لُؤْلُؤ أَو غير ذَلِك من الثمنيات الظاهرات الْجَائِز بيعهَا إِجْمَاعًا أَو فِيهِ خلاف مثل كلب أَو سرجين أَو زَيْت نجس أَو شَيْء من آلَات الملاهي على اختلافها فيذكر صِفَات كل وَاحِد من الثّمن والمثمن
فَإِن كَانَ أَحدهمَا مِمَّا فِيهِ الْخلاف كتبه وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم فِيهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ رَقِيقا بحيوان أَو رَقِيقا برقيق
فيذكر فِي الرَّقِيق الْجِنْس واللون والحلية وَالِاسْم وَالِاعْتِرَاف بِالرّقِّ والعبودية إِن كَانَ بَالغا وَيذكر فِي الْحَيَوَان الْجِنْس وَالسّن والشبه ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه(1/80)
والبيوع تَارَة تكون مُتَعَلقَة بِبَيْت المَال الْمَعْمُور
ويتولى السُّلْطَان البيع بِنَفسِهِ أَو وَكيل بَيت المَال أَو نَائِبه
وَتارَة تكون أَهْلِيَّة تتَعَلَّق بِالْأَبِ أَو الْجد أبي الْأَب على ولدهما الصَّغِير لغبطة أَو مصلحَة ظَاهِرَة أَو لحَاجَة يسوغ مَعهَا البيع شرعا
وَتارَة تكون من وَصِيّ شَرْعِي أَو مَنْصُوب من حَاكم الشَّرْع الشريف بِإِذْنِهِ وَأمره فِي البيع على يَتِيم فِي حجر الشَّرْع الشريف لغبطة أَو حَاجَة من نَفَقَة أَو كسْوَة أَو على غَائِب أَو ميت لوفاء دين أَو صدَاق أَو فرض متجمد أَو غير ذَلِك
وَتارَة تكون وَاقعَة بَين متبايعين لأنفسهما أَو لوكيليهما أَو وَكيل أَحدهمَا كَمَا تقدم
فَإِن كَانَ مِمَّا يتَعَلَّق بِبَيْت المَال الْمَعْمُور وَالْبَائِع السُّلْطَان بِنَفسِهِ
كتب: هَذَا كتاب ابتياع شَرْعِي أَمر بكتابته وتسطيره وإنشائه وتحريره وَاسْتِيفَاء مقاصده وَاسْتِعْمَال مَعَانِيه مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ
أعز الله نَصره وأنفذ فِي الْخَافِقين نَهْيه وَأمره
وَأشْهد بِهِ على نَفسه الشَّرِيفَة فِي صِحَة جثمانه وتمكين قوته وسلطانه وَثُبُوت قدرته ونفوذ كَلمته من حضر مقَامه الشريف ومجلسه الْمُعظم المنيف من الْعُدُول الواضعين خطوطهم آخِره أَنه فِي يَوْم تَارِيخه: بَاعَ من الْمقر الْأَشْرَف العالي المولوي الْفُلَانِيّ وَيذكر من ألقابه مَا يَلِيق بِهِ فَاشْترى مِنْهُ فِي عقد وَاحِد صَفْقَة وَاحِدَة مَا هُوَ جَار فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور وَفِي أَيدي نوابه وَلَا يَد لأحد عَلَيْهِ سواهُم إِلَى حِين هَذَا البيع للْحَاجة الداعية إِلَى بيع مَا يَأْتِي ذكره فِيهِ وَصرف ثمنه الْآتِي تَعْيِينه فِي مصَالح الْمُسلمين وأرزاق الْجند الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله الذابين عَن حوزة الْإِسْلَام وَفِي عمَارَة الأسوار وسد الثغور وَغير ذَلِك من الْمصَالح وَمَا لَا بُد للْمُسلمين مِنْهُ وَلَا غنى لَهُم عَنهُ
وَبِمَا إِلَيْهِ خلد الله ملكه وَجعل الأَرْض بأسرها ملكه من الْولَايَة الشَّرْعِيَّة الْعَامَّة على بَيت المَال الْمَعْمُور وَفعل مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه الشريف
وَلكَون الثّمن الْآتِي تَعْيِينه ثمن الْمثل للْمَبِيع الْآتِي ذكره يَوْمئِذٍ بِشَهَادَة من سيعين بعد ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره وَذَلِكَ جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بِكَذَا الَّتِي هِيَ من عمل كَذَا وتوصف وتحدد ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخر مَا تقدم شَرحه شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَهُوَ الثّمن الزَّائِد على ثمن الْمثل وَهُوَ من جملَة الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ الْجَمِيع على حكم الْحُلُول
أذن مَوْلَانَا السُّلْطَان عز نَصره للْمُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي دفع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى مباشري بَيت المَال الْمَعْمُور الواضعين خطوطهم بهامشه وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَدفع ذَلِك إِلَيْهِم فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَحمل إِلَى بَيت المَال الْمَعْمُور وبرئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ من جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
وَمن كل جُزْء مِنْهُ بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة قبض(1/81)
وَاسْتِيفَاء
وَسلم مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم العالي المولوي السلطاني الْمشَار إِلَيْهِ أدام الله دولته وأنفذ فِي مصَالح الْمُسلمين كَلمته إِلَى المُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين فِيهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا تسلم مثله لمثل ذَلِك
وَصَارَ ملكا من أملاكه وَحقا من حُقُوقه بِحكم هَذَا التبايع الشَّرْعِيّ وَالثمن الْمَقْبُوض
وَقد وقف مَوْلَانَا السُّلْطَان البَائِع الْمشَار إِلَيْهِ خلد الله سُلْطَانه وَالْمُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ على هَذَا الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
وعَلى حُدُوده وحقوقه كلهَا ونظراه وشاهداه وأحاطا بِهِ علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
وتعاقدا على ذَلِك المعاقدة الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة
وتفرقا بالأبدان عَن ترَاض مِنْهُمَا وَضَمان الدَّرك فِي ذَلِك لَازم ومرجوع بِهِ فِي بَيت الْمَعْمُور بِمُوجب الشَّرْع الشريف وعدله
وَاسْتقر الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ فِي بَيت المَال الْمَعْمُور ليصرف بطريقة الشَّرْع فِي مصَالح الْمُسلمين وَفِيمَا ذكر حَسْبَمَا عين وَبَين أَعْلَاهُ استقرارا شَرْعِيًّا ويكمل
ويؤرخ
صُورَة بيع وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بمرسوم شرِيف سلطاني: هَذَا مَا اشْترى فلَان الْفُلَانِيّ من سيدنَا القَاضِي فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْفُلَانِيَّة الْوكَالَة الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ جدد الله لَهُ فِي كل يَوْم لَهُ نصرا
وَملكه بِسَاط البسيطة برا وبحرا الْمُتَقَدّمَة التَّارِيخ على تَارِيخه الثَّابِت مضمونها بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي بالديار المصرية الثُّبُوت الشَّرْعِيّ الْمُتَّصِلَة الثُّبُوت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ
اشْترى المُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ من البَائِع الْمشَار إِلَيْهِ
فَبَاعَهُ بِمُقْتَضى المرسوم الشريف المربع الْوَارِد عَلَيْهِ على يَد المُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة الأعظمية المولوية السُّلْطَانِيَّة الملكية الْفُلَانِيَّة الْمشَار إِلَيْهَا الَّذِي من مضمونه: أَن يتَقَدَّم وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْفُلَانِيَّة وَهُوَ فلَان الْفُلَانِيّ بالتوجه إِلَى الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة من عمل كَذَا
وصحبته عدُول الْقيمَة وأرباب الْخِبْرَة
وَمن جرت عَادَته بِالْوُقُوفِ على مثل ذَلِك وتحديدها وتحرير أمرهَا وَقطع الْقيمَة عَنْهَا بعد اسْتثِْنَاء مَا يجب اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا من مَسْجِد لله تَعَالَى ومقبرة وَطَرِيق ووقف بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لبيت المَال الْمَعْمُور وَبَيْعهَا من المُشْتَرِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَحمل الثّمن عَنْهَا إِلَى بَيت المَال الْمَعْمُور وَهُوَ متوج بالعلامة الشَّرِيفَة ثَابت الحكم بالدواوين المعمورة مؤرخ بِكَذَا مَا هُوَ جَار فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا يَوْم تَارِيخه
وَذَلِكَ جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بِكَذَا من بلد كَذَا
وتشتمل هَذِه الْقرْيَة على كَذَا وَكَذَا فدانا عامرة ويحددها ويحدد الْمُسْتَثْنى مِنْهَا وَيذكر الفواصل بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله على نَحْو مَا تقدم شَرحه شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا السُّدس مِنْهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا زَائِد على ثمن الْمثل لهَذَا الْمَبِيع
وَهُوَ غِبْطَة ظَاهِرَة وَزِيَادَة وافرة(1/82)
يسوغ مَعَ وجودهما البيع على جِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور شرعا بِشَهَادَة من سبعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره
أذن البَائِع الْمشَار إِلَيْهِ للْمُشْتَرِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ فِي دفع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى مباشري بَيت المَال الْمَعْمُور الواضعين خطوطهم بهامشه وهم: فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَدفعهُ إِلَيْهِم فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وَحمل إِلَى بَيت المَال الْمَعْمُور
بَرِئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَمن كل جُزْء مِنْهُ بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة قبض وَاسْتِيفَاء
ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتفرق على نَحْو مَا سبق
ويؤرخ
وَصُورَة المُشْتَرِي من وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِمُقْتَضى وكَالَته: هَذَا مَا اشْترى فلَان من سيدنَا فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِمَدِينَة كَذَا وأعمالها بِالْوكَالَةِ الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة وَيذكر مَا تقدم من تَارِيخ الْوكَالَة وثبوتها واتصال ثُبُوتهَا وَأَنه بَائِع لما يذكر فِيهِ لوُجُود الْغِبْطَة والمصلحة لبيت المَال الْمَعْمُور بِالثّمن الزَّائِد على ثمن الْمثل الْآتِي تَعْيِينه ثمَّ يَقُول: مَا هُوَ ملك جَار فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا يَوْم تَارِيخه
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده
ويكمل الْكتاب على مَا سبق
وَصُورَة شِرَاء وَكيل بَيت المَال لجِهَة بَيت المَال: هَذَا مَا اشْترى سيدنَا القَاضِي فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِمَدِينَة كَذَا وأعمالها بِالْوكَالَةِ الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة وَيذكر مَا تقدم ثمَّ يَقُول وَهُوَ مُشْتَر لما يَأْتِي ذكره لجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور لوُجُود الْغِبْطَة والمصلحة لبيت المَال فِي شِرَاء مَا يَأْتِي ذكره بِالثّمن الْآتِي تَعْيِينه على الْوَجْه الْآتِي شَرحه بِشَهَادَة من سيعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره من فُلَانَة الْفُلَانِيَّة
فباعته مَا ذكرت أَنه لَهَا وبيدها وملكها وَتَحْت تصرفها إِلَى حَالَة البيع ومنتقل إِلَيْهَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من زَوجهَا فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه والمنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِيهَا
وَفِي بَيت المَال الْمَعْمُور
وَذَلِكَ جَمِيع الْحصَّة الَّتِي مبلغها الرّبع سِتَّة أسْهم من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما شَائِعا فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصف ويحدد بِثمن مبلغه كَذَا
وَهُوَ زَائِد على ثمن الْمثل
أذن سيدنَا الْمشَار إِلَيْهِ لعمال بَيت المَال الْمَعْمُور وهم: فلَان وَفُلَان فِي دفع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ من المَال الْحَاصِل تَحت أَيْديهم لبيت المَال الْمَعْمُور إِلَى البائعة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ
فدفعاه إِلَيْهَا فقبضته مِنْهُمَا قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وخلت أَيدي عُمَّال بَيت المَال الْمَعْمُور من الْقدر الْمعِين أَعْلَاهُ خلوا شَرْعِيًّا
وسلمت البائعة الْمَذْكُورَة إِلَى سيدنَا القَاضِي فلَان الدّين المُشْتَرِي الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْمَبِيع الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه فتسلمه مِنْهَا لجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور تسلما شَرْعِيًّا كتسلم مثله
ويكمل بِالرُّؤْيَةِ وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتفرق وَضَمان الدَّرك كَمَا سبق ثمَّ يَقُول: كمل لجِهَة بَيت المَال(1/83)
الْمَعْمُور
وَبِهَذَا الْمَبِيع وَبِمَا انْتقل إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من الموروثين الْمَذْكُور أَعْلَاهُ ملك جَمِيع الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه ملكا شَرْعِيًّا
وَصُورَة بيع الْوَالِد على وَلَده الطِّفْل: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ الْقَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره على وَلَده لصلبه فلَان الطِّفْل الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجره وولايته بالأبوة شرعا لما رأى لَهُ فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة وَلكَون الْمَبِيع الْآتِي ذكره خراب معطل لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا أُجْرَة
وَأَن الثّمن الْآتِي ذكره ثمن الْمثل لَهُ حَالَة البيع
وَيَشْتَرِي لَهُ بِثمنِهِ مَا يعود نَفعه عَلَيْهِ
أَو يَقُول: وَهُوَ قَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ على وَلَده لصلبه فلَان الطِّفْل الَّذِي هُوَ فِي حجره وولايته بالأبوة شرعا ليصرف ثمنه فِي نَفَقَته وَكسوته وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ حَسْبَمَا يرَاهُ وتقتضيه الْمصلحَة لوَلَده الْمَذْكُور
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور للْبَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ: فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَاسْتقر فِي يَده ليصرفه فِي نَفَقَة وَلَده الْمَذْكُور وَكسوته بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ أَو ليَشْتَرِي لَهُ بِهِ ملكا يعود نَفعه عَلَيْهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة بيع الْوَالِد على وَلَده وَالشِّرَاء لنَفسِهِ وتوالي الطَّرفَيْنِ: اشْترى فلَان لنَفسِهِ من نَفسه على وَلَده الطِّفْل الصَّغِير فلَان الَّذِي هُوَ فِي حجره وولايته بالأبوة شرعا مَا هُوَ ملك وَلَده الْمَذْكُور
وَبِيَدِهِ حَالَة البيع لما رأى لَهُ فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ من الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة وَحسن النّظر وَالِاحْتِيَاط وَكَون الثّمن الْآتِي ذكره ثمن الْمثل للْمَبِيع حَالَة البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا
بِثمن مبلغه كَذَا
قبض المُشْتَرِي الْمَذْكُور من نَفسه لوَلَده الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ قبضا شَرْعِيًّا وأفرزه من مَال نَفسه وأبقاه فِي يَده لوَلَده الْمَذْكُور ليتصرف لَهُ فِيهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ أَو لينفقه عَلَيْهِ فِي كسوته وَنَفَقَته بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وتسلم الْمَبِيع الْمَذْكُور من نَفسه لنَفسِهِ تسلما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ قد بَاعَ ملكه من نَفسه وابتاعه لوَلَده من المَال الْحَاصِل لَهُ تَحت يَده
فالعبارة مفهومة فِي ذَلِك من الْكتاب الْمُقدم شَرحه
وَيَقُول فِي التَّسْلِيم: وَأَنه تسلم من نَفسه لوَلَده الْمَذْكُور الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فَصَارَ فِي يَده لوَلَده الْمَذْكُور مصيرا شَرْعِيًّا
وَصُورَة مُشْتَرِي الْوَالِد لوَلَده الطِّفْل من أَجْنَبِي: اشْترى فلَان لوَلَده الطِّفْل الصَّغِير فلَان الَّذِي هُوَ فِي حجره وولايته بالأبوة شرعا لما رأى لَهُ فِي شِرَاء مَا سَيَأْتِي ذكره بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ من الْحَظ والمصلحة وَحسن النّظر وَالِاحْتِيَاط الْكَافِي بِمَال(1/84)
وَلَده الْمَذْكُور الْحَاصِل لَهُ تَحت يَده دون مَال نَفسه من فلَان جَمِيع كَذَا وَكَذَا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ إِلَى البَائِع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ من مَال لوَلَده الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الْمَبِيع الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه فتسلمه مِنْهُ وَلَده الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا كتسلم مثله لمثل ذَلِك ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة التبايع من اثْنَيْنِ بأنفسهما لأنفسهما: اشْترى فلَان بِمَالِه لنَفسِهِ من فلَان مَا ذكر البَائِع الْمَذْكُور أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حَالَة البيع
فَإِن كَانَ إنْشَاء كتب: (وَيعرف بإنشائه وعمارته) وَإِن كَانَ أظهر مَكْتُوبًا يشْهد لَهُ بملكية ذَلِك
كتب: وَأظْهر من يَده مَكْتُوبًا بارقا أَو كاغدا يشْهد لَهُ بذلك وسيخصم ظَاهره بفصل انْتِقَال مُوَافق لتاريخه ولشهوده
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو جَمِيع الْحصَّة الَّتِي مبلغها كَذَا من أصل كَذَا شَائِعا من جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْكَامِل أَرضًا وَبِنَاء أَو الْبناء الْقَائِم على الأَرْض المحتكرة أَو الْحمام أَو الطاحون أَو الْبُسْتَان أَو غير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره ويصف ويحدد وَيذكر فِي أَرَاضِي الضَّيْعَة مساحتها إِن كَانَت تزرع وَزرع الأَرْض إِن كَانَت يَبْنِي عَلَيْهَا ويكمل بِذكر الثّمن وَقَبضه والرؤية وَالْمُعَاقَدَة وَالتَّسْلِيم وَضَمان الدَّرك والتفريق على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة بيع الْوَصِيّ من تَرِكَة الْمُوصي لاستئجار من يحجّ عَنهُ حجَّة الْإِسْلَام ووفاء مَا يثبت عَلَيْهِ من الدُّيُون والحقوق الشَّرْعِيَّة وتنفيذ وَصَايَاهُ من ثلث مَاله: اشْترى فلَان من فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على تَرِكَة فلَان بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة الَّتِي أسندها وفوضها إِلَيْهِ وَجعل لَهُ فِيهَا أَن يحْتَاط على تركته وَيَقْضِي مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون الشَّرْعِيَّة لأربابها واستئجار من يحجّ عَنهُ حجَّة الْإِسْلَام بفروضها وسننها وتنفيذ وَصَايَاهُ الَّتِي وصّى بهَا من ثلث مَاله المفسوح لَهُ فِي إِخْرَاجه شرعا وَقسم بَاقِي تركته بَين ورثته الْمُسْتَحقّين لميراثه المستوعبين لجميعه حَسْبَمَا تضمنه كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر لشهوده المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مَضْمُونَة بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
فبمقتضى ذَلِك: اشْترى المُشْتَرِي الْمَذْكُور من البَائِع الْوَصِيّ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فَبَاعَهُ مَا هُوَ ملك مخلف عَن الْوَصِيّ الْمَذْكُور وَهُوَ بيد وَصِيّه الْمَذْكُور إِلَى حِين هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْوَصِيّ الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَاسْتقر بِيَدِهِ ليصرفه فِي وَفَاء مَا على الْوَصِيّ الْمَذْكُور من الدُّيُون الثَّابِتَة شرعا
وَفِي اسْتِئْجَار من يحجّ عَنهُ حجَّة الْإِسْلَام بطريقه الشَّرْعِيّ
وَسلم الْوَصِيّ البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد(1/85)
الرُّؤْيَة والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الِاسْتِئْجَار لِلْحَجِّ مَا يَأْتِي فِي كتاب الْإِجَارَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَصُورَة البيع على الْيَتِيم للْحَاجة: اشْترى فلَان من فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة ويشرحها وتاريخها وثبوتها وبإذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ فِي حجر الشَّرْع الشريف وَتَحْت نظر البَائِع الْمَذْكُور وولايته بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة المسندة أَو المفوضة إِلَيْهِ من وَالِد الطِّفْل الْمَذْكُور المتضمنة النّظر فِي أمره وَالتَّصَرُّف لَهُ فِي مَاله بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة الظَّاهِرَة وَالْغِبْطَة الوافرة وبسائر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة على القوانين الْمُعْتَبرَة المرضية إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تضمنه كتاب الْوَصِيَّة المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ لوُجُود حَاجَة الصَّغِير الْمَذْكُور الداعية إِلَى بيع مَا يَأْتِي ذكره فِيهِ عَلَيْهِ وَصرف ثمنه فِي نَفَقَته وَكسوته ومصالحه وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ من لَوَازِم شَرْعِيَّة وَلكَون الْمَبِيع الْآتِي ذكره لَا يَفِي ريعه وأجوره أَو مغله بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْيَتِيم الْمَذْكُور فِي نَفَقَته وَكسوته وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ مَا هُوَ ملك الْمَبِيع عَلَيْهِ الْمَذْكُور وبيد البَائِع الْمُسَمّى أَعْلَاهُ إِلَى حِين هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى الْوَصِيّ البَائِع جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده ليصرفه فِي نَفَقَة الْيَتِيم الْمَذْكُور وَكسوته وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من اللوازم الشَّرْعِيَّة بطريقه الشَّرْعِيّ
وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك ملكا من أَمْلَاك المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم بِحكم هَذَا التبايع الْمَشْرُوع وَالثمن الْمَقْبُوض وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة بِالْإِذْنِ الْمشَار إِلَيْهِ والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
وَجرى عقد هَذَا التبايع وَالْإِذْن بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ بِشَهَادَة من يضع خطه فِي رسم شَهَادَة آخِره: أَن الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ ملك الْيَتِيم الْمَذْكُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا إِلَى حِين هَذَا البيع وَأَنه مُحْتَاج إِلَى بَيْعه وَصرف ثمنه فِيمَا عين أَعْلَاهُ من الْحَاجة المسوغة للْبيع عَلَيْهِ شرعا وَأَن الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ ثمن الْمثل للْمَبِيع الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَبعد النداء على الْمَبِيع وإشهاره فِي مَوَاطِن الرغبات مُدَّة بِحُضُور عَدْلَيْنِ مندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ
فَكَانَ أنهى مَا بذل فِيهِ الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره فِي ذَلِك شرعا
ويكمل(1/86)
وَصُورَة البيع على الْيَتِيم للغبطة والمصلحة: اشْترى فلَان من فلَان أَمِين الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أَو النَّاظر فِي أَمر الْأَيْتَام بِبَلَد كَذَا وَهُوَ قَائِم فِي بيع مَا يَأْتِي ذكره على الْوَجْه الَّذِي سيشرح فِيهِ
بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير أَو الطِّفْل الَّذِي هُوَ فِي حجر الحكم الْعَزِيز أَو الشَّرْع الشريف وَتَحْت ولَايَته وَنَظره لوُجُود الْغِبْطَة والمصلحة فِي بيع مَا يَأْتِي ذكره فِيهِ المسوغين للْبيع لَهُ شرعا أَو الَّتِي سوغ مَعهَا الشَّرْع الشريف البيع عَلَيْهِ شرعا مَا هُوَ ملك الْيَتِيم الْمَذْكُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا إِلَى حِين هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَد البَائِع ليتصرف للْيَتِيم الْمَذْكُور فِيهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء
ويكتسب لَهُ فِيهِ وينميه مَعَ بذل الِاجْتِهَاد وَالِاحْتِيَاط
وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ بِالْإِذْنِ الْكَرِيم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
وَبعد أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْآذِن بِشَهَادَة من يضع خطه آخِره: أَن الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ ملك الْيَتِيم الْمَذْكُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا إِلَى حِين هَذَا البيع
وَأَن للْيَتِيم فِي بيع مَا عين أَعْلَاهُ بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ غِبْطَة وافرة ومصلحة ظَاهِرَة
يسوغ مَعَهُمَا البيع عَلَيْهِ شرعا وَأَن الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ ثمن الْمثل لَهُ وَزِيَادَة يَوْمئِذٍ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَبعد إشهار الْمَبِيع الْمَذْكُور والنداء عَلَيْهِ فِي مَوَاطِن الرغبات وَمحل الطلبات مُدَّة
فَكَانَ أنهى مَا بذل فِيهِ: الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل
وَصُورَة البيع على يَتِيم بِصفة أُخْرَى: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ قَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ على الْوَجْه الَّذِي سيشرح فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين إِلَى قَوْله: لوُجُود(1/87)
الْحَظ والمصلحة لَهُ فِي بيع الدَّار الْآتِي ذكرهَا فِيهِ
ولقلة الِانْتِفَاع بهَا وَكَونهَا من الْعقار النفيس لامس أجرته بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثمنه وليصرف ثمنهَا فِي شِرَاء عقار هُوَ أَعُود نفعا عَلَيْهِ من ذَلِك ويسوق الْكَلَام إِلَى قبض الثّمن قبضا شَرْعِيًّا ليصرفه فِي ثمن عقار يبتاعه للْيَتِيم الْمَذْكُور
ليَكُون أَعُود نفعا عَلَيْهِ من الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَيَقُول فِي هَذِه الصُّورَة: وَأَن أُجْرَة الدَّار الْمَبِيعَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَة ثمنهَا كثير جدا لامس لَهُ
وَصُورَة البيع على الْيَتِيم لعدم الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ لاستهدامه وتعطله ولدوام عدم الرَّغْبَة فِيهِ لدثوره: اشْترى فلَان من فلَان ويسوق الْكَلَام كَمَا تقدم ثمَّ يَقُول لوُجُود الْحَظ والمصلحة فِي بيع الدَّار الْآتِي ذكرهَا فِيهِ لاستهدامها وتعطلها ودوام عدم الرَّغْبَة فِيهَا لدثورها وليصرف ثمنهَا فِي شِرَاء عقار يعود على الْيَتِيم الْمَذْكُور ويرتفق بريعه مَعَ كَون الثّمن الْآتِي تَعْيِينه ثمن الْمثل لَهُ يَوْمئِذٍ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة البيع على يَتِيم للغبطة والمصلحة وعَلى يتيمين لوفاء مَا وَجب فِي نصيبهما من الْمَبِيع من صدَاق زَوْجَة والدهما: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ عَن نَفسه وبإذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم على أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر الشَّرْع الشريف وَتَحْت نظره وولايته شرعا لوُجُود الْغِبْطَة والمصلحة لَهُ فِي بيع مَا يذكر بَيْعه عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ الْغِبْطَة الوافرة والمصلحة الظَّاهِرَة المسوغين للْبيع عَلَيْهِ شرعا
الثابتتين عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره
وَهُوَ بَائِع أَيْضا بِإِذن سيدنَا فلَان الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ وَأمره الْكَرِيم على الْأَخَوَيْنِ الشقيقين فلَان وَفُلَان وَلَدي أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى بعد وَفَاة وَالِده مُوَرِثه الْمَذْكُور اليتيمين الصغيرين اللَّذين هما فِي حجر الشَّرْع الشريف وَتَحْت ولَايَته لوفاء مَا وَجب فِي نصيبهما من الْمَبِيع الْآتِي ذكره وتحديده فِيهِ الصائر إِلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدهما الْمَذْكُور بِالسَّوِيَّةِ بَينهمَا وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى فَيَقُول: بَينهمَا على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة وَهُوَ منتقل إِلَى والدهما بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من وَالِده الْمَذْكُور من الصَدَاق الْآتِي تَعْيِينه فِيهِ ولحاجتهما الداعية إِلَى بيع مَا يفضل من نصيبهما بعد وَفَاء الصَدَاق الْمَذْكُور وَصرف ثمن ذَلِك فِي نفقتهما وكسوتهما وَمَا لَا بُد لَهما مِنْهُ من الْحَاجة الشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره
وَالصَّدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ: هُوَ الثَّابِت فِي ذمَّة والدهما فلَان الْمَذْكُور لزوجته فُلَانَة وَالِدَة الْأَخَوَيْنِ الْمَبِيع عَلَيْهِمَا الْبَائِن من والدهما الْمَذْكُور من قبل وَفَاته الْمحْضر من يَدهَا الَّذِي من مضمونه: أَنه أصدقهَا عِنْد تزَوجه إِيَّاهَا صَدَاقا مبلغه كَذَا على حكم الْحُلُول مؤرخ بِكَذَا
وَثَبت إِقْرَار الزَّوْج الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور بذلك
وجريان حلف الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة على اسْتِحْقَاق ذَلِك وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لَهُ الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ حَسْبَمَا تضمنه إشهاده المكتتب بِظَاهِر الصَدَاق الْمَذْكُور مؤرخ ثُبُوته بِكَذَا مَا ذكر أَنه لَهُ ولأخيه الصَّغِير الْمَذْكُور ولولدي أَخِيه الْمَذْكُورين ومخلف عَن وَالِده الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَهُوَ بِأَيْدِيهِم إِلَى حِين هَذَا البيع بَينهم على مَا يَأْتِي تَفْصِيله
وَالثمن الْآتِي تَعْيِينه بَينهم على مَا يذكر فِيهِ
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا الْجَمِيع على حكم الْحُلُول
فَمن ذَلِك: مَا تولى البَائِع الْمَذْكُور بَيْعه عَن نَفسه فِي عقد أول ثَمَانِيَة أسْهم من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما بِمَا يُقَابل ذَلِك من الثّمن
وَمِنْهَا: مَا تولى بَيْعه على(1/88)
أَخِيه فلَان الصَّغِير الْمَذْكُور فِي عقد ثَان كَذَا وَكَذَا سَهْما من الأَصْل الْمَذْكُور لوُجُود الْمصلحَة وَالْغِبْطَة لَهُ فِي ذَلِك حَسْبَمَا شرح أَعْلَاهُ بمقابله من الثّمن
وَبَقِيَّة الْمَبِيع الْآتِي ذكره وَهُوَ كَذَا وَكَذَا سَهْما
تولى البَائِع الْمَذْكُور بيعهَا فِيهِ فِي عقد ثَالِث على وَلَدي أَخِيه الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ من تَرِكَة والدهما الْمَذْكُور لوفاء الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ وَصرف بَاقِي ثمن ذَلِك فِي نفقتهما وكسوتهما بِمَا يُقَابل ذَلِك من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى البَائِع الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ لنَفسِهِ للجهتين المذكورتين أَعْلَاهُ حَسْبَمَا عين وَبَين أَعْلَاهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل الْمُبَايعَة إِلَى آخرهَا
وَيَقُول: ثمَّ دفع البَائِع الْمَذْكُور بِإِذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة مبلغ كَذَا وَكَذَا من ثمن الْحصَّة الْمَبِيعَة من تَرِكَة أَخِيه الْمَذْكُور عوضا عَن صَدَاقهَا الْمعِين أَعْلَاهُ
فتعوضت مِنْهُ بذلك وقبضته مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَبَاقِي ثمن الْحصَّة وَهُوَ كَذَا اسْتَقر تَحت يَده مَعَ مَا هُوَ مُخْتَصّ بأَخيه الصَّغِير الْمَذْكُور استقرارا شَرْعِيًّا بتقرير الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ ليصرفه فِي نَفَقَتهم وكسوتهم وَمَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ بطريقه الشَّرْعِيّ
وبحكم ذَلِك بَرِئت ذمَّة الزَّوْج الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور من جَمِيع الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ من كل جُزْء مِنْهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ: بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ جَرَيَان الْحصَّة الْمَبِيعَة على الْيَتِيم الْمَذْكُور فِي ملكه إِلَى حَالَة البيع وَأَن فِي بيعهَا عَلَيْهِ بِثمنِهَا الْمعِين أَعْلَاهُ غِبْطَة وافرة ومصلحة ظَاهِرَة وَأَن الْحصَّة الْمَبِيعَة على الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورين فِي وَفَاء الصَدَاق الْمَذْكُور ملك مخلف عَن الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور وبيد البَائِع حَالَة البيع لوَلَدي أَخِيه الْمَبِيع عَلَيْهِمَا الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بَينهمَا حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ وَأَن ثمنهَا الْمعِين أَعْلَاهُ ثمن الْمثل لَهَا وَقِيمَة الْعدْل حَالَة البيع
ويكمل
وَصُورَة البيع من مجْلِس الحكم الْعَزِيز فِي وَفَاء دين على ميت: اشْترى فلَان من فلَان الْقَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم من تَرِكَة فلَان لوفاء مَا فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ لهَذَا المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِمُقْتَضى المسطور الْمحْضر من يَده لشهوده الَّذِي مبلغه كَذَا مؤرخ بِكَذَا ثَابت مضمونه وجريان حلف رب الدّين على اسْتِحْقَاق ذَلِك فِي ذمَّة الْمقر الرَّاهِن إِن كَانَ الْمَبِيع رهنا وَفِي تركته وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك ولشيء مِنْهُ وعَلى بَقَاء حكم الرَّهْن ولزومه الْمعِين فِي المسطور الْمَذْكُور وَهُوَ الْمَبِيع الْآتِي ذكره الْيَمين الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي الحكم على الْمَيِّت شرعا عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ
وَحكم أعز الله أَحْكَامه بذلك وبصحة الرَّهْن الْمُعْتَاد حكما شَرْعِيًّا
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده تقدم إِذْنه الْكَرِيم بِعرْض الْمَبِيع الْآتِي ذكره وتحديده فِيهِ وإشهاره والنداء عَلَيْهِ فِي مَوَاطِن الرغبات وَبيعه بِثمن مثله ومقاصصة(1/89)
المُشْتَرِي بِالثّمن إِلَى نَظِيره من الدّين الثَّابِت لَهُ فِي ذمَّة الْمَبِيع عَلَيْهِ وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد بعد استجماع الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي هَذَا البيع وَصِحَّته شرعا
وَأذن للْبَائِع الْمَذْكُور فِي ذَلِك كُله
فبمقتضى ذَلِك اشْترى المُشْتَرِي الْمَذْكُور من البَائِع الْمَذْكُور مَا هُوَ ملك مخلف عَن الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور
وَهُوَ بيد البَائِع إِلَى حَالَة البيع
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا
قاصص المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِهِ إِلَى نَظِيره من الدّين الشَّرْعِيّ الثَّابِت لَهُ فِي ذمَّة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور مقاصصة شَرْعِيَّة ويسوق بَقِيَّة الْكَلَام من التسلم وَالتَّسْلِيم وَالنَّظَر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة وَذكر ثُبُوت ملكية الْمَبِيع عَلَيْهِ لذَلِك وَثُبُوت الْقيمَة وَالْإِشْهَاد والنداء على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة البيع بِإِذن الْحَاكِم على أَيْتَام وبالوكالة عَن بالغين فِي وَفَاء دين مُورثهم: اشْترى فلَان من فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على تَرِكَة فلَان وَهُوَ بَائِع بِإِذن سيدنَا فلَان وَأمره الْكَرِيم على أَوْلَاد الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور لصلبه
وهم: فلَان وَفُلَان وَفُلَان الْأَطْفَال الصغار الَّذين هم فِي حجر الشَّرْع الشريف وَتَحْت وَصِيَّة فلَان البَائِع الْمَذْكُور وَمَا يخصهم من البيع لوفاء مَا وَجب فِي نصِيبهم بِحَق كَذَا وَكَذَا سَهْما من الدّين الْآتِي ذكره فِيهِ
وَعَن موكلته فُلَانَة زَوْجَة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور وَعَن وَلَدهَا مِنْهُ فلَان الرجل الْكَامِل حَسْبَمَا وكلاه فِي بيع مَا يخصهما من الْمَبِيع الْآتِي ذكره بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ لوفاء مَا وَجب فِي نصيبيهما بِحَق كَذَا وَكَذَا سهم من الدُّيُون الْمَوْعُود بذكرها الثَّابِتَة فِي ذمَّة مُورثهم الْمَذْكُور لفُلَان بِمُقْتَضى مسطور شَرْعِي جملَته كَذَا مؤرخ بِكَذَا
وَلفُلَان كَذَلِك وَفُلَان كَذَلِك وجريان حلف كل وَاحِد من أَرْبَاب الدُّيُون على اسْتِحْقَاق مَا هُوَ لَهُ فِي ذمَّة الْمُتَوفَّى وَفِي تركته وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا وَيذكر قبض الثّمن بيد البَائِع وَدفعه بِإِذن الْحَاكِم إِلَى كل وَاحِد من أَرْبَاب الدُّيُون مَا هُوَ لَهُ ويعينه ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُعَاقَدَة وَثُبُوت ملكية الْمَبِيع عَلَيْهِم لذَلِك
وَكَون الثّمن ثمن الْمثل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة البيع على غَائِب وَفَاء لحق زَوجته من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة: اشترت فُلَانَة من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان وَأمره الْكَرِيم على زوج المشترية فلَان الْغَائِب عَن مَدِينَة كَذَا الثَّابِتَة غيبته عِنْد سيدنَا فلَان الْآذِن لوفاء مَا وَجب لَهَا فِي ذمَّته بِالشَّرْعِ الشريف من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة الماضيتين فِي مُدَّة كَذَا بِحكم اسْتِمْرَار الزَّوْجِيَّة بَينهمَا وغيبته عَنْهَا الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَتَقْرِير ذَلِك عَلَيْهِ من الْمدَّة كَذَا وَكَذَا درهما حسابا عَن كل سنة كَذَا التَّقْرِير الشَّرْعِيّ
فَلَمَّا وَجب لَهَا ذَلِك فِي مَال زَوجهَا الْغَائِب الْمَذْكُور فِي ذمَّته وَثَبت عِنْد الْحَاكِم الْآذِن بطريقه الشَّرْعِيّ طلبت من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ تقدم أمره الْكَرِيم إِلَى(1/90)
من رأى من الْأُمَنَاء بِبيع الْمَبِيع الْآتِي ذكره ويقاصصها بِثمنِهِ إِلَى نَظِيره مِمَّا وَجب لَهَا حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ
فأجابها إِلَى ذَلِك وَتقدم إِلَى البَائِع الْمَذْكُور بذلك بعد أَن ثَبت عِنْده أَن الْمَبِيع الْآتِي ذكره ملك الزَّوْج الْغَائِب إِلَى حَالَة البيع
وَأَن الثّمن ثمن الْمثل لَهُ وَبعد إشهاره فِي مَوَاطِن الرغبات الإشهار الشَّرْعِيّ وَبعد ثُبُوت الزَّوْجِيَّة والغيبة واستجماع سَائِر الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِي جَوَاز هَذَا البيع وَصِحَّته شرعا مَا هُوَ ملك زَوجهَا الْغَائِب وَبِيَدِهِ إِلَى حِين البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا
قاصص البَائِع الْمَذْكُور المشترية الْمَذْكُورَة هَذَا الثّمن الْمَذْكُور إِلَى نَظِيره مِمَّا وَجب لَهَا فِي مَال زَوجهَا الْغَائِب الْمَذْكُور بِإِذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ مقاصصة شَرْعِيَّة بَرِئت بهَا ذمَّة المشترية الْمَذْكُورَة من الثّمن الْمَذْكُور وَذمَّة زَوجهَا من نَظِيره من الْمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ بَرَاءَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة ابتياع عقار الْوَصِيَّة من ثلث تَرِكَة الْمُوصي وإنقاذ ذَلِك: اشْترى فلَان وَهُوَ وَصِيّ فلَان فِي الِاحْتِيَاط على تركته والبداءة مِنْهَا بمؤونة تَجْهِيزه وَقَضَاء مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون والحقوق الشَّرْعِيَّة وَقبض مَاله من الْحُقُوق الْوَاجِبَة والديون الشَّرْعِيَّة وتنفيذ وَصَايَاهُ من ثلث مَاله وَمَا فضل من الثُّلُث الْمَذْكُور يَشْتَرِي بِهِ ملكا وعقارا بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ وَظَاهره ويتسلمه تسلم مثله ويقفه عَنهُ وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا تصرف أجوره ومنافعه بعد عِمَارَته وإصلاحه على الْوَجْه الْآتِي شَرحه وَيكْتب جَمِيع مَا اشْتَرَطَهُ الْوَصِيّ فِي وَصيته بِحُرُوفِهِ الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي كتاب الْوَصِيَّة وَأَن يكون النّظر للْوَصِيّ الْمَذْكُور ثمَّ للأرشد فالأرشد من أَوْلَاده ونسله وعقبه فَإِذا انقرضوا يكون النّظر لفُلَان أَو للْحَاكِم
وَذَلِكَ بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة الَّتِي أسندها إِلَيْهِ وَجعل لَهُ التَّصَرُّف فِي ذَلِك بمراجعة فلَان وَنَظره بِحَيْثُ لَا ينْفَرد بِشَيْء من التَّصَرُّفَات إِلَّا بِإِذْنِهِ وَنَظره ومراجعته مؤرخ كتاب الْوَصِيَّة الْمَذْكُور بِكَذَا
ثَابت مضمونه مَعَ قبُول الْمُوصي إِلَيْهِ الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المشروحة وَقبُول النَّاظر النّظر بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَالْوَصِيّ الْمَذْكُور مُشْتَر لما يَأْتِي ذكره بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الْمَذْكُورَة عملا بمقتضاها وإنفاذا لَهَا بِإِذن النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ بِالثّمن الْآتِي تَعْيِينه الْحَاصِل تَحت يَده ثلث تَرِكَة الْمُوصي الْمشَار إِلَيْهِ بعد إِنْفَاذ الْوَصَايَا الَّتِي عينهَا فِي كتاب الْوَصِيَّة الْمَذْكُور وَمَعَ كَون الثّمن الْآتِي تَعْيِينه ثمن الْمثل للْمَبِيع الْآتِي ذكره حَالَة البيع بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره من فلَان الْفُلَانِيّ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا بِثمن مبلغه كَذَا دفع الْوَصِيّ المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمَذْكُور من المَال الْحَاصِل تَحت يَده من ثلث تَرِكَة الْمُوصي الْمَذْكُور فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا(1/91)
شَرْعِيًّا بِحَضْرَة شُهُوده وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور الْمَبِيع الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه فتسلمه بِإِذن النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ
وَصَارَ بِيَدِهِ ليقفه حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ ويكمل على نَحْو مَا سبق من ذكر الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة
وَصُورَة وقف الْوَصِيّ المُشْتَرِي لما اشْتَرَاهُ يَأْتِي فِي كتاب الْوَقْف إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَصُورَة البيع على غَائِب فِي وَفَاء صدَاق زَوجته: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يَأْتِي ذكره بِإِذن سيدنَا فلَان الْغَائِب عَن مَدِينَة كَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ لوفاء مَا وَجب وتقرر فِي ذمَّته من صدَاق زَوجته فُلَانَة الشَّاهِد بِهِ صَدَاقهَا عَلَيْهِ المتضمن أَنه أصدقهَا عِنْد تزَوجه إِيَّاهَا صَدَاقا مبلغه كَذَا
مؤرخ بِكَذَا ثَابت مضمونه
وجريان حَلفهَا على اسْتِحْقَاقهَا لذَلِك فِي مَال زَوجهَا الْمَذْكُور وَفِي ذمَّته الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا الْمُعْتَبرَة فِي الحكم على الْغَائِب مَعَ مَا يعْتَبر ثُبُوته فِيهِ عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ مَا هُوَ ملك الْغَائِب الْمُسَمّى أَعْلَاهُ وَبِيَدِهِ وَفِي تصرفه إِلَى حِين هَذَا البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ فَقَبضهُ مِنْهُ ثمَّ دَفعه بِإِذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى الزَّوْجَة الْمُسَمَّاة أَعْلَاهُ فقبضته مِنْهُ عَن صَدَاقهَا الْمعِين أَعْلَاهُ بِمُقْتَضى مصادقة شَرْعِيَّة جرت بَينهمَا فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
بَرِئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمَذْكُور من جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
وَذمَّة الْغَائِب الْمَبِيع عَلَيْهِ الْمَذْكُور من الصَدَاق الْمَذْكُور بَرَاءَة شَرْعِيَّة
ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُعَاقَدَة وَذكر ثُبُوت أَن الْمَبِيع ملك الزَّوْج الْغَائِب الْمَبِيع عَلَيْهِ إِلَى حِين البيع وَأَن الثّمن ثمن الْمثل وإشهاره والنداء عَلَيْهِ فِي مَوَاطِن الرغبات وَاسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك شرعا
وَصُورَة البيع من تَرِكَة ميت لَهُ وَرَثَة فيهم طِفْل صَغِير فِي وَفَاء دينه: اشْترى فلَان من فلَان الْوَصِيّ فِي أَمر الْيَتِيم الْآتِي ذكره أَو الْمُتَكَلّم فِي أَمر الْيَتِيم وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان وَأمره الْكَرِيم على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الْمَحْجُور عَلَيْهِ من قبل الحكم الْعَزِيز لوفاء مَا وَجب فِي نصِيبه الصائر إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من وَالِده الْمَذْكُور الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من قبل تَارِيخه المنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده لصلبه فلَان وَفُلَان الرجلَيْن الكاملين
وَفُلَان الصَّغِير الْمَذْكُور وَقدر مَا وَجب فِي نصِيبه: السُّدس وَالثمن من الدّين الثَّابِت فِي ذمَّة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور الْآتِي ذكره لمن سيعين فِيهِ ولحاجة الْيَتِيم الْمَذْكُور إِلَى بيع مَا يفضل لَهُ بعد وَفَاء الدُّيُون الْمَذْكُورَة(1/92)
الْحَاجة الشَّرْعِيَّة وَمن فلَان وَفُلَان الرجلَيْن الكاملين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وهما بائعان لما يذكر فِيهِ عَن أَنفسهمَا لوفاء مَا وَجب فِي نصيبهما الصائر إِلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من أَبِيهِمَا الْمَذْكُور وَقدره: الثُّلُث وَالرّبع من الدُّيُون الْآتِي ذكرهَا بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ
وَمن فُلَانَة الزَّوْجَة الْمُسَمَّاة أَعْلَاهُ وَهِي بائعة لما يذكر فِيهِ عَن نَفسهَا لوفاء مَا وَجب فِي نصِيبهَا الصائر إِلَيْهَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من زَوجهَا فلَان الْمَذْكُور وَهِي الثّمن من الدُّيُون الْمَوْعُود بذكرها الشَّاهِد بهَا لفُلَان المسطور أَو الشَّاهِد بهَا لفُلَان وَفُلَان المساطير الشَّرْعِيَّة المتضمن الأول مِنْهَا بِإِقْرَار الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور لفُلَان الْمَذْكُور بِكَذَا مؤرخ بِكَذَا وَالثَّانِي كَذَلِك وَالثَّالِث كَذَلِك ثَابت مضمونها
وَحلف الْمقر لَهُ على اسْتِحْقَاق الْمبلغ الْمقر بِهِ فِي ذمَّة الْمُتَوفَّى وَفِي تركته مَعَ مَا يعْتَبر ثُبُوته فِيهِ عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَجُمْلَة هَذِه الدُّيُون كَذَا وَكَذَا
اشْترى المُشْتَرِي الْمَذْكُور من البائعين الْمَذْكُورين فباعوه بِمُقْتَضى مَا شرع أَعْلَاهُ مَا هُوَ ملك مخلف عَن مُورثهم الْمَذْكُور وبيد البائعين الْمَذْكُورين وَالْمَبِيع عَلَيْهِ إِلَى حَالَة البيع وَهُوَ بَينهم على أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما بالفريضة الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا الْجَمِيع على حكم الْحُلُول
فَمن ذَلِك مَا بَاعه فلَان وَفُلَان بِالسَّوِيَّةِ كَذَا وَكَذَا سَهْما بِمَا يُقَابل ذَلِك من الثّمن وَمَا باعته الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة كَذَا وَكَذَا بِمَا يُقَابله من الثّمن الْمَذْكُور وَمَا بَاعه فلَان على الْيَتِيم الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا بِمَا يُقَابله من الثّمن
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البائعين الْمَذْكُورين جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا ثمَّ دفعُوا مِنْهُ إِلَى أَرْبَاب الدُّيُون الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ مَا ثَبت لَهُم من الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فقبضوا ذَلِك مِنْهُم قبضا شَرْعِيًّا بَينهم على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
وَاسْتقر مَا يخص الْيَتِيم من بَقِيَّة الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي يَد الْوَصِيّ الْمُتَكَلّم الْمَذْكُور ليتصرف فِيهِ وَينْفق عَلَيْهِ مِنْهُ ويكسوه بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
بَرِئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمَذْكُور من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَذمَّة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور من الدُّيُون الْمعينَة أَعْلَاهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُعَاقَدَة وَذكر ثُبُوت الْملك والحيازة للمتوفى إِلَى حِين وَفَاته وَأَنه بيد ورثته الْمَذْكُورين إِلَى حِين البيع واحتياج الصَّغِير إِلَى نَفَقَة وَكِسْوَة وَصرف مَا فضل من ثمن حِصَّته بعد وَفَاء مَا وَجب فِيهِ من الدّين الشَّرْعِيّ فِي نَفَقَته وَكسوته الْحَاجة الشَّرْعِيَّة وَأَن الثّمن لحصة الْيَتِيم ثمن الْمثل وَالْإِشْهَاد والنداء على مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة البيع لوفاء فرض فَرْضه القَاضِي لولد شخص ميت: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره من تَرِكَة فلَان لوفاء مَا تجمد عَلَيْهِ من الْفَرْض الْمُقَرّر فِي مَاله لوَلَده فلَان الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حضَانَة والدته فُلَانَة مُطلقَة أَبِيه(1/93)
الْمَذْكُور بِمُقْتَضى الْفَرْض الشَّرْعِيّ المتضمن أَن الْحَاكِم الْفُلَانِيّ فرض فِي مَال الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور لوَلَده الْمَذْكُور برسم طَعَامه وَشَرَابه وَكسوته ولوازمه الشَّرْعِيَّة وَمَا لَا بُد مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا وَكَذَا وَأذن لحاضنته الْمَذْكُورَة فِي إِخْرَاج ذَلِك من مَالهَا والإنفاق وَالرُّجُوع بِهِ فِي مَال وَالِده الْمَذْكُور عِنْد تعذر وصولها إِلَيْهِ من جِهَته وَجُمْلَة مَا تجمد عَلَيْهِ من ذَلِك إِلَى سلخ كَذَا وَكَذَا: مبلغ كَذَا وَكَذَا
وَثُبُوت حلف الحاضنة الْمَذْكُورَة على اسْتِحْقَاق الْجُمْلَة المتجمدة فِي تَرِكَة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور
وعَلى عدم الْمسْقط
وَأَنَّهَا أنفقت ذَلِك على وَجه تسْتَحقّ بِهِ الرُّجُوع فِي التَّرِكَة الْمَذْكُورَة الْيَمين الشَّرْعِيَّة
وَثَبت عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْفَرْض الْمَذْكُور وجريان حَلفهَا على ذَلِك مَعَ مَا يعْتَبر فِيهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى البائ الْمَذْكُور فَقَبضهُ مِنْهُ وَدفعه إِلَى الحاضنة الْمَذْكُورَة وَفَاء لما ثَبت لَهَا أَعْلَاهُ
ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية وَالْمُعَاقَدَة وَذكر ثُبُوت ملكية الْمُتَوفَّى لذَلِك
وَأَن الثّمن ثمن الْمثل وَالْإِشْهَاد والنداء على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة البيع من تَرِكَة ميت على غَائِب وصغير فِي وَفَاء دين مورثهما
وَفِيمَا وصّى بِهِ الْمَوْرُوث من الْوَصَايَا الشَّرْعِيَّة: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ بِإِذن الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَأمره على الْغَائِب فلَان وعَلى أَخِيه الصَّغِير فلَان بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة إِن كَانَ وَصِيّا لوفاء مَا ثَبت على مورثهما فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من قبل تَارِيخه من الدّين الشَّرْعِيّ لفُلَان بِمُقْتَضى المسطور الشَّرْعِيّ الَّذِي جملَته كَذَا المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه وجريان حلف رب الدّين على اسْتِحْقَاقه ولوفاء مَال الْوَصَايَا الَّتِي وصّى بهَا والدهما الْمَذْكُور لفُلَان وَفُلَان الشَّاهِد بهَا كتاب الْوَصِيَّة المتضمن إِقْرَار الْمُوصي بذلك على الْوَجْه المشروح فِي الْكتاب الْمَذْكُور وثبوته وجريان حلف كل وَاحِد من الْمُوصي لَهُم على اسْتِحْقَاقه لما وصّى لَهُ بِهِ وعَلى عدم الرَّد والاستيفاء الْيَمين الشَّرْعِيَّة عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويحدد وَيذكر دفع المُشْتَرِي الثّمن إِلَى البَائِع وَقَبضه مِنْهُ وَدفعه بِإِذن الْحَاكِم إِلَى رب الدّين وَإِلَى الْمُوصي لَهُم مَا ثَبت لَهُم بَينهم على حسب مَا فصل أَعْلَاهُ
فقبضوه وَاسْتقر الْبَاقِي من الثّمن الْمَذْكُور وَهُوَ كَذَا وَكَذَا تَحت يَده للْغَائِب ولأخيه الطِّفْل الْمَذْكُور ليحفظ مَال الْغَائِب إِلَى حِين حُضُوره وتسليمه إِيَّاه ويتصرف للصَّغِير الْمَذْكُور فِيمَا يَخُصُّهُ من ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة بيع مَرْهُون من تَرِكَة ميت ووفاء مَا استدين لأولاده حَال حَيَاته وغيبته(1/94)
: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان وَأمره على فلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان الْأَيْتَام الصغار الَّذين توفّي والدهم الْمَذْكُور
وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فيهم من غير شريك لَهُم فِي ذَلِك
وهم الْآن فِي حجر الشَّرْع الشريف وحضانة جدتهم لأمهم فُلَانَة لوفاء مَا استدانته الحاضنة الْمَذْكُورَة بِإِذن الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ من فلَان ومبلغه كَذَا ورهنت عِنْده على الدّين الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع مَا هُوَ جَار فِي ملك والدهم الْمَذْكُور الْغَائِب إِذْ ذَاك عَن مَدِينَة كَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة وَهُوَ كَذَا رهنا شَرْعِيًّا من قبل تَارِيخه لتصرف الْمبلغ الْمَذْكُور فِي نَفَقَة أَوْلَاده الْمَذْكُورين وكسوتهم وَمَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ من لَوَازِم شَرْعِيَّة بِمُقْتَضى المسطور الشَّرْعِيّ المتضمن لذَلِك المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه وجريان حلف المداين الْمَذْكُور على اسْتِحْقَاق ذَلِك وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك ولشيء مِنْهُ
وعَلى بَقَاء حكم الرَّهْن ولزومه الْيَمين الشَّرْعِيَّة المستوفاة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا مَعَ مَا يعْتَبر ثُبُوته فِيهِ عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا
ويحدد ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة بيع وَكيل الرَّاهِن الرَّهْن عِنْد حُلُول الدّين وَدفعه للْمُرْتَهن وَفَاء لدينِهِ: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ البَائِع لما يذكر فِيهِ عَن مُوكله فلَان بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك بِالثّمن الَّذِي سيعين فِيهِ على الْحَاكِم الْآتِي شَرحه فِيهِ وتوكيله إِيَّاه فِي ذَلِك كُله التَّوْكِيل الشَّرْعِيّ مَا ذكر البَائِع الْوَكِيل الْمَذْكُور أَنه ملك مُوكله الْمَذْكُور وبيد المُشْتَرِي الْمَذْكُور رهنا على دينه الْوَاجِب لَهُ فِي ذمَّة الْمُوكل الْمَذْكُور الْحَال حَالَة البيع
ومبلغه كَذَا بِمُقْتَضى المسطور الشَّرْعِيّ المتضمن إِقْرَار الْمُوكل الْمَذْكُور للْمُشْتَرِي الْمَذْكُور بالمبلغ الْمَذْكُور
وَأَنه رهن تَحت يَده على الدّين الْمَذْكُور وعَلى كل جُزْء مِنْهُ جَمِيع الدَّار الْآتِي ذكرهَا وتحديدها فِيهِ بحقوقها كلهَا رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مؤرخ المسطور الْمَذْكُور بِكَذَا
ووكل وَكيله الْمَذْكُور فِي بيع الرَّهْن الْمَذْكُور عِنْد حُلُوله وَبعده بِثمن الْمثل وَمَا قاربه مِمَّن يرغب فِي ابتياعه وَفِي قبض الثّمن وَتَسْلِيم الْمَبِيع أَو فِي مقاصصة المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِالثّمن الْوَاقِع عَلَيْهِ عقد البيع إِلَى نَظِيره من الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ
وَفِي الْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد التَّوْكِيل الشَّرْعِيّ حَسْبَمَا هُوَ معِين فِي المسطور الْمَذْكُور
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصف ويحدد بِثمن مبلغه كَذَا دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ قبضا شَرْعِيًّا أَو قاصص الْوَكِيل البَائِع الْمَذْكُور المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ فِي المسطور الْمَذْكُور مقاصصة شَرْعِيَّة
بَرِئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمَذْكُور من جَمِيع الثّمن الْمعِين(1/95)
أَعْلَاهُ وَذمَّة الْمُوكل الْمَذْكُور من جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وَمن كل جُزْء مِنْهُ بَرَاءَة شَرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن حضر الْمُوكل وَصدق واعترف بِصِحَّة البيع ولزومه وبالتوكيل المشروح أَعْلَاهُ وتقدمه على عقد هَذَا البيع وبالدين وبقائه فِي ذمَّته إِلَى حَالَة البيع
وَأَن ذَلِك صدر من أَهله فِي مَحَله على الأوضاع الشَّرْعِيَّة صدورا شَرْعِيًّا وَأَن الثّمن ثمن الْمثل لذَلِك حَالَة البيع: كتب ذَلِك فِي ذيل الْمُبَايعَة بِلَفْظِهِ
فصل
: وَإِن كَانَ الْمَبِيع مَرْهُونا عِنْد المُشْتَرِي وَقت البيع فَلَا عِبْرَة بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي أبطل حَقه من الرَّهْن وأبطل عقد الرَّهْن بِمُجَرَّد المعاقدة الْجَارِيَة بَينه وَبَين البَائِع أَو وَكيله
وَإِن كَانَ مَرْهُونا عِنْد غير المُشْتَرِي وَوَقع العقد وَقع بَاطِلا
وَللْمُشْتَرِي الرُّجُوع بِالثّمن عِنْد ثُبُوته واطلاعه عَلَيْهِ بعد حكم حَاكم بِبُطْلَان البيع
وَيجْرِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْخلاف بَين الْأَئِمَّة رَضِي الله عَنْهُم
فَإِن كَانَ الرَّهْن معادا كَانَ صَحِيحا عِنْد الشَّافِعِي بَاطِلا عِنْد البَاقِينَ
وللمتبايعين الترافع بِالْمَبِيعِ الْمَرْهُون رهنا معادا
فَإِن ترافعا إِلَى شَافِعِيّ حكم بِبُطْلَان البيع وَصِحَّة الرَّهْن
وَإِن ترافعا إِلَى غَيره حكم بِصِحَّة البيع وَبطلَان الرَّهْن
فصل: وَإِذا أَرَادَ الْكَاتِب أَن يعين أَن الْمَبِيع كَانَ مَرْهُونا
فَيَقُول: وَهَذَا الْمَبِيع كَانَ مَرْهُونا عِنْد فلَان على دين شَرْعِي مبلغه كَذَا فِي ذمَّة البَائِع الْمَذْكُور
وَحضر رب الدّين الْمَذْكُور وَفك عقد الرَّهْن عَن الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ قبيل صُدُور هَذَا البيع وَسلمهُ إِلَى البَائِع فتسلمه مِنْهُ
وَصَارَ فِي يَده ثمَّ وَقع عقد البيع بعد ذَلِك على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
واعتراف الْمُرْتَهن الْمَذْكُور بِصِحَّة هَذَا البيع ولزومه ونفوذه وجريانه على الصِّحَّة واللزوم
وَأَنه صدر من أَهله فِي مَحَله على الأوضاع الشَّرْعِيَّة صدورا شَرْعِيًّا
فصل: وَإِن كَانَ الْمَبِيع وَقفا ورده الْمَوْقُوف عَلَيْهِم
كتب قبل الْإِشْهَاد وَقبل التَّارِيخ: وَهَذَا الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ كَانَ وَالِد البَائِع أَو البائعين وَقفه عَلَيْهِم وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك ثمَّ ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْفُلَانِيّ أَن الْوَاقِف الْمَذْكُور إِنَّمَا صدر مِنْهُ الْوَقْف الْمَذْكُور فِي مرض مَوته أَو فِي الْمَرَض الْمُتَّصِل بِمَوْتِهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ ثمَّ حضر الْمَوْقُوف عَلَيْهِم المذكورون أَعْلَاهُ إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ
وردوا الْوَقْف الْمَذْكُور ردا شَرْعِيًّا وَحلف كل وَاحِد مِنْهُم الْيَمين الشَّرْعِيَّة: أَنه لم تصدر مِنْهُ إجَازَة للْوَقْف وَلَا اخْتَارَهُ وَلَا رَضِي بِهِ
وَلَا صدر مِنْهُ مَا يُوجب إبِْطَال حَقه من الْوَقْف الْمَذْكُور بعد وَفَاة وَالِده الْمَذْكُور بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب(1/96)
وَإِن كَانَ الْمَبِيع حِصَّة مبلغها الثُّلُثَانِ من مَكَان كَامِل
فَيَقُول: وَهَذَا الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ كَانَ وَالِد البَائِع الْمَذْكُور قد وَقفه فِي جملَة الدَّار الْمعينَة أَعْلَاهُ فِي مَرضه الْمُتَّصِل بِمَوْتِهِ أَو فِي زمن الوباء
وَلما توفّي حضر ولد الْوَاقِف البَائِع الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَأقَام بَيِّنَة شَرْعِيَّة أَن وَالِده الْمَذْكُور وقف الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ فِي جملَة الدَّار الْمَبِيع مِنْهَا فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ أَو فِي زمن الوباء
وَأَن تركته جَمِيعهَا هِيَ الدَّار المحدودة بأعاليه
وَطلب من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم برد الْوَقْف الْمَذْكُور وتصحيحه من الثُّلُث حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الشَّرْع الشريف
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا صَحَّ بِهِ الْوَقْف فِي ثلث الدَّار الْمَذْكُورَة وَبَقِي الثُّلُثَانِ ملكا طلقا لوَارِثه الْمَذْكُور حَسْبَمَا تضمنه إشهاده المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَصُورَة تَحْدِيد كتاب تبَايع صدر بَين متبايعين بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخ الْإِشْهَاد: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا بَاعَ لفُلَان فَاشْترى مِنْهُ مَا هُوَ لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه إِلَى حِين هَذَا البيع الصَّادِر بَينهمَا فِي التَّارِيخ الْمعِين أَعْلَاهُ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه قبض مِنْهُ جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ عِنْد جَرَيَان المعاقدة بَينهمَا على ذَلِك قبضا شَرْعِيًّا وَأَنه سلم إِلَيْهِ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور فتسلمه تسلما شَرْعِيًّا
وأنهما تعاقدا على ذَلِك فِي التَّارِيخ الْمعِين أَعْلَاهُ معاقدة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وَأقر فلَان الْمَذْكُور: أَنه لَا يسْتَحق مَعَ فلَان الْمَذْكُور فِي الْمَكَان الْمَوْصُوف بأعاليه حَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويسوق من أَلْفَاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق مَا تقدم شَرحه وَإِن كَانَ قد كتب بَينهمَا كتاب تبَايع شَرْعِي بذلك وَعدم من المُشْتَرِي
وَسَأَلَ البَائِع تَجْدِيد كتاب لَهُ بذلك
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَأقر لَهُ بذلك وَصدقه المُشْتَرِي على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
كتب ذَلِك كَذَلِك
فرع: وَإِن كَانَ شَيْء من الثّمن مَجْهُول الْقيمَة
فَيَقُول: بِثمن مبلغه ألف دِرْهَم مثلا ولؤلؤة أَو غَيرهَا من الْجَوَاهِر مَجْهُولَة الْوَزْن وَالْقيمَة مُشَاهدَة مرئية لشهوده حَال العقد
وَإِن كَانَ بِمَا لَهُ فِي ذمَّة البَائِع من الدّين
فَالَّذِي جرت الْعَادة بِهِ: أَنه إِذا بَاعَ الْمَدْيُون من مداينه اشْترى مِنْهُ فِي الذِّمَّة ثمَّ يتقاصان
وَإِن كَانَ الدّين أَكثر من الثّمن قاص المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن إِلَى نَظِيره من دينه الَّذِي لَهُ فِي ذمَّته
وَإِن كَانَ الثّمن أَكثر قاصه بنظير الدّين
وَدفع إِلَيْهِ بَاقِي الثّمن
وَإِن كَانَ البَائِع أَبْرَأ ذمَّة المُشْتَرِي من بعض الثّمن
فَيَقُول: أَقرَأ البَائِع ذمَّة المُشْتَرِي من كَذَا وَكَذَا وَمن الثّمن بَرَاءَة شَرْعِيَّة
بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط وَدفع إِلَيْهِ بَاقِي الثّمن الْمَذْكُور وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا(1/97)
وَإِن كَانَت الْبَرَاءَة من جَمِيع الثّمن كتب: أَبْرَأ البَائِع ذمَّة المُشْتَرِي الْمَذْكُور من جَمِيع الثّمن الْمعِين فِيهِ بَرَاءَة شَرْعِيَّة
وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي بلد آخر
كتب فِي مَوضِع التَّسْلِيم: وخلى البَائِع الْمَذْكُور بَين المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَبَين الْمَبِيع الْمَذْكُور التَّخْلِيَة الشَّرْعِيَّة الْقَائِمَة مقَام التَّسْلِيم الْمُوجبَة للتسلم شرعا
وَإِن كَانَ قد حضر التبايع شخص أَو جمَاعَة وضمنوا الدَّرك فِي الْمَبِيع كتب حضورهم وَأَن كلا مِنْهُم أشهد عَلَيْهِ أَنه ضمن الدَّرك فِي الْمَبِيع الْمَذْكُور وَالْقِيَام بِمُوجبِه
لمستحقه شرعا عِنْد وُجُوبه على مَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة المطهرة
وَإِن اعْتَرَفُوا بِصِحَّة البيع ولزومه كتب كَمَا تقدم فِي حق الْمُرْتَهن
وَإِن كَانَ بِالْمَبِيعِ عيب كتب قبل الْإِشْهَاد: وَقد علم المُشْتَرِي أَو وَقد اطلع المُشْتَرِي على أَن بِالْبيعِ الْمعِين أَعْلَاهُ عَيْبا يُوجب الرَّد وَينْقص الثّمن
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَرَضي بذلك
وأقدم عَلَيْهِ وَأسْقط حَقه من الرَّد بِسَبَبِهِ وَطلب الْأَرْش
وَمن الدَّعْوَى بذلك بِنَفسِهِ وبوكيله إِسْقَاطًا شَرْعِيًّا
وَيكْتب كَذَلِك إِذا كَانَ الْمَبِيع مؤجرا فَهُوَ عيب
وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي الْفَسْخ والإمساك إِذا علم بِهِ بعد العقد
وَصُورَة بيع وقف وَشِرَاء غَيره مَكَانَهُ على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: اشْترى فلَان من فلَان النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي أَمر الْوَقْف الْآتِي ذكره الْمَنْسُوب إيقافه إِلَى فلَان الْجَارِيَة أجوره ومنافعه على الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو على البَائِع الْمَذْكُور وَمن يشركهُ
ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة حَسْبَمَا تضمنه كتاب الْوَقْف الشَّاهِد بذلك الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَو الشَّاهِد بِهِ الْمحْضر الشَّرْعِيّ المتضمن لذَلِك المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وبإذن سيدنَا فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ وَأمره الْكَرِيم لدثور الْوَقْف الْمَبِيع الْآتِي ذكره واستهدامه وتعطله وَتعذر الِانْتِفَاع بِهِ على مُقْتَضى شَرط واقفه بِمَا دون بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مُشْتَرِي عقار عَامر فِيهِ مَنْفَعَة مُعْتَبرَة يُوقف على مُقْتَضى شَرطه فِي الْحَال والمآل لخلو جِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور من حَاصِل يصرف فِي عِمَارَته الضرورية وَأَنه وقف على البَائِع الْمَذْكُور وشركائه بَينهم على سِهَام مَعْلُومَة ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة
وانه فِي يَد البَائِع الْمَذْكُور لنَفسِهِ ولشركائه
وَأَن لَهُم النّظر فِي أمره وَأَن فِي بَيْعه حظا وافرا ومصلحة ظَاهِرَة لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور
وَأَن الثّمن الْآتِي تَعْيِينه فِيهِ ثمن الْمثل لَهُ يَوْمئِذٍ وَثُبُوت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ(1/98)
ويصفه ويحدده شِرَاء شَرْعِيًّا وبيعا قَاطعا فاصلا مَاضِيا مرضيا لَازِما
لَا شَرط فِيهِ وَلَا فَسَاد وَلَا دُلْسَة وَلَا تلجئة وَلَا عدَّة وَلَا دينا وَلَا توثقا بدين وَلَا على جِهَة تخَالف ظَاهره بِثمن مبلغه كَذَا دفع المُشْتَرِي إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين فِيهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَاسْتقر فِي يَده ليَشْتَرِي بِهِ عقارا عَامِرًا فِيهِ مَنْفَعَة مُعْتَبرَة ويقفه عوضا عَنهُ على مُقْتَضى شَرطه فِي الْحَال والمآل بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
بَرِئت بذلك ذمَّة المُشْتَرِي الْمَذْكُور من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَمن كل جُزْء مِنْهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور البيع الْمعِين فِيهِ فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ملكا طلقا من أَمْلَاك المُشْتَرِي الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِيهِ وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ
تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم من غير معَارض وَلَا مُنَازع وَلَا رَافع ليد
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتفرق بالأبدان عَن ترَاض
وَبعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ مَا ذكر ثُبُوته أَعْلَاهُ وَبعد عرض الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ وإشهاره والنداء عَلَيْهِ فِي مَوَاطِن الرغبات وَمحل الطلبات مُدَّة فَكَانَ أنهى مَا بذل فِيهِ: الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ بِحُضُور من ندب لذَلِك من الْعُدُول ولوجود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضى لذَلِك ولجواز بَيْعه وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا ويكمل ويؤرخ
وَصُورَة بيع وقف داثر بمَكَان عَامر ليوقف مَكَانَهُ على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: اشْترى فلَان من فلَان وَهُوَ بَائِع لما يذكر فِيهِ ويسوق الْكَلَام على نَحْو مَا تقدم إِلَى قَوْله بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره ثمَّ يَقُول: جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَوْقُوف على الْجِهَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ الخراب الداثر لما استهدم الْمُعَطل ويحدده شِرَاء شَرْعِيًّا بِجَمِيعِ الْمَكَان الْفُلَانِيّ العامر ويصفه ويحدده ثمَّ يَقُول: بِحُقُوق ذَلِك كُله
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الْمَكَان العامر الْمَذْكُور الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه
فتسلمه تسلما شَرْعِيًّا وَسلم البَائِع إِلَى المُشْتَرِي جَمِيع الْمَبِيع الداثر المستهدم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ملكا طلقا من أَمْلَاك المُشْتَرِي الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِيهِ وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم بِحكم مَا عين وَبَين وَنَصّ وَشرح أَعْلَاهُ ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ثمَّ يَقُول: وَبعد تَمام ذَلِك ولزومه شرعا وقف البَائِع الْمَذْكُور بِإِذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْمَكَان الَّذِي هُوَ الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ بحقوقه كلهَا وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الْجِهَة الْمعينَة أَعْلَاهُ تجْرِي أجوره ومنافعه حَسْبَمَا هُوَ معِين ومبين ومشروط فِي الْحَال والمآل فِي كتاب وقف ذَلِك الْمُتَقَدّم تَارِيخه على تَارِيخه وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك ويؤرخ(1/99)
وَصُورَة بيع العَبْد الْمَأْذُون: اشْترى فلَان من فلَان الْخَادِم الحبشي أَو الرُّومِي أَو غير ذَلِك من الْأَجْنَاس مَمْلُوك فلَان الَّذِي أذن لَهُ سَيّده الْمَذْكُور فِي التِّجَارَة والمعاملة وَالْمُضَاربَة والمداينة وَفِي شِرَاء مَا يرى شِرَاءَهُ وَبيع مَا يرى بَيْعه وَفِي دفع الثّمن عَمَّا يبتاعه وَقبض الثّمن عَمَّا يَبِيعهُ
وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد الْإِذْن الشَّرْعِيّ الشَّاهِد بِهِ كتاب الْإِذْن المتضمن لذَلِك وَلغيره المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ مَا ذكر أَنه لسَيِّده الْمَذْكُور وَملكه وبيد البَائِع حَالَة البيع
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ مِنْهُ لسَيِّده الْمَذْكُور
وأضافه إِلَى مَاله تَحت يَده من المَال قبضا شَرْعِيًّا ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة مَا إِذا كَانَ العَبْد الْمَأْذُون هُوَ المُشْتَرِي: اشْترى فلَان العَبْد الْخَادِم مَمْلُوك فلَان الَّذِي أذن لَهُ سَيّده الْمَذْكُور فِي التِّجَارَة ويسوق مَا تقدم إِلَى آخِره من فلَان الْفُلَانِيّ لسَيِّده الْمَذْكُور وَمن مَاله الَّذِي هُوَ فِي يَده دون مَال نَفسه
ويكمل وَيذكر فِي التَّسْلِيم: أَنه تسلم الْمَبِيع لسَيِّده الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا
وَصُورَة بيع الْمكَاتب أم وَلَده مَعَ قدرته على أَدَاء مَال الْكِتَابَة وَمَعَ عَجزه وَهُوَ جَائِز عِنْد الشَّافِعِي خلافًا للباقين
وَعند مَالك: الْجَوَاز مَعَ عجز الْمكَاتب عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة: اشْترى فلَان من فلَان مكَاتب فلَان بِإِذن سَيّده الْمَذْكُور أم وَلَده لصلبه فُلَانَة المعترفة للْمكَاتب البَائِع بِالرّقِّ والعبودية وَأَنَّهَا أم وَلَده لصلبه فلَان وَأَنه وَطئهَا بِملك الْيَمين الصَّحِيح الشَّرْعِيّ
وأولدها الْوَلَد الْمَذْكُور مَعَ قدرته على أَدَاء مَال الْكِتَابَة باعترافه بذلك لشهوده
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي إِلَى البَائِع جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل الْمُبَايعَة بشروطها الْمُعْتَبرَة وَيرْفَع إِلَى حَاكم شَافِعِيّ يحكم بِصِحَّة البيع مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ البيع لعَجزه عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة
فَيَقُول: وَهُوَ بَائِع لما يَأْتِي ذكره فِيهِ لعَجزه عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة ويكمل على نَحْو مَا سبق شَرحه وَيرْفَع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ وَيثبت الْعَجز وَيحكم بِصِحَّة البيع مَعَ الْعَجز عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع الْبَالِغ الثَّابِت رشده بعد الْحجر عَلَيْهِ: اشْترى فلَان من فلَان البَائِع الْكَامِل الرشيد الثَّابِت رشده بعد الْحجر عَلَيْهِ وَأَنه يسْتَحق فك الْحجر عَنهُ وَإِطْلَاق تَصَرُّفَاته الشَّرْعِيَّة لَدَى سيدنَا فلَان الدّين بِمُقْتَضى الْمحْضر الشَّرْعِيّ المتضمن لذَلِك المؤرخ بِكَذَا
ويكمل الْمُبَايعَة على نَحْو مَا تقدم شَرحه(1/100)
وَصُورَة بيع الْأَخْرَس وشرائه: يُقَاس على مَا سبق فِي حَقه من الْإِشَارَة المفهمة الْقَائِمَة مقَام النُّطْق مِنْهُ فِي كتاب الْإِقْرَار
وَصُورَة بيع الصَّبِي الْمُمَيز بِإِذن وليه على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ: اشْترى فلَان من فلَان الْمُمَيز وَهُوَ بَائِع بِإِذن فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ عَلَيْهِ
والمتكلم لَهُ فِي مَصَالِحه وَمَاله بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِد البَائِع الْمَذْكُور المتضمنة لذَلِك وَلغيره المحضرة من يَده لشهوده المؤرخة بِكَذَا الثَّابِت مضمونها بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ ومشاورته لوصيه الْمَذْكُور
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع الصَّبِي الْمُمَيز لاحقة للْبيع بعد وُقُوع العقد والتقابض على مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ: اشْترى فلَان من فلَان الصَّبِي الْمُمَيز ويكمل إِلَى آخر المعاقدة وَإِذا انْتهى كتاب التبايع واستوفيت شُرُوطه يَقُول: وَحضر ولي البَائِع الْمَذْكُور ووصيه الشَّرْعِيّ ويحكي الْوَصِيَّة وتاريخها وثبوتها كَمَا تقدم وَأَجَازَ مَا فعله البَائِع الْمَذْكُور من البيع وَقبض الثّمن وَتَسْلِيم الْمَبِيع وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد إجَازَة شَرْعِيَّة
صَحَّ بهَا عقد البيع المشروح أَعْلَاهُ على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع الصَّبِي الْمُمَيز بِإِذن الْوَلِيّ وإشرافه على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ: اشْترى فلَان من فلَان الصَّبِي الْمُمَيز بِإِذن وليه الشَّرْعِيّ فلَان وإشرافه
وَهُوَ الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ فِي أَمر الْيَتِيم وَمَاله بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِد الصَّغِير الْمَذْكُور وَيذكر تاريخها وثبوتها كَمَا تقدم ويكمل الْمُبَايعَة إِلَى آخرهَا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبرَة
وَيَقَع الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين وَالْوَلِيّ والآذن بذلك
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حنبلي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع الصَّبِي الْمُمَيز بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول بِإِذن الْوَلِيّ أَو بِإِجَازَة لاحقة بِالْعقدِ على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ من مَذْهَب أبي حنيفَة وَهِي أَنه يجوز بيع الْجَلِيل والحقير بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول: اشْترى فلَان من فلَان الصَّبِي الْمُمَيز اشْترى مِنْهُ فَبَاعَهُ من غير معاقدة بِإِيجَاب وَلَا قبُول وَلَكِن دفع إِلَيْهِ الْمبلغ الْآتِي ذكره فِيهِ ثمنا عَن الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها ثمَّ يَقُول: شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا دَفعه المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى البَائِع الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وتسلم الْمَبِيع
فَإِن كَانَ المُشْتَرِي مَا رأى الْمَبِيع فَيَقُول بدل الرُّؤْيَة والمعرفة وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار عِنْد رُؤْيَة الْمَبِيع الْمَذْكُور إِن شَاءَ(1/101)
أمْسكهُ وَإِن شَاءَ رده ثمَّ يَقُول: وَحضر فلَان وَصِيّ البَائِع الْمَذْكُور والناظر فِي أمره بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِده الْمَذْكُور وَيذكر مضمونها وتاريخها وثبوتها كَمَا تقدم وَأَجَازَ مَا فعله البَائِع الْمَذْكُور إجَازَة شَرْعِيَّة مُعْتَبرَة مرضية
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ ويثبته وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِمَا فِيهِ من الْخلاف من كَون البيع وَقع بِغَيْر معاقدة
وَكَون المُشْتَرِي لم ير الْمَبِيع
وَصُورَة بيع الْبَالِغ الْعَاقِل بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ من مَذْهَب أبي حنيفَة وعَلى مَذْهَب مَالك على الْإِطْلَاق خلافًا ل لشافعي على الْإِطْلَاق عِنْده: أَنه لَا يجوز البيع فِي جليل وَلَا حقير بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول وَخِلَافًا ل أَحْمد فِي كَونه لَا يَصح عِنْده البيع بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول إِلَّا فِي المحقرات كَمَا تقدم فِي مسَائِل الْخلاف اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده شِرَاء وبيعا صدر بَين الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ من غير إِيجَاب وَلَا قبُول لِكَوْنِهِمَا رَأيا ذَلِك بيعا وتراضيا بِهِ بِمَا مبلغه كَذَا ثمَّ يذكر الْقَبْض وَالتَّسْلِيم والرؤية النافية للْجَهَالَة ويكمل بِالْإِشْهَادِ وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ أَو مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة البيع بِلَفْظ المعاطاة على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ: هَذَا مَا أعْطى فلَان لفُلَان أعطَاهُ مَا ذكر أَنه لَهُ وَملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه حَالَة البيع
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده عَطاء شَرْعِيًّا جَائِزا
فَأَخذه مِنْهُ بمبلغ كَذَا
وَدفع إِلَيْهِ الْمبلغ الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الدَّار المعطاة أَعْلَاهُ فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة والمعرفة النافية للْجَهَالَة وجريان المعطاة بَينهمَا فِي ذَلِك والتسلم ورضاهما بذلك واعتقادهما بِأَن ذَلِك بيع
وَأَن الْمُسلمين رَأَوْهُ حسنا
ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ
وَيرْفَع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي صِحَّته عِنْده على الْإِطْلَاق أَو عِنْد أبي حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَو عِنْد أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَخِلَافًا لَهما فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَنْهُمَا وَخِلَافًا للشَّافِعِيّ على الْإِطْلَاق
وَصُورَة بيع كلب مَأْذُون فِيهِ وَهُوَ كلب الصَّيْد على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك خلافًا للشَّافِعِيّ وَأحمد: اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع الْكَلْب الْأسود أَو الأبقع أَو السلوقي الصيدي الْبَالِغ شِرَاء تَاما بِثمن مبلغه كَذَا ويكمل إِلَى آخر التبايع
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ أَو مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع السرجين أَو الزَّيْت النَّجس أَو السّمن النَّجس: اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع المزبلة الْمُشْتَملَة على سرجين وتبن وقش الْمَجْمُوعَة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
الَّتِي هِيَ مربعة الْوَضع فِي جمعهَا
وذرعها قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وشرقا وغربا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
وارتفاعها من الأَرْض(1/102)
كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذرع النجاري ويحدد الْمَكَان الَّذِي بِهِ المزبلة الْمَبِيعَة ثمَّ يَقُول: شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا
ويكمل التبايع
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ الْمَبِيع زيتا أَو سمنا نجسا فيذكر وَزنه وَأَنه نجس
ويكمل الْمُبَايعَة وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة البيع فِي الْمَسْجِد وثبوته عِنْد أحد الْحُكَّام مَا عدا الْحَنْبَلِيّ
فَإِن البيع فِي الْمَسْجِد بَاطِل عِنْده: اشْترى فلَان من فلَان
فَبَاعَهُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويكمل الْمُبَايعَة بشروطها الْمُعْتَبرَة وَيرْفَع إِلَى حَاكم شَافِعِيّ أَو حَنَفِيّ أَو مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ البيع وَقع فِي الْمَسْجِد وَلم يحكم بِهِ أحد من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين وَأَرَادَ أحد الحكم بِبُطْلَان البيع عِنْد الْحَنْبَلِيّ يَقع التداعي فِيهِ عِنْده وَتقوم الْبَيِّنَة بجريان عقد التبايع بَينهمَا فِي ذَلِك فِي الْمَسْجِد الْجَامِع
وَيسْأل أَحدهمَا الحكم
بِبُطْلَان البيع
فَيحكم بذلك مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة بيع عين غَائِبَة بِالْوَصْفِ لَا بِالرُّؤْيَةِ: اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع الدَّار الَّتِي صفتهَا كَذَا ويحدد شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَيذكر قبض الثّمن والتخلية بَين المُشْتَرِي وَبَين الْمَبِيع وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة مَعَ كَون الْمُتَبَايعين لم يَكُونَا رَأيا الْمَبِيع
وَإِنَّمَا وصف لَهما
ويكمل وَيرْفَع إِلَى حاك حَنَفِيّ أَو مالكي أَو حنبلي يُثبتهُ وَيحكم بِصِحَّة البيع مَعَ كَون الْمَبِيع مَوْصُوفا لَا مرئيا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك مَعَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه
وَصُورَة بيع عين غَائِبَة غير مرئية وَلَا مَوْصُوفَة: اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع الدَّار الَّتِي بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ ويحددها من غير وصف بِثمن مبلغه كَذَا وَيذكر دفع الثّمن وَقَبضه والتخلية بَين المُشْتَرِي وَبَين الْمَبِيع التَّخْلِيَة الشَّرْعِيَّة الْقَائِمَة مقَام التَّسْلِيم الْمُوجبَة للتسليم شرعا ثمَّ يَقُول: وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا رَآهَا بَين الرَّد والإمساك
ويكمل بِالْإِشْهَادِ
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه أَو إِلَى حَاكم حنبلي يُثبتهُ إِن رأى الْعَمَل بالرواية الثَّانِيَة من مذْهبه وَيحكم بِمُوجبِه وَأَن العقد جَائِز عِنْده: وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا رَآهَا واطلع على عيب شَرْعِي بَين الرَّد والإمساك
وَصُورَة بيع أعمى من أعمى أَو أعمى من بَصِير أَو بَصِير من أعمى وَقد وصف الْمَبِيع: اشْترى فلَان الْأَعْمَى الَّذِي لَا يبصر أَيْضا جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي وصف(1/103)
لَهما وَعرفا صفته واعترفا بذلك عِنْد شُهُوده ويحدد ويكمل الْمُبَايعَة إِلَى التَّسْلِيم وَيَقُول: وَسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع الْمَوْصُوف فِيهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
بعد الْوَصْف الْكَامِل الَّذِي اعترفا بمعرفته وفهمه وقيامه عِنْدهمَا مقَام الرُّؤْيَة
ويكمل بِالْإِشْهَادِ
وَيرْفَع إِلَى قَاض غير شَافِعِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك مَعَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه
وَكَذَلِكَ يكْتب بَين أعمى وبصير
وَصُورَة بيع الملاهي أَو ملهاة وَاحِدَة
وَهِي أَنْوَاع: الطبل وَالْعود والمزمار والقانون والجنك والطنبور والصنطير والششتاه والأرغل والقبز والدف والصنوج والشبابة
فَعِنْدَ أبي حنيفَة يجوز بيع هَذِه كلهَا
وَيجب الضَّمَان على متلفها عِنْده خلافًا للباقين: اشْترى فلَان من فلَان جَمِيع الملهاة الْمَعْرُوفَة بِكَذَا الْمُشْتَملَة على أَلْوَاح من الْخشب الْجَوْز أَو البقس أَو الآبنوس أَو من عظم العاج
وعَلى أوتار من نُحَاس أَو حَرِير عدتهَا كَذَا وَكَذَا وترا شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا ويكمل الْمُبَايعَة بشروطها وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة اعْتِرَاف المُشْتَرِي أَنه كَانَ وَكيلا لفُلَان عِنْد الشِّرَاء وَيكْتب على مَكْتُوب التبايع: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان المُشْتَرِي الْمَذْكُور بَاطِنه وَأشْهد عَلَيْهِ شُهُوده طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَّته وسلامته: أَنه لما ابْتَاعَ الْمَبِيع الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بَاطِنه من البَائِع الْمَذْكُور بَاطِنه بِالثّمن الْمعِين بَاطِنه إِنَّمَا كَانَ ابتاعه لفُلَان وبماله دون مَال نَفسه حسب تَوْكِيله إِيَّاه فِي ذَلِك وَفِي دفع الثّمن وتسلم الْمَبِيع من بَائِعه وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد التَّوْكِيل الشَّرْعِيّ الصَّادِر قبل وُقُوع العقد الْمعِين بَاطِنه الَّذِي قبله مِنْهُ الْقبُول الشَّرْعِيّ وَأَنه دفع الثّمن من مَال مُوكله الْمَذْكُور وتسلم لَهُ الْمَبِيع الْمَذْكُور التسلم الشَّرْعِيّ وَأَن الْمَبِيع الْمعِين بَاطِنه ملك الْمُوكل الْمَذْكُور وَحقّ من حُقُوقه وواجب من واجباته لَا حق لَهُ مَعَه فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَأَن كل مَا أوجبته أَحْكَام البيع وتوجبه بِحَق هَذَا التبايع المشروح فِيهِ فَهُوَ للْمُوكل الْمَذْكُور أَعْلَاهُ دونه وَدون كل أحد بتسببه
وَصدقه الْمُوكل الْمَذْكُور على ذَلِك كُله التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويكمل ويؤرخ
وَصُورَة إِقْرَار الْوَرَثَة أَن مُورثهم بَاعَ وَقبض الثّمن قبل وَفَاته: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان
وَأشْهدُوا على أنفسهم طَوْعًا فِي صحتهم وسلامتهم: أَن والدهم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بَاعَ قبل وَفَاته إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى لفُلَان فَابْتَاعَ مِنْهُ مَا كَانَ جَارِيا فِي ملك مُورثهم الْمَذْكُور وَبِيَدِهِ وتصرفه إِلَى تَارِيخ البيع الصَّادِر بَينهمَا ذَلِك فِي شهر كَذَا من سنة كَذَا
وَذَلِكَ: جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده بيعا وَشِرَاء(1/104)
صَحِيحَيْنِ شرعيين لَا شَرط فيهمَا وَلَا فَسَاد وَلَا على جِهَة تخَالف ظَاهره بِثمن مبلغه كَذَا وَأَن مُورثهم الْمَذْكُور قبض من المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ حَالَة التعاقد الْجَارِي بَينهمَا على ذَلِك فِي التَّارِيخ الْمعِين أَعْلَاهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا تسلم مثله لمثل ذَلِك شرعا وَأَن الْمَكَان الْمَذْكُور ملك من أَمْلَاك فلَان الْمَذْكُور دون ملكهم وَأَن كلا مِنْهُم لايستحق مَعَه الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ حَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا إِرْثا وَلَا موروثا وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
وَصدقهمْ الْمَشْهُود لَهُ الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل ويؤرخ
وَصُورَة التقايل بَين الْمُتَبَايعين فِي البيع وَيكْتب على ظهر الْمَكْتُوب تقايل الْمُتَبَايعَانِ الْمَذْكُورَان بَاطِنه وهما فلَان وَفُلَان أَحْكَام التبايع الصَّادِر بَينهمَا فِي الْمَبِيع الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بَاطِنه تَقَايلا شَرْعِيًّا
وفسخا عقد البيع الْمَذْكُور بَاطِنه فسخا شَرْعِيًّا
وتسلم كل مِنْهُمَا من الآخر مَا وَجب لَهُ تسلمه شرعا
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة رد المُشْتَرِي على البَائِع الْمَبِيع بِالْعَيْبِ الَّذِي اطلع عَلَيْهِ: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه كَانَ ابْتَاعَ من فلَان من قبل تَارِيخه جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو العَبْد الْفُلَانِيّ بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه اطلع فِي يَوْم تَارِيخه على أَن بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور أَو العَبْد الْمَذْكُور عَيْبا قَدِيما يُوجب الرَّد وَينْقص الثّمن وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَأَنه حِين اطِّلَاعه على الْعَيْب الْمَذْكُور بَادر على الْفَوْر وَاخْتَارَ فسخ البيع ورد الْمَبِيع على بَائِعه بِالْعَيْبِ الْمَذْكُور وَأَنه بَاقٍ على طلب الرَّد واستعادة الثّمن الَّذِي أقبضهُ إِيَّاه وَرفع يَده عَن التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع الْمَذْكُور رفعا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة التعويض الْحكمِي عَن دين شَرْعِي فِي ذمَّة ميت من مجْلِس حَاكم شَرْعِي: عوض فلَان بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم لفُلَان عَن جَمِيع مَا وَجب لَهُ فِي ذمَّة فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه وَفِي تركته من الدّين الشَّرْعِيّ الْآتِي تَعْيِينه فِيهِ الشَّاهِد بِهِ مسطور الدّين المكتتب عَلَيْهِ بذلك المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه وجريان حلف المعتاض على اسْتِحْقَاقه حَال حلفه فِي ذمَّة الْمَدِين الْمَذْكُور وَفِي تركته لجَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك عِنْد سيدنَا فلَان الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا الْمُعْتَبرَة فِي الحكم على الْمَيِّت شرعا وَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك حكما شَرْعِيًّا حَسْبَمَا تضمنه إشهاده بذلك المؤرخ بِكَذَا مَا هُوَ ملك مخلف عَن فلَان
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف(1/105)
ويحدد عَن دينه الثَّابِت الْمعِين أَعْلَاهُ تعويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ الْمشَار إِلَيْهِ
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة والتفرق بالأبدان عَن ترَاض والإنفاذ لذَلِك وَالْإِجَازَة لجميعه وَضَمان الدَّرك فِي ذَلِك لَازم حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف وَيذكر ثُبُوت وَفَاة الْمَدِين وَأَن المعوض ملكه مخلف عَنهُ وَأَن قيمَة المعوض نَظِير الدّين وَأَنه أشهر وَنُودِيَ عَلَيْهِ ويكمل ويؤرخ
وَإِن كَانَ التعويض عَن صدَاق فيذكر عوض المسطور الصَدَاق ومبلغه وتاريخه وثبوته وَحلف الزَّوْجَة على اسْتِحْقَاقهَا لجميعه
ويعوضها مَنْصُوب القَاضِي بِإِذْنِهِ أَو يكون للْمَيت وَارِث بَالغ يعوض عَن نَفسه وبإذن القَاضِي عَن غير الْبَالِغ من إخْوَته الْأَيْتَام الصغار إِن كَانَ
فَإِن كَانَ التعويض بعقار عَن دين وَفرض وصداق الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يعوض الْوَصِيّ على الْأَيْتَام ويشرح الْوَصِيَّة أَو بِإِذن الْحَاكِم للزَّوْجَة عَن جَمِيع صَدَاقهَا الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ الْمُتَوفَّى وَيذكر قدره وتاريخه وثبوته وَعَن دينهَا الثَّابِت فِي ذمَّة الْمُتَوفَّى بِمُقْتَضى المسطور الشَّرْعِيّ وَيذكر قدره وتاريخه وثبوته وَعَن الْفَرْض الشَّرْعِيّ المتجمد لَهَا فِي ذمَّة زَوجهَا الْمَذْكُور الَّذِي صرفته فِي نَفَقَة أَوْلَادهَا لبطنها مِنْهُ المعوض عَلَيْهِم الْمَذْكُورين بِإِذن الْحَاكِم فِي النَّفَقَة عَلَيْهِم من مَاله والاستدانة على ذمَّته والإنفاق وَالرُّجُوع فِي تَرِكَة والدهم الْمَذْكُور بِمُقْتَضى كتاب الْإِذْن الْحكمِي الْمحْضر من يَدهَا المتضمن لذَلِك المؤرخ بِكَذَا
وَثُبُوت ذَلِك كُله عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ وَثُبُوت جَرَيَان حلف المعوضة على اسْتِحْقَاق جَمِيع الصَدَاق وَجَمِيع الدّين وَجَمِيع مبلغ الْفَرْض وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي ذمَّة زَوجهَا الْمَذْكُور وَفِي تركته حَال حَلفهَا
وَأَنَّهَا أنفقت الْفَرْض الْمَذْكُور على أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل لذَلِك ويصف الْعقار المعوض ويحدده وَيذكر: أَنه مخلف عَن زَوجهَا وبيد المعوض وَبَقِيَّة الْوَرَثَة حَالَة التعويض
ويكمل كتاب التعويض بِشُرُوطِهِ الْمُعْتَبرَة من الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية والمعرفة النافية للْجَهَالَة وَبَرَاءَة ذمَّة المعوض عَنهُ الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور من جَمِيع الصَدَاق وَالدّين وَالنَّفقَة الْمَفْرُوضَة الْمعِين ذَلِك أَعْلَاهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة وَأَن المعوض بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ صَار ملكا من أَمْلَاك المعتاضة الْمَذْكُورَة وَحقا من حُقُوقهَا
وَيذكر ثُبُوت جَرَيَان المعوض بِهِ فِي ملك الْمَدِين الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور إِلَى حِين التعويض وَيذكر الْقيمَة وَالْإِشْهَاد والنداء ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة التعويض الأهلي فِي عقار بعقار: عوض فلَان لفُلَان عَن جَمِيع الدَّار الْجَارِيَة فِي ملك فلَان المعتاض وَبِيَدِهِ حَالَة التعويض الَّتِي هِيَ بِمَدِينَة كَذَا وتوصف(1/106)
وتحدد جَمِيع الْحَانُوت الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده أَيْضا مُعَاوضَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة ممضاة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول الشرعيين
وتسلم المعتاض الْمَذْكُور جَمِيع الْحَانُوت الْمَذْكُور
وتسلم المعوض جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ مَا تسلمه كل مِنْهُمَا ملكا لَهُ وَحقا من حُقُوقه وواجبا من واجباته يتَصَرَّف فِيهِ بِحكم هَذَا التعويض تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم من غير معَارض وَلَا مُنَازع وَلَا رَافع ليد
وَضمن كل مِنْهُمَا الدَّرك والتبعة لصَاحبه فِيمَا صَار إِلَيْهِ من ذَلِك ضمانا شَرْعِيًّا
ويذيل بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق لكل مِنْهُمَا للْآخر فِيمَا صَار إِلَيْهِ
ويكمل
وَصُورَة التعويض عَن دين فِي الذِّمَّة: عوض فلَان لفُلَان عَن جَمِيع دينه الْوَاجِب لَهُ فِي ذمَّته وَجُمْلَته كَذَا بِمُقْتَضى المسطور الشَّرْعِيّ الْمحْضر لشهوده المؤرخ بتاريخ كَذَا
وَإِن كَانَ التعويض للزَّوْجَة عَن صَدَاقهَا يَقُول: عوض فلَان زَوجته فُلَانَة عَن جَمِيع صَدَاقهَا المستقر فِي ذمَّته لَهَا بِالدُّخُولِ والإصابة أَو عَن شطر مبلغ صَدَاقهَا الْوَاجِب لَهَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَهُوَ كَذَا وَكَذَا مَا ذكر المعوض الْمَذْكُور أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين هَذَا التعويض
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده تعويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة مناقلة عَن يَتِيم بِمُبَاشَرَة وَصِيّه الشَّرْعِيّ: هَذَا مَا تناقل عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان
فَالْأول مِنْهُمَا: مناقل عَن نَفسه
وَالثَّانِي: مناقل عَن فلَان ابْن فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ تَحت نظره بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِده الْمَذْكُور الَّتِي جعل لَهُ فِيهَا النّظر فِي أمره وَفعل مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة الشَّرْعِيَّة وَالتَّصَرُّف فِي مَاله على الْوَجْه الشَّرْعِيّ حَسْبَمَا تضمنه كتاب الْوَصِيَّة المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ ولوجود الْحَظ والمصلحة الظاهرتين المسوغتين لذَلِك شرعا
تناقل الْمثنى بِذكرِهِ بِمَا هُوَ جَار فِي ملك المناقل الأول وَفِي ملك الْيَتِيم المناقل عَلَيْهِ الْمُسَمّى أَعْلَاهُ وبيد المتناقلين حَالَة المناقلة
وَذَلِكَ جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها كَذَا الْجَارِيَة فِي ملك المناقل الأول من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها وينبه على أَن بَاقِيهَا جَار فِي ملك الْيَتِيم المناقل عَلَيْهِ إِلَى جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها كَذَا من جَمِيع الْحَانُوت الْجَارِي مِنْهُ هَذِه الْحصَّة فِي ملك الْيَتِيم الْمَذْكُور وَبَاقِيه جَار فِي ملك المناقل الأول ويصف الْحَانُوت ويحدد ثمَّ يَقُول: مناقلة صَحِيحَة شَرْعِيَّة تَامَّة مرضية لَازِمَة جرت بَينهمَا بِإِيجَاب وَقبُول شرعيين على الْوَضع الشَّرْعِيّ والقانون الْمُحَرر المرعي
وَسلم المناقل الأول جَمِيع الْحصَّة من الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه إِلَى الْوَصِيّ المناقل(1/107)
الْمَذْكُور
فتسلمها مِنْهُ للْيَتِيم الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا
وكمل للْيَتِيم بِهَذِهِ المناقلة وبملكه السَّابِق عَلَيْهَا ملك جَمِيع الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه كمالا شَرْعِيًّا
وَسلم الْوَصِيّ الْمَذْكُور إِلَى المناقل الأول بِالْإِذْنِ الْحكمِي الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْحصَّة من الْحَانُوت الْمَذْكُور
فتسلمها مِنْهُ لنَفسِهِ تسلما شَرْعِيًّا
كمل لَهُ بذلك وبملكه السَّابِق عَلَيْهِ ملك جَمِيع الْحَانُوت الْمَذْكُور كمالا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة والمعرفة النافية للْجَهَالَة والتفرق عَن ترَاض
وَجرى ذَلِك بَينهمَا بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ فِي المناقلة الْمَذْكُورَة
بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا فلَان الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ مَا ذكر ثُبُوته أَعْلَاهُ وَأَن الْحصَّة من الْحَانُوت الْمَذْكُور ملك الْيَتِيم الْمَذْكُور وبيد وَصِيّه لَهُ حَالَة المناقلة وَأَن الْحصَّة من الدَّار المناقل بهَا ملك المناقل الأول وَبِيَدِهِ حَالَة المناقلة
وَأَن فِي هَذِه المناقلة للْيَتِيم الْمَذْكُور حظا وافرا وغبطة ظَاهِرَة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم
وَصُورَة مناقلة الْأَخَوَيْنِ الشقيقين كَذَلِك يتولاها كل مِنْهُمَا بِنَفسِهِ لنَفسِهِ من الآخر
وَإِذن الْحَاكِم لَيْسَ لَهُ هُنَا دُخُول بِاعْتِبَار أَنَّهُمَا بالغين عاقلين لَا حجر لأحد عَلَيْهِمَا
وَصُورَة المناقلة بَين بَيت المَال بمرسوم شرِيف سلطاني: هَذَا مَا تناقل عَلَيْهِ سيدنَا فلَان وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْفُلَانِيَّة والأمير الْفُلَانِيّ
فالمناقل المبدأ بِذكرِهِ مناقل حسب المرسوم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ الْوَارِد إِلَيْهِ من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة الَّذِي مضمونه: أَن يتَقَدَّم فلَان وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور ويناقل الْمجْلس الْفُلَانِيّ بِمَا هُوَ جَار فِي إقطاعه بمنشور شرِيف إِلَى مَا هُوَ جَار فِي بَيت المَال الْمَعْمُور ومرصد لمصَالح الْمُسلمين من سد الثغور وَصرف أرزاق المتفقهة والمؤذنين وَغير ذَلِك
وَهُوَ بيد بواب بَيت المَال الْمَعْمُور حَال هَذِه المناقلة
وَهُوَ مؤرخ بِكَذَا مكمل بالخط الشريف والعلائم الْكَرِيمَة
تناقل المتناقلان الْمشَار إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ بِالطَّرِيقِ المشروح أَعْلَاهُ بِمَا هُوَ جَار فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ
وَهُوَ جَمِيع السُّوق الحوانيت الْمُشْتَمل على صفّين مُتَقَابلين قبلي وشمالي كل صف مِنْهُمَا كَذَا وَكَذَا حانوتا يشْتَمل كل حَانُوت مِنْهَا على دَاخل ومساطب وأبواب وَبَين الصفين الْمَذْكُورين ممر يستطرق مِنْهُ الْمَارَّة ويعلوه جملون بأخشاب وأتار ومناور
مركب على هَذَا السُّوق بَابَانِ من خشب الْجَوْز المصفح بِالنُّحَاسِ الْأَحْمَر مختصان بِهِ
وَهُوَ مَعْرُوف بسكن التُّجَّار فِي القماش الملبوس أَو الْمَقْطُوع بالذراع وَهُوَ بِمَدِينَة كَذَا ويحدده بِمَا هُوَ جَار فِي إقطاع الجناب الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ
وَهُوَ جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها الْجَارِيَة أَيْضا فِي بَيت المَال الْمَعْمُور
وَهِي من جملَة إقطاع الجناب الْمشَار إِلَيْهِ وَفِي يَده حَالَة المناقلة
وَهِي من أَعمال كَذَا
وتشتمل على كَذَا ويصفها ويحددها بالأوصاف الْمُعْتَبرَة(1/108)
فِيهَا كَمَا تقدم ثمَّ يَقُول: مناقلة صَحِيحَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
صَار بهَا جَمِيع السُّوق الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه جَارِيا فِي إقطاع الجناب الْمشَار إِلَيْهِ
وَصَارَت الْقرْيَة الموصوفة المحدودة بأعاليه جَارِيَة فِي جملَة مَا هُوَ جَار فِي بَيت المَال ومرصدة على الْجِهَات الْمعينَة والمصالح المبينة أَعْلَاهُ مصيرا شَرْعِيًّا
وَسلم كل من المتناقلين الْمشَار إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ إِلَى الآخر مَا وَجب تَسْلِيمه إِلَيْهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا كتسلم مثله لمثل ذَلِك
وَذَلِكَ بعد أَن وقف المتناقلان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على مَا تناقلا عَلَيْهِ ورأياه الرُّؤْيَة الْكَامِلَة وعرفاه الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة
وَبعد أَن ثَبت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَن لكل من الْجِهَتَيْنِ المتناقل فيهمَا مصلحَة ظَاهِرَة مسوغة للمناقلة شرعا
وَاسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ
صُورَة مناقلة وقف بوقف أَو وقف بِملك على مَذْهَب أبي حنيفَة وَيُسمى الِاسْتِبْدَال: ناقل فلَان وَهُوَ الْقَائِم فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ بالمملكة الْفُلَانِيَّة وَأمره الْكَرِيم على جِهَة أوقاف الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة الْمَنْسُوب إيقافها إِلَى فلَان الْجَارِيَة تَحت نظر مَوْلَانَا فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ أَو تَحت نظر فلَان المقايض الْمشَار إِلَيْهِ لظُهُور الْمصلحَة لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور فِي ذَلِك وَفُلَان
فَإِن كَانَ المقايض الثَّانِي ناقل بوقف أَيْضا
فَالْكَلَام كَمَا تقدم فِي الْوَقْف الأول
وَإِن كَانَ ناقل بِملك
فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون الْملك لَهُ أَو لمُوكلِه أَو لأيتام فَإِن كَانَ الْملك لَهُ فَيَقُول: وَهُوَ مناقل بِمَا هُوَ ملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه حَالَة هَذِه المناقلة
وَإِن كَانَ وَكيلا فِي ذَلِك فَيَقُول: وَهُوَ مناقل عَن فلَان حسب تَوْكِيله إِيَّاه فِي المناقلة بذلك على الْوَجْه الْآتِي شَرحه
وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد التَّوْكِيل الشَّرْعِيّ الْمُتَقَدّم على صُدُور هَذِه المناقلة الَّذِي قبله مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره
وَإِن كَانَ لأيتام فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون المناقل وَصِيّا عَلَيْهِم أَو ناقل بِإِذن الْحَاكِم
فَإِن كَانَ وَصِيّا ذكر مَضْمُون الْوَصِيَّة وتاريخها وثبوتها واتصالها بالحاكم الْآذِن
وَإِن كَانَ نَاقِلا بِإِذن الْحَاكِم فَيَقُول: وَهُوَ مناقل بِإِذن سيدنَا فلَان وَأمره الْكَرِيم على الْأَيْتَام الصغار الَّذين هم فِي حجر الْحَاكِم الْعَزِيز وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان لوُجُود الْمصلحَة لَهُم فِي ذَلِك
تناقل المتناقلان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ بِالطَّرِيقِ المشروح(1/109)
أَعْلَاهُ فِيمَا هُوَ وقف صَحِيح شَرْعِي وَحبس صَرِيح مؤبد مرعي على الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها ثمَّ يَقُول: وَهُوَ معِين فِي كتاب وَقفهَا وموصوف ومحدود بِهِ أَيْضا ثَابت الْكتاب الْمَذْكُور بالوقفية والملكية والحيازة للْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ عِنْد سيدنَا فلَان وَحكم بِصِحَّة ذَلِك
مؤرخ بَاطِن الْكتاب الْمَذْكُور بِكَذَا مُتَّصِل ثُبُوته بالسادة الموَالِي الْقُضَاة بالمملكة الْفُلَانِيَّة ثمَّ بسيدنا الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ إِلَى مَا هُوَ جَار فِي أَمْلَاك المناقل الثَّانِي وَيَده ثَابِتَة عَلَيْهِ إِلَى حَالَة هَذِه المناقلة أَو إِلَى مَا هُوَ جَار فِي ملك مُوكل المناقل الثَّانِي فلَان
وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه حَال هَذِه المناقلة أَو إِلَى مَا هُوَ جَار فِي أَمْلَاك الْأَيْتَام الْمَذْكُورين
وَهُوَ بيد المناقل عَلَيْهِم حَالَة هَذِه المناقلة
وَهُوَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق كل مَكَان من هذَيْن المكانين الْمَذْكُورين الْوَقْف الْمحبس وَالْملك الْمُطلق وطرقه ومنافعه ومرافقه إِلَى آخِره مناقلة صَحِيحَة شَرْعِيَّة واستبدالا لَازِما مرضيا مُعْتَبرا مرعيا
صَار بذلك الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْجَارِي فِي ملك المناقل الْمَذْكُور مُخْتَصًّا بِجِهَة الْوَقْف على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وجاريا على حكم شَرط واقفها الْمَذْكُور فِي كتاب وَقفه الْمعِين أَعْلَاهُ
وَصَارَ مَا كَانَ من جملَة الْوَقْف على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَوْصُوف الْمَحْدُود أَولا ملكا طلقا للمستبدل الثَّانِي الْمَذْكُور أَعْلَاهُ مصيرا شَرْعِيًّا
يتَصَرَّف فِيهِ وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ تصرف الْملاك فِي أملاكهم بِالْبيعِ وَالْإِجَارَة والاستغلال وَالِانْتِفَاع الشَّرْعِيّ لَا حق لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فِيمَا صَار إِلَى المناقل الثَّانِي الْمَذْكُور وَلَا يَد وَلَا اخْتِصَاص بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا حق للمناقل الثَّانِي الْمَذْكُور فِيمَا صَار إِلَى جِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَلَا يَد وَلَا اخْتِصَاص وَلَا ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا مُنَازعَة بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا سَبَب من الْأَسْبَاب
وَسلم كل من المتناقلين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ إِلَى الآخر مَا وَجب تَسْلِيمه إِلَيْهِ من ذَلِك
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة والمعرفة النافية للْجَهَالَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة وَجرى هَذَا الِاسْتِبْدَال والمناقلة بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا فلَان مَا ذكر أَعْلَاهُ وَأَن فِي المناقلة لجِهَة الْوَقْف مصلحَة ظَاهِرَة وغبطة وافرة مسوغة للمناقلة وَأَن الَّذِي ناقل بِهِ المناقل الثَّانِي لَهُ ملكه وَبِيَدِهِ حَالَة المناقلة أَو بيد مُوكله الْمَذْكُور أَو بيد الْأَيْتَام
وَيَقُول فِي حق الْأَيْتَام خَاصَّة: وَأَن فِي المناقلة الْمَذْكُورَة حظا وافرا ومصلحة ظَاهِرَة لجهتي الْوَقْف والأيتام وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة فِي ذَلِك وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِصِحَّة ذَلِك مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
صُورَة مناقلة الإقطاع بالإقطاع: هَذَا مَا تناقل عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان كِلَاهُمَا من الْحلقَة(1/110)
المنصورة بالمملكة الْفُلَانِيَّة تناقلا فِي جَمِيع مَا هُوَ جَار فِي إقطاع المناقل الأول وَمَا هُوَ جَار فِي إقطاع المناقل الثَّانِي بمنشورين شريفين وَهُوَ بيدهما حَالَة هَذِه المناقلة فَالَّذِي ناقل بِهِ المناقل الأول: كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَالَّذِي ناقل بِهِ المناقل الثَّانِي: كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده مناقلة جَائِزَة مُعْتَبرَة مرضية صَار بهَا مَا ناقل بِهِ المناقل الأول مُخْتَصًّا بالمناقل الثَّانِي وَمَا ناقل بِهِ المناقل الثَّانِي مُخْتَصًّا بالمناقل الأول مصيرا تَاما وخلى كل مِنْهُمَا بَين صَاحبه وَبَين مَا ناقله بِهِ التحلية الشَّرْعِيَّة الْمُوجبَة للتسليم شرعا
وَذَلِكَ بعد أَن أحضرا رِسَالَة كَرِيمَة من مَوْلَانَا ملك الْأُمَرَاء أَو من المعتز الْفُلَانِيّ حَاجِب الْحجاب أَو نَاظر الجيوش المنصورة
وَيكْتب هَذِه المناقلة بَينهمَا على لِسَان فلَان نقيب الْجَيْش بدار الْعدْل الشريف أَو رَأس نوبَة أَو غَيره
وَصُورَة النُّزُول عَن الإقطاع والرزق والرواتب والجوامك وَغير ذَلِك: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَّته وسلامته: أَنه نزل لفُلَان عَمَّا بِيَدِهِ من الإقطاع السلطاني الشَّاهِد بِهِ منشوره الشريف الَّذِي بِيَدِهِ وديوان الجيوش المنصورة وَهُوَ كَذَا وَكَذَا من اسْتِقْبَال يَوْم تَارِيخه نزولا مُعْتَبرا مرضيا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ إِن النَّازِل الْمَذْكُور لَا يتظلم وَلَا يتشكى وَلَا يستغيث وَلَا يطْلب لذَلِك نقضا وَلَا بَدَلا وَلَا مغيرا يُغَيِّرهُ لما علم لنَفسِهِ فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة
وَالْأَمر فِي ذَلِك موكول إِلَى مَا تَقْتَضِيه الآراء الشَّرِيفَة الْعَالِيَة ويؤرخ
وَكَذَلِكَ يكْتب فِي الرزق الإحباسية والرواتب والجوامك وَغير ذَلِك
وَصُورَة مَا يكْتب ويخلد عِنْد الشُّهُود فِيمَا يتفقان عَلَيْهِ من الْمبلغ إِلَى أَن يخرج المنشور الشريف أَو مربعة شريفة باسم المنزول لَهُ من ديوَان الْجَيْش أَو غَيره
فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا: حصل الِاتِّفَاق والتراضي بَين فلَان وَفُلَان على مَا سيعين فِيهِ وَهُوَ أَن فلَانا نزل لفُلَان عَمَّا بِيَدِهِ من الإقطاع الْفُلَانِيّ وَالْتزم فلَان المنزول لَهُ بِالْقيامِ لفُلَان النَّازِل الْمَذْكُور بِمَا مبلغه كَذَا
يقوم لَهُ بذلك من مَاله وصلب حَاله أَو جعل فلَان المنزول لَهُ لفُلَان النَّازِل الْمَذْكُور على ذَلِك مبلغا جملَته كَذَا جعلا شَرْعِيًّا يقوم لَهُ بذلك عِنْد خُرُوج المنشور الشريف باسم المنزول لَهُ الْمَذْكُور
وَمهما حصل عَلَيْهِ الِاتِّفَاق بَينهمَا من تقاوي أَو مغل أَو غير ذَلِك يكْتب حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
فَإِذا خرج المنشور الشريف أَو المربعة الشَّرِيفَة أَو الْإِمْضَاء أَو التَّقْرِير مِمَّن لَهُ الْولَايَة فِي المنزول عَنهُ كتب بَينهمَا إشهادا صورته: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَّته(1/111)
وسلامته: أَنه قبض وتسلم من فلَان مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي الْتزم بِهِ المقبض الْمَذْكُور للقابض الْمَذْكُور بِسَبَب نُزُوله لَهُ عَن إقطاعه بالناحية الْفُلَانِيَّة الشَّاهِد بذلك نُسْخَة النُّزُول
وَخرج المنشور الشريف السلطاني باسم المنزول لَهُ فِيهِ الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ الْمبلغ جعَالَة فَيَقُول: وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي جعله المقبض الْمَذْكُور للقابض الْمَذْكُور جعَالَة إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: وَلم يتَأَخَّر لَهُ سَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ ويذيل هَذَا الْإِشْهَاد بِإِقْرَار بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق وَبَرَاءَة شَامِلَة من الْجَانِبَيْنِ بشروطها وألفاظها الْمُتَقَدّمَة ثمَّ يَقُول: وَأَبْرَأ كل مِنْهُمَا دَار الْعدْل الشريف من الشكاوى والدعاوى والتظلم والاستغاثة بِسَبَب ذَلِك وتصادقا على ذَلِك كُله التصادق الشَّرْعِيّ
الشَّيْء يذكر بلوازمه: صُورَة إِشْهَاد على جندي بِبَرَاءَة فلاح من الفلاحة فِي إقطاعه: أشهد عَلَيْهِ فلَان المقطع بالناحية الْفُلَانِيَّة أَن فلَانا لم يكن فلاحا عِنْده فِي النَّاحِيَة الْمَذْكُورَة وَلَا فِي غَيرهَا مِمَّا هُوَ جَار فِي إقطاعه فِي سَائِر الْأَعْمَال قرارا وَلَا مشَاعا وَلَا روكا وَلَا بطالا وَلَا شغالا وَلَا حملهَا قطّ فِي النَّاحِيَة الْمَذْكُورَة وَلَا فِي غَيرهَا من نواحي إقطاعه المستقر بِيَدِهِ وَلَا آلت إِلَيْهِ فلاحة من النَّاحِيَة الْمَذْكُورَة وَلَا فِي غَيرهَا من نواحي إقطاعه وَلَا إِلَى أحد من أَوْلَاده من جِهَة أَب وَلَا جد وَلَا أَخ وَلَا عَم وَلَا ابْن عَم وَلَا قرَابَة مَوْجُود وَلَا مَفْقُود قاطن وَلَا مستوفز بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب الملتزمة بالفلاحة فِي نواحي إقطاعات المقطعين وبلاد الْأُمَرَاء والسلاطين بِحِصَّة وَلَا نصيب وَلَا اخْتِصَاص بِقرْعَة وَلَا نزُول وَلَا دُخُول بعادة وَلَا اتِّبَاع بأثر وَلَا وسية وَلَا قَضِيَّة عرفية وَلَا عَادِية راتبة وَلَا غير راتبة من تقادم السنين إِلَى يَوْم تَارِيخه على اخْتِلَاف الْحَالَات وتباين الْعَادَات وَأقر أَنه لَيْسَ لَهُ على الْمَذْكُور بِسَبَب ذَلِك وَلَا غَيره دَعْوَى وَلَا مُطَالبَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا محاكمة وَلَا مخاصمة وَلَا مُنَازعَة وَلَا إِلْزَام وَلَا ملزوم بِهِ بِسَبَب فلاحة وَلَا زراعة بسؤال وَلَا رَغْبَة وَلَا استناد بِحكم وَلَا أَمر وَلَا رضى وَلَا إِقَامَة وَلَا يَمِين بِاللَّه تَعَالَى على ذَلِك وَلَا على شَيْء مِنْهُ وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَصدقه الْمَشْهُود لَهُ الْمَذْكُور على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ وَأَبْرَأ الْمَشْهُود عَلَيْهِ الْمَذْكُور من سَائِر العلق والتبعات والدعاوى والبينات والأيمان والواجبات إِبْرَاء عَاما شَامِلًا مُطلقًا جَامعا مَانِعا مسْقطًا لكل حق وتبعة وَدَعوى وَيَمِين مُتَقَدّمَة على تَارِيخ وَإِلَى تَارِيخه
فَمَتَى دعى عَلَيْهِ بعد ذَلِك بِدَعْوَى تخَالف ذَلِك أَو شَيْئا مِنْهُ بِنَفسِهِ أَو بوكليه كَانَت دَعْوَاهُ وَدَعوى من يَدعِي عَنهُ بَاطِلَة
وَإِن أَقَامَ بَيِّنَة كَانَت كَاذِبَة أَو أدلى بِحجَّة كَانَت داحضة لَا صِحَة لَهَا وَلَا حَقِيقَة لأصلها
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ(1/112)
والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا ويؤرخ
وَصُورَة التَّوْلِيَة فِي البيع وَيكْتب على ظهر مَكْتُوب التبايع: ولى فلَان فلَانا جَمِيع مَا ابتاعه بَاطِنه بنظير ثمن الْعين بَاطِنه وَقدره كَذَا وَكَذَا تَوْلِيَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة نَافِذَة
وَقبض مِنْهُ جَمِيع الثّمن الْمعِين فِيهِ بِتَمَامِهِ وكماله قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ مَا ولاه فِيهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على ذَلِك كُله التصادق الشَّرْعِيّ
وَصَارَ الْمَبِيع الْمَوْصُوف بَاطِنه بِحكم هَذِه التَّوْلِيَة ومقتضاها ملكا لفُلَان الْمولي الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِيهِ وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ تصرف الْملاك فِي أملاكهم
وَلم يبْق لفُلَان الْمولي الْمَذْكُور فِيهِ ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا أشركه فِي الْمَبِيع بِنصْف الثّمن: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه أشرك فلَانا فِي عقد التبايع الْوَارِد على الْعين الْمَذْكُورَة بَاطِنه بِنصْف الثّمن الْمعِين بَاطِنه وَهُوَ كَذَا وَكَذَا على حكمه الْمعِين بَاطِنه
وأشركه مَعَه فِي ذَلِك اشتراكا صَحِيحا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وَدفع إِلَيْهِ نصف الثّمن الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهِ مَا صَار لَهُ بِحكم هَذَا الِاشْتِرَاك الْمَذْكُور وَهُوَ النّصْف من الْمَبِيع الْمَذْكُور شَائِعا فِيهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة وَضَمان الدَّرك حَيْثُ يجب شرعا
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ(1/113)
كتاب السّلم
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
السّلم: جَائِز
وَالْأَصْل فِي جَوَازه: الْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه وليكتب بَيْنكُم كَاتب بِالْعَدْلِ وَلَا يأب كَاتب أَن يكْتب كَمَا علمه الله فليكتب وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق وليتق الله ربه وَلَا يبخس مِنْهُ شَيْئا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا أَو لَا يَسْتَطِيع أَن يمل هُوَ فليملل وليه بِالْعَدْلِ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا وَلَا تسأموا أَن تكتبوه صَغِيرا أَو كَبِيرا إِلَى أَجله ذَلِكُم أقسط عِنْد الله وأقوم للشَّهَادَة وَأدنى أَلا ترتابوا إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة تديرونها بَيْنكُم فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَلا تكتبوها وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد وَإِن تَفعلُوا فَإِنَّهُ فسوق بكم وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله وَالله بِكُل شَيْء عليم} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: (أشهد أَن السّلف الْمَضْمُون إِلَى أجل أَجله الله فِي كِتَابه وَأذن فِيهِ فَقَالَ تَعَالَى الْآيَة) {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين}
وَأما السّنة: فروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي الثَّمر السّنة وَرُبمَا قَالَ: السنتين وَالثَّلَاث فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أسلف فِي شَيْء فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم)
وَالسَّلَف: يَقع على الْقَرْض وعَلى السّلم
وَهُوَ أَن يسلف عوضا خَاصّا فِي عوض مَوْصُوف فِي الذِّمَّة وَالْمرَاد بالْخبر: هُوَ السّلم
لِأَن الْقَرْض يثبت بِمثلِهِ حَالا
فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير أجل
وَأما الْقيَاس: فَلِأَن البيع يشْتَمل على ثمن ومثمن
فَإِذا جَازَ أَن يثبت الثّمن فِي الذِّمَّة جَازَ أَن يثبت الْمُثمن فِي الذِّمَّة وَلِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَى جَوَاز السّلم لِأَن أَرْبَاب الثِّمَار قد يَحْتَاجُونَ إِلَى مَا يُنْفقُونَ على تَكْمِيل ثمارهم وَرُبمَا أعوزتهم النَّفَقَة فجوز لَهُم السّلف ليرتفقوا بذلك ويرتفق بِهِ الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الاسترخاص(1/114)
سمي (سلما) لتسليم رَأس المَال فِي الْمجْلس
و (سلفا) لتقديم رَأس المَال
وَفِي حد السّلم عِبَارَات أحْسنهَا: أَنه عقد على مَوْصُوف فِي الذِّمَّة وَقيل: تَسْلِيم عَاجل فِي عوض لَا يجب تَعْجِيله
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على جَوَاز السّلم الْمُؤَجل وَهُوَ السّلف وعَلى أَنه يَصح بِشُرُوط سِتَّة: أَن يكون فِي مَعْلُوم بِصفة مَعْلُومَة وَمِقْدَار مَعْلُوم وَأجل مَعْلُوم وَمَعْرِفَة مِقْدَار رَأس المَال وتسليمه فِي الْمجْلس
وَزَاد أَبُو حنيفَة شرطا سابعا وَهُوَ تَسْمِيَة مَكَان التَّسْلِيم إِذا كَانَ لحمله مُؤنَة
وَهَذَا السَّابِع لَازم عِنْد بَاقِي الْأَئِمَّة وَلَيْسَ بِشَرْط
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز السّلم فِي المكيلات والموزونات والمذروعات الَّتِي تضبط بِالْوَصْفِ
وَاتَّفَقُوا على جَوَازه فِي المعدودات الَّتِي تَتَفَاوَت كالرمان والبطيخ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز السّلم فِيهِ
لَا وزنا وَلَا عددا
وَقَالَ مَالك: يجوز مُطلقًا
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز وزنا
وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ أشهرهما: الْجَوَاز مُطلقًا عددا
وَقَالَ أَحْمد: مَا أَصله الْكَيْل لَا يجوز السّلم فِيهِ وزنا
وَمَا أَصله الْوَزْن: لَا يجوز السّلم فِيهِ كَيْلا
وَيجوز السّلم حَالا ومؤجلا عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يجوز السّلم حَالا
وَلَا بُد فِيهِ من أجل وَلَو أَيَّامًا يسيرَة
وَيجوز السّلم فِي الْحَيَوَان من الرَّقِيق والبهائم والطيور وَكَذَلِكَ قرضه لَا الْجَارِيَة الَّتِي يحل للمقترض وَطئهَا عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَجُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح السّلم فِي الْحَيَوَان وَلَا استقراضه
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن جرير الطَّبَرِيّ: يجوز قرض الْإِمَاء اللواتي يجوز للمقترض وطئهن
وَيجوز عِنْد مَالك البيع إِلَى الْحَصاد والجداد والنيروز والمهرجان وفصح النَّصَارَى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز وَهُوَ أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَيجوز السّلم فِي اللَّحْم عِنْد الثَّلَاثَة
وَمنع مِنْهُ أَبُو حنيفَة
وَلَا يجوز السّلم فِي الْخبز عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَأَجَازَهُ مَالك
وَقَالَ أَحْمد: يجوز السّلم فِي الْخبز وَفِيمَا مسته النَّار
وَيجوز السّلم فِي الْمَعْدُوم حِين عقد السّلم عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِذا غلب(1/115)
على الظَّن وجوده عِنْد الْمحل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا أَن يكون مَوْجُودا من حِين العقد إِلَى الْمحل
لَا يجوز السّلم فِي الْجَوَاهِر النفيسة النادرة الْوُجُود إِلَّا عِنْد مَالك
وَيجوز الِاشْتِرَاك وَالتَّوْلِيَة فِي السّلم كَمَا يجوز فِي البيع عِنْد مَالك
وَمنع مِنْهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
فصل: وَالْقَرْض: مَنْدُوب إِلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ
وَيكون حَالا يطْلب بِهِ مَتى شَاءَ وَإِذا أجل لَا يلْزم التَّأْجِيل فِيهِ
وَقَالَ مَالك: يلْزم
وَيجوز قرض الْخبز عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بِحَال
وَهل يجوز وزنا أَو عددا فِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَجْهَان
أصَحهمَا: وزنا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَقَالَ مَالك: يجوز الْخبز بالخبز عددا
وَإِذا اقْترض رجل من رجل قرضا فَهَل يجوز لَهُ أَن ينْتَفع بِشَيْء من مَال الْمُقْتَرض من الْهَدِيَّة وَالْعَارِية وَأكل مَا يَدعُوهُ إِلَيْهِ من الطَّعَام فَيجوز مَا لم تجر عَادَته بِهِ قبل الْقَرْض
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز وَإِن لم يَشْتَرِطه
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ من غير شَرط جَازَ
وَالْخَبَر مَحْمُول على مَا إِذا شَرط
وَقَالَ فِي الرَّوْضَة: وَإِذا أهْدى الْمُقْتَرض للمقرض هَدِيَّة جَازَ قبُولهَا بِغَيْر كَرَاهَة
وَيسْتَحب للمقترض أَن يرد أَجود مِمَّا أَخذ للْحَدِيث الصَّحِيح وَلَا يكره للمقرض أَخذه
وَاتَّفَقُوا على أَن من كَانَ لَهُ دين على إِنْسَان إِلَى أجل فَلَا يحل لَهُ أَن يضع عَنهُ بعض الدّين قبل الْأَجَل ليعجل لَهُ الْبَاقِي
وَكَذَلِكَ لَا يحل لَهُ أَن يعجل قبل الْأَجَل بعضه وَيُؤَخر الْبَاقِي إِلَى أجل آخر
وَكَذَلِكَ لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ قبل الْأَجَل بعضه عينا وَبَعضه عرضا
وعَلى أَنه لَا بَأْس إِذا حل الْأَجَل أَن يَأْخُذ مِنْهُ الْبَعْض وَيسْقط الْبَعْض أَو يُؤَخِّرهُ إِلَى أجل آخر
وَإِذا كَانَ للْإنْسَان دين آخر من جِهَة بيع أَو قرض فَأَجله مُدَّة
فَلَيْسَ لَهُ عِنْد مَالك أَن يرجع فِيهِ
وَيلْزمهُ تَأْخِيره إِلَى تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي أجلهَا
وَكَذَا لَو كَانَ لَهُ دين مُؤَجل فزاده فِي الْأَجَل
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا فِي الْجِنَايَة وَالْقَرْض
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه فِي الْجَمِيع
وَله الْمُطَالبَة قبل ذَلِك الْأَجَل الثَّانِي
إِذْ الْحَال لَا يُؤَجل
انْتهى
فَائِدَة: الْأَجَل الْمَضْرُوب بِالْعقدِ سَبْعَة أَنْوَاع
أَحدهَا: عقد يُبطلهُ الْأَجَل
كالصرف وَرَأس مَال السّلم(1/116)
الثَّانِي: عقد لَا يَصح إِلَّا بالأجل كَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَة
الثَّالِث: عقد يَصح حَالا ومؤجلا
كالسلم
الرَّابِع: عقد يَصح بِأَجل مَجْهُول وَلَا يَصح بِمَعْلُوم كَالرَّهْنِ والقراض وكفالة الْبدن وَالشَّرِكَة وَالنِّكَاح
الْخَامِس: عقد يَصح بِأَجل مَعْلُوم ومجهول كالعارية والوديعة
السَّادِس: عقد يَصح بِمَجْهُول
وَلَا يَصح بِمَعْلُوم كالعمرى والرقبى
السَّابِع: أجل يخْتَص بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء كالجزية
انْتهى
فَائِدَة: قَالَ أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي رَحمَه الله تَعَالَى: لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ بدل الْمُسلم فِيهِ شَيْئا آخر لم يَصح
وَالْحِيلَة فِي تَصْحِيح ذَلِك: أَن يتفاسخ المتعاقدان عِنْد السّلم
فَيثبت فِي ذمَّة البَائِع الثّمن ثمَّ إِنَّه يدْفع إِلَى المُشْتَرِي مَا يَقع تراضيهما عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ من جنس الْمُسلم فِيهِ أَو من غير جنسه
وَيَنْبَغِي أَن يتقابضا قبل التَّفَرُّق كَيْلا يصير بيع دين بدين
المصطلح: فِي صور السّلم على الأوضاع المترتبة على الْمسَائِل الْمُتَّفق عَلَيْهَا والمختلف فِيهَا
صُورَة السّلم فِي المكيلات فِي شَيْء مجمع على صِحَة السّلم فِيهِ: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان كَذَا وَكَذَا سلما فِي كَذَا وَكَذَا من الْقَمْح أَو من الْحِنْطَة أَو من الْبر وَيذكر نوعها وَذَلِكَ بكيل مَدِينَة كَذَا
يقوم لَهُ بذلك بعد مُضِيّ مُدَّة شَهْرَيْن كَامِلين من تَارِيخه مَحْمُولا إِلَى الْمَكَان الْفُلَانِيّ
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَقبض رَأس مَال السّلم الشَّرْعِيّ فِي مجْلِس العقد
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وَإِن شَاءَ كتب: أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان من الْحِنْطَة كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَهَذِه الصُّورَة مُتَّفق عَلَيْهَا لَا خلاف بَين الْأَئِمَّة فِيهَا من جِهَة كَون الْأَجَل إِلَى شَهْرَيْن لموافقة من قَالَ: إِن السّلم لَا يجوز حَالا
وموافقة من قَالَ: إِن أقل مُدَّة السّلم شَهْرَان وموافقة من قَالَ: إِن أقل مُدَّة السّلم ثَلَاثَة أَيَّام
فَإِن زَاد عَلَيْهَا فَجَائِز عِنْده
وَكَون الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا من حِين السّلم إِلَى حِين الْمحل
وَكَون الْأَجَل مَعْلُوما بِمدَّة مُعينَة لَيْسَ إِلَى الْحَصاد والجداد والصرام وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ
فَإِن كَانَ الْمُسلم فِيهِ حَالا
فَيَقُول: يقوم لَهُ بذلك على حكم الْحُلُول(1/117)
وَإِن كَانَ السّلم فِي تمر فَيَقُول: من التَّمْر الْجيد الْيَابِس الصيحاني أَو البرني أَو الْعِرَاقِيّ أَو الإبراهيمي أَو اللبانة والواحي أَو الصعيدي أَو غير ذَلِك من أَنْوَاع التَّمْر
وَفِي الْعَسَل: جبلي أَو بلدي صَيْفِي أَو خريفي أَو أَبيض أَو أصفر
وَإِن كَانَ السّلم فِي زَيْت فَيَقُول: من زَيْت الزَّيْتُون الطّيب الْبراق الْجيد والصافي الْمُسْتَخْرج على المطران أَو الجفت الْخَالِي من الْعَيْب الشَّرْعِيّ كَذَا وَكَذَا قِنْطَارًا بالقنطار الْفُلَانِيّ
وَإِن كَانَ السّلم فِي ثِيَاب ضَبطهَا بِالْجِنْسِ وَالنَّوْع والذرع والطول وَالْعرض والجودة والرقة والصفاقة والنعومة والخشونة واللون والصبغ
وَإِن كَانَ حَرِيرًا أضَاف إِلَى هَذِه الْأَوْصَاف: الْوَزْن والنقش
وَإِن كَانَ السّلم فِي حبال ضَبطهَا بالطول وَالْجِنْس والغلظ وَالْوَزْن
وَإِن كَانَ السّلم فِيمَا هُوَ من المعدودات كالجوز الْهِنْدِيّ وَيُسمى النارجين والرانج أَو الْجَوْز الْعَادة
فيذكر الْجِنْس وَالنَّوْع والجودة والخلو من الْعَيْب الشَّرْعِيّ وَالْعدَد
وَفِي بيع بعض الدَّجَاج أَو الأوز أَو النعام: الطري الْغَيْر الْخَفِيف وَلَا المذر وَلَا الجائف
وَلَا ذِي أفراخ وَلَا أصفر القشرة
وَفِي الرُّمَّان: الحلو الأتابكي
أَو العقيقي الْأَحْمَر القاني أَو الْأَبْيَض الحامي أَو المليسي أَو الغوي الرَّقِيق قشره الناعم حبه أَو الحامض الشَّحْم السلطي الشَّديد الحموضة كَذَا وَكَذَا قِنْطَارًا
وَفِي الْبِطِّيخ الْأَخْضَر: الشوشي أَو القلماوي أَو العتري أَو الْبَلَدِي أَو الْأَصْفَر الْكرْمَانِي أَو القلفي أَو الكمالي أَو السلطاني أَو الضميري
فَإِن كَانَ بلديا فَيَقُول: الناعم قشره
وَفِي الكمالي والسلطاني والضميري: الخشن قشره
وَإِن كَانَ الْأَجَل إِلَى الْحَصاد والجداد والصرام فَيكْتب كَذَلِك عِنْد ذكر الْأَجَل
فَإِن كَانَ فِي التَّمْر فَيَقُول: إِلَى الجداد على قَاعِدَة أهل الْحجاز فِي التَّمْر
وَفِي الْبِلَاد الشامية يكون الْأَجَل إِلَى الْحَصاد
وَفِي المصرية وَمَا يَليهَا يكون الْأَجَل إِلَى الصرام
وَهَذَا عِنْد مَالك
وَفِيه رِوَايَة عَن أَحْمد
خلافًا لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى من مَذْهَب أَحْمد(1/118)
وَإِذا كَانَ رَأس مَال السّلم غير مَقْبُوض فِي الْمجْلس بل مُتَأَخِّرًا إِلَى مُدَّة بعده على مَا رَآهُ مَالك خلافًا للباقين
فَيَقُول عِنْد ذكر رَأس مَال السّلم: وَيقوم الْمُسلم للْمُسلمِ لَهُ بِرَأْس مَال السّلم الشَّرْعِيّ فِي ذَلِك
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا بعض مُضِيّ عشرَة أَيَّام أَو يَوْم أَو يَوْمَيْنِ من تَارِيخه على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
فَإِن كَانَ السّلم فِي الرَّقِيق فَيَقُول: أسلم فلَان إِلَى فلَان كَذَا وَكَذَا سلما شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي مَمْلُوك مغلي الْجِنْس أَو رومي أَو جركسي أَو تتري أَو غَيره من الْأَجْنَاس بَالغ أَو مراهق أَو عشاري أَو ثَمَانِي أَو غير ذَلِك أسود الْعَينَيْنِ أَبيض الْبشرَة مفلج الْأَسْنَان صَغِير الْفَم رَقِيق الشفتين مدور الْوَجْه مكلثم الْخَدين أَو سهل الْخَدين أقنى الْأنف طَوِيل الْعُنُق عريض الْمَنْكِبَيْنِ رَقِيق الخصر طَوِيل أَصَابِع الْكَفّ صَغِير الْقَدَمَيْنِ إِلَى غير ذَلِك
وَإِن كَانَ السّلم فِي جَارِيَة وصفهَا بالأوصاف الَّتِي يتواصفاها بَينهمَا
وَذكر نوعها وجنسها وحليتها مَعَ الْبكارَة أَو الثيوبة
وَإِن كَانَ السّلم فِي عبد أسود ذكر جنسه حبشِي هُوَ أَو تكروري أَو داجوري أَو نوبي ومخطوط أَو غير مخطوط وسنه وَقدره
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْخَيل
فَيَقُول: فِي فرس عَرَبِيّ جواد عَتيق فَحل أَو خصي أَو برذون تتري أَو رومي وَيذكر لَونه وسنه
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْجمال ذكر اللَّوْن وَالْجِنْس وَالْعدة وقعودا أَو جذعا أَو رباعيا أَو سداسيا
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْبَقر فَيَقُول: بقرة أَو ثورا أَو تبيعا أَو مُسِنَّة
وَيذكر اللَّوْن وَالْعدة
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْغنم والمعز: فيذكر الْعدة والشيات والأسنان
وَإِن كَانَ السّلم فِي أَطْرَاف الْحَيَوَان وفضلاته
فيذكر الْعدة وَهِي مائَة رَأس مثلا(1/119)
من رُؤُوس الْغنم الضَّأْن وَألف كارع من أكارع الضَّأْن السميط السمينة النظيفة المغسولة
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْجُلُود فَيَقُول: فِي ألف جلد من جُلُود الضَّأْن الخرفان الْبيض النقية من السوَاد والحمرة الرفيعة أَو السَّوْدَاء أَو الْحَمْرَاء المحكمة الدبغ السليمة من الْعَيْب الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَ السّلم فِي جُلُود الْبَقر أَو غَيرهَا فَيَقُول: من جُلُود الْبَقر أَو من جُلُود الْجمال أَو من جُلُود الجواميس المدبوغة والمملوحة أَو القطير أَو غير ذَلِك
وَإِن كَانَ السّلم فِي الشَّحْم أَو اللَّحْم أَو الألية وَالْخبْز
فَيَقُول: من لحم الضَّأْن أَو الْمعز أَو الشيشك السمين السليخ أَو السميط لحم الْكَتف أَو الْفَخْذ أَو الضلع الْخصي أَو الرَّضِيع أَو المعلوف كَذَا وَكَذَا رطلا بالرطل الْفُلَانِيّ يقوم لَهُ كل يَوْم كَذَا وَكَذَا رطلا أَو من الألية الجيدة الخالية من الْعَيْب أَو من شَحم الْغنم الضَّأْن الْخَالِي من المصارين والدرن الطري أَو الكسير المملوح أَو من خبز الْحِنْطَة الكماخة الْأَصْفَر المصبغ أَو السميذ المخشخش أَو الماوي أَو الطلمة طلمة الجراية
ويصف وزن المصبغ وَوزن الكماخة فِي كل رغيف
وَلَك أَن تكْتب سلما فِي المكيلات وَتعين الْوَزْن فِيهَا مثل أَن يكون السّلم فِي أَرْبَعِينَ مكوكا أَو غرارة أَو إردبا
فَتَقول: زنة المكوك أَو الغرارة أَو الإردب كَذَا وَكَذَا رطلا بالرطل الْفُلَانِيّ
وَلَك أَن تكْتب سلما فِي الموزونات وَتعين الْكَيْل فِيهَا وتطرح الْوَزْن كل ذَلِك خلافًا لِأَحْمَد وَحده مُوَافقا للأئمة الثَّلَاثَة
وَإِن كَانَ السّلم فِي الْجَوَاهِر
فقد أجَازه مَالك وَحده وَمنعه الْبَاقُونَ
والجواهر تشْتَمل على أَنْوَاع
مِنْهَا اللُّؤْلُؤ
وَفِي تَعْيِينه اخْتِلَاف كثير من كبر الْحبَّة إِلَى صغرها
وَمِنْهَا مَا يدْخل مِنْهُ ألف حَبَّة تَحت مِثْقَال وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل
وَمِنْهَا مَا يدْخل أَكثر من ألف تَحت مِثْقَال
وَهُوَ الَّذِي لَا يُمكن ثقبه لصغره وَعدم تدويره
وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الأكحال مصحونا
وينتقل التَّفَاوُت من ذَلِك إِلَى أَن تكون الْحبَّة الْوَاحِدَة مِثْقَالا
ثمَّ الْيَاقُوت: وَمِنْه الْأَحْمَر والأصفر والأزرق والأبيض
ثمَّ البلخش
وَفِي أوزان قطعه(1/120)
اخْتِلَاف وَكَذَلِكَ فِي الْقيمَة عَنهُ
فَكلما كثر وزن الْقطعَة كَانَت الْقيمَة كَثِيرَة
ثمَّ الفيروزج
وَفِيه تفَاوت كثير
ثمَّ الماس وَعين الهر
فَهَذِهِ مُقَدّمَة تعرف بهَا مَا نتكلم عَلَيْهِ من هَذِه الْجَوَاهِر المثمنة ذَوَات الْقيم النفيسة
فَإِن كَانَ السّلم فِي اللُّؤْلُؤ فَيَقُول: من اللُّؤْلُؤ الْأَبْيَض الْخَالِي من الصُّفْرَة والكدرة والقشرة المدور المتناسب الْخَالِي من التبعيج مائَة حَبَّة
زنتها كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا أَو زنة كل لؤلؤة نصف مِثْقَال أَو أقل أَو أَكثر
وَإِن كَانَ فِي لُؤْلُؤ صغَار يَقُول: من اللُّؤْلُؤ الصغار كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا يدْخل تَحت كل مِثْقَال كَذَا وَكَذَا لؤلؤة
وَإِن كَانَ السّلم فِي شَيْء من الفصوص الْجَوَاهِر
كتب: عدَّة قطعهَا وزنة كل قِطْعَة مِنْهَا
ويصف كل جنس بِوَصْف الْجَوْدَة والصفاء وإشراق اللَّوْن وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُعْتَبر فِي وصف الْجَوْهَر
وَالله أعلم(1/121)
كتاب الرَّهْن
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الرَّهْن فِي اللُّغَة: مَأْخُوذ من الثُّبُوت والدوام
تَقول الْعَرَب: رهن الشَّيْء إِذا ثَبت
وَالنعْمَة الراهنة: هِيَ الثَّابِتَة الدائمة
يُقَال: رهنت الشَّيْء فَهُوَ مره وَلَا يُقَال: أرهنت إِلَّا فِي شَاذ اللُّغَة
وَفِي الشَّرْع: جعل المَال وَثِيقَة على الدّين ليستوفى مِنْهُ الدّين عِنْد تعذره
وَهُوَ جَائِز
وَالْأَصْل فِي جَوَازه: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} وَهَذَا أَمر على سَبِيل الْإِرْشَاد لَا على سَبِيل الْوُجُوب
وَأما السّنة: فَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الرَّهْن مركوب ومحلوب) إِلَى غير ذَلِك من الْأَحَادِيث
وَأما الْإِجْمَاع: فَلَا خلاف بَين الْفُقَهَاء فِي جَوَازه
وَجمع الرَّهْن: رهان
وَيُقَال رهن
الْخلاف فِي مسَائِل الْبَاب: الرَّهْن جَائِز فِي الْحَضَر وَالسّفر عِنْد كَافَّة الْفُقَهَاء
وَعقد الرَّهْن يلْزم بِالْقبُولِ
وَإِن لم يقبض عِنْد مَالك
وَلكنه يجْبر الرَّاهِن على التَّسْلِيم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: من شَرط صِحَة الرَّهْن الْقَبْض
فَلَا يلْزم الرَّهْن إِلَّا بِقَبْضِهِ
وَرهن الْمشَاع مُطلقًا جَائِز سَوَاء كَانَ مِمَّا يقسم أَو كَعبد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح رهن الْمشَاع
واستدامة الرَّهْن عِنْد الْمُرْتَهن لَيست بِشَرْط عِنْد الشَّافِعِي وَهُوَ شَرط عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
فَمَتَى(1/122)
خرج الرَّهْن من يَد الْمُرْتَهن على أَي وَجه كَانَ بَطل الرَّهْن
إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يَقُول: إِن عَاد إِلَى الرَّاهِن بوديعة أَو عَارِية لم يبطل
وَإِذا رهن عبدا ثمَّ أعْتقهُ فأرجح الْأَقْوَال عِنْد الشَّافِعِي: أَنه ينفذ من الْمُوسر
وَيلْزمهُ قِيمَته يَوْم عتقه رهنا
وَإِن كَانَ مُعسرا لم ينفذ
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد مَالك
وَقَالَ مَالك أَيْضا: إِن طَرَأَ لَهُ مَال أَو قضى الْمُرْتَهن مَا عَلَيْهِ بعد الْعتْق نفذ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتق فِي الْيَسَار والإعسار وَيسْعَى العَبْد الْمَرْهُون فِي قِيمَته للْمُرْتَهن فِي عسر سَيّده
وَقَالَ أَحْمد: ينفذ عتقه على كل حَال
فصل
: وَإِن رهن شَيْئا على مائَة ثمَّ أقْرضهُ مائَة أُخْرَى
وَأَرَادَ جعل الرَّهْن على الدينَيْنِ جَمِيعًا لم يجز على الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي إِذْ الرَّهْن لَازم بِالْحَقِّ الأول وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك: بِالْجَوَازِ
وَهل يَصح الرَّهْن على الْحق قبل وُجُوبه قَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح
وَإِذا شَرط الرَّاهِن فِي الرَّهْن أَن يَبِيعهُ عِنْد حُلُول الْحق وَعدم نَفعه
جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز للْمُرْتَهن أَن يَبِيع الْمَرْهُون بِنَفسِهِ بل يَبِيعهُ الرَّاهِن أَو وَكيله بِإِذن الْمُرْتَهن
فَإِن أَبى ألزمهُ الْحَاكِم قَضَاء الدّين أَو بيع الْمَرْهُون
وَالرَّفْع إِلَى الْحَاكِم مُسْتَحبّ عِنْد مَالك
فَإِن لم يفعل وَبَاعه الْمُرْتَهن جَازَ
وَإِذا وكل الرَّاهِن عدلا فِي بيع الْمَرْهُون عِنْد الْحُلُول وَوضع الرَّهْن فِي يَده كَانَت الْوكَالَة صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وللراهن فَسخهَا وعزله كَغَيْرِهِ من الوكلاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ لَهُ فسخ ذَلِك
وَإِذا تَرَاضيا على وَضعه عِنْد عدل وَشرط الرَّاهِن أَن يَبِيعهُ الْعدْل عِنْد الْحُلُول فَبَاعَهُ الْعدْل فَتلف الثّمن قبل قبض الْمُرْتَهن
فَهُوَ عِنْد أبي حنيفَة من ضَمَان الْمُرْتَهن
كَمَا لَو كَانَ فِي يَده
وَقَالَ مَالك: إِن تلف الرَّهْن فِي يَد الْعدْل فَهُوَ من ضَمَان الرَّاهِن بِخِلَاف كَونه فِي يَد الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يكون وَالْحَالة هَذِه من ضَمَان الرَّاهِن مُطلقًا
إِلَّا أَن يتَعَدَّى الْمُرْتَهن فَإِن يَده يَد أَمَانَة
وَإِذا بَاعَ الْعدْل الرَّهْن وَقبض الرَّاهِن الثّمن ثمَّ خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا
فَلَا عُهْدَة على الْعدْل فِي البيع
وَهُوَ على الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ بيع لَهُ
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: لَا ضَمَان عندنَا على الْوَكِيل وَلَا على الْوَصِيّ وَلَا على الْأَب فِيمَا يَبِيعهُ من مَال وَلَده
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعهْدَة على الْعدْل يغرم للْمُشْتَرِي ثمَّ يرجع على مُوكله
وَكَذَا يَقُول فِي الْأَب وَالْوَصِيّ
ويوافق مَالِكًا فِي الْحَاكِم وَأمين الحكم فَيَقُول: لَا عُهْدَة عَلَيْهِمَا
وَلَكِن الرُّجُوع على من بَاعَ عَلَيْهِ إِن كَانَ مُفلسًا أَو مليئا
وَإِذا(1/123)
قَالَ: رهنت عَبدِي هَذَا عنْدك على أَن تقرضني ألف دِرْهَم أَو تبيعني هَذَا الثَّوْب أَو عبدا
صَحَّ الرَّهْن
وَإِن تقدم وجوب الْحق
فَإِن أقْرضهُ الدَّرَاهِم أَو بَاعه الثَّوْب فالرهن لَازم يجب تَسْلِيمه إِلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْقَرْض وَالْبيع يمضيان وَالرَّهْن لَا يَصح
فصل: وَالْمَغْصُوب مَضْمُون ضَمَان غصب
فَلَو رَهنه مَالِكه عِنْد الْغَاصِب من غير قَبضه صَار مَضْمُونا ضَمَان رهن
وَزَالَ ضَمَان الْغَصْب عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسْتَقرّ ضَمَان الْغَصْب وَلَا يلْزم الرَّهْن مَا لم يمض زمن إِمْكَان قَبضه
وَعند مَالك: المُشْتَرِي الَّذِي اسْتحق الْمَبِيع من يَده يرجع بِالثّمن على الْمُرْتَهن لَا على الرَّاهِن
وَيكون دين الْمُرْتَهن فِي ذمَّة الرَّاهِن كَمَا لَو تلف الرَّهْن وَكَذَا عِنْد أبي حنيفَة إِلَّا أَنه يَقُول: الْعدْل يضمن وَيرجع على الْمُرْتَهن
وَقَالَ الشَّافِعِي: يرجع المُشْتَرِي على الرَّاهِن
لِأَن الرَّهْن عَلَيْهِ بيع لَا على الْمُرْتَهن
وَكَذَلِكَ يَقُول مَالك وَأَبُو حنيفَة فِي التَّفْلِيس
وَإِذا بَاعَ الْحَاكِم أَو الْوَصِيّ أَو الْأمين شَيْئا من التَّرِكَة فللغرماء مطالبتهم وَأخذ الثّمن ثمَّ اسْتحق الثّمن
فَإِن المُشْتَرِي عِنْدهمَا يرجع على الْغُرَمَاء وَيكون دين الْغُرَمَاء فِي ذمَّة غريمهم كَمَا كَانَ
وَالْبَاب كُله عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد وَالرُّجُوع يكون عِنْده على الرَّاهِن والمديون الَّذِي بيع مَتَاعه
فصل: وَإِذا شَرط المُشْتَرِي للْبَائِع رهنا أَو ضمينا
وَلم يعين الرَّهْن وَلَا الضمين فَالْبيع جَائِز عِنْد مَالك
وعَلى الْمُبْتَاع أَن يدْفع رهنا برهن مثله على مبلغ ذَلِك الدّين
وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بضمين ثِقَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: البيع وَالرَّهْن باطلان
وَقَالَ الْمُزنِيّ: هَذَا غلط
وَعِنْدِي: الرَّهْن فَاسد للْجَهْل بِهِ وَالْبيع جَائِز
وَللْبَائِع الْخِيَار إِن شَاءَ أتم البيع بِلَا رهن وَإِن شَاءَ فَسخه لبُطْلَان الْوَثِيقَة
فصل: وَإِذا اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي مبلغ الدّين الَّذِي حصل بِهِ الرَّهْن
فَقَالَ الرَّاهِن: رهنته على خَمْسمِائَة
وَقَالَ الْمُرْتَهن: على ألف
وَقِيمَة الرَّهْن تَسَاوِي الْألف أَو زِيَادَة على الْخَمْسمِائَةِ: فَعِنْدَ مَالك: القَوْل قَول الْمُرْتَهن مَعَ يَمِينه
فَإِذا حلف وَكَانَت قيمَة الرَّهْن ألفا فالراهن بِالْخِيَارِ بَين أَن يُعْطِيهِ ألفا وَيَأْخُذ الرَّهْن أَو يتْرك الرَّاهِن للْمُرْتَهن
وَإِن كَانَت الْقيمَة سِتّمائَة حلف الْمُرْتَهن على قِيمَته وَأَعْطَاهُ الرَّهْن وسِتمِائَة
وَحلف أَنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِلَّا مَا ذكر
وَتسقط الزِّيَادَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: القَوْل قَول الرَّاهِن فِيمَا يذكرهُ مَعَ يَمِينه
فَإِذا حلف دفع إِلَى الْمُرْتَهن مَا حلف عَلَيْهِ وَأخذ رَهنه
وَزِيَادَة الرَّهْن ونماؤه إِذا كَانَت مُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَة وَالصُّوف والوبر وَغير(1/124)
ذَلِك تكون عِنْد مَالك ملكا للرَّاهِن ثمَّ الْوَلَد يدْخل فِي الرَّهْن دون غَيره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الزِّيَادَة مُطلقًا تدخل فِي الرَّهْن مَعَ الأَصْل
وَقَالَ الشَّافِعِي: جَمِيع ذَلِك خَارج عَن الرَّهْن
وَقَالَ أَحْمد: هُوَ ملك الْمُرْتَهن دون الرَّاهِن
قَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث: إِن كَانَ الرَّاهِن هُوَ الَّذِي ينْفق على الرَّهْن فَالزِّيَادَة لَهُ أَو الْمُرْتَهن فَالزِّيَادَة لَهُ
فصل: وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الرَّهْن هَل هُوَ مَضْمُون أم لَا
فمذهب مَالك: أَن مَا يظْهر هَلَاكه كالحيوان وَالرَّقِيق فَهُوَ غير مَضْمُون على الْمُرْتَهن
وَيقبل قَوْله فِي تلفه مَعَ يَمِينه
وَمَا يخفى هَلَاكه كالنقد وَالثَّوْب فَلَا يقبل قَوْله فِيهِ إِلَّا أَن يصدقهُ الرَّاهِن
وَاخْتلف قَوْله فِيمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِالْهَلَاكِ
فروى ابْن الْقَاسِم وَغَيره عَنهُ: أَنه لَا يضمن وَيَأْخُذ دينه من الرَّاهِن
وروى أَشهب وَغَيره: أَنه ضَامِن لقيمته
وَالْمَشْهُور من مذْهبه: أَنه مَضْمُون بِقِيمَتِه قلت أَو كثرت
فَإِن فضل للرَّاهِن من الْقيمَة شَيْء زَائِد على مبلغ الْحق أَخذه من الْمُرْتَهن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الرَّاهِن على كل حَال مَضْمُون بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قِيمَته وَمن الْحق الَّذِي عَلَيْهِ
فَإِذا كَانَت قِيمَته ألف دِرْهَم وَالْحق خَمْسمِائَة ضمن ذَلِك الْحق وَلم يضمن تِلْكَ الزِّيَادَة وَيكون تلفه من ضَمَان الرَّاهِن
وَإِن كَانَت قيمَة الرَّهْن خَمْسمِائَة وَالْحق ألفا ضمن قيمَة الرَّهْن وَسَقَطت عَن ذمَّته وَأخذ بَاقِي حَقه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الرَّهْن أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن كَسَائِر الْأَمَانَات
لَا يضمنهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي
وَقَالَ شُرَيْح وَالْحسن وَالشعْبِيّ: الرَّهْن مَضْمُون بِالْحَقِّ كُله
وَإِذا ادّعى الْمُرْتَهن هَلَاك الرَّهْن وَكَانَ مِمَّا يخفى
فَإِن اتفقَا على الْقيمَة فَلَا كَلَام
وَإِن اتفقَا على الصّفة وَاخْتلفَا فِي الْقيمَة
قَالَ مَالك: يسْأَل أهل الْخِبْرَة عَن قيمَة مَا هَذِه صفته وَيعْمل عَلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: القَوْل قَول الْمُرْتَهن فِي الْقيمَة مَعَ يَمِينه
وَمذهب الشَّافِعِي: أَن القَوْل قَول الْغَارِم مُطلقًا
وَلَو شَرط الْمُتَبَايعَانِ أَن يكون نفس الْمَبِيع رهنا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح
وَيكون البيع مفسوخا
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَظَاهر قَول مَالك
كَقَوْلِهِم
وَلكنه عِنْدِي على طَريقَة الْكَرَاهَة وَأَنا أدل على جَوَازه وأنصر القَوْل بِهِ
وَعِنْدِي أَن أصُول مَالك تدل عَلَيْهِ
انْتهى
فَائِدَة: لَو كَانَ الدّين على اثْنَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ مثلا وهما متضامنان متكافلان فِي ذَلِك يَأْذَن كل مِنْهُمَا لصَاحبه ثمَّ إنَّهُمَا رهنا على ذَلِك الدّين رهنا
فَإِن قَالَ الْكَاتِب: ورهنا على هَذَا الدّين مَا ذكرا أَنه لَهما وملكهما وَبَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ
كَانَ وَاحِد مَرْهُون على مَا فِي ذمَّته دون مَا كفله
وَإِن قَالَ: وَرهن كل وَاحِد مِنْهُمَا على هَذَا الدّين مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ(1/125)
فَهَذَا يَقْتَضِي أَن الرَّهْن على جَمِيع الدّين أَصَالَة وكفالة من كل وَاحِد مِنْهُمَا
والنكتة فِي لَفْظَة (كل)
وَقد سبق التَّنْبِيه فِي مُقَدّمَة الْكتاب على ذَلِك
انْتهى
المصطلح فِي ذَلِك يشْتَمل على صور: مِنْهَا: الرَّهْن الْمجمع عَلَيْهِ
وَصورته: أَن يكْتب بعد فرَاغ ذكر الدّين وأجله فِي ذيل المسطور: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور تَحت يَد الْمقر لَهُ الْمَذْكُور توثقة على الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه تَحت تصرفه إِلَى حِين هَذَا الرَّهْن أَو جَمِيع مَا استعاره من زَوجته فُلَانَة قبل صُدُور عقد هَذَا الرَّهْن ليرهنه على الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها ثمَّ يَقُول: رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن بعد تفريغها من السكان والمنازع والعوائق الْمَانِعَة لصِحَّة الرَّهْن بِإِذن الرَّاهِن
وَقبل الْمُرْتَهن الْمَذْكُور عقد الرَّهْن قبولا شَرْعِيًّا
فَإِن كَانَ الرَّهْن حِصَّة من دَار فَهُوَ صَحِيح عِنْد الثَّلَاثَة بَاطِل عِنْد أبي حنيفَة
وَعلة بُطْلَانه عِنْد أبي حنيفَة من وَجْهَيْن
أَحدهمَا: أَن الرَّهْن حِصَّة شائعة
الثَّانِي: أَنه غير مَقْبُوض
وارتهان رهن قد لزم بالْقَوْل من غير تَسْلِيم الرَّهْن إِلَى الْمُرْتَهن
وَلَا قبض على مَذْهَب مَالك سَوَاء كَانَ الرَّهْن مُمَيّزا كَالْعَبْدِ وَالدَّار أَو غير متميز كقفيز من صبرَة لَازم عِنْده على الْإِطْلَاق
وَعند أَحْمد: لَازم فِي المتميز دون غير المتميز
فَإِذا كتب الصُّورَة على مَذْهَب مَالك يَقُول: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور على جَمِيع الدّين الْمعِين فِيهِ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها وَهَذَا الرَّهْن متميز أَو مكوكا من الْحِنْطَة أَو غرارة أَو إردبا من الْحِنْطَة الَّتِي قدرهَا ألف مكوك أَو غرارة أَو إِرْدَب بالمخزن الْفُلَانِيّ وَهَذَا غير متميز رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا لَازِما مَقْبُوضا بِلَفْظ الرَّاهِن للْمُرْتَهن بِهَذَا القَوْل بِحَضْرَة شُهُوده
وَيرْفَع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِصِحَّة الرَّهْن مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي صِحَة الرَّهْن بالْقَوْل ولزومه من غير تَفْرِيغ وَلَا تَسْلِيم
وَإِن كتب على مَذْهَب أَحْمد فَيَقُول: وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها أَو العَبْد الْفُلَانِيّ ويصفه
وَهَذَانِ متميزان
وَلَا يكْتب القفيز من الصُّبْرَة لِأَنَّهُ غير متميز
وَيرْفَع إِلَى مالكي أَو حنبلي لِأَن الرَّهْن متميز يحكم بِصِحَّتِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي صِحَة الرَّهْن الَّذِي لم يتسلمه الْمُرْتَهن
وَهُوَ قَول على رِوَايَة من مَذْهَب أَحْمد
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ(1/126)
وَصُورَة ارتهان رهن مَنْقُول مَقْبُول مُسْتَقر بيد الْمُرْتَهن
رَهنه رجل عِنْد آخر على مَا سيجب للْمُرْتَهن على الرَّاهِن من الْحق
وَهَذَا الرَّهْن صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة بَاطِل عِنْد البَاقِينَ: رهن فلَان عِنْد فلَان على مَا سيجب عَلَيْهِ من الْحق اللَّازِم لَهُ شرعا
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها أَو التركيبة الذَّهَب المزركش الْمصْرِيّ ويصفها وَمَا فِيهَا من الْحَاشِيَة والبطانة وَيذكر وَزنهَا بالمثاقيل ثمَّ يَقُول: رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن
وَقبل عقد الرَّهْن مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَصُورَة الرَّهْن الْمعَاد صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة
وَقد تقدم ذكر الرَّهْن الْمعَاد فِي كتاب الْإِقْرَار
وَالتَّسْلِيم عِنْد مَالك لَيْسَ بِشَرْط فِي الْأَشْيَاء كلهَا
وَعند أَحْمد: التَّسْلِيم لَيْسَ بِشَرْط إِلَّا فِي المتميز
كَالدَّارِ وَالْعَبْد فَإِنَّهُ يلْزم التَّسْلِيم عِنْده
فَإِن كَانَ الرَّهْن الْمعَاد دَارا: ذكر أَنه استعادها ليسكنها بأَهْله وَينْتَفع بهَا انْتِفَاع مثله بِمِثْلِهَا مَعَ بَقَاء حكم الرَّهْن ولزومه
وَإِن كَانَ عبدا فيذكر التَّسْلِيم والاستعادة للْخدمَة والافتراش خلافًا للثَّلَاثَة
وَإِن كَانَ الرَّهْن بقرة حلوبا أَو حمارا مركوبا وَجَوَاز حلب الْبَقَرَة وركوب الدَّابَّة بِقدر مَا يحتاجان إِلَيْهِ من الْعلف على مَا حَكَاهُ الْخرقِيّ من أَصْحَاب أَحْمد
وَصُورَة الرَّهْن عِنْد امْتنَاع الرَّاهِن من علف الدَّابَّة يَقُول: وَذَلِكَ جَمِيع الْبَقَرَة الصَّفْرَاء الحلوب الرَّاتِب
وَجَمِيع الْحمار الْأسود القارح رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن الْمَذْكُور على أَن يقوم الرَّاهِن الْمَذْكُور بعلفهما وخدمتهما والإنفاق عَلَيْهِمَا نَفَقَة مثلهمَا وَإِن امْتنع الرَّاهِن من ذَلِك كَانَ للْمُرْتَهن الْإِنْفَاق عَلَيْهِمَا وَالرُّجُوع عَلَيْهِ بنظير مَا يُنْفِقهُ فِي علفهما وكلفتهما
وَكَانَ لَهُ حلب الْبَقَرَة وَالِانْتِفَاع بلبنها وركوب الدَّابَّة واستعمالهما بِقدر مَا يحتاجان إِلَيْهِ من الْعلف ويكمل
وَالَّذِي حَكَاهُ الْخرقِيّ: أَنه لَيْسَ للْمُرْتَهن الِانْتِفَاع بِشَيْء من الرَّهْن إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة فَقَط
وَصُورَة الارتهان على مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد وَهُوَ دُخُول الْوَلَد وَالصُّوف وَالثَّمَرَة وَاللَّبن وَأُجْرَة الْعقار وَأُجْرَة الدَّوَابّ فِي الرَّهْن إِذا حدث ذَلِك كُله بعد عقد الرَّهْن
وَيكون ملكا للرَّاهِن خلافًا للشَّافِعِيّ على الْإِطْلَاق ولمالك
فَإِن ذَلِك جَمِيعه لَا يدْخل شَيْء مِنْهُ فِي الرَّهْن عِنْد الشَّافِعِي
وَأما مَالك: فَلَا يدْخل شَيْء من ذَلِك عِنْده فِي الرَّهْن إِلَّا الْوَلَد خَاصَّة
فَيَقُول: وَذَلِكَ جَمِيع الْبَقَرَات الْخمس الْحَوَامِل وَجَمِيع الْبَقَرَات الْخمس الوالدات المقربات من الْوَضع المختلفات الشيات والألوان وَإِن شَاءَ وصف كل وَاحِدَة مِنْهَا وَجَمِيع الْبُسْتَان الْمُشْتَمل على أَشجَار مُخْتَلفَة الثِّمَار والأنواع ويحدده وَجمع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها وَجَمِيع الْحمير الْخمس القوارح الْمعدة لنقل(1/127)
الْحِجَارَة وآلات الْبناء وَغير ذَلِك
وَجَمِيع الْغنم الضَّأْن الْبيَاض الْمُخْتَلفَة الْأَسْنَان والشيات وعدتها كَذَا وَكَذَا رَأْسا
وَهن حوامل مقربات رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسْتَقرًّا بيد الْمُرْتَهن
وَمهما حدث بعد هَذَا العقد من نتاج الْبَقر وَالْغنم والضأن وَمَا تجدّد على ظُهُور الْغنم من صوف وَمهما أفضلت الْبَقر وَالْغنم من الْحَلب بعد رضَاع أَوْلَادهَا وَمهما فضل من أُجْرَة الْحمير الْمَذْكُورَة وَمن ريع الْبُسْتَان وَمهما تجدّد فِيهِ ثَمَرَة وَمهما وَجب من أُجْرَة الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه
كَانَ رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ
وعَلى كل جُزْء مِنْهُ بَاقِيا على ملك الرَّاهِن
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حنبلي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِمَا فِيهِ الْخلاف من دُخُول الْحَادِث من الرَّهْن بعد وُقُوع عقده فِي الرَّهْن
وَصُورَة ارتهان عبد مكتسب وَأَن يكون الْكسْب رهنا مَعَ الأَصْل على مَذْهَب أَحْمد خلافًا للباقين: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ جَمِيع العَبْد الزنْجِي أَو غَيره من الْأَجْنَاس الرجل الْكَامِل المكتسب الزَّرْكَشِيّ أَو الصَّائِغ أَو الْحداد أَو غير ذَلِك من الصَّنَائِع رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا وَمهما اكْتَسبهُ العَبْد الْمَذْكُور فِي مُدَّة الرَّهْن كَانَ رهنا مَعَه ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حنبلي يحكم فِيهِ
وَصُورَة ارتهان بقرة حَلُوب أَو حمَار مركوب أَو فرس أَو بغل أَو جمل
والإنفاق على ذَلِك فِي غيبَة الرَّاهِن بِإِذن حَاكم شَرْعِي وَتصير النَّفَقَة دينا على الرَّاهِن يستوفيها الْمُرْتَهن من ثمن اللَّبن وَظهر الدَّابَّة على مَذْهَب أَحْمد وَحده وَلَا يحْتَاج عِنْده إِلَى إِذن حَاكم فِي الْإِنْفَاق: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ جَمِيع الْبَقَرَة السَّوْدَاء الحلوب مَعَ الْحمار الْأَخْضَر القارح الْمعد للْعَمَل الْفُلَانِيّ رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا
وللمرتهن الْإِنْفَاق على الرَّهْن الْمَذْكُور فِي غيبَة الرَّاهِن وَاسْتِيفَاء مَا يُنْفِقهُ من لبن الْبَقَرَة وَأُجْرَة الدَّابَّة
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حنبلي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة اشْتِرَاط فِي عقد المداينة وَاشْتِرَاط البيع فِي عقد الرَّاهِن وتوكيل الرَّاهِن للْمُرْتَهن فِي بيع الرَّهْن عِنْد حُلُول الدّين بِثمن الْمثل وَقبض الثّمن
يصدر بِالْإِقْرَارِ بِالدّينِ
وَيذكر الْأَجَل ثمَّ يَقُول: وَلَزِمَه ذَلِك ثمنا عَن قماش ويصفه ابتاعه مِنْهُ فَبَاعَهُ إِيَّاه بِشَرْط أَن يرْهن عِنْده الْمَرْهُون الْآتِي ذكره
ويكمل الْإِقْرَار بالتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة ثمَّ يَقُول: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا شَرط ارتهانه أَعْلَاهُ
وَهُوَ ملك(1/128)
الرَّاهِن الْمَذْكُور وَبِيَدِهِ حَالَة الرَّهْن
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده إِن كَانَ مِمَّا يحدد الَّذِي اشْترط الْمقر لَهُ الْمَذْكُور على الْمقر أَن يُوكله فِي بيع الرَّهْن الْمَذْكُور عِنْد حُلُول الدّين وَقَبضه من دينه الْمعِين أَعْلَاهُ رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا بيد الْمُرْتَهن
ووكل الْمقر الْمَذْكُور رب الدّين الْمَذْكُور فِي بيع الرَّهْن الْمعِين أَعْلَاهُ بِثمن الْمثل وَقبض الثّمن وإقباضه لَهُ من دينه الْمعِين أَعْلَاهُ وَفِي تَسْلِيم الْمَبِيع لمبتاعه
توكيلا شَرْعِيًّا قبله مِنْهُ
قبولا شَرْعِيًّا
فَلَا يملك عَزله أبدا حَتَّى يقْضِي هَذَا الدّين جَمِيعه ويكمل
وَذَلِكَ جَمِيعه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ الشَّافِعِي: الشَّرْط فِي عقد البيع: أَن يرْهن الْمقر عِنْد رب الدّين صَحِيح
وَشرط التَّوْكِيل فِي عقد الرَّهْن بَاطِل
وَهل يبطل الرَّهْن أَيْضا على قَوْلَيْنِ
فصل
: وَإِذا اتّفق الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على أَن يكون الرَّهْن عِنْد ثَالِث جَازَ
وَيكون عدلا أَمينا فَيَقُول: رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسلما مَقْبُوضا
وجعلاه عِنْد فلَان الَّذِي عرفا عَدَالَته وأمانته باتفاقهما على ذَلِك ورضاهما بِهِ
وتسلمه فلَان الْمَذْكُور
وَاسْتقر تَحت يَده استقرارا شَرْعِيًّا
وَصُورَة الرَّهْن الَّذِي استعاره الرَّاهِن وَرَهنه عِنْد الْمقر لَهُ على دينه: وَرهن الْمقر الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور على جَمِيع الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وعَلى كل جُزْء مِنْهُ مَا استعاره بِشَهَادَة شُهُوده من فلَان
فأعاره إِيَّاه ليرهنه على الدّين الْمَذْكُور عِنْد رب الدّين الْمَذْكُور مَعَ علمه بِقدر الدّين وأجله واعترافه بِمَعْرِِفَة معنى ذَلِك
وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ رهنا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق(1/129)
كتاب الْحجر والتفليس
وَمَا يتَعَلَّق بهما من الْأَحْكَام
التَّفْلِيس أَصله فِي اللُّغَة: الْفلس
وَفِي الشَّرْع: اسْم لمن عَلَيْهِ دُيُون لَا يَفِي مَاله بهَا
وَيُسمى مُعسرا
والمعسر إِذا ثَبت إِعْسَاره وَجب إنظاره بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَلما رُوِيَ أَن رجلا ابْتَاعَ ثَمَرَة
فأصيب بهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تصدقوا عَلَيْهِ)
فتصدقوا فَلم يَفِ بِمَا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: (تصدقوا عَلَيْهِ)
فتصدقوا عَلَيْهِ
فَلم يَفِ بِمَا عَلَيْهِ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغرمائه: (خُذُوا مَا وجدْتُم مَا لكم غَيره) وَهَذَا نَص
فَإِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر بَاعَ الْحَاكِم عَلَيْهِ مَاله
وَقضى الْغَرِيم
وَإِن قضى الْحَاكِم للْغُرَمَاء شَيْئا من مَال من عَلَيْهِ الدّين جَازَ
بِدَلِيل مَا رُوِيَ (أَن عمر رَضِي الله عَنهُ صعد الْمِنْبَر
وَقَالَ: أَلا إِن الأسيفع أسيفع جُهَيْنَة رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال: سَابق الْحَاج ويروى: سبق الْحَاج فادان معرضًا
وَأصْبح وَقد رين بِهِ
فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليحضر غَدا
فَإنَّا بَايعُوا مَاله
فقاسموه بَين غُرَمَائه)
وَرُوِيَ (فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليغد بِالْغَدَاةِ
فلنقسم مَاله بَينهم بِالْحِصَصِ) وَهَذَا بمجمع من الصَّحَابَة
وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد
فَدلَّ أَنه إِجْمَاع
تَنْبِيه: قَوْله: (فادان معرضًا) أَي يتَعَرَّض للنَّاس ليستدين مِمَّن أمكنه وَيَشْتَرِي بِهِ الْإِبِل الْجِيَاد وَيروح فِي الْحَج فَيَسْبق الْحَاج
وَقَوله: (فَأصْبح وَقد رين بِهِ) يُقَال: رين بِالرجلِ إِذا وَقع فِيمَا لَا يَسْتَطِيع الْخُرُوج مِنْهُ وَلَا قبل لَهُ بِهِ
وَيُقَال: لما غلبك وعلاك: وَقد ران بك وران عَلَيْك
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(1/130)
قَالَ الْحسن: هُوَ الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يسود الْقلب
انْتهى
وَالْحجر على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: حجر عَام
وَالثَّانِي: حجر خَاص
فَأَما الْحجر الْخَاص: فَهُوَ مثل أَن يرْهن شَيْئا أَو يُكَاتب عَبده أَو يَبِيع عَبده الْآبِق أَو الْمَغْصُوب
وَالْمَبِيع قبل الْقَبْض وَنَحْو ذَلِك
فَلَا يجوز تصرفه
وَأما الْحجر الْعَام: فَهُوَ على سَبْعَة أَنْوَاع: حجر الإفلاس وَحجر السَّفه وَحجر الْجُنُون وَحجر الصغر وَحجر الرّقّ وَحجر الْمَرَض وَحجر الارتداد
فَأَما حجر الإفلاس: فَإِنَّهُ يَقع فِي المَال
ويرتفع بارتفاع الإفلاس
وَأما حجر السَّفه: فَإِنَّهُ يَقع فِي المَال وَالْعِتْق والإقرارات
ويرتفع عِنْد الْحَاكِم بإيناس الرشد
وَأما حجر الْجُنُون: فَإِنَّهُ يَقع فِي كل شَيْء
ويرتفع بارتفاع الْجُنُون
وَأما حجر الصغر: فَإِنَّهُ يَقع فِي كل شَيْء إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: التَّدْبِير وَالْوَصِيَّة
ويرتفع بِالْبُلُوغِ
وإيناس الرشد
وَأما حجر الرّقّ: فَإِنَّهُ يَقع فِي حق السَّيِّد
وَأما حجر الْمَرَض: فَإِنَّهُ يَقع فِي الثُّلُث إِذا أخرجه الْمَرِيض عَن ملكه فِي غير طَاعَة أَو مُبَاح وَفِي كل المَال مَعَ الْوَرَثَة
وَأما حجر الارتداد: فَإِنَّهُ يَقع فِي كل شَيْء
فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام نفذت تَصَرُّفَاته وَرفع عَنهُ الْحجر
وَإِن لم يعد فَلَا يرْتَفع الْحجر عَنهُ
وَحكمه الْقَتْل بعد ثَلَاثَة أَيَّام
فَإِن لم يعد إِلَى الْإِسْلَام قتل
وَكَانَ مَاله فَيْئا
وَاثْنَانِ من الْحجر يحْتَاج فِي رفعهما إِلَى حكم الْحَاكِم
وهما حجر الإفلاس فِي قَول وَحجر الارتداد
وَثَلَاثَة مِنْهَا ترْتَفع بِنَفسِهَا وَهِي حجر الْجُنُون وَحجر الصغر وَحجر الرّقّ
وَوَاحِد مِنْهَا يحْتَاج إِلَى الْحَاكِم وَالْوَالِد وَهُوَ إِذا بلغ سَفِيها ثمَّ صَار رشيدا
وَالله أعلم
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب: اعْلَم أَن الْحجر الْمُفلس عِنْد طلب الْغُرَمَاء وإحاطة الدُّيُون بالمدين مُسْتَحقّ على الْحَاكِم وَأَن لَهُ مَنعه من التَّصَرُّف حَتَّى لَا يضر بالغرماء وَأَن الْحَاكِم يَبِيع أَمْوَال الْمُفلس إِذا امْتنع من بيعهَا ويقسمها بَين غُرَمَائه بِالْحِصَصِ عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو(1/131)
حنيفَة: لَا يحْجر على الْمُفلس بل يحبس حَتَّى تقضى الدُّيُون
فَإِن كَانَ لَهُ مَال لم يتَصَرَّف الْحَاكِم فِيهِ وَلَا يَبِيعهُ إِلَّا أَن يكون مَاله دَرَاهِم وَدينه دَرَاهِم فيقبضها القَاضِي بِغَيْر أمره وَإِن كَانَ دينه دَرَاهِم وَمَاله دَنَانِير بَاعهَا القَاضِي فِي دينه
وَاخْتلفُوا فِي تَصَرُّفَات الْمُفلس فِي مَاله بعد الْحجر عَلَيْهِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحْجر عَلَيْهِ فِي تصرفه
وَإِن حكم بِهِ قَاض لم ينفذ قَضَاؤُهُ مَا لم يحكم بِهِ قَاض ثَان وَإِذا لم يَصح الْحجر عَلَيْهِ صحت تَصَرُّفَاته كلهَا سَوَاء احتملت الْفَسْخ أَو لم تحْتَمل
فَإِن نفذ الْحجر قَاض ثَان صَحَّ من تَصَرُّفَاته مَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالتَّدْبِير وَالْعِتْق وَالِاسْتِيلَاد
وَبَطل مَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَنَحْو ذَلِك
وَقَالَ مَالك: لَا ينفذ تصرفه فِي أَعْيَان مَاله بِبيع وَلَا هبة وَلَا عتق
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ الْأَظْهر كمذهب مَالك
وَالثَّانِي: تصح تَصَرُّفَاته
وَتَكون مَوْقُوفَة
فَإِن قضيت الدُّيُون من غير نقض التَّصَرُّف نفذ التَّصَرُّف
وَإِن لم تقض إِلَّا بنقضه فسخ مِنْهَا الأضعف فالأضعف
فَيبْدَأ بِالْهبةِ ثمَّ البيع ثمَّ الْعتْق
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه: لَا ينفذ تصرفه فِي شَيْء إِلَّا فِي الْعتْق خَاصَّة
وَلَو كَانَ عِنْد الْمُفلس سلْعَة وأدركها صَاحبهَا وَلم يكن البَائِع قبض من ثمنهَا شَيْئا والمفلس حَيّ
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: صَاحبهَا أَحَق بهَا من الْغُرَمَاء فيفوز بأخذها دونهم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: صَاحبهَا كَأحد الْغُرَمَاء يقاسمونه فِيهَا
فَلَو وجدهَا صَاحبهَا بعد موت الْمُفلس وَلم يكن قبض من ثمنهَا شَيْئا
قَالَ الشَّافِعِي: صَاحبهَا أَحَق بهَا كَمَا لَو كَانَ حَيا
وَقَالَ الثَّلَاثَة: صَاحبهَا أُسْوَة الْغُرَمَاء
فصل: الدّين إِذا كَانَ مُؤَجّلا هَل يحل بِالْحجرِ أم لَا
قَالَ مَالك: يحل
وَقَالَ أَحْمد: لَا يحل
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين وأصحهما: لَا يحل
وَأَبُو حنيفَة: لَا حجر عِنْده مُطلقًا
وَهل يحل الدّين بِالْمَوْتِ قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: إِنَّه يحل
وَقَالَ أَحْمد وَحده: لَا يحل فِي أظهر روايتيه إِذا وثق الْوَرَثَة
وَلَو أقرّ الْمُفلس بدين بعد الْحجر تعلق الدّين بِذِمَّتِهِ وَلم يُشَارك الْمقر لَهُ الْغُرَمَاء الدّين وَحجر عَلَيْهِ لأجلهم عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: يشاركهم
وَهل تبَاع دَار الْمُفلس الَّتِي لَا غنى لَهُ عَن سكناهَا وخادمه الْمُحْتَاج إِلَيْهِ قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يُبَاع ذَلِك
وَزَاد أَبُو حنيفَة وَقَالَ: لَا يُبَاع عَلَيْهِ شَيْء من الْعقار وَالْعرُوض
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُبَاع ذَلِك كُله
وَإِذا ثَبت إِعْسَاره عِنْد الْحَاكِم فَهَل يحول الْحَاكِم بَينه وَبَين غُرَمَائه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة: يُخرجهُ الْحَاكِم من الْحَبْس وَلَا يحول بَينه وَبَين غُرَمَائه بعد خُرُوجه ويلازمونه(1/132)
وَلَا يمنعونه من التَّصَرُّف وَيَأْخُذُونَ فضل كَسبه بِالْحِصَصِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُخرجهُ الْحَاكِم من الْحَبْس وَلَا يفْتَقر إِخْرَاجه إِلَى إِذن غُرَمَائه ويحول بَينه وَبينهمْ
وَلَا يجوز حَبسه بعد ذَلِك وَلَا ملازمته
بل ينظر إِلَى ميسرَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة تسمع على الْإِعْسَار بعد الْحَبْس
وَاخْتلفُوا هَل تسمع قبله فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تسمع قبله
وَظَاهر مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنَّهَا لَا تسمع إِلَّا بعده
وَإِذا أَقَامَ الْمُفلس الْبَيِّنَة بإعساره
فَهَل يحلف بعد ذَلِك أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يحلف
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يحلف بِطَلَب الْغُرَمَاء
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للحجر: الصغر وَالرّق وَالْجُنُون
وَأَن الْغُلَام إِذا بلغ غير رشيد لم يسلم إِلَيْهِ مَاله
وَاخْتلفُوا فِي حد الْبلُوغ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بُلُوغ الْغُلَام بالاحتلام والإنزال إِذا وطىء
فَإِن لم يُوجد ذَلِك فحتى يتم لَهُ ثَمَان عشرَة سنة وَقيل: تسع عشرَة سنة
وبلوغ الْجَارِيَة بِالْحيضِ والاحتلام وَالْحَبل أَو حَتَّى يتم لَهَا سبع عشرَة سنة
وَأما مَالك: فَلم يحد فِيهِ حدا
وَقَالَ أَصْحَابه: سبع عشرَة سنة أَو ثَمَان عشرَة سنة فِي حَقّهَا
وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: خمس عشرَة سنة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر رِوَايَته: حَده فِي حق خمس عشرَة سنة أَو خُرُوج الْمَنِيّ أَو الْحيض أَو الْحَبل
ونبات الْعَانَة
هَل يَقْتَضِي الحكم بِالْبُلُوغِ بِهِ أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا
وَقَالَ مَالك وَأحمد: نعم
وَالرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه يحكم بِالْبُلُوغِ بِهِ فِي حق الْكَافِر لَا الْمُسلم
فصل: وَإِذا أونس من صَاحب المَال الرشد:
دفع إِلَيْهِ مَاله بالِاتِّفَاقِ
وَاخْتلفُوا فِي الرشد مَا هُوَ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: هُوَ فِي الْغُلَام إصْلَاح مَاله وتأتيه لتمييزه وَعدم تبذيره وَلم يراعوا عَدَالَة وَلَا فسقا
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ إصْلَاح المَال وَالدّين
وَهل بَين الْغُلَام وَالْجَارِيَة فرق قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا فرق بَينهمَا
وَقَالَ مَالك: لَا يفك الْحجر عَنْهَا وَإِن بلغت رَشِيدَة حَتَّى تتَزَوَّج وَيدخل بهَا الزَّوْج
وَتَكون حافظة لمالها كَمَا كَانَت قبل التَّزْوِيج
وَعَن أَحْمد: رِوَايَتَانِ
الْمُخْتَار مِنْهُمَا: لَا فرق بَينهمَا
وَالثَّانيَِة: كَقَوْل مَالك وَزَاد: حَتَّى يحول عَلَيْهَا حول عِنْده أَو تَلد ولدا
وَقَالَ الثَّلَاثَة: إِن الصَّبِي إِذا بلغ وأونس مِنْهُ الرشد: دفع إِلَيْهِ مَاله
فَإِن بلغ غير رشيد لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله وَيسْتَمر مَحْجُورا عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْتهى سنه إِلَى خمس وَعشْرين سنة دفع إِلَيْهِ المَال بِكُل حَال
وَإِذا طَرَأَ عَلَيْهِ السَّفه بعد إيناس رشده: هَل يحْجر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مبذرا وَيجوز للْأَب وَالْوَصِيّ أَن يشتريا لأنفسهما من مَال الْيَتِيم وَأَن يبيعا مَال(1/133)
أَنفسهمَا بِمَال الْيَتِيم إِذا لم يحابيا أَنفسهمَا عِنْد مَالك
انْتهى
المصطلح عَلَيْهِ الْمُتَرَتب على ذَلِك: وَصُورَة وَضعهَا فِي الْكِتَابَة يشْتَمل على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة الْحجر على الْمُفلس بِطَلَب الْغُرَمَاء: هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا فلَان الدّين: أَنه حجر على فلَان حجرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَمنعه من التَّصَرُّف فِي مَاله الْحَاصِل بِيَدِهِ يَوْمئِذٍ والحادث بعده
منعا تَاما بِحكم مَا ثَبت عَلَيْهِ من الدُّيُون الشَّرْعِيَّة الْوَاجِبَة فِي ذمَّته لأربابها الزَّائِدَة على قدر مَاله
ومبلغ مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون الشَّرْعِيَّة: كَذَا وَكَذَا بَيَان ذَلِك مَا هُوَ لفُلَان: كَذَا بِمُقْتَضى مسطور شَرْعِي تَارِيخه كَذَا
وَلفُلَان كَذَا بمسطور تَارِيخه كَذَا ويعد الْغُرَمَاء وَيذكر قدر مَا لكل وَاحِد من الدّين وتاريخ مسطوره ثمَّ يَقُول: وَأثبت كل مِنْهُم مسطوره عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة الْعُدُول الواضعين رسم شَهَادَتهم فِي آخرهَا
واستحلف كلا مِنْهُم على ذَلِك واستحقاقه لجميعه استحقاقا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة: أَن الْمَدْيُون الْمَذْكُور مُعسر عَاجز عَن وَفَاء مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون الْمَذْكُورَة وَأَن موجوده لَا تفي قِيمَته بِمَا عَلَيْهِ من الدّين الْمَذْكُور إِلَّا على حكم المحاصصة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَحكم بفلس الْمَذْكُور وَصِحَّة الْحجر عَلَيْهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ حكما شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ
وَفرض لَهُ فِي مَاله برسم نَفَقَته وَنَفَقَة من تلْزمهُ نَفَقَته وهم زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده لصلبه مِنْهَا فلَان وَفُلَان وفلانة برسم طعامهم وشرابهم وَمَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ من اللوازم الشَّرْعِيَّة فِي كل يَوْم كَذَا فرضا شَرْعِيًّا من تَارِيخه إِلَى حِين الْفَرَاغ من بيع قماشه وَمَا لَهُ من الأثاث وَالْمَتَاع وَقسم مَا يتَحَصَّل بَين الْغُرَمَاء بِنِسْبَة دُيُونهم على الْوَجْه الشَّرْعِيّ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة الْحجر بالسفه والتبذير: أشهد عَلَيْهِ سيدنَا فلَان: أَنه حجر على فلَان حجرا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَمنعه من التَّصَرُّف فِي مَاله الْحَاصِل يَوْمئِذٍ والحادث بعده
منعا شَرْعِيًّا وحجرا مُعْتَبرا مرعيا
بعد أَن ثَبت عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة العادلة المرضية أَن فلَانا الْمَذْكُور سَيْفه مُفسد لمَاله مبذر لَهُ مُسْرِف فِي إِنْفَاقه وَفِي بَيْعه وابتياعه مُسْتَحقّ لضرب الْحجر عَلَيْهِ
وَمنعه من التَّصَرُّف إِلَى أَن يَسْتَقِيم حَاله وَيثبت رشده وَيظْهر صَلَاحه وَأَن الْمصلحَة فِي إِيقَاع الْحجر عَلَيْهِ وَإِبْطَال تَصَرُّفَاته ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم بذلك
وَضرب الْحجر على الْمَذْكُور وَمنعه من التَّصَرُّف
وَحكم بسفهه حكما شَرْعِيًّا
وَنَهَاهُ عَن الْمُعَامَلَات
وأبطل فعله فِي جَمِيع التَّصَرُّفَات إبطالا شَرْعِيًّا وَفرض لَهُ فِي مَاله برسم نَفَقَته وَنَفَقَة من تلْزمهُ نَفَقَته من زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده الصغار وهم فلَان وَفُلَان(1/134)
وَفُلَان وَمَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ شرعا كل يَوْم من تَارِيخه كَذَا
وَأوجب لَهُم ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا بعد أَن ثَبت عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة: أَنه تحصل الْكِفَايَة لَهُ وَلمن مَعَه بذلك
وَأَن لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة على كِفَايَته ثبوتا شَرْعِيًّا
ويكمل
صُورَة الْحجر بالجنون: أشهد على نَفسه سيدنَا فلَان أَنه حجر على فلَان حجرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَمنعه من التَّصَرُّف فِي مَاله الْحَاصِل يَوْمئِذٍ والحادث بعده منعا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْده جُنُون الْمَحْجُور عَلَيْهِ جنونا مطبقا لَا يفِيق مِنْهُ بل ملازم لَهُ فِي جَمِيع الْحَالَات وَأَنه مَعَ كَونه ملازما لَهُ مفرط فِي أَمْوَاله مُسْرِف فِي أعطياته مسلوب الاهتداء إِلَى التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله إِلَّا على وَجه الْإِتْلَاف والإفساد ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَفرض لَهُ فِي مَاله برسم نَفَقَته وَنَفَقَة من تلْزمهُ نَفَقَته فِي كل يَوْم من تَارِيخه كَذَا وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن للمتكلم الَّذِي نَصبه متصرفا فِي أَمْوَاله فِي إِنْفَاق الْقدر الْمَفْرُوض عَلَيْهِ فِي كل يَوْم بِقسْطِهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الْحجر بالخبل والعته: أشهد عَلَيْهِ سيدنَا فلَان الدّين أَنه حجر على فلَان حجرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَمنعه من التَّصَرُّف فِي مَاله الْبَاطِن وَالظَّاهِر والحادث بعده منعا شَرْعِيًّا بعد أَن ثَبت عِنْده ثَبت الله مجده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة: أَنه معتوه مخبول مسلوب لَا يَسْتَقِيم كَلَامه وَلَا يفهم خطابه وَلَا يسْتَمر نظامه وَلَا يرد الْجَواب بِالصَّوَابِ وَلَا يصدر مِنْهُ إِلَّا التَّخْلِيط وَأَنه مُسْتَحقّ لضرب الْحجر عَلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَفرض لَهُ فِي مَاله برسم نَفَقَته وَكسوته وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ شرعا فِي كل يَوْم من تَارِيخه كَذَا وَأذن لمن مَاله تَحت يَده فِي صرف الْقدر الْمَفْرُوض عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَالله أعلم(1/135)
كتاب الصُّلْح
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي جَوَاز الصُّلْح: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} فَأمر الله تَعَالَى بِالصُّلْحِ بَين الْمُؤمنِينَ
وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا} فدلت هَذِه الْآيَات على جَوَاز الصُّلْح
وَأما السّنة: فَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا)
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة أَجمعت على جَوَازه
وَالصُّلْح على أَرْبَعَة أَقسَام: الأول: صلح بِمَعْنى الْهِبَة وَهُوَ أَن يَدعِي الرجل عينا فِي يَد رجل ثمَّ يُصَالح مِنْهَا على بَعْضهَا
فَيكون الْبَاقِي هبة
وَالثَّانِي: صلح بِمَعْنى البيع وَهُوَ أَن يَدعِي شَيْئا أَو عبدا فِي يَد رجل
فيصالح مِنْهَا على دَرَاهِم أَو دَنَانِير
وَالثَّالِث: بِمَعْنى الْإِبْرَاء والحطيطة
وَهُوَ أَن يَدعِي دَرَاهِم أَو دَنَانِير فِي ذمَّة رجل
فيصالح مِنْهَا على بَعْضهَا ويبرىء من الْبَعْض
وَالرَّابِع: الْمُصَالحَة مَعَ الْكفَّار
وَسَيَأْتِي بَيَانهَا فِي بَابهَا(1/136)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اعْلَم أَن من علم أَن عَلَيْهِ حَقًا فَصَالح على بعضه لم يحل
لِأَنَّهُ هضم للحق
أما إِذا لم يعلم وَادّعى عَلَيْهِ فَهَل تصح الْمُصَالحَة قَالَ الثَّلَاثَة: تصح
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح
والمجهول على الْمَجْهُول جَائِز عِنْد الثَّلَاثَة
وَمنعه الشَّافِعِي
وَإِذا وجد حَائِط بَين دارين وَلِصَاحِب إِحْدَى الدَّاريْنِ جُذُوع وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن جَمِيع الْحَائِط لَهُ
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمَالك: أَنه لصَاحب الْجُذُوع الَّتِي عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا كَانَ لأَحَدهمَا جُذُوع عَلَيْهِ لم يتَرَجَّح جَانِبه بذلك بل الْجُذُوع لصَاحِبهَا مقرة على مَا هِيَ عَلَيْهِ
والحائط بَينهمَا مَعَ أيمانهما
وَإِذا تداعيا سقفا بَين بَيت وغرفة فَوْقه فالسقف عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك لصَاحب السّفل
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَإِذا انْهَدم الْعُلُوّ أَو السّفل فَأَرَادَ صَاحب الْعُلُوّ أَن يبنيه لم يجْبر صَاحب السّفل على الْبناء والتسقيف حَتَّى يَبْنِي صَاحب الْعُلُوّ بل إِن اخْتَار صَاحب الْعُلُوّ أَن يَبْنِي السّفل من مَاله وَيمْنَع صَاحب السّفل من الِانْتِفَاع حَتَّى يُعْطِيهِ مَا أنْفق
فَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَنقل عَن الشَّافِعِي كَذَلِك
وَالصَّحِيح من مذْهبه: أَنه لَا يجْبر صَاحب السّفل وَلَا يمْنَع من الِانْتِفَاع إِذا بنى صَاحب الْعُلُوّ بِغَيْر إِذْنه بِنَاء على أَصله
وَفِي قَوْله الْجَدِيد: إِن الشَّرِيك لَا يجْبر على الْعِمَارَة
وَالْقَدِيم الْمُخْتَار عِنْد جمَاعَة من متأخري أَصْحَابه: إِنَّه يجْبر الشَّرِيك دفعا للضَّرَر وصيانة للأملاك الْمُشْتَركَة عَن التعطيل
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ: الِاخْتِيَار أَن القَاضِي يُلَاحظ أَحْوَال المتخاصمين
فَإِن رأى أَن الِامْتِنَاع لغَرَض صَحِيح أَو شكّ فِي ذَلِك لم يجْبرهُ
وَإِن علم أَنه عناد أجْبرهُ
قَالَ: وَالْقَوْلَان يجريان فِي تبقية الْبِئْر والقناة وَالنّهر بَين الشُّرَكَاء
فصل
: وللمالك التَّصَرُّف فِي ملكه تَصرفا لَا يضر بجاره
وَاخْتلفُوا فِي تصرف يضر بالجار
فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَمنعه مَالك وَأحمد
وَذَلِكَ مثل: أَن يَبْنِي حَماما أَو معصرة أَو مرحاضا أَو يحْفر بِئْرا مجاورة لبئر شَرِيكه فينقص مَاؤُهَا بذلك أَو يفتح لحائطه شباكا أَو كوَّة تشرف على دَاره فَلَا يمْنَع من ذَلِك لتصرفه فِي ملكه
وَاتَّفَقُوا على أَن للْمُسلمِ أَن يعلي بناءه فِي ملكه لَكِن لَا يحل لَهُ أَن يطلع على عورات جِيرَانه
فَإِن كَانَ سطحه أَعلَى من سطح غَيره
قَالَ مَالك وَأحمد: لَهُ بِنَاء ستْرَة تَمنعهُ من الإشراف على جَاره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه ذَلِك
وَهَكَذَا اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا كَانَ بَين رجلَيْنِ جِدَار فَسقط
فطالب أَحدهمَا الآخر ببنائه فَامْتنعَ(1/137)
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بَينهمَا دولاب أَو قناة أَو نهر فتعطل أَو بِئْر
قَالَ أَبُو حنيفَة بالإجبار فِي النَّهر والدولاب والقناة والبئر لَا فِي الْجِدَار بل عدم الْإِجْبَار فِي الْجِدَار مُتَّفق عَلَيْهِ
فَيُقَال للْآخر: إِن شِئْت فَابْن وامنعه من الِانْتِفَاع حَتَّى يعطيك قيمَة الْبناء
وَوَافَقَهُ مَالك على الْإِجْبَار فِي الدولاب والقناة وَالنّهر والبئر وَاخْتلف فِي الْجِدَار الْمُشْتَرك
فَعَنْهُ رِوَايَة بالإجبار
وَالْأُخْرَى بِعَدَمِهِ
انْتهى
المصطلح الْمُتَرَتب على وضع الْكِتَابَة: وَصورته على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة الصُّلْح الْحكمِي: هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ فلَان وَهُوَ الْمصَالح بِإِذن سيدنَا فلَان
وَأمره الْكَرِيم على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر الحكم الْعَزِيز لوُجُود الْحَظ والمصلحة لَهُ فِي هَذَا الصُّلْح الْآتِي ذكره على الْوَجْه الشَّرْعِيّ الَّذِي سيشرح فِيهِ المسوغتين للصلح عَلَيْهِ شرعا فلَانا على مَا ادَّعَاهُ فِي ذمَّة وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور وَفِي تركته
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وَأقَام الْبَيِّنَة لَدَى الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ وَثَبت إِقْرَار وَالِده الْمَذْكُور بذلك وجريان حلف الْمُدَّعِي الْمَذْكُور على الِاسْتِحْقَاق وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِجَمِيعِ كَذَا مصالحة شَرْعِيَّة دَعَا الْمصَالح الْمَذْكُور إِلَيْهَا الْمصَالح
وَرَضي بهَا الرضى التَّام
وَدفع الْمصَالح الْمَذْكُور إِلَى الْمصَالح الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الْحكمِي الْمشَار إِلَيْهِ: جَمِيع القماش الْمصَالح بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ من مَال الْيَتِيم الْمَذْكُور إِلَى الْمصَالح الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
بَرِئت بِهِ ذمَّة وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور من جَمِيع الدّين الثَّابِت فِي ذمَّته الْمعِين أَعْلَاهُ
وَمن كل جُزْء مِنْهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح من وَكيل بَيت المَال على ملك فِي يَد رجل ادّعى وَكيل بَيت المَال بِحِصَّة فِيهِ فصدقة صَاحب الْملك وَصَالَحَهُ: هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ سيدنَا فلَان وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِمَدِينَة كَذَا بِمُقْتَضى الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ وَيذكر جَمِيع مَا تقدم ذكره مِمَّا هُوَ مُتَعَلق بوكيل بَيت المَال على نَحوه المشروح فِي كتاب الْبيُوع أَو صَالح عَنهُ نَائِبه بِإِذْنِهِ لَهُ لوُجُود الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور فلَان على جَمِيع الْحصَّة الشائعة
وقدرها كَذَا من جَمِيع الدَّار ويصفها ويحددها بِمَا مبلغه كَذَا مصالحة شَرْعِيَّة
صَارَت بهَا الْحصَّة الْمصَالح عَلَيْهَا ملكا من أَمْلَاك الْمصَالح الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه
وَلَا حق لبيت المَال الْمَعْمُور مَعَ الْمصَالح الْمَذْكُور فِي جَمِيع الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه
وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا فِي حق من حُقُوقهَا
واستقرت يَد الْمصَالح الْمَذْكُور على الدَّار الْمَذْكُورَة جَمِيعهَا استقرارا شَرْعِيًّا
أذن وَكيل بَيت المَال(1/138)
الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ للْمصَالح الْمَذْكُور فِي دفع الْمبلغ الْمصَالح بِهِ إِلَى عُمَّال بَيت المَال الْمَعْمُور الواضعين خطوطهم بِهَامِش كتاب هَذَا الصُّلْح
وهم: فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَدفعهُ إِلَيْهِم فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح بَين اثْنَيْنِ على دَار بِعَبْد أَو غَيره وَهُوَ عبارَة عَن بيع: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ من أَنه يملك وَيسْتَحق جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها أَو حِصَّة مِنْهَا الَّتِي هِيَ بيد الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بعد تنازعهما فِي عين الدَّعْوَى
واعترف الْمصَالح الأول بعد ذَلِك بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي وَصدقه عَلَيْهِ التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ بِجَمِيعِ العَبْد الْفُلَانِيّ ويصفه وَيذكر جنسه واعترافه بِالرّقِّ والعبودية ثمَّ يَقُول: الْجَارِي فِي يَده وَملكه وبجميع القماش ويصفه وَصفا تَاما يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة أَو بِمَا مبلغه كَذَا من عين أَو مَال مصالحة شَرْعِيَّة رَضِيا بهَا واتفقا عَلَيْهَا وتداعيا إِلَيْهَا
دفع الْمصَالح الأول إِلَى الثَّانِي جَمِيع مَا صَالحه بِهِ
وَقَبضه قبضا شَرْعِيًّا
وَأقر الْمصَالح الثَّانِي الْمَذْكُور: أَنه لَا يسْتَحق مَعَ الْمصَالح الأول فِي هَذِه الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا حَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح عَن قماش أَو غَيره بِخِدْمَة عبد أَو سُكْنى دَار وَهَذَا الصُّلْح بِمَعْنى الْإِجَارَة: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ الْمصَالح الثَّانِي فِي ذمَّة الْمصَالح الأول
وَهُوَ اسْتِحْقَاق جَمِيع القماش الَّذِي صفته كَذَا وعدته كَذَا وَقِيمَته كَذَا بِمَا مبلغه كَذَا أَو بِخِدْمَة عَبده الحبشي الْجِنْس الْمُسلم الْبَالِغ الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف للْمصَالح الأول بِالرّقِّ والعبودية ليخدم الْمصَالح الثَّانِي مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه خدمَة مثله لمثله أَو ليسكن جَمِيع الدَّار الْجَارِيَة فِي ملك الْمصَالح الأول الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصفها ويحددها مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه وَينْتَفع بهَا انْتِفَاع مثله بِمِثْلِهَا من غير أُجْرَة مصالحة عَن هَذِه الدَّعْوَى الَّتِي جرت بَينهمَا بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ بعد أَن تنَازعا فِي هَذِه الدَّعْوَى
ثمَّ إِن الْمُدعى عَلَيْهِ اعْترف بِصِحَّتِهَا وَأقر بهَا إِقْرَارا شَرْعِيًّا
وتصادقا على ذَلِك التصادق الشَّرْعِيّ
ورضيا بِهِ واتفقا عَلَيْهِ
وتفرقا من مجْلِس الصُّلْح عَن ترَاض
وَأقر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لَا يسْتَحق على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
وَلَا فِي ذمَّته مِنْهُ حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويسوق أَلْفَاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق الْمُتَقَدّمَة
وَيسْتَعْمل مِنْهَا مَا يَلِيق بالواقعة ثمَّ يَقُول: وَأقر الْمصَالح الأول أَن الْمصَالح الثَّانِي الْمَذْكُور يسْتَحق الْمَبِيع الَّذِي قَبضه واستخدام العَبْد وسكنى الدَّار وَالِانْتِفَاع بذلك طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ استحقاقا شَرْعِيًّا
ويكمل(1/139)
وَصُورَة الصُّلْح على دَار يسكنهَا مُدَّة مُعينَة عَمَّا ادَّعَاهُ الْخصم الْمصَالح من دَار وَغَيرهَا وَهِي بِمَعْنى الْعَارِية: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ الْمصَالح الثَّانِي على الْمصَالح الأول من أَنه مَالك مُسْتَحقّ لجَمِيع الْحصَّة الَّتِي قدرهَا كَذَا من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها وَأَنَّهَا انْتَقَلت إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدته فُلَانَة
وَهِي الَّتِي كَانَت زوجا لوالد الْمصَالح الأول المنتقلة إِلَيْهَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من زَوجهَا الْمَذْكُور وَصدقه الْمصَالح الأول على ذَلِك بسكنى جَمِيع الدَّار الْجَارِيَة فِي ملك الْمصَالح الأول الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها مُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه وَسلم إِلَيْهِ السكن الْمَذْكُور فتسلمه مِنْهُ كتسلم مثله
وَوَجَب لَهُ السكن بِالدَّار الْمَذْكُورَة وَالِانْتِفَاع بهَا بِنَفسِهِ وَأَهله الْمدَّة الْمَذْكُورَة وجوبا شَرْعِيًّا من غير أُجْرَة وَلَا عوض وَلَا مُقَابل وَلَا رُجُوع بِشَيْء من ذَلِك
وَأقر الْمصَالح الثَّانِي: أَنه لَا يسْتَحق على الْمصَالح الأول بِسَبَب الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه حَقًا وَدَعوى وَلَا طلبا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح على الْإِنْكَار: صَالح فلَان فلَانا على جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها الَّتِي ادّعى الْمصَالح الأول على الثَّانِي باستحقاقها من وَجه شَرْعِي
وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور ذَلِك وَطلب من الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِينه على ذَلِك
فَرَأى أَن يصالحه عَن هَذِه الدَّعْوَى بِمَال افتداء ليمينه ودفعا للخصومة وقطعا للمنازعة فاصطلحا عَن الْمُدعى بِهِ مَعَ الْإِنْكَار لصِحَّة الدَّعْوَى واعتقاده بُطْلَانهَا وإصراره على الْإِنْكَار إِلَى حِين هَذَا الصُّلْح وَبعده وَدفع إِلَيْهِ مبلغ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا مصالحة جرت بَينهمَا عَن هَذِه الدَّعْوَى بِإِيجَاب وَقبُول شرعيين على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَأقر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه ملك الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَحقّ من حُقُوقه وَأَنه لَا حق لَهُ مَعَه فِيهَا وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ورضيا بِهِ واتفقا عَلَيْهِ
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ أَو مالكي
وَصُورَة صلح الْأَجْنَبِيّ عَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا جَاءَ وَصدق الْأَجْنَبِيّ
وَقَامَ مقَام الْمُدعى عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْح إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ دينا
وَإِن كَانَ عينا فَصَالح الْأَجْنَبِيّ الْمُدَّعِي وَقَالَ لَهُ: إِن الْمُدعى عَلَيْهِ معترف بذلك فِي الْبَاطِن وَقد وكلني فِي الصُّلْح: صَحَّ الصُّلْح أَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ: إِن الْمُدعى عَلَيْهِ اعْترف عِنْدِي بحقك ووكلني فِي الصُّلْح عَلَيْهِ
صَحَّ الصُّلْح
وَهُوَ صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي صَالح فلَان فلَانا على جَمِيع الدَّار الَّتِي هِيَ بيد فلَان يَوْمئِذٍ
وَادّعى الْمصَالح الثَّانِي أَن الدَّار الْمَذْكُورَة لَهُ وَملكه وَأَنَّهَا بيد الَّذِي صَالح عَنهُ الأول بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي
فَقَالَ الْأَجْنَبِيّ الْمصَالح الأول: نعم وَهُوَ(1/140)
معترف بذلك فِي الْبَاطِن
واعترف عِنْدِي ووكلني فِي مصالحتك على هَذِه الدَّار الْمُدعى بهَا وَهِي الَّتِي بِيَدِهِ بمبلغ جملَته كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور للْأَجْنَبِيّ الْمَذْكُور: صالحتك عَنْهَا بِهَذَا الْمبلغ مصالحة شَرْعِيَّة جرت بَينهمَا بِاللَّفْظِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ
وَدفع الْمصَالح الْأَجْنَبِيّ الْمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى الْمصَالح الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من مَال الْمصَالح عَنهُ دون مَال الْأَجْنَبِيّ
فَقَبضهُ مِنْهُ بِحكم هَذَا الصُّلْح وَمُقْتَضَاهُ شرعا
وَأقر أَنه لم يبْق لَهُ قبل الْمصَالح عَنهُ فِي جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا فِي حق من حُقُوقهَا حق وَلَا اسْتِحْقَاق وَلَا مُطَالبَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه: جرت عَادَة كتاب الوثائق أَن لَا يسموا الرجل الْأَجْنَبِيّ وَإِنَّمَا يَقُول الْكَاتِب: وَإِن رجلا بَالغا عَاقِلا جَائِز التَّصَرُّف عرف ذَلِك معرفَة تَامَّة وَأقر بِوُجُوبِهِ لفُلَان على فلَان
وَصَالَحَهُ عَنهُ من مَاله بِغَيْر أَمر فلَان لَهُ وَلَا إِذْنه فِي ذَلِك
وَمَا يكْتب ذَلِك كَذَلِك إِلَّا إِذا خَافَ الَّذِي فِي يَده الدَّار أَن يقر بهَا للْمُدَّعِي
فَلَا يجِيبه إِلَى الصُّلْح
وَالْكل جَائِز
انْتهى
وَصُورَة الصُّلْح على وضع الْخشب على حَائِط الدَّار: صَالح فلَان فلَانا على أَن يضع الأول مِنْهُمَا على حَائِط الثَّانِي وَهُوَ الْحَائِط الَّذِي بَين داريهما من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة الْجَارِي فِي ملك الْمصَالح الثَّانِي واختصاصه
وَهَاتَانِ الداران بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصف كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ويحددها ثمَّ يَقُول: من الأخشاب الْجَوْز أَو غَيره الحزم أَو الأرباع
أَو الأنصاف أَو من اثْنَيْنِ حمل أَو من سِتَّة حمل أَو من ثَمَانِيَة حمل
كل عود مِنْهَا طوله كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع النجاري عشْرين جذعا مَادَّة قبْلَة وَشمَالًا أَو شرقا وغربا بعوض مبلغه كَذَا
دفع الْمصَالح الثَّانِي إِلَى الْمصَالح الأول جَمِيع الْعِوَض الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَوَجَب للْأولِ مِنْهُمَا فلَان وضع هَذِه الْجُذُوع على الْحَائِط الْمَذْكُور واستمرارها عَلَيْهِ
وانتفاع الْمصَالح الْمَذْكُور بِهِ وورثته
وَمن انْتقل إِلَيْهِ ذَلِك بطرِيق شَرْعِي وجوبا شَرْعِيًّا
وَجرى ذَلِك بَينهمَا على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ وتصادقا على ذَلِك ورضياه
واتفقا عَلَيْهِ
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح على إِخْرَاج جنَاح
أَو روشن إِلَى أَرض الْجَار: صَالح فلَان فلَانا على أَن الأول مِنْهُمَا يخرج روشنا أَو جنَاحا من دَاره الْفُلَانِيَّة ويحددها على ملك الْمصَالح الثَّانِي الْمُجَاورَة لدار الأول من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة أَو الْمُقَابلَة لَهَا ويبرز بِهِ على أَرض جَاره بأخشاب من جوز أَو توت أَو غَيرهَا عدتهَا كَذَا وَكَذَا عودا
وَطول بروز الْجنَاح الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع الْمَذْكُور وَطول الْجنَاح على الْحَائِط كَذَا وَكَذَا(1/141)
ذِرَاعا بعوض مبلغه كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح على فتح الْبَاب فِي الدَّرْب: صَالح فلَان فلَانا وَفُلَانًا وهم أهل الدَّرْب الْفُلَانِيّ الْكَائِن بالموضع الْفُلَانِيّ على أَن الْمصَالح الأول يفتح بَابا للدرب الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْمُتَّصِلَة بالدرب الْمَذْكُور من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة ويحددها حسب سُؤَاله لَهُم على ذَلِك وعَلى أَن يقوم لَهُم بِمَا مبلغه كَذَا
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وصالحوه عَلَيْهِ بالمبلغ الْمَذْكُور بِالسَّوِيَّةِ بَينهم وَدفع إِلَيْهِم الْمبلغ الْمصَالح عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك الْمعِين أَعْلَاهُ
فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وأذنوا لَهُ فِي فتح الْبَاب الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُم قبولا شَرْعِيًّا
وَرَضوا بذلك وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ
وَبَقِي لفُلَان الْمصَالح الْمَذْكُور حق الاستطراق بالدرب الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْمَذْكُورَة بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور
وَلم يبْق لكل من أهل الدَّرْب مَنعه من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ
وَمَتى ادّعى أحد مِنْهُم بِدَعْوَى تخَالف ذَلِك بِنَفسِهِ أَو بوكيله
كَانَت دَعْوَاهُ وَدَعوى من يَدعِي عَنهُ بَاطِلَة لَا صِحَة لَهَا وَلَا حَقِيقَة لأصلها وتصادقوا على ذَلِك كُله التصادق الشَّرْعِيّ
وَأشْهدُوا عَلَيْهِم بذلك فِي حَالَة الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار
وينشأ على أصُول مسَائِل الْبَاب فروع: الأول: إِذا قَالَ أحد الْوَرَثَة لصَاحبه: تركت حَقي من التَّرِكَة لَك
فَقَالَ: قلت: لم يَصح
وَيبقى حَقه كَمَا كَانَ
الثَّانِي: إِذا بَاعَ ناصب الْمِيزَاب أَو باني الْجِدَار المائل: الدَّار
لم يبرأ من الضَّمَان حَتَّى لَو سقط على إِنْسَان فَهَلَك بِهِ
يجب الضَّمَان على عَاقِلَة البَائِع
الثَّالِث: لَو أَرَادَ الْجَار أَن يَبْنِي جِدَاره الْخَالِص أَو الْمُشْتَرك مائلا إِلَى ملك الْجَار
فَلهُ الْمَنْع
وَإِن مَال فَلهُ الْمُطَالبَة بِالنَّقْضِ فَلَو تولد مِنْهُ هَلَاك وَجب الضَّمَان كَمَا لَو بناه مائلا إِلَى الشَّارِع
وَلَو استهدم الْجِدَار وَلم يمل
قَالَ الأصطخري: لَا يُطَالب بنقضه
فعلى الأول: لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا يتَوَلَّد مِنْهُ
وعَلى الثَّانِي: هُوَ كَمَا لَو مَال فَلم ينْقضه
وَمُقْتَضَاهُ لَا ضَمَان فِي الْأَصَح
الرَّابِع: لَو رش المَاء فِي الطَّرِيق فزلق بِهِ إِنْسَان أَو بَهِيمَة
فَإِن رش لمصْلحَة عَامَّة كدفع الْغُبَار عَن الْمَارَّة فكحفر الْبِئْر للْمصْلحَة الْعَامَّة
وَإِن كَانَ لمصْلحَة نَفسه وَجب الضَّمَان
الْخَامِس: لَو بنى على بَاب دَاره دكة
فَتلف بهَا إِنْسَان أَو دَابَّة
وَجب الضَّمَان
وَكَذَا الطّواف إِذا وضع مَتَاعه فِي الطَّرِيق: فَتلف بِهِ شَيْء ضمنه بِخِلَاف مَا لَو وضع على طرف حانوته(1/142)
السَّادِس: لَو بَالَتْ دَابَّة أَو راثت فزلق بِهِ إِنْسَان أَو دَابَّة أَو تطاير مِنْهُ شَيْء إِلَى طَعَام إِنْسَان فنجسه
فَإِن كَانَت الدَّابَّة فِي ملكه فَلَا ضَمَان
وَإِن كَانَت فِي الطَّرِيق أَو ربطها فِي الطَّرِيق ضمن على الْأَصَح
وَلَو أسْند خَشَبَة إِلَى جِدَار فَسقط الْجِدَار على شَيْء فأتلفه
فَإِن كَانَ الْجِدَار لغير الْمسند وَلم يَأْذَن لَهُ فَعَلَيهِ ضَمَان الْجِدَار
وَمَا سقط عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْجِدَار للمسند وَلغيره
وَقد أذن لَهُ فِي الْإِسْنَاد لم يجب ضَمَان الْجِدَار
وَفِي ضَمَان مَا يسْقط عَلَيْهِ وَجْهَان
تَنْبِيه: اعْلَم أَن الضَّمَان حَيْثُ أطلق فِي هَذِه الصُّورَة وَمَا أشبههَا أَو قيل: إِنَّه على الْحَافِر أَو على وَاضع الْحجر أَو الْقَاعِد أَو ناصب الْمِيزَاب أَو الْجنَاح وملقى القمامة وقشر الْبِطِّيخ: فَالْمُرَاد تعلق الضَّمَان بهم
وَمَعْنَاهُ: يجب على عاقلتهم
انْتهى
تذييل: وَيجوز للْإنْسَان أَن يشرع روشنا فِي الطَّرِيق النَّافِذ إِذا لم تتضرر الْمَارَّة بِهِ
وَلَا يجوز فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك إِلَّا بِإِذن الشُّرَكَاء
وَيجوز تَقْدِيم الْبَاب فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك وَلَا يجوز تَأْخِيره إِلَّا عَن إِذن
وَإِن أَرَادَ أَن يضع الْجذع على حَائِط جَاره أَو حَائِط مُشْتَرك بِغَيْر إِذن
لم يجز فِي الْأَصَح
وَإِن صَالحه على ذَلِك بِشَيْء جَازَ
وَإِن كَانَ مَعْلُوما
وَإِن كَانَ بَينهمَا حَائِط وَاقع أَو لأَحَدهمَا الْعُلُوّ وَالْآخر السّفل فَوَقع السّقف فَدَعَا أَحدهمَا صَاحبه إِلَى الْبناء وَامْتنع الآخر
فَفِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا: أَنه لَا يجْبر عَلَيْهِ وَالله أعلم(1/143)
كتاب الْحِوَالَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الْحِوَالَة: نقل حق من ذمَّة إِلَى ذمَّة
وَهِي مُشْتَقَّة من قَوْلهم: حولت الشَّيْء من مَوضِع إِلَى مَوضِع إِذا نقلته إِلَيْهِ وَالْأَصْل فِي جَوَازهَا: مَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أُحِيل أحدكُم على مَلِيء فَليَحْتَلْ) وَرُوِيَ: (وَإِذا أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ) وَالْمرَاد بِهِ الْحِوَالَة
وَتَصِح بِوُجُود خمس شَرَائِط: الْمُحِيل والمحتال
والمحال عَلَيْهِ
وَأَن يكون المَال فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ على أصح الْقَوْلَيْنِ
وَالْخَامِس: أَن لَا يعْتَبر رضى الْمحَال عَلَيْهِ
وَهل يفْتَقر إِلَى علمه فِيهِ وَجْهَان
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَنه إِذا كَانَ لإِنْسَان على آخر حق فأحاله على من لَهُ عَلَيْهِ حق
لم يجب على الْمُحْتَال قبُول الْحِوَالَة
وَقَالَ دَاوُد: يلْزمه الْقبُول وَلَيْسَ للمحال عَلَيْهِ أَن يمْتَنع من قبُول الْحِوَالَة عَلَيْهِ وَلَا يعْتَبر رِضَاهُ عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك: إِن(1/144)
كَانَ الْمُحْتَال عدوا للمحتال عَلَيْهِ يلْزمه قبُولهَا
وَقَالَ الأصطخري من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة: لَا يلْزم الْمحَال عَلَيْهِ الْقبُول مُطلقًا عدوا كَانَ الْمُحْتَال أم لَا
وَعَن دَاوُد: إِذا قبل صَاحب الْحق الْحِوَالَة على مَلِيء فقد برىء الْمُحِيل على كل وَجه
وَبِه قَالَ الْفُقَهَاء أجمع إِلَّا زفر
فَقَالَ: لَا يبرأ
وَاخْتلفُوا فِي رُجُوع الْمُحْتَال على الْمُحِيل إِذا لم يصل إِلَى حَقه من جِهَة الْمحَال عَلَيْهِ فمذهب مَالك أَنه إِن غره الْمُحِيل بفلس يُعلمهُ من الْمحَال عَلَيْهِ أَو عدم
فَإِن الْمحَال يرجع على الْمُحِيل وَلَا يرجع فِي غير ذَلِك
وَمذهب الشَّافِعِي وَأحمد: أَنه لَا يرجع بِوَجْه من الْوُجُوه سَوَاء غره بفلس أَو تجدّد الْفلس أَو أنكر الْمحَال عَلَيْهِ أَو جحد لتَقْصِيره بِعَدَمِ الْبَحْث والتفتيش
وَصَارَ كَأَنَّهُ قبض الْعِوَض
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّه يرجع عِنْد الْإِنْكَار
انْتهى
المصطلح: وَصُورَة تشْتَمل على أَنْوَاع: فصورة الْحِوَالَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا: أحَال فلَان فلَانا على فلَان بمبلغ كَذَا بنظير مَا للمحتال الْمَذْكُور فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ من الدّين الْمُوَافق لذَلِك فِي الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة والحلول والتأجيل أَو التقسيط حِوَالَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
رَضِي بهَا الْمُحْتَال والمحيل والمحال عَلَيْهِ
وقبلوها جَمِيعًا قبولا شَرْعِيًّا بَرِئت بذلك ذمَّة الْمُحِيل من دين الْمُحْتَال بَرَاءَة شَرْعِيَّة
فَإِن كَانَت الْحِوَالَة من غير رضَا الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا حُضُوره كتب رضَا الْمُحْتَال بهَا
وَقبلهَا قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الْحِوَالَة بِغَيْر رضى الْمُحْتَال وَلَا الْمحَال عَلَيْهِ فِي رِوَايَة عَن أَحْمد: أحَال فلَان فلَانا على فلَان بمبلغ كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي يسْتَحقّهُ الْمُحِيل فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ
وَهُوَ نَظِير مَا للمحتال الْمَذْكُور فِي ذمَّة الْمُحِيل حِوَالَة جَائِزَة عِنْد من يرى صِحَّتهَا من أَئِمَّة الْمُسلمين
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حنبلي يُثبتهُ فِي وَجه الْمُحْتَال والمحال عَلَيْهِ مَعَ عدم رضاهما
وَيحكم بذلك مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَهَذِه تشبه أَن تكون مقاصصة(1/145)
كتاب الضَّمَان وَالْكَفَالَة
وَمَا يتَعَلَّق بهما من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي وجوب الضَّمَان: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {قَالُوا نفقد صواع الْملك وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} قَالَ ابْن عَبَّاس: (الزعيم الْكَفِيل)
وَأما السّنة: فروى أَبُو أُمَامَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب يَوْم فتح مَكَّة
فَقَالَ: (إِن الله تَعَالَى قد أعْطى كل ذِي حق حَقه
فَلَا وَصِيَّة لوَارث
وَلَا تنْفق امْرَأَة شَيْئا من بَيتهَا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا
وَالْعَارِية مُؤَدَّاة
والمنحة مَرْدُودَة
وَالدّين مقضي
والزعيم غَارِم والزعيم الضمين)
وروى قبيصَة بن الْمخَارِق: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لثَلَاثَة
فَذكر رجلا تحمل بحمالة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُؤَدِّيهَا ثمَّ يمسك)
فأباح لَهُ الصَّدَقَة حَتَّى يُؤَدِّي ثمَّ يمسك فَدلَّ على أَن الْحمالَة قد لَزِمته
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن أحدا من الْعلمَاء لم يُخَالف فِي صِحَة الضَّمَان وَإِن اخْتلفُوا فِي فروع مِنْهُ
وَيُقَال فِيهِ: زعيم وضمين وحميل وكفيل وقبيل
وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد
وَالضَّمان على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: ضَمَان النَّفس
وَالثَّانِي: ضَمَان المَال
فَأَما ضَمَان النَّفس: فعلى ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا: فِي الْحُدُود
وَذَلِكَ بَاطِل
وَالثَّانِي: فِي غير الْحُدُود
فعلى قَوْلَيْنِ: يجوز
وَلَا يجوز
وَأما ضَمَان المَال: فَإِنَّهُ يجوز بِثَلَاثَة شَرَائِط: أَن يعلم لمن هُوَ وَكم هُوَ وعَلى من هُوَ وَأما ضَمَان الْمَجْهُول وَمَا لم يجب: فعلى قَوْلَيْنِ(1/146)
أصَحهمَا: أَنه لَا يجوز
وَأما الْأَعْيَان: فَغير جَائِز
وَضَمان دَرك الْمَبِيع يلْزم البَائِع وَإِن لم يَشْتَرِطه المُشْتَرِي
فَأَما إِذا ضمنه غَيره: فعلى قَوْلَيْنِ
وَأما ضَمَان تَسْلِيم الْمَبِيع: فَفِيهِ وَجْهَان
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب: اتّفق الْأَئِمَّة على جَوَاز الضَّمَان
وَأَنه لَا ينْتَقل الْحق عَن الْمَضْمُون عَنهُ الْحَيّ بِنَفس الضَّمَان بل الدّين بَاقٍ فِي ذمَّته لَا يسْقط عَن ذمَّته إِلَّا بِالْأَدَاءِ
وَهل تَبرأ ذمَّة الْمَيِّت الْمَضْمُون عَنهُ بِنَفس الضَّمَان فَعِنْدَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة: لَا كالحي
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَضَمان الْمَجْهُول: جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
ومثاله: أَنا ضَامِن لَك مَا على زيد وَهُوَ لَا يعرف قدره
وَكَذَلِكَ يجوز عِنْدهم ضَمَان مَا لم يجب
مِثَاله: داين زيدا فَمَا حصل لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَليّ أَو فَأَنا ضَامِن لَهُ
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَن ذَلِك لَا يجوز وَلَا الْإِبْرَاء من الْمَجْهُول
وَإِذا مَاتَ إِنْسَان وَعَلِيهِ دين وَلم يخلف وَفَاء فَهَل يَصح ضَمَان الدّين عَنهُ أم لَا فمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد: أَنه يجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا لم يخلف وَفَاء لم يجز الضَّمَان عَلَيْهِ
وَيصِح الضَّمَان من غير قبُول الطَّالِب عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَن يَقُول الْمَرِيض لبَعض ورثته: اضمن عني ديني فَيضمنهُ والغرماء غيب
فَيجوز وَإِن لم يسم الدّين
فَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة لم يلْزم الْكَفِيل شَيْئا
فصل: وكفالة الْبدن صَحِيحَة عَن كل من وَجب عَلَيْهِ الْحُضُور إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بالِاتِّفَاقِ
لإطباق النَّاس عَلَيْهَا ومسيس الْحَاجة إِلَيْهَا
وَتَصِح كَفَالَة الْبدن عَمَّن ادّعى عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد أبي حنيفَة
وَتَصِح ببدن ميت ليحضره لأَدَاء الشَّهَادَة وَيخرج الْكَفِيل عَن الْعهْدَة بِتَسْلِيمِهِ فِي الْمَكَان الَّذِي شَرطه أَرَادَهُ الْمُسْتَحق أَو أَبَاهُ بالِاتِّفَاقِ إِلَّا أَن يكون دونه يَد عَادِية مَانِعَة
فَلَا يكون تَسْلِيمًا
فَلَو مَاتَ الْكَفِيل بطلت الْكفَالَة إِلَّا عِنْد مَالك
وَإِن تغيب الْمَكْفُول أَو هرب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ عَلَيْهِ غير إِحْضَاره
وَلَا يلْزمه المَال
وَإِذا تعذر عَلَيْهِ إِحْضَاره لغيبة أمْهل عِنْد أبي حنيفَة مُدَّة الْمسير وَالرُّجُوع بكفيل إِلَى أَن يَأْتِي بِهِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ حبس حَتَّى يَأْتِي بِهِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد: إِن لم يحضرهُ وَإِلَّا غرم
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يغرم المَال مُطلقًا
وَلَو لم يعلم مَكَانَهُ لم يُطَالب بالِاتِّفَاقِ
وَلَو قَالَ: إِن لم أحضر بِهِ غَدا فَأَنا ضَامِن لما عَلَيْهِ فَلم يحضر أَو مَاتَ الْمَطْلُوب ضمن مَا عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك(1/147)
وَلَو ادّعى رجل على آخر بِمِائَة دِرْهَم
فَقَالَ رجل: إِن لم يواف بهَا غَدا فعلي الْمِائَة فَلم يواف
لزمَه الْمِائَة إِلَّا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن
وَضَمان الدَّرك فِي البيع: جَائِز صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَهُوَ الرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي بعد قبض الثّمن لإطباق جَمِيع النَّاس عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأَعْصَار
وَله قَول: إِنَّه لَا يَصح ضَمَان مَا لم يجب
انْتهى
المصطلح: وتشتمل صُورَة على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة ضَمَان مُتَّفق عَلَيْهِ
وَقد سبق ذكرهَا فِي الْإِقْرَار
صُورَة الضَّمَان عَن ذمَّة الْمَيِّت
وَقد صَححهُ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة إِذا خلف وَفَاء
وَمنعه أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ الْمَيِّت مُفلسًا
وَصَححهُ الْبَاقُونَ وَإِن كَانَ مُفلسًا: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ شُهُوده أَنه ضمن وكفل عَن ذمَّة فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه لفُلَان مَا مبلغه كَذَا حَالا أَو مقسطا أَو إِلَى أجل ضمانا شَرْعِيًّا فِي ذمَّته وَمَاله
أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وبمعرفة معنى هَذَا الضَّمَان وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا
وَهَذِه الصُّورَة تكون عَارِية عَن الْإِذْن لتعذره بِمَوْت الْمَضْمُون عَنهُ
وَإِن حضر الْمَضْمُون لَهُ كتب قبُوله لذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَصُورَة الضَّمَان عَن ذمَّة شخص لآخر بِغَيْر طلب الْمَضْمُون لَهُ وَلَا إِذن الْمَضْمُون عَنهُ: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ شُهُوده: أَنه ضمن وكفل مبلغ الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ إِن كَانَت الْكِتَابَة فِي مسطور الدّين على حكمه الْمعِين فِيهِ بِغَيْر إِذْنه لَهُ فِي الضَّمَان
وَإِن كَانَت الْكِتَابَة مقتضبة فَيَقُول: إِنَّه ضمن وكفل لفُلَان مبلغ كَذَا وَكَذَا
وَهُوَ الَّذِي فِي ذمَّته بِمُقْتَضى المسطور المؤرخ بِكَذَا بِغَيْر إدن لَهُ فِي الضَّمَان ضمانا شَرْعِيًّا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وَذَلِكَ على حكم الْحُلُول أَو التقسيط أَو التَّأْجِيل فِي الْعسر واليسر وَالْمَوْت والحياة والغيبة والحضور
ويكمل
وَهَذِه الْكفَالَة صَحِيحَة لَازِمَة عِنْد مَالك وَفِي رِوَايَة عَن أَحْمد
صُورَة كَفَالَة الْأَعْيَان وَهِي مُتَّفق عَلَيْهَا إِلَّا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيّ: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ شُهُوده: أَنه ضمن وكفل عَن فلَان مَا غصبه من فلَان وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَو ضمن وكفل مَا أودعهُ فلَان عِنْد فلَان من الْوَدِيعَة
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَو ضمن وكفل مَا أَعَارَهُ لفُلَان
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا ضمانا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ إِن الْمُودع أَو الْمُسْتَعِير إِذا خَان فِي الْوَدِيعَة أَو فرط فِي حفظهَا يلْزم الْكَفِيل مَا يلْزمهُمَا أَو أَحدهمَا(1/148)
بِمُقْتَضى مَا يلْزم الْمُودع بتفريطه أَو الْمُسْتَعِير
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
واعتراف بِمَعْرِِفَة معنى كَفَالَة الْأَعْيَان ومقتضاها وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا شرعا
ويكمل
وَصُورَة كَفَالَة الْوَجْه وَالْبدن تقدّمت فِي الْإِقْرَار
وَفِيه صُورَة ثَانِيَة: حضر إِلَى شُهُوده فلَان وكفل لفُلَان وَجه فلَان على أَنه مَتى طَالبه بإحضاره إِلَيْهِ فِي ليل أَو نَهَار أحضرهُ وَسلمهُ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يقدر على الانتصاف مِنْهُ ويتمكن من مُطَالبَته بِالْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهِ
وَإِن لم يقدر على تَسْلِيمه إِلَيْهِ فَعَلَيهِ لفُلَان الْمَكْفُول لَهُ جَمِيع مَا يثبت لَهُ على فلَان من الْحق الشَّرْعِيّ من دِرْهَم إِلَى ألف دِرْهَم وَأكْثر وَأَقل مِنْهُ بَالغا مَا بلغ كَفَالَة شَرْعِيَّة أُذُنه لَهُ فِي ذَلِك
وَقبل الْمَكْفُول لَهُ من الْكَفِيل هَذِه الْكفَالَة بمخاطبته إِيَّاه على ذَلِك
وَإِن اخْتَار أَن يكْتب: أَنه إِذا عجز عَن إِحْضَاره كَانَ عَلَيْهِ الْقيام بِالدّينِ كتب: وَإِن عجز عَن إِحْضَاره كَانَ عَلَيْهِ الْقيام بِمَا عَلَيْهِ من الدّين الشَّرْعِيّ للمكفول لَهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا يُؤَدِّيه من مَاله وصلب حَاله
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وتصادقا على أَن حَاكما من حكام الْمُسلمين جَائِز الْقَضَاء نَافِذ الْأَحْكَام حكم على الْكَفِيل بِصِحَّة الْكفَالَة ولزومها وَوُجُوب المَال عَلَيْهِ عِنْد الْعَجز عَن إِحْضَار الْمَكْفُول حكما شَرْعِيًّا لَازِما
ويكمل
وَالله أعلم(1/149)
كتاب الشّركَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي جَوَاز الشّركَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} فَجعل الْخمس مُشْتَركا بَين أهل الْخمس
وَجعل أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة مُشْتَركا بَين الْغَانِمين
وَقَوله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَجعل الْمِيرَاث مُشْتَركا بَين الْأَوْلَاد
وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل}
فَجعل الصَّدَقَة مُشْتَركَة بَين هَذِه الْأَصْنَاف الثَّمَانِية
وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي بَعضهم على بعض} والخلطاء: هم الشُّرَكَاء
وَأما السّنة: فَمَا روى جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من كَانَ لَهُ شريك فِي ربع أَو حَائِط فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يُؤذن شَرِيكه) وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يَد الله مَعَ الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يتخاونا)
وَفِي رِوَايَة (يَقُول الله: أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه
فَإِذا خَان أَحدهمَا صَاحبه خرجت من بَينهمَا) يَعْنِي الْبركَة
وروى السَّائِب قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرِيكي
فَلَمَّا كَانَ بعد المبعث أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله كنت شَرِيكي
فَكنت خير شريك
لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي) يَعْنِي لَا تخَالف وَلَا(1/150)
تنَازع من قَوْله تَعَالَى: {فادارأتم فِيهَا} يَعْنِي: اختلفتم وتنازعتم
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن أحدا من الْعلمَاء لم يُخَالف فِي جَوَازهَا
وَالشَّرِكَة: تَنْقَسِم على سِتَّة أَقسَام: شركَة فِي الْأَعْيَان وَالْمَنَافِع وَشركَة فِي الْأَعْيَان دون الْمَنَافِع وَشركَة فِي الْمَنَافِع دون الْأَعْيَان وَشركَة فِي الْمَنَافِع الْمُبَاحَة وَشركَة فِي حق الْأَبدَان وَشركَة فِي حُقُوق الْأَمْوَال
فَأَما الأول: فَهُوَ أَن يكون بَين الرجلَيْن أَو بَين الْجَمَاعَة أَرض أَو عبيد أَو بهائم ملكوها بِالْبيعِ أَو بِالْإِرْثِ أَو بِالْهبةِ مشَاعا
وَأما الثَّانِي: فَمثل أَن يُوصي رجل لرجل بِمَنْفَعَة عَبده أَو دَاره
فَيَمُوت وَيحلف جمَاعَة ورثته
فَإِن رَقَبَة العَبْد وَالدَّار تكون موروثة للْوَرَثَة دون الْمَنْفَعَة
وَأما الثَّالِث: فَمثل أَن يُوصي بِمَنْفَعَة عَبده لجَماعَة أَو يسْتَأْجر جمَاعَة عبدا فينتفعون بِهِ على وَجه الِاشْتِرَاك فِي الْمَنْفَعَة
تَنْبِيه: الْوَاقِف على الْجَمَاعَة إِن قُلْنَا: إِن ملك الرَّقَبَة ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى كَانَت الشّركَة بَين الْمَوْقُوف عَلَيْهِم فِي الْمَنَافِع دون الْأَعْيَان
وَإِن قُلْنَا: ينْتَقل الْملك إِلَيْهِم كَانَت الشّركَة بَينهم فِي الْمَنَافِع والأعيان
انْتهى
وَأما الرَّابِع: فَمثل أَن يَمُوت رجل وَله وَرَثَة جمَاعَة ويخلف كلب صيد أَو زرع أَو مَاشِيَة
فَإِن الْمَنْفَعَة مُشْتَركَة بَينهم
وَأما الْخَامِس: فَهُوَ أَن يَرث جمَاعَة قصاصا أَو حد قذف
وَأما السَّادِس: فَهُوَ أَن يَرث جمَاعَة الشُّفْعَة أَو الرَّد بِالْعَيْبِ أَو خِيَار الشَّرْط أَو حُقُوق الرَّهْن ومرافق الطَّرِيق
تَنْبِيه: يكره للْمُسلمِ أَن يُشَارك الْكَافِر سَوَاء كَانَ الْمُسلم هُوَ الْمُتَصَرف أَو الْكَافِر أَو هما
وَقَالَ الْحسن: إِن كَانَ الْمُسلم هُوَ الْمُتَصَرف لم يكره
وَإِن كَانَ الْكَافِر هُوَ الْمُتَصَرف أَو هما كره
انْتهى
وعمدة الشّركَة: ذكر الشَّرِيكَيْنِ بأسمائهما وأنسابهما
وَذكر صِحَة الْعقل وَالْبدن وَجَوَاز الْأَمر وَذكر مبلغ المَال الَّذِي اشْتَركَا فِيهِ
وَمَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا مِنْهُ ونقده
وَذكر اخْتِلَاط الْمَالَيْنِ حَتَّى لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر
وَذكر اشتراكهما فِي الْعَمَل على مَا يَصح وَيجوز
وَالْإِذْن من كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي ذَلِك
وَيكون ذَلِك فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهَا
وَذكر التَّارِيخ يَوْم اشتراكهما(1/151)
- وَالشَّرِكَة أَنْوَاع: مِنْهَا: شركَة الْأَبدَان
وَهِي شركَة الحمالين والدلالين ليَكُون كسبهما بَينهمَا مُتَسَاوِيا مَعَ اتِّفَاق الصَّنْعَة أَو اختلافها
وَمِنْهَا: شركَة الْمُفَاوضَة وَهِي أَن يشْتَرك اثْنَان ليَكُون بَينهمَا مَا يكسبان ويربحان ويلتزمان من غرم وينالان من غنم
وَمِنْهَا: شركَة الْوُجُوه وَهِي أَن يشْتَرك الوجيهان ليبتاع كل وَاحِد مِنْهُمَا بِثمن مُؤَجل
على أَن يكون مَا ابتاعاه بَينهمَا
فَإِذا باعاه بَينهمَا ووفيا الْأَثْمَان كَانَ الْفَاضِل بَينهمَا
وَمِنْهَا: شركَة الْعَنَان وَلَا بُد فِيهَا من لفظ يدل على إِذن فِي التَّصَرُّف
وَيشْتَرط فِي الشَّرِيكَيْنِ أَهْلِيَّة التَّوْكِيل والتوكل
وَعقد الشّركَة: هُوَ تسليط كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ على التَّصَرُّف على سَبِيل الْغِبْطَة والمصلحة
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اعْلَم أَن شركَة الْعَنَان جَائِزَة بالِاتِّفَاقِ
وَشركَة الْمُفَاوضَة جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يُخَالف مَالِكًا فِي صورتهَا
فَيَقُول: الْمُفَاوضَة أَن يشْتَرك الرّجلَانِ فِي جَمِيع مَا يملكانه من ذهب وورق وَلَا يبْقى لوَاحِد مِنْهُمَا شَيْء من هذَيْن الجنسين إِلَّا مثل مَا لصَاحبه
فَإِذا زَاد مَال أَحدهمَا على مَال الآخر لم يَصح حَتَّى لَو ورث أَحدهمَا مَالا بطلت الشّركَة
لِأَن مَاله زَاد على مَال صَاحبه
وكل مَا ربحه أَحدهمَا كَانَ شركَة بَينهمَا وكل مَا ضمن أَحدهمَا من غصب وَغَيره
ضمنه الآخر
وَمَالك يَقُول: يجوز أَن يزِيد مَاله على مَال صَاحبه
وَيكون الرِّبْح على قدر الْمَالَيْنِ
وَمَا ضمنه أَحدهمَا مِمَّا هُوَ للتِّجَارَة فبينهما
وَأما الْغَصْب وَنَحْوه فَلَا
وَلَا فرق عِنْد مَالك بَين أَن يكون رَأس مَالهمَا عرُوضا أَو دَرَاهِم
وَلَا بَين أَن يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي كل مَا يملكانه ويجعلانه للتِّجَارَة أَو بعض مَالهمَا
وَسَوَاء عِنْده اخْتَلَط مَالهمَا حَتَّى لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر أَو كَانَ متميزا بعد أَن يجمعاه وَتصير أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ فِي الشّركَة
وَأَبُو حنيفَة قَالَ: تصح الشّركَة وَإِن كَانَ مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي يَده وَإِن لم يجمعاه
وَمذهب الشَّافِعِي وَأحمد: أَن هَذِه الشّركَة بَاطِلَة
فصل: وَشركَة الْوُجُوه جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَصورتهَا: أَن لَا يكون لَهما رَأس مَال
وَيَقُول أَحدهمَا للْآخر: اشتركنا على أَن مَا اشْترى كل وَاحِد منا فِي الذِّمَّة كَانَ شركَة
وَالرِّبْح بَيْننَا
وَمذهب الشَّافِعِي وَمَالك: أَنَّهَا بَاطِلَة
وَلَا يَصح عِنْد الشَّافِعِي إِلَّا شركَة الْعَنَان بِشَرْط أَن يكون رَأس مَالهمَا نوعا وَاحِدًا ويخلط حَتَّى لَا يتَمَيَّز عين أَحدهمَا من عين الآخر وَلَا يعرف
وَلَا يشْتَرط تَسَاوِي قدر الْمَالَيْنِ(1/152)
وَإِذا كَانَ رَأس مَالهمَا مُتَسَاوِيا وَاشْترط أَحدهمَا أَن يكون لَهُ من الرِّبْح أَكثر مِمَّا لصَاحبه
فالشركة فَاسِدَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح ذل وَإِذا كَانَ الْمُشْتَرط لذَلِك أحذق فِي التِّجَارَة وَأكْثر عملا
انْتهى
وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا فسخ الشّركَة مَتى شَاءَ وتنفسخ بِمَوْت أَحدهمَا أَو جُنُونه أَو إغمائه
وَيكون الرِّبْح والخسران على قدر الْمَالَيْنِ تَسَاويا فِي الْعَمَل أَو تَفَاوتا وَيَد كل وَاحِد مِنْهُمَا يَد أَمَانَة
فَيقبل قَوْله فِي دَعْوَى الرَّد والتلف والخسران
فَإِذا ادّعى التّلف بِسَبَب ظَاهر طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ على ذَلِك السَّبَب ثمَّ يقبل قَوْله فِي الْهَلَاك بِهِ
وَلَو قَالَ من فِي يَده المَال: هَذَا المَال لي
وَقَالَ الآخر: بل من مَال الشّركَة
فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد
وَلَو قَالَ: انقسمنا وَصَارَ هَذَا المَال لي
وَأنكر الآخر فَالْقَوْل قَول الْمُنكر
المصطلح: وصوره تشْتَمل على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة شركَة الْعَنَان: هَذَا مَا اشْترك عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان أَو حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان وأشهدا عَلَيْهِمَا: أَنَّهُمَا أخرجَا من مَالهمَا وصلب حَالهمَا مَا مبلغه من الذَّهَب كَذَا أَو الْفضة كَذَا
وخلطا ذَلِك حَتَّى صَار مَالا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز بعضه من بعض
وَأذن كل مِنْهُمَا للْآخر أَن يبْتَاع من عرض ذَلِك مَا شَاءَ من أَصْنَاف المتاجر ويبيعه بالحانوت الْجَارِي فِي إيجارهما الْكَائِن بسوق كَذَا بِالنَّقْدِ والنسيئة
وَمهما أطلع الله فِي ذَلِك من ربح ويسره من فَائِدَة كَانَ مقسوما بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ أَو على قدر ماليهما
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب شركَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
اتفقَا عَلَيْهَا وتراضيا بهَا وَقبلهَا كل مِنْهُمَا من الآخر قبولا شَرْعِيًّا
وعَلى كل مِنْهُمَا أَدَاء الْأَمَانَة وتجنب الْخِيَانَة
وَالْعَمَل فِي ذَلِك كُله بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته
وَصُورَة شركَة الْأَبدَان: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان وأشهدا عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اشْتَركَا على أَن يحملا للنَّاس أثقالهم إِلَى أسواقهم وَبُيُوتهمْ وَمحل طلباتهم بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ نَهَارا دون اللَّيْل خلا أَوْقَات الصَّلَوَات وَمهما رزق الله تَعَالَى من أُجْرَة كَانَت بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ شركَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة اتفقَا عَلَيْهَا وتراضيا بهَا
وتقبلاها قبولا شَرْعِيًّا
ونصبا أَنفسهمَا لذَلِك بِحكم الِاشْتِرَاك الْوَاقِع بَينهمَا على ذَلِك على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
ويكمل
وَهَذِه صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَيجوز عِنْدهم على اخْتِلَاف الصّفة بَين الشَّرِيكَيْنِ وعَلى تفَاوت الْقِسْمَة بَينهمَا فِي الْأُجْرَة
وَصُورَة شركَة الْمُفَاوضَة على(1/153)
الشَّرَائِط الَّتِي اشترطها أَبُو حنيفَة: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وأشهدا عَلَيْهِمَا فِي حَال كَونهمَا مُسلمين بالغين عاقلين جائزي الْأَمر شرعا: أَنَّهُمَا اشْتَركَا على أَن وضع كل وَاحِد مِنْهُمَا من مَاله وصلب حَاله مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
وخلطا ذَلِك حَتَّى صَار مَالا وَاحِدًا جملَته كَذَا
وَأذن كل وَاحِد مِنْهُمَا للْآخر فِي الشِّرَاء بالمبلغ الْمَذْكُور مَا شَاءَ من أَصْنَاف البضائع
وأنواع المتاجر على اختلافها بِالنَّقْدِ والنسيئة وَيبِيع ذَلِك بِنَقْد أَو نَسِيئَة
وَعَلَيْهِمَا الْمُسَاوَاة فِي الْعَمَل وَأَن لَا يبقيا شَيْئا من جنس مَال الشّركَة إِلَّا ويدخلاه فِي مَال الشّركَة
وكل وَاحِد مِنْهُمَا ضَامِن مَا ضمنه صَاحبه وَلَزِمَه بِعقد ضَمَان أَو غصب أَو شِرَاء فَاسد
وَمهما اشْتَرَاهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا يكون على الشّركَة خلا طَعَام أهل كل وَاحِد مِنْهُمَا وكسوتهم
وعقدا هَذِه الشّركَة على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل لصَاحبه ووكيل عَنهُ فِي جَمِيع تعلقات هَذِه الشّركَة شركَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة على أَن مهما رزق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِك من ربح ويسره من فَائِدَة كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ
لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج رَأس المَال وَمَا لَا بُد من إِخْرَاجه شرعا وَعرفا
وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب
قبل كل مِنْهُمَا ذَلِك من الآخر قبولا شَرْعِيًّا حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا عَلَيْهِ
وَصُورَة الشّركَة فِي الاحتشاش والاصطياد والاحتطاب وَمَا يُوجد من الْمَعَادِن وَيجمع من الْمُبَاحَات على مَذْهَب مَالك وَأحمد: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وأشهدا عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اشْتَركَا على أَن يحتشا الْحَشِيش ويبيعاه ويصطادا من جَمِيع مَا يصطادا من الْبر وَالْبَحْر وَأَن يقطعا الْحَطب من الْجَبَل والحرج والشعاب والجزائر وَغَيرهَا وَأَن يجمعا مَا جرت الْعَادة بجمعه من الأعشاب وَالْعُرُوق وَجَمِيع الأزهار والرياحين من الْأَنْهَار والمروج مثل النرجس وزهر اللينوفر وَغير ذَلِك من الْمُبَاحَات ويبيعا مَا يتَّفق لَهما جمعه من ذَلِك
وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ شركَة شَرْعِيَّة
اتفقَا عَلَيْهَا وتراضيا بهَا
وَقبلهَا كل مِنْهُمَا من الآخر قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة شركَة الْوُجُوه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد رَضِي الله عَنْهُمَا: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان وأشهدا عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اشْتَركَا على أَن يبتاعا فِي ذمتهما مَا شاءا من أَنْوَاع الْحُبُوب وأصناف البضائع وأنواع المتاجر
ويبيعا ذَلِك بِالنَّقْدِ والنسيئة وَمَا لزم أَحدهمَا من ضَمَان فَهُوَ عَلَيْهِمَا
وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك من كسب كَانَ بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ شركَة شَرْعِيَّة ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الشّركَة وَالْمَال من جِنْسَيْنِ أَو أَكثر على مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَمَعَ كَون قسْمَة(1/154)
الرّيع مُتَفَاوِتَة حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وأشهدا عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا أخرجَا من مَالهمَا وصلب حَالهمَا مَا مبلغه كَذَا
فَمن ذَلِك: مَا أخرجه الأول من مَاله من الذَّهَب كَذَا
وَمن الدَّرَاهِم الْفضة كَذَا
وَمَا أخرجه الثَّانِي من الدَّرَاهِم الْفضة كَذَا
فَكَانَت قيمَة مَا أخرجه الشَّرِيك الأول كَذَا وَكَذَا درهما وَجُمْلَة مَا أخرجه الثَّانِي كَذَا وَكَذَا درهما
واشتركا فِي ذَلِك
وَأذن كل وَاحِد مِنْهُمَا للْآخر فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْعَمَل بِسَائِر أَنْوَاع التِّجَارَات بِالنَّقْدِ والنسيئة
وَمهما رزق الله فِي ذَلِك كَانَ بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ أَو متفاوتا على مَا يتفقان مَعَ كَون أَن المَال بَينهمَا غير متساو وَلَا بِصفة وَاحِدَة شركَة شَرْعِيَّة
عقداها واتفقا عَلَيْهَا ورضيا بهَا وقبلاها قبولا شَرْعِيًّا
صُورَة فسخ الشَّرِيكَيْنِ الشّركَة وَقبض كل مِنْهُمَا من الآخر لمَاله قَبضه: سبق فِي الْإِقْرَار(1/155)
كتاب الْوكَالَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي جَوَاز الْوكَالَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم هَذِه إِلَى الْمَدِينَة فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما فليأتكم برزق مِنْهُ} وَهَذَا وكَالَة
وَقَوله تَعَالَى: {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي} وَهَذَا وكَالَة
وَأما السّنة: فروى جَابر قَالَ: أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِنِّي أُرِيد الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا لقِيت وَكيلِي بِخَيْبَر فَخذ مِنْهُ خَمْسَة عشر وسْقا من تمر
فَإِن ابْتغى مِنْك آيَة يَعْنِي إِمَارَة فضع يدك على ترقوته) فَأخْبر أَن لَهُ وَكيلا
وَرُوِيَ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي قبُول نِكَاح أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب) و (وكل أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاح مَيْمُونَة) و (وكل عُرْوَة الْبَارِقي فِي شِرَاء شَاة) و (وكل حَكِيم بن حزَام فِي شِرَاء شَاة)
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة أَجمعت على جَوَاز التَّوْكِيل لِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَيْهِ
وَلِأَن من النَّاس من لَا يتَمَكَّن من فعل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِنَفسِهِ إِمَّا لقلَّة مَعْرفَته بذلك أَو لكثرته أَو لِأَنَّهُ يتنزه عَن ذَلِك
فَجَاز التَّوْكِيل
وَيشْتَرط فِي الْمُوكل: التَّمَكُّن من مُبَاشرَة مَا وكل فِيهِ بِالْملكِ وَالْولَايَة
وَلَا يَصح تَوْكِيل الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَلَا تَوْكِيل الْمحرم فِي النِّكَاح وَيصِح تَوْكِيل الْوَلِيّ فِي حق الطِّفْل
وَيشْتَرط فِي التَّوْكِيل: أَن يتَمَكَّن من مُبَاشرَة التَّصَرُّف بِنَفسِهِ
وَلَا يَصح أَن يكون الصَّبِي أَو الْمَجْنُون وَكيلا بل يعْتَمد قَول الصَّبِي فِي الْإِذْن فِي دُخُول الدَّار وإيصال الْهَدِيَّة
وَلَا يَصح أَن يكون الْمحرم أَو الْمَرْأَة وَكيلا فِي النِّكَاح(1/156)
وَيجوز أَن يكون العَبْد وَكيلا فِي قبُول النِّكَاح لَا فِي إِيجَابه
وَلَا يجوز التَّوْكِيل فِي الْعِبَادَات إِلَّا فِي الْحَج وتفريق الزَّكَاة وَذبح الضَّحَايَا
فَيجوز التَّوْكِيل فِي ذَلِك
وَلَا يجوز التَّوْكِيل فِي الْأَيْمَان والشهادات وَلَا فِي الْإِيلَاء وَاللّعان وَالظِّهَار والقسامة
وَيجوز التَّوْكِيل فِي طرفِي البيع وَفِي السّلم وَفِي الرَّهْن وَالْهِبَة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَسَائِر الْعُقُود والفسوخ وَقبض الدُّيُون وإقباضها وَفِي الدَّعْوَى وَالْجَوَاب
وَيجوز التَّوْكِيل فِي تملك الْمُبَاحَات
كإحياء الْموَات والاصطياد والاحتطاب
وَلَا يجوز التَّوْكِيل فِي الْإِقْرَار
وَلَو قَالَ: وَكلتك فِي كل قَلِيل وَكثير وَفِي جَمِيع أموري أَو فوضت إِلَيْك كل شَيْء: لم يَصح لِأَنَّهُ مَجْهُول من كل وَجه
فَائِدَة: قَالَ الشَّيْخ الْعِزّ بن عبد السَّلَام: لَا يُوكل فِي رد الْمَغْصُوب والمسروق مَعَ قدرته على رده بِنَفسِهِ
إِذْ لَيْسَ لَهُ دَفعه إِلَّا إِلَى مَالِكه أَو من يجوز لَهُ انتزاع الْمَغْصُوب من الْغَاصِب
انْتهى
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن إِقْرَار الْوَكِيل على مُوكله فِي غير مجْلِس الحكم لَا يقبل بِحَال
فَلَو أقرّ عَلَيْهِ بِمَجْلِس الحكم
قَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يقر عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّلَاثَة: لَا يَصح
وَاتَّفَقُوا على أَن إِقْرَاره عَلَيْهِ بالحدود وَالْقصاص غير مَقْبُول سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس الْحَاكِم أَو غَيره
ووكالة الْحَاضِر صَحِيحَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِن لم يرض خَصمه بذلك إِن لم يكن الْوَكِيل عدوا للخصم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح وكَالَة الْحَاضِر إِلَّا بِرِضا الْخصم إِلَّا أَن يكون الْمُوكل مَرِيضا أَو مُسَافِرًا مَسَافَة على ثَلَاثَة أَيَّام
فَيجوز حِينَئِذٍ
وَإِذا وكل شخصا فِي اسْتِيفَاء حُقُوقه
فَإِن وَكله بِحَضْرَة الْحَاكِم جَازَ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى بَيِّنَة
وَسَوَاء وَكله فِي اسْتِيفَاء الْحق من رجل بِعَيْنِه أَو جمَاعَة
وَلَيْسَ حُضُور من يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحق شَرط فِي صِحَة تَوْكِيله
وَإِن وَكله فِي غير مجْلِس الحكم فَتثبت وكَالَته بِالْبَيِّنَةِ عِنْد الْحَاكِم ثمَّ يَدعِي على من يُطَالِبهُ بِمَجْلِس الحكم
هَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْخصم الَّذِي وكل عَلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ حُضُوره شرطا فِي صِحَة الْوكَالَة أَو جمَاعَة كَانَ حُضُور وَاحِد مِنْهُم شرطا فِي صِحَة الْوكَالَة(1/157)
وللوكيل عزل نَفسه بِحَضْرَة الْمُوكل وَبِغير حَضرته عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ فسخ الْوكَالَة إِلَّا بِحُضُور الْمُوكل
وللموكل أَن يعْزل الْوَكِيل عَن الْوكَالَة
وينعزل وَإِن لم يعلم بذلك على الرَّاجِح عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَنْعَزِل إِلَّا بعد الْعلم بذلك
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
فصل: وَإِذ وَكله فِي بيع مُطلقًا
فمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد: إِن ذَلِك يَقْتَضِي البيع بِثمن الْمثل نَقْدا بِنَقْد الْبَلَد
فَإِن بَاعه بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ أَو نسيئا بِغَيْر نقد الْبَلَد
لم يجز إِلَّا بِرِضا الْمُوكل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز أَن يَبِيع كَيفَ شَاءَ نَقْدا أَو نسيئا وَبِدُون ثمن الْمثل وَبِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ وبنقد الْبَلَد وَغير نَقده
وَأما فِي الشِّرَاء: فاتفقوا أَنه لَا يجوز للْوَكِيل أَن يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل وَلَا إِلَى أجل
وَقَول الْوَكِيل فِي تلف المَال مَقْبُول بِيَمِينِهِ بالِاتِّفَاقِ
وَهل يقبل قَوْله فِي الرَّد الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه يقبل
وَبِه قَالَ أَحْمد سَوَاء كَانَ يَجْعَل أَو بِغَيْرِهِ
وَمن كَانَ عَلَيْهِ حق لشخص فِي ذمَّته
أَو لَهُ عِنْده عين كعارية أَو وَدِيعَة
فَجَاءَهُ إِنْسَان
وَقَالَ: وكلني صَاحب الْحق فِي قَبضه مِنْك وَصدقه أَنه وَكيله
وَلم يكن للْوَكِيل بَيِّنَة
فَهَل يجْبر من عَلَيْهِ الْحق على الدّفع إِلَى الْوَكِيل أم لَا قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: لست أعرفهَا منصوصة لنا
وَالصَّحِيح عندنَا: أَنه لَا يجْبر على تَسْلِيم ذَلِك إِلَى الْوَكِيل
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: يجْبر على تَسْلِيم مَا فِي ذمَّته
وَأما الْعين فَقَالَ مُحَمَّد: يجْبر على تَسْلِيمهَا
كَمَا قَالَ فِيمَا فِي الذِّمَّة
وَاخْتلفُوا: هَل تسمع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة من غير حُضُور الْخصم قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تسمع إِلَّا بِحُضُورِهِ
وَقَالَ الثَّلَاثَة: تسمع من غير حُضُوره
وَتَصِح الْوكَالَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ على الْأَصَح من قوليه
وعَلى أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح إِلَّا بِحُضُورِهِ
وَاخْتلفُوا فِي شِرَاء الْوَكِيل من نَفسه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح ذَلِك على الْإِطْلَاق
وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يبْتَاع من نَفسه لنَفسِهِ بِزِيَادَة فِي الثّمن
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: أَنه لَا يجوز بِحَال
وَاخْتلفُوا فِي تَوْكِيل الْمُمَيز والمراهق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح وَقَالَ القَاضِي(1/158)
عبد الْوَهَّاب: لَا أعرف فِيهِ نصا عَن مَالك إِلَّا أَنه لَا يَصح
وَالْوَكِيل فِي الْخُصُومَة لَا يكون وَكيلا إِلَّا عِنْد أبي عبد الله وَحده
فَائِدَة: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ: لَو جَاءَ رجل وَقَالَ: أَنا وَكيل فلَان صدق بِلَا بَيِّنَة وَلَو قَالَ عَبده: أَنا عبد مَأْذُون لم يصدق
وَالْفرق بَينهمَا: أَن الْوَكِيل يسْتَقلّ بِالْعُقُودِ لنَفسِهِ وَإِن لم يكن وَكيلا
وَلَيْسَ العَبْد كَذَلِك
انْتهى
وعمدة الْوكَالَة: ذكر الْمُوكل وَالْوَكِيل وأسمائهما وأنسابهما
وَذكر مَا يُوكله فِيهِ وَقبُول الْوَكِيل مِنْهُ ذَلِك
وَذكر قيام الْوَكِيل بِمَا وَكله بِهِ وَمَعْرِفَة الشُّهُود وَصِحَّة الْعقل وَالْبدن والطواعية وَجَوَاز الْأَمر والتاريخ وَلَا يشْتَرط الْقبُول لفظا بل يجوز بالْقَوْل وَالْفِعْل
المصطلح: وتشتمل صوره على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة وكَالَة حكمِيَّة: بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين النَّاظر فِي الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي بالمملكة الْفُلَانِيَّة أَسْبغ الله تَعَالَى ظلاله وكل سيدنَا فلَان النَّاظر فِي أُمُور الْأَيْتَام والمحجور عَلَيْهِم فِي الحكم الْعَزِيز أَو أَمِين الحكم الْعَزِيز بالمملكة الْفُلَانِيَّة فلَانا فِي الْكَلَام فِي أَمر فلَان وَفُلَان وَلَدي فلَان محجوري الحكم الْعَزِيز بِمَدِينَة كَذَا
وَفِي التَّصَرُّف لَهُم على وَجه الْحَظ والمصلحة الظَّاهِرَة
وَالْغِبْطَة الوافرة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَسَائِر أَنْوَاع التَّصَرُّفَات الْعَائِد نَفعهَا على اليتيمين الْمَذْكُورين أَو الْأَيْتَام إِن كَانُوا جمَاعَة وَأَن يحْتَاط لَهُم فِي مَالهم الِاحْتِيَاط الْكَافِي ويجتهد فِي تثميره وتنميته وازدياده الِاجْتِهَاد المبرىء لذمته وَذمَّة مُوكله من التبعة الأخروية المكسبة لوزر أَو خَطِيئَة ويكسوهم مِنْهُ وَينْفق عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير وَأَن يقبض مَا لَهُم من المَال بِبَلَد كَذَا بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز بِهِ
ويحضر إِلَى بلد الْأَيْتَام الْمَذْكُورين ويضيفه إِلَى مَا لَهُم من المَال
وَفِي الدَّعْوَى والمطالبة بحقوقهم كلهَا
وواجباتهم بأسرها وَقَبضهَا واستيفائها مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ
وَعِنْده وَفِي ذمَّته وَتَحْت يَده كَائِنا من كَانَ من سَائِر النواحي والأماكن والبلدان
وَفِي الِاسْتِئْجَار والإيجار لَهُم وَعَلَيْهِم بِأُجْرَة الْمثل مَعَ ظُهُور الْمصلحَة لَهُم
وَفِي قبض أُجْرَة مَا يؤجره عَلَيْهِم وَدفع أُجْرَة مَا يستأجره لَهُم من مَالهم
وَفِي الْحَبْس والترسيم والملازمة والإفراج وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد
وَفِي الدَّعْوَى وسماعها
ورد الْأَجْوِبَة وَإِقَامَة الْبَينَات وَاسْتِيفَاء الْأَيْمَان وردهَا
وَالْعَفو عَنْهَا إِذا رأى فِي ذَلِك مصلحَة
وَفِي المحاكمة والمخاصمة والمنازعة والمحاققة والمحاسبة والمقابضة والمقايضة والمعاوضة والمصادقة والمقاصصة والمقاسمة والمناقلة والمقايلة
والمداينة وَالْمُسَاقَاة وَطلب الشُّفْعَة وَالْأَخْذ بهَا وَأخذ الضمناء والكفلاء
وَقبُول(1/159)
الحوالات على الأملياء وَشِرَاء الْأَمْلَاك وَعمارَة مَا يحْتَاج إِلَى الْعِمَارَة مِنْهَا وَصرف الأجور والحقوق الْمُتَعَيّن صرفهَا شرعا
وَفِي استخلاص مَا صَار إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدهم الْمَذْكُور من نقد وَعرض وقماش ونحاس وأثاث وصامت وناطق ومكيول وموزون ومعدود ومذروع ومتمول ومتقوم ومثلي
وَفعل مَا يَقْتَضِيهِ الْخِصَام وتجوزه الْأَحْكَام ويوجبه الْحُكَّام بِسَبَب ذَلِك وَمُقْتَضَاهُ بِسَائِر الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة
وَطلب الحكم من حكام الشَّرِيعَة المطهرة بِمَا يثبت لديهم شرعا
أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَام نَفسه
وأحله مَحَله
وَجعل لَهُ أَن يُوكل فِي ذَلِك وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الوكلاء
ويعزله مَتى شَاءَ
ويعيده إِذا شَاءَ وَأَن يسْتَبْدل وَكيلا بعد وَكيل توكيلا صَحِيحا شَرْعِيًّا
قبله الْوَكِيل الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الْوكَالَة السُّلْطَانِيَّة لأحد أُمَرَاء الحضرة الشَّرِيفَة أَو أحد كفال الممالك الإسلامية: هَذَا كتاب تَوْكِيل صَحِيح شَرْعِي وَإِذن صَرِيح مُعْتَبر مرعي أَمر بكتابته وتسطيره وإنشائه وتحريره: مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي المولوي السلطاني الْفُلَانِيّ ويسوق ألقاب السُّلْطَان
كَمَا تقدم ثمَّ يَقُول بعد الدُّعَاء لَهُ: وَأشْهد على نَفسه الشَّرِيفَة صانها الله وحماها وحرس من الْغَيْر حماها بمضمون هَذَا الْكتاب
وَهُوَ فِي صِحَة جثمانه ونفوذ أوامره وتمكيه سُلْطَانه: أَنه وكل الْمقر الْكَرِيم العالي الْفُلَانِيّ أعز الله أنصاره
وجمل بِهِ أقاليم الْملك وأمصاره فِي التَّصَرُّف وَالْكَلَام فِي الْخَواص الشَّرِيفَة
وجهاتها ومتعلقاتها وَمَا هُوَ مَعْرُوف بهَا من المطلقات والجهات على اختلافها وتباين حالاتها وَفعل سَائِر مَا تسوغه الشَّرِيعَة المطهرة
وتقتضيه أَحْكَامهَا المقررة المحررة وَفِي عقد عُقُود المبايعات على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس والأنواع وَالصِّفَات والإجارات وعروض التِّجَارَات والمعاملات واستخلاص الْحُقُوق والواجبات وَاسْتِيفَاء الْأُمُور المتعينات مِمَّن يتَعَيَّن عِنْده
وَفِي ذمَّته وجهته وَتَحْت يَده كَائِنا من كَانَ وَحَيْثُ كَانَ
من سَائِر الممالك والأقاليم
والنواحي والجهات والبلدان
وَفِي الْمُطَالبَة بذلك وَالدَّعْوَى بِهِ فِي مجَالِس الْحُكَّام وخلفائهم وولاة أُمُور الْإِسْلَام ونوابهم
وَفِي الْحَبْس والترسيم والملازمة والإفراج
وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم
وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد وَأخذ الضمناء والكفلاء وَقبُول الحوالات على الأملياء
وَطلب الرَّهْن وَاشْتِرَاط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب
وَاشْتِرَاط الْخِيَار فِي البيع وَالشِّرَاء فِيمَا يجوز اشْتِرَاط الْخِيَار فِيهِ
وإنشاء الْعقار
وحفر الْآبَار وشق الْأَنْهَار
وسوق الْمِيَاه فِي قرى الْخَواص الشَّرِيفَة وأراضيها ودورها وبساتينها وطواحينها
وَفِي إنْشَاء الدواليب والنواعير والسواقي والطواحين والحمامات والأسواق والخانات وَفتح الْأَرَاضِي المعطلة وتعليقها بِمَا يَلِيق(1/160)
بهَا من الزروع وَالْأَشْجَار من الْغِرَاس والنصوب
وأنواع المزروعات الصيفية والشتوية
وَفِي فعل مَا يَسْتَدْعِي بِهِ مصَالح السلطنة الشَّرِيفَة من المستعملات والخاصات وخاص الخاصات من المصنوعات والمنسوجات وَغير ذَلِك من سَائِر الْأَصْنَاف على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس والأنواع
وَأذن لَهُ أعز الله أنصاره أَن ينصب فِي ذَلِك وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ وَفِي الدَّعْوَى بِهِ وَبِمَا شَاءَ مِنْهُ لَدَى حكام الشَّرِيعَة المطهرة من شَاءَ من الْأُمَنَاء الثِّقَات الْعُدُول الكفاة مِمَّن ظَهرت نهضته
واشتهرت عَدَالَته وأمانته وجربت مُبَاشَرَته وَعرفت مَعْرفَته ونوقش فِي تَصَرُّفَاته
فَلم يخطىء مناهج السداد وَالصَّوَاب فِي الْخَطَأ وَالْجَوَاب توكيلا صَحِيحا شَرْعِيًّا وإذنا مُعْتَبرا مرعيا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وألزم نَفسه الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ على مَا يُحِبهُ مَوْلَانَا السُّلْطَان ويرضاه
وَصُورَة تَوْكِيل السُّلْطَان وَكيلا لبيت مَال الْمُسلمين: هَذَا كتاب وكَالَة جمعت شَمل الْمصَالح جَمِيع السَّلامَة وتأيدت بالتوفيق فَكَانَ الْقبُول عَلَيْهَا عَلامَة
أَمر بكتابته وتسطيره
وإنشائه وتحريره: مَوْلَانَا الْمقَام الشريف الْأَعْظَم العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ
وَأشْهد على نَفسه الشَّرِيفَة حرسها الله تَعَالَى وزادها شرفا وتعظيما وإجلالا أَنه وكل القَاضِي فلَان الدّين فِي الْمُطَالبَة بِحُقُوق بَيت مَال الْمُسلمين بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ وأعمالها وضواحيها وَسَائِر المملكة المضافة إِلَيْهَا أَيْن كَانَت من أَرض الله وعَلى من كَانَت من عباد الله مَا كَانَ مِنْهَا قَائِما مَوْجُودا حَال التَّوْكِيل
وَمَا يَتَجَدَّد لَهُ من الْحُقُوق
وَفِي خلاص واجباته كلهَا وأمواله بأسرها
وَفِي الدَّعْوَى على خصومه وغرمائه
والمرافعة بِسَبَبِهِ إِلَى الْقُضَاة والحكام
وولاة أُمُور الْإِسْلَام وَإِقَامَة بيناته وَإِثْبَات حججه ومكاتيبه ومساطيره
وَفِي الِاسْتِحْلَاف ورد الْيَمين وَالْحَبْس والترسيم وَالْإِطْلَاق والملازمة
وَفِي الإفراج
وَفِي سَماع مَا يتَوَجَّه على بَيت المَال الْمَعْمُور من الدَّعَاوَى والبينات ورد الْأَجْوِبَة بِمَا يسوغ شرعا
وَفِي جرح الشُّهُود بالأسباب الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْجرْح وَفِي بيع مَا يخْتَص بِبَيْت المَال الْمَعْمُور من الْعقار الْجَارِي فِي ملكه والمنتقل إِلَيْهِ بِثمن الْمثل عِنْد ضَرُورَة الْمُسلمين وحاجتهم إِلَى البيع ولمصالح الْمُسلمين الْعَامَّة
وبالغبطة الظَّاهِرَة عِنْد استغنائهم عَن البيع
وَفِي بيع مَا يخْتَص بِبَيْت المَال الْمَعْمُور من الرَّقِيق وَالْحَيَوَان والقماش والنحاس وَسَائِر المنقولات بالأثمان المثلية وَقبض الثّمن وَتَسْلِيم الْمَبِيع لمبتاعه وَفِي إِيجَار مَا يرى إيجاره من أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور بِأُجْرَة الْمثل وَتَسْلِيم الْمَأْجُور وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد فِي مثله بعد النداء والإشهار وَبِذَلِك الِاجْتِهَاد
وَفِي الْمُصَالحَة عَن بَيت المَال الْمَعْمُور على مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة الشَّرْعِيَّة
وَالْإِذْن لعمال بَيت المَال فِي قبض أَثمَان مَا يتَوَلَّى بَيْعه(1/161)
وأجور مَا يتَوَلَّى إيجاره وَمَا يتَحَصَّل لبيت المَال الْمَعْمُور من الْحُقُوق
وَفِي إِيقَاع الحوطات على التركات الحشرية وضبطها وتحريرها
وَالْعَمَل فِيهَا بِمُقْتَضى الشَّرْع الشريف وموجبه
وَفِي وَفَاء مَا يثبت على بَيت المَال من الْحُقُوق الْوَاجِبَات بالنواحي والبلدان وَفِي فسخ الْعُقُود عِنْد ظُهُور عدم الْمصلحَة لبيت المَال وَفِي الْمُقَابلَة والمقاسمة والمصارفة والمصادقة والمعاوضة والمقابضة والمقايضة والمناقلة وَالْمُسَاقَاة والمقاصصة وَالْمُعَاقَدَة وَطلب الشُّفْعَة وَالْأَخْذ بهَا والمحاكمة والمخاصمة والمحاسبة والمحاققة على وَجه الْغِبْطَة والمصلحة الشَّرْعِيَّة وَفِي جَمِيع التَّصَرُّفَات الَّتِي يملكهَا مَوْلَانَا السُّلْطَان بطرِيق الْولَايَة الشَّرْعِيَّة على بَيت المَال
وَفِي طلب كل حق تعين لبيت المَال الْمَعْمُور مِمَّن هُوَ فِي جِهَته وَتَحْت يَده
والتوصل إِلَيْهِ وَقَبضه واستخلاصه واستيفائه بِكُل طَرِيق مُمكن شَرْعِي
وَكله مَوْلَانَا السُّلْطَان عز نَصره فِي هَذِه التَّصَرُّفَات جَمِيعهَا الْقَائِمَة حَال التَّوْكِيل والمتجددة بعده وكَالَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة نَافِذَة مَاضِيَة
وَأذن أدام الله دولته للْوَكِيل الْمَذْكُور أَن يُوكل عَنهُ فِي ذَلِك
وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الوكلاء والعدول الْأُمَنَاء
وَأَن يسْتَبْدل وَكيلا بعد وَكيل رِعَايَة لمصَالح بَيت المَال الْمَعْمُور
إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الْوكَالَة الْمُطلقَة: وكل فلَان فلَانا فِي الْمُطَالبَة بحقوقه كلهَا وديونه بأسرها
وواجباته بأجمعها مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ وَعِنْده وَفِي ذمَّته وَفِي جِهَته وَتَحْت يَده كَائِنا من كَانَ وَحَيْثُ كَانَ من سَائِر النواحي والأماكن والبلدان من غَرِيم وخصم وأمير ومتكلم ومأذون ووكيل وَشريك ومودع ومعامل ومضارب ووصي
ووارث وَغَيره
وَفِي المرافعة وَالدَّعْوَى على غُرَمَائه وخصومه فِي مجَالِس السَّادة الْقُضَاة والحكام وخلفائهم وولاة أُمُور الْإِسْلَام ونوابهم وَفِي الْحَبْس والترسيم والإفراج والإعادة والملازمة وَالْإِطْلَاق وَأخذ الضمناء والكفلاء
وَقبُول الحوالات على الأملياء والمعاوضة والمصارفة وَقبض مَال الْعِوَض وَالصرْف والمحاسبة والمحاققة والمحاكمة والمخاصمة وَسَمَاع الدَّعْوَى عَلَيْهِ
ورد الْأَجْوِبَة بِمَا يسوغ شرعا وَإِقَامَة بيناته وَإِثْبَات حججه ومساطيره وَاسْتِيفَاء الْأَيْمَان وردهَا
وَالْعَفو عَنْهَا وَقبُول مَا يفتدى بِهِ
وَفِي الْمُعَامَلَة والمفاسخة وَالتَّوْلِيَة والإشراك والمرابحة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ ومقاسمة كل مَا كَانَ بَينه وَبَين شريك لَهُ فِي شَيْء من الْأَشْيَاء مِمَّا يجوز قسمته وَأخذ مَا تقرره لَهُ الْقِسْمَة الْجَارِيَة بَينهمَا فِي ذَلِك بِكُل نوع من أَنْوَاع الْقِسْمَة الشَّرْعِيَّة وَأخذ فضلَة قِيمَته إِن وَجب لَهُ فِي ذَلِك شَيْء من ذَلِك وَإِعْطَاء قيمَة ذَلِك عِنْد وُجُوبهَا وإبراء من يرى إبراءه وَمن كل حق يجب لَهُ وَمن كل جُزْء مِنْهُ وَأخذ كل مَا يجوز لَهُ أَخذه بِالشُّفْعَة وطلبها وَالْقِيَام بهَا وَإِعْطَاء ثمن ذَلِك من مَال مُوكله الْمَذْكُور لمستحقه عِنْد وُجُوبه بطريقه الشَّرْعِيّ وَفِي بيع مَا يرى بَيْعه وإيجار مَا(1/162)
يرى إيجاره من أملاكه الْجَارِيَة فِي يَده واستحقاقه الشَّائِع مِنْهَا والمقسوم مِمَّن يرغب فِي ابتياعها أَو شَيْء مِنْهَا أَو استئجارها أَو شَيْء مِنْهَا بِثمن الْمثل وَأُجْرَة الْمثل فَمَا فَوق ذَلِك على حكم الْحُلُول أَو التَّأْجِيل على مَا يرَاهُ وَتَسْلِيم الْمَبِيع والمأجور لمبتاعه ومستأجره
وَقبض الثّمن وَالْأُجْرَة عَن ذَلِك
وَعمارَة كل مَا يرى عِمَارَته من ذَلِك وَإِصْلَاح مَا يرى إِصْلَاحه مِنْهُ وترميمه وَإِزَالَة شعثه وَقطع عيوبه
والإنفاق على ذَلِك من مُوكله وَتَوَلَّى الْقيام بِهِ بِنَفسِهِ وبمن يَسْتَعِين بِهِ على مَا يرى لَهُ فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَمُصَالَحَة من رأى مصالحته مِمَّن لمُوكلِه عَلَيْهِ حق على مَا يَصح وَيجوز وَقبض مَال الصُّلْح
وَفِي ابتياع مَا يرى ابتياعه لَهُ من الْأَصْنَاف والعقارات على اختلافها وَدفع الثّمن من مَاله
وَفِي المناقلة عَنهُ بأملاكه إِلَى مَا يرى من الْعقار
وَفِي التسلم وَفِي التَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد وإبداء الدَّافِع ونفيه وَطلب الحكم من الْحُكَّام بإلزام الْخُصُوم بِمَا يلْزمهُم لَهُ
وَطلب الثُّبُوت وَالْحكم بِمَا يثبت لديهم شرعا
وَفِي الْمُقَابلَة فِي الْعقار وَغَيره وَفسخ مَا يرى فَسخه من الْبيُوع بطريقه إِذا رأى ذَلِك مصلحَة
وَفِي طلب مَا جر إِلَيْهِ الْإِرْث الشَّرْعِيّ من فلَان الْمُتَوفَّى بِبَلَد كَذَا مِمَّن هُوَ فِي يَده وَتَحْت نظره وحوطته وَقبض جَمِيع مَا يتَعَيَّن لَهُ قَبضه واستخلاصه واستيفاؤه بِكُل طَرِيق مُمكن شَرْعِي
وَفِي تَسْلِيم مغلات أملاكه ومستأجراته وإقطاعاته بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وضبطها وتحريرها وَبيع مَا يرى بَيْعه مِنْهَا وخزن مَا يرى خزنه من مجموعها وتقوية فلاحيه وَصرف مَا يرى صرفه فِي ذَلِك من ثمن أدوات وآلات وَعدد وفلاحة وتقاوي وَغَيرهَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَى صرفه فِي تعلقاته وجهات أملاكه ومستأجراته من المصاريف الشَّرْعِيَّة والعرفية والعادية الشَّاهِد بهَا ضَرَائِب إقطاعاته الديوانية ووفاء مَا عساه يكون على الْمُوكل الْمَذْكُور من دُيُون شَرْعِيَّة وجامكية وَغير ذَلِك
وَفعل مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة لَهُ من حمل مَا يتَحَصَّل تَحت يَده من الْأَمْوَال إِلَى الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَفِي السّفر بِهِ صُحْبَة الرّفْقَة الثِّقَات فِي الطّرق المأمونة المسلوكة وتجهيزه إِلَيْهِ صُحْبَة موثوق بِهِ إِن شَاءَ وإبقائه تَحت يَده إِذا شَاءَ توكيلا صَحِيحا شَرْعِيًّا عَاما مُطلقًا مفوضا موسعا مرضيا
ينْدَرج تَحت عُمُومه البيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَالْقَبْض والإقباض وَسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة فِي جَمِيع التعلقات الْمَالِيَّة مِمَّا يَصح بِهِ التَّوْكِيل شرعا لم يسْتَثْن عَلَيْهِ فصلا من فُصُول التَّوْكِيل الْجَائِز شرعا وَلَا نوعا من أَنْوَاعه سوى حل العصم وعقدها وإشغال الذِّمَّة بِالدّينِ وَإِتْلَاف التملكات بِغَيْر عوض يساويها مثلا أَو قيمَة وَمَا عدا ذَلِك فقد فوضه إِلَيْهِ وَأطلق تصرفه فِيهِ وأقامه فِي ذَلِك كُله مَا عدا الْمُسْتَثْنى أَعْلَاهُ مقَام نَفسه
وَرَضي بقوله وَفعله وَجعل لَهُ أَن يُوكل فِي ذَلِك وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الوكلاء ويعزله مَتى شَاءَ ويعيده إِذا شَاءَ وَأَن يسْتَبْدل وَكيلا بعد وَكيل
قبل ذَلِك(1/163)
مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَرَضي كل مِنْهُمَا بِهِ الرضى الشَّرْعِيّ
ويكمل
وَصُورَة تَوْكِيل وَكيل بَيت المَال وَكيلا عَنهُ فِي بلد من الْبِلَاد: أشهد عَلَيْهِ سيدنَا فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْفُلَانِيَّة بِمُقْتَضى الْوكَالَة الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ خلد الله سُلْطَانه وأعز جُنُوده وَنصر أعوانه الْمَأْذُون لَهُ فِيهَا: أَن يُوكل عَنهُ فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ
وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الوكلاء الْعُدُول الْأُمَنَاء رِعَايَة لمصَالح بَيت المَال الْمَعْمُور الْإِذْن الشَّرْعِيّ وحسبما يشْهد بذلك كتاب الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة الْمُتَقَدّم تَارِيخه على تَارِيخه الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمُتَّصِل ثُبُوته الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ إشهادا شَرْعِيًّا: أَنه وكل فلَانا فِي الْمُطَالبَة بِحُقُوق بَيت المَال الْمَعْمُور وواجباته بأسرها وَقَبضهَا واستيفائها وَالدَّعْوَى بهَا على من هِيَ فِي جِهَته وَتَحْت يَده لَدَى السَّادة الْقُضَاة والحكام وخلفائهم
وولاة أُمُور الْإِسْلَام ونوابهم
وَفِي إِيقَاع الحوطة على التركات الحشرية الصائرة لبيت المَال شرعا وضبطها وتحريرها وَبيع مَا يتَحَصَّل مِنْهَا من قماش ونحاس وأثاث ورقيق وحيوان وصامت وناطق وَغير ذَلِك مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ اسْم المَال وَجمع الثّمن عَن ذَلِك وإحرازه بعد تحريره وتجهيزه إِلَى بَيت المَال الْمَعْمُور حملا إِلَيْهِ برسائل دَالَّة عَلَيْهِ وَصَرفه فِي مصارفه الشَّرْعِيَّة بِالْبَلَدِ الَّذِي تحصل فِيهِ بطريقه الْمُعْتَبر
وَفِي الدَّعْوَى لبيت المَال الْمَعْمُور بِكُل حق هُوَ لَهُ وَإِقَامَة بيناته وَإِثْبَات حججه ومساطيره ومكاتيبه واستحقاقاته
وَفِي سَماع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَا يسوغ سَمَاعه شرعا
وَفِي إبداء الدَّافِع ونفيه وجرح الْبَيِّنَة وَطلب الْيَمين واستيفائه
وَفِي التَّوَصُّل إِلَى كل حق هُوَ لَهُ وَقَبضه واستخلاصه واستيفائه بِكُل طَرِيق مُمكن شَرْعِي
ويعتمد الْكَاتِب فِي هَذِه الْوكَالَة جَمِيع مَا ينص عَلَيْهِ وَكيل بَيت المَال ويعينه من نفي شَيْء أَو إثْبَاته على مَا جرت بِهِ الْعَادة من تَوْكِيل وَكيل بَيت المَال فِي هَذَا الزَّمَان وَهُوَ أَنه يُوكل فِي الضَّبْط والتحرير وَبيع الأثاث فَقَط وَيمْنَع من بيع الْعقار وَمن أَن يسمع الدَّعْوَى على بَيت المَال إِلَّا فِي مِائَتي دِرْهَم فَمَا دونهَا
ويكمل على نَحْو مَا نَص عَلَيْهِ
وَصُورَة تَوْكِيل رجل فِي قبُول نِكَاح امْرَأَة من وَليهَا الشَّرْعِيّ: وكل فلَان فلَانا فِي قبُول عقد فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ أَو الْمَرْأَة أَو الْبكر المعضلة من وَليهَا فلَان
والدها أَو جدها أبي أَبِيهَا أَو غَيرهمَا على تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء فِي النِّكَاح على صدَاق مبلغه كَذَا حَالا أَو منجما توكيلا صَحِيحا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شرع ويؤرخ(1/164)
وَصُورَة تَوْكِيل الْوَالِد فِي حق وَلَده أَو الْجد فِي حق ولد ابْنه أَو الْوَصِيّ فِي مَال الطِّفْل: وكل فلَان فلَانا فِي الْمُطَالبَة بِحُقُوق وَلَده الصَّغِير فلَان أَو بِحُقُوق وَلَده لصلبه الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجره وَتَحْت نظره بالأبوة الشَّرْعِيَّة
أَو بِحُقُوق الْيَتِيم الصَّغِير فلَان الَّذِي هُوَ تَحت نظره وولايته بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور بِمُقْتَضى كتاب الْوَصِيَّة المحضرة لشهوده المتضمن أَنه أوصى إِلَيْهِ على وَلَده الْمَذْكُور وَجعل لَهُ أَن يتَصَرَّف لَهُ فِي مَاله بِسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة وَأَن يُوكل عَنهُ فِي ذَلِك ويوصي بِهِ إِلَى من أَرَادَ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشروح فِي كتاب الْوَصِيَّة الْمَذْكُور المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وَقبض ذَلِك واستيفائه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَعِنْده وَفِي ذمَّته
وَفِي الدَّعْوَى بذلك فِي مجَالِس الْحُكَّام ويسوق من الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّم ذكرهَا مَا يَلِيق بِهَذَا الْمقَام
مراعيا فِي كل حَالَة من الْحَالَات مَا يجب مراعاته من اسْتِعْمَال لفظ يحْتَاج إِلَيْهِ أَو تَركه عِنْد عدم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَا يخفى ذَلِك على الحذاق المعانين لكتابة الوثائق
وَصُورَة تَوْكِيل الرجل عَبده فِي قبُول النِّكَاح لَهُ على امْرَأَة من وَليهَا على صدَاق معِين: وكل فلَان عَبده فلَانا الْجَارِي عَلَيْهِ حكم الرّقّ والعبودية الرجل الْكَامِل فِي قبُول عقد نِكَاحه على فُلَانَة الْبكر أَو الْمَرْأَة من وَليهَا الشَّرْعِيّ فلَان على صدَاق مبلغه كَذَا حَالا أَو منجما توكيلا شَرْعِيًّا
قبله مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَصُورَة إِذن السَّيِّد لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة وَهُوَ العَبْد الْمَأْذُون: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه سلم إِلَى عَبده فلَان الحبشي الْجِنْس الْمُسلم الدّين الرجل الْكَامِل الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا وَمن عرُوض التِّجَارَات القماش الْمُخْتَلف الألوان والأصناف: الصُّوف وَالْحَرِير والكتان مَا قِيمَته كَذَا وَكَذَا
وَأذن لَهُ أَن يَشْتَرِي بالمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ ثيابًا قطنا خاما ويقصرها ويضمها إِلَى عرُوض التِّجَارَة الْمَذْكُورَة وَأَن يَبِيع ذَلِك كُله بِالنَّسِيئَةِ إِلَى أجل كَذَا فِي أقساط كَذَا وَأَن يسْتَخْرج أَثمَان ذَلِك مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ أَوَان حلولها ووجوبها وَأَن يَدعِي على من يعسر عَلَيْهِ اسْتِخْرَاج مَا فِي ذمَّته من ثمن ذَلِك عِنْد حُلُول الثّمن لَدَى السَّادة الْقُضَاة والحكام وخلفائهم وولاة أُمُور الْإِسْلَام ونوابهم وَأَن يحبس من امْتنع من الْأَدَاء ويطلقه إِذا أَرَادَ ويلازمه إِذا أحب ويصالح من رأى مصالحته من الْغُرَمَاء على مَا يرَاهُ وَأَن يقبض مَال الصُّلْح ويبرىء من الْقدر الْبَاقِي وَأَن يَأْخُذ بِمَا يرَاهُ من الدّين الرَّهْن وَالْكَفِيل وَأَن يحِيل ويحتال ويرضى بِمن يحتال عَلَيْهِ وَبِمَا يُحَال بِهِ عَلَيْهِ وَأَن يصرف مَا لَا بُد لَهُ من صرفه من الْمُؤَن والكلف وَأُجْرَة الْحَانُوت والمخازن وَيخرج الزَّكَاة الشَّرْعِيَّة وَأَن يصرف مَا جرت الْعَادة بصرفه ب(1/165)
التُّجَّار وَأَن يبْتَاع بِالْمَالِ الْمُسْتَخْرج قماشا مِمَّا يحمل إِلَى الديار المصرية والبلاد الشامية أَو اليمنية أَو الْهِنْدِيَّة
أَو السواكنية أَو النّوبَة أَو غير ذَلِك ويسافر بِهِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ من سَائِر الْبِلَاد الْمَذْكُورَة شرقا وغربا وَبرا وبحرا عذبا وملحا
ويبيعه بِالنَّسِيئَةِ أَيْضا دون النَّقْد إِلَى أجل ويستخرج ثمنه وَيفْعل مَا فعل أول مرّة ويبتاع بِمَا يتَحَصَّل من ذَلِك قماشا إسكندريا أَو إبياريا أَو سنباطيا أَو غير ذَلِك مِمَّا يحمل من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى الْبِلَاد الْفُلَانِيَّة ويبيعه أَيْضا بِالنَّسِيئَةِ دون النَّقْد وَيفْعل فِيهِ ذَلِك كَذَلِك مرّة بعد أُخْرَى ويديره فِي يَده حَالا بعد حَال على الشَّرْط وَالتَّرْتِيب المشروح بأعاليه إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل مِنْهُ ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي أَدَاء فرض الْحَج من معضوب عَاجز عَن الْحَج بِنَفسِهِ: وكل فلَان فلَانا أَن يحجّ عَنهُ حجَّة الْإِسْلَام بفروضها وسننها وواجباتها مُفردا أَو قَارنا أَو مُتَمَتِّعا لكَونه كبر وهرم وَعجز عَن الرّكُوب والتوجه لأَدَاء الْفَرْض بِنَفسِهِ من مَدِينَة كَذَا إِلَى مَكَّة المشرفة إِلَى عَرَفَات ثمَّ إِلَى منى ثمَّ إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على الْحَال بهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة المحروسة أَو غَيرهَا صُحْبَة الركب الشريف المتوجه فِي عَام تَارِيخه
وَأَن يفعل جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَى فعله مِمَّا يجب على الْمُوكل الْمَذْكُور أَن لَو حج بِنَفسِهِ من الْفُرُوض والأركان وَالسّنَن والمستحبات على الأوضاع الشَّرْعِيَّة وَيَأْتِي بِعُمْرَة مشهود فِيهَا على الْعَادة توكيلا شَرْعِيًّا
قبله مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وَأذن الْمُوكل الْمَذْكُور لوَكِيله الْمَذْكُور أَن يُوكل عَنهُ من يقوم مقَامه عِنْد عدم التَّمَكُّن من الْفِعْل أَو بعضه بِمَرَض أَو عَارض شَرْعِي إِذْنا شَرْعِيًّا
وَجعل لَهُ على ذَلِك كَذَا وَكَذَا أُجْرَة
وَدفع ذَلِك إِلَيْهِ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي تَفْرِيق زكوات الْأَمْوَال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة: وكل فلَان فلَانا فِي صرف زَكَاة مَاله الْبَاطِن من الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِن كَانَ شافعيا ذكر لَهُ أَصْنَاف الْمُسْتَحقّين لَهَا على مَذْهَب الشَّافِعِي
وَإِن كَانَ غير ذَلِك فرقها على الْأَصْنَاف الثَّمَانِية أَو على الْمَوْجُود مِنْهَا على مَا ذكره غير الشَّافِعِيَّة
وَكَذَلِكَ تَفْرِقَة زَكَاة الْفطر وَزَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة
وَهِي الْمَوَاشِي والحبوب فيعين لَهُ الْأَسْنَان من الْمَوَاشِي والوسق من الْحُبُوب وَالثِّمَار توكيلا شَرْعِيًّا أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَام نَفسه وَرَضي بقوله وَفعله وَسلم إِلَيْهِ الْقدر الْوَاجِب فِي مَاله
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده ليصرفه عَنهُ فِيمَا وَكله فِيهِ عَاملا فِي ذَلِك كُله بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا ويكمل
وَالْقَوْل قَول الْوَكِيل فِي تَفْرِقَة هَذِه الزكوات على مستحقيها
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي(1/166)
ذبح الضَّحَايَا وتفرقتها وَالْإِذْن للْوَكِيل فِي أكل بَعْضهَا: وكل فلَان فلَانا أَن يذبح ضحاياه عَنهُ وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته وَهِي عشر بدنات حمر
وَعشر بقرات صفر
وَمِائَة شَاة من الْغنم الضَّأْن البشموري أَو الشَّرْقِي أَو غَيره كُلهنَّ سالمات من الْعُيُوب الْمَانِعَة من إِدْخَال أَوْصَاف التَّضْحِيَة بهَا شرعا
وَأذن لَهُ أَن يفرق اللَّحْم على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من أمة سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وَأَن يَأْكُل من اللَّحْم إِذْنا شَرْعِيًّا قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي السّلم: وكل فلَان فلَانا أَن يدْفع إِلَى فلَان بِعَيْنِه أَو أَن يدْفع من مَاله إِلَى من أَرَادَ مبلغ كَذَا وَكَذَا سلما شَرْعِيًّا فِيمَا يرَاهُ الْوَكِيل الْمَذْكُور من المكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات الْجَائِز عَلَيْهَا عقد السّلم شرعا فِي دفْعَة وَاحِدَة أَو دفعات حَسْبَمَا يرَاهُ الْوَكِيل الْمَذْكُور حَالا ومقسطا ومؤجلا
وَدفع رَأس مَال السّلم فِي مجْلِس العقد الْوَاقِع بَينهمَا على مَا يتعاقداه من ذَلِك على أَن الْمُسلم إِلَيْهِ يقوم بِمَا يسلم إِلَيْهِ فِيهِ مَحْمُولا إِلَى الْبَلَد الْفُلَانِيّ توكيلا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة تَوْكِيل الْوَكِيل على أَن يرْهن لَهُ رهنا على دين فِي ذمَّته أَو على مَا يَتَرَتَّب فِي ذمَّته من الدّين أَو أَن يرتهن لَهُ رهنا من شخص فِي ذمَّته دين للْمُوكل: وكل فلَان فلَانا أَن يرْهن مَا هُوَ جَار فِي يَده وَملكه وتصرفه وَهُوَ كَذَا وَكَذَا على مَا هُوَ مُسْتَقر فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ لفُلَان بِمُقْتَضى مسطور شَرْعِي مبلغه كَذَا
مؤرخ بِكَذَا وعَلى مَا سيستقر فِي ذمَّته لفُلَان من الدّين الشَّرْعِيّ رهنا شَرْعِيًّا ويسلمه للْمُرْتَهن الْمَذْكُور على ذَلِك تَسْلِيمًا شَرْعِيًّا
وَأَن يرتهن لَهُ من فلَان كَذَا وَكَذَا على مَا لَهُ فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ ارتهانا شَرْعِيًّا بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويتسلمه لمُوكلِه الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ توكيلا شَرْعِيًّا
قبله مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا ويكمل
وَصُورَة تَوْكِيل الرَّاهِن فِي بيع الرَّهْن عِنْد حُلُول الدّين وَدفعه للْمُرْتَهن وَأحسن مَا يكْتب فِي ذيل مسطور الدّين بعد اسْتِيفَاء ذكر الرَّهْن يَقُول: وَبعد تَمام ذَلِك ولزومه شرعا: وكل فلَان الرَّاهِن الْمُسَمّى أَعْلَاهُ فلَانا فِي بيع الرَّهْن الْمَذْكُور عِنْد حُلُوله وَبعده بِثمن الْمثل وَمَا قاربه مِمَّن يرغب فِي ابتياعه
وَفِي قبض الثّمن
وَتَسْلِيم الْمَبِيع أَو فِي مقاصصة المُشْتَرِي إِن كَانَ هُوَ الْمُرْتَهن بِالثّمن الْوَاقِع عَلَيْهِ عِنْد عقد البيع إِلَى نَظِيره من الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ
وَفِي الْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد توكيلا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل(1/167)
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي الْهِبَة: وكل فلَان فلَانا أَن يهب فلَانا مَا هُوَ جَار فِي ملك الْمُوكل الْمَذْكُور وحيازته وَتَحْت يَده وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا وَأَن يسلم إِلَيْهِ الْهِبَة الْمَذْكُورَة توكيلا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة التَّوْكِيل فِي طَلَاق الزَّوْجَة على بدل مِنْهَا إِمَّا الصَدَاق أَو على مبلغ فِي ذمَّتهَا: وكل فلَان فلَانا فِي سُؤال زَوجته فُلَانَة أَن يطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو طَلْقَة ثَانِيَة مسبوقة بِأولى بعد الدُّخُول بِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَة
واعتراف الْمُوكل الْمَذْكُور حَالَة التَّوْكِيل بذلك على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَو على مبلغ كَذَا وَكَذَا فِي ذمَّتهَا توكيلا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا ويكمل
وَالله أعلم(1/168)
كتاب الْعَارِية
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الْعَارِية: إِبَاحَة الِانْتِفَاع بِعَين من الْأَعْيَان وَهِي مُشْتَقَّة من عَار الشَّيْء إِذا ذهب وَمِنْه قيل للغلام البطال: عيار
وَالْأَصْل فِي ثُبُوتهَا: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَفِي الْعَارِية إِعَانَة
وَقَوله تَعَالَى: {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون الَّذين هم يراؤون وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ ابْن مَسْعُود (الماعون: إِعَارَة الدَّلْو وَالْقدر وَالْمِيزَان) وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: هُوَ مَا يستعيره الْجِيرَان بَعضهم من بعض
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر (أَن الماعون الزَّكَاة)
وَأما السّنة: فروى أَبُو أُمَامَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن الله تَعَالَى قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث وَالْعَارِية مُؤَدَّاة) الحَدِيث
وروى أَبُو هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا من صَاحب إبل وَلَا بقر لم يؤد حَقّهَا إِلَّا بطح لَهَا يَوْم الْقِيَامَة بقاع قرقر) وَرُوِيَ: (قرق تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما فني أولاها عَاد عَلَيْهِ أخراها)
فَقيل: يَا رَسُول الله مَا حَقّهَا قَالَ: (عَارِية دلوها ومنحة لَبنهَا يَوْم ولادها) والقرق: المستوى
قَالَ الشَّاعِر: كَأَن أَيْدِيهنَّ بالقاع القرق أَيدي جوَار يتعاطين الْوَرق(1/169)
والقرقر: مثله
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة يَوْم حنين دروعا فَقَالَ: أغصبا يَا مُحَمَّد فَقَالَ: (بل عَارِية مَضْمُونَة)
وَأما الْإِجْمَاع: فقد أجمع الْمُسلمُونَ على جَوَاز الْعَارِية
وَأما الْقيَاس: فَلِأَنَّهُ لما جَازَ هبة الْأَعْيَان جَازَ هبة مَنَافِعهَا
وَيشْتَرط فِي الْمُعير أَن يكون مَالِكًا للمنفعة أَهلا للتبرع
فَيجوز للْمُسْتَأْجر أَن يعير وَلَا يجوز للْمُسْتَعِير أَن يعير الْعَارِية
لَكِن لَهُ أَن يَسْتَنِيب عَنهُ من يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَة لَهُ
وَيشْتَرط فِي الْمُسْتَعَار: أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ مَعَ بَقَاء عينه
وَلَا يجوز إِعَارَة الْأَطْعِمَة الَّتِي مَنْفَعَتهَا فِي الِاسْتِهْلَاك
وَيجوز إِعَارَة الْجَوَارِي للْخدمَة إِن أعَار من امْرَأَة أَو محرم
وَيكرهُ إِعَارَة العَبْد الْمُسلم من الْكَافِر
وَلَا بُد فِي الْإِعَارَة من لفظ: إِمَّا من جِهَة الْمُعير
كأعرتك هَذَا أَو خُذ هَذَا لتنتفع بِهِ أَو من جِهَة الْمُسْتَعِير بِأَن يَقُول: أعرني هَذَا
وَإِذا وجد اللَّفْظ من أَحدهمَا وَالْفِعْل من الآخر: كفى
وَلَو قَالَ: أعرتك حماري لتعلفه أَو دَاري لتطين سطحها أَو أعرتك حماري لتعيرني فرسك
فَهَذِهِ إِجَارَة فَاسِدَة توجب أُجْرَة الْمثل غير مَضْمُونَة
وَمؤنَة الرَّد على الْمُسْتَعِير
وَإِذا تلفت الْعَارِية بِالِاسْتِعْمَالِ فَعَلَيهِ الضَّمَان
وَإِن لم يكن مِنْهُ تَقْصِير
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيّ: أَنه لَا ضَمَان إِذا تلفت الْعَارِية بِالِاسْتِعْمَالِ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْعَارِية قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا
ومثاب عَلَيْهَا
وَاخْتلفُوا فِي ضَمَانهَا
فمذهب الشَّافِعِي وَأحمد: أَن الْعَارِية مَضْمُونَة على الْمُسْتَعِير مُطلقًا تعدى أَو لم يَتَعَدَّ
وَمذهب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه: أَنَّهَا أَمَانَة على كل وَجه لَا تضمن إِلَّا بتعد
وَيقبل قَوْله فِي تلفهَا
وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَمذهب مَالك: أَنه إِذا ثَبت هَلَاك الْعَارِية لَا يضمنهَا الْمُسْتَعِير سَوَاء كَانَ حَيَوَانا أَو حليا أَو ثيابًا مِمَّا يظْهر أَو يخفى إِلَّا أَن يتَعَدَّى فِيهِ
هَذِه أظهر الرِّوَايَات
وَذهب قَتَادَة وَغَيره إِلَى أَنه إِذا شَرط الْمُعير على الْمُسْتَعِير الضَّمَان صَارَت مَضْمُونَة عَلَيْهِ بِالشّرطِ
وَإِن لم يشْتَرط لم تكن مَضْمُونَة(1/170)
وَإِذا اسْتعَار شَيْئا فَهَل لَهُ أَن يعيره لغيره قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَهُ ذَلِك وَإِن لم يَأْذَن لَهُ الْمَالِك إِذا كَانَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمُسْتَعْمل
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز إِلَّا بِإِذن الْمَالِك
وَلَيْسَ للشَّافِعِيّ فِيهَا نَص ولأصحابه وَجْهَان
أصَحهمَا: عدم الْجَوَاز
وَاخْتلفُوا: هَل للْمُعِير أَن يرجع فِيمَا أَعَارَهُ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للْمُعِير أَن يرجع فِي الْعَارِية مَتى شَاءَ وَلَو بعد الْقَبْض وَإِن لم ينْتَفع بهَا الْمُسْتَعِير وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ إِلَى أجل لم يكن للْمُعِير الرُّجُوع فِيهَا إِلَى انْقِضَاء الْأَجَل
وَلَا يُمكن الْمُعير استعادة الْعَارِية قبل انْتِفَاع الْمُسْتَعِير بهَا
وَإِذا أعَار أَرضًا لبِنَاء أَو غراس
قَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا إِذا بنى أَو غرس بل للْمُعِير أَن يُعْطِيهِ قيمَة ذَلِك مقلوعا أَو يَأْمُرهُ بقلعه إِن كَانَ ينْتَفع بمقلوعه
فَإِن كَانَ لَهُ مُدَّة فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع قبل انْقِضَائِهَا
فَإِذا انْقَضتْ فَالْخِيَار للْمُعِير
كَمَا تقدم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وَقت لَهُ وقتا فَلهُ أَن يجْبرهُ على الْقلع
وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْإِجْبَار قبل انْقِضَائِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِن شَرط عَلَيْهِ الْقلع فَلهُ أَن يجْبرهُ عَلَيْهِ أَي وَقت اخْتَار
وَإِن لم يشرط فَإِن اخْتَار الْمُسْتَعِير الْقلع
قلع وَإِن لم يخْتَر فللمعير الْخِيَار بَين أَن يَتَمَلَّكهُ بِقِيمَتِه أَو يقْلع وَيضمن أرش النَّقْص
فَإِن لم يخْتَر الْمُعير لم يقْلع إِن بذل الْمُسْتَعِير الْأُجْرَة
فَائِدَة: الرَّد المبرىء من ضَمَان الْعَارِية: تَسْلِيمهَا إِلَى الْمَالِك أَو وَكيله
فَلهُ رد الْبَهِيمَة إِلَى الإصطبل وَالثَّوْب إِلَى الْبَيْت الَّذِي أَخذه مِنْهُ
وَإِذا لم يجد الْمُعير
فَسلم الدَّابَّة إِلَى زَوجته أَو وَلَده فَأرْسلت إِلَى المرعي فَضَاعَت فالمعير بِالْخِيَارِ بَين أَن يغرم الْمُسْتَعِير أَو الزَّوْجَة أَو الْوَلَد
المصطلح: وصوره تشْتَمل على أَنْوَاع مِنْهَا: صُورَة عَارِية الرجل ابْنَته أَو ابْنة جَارِيَته موطوءته للْخدمَة: أعَار فلَان وَلَده لصلبه فلَانا أَو ابْنَته لصلبه فُلَانَة جَمِيع الْجَارِيَة الحبشية أَو السَّوْدَاء التكرورية الْجِنْس أَو النوبية أَو الزنجية
الْمَرْأَة الْكَامِلَة المدعوة فُلَانَة المعترفة للْمُعِير الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية الَّتِي هِيَ مفترشة الْمُعير الْمَذْكُور أَو أم وَلَده لتقوم بِخِدْمَة المستعيرة أَو الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور خدمَة مثلهَا لمثلهَا أَو لمثله مُدَّة كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه عَارِية شَرْعِيَّة مُعْتَبرَة مرعية وجد فِيهَا شُرُوط صِحَّتهَا من الْإِعَارَة بِاللَّفْظِ بالصيغة الْمُعْتَبرَة وَوُجُود الِاسْتِعْمَال من المستعيرة
وَسلم إِلَيْهَا الْعَارِية الْمعينَة أَعْلَاهُ بالمقتضى المشروح أَعْلَاهُ
فتسلمتها مِنْهُ التسلم الشَّرْعِيّ
وَصَارَت فِي يَدهَا(1/171)
وحوزها
وَوَجَب لَهَا الِاسْتِخْدَام الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الوالدة لابنتها حليا وقماشا تتزين بِهِ: أعارت فُلَانَة ابْنَتهَا لبطنها فُلَانَة مَا ذكرت المعيرة الْمَذْكُورَة: أَنه لَهَا وبيدها وملكها وَتَحْت تصرفها إِلَى حَالَة الْعَارِية الْمَذْكُورَة
وصدقتها المستعيرة الْمَذْكُورَة على ذَلِك
وَذَلِكَ جَمِيع الْعِصَابَة الْمُشْتَملَة على لُؤْلُؤ ويصفه بعدته وَيذكر الْوَزْن بالمثاقيل وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل شَيْء مِنْهَا بِحَسبِهِ من الْحلِيّ والقماش واللباس والفرش
وَغير ذَلِك وَصفا تَاما يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة ثمَّ يَقُول: عَارِية صَحِيحَة شَرْعِيَّة جرت بَينهمَا بِاللَّفْظِ الْمُعْتَبر فِي ذَلِك شرعا لتنتفع بذلك انْتِفَاع مثلهَا بِالْمَعْرُوفِ باللبس والتزين والتجمل بِهِ وفرش مَا يفرش مِنْهُ وَاسْتِعْمَال مَا يسْتَعْمل مِنْهُ من الْأَوَانِي الصيني والنحاس مُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه بمنزلها الْكَائِن بالموضع الْفُلَانِيّ وسلمت إِلَى ابْنَتهَا المستعيرة الْمَذْكُورَة جَمِيع الْعَارِية الموصوفة أَعْلَاهُ
فتسلمتها مِنْهَا تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت فِي يَدهَا وحوزها وَوَجَب لَهَا الِانْتِفَاع بهَا الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ
قبلت ذَلِك مِنْهَا قبولا شَرْعِيًّا
هَذَا إِذا كَانَت المستعيرة بَالِغَة عَاقِلَة رَشِيدَة
وَإِن كَانَت بَاقِيَة تَحت حجر والدها
فَيَقَع التَّصْدِيق وَالتَّسْلِيم وَالْقَبُول مِنْهُ لمحجورته المستمرة تَحت حجره وَولَايَة نظره
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الْوَالِد لابنته الشورة وَهِي الجهاز للتجمل بِهِ: أعَار فلَان لابنته لصلبه فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ الَّتِي اعْترف برشدها عِنْد شُهُوده مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وتصرفه
وَذَلِكَ جَمِيع الشورة الْمُشْتَملَة على كَذَا وَكَذَا ويصف اشتمالاتها كلهَا
وَيذكر الْوَزْن وَالْقيمَة وَإِن كَانَ ملكا أَو دَارا وصفهَا وحددها ثمَّ يَقُول: إِعَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة مَقْبُولَة مسلمة مَقْبُوضَة بيد المستعيرة من الْمُعير بِإِذْنِهِ لَهَا فِي ذَلِك وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتشخيص الشَّرْعِيّ
وعَلى المستعيرة الْمَذْكُورَة حفظ ذَلِك وصونه وَالِانْتِفَاع بِهِ فِي منزلهَا بِموضع كَذَا
والتجمل بِهِ على الْعَادة فِي مثله بِحَيْثُ لَا يخرج ذَلِك وَلَا شَيْئا مِنْهُ عَن يَدهَا إِلَى أَن تعيده إِلَى الْمُعير على الصّفة المشروحة أَعْلَاهُ
وَاعْتَرَفت بِمَعْرِِفَة مِقْدَار الْعَارِية
وَمَا يلْزمهَا فِيهِ
وصدقت على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الدَّار للسُّكْنَى: أعَار فلَان فلَانا مَا ذكر الْمُعير الْمَذْكُور أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين هَذِه الْعَارِية
وَإِن كَانَت إِبَاحَة بِغَيْر أُجْرَة يَقُول: أَبَاحَ فلَان فلَانا جَمِيع الدَّار وَجَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها كَذَا وَكَذَا من أصل كَذَا وَكَذَا من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها عَارِية صَحِيحَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول الشرعيين أَو إِبَاحَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول لمُدَّة(1/172)
كَذَا وَكَذَا سنة يسكنهَا الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور أَو الْمُبَاح لَهُ الْمَذْكُور بِنَفسِهِ وَأَهله ومتاعه وخدمه لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ بِغَيْر أُجْرَة تلْزمهُ عَن ذَلِك وَسلم الْمُعير الْمَذْكُور إِلَى الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور أَو وَسلم الْمَبِيع الْمَذْكُور للمباح لَهُ الْمَذْكُور جَمِيع الدَّار أَو جَمِيع الْحصَّة من جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة
فتسلمها مِنْهُ على الحكم المشروح أَعْلَاهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت بِيَدِهِ وحوزه ثمَّ تفَرقا بالأبدان عَن ترَاض ثمَّ بعد تَمام ذَلِك ولزومه شرعا: قَامَ فلَان الْمُبِيح الْمَذْكُور فِي فسخ الْإِبَاحَة وَتمسك الْمُبَاح لَهُ بهَا
وَذكر أَنَّهَا من الْعُقُود الْجَائِزَة للمدة الْمَذْكُورَة على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء
وتصادقا على أَنَّهُمَا ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى حَاكم من حكام الْمُسلمين جَائِز الحكم وَالْقَضَاء ماضيهما
وَتقدم فلَان الْمُبِيح فِي فسخ هَذِه الْإِبَاحَة
وَامْتنع الْمُبَاح لَهُ من فَسخهَا وَتمسك بِالْعقدِ فِيهَا
وَسَأَلَ الحكم لَهُ بِمَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف فِي ذَلِك وَأَنه حكم بِصِحَّة هَذِه الْإِبَاحَة الْمدَّة الْمَذْكُورَة
وَقطع بإجازتها وإمضائها حكما شَرْعِيًّا بعد أَن ثَبت عِنْده صُدُور الْإِبَاحَة بَينهمَا فِي ذَلِك على الحكم المشروح أَعْلَاهُ ثبوتا شَرْعِيًّا مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل
وَصُورَة إِبَاحَة الزَّوْجَة السكن لزَوجهَا فِي الدَّار الْجَارِيَة فِي ملكهَا: أشهدت عَلَيْهَا فُلَانَة شُهُوده إشهادا شَرْعِيًّا: أَنَّهَا فِي يَوْم تَارِيخه أَبَاحَتْ زَوجهَا فلَان الَّتِي هِيَ فِي عصمته وَعقد نِكَاحه السكن بهَا فِي جَمِيع الْمنزل الْفُلَانِيّ أَو الْبَيْت الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ من حُقُوق الدَّار الْفُلَانِيَّة الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وتوصف وتحدد الَّتِي ذكرت المبيحة الْمَذْكُورَة أَنَّهَا لَهَا وَفِي ملكهَا وَتَحْت تصرفها بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ إِبَاحَة صَحِيحَة مَاضِيَة قَاطِعَة جَائِزَة نَافِذَة بِغَيْر أُجْرَة تلتمسها مِنْهُ وَلَا عوض وَلَا مُقَابل وَلَا مُكَافَأَة إِلَّا بِحسن الصُّحْبَة وَجَمِيل المعاشرة
وَأَن يسكن فِيهَا بهَا مَا دَامَت فِي عصمته وَعقد نِكَاحه
وسلمت إِلَيْهِ مَا وَقع عَلَيْهِ عقد هَذِه الْإِبَاحَة
فتسلمه مِنْهَا وَصَارَ بِيَدِهِ
وَوَجَب لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ وجوبا شَرْعِيًّا
وضمنت لَهُ الدَّرك فِي ذَلِك على أَنه مَتى نقلهَا من هَذَا الْمنزل الْمُخْتَص بهَا فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا طلب أجرته وَلَا غَيره بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب
قبل مِنْهَا الْمُبَاح لَهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ جَمِيع ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
واعترف كل مِنْهُمَا بِمَعْرِِفَة معنى ذَلِك
وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا
وَصُورَة عَارِية الدَّابَّة لرجل يركبهَا إِلَى مَكَان معِين: أعَار فلَان فلَانا مَا ذكر أَنه لَهُ
وَبِيَدِهِ
وَتَحْت تصرفه
وَذَلِكَ جَمِيع الْبَغْل أَو البغلة أَو الْحمار أَو الحصان أَو الْفرس أَو غير ذَلِك مِمَّا يركب وَيذكر شيته على أَن يركب هَذِه الدَّابَّة الْمَذْكُورَة من الْموضع الْفُلَانِيّ إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ ركُوب مثله لمثلهَا فِي الطَّرِيق الْمَأْمُون الْمَعْرُوف(1/173)
بسلوك عابري السَّبِيل من التُّجَّار والمسافرين وَغَيرهم ثمَّ يعود عَلَيْهَا إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ
عَارِية صَحِيحَة جَائِزَة مَضْمُونَة مَرْدُودَة مُؤَدَّاة وَسلم فلَان الْمُعير لفُلَان الْمُسْتَعِير الدَّابَّة الْمَذْكُورَة فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وَصَارَت بِيَدِهِ على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
قبل كل مِنْهُمَا ذَلِك من الآخر قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الأَرْض للغراس وَالْبناء: أعَار فلَان فلَانا جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْكَشْف الْبيَاض الخالية من الْعِمَارَة وَالْغِرَاس ويصفها ويحددها وَإِن ذكر ذرعها فَهُوَ أَجود عَارِية صَحِيحَة شَرْعِيَّة ليبني الْمُسْتَعِير فِيهَا مَا شَاءَ من الْبناء على الصّفة الَّتِي يختارها أَو ليغرس بهَا مَا شَاءَ من أَنْوَاع الْغِرَاس الْمُخْتَلف الثِّمَار مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة أَو أَكثر أَو أقل من تَارِيخه
وَأذن لَهُ فِي ذَلِك كُله إِذْنا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهِ الْعَارِية الْمَذْكُورَة فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَوَجَب للْمُسْتَعِير الْمَذْكُور الْبناء وَالْغِرَاس بِالْأَرْضِ المستعارة وَالِانْتِفَاع بهَا
وَبِمَا يستجده فِيهَا من الْعِمَارَة وَالْغِرَاس لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ
وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الْجِدَار لوضع الْجُذُوع: أعَار فلَان فلَانا جَمِيع الْحَائِط المستطيل الماد قبْلَة وَشمَالًا الْمَبْنِيّ بِالْحجرِ النحيت أَو المكسور أَو الْآجر أَو الطين أَو الجير الَّذِي ارتفاعه من الأَرْض كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وَطوله قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وَعرضه كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل وَهُوَ الْفَاصِل بَين دَار الْمُعير الْمَذْكُور الْقَدِيمَة الْبناء على الدَّار الَّتِي أَنْشَأَهَا الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور عَارِية صَحِيحَة شَرْعِيَّة ليضع الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا جذعا من الْخشب رواقا وَاحِدًا بداره الْمَذْكُورَة لمُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة أَو سنتَيْن أَو أقل أَو أَكثر من تَارِيخه
وَسلم الْمُعير الْمَذْكُور إِلَى الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور الْحَائِط الْمَذْكُور
وَأذن لَهُ فِي وضع الْجُذُوع الْمَذْكُورَة عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده
وَوَجَب لَهُ وضع الْجُذُوع عَلَيْهِ الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة عَارِية الأَرْض لدفن الْمَيِّت: أعَار فلَان فلَانا جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْكَشْف الْبيَاض الَّتِي هِيَ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
وذرعها قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
وشرقا وغربا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل وتحدد عَارِية صَحِيحَة شَرْعِيَّة ليدفن فِيهَا الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور موتاه وَيجْعَل لنَفسِهِ بهَا أزجا بِالْحِجَارَةِ مجوفا مقببا برسم دَفنه بِهِ وَيَبْنِي حول ذَلِك عمَارَة ويغرس بباقي الأَرْض الْمَذْكُورَة غراسا مُخْتَلفا ألوانه وأنواعه مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة من تَارِيخه لم يرجع فِي الأَرْض الَّتِي بهَا الدّفن مَا لم يبل الْمَيِّت وَيرجع فِي الْبَاقِي عِنْد فرَاغ الْمدَّة أَعْلَاهُ
وانقضائها على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَسلم الْمُعير الْمَذْكُور إِلَى الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور الأَرْض المستعارة المذروعة المحدودة بأعاليه
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَوَجَب لَهُ الِانْتِفَاع بهَا الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَالله أعلم(1/174)
كتاب الْغَصْب
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْغَصْب محرم
وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} وَقَوله تَعَالَى: {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا} وَقَوله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله} وَالسَّرِقَة من الْغَصْب
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته فِي حجَّة الْوَدَاع: (أَلا إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا) وَمعنى ذَلِك: دِمَاء بَعْضكُم على بعض وأموال بَعْضكُم على بعض
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) وروى عبد الله بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَأْخُذن أحدكُم مَال أَخِيه لاعبا وَلَا جادا
فَمن أَخذ عَصا لِأَخِيهِ فليردها) وروى سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترده) وَرُوِيَ (حَتَّى تُؤَدِّيه) وروى يعلى بن مرّة الثَّقَفِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أَخذ(1/175)
أَرضًا بِغَيْر حَقّهَا كلف أَن يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر) وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أَخذ من الأَرْض شبْرًا بِغَيْر حَقه طوقه من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان لَا يُبَالِي الْمَرْء بِمَا أَخذ المَال بحلال أَو بِحرَام)
وَأما الْإِجْمَاع: فقد أَجمعت الْأمة على تَحْرِيم الْغَصْب
قَالَ الصَّيْمَرِيّ: من غصب شَيْئا واعتقد إِبَاحَته: كفر بذلك وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه: فسق بِفِعْلِهِ وَردت شَهَادَته
وَالْغَصْب: هُوَ الِاسْتِيلَاء على مَال الْغَيْر على وَجه التَّعَدِّي
وَالرُّكُوب على دَابَّة الْغَيْر وَالْجُلُوس على فرَاش الْغَيْر غَاصِب لما عَلَيْهِ
وَإِن لم ينْقل ذَلِك وَلَو دخل دَار الْغَيْر وأزعجه مِنْهَا فَكَذَلِك
وَلَو أزعجه وقهره على الدَّار وَلم يدْخل صَار غَاصبا
وَلَو سكن بَيْتا
وَمنع الْمَالِك مِنْهُ دون بَاقِي الدَّار
فَهُوَ غَاصِب لذَلِك الْبَيْت فَقَط
وَلَو دخل على قصد الِاسْتِيلَاء وَلم يكن الْمَالِك فِي الدَّار فَهُوَ غَاصِب
وَإِن سكن بهَا وَلم يزعجه
فَهُوَ غَاصِب لنصف الدَّار إِلَّا أَن يكون السَّاكِن ضَعِيفا لَا يعد مثله مستوليا فَلَا يكون غَاصبا
وعَلى الْغَاصِب رد الْمَغْصُوب
فَإِن تلف فِي يَده ضمنه
وَكَذَلِكَ الْأَيْدِي المترتبة على يَد الْغَاصِب أَيدي ضَمَان
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: الْإِجْمَاع قد انْعَقَد على تَحْرِيم الْغَصْب وتأثيم الْغَاصِب وَأَنه يجب رد الْمَغْصُوب إِن كَانَت عينا بَاقِيَة وَلم يخف من نَزعهَا إِتْلَاف نفس
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعرُوض وَالْحَيَوَان وكل مَا كَانَ غير مَكِيل وَلَا مَوْزُون إِذا غصب وَتلف يضمن بِقِيمَتِه
وَأَن الْمكيل وَالْمَوْزُون يضمن بِمثلِهِ إِذا وجده إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَمن جنى على مَتَاع إِنْسَان فأتلف عَلَيْهِ غَرَضه الْمَقْصُود مِنْهُ
فَالْمَشْهُور عَن مَالك: أَنه يلْزمه قِيمَته لصَاحبه وَيَأْخُذ الْجَانِي ذَلِك الشَّيْء المتعدى عَلَيْهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين المركوب وَغَيره وَلَا بَين أَن يقطع ذَنْب حمَار القَاضِي أَو أُذُنه أَو غَيره مِمَّا يعلم أَن مثله لَا يركب مثل ذَلِك إِذا جنى عَلَيْهِ
وَسَوَاء كَانَ حمارا أَو بغلا أَو فرسا
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور(1/176)
عَنهُ
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن على الْجَانِي مَا نقص
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن جنى على ثوب حَتَّى أتلف أَكثر مَنَافِعه لزمَه قِيمَته وَيسلم الثَّوْب إِلَيْهِ
فَإِن أذهب نصف قِيمَته أَو دونهَا
فَلهُ أرش مَا نقص
وَإِن جنى على حَيَوَان ينْتَفع بِلَحْمِهِ وظهره كبعير وَغَيره
فَإِنَّهُ إِذا قلع إِحْدَى عَيْنَيْهِ لزمَه دفع نصف قِيمَته
وَفِي الْعَينَيْنِ جَمِيع الْقيمَة وَيرد على الْجَانِي بِعَيْنِه إِن كَانَ مَالِكه قَاض أَو عدله
وَقَالَ فِي غير هَذَا الْجِنْس: مَا نقص
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: فِي جَمِيع ذَلِك مَا نقص
وَمن جنى على شَيْء غصبه بعد غصبه جِنَايَة لزم مَالِكه عِنْد مَالك أَخذه مَعَ مَا نَقصه الْغَاصِب أَو يَدْفَعهُ إِلَى الْغَاصِب وَيلْزمهُ بِقِيمَتِه يَوْم الْغَصْب
وَالشَّافِعِيّ يَقُول: لصَاحبه أرش مَا نقص وَهُوَ قَول أَحْمد
وَمن جنى على عبد غَيره
فَقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ
فَإِن كَانَ أبطل غَرَض سَيّده مِنْهُ فلسيده أَن يُسلمهُ إِلَى الْجَانِي وَيعتق على الْجَانِي إِن كَانَ قد تعمد ذَلِك
وَيَأْخُذ السَّيِّد قِيمَته من الْجَانِي أَو يمسِكهُ وَلَا شَيْء لَهُ
هَذَا هُوَ الرَّاجِح من مَذْهَب مَالك
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نقص وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يُسلمهُ وَيَأْخُذ قِيمَته أَو يمسِكهُ وَلَا شَيْء لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يمسِكهُ وَيَأْخُذ جَمِيع قِيمَته من الْجَانِي تَنْزِيلا على أَن قيمَة العَبْد كديته
وَمن مثل بِعَبْد فَقطع أَنفه أَو يَده أَو قلع سنه عتق عَلَيْهِ عِنْد مَالك
وَاخْتلف قَوْله: هَل يعْتق بِنَفس الْجِنَايَة أَو يحكم الْحَاكِم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يعْتق عَلَيْهِ بالمثلة
وَمن غصب جَارِيَة على صفة
فزادت عِنْده زِيَادَة كسمن أَو تعلم صَنْعَة حَتَّى علت قيمتهَا ثمَّ نقصت الْقيمَة بهزال أَو نِسْيَان للصنعة: كَانَ لسَيِّدهَا أَخذهَا بِلَا أرش وَلَا زِيَادَة
وَهَذَا قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ أَخذهَا وَأرش نقص تِلْكَ الزِّيَادَة الَّتِي كَانَت حدثت عِنْد الْغَاصِب
وَالزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ إِذا حدث بعد الْغَصْب فَهِيَ غير مَضْمُونَة عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مَضْمُونَة على الْغَاصِب بِكُل حَال
فصل: وَاخْتلف فِي مَنَافِع الْغَصْب
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ غير مَضْمُونَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: وجوب الضَّمَان
وَالثَّانيَِة: إِسْقَاط الضَّمَان وَالثَّالِثَة: إِن كَانَت دَارا فسكنها الْغَاصِب بِنَفسِهِ لم يضمن وَإِن أجرهَا لغيره ضمن
فعلى هَذَا: إِذا كَانَ الْمَغْصُوب حَيَوَانا فَرده لَا يضمن
وَإِن أنكرهُ ضمن
وَعنهُ رِوَايَة رَابِعَة أَن الْغَاصِب إِذا كَانَ قَصده الْمَنْفَعَة كَالَّذي يسخر دَوَاب النَّاس
فَإِنَّهُ يُوجب ضَمَان الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ رِوَايَة وَاحِدَة(1/177)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه: هِيَ مَضْمُونَة
وَإِذا غصب جَارِيَة وَوَطئهَا
فَعَلَيهِ الْحَد وَالرَّدّ عِنْد الثَّلَاثَة
وَقِيَاس مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنه يحد وَلَا أرش عَلَيْهِ للْوَطْء
فَإِن أولدها وَجب رد الْوَلَد وَهُوَ رَقِيق للْمَغْصُوب مِنْهُ
وَأرش مَا نقصته الْولادَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن جبر الْوَلَد النَّقْص فَلَا أرش
وَإِذا غصب دَارا أَو عبدا أَو ثوبا وَبَقِي فِي يَده مُدَّة وَلم ينْتَفع بِهِ فِي سكن وَلَا كِرَاء وَلَا اسْتِخْدَام وَلَا ركُوب وَلَا لبس إِلَى أَن أَخذه من الْغَاصِب فَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ للمدة الَّتِي بَقِي فِيهَا فِي يَده وَلم ينْتَفع بِهِ
هَذَا قَول مَالك وَأبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ أُجْرَة الْمدَّة الَّتِي كَانَت فِي يَده أُجْرَة الْمثل
وَالْعَقار وَالْأَشْجَار تضمن بِالْغَصْبِ
فَمَتَى غصب شَيْئا من ذَلِك
فَتلف بسيل أَو حريق أَو غَيره: لزمَه قِيمَته يَوْم الْغَصْب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: إِن مَا لَا ينْقل كالعقار لَا يكون مَغْصُوبًا بِإِخْرَاجِهِ عَن يَد مَالِكه إِلَّا أَن يجني الْغَاصِب عَلَيْهِ ويتلف بِسَبَب الْجِنَايَة
فَيضمنهُ بِالْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَة
وَمن غصب إسطوانه أَو لبنة وَبنى عَلَيْهَا لم يملكهَا الْغَصْب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَعند أبي حنيفَة يملكهَا وَيجب عَلَيْهِ قيمتهَا للضَّرَر الْحَاصِل على الْبَاقِي بهدم الْبناء وبسبب إخْرَاجهَا
وَاتَّفَقُوا على أَن من غصب قِطْعَة من سَاج وأدخلها فِي سفينة
فطالبه بهَا مَالِكهَا وَهُوَ فِي لجة الْبَحْر: أَنه لَا يجب عَلَيْهِ قلعهَا إِلَّا مَا حكى عَن الشَّافِعِي: أَنَّهَا تقلع
وَالأَصَح أَن ذَلِك إِذا لم يخف تلف نفس أَو مَال
فصل: وَمن غصب ذَهَبا أَو فضَّة فصاغ ذَلِك
حليا أَو ضربه دَنَانِير أَو دَرَاهِم أَو نُحَاسا أَو رصاصا أَو حديدا فَاتخذ مِنْهُ آنِية أَو سيوفا
فَعِنْدَ مَالك: عَلَيْهِ فِي ذَلِك كُله مثل مَا غصب فِي وَزنه وَصفته وَكَذَا لَو غصب ساجة فعملها أبوابا أَو تُرَابا فعمله لَبَنًا
وَكَذَلِكَ الْحِنْطَة إِذا طحنها وخبزها
وَقَالَ الشَّافِعِي: يرد ذَلِك كُله على الْمَغْصُوب مِنْهُ
فَإِن كَانَ فِيهِ نقص ألزم الْغَاصِب بِالنَّقْصِ
وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة مَالِكًا إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا صاغهما
هَكَذَا نقل فِي عُيُون الْمسَائِل
وَقَالَ القَاضِي ابْن رشد فِي الْمسَائِل: إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو شَاة فذبحها
أَو ثوبا فَقَطعه
كَانَ كل ذَلِك للْمَغْصُوب مِنْهُ عِنْد الشَّافِعِيَّة والمالكية وَلم يملكهُ الْغَاصِب
وَكَذَلِكَ إِذا غصب بَيْضَة فحطها تَحت دجَاجَة أَو حبا فزرعه أَو نواة فغرسها
وَعند الْحَنَفِيَّة: تلْزم الْقيمَة(1/178)
فصل: فتح قفص طَائِر بِغَيْر إِذن مَالِكه فطار
ضمنه الفاتح عِنْد مَالك وَأحمد
وَكَذَلِكَ إِذا حل دَابَّة من قيدها فهربت أَو عبدا مُقَيّدا أَو هربت الدَّابَّة فِي الْحَال عقب الْفَتْح والحل إِذا وقفت بعده ثمَّ طَار أَو هربت
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن طَار الطَّائِر أَو هربت الدَّابَّة بعد مَا وقفت سَاعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ ذَلِك عقب الْفَتْح أَو الْحل
فَقَوْلَانِ أصَحهمَا: الضَّمَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان على من فعل ذَلِك على كل وَجه
وَإِذا غصب عبدا فأبق أَو دَابَّة فهربت أَو عينا فسرقت أَو ضَاعَت
فَعِنْدَ مَالك: يغرم قيمَة ذَلِك وَتصير الْقيمَة ملكا للْمَغْصُوب مِنْهُ
وَيصير الْمَغْصُوب عِنْده ملكا للْغَاصِب حَتَّى لَو وجد الْمَغْصُوب لم يكن للْمَغْصُوب مِنْهُ الرُّجُوع فِيهِ وَلَا للْغَاصِب الرُّجُوع فِي الْقيمَة إِلَّا بتراضيهما وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَّا فِي صُورَة
وَهِي مَا لَو فقد الْمَغْصُوب فَقَالَ الْمَغْصُوب مِنْهُ: قِيمَته مائَة
وَقَالَ الْغَاصِب: خَمْسُونَ
وَحلف غرم خمسين مُقَيّدا خوف هربه فهرب فَعَلَيهِ قِيمَته
وَسَوَاء عِنْد مَالك طَار الطَّائِر ثمَّ وجد الْمَغْصُوب وَقِيمَته مائَة كَمَا ذكر
فَإِن لَهُ أَن يرجع فِي الْمَغْصُوب وَترد الْقيمَة
وَعند مَالك يرجع الْمَالِك بِفضل الْقيمَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْمَغْصُوب مِمَّا ذكر بَاقٍ على ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ
فَإِذا وجد الْمَغْصُوب مِنْهُ الْقيمَة الَّتِي كَانَ أَخذهَا وَأخذ الْمَغْصُوب
وَأما إِذا كتم الْغَاصِب الْمَغْصُوب وَادّعى هَلَاكه فَأخذ مِنْهُ الْقيمَة ثمَّ ظهر الْمَغْصُوب
فَلَا خلاف أَن للْمَغْصُوب مِنْهُ أَخذه
وَيرد الْقيمَة
فصل: وَمن غصب عقارا فَتلف فِي يَده
إِمَّا بهدم أَو سيل أَو حريق
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضمن الْقيمَة
وَعَن أبي حنيفَة: أَنه إِذا لم يكن ذَلِك بِسَبَبِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَلَو غصب أَرضًا وزرعها فأدركها رَبهَا قبل أَن يَأْخُذ الزَّرْع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ إِجْبَاره على الْقلع
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ وَقت الزَّرْع لم يفت فللمالك الْإِجْبَار
وَإِن فَاتَ فروايتان أشهرهما: لَيْسَ لَهُ قلعه
وَله أُجْرَة الأَرْض
وَقَالَ أَحْمد: إِن شَاءَ صَاحب الأَرْض أَن يقر الزَّرْع فِي أرضه إِلَى الْحَصاد وَله الْأُجْرَة وَمَا نقص الزَّرْع
وَإِن شَاءَ دفع إِلَيْهِ قيمَة الزَّرْع وَكَانَ الزَّرْع لَهُ
وَإِذا أراق مُسلم خمرًا على ذمِّي فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَكَذَلِكَ إِذا أتلف عَلَيْهِ خنزيرا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يغرم الْقيمَة لَهُ فِي ذَلِك
تذييل: كل من غصب شَيْئا وَعمل فِيهِ عملا
كَانَ لَهُ إبِْطَال عمله إِلَّا فِي خمس مسَائِل(1/179)
إِحْدَاهَا: إِذا غصب غزلا فنسجه ثوبا
الثَّانِيَة: إِذا غصب نقرة فضربها دَرَاهِم
الثَّالِثَة: إِذا غصب طينا وضربه لَبَنًا
الرَّابِعَة: إِذا غصب جَوْهَر زجاج فاتخذه آنِية
الْخَامِسَة: إِذا غصب ذَهَبا وَفِضة
وَاتخذ ذَلِك حليا
والمعاني: الَّتِي يجب بهَا الضَّمَان سَبْعَة: الْغَصْب وَالْعَارِية والتعدي والإتلاف وَمَنَافع الْإِجَارَة على أحد الْقَوْلَيْنِ بعد انْقِضَاء الْأَجَل
وَالشَّيْء الْمَقْبُوض على البيع الْفَاسِد وَالشَّيْء الْمَقْبُوض على السّوم
والمضمونات: على خَمْسَة أَقسَام
أَحدهَا: مَا يضمن بِمثلِهِ
وَالثَّانِي: مَا يضمن بِقِيمَتِه
وَالثَّالِث: مَا يضمن بِغَيْرِهِ
وَالرَّابِع: مَا يضمن بِأَقَلّ الْأَمريْنِ
وَالْخَامِس: مَا يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ
فَأَما مَا يضمن بِمثلِهِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الْمكيل
وَالْمَوْزُون وَالذَّهَب وَالْفِضَّة
وَأما مَا يضمن بِقِيمَتِه: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الدّور والحيوانات والسلع وَمَنَافع الْإِجَارَة
وَأما مَا يضمن بِغَيْرِهِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الْمَبِيع فِي يَد البَائِع وَلبن الْمُصراة وَالْمهْر فِي يَد الزَّوْج
وجنين الْأمة
وَأما مَا يضمن بِأَقَلّ الْأَمريْنِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الضَّامِن إِذا بَاعَ شَيْئا من الْمَضْمُون لَهُ بالمضمون بِهِ صَحَّ فِي وَجه وَالسَّيِّد إِذا أتلف العَبْد الْجَانِي
والراهن إِذا أتلف الرَّهْن وَالرَّابِع: مهر الْمَرْأَة إِذا هربت من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام فِي وَقت الْهُدْنَة
وَأما مَا يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ: فنوعان
أَحدهمَا: الْمُلْتَقط بيع اللّقطَة بعد مُضِيّ الْحول ومجيء صَاحبهَا
فَإِنَّهُ يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ
وَالثَّانِي: أَن يَأْخُذ سلْعَة ليبيعها فيتعدى عَلَيْهَا ثمَّ يَبِيعهَا
فَإِنَّهُ يضمن أَكثر الْأَمريْنِ فِي ثمنه وَقِيمَته
انْتهى
المصطلح: وتشتمل صوره على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة رد عين الْمَغْصُوب: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه كَانَ من قبل تَارِيخه استولى على جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الَّتِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها الْجَارِيَة فِي ملك فلَان على سَبِيل الْغَصْب والتعدي وانتزعها من يَده قهرا وظلما وانتفع بهَا انْتِفَاع مثلهَا بالزرع وَالْغِرَاس وَالْبناء وَأَنه الْآن رَجَعَ إِلَى الله تَعَالَى
وَتَابَ إِلَيْهِ وعَلى(1/180)
أَنه وَجب عَلَيْهِ رد الأَرْض الْمَذْكُورَة إِلَى مَالِكهَا فَردهَا إِلَيْهِ خَائفًا من الله تَعَالَى متحذرا مَا حذره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ: (من ظلم قيد شبر من الأَرْض طوقه من سبع أَرضين) وَسلم الأَرْض الْمَذْكُورَة إِلَى مَالِكهَا
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا ثمَّ بَاعَ الْغَاصِب الْمَذْكُور مِنْهُ جَمِيع الْبناء وَالْغِرَاس الْقَائِم على الأَرْض الْمَذْكُورَة المحدودة الموصوفة بأعاليه
الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصفه وَصفا تَاما فَاشْترى ذَلِك مِنْهُ شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا تصادق الْمُتَبَايعَانِ الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على أَن مُدَّة الْغَصْب للْأَرْض الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ واستقرارها بيد الْغَاصِب الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا سنة مُتَقَدّمَة على تَارِيخه وَإِلَى تَارِيخه وَأَن أُجْرَة الْمثل لَهَا عَن الْمدَّة الْمَذْكُورَة مبلغ كَذَا وَكَذَا
قاصص المُشْتَرِي الْمَذْكُور البَائِع الْمَذْكُور بِمَا وَجب لَهُ من أُجْرَة الْمثل للْأَرْض الْمَذْكُورَة وَهُوَ كَذَا بنظيره من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
مقاصصة شَرْعِيَّة وَدفع إِلَيْهِ الْبَاقِي من الثّمن وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك لَهُ وَملكه بِحكم هَذَا التبايع المشروح أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة غصب مَكِيل ورد مثله أَو قِيمَته
أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من قبل تَارِيخه استولى لفُلَان على عشْرين مكوكا أَو غرارة أَو إردبا من الْقَمْح الصعيدي أَو الْبُحَيْرِي أَو من الْحِنْطَة الصَّفْرَاء الجيدة الهودية أَو الأحصبة أَو المرجبة أَو العميقية أَو اللقيمية أَو الزيلعية أَو الجزائرية أَو غير ذَلِك
وَأَنه تصرف فِي ذَلِك لنَفسِهِ وأزال عينه وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي
فَحكم عَلَيْهِ بِمثل الْحِنْطَة الْمَذْكُورَة وألزمه بِدفع ذَلِك إِلَيْهِ
فَدفعهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَنَقله إِلَى ملكه
وَصَارَ ذَلِك لَهُ
وَملكه بِحكم هَذَا الترافع أَو يَقُول: وأنهما ترافعا إِلَى حَاكم حنبلي الْمَذْهَب
وتداعيا لَدَيْهِ بذلك فَأوجب عَلَيْهِ قيمَة الْحِنْطَة الْمَذْكُورَة
وَحكم عَلَيْهِ بذلك على مُقْتَضى مذْهبه الشريف حكما شَرْعِيًّا
فَدفع إِلَيْهِ الْقيمَة عَن ذَلِك
وَهِي كَذَا وَكَذَا
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وتصادقا على ذَلِك تَصَادقا شَرْعِيًّا ويكمل
وَصُورَة غصب الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَالضَّمان بِقِيمَتِه بعد إِتْلَافه: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْجمل الْأَحْمَر الفاطر أَو أول فطر وَجَمِيع الْحمل القماش(1/181)
السكندري الَّذِي عدته من التفاصيل كَذَا وَكَذَا تفصيلة وَمن الثِّيَاب المرش كَذَا وَكَذَا ثوبا
وَكَذَا وَكَذَا منديلا محيشي وَأَن قيمَة الْجمل الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا وَقِيمَة القماش كَذَا وَكَذَا الْقيمَة العادلة لَهُ حِين الْغَصْب وَأَنه تصرف فِي ذَلِك بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي أَو إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَحكم عَلَيْهِ بذلك بعد اعترافه لَدَيْهِ وتصديقه على ذَلِك كُله أَو بعد قيام الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْد الْحَاكِم بذلك
وَدفع إِلَيْهِ الْقيمَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويستوفى أَلْفَاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويكمل
وَصُورَة غصب العَبْد سمينا ورده هزيلا مَعَ أرش مَا نقص وَهُوَ صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد خلافًا ل مَالك وَأبي حنيفَة: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْمَمْلُوك الرُّومِي الْجِنْس أَو الحبشي أَو غَيره العشاري الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف للْمَغْصُوب مِنْهُ بِالرّقِّ والعبودية وَأَنه اسْتعْمل الرَّقِيق الْمَذْكُور فهزل وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
وَحكم على الْغَاصِب الْمَذْكُور بِأَرْش مَا نقص بالهزال وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وأنهما اتفقَا على أَن يدْفع إِلَيْهِ مَمْلُوكه الْمَذْكُور ومبلغ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ أرش مَا نقص الْمَمْلُوك الْمَذْكُور بالهزال وَرَضي الْمَغْصُوب مِنْهُ بذلك وَسلم الْغَاصِب الْمَذْكُور إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ مَمْلُوكه الْمَذْكُور والمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلم ذَلِك مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر إِلَى آخِره
ويكمل
وَصُورَة غصب الْجَارِيَة وإحبالها واستيلادها
وَوُجُوب الْحَد على الْغَاصِب وَأَنه غير مُحصن فَكَانَ حَده الضَّرْب
وَالْحكم عَلَيْهِ بعد اسْتِيفَاء الْحَد برد الْجَارِيَة إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ وَأرش مَا نقصتها الْولادَة ورد الْوَلَد إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ رَقِيقا وَبيعه وَأمه من وَالِده الْغَاصِب بعد ذَلِك
حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول غصب من الْحَاضِر الثَّانِي جَمِيع الْجَارِيَة التترية الْجِنْس الْمَرْأَة الْمسلمَة الْحَاضِرَة بحضورهما أَيْضا عِنْد شُهُوده المعترفة للْمَغْصُوب مِنْهُ بِالرّقِّ والعبودية
وَأَنه افترشها وأولدها ولدا يدعى فلَان وأنهما ترافعا إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي وَادّعى الثَّانِي على الأول بِالْغَصْبِ وَأقَام عَلَيْهِ بِهِ الْبَيِّنَة وَأَنه اعْترف بذلك بعد ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَأَن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ حكم عَلَيْهِ بِالْحَدِّ بعد أَن ثَبت عِنْده أَنه غير مُحصن
وَحكم عَلَيْهِ برد الْجَارِيَة الْمَغْصُوبَة إِلَى مَالِكهَا وبأرش مَا نقصت بِالْوَطْءِ والولادة وَبرد الْوَلَد الْمَذْكُور(1/182)
إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ رَقِيقا لَهُ حكما شَرْعِيًّا
وَاسْتوْفى الْحَد مِنْهُ ورد الْوَلَد على الْمَغْصُوب مِنْهُ
فتسلم مِنْهُ الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَذْكُور
وَدفع إِلَيْهِ الْأَرْش وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا ثمَّ بعد ذَلِك اشْترى الْغَاصِب الْمَذْكُور من الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور جَمِيع الْجَارِيَة وَوَلدهَا مِنْهُ الْمَذْكُور الرَّضِيع الْمَدْعُو فلَان شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا
وَدفع إِلَيْهِ الثّمن فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهِ الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَذْكُورين فتسلمهما مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وَعتق وَلَده الْمَذْكُور عَلَيْهِ حِين دُخُوله فِي ملكه بِعقد هَذَا البيع وَمُقْتَضَاهُ عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا غصب رجل جَارِيَة من رجل وباعها من آخر فأولدها المُشْتَرِي وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا مَغْصُوبَة وترافعا إِلَى حَاكم شَافِعِيّ فَحكم برد الْجَارِيَة إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ وَمهر مثلهَا وعَلى المُشْتَرِي من الْغَاصِب بِأَن يفتدي وَلَده بِقِيمَتِه وَيكون حرا وبالرجوع على الْغَاصِب بذلك كُله وَتَسْلِيم مَا وَجب للْمَغْصُوب مِنْهُ من الْجَارِيَة وَمهر الْمثل وَقِيمَة الْوَلَد
وابتياع الْجَارِيَة لأَب الْوَلَد أَو إعْتَاقهَا وتزويجها بأب الْوَلَد
حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ طَوْعًا فِي صِحَّته وسلامته: أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْجَارِيَة الْفُلَانِيَّة غصبا عُدْوانًا وَأَنه بَاعهَا من فلَان وَأَن فلَانا افترشها وأولدها على فرَاشه ولدا يدعى فلَان وَأَنَّهُمْ بعد ذَلِك ترافعوا إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
وتحاكموا عِنْده وتحرر الْأَمر بَينهم على أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ مَا حصلت الدَّعْوَى بِهِ من الْغَصْب وَالْبيع والافتراش والولادة وَمَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوته عِنْده شرعا بالاعتراف أَو بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَأَنه حكم على المُشْتَرِي المفترش الْمَذْكُور برد الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وبمهر مثلهَا بعد ثُبُوت مِقْدَاره لَدَيْهِ وَقِيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور مِنْهَا إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ حكما شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فبمقتضى ذَلِك دفع فلَان الْمَذْكُور إِلَى فلَان الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور جَمِيع الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة ومبلغ كَذَا وَكَذَا
من ذَلِك مَا هُوَ مهر مثلهَا الثَّابِت شرعا كَذَا وَكَذَا
وَالْبَاقِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا قيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ للدافع الْمَذْكُور بِالرُّجُوعِ على فلَان الْغَاصِب الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِمهْر الْمثل وَقِيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور حكما شَرْعِيًّا
وَقبض كل من الْمَغْصُوب مِنْهُ وَأبي الْوَلَد من الآخر مَا وَجب لَهُ قَبضه شرعا
ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا: أعتق الْمَغْصُوب مِنْهُ الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَزوجهَا بِإِذْنِهَا ورضاها من فلَان وَالِد ابْنهَا الْمَذْكُور تزويجا شَرْعِيًّا بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة على صدَاق مبلغه كَذَا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا(1/183)
شَرْعِيًّا وَوَقع الْإِشْهَاد بذلك على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ وبتصادقهما على ذَلِك كُله فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَصُورَة مَا إِذا غصب من رجل شَيْئا وَاسْتَعْملهُ على سَبِيل الْغَصْب حَتَّى هلك وَلَزِمتهُ قِيمَته: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من قبل تَارِيخه تعدى على فلَان فِي مَتَاعه ويصفه وَأَخذه قهرا
وَاسْتولى عَلَيْهِ عُدْوانًا
وَاسْتَعْملهُ على سَبِيل الْغَصْب حَتَّى هلك وَذَهَبت عينه وَأَن أقْصَى قِيمَته كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك لزم ذمَّته بِالسَّبَبِ الْمعِين أَعْلَاهُ يقوم لَهُ بذلك حَالا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا وَصدقه الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا غصب جَارِيَة وَوَطئهَا عَالما بِالتَّحْرِيمِ أَو جَاهِلا بِهِ: أشهد عَلَيْهِ فلَان: أَنه غصب فُلَانَة جَارِيَة فلَان
وَاسْتولى عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن سَيِّدهَا وَوَطئهَا وطئا يُوجب الْمهْر وَأَن الْمهْر كَذَا وَكَذَا وَأَن ذمَّته مَشْغُولَة بِهِ وَيلْزمهُ دفع ذَلِك لمولاها بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَأَنه عَالم بِالتَّحْرِيمِ
وَأَن الْوَلَد إِذا وَلدته من ذَلِك الْوَطْء رَقِيق لسَيِّدهَا الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ كتب: وَأَن الْوَلَد حر نسيب بِحكم جَهله بِالتَّحْرِيمِ حَالَة الْوَطْء
وَأَن الْقيمَة للْوَلَد يَوْم الِانْفِصَال كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك لَازم ذمَّته لسَيِّد الْجَارِيَة حَالا
وَأَنه مَلِيء قَادر بذلك
وَصدقه السَّيِّد الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة دفع الشَّيْء الْمَغْصُوب لمَالِكه: يصدر بالاعتراف من الْمَغْصُوب مِنْهُ بالتسلم إِن كَانَ بِعَيْنِه وَإِن كَانَ مثله كتب: وَهُوَ مثل مَا غصبه مِنْهُ وَإِن كَانَ أقْصَى قِيمَته كتب: وَهُوَ أقْصَى قيمَة مَا غصبه مِنْهُ ويذيل بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل صُورَة من صور الْغَصْب وَغَيره
قَاعِدَة: الْكَاتِب لهَذِهِ الصِّنَاعَة الحاذق فِيهَا يسْتَخْرج الوقائع ويرتبها على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وينزلها تَنْزِيلا مطابقا
وَإِذا كتب شَيْئا فَلَا ينْتَقل مِنْهُ لغيره حَتَّى ينهيه ويستوفيه ويفرغ مِنْهُ وَإِلَّا فتجيء الْكِتَابَة مبددة
فَإِن الْمَأْكُول إِذا عمل قانون الْحِكْمَة أَكثر شهيا
وَلَا يخفى ذَلِك على الحاذق البارع
انْتهى(1/184)
كتاب الشُّفْعَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الشُّفْعَة: اشتقاقها فِي اللُّغَة على أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا من شفعت الشَّيْء أَي ضممته فَهِيَ ضم نصيب إِلَى نصيب وَمِنْه: شفع الْأَذَان
ثَانِيهَا: من الزِّيَادَة وَمِنْه شَاة شَافِع أَي: حَامِل لِأَنَّهَا زَادَت بِوَلَدِهَا
ثَالِثهَا: أَنَّهَا من التقوية والإعانة
لِأَنَّهُ يتقوى بِمَا يَأْخُذهُ وَمِنْه: الْقُرْآن شَافِع مُشَفع
رَابِعهَا: أَنَّهَا مُشْتَقَّة من الشَّفَاعَة
لِأَن الشَّفِيع يَأْخُذهَا بلين ورفق
فَكَأَنَّهُ مستشفع إِذْ المُشْتَرِي لَيْسَ بظالم
وَالشُّفْعَة من أَمر الْإِسْلَام وَلم تكن فِي الْجَاهِلِيَّة
وَهِي ثَابِتَة بِالسنةِ وَالْإِجْمَاع
أما السّنة: فَمَا روى أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم
فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة) وروى البُخَارِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر بن عبد الله أَنه قَالَ: (إِنَّمَا جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة) وَفِي صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج عَن جَابر قَالَ: (قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مُشْتَرك لم يقسم: ربع أَو حَائِط لَا يحل لَهُ أَن يَبِيعهُ حَتَّى يُؤذن شَرِيكه
فَإِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك
فَإِن بَاعه وَلم يُؤذنهُ فَهُوَ أَحَق بِهِ)
وَالرّبع: اسْم للدَّار مَعَ بنائها والحائط اسْم للبستان مَعَ غراسه
وَأما الْإِجْمَاع: فقد أجمع الْمُسلمُونَ على ثُبُوت الشُّفْعَة
وَالْحكم فِي الشُّفْعَة على(1/185)
ثَلَاثَة أضْرب: ضرب تثبت فِيهِ الشُّفْعَة سَوَاء بيع مُفردا أَو مَعَ غَيره
وَضرب لَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة بِحَال
وَضرب تثبت فِيهِ الشُّفْعَة تبعا لغيره وَلَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة إِذا بيع مُنْفَردا
فَأَما الضَّرْب الأول وَهُوَ مَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة مُفردا أَو مَعَ غَيره فَهِيَ العرصات عَرصَة الأَرْض وَالدَّار
فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِيهَا ثَبت لشَرِيكه الشُّفْعَة فِيهِ
وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء إِلَّا الْأَصَم
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تثبت الشُّفْعَة بِحَال لِأَن فِي ذَلِك إِضْرَارًا بأرباب الْأَمْوَال لِأَن المُشْتَرِي مَتى علم أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ لم يرغب فِي الشِّرَاء
فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى الضَّرَر الْبَالِغ
وَرُبمَا تقاعد شَرِيكه عَن الشِّرَاء مِنْهُ
وَدَلِيلنَا عَلَيْهِ: مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَخْبَار
وَمَا ذكره الْأَصَم غير صَحِيح لأَنا نشاهد الأشقاص تشترى مَعَ علم المُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاق الشُّفْعَة عَلَيْهِ
وَأما الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يثبت فِيهِ الشُّفْعَة بِحَال فَهُوَ كل مَا ينْقل ويحول مثل الطَّعَام وَالثيَاب وَالْعَبِيد
فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِي ذَلِك لم يثبت لشَرِيكه فِيهِ الشُّفْعَة وَبِه قَالَ عَامَّة أهل الْعلم خلافًا لمَالِك
فَإِنَّهُ قَالَ: تثبت الشُّفْعَة فِي جَمِيع ذَلِك
دليلنا: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم
فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة) وَهَذَا لَا يتَنَاوَل مَا ينْقل
وَمَا روى جَابر من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا شُفْعَة إِلَّا فِي ربع أَو حَائِط) فنفى الشُّفْعَة فِي غَيرهمَا
وَأما الضَّرْب الثَّالِث وَهُوَ مَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة تبعا لغيره فَهُوَ الْغِرَاس وَالْبناء فِي الأَرْض
فَإِن بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِيهِ مُنْفَردا عَن الأَرْض لم تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِأَنَّهُ مَنْقُول كالثياب وَالْعَبِيد
فَإِن بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِي الْبناء وَالْغِرَاس مَعَ نصِيبه من الأَرْض تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشُّفْعَة فِي كل ربع أَو حَائِط) و (الرّبع) هُوَ الدَّار ببنائها
و (الْحَائِط) هُوَ الْبُسْتَان بأشجاره ول الْبناء وَالْغِرَاس يرادان للبقاء والتأبيد
فَتثبت فيهمَا الشُّفْعَة كالأرض
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: الشُّفْعَة: تثبت للشَّرِيك فِي الْملك بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة
وَلَا شُفْعَة للْجَار عِنْد مَالك(1/186)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب الشُّفْعَة بالجوار
وَالشُّفْعَة عِنْد أبي حنيفَة وعَلى الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: على الْفَوْر
فَمن أخر الْمُطَالبَة بِالشُّفْعَة مَعَ الْإِمْكَان سقط حَقه فِيهَا كَخِيَار الرَّد وَللشَّافِعِيّ
وَقَالَ آخر: أَنه يبْقى حَقه ثَلَاثَة أَيَّام
وَله قَول آخر: أَنه يبْقى أبدا وَلَا يسْقط إِلَّا بالتصريح بالإسقاط
وَأما مَذْهَب مَالك: فَإِذا بيع الْمَشْفُوع وَالشَّرِيك حَاضر يعلم بِالْبيعِ
فَلهُ الْمُطَالبَة بِالشُّفْعَة مَتى شَاءَ
وَلَا تَنْقَطِع شفعته إِلَّا بِأحد أَمريْن
الأول: يمْضِي مُدَّة يعلم أَنه فِي مثلهَا قد أعرض عَن الشُّفْعَة
ثمَّ رُوِيَ عَن مَالك أَن تِلْكَ الْمدَّة سنة
وَرُوِيَ خمس سِنِين
الثَّانِي: أَن يرفعهُ المُشْتَرِي إِلَى الْحَاكِم وَيلْزمهُ الْحَاكِم بِالْأَخْذِ أَو التّرْك
فَالْحَاصِل من مَذْهَب مَالك: أَنَّهَا لَيست على الْفَوْر
وَالثَّانيَِة: على التَّرَاخِي
فَلَا تبطل أبدا حَتَّى يعْفُو وَيُطَالب
فصل: وَالثَّمَرَة إِذا كَانَت على النّخل وَهِي بَين شَرِيكَيْنِ
فَبَاعَ أَحدهمَا حِصَّته فَهَل لشَرِيكه الشُّفْعَة أم لَا اخْتلف فِي ذَلِك قَول مَالك
فَقَالَ فِي رِوَايَة: لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ فِي أُخْرَى: لَا شُفْعَة لَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا شُفْعَة لَهُ
فصل: وَإِذا كَانَ ثمن الشُّفْعَة مُؤَجّلا
فَللشَّفِيع عِنْد مَالك وَأحمد: الْأَخْذ بذلك الثّمن إِلَى ذَاك الْأَجَل
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد الرَّاجِح من مذْهبه: للشَّفِيع الْخِيَار بَين أَن يعجل الثّمن وَيَأْخُذ الشّقص الْمَشْفُوع أَو يصبر إِلَى حُلُول الْأَجَل فيزن وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة
فصل: وَالشُّفْعَة مقسومة بَين الشفعاء على قدر حصصهم
فِي المَال الَّذِي استوجبوا من جِهَته الشُّفْعَة
فَيَأْخُذ كل وَاحِد من الشُّرَكَاء من الْمبلغ بِقدر ملكه فِيهِ عِنْد مَالك وَهُوَ الْأَصَح من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ مقسومة على الرؤوس وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَالشُّفْعَة تورث عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَلَا تبطل بِالْمَوْتِ فَإِذا وَجَبت لَهُ شُفْعَة فَمَاتَ وَلم يعلم بهَا أَو علم وَمَات قبل التَّمَكُّن من الْأَخْذ انْتقل الْحق إِلَى الْوَارِث وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل بِالْمَوْتِ وَلَا تورث
وَقَالَ أَحْمد: لَا تورث إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت طَالب بهَا
فصل: وَلَو بنى مُشْتَرِي الشّقص أَو غرس ثمَّ طَالب الشَّفِيع
فَلَيْسَ لَهُ عِنْد مَالك(1/187)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد مُطَالبَة المُشْتَرِي بهدم مَا بنى وَلَا قلع مَا غرس مُضَافا إِلَى الثّمن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للشَّفِيع أَن يجْبر المُشْتَرِي على الْقلع وَالْهدم
وَقَالَ فِي عُيُون الْمسَائِل: وَذهب قوم إِلَى أَن للشَّفِيع أَن يُعْطِيهِ ثمن الشّقص وَيتْرك الْبناء وَالْغِرَاس فِي مَوْضِعه
فصل: وكل مَا لَا يَنْقَسِم كالحمام والبئر والرحا وَالطَّرِيق وَالْبَاب لَا شُفْعَة فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي
وَاخْتلف قَول مَالك فَقَالَ: فِيهِ الشُّفْعَة
وَقَالَ: لَا شُفْعَة
وَاخْتَارَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الأول
قَالَ: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وعهدة الشَّفِيع فِي الْمَبِيع: على المُشْتَرِي وعهدة المُشْتَرِي: على البَائِع عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء
فَإِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا أَخذه مُسْتَحقّه من يَد الشَّفِيع وَرجع الشَّفِيع بِالثّمن على المُشْتَرِي ثمَّ يرجع المُشْتَرِي على البَائِع
وَقَالَ ابْن أبي ليلى: عُهْدَة الشَّفِيع على البَائِع بِكُل حَال
وَاخْتلفُوا: هَل يجوز الاحتيال بِإِسْقَاط الشُّفْعَة مثل أَن يَبِيع سلْعَة مَجْهُولَة عِنْد من يرى ذَلِك مسْقطًا للشفعة أَو أَن يقر لَهُ بِبَعْض الْملك ثمَّ يَبِيعهُ الْبَاقِي أَو يَهبهُ لَهُ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ذَلِك
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَيْسَ لَهُ ذَلِك
فَإِذا وهبه من غير عوض فَلَا شُفْعَة فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَكَذَلِكَ قَول أَحْمد بل لَا بُد أَن يكون قد ملك بعوض
وَاخْتلف قَول مَالك فِي ذَلِك
فَقَالَ: لَا شُفْعَة فِيهِ
وَقَالَ فِيهِ الشُّفْعَة
فَإِذا وَجَبت لَهُ الشُّفْعَة فبذل لَهُ المُشْتَرِي دَرَاهِم على ترك الْأَخْذ بِالشُّفْعَة جَازَ لَهُ أَخذهَا وتملكها عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز ذَلِك وَلَا يملك الدَّرَاهِم
وَعَلِيهِ ردهَا
وَهل تسْقط شفعته بذلك لأَصْحَابه وَجْهَان
فصل: وَإِذا ابْتَاعَ اثْنَان من الشُّرَكَاء نصيبهما صَفْقَة وَاحِدَة
كَانَ للشَّفِيع عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد أَخذ نصيب أَحدهمَا بِالشُّفْعَة كَمَا لَو أَخذ نصيبهما جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَخذ حِصَّة أَحدهمَا دون الآخر بل إِمَّا أَن يأخذهما جَمِيعًا أَو يتركهما جَمِيعًا
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَلَو أقرّ أحد الشَّرِيكَيْنِ: أَنه بَاعَ نصِيبه من رجل وَأنكر الرجل الشِّرَاء وَلَا بَيِّنَة وَطلب الشَّفِيع الشُّفْعَة قَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بعد ثُبُوت الشِّرَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تثبت الشُّفْعَة وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَن إِقْرَاره يتَضَمَّن إِثْبَات حق المُشْتَرِي وَحقّ الشَّفِيع
فَلَا يبطل حق الشَّفِيع بإنكار المُشْتَرِي
وَتثبت الشُّفْعَة للذِّمِّيّ كَمَا تثبت للْمُسلمِ عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد: لَا شُفْعَة للذِّمِّيّ
انْتهى
فَائِدَة: حكى ابْن الصّلاح: أَن الْأَصْمَعِي سُئِلَ عَن معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْجَار أَحَق(1/188)
بسقبه) فَقَالَ: أَنا لَا أفسر حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الْعَرَب تزْعم أَن السقب: اللزيق
المصطلح: تشْتَمل صوره على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة طلب الشُّفْعَة وَالْأَخْذ بهَا: حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وأحضر مَعَه الْحَاضِر الثَّانِي
وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ: أَنه ابْتَاعَ من فلَان جَمِيع الْحصَّة الَّتِي مبلغها كَذَا الشائعة فِي جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الْجَارِي نصفهَا الآخر فِي ملك الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وتحدد بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه حَال اطِّلَاعه على ذَلِك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْمشَار إِلَيْهِ قبل أَن يجلس أَو يشْتَغل بشغل مَا وَطلب مِنْهُ الشُّفْعَة فِي الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
وَقَامَ فِي طلبَهَا على الْفَوْر
وأحضر مَعَه الثّمن
وَسَأَلَ الْحَاكِم سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب بالتصديق على أَن النّصْف الآخر من الدَّار ملكه وَأَنه ابْتَاعَ مِنْهَا النّصْف الْمُدعى بِهِ بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَالْتمس يَمِين الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لما بَاعه ذَلِك بَادر على الْفَوْر بِطَلَب الشُّفْعَة من الْمَبِيع الْمَذْكُور
وَلم يتَأَخَّر سَاعَة وَاحِدَة وَلَا اشْتغل بشغل
فَحلف كَمَا أَحْلف بالتماسه لذَلِك
وَأَن الطَّالِب الْمَذْكُور سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ برد الْمَبِيع بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ أَخذ الشَّفِيع الْمَذْكُور من المُشْتَرِي الْمَذْكُور النّصْف الْمَبِيع من الدَّار الْمَذْكُورَة أخذا شَرْعِيًّا
وَدفع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلمهُ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وبمقتضى ذَلِك صَار جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ملكا من أَمْلَاك الشَّفِيع الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه بطريقه الشَّرْعِيّ من وَجه حق لَا شُبْهَة فِيهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِي ملك الْجَار: أَخذ فلَان من فلَان جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها الَّتِي ابتاعها من فلَان من قبل تَارِيخه بمبلغ كَذَا وَكَذَا أخذا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدفع الْآخِذ إِلَيْهِ نَظِير الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وتصادقا على أَنَّهُمَا ترافعا إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنَفِيّ
وَادّعى الْأَخْذ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَة فِي الدَّار الْمَذْكُورَة
وَأقَام عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بَيِّنَة أَنه حَال اطِّلَاعه على البيع طلب الشُّفْعَة على الْفَوْر من(1/189)
المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَهُوَ قَائِم على الْمَبِيع
وأحلفه على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيَّة
وَحكم لَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك حكما شَرْعِيًّا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ تَصَادقا شَرْعِيًّا
وتسلم الْآخِذ من المُشْتَرِي الْمَشْفُوع الْمعِين أَعْلَاهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده بِحكم أَخذه لذَلِك بِالسَّبَبِ المشروح أَعْلَاهُ مصيرا تَاما
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة طلب الشُّفْعَة من الخليط: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لما بلغه أَن شَرِيكه فلَانا بَاعَ من فلَان النّصْف الشَّائِع من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الَّتِي يملك الْحَاضِر الْمَذْكُور النّصْف الآخر مِنْهَا وتحدد بِثمن مبلغه كَذَا
بَادر على الْفَوْر من غير تَأَخّر وَلَا إهمال وَلَا جُلُوس بعد سَاعَة وَلَا اشْتِغَال بشغل وَطَلَبه الشُّفْعَة فِي الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
وَأشْهد عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ للشفعة فِيهِ بِحَق خلطته إشهادا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة طلب شُفْعَة الْجوَار: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لما بلغه أَن جَاره فلَانا بَاعَ جَمِيع الدَّار الْمُجَاورَة لَهُ من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة وتحدد بِمَا مبلغه كَذَا حضر إِلَى البَائِع ووقف على الْمَبِيع
وَطلب الشُّفْعَة فِيهِ وَأَنه مطَالب بِالشُّفْعَة بِحَق الْمُجَاورَة غير تَارِك لَهَا وَلَا نَازل عَنْهَا
وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك
ويكمل
وَصُورَة الْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَيكْتب بِظَاهِر كتاب البايع: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا
وَقَالَ لَهُ بِحَضْرَة شُهُوده: إِنَّه يملك جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخه
وَأَن الدَّار الْمَذْكُورَة قَابِلَة للْقِسْمَة وَأَنه يسْتَحق أَخذ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ بشفعة الخليط أَو بِالشُّفْعَة الشَّرْعِيَّة
وَأَنه قَامَ على الْفَوْر وَطلب الشُّفْعَة مِنْهُ حِين سَمَاعه بِالْبيعِ من غير إهمال
وَاجْتمعَ بِهِ وأعلمه أَنه طَالب للشفعة وَأَنه اسْتحق أَخذ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ وَطلب مِنْهُ تَسْلِيمه إِلَيْهِ
وأحضر لَهُ نَظِير الثّمن الْمعِين بَاطِنه وَطلب يَمِينه أَنه لم يكن الْأَمر جرى بَينهمَا كَذَلِك
فَأَعْرض المُشْتَرِي الْمَذْكُور عَن بذل الْيَمين
واعترف بذلك
وَصدق عَلَيْهِ تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَالْتمس من الطَّالِب الْمَذْكُور الْقيام لَهُ بنظير الثّمن الْمعِين بَاطِنه
فَدفعهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع الْمعِين بَاطِنه
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت الدَّار الْمَذْكُورَة جَمِيعهَا ملكا من أَمْلَاك الْآخِذ بِالشُّفْعَة الْمَذْكُورَة وَحقا من حُقُوقه
اسْتَقَرَّتْ بِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه مصيرا واستقرارا شرعيين وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه بعد ذَلِك لَا يسْتَحق على الآخر حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره
ويكمل
وَصُورَة تسلم الْحصَّة للمحجور عَلَيْهِ بشفعة الخليط بِتَصْدِيق المُشْتَرِي
وَيكْتب فِي(1/190)
ظَاهر كتاب التبايع: حضر إِلَى شُهُوده فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على الْيَتِيم الصَّغِير فلَان بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِد الصَّغِير الْمَذْكُور المحضرة لشهوده
المؤرخ بَاطِنهَا بِكَذَا الثَّابِت مضمونها مَعَ مَا يعْتَبر ثُبُوته شرعا بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وأحضر مَعَه فلَانا المُشْتَرِي الْمَذْكُور بَاطِنه
واعترف أَنه تسلم مِنْهُ للْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ جَمِيع الْحصَّة الْمَبِيعَة من الدَّار المحدودة الموصوفة بَاطِنه الَّتِي يملك الْيَتِيم الْمَذْكُور مِنْهَا الْبَاقِي ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخ كتاب التبايع المسطر بَاطِنه تسلما شَرْعِيًّا
وَدفع إِلَيْهِ نَظِير الثّمن الْمعِين بَاطِنه من مَال الْيَتِيم الْمَذْكُور
ومبلغه كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا بعد أَن ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَادّعى الْوَصِيّ الْمَذْكُور لمحجوره الْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على المُشْتَرِي الْمَذْكُور بَاطِنه بشفعة الْخلطَة بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَبعد ثُبُوت ملكية الْيَتِيم الْمَذْكُور لِلنِّصْفِ الْبَاقِي من الدَّار الْمَذْكُورَة وَأَن الثّمن المبذول الْمعِين أَعْلَاهُ ثمن الْمثل للحصة الْمعينَة أَعْلَاهُ وَأَن للْيَتِيم الْمَذْكُور حظا ومصلحة فِي ذَلِك الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَالْحكم للْيَتِيم الْمَذْكُور بذلك وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا وَصدقه المُشْتَرِي الْمُسَمّى بَاطِنه على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا وَأقر أَنه لَا يسْتَحق مَعَ الْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا ثمنا وَلَا مثمنا وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة
وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه
ويؤرخ
فصل: فِي الْحِيَل الدافعة للشفعة
مِنْهَا: أَن يَجْعَل الثّمن حَاضرا مَجْهُول الْقدر ويقبضه البَائِع من غير وزن فتندفع الشُّفْعَة وَيكْتب فِي الثّمن بصبرة من الدَّرَاهِم المجهولة الْوَزْن والمقدار المرئية حَالَة العقد أَو بِكَذَا وَكَذَا درهما وبجوهرة فاخرة أَو لؤلؤة نقية مَجْهُولَة الْقيمَة مرئية حَالَة العقد
قَالَ النَّوَوِيّ وَمِنْهَا: أَن يهب لَهُ الشّقص بِلَا ثَوَاب ثمَّ يهب لَهُ صَاحبه قِيمَته
وَمِنْهَا: أَن يَشْتَرِي عشر الدَّار مثلا بِتِسْعَة أعشار الثّمن كَيْلا يرغب الشَّفِيع لِكَثْرَة الثّمن
ثمَّ يَشْتَرِي تِسْعَة أعشارها بِعشر الثّمن فَلَا يتَمَكَّن الْجَار من الشُّفْعَة لِأَن المُشْتَرِي حَالَة الشِّرَاء شريك فِي الدَّار وَالشَّرِيك مقدم على الْجَار أَو بِخَط البَائِع على طرف ملكه خطا مِمَّا يَلِي دَار جَاره وَيبِيع مَا وَرَاء الْخط فتمتنع شُفْعَة الْجَار لِأَن بَين ملكه وَبَين الْمَبِيع فاصلا ثمَّ يَهبهُ الْفَاصِل
وَدفع الشُّفْعَة بالحيلة مَكْرُوه
وَأما الْحِيلَة فِي دفع شُفْعَة الْجوَار: فَلَا كَرَاهَة فِيهَا قطعا
وَالله أعلم(1/191)
كتاب الْقَرَاض وَالْمُضَاربَة
وَمَا يتَعَلَّق بهما من الْأَحْكَام
الْقَرَاض وَالْمُضَاربَة: اسمان بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ أَن يدْفع مَاله إِلَى رجل ليتجر فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا يشترطانه وَرَأس المَال لرب المَال
وَأهل الْحجاز يسمون هَذَا العقد (قراضا)
وَاخْتلف فِي اشتقاقه فَقيل: إِنَّه مُشْتَقّ من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع
يُقَال: قرضت الطَّرِيق أَي قطعتها
وقرض الفأر الثَّوْب أَي قطعه
فَكَأَن رب المَال اقتطع لِلْعَامِلِ قِطْعَة من مَاله أَو أقطع لَهُ قِطْعَة من الرِّبْح
وَقيل: إِنَّه مُشْتَقّ من الْمُسَاوَاة
يُقَال: تقارض الشاعران إِذا سَاوَى كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر بِشعرِهِ فِي الْمَدْح والذم
وَحكي عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ (قارض النَّاس مَا قارضوك
فَإِن تَركتهم لم يتركوك) يُرِيد: ساوهم
فالمتقارضان يتساويان
لِأَن أَحدهمَا يبْذل المَال وَالْآخر يتَصَرَّف فِيهِ
وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لاشْتِرَاكهمَا فِي الرِّبْح
فالمقارض بِكَسْر الرَّاء هُوَ رب المَال
وَبِفَتْحِهَا: هُوَ الْعَامِل
وَأما الْمُضَاربَة: فاشتقاقها من الضَّرْب بِالْمَالِ
وَقيل: هُوَ من ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الرِّبْح بِسَهْم
فالمضارب بِكَسْر الرَّاء هُوَ الْعَامِل لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يضْرب فِي المَال وَلم يشتق لرب المَال مِنْهُ اسْم
والقراض: جَائِز
وَالْأَصْل فِي جَوَازه: إِجْمَاع الصَّحَابَة
وَرُوِيَ ذَلِك عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَحَكِيم بن حزَام رَضِي الله عَنْهُم
وروى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: (أَن عبيد الله وَعبد الله ابْنا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم خرجا فِي جَيش إِلَى الْعرَاق
فتسلفا من أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ عَامل لعمر مَالا فابتاعا بِهِ مَتَاعا وقدما بِهِ الْمَدِينَة
فباعاه وربحا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أكل الْجَيْش قد أسلف قَالَا: لَا
فَقَالَ عمر: أديا المَال وَربحه
فَسكت عب الله وراجعه عبد الله
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو(1/192)
هلك المَال ضمناه
فَلم لَا يكون ربحه لنا فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو جعلته قراضا فَقَالَ: قد جعلته قراضا
فَأخذ مِنْهَا رَأس المَال وَنصف الرِّبْح) فَدلَّ على أَن الْقَرَاض كَا مستقيضا فِي الصَّحَابَة
فَإِن قيل: إِذا تسلفا المَال من أبي مُوسَى
فَكيف يحتجون بذلك على الْقَرَاض قُلْنَا: مَوضِع الْحجَّة مِنْهُ: قَول الرجل لعمر رَضِي الله عَنهُ (لَو جعلته قراضا) وَلم يُنكر عَلَيْهِ عمر وَلَا غَيره الْقَرَاض
فَإِن قيل: إِذا كَانَا قد تسلفا ذَلِك من أبي مُوسَى وابتاعا بِهِ مَتَاعا
فقد ملكا المَال وَربحه
فَكيف سَاغَ لعمر أَن يَجعله قراضا وَيَأْخُذ مِنْهُمَا نصف الرِّبْح فتأول أَصْحَابنَا ذَلِك ثَلَاث تأويلات
أَحدهَا وَهُوَ تَأْوِيل أبي الْعَبَّاس أَن أَبَا مُوسَى كَانَ قد اجْتمع عِنْده مَال لبيت المَال وَأَرَادَ أَن ينفذهُ إِلَى الْمَدِينَة
فخاف عَلَيْهِ غرر الطَّرِيق فأقرضهما ذَلِك المَال ليَكُون فِي ذمتهما أحظ لبيت المَال
وَقد ملكا المَال وَربحه إِلَّا أَن عمر أَرَادَ أَن ينفع الْمُسلمين فاستدعاهما واستطاب أَنفسهمَا عَن نصف الرِّبْح وللعامل أَن يفعل كَمَا فعل أَبُو مُوسَى إِذا خَافَ على المَال
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: كَانَ الطَّرِيق آمنا وَإِنَّمَا أقْرضهُمَا أَبُو مُوسَى ليتقرب بذلك إِلَى قلب أَبِيهِمَا عمر: فَلَمَّا تَصرفا فِي المَال وربحا كَانَ الرِّبْح ملكا للْمُسلمين
واستحقا أُجْرَة الْمثل
وَبَلغت أجرتهما نصف الرِّبْح
وَلِهَذَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: (كَأَنِّي بِأبي مُوسَى وَهُوَ يَقُول أئتيا أَمِير الْمُؤمنِينَ)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: كَانَ أَبُو مُوسَى أقْرضهُمَا ذَلِك المَال ثمَّ قارضهما بعد ذَلِك
فخلطا الرِّبْح الَّذِي حصل مِنْهُ
فاستطاب عمر أَنفسهمَا عَن نصف الرِّبْح
وَالْأول: أصح لِأَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا تجوز إجارتهما للتِّجَارَة
فجوز عقد الْقَرَاض عَلَيْهَا كالنخل لما لم تجز إِجَارَته ليستغل جَازَ عقد الْمُسَاقَاة عَلَيْهَا
وَالْأَرْض لما جَازَت إِجَارَتهَا لتستغل لم يجز عقد المخابرة عَلَيْهَا
وَاحْتَجُّوا لهَذَا العقد بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
وبالقياس على الْمُسَاقَاة
وَيشْتَرط فِي المَال الْمَدْفُوع: أَن يكون نَقْدا وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير المضروبة فَلَا تجوز على التبر والحلي والمغشوش وَالْعرُوض وَأَن يكون قدرا مَعْلُوما
فَلَا يجوز على دَرَاهِم مَجْهُولَة الْقدر وَأَن يكون المَال عينا حَاضِرَة
فَلَا يجوز أَن يقارضه على دين لَهُ فِي ذمَّة الْغَيْر
وَلَا يجوز أَن يقارض صَاحب الدّين الْمَدْيُون بِمَا لَهُ فِي ذمَّته من الدّين وَأَن يكون مَال الْقَرَاض مُسلما إِلَى الْعَامِل فَلَا يجوز أَن يشْتَرط كَون المَال عِنْد الْمَالِك(1/193)
وَأَن يعْمل الْمَالِك مَعَ الْعَامِل
وَيجوز أَن يشْتَرط عمل غُلَام رب المَال مَعَ الْعَامِل
ووظيفة الْعَامِل: التِّجَارَة وتوابعها كنشر الثِّيَاب وطيها فَلَو قارضه على أَن يَشْتَرِي حِنْطَة فيطحنها ويخبزها أَو ثوبا يتَوَلَّى نسجه ثمَّ يَبِيعهُ فسد الْقَرَاض
وَلَا يجوز أَن يشْتَرط عَلَيْهِ شِرَاء مَتَاع معِين أَو نوع ينْدر وجوده
كالخيل البلق
مثلا أَو يشْتَرط عَلَيْهِ الْمُعَامَلَة من شخص معِين
وَيشْتَرط فِي الرِّبْح: الِاخْتِصَاص بالمتعاقدين
فَلَا يجوز شَرط شَيْء مِنْهُ لثالث
فَلَو قَالَ: قارضتك على أَن يكون الرِّبْح كُله لَك
فَهَل يكون قراضا فَاسِدا أَو صَحِيحا فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا الأول
وَلَو قَالَ: على كُله لي
فَهَل يكون قراضا فَاسِدا أَو إبضاعا فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان
وَأَن يكون الرِّبْح بَينهمَا مَعْلُوما بالجزئية
فَلَو قَالَ: على أَن لَك فِيهِ شركَة أَو نَصِيبا فسد العقد
وَلَو قَالَ: على أَنه بَيْننَا
وَصَحَّ وَيَقْتَضِي التَّسْوِيَة فِي الرِّبْح مُنَاصَفَة
وَلَو قَالَ: على أَن النّصْف لي وَسكت عَن جَانب الْعَامِل لم يَصح
وَلَو عكس وَقَالَ: على أَن النّصْف من الرِّبْح لَك صَحَّ
وَلَو شَرط لنَفسِهِ عشرَة أَو مائَة
أَو شَرط الِاخْتِصَاص بِعشْرَة أَو مائَة مثلا
فسد الْقَرَاض
وَلَا بُد فِي الْقَرَاض من الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وَقيل: لَو قَالَ: خُذ هَذِه الدَّرَاهِم واتجر فِيهَا على أَن الرِّبْح بَيْننَا
فَأخذ اسْتغنى عَن الْقبُول
وَيجوز أَن يقارض اثْنَان وَاحِدًا وَوَاحِد اثْنَيْنِ
وَلَا يجوز لِلْعَامِلِ أَن يقارض بِغَيْر إِذن رب المَال وَإِذا فسد الْقَرَاض نفذت تَصَرُّفَات الْعَامِل
وَكَانَ جَمِيع الرِّبْح لرب المَال
وَعَلِيهِ أُجْرَة مثل الْعَمَل لِلْعَامِلِ
وعَلى الْعَامِل أَن يتَصَرَّف بالغبطة وَلَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي بِالْغبنِ وَلَا نَسِيئَة من غير إِذن
وَله الرَّد بِالْعَيْبِ إِن كَانَت الْغِبْطَة فِي الرَّد
وَلَا يُعَامل الْعَامِل الْمَالِك
وَلَا يَشْتَرِي بِمَال الْقَرَاض بِأَكْثَرَ من رَأس المَال وَلَا من يعْتق على الْمَالِك بِغَيْر إِذْنه
وَكَذَا لَو اشْترى زَوجته وَلَو فعل لم يَقع عَن الْمَالِك وَيَقَع عَن الْعَامِل إِذا اشْترى فِي الذِّمَّة وَلَا يُسَافر بِمَال الْقَرَاض إِلَّا بِإِذن
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على جَوَاز الْمُضَاربَة
وَهِي (الْقَرَاض) بلغَة أهل الْمَدِينَة وَهُوَ أَن يدْفع إِنْسَان إِلَى إِنْسَان مَالا ليتجر فِيهِ وَالرِّبْح مُشْتَرك
فَلَو أعطَاهُ سلْعَة
وَقَالَ لَهُ: بعها وَاجعَل ثمنهَا قراضا
فَهَذَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: قِرَاض فَاسد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ قِرَاض صَحِيح(1/194)
وَاخْتلفُوا فِي الْقَرَاض بالفلوس
فَمَنعه الْأَئِمَّة
وَأَجَازَهُ أَشهب وَأَبُو يُوسُف إِذا راجت
وَالْعَامِل إِذا أَخذ مَال الْقَرَاض بِبَيِّنَة لم يبرأ مِنْهُ عِنْد الْإِنْكَار إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ أهل الْعرَاق: يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَإِذا دفع إِلَى الْعَامِل مَاله قراضا فَاشْترى الْعَامِل مِنْهُ سلْعَة ثمَّ هلك المَال قبل دَفعه إِلَى البَائِع
فَلَيْسَ على الْمُقَارض عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد شَيْء
والسلعة لِلْعَامِلِ
وَعَلِيهِ ثمنهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرجع بذلك على رب المَال
فصل: وَلَا يجوز الْقَرَاض إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة
لَا يفسخها قبلهَا وَلَا على أَنه إِذا انْتَهَت الْمدَّة يكون مَمْنُوعًا من البيع وَالشِّرَاء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز ذَلِك
وَإِذا شَرط رب المَال على الْعَامِل: أَن لَا يَشْتَرِي إِلَّا من فلَان
كَانَ الْقَرَاض فَاسِدا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح
وَإِذا عمل الْمُقَارض بعد فَسَاد الْقَرَاض فَحصل فِي المَال ربح: كَانَ لِلْعَامِلِ أُجْرَة مثل عمله عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَالرِّبْح لرب المَال وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ
وَاخْتلف قَول مَالك
فَقَالَ: يرد إِلَى قِرَاض مثله
وَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء لم يكن لَهُ شَيْء
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ قِرَاض مثله وَإِن كَانَ فِيهِ بعض شَيْء
وَنقل عَنهُ: أَن لَهُ أُجْرَة مثله كمذهب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة
فصل: وَإِذا سَافر الْعَامِل بِالْمَالِ فنفقته من مَال الْقَرَاض
عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد: من مَال نَفسه حَتَّى فِي ركُوبه
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أظهرهمَا: أَن نَفَقَته من مَال نَفسه وَمن أَخذ قراضا على أَن جَمِيع الرِّبْح لَهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز عِنْد مَالك
وَقَالَ أهل الْعرَاق: يصير المَال قرضا عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لِلْعَامِلِ أُجْرَة مثله وَالرِّبْح لرب المَال
وعامل الْقَرَاض يملك الرِّبْح بِالْقِسْمَةِ لَا بالظهور على أصح قولي الشَّافِعِي
وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يملك بالظهور وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى رب المَال شَيْئا من الْمُضَاربَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح وَهُوَ أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عِنْد أَحْمد
وَلَو ادّعى الْمضَارب أَن رب المَال أذن لَهُ فِي البيع وَالشِّرَاء نَقْدا ونسيئة وَقَالَ رب المَال: مَا أَذِنت لَك إِلَّا بِالنَّقْدِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: القَوْل قَول الْمضَارب مَعَ يَمِينه وَقَالَ الشَّافِعِي: القَوْل قَول رب المَال مَعَ يَمِينه
وَالْمُضَارب لرجل إِذا ضَارب لآخر فربح
قَالَ أَحْمد وَحده: لَا يجوز لَهُ الْمُضَاربَة فَإِن فعل وَربح رد الرِّبْح إِلَى الأول(1/195)
المصطلح: وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
وَلها عمد: وَهِي ذكر رب المَال والمدفوع إِلَيْهِ وأسمائهما وأنسابهما وَأَن لَا يشْتَرط فِيهَا مُدَّة مَعْلُومَة وَذكر المَال ومبلغه من الذَّهَب أَو الْفضة وَذكر تِجَارَة الْعَامِل بِهِ فِي أَصْنَاف التِّجَارَات على مَا يُطلقهُ لَهُ رب المَال نَقْدا أَو نَسِيئَة وَذكر الْأَجْزَاء الْمَشْرُوطَة بَينهمَا فِيمَا رزق الله تَعَالَى من الرِّبْح
وَصِحَّة الْعقل وَالْبدن
وَجَوَاز الْأَمر
وَمَعْرِفَة الش بهما والتاريخ
وَأما الصُّور: فَهِيَ على أَنْوَاع مِنْهَا: صُورَة قِرَاض مُتَّفق عَلَيْهِ: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا دِينَارا أَو من الْفضة كَذَا وَكَذَا درهما قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه على سَبِيل الْقَرَاض الشَّرْعِيّ الْجَائِز بَين الْمُسلمين
أذن الدَّافِع الْمَذْكُور للقابض الْمَذْكُور أَن يبْتَاع بذلك مَا شَاءَ من أَصْنَاف البضائع وأنواع المتاجر وَأَن يُسَافر بذلك إِلَى حَيْثُ شَاءَ من الْبِلَاد شرقا وغربا وَبرا وبحرا عذبا وملحا صُحْبَة الرفاق والقفول فِي الطّرق المسلوكة المأمونة وَيبِيع ذَلِك كَيفَ شَاءَ بِالنَّقْدِ والنسيئة أَو بِأَحَدِهِمَا ويتصرف فِي ذَلِك بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة على الْوَجْه الشَّرْعِيّ ويتعوض بِهِ وَبِمَا شَاءَ مِنْهُ مَا شَاءَ من أَنْوَاع التِّجَارَات وأصناف البضائع على إِطْلَاقهَا وتباين أَنْوَاعهَا وأجناسها ويدير ذَلِك فِي يَده مرّة بعد أُخْرَى وَحَالا بعد حَال
بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة عَاملا فِي ذَلِك كُله بتقوى الله تَعَالَى وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك من ربح
ويسره من فَائِدَة بعد إِخْرَاج الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر وتعديل رَأس المَال الْمَذْكُور وإفرازه وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب كَانَ بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر قراضا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن صدر الْإِذْن من رب المَال فِي السّفر إِلَى بلد مَعْلُوم أَو نَص لَهُ على البيع بِالْعقدِ أَو بِالنَّسِيئَةِ أَو على أَن يجلس بحانوت بسوق معِين أَو غير ذَلِك
نَص عَلَيْهِ وَكتب مَا يَقع عَلَيْهِ اتِّفَاقهمَا مُبينًا إِن كَانَ اتِّفَاقًا جَائِزا شرعا
وَصُورَة الْقَرَاض بِلَفْظ الْمُضَاربَة: إِمَّا أَن يَقُول: ضَارب فلَان فلَانا على أَن يدْفع إِلَيْهِ من مَاله وصلب مَاله كَذَا وَكَذَا دِينَارا خَالِصا أَو كَذَا وَكَذَا درهما فضَّة جَيِّدَة خَالِصَة خَالِيَة من الْغِشّ
وَإِمَّا أَن يبْدَأ بِالْإِشْهَادِ أَو الْإِقْرَار بِالْقَبْضِ حَسْبَمَا تقدم وَأذن لَهُ أَن يفعل كَذَا وَكَذَا ويسوق الْكَلَام ويستوعب الشُّرُوط الْمُتَّفق عَلَيْهِ الْجَائِزَة شرعا إِلَى آخرهَا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه(1/196)
وَإِن كَانَت الْمُضَاربَة بِدَرَاهِم مغشوشة والغش فِيهَا أقل من الثُّلُث: فَهُوَ جَائِز عِنْد الْحَنَفِيَّة فَيكْتب الصَّدْر ويكمل الْإِشْهَاد بالألفاظ الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك حَسْبَمَا تقدم وَيثبت كتاب الْمُضَاربَة عِنْد قَاض حَنَفِيّ
وَصُورَة إِذن الْمولى لعَبْدِهِ أَن يقارض: أقرّ فلَان الْمُسلم أَو النَّصْرَانِي أَو الْيَهُودِيّ الْبَالِغ وَيذكر حليته وجنسه ثمَّ يَقُول: مَمْلُوك فلَان الْحَاضِر مَعَه عِنْد شُهُوده الَّذِي أذن لَهُ فِي الْإِقْرَار بِمَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ إِذْنا شَرْعِيًّا إِقْرَار مثله وَلَا يُقَال فِي العَبْد: جَوَاز أمره وَإِنَّمَا يُقَال: جَوَاز إِقْرَار مثله وَأَنه قبض وتسلم من فلَان من الذَّهَب كَذَا
أَو من الْفضة كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك بِيَدِهِ وحوزه ويكمل الْقَرَاض إِلَى آخِره على نَحْو مَا تقدم شَرحه
فَإِذا وصل إِلَى التَّارِيخ كتب قبل (سَيّده) وَأقر فلَان الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ: أَنه مَمْلُوك لفُلَان الْمَذْكُور وَأَنه قبل الْإِذْن مِنْهُ فِي الْعَمَل فِي مَال الْقَرَاض الْمَشْرُوع أَعْلَاهُ على الْوَضع الْمُعْتَبر الْمعِين أَعْلَاهُ
وَصدقه المقار الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَوَقع الْإِشْهَاد على الْقَابِض ومولاه الْآذِن وَرب المَال بِمَا نسب إِلَى كل مِنْهُم أَعْلَاهُ فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَصُورَة المفاصلة فِي الْمُضَاربَة: أقرّ فلَان أَنه كَانَ من قبل تَارِيخه دفع إِلَى فلَان مَالا وَقدره كَذَا وَكَذَا على سَبِيل الْمُضَاربَة الشَّرْعِيَّة على أَن يَشْتَرِي بِهِ وَيبِيع فِيهِ وَيعْمل مَا يرَاهُ
واكتتب بذلك كتابا مؤرخا بَاطِنه بِكَذَا وَأَن فلَانا الْمَذْكُور اشْترى بِمَال الْمُضَاربَة مَا أمكنه شِرَاؤُهُ وَبَاعَ مَا أمكنه بَيْعه وَتصرف فِي ذَلِك تَصرفا شَرْعِيًّا وَأخذ وَأعْطى وأنهما تحاسبا بعد ذَلِك وَعرفا مَا رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك من نَمَاء ويسره من ربح وَفَائِدَة وتقاسماه بَينهمَا بعد أَن دفع فلَان إِلَى فلَان رَأس المَال الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وتفاسخا مَا كَانَ بَينهمَا من هَذِه الْمُضَاربَة وأبطلاها وَلم يبْق لكل وَاحِد مِنْهُمَا قبل صَاحبه وَلَا عِنْده وَلَا فِي ذمَّته وَلَا فِي يَده حق وَلَا دَعْوَى وَلَا طلب وَلَا دين وَلَا عين وَلَا ورق وَلَا ربح وَلَا حق وَلَا بَقِيَّة من حق وَلَا يَمِين بِاللَّه تَعَالَى على ذَلِك وَلَا على شَيْء مِنْهُ وَلَا مُطَالبَة على أحد من خلق الله تَعَالَى بِسَبَب ذَلِك وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ لما مضى من سَائِر الزَّمَان إِلَى يَوْم تَارِيخه وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
تَنْبِيه: من علل الْمُضَاربَة: أَن يكْتب إِلَى أجل مَعْلُوم لما فِيهِ من الضَّرَر الْعَائِد على رب المَال وَالْعَامِل أما لَو كَانَت مضيقة بتأقيت الشِّرَاء جَازَ
فَإِنَّهُ عقد جَائِز
فَلهُ أَن يمنعهُ من ذَلِك مَتى شَاءَ
وَيجوز لوَلِيّ الطِّفْل وَالْمَجْنُون أَن يقارض بمالهما سَوَاء فِيهِ الْأَب وَالْجد وَالْوَصِيّ وَالْحكم وأمينه
انْتهى(1/197)
تَنْبِيه آخر: إِذا كَانَ الْقَرَاض بيد جمَاعَة فَلَا يَصح أَن يتكافلوا فِي الذِّمَّة
وَلَا يجوز ضَمَان الدَّرك فِي مَال الْقَرَاض وَلَا ضَمَان الذِّمَّة بل يَصح ضَمَان الْوَجْه
لِأَن يَد الْعَامِل يَد أَمَانَة
فرع: إِذا قَالَ الْعَامِل: ربحت كَذَا ثمَّ قَالَ: خسرت بعده
قبل قَوْله
وَإِن قَالَ: غَلطت فِي الْحساب أَو كذبت من خوف الْفَسْخ لم يقبل خلافًا لمَالِك حَيْثُ يَقُول: لَو قَالَ: ربحت كَذَا ثمَّ قَالَ: كذبت من خوف الْفَسْخ ينظر
فَإِن كَانَ هُنَاكَ موسم يتَوَقَّع رواج الْمَتَاع فِيهِ قبل قَوْله وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَة: لَو أذن الْمَالِك لِلْعَامِلِ فِي الشِّرَاء سلما جَازَ
وَلَو أذن لَهُ فِي البيع سلما لم يجز
وَالْفرق: وجود الْخط طَالبا فِي الشِّرَاء وَعَدَمه فِي البيع وَالله أعلم(1/198)
كتاب الْمُسَاقَاة والمزارعة
وَمَا يتَعَلَّق بهما من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي الْمُسَاقَاة: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: (افْتتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر على أَن لَهُ الأَرْض وكل صفراء وبيضاء يَعْنِي: الذَّهَب وَالْفِضَّة فَقَالُوا: نَحن أعلم بِالْأَرْضِ مِنْكُم فأعطونا على أَن لنا النّصْف وَلكم النّصْف فَأَعْطَاهُمْ
فَلَمَّا كَانَ وَقت الثَّمَرَة بعث إِلَيْهِم عبد الله بن رَوَاحَة ليحزر الثَّمَرَة
فحزرها عَلَيْهِم
فَقَالُوا: يَا ابْن رَوَاحَة أكثرت علينا
فَقَالَ: إِن شِئْتُم فلكم وضمنتم نصيب الْمُسلمين وَإِن شِئْتُم فلي وأضمن لكم نصيبكم
فَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْحق
وَبِه قَامَت السَّمَاوَات) وَرُوِيَ (أَن عبد الله بن رَوَاحَة خرص عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ ألف وسق
فَكَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون ألفا
وَلَهُم عشرُون ألفا) وروى ابْن عمر (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساقى أهل خَيْبَر على تِلْكَ الْأُصُول بالشطر)
وَالْمُسَاقَاة: أَن يُعَامل إنْسَانا على أَشجَار ليتعهدها بالسقي والتربية على أَن ثمارها تكون بَينهمَا
وَاللَّفْظ مَأْخُوذ من السَّقْي
وَإِن كَانَ مَشْرُوطًا على الْعَامِل أعمالا كَثِيرَة لِأَن السَّقْي أشق الْأَعْمَال وأكثرها نفعا
وَهِي خَاصَّة بالحجاز لِأَن أَهلهَا يسقون من الْآبَار
فَكَانَ الْمَالِك وَالْعَامِل يتعاونان على السَّقْي
وَقيل: الْمُسَاقَاة من نوب المَاء بَين الْقَوْم
فَيكون لبَعْضهِم فِي وَقت ولآخرين فِي وَقت
وَتجوز الْمُسَاقَاة من جَائِز التَّصَرُّف لنَفسِهِ وللصبي وَالْمَجْنُون بِالْولَايَةِ
وموردها: الْكَرم والنخيل
وَلَا ترد على مَا لَا يُثمر من الْأَشْجَار وَمَا ينْبت وَلَا سَاق لَهُ بِحَال
وَلَا تصح المخابرة وَهِي الْمُعَامَلَة على الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا وَالْبذْر من الْعَامِل وَلَا الْمُزَارعَة
وَهِي هَذِه الْمُعَامَلَة وَالْبذْر من الْمَالِك
نعم لَو كَانَ بَين النخيل بَيَاض يجوز الْمُزَارعَة عَلَيْهِ تبعا للمساقاة على النخيل وعسر إِفْرَاد النخيل بالسقي وَالْبَيَاض بالمزارعة
وَكَذَا يشْتَرط أَن يفصل بَينهمَا وَأَن لَا يقدم الْمُزَارعَة على الْمُسَاقَاة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَأَصَح(1/199)
الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا فرق بَين أَن يكثر الْبيَاض أَو يقل وَأَنه لَا يشْتَرط تَسَاوِي الْجُزْء الْمَشْرُوط من الثَّمر وَالزَّرْع
وَلَا يجوز أَن يخابر تبعا للمساقاة
وَإِذا أفردت الأَرْض بالزراعة كَانَ الرّيع للْمَالِك وَعَلِيهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَة مثل عمله وثيرانه وآلاته
وَالطَّرِيق فِي أَن يصير الرّيع بَينهمَا وَلَا تلْزم أجرته: أَن يسْتَأْجر الْعَامِل بِنصْف الْبذر ليزرع لَهُ نصف الأَرْض ويعيره النّصْف الآخر أَو يستأجره بِنصْف الْبذر وَنصف مَنْفَعَة الأَرْض ليزرع لَهُ النّصْف الآخر من الْبذر فِي النّصْف الآخر من الأَرْض
وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي كتاب الْإِجَارَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَيشْتَرط تَخْصِيص الثِّمَار بالمتساقيين
وتشريكهما فِيهَا وَالْعلم بالنصيبين بالجزئية كَمَا فِي الْقَرَاض وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ عَن الشَّافِعِي: أَنه لَا تصح الْمُسَاقَاة بعد ظُهُور الثِّمَار وَلَكِن قبل بَدو الصّلاح
وَلَو ساقاه على ودي ليغرسه وَيكون بَينهمَا لم يجز
وَإِن كَانَ مغروسا وَشرط لَهُ جُزْءا من الثَّمَرَة
فَإِن قدر العقد بِمدَّة يُثمر فِيهَا غَالِبا صَحَّ العقد
وَإِن قدره بِمدَّة لَا يُثمر فِيهَا مثله لم يَصح
وَلَا يشْتَرط على الْعَامِل مَا لَيْسَ من جنس أَعمال الْمُسَاقَاة وَيعرف الْعَمَل بِتَقْدِير الْمدَّة من سنة أَو أَكثر
وَلَا يجوز التَّوْقِيت بِإِدْرَاك الثِّمَار
وَصِيغَة العقد أَن يَقُول: ساقيتك على هَذَا النّخل بِكَذَا
وَمَعْنَاهُ سلمتها إِلَيْك لتتعهدها
وَيشْتَرط فِيهِ الْقبُول وَلَا يشْتَرط تَفْصِيل الْأَعْمَال
وَيحمل الْمُطلق فِي كل نَاحيَة على الْعرف الْغَالِب
وعَلى الْعَامِل كل عمل يحْتَاج إِلَيْهِ إصْلَاح الثِّمَار واستزادتها وتكررها فِي كل سنة
كالسقي وَمَا يتبعهُ من تنقية النَّهر وَإِصْلَاح الأجاجين الَّتِي يثبت فِيهَا المَاء
وكالتلقيح وتنحية الْحَشِيش والقضبان الْمضرَّة وتعريش الكروم حَيْثُ جرت الْعَادة بِهِ وَحفظ الثِّمَار وجدادها وتجفيفها
وَمَا يقْصد بِهِ حفظ الْأُصُول وَلَا يتَكَرَّر كل سنة
فَهُوَ من وَظِيفَة الْمَالِك
كبناء الْحِيطَان
وحفر الْأَنْهَار الجديدة
وَالْمُسَاقَاة لَازِمَة
فَلَو هرب الْعَامِل قبل تَمام الْعَمَل
وأتمه الْمَالِك مُتَبَرعا بَقِي اسْتِحْقَاق الْعَامِل فِي الثَّمَرَة تَاما وَإِلَّا اسْتَأْجر الْحَاكِم عَلَيْهِ من يتم الْعَمَل
فَإِن لم يقدر على مُرَاجعَة الْحَاكِم فليشهد على الْإِنْفَاق إِن أَرَادَ الرُّجُوع
وَإِن مَاتَ الْعَامِل وَخلف تَرِكَة أتم الْوَارِث الْعَمَل مِنْهَا
وَإِن قَالَ الْوَارِث: أَنا أتم الْعَمَل بنفسي أَو أستأجر من مَالِي
فعلى الْمَالِك تَمْكِينه
وَإِذا ثَبت خِيَانَة الْعَامِل اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ من مَاله من يعْمل
وَإِن أمكن الْحِفْظ بمشرف اقْتصر عَلَيْهِ
وَإِذا خرجت الثِّمَار مُسْتَحقَّة رَجَعَ الْعَامِل على الَّذِي ساقاه بِأُجْرَة الْمثل(1/200)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب: اتّفق فُقَهَاء الْأَمْصَار من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمذَاهب على جَوَاز الْمُسَاقَاة
وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى بُطْلَانهَا وَلم يذهب إِلَى ذَلِك أحد غَيره
وَتجوز الْمُسَاقَاة على سَائِر الْأَشْجَار المثمرة كالنخل وَالْعِنَب والتين والجوز
وَغير ذَلِك عِنْد مَالك وَأحمد وَهُوَ الْقَدِيم من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابه
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
والجديد الصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه لَا تجوز إِلَّا فِي النّخل وَالْعِنَب
وَقَالَ دَاوُد: لَا تجوز إِلَّا فِي النّخل خَاصَّة
فصل: وَإِذا كَانَ بَين النخيل بَيَاض
وَإِن كثر صحت الْمُزَارعَة عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاة على النّخل عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد بِشَرْط اتِّحَاد الْعَامِل وعسر إِفْرَاد النّخل بالسقي وَالْبَيَاض بالعمارة
وبشرط أَن لَا يفصل بَينهمَا وَأَن لَا تقدم الْمُزَارعَة بل تكون تبعا للمساقاة
وَأَجَازَ مَالك: دُخُول الْبيَاض الْيَسِير بَين الشّجر فِي غير الْمُسَاقَاة من غير اشْتِرَاط
وَجوزهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على أَصلهمَا فِي جَوَاز المخابرة فِي كل أَرض
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بِالْمَنْعِ هُنَا كَمَا قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَاز فِي الأَرْض المنفردة
فصل: وَلَا تجوز المخابرة
وَهِي عمل الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا وَالْبذْر من الْعَامِل بالِاتِّفَاقِ
وَلَا الْمُزَارعَة وَهِي أَن يكون الْبذر من مَالك الأَرْض عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَهُوَ الْجَدِيد الصَّحِيح من قولي الشَّافِعِي
وَالْقَدِيم من قوليه وَاخْتَارَهُ أَعْلَام الْمَذْهَب
وَهُوَ الْمُرَجح
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ الْمُخْتَار الرَّاجِح فِي الدَّلِيل صِحَّتهَا
وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَطَرِيق جعل الْغلَّة لَهما وَلَا أُجْرَة: أَن يستأجره بِنصْف الْبذر ليزرع لَهُ النّصْف الآخر
ويعيره نصف الأَرْض وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي الحكم
فصل: وَإِذا ساقاه على ثَمَرَة مَوْجُودَة وَلم يبد صَلَاحهَا
: جَازَ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَسَحْنُون على كل ثَمَرَة مَوْجُودَة من غير تَفْصِيل
وَإِذا اخْتلفَا فِي الْجُزْء الْمَشْرُوط تحَالفا عِنْد الشَّافِعِي وينفسخ العقد
وَيكون لِلْعَامِلِ أُجْرَة مثله فِيمَا عمل بِنَاء على أَصله فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَمذهب الْجَمَاعَة: أَن القَوْل قَول الْعَامِل مَعَ يَمِينه
انْتهى
المصطلح: وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
وَلها عمد
وَهِي ذكر المساقي والمساقى وأسمائهما وأنسابهما
وَذكر النّخل وَالْعِنَب
وَلَا يُقَال: الْكَرم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نهى عَن(1/201)
تَسْمِيَة الْعِنَب كرما) وموضعهما وتحديدهما
وَمُدَّة الْمُسَاقَاة وَعمل الْعَامِل فيهمَا على مَا يَصح
وَيجوز ذكر الْأَجْزَاء من التَّمْر أَو الْعِنَب على مَا يتفقان عَلَيْهِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية وَالْإِشْهَاد والتاريخ
وَصُورَة مَا إِذا كتب الْمُسَاقَاة فِي ذيل الْإِجَارَة: وساقى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور على مَا فِي الْمَأْجُور الْمَذْكُور من الْأَشْجَار المثمرة مُدَّة الْإِجَارَة على أَن يعْمل لَهُ فِي ذَلِك حق الْعَمَل بِنَفسِهِ أَو بِمن يقوم مقَامه فِي ذَلِك
وَمهما فتح الله تَعَالَى من ثَمَر كَانَ للمؤجر الْمَذْكُور بِحَق عمله فِي ذَلِك كَذَا وَكَذَا سَهْما وَكَانَ لرب الأَرْض من ذَلِك بِحَق ملكه كَذَا وَكَذَا سَهْما أَو يَقُول: كَانَ مقسوما على كَذَا وَكَذَا سَهْما مَا هُوَ للمؤجر بِحَق ملكه كَذَا وَكَذَا
وَمَا هُوَ للْمُسْتَأْجر بِحَق عمله كَذَا وَكَذَا مُسَاقَاة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة
وَسلم إِلَيْهِ ذَلِك
فتسلمه مِنْهُ بِعقد هَذِه الْمُسَاقَاة تسلما شَرْعِيًّا
ويكمل بالتاريخ
وَصُورَة مَا إِذا كتب الْمُسَاقَاة مُفْردَة عَن كتاب الْإِجَارَة: ساقى فلَان فلَانا أَو أقرّ فلَان أَنه ساقى فلَانا أَو أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه ساقى فلَانا على مَا بِيَدِهِ من الْكَرم والنحل أَو على الْأَشْجَار النّخل وَالرُّمَّان والتين وَالزَّيْتُون وَالْعِنَب وَغير ذَلِك النابتة فِي أَرَاضِي الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ الْجَارِي فِي ملك المساقي الْمَذْكُور
وَبِيَدِهِ وتصرفه يذكرهُ ويصفه ويحدده وَإِن أمكن ذكر مساحته ذكرهَا وَمَا يُحِيط بِهِ من السياج الدائر عَلَيْهِ ويغلق عَلَيْهِ بَاب خَاص وشربه من ساقية كَذَا مُسَاقَاة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة نَافِذَة مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه أَو أَكثر مَا يتفقان عَلَيْهِ على أَن الْعَامِل الْمَذْكُور يتَوَلَّى الْقيام بِسَائِر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْأَشْجَار المساقى عَلَيْهَا الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ من سقِِي وتنظيف الأَرْض من الْحَشِيش والعيدان وَإِصْلَاح الأجاجين وتنحية مَا يضر بالأشجار وتأبير النّخل وجداده وزبر الْكَرم وَإِقَامَة عرائشه وَحفظه وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِنَفسِهِ وبمن يَسْتَعِين بِهِ من أَجْزَائِهِ وعوامله وأبقاره وعدده وآلاته الْمعدة لمثل ذَلِك وَمهما أطلعه الله فِي ذَلِك ورزقه من ثَمَرَة كَانَ مقسوما على ثَلَاثَة أَقسَام: للْمَالِك بِحَق ملكه قِسْمَانِ وللعامل بِحَق عمله قسم وَاحِد أَو يَقُول: كَانَ مقسوما على ألف جُزْء لفُلَان المبدأ بِذكرِهِ بِحَق ملكه جُزْء وَاحِد وَلفُلَان الْمثنى بِذكرِهِ بِحَق عمله بَقِيَّة الْأَجْزَاء الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب
تعاقدا على ذَلِك معاقدة صَحِيحَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَسلم الْمَالِك إِلَى الْعَامِل جَمِيع الْبُسْتَان الْمَذْكُور بِعقد هَذِه الْمُسَاقَاة الْجَائِزَة بَينهمَا على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة والمعرفة والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
رَضِيا بذلك واتفقا عَلَيْهِ
ويكمل(1/202)
وَصُورَة الْمُسَاقَاة على سَائِر الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة الثِّمَار على مَذْهَب مَالك وَأحمد وَأحد قولي الشَّافِعِي خلافًا لأبي حنيفَة: ساقى فلَان فلَانا البستاني على جَمِيع الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة الثِّمَار الْقَائِمَة بأراضي الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ الْمَعْرُوف ببستان كَذَا الرَّاكِب على نهر كَذَا
وَله حق شرب من النَّهر الْمَذْكُور مَعْلُوم وَهُوَ يَوْم الثُّلَاثَاء وَلَيْلَة الْأَرْبَعَاء من كل أُسْبُوع مثلا أَو يكون سقيه بالسواقي والعوامل فيذكر ذَلِك
ويصف الْبُسْتَان وَيذكر اشتمالاته وأنواع فواكهه وأشجاره وَصفا تَاما ويحدده ثمَّ يَقُول: مُسَاقَاة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة لَازِمَة مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه أَو أقل أَو أَكثر على أَن الْعَامِل الْمَذْكُور يتَوَلَّى سقِِي الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة والحرث حول أُصُولهَا وتنظيف الأَرْض من الْحَشِيش والعيدان وتنحية مَا يَضرهَا
وَوضع الشواميك تَحت غصونها عِنْد تعذر حمل ثمارها وَأَن يحفظ ثمارها بِنَفسِهِ وَيعْمل فِي ذَلِك بأجرائه وعوامله وعدده وآلاته
وَمهما رزق الله تَعَالَى من ثَمَرَة فِي ذَلِك كَانَ مقسوما بَينهمَا على كَذَا وَكَذَا سَهْما للْمَالِك من ذَلِك بِحَق ملكه كَذَا
وللعامل بِحَق عمله كَذَا
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر
وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب
ويكمل بِذكر المعاقدة والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية والاتفاق والتراضي على نَحْو مَا تقدم شَرحه
تَنْبِيه: هَذِه الْمُسَاقَاة مَقْصُودَة فِي الْأَشْجَار الَّتِي لَيْسَ تحتهَا أَرض مكشوفة قَليلَة وَلَا كَثِيرَة
وَإِنَّمَا الْأَشْجَار مغطية لجَمِيع الأَرْض
فَأَما إِذا كَانَ بَين الْأَشْجَار أَرض بَيَاض مكشوفة قَليلَة أَو كَثِيرَة
فَإِنَّهُ تجوز الْمُزَارعَة عَلَيْهَا مَعَ الْمُسَاقَاة فِي عقد وَاحِد وَيكون لِلْعَامِلِ جُزْء من الثَّمَرَة وجزء مِمَّا يخرج من الأَرْض
وَذَلِكَ مَذْهَب أَحْمد وَحده وَمذهب أبي يُوسُف خلافًا للباقين
وَأَن يكون الْبذر من صَاحب الأَرْض لَا يرجع ببذره
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يخرج الْبذر أَولا من وسط الْغلَّة وَيقسم الْبَاقِي بَينهمَا بالجزئية الَّتِي اشترطاها
سَوَاء كَانَ الْبذر لِلْعَامِلِ أَو لَهما
وَصُورَة الْمُسَاقَاة والمزارعة على أَشجَار بَينهمَا أَرض بَيَاض وَالْبذْر من الْمَالِك يخرج أَولا وَيقسم الْبَاقِي بَينهمَا: ساقى فلَان فلَانا على جَمِيع الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة الثِّمَار الْقَائِمَة أُصُولهَا بأراضي الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ الْمَعْرُوف بِكَذَا ويوصف ويحدد وزارعه على الْأَرَاضِي الْبيَاض الْكَشْف الَّتِي بَين الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة مُسَاقَاة ومزارعة صحيحتين شرعيتين جائزتين شرعا على أَن فلَانا يعْمل فِي ذَلِك حق الْعَمَل الْمُعْتَاد فِي مثل ذَلِك ويتعاهد أشجاره بالسقي على عَادَته ويقطف ثماره وَيقوم بمصالحه وإزاحة أعذاره وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَأَن يبذر الأَرْض الْبيَاض الَّتِي بِهِ بِمَا يحضرهُ لَهُ الْمَالِك من الْبذر ويغلقها بالزراعة بعد الْحَرْث والسواد وَغير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الزراع فِي مثل ذَلِك بِنَفسِهِ وبمن يَسْتَعِين بِهِ من أجرائه وعوامله وثيرانه وعدده وآلاته
فَإِذا بدا الصّلاح فِي الثَّمَرَة(1/203)
وَجَاز بيعهَا ودرست الْغلَّة وَصَارَت حبا صافيا وَبَلغت الخضراوات المزروعة بِالْأَرْضِ الْمَذْكُورَة فطاب أكلهَا: كَانَ ذَلِك بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للْمَالِك بِحَق ملكه وَسَهْم لِلْعَامِلِ بِحَق عمله
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج مَا يجب إِخْرَاجه من الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر وَالْبذْر
وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن اتفقَا على ترك الْبذر وَعدم إِخْرَاجه من الْوسط
فقد وَافق مَذْهَب مُحَمَّد أَيْضا
تَنْبِيه: قد منع الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى جَوَاز الْمُسَاقَاة إِلَّا على وَجه وَاحِد وَهُوَ أَن يكون النّخل كثيرا وَالْبَيَاض يَسِيرا
وَجوز مَالك الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة على الأَرْض الَّتِي بَين النخيل قَليلَة كَانَت أَو كَثِيرَة تبعا لِلْأُصُولِ
وَفِي الْمُسَاقَاة على الليف وَالسَّعَف والكرنوف خلاف
فَإِن كَانَت تعد من الثَّمَرَة جَازَ
وَإِلَّا فَلَا
وَصُورَة مَا إِذا أجره الأَرْض وساقاه على مَا فِيهَا من نخل أَو عِنَب أَو شجر: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع بَيَاض الأَرْض الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها وَيَقُول: خلا مَوَاضِع النّخل وَالشَّجر ومغارسها من الأَرْض المحدودة الموصوفة أَعْلَاهُ أَو يَقُول: خلا منابت الْأَشْجَار النابتة فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وَمَا لذَلِك من طَرِيق شرب وَحقّ من هَذِه الأَرْض الْمَذْكُورَة
فَإِن ذَلِك لم يدْخل وَلَا شَيْء مِنْهُ فِي عقد الْإِجَارَة إِجَارَة شَرْعِيَّة لمُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا وَيذكر قبضهَا أَو حلولها أَو تقسيطها ويكمل الْإِجَارَة بالمعاقدة والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية
وَبعد ذكر التَّفَرُّق يَقُول: ثمَّ يعد تَمام ذَلِك ولزومه شرعا ساقى فلَان الْمُؤَجّر فلَانا الْمُسْتَأْجر أَو سَأَلَ فلَان الْمُسْتَأْجر فلَانا الْمُؤَجّر أَن يساقيه على مَا فِي الأَرْض الْمُؤجرَة المحدودة الموصوفة بأعاليه من نخل وَشَجر مُدَّة الْإِجَارَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ على أَن يسقى ذَلِك كُله ويؤبر مَا يحْتَاج مِنْهُ إِلَى التَّأْثِير ويلقحه وَيقطع الْحَشِيش وَالسَّعَف والأطراف الْمضرَّة بِهِ ويعمره وَيقوم بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لطول الْمدَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ بِنَفسِهِ وبمن يَسْتَعِين بِهِ من أَجْزَائِهِ وعوامله وآلاته وعدده وَمهما رزق الله فِيهِ وَأَعْطَاهُ من ثَمَرَة كَانَ لفُلَان مِنْهَا بِحَق ملكه كَذَا وَلفُلَان بِحَق عمله ومساقاته كَذَا
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج الْمُؤَن والكلف وَالْأَجْر وَحقّ الله تَعَالَى إِن وَجب
فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَهُ وساقاه على ذَلِك وَرَضي بِمَا شَرطه لَهُ
وَسلم إِلَيْهِ جَمِيع مَا فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة من نخل وَشَجر
فتسلمه مِنْهُ وَصَارَ بِيَدِهِ بِعقد الْمُسَاقَاة الْجَارِي بَينهمَا على ذَلِك بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول
وَضمن المساقي الْمَذْكُور الْقيام بِمَا ساقاه عَلَيْهِ على مَا يُوجِبهُ شَرط الْمُسَاقَاة الشَّرْعِيَّة الْجَائِزَة شرعا
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة والمعرفة عِنْد عقد الْإِجَارَة وَقَبله
ويؤرخ
وَصُورَة إِجَارَة ومساقاة أُخْرَى: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع بَيَاض أَرض الْبُسْتَان الشّجر السَّقْي الْمَعْرُوف بِكَذَا ويوصف ويحدد بحقوقها كلهَا وحدودها وبئرها الكائنة(1/204)
بهَا
والساقية الْخشب المركبة على فوهتها وَمَا يعرف بهَا وينسب إِلَيْهَا خلا مغارس الْأُصُول النابتة فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة فَإِنَّهَا خَارِجَة عَن عقد هَذِه الْإِجَارَة إِجَارَة شَرْعِيَّة لينْتَفع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بذلك الِانْتِفَاع الشَّرْعِيّ بالزراعات الصيفية والشتوية غير الْمضرَّة بالأشجار النابتة فِي الْمَأْجُور مُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
وَسلم إِلَيْهِ مَا أجره إِيَّاه
فتسلم ذَلِك مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة وَسلم إِلَيْهِ الْأُصُول الْقَائِمَة فِي الأَرْض الْمُؤجرَة المحدودة الموصوفة بأعاليه
فتسلمها مِنْهُ على سَبِيل الْمُسَاقَاة الشَّرْعِيَّة الْجَائِزَة شرعا المنعقدة بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول على أَن هَذَا المساقي الَّذِي هُوَ الْمُسْتَأْجر يتَوَلَّى تكريم أُصُولهَا وتقليم نخلها وتأبيرها وتلقيحها وسقيها بِالْمَاءِ والتحويط عَلَيْهَا
وتنقية مَا حولهَا من النباتات الْمضرَّة بهَا وَأَن يفعل مَا يَفْعَله المساقون فِيهَا على الْعَادة فِي مثلهَا لطول مُدَّة الْإِجَارَة الْمعينَة أَعْلَاهُ بِنَفسِهِ وبمن يَسْتَعِين بِهِ من أجرائه وعوامله وعدده وآلاته
وَمهما فتح الله فِي ذَلِك عِنْد إِدْرَاك غلاتها فللمساقي الْمَالِك سهم وَاحِد من جملَة ألف سهم بِحَق ملكه وللمستأجر المساقي تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ جُزْءا بِحَق عمله حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج مَا يجب إِخْرَاجه شرعا
واعترف كل مِنْهُمَا بِمَعْرِِفَة مَا تعاقد عَلَيْهِ ونظرهما لَهُ وخبرتهما بِهِ الْخِبْرَة النافية للْجَهَالَة
ويؤرخ
تَنْبِيه: من أَرَادَ الِاحْتِيَاط فِي الْمُسَاقَاة وَالْخُرُوج مِمَّا جرى فِيهِ الْخلاف بَين الْعلمَاء فليذكر فِي آخر العقد: أَن الْمُتَعَاقدين تَصَادقا على أَن العقد الْجَارِي بَينهمَا فِي ذَلِك حكم بِهِ حَاكم شَرْعِي يرى صِحَّته وَيَقُول: وأنهما رفعا ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي نظر فِيهِ
فَرَآهُ صَحِيحا على مُقْتَضى قَاعِدَة مذْهبه الشريف
وَأَنه حكم بِصِحَّتِهِ وأمضاه
وَأَجَازَهُ وارتضاه وألزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ حكما شَرْعِيًّا
وَيكون الِاحْتِرَاز بِذكر حكم الْحَاكِم لأجل اخْتِلَاف النَّاس فِي عقد الْمُسَاقَاة
وَقد تقدم بَيَانه
ضَابِط: الْعَمَل فِي الْمُسَاقَاة على ضَرْبَيْنِ: عمل يعود نَفعه على الثَّمَرَة
فَهُوَ على الْعَامِل وَعمل يعود نَفعه على الأَرْض فَهُوَ رب المَال
وَلَا بُد أَن تكون الْمُسَاقَاة مُؤَقَّتَة لمُدَّة مَعْلُومَة
والأجود: أَن لَا تزيد على ثَلَاث سِنِين
وصيغتها: ساقيتك أَو عقدت مَعَك عقد الْمُسَاقَاة
وتنعقد بِكُل لفظ يُؤَدِّي إِلَى مَعْنَاهَا
وَالْمُسَاقَاة عقد لَازم
وَيملك الْعَامِل نصِيبه من الثَّمَرَة بعد الظُّهُور على الْمَذْهَب
وَقد تقدم ذكر ذَلِك
وَالله أعلم
بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة
: الصَّحِيح: أَنَّهُمَا عقدان مُخْتَلِفَانِ
فالمزارعة: الْمُعَامَلَة على الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج(1/205)
من زَرعهَا
وَالْبذْر من مَالك الأَرْض
وَالْمُخَابَرَة: مثلهَا إِلَّا أَن الْبذر من الْعَامِل
وَقيل: هما بِمَعْنى وَاحِد
وَالصَّحِيح الأول
وَبِه قَالَ الْجُمْهُور وَهُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي
وَأما قَول صَاحب الْبَيَان: إِن أَكثر الْأَصْحَاب قَالُوا: هما بِمَعْنى وَاحِد
فمردود لَا يعْتَبر
وَقد يُقَال: المخابرة اكتراء الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا
والمزارعة: اكتراء الْعَامِل ليزرع الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا
وَالْمعْنَى: لَا يخْتَلف
وَهِي مُخْتَلف فِيهَا بَين الْعلمَاء
قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُخْتَار جَوَاز الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وَالْمَعْرُوف من مَذْهَب الشَّافِعِي بُطْلَانهَا
قَالَ صَاحب الْبَحْر الصَّغِير: وَأرى جَوَاز الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة فِي جَمِيع الْأَرَاضِي وَالْأَشْجَار المثمرة والمعاطاة فِي المحقرات لعُمُوم الْبلوى فِي الْبلدَانِ وصيانة الْخلق عَن الْعِصْيَان
فَمن كتبهَا على مَذْهَب من يرى ذَلِك فليعرض بِذكر حكم الْحَاكِم بِصِحَّتِهَا وإجازتها ليخرج من الْخلاف كَمَا تقدم ذكره آنِفا
وَصُورَة الْمُزَارعَة على أصل من يَقُول بِصِحَّتِهَا: أقرّ فلَان أَنه تسلم من فلَان جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْفُلَانِيَّة وَيذكر حُدُودهَا وحقوقها على أَن يعمرها بِنَفسِهِ وأعوانه ودوابه ويزرع فِيهَا كَذَا وَكَذَا فِي سنة كَذَا أَو ليزرع فِيهَا مَا يحب ويختار من المزروعات الصيفية والشتوية على الْعَادة فِي مثل ذَلِك
وَيقوم بسقي مَا يزرع فِيهَا وَبِمَا يصلحه وينميه إِلَى حِين بُلُوغه واستكمال منفعَته
وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَأَعْطَاهُ بكرمه من غلَّة الزَّرْع الْمَذْكُور أخرج مِنْهُ مَا يجب عَلَيْهِ فِيهِ الصَّدَقَة
وَكَانَ الْبَاقِي بَينهمَا لفُلَان بِحَق أرضه كَذَا وَلفُلَان بِحَق بذره وَعَمله كَذَا
وَرَضي فلَان الْمَالِك للْأَرْض الْمَذْكُورَة بذلك بمخاطبته إِيَّاه واتفاقهما وتراضيهما على ذَلِك
ويؤرخ
وَصُورَة أُخْرَى فِي الْمُزَارعَة: أقرّ فلَان أَنه تسلم من فلَان جَمِيع الأَرْض السليخة الكائنة بمَكَان كَذَا
الْمَعْرُوفَة بِكَذَا وتوصف وتحدد ليزرعها من عِنْده أَو يَقُول: من مَاله وصلب حَاله حِنْطَة أَو غَيرهَا من أَصْنَاف الْحُبُوب والمزروعات فِي سنة كَذَا تسلما شَرْعِيًّا وَمهما لحق ذَلِك من حرث وحصاد ورجاد ودرس ودراوة وَغير ذَلِك من بداءة الزَّرْع وَإِلَى نِهَايَة استغلاله يكون على فلَان الْعَامِل الْمَذْكُور
فَإِذا صَار حبا صافيا كَانَ لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
ويؤرخ
فَائِدَة: رُبمَا اشْترط النَّاس فِي الْمُسَاقَاة أَو الْمُزَارعَة مَا يفْسد عقدهَا من عمل(1/206)
دولاب أَو حفر نهر أَو بِنَاء حَائِط
فالموثق إِذا خَافَ الْفساد فِي كِتَابَته وَكَانَ لَا بُد من ذكر مَا اتفقَا عَلَيْهِ من ذَلِك فليكتب آخر الْكتاب بعد تَمام العقد
ثمَّ أقرّ الْمزَارِع الْمَذْكُور أَو المساقي الْمَذْكُور إِقْرَارا شَرْعِيًّا صدر مِنْهُ على غير شَرط كَانَ فِي صلب عقد هَذِه الْمُزَارعَة أَو الْمُسَاقَاة وَلَا مقترن بِهِ أَن عَلَيْهِ لفُلَان بِحَق وَاجِب عرفه لَهُ على نَفسه: بِنَاء جَمِيع الْحَائِط الْفُلَانِيّ أَو حفر النَّهر الْفُلَانِيّ أَو عمل دولاب فِي الْجِهَة الْفُلَانِيَّة
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَفِي هَذَا ضَرَر على الْمزَارِع وَمَا أَظن كَاتبه بَينهمَا يسلم من الْإِثْم
فَيَنْبَغِي أَن يتَحَلَّل مِنْهُمَا: وَأَيْضًا فَلَا بُد فِي هَذِه الْعُقُود من مُرَاعَاة الشُّرُوط كرؤية الأَرْض والآلات وَتَقْدِير الْمدَّة وَغَيرهَا
هَذَا إِذا أفردت الأَرْض بِالْعقدِ
وَأما إِذا كَانَ بَين النّخل: فَتجوز الْمُزَارعَة عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاة على النّخل وَقد تقدّمت صور ذَلِك
وَيشْتَرط فِيهِ اتِّحَاد الْعَامِل فَلَا يجوز أَن يساقي وَاحِدَة ويزارع آخر(1/207)
كتاب الْإِجَارَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
وَهِي مُشْتَقَّة من الْأجر وَهُوَ الثَّوَاب
تَقول: آجرك الله أَي أثابك الله
فَكَأَن الْأُجْرَة عوض عمله
كَمَا أَن الثَّوَاب عوض عمله
وَالْأَصْل فِيهَا: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: لَو لم يكن فِي الْإِجَارَة إِلَّا هَذَا لكفى
وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ذكر أَن الْمُطلقَة إِذا أرضعت ولد زَوجهَا فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا أجرتهَا
وَالْأُجْرَة لَا تكون إِلَّا فِي الْإِجَارَة
وَالرّضَاع غرر لِأَن اللَّبن قد يقل وَقد يكثر
وَقد يشرب الصَّبِي من اللَّبن كثيرا وَقد يشرب قَلِيلا
وَقد أجَازه الله تَعَالَى
وَيدل على صِحَّتهَا: قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة مُوسَى وَشُعَيْب عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام: {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين قَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} فلولا أَن الْإِجَارَة كَانَت جَائِزَة فِي شرعهم لما قَالَت: {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ} وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَالَ بعد قَوْلهَا {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ} وَلم يُنكر عَلَيْهَا {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} فَجعل الْمَنْفَعَة مهْرا
وَقَوله تَعَالَى فِي قصَّة مُوسَى وَالْخضر عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام: {قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا}
وَأما السّنة: فروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أعْطوا الْأَجِير حَقه قبل أَن يجِف عرقه) وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من اسْتَأْجر أَجِيرا فليبين لَهُ الْأُجْرَة) وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (قَالَ ربكُم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ثَلَاثَة أَنا خصمهم يَوْم الْقِيَامَة وَمن كنت خَصمه خصمته: رجل أعْطى بِي عهدا ثمَّ غدر وَرجل بَاعَ حرا فَأكل(1/208)
ثمنه وَرجل اسْتَأْجر أَجِيرا فاستوفى عمله وَلم يوفه أجره وروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر استأجرا رجلا خريتا عَالما بالهداية والخريت الدَّلِيل وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَأعْطى الْحجام أجرته
وَأما الْإِجْمَاع فَروِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه أجر نَفسه من يَهُودِيّ يَسْتَقِي لَهُ المَاء اكل دلو بتمرة وَرُوِيَ أَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} (الْبَقَرَة 198) هُوَ أَن يحجّ الرجل ويؤاجر نَفسه وَرُوِيَ أَن عبد الرحمنبن عَوْف اسْتَأْجر أَرضًا فَبَقيت فِي يَده إِلَى أَن مَاتَ فَقَالَ أَهله نَا نرى أَنَّهَا لَهُ حَتَّى وصّى بهَا وَذكر أَن عَلَيْهِ شَيْئا من أجرتهَا وَمَا رُوِيَ خلاف ذَلِك عَن أحد من الصَّحَابَة
وَأما الْقيَاس فَلِأَن الْمَنَافِع كالأعيان فَلَمَّا جَازَ عقد البيع على الْأَعْيَان جَازَ عقد الْإِجَارَة على الْمَنَافِع وَيعْتَبر فِي الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر مَا يعْتَبر فِي البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَصِيغَة العقد أَن يَقُول أجرتك هَذِه الدَّار أَو أكريتك أَو مَلكتك مَنَافِعهَا مُدَّة كَذَا بِكَذَا فَيَقُول الْمُسْتَأْجر اسْتَأْجَرت أَو اكتريت أَو تملكت أَو قبلت
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ أَنَّهَا تَنْعَقِد بِمَا لَو قَالَ أجرتك مَنْفَعَتهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْعَقِد إِذا قَالَ بِعْتُك مَنْفَعَتهَا وتنقسم الْإِجَارَة إِلَى وَارِدَة على الْعين كإجارات العقارات وكما إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بِعَينهَا للْحَمْل أَو الرّكُوب أَو شخصا بِعَيْنِه للخياطة أَو غَيرهَا وَإِلَى وَارِدَة على الذِّمَّة كاستئجار دَابَّة مَوْصُوفَة وكما إِذا الْتزم للْغَيْر خياطَة أَو بِنَاء
وَإِذا قَالَ استأجرك لتعمل كَذَا فَالْحَاصِل إِجَارَة عين أَو إِجَارَة فِي الذِّمَّة فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الأول وَيشْتَرط فِي الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة تَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْمجْلس كتسليم رَأس مَال السّلم فِي الْمجْلس وَفِي إِجَارَة الْعين لَا يشْتَرط وَيجوز فِي الْأُجْرَة التَّعْجِيل والتأجيل إِن كَانَت فِي الذِّمَّة وَإِذا أطلقت تعجلت وَإِن كَانَت مُعينَة ملكت فِي الْحَال كَالْبيع ولتكن الْأُجْرَة مَعْلُومَة
تَنْبِيه قَوْلنَا مَعْلُومَة احْتِرَازًا من الْمَنْفَعَة المجهولة فَإِنَّهَا لَا تصح للغرر وَلَا بُد من الْعلم بِالْمَنْفَعَةِ قدرا ووصفا بِحَيْثُ تكون قَابِلَة للبذل وَالْإِبَاحَة وعَلى هَذَا اسْتِئْجَار آلَات اللَّهْو كالطنبور والمزمار والرباب وَنَحْوهَا حرَام يحرم بذل الْأُجْرَة فِي مقابلتها(1/209)
وَيحرم أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا
لِأَنَّهَا من قبيل أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ
وَكَذَلِكَ لَا يجوز اسْتِئْجَار المغاني وَلَا اسْتِئْجَار شخص لحمل خمر وَنَحْوه وَلَا اسْتِئْجَار شخص لجبي المكوس والرشا وَجَمِيع الْمُحرمَات
وَلَا تصح إِجَارَة الدَّار بعمارتها وَلَا الدَّابَّة بعلفها
وَلَا يجوز اسْتِئْجَار السلاخ بِالْجلدِ والطحان بِجُزْء من الدَّقِيق أَو بالنخالة
وَلَو اسْتَأْجر الْمُرضعَة بِجُزْء من الرَّقِيق المرتضع فِي الْحَال
الظَّاهِر: الْجَوَاز
انْتهى
وَيشْتَرط فِي الْمَنْفَعَة أَن تكون مُتَقَومَة
فَلَا يجوز اسْتِئْجَار البَائِع على كلمة لَا يتعب بهَا وَإِن كَانَت السّلْعَة تروج بهَا
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا يجوز اسْتِئْجَار الْكَلْب للصَّيْد والفحل للضراب
وَيشْتَرط أَن يكون الْمُؤَجّر يقدر على تَسْلِيمه
فَلَا يجوز اسْتِئْجَار الْآبِق وَالْمَغْصُوب وَلَا اسْتِئْجَار الْأَعْمَى لحفظ الْمَتَاع
وَلَا يجوز اسْتِئْجَار الأَرْض لزرع مَا يسقى إِذا لم يكن لَهَا مَاء دَائِم وَكَذَا إِن كَانَ لَا تكفيها الأمطار الْمُعْتَادَة
وَيجوز إِن كَانَ لَهَا مَاء دَائِم
وَكَذَا إِن كَانَ يكفيها الأمطار الْمُعْتَادَة
أَو مَاء الثلوج المجتمعة فِي الْجَبَل
وَالْغَالِب الْحُصُول فِي الْوَجْهَيْنِ والمعجوز عَنهُ شرعا كالمعجوز عَنهُ حسا فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار لقلع سنّ صَحِيحَة وَلَا اسْتِئْجَار الْحَائِض لخدمة الْمَسْجِد
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ: أَن اسْتِئْجَار الْمَنْكُوحَة للرضاع وَغَيره بِغَيْر إِذن الزَّوْج لَا يجوز
وَيجوز تَأْجِيل الْمَنْفَعَة فِي الْإِجَارَة ف الذِّمَّة كَمَا إِذا ألزم ذمَّته الْحمل إِلَى مَوضِع كَذَا أَو إِلَى شهر كَذَا
وَلَا يجوز إِيرَاد إِجَارَة الْعين على الْمَنْفَعَة الْمُسْتَقْبلَة كإجارة الدَّار للسّنة الْقَابِلَة وَلَو أجر السّنة الثَّانِيَة من الْمُسْتَأْجر قبل انْقِضَاء الأولى
فالأشبه الْجَوَاز
وَيجوز أَن يُؤجر دَابَّة من إِنْسَان ليرْكبَهَا بعض الطَّرِيق دون بعض أَو من اثْنَيْنِ ليركب هَذَا أَيَّامًا وَهَذَا أَيَّامًا
وَيبين البعضين
وَيشْتَرط أَيْضا فِي الْمَنْفَعَة: أَن تكون مَعْلُومَة
وتقدر الْمَنَافِع تَارَة بِالزَّمَانِ كاستئجار الدَّار سنة
وَتارَة بِمحل الْعَمَل كاستئجار الدَّابَّة إِلَى مَوضِع كَذَا للرُّكُوب والخياط ليخيط هَذَا الثَّوْب
وَلَو جمع بَينهمَا فَقَالَ: استأجرتك لتخيط لي هَذَا الثَّوْب بَيَاض هَذَا النَّهَار
فأصح الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا يجوز
وَيقدر تَعْلِيم الْقُرْآن بالمدة أَو بِتَعْيِين السُّور
وَيقدر فِي الِاسْتِئْجَار للْبِنَاء بتبيين الْموضع والطول وَالْعرض والسمك وَمَا يبنىء بِهِ إِن قدر بِالْعَمَلِ
وَالْأَرْض الَّتِي تصلح للْبِنَاء والزراعة وَالْغِرَاس لَا بُد فِي إِجَارَتهَا من تعْيين الْمَنْفَعَة
وَتَعْيِين الزِّرَاعَة يَعْنِي ذكر مَا يزرع فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَلَو قَالَ: أجرتكها لتنتفع بهَا مَا شِئْت صَحَّ
وَلَو قَالَ: إِن(1/210)
شِئْت فازرعها وَإِن شِئْت فاغرسها جَازَ على الْأَصَح
وَفِي إِجَارَة الدَّابَّة للرُّكُوب يَنْبَغِي أَن يعرف الْمُؤَجّر الرَّاكِب بمشاهدته وَيقوم مقَام الْمُشَاهدَة: الْوَصْف التَّام على الْأَشْبَه
وَكَذَا الحكم فِيمَا يركب عَلَيْهِ من زاملة أَو حمل أَو غَيرهمَا
وَلَا بُد فِي الْإِجَارَة على الْعين من تعْيين الدَّابَّة وَاشْتِرَاط رؤيتها
وَفِي الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة لَا بُد من ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع والذكورة وَالْأُنُوثَة
وتبيين قدر السّير فِي كل يَوْم
فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق منَازِل مضبوطة
جَازَ إهماله وَينزل العقد عَلَيْهَا
وَفِي الِاسْتِئْجَار للْحَمْل يَنْبَغِي أَن يعرف الْمُؤَجّر الْمَحْمُول بِرُؤْيَتِهِ إِن كَانَ حَاضرا
ويمتحنه بِالْيَدِ إِن كَانَ فِي ظرف وَإِن كَانَ غَائِبا فَيقدر بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن وَلَا بُد من ذكر الْجِنْس
وَلَا يشْتَرط معرفَة جنس الدَّابَّة وصفتها إِن كَانَت الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة إِلَّا إِذا كَانَ الْمَحْمُول زجاجا وَنَحْوه
وَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار للعبادات الَّتِي لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِالنِّيَّةِ
وَيسْتَثْنى الْحَج وتفرقة الزَّكَاة وَكَذَا الْجِهَاد
وَيجوز لتجهيز الْمَيِّت وَدَفنه وَتَعْلِيم الْقُرْآن
وَيجوز الِاسْتِئْجَار للحضانة والإرضاع مَعًا ولأحدهما دون الآخر
وَالأَصَح: أَنه لَا يستتبع وَاحِد مِنْهُمَا الآخر
والحضانة: حفظ الصَّبِي وتعهده بِغسْل الرَّأْس وَالْبدن وَالثيَاب وتدهينه وتكحيله وربطه فِي المهد وتحريكه لينام وَنَحْوهَا
وَإِذا استؤجرت لَهما فَانْقَطع اللَّبن
فَالْمَذْهَب: أَن العقد يَنْفَسِخ فِي الْإِرْضَاع وَفِي الْحَضَانَة
وَالْمَشْهُور: أَنه لَا يجب الحبر على الْوراق وَلَا الْخَيط على الْخياط وَلَا الذرور على الكحال فِي استئجارهم
وَيجب تَسْلِيم مِفْتَاح الدَّار إِلَى الْمُكْتَرِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ عمَارَة الدَّار وَإِنَّمَا هِيَ من وَظِيفَة الْمكْرِي فَإِن بَادر وَعمر وَأصْلح المنكسر فَذَاك
وَإِلَّا فللمكتري الْخِيَار
وكسح الثلوج من السَّطْح كالعمارة وتطهير عَرصَة الدَّار عَن الكناسات على الْمُكْتَرِي وَكَذَا كسح الثَّلج فِي عَرصَة الدَّار
وعَلى الْمكْرِي إِذا أجر الدَّابَّة للرُّكُوب: الإكاف والبرذعة والحزام والثفر والبرة والخطام وَالْأَشْبَه فِي السرج: اتِّبَاع الْعرف فِيهِ والمحمل والمظلة والغطاء وتوابعها على الْمُكْتَرِي
والظرف الَّذِي ينْقل فِيهِ الْمَحْمُول على الْمكْرِي إِن وَردت الْإِجَارَة على الذِّمَّة وعَلى الْمُكْتَرِي إِن تعلّقت بِالْعينِ
وعَلى الْمكْرِي فِي إِجَارَة الذِّمَّة: الْخُرُوج مَعَ الدَّابَّة ليتعهدها وإعانة الرَّاكِب فِي الرّكُوب وَالنُّزُول بِحَسب الْحَاجة وَرفع الْحمل(1/211)
وحطه وَشد الْمحمل وحله
وَفِي إِجَارَة الْعين لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّخْلِيَة بَين الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّة
وتنفسخ إِجَارَة الْعين بِتَلف الدَّابَّة ويثتت الْخِيَار بعيبها
وَفِي إِجَارَة الذِّمَّة لَا تَنْفَسِخ بالتلف
وَلَا يثبت فِيهَا الْخِيَار بِالْعَيْبِ وَلَكِن على الْمكْرِي الْإِبْدَال وَالطَّعَام الْمَحْمُول ليؤكل بِبَدَل إِذا أكل على الْأَصَح
وَالأَصَح: أَن مُدَّة الْإِجَارَة لَا تتقدر لَكِن يَنْبَغِي أَن لَا تزيد على مُدَّة بَقَاء ذَلِك الشَّيْء غَالِبا
وَفِي قَول: لَا تزيد الْمدَّة على سنة
وَفِي قَول آخر: ثَلَاثِينَ سنة
والمستحق لِاسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة لَهُ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِغَيْرِهِ
فَمن اسْتَأْجر ليركب: لَهُ أَن يركب مثل نَفسه أَو أخف مِنْهُ وَإِذا اسْتَأْجر ليسكن أسكن مثله وَلَا يسكن الْحداد والقصار
وَلَا يجوز إِبْدَال مَا يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَة مِنْهُ كَالدَّارِ وَالدَّابَّة الْمعينَة والمستوفى بِهِ كَالثَّوْبِ الْمعِين للخياطة وَالصَّبِيّ الْمعِين للإرضاع وَفِي جَوَاز إِبْدَاله وَجْهَان
أظهرهمَا: الْجَوَاز
وَيَد الْمُسْتَأْجر على الدَّابَّة وَالثَّوْب يَد أَمَانَة فِي مُدَّة الْإِجَارَة
وَبعد انْقِضَائِهَا كَذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَو ربط دَابَّة اكتراها لحمل أَو ركُوب وَلم ينْتَفع بهَا
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا إِذا انْهَدم الإصطبل عَلَيْهَا فِي وَقت لَو انْتفع بهَا لما أَصَابَهَا الانهدام
وَإِذا تلف المَال فِي يَد الْأَجِير من غير تعد كَالثَّوْبِ إِذا اُسْتُؤْجِرَ لخياطة أَو صبغة
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن لم ينْفَرد الْآجر بِالْيَدِ بل قعد الْمُسْتَأْجر عِنْده أَو أحضرهُ إِلَى منزله
وَإِن انْفَرد بِالْيَدِ فَكَذَلِك فِي أصح الْأَقْوَال
وَالثَّالِث: الْفرق بَين الْمُنْفَرد والمشترك وَلَا يضمن الْمُنْفَرد
وَالْمُنْفَرد: هُوَ الَّذِي أجر نَفسه مُدَّة مُعينَة للْعَمَل
والمشترك: هُوَ الَّذِي يقبل الْعَمَل فِي ذمَّته
وَلَو دفع ثوبا إِلَى قصار ليقصره أَو خياط ليخيطه
فَفعل وَلم يجر ذكر أُجْرَة
فأصح الْوَجْهَيْنِ: أَن لَهُ الْأُجْرَة
وَقد يستحسن القَوْل الثَّالِث وَهُوَ الْفرق بَين أَن يكون الْعَامِل مَعْرُوفا بذلك الْعَمَل فَيسْتَحق أَو لَا فَلَا يسْتَحق
وَإِذا تعدى الْمُسْتَأْجر فِيمَا اسْتَأْجرهُ كَمَا لَو ضرب الدَّابَّة فَوق الْعَادة أَو أركب الدَّابَّة أثقل مِنْهُ أَو أسكن الدَّار الْحداد أَو الْقصار دخل الْمُسْتَأْجر فِي ضَمَانه
وَكَذَلِكَ لَو اكترى لحمل مائَة من من الْحِنْطَة أَو الْعَكْس أَو اكترى لحمل عشر أَقْفِزَة من الشّعير فَحمل عشرَة من الْحِنْطَة دون الْعَكْس أَو أَن يحمل مائَة من من حِنْطَة فَحمل مائَة وَعشرَة
فَعَلَيهِ أُجْرَة الْمثل للزِّيَادَة
وَإِن تلفت الدَّابَّة بذلك فَعَلَيهِ الضَّمَان إِن لم يكن صَاحبهَا مَعهَا وَانْفَرَدَ بِالْيَدِ
وَإِن كَانَ صَاحبهَا مَعهَا فَيضمن نصف الْقيمَة أَو قسطها من الزِّيَادَة فِيهِ قَولَانِ
أقربهما: الثَّانِي
وَإِن سلمه إِلَى الْمكْرِي فَحَمله وَهُوَ جَاهِل
فَالظَّاهِر: وجوب الضَّمَان على الْمُكْتَرِي أَيْضا
وَإِن وزن الْمكْرِي بِنَفسِهِ وَحمل فَلَا أُجْرَة لَهُ للزِّيَادَة
وَلَا ضَمَان لَو تلفت(1/212)
الدَّابَّة
وَلَو دفع ثوبا إِلَى خياط فخاطه قبَاء وَقَالَ: هَكَذَا أَمرتنِي
وَقَالَ الْمَالِك: بل أَمرتك أَن تقطعه قَمِيصًا
فأصح الْقَوْلَيْنِ: أَن القَوْل قَول الْمَالِك مَعَ يَمِينه
وَإِذا حلف فَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ
وعَلى الْخياط أرش النُّقْصَان
وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بالأعذار مثل أَن يسْتَأْجر حَماما فيتعذر عَلَيْهِ الْوقُود أَو دَابَّة ليسافر عَلَيْهَا فتمرض
وَلَو اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة فزرعها فَهَل الزَّرْع بجائحة فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ وَلَا حط شَيْء من الْأُجْرَة
وَمَوْت الدَّابَّة والأجير المعينين يُوجب الِانْفِسَاخ فِي الْمُسْتَقْبل
وَلَا يُؤثر فِي الْمَاضِي فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
ويستقر الْمُسَمّى بِالْقِسْطِ
وَمَوْت الْمُتَعَاقدين لَا يُوجب الِانْفِسَاخ
وَكَذَا مُتَوَلِّي الْموقف إِذا أجر الْبَطن الأول وَمَات قبل تَمامهَا
فأصح الْوَجْهَيْنِ: أَن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ
وَلَو أجر ولي الصَّبِي مُدَّة لَا يبلغ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبلغ بالاحتلام
فأظهر الْوَجْهَيْنِ: أَن الْإِجَارَة تبقى
وَالأَصَح: أَن انهدام الدَّار يُوجب الِانْفِسَاخ
فَإِن انْقَطع مَاء الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة للزِّرَاعَة فَذَلِك لَا يُوجب الِانْفِسَاخ
وَلَكِن يثبت الْخِيَار
وَلَو أكرى الْجمال جمالا وهرب وَتركهَا عِنْد الْمُكْتَرِي فيراجع الْمُكْتَرِي الْحَاكِم لينفق عَلَيْهَا من مَال الْجمال
فَإِن لم يجد لَهُ مَالا اسْتقْرض عَلَيْهِ ثمَّ إِن وثق بالمكتري دَفعه إِلَيْهِ وَإِلَّا جعله عِنْد ثِقَة
وَيجوز أَن يَبِيع مِنْهَا بِقدر مَا ينْفق من ثمنه عَلَيْهَا وَبَاقِي النَّفَقَة للمكتري
وَيجوز أَن يَأْذَن للمكتري فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهَا من مَاله ليرْجع فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَإِذا تسلم الْمُكْتَرِي الدَّابَّة أَو الدَّار وأمسكها حَتَّى مَضَت مُدَّة الْإِجَارَة اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَة سَوَاء انْتفع بهَا أَولا
وَلَو اسْتَأْجر للرُّكُوب إِلَى مَوضِع وتسلم المركوب وَمَضَت مُدَّة إِمْكَان السّير إِلَيْهِ فَكَذَلِك
وَلَا فرق بَين إِجَارَة الْعين وَبَين أَن تكون فِي الذِّمَّة
ويستقر فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة أُجْرَة الْمثل بِمَا يسْتَقرّ بِهِ الْمُسَمّى فِي الصَّحِيحَة
وَلَو أكرى عينا مُدَّة وَلم يُسَلِّمهَا حَتَّى مَضَت الْمدَّة
انْفَسَخت الْإِجَارَة وَلم تقدر الْمدَّة
وَلَو كَانَت الْإِجَارَة للرُّكُوب إِلَى مَوضِع وَلم يسلم الدَّابَّة حَتَّى مَضَت مُدَّة إِمْكَان السّير
فَالْأَظْهر: أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخ
وَالصَّحِيح: أَنه إِذا أعتق عَبده الْمُسْتَأْجر لم تَنْفَسِخ الْإِجَارَة وَأَنه لَا خِيَار للْعَبد وَلَا رُجُوع على السَّيِّد بِالْأُجْرَةِ لما بعد الْعتْق
وَيصِح بيع الْمُسْتَأْجر من الْمُسْتَأْجر وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَفِي بَيْعه من غير الْمُسْتَأْجر قَولَانِ
أصَحهمَا: صِحَّته أَيْضا
وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة
وَإِذا أجر النَّاظر فزادت الْأُجْرَة فِي الْمدَّة أَو ظهر طَالب بِالزِّيَادَةِ لم يَنْفَسِخ العقد فِي الْأَصَح(1/213)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْعلمَاء على أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود الْجَائِزَة بِالْعِوَضِ وَأَن من شَرط صِحَّتهَا: أَن تكون الْمَنْفَعَة والعوض معلومين
وَاخْتلفُوا: هَل تملك الْأُجْرَة بِنَفس العقد فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تملك الْأُجْرَة بِالْعقدِ
وَتجب أُجْرَة كل يَوْم بِقسْطِهِ من الْأُجْرَة
وَقَالَ مَالك: لَا تملك الْمُطَالبَة إِلَّا يَوْمًا بِيَوْم
وَأما الْأُجْرَة: فقد ملكت بِالْعقدِ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تملك الْأُجْرَة بِنَفس العقد
وتستحق بِالتَّسْلِيمِ
وتستقر بِمُضِيِّ الْمدَّة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا استأجروا دَارا كل شهر بِشَيْء مَعْلُوم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: تصح الْإِجَارَة فِي الشَّهْر الأول وَتلْزم
وَأما مَا عداهُ من الشُّهُور: فَيلْزم بِالدُّخُولِ فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تبطل الْإِجَارَة فِي الْجَمِيع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر مِنْهُ شهر رَمَضَان فِي شهر رَجَب فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح العقد
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح
وَاخْتلفُوا: هَل تصح الْإِجَارَة مُدَّة تزيد على سنة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز
وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال أظهرها: لَا يَصح أَكثر من سنة
وَعنهُ يجوز إِلَى ثَلَاثِينَ سنة
وَعنهُ يجوز أَكثر من سنة بِغَيْر تَقْدِير
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حول الْمَالِك الْمُسْتَأْجر فِي أثْنَاء الشَّهْر
فَقَالُوا: لَهُ أُجْرَة مَا سكن إِلَّا أَحْمد
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أُجْرَة لَهُ
وَكَذَلِكَ قَالَ: إِن تحول السَّاكِن لم يكن لَهُ أَن يسْتَردّ أُجْرَة مَا بَقِي
فَإِن أخرجته يَد غالبة كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَة مَا سكن
وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْمُسْتَأْجرَة: هَل يجوز لمَالِكهَا بيعهَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تبَاع إِلَّا برضاء الْمُسْتَأْجر أَو يكون عَلَيْهِ دين يحْبسهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ
فيبيعها فِي دينه
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز بيعهَا من الْمُسْتَأْجر وَغَيره يتسلمها المُشْتَرِي إِذا كَانَ غير الْمُسْتَأْجر بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْمشَاع
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح إِجَارَة الْمشَاع إِلَّا من الشَّرِيك
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تجوز على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تصح على الْإِطْلَاق
وَالْأُخْرَى: تصح اخْتَارَهَا أَبُو حَفْص العكبري
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاسْتِئْجَار لِاسْتِيفَاء الْقصاص فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح الِاسْتِئْجَار على اسْتِيفَاء الْقصاص فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس
وَقتل أهل الْحَرْب
ثمَّ اخْتلفُوا
هَل تجب الْأُجْرَة على الْمُقْتَص لَهُ أَو الْمُقْتَص مِنْهُ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ على الْمُقْتَص لَهُ فِي الْجَمِيع إِذا كَانَ فِي الطّرف أَو فِيمَا دون(1/214)
النَّفس
وَمَا فَوق ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار فِيهِ أصلا بِنَاء على مذْهبه
وَقَالَ مَالك: هِيَ على الْمُقْتَص لَهُ فِي الْجَمِيع
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ على الْمُقْتَص مِنْهُ فِي الْجَمِيع
وَاخْتلفُوا: هَل يجوز للْمُسْتَأْجر فسخ عقد الْإِجَارَة من عذر مُخْتَصّ كَمَرَض أَو غَيره فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز
وَهِي لَازِمَة من الطَّرفَيْنِ لَا يجوز لأحد مِنْهُمَا فَسخهَا إِلَّا أَن يمْتَنع اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِعَيْب فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْمُسْتَأْجر الْفَسْخ لعذر يلْحقهُ مثل: أَن يمرض أَو يَحْتَرِق مَتَاعه أَو يسرق أَو يغصب أَو يفلس: فَيكون لَهُ فسخ الْإِجَارَة
وَاخْتلفُوا هَل تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل مَعَ الْإِمْكَان من اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تَنْفَسِخ بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين وَلَا بموتهما جَمِيعًا
وَيقوم الْوَارِث مقَام مُوَرِثه فِي ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الْأُجْرَة على الْقرب كتعليم الْقُرْآن وَالْحج وَالْأَذَان والإمامة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك
وَقَالَ مَالك: يجوز فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج وَالْأَذَان
وَأما الْإِمَامَة: فَإِن أفردها وَحدهَا لم يجز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا وَإِن جمعهَا مَعَ الْأَذَان جَازَ
وَكَانَت الْأُجْرَة على الْأَذَان لَا على الصَّلَاة
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج
وَأما الْإِمَامَة فِي الْفُرُوض: فَلَا تجوز فِيهَا وَيجوز فِي النَّوَافِل ولأصحابه فِي جَوَاز ذَلِك فِي التَّرَاوِيح وَجْهَان
وَفِي الْأَذَان ثَلَاثَة أوجه
وَاخْتلفُوا فِي أُجْرَة الْحجام فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز وَيُبَاح للْحرّ
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز
فَإِن أَخذهَا من غير شَرط وَلَا عقد عَلفهَا ناضحة وأطعمها رقيقَة وَهِي حرَام فِي حق الْحر
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَخر الْعين الْمُسْتَأْجرَة بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجرهَا بِهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا أَن يكون قد أحدث فِيهَا شَيْئا
فَإِن لم يحدث فِيهَا شَيْئا لم يكن لَهُ أَن يكْرِي بِزِيَادَة
فَإِن أكرى تصدق بِالْفَضْلِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز سَوَاء أصلح فِي الْعين شَيْئا أَو بنى فِيهَا بِنَاء أَو لم يفعل
وَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات
إِحْدَاهُنَّ: كمذهب أبي حنيفَة
وَالثَّانيَِة: كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّالِثَة: لَا تجوز إِجَارَتهَا بِزِيَادَة بِحَال
وَالرَّابِعَة: يجوز ذَلِك بِإِذن الْمُؤَجّر وَلَا يجوز بِغَيْر إِذْنه
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الْخَادِم والظئر بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز فِي الظِّئْر دون الْخَادِم وَقَالَ مَالك: يجوز فيهمَا جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز(1/215)
فيهمَا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: الْجَوَاز فيهمَا كَقَوْل مَالك
وَالْأُخْرَى: الْمَنْع فيهمَا كَقَوْل الشَّافِعِي
وَاخْتلفُوا فِي اسْتِئْجَار الْكتب للنَّظَر فِيهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز
وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك هَل يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِيمَا جنت يَده فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يضمن مَا جنت يَده
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا: يضمن
وَالثَّانِي: لَا يضمن
وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك أَيْضا هَل يضمن مَا لم تجن يَده فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الضَّمَان
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا: لَا ضَمَان عَلَيْهِ كمذهب أبي حنيفَة
وَالْأُخْرَى: يضمن كمذهب مَالك
وَالثَّالِثَة: إِن كَانَ هَلَاكه مِمَّا لَا يُسْتَطَاع الِامْتِنَاع مِنْهُ
كالحريق واللصوص وَمَوْت الْبَهِيمَة
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ بِأَمْر خَفِي
ويستطاع الِاحْتِرَاز مِنْهُ ضمن
وَأما الأجراء: فَلَا يضمنُون عِنْد مَالك
وهم على الْأَمَانَة إِلَّا الصناع خَاصَّة
فَإِنَّهُم ضامنون إِذا انفردوا بِالْعَمَلِ فِيمَا عملوه بِالْأُجْرَةِ أَو بغَيْرهَا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة بفراغه وهلاكه فَيبرأ
وَاخْتلف الْخياط وَصَاحب الثَّوْب
فَعِنْدَ مَالك وَأحمد: إِن القَوْل قَول الْخياط
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: القَوْل قَول صَاحب الثَّوْب
وَاتَّفَقُوا على أَن الرَّاعِي مَا لم يَتَعَدَّ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضرب الْبَهِيمَة الْمُسْتَأْجرَة الضَّرْب الْمُعْتَاد فَهَلَكت
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يضمن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن وَإِن كَانَ ضربا مُعْتَادا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عقد مَعَ حمال على حمل مائَة رَطْل ثمَّ أكل مِنْهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: كلما أكل مِنْهَا شَيْئا أبدل عوضه وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه: لَيْسَ لَهُ أَن يُبدل عوضه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة فَهَل لَهُ أَن يؤجرها لغيره فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا لمن يُسَاوِيه فِي معرفَة الرّكُوب وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز لَهُ أَن يؤجرها إِلَّا لمن يُسَاوِيه فِي الطول وَالسمن
وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يكريها من مثله فِي رفْقَة يسيرَة
وَاخْتلفُوا فِيمَن نصب نَفسه للمعاش من غير عقد إِجَارَة
كالملاح والحلاق
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يسْتَحق كل مِنْهُم الْأُجْرَة
وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق الْأُجْرَة من غير عقد
وَلم يُوجد عَن أبي حنيفَة فِيهِ نَص بل قَالَ أَصْحَابه الْمُتَأَخّرُونَ: إِنَّهُم يسْتَحقُّونَ الْأُجْرَة
وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْحلِيّ الذَّهَب بِالذَّهَب أَو الْفضة بِالْفِضَّةِ هَل يكره فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يكره
وَكَرِهَهُ أَحْمد(1/216)
وَاخْتلفُوا فِي إِكْرَاه الأَرْض بِالثُّلثِ وَالرّبع مِمَّا يخرج مِنْهَا
فَقَالُوا: لَا يَصح
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: جَوَازه
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرعها حِنْطَة
فَلهُ أَن يَزْرَعهَا حِنْطَة
وَمَا ضَرَره ضَرَر الْحِنْطَة
وَاخْتلفُوا فِي الرجل يسْتَأْجر زَوجته لإرضاع وَلَده مِنْهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح
وَزَاد مَالك فَقَالَ: تجبر على ذَلِك إِلَّا أَن تكون شريفة لَا ترْضع مثلهَا
وَقَالَ أَحْمد: يَصح
وَاخْتلفُوا فِيمَن اكترى بَهِيمَة إِلَى مَوضِع مَعْلُوم فجاوزه فعطبت الدَّابَّة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة إِلَى الْموضع الْمُسَمّى وَعَلِيهِ قيمتهَا
وَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ فِيمَا جاوزه
وَقَالَ مَالك: صَاحبهَا بعد تلفهَا بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمنهُ الْقيمَة بِلَا أُجْرَة أَو أُجْرَة الْمثل بِلَا قيمَة بعد أَن يُؤَدِّي الْأُجْرَة الأولى
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ الْمُسَمّى وَأُجْرَة مَا تعداه أَو قيمتهَا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ليُصَلِّي فِيهَا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز أَن يُؤجر الرجل دَاره مِمَّن يتخذها مصلى مُدَّة مَعْلُومَة ثمَّ تعود إِلَيْهِ ملكا
وَله الْأُجْرَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك وَلَا أُجْرَة لَهُ
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح: وَهَذَا من محَاسِن أبي حنيفَة لَا مِمَّا يعاب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الْقرب عِنْده
فَلَا يُؤْخَذ عَلَيْهَا أُجْرَة
وَاخْتلفُوا: هَل يجوز اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثًا فِي الْإِجَارَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز سَوَاء كَانَت على مُدَّة أَو فِي الذِّمَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فِي الْمدَّة قولا وَاحِدًا
وَفِي الذِّمَّة قَولَانِ
وَاتَّفَقُوا على أَن العقد فِي الْإِجَارَة: إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْمَنْفَعَةِ دون الرَّقَبَة خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي
وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الإقطاع
وَالْمَشْهُور الْمَعْرُوف الْمُقَرّر من الشَّافِعِي: صِحَّتهَا
وَالْجُمْهُور على ذَلِك
قَالَ النَّوَوِيّ: لِأَن الجندي يسْتَحق الْمَنْفَعَة
تَنْبِيه: قَالَ شَيخنَا الإِمَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: مَا زلنا نسْمع عُلَمَاء الْإِسْلَام قاطبة بالديار المصرية والبلاد الشامية يَقُولُونَ بِصِحَّة إِجَارَة الإقطاع حَتَّى بزغ الشَّيْخ تَاج الدّين الْفَزارِيّ وَولده
فَقَالَا فِيهَا مَا قَالَا وَهُوَ الْمَعْرُوف من مَذْهَب أَحْمد
وَلَكِن مَذْهَب أبي حنيفَة: بُطْلَانهَا
فصل
: وَإِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرع فِيهَا نوعا من الْغِرَاس مِمَّا يتأبد ثمَّ انْقَضتْ السّنة فللمؤجر الْخِيَار عِنْد مَالك بَين أَن يُعْطي الْمُسْتَأْجر قيمَة الْغِرَاس وَكَذَلِكَ إِن بنى: أَن يُعْطِيهِ قيمَة بِنَاء ذَلِك على أَنه مقلوع أَو يَأْمُرهُ بقلعه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة كَقَوْل مَالك إِلَّا أَنه قَالَ: إِذا كَانَ الْقلع يضر بِالْأَرْضِ أعطَاهُ الْمُؤَجّر الْقيمَة
وَلَيْسَ للغارس قلعه وَإِن لم(1/217)
يضر لم يكن لَهُ إِلَّا الْمُطَالبَة بِالْقَلْعِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ ذَلِك للمؤجر وَلَا يلْزم الْمُسْتَأْجر قلع ذَلِك
وَيبقى مُؤَبَّدًا وَيُعْطى الْمُؤَجّر قيمَة الْغِرَاس للْمُسْتَأْجر
وَلَا يَأْمُرهُ بقلعه
وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَو يقره فِي أرضه
ويكونان مشتركين أَو يَأْمُرهُ بقلعه وَيُعْطِيه أرش مَا نقص بِالْقَلْعِ
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يلْزم الْمُسْتَأْجر قلع ذَلِك وَيبقى مُؤَبَّدًا
وَيُعْطى الْمُسْتَأْجر أُجْرَة الْمثل للْأَرْض
فصل: وَمن اسْتَأْجر إِجَارَة فَاسِدَة وَقبض مَا اسْتَأْجرهُ وَلم ينْتَفع بِهِ
كَمَا لَو كَانَت أَرضًا فَلم يَزْرَعهَا وَلَا انْتفع بهَا حَتَّى انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة فَعَلَيهِ أُجْرَة مثلهَا عِنْد مَالك
وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر دَارا فَلم يسكنهَا أَو عبدا فَلم ينْتَفع بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ أُجْرَة الْمثل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا أُجْرَة عَلَيْهِ لكَونه لم ينْتَفع بهَا
انْتهى
المصطلح: ويشتمل على صور
وَلها عمد وَهِي أصُول الشُّرُوط الَّتِي تذكر للِاحْتِيَاط
وَهِي على أَصْنَاف: ذكر الْمُسْتَأْجر والمؤجر وأسمائهما وأنسابهما وَمَا يعرفان بِهِ والمأجور وموضعه وَوَصفه وتحديده والمدة مبتدأها ومنتهاها وَالْأُجْرَة وَذكر تأجيلها إِن كَانَت مُؤَجّلَة أَو تنجيمها إِن كَانَت منجمة أَو قبضهَا إِن كَانَت مُعجلَة وَأَن لَا تتأخر الْإِجَارَة عَن وَقت العقد مُدَّة طَوِيلَة وَلَا قَصِيرَة
وَذكر المعاقدة والتسلم وَالتَّسْلِيم وَأَن يكون الْمَأْجُور مفرغا عِنْد الْإِجَارَة غير مَشْغُول وَإِقْرَار المتؤاجرين عِنْد الشُّهُود بِمَا نسب إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا من ذَلِك
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهما وَصِحَّة الْعقل وَالْبدن وَجَوَاز الْأَمر والتاريخ
وَأما الصُّور فَمِنْهَا: صُورَة الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الْعين: اسْتَأْجر فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على تَرِكَة فلَان وعَلى أَوْلَاده لصلبه
وهم: فلَان وَفُلَان وَفُلَان الْأَيْتَام الصغار الَّذين هم فِي حجور الشَّرْع الشريف بِمُقْتَضى كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر من يَده ويشرحه وَيذكر تَارِيخه وثبوته وَإِن كَانَ بِالْإِذْنِ من الْحَاكِم بِغَيْر وَصِيَّة فقد تقدم من ذَلِك مَا فِيهِ كِفَايَة ثمَّ يَقُول: للأيتام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بمالهم الْحَاصِل لَهُم تَحت يَد الْوَصِيّ الْمَذْكُور بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا لظُهُور الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لَهُم فِي ذَلِك المسوغة للاستئجار لَهُم شرعا من فلَان وَهُوَ الْقَائِم فِي إِيجَار مَا يَأْتِي ذكره على الْوَجْه الْآتِي شَرحه عَن الْإِخْوَة الأشقاء
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان وَعَن والدتهم فُلَانَة بإذنهم لَهُ وتوكيلهم إِيَّاه فِي إِيجَار الْمَأْجُور الْآتِي ذكره من الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِالْأُجْرَةِ الْآتِي ذكرهَا على الْوَجْه الْآتِي(1/218)
شَرحه
وَفِي قبض الْأُجْرَة وَتَسْلِيم الْمَأْجُور
وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد التَّوْكِيل الصَّحِيح الشَّرْعِيّ الَّذِي قبله مِنْهُم
وتقلده عَنْهُم الْقبُول الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة شُهُوده أَو بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته أَو بِمُقْتَضى كتاب الْوكَالَة الْمحْضر من يَده المتضمن لذَلِك المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ للأيتام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وَبِمَا لَهُم دون مَاله بِالْإِذْنِ الْمشَار إِلَيْهِ أَو بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة مَا هُوَ لموكلي الْأجر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وملكهم وبيدهم وَتَحْت تصرفهم إِلَى حَالَة هَذِه الْإِجَارَة
ومنتقل إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من وَالِد الْإِخْوَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ زوج والدتهم الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة
وَالْأُجْرَة الْآتِي ذكرهَا بَينهم كَذَلِك
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
لَازِمَة الِانْتِفَاع بالمأجور الْمعِين أَعْلَاهُ انْتِفَاع مثله بِمثل ذَلِك لمُدَّة كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها عَن ذَلِك كَذَا وَكَذَا مَا هُوَ على حكم الْحُلُول كَذَا وَكَذَا عجل الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور ذَلِك من المَال الْحَاصِل تَحت يَده للأيتام الْمُسْتَأْجر لَهُم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
وَدفعه إِلَى الْوَكِيل الْمُؤَجّر الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ لموكليه الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَالْبَاقِي من الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ كَذَا وَكَذَا يقوم الْوَصِيّ الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِهِ من مَال الْأَيْتَام الْمَذْكُورين للْوَكِيل الْمُؤَجّر الْمَذْكُور أَو لمن يسْتَحق قبض ذَلِك مِنْهُ شرعا على قسطين متساويين أَو ثَلَاثَة أقساط كل سنة تمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا
سلم الْوَكِيل الْمُؤَجّر الْمَذْكُور إِلَى الْمُسْتَأْجر الْوَصِيّ الْمَذْكُور جَمِيع الْمَأْجُور الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وَإِن كَانَ الْمَأْجُور فِي بلد غير بلد العقد كتب مَوضِع التَّسْلِيم وخلاه التَّخْلِيَة الشَّرْعِيَّة
فَإِذا انْتهى من ذَلِك يَقُول: ثمَّ ساقى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور على مَا بأراضي الْقرْيَة الموصوفة المحدودة بأعاليه من الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة الثِّمَار على أَن يعْمل فِي ذَلِك الْعَمَل الْمُعْتَاد فِي مثله شرعا بأجراء الْأَيْتَام الْمَذْكُورين وعواملهم ودوابهم وآلاتهم ويكسح أشجاره وينقي ثماره
وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك فِي طول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ كَانَ بَين الْأَيْتَام الْمُسْتَأْجر لَهُم وَبَين موكلي الْمُؤَجّر الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ على ألف سهم من ذَلِك سهم وَاحِد للموكلين الْمَذْكُورين بِحَق ملكهم حَسْبَمَا وكلوه فِي ذَلِك التَّوْكِيل الشَّرْعِيّ
وَالْبَاقِي للأيتام الْمُسْتَأْجر لَهُم مُسَاقَاة شَرْعِيَّة حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
قبل كل مِنْهُمَا ذَلِك من الآخر قبولا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ مَا ذكر ثُبُوته أَعْلَاهُ حَالَة الِاسْتِئْجَار الْمعِين أَعْلَاهُ وَأَن فِي اسْتِئْجَار ذَلِك للأيتام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ حظا وافرا وغبطة ظَاهِرَة مسوغتي الِاسْتِئْجَار لَهُم شرعا وَأَن الْأُجْرَة أُجْرَة الْمثل للمأجور حَالَة التآجر وَأَن الْمَأْجُور الْمَذْكُور بيد الموكلين الْمَذْكُورين(1/219)
وملكهم وَتَحْت تصرفهم إِلَى حِين صُدُور الْإِجَارَة الْمعينَة أَعْلَاهُ بعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ والحسبلة بِخَط الْحَاكِم
وَصُورَة إِجَارَة دَار للسُّكْنَى
وَهِي وَارِدَة أَيْضا على الْعين: اسْتَأْجر فلَان من فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ أَو بِإِذن الْحَاكِم ويشرح على مَا تقدم من أَمر الْوَصِيَّة أَو الْإِذْن على الْإِخْوَة الأشقاء الْأَيْتَام الصغار
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان الَّذين هم فِي حجر الشَّرْع الشريف لوُجُود الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة للأيتام الْمَذْكُورين فِي إِيجَار الْمَأْجُور الْآتِي ذكره على الْوَجْه الْآتِي شَرحه المسوغ ذَلِك للإيجار عَلَيْهِم شرعا مَا هُوَ ملك للأيتام الْمُؤَجّر عَلَيْهِم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وبيدهم وَتَحْت تصرفهم إِلَى حَالَة هَذِه الْإِجَارَة الثَّابِتَة ملكيتهم لذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْكُبْرَى العامرة الكائنة بِموضع كَذَا ويصفها ويحددها إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة لمُدَّة كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها عَن الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ كَذَا وَكَذَا حسابا لكل شهر كَذَا وَكَذَا يقوم الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور للمؤجر الْوَصِيّ الْمَذْكُور بِأُجْرَة كل شهر فِي غرته أَو فِي سلخه
ويكمل الْإِجَارَة بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبرَة
كَمَا تقدم
وَإِن كَانَ فِي الدَّار جنينة ذَات أَشجَار ذيل بالمساقاة على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة اسْتِئْجَار الأَرْض للزِّرَاعَة: اسْتَأْجر فلَان من فلَان مَا ذكر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور: أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين صُدُور هَذِه الْإِجَارَة
وَذَلِكَ جَمِيع قِطْعَة الأَرْض الْكَشْف الْبيَاض الَّتِي شربهَا من النَّهر الْفُلَانِيّ أَو من الْقَنَاة الْفُلَانِيَّة أَو من مَاء الْمَطَر أَو من مَاء الثلوج السَّائِل إِلَيْهَا من الْجَبَل الْفُلَانِيّ أَو من مَاء النّيل الْمُبَارك ويصفها ويحددها إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة لينْتَفع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بذلك الزَّرْع والزراعة بِالْحِنْطَةِ أَو غير ذَلِك من أَصْنَاف المزروعات والحبوب على الْوَجْه الشَّرْعِيّ لمُدَّة كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه ويكمل بِذكر الْأُجْرَة وَقَبضهَا أَو حلولها أَو تقسيطها
وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية والمعرفة
ويؤرخ
وَصُورَة الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة بتأجيل الْمَنْفَعَة وتعجيل الْأُجْرَة: اسْتَأْجر فلَان من فلَان
فَأَجره نَفسه على أَن يحمل الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَزَوجته فُلَانَة فِي زوج محاير عجمي ملبد مغطى بِثَوْب جوخ ويصف مَا يحملهُ لَهما من الْأَحْمَال والحوائج خاناه والمواهي والزوامل وَمَا فِيهَا من القماش والأثاث والزاد وَالْمَاء ويضبط كل شَيْء مِنْهَا بِالْوَزْنِ وَيذكر الْخَيْمَة وَآلَة الطَّبْخ والكراريز والدست والصاغرة والمنصب الْحَدِيد(1/220)
والتعاليق وَمَا فِيهَا من الأدهان
وقماش الْبدن وَمَا يقيهما من الْحر وَالْبرد
ويستوفي الْكَلَام فِي ذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْحَاج ثمَّ يَقُول: من مَدِينَة كَذَا إِلَى مَدِينَة كَذَا ثمَّ إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى عَرَفَات ثمَّ إِلَى منى ثمَّ إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على الْحَال بهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ إِلَى الينبوع ثمَّ إِلَى الْعقبَة ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة المحروسة على جمال يقيمها من مَاله وصلب حَاله صُحْبَة الركب الشريف السلطاني الشَّامي أَو الْمصْرِيّ أَو الْحلَبِي أَو الْكُوفِي أَو الغزاوي ذَهَابًا وإيابا وعَلى أَن يحمل لَهُ فِي الرّجْعَة من التَّمْر والجوز والشاشات والأزر البيارم والأنطاع والجلود الطَّائِفِي وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْهَدِيَّة الْمُعْتَادَة كَذَا وَكَذَا ويضبط كل نوع مِنْهَا بِتَقْدِير وزن مَعْلُوم إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة بِأُجْرَة مبلغها كَذَا على حكم الْحُلُول دَفعهَا الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور بِحَضْرَة شُهُوده
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَهَذِه الْأُجْرَة يجوز تَعْجِيلهَا وتأجيلها
وَلَا بُد فِيهَا من اعْتِرَاف الْمُؤَجّر بِمَعْرِِفَة مَا عَاقد عَلَيْهِ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة
ثمَّ يَقُول: وَعَلِيهِ الشُّرُوع فِي السّفر من اسْتِقْبَال كَذَا صُحْبَة الركب الشريف الْمشَار إِلَيْهِ مصحوبا بالسلامة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الْعين بِأُجْرَة مُعجلَة أَو مُؤَجّلَة: اسْتَأْجر فلَان من فلَان الْجمال الْحَادِي جَمِيع الْجمال الْعشْرَة الْمَذْكُورَة المذللة السمان الْجِيَاد الْحَاضِرَة حَال العقد عِنْد الْمُتَعَاقدين المشخصة عِنْدهمَا الْوَارِد عقد هَذِه الْإِجَارَة عَلَيْهَا بعد تشخيصها ليحمل الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَزَوجته فُلَانَة الَّتِي وصفهَا كوصفه فِي الطول وَالسمن فِي زوج محاير عجمي ملبد مغطى وَيذكر مَا تقدم شَرحه مُبينًا على الْجمال الْمَذْكُورَة من مَدِينَة كَذَا إِلَى مَدِينَة كَذَا ويسوق الْكَلَام الْمُتَقَدّم من غير إخلال بمقصود فِي سفر الْحَاج ثمَّ يَقُول: إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة للْحَمْل وَالِانْتِفَاع بالجمال الْمَذْكُورَة انْتِفَاع مثلهَا على الْعَادة فِي مثل ذَلِك بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
دفع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا من جملَة الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فَقبض ذَلِك مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَبَاقِي الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ يقوم بِهِ الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بدفعها على قسطين متساويين أَو على قسط وَاحِد
أَحدهمَا: فِي الْعشْر الأول من ذِي الْقعدَة سنة تَارِيخه
وَالثَّانِي: فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة بِمَكَّة المشرفة
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك وَسلم الْمكْرِي الْمَذْكُور إِلَى الْمُكْتَرِي الْمَذْكُور الْجمال المكراة
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة لَهَا ومعرفتها الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة
وعَلى الْجمال الْمَذْكُور إِبْدَال الْجمل المعيوب والهالك من الْجمال الْوَارِد عَلَيْهَا عقد هَذِه الْإِجَارَة بِغَيْرِهِ من الْجمال الْجِيَاد السليمة من الْعُيُوب وتعاقدا على ذَلِك معاقدة شَرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه(1/221)
وَصُورَة اسْتِئْجَار رجل لِلْحَجِّ عَن ميت بِمُبَاشَرَة وَصِيّه الشَّرْعِيّ: أجر فلَان نَفسه لفُلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ عَن فلَان أَو الْقَائِم فِيمَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة الصادرة لَهُ من فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من قبل تَارِيخه المؤرخ بَاطِنهَا بِكَذَا وَالثَّالِث مضمونها بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ المؤرخ ثُبُوته بِكَذَا على أَن يحجّ بِنَفسِهِ عَن فلَان الْمُوصي الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور حجَّة الْإِسْلَام الْوَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا على أَن يتَوَجَّه من الْبَلَد الْفُلَانِيّ فِي عَام تَارِيخه فِي مُدَّة يتَمَكَّن فِيهَا من أَدَاء فرض الْحَج فِي الْعَام الْمَذْكُور
قَاصِدا أَدَاء حجَّة الْإِسْلَام وعمرته إِمَّا مَعَ الركب الشريف الْمصْرِيّ أَو الشَّامي أَو غَيرهمَا أَو فِي الْبَحْر الْملح أَو غير ذَلِك على مَا يتفقان عَلَيْهِ
فَيحرم من الْمِيقَات الَّذِي يجب على مثله
وَيَنْوِي حجَّة مُفْردَة كَامِلَة
وَيدخل الْحرم الشريف ملبيا
فَيُؤَدِّي عَنهُ الْحجَّة الْمَذْكُورَة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها
ثمَّ يعْتَمر عَنهُ عمْرَة من ميقاتها الشَّرْعِيّ مكملة الشُّرُوط على الأوضاع الْمُعْتَبرَة الشَّرْعِيَّة
وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أفرد وَإِن شَاءَ تمتّع وَإِن شَاءَ قرن
وَيَنْوِي فِي جَمِيع أَفعاله لذَلِك وتلبسه بِهِ: وُقُوعه عَن الْمُتَوفَّى الْمُوصي الْمَذْكُور وَأجر ثَوَابه لَهُ
وَمَتى وَقع مِنْهُ إخلال يلْزم فِيهِ فديَة
وَوَجَب عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ دم كَانَ ذَلِك مُتَعَلقا بِهِ وبماله دون مَال الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور
عاقده الْوَصِيّ الْمَذْكُور على ذَلِك كُله معاقدة صَحِيحَة شَرْعِيَّة بِالْأُجْرَةِ الْمعينَة لذَلِك فِي كتاب الْوَصِيَّة الْمَذْكُور وَهِي كَذَا وَكَذَا أقبضها الْوَصِيّ الْمَذْكُور للمعاقد الْمَذْكُور من مَال الْمُسْتَأْجر لَهُ الْمُوصي الْمَذْكُور
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَت بِيَدِهِ وحوزه
وَعَلِيهِ أَن يَأْتِي بمسطور يُبرئهُ من ذَلِك
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَن الْمُؤَجّر نَفسه الْمَذْكُور حج عَن نَفسه الْفَرِيضَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ ثبوتا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة اسْتِئْجَار رجل لتعليم الْقُرْآن: اسْتَأْجر فلَان فلَانا المقرىء المجود الْحَافِظ المتقن الْمُحَرر ليقرىء وَلَده لصلبه فلَانا الصَّبِي الْمُمَيز أَو العشاري الَّذِي أَجَاد الْحِفْظ من سُورَة: {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} إِلَى آخر (سُورَة الْكَهْف) مثلا
تَكْمِلَة كتاب الله الْعَزِيز الْقُرْآن الْكَرِيم كَلَام رب الْعَالمين وَهُوَ من أول الْفَاتِحَة لسورة الْبَقَرَة إِلَى آخر سُورَة سُبْحَانَ قِرَاءَة متقنة جَيِّدَة
خَالِيَة من اللّحن والتغيير والتحريف والتبديل إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة فِي مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها عَن ذَلِك كَذَا وَكَذَا
يقوم لَهُ بِالْأُجْرَةِ الْمعينَة أَعْلَاهُ مقسطة عَلَيْهِ من تَارِيخه فِي اثْنَي عشر قسطا مُتَسَاوِيَة سلخ كل شهر يمْضِي من اسْتِقْبَال الْمدَّة الْمَذْكُورَة قسط وَاحِد أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَسلم الْمُؤَجّر نَفسه لذَلِك
وَشرع فِي تلقين الْوَلَد الْمَذْكُور وإقرائه وتحفيظه
ويؤرخ
وَصُورَة اسْتِئْجَار الْمَرْأَة للحضانة والإرضاع: اسْتَأْجر فلَان مطلقته فُلَانَة لحضانة(1/222)
وَلَده فلَان أَو ابْنَته فُلَانَة الصَّغِيرَة الرَّضِيع الْمُقدر عمرها بِكَذَا وَكَذَا شهرا الَّتِي رزقها على فرَاشه قبل تَارِيخه من مطلقته الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وإرضاعها بَقِيَّة مُدَّة الرَّضَاع الشَّرْعِيّ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا شهرا من تَارِيخه على أَن الحاضنة الْمَذْكُورَة تحفظ الصَّغِيرَة الْمَذْكُورَة وتتعهدها بِغسْل وَجههَا ورأسها وبدنها وثيابها ودهنها وكحلها وربطها فِي مهدها وتحريكها لتنام وإرضاعها من ثديها وَالْقِيَام بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ وملازمتها بالحضانة والإرضاع فِي السكن الْفُلَانِيّ قَائِمَة بِمَا يلْزم الحاضنات من مُلَازمَة مَحل الْحَضَانَة على الْوَجْه الشَّرْعِيّ إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة بِأُجْرَة مبلغها عَن كل شهر يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا يقوم الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور للمستأجرة الْمَذْكُورَة بِأُجْرَة كل شهر فِي غرته أقرّ فلَان بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وتعاقدا على ذَلِك معاقدة شَرْعِيَّة
وسلمت الْمُؤجرَة الْمَذْكُورَة نَفسهَا لذَلِك
وتسلمت الصَّغِيرَة الْمَذْكُورَة لتحضنها وترضعها على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
ويكمل
وَصُورَة اسْتِئْجَار شَيْء جَار فِي إِيجَار الْغَيْر قبل فرَاغ مُدَّة الأول وَهِي صَحِيحَة على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ: اسْتَأْجر فلَان من فلَان
مَا ذكر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور أَنه لَهُ وبملكه وَله إيجاره وَقبض أجرته بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ جَمِيع الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَيَقُول: وَهُوَ جَار الْآن فِي إِيجَار فلَان الْفُلَانِيّ مُدَّة انقضاؤها سلخ سنة من تَارِيخه
إِجَارَة شَرْعِيَّة لَازِمَة مُدَّة سنة كَامِلَة
أَولهَا: مستهل الْمحرم الْحَرَام سنة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا حسابا لكل شهر كَذَا يقوم الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِأُجْرَة كل شهر فِي سلخه
أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
وعَلى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور تَسْلِيم الْمَأْجُور الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور فِي أول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ ويكمل على نَحْو مَا سبق وَإِن رفعت هَذِه الْإِجَارَة إِلَى حَاكم حَنَفِيّ حكم بِصِحَّتِهَا أَو إِلَى شَافِعِيّ حكم ببطلانها مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَت الْإِجَارَة مُدَّة مستأنفة تالية لمُدَّة الْمُسْتَأْجر
كتب على نَحْو مَا تقدم فِي الصُّورَة الَّتِي تقدّمت
وَفِي التَّسْلِيم يَقُول: والمأجور الْمعِين أَعْلَاهُ بيد الْمُسْتَأْجر بِحكم عقده السَّابِق على هَذَا العقد بتصادقهما على ذَلِك
وَإِن كَانَ الْمُؤَجّر قد أجر مَا هُوَ جَار فِي عقد إيجاره
فَيحْتَاج عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة أَن لَا يكون الْمَأْجُور حِصَّة شائعة وَأَن لَا يُؤجر الْمُسْتَأْجر مَا اسْتَأْجرهُ إِلَّا بنظير مَا اسْتَأْجر بِهِ لَا بِزِيَادَة
فَإِن ذَلِك مَمْنُوع عِنْده وَعند أَحْمد
جَائِز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَإِن أجره مَنْفَعَة دَار بِمَنْفَعَة دَار
فَجَائِز
وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَأْجر دَارا من رجل لَهُ عَلَيْهِ دين
فهما مخيران بَين أَن يستأجره مِنْهُ بِأُجْرَة مُعينَة ويقاصصه بنظيرها من دينه وَبَين أَن(1/223)
يسْتَأْجر مِنْهُ بِالدّينِ الَّذِي فِي ذمَّته
وَيَقُول: بِأُجْرَة مبلغها كَذَا من دين الْمُسْتَأْجر المستقر فِي ذمَّة الْمُؤَجّر الْمَذْكُور وَيَقُول فِي آخر كتاب الْإِجَارَة: بَرِئت بذلك ذمَّة الْمُسْتَأْجر من الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
وَذمَّة الْمُؤَجّر من نظيرها من الدّين الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ضَابِط: كل مَا جرى عَلَيْهِ عقد البيع فِي كتاب التبايع من الشُّرُوط يجْرِي عَلَيْهِ عقد الْإِجَارَة
ويوصف فِي كتاب الْإِجَارَة بِلَفْظ (الْإِجَارَة) وَفِي كتاب التبايع بِلَفْظ (التبايع) وَلَا يخفى ذَلِك على الحذاق الممارسين لهَذِهِ الصِّنَاعَة ووقائعها
انْتهى
وَصُورَة إِجَارَة الأَرْض الْبناء وَالْغِرَاس: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْكَشْف أَو الْبيَاض أَو الخالية من الْجدر والسقوف الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها
وَيذكر ذرعها إِن أمكن الذرع إِجَارَة شَرْعِيَّة لَازِمَة للْبِنَاء والعمارة والتعلية وحفر الأساسات وَالشرب وَالْغِرَاس الْمُخْتَلف الْأَنْوَاع وَالثِّمَار وحفر الْآبَار والقنوات والمجاري والمصارف والمنازف وسوق المَاء إِلَيْهَا
والزراعة بأرضها مَا شَاءَ من الزَّرْع مِمَّا لَهُ سَاق وَمَا لَيْسَ لَهُ سَاق من الصيفي والشتوي
وَالِانْتِفَاع بالمأجور الْمعِين أَعْلَاهُ كَيفَ شَاءَ الْمُسْتَأْجر بِالْمَعْرُوفِ مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة أَو أَكثر أَو أقل مُتَوَالِيَات الشُّهُور وَالْأَيَّام والأعوام من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها عَن الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ كَذَا وَكَذَا دفع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور جَمِيع الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْمَأْجُور الْمَحْدُود الْمَذْكُور بأعاليه
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة ويكمل
وَإِن كَانَ الْمَأْجُور وَقفا والمؤجر نَاظرا فِيهِ
فَيَقُول: أجره مَا هُوَ وقف صَحِيح شَرْعِي جَار تَحت نظر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور وَهُوَ وقف عَلَيْهِ وعَلى من يشركهُ فِيهِ بِمُقْتَضى كتاب الْوَقْف الْمحْضر من يَده لشهوده الَّذِي من مضمونه: أَن فلَانا الْوَاقِف لذَلِك جعل النّظر فِيهِ للأرشد فالأرشد من أهل الْوَقْف وَلم يشرط فِي إيجاره مُدَّة مُعينَة وَيجْرِي الْكَلَام فِي الْإِجَارَة إِلَى آخِره
وَإِن حضر إخْوَة الْمُؤَجّر وَصَدقُوا على ذَلِك
كتب تصديقهم على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ فِي ذيل الْإِجَارَة
ويؤرخ
وَإِن كَانَت الْإِجَارَة وَارِدَة على حفر بِئْر
فيذكر طولهَا واتساعها ومدورة أَو مربعة
وَإِن كَانَت دولابا فَكَذَلِك
وَإِن كَانَت قناة تَحت الأَرْض
فيذكر ذرعها من أول الْحفر إِلَى آخر الْمَكَان المحفور بالذراع الْمَقْصُود واتساع الْقَنَاة وارتفاعها
وحفر آبار الْعُيُون
النَّازِلَة عَلَيْهَا(1/224)
وَإِن كَانَت وَارِدَة على رجل للخياطة أَو للْبِنَاء فَهِيَ وَارِدَة على الذِّمَّة
فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى تعْيين الْقَمِيص أَو الْعِمَارَة
وَإِن كَانَت وَارِدَة على الْعين
فيعين الْقَمِيص للخياطة والعمارة للْبِنَاء من الطول وَالْعرض والارتفاع وَمَا يبْنى بِهِ من الْآلَات
وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَأْجر رجلا ليرعى لَهُ الْغنم أَو غَيرهَا
فَهُوَ إِمَّا أَن يسْتَأْجر عينه ليرعى لَهُ أغنامه
فَلَا يذكر عدتهَا
وَإِمَّا أَن يستأجره ليرعى لَهُ أغناما مَعْلُومَة فيذكر عدتهَا
وَيذكر فِي كل وَاقعَة بحسبها مراعيا فِي ذَلِك الذِّمَّة وَالْعين
وَإِن كَانَت إِجَارَة حَائِط لوضع الْجُذُوع
فَيجْرِي القَوْل فِيهَا على نَحْو مَا تقدم فِي وضع الْجُذُوع فِي كتاب الْعَارِية لَكِن هَذِه بِلَفْظ الْإِجَارَة
وَيذكر فِيهَا الْمدَّة وَالْأُجْرَة
وَإِن كَانَت إِجَارَة عُقُود
فَيَقُول: إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة للْبِنَاء والعمارة وَالِانْتِفَاع بالمأجور الْمعِين كَيفَ شَاءَ الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور الْمَعْرُوف مُدَّة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين سنة كاملات مُتَوَالِيَات
أولَاهُنَّ: يَوْم تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
دفع الْمُسْتَأْجر إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور جَمِيع الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل
ثمَّ يَقُول: وَوَجَب للْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور الِانْتِفَاع بالمأجور الْمعِين أَعْلَاهُ الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ وجوبا شَرْعِيًّا وَجرى عقد هَذِه الْإِجَارَة على الْمَأْجُور الْمعِين أَعْلَاهُ فِي سِتَّة عشر عقدا مِنْهَا متتابعة المدد مُتَفَرِّقَة الْمجَالِس كل عقد مِنْهَا ثَلَاث سِنِين لكل عقد مِنْهَا أُجْرَة تخصه وَلَفظ يَشْمَلهُ فَأول مُدَّة العقد الأول: أول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ
وَأول كل عقد من بَقِيَّة الْعُقُود: مَا أعقبه مُدَّة العقد الَّذِي قبله
وَآخر مُدَّة العقد الآخر: آخر الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ
وَصُورَة الِاسْتِئْجَار لِاسْتِيفَاء الْقصاص فِي النَّفس خلافًا ل أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَحده: اسْتَأْجر فلَان وَفُلَان وَفُلَان الْإِخْوَة الأشقاء أَوْلَاد فلَان فلَانا لِاسْتِيفَاء الْقصاص من فلَان قَاتل وَالِد المستأجرين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ الثَّابِت عَلَيْهِ قَتله عمدا
وَأَنه ضربه ضَرْبَة بمثقل فَمَاتَ مِنْهَا
كل ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة أَو باعترافه بذلك بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ
وَطلب اسْتِيفَائه بِالسَّيْفِ إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
فَإِن كتب هَذِه الْإِجَارَة على مَذْهَب مَالك فَتكون الْأُجْرَة عِنْده على الْمُوكل أَو الْمُسْتَأْجر
فَيَقُول: بِأُجْرَة مبلغها كَذَا دَفعهَا المستأجرون المذكورون أَعْلَاهُ إِلَى الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور
فقبضها مِنْهُم قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل(1/225)
وَإِن كتب على مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد فَتكون الْأُجْرَة عِنْدهمَا على الْمُقْتَص مِنْهُ
وَكَذَلِكَ الْإِجَارَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص فِيمَا دون النَّفس فَإِنَّهَا جَائِزَة إِجْمَاعًا وَالْخلاف بَاقٍ فِي الْأُجْرَة على حَاله
وَإِن كَانَت إِجَارَة حجام فَجَائِز عِنْدهم مُبَاحَة للْحرّ
خلافًا لِأَحْمَد
فَإِن الْأُجْرَة حرَام عِنْده فِي حق الْحر
وَصورتهَا: اسْتَأْجر فلَان فلَانا ليحجمه بالمشرط أَو الملازم فِي نقرته وساقيه إِجَارَة شَرْعِيَّة بمبلغ كَذَا دفع ذَلِك إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة اسْتِئْجَار الْخَادِم بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة: أجر فلَان نَفسه من فلَان على أَن يقوم بخدمته فِي شِرَاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من المطعومات بالأسواق من اللحوم والألبان وَغير ذَلِك
وَأَن يقوم بِخِدْمَة دَابَّته أَو بغلته مثلا وعلفها وسقيها وربط الدَّابَّة وحلها وَشد السرج والإكاف عَلَيْهَا وحله وإلباسها اللجام وَرَفعه وَالْمَشْي مَعَه حَيْثُ توجه
وَتَقْدِيم الدَّابَّة لَهُ عِنْد الرّكُوب ومسكها عِنْد النُّزُول وحفظها من حِين النُّزُول إِلَى أَن يركب فِي كل يَوْم وَلَيْلَة على الدَّوَام والاستمرار سفرا وحضرا خلا أَوْقَات الصَّلَوَات إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
جَائِزَة مُدَّة كَذَا من تَارِيخه بِأُجْرَة لَهُ عَن ذَلِك من الْكسْوَة قَمِيص ولباس وقبع وعمامة من الْقطن الخشن وجبة من الْقطن الْمَضْرُوب أَو بِشَتٍّ من الصُّوف المخطط أَو جوخة من الجوخ الملون المخيوط الْقيمَة لذَلِك كُله كَذَا وَكَذَا درهما
وَمن الطَّعَام مَا يَكْفِي مثله فِي الْعَادة
فالكسوة مُؤَجّلَة تحل عِنْد فرَاغ الْمدَّة وانقضائها
وَالنَّفقَة كل يَوْم فِيهِ وَأقر الْمُسْتَأْجر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأقر الْمُؤَجّر نَفسه بِالْقُدْرَةِ على الْعَمَل وَسلم نَفسه لذَلِك وَشرع فِيهِ من يَوْم تَارِيخه
ويكمل
وَصُورَة اسْتِئْجَار كتب الْعلم للمطالعة وَالنَّظَر والاستفادة والنسخ مِنْهَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يقْصد بهَا: اسْتَأْجر فلَان من فلَان فَأَجره مَا ذكر أَنه لَهُ وَملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين صُدُور هَذِه الْإِجَارَة
وَذَلِكَ جَمِيع الْكتب المجلدات النفيسات الْحَسَنَة الْخط المتقنات الْجلد الْمُشْتَملَة على شرح كَذَا
وعدته كَذَا وَكَذَا جُزْءا وَشرح كَذَا وعدته كَذَا وَكَذَا جُزْءا ويعدد الْكتب إِن كَانَت متونا أَو شروحا بأسمائها وَأَسْمَاء مؤلفيها وعدة أَجْزَائِهَا ثمَّ يَقُول: إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة جَائِزَة ليطالع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَمن أَرَادَ من الْفُقَهَاء وطلبة الْعلم الشريف فِي الْكتب الْمَذْكُورَة كَيفَ شَاءَ لَيْلًا وَنَهَارًا
وَينظر فِيهَا ويستنسخ مِنْهَا مَا أَرَادَ وَينْتَفع بهَا انْتِفَاع مثله بِمِثْلِهَا بِأُجْرَة مبلغها عَن ذَلِك كَذَا وَكَذَا يقوم لَهُ بذلك مقسطا عَلَيْهِ فِي كل يَوْم كَذَا أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَسلم(1/226)
إِلَيْهِ الْكتب الْمَذْكُورَة فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَهَذِه الْإِجَارَة جرت الْعَادة فِي كتَابَتهَا من غير تعْيين مُدَّة بل يذكر الْأُجْرَة ويقسطها كل يَوْم بِقسْطِهِ
وَعِنْدِي أَن ضَبطهَا بِمدَّة مَعْلُومَة أولى وأحوط
وَتسقط الْأُجْرَة كل يَوْم بيومه
وَصُورَة اسْتِئْجَار الْحلِيّ الذَّهَب بِالذَّهَب أَو الْفضة بِالْفِضَّةِ: اسْتَأْجر فلَان من فلَان
فَأَجره مَا ذكر: أَنه لَهُ وَملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه إِلَى حَالَة هَذِه الْإِجَارَة وَذَلِكَ جَمِيع الشبارة الذَّهَب الْمصْرِيّ الْهَزِيمَة المزركش على خرقَة بندقي الَّتِي زنتها بِمَا فِيهَا من الْخِرْقَة كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا
وَجَمِيع الْعِصَابَة الزركش الْمُشْتَملَة على قطع ذهب صياغ عدتهَا كَذَا وَكَذَا قِطْعَة
وعَلى فصوص وَيذكر وصفهَا وعدتها
وَوصف مَا فِيهَا من اللُّؤْلُؤ الْكِبَار وَالصغَار وزنة ذَلِك كُله
وَجَمِيع القلادة الذَّهَب ويصفها وَيذكر وَزنهَا وَجَمِيع الأساور الذَّهَب العريض والمفتول ويصفه
ووزنه بالمثاقيل وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل مَا يَقع عَلَيْهِ عقد الْإِجَارَة من أَنْوَاع الْحلِيّ ويصفه وَصفا تَاما يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة ويضبطه بِالْوَزْنِ ثمَّ يَقُول: إِجَارَة شَرْعِيَّة لَازِمَة مُدَّة كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه لاستعمال ذَلِك اسْتِعْمَال مثله
والتزين والتجمل بِهِ لزوجة الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور
وَمن أَرَادَ لَيْلًا وَنَهَارًا بِأُجْرَة كَذَا وَكَذَا
ويكمل
وَصُورَة إِجَارَة الأَرْض بِثلث مَا يخرج مِنْهَا: اسْتَأْجر فلَان من فلَان فَأَجره جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْكَشْف الْبيَاض الْمعدة للزَّرْع الَّتِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها إِجَارَة شَرْعِيَّة جَائِزَة بِأُجْرَة مبلغها الثُّلُث مِمَّا تخرج الأَرْض الْمَذْكُورَة من الْمغل
فَإِذا صَارَت ذَلِك حبا صافيا اسْتحق الثُّلُث مِنْهُ أُجْرَة لَهُ عَن تِلْكَ الأَرْض الْمَذْكُورَة
أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأَنه تسلم الْمَأْجُور الْمعِين تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة إِجَارَة الرجل زَوجته لإرضاع وَلَده مِنْهَا: اسْتَأْجر فلَان زَوجته فُلَانَة المستقرة فِي عصمته وَعقد نِكَاحه يَوْمئِذٍ لترضع وَلَده لصلبه مِنْهَا الَّذِي عمره يَوْمئِذٍ ثَلَاثَة أشهر بَقِيَّة أمد الرَّضَاع الشَّرْعِيّ بِأُجْرَة مبلغها لكل شهر يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا يقوم لَهَا بِأُجْرَة كل شهر فِي سلخه
أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
ويكمل
وَصُورَة إِيجَار الرجل دَاره مَسْجِدا: اسْتَأْجر فلَان من فلَان فَأَجره مَا هُوَ لَهُ وَملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين صُدُور هَذِه الْإِجَارَة
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة(1/227)
لاتخاذها مصلى لَهُ وللمسلمين تُقَام بهَا الصَّلَوَات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا وَيُؤذن بهَا أَوْقَات التأذين للصلوات ولقراءة الْقُرْآن بهَا وَالِاعْتِكَاف والتهجد وَصَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان وصلوات التَّطَوُّع وَالسّنَن الرَّاتِبَة مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة كاملات مُتَوَالِيَات من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها كَذَا حسابا لكل شهر كَذَا يقوم لَهُ بِأُجْرَة كل شهر فِي سلخه
أقرّ بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَسلم الْمُؤَجّر إِلَى الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور جَمِيع الْمَأْجُور الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة اسْتِئْجَار أَرض ممر مَاء من مقسم إِلَى مقسم آخر أَو إِلَى دَار الْمُسْتَأْجر: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْقطعَة الأَرْض المستطيلة الَّتِي طولهَا خَمْسمِائَة ذِرَاع مثلا بالذراع التجاري وعرضها ذِرَاع وَاحِد بالذراع الْمَذْكُور
وَجَمِيع السُّدس الشَّائِع من جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الحاملة لأبنية الْمقسم الْمُشْتَملَة على جرن أسود مربع بِهِ سِتَّة فروض
أَحدهَا: فرض سدس جَمِيع المَال الْوَاصِل إِلَى الْمَذْكُور الْآخِذ إِلَى دَار الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَجَمِيع السُّدس الشَّائِع من جَمِيع الْمقسم الْمَذْكُور ليسوق الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِالْأَرْضِ الْمَذْكُورَة المَاء فِي كيزان يدفنها فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة متقنة الْبناء باللافونية والقطن وَالزَّيْت والكلس والطين الْأَحْمَر والآجر من الْمقسم الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْفُلَانِيَّة ويحددها وَيجْرِي بالكيزان الْمَذْكُورَة حَقه من مَاء الْمقسم الْمَذْكُور
وَهُوَ سدسه بِحَق ذَلِك من حُقُوق مَا ذكر أَعْلَاهُ إِلَى دَاره الْمَذْكُورَة إِجَارَة شَرْعِيَّة لَازِمَة مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة مثلا كاملات مُتَوَالِيَات من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
ويكمل بِقَبض الْأُجْرَة والتسلم وَالتَّسْلِيم والرؤية وَالْمُعَاقَدَة والتاريخ
وَصُورَة إِجَارَة حِصَّة من حَوْض مَاء مَوْقُوف: اسْتَأْجر فلَان من فلَان النَّاظر فِي أَمر الْوَقْف الْآتِي ذكره فِيهِ
فَأَجره جَمِيع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بِحكم ولَايَته عَلَيْهِ شرعا لوُجُود الْمصلحَة لجِهَة الْوَقْف الْجَارِي تَحت نظره وَلكَون الْأُجْرَة الْآتِي تَعْيِينهَا فِيهِ: أُجْرَة الْمثل للمأجور الْآتِي ذكره يَوْمئِذٍ وَذَلِكَ جَمِيع الْحصَّة الَّتِي قدرهَا كَذَا وَكَذَا سَهْما من أصل كَذَا وَكَذَا سَهْما وَهِي مبلغ سِهَام الْحَوْض الْوَقْف على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة الْمَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ والكلس الْمُشْتَمل على جرن حجر أسود يجْرِي إِلَيْهِ المَاء من دَائِرَة مفتحة فِي كتب قناة كَذَا بِحَق وَاجِب مُسْتَمر دَائِم ينزل المَاء إِلَيْهِ فِي قساطل وطوالع ونوازل بِحَق وَاجِب إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْمقسم الْمَذْكُور ثمَّ يَنْقَسِم بِهِ على كَذَا وَكَذَا إِصْبَع بِحَق ذَلِك كُله وحقوقه وَمَا يعرف بِهِ وينسب إِلَيْهِ شرعا وبحقه من مَاء الْحَوْض الْمَذْكُور
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا إِصْبَع إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة مثلا كاملات مُتَوَالِيَات من(1/228)
تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها كَذَا حَالَة أَو مَقْبُوضَة أَو مقسطة أَو مُؤَجّلَة ثمَّ يكمل بِالتَّسْلِيمِ والتسلم والرؤية وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة والتاريخ
وَصُورَة إِجَارَة أَرض من نَاظر وقف
وَفِي الأَرْض غراس ونصوب ملك الْمُسْتَأْجر
وَالْأُجْرَة حِصَّة من الْغِرَاس: اسْتَأْجر فلَان من فلَان وَهُوَ النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي الْوَقْف الْآتِي ذكره
فَأَجره لما رأى فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة لجِهَة الْوَقْف الْجَارِي تَحت نظره وَلكَون الْأُجْرَة الْآتِي ذكرهَا فِيهِ أُجْرَة الْمثل للمأجور يَوْمئِذٍ
وَذَلِكَ جَمِيع أَرَاضِي الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ الْجَارِيَة أجوره ومنافعه على مصَالح الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة الْمَنْسُوب إيقافها إِلَى فلَان الْفُلَانِيّ الْمُشْتَملَة أَرَاضِي الْبُسْتَان الْمَذْكُور
على غراس ونصوب عدتهَا كَذَا وَكَذَا شَجَرَة مُخْتَصَّة بِملك الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور
وَهِي غراسه وإنشاؤه من مَاله وصلب حَاله غرسها بِإِذن شَرْعِي سَائِغ مِمَّن لَهُ ولَايَة الْإِذْن شرعا فِي تَارِيخ مُتَقَدم على تَارِيخ الْغَرْس الْمَذْكُور ويحدد الْبُسْتَان ثمَّ يَقُول: إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة لإبقاء الْغِرَاس والنصوب المختصة بِملك الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور الْمعينَة أَعْلَاهُ وللبناء والعمارة وَزرع الغلات الصيفية والشتوية وَالِانْتِفَاع بالمأجور كَيفَ شَاءَ الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِالْمَعْرُوفِ مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة مثلا كاملات مُتَوَالِيَات من تَارِيخه بِأُجْرَة هِيَ جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها الرّبع من جَمِيع الْغِرَاس والنصوب المختصة بِملك الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور الْمعينَة أَعْلَاهُ
سلم الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الرّبع من الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة
فتسلمها لجِهَة الْوَقْف الْمعِين أَعْلَاهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
واستقرت أَرَاضِي الْبُسْتَان الْمَذْكُور فِي إِيجَار الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور استقرارا شَرْعِيًّا
وَوَجَب لَهُ الِانْتِفَاع بهَا الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ وجوبا شَرْعِيًّا وَاسْتقر الرّبع الشَّائِع من الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة بيد النَّاظر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور استقرارا شَرْعِيًّا
ثمَّ بعد تَمام ذَلِك ولزومه شرعا: وقف النَّاظر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور وَحبس وسبل وَحرم وأبد وخلد جَمِيع الرّبع الشَّائِع من الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة على مصَالح الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا أَعْلَاهُ وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُتبعا فِي ذَلِك شُرُوط وَاقِف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي كتاب وَقفهَا المستقر تَحت يَد النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ
ثمَّ ساقى النَّاظر الْمُؤَجّر الْمَذْكُور الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور على الرّبع الشَّائِع من الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة الصائرة إِلَى الْوَقْف الْمَذْكُور الْقَائِم ذَلِك بأراضي الْبُسْتَان الْمَذْكُور المستقر فِي إِيجَار الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور ويومئذ وَبِيَدِهِ
على أَن يعْمل فِي ذَلِك حق الْعَمَل الْمُعْتَاد فِي مثله شرعا
ويكسح أشجاره وينقي ثماره ويتعاهده بالسقي على الْعَادة
وَمهما رزق الله تَعَالَى فِي ذَلِك من ثَمَرَة كَانَ مقسوما على أَرْبَعَة أسْهم للْمُسْتَأْجر الْعَامِل من ذَلِك سهم وَاحِد وَهُوَ الرّبع
وَثَلَاثَة أسْهم
وَهِي النّصْف وَالرّبع لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ مُسَاقَاة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة لَازِمَة مدَّتهَا(1/229)
نَظِير الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ وأولها يَوْم تَارِيخه
رَضِيا بهَا واتفقا عَلَيْهَا وقبلاها قبولا شَرْعِيًّا
وَيسْتَشْهد بِأَن أَرَاضِي الْبُسْتَان الْمَذْكُور وقف محرم وَحبس مخلد جَارِيَة أجوره ومنافعه على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة
وَأَن الرّبع الشَّائِع من الْأَشْجَار الْمَذْكُورَة أُجْرَة الْمثل عَن الْمَأْجُور وزياة حَالَة الْإِجَارَة من سيعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره ثمَّ تصادق المؤاجران الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على أَن أُجْرَة الْمثل عَن الرّبع من الأَرْض الْجَارِيَة فِي إِيجَار الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور للمدة الْمعينَة أَعْلَاهُ: مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
وَأَبْرَأ النَّاظر الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور من ذَلِك الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
تَنْبِيه: الدَّار الْمُؤجرَة إِذا كَانَت مَشْغُولَة حَالَة الِاسْتِئْجَار فَسدتْ الْإِجَارَة
وَترك ذكر الْملك فِيهَا أولى لما فِيهِ من بطلَان الدَّرك وَالرُّجُوع بِهِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق
وَذكر الْيَد جَائِز لخلوه عَن معنى الْإِقْرَار بِالْملكِ وَلَا يخفى الْبدَاءَة بِتَسْلِيم الْأُجْرَة على قبض الْمَأْجُور احْتِرَازًا من قَول مَالك
وَقد سبق بَيَانه فِي الْبيُوع
انْتهى
وَصُورَة إِجَارَة طاحون: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع بَيت الأرحاء الراكبة على النَّهر الْفُلَانِيّ الْمُجَاورَة للْأَرْض الْفُلَانِيَّة المبينة بِأَرْض الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة الْمُشْتَملَة على ثَلَاثَة أَحْجَار أَو أَرْبَعَة أَحْجَار أَو أقل أَو أَكثر الدائرة يَوْمئِذٍ أَو بَعْضهَا يَنُوب عَن بعض وَالدَّار والإصطبل
وَإِن كَانَت طاحونة فَارسي فيصف عدتهَا وَهِي حجر نجدي وَقَاعِدَة عدسي وفأس وعمود وحلقة وسرير وقائم وجذع وجرن ومصطلح وتابوت وَالدَّار والإسطبل
والعلو وَمَا فِيهِ من الطباق والحقوق ويصف ذَلِك وَصفا تَاما ويحدده ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُدُودهَا وحقوقها وطرقها ورسومها وعلوها وسفلها وأحجارها وآلاتها وحدايدها وأخشابها وأبوابها وَمَا هُوَ من حُقُوقهَا الدَّاخِلَة فِيهَا والخارجة عَنْهَا الْمَعْرُوفَة بهَا والمنسوبة إِلَيْهَا
الْمَعْلُوم ذَلِك عِنْد المتآجرين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة
إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة لمُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
ويكمل بِقَبض الْأُجْرَة أَو تأجيلها وَالْمُعَاقَدَة والتسلم وَالتَّسْلِيم وَغير ذَلِك على الْعَادة
ويؤرخ
وَصُورَة اسْتِئْجَار حمام: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْحمام الدائرة يَوْمئِذٍ بِبَلَد كَذَا الْمَعْرُوفَة بِكَذَا الْمعدة لدُخُول الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو لأَحَدهمَا وتوصف وتحدد ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوقهَا كلهَا وحدودها ومنافعها ومرافقها وَبَيت وقودها ومجاري مياهها ومسلخها وأجرائها ومقاصيرها ومقاطيعها ودواليبها وخزائنها وأبوابها وأعتابها وأخشابها وكل حق قَلِيل وَكثير هُوَ لَهَا ومعروف بهَا ومنسوب إِلَيْهَا شرعا إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة بِمدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَجَرت الْعَادة: أَن أُجْرَة شهر رَمَضَان فِي الحمامات مُطلقَة للْمُسْتَأْجر لَا تُؤْخَذ مِنْهُ(1/230)
فَمنهمْ من يكْتب على الْحَاشِيَة: وللحمامي أَن ينْتَفع بالحمام الْمَذْكُور بِغَيْر أُجْرَة لشهر رَمَضَان فِي كل سنة من سني هَذِه الْمدَّة
وَالْأَحْسَن فِي هَذِه الْوَاقِعَة: أَن تحسب الْأُجْرَة الْمَذْكُورَة على شهور الْمدَّة
مِثَاله: أَن تكون الْأُجْرَة سِتّمائَة دِرْهَم حسابا لكل شهر خمسين
فَإِذا أسقطت خمسين عَن شهر رَمَضَان تصير الْأُجْرَة خَمْسمِائَة وَخمسين تقسط على شهور السّنة
فَيصير لكل شهر خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما وَنصف وَثلث دِرْهَم فَيمْتَنع بذلك الرُّجُوع وتستمر الْأُجْرَة مَقْبُوضَة فِي رَمَضَان وَغَيره خُصُوصا إِن كَانَت الْحمام وَقفا أَو المحدور عَلَيْهِ
فَلَا يجوز الْإِسْقَاط
وَيجْرِي الْحَال على هَذَا الْقيَاس فِي أُجْرَة كل سنة قَليلَة كَانَت أَو كَثِيرَة
انْتهى
وَصُورَة اسْتِئْجَار أَرض من وَكيل بَيت المَال أَو جِدَار أَو سطح للْبِنَاء أَو غَيره: اسْتَأْجر فلَان من القَاضِي وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْكَشْف الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ الْجَارِيَة فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور ويصفها ويذرعها ويحددها وَإِن كَانَ الْمَأْجُور جدارا وَصفه وذرعه وحدده
وكمل الْإِجَارَة بشروطها وألفاظها على نَحْو مَا تقدم فِي الْمُبَايعَة ثمَّ يَقُول بعد تَمام عقد الْإِجَارَة: السائغ شرعا وَالسَّبَب فِي هَذِه الْإِجَارَة: أَن الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور رفع قصَّة مضمونها كَذَا وَكَذَا ويشرحها كَمَا يشْرَح فِي الْمُبَايعَة وَبعد أَن صَار كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان أَرْبَاب الْخِبْرَة والمهندسين العارفين بالعقارات وَقيمتهَا والأملاك وتثمينها المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ إِلَى حَيْثُ الْقطعَة الأَرْض الْمُؤجرَة المحدودة المذروعة الموصوفة بأعاليه
وشملوها بِالنّظرِ
وَأَحَاطُوا بهَا علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
وَقَالُوا: إِن الْأُجْرَة لمن يرغب فِي استئجارها لينْتَفع بهَا كَيفَ شَاءَ وَيَبْنِي عَلَيْهَا مَا أحب بِنَاؤُه وَيعْلي مَا أَرَادَ تعليته ويحفر فِيهَا الْآبَار ويسقي السرب والأساسات وَيخرج الرواشن ويشرع الجناحات
وَغير ذَلِك: لمُدَّة كَذَا مَا مبلغه كَذَا
وَأَن ذَلِك أُجْرَة الْمثل يَوْمئِذٍ عَن الْمَأْجُور الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه لَا حيف فِي ذَلِك وَلَا شطط وَلَا غبينة وَلَا فرط
وَأَن فِي إِيجَار ذَلِك بِالْأُجْرَةِ الْمعينَة الْحَظ والمصلحة
وَثَبت ذَلِك لَدَى سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَأَن الْقطعَة الأَرْض الْمَذْكُورَة جَارِيَة فِي ديوَان الْمَوَارِيث الحشرية بِمَدِينَة كَذَا وَأَن الْمُؤَجّر الْمشَار إِلَيْهِ لَهُ ولَايَة إِيجَار ذَلِك بِأَحْكَام الْوكَالَة المفوضة إِلَيْهِ من مَوْلَانَا الْمقَام الشريف السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ الثَّابِتَة وكَالَته لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَإِن شَاءَ كتب بعد تَمام الْإِجَارَة وَذَلِكَ بعد أَن يتجر الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور مشروحا يتَضَمَّن الْإِشْهَاد على فلَان وَفُلَان المهندسين أَرْبَاب الْخِبْرَة بالعقارات وَقيمتهَا بِبَلَد كَذَا(1/231)
: أَنهم صَارُوا إِلَى الْمَأْجُور الْمَوْصُوف المذروع الْمَحْدُود بأعاليه
وَذكروا من الذرع والتحديد مَا وَافق أَعْلَاهُ
وَأَن الْأُجْرَة الْمعينَة أَعْلَاهُ أُجْرَة الْمثل وَقِيمَة الْعدْل
وأحضر الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور من يَده وصُولا من بَيت المَال الْمَعْمُور شَاهدا بِصُورَة الْحَال نسخته كَذَا وَكَذَا ويشرحه فَلَمَّا تَكَامل ذَلِك وَقع الْإِشْهَاد على القَاضِي فلَان الدّين الْمُؤَجّر الْمشَار إِلَيْهِ وعَلى الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور بِمَا نسب إِلَى كل مِنْهُمَا أَعْلَاهُ
ويؤرخ
وَإِن كَانَ الْمَأْجُور سطحا أَو جدارا قَالَ: ليبني عَلَيْهِ مَا أحب وَأَرَادَ بالطوب والطين والجير وآلات الْعِمَارَة مَا زنته كَذَا وَكَذَا قِنْطَارًا بالقنطار الْفُلَانِيّ
وَإِن كَانَت الأَرْض كشفا
واستأجرها ليبني عَلَيْهَا
فَلَا حَاجَة لذكر الْوَزْن
وَصُورَة إِجَارَة الفرن: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الفرن الْكَائِن بالموضع الْفُلَانِيّ بالحارة الْفُلَانِيَّة بالزقاق الْفُلَانِيّ النَّافِذ أَو الْغَيْر نَافِذ الْمُشْتَمل على بَيت نَار مبلط يعلوه قبَّة
وتحاذيه زلاقة لملقى الْوقُود وَبَيت الْعَجِين ومطرح النَّار والرماد ويصفه ويحدده وَيَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوقه كلهَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة اسْتِئْجَار مَوضِع بعض النَّهَار بِأُجْرَة حَالَة مَقْبُوضَة أَو حَالَة أَبرَأَهُ الْمُؤَجّر مِنْهَا: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْحَانُوت الْفُلَانِيّ الْجَارِي فِي يَده وَملكه وتصرفه ويوصف ويحدد مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه لينْتَفع بذلك فِي السكن والإسكان لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ من أول النَّهَار إِلَى وَقت الْعَصْر خلا بَقِيَّة النَّهَار اللَّيْل
وَأَن مَنْفَعَة ذَلِك بَاقِيَة فِي يَد الْمُؤَجّر وتصرفه ينْتَفع بهَا كَيفَ شَاءَ بِأُجْرَة مبلغها كَذَا وَكَذَا حَالَة قبضهَا الْمُؤَجّر من الْمُسْتَأْجر أَو حَالَة أَبرَأَهُ الْمُؤَجّر مِنْهَا بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْمُؤَجّر الْمَذْكُور
فتسلمه مِنْهُ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويؤرخ
تَنْبِيه: هَذِه الْإِجَارَة فِيهَا نظر لعدم التَّمَكُّن من الِانْتِفَاع الْمُتَّصِل
قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: وإيجار الدَّار والحانوت شهرا على أَن ينْتَفع بهَا الْأَيَّام دون اللَّيَالِي بَاطِل بِخِلَاف مثله فِي الْبَهِيمَة وَالْعَبْد
فَإِنَّهُ يجوز
انْتهى كَلَامه
وَصُورَة اسْتِئْجَار دَار بدار: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها الْجَارِيَة فِي يَد الْمُؤَجّر الْمَذْكُور وَملكه مُدَّة كَذَا من تَارِيخه بِجَمِيعِ الدَّار الْفُلَانِيَّة الْجَارِيَة فِي يَد الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَملكه وتوصف وتحدد إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة لينْتَفع بذلك الِانْتِفَاع الشَّرْعِيّ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وتعاقدا على ذَلِك معاقدة صَحِيحَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وتسلم كل مِنْهُمَا من الآخر مَا وَجب لَهُ(1/232)
تسلمه شرعا
وَصَارَ بِيَدِهِ بعد النّظر والمعرفة والإحاطة بذلك علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
ويؤرخ
تَنْبِيه: قَالَ فِي الرَّوْضَة: وَيجوز أَن تكون الْأُجْرَة مَنْفَعَة سَوَاء اتّفق الْجِنْس كَمَا إِذا أجر دَارا بِمَنْفَعَة دَاره أَو اخْتلف
بِأَن أجره دَارا بِمَنْفَعَة عبد وَلَا رَبًّا فِي الْمَنَافِع أصلا حَتَّى لَو أجر دَارا بِمَنْفَعَة دارين أَو أجر حلي ذهب بِذَهَب جَازَ
وَصُورَة إِجَارَة مركب: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْمركب المورقي أَو الباطوسي أَو غير ذَلِك من أَوْصَاف المراكب الْمُتَقَدّمَة فِي الْبيُوع وَيذكر طولهَا ومحملها وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من عدتهَا بِجَمِيعِ حقومها كلهَا لينْتَفع بهَا فِي حمل الغلات والركاب وَمَا يحمل على ظُهُور المراكب من الأحطاب والأغنام والأبقار وَغير ذَلِك فِي بَحر النّيل الْمُبَارك مقلعا ومنحدرا لمُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا مَقْبُوضَة أَو حَالَة مقسطة وتسلم الْمُسْتَأْجر مَا اسْتَأْجرهُ وَوَجَب لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ أُسْوَة أَمْثَاله وسق السَّلامَة
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة والرضى وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة الْمُشْتَملَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتفرق عَن ترَاض
وَإِن كَانَ الِاتِّفَاق على حمل شَيْء معِين من مَكَان معِين إِلَى مَكَان معِين دفْعَة وَاحِدَة صدر بقوله: عَاقد فلَان فلَانا على أَن يحمل لَهُ على ظهر مركبه الْفُلَانِيّ من الغلال كَذَا وَكَذَا من الْبَلَد الْفُلَانِيّ إِلَى الْبَلَد الْفُلَانِيّ بِمَا مبلغه كَذَا
معاقدة شَرْعِيَّة ويكمل بقوله: وعَلى المعاقد الْمَذْكُور تسفير الْمركب الْمَذْكُور بِمَا سيصل إِلَيْهِ من الغلات المعاقد عَلَيْهَا من الْبَلَد الْمَذْكُور إِلَى الْبَلَد الْمَذْكُور بِنَفسِهِ وَرِجَاله مَعَ سَلامَة الله تَعَالَى وعونه
وَله المؤونة على الْعَادة
ويكمل
وَقد تقدم معنى ذَلِك فِي الصُّور السَّابِقَة
وَالله أعلم
وَصُورَة اسْتِئْجَار صبي دون الْبلُوغ من أَبِيه أَو مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ ولَايَة شَرْعِيَّة: اسْتَأْجر فلَان من فلَان وَلَده لصلبه فلَانا الَّذِي هُوَ غير بَالغ المستمر يَوْمئِذٍ تَحت حجر أَبِيه الْمَذْكُور وَولَايَة نظره لما رأى فِيهِ من الْمصلحَة ليعْمَل عِنْده فِي الصَّنْعَة الْفُلَانِيَّة أُسْوَة أَمْثَاله من الصناع فِي مثل ذَلِك مُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا مَقْبُوضَة أَو حَالَة مقسطة
وتسلم الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور الصَّبِي الْمَذْكُور ليعْمَل مَعَه فِي ذَلِك من أول النَّهَار إِلَى آخِره دون اللَّيَالِي خلا الْأَيَّام الَّتِي جرت الْعَادة فِيهَا بالبطالة وَهِي الْجُمُعَة من كل أُسْبُوع والعيدان وخلا أَوْقَات الصَّلَوَات
وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي تَعْلِيم الْوَلَد الْمَذْكُور واستعماله فِي ذَلِك بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته وَالِاجْتِهَاد فِي تَعْلِيمه
وَذَلِكَ بعد اعترافهما بِمَعْرِِفَة مِقْدَار عمل الصَّبِي الْمَذْكُور الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل(1/233)
تَنْبِيه: الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة لَا يجوز فِيهَا تَأْجِيل الْأُجْرَة وَلَا الِاسْتِبْدَال عَنْهَا وَلَا الْحِوَالَة بهَا وَلَا الْحِوَالَة عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاء بل يجب التَّسْلِيم فِي الْمجْلس
وَصُورَة إِجَارَة الرجل نَفسه: أجر فلَان نَفسه لفُلَان على أَن يعْمل مَعَه الفلاحة أَو الْبناء أَو النجارة أَو الْخياطَة أَو عملا بِعَيْنِه مُدَّة كَذَا من صَبِيحَة كل يَوْم من تَارِيخه وَإِلَى آخِره لطول الْمدَّة الْمَذْكُورَة خلا أَوْقَات الصَّلَوَات وَالْوُضُوء وَقَضَاء الْحَاجة وَمَا لَا غنى عَنهُ شرعا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا مقسطة أَو حَالَة مَقْبُوضَة
وَسلم نَفسه إِلَيْهِ وَشرع فِي الْعَمَل الْمَذْكُور لابتداء مُدَّة الْإِجَارَة وَإِلَى انتهائها مُلْتَزما فِي ذَلِك مَا يلْزم أَمْثَاله من أهل الْعَمَل فِي مثل ذَلِك من الِاجْتِهَاد وبذل النَّصِيحَة لمستأجره فِي الْعَمَل الْمَذْكُور
تعاقدا على ذَلِك معاقدة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَالْأولَى: أَن يُورد الْإِجَارَة على الذِّمَّة فِي الْبناء والخياطة وَتَعْلِيم الْخط وَالْقِرَاءَة وَالْحج وَيكْتب: ألزم فلَان ذمَّته أَن يخيط لفُلَان كَذَا أَو يَبْنِي لَهُ كَذَا أَو يُعلمهُ كَذَا أَو أَن يحجّ عَن فرض فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى حجَّة الْإِسْلَام وعمرته الواجبتين عَلَيْهِ من بلد كَذَا
وَإِن شَاءَ كتب فِي صُورَة الْحَج: عَاقد فلَان فلَانا على أَن يحجّ عَن فلَان الْمُتَوفَّى
ويكمل على نَحْو مَا تقدم فِي الْإِجَارَة
لَكِن هَذِه بِلَفْظ المعاقدة وَيَقُول فِيهَا: فَإِن تعذر وَلم يخرج فِي هَذِه السّنة لقَضَاء هَذِه الْحجَّة أَو حدث لَهُ حَادث مَنعه عَن قَضَائهَا على مَا سمي فِيهِ
فَعَلَيهِ رد مَا قَبضه بِسَبَب ذَلِك وَالْخُرُوج مِنْهُ لمستحق استرجاعه بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
ويكمل
وَصُورَة إِجَارَة السَّيِّد عَبده: اسْتَأْجر فلَان من فلَان جَمِيع الْغُلَام الحبشي أَو الزنْجِي أَو غير ذَلِك الْمُسلم الدّين الْبَالِغ أَو الْمُرَاهق أَو الرجل الْكَامِل ويصف مَا فِي وَجهه وبدنه من عَلامَة الْمَدْعُو فلَان على أَن يَخْدمه ويتصرف فِي أشغاله فِي الْقَضَاء والاقتضاء وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَغير ذَلِك مِمَّا يَنْضَبِط خدمَة مَعْلُومَة بَينهمَا أَو برسم خدمَة وَلَده فلَان وَحمل ألواحه وأدواته ومصحفه من دَار سكنه بالموضع الْفُلَانِيّ فِي كل يَوْم من أَيَّام هَذِه الْإِجَارَة والتوجه بِهِ بكرَة النَّهَار إِلَى مكتبه بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وَعوده مَعَه من مكتبه إِلَى منزل مَسْكَنه الْمَذْكُور عَشِيَّة النَّهَار مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه بِأُجْرَة مبلغها كَذَا مقسطة أَو حَالَة مَقْبُوضَة
وَسلم فلَان إِلَى فلَان الْغُلَام الْمَذْكُور
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
ويكمل(1/234)
تَنْبِيه: هَذِه الصُّورَة لَا تكْتب مسانهة وَلَا مشاهرة احْتِرَازًا من قَول الشَّافِعِي فَإِنَّهُ يُفْسِدهَا
وَأهل الْعرَاق يجيزون ذَلِك
وَلَا يكْتب (العَبْد) بل يكْتب (الْغُلَام) احْتِرَازًا من أَن يكون حرا فَيبْطل رُجُوعه على الْمُؤَجّر بالدرك لِأَنَّهُ صدقه أَنه عَبده
فَيكون قد أبطل حَقه بتصديقه السَّابِق إِن اشْتَرَاهُ مِنْهُ
وَصُورَة مَا إِذا اسْتَأْجر رجل رجلا لعمل مَعْلُوم أَو خدمَة مَعْلُومَة إِلَى وَقت مَعْلُوم: أجر فلَان نَفسه لفُلَان فاستأجره ليقوم فِي خدمته فِي الْبَز للطي والنشر والشد والحل والحط وَالرَّفْع وَالْقَضَاء والاقتضاء وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَقبض الْأَثْمَان وَأَدَاء الرسائل وَالْقِيَام بالحوائج
خدمَة مَعْرُوفَة مفهومة مَعْلُومَة بَينهمَا الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة مُدَّة سنة وَاحِدَة من تَارِيخه بِاثْنَيْ عشر دِينَارا ذَهَبا أُجْرَة كل شهر كَذَا
وَذَلِكَ بعد معرفتهما بِالْخدمَةِ عِنْد عقد الْإِجَارَة الْمَذْكُورَة على الْعرف الْقَائِم فِي مثلهَا الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
وَسلم نَفسه إِلَيْهِ
وَشرع فِي الْعَمَل الْمَذْكُور وتعاقدا على ذَلِك معاقدة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وتفرقا عَن ترَاض
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا اسْتَأْجر رجل رجلا لينقل لَهُ مَاء عذبا إِلَى منزله أَو غَيره: اسْتَأْجر فلَان فلَانا على أَن ينْقل إِلَيْهِ على ظُهُور جمال يقيمها من مَاله وصلب حَاله من المَاء العذب فِي بَحر النّيل الْمُبَارك إِلَى منزله بالموضع الْفُلَانِيّ أَو إِلَى صهريج التربة الْفُلَانِيَّة كَذَا وَكَذَا راوية زنة مَا فِي كل راوية من المَاء كَذَا وَكَذَا رطلا فِي مُدَّة كَذَا أَو فِي كل يَوْم كَذَا وَكَذَا راوية أَو جملَة وَاحِدَة فِي مُدَّة كَذَا
تعاقدا على ذَلِك تعاقدا شَرْعِيًّا
وَإِن شَاءَ صدر هَذِه الصُّورَة بقوله: عَاقد فلَان فلَانا على كَذَا وَكَذَا
وَإِن شَاءَ كتب: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان كَذَا وَكَذَا درهما
وَذَلِكَ ثمنا عَن مَاء سيحمله على ظُهُور جمال يقيمها من مَاله وصلب حَاله من المَاء العذب
ويكمل فِي كل صُورَة بحسبها
وَالْكل جَائِز
تَنْبِيه: اعْلَم أَن هَذِه الْإِجَارَة مُخْتَلف فِيهَا عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي
قَالَ فِي الرَّوْضَة وَفِي بيع المَاء على شط النَّهر وَبيع التُّرَاب فِي الصَّحرَاء وَبيع الْحِجَارَة فِي الشعاب الْكَثِيرَة الْأَحْجَار
وَجْهَان
الْأَصَح الْجَوَاز
انْتهى
فعلى الصَّحِيح بِمُجَرَّد وضع يَده على المَاء ملكه لكَونه مُبَاحا
فَيكون مَا يُعْطِيهِ فِي الْحَقِيقَة ثمن المَاء
وعَلى الثَّانِي: مَا يُعْطِيهِ أُجْرَة الْجمال
وَصُورَة مَا إِذا اسْتَأْجر رجل رجلا ليحمل لَهُ بضَاعَة من مَوضِع مَعْلُوم إِلَى مَوضِع مَعْلُوم: عَاقد فلَان فلَانا على حمله وَحمل تِجَارَته وقماشه ويصف كل شَيْء بِحَسبِهِ(1/235)
وَيذكر الْوَزْن ثمَّ يَقُول: من مَدِينَة كَذَا إِلَى مَدِينَة كَذَا على جماله الَّتِي بِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه بِمَا مبلغه كَذَا
وَإِن شَاءَ اسْتَأْجرهُ لحملها
وكمل بِدفع الْأُجْرَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة قِيَاسا على مَا تقدم
وَإِن شَاءَ صدر بِالْقَبْضِ وَقَالَ: وَذَلِكَ أُجْرَة مَا سيحمله لَهُ من مَوضِع كَذَا إِلَى مَوضِع كَذَا
وبعين وَزنه
وَإِن كَانَ مِمَّا يُكَال ذكر كَيْله
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة مَا إِذا اسْتَأْجر رجلا ليرعى لَهُ أغناما مَعْلُومَة: أقرّ فلَان أَنه أجر نَفسه لفُلَان ليرعى لَهُ أغناما عدتهَا كَذَا وَكَذَا رَأْسا من الْغنم الضَّأْن الْبيَاض أَو الْمعز الشعري الْمَوَاشِي الرَّوَاتِب أَو اللواحق الْجَارِيَة فِي ملك فلَان الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور ويذكره ويتولى سقيها وَخدمتهَا وعلوفتها وحلبها وتسريحها وترويحها وحفظها وإيوائها أُسْوَة أَمْثَاله من الأجراء فِي مثل ذَلِك بالموضع الْفُلَانِيّ فِي مُدَّة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا بِأُجْرَة مبلغها كَذَا حَالَة دَفعهَا الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور من مَاله للمؤجر نَفسه الْمَذْكُور
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم فلَان الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور لفُلَان الْآجر نَفسه الْمَذْكُور جَمِيع الأغنام الْمَذْكُورَة بعدتها الْمَذْكُورَة
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت بِيَدِهِ بِحكم هَذِه الْإِجَارَة الْجَارِيَة بَينهمَا على ذَلِك الْمُشْتَملَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
ويؤرخ
وَفِي إِجَارَة الْأَب وَالْجد على ولدهما الصَّغِير وَإِجَارَة أَمِين الحكم أَو مَنْصُوب الشَّرْع الشريف أَو الْوَصِيّ على محجوري الحكم الْعَزِيز
وَفِي استئجارهم لَهُم: تقدم مَعْنَاهُ فِي الْبيُوع بِلَفْظ البيع وَفِي الْإِجَارَة: يكون بِلَفْظ الْإِيجَار والاستئجار وَلَا يخفى ذَلِك على الحذاق البارعين فِي هَذَا الْفَنّ فعنهم أَخذنَا وَمِنْهُم استفدنا
فَائِدَة: يكْتب فِي حق الْقَائِم فِي الْإِجَارَة وَالْبيع على الْمَحْجُور: من فلَان الْقَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره وَفِي إيجارة مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ على مَحْجُوره فلَان وَلَا يَقُول عَن مَحْجُوره فلَان بِخِلَاف الْقَائِم فِي ذَلِك بِالْوكَالَةِ عَن مُوكل شَرْعِي
فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: من فلَان الْقَائِم فِي بيع أَو فِي إِجَارَة مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بطرِيق الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة عَن فلَان
فصل: فِي الْإِقَالَة
وَلها عمد: وَهِي ذكر الْمُسْتَأْجر والمؤجر وأسمائهما وأنسابهما: وَذكر الْإِجَارَة
وسؤال الْمُسْتَأْجر للمؤجر أَن يقيله عقد الْإِجَارَة والإجابة إِلَى ذَلِك وَإِقْرَاره بِقَبض نَظِير الْأُجْرَة
وَذكر التَّارِيخ(1/236)
وَصُورَة التقايل وَيكْتب على ظهر الْإِجَارَة تقايل المتآجران الْمَذْكُورَان بَاطِنه: وهما فلَان وَفُلَان أَحْكَام الْإِجَارَة الصادرة بَينهمَا فِي الْمَأْجُور الْمعِين بَاطِنه على الحكم المشروح بَاطِنه
تَقَايلا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَدفع الْمُؤَجّر إِلَى الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور نَظِير الْأُجْرَة الْمَذْكُورَة بَاطِنه
فَقبض ذَلِك مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَرفع الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور يَده عَن الدَّار الْمَذْكُورَة بَاطِنه وَسلمهَا إِلَى الْمُؤَجّر الْمَذْكُور بَاطِنه على صفتهَا الأول الَّتِي تسلمها مِنْهُ عَلَيْهَا قبل تَارِيخه فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وتفرقا عَن ترَاض
وَإِن شَاءَ صدر بإقرارهما أَنَّهُمَا تَقَايلا وَإِن شَاءَ قَالَ: وَرجع كل مِنْهُمَا إِلَى عين مَاله وتسلم كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر مَا وَجب لَهُ تسلمه شرعا على صفته الأولى
وتفرقا بعد تَمام الْإِقَالَة عَن ترَاض
ويؤرخ
وَصُورَة حجَّة بمداواة عين وَهِي قريبَة من معنى الْإِجَارَة حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان المتطبب أَو الكحال
وَسَأَلَ فلَانا وَرغب إِلَيْهِ فِي مداواة عينه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو هما جَمِيعًا مِمَّا بهما من الْمَرَض الْفُلَانِيّ أَو المَاء النَّازِل بهما وقدحهما وَعمل مصلحتهما فِي وَاجِب الصَّنْعَة على مَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده وتقتضيه صَنعته ومعرفته فِي مثل ذَلِك طَالبا من الله تَعَالَى المعونة وَالْهِدَايَة إِلَى طَرِيق الاسْتقَامَة على النهج القويم الْمُؤَدِّي إِلَى برْء الْمَذْكُور وشفائه من مَرضه
فَإِن عوفي كَانَ بِفضل الله تَعَالَى ومنته وَإِن جَاءَ الْأَمر وَالْعِيَاذ بِاللَّه بِخِلَاف ذَلِك كَانَ بِقَضَاء الله وَقدره
وَكَانَ فلَان الكحال الْمَذْكُور بَرِيئًا من ذَلِك وَمن تَبعته
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَقبل مِنْهُ عقد هَذِه المداواة على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة والبراءة من الضَّمَان والعلقة والتبعة مِمَّا يحدث بعد المعالجة من عدم الْبُرْء وَغَيره حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
وَإِن كَانَت المعالجة على مبلغ شَرطه لَهُ عِنْد زَوَال الْمَرَض وَحُصُول الْبُرْء والشفاء
فَيَقُول بعد قَوْله فَإِن عوفي كَانَ بِفضل الله ومنته وَكَانَ عَلَيْهِ الْقيام لَهُ بِمَا مبلغه كَذَا وَكَذَا قيَاما شَرْعِيًّا من مَاله وصلب حَاله فِي نَظِير عمله فِي ذَلِك حَسْبَمَا ألزم ذمَّته لَهُ بذلك الْإِلْزَام الشَّرْعِيّ
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل ويؤرخ
وَالله أعلم(1/237)
كتاب إحْيَاء الْموَات
وتملك الْمُبَاحَات وَمَا يتَعَلَّق بهما من الْأَحْكَام
يجوز إحْيَاء الْموَات وَيملك بذلك
لما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ
وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق) وَرُوِيَ (لعرق ظَالِم) بِإِضَافَة الْعرق إِلَى الظَّالِم
فَائِدَة: الْعرق: أَرْبَعَة: الْغِرَاس وَالْبناء وَالنّهر والبئر
وروى سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أحَاط حَائِطا على أَرض
فَهِيَ لَهُ) وَأَرَادَ بِهِ فِي الْموَات
وَأجْمع الْمُسلمُونَ على جَوَاز إحْيَاء الْموَات والتملك بِهِ
والإحياء لَا يفْتَقر إِلَى إِذن الإِمَام
وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إحْيَاء الْموَات إِلَّا بِإِذن الإِمَام
فَأَبُو حينفة حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ) على التَّصَرُّف بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى
لِأَنَّهُ لَا يجوز الْإِحْيَاء إِلَّا بِإِذن الإِمَام
وَحمله الشَّافِعِي على التَّصَرُّف بالفتيا
لِأَنَّهُ الْغَالِب عَلَيْهِ
وَقَالَ: يَكْفِي فِي الْإِحْيَاء إِذن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمَوْضِع الدَّلِيل فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ) (وَمن أحَاط حَائِطا(1/238)
على أَرض فَهِيَ لَهُ) أَنه لم يفرق بَين أَن يكون بِإِذن الإِمَام أَو بِغَيْر إِذْنه وَلِأَنَّهَا عين مُبَاحَة
فَلم يفْتَقر فِي تَملكهَا إِلَى إِذن الإِمَام كالصيد والحشيش
والبلاد على ضَرْبَيْنِ: بِلَاد إِسْلَام وبلاد شرك
فَأَما بِلَاد الْإِسْلَام: فعلى ضَرْبَيْنِ: عَامر وموات
فَأَما العامر: فَهُوَ لمَالِكه
وَلَا يجوز لأحد أَن يتَصَرَّف فِي شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِإِذن مَالِكه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أَخذ شبْرًا من الأَرْض بِغَيْر حَقه طوقه الله إِيَّاه يَوْم الْقِيَامَة إِلَى سبع أَرضين) فَإِن كَانَ هَذَا العامر يجاوره مَمْلُوكا كالدور والأراضي المتلاصقة فَإِن ملك كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يتَجَاوَز إِلَى غَيره إِلَّا أَن يكون لَهُ فِي ملك غَيره رسم مسيل مَاء أَو طَرِيق فَلهُ ذَلِك
وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يتَصَرَّف فِي ملكه بِمَا شَاءَ من وُجُوه التَّصَرُّفَات
وَإِن كَانَ فِيهِ ضَرَر على جَاره
وَإِن كَانَ العامر يجاور مواتا فَلصَاحِب الْعَامَّة من الْموَات الَّذِي يجاور ملكه مَالا يُمكنهُ الِانْتِفَاع بالعامر إِلَّا بِهِ مثل الطَّرِيق ومسيل المَاء الَّذِي يخرج من الدَّار
وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ الأَرْض من مسايل المَاء
وَإِن كَانَت بِئْرا فَلهُ من الْموَات بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي نزع المَاء مِنْهَا
وَإِن كَانَت للسقيا مِنْهَا بالسواني: فَقدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ السانية فِي ذهابها ومجيئها
وَإِن كَانَت دولابا: فَقدر مَا يَدُور فِيهِ الثور
وَإِن كَانَت للماشية: فَقدر مَا تعطن فِيهِ الْمَاشِيَة
وَإِن كَانَت مِمَّا يسْقِي بِالْيَدِ مِنْهَا: فَقدر مَا يقف فِيهِ المستقى
وَلَا يقدر ذَلِك بِشَيْء
وَأما الْموَات: فعلى ضَرْبَيْنِ: ضرب لم يجر عَلَيْهِ ملك لأحد قطّ
فَهَذَا يجوز إحياؤه بِلَا خلاف كَمَا قُلْنَا فِي العامر
وَأما بِلَاد الشّرك: فضربان: عَامر وموات(1/239)
فَأَما العامر وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ العامر من الْمرَافِق: فَإِنَّهُ ملك للْكفَّار
لقَوْله تَعَالَى: {وأورثكم أَرضهم وديارهم} فإضافتها إِلَيْهِم تدل على أَنهم ملكوها وَلَا يجوز إحياؤها
وَإِنَّمَا تملك بالقهر وَالْغَلَبَة
وَأما الْموَات: فَإِن كَانَ قد جرى عَلَيْهَا ملك لمَالِك مَعْرُوف: لم يجز إحياؤها كالعامر
وَإِن لم يجر عَلَيْهَا ملك لأحد: جَازَ إحياؤها وتملكها
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أَحْيَا أَرضًا ميتَة
فَهِيَ لَهُ) وَلم يفرق
فعلى هَذَا: إِن أَحْيَا مُسلم مواتا فِي أَرضهم ثمَّ ظهر الْمُسلمُونَ على أَرضهم فملكوها كَانَت غنيمَة إِلَّا مَا أَحْيَاهُ الْمُسلم
وَإِن كَانَت مواتا قد جرى عَلَيْهَا أثر ملك لَهُم وَلَا يعرف مَالِكهَا: فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهَا: يجوز إحياؤها وتملك بِالْإِحْيَاءِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ ثمَّ هِيَ لكم مني) وَأَرَادَ بِهِ الأَرْض الَّتِي كَانَت ملكا لقوم عَاد وَلِأَنَّهُ لَو وجد فِي بِلَاد الشّرك وَكَانَ من ضرب الْمُشْركين بِملكه بالوجود
وَإِن كَانَ قد جرى عَلَيْهِ ملك مُشْرك
فَكَذَلِك إِذا أَحْيَا مواتا جرى عَلَيْهِ ملك لمَالِك غير مَعْرُوف من الْمُشْركين
وَالثَّانِي: لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد: وَهُوَ الْمَذْهَب
لِأَن الشَّافِعِي قَالَ: والموات مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أثر عمَارَة
وَلِأَنَّهَا إِن كَانَ جرى عَلَيْهَا الْملك فَلَا تملك بِالْإِحْيَاءِ
كَمَا لَو كَانَ لَهَا مَالك مَعْرُوف وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لكَافِر لم تبلغه الدعْوَة
فَلَا يكون مَاله مُبَاحا
وَمن قَالَ بِهَذَا قَالَ: معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ) أَرَادَ بِهِ الْملك الْقَدِيم
فَعبر عَن الْملك الْقَدِيم بالعادي لِأَنَّهُ يُقَال: شَيْء عادي أَي قديم
فَإِن أَحْيَا الْمُسلم مواتا فِي بلد صولح الْكفَّار على الْإِقَامَة فِيهِ لم يملك بذلك الْموَات
لِأَن الْموَات تَابع للبلد
فَإِذا لم يجز تملك الْبَلَد عَلَيْهِم
فَكَذَلِك مَا تبعه
فَائِدَة: فِي (قطّ) خمس لُغَات
إِحْدَاهَا: فتح الْقَاف مَعَ تَشْدِيد الطَّاء المضمومة
ثَانِيهَا: ضمهَا مَعَ التَّشْدِيد أَيْضا
ثَالِثهَا: فتحهَا مَعَ تَشْدِيد الطَّاء الْمَكْسُورَة
رَابِعهَا(1/240)
: فتحهَا مَعَ التَّخْفِيف
خَامِسهَا: فتحهَا مَعَ إسكان الطَّاء
وَهِي لتأكيد نفي الْمَاضِي
وَلَا يملك حَرِيم الْمَعْمُور بالأحياء
والحريم: الْمَوَاضِع الَّتِي تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهَا لتَمام الِانْتِفَاع
فحريم الْقرْيَة: مُجْتَمع النادي ومرتكض الْخَيل ومناخ الْإِبِل ومطرح الرماد وَنَحْوهَا
وحريم الْبِئْر المحفورة فِي الْموَات: الْمَوَاضِع الَّذِي يقف فِيهِ النازح
والموضع الَّذِي يوضع فِيهِ الدَّوَابّ وتتردد فِيهِ الْبَهِيمَة
ومصب المَاء والحوض الَّذِي يجْتَمع فِيهِ المَاء إِلَى أَن يُرْسل
وحريم الدَّار فِي الْموَات: مطرح الرماد والكناسات والثلج: والممر فِي صوب الْبَاب
وحريم آبار الْقَنَاة: الْقدر الَّذِي لَو حفر فِيهِ لنَقص مَاؤُهَا أَو خيف مِنْهُ الانهيار
وَالدَّار المحفوفة بالدور لَا حَرِيم لَهَا
فَكل وَاحِد يتَصَرَّف فِي ملكه على الْعَادة
فَإِن تعدى ضمن
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ: لَا يمْنَع من أَن يتَّخذ دَاره المحفوفة بالدور والمساكن حَماما أَو إصطبلا أَو حانوتا للحدادين فِي صف البزازين
وَلَكِن إِذا احتاط وَأحكم الجدران
وَيجوز إحْيَاء موَات الْحرم وَيمْنَع مِنْهُ فِي أَرَاضِي عَرَفَات
والإحياء يخْتَلف باخْتلَاف الْقَصْد
فَإِن أَرَادَ السكن اعْتبر تحويط الْبقْعَة وتسقيف بَعْضهَا وَفِي تغليق الْبَاب خلاف
وَإِن أَرَادَ زريبة للدواب اعْتبر التحويط دون التسقيف
وَفِي تغليق الْبَاب خلاف
وَإِن كَانَ يتَّخذ الْموَات مزرعة فَلَا بُد من جمع التُّرَاب حوله
وَمن تَسْوِيَة الأَرْض وترتيب مَائِهَا وَإِن كَانَت لَا تكتفي بِمَاء السَّمَاء
وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يشْتَرط الزِّرَاعَة لحُصُول الْملك فِي المزرعة
وَإِن كَانَ يَتَّخِذهُ بستانا فَلَا بُد من جمع التُّرَاب والتحويط حَيْثُ جرت الْعَادة بِهِ
من تهيئة المَاء والعرس
وَمن شرع فِي أَعمال الْإِحْيَاء وَلم يُتمهَا أَو أعلم على الْبقْعَة بِنصب أَحْجَار أَو غرس خشبات
فَهَذَا تحجير وَهُوَ أَحَي بِهِ من غَيره وَلَكِن الْأَصَح: أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع هَذَا من غَيره وَأَنه لَو أَحْيَاهُ غَيره ملكه
وَلَو طَالَتْ الْمدَّة على التحجير
قَالَ لَهُ السُّلْطَان: أَحَي أَو اترك
فَإِن استمهل أمهله مُدَّة قريبَة(1/241)
وَمن أقطعه الإِمَام مواتا صَار أَحَق بإحيائه
كالمتحجر
وَلَا يقطع إِلَى من يقدر على الْإِحْيَاء: وَيُعْطى بِقدر مَا يقدر على إحيائه
وعَلى هَذَا: يجْرِي مجْرى المتحجر بِحَيْثُ إِنَّه لَا يُمكن من التحجير على أَكثر مِمَّا يقدر على إحيائه
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ: أَن للْإِمَام أَن يحمي بقْعَة من الْموَات لترعى فِيهَا إبل الصَّدَقَة وَنعم الْجِزْيَة وَالْخَيْل الْمُقَاتلَة ومواشي الَّذين يضعفون عَن الإبعاد والضوال
وَيجوز نقض حماه عِنْد الْحَاجة
وَلَا يحمي لخاصة نَفسه
وَالْمَنْفَعَة الْأَصْلِيَّة للشوارع: الاستطراق فِيهَا
وَيجوز الْجُلُوس بالشوارع للاستراحة والمعاملة وَنَحْوهمَا بِشَرْط أَن لَا يضيق على الْمَارَّة
وَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى إِذن الإِمَام
وَله تظليل مَوضِع الْجُلُوس ببارية وَغَيرهَا
وَإِذا سبق اثْنَان إِلَى مَوضِع
فالتقديم بِرَأْي الإِمَام فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وبالقرعة فِي أظهرهمَا
وَإِذا جلس للمعاملة فِي مَوضِع ثمَّ فَارقه تَارِكًا للحرفة أَو منتقلا إِلَى مَوضِع آخر بَطل حَقه
وَإِن فَارقه على أَن يعود لم يبطل حَقه إِلَّا إِذا طَالَتْ مُدَّة الْفرْقَة بِحَيْثُ يَنْقَطِع عَنهُ معاملوه ويألفون غَيره
والجالس فِي مَوضِع من الْمَسْجِد ليفتي النَّاس أَو ليقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن
كالجالس فِي طرف من الشَّارِع للمعاملة
وَإِن جلس للصَّلَاة لم يصر أَحَق بِهِ فِي سَائِر الصَّلَوَات
وَكَانَ أَحَق بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاة
حَتَّى وَلَو غَابَ لحَاجَة على أَن يعود إِلَيْهِ لم يبطل اخْتِصَاصه بالمفارقة على الْأَظْهر
وَإِن لم يتْرك إزَاره هُنَاكَ
وَالسَّابِق إِلَى مَوضِع من الرِّبَاط المسبل لَا يزعج وَلَا يبطل حَقه بِالْخرُوجِ مِنْهُ لشراء الطَّعَام
وَمَا أشبهه
وَكَذَا حكم الْفَقِيه إِذا نزل فِي الْمدرسَة
والصوفي فِي الخانقاه
وَأما الْمَعَادِن الظَّاهِرَة وَهِي الَّتِي تخرج بِلَا معالجة كالنفط والكبريت والقار والمومياء
وأحجار الرحا والبرمة وَنَحْو ذَلِك لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يثبت الأختصاص فِيهَا بالتحجر وَلَا يجوز إقطاعها
وَإِذا ضَاقَ مَوضِع الْأَخْذ مِنْهَا
فَالسَّابِق(1/242)
أولى بِأخذ قدر الْحَاجة
وَلَو طلب الزِّيَادَة فَالْأَصَحّ أَنه يزعج وَإِذا انْتهى إِلَيْهِ اثْنَان مَعًا حكمت الْقرعَة على الْأَظْهر
والمعادن الْبَاطِنَة الَّتِي لَا يظْهر جوهرها إِلَّا بالمعالجة كالذهب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس لَا يملك بِالْحفرِ وَالْعَمَل فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَلَو أَحْيَا مواتا فَظهر فِيهِ مَعْدن بَاطِن ملكه
والمياه الْمُبَاحَة فِي الْأَدْوِيَة والعيون فِي الْجبَال يَسْتَوِي النَّاس فِي الْأَخْذ مِنْهَا
وَإِن أَرَادَ قوم سقِِي أراضيهم مِنْهَا وَلم تف بِالْكُلِّ فيسقي الْأَعْلَى فالأعلى وَيحبس كل وَاحِد مِنْهُم المَاء قدر مَا يبلغ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
فَإِن كَانَ فِي الأَرْض انخفاض وارتفاع فَيرد كل وَاحِد من الطَّرفَيْنِ بالسقي
والمأخوذ من هَذِه الْمِيَاه فِي الْإِنَاء مَمْلُوك على الْأَصَح
ضَابِط: ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي المدهش: أَن أقاليم الأَرْض سَبْعَة
الأول مِنْهَا: إقليم الْهِنْد
وَالثَّانِي: إقليم الْحجاز
وَالثَّالِث: إقليم مصر
وَالرَّابِع: إقلي بابل
وَالْخَامِس: إقليم الرّوم وَالشَّام
وَالسَّادِس: بِلَاد التّرْك
وَالسَّابِع: الصين
وأوسط الأقاليم بابل وَهُوَ أعمرها
وَفِيه جَزِيرَة الْعَرَب
وَفِيه الْعرَاق الَّذِي هُوَ سرة الدُّنْيَا وبغداد فِي وسط هَذَا الإقليم
فلاعتداله اعتدلت ألوان أَهله
فَسَلمُوا من شقرة الرّوم وَسَوَاد الْحَبَش
وَغلظ التّرْك وجفاء أهل الْجبَال ودمامة أهل الصين
وَكلما اعتدلوا فِي الْخلقَة لطفوا فِي الفطنة
قَالَ أَيْضا فِي المدهش: قَالَ عُلَمَاء التواريخ: جَمِيع مَا علم فِي الأَرْض من الْجبَال مائَة وَثَمَانِية وَتسْعُونَ جبلا: وَمن أعجبها: جبل سرنديب
وَطوله مِائَتَان ونيف وَسِتُّونَ ميلًا
وَفِيه أثر قدم آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أهبط
وَعَلِيهِ شَيْء شَبيه الْبَرْق لَا يذهب شتاء وَلَا صيفا
وَحَوله ياقوت
وَفِي واديه الماس الَّذِي يقطع الصخور ويثقب اللُّؤْلُؤ
وَفِيه الْعود والفلفل والقرنفل
ودانة الْمسك ودابة الزباد وجبل الرّوم الَّذِي فِيهِ المسد
وَطوله سَبْعمِائة فَرسَخ وَيَنْتَهِي إِلَى الْبَحْر المظلم
وَقَالَ أَيْضا: قَالُوا: وَفِي الأَرْض سَبْعمِائة مَعْدن وَلَا ينْعَقد الْملح إِلَّا فِي السبخ
وَلَا الجص إِلَّا فِي الرمل والحصا
وَالْبَحْر الْأَعْظَم مُحِيط بالدنيا
والبحار كلهَا تستمد مِنْهُ
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه (تنوير الغبش فِي فضل السودَان والحبش) قَالَ: روى الْأَصْمَعِي عَن النمر بن هِلَال: أَن الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ اثْنَي عشر ألف(1/243)
للسودان
وَثَمَانِية للروم
وَثَلَاثَة للْفرس
وَألف للْعَرَب
انْتهى كَلَامه
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم على أَن الأَرْض الْميتَة يجوز إحياؤها وَيجوز إحْيَاء موَات الْإِسْلَام للْمُسلمِ بالِاتِّفَاقِ
وَهل يجوز للذِّمِّيّ قَالَ الثَّلَاثَة: لَا يجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: يجوز
وَاخْتلفُوا: هَل يشْتَرط فِي ذَلِك إِذن الإِمَام أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة: يحْتَاج إِلَى إِذْنه
وَقَالَ مَالك: مَا كَانَ فِي الفلاة وَحَيْثُ لَا يتشاح النَّاس فِيهِ لَا يحْتَاج إِلَى إِذن
وَمَا كَانَ قَرِيبا من الْعمرَان أَو حَيْثُ يتشاح النَّاس فِيهِ افْتقر إِلَى الْإِذْن
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يحْتَاج إِلَى الْإِذْن
وَاخْتلفُوا فِيمَا كَانَ من الأَرْض مَمْلُوكا ثمَّ باد أَهله وَخرب وَطَالَ عَهده: هَل يملك بِالْإِحْيَاءِ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يملك بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يملك
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: أَنه لَا يملك
فصل: وَبِأَيِّ شَيْء تملك الأَرْض وَيكون إحياؤها بِهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: بتحجيرها وَأَن يتَّخذ لَهَا مَاء
وَفِي الدَّار بتحويطها
وَإِن لم يسقفها
وَقَالَ مَالك بِمَا يعلم بِالْعَادَةِ أَنه إحْيَاء لمثلهَا من بِنَاء وغراس وحفر بِئْر
وَغير ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت للزَّرْع فيزرعها واستخراج نباتها
وَإِن كَانَت للسُّكْنَى
فبتقطيعها بُيُوتًا وتسقيفها
فصل: وَاخْتلفُوا فِي حَرِيم الْبِئْر العادية
قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت لسقي الْإِبِل فحريمها أَرْبَعُونَ ذِرَاعا
وَإِن كَانَت للناضح: فستون
وَإِن كَانَت علينا فثلاثمائة ذِرَاع
وَفِي رِوَايَة: خَمْسمِائَة
فَمن أَرَادَ أَن يحْفر فِي حريمها منع مِنْهُ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لذَلِك حد مُقَدّر
والمرجع فِيهِ إِلَى الْعرف
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَت فِي أَرض موَات فخمسة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا
وَإِن كَانَت فِي أَرض عَادِية فخمسون ذِرَاعا
وَإِن كَانَت عينا فخمسمائة ذِرَاع
والحشيش إِذا نبت فِي أَرض مَمْلُوكَة فَهَل يملكهُ صَاحبهَا بملكها قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملكهُ وكل من أَخذه صَار لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي: يملكهُ بِملك الأَرْض
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: كمذهب أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الأَرْض محوطة ملكه صَاحبهَا
وَإِن كَانَت غير محوطة لم يملك(1/244)
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفضل عَن حَاجَة الْإِنْسَان وبهائمه وزرعه من المَاء فِي نهر أَو بِئْر
فَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الْبِئْر أَو النَّهر فِي الْبَريَّة: فمالكها أَحَق بِمِقْدَار حَاجته مِنْهَا
وَيجب عَلَيْهِ فضل مَا فضل عَن ذَلِك
وَإِن كَانَت فِي حَائِطه فَلَا يلْزمه بذل الْفَاضِل إِلَّا أَن يكون جَاره زارع على بِئْر فانهدمت أَو عين فغارت
فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ بذل الْفَاضِل لَهُ إِلَى أَن يصلح جَاره بِئْر نَفسه أَو عينه
فَإِن تهاون فِي إِصْلَاحه لم يلْزمه أَن يبْذل بعد الْبَذْل شَيْئا
وَهل يسْتَحق عوضه فِيهِ رِوَايَتَانِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي: يلْزمه بذله لشرب النَّاس وَالدَّوَاب من غير عوض وَلَا يلْزم للمزارع
وَله أَخذ الْعِوَض
وَالْمُسْتَحب تَركه
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا: أَنه يلْزمه بذله من غير عوض للماشية والسقية مَعًا
وَلَا يحل لَهُ البيع
انْتهى
المصطلح: وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة إقطاع السُّلْطَان لأمير من أُمَرَاء الْمُسلمين: أقطعه أَرضًا مواتا زِيَادَة لَهُ على خاصته من إقطاعه
هَذَا كتاب إقطاع صَحِيح شَرْعِي وإحياء موَات من الأَرْض مُعْتَبر مرعي أَمر بكتابته وتسطيره وإنشائه وتحريره: مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ عز نَصره للْمقر الشريف العالي الْفُلَانِيّ نَائِب السلطنة الشَّرِيفَة بالمملكة الْفُلَانِيَّة
ووكيله الشَّرْعِيّ فِي إقطاع الْأُمَرَاء والجند الإقطاعات وَفِي إقطاع الْأَرَاضِي الْموَات وَالْإِذْن لمن شَاءَ فِي إحْيَاء مَا شَاءَ مِنْهَا وَتَسْلِيم الْأَرَاضِي المحياه إِلَى المحيين إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشروح فِي كتاب النِّيَابَة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة وَالتَّوْكِيل الشَّرْعِيّ الْمُفَوض إِلَيْهِ من مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي السلطاني الْمشَار إِلَيْهِ عز نَصره الْمحْضر كتاب التَّفْوِيض الشريف الْمشَار إِلَيْهِ من يَده الْكَرِيمَة المؤرخ بَاطِنه بِكَذَا المتوج بالعلامة الشَّرِيفَة الِاسْم الشريف المكمل العلايم الثَّابِت بالدواوين الشَّرِيفَة الجيشية الثَّابِت مَضْمُون مَا نسب إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ عِنْد سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الثُّبُوت الشَّرْعِيّ الْمُتَّصِل ثُبُوته بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ المؤرخ بِكَذَا
فبمقتضى ذَلِك أقطع الْمقر الشريف النَّائِب وَالْوَكِيل الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا لَهُ من النِّيَابَة وَالتَّوْكِيل والتفويض الشريف المشروح أَعْلَاهُ إِلَى الْمقر الْكَرِيم العالي الْفُلَانِيّ أَو الجناب العالي الْفُلَانِيّ أَو الْمقر العالي الْفُلَانِيّ أَو الجناب الْكَرِيم العالي الْفُلَانِيّ أَو الجناب العالي الْفُلَانِيّ كل على قدر طبقته وَحسب رتبته جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْموَات الخراب الدائرة الخالية من الْعمرَان والسكان الَّتِي لم تكن(1/245)
بيد أحد عَن خلق الله تَعَالَى
وَلَا يعرف لَهَا مَالك من قديم الزَّمَان
وَإِلَى الْآن
وَهِي الفاصلة بَين أَرَاضِي مَدِينَة كَذَا وجبال كَذَا
وَهِي قِطْعَة مَادَّة قبْلَة وَشمَالًا طولا
وشرقا وغربا عرضا
وَلها حُدُود وقواطع وفواصل
ويشتمل على عيوان سارحة ومروج وملق للْمَاء
وَغَابَ من البردى والعليق وَغير ذَلِك ويحددها ثمَّ يَقُول: إقطاعا صَحِيحا شَرْعِيًّا صادرا بِإِذن الإِمَام الْأَعْظَم وتوكيله إِيَّاه فِي ذَلِك على أَن الجناب الْمشَار إِلَيْهِ يحيي الأَرْض الْمَذْكُورَة بكشفها من المَاء والعشب والنبات والغاب ويحرثها ويزرعها
وخلى بَينه وَبَين الأَرْض الْمَذْكُورَة التَّخْلِيَة الشَّرْعِيَّة الْقَائِمَة مقَام التَّسْلِيم الْمُوجب لَهُ شرعا وَذَلِكَ بعد أَن الْتزم المقطع الْمشَار إِلَيْهِ بإحياء الأَرْض الْمَذْكُورَة
واعترف أَنه قَادر على إحيائها
ويكمل بِالْإِشْهَادِ ويؤرخ
وَصُورَة الْإِذْن من نَائِب الإِمَام لإِنْسَان فِي إحْيَاء أَرض موَات على الصّفة الَّتِي يختارها المحيي: أذن مَوْلَانَا الْمقَام الشريف الْأَعْظَم السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ أَو نَائِبه فلَان الْفُلَانِيّ لفُلَان أَن يحيي جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الخراب الدائرة الْميتَة الَّتِي لَا يعرف لَهَا مَالك الخالية من الزَّرْع والسكان الَّتِي هِيَ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
وتحدد على أَن المحيي الْمَذْكُور يحيي الأَرْض الْمَذْكُورَة بكشفها
وَإِزَالَة مَا بهَا من العشب والنبات وَغير ذَلِك ويزرعها ويحوط عَلَيْهَا
ويسقف بَعْضهَا على الصّفة الَّتِي يختارها إِن شَاءَ مزرعة أَو بستانا أَو زريبة للغنم أَو دَارا أَو حانوتا أَو غير ذَلِك أَو يَبْنِي بهَا مَا شَاءَ من الْعمرَان والجدران والمساكن
ويشغل أراضيها بالنصوب وَالْأَشْجَار والمزروعات على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك المحيي الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا
وتسلم الأَرْض الْمَذْكُورَة بِحكم مَا ذكر أَعْلَاهُ
تسلما شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا أَحْيَا رجل أَرضًا وملكها بِالْإِحْيَاءِ وعمرها
وَاحْتَاجَ إِلَى كِتَابَة محْضر بذلك: يكْتب شُهُوده الواضعون خطوطهم آخِره يعْرفُونَ فلَانا الْفُلَانِيّ وَجَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن الْقطعَة الأَرْض المحدودة الموصوفة بأعاليه
كَانَت من أَرَاضِي الْموَات الْقَدِيمَة الْبَوَار وَلم يجر عَلَيْهَا أثر ملك وَلم يسْبق إِلَيْهَا مَالك
وَلم يعهدوا عمارتها وَلَا سمعُوا ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَلَا يعلمُونَ لأحد فِيهَا حَقًا وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا يدا بِوَجْه من وُجُوه التملكات وَلَا ضَرَرا على أحد فِي عمارتها حَتَّى سبق إِلَيْهَا فلَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
وأحياها وعمرها بِمَالِه وَرِجَاله
وَبنى عَلَيْهَا قَرْيَة عامرة وحفر أنهارها وأجراها خلالها ويصفها وَمَا فِيهَا وَصفا تَاما ثمَّ يَقُول: وَجعلهَا تحتوي على صفاتها المشروحة فِيهِ
ثمَّ أسكن فِيهَا سكانها المقيمين بهَا
فَصَارَت هَذِه الْقرْيَة بِجَمِيعِ(1/246)
حُدُودهَا وحقوقها وأراضيها وأشجارها الداخلية فِيهَا والخارجة عَنْهَا ملكا لفُلَان الْمَذْكُور بِحَق إحيائه وتملكه لذَلِك بِالْإِحْيَاءِ المشروح بأعاليه يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
وَكتب بتاريخ كَذَا بِالْإِذْنِ الْحكمِي من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَيرْفَع ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه وَإِن أعذر فِيهِ إِلَى وَكيل السُّلْطَان
فَهُوَ أَجود وأحوط
لَطِيفَة: أقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرْيَة حبرون بأسرها لتميم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ قبل أَن يفتح الله على الْمُسلمين الشَّام
وَكتب لَهُ بذلك كتابا
وَجَاء إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
فَأجَاز لَهُ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جَاءَ إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَأجَاز لَهُ بعد الْفتُوح مَا أجَاز لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْأَصْل فِيهِ: مَا رُوِيَ عَن أبي هِنْد الدَّارِيّ قَالَ: قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَنحن سِتَّة نفر: تَمِيم بن أَوْس وَأَخُوهُ نعيم بن أَوْس وَيزِيد بن قيس وَأَبُو عبد الله بن عبد الله وَهُوَ صَاحب الحَدِيث وَأَخُوهُ الطّيب بن عبد الله
فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الرَّحْمَن وَفَاكِهَة بن النُّعْمَان
فأسلمنا
وَسَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقطعنا أَرضًا من أَرض الشَّام
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اسألوا حَيْثُ شِئْتُم)
فَقَالَ أَبُو هِنْد: فنهضنا من عِنْده إِلَى مَوضِع نتشاور فِيهِ أَيْن نسْأَل فَقَالَ تَمِيم: أرى أَن نَسْأَلهُ بَيت الْمُقَدّس وكورتها
فَقَالَ أَبُو هِنْد: أَرَأَيْت ملك الْعَجم الْيَوْم: أَلَيْسَ هُوَ بِبَيْت الْمُقَدّس قَالَ تَمِيم: نعم
ثمَّ قَالَ أَبُو هِنْد: وَكَذَلِكَ يكون فِيهَا ملك الْعَرَب وأخاف أَن لَا يتم لنا هَذَا
فَقَالَ تَمِيم: فنسأله بَيت جِبْرِيل وكورتها
فَقَالَ أَبُو هِنْد: هَذَا أكبر وَأكْثر
فَقَالَ تَمِيم: فَأَيْنَ ترى أَن نَسْأَلهُ نَسْأَلهُ الْقرى الَّتِي تصنع فِيهَا حصرنا مَعَ مَا فِيهَا من آثَار إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَتُحِبُّ أَن تُخبرنِي بِمَا كُنْتُم فِيهِ أَو أخْبرك) قَالَ تَمِيم: بل تخبرنا يَا رَسُول الله فنزداد إِيمَانًا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أردْت يَا تَمِيم أمرا
وَأَرَادَ هَذَا غَيره وَنعم الرَّأْي رَأْي)
قَالَ: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقِطْعَة من أَدَم
فَكتب لنا كتابا نسخته: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: هَذَا ذكر مَا وهب مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للداريين إِذا أعطَاهُ الله الأَرْض
وهبت لَهُم بَيت عين وحبرون والمرطوم وَبَيت إِبْرَاهِيم بِمن فيهم لَهُم أبدا
شهد عَلَيْهِ يَاسر بن عبد الْمطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حَسَنَة
قَالَ: فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة قدمنَا عَلَيْهِ
فَسَأَلْنَاهُ أَن يجدد لنا كتابا آخر
فَكتب لنا كتابا نسخته:(1/247)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: هَذَا مَا أنطى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تميما الدَّارِيّ وَأَصْحَابه
إِنِّي أنطيتكم عين حبرون والمرطوم وَبَيت إِبْرَاهِيم بِذِمَّتِهِمْ
وَجَمِيع مَا فيهم نطية بت ونفذت وسلمت ذَلِك لَهُم ولأعقابهم من بعدهمْ أَبَد الْأَبَد
فَمن آذاهم فِيهِ آذاه الله
شهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان
وَكتب
فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَولى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وجند الْجند إِلَى الشَّام
كتب إِلَيْنَا كتابا نسخته: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من أبي بكر الصّديق إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح
سَلام عَلَيْك
فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
أما بعد فامنع من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر من الْفساد فِي قرى الداريين
وَإِن كَانَ أَهلهَا قد جلوا عَنْهَا
وَأَرَادَ الداريون يزرعونها فليزرعوها
فَإِذا رَجَعَ إِلَيْهَا أَهلهَا
فَهِيَ لَهُم
وأحق بهم
وَالسَّلَام عَلَيْك)
وَكَانَ وَفد تَمِيم: هُوَ وَأَخُوهُ نعيم وَمن مَعَهم وإسلامهم سنة تسع
وأقطعهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلادهما: حبرون وَبَيت عينون
وَلَيْسَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطيعة على غَيرهَا
وَالله أعلم(1/248)
كتاب الْوَقْف
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْوَقْف: عَطِيَّة مُبتَدأَة مُؤَبّدَة
يُقَال: وقف
وَلَا يُقَال: أوقف إِلَّا فِي شَاذ اللُّغَة
وَيُقَال: حبس وأحبس
وَالْوَقْف: يَصح
وَيلْزم بالْقَوْل وَلَا يفْتَقر إِلَى الْقَبْض على خلاف يَأْتِي فِيهِ
وَمَوْضِع الدَّلِيل: مَا روى نَافِع عَن ابْن عمر أَن (عمر ملك مائَة سهم بِخَيْبَر ابتاعها
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي ملكت مَالا لم أملك مثله قطّ
وَأَرَدْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة
قَالَ: فَتصدق بِهِ عمر فِي الْفُقَرَاء والقربى وَفِي الرّقاب وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل لَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث لَا جنَاح على وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا غير متأثل مَالا تنظر فِيهَا حَفْصَة مَا عاشت
وَإِذا مَاتَت فذو الرَّأْي من أَهلهَا
يَعْنِي من أهل الْوَقْف)
وَوجه الدَّلِيل من الْخَبَر: أَن عمر رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِهَة التَّقَرُّب فلقال (حبس الأَصْل) فَاقْتضى الظَّاهِر: أَن الْقرْبَة تحصل بِنَفس الْحَبْس وَلم يعْتَبر حكم الْحَاكِم بِهِ بعد الْوَقْف وَلَا الْوَصِيَّة بِهِ
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وَمعنى قَوْله: (حبس الأَصْل) أَي عَمَّا عَلَيْهِ الْأَمْوَال الْمُطلقَة
فَلَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث إِذْ لَا معنى لقَوْله: (حبس الأَصْل) إِلَّا هَذَا
وَأَيْضًا: فَإِن عمر حبس
وَقَالَ: (لَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث) وَهَذَا بَيَان لحكم الْوَقْف وَمَعْلُوم أَن عمر كَانَ جَاهِلا بِأَصْل الْوَقْف حَتَّى سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف يجهل أصل الْوَقْف وَيعلم حكمه
فَعلم أَنه إِنَّمَا ذكر هَذَا الحكم بتوقيف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَإِن لم يكن(1/249)
بتوقيف مِنْهُ فَلَا يجوز أَن يخفى هَذَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا لم يُنكره دلّ على أَن هَذَا حكم الْوَقْف
وَرُوِيَ: أَن كل وَاحِد من أبي بكر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وقف دَاره
وَرُوِيَ أَن فَاطِمَة وقفت على بني هَاشم وَبني الْمطلب
ووقف عَليّ عَلَيْهِم وَأدْخل مَعَهم غَيرهم
وَرُوِيَ عَن جَابر أَنه قَالَ لم يبْق فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَهُ مقدرَة إِلَّا وَقد وقف
وَرُوِيَ أَن عَمْرو بن الْعَاصِ قدم من الْيَمين إِلَى الْمَدِينَة
فَقَالَ: (لم يبْق فِي الْمَدِينَة لأَهْلهَا شَيْء إِلَّا وَهُوَ وقف)
وَرُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ حفر بِئْرا بينبع
فَخرج مَاؤُهَا مثل عين الْبَعِير
فَتصدق بهَا عَليّ وَكتب: (هَذَا مَا تصدق بِهِ عَليّ بن أبي طَالب ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى وليصرفه عَن النَّار وَيصرف النَّار عَنهُ
ينظر فِيهِ الْحسن مَا عَاشَ وَالْحُسَيْن ثمَّ ذَوُو الرَّأْي من وَلَده) وَهَذَا إِجْمَاع من الصَّحَابَة على الْوَقْف)
وَيشْتَرط فِي الْوَاقِف: أَن يكون صَحِيح الْعبارَة أَهلا للتبرع
وَفِي الْمَوْقُوف أَن يَدُوم الِانْتِفَاع بِهِ
فالمطعومات والرياحين المشمومة: لَا يجوز وَقفهَا
وَيجوز وقف الْعقار وَالْمَنْقُول والشائع
وَلَا يجوز وقف عبد وثوب فِي الذِّمَّة وَلَا وقف الْحر نَفسه
وَلَا وقف المستولد وَالْكَلب الْمعلم
وَلَا وقف أحد الْعَبْدَيْنِ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَو وقف بناءه وغراسه فِي الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة لَهما جَازَ
ثمَّ الْوَقْف إِن كَانَ على معِين من وَاحِد أَو جمَاعَة فَيشْتَرط أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يُمكن تَمْلِيكه
فَلَا يَصح الْوَقْف على الْجَنِين وَلَا على العَبْد نَفسه
وَلَو أطلق الْوَقْف على العَبْد
فَهُوَ وقف على سَيّده
وَلَيْسَ الْوَقْف على الْبَهِيمَة يُطلق وَقفا على مَالِكهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ بل هُوَ لاغ
وَيجوز الْوَقْف على الذِّمِّيّ
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا يجوز الْوَقْف على الْمُرْتَد والحربى وَأَنه لَا يجوز وقف الْإِنْسَان على نَفسه
وَإِن كَانَ الْوَقْف غير معِين بل هُوَ على جِهَة كالوقف على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَينْظر إِن كَانَت الْجِهَة جِهَة مَعْصِيّة كعمارة البيع
لم يَصح
وَإِلَّا فَإِن ظَهرت فِيهِ جِهَة(1/250)
الْقرْبَة كالوقف على الْعلمَاء
وَفِي سَبِيل الله والمساجد والمدارس صَحَّ
وَلَا يَصح الْوَقْف إِلَّا بِاللَّفْظِ
وصريحه أَن يَقُول: وقفت كَذَا أَو أرضي مَوْقُوفَة على كَذَا
والتسبيل والتحبيس صريحان
وَيلْحق بالصرائح قَوْله: تَصَدَّقت بِكَذَا صَدَقَة مُحرمَة أَو مَوْقُوفَة
أَو صَدَقَة لَا تبَاع وَلَا توهب على الْأَصَح
وَقَوله: (تَصَدَّقت) بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِصَرِيح فِي الْوَقْف
وَلَو نوى لم يحصل الْوَقْف أَيْضا إِلَّا إِذا أَضَافَهُ إِلَى جِهَة عَامَّة
كالفقراء
وَقَوله: (حرمت كَذَا وأبدته) لَيْسَ بِصَرِيح على الْأَظْهر
وَلَو قَالَ: جعلت الْبقْعَة مَسْجِدا فَالْأَظْهر: أَنَّهَا تصير مَسْجِدا
وَالْأَصْل فِي الْوَقْف على الْمعِين: اشْتِرَاط الْقبُول وَسَوَاء شَرط الْقبُول أم لم يشرط
فَلَو زَاد بَطل حَقه
وَلَو قَالَ: وقفت هَذَا سنة فسد الْوَقْف
وَلَو قَالَ: وقفت على أَوْلَادِي أَو على زيد ثمَّ على عقبه
وَلم يزدْ عَلَيْهِ
فأصح الْقَوْلَيْنِ: أَنه يَصح الْوَقْف
فَإِذا انقرض من ذكره
فَالْأَصَحّ: أَنه يبْقى وَقفا وَأَن مصرفه أقرب النَّاس إِلَى الْوَاقِف يَوْم انْقِرَاض من ذكره
وَلَو كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الأول مثل قَوْله: وقفته على من سيولد لي أَو على مَسْجِد بني فلَان بِموضع كَذَا فَالْأَظْهر الْبطلَان
وَلَو كَانَ مُنْقَطع الْوسط كَمَا إِذا وقف على أَوْلَاده ثمَّ على رجل ثمَّ على الْفُقَرَاء فَالْأَظْهر: الصِّحَّة
وَلَو اقْتصر على قَوْله: (وقفت) فَالْأَصَحّ الْبطلَان
وَلَا يجوز تَعْلِيق الْوَقْف
كَقَوْلِه: إِذا قدم فلَان أَو جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد وقفت
فَالْأَصَحّ الْبطلَان
وَلَا يجوز الْوَقْف بِشَرْط الْخِيَار فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالْأَظْهَر: أَنه إِذا وقف بِشَرْط أَن لَا يُؤجر
اتبع شَرطه وَأَنه إِذا شَرط فِي وقف الْمَسْجِد اخْتِصَاصه بطَائفَة كأصحاب الحَدِيث اتبع شَرطه كَمَا فِي الْمدرسَة والرباط
وَلَو وقف على شَخْصَيْنِ ثمَّ على الْمَسَاكِين
فَمَاتَ أَحدهمَا
فأظهر الْقَوْلَيْنِ: أَن نصِيبه يصرف إِلَى صَاحبه(1/251)
وَالْقِيَاس أَن يَجْعَل الْوَاقِف فِي وَقفه مُنْقَطع الْوسط
وَقَوله: (وقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي) يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَين الْكل
وَكَذَا لَو زَاد: (مَا تَنَاسَلُوا أَو بَطنا بعد بطن)
وَلَو قَالَ: على أَوْلَادِي ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَادِي ثمَّ على أَوْلَادهم مَا تَنَاسَلُوا
فَهُوَ للتَّرْتِيب
وَكَذَا لَو قَالَ: (على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي الْأَعْلَى فالأعلى أَو الأول فَالْأول)
وَلَا يدْخل أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف على الْأَوْلَاد فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَيدخل أَوْلَاد الْبَنَات فِي الْوَقْف على الذُّرِّيَّة والنسل والعقب وَأَوْلَاد الْأَوْلَاد إِلَّا أَن يَقُول: (على من ينْسب إِلَيّ مِنْهُم)
وَلَو وقف على موَالِيه وَله مُعتق ومعتقون
فَهَل يبطل الْوَقْف أَو يقسم بَينهمَا فِيهِ وَجْهَان
رجح كلا مِنْهُمَا مرجحون
وَالصّفة الْمُتَقَدّمَة على الْجمل المعطوفة تعْتَبر فِي الْكل
كَقَوْلِه: (وقفت على محاويج أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي) وَكَذَا الصّفة الْمُتَأَخِّرَة عَنْهَا
وَالِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ الْعَطف بِالْوَاو
كَقَوْلِه: (على أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي المحاويج مِنْهُم أَو إِلَّا أَن يفسق أحدهم)
وَأَصَح الْأَقْوَال: أَن الْملك فِي رَقَبَة الْمَوْقُوف ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى أَي يَنْفَكّ عَن اختصاصات الْآدَمِيّين
وَلَا يبْقى للْوَاقِف وَلَا يصير للْمَوْقُوف عَلَيْهِ
وَيملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مَنَافِع الْوَقْف
وَله أَن يستوفيها بِنَفسِهِ وَأَن يُقيم عَنهُ مقَامه بإعارة أَو إِجَارَة
وَيملك الْأُجْرَة وَيملك أَيْضا فَوَائده
كثمرة الشَّجَرَة وصوف الْبَهِيمَة ولبنها
وَكَذَا النِّتَاج فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَن النِّتَاج يكون وَقفا
وَإِذا مَاتَت الْبَهِيمَة
فَهُوَ أولى بجلدها وَلَو وطِئت الْجَارِيَة الْمَوْقُوفَة بِالشُّبْهَةِ
فالمهر لَهُ وَكَذَا مهرهَا فِي النِّكَاح إِذا جَوَّزنَا تَزْوِيجهَا
وَهُوَ الْأَصَح
وَقِيمَة العَبْد الْمَوْقُوف إِذا قتل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا يصرف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ملكا
وَلَكِن يَشْتَرِي بهَا عبد ليَكُون وَقفا مَكَانَهُ
فَإِن لم يُوجد فشقص عبد
وَإِذا جَفتْ الشَّجَرَة لم يَنْقَطِع الْوَقْف فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن تبَاع فِي أحد(1/252)
الْوَجْهَيْنِ
وَيكون الثّمن كقيمة الْعين الَّتِي أتلفت
وَفِي الثَّانِي: ينْتَفع بهَا جذعا
وَهُوَ الَّذِي اختير
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ: أَنه يجوز بيع حصر الْمَسْجِد إِذا بليت وجذوعه إِذا انْكَسَرت وَلم تصلح إِلَّا للإحراق
وَلَو انْهَدم الْمَسْجِد نَفسه
وتعذرت إِعَادَته لم يبع بِحَال
وَإِن شَرط الْوَاقِف التَّوْلِيَة لنَفسِهِ أَو لغيره اتبع شَرطه
وَإِن سكت عَن شَرط التَّوْلِيَة
فَالَّذِي يَنْبَغِي: أَن يُفْتِي بِهِ أخذا بِكَلَام مُعظم الْأَئِمَّة: أَنه إِذا كَا الْوَقْف على جِهَة عَامَّة
فالتولية للْحَاكِم
وَإِن كَانَ على غير معِين
فَكَذَلِك إِن قُلْنَا: إِن الْملك فِي رَقَبَة الْمَوْقُوف ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى
وَلَا بُد فِي الْمُتَوَلِي من الْعَدَالَة والكفاية والاهتداء إِلَى التَّصَرُّف
ووظيفته إِن أطلق الْوَاقِف التَّوْلِيَة الْعِمَارَة وَالْإِجَارَة وَتَحْصِيل الرّيع وقسمته على الْمُسْتَحقّين
فَإِن رسم لَهُ بِبَعْض هَذِه التَّصَرُّفَات لم يَتَعَدَّ عَنهُ
وللواقف عزل من ولاه وَنصب غَيره إِلَّا أَن يَجْعَل تَوْلِيَة الشَّخْص شرطا فِي الْوَقْف
وَإِذا أجر الْمُتَوَلِي الْوَقْف فزادت الْأُجْرَة فِي الْمدَّة أَو ظهر طَالب للزِّيَادَة انْفَسَخ العقد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَاسْتمرّ فِي أَصَحهَا
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: الْوَقْف: قَرْيَة جَائِز بالِاتِّفَاقِ
وَهل يلْزم بِاللَّفْظِ أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يلْزم اللَّفْظ وَإِن لم يحكم بِهِ حَاكم وَإِن لم يُخرجهُ مخرج الْوَصِيَّة بعد مَوته
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف فَيصح عِنْده
وَيَزُول ملك الْوَاقِف عَنهُ
وَإِن لم يُخرجهُ الْوَاقِف عَن يَده
وَقَالَ مُحَمَّد: يَصح إِذا أخرجه عَن يَده وَبِأَن يَجْعَل للْوَقْف وليا ويسلمه إِلَيْهِ
وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْوَقْف عَطِيَّة صَحِيحَة
وَلكنه غير لَازم
وَلَا يَزُول ملك الْوَاقِف عَن الْوَقْف حَتَّى يحكم بِهِ حَاكم أَو يعلقه بِمَوْتِهِ
فَيَقُول: إِذا مت فقد وقفت دَاري على كَذَا
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا لَا يَصح الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا بإتلافه كالذهب وَالْفِضَّة والمأكول لَا يَصح وَقفه
ووقف الْحَيَوَان يَصح عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد: وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يَصح
وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن مَالك(1/253)
فصل: وَالرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَن الْملك فِي رَقَبَة الْمَوْقُوف
ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى
فَلَا يكون ملكا للْوَاقِف وَلَا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك: ينْتَقل إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه مَعَ اخْتلَافهمْ: إِذا صَحَّ الْوَقْف خرج عَن ملك الْوَاقِف
وَلم يدْخل فِي ملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ
ووقف الْمشَاع جَائِز كهبته وإجارته بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: بِعَدَمِ الْجَوَاز بِنَاء على أصلهم فِي امْتنَاع إِجَارَة الْمشَاع
فصل: وَلَو وقف شَيْئا على نَفسه
: صَحَّ عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح
وَإِذا لم يعين للْوَقْف مصرفا بِأَن قَالَ: هَذِه الدَّار وقف فَإِن ذَلِك يَصح عِنْد مَالك وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الآخر كوقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادهمْ وَلم يذكر بعدهمْ: الْفُقَرَاء
فَإِنَّهُ يَصح عِنْده
وَيرجع ذَلِك بعد انْقِرَاض من سمي إِلَى فُقَرَاء عصبته
فَإِن لم يَكُونُوا فَإلَى فُقَرَاء الْمُسلمين
وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَالرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه لَا يَصح مَعَ عدم بَيَان الْمصرف
وَالرَّاجِح: صِحَة مُنْقَطع الآخر
فصل: وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خرب الْوَقْف
لم يعد إِلَى ملك الْوَاقِف
ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مثله وَإِن كَانَ مَسْجِدا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يبْقى على حَاله فَلَا يُبَاع
وَقَالَ أَحْمد: يجوز بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مثله
وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِد إِذا كَانَ لَا يُرْجَى عوده
وَلَيْسَ عِنْد أبي حنيفَة نَص فِيهَا وَاخْتلف صَاحِبَاه فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا يُبَاع
وَقَالَ مُحَمَّد: يعود إِلَى مَالِكه الأول
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على غَيره وَاسْتثنى أَن ينْفق ريعه على نَفسه مُدَّة حَيَاته
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح الشَّرْط
وَقَالَ أَحْمد: يَصح
وَلَيْسَ فِيهَا عَن أبي حنيفَة نَص
وَاخْتلف صَاحِبَاه فَقَالَ أَبُو يُوسُف: كَقَوْل أَحْمد
وَقَالَ مُحَمَّد: كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على عقبه أَو على نَسْله أَو على ولد وَلَده أَو على ذُريَّته
هَل يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد: لَا يدْخلُونَ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف: يدْخلُونَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا قَالَ: (وقفت على عَقبي) فَلَا يدْخل فِيهِ ولد الْبَنَات
فَإِن قَالَ: (على ولد وَلَدي) فَالْمَشْهُور من مذْهبه: أَنهم لَا يدْخلُونَ
وَقَالَ الْخصاف: مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنهم يدْخلُونَ وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَأما(1/254)
النِّسَاء والذرية: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أذن للنَّاس فِي الصَّلَاة فِي أرضه أَو فِي الدّفن فِيهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أما الأَرْض فَلَا تصير مَسْجِدا وَإِن نطق بوقفها حَتَّى يُصَلِّي فِيهَا
وَأما الْمقْبرَة: فَلَا تصير وَقفا وَإِن أذن فِيهِ ونطق بِهِ وَدفن فِيهَا
وَله الرُّجُوع فِيهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ مَا لم يحكم بِهِ حَاكم أَو يُخرجهُ مخرج الْوَصَايَا
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يصير وَقفا بذلك حَتَّى ينطبق بِهِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يصير وَقفا بذلك وَإِن لم ينْطق بِهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف فِي مرض مَوته على بعض ورثته أَو قَالَ: وقفت بعد موتِي على ورثتي وَلم يخرج من الثُّلُث
فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن أجَازه سَائِر الْوَرَثَة وَإِن لم يجيزوه صَحَّ فِي مِقْدَار الثُّلُث بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يؤول إِلَيْهِ بعد الْوَارِث حَتَّى لَا يجوز بَيْعه
وَلَا ينفذ فِي حق الْوَارِث حَتَّى تقسم الْغلَّة بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى
فَإِن مَاتَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ ينْتَقل إِلَى من يؤول إِلَيْهِ
وَيعْتَبر فيهم شَرط الْوَاقِف
فَيصير وَقفا لَازِما
وَقَالَ مَالك: الْوَقْف فِي الْمَرَض على وَارثه خَاصَّة لَا يَصح
فَإِن أَدخل مَعَه فِيهِ أَجْنَبِيّا
صَحَّ فِي حق الْأَجْنَبِيّ
وَمَا يكون للْوَارِث فَإِنَّهُ يُشَارك بَقِيَّة الْوَرَثَة فِيهِ مَا داموا أَحيَاء
وَقَالَ أَحْمد: يُوقف مِنْهُ مِقْدَار الثُّلُث
وَيصِح وَقفه وَينفذ وَلَا يعْتَبر إجَازَة الْوَرَثَة
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن صِحَة ذَلِك تقف على إجَازَة الْوَرَثَة
وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يَصح على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ يخرج من الثُّلُث أَو لَا يخرج إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة
فَإِن أجازوه نفذ على الْإِطْلَاق
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على قوم وَلم يَجْعَل آخِره للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَصح الْوَقْف
وَإِذا انقرض الْقَوْم الْمَوْقُوف عَلَيْهِم يرجع إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا: كَقَوْل مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي: الْوَقْف بَاطِل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يتم الْوَقْف حَتَّى يكون آخِره على جِهَة لَا تَنْقَطِع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف موضعا وَقفا مُطلقًا وَلم يعين لَهُ وَجها
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَصح
وَيصرف فِي وُجُوه الْبر وَالْخَيْر
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ بَاطِل فِي الْأَظْهر من قوليه
فَائِدَة: مَا ذكر فِي حصر الْمَسْجِد ونظائره: هُوَ فِيمَا إِذا كَانَت مَوْقُوفَة على الْمَسْجِد
أما مَا اشْتَرَاهُ النَّاظر أَو وهبه واهب وَقَبله النَّاظر: فَيجوز بَيْعه عِنْد الْحَاجة بِلَا خلاف
وَإِذا خرب الْمَسْجِد وَخَربَتْ الْمحلة الَّتِي حوله وتفرق النَّاس عَنْهَا فللإمام صرف نقضه إِلَى مَسْجِد آخر وَصَرفه إِلَى الْأَدْنَى فالأدنى أولى
وَلَيْسَ للْإِمَام صرف نقضه إِلَى(1/255)
بِنَاء حَوْض أَو مدرسة أَو رِبَاط
وَقَالَ أَحْمد: كل وقف لَا يرد شَيْئا وَخرب يُبَاع ويشترى بِثمنِهِ مَا يرد على أهل الْوَقْف
انْتهى
المصطلح: وَهُوَ يشْتَمل على صور
وَلها عمد
وَهِي: ذكر الْوَاقِف وَنسبه وَصِحَّة عقله وبدنه وَذكر الْمَوْقُوف من دَار أَو غَيرهَا وَذكر حُدُودهَا وَذكر سبل الْوَقْف مُؤَبَّدًا وَلَا مُنْقَطِعًا وَأَن يكون ابتداؤه على مَوْجُود وَبعده على مَوْجُود وَغير مَوْجُود وَإِخْرَاج ذَلِك من يَد الْوَاقِف إِلَى من يجوز قَبضه وَقبُول الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِن كَانَ معينا وَقبُول الْقيم مَا جعل لِلْمَسْجِدِ لَا قبُول وَقفه فَإِنَّهُ كالجهة
وَالظَّاهِر من مَذْهَب أَحْمد: لَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول وَلَا يبطل برده
لِأَنَّهُ إِزَالَة ملك على وَجه الْقرْبَة
فَأشبه الْعتْق وَالْوَقْف على غير معِين
وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي ذَلِك مُبينًا
قَاعِدَة: اعْلَم أَن الْأَوْقَاف فِي الْغَالِب لَا تصدر إِلَّا من ملك أَو سُلْطَان أَو كافل مملكة شريفة أَو أَمِير من أَعْيَان الْأُمَرَاء المقدمين وَمن فِي درجتهم
وغالب مَا يصدر من هَؤُلَاءِ من الْأَوْقَاف: لَا يكون إِلَّا على جِهَة بر وقربة من صَدَقَة على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَستر عَوْرَاتهمْ
وَعتق رقابهم وَعمارَة طرقات الْمُسلمين
وسد حوائجهم وفكاك الأسرى مِنْهُم فِي أَيدي الْكفَّار
وَمَا فِي معنى ذَلِك من بر ومثوبة كبناء الْجَوَامِع والمدارس والمساجد والخوانق ودور الْقُرْآن الْعَظِيم
والْحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ على قَائِله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
والبيمارستانات وخانات السبل ومكاتب الْأَيْتَام وحفر الْآبَار والأنهار والعيون وأحواض المَاء الْمعدة لشرب الْبَهَائِم
وَمِنْهُم من يقف على ذُريَّته ومعتقيه ثمَّ على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والأرامل والأيتام والمحتاجين كَمَا جرت بِهِ عَادَة الْمُلُوك والسلاطين الْمُتَقَدِّمين
رَحِمهم الله تَعَالَى
وَكَذَلِكَ من فِي يَده شَيْء وَيُرِيد إيقافه على جِهَة من الْجِهَات الْمَذْكُورَة أَو على أَوْلَاده أَو على جِهَة بر
وَإِن صور الْكِتَابَة فِي ذَلِك تخْتَلف باخْتلَاف حالات الْأَوْقَاف وَحسب مقامات الواقفين
فَمِنْهَا: مَا يحْتَاج أَن يصدر فِيهِ بِخطْبَة تلِيق بمقام الْوَاقِف وتفصح بترغيبه فِي حُصُول الْأجر والمثوبة والقربة(1/256)
وَمِنْهَا: مَا يصدر كتاب وَقفه بِغَيْر خطْبَة
وَهَذَا أَيْضا يخْتَلف باخْتلَاف مقَام الْوَاقِف
فَتَارَة يصدر بقوله: هَذَا كتاب وقف صَحِيح شَرْعِي وَحبس صَرِيح مرعي
أَمر بكتابته وتسطيره وإنشائه وتحريره مَوْلَانَا الْمقَام الشريف الْفُلَانِيّ أَو الْمقر الْأَشْرَف الْفُلَانِيّ أَو الجناب الْكَرِيم الْفُلَانِيّ
وَمِنْهَا: مَا يصدر بقوله: هَذَا كتاب وقف اكتتبه فلَان الْفُلَانِيّ وَأشْهد عَلَيْهِ بمضمونه فِي حَال صِحَّته وسلامته وطواعيته واختياره وَجَوَاز أمره وَهُوَ أَنه وقف
وَمِنْهَا: مَا يصدر بقوله: هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة حرسها الله ورعاها وشكر فِي مصَالح الْمُسلمين مسعاها فلَان الْفُلَانِيّ: أَنه وقف وَحبس إِلَى آخِره
وَمِنْهَا: مَا يصدر بقوله: هَذَا مَا وقف وَحبس وسبل إِلَى آخِره فلَان الْفُلَانِيّ
وَمِنْهَا: مَا يصدر بقوله: وقف وَحبس إِلَى آخِره فلَان الْفُلَانِيّ
وَيجْرِي الْكَلَام فِي الْوَقْف على مُقْتَضى غَرَض الْوَاقِف وعَلى مَا يَتَقَرَّر عَلَيْهِ الْحَال ويقتضيه رَأْيه وينص عَلَيْهِ مِمَّا يسوغ شرعا
وَاعْلَم أَن كتب الْأَوْقَاف وَإِن اخْتلفت حالاتها فِي الْوَضع بِاعْتِبَار مَا تقدم ذكره
فمدارها كلهَا على أَلْفَاظ صَرِيحَة لَا يَصح الْوَقْف إِلَّا بهَا وَأَحْكَام لَا بُد من الْإِتْيَان بهَا فِي تَرْتِيب كل وقف
وشروط يجب اعْتِبَارهَا فِي أصل الْوَقْف وتذييل بتحرير وَتَقْدِير وترغيب وترهيب وتخويف بِسَبَب تَبْدِيل أَو تَحْرِيف أَو إبِْطَال يُرَاد بِالْوَقْفِ على مَا جرت بِهِ عَادَة الْكتاب فِي مثل ذَلِك
وَقد أَحْبَبْت أَن أقدم بَين يَدي مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كتاب الْوَقْف من هَذَا الْكتاب ذكر هَذِه الْقَاعِدَة ليستعمل مِنْهَا الْكَاتِب فِي كل وَقت مَا يَلِيق بمقام واقفه
وأتبعتها بصدر يسْتَعْمل فِي سَائِر الْأَوْقَاف وَيصير علما على الْوَقْف الَّذِي يَكْتُبهُ الْكَاتِب ليسهل تنَاوله ويستغني بِهِ عَن التّكْرَار فِي كل صُورَة من الصُّور بِقصد الِاخْتِصَار
وَبِاللَّهِ أستعين
فَهُوَ نعم الْمعِين
وَصُورَة الصَّدْر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الشُّرُوط الضرورية الَّتِي لَا بُد مِنْهَا: أَنه وقف وَحبس وسبل وَحرم وأبد وَتصدق وخلد وأكد مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ الْجَارِي ذَلِك فِي يَده وَملكه وتصرفه وحيازته واختصاصه إِلَى حِين صُدُور هَذَا الْوَقْف بِذكرِهِ أَو بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره أَو أظهر من يَده مَكْتُوبًا رقا أَو كاغدا يشْهد لَهُ بِصِحَّة ملكيته لذَلِك مؤرخا بِكَذَا
ثَابتا بِالشَّرْعِ الشريف
وسيخصم(1/257)
بقضية هَذَا الْوَقْف الَّذِي سيشرح فِيهِ خصما شَرْعِيًّا
مُوَافقا لتاريخه ولشهوده وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وحبسا صَرِيحًا مرعيا
لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث وَلَا يرْهن وَلَا يملك وَلَا يسْتَبْدل وَلَا يناقل بِهِ وَلَا بِبَعْضِه وَلَا يتْلف بِوَجْه تلف قَائِما على أُصُوله مُشْتَمِلًا على شُرُوطه الَّتِي ستشرح فِيهِ مبتغيا فِيهِ مرضاة الله تَعَالَى مُتبعا فِيهِ تَعْظِيم حرمات الله تَعَالَى لَا يُبطلهُ تقادم دهر وَلَا يوهنه اخْتِلَاف عصر بل كلما مر عَلَيْهِ زمَان أكده
وَكلما أَتَى عَلَيْهِ عصر أَو أَوَان أظهره وثبته وشدده
أنشأ الْوَاقِف امشار إِلَيْهِ أجْرى الله الْخيرَات على يَدَيْهِ وَقفه هَذَا على كَذَا وَكَذَا ويعدد جِهَات الْوَقْف ويرتبه على مُقْتَضى قَصده الَّذِي أجراه عَلَيْهِ معينا مُبينًا ثمَّ يَقُول: @ 295 على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ من ريع الْمَوْقُوف ومستغله بعمارته وترميمه وإصلاحه بِمَا فِيهِ بَقَاء عينه وَتَحْصِيل غَرَض واقفه ونمو مستغله وَمَا فِيهِ الزِّيَادَة لأجوره ومنافعه
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرفهُ فِي مصارفه الْمعينَة أَعْلَاهُ وَيذكر الْمصرف إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: يبْقى ذَلِك كَذَلِك أَبَد الآبدين ودهر الداهرين إِلَى أَن يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَهُوَ خير الْوَارِثين
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله وَتعذر جهاته: إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من أمة سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
وَشرط الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ النّظر فِي وَقفه هَذَا وَالْولَايَة عَلَيْهِ لنَفسِهِ مُدَّة حَيَاته يسْتَقلّ بِهِ وَحده لَا يُشَارِكهُ فِيهِ مشارك وَلَا ينازعه فِيهِ مُنَازع وَلَا يتَأَوَّل عَلَيْهِ فِيهِ متأول وَله أَن يُوصي بِهِ ويسنده ويفوضه إِلَى من شَاءَ وَلمن يسند إِلَيْهِ أَو يُوصي لَهُ بِهِ مثل ذَلِك وَاحِدًا بعد وَاحِد على ممر الْأَيَّام والشهور والأعوام والدهور
ثمَّ من بعد وَفَاته إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى لوَلَده فلَان أَو للأرشد فالأرشد من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وَذريته ونسله وعقبه من أهل الْوَقْف الْمَذْكُور
فَإِذا انقرضوا عَن آخِرهم وَلم يبْق مِنْهُم أحد
وخلت الأَرْض مِنْهُم أَجْمَعِينَ: كَانَ النّظر فِي ذَلِك لفُلَان ويعينه أَو لحَاكم الْمُسلمين بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ على مَا يختاره الْوَاقِف
وَشرط هَذَا الْوَاقِف الْمَذْكُور وفر الله لَهُ الأجور أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَّا سنة فَمَا دونهَا بِأُجْرَة الْمثل فَمَا فَوْقهَا وَأَن لَا يدْخل الْمُؤَجّر عقدا على عقد حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة العقد الأول وَيعود الْمَأْجُور إِلَى يَد النَّاظر فِي أمره
وَإِن شَرط فِي الْإِجَارَة أَكثر من سنة فيعينها
ثمَّ يَقُول: وَأخرج الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ أَفَاضَ الله نعمه عَلَيْهِ هَذَا الْوَقْف عَن(1/258)
ملكه وقطعه من مَالك وصير صَدَقَة بتة بتلة مُحرمَة مُؤَبّدَة جَارِيَة فِي الْوَقْف الْمَذْكُور على الحكم المشروح أَعْلَاهُ حَالا ومآلا وتعذرا وإمكانا
وَرفع عِنْد يَد ملكه
وَوضع عَلَيْهِ يَد نظره وولايته
وَقد تمّ هَذَا الْوَقْف وَلزِمَ وَنفذ حكمه وأبرم
واكتملت شُرُوطه واستقرت أَحْكَامه
وَصَارَ وَقفا من أوقاف الْمُسلمين محرما بحرمات الله تَعَالَى الأكيدة مدفوعا عَنهُ بقوته الشَّدِيدَة لَا يحل لأحد يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَيعلم أَنه إِلَى ربه صائر: أَن ينْقض هَذَا الْوَقْف وَلَا يُغَيِّرهُ وَلَا يُفْسِدهُ وَلَا يعطله وَلَا يسْعَى فِي إِتْلَافه وَلَا فِي إِبْطَاله وَلَا إبِْطَال شَيْء مِنْهُ بِأَمْر وَلَا فَتْوَى وَلَا مشورة وَلَا تدقيق حِيلَة وَلَا وَجه من وُجُوه الْإِتْلَاف
وَهُوَ يَسْتَعْدِي الله على من قصد وَقفه هَذَا بِفساد أَو عناد ويحاكمه لَدَيْهِ ويخاصمه بَين يَدَيْهِ يَوْم فقره وفاقته وذله ومسكنته ودهشته وحيرته يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم وَلَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار
فَمن سعى فِي ذَلِك أَو تكلم فِيهِ أَو أَشَارَ إِلَيْهِ أَو ساعد عَلَيْهِ سود الله وَجهه وَجعله من الأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا
وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا
وَعَلِيهِ لعنة الله ولعنة اللاعنين من الْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ
وَلَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا وَلَا يُزكي لَهُ قولا وَلَا فعلا: {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه إِن الله سميع عليم} وَمن أعَان على إثْبَاته وَتَقْرِيره فِي جهاته واستقراره فِي أَيدي مستحقيه برد الله مضجعه ولقنه حجَّته
وَجعله من الْآمنينَ المطمئنين الفرحين المستبشرين الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَقبل الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ مَاله قبُوله من ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك وَهُوَ بِحَال الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار وَجَوَاز أمره شرعا
ويؤرخ الْكتاب
وَصُورَة وقف جَامع أنشأه بعض الْمُلُوك
وَوَقفه ووقف عَلَيْهِ: الْحَمد لله المحسن الْقَرِيب السَّمِيع الْمُجيب الَّذِي من عَامله لَا يخيب
وعد الله الْمُتَصَدّق أجرا عَظِيما وَأعد للمحسن جنَّة ونعيما
وَلم يزل سُبْحَانَهُ بعباده برا رؤوفا رحِيما منعما متفضلا حَلِيمًا كَرِيمًا وَقدم لمن كفر الْوَعيد ووعد من شكر بالمزيد
وَأعْطى من صَبر مَا يُرِيد وَبلغ من قَصده مناه وَسلم من سلم لما قَضَاهُ وَأمن من لَجأ إِلَى حماه وَنعم من تطهر بالصدقات وَرَفعه إِلَى أَعلَى الدَّرَجَات
فَلْيفْعَل العَبْد مَا هُوَ فَاعل من الْمَعْرُوف ليَكُون لَهُ عِنْد الله ذخْرا ويمنحه من أَجله ثَوابًا وَأَجرا
ويجزيه على(1/259)
ذَلِك أفضل الْجَزَاء بِالْجمعِ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى ويصفه بَين عباده المتصدقين بقوله: {الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم الْبُشْرَى}
نحمده على إحسانه الوافر الْبَسِيط المديد الطَّوِيل الْكَامِل ونشكره على جوده الْمُتَوَاتر السَّرِيع الْكَافِي الشافي الْكَامِل ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ خير كلمة نطق بهَا لِسَان وقربها إِنْسَان عين إِنْسَان
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث من تهَامَة المظلل بالغمامة الْقَائِل وَقَوله أصدق مَا زين بِهِ مُتَكَلم كَلَامه: (العَبْد تَحت ظلّ صدقته يَوْم الْقِيَامَة) وعَلى آله وَأَصْحَابه الطيبين الطاهرين صَلَاة دائمة بَاقِيَة إِلَى يَوْم الدّين
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن الصَّدقَات المبرورة حِجَابا لكل متصدق من النَّار وظلا يأوي إِلَيْهِ من ألهمه الْخَيْر
ووفقه لعمارة بيوته الَّتِي: {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا عمِلُوا ويزيدهم من فَضله وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} وَيدخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار
وَكَانَ المتقرب إِلَى الله تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْرُوف الَّذِي يضاهى
وَالْعَمَل الَّذِي أجوره ومثوباته لَا تَتَعَدَّد وَلَا تتناهى
مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الشريف العالي الْمولى السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ أحله الله تَعَالَى فِي أَعلَى دَرَجَات الْإِمَامَة
وبلغه بمقاصده الْحَسَنَة منَازِل الْمُتَّقِينَ فِي دَار الْكَرَامَة
وَجعله مِمَّن يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة هُوَ الَّذِي رغب فِي سلوك سبل الْخيرَات ففاز بسلوكها
وَوَجَب شكر إنعامه على سوقة الْبَريَّة وملوكها لحظته الْعِنَايَة الربانية فِي عمَارَة مَسْجده الْجَامِع الَّذِي اشْتَمَل من أَنْوَاع الْعِبَادَة والهيئات الْحَسَنَة على مَا يعجز الواصف وَيُوجب بسط الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ الْجَارِي على مَعْنَاهُ الْقَاعِد للْوَاقِف
فَلذَلِك أشهد على نَفسه الشَّرِيفَة الزكية صانها الله تَعَالَى عَن سَائِر الْحَوَادِث العرضية أَنه وقف إِلَى آخر مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ معينا
وَشَرحه مُبينًا الْجَارِي فِي يَده الشَّرِيفَة وَملكه الشريف إِلَى حِين صُدُور هَذَا الْوَقْف المبرور بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخر هَذَا الْكتاب المسطور
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْمُبَارك المستجد الْإِنْشَاء بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ الْكَامِل أَرضًا وَبِنَاء الْمَعْرُوف بإنشاء مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمشَار إِلَيْهِ خلد الله ملكه
وَجعل الأَرْض(1/260)
بأسرها ملكه الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصفه ويصف جَمِيع مَا يشْتَمل عَلَيْهِ وَصفا تَاما كَامِلا
ويحدده ويصف جَمِيع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ كل مَكَان على حِدة ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله وطرقه ومرافقه وقبابه ورخامه وبلاطه ومنبره وسدته وكراسي الْقُرْآن الْعَظِيم والْحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ المصوبة بِهِ والمصاحف الشَّرِيفَة الثَّلَاثَة الْكِبَار الَّتِي قطع أوراقها غازاني بِكِتَابَة مُحَققَة مذهبَة مزمكة بفواتح وخواتم وأوائل السُّور الشَّرِيفَة وبترات فاصلة بَين الْآيَات وعلامات الْأَحْزَاب بالهوامش مجلدة بجلود حمر ضرب خيط مصري أَو عجمي متقنة التجليد والنقش بأكياس من الْحَرِير الأطلس وبنود من الْحَرِير الملون
والربعتين الشريفتين الكبيرتين الْمُشْتَملَة كل وَاحِدَة مِنْهُمَا على كِتَابَة بقلم خَفِيف الثُّلُث أَو الْمُحَقق وتذهيب بِنَحْوِ مَا ذكر فِي الْمَصَاحِف وكل ربعَة ثَلَاثُونَ جُزْءا كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ضمن صندوق مُجَلد منقوش
وَكتب الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وَهِي: صَحِيح الإِمَام حَافظ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ كَذَا وَكَذَا مجلدا وصف الْكتب جَمِيعهَا
وَيذكر أَسمَاء مؤلفيها وعدة أَجْزَائِهَا فَإِذا انْتهى من ذكر ذَلِك يَقُول: وبحقوق جَمِيع مَا حدد وَوصف فِي هَذَا الْكتاب من الحوانيت وأغلاقها وجملوناتها وبحقوق الْقرى الْكَامِلَة والحصص الشائعة من الْقرى الْمَذْكُورَة بأعاليه
وأراضي ذَلِك وأقاصيه وأدانيه إِلَى آخِره وبحق الْمَكَان الْمُبَارك الْمَحْدُود أَولا من المَاء الْوَاصِل إِلَيْهِ من الْقَنَاة الْفُلَانِيَّة أَو النَّهر الْفُلَانِيّ
وبحق مَا للقرى الْكَامِلَة والحصص الشائعة من المَاء الْمعد لسقي أراضيها من الْعُيُون والأنهار الْمَعْرُوفَة بِكَذَا وَكَذَا
وَهُوَ حق قديم وَاجِب مُسْتَمر دَائِم مَا جرى المَاء فِي القنوات والأنهار والعيون وَوصل إِلَى ذَلِك فِي مجاري مياهه فِي حُقُوقه ورسومه خلا مَا فِي الْقرى الْمَذْكُورَة من طَرِيق الْمُسلمين ومساجدهم ومقابرهم والأراضي الْمَوْقُوفَة على الْمَسَاجِد الْمَعْرُوفَة الْمَعْلُومَة بِالْوَصْفِ وَالْحُدُود وَالْإِقْرَار بَين الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَبَين مستحقي الْأَوْقَاف الْمشَار إِلَيْهَا الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك المبدأ بِذكرِهِ وَوَصفه وتحديده فِيهِ: فَإِن هَذَا الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ نجح الله آماله وَختم بالصالحات أَعماله وَقفه مَسْجِدا لله تَعَالَى
وَجعله بَيْتا من بيُوت رب الْعَالمين وجامعا من جَوَامِع الْمُسلمين تتوالى فِيهِ الْخطب والصلوات ويأوي إِلَيْهِ أهل الخلوات وتتلى فِيهِ آيَات الْقُرْآن ويعلن فِي منائره بِالْأَذَانِ ويسبح فِيهِ بالْعَشي وَالْإِبْكَار ويعبد فِيهِ من لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار
وَأذن للْمُسلمين فِي الدُّخُول إِلَيْهِ وَالصَّلَاة فِيهِ وَأَن يترددوا لِلْعِبَادَةِ وَالِاعْتِكَاف فِي جوانبه ونواحيه(1/261)
وَأما بَيت الخطابة الْمعِين بأعاليه والمنبر الَّذِي بِهَذَا الْجَامِع والسدة الْمُقَابلَة لَهُ: فَإِنَّهُ أثابه الله وأجره وقف ذَلِك لينْتَفع مثله بِمثل هَذَا الْمَكَان الْمُبَارك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَأما بَاقِي مَا وَقفه فِي هَذَا الْكتاب المشروح بأعاليه: فَإِنَّهُ وقف الثُّلثَيْنِ الشائعين مثلا أَو النّصْف الشَّائِع مثلا أَو الْجَمِيع من كل مَكَان كَامِل حِصَّة شائعة على الْجَامِع الْمَذْكُور الْمَعْمُور وإصلاحه وفرشه ووقود مصابيحه وأرباب الْوَظَائِف بِهِ
وَغير ذَلِك مِمَّا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ
على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يستغل مَا يخْتَص بِالْوَقْفِ الْمَذْكُور من الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ بِنَفسِهِ أَو بِمن يستنيبه عَنهُ فِي ذَلِك بِسَائِر وُجُوه الاستغلالات الشَّرْعِيَّة
وَيبدأ من ذَلِك بعمارة جَمِيع مَا وقف عَلَيْهِ وترميمه وإصلاحه وَمَا فِيهِ بَقَاء عينه وَتَحْصِيل غَرَض واقفه وفرش الْجَامِع الْمَذْكُور وَشِرَاء آلَات برسم الْوقُود بِهِ والتنوير فِيهِ وَفِيمَا هُوَ من حُقُوقه وَشِرَاء آلَات برسم كنس الْجَامِع الْمَذْكُور وتنظيفه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيصرف فِي ثمن زَيْت يستصبح بِهِ فِيهِ كل شهر كَذَا بِحَيْثُ يُوقد من ذَلِك فِي كل لَيْلَة من الْعشَاء إِلَى الصَّباح كَذَا وَكَذَا مصباحا وَيصرف فِي ثمن زَيْت برسم الْوقُود فِي أَيَّام المواسم الْمُعْتَادَة كَذَا
وَيصرف فِي كل شهر إِلَى القنواتي الْقَائِم بوظيفة إِجْرَاء المَاء إِلَى الْجَامِع الْمَذْكُور كَذَا وَيصرف فِي كل شهر إِلَى الْخَطِيب بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ كَذَا وَإِلَى الإِمَام الرَّاتِب بِهِ على أَن يؤم بِالْمُسْلِمين فِي أَوْقَات الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة والنوافل الْمُعْتَادَة فِي كل شهر كَذَا فَإِن عين الخطابة والإمامة لشخصين بعينهما ذكرهمَا أَو لشخص بِعَيْنِه نَص عَلَيْهِ ثمَّ يَقُول: من بعد وَفَاة فلَان الْمَذْكُور أَو من بعد وفاتهما يُقرر النَّاظر فِيهِ فِي الوظيفتين المذكورتين من هُوَ من أهل الْخَيْر وَالدّين إِمَّا أَن يكون شافعيا أَو حنفيا
وَيصرف فِي كل شهر لكذا وَكَذَا نَفرا من المؤذنين الْحسنى الْأَصْوَات الَّذين يرتبهم النَّاظر فِيهِ بالمأذنة الْمَذْكُورَة للتأذين فِي الْأَوْقَات الْخمس وَالتَّسْبِيح فِي الأسحار والتذكير قبل الْجُمُعَة
والتبليغ خلف الإِمَام الرَّاتِب وللخطيب بِهِ كَذَا وَكَذَا
وَيصرف لرؤساء الْمِيقَات وعدتهم كَذَا وَكَذَا نَفرا كَذَا وَكَذَا فِي نوبَة أَو نوبتين أَو ثَلَاثَة
كل نوبَة كَذَا وَكَذَا نَفرا من المؤذنين
وَاحِدًا من رُؤَسَاء الْمِيقَات يُبَاشر الْأَوْقَات وَيعلم بالأوقات ودخولها(1/262)
وَيصرف للمرقي كَذَا وَكَذَا
وَيصرف لكذا وَكَذَا نَفرا من الْقُرَّاء الْحسنى الْأَصْوَات التالين لكتاب الله فِي كل شهر كَذَا بِحَيْثُ يجْتَمع مِنْهُم فِي صَبِيحَة كل يَوْم كَذَا وَكَذَا نَفرا جوقة وَاحِدَة يقرأون بشباك الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ الغربي أَو الشَّرْقِي بعد صَلَاة الصُّبْح حزبا كَامِلا أَو جُزْءا كَامِلا
قِرَاءَة مرتلة يفهمها من يسْمعهَا
وَكَذَلِكَ يفعل الْبَاقُونَ من الْقُرَّاء بعد صَلَاة الْعَصْر
وَيدعونَ للْوَاقِف عقب الْقِرَاءَة وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ
وعَلى أموات الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات
وَيصرف فِي كل شهر إِلَى قارىء يرتبه النّظر فِي أَمر هَذَا الْوَقْف لقِرَاءَة مَا تيَسّر لَهُ قِرَاءَته من الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة الصِّحَاح النَّبَوِيَّة فِي كل يَوْم جُمُعَة أَو إثنين أَو خَمِيس من كل أُسْبُوع وَيَدْعُو عقب الْقِرَاءَة للسُّلْطَان السعيد الشَّهِيد فلَان ويترحم عَلَيْهِ وَيَدْعُو للْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَذريته ووالديه بِمَا يسره الله تَعَالَى وأجراه على لِسَانه ويعين كل وَاحِد من أَرْبَاب الْوَظَائِف وَمَا يصرف إِلَيْهِ فِي كل شهر إِلَى آخِرهم مراعيا شَرط الْوَاقِف وترتيبه
ثمَّ يَقُول: وَشرط الْوَاقِف على كل وَاحِد من أَرْبَاب الْوَظَائِف بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ: مواظبة وظيفته وأداؤها على الْوَضع الشَّرْعِيّ
وَمن سَافر مِنْهُم أَو مرض فَعَلَيهِ أَن يَسْتَنِيب عَنهُ من يقوم مقَامه فِي وظيفته إِلَى حِين إيابه من سَفَره أَو شفائه من مَرضه
وَإِذا انْتهى من ذكر الْجَامِع وَذكر أَرْبَاب وظائفه وَمَا هُوَ مُقَرر لَهُ فِيهِ واستوعب ذَلِك استيعابا حسنا وأوضحه إيضاحا بَينا يَقُول: وَأما الثُّلُث الْبَاقِي من الْمَوْقُوف الْمعِين بأعاليه أَو النّصْف مثلا بعد الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ فقد أنشأ الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وقف ذَلِك على نَفسه مُدَّة حَيَاته ثمَّ من بعده على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على نَسْله وعقبه بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ على أَن من توفّي مِنْهُم أَجْمَعِينَ عَن ولد أَو ولد ولد أَو نسل أَو عقب عَاد نصِيبه من ذَلِك وَقفا على وَلَده ثمَّ على ولد وَلَده ثمَّ على نَسْله وعقبه
وَمن مَاتَ مِنْهُم أَجْمَعِينَ عَن غير ولد وَلَا ولد ولد وَلَا نسل وَلَا عقب
عَاد نصِيبه من ذَلِك وَقفا على من هُوَ مَعَه فِي دَرَجَته
وَذَوي طبقته من أهل الْوَقْف
وَمن مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يصل إِلَيْهِ شَيْء من هَذَا الْوَقْف وَترك ولدا أَو ولد ولد أَو نَسْلًا أَو عقبا اسْتحق من الْوَقْف مَا كَانَ يسْتَحقّهُ وَالِده لَو بَقِي حَيا يجْرِي ذَلِك كَذَلِك أبدا مَا تَوَالَدُوا ودائما مَا تَنَاسَلُوا وتعاقبوا بَطنا بعد بطن وقرنا بعد قرن وطبقة بعد طبقَة
لَا يشاركهم فِيهِ مشارك وَلَا ينازعهم فِيهِ مُنَازع وَلَا يتَأَوَّل عَلَيْهِم فِيهِ متأول
فَإِذا انقرضوا بأجمعهم وخلت الأَرْض(1/263)
مِنْهُم أَجْمَعِينَ
وَلم يبْق أحد مِمَّن ينتسب إِلَى الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ بأب من الْآبَاء وَلَا بِأم من الْأُمَّهَات
عَاد ذَلِك وَقفا على مصَالح الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ تصرف أجوره ومنافعه فِي زِيَادَة معاليم أَرْبَاب الْوَظَائِف بِهِ وَزِيَادَة فرشه وتنويره وإصلاحه كل ذَلِك على مَا يرَاهُ النَّاظر فِيهِ ويؤديه إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي الزِّيَادَة والتفضيل والمساواة يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله وَتعذر جهاته: إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَى آخِره
وَشرط الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ النّظر فِي ذَلِك كُله وَالْولَايَة عَلَيْهِ لنَفسِهِ الشَّرِيفَة إِلَى آخِره
وَشرط الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ أجزل الله ثَوَابه وَوصل بِأَسْبَاب الْخيرَات أَسبَابه أَن يقْرَأ كتاب الْوَقْف فِي كل سنة مرّة بِحَضْرَة أَرْبَاب الْوَظَائِف بالجامع الْمَذْكُور ليتذكروا الشَّرَائِط وَلَا ينسوا الضوابط وليعلم كل وَاحِد مِنْهُم مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ من الْعَمَل
وَيعْمل بذلك
ويتعاهد الْكتاب بالإثبات ويضبط بالشهادات وَيكْتب بِهِ النّسخ عِنْد الْحَاجَات والضرورات بِحَيْثُ لَا يمحى اسْمه وَلَا يندرس رسمه
وَشرط أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى آخِره
وَأخرج هَذَا الْوَقْف عوضه الله خيرا وأجزل لَهُ ثَوابًا وَأَجرا جَمِيع مَا وَقفه فِي هَذَا الْكتاب عَن ملكه إِلَى آخِره
فقد تمّ هَذَا الْوَقْف وَلزِمَ وَنفذ حكمه وأبرم
ويكمل ويؤرخ
وَإِذا ثَبت على حَاكم حَنَفِيّ حكم بِصِحَّتِهِ مَعَ علمه بِالْخِلَافِ فِي صِحَة وقف الْإِنْسَان على نَفسه ووقف الْمشَاع ووقف مَا لم يره الْوَاقِف ووقف الْمَنْقُول من الْمِنْبَر وَغَيره
وَاشْتِرَاط النّظر لنَفسِهِ وبجواز ذَلِك جَمِيعه عِنْده شرعا
انْتهى
وَصُورَة وقف جَامع على صفة أُخْرَى: الْحَمد لله المقسط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغنِي الْمَانِع الضار النافع
قَابل الصَّدقَات من المتصدقين
ومانح فاعلي الْخيرَات أَسبَاب مضاعفة الأجور بدوام صلات المسترزقين نحمده على نعمه الَّتِي من بهَا على من تمسك من مزِيد فَضله وبره بِحسن الْيَقِين
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تحلنا مَعَ أهل طَاعَته فِي أَعلَى دَرَجَات المرتقين
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله سيد الْمُرْسلين وَإِمَّا الْمُتَّقِينَ وغمام(1/264)
المستقين
الْقَائِل: (الْمُؤمن تَحت ظلّ صدقته يَوْم الْقِيَامَة) وناهيك بِهَذَا الْوَصْف الْحسن الَّذِي ينَال بِهِ الْمُتَصَدّق الْحَظ الأوفى بِوَاسِطَة صدقته الْجَارِيَة على الْمُسْتَحقّين
وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الَّذين كَانُوا على الْقيام بِمَا شرع لَهُم من الدّين الْقيم متفقين غير مفترقين
صَلَاة دائمة بَاقِيَة إِلَى يَوْم الدّين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَلَمَّا كَانَ الْوَقْف من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا
والطاعات الَّتِي وَردت السّنة الشَّرِيفَة بالحث عَلَيْهَا
وَهُوَ من أجل القربات المبرورة
وَأفضل الْأَعْمَال الَّتِي لم تزل الأجور لفاعلها فِي الدَّاريْنِ موفورة وَكَانَ لَا يلْحق العَبْد الصَّالح بعد مماته من الْأَعْمَال الصَّالِحَات إِلَّا إِحْدَى ثَلَاث: (صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ) بِأَفْضَل الدَّعْوَات
وَمَا أسعد من أنْفق مَاله ليرضى بِهِ ربه وينتظم فِي سلك الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله {كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حَبَّة} فَلذَلِك وَقع الإلهام الإلهي فِي نفس فلَان أنجح الله قَصده وأناله خير مَا عِنْده الْمُبَادرَة إِلَى هَذِه المثوبة الْكُبْرَى ليفوز بِكَمَال أجورها ويحوز مضاعفة ثَوَابهَا وبرها
عملا بقول الله تَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين: {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين} فاستخار الله الَّذِي مَا خَابَ من استخاره وَلَا نَدم من استجاره
وَأشْهد على نَفسه النفيسة صانها الله وحماها وحرس من الْغَيْر حماها أَنه وقف وَحبس إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْمُبَارك العالي الْبناء الْوَاسِع الفناء المستجد الْإِنْشَاء الْمَعْرُوف بعمارة الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وإنشائه الْمُشْتَمل على مَسْجِد جَامع بقبليه وشرقيه وشماليه وغربيه ويصف مَا يشْتَمل عَلَيْهِ الْمَكَان من الاشتمالات كلهَا: من الأروقة والشبابيك والمحاريب والخزائن
ويصف الميضأة وبركتها وبيوت راحتها وعدتها
وَإِن كَانَت من الْمُتَّصِلَة بِهِ أَو الْمُنْفَصِلَة عَنهُ
ويصف جَمِيع المنقولات من جَمِيع الْمَوْقُوف على الْجَامِع كالمنبر والكراسي والمصاحف والربعات وَكتب الحَدِيث
ويحدد الْمَكَان ثمَّ يذكر جَمِيع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ من الحوانيت والقرى الْكَامِلَة والحصص الشائعة
وَغير ذَلِك ويحدد كل مَكَان على حِدة ثمَّ يَقُول: بِجَمِيعِ حُقُوق الْكَامِل من ذَلِك
وبحق الْمشَاع من حُقُوق مَا هُوَ مِنْهُ إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه أَولا: فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَقفه(1/265)
مَسْجِدا جَامعا ومعبدا لله تَعَالَى تتوالى فِيهِ الْخطب والأعياد وَالْجمع والصلوات وتتلى فِيهِ الْآيَات وَأذن للْمُسلمين بِالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَاف فِيهِ
ومكنهم من التَّرَدُّد وَالْعِبَادَة فِي جوانبه ونواحيه
وَأما الميضأة الْمَذْكُورَة فِيهِ: فَإِنَّهَا من جملَة مَنَافِعه ومصالحه مسبلة للاستنجاء والتطهر وَالْوُضُوء للْمُسلمين الْمُصَلِّين بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ وَغَيرهم
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه: فَإِن الْوَاقِف وقف ذَلِك على مصَالح الْمَسْجِد الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ
وَجعله مصرفا فِيهِ وَعَلِيهِ من عمَارَة وفرش وتنوير وآلات وَمَعْلُوم للمرتبين بِهِ وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وَلَا غنى لَهُ عَنهُ حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره فِيهِ مُبينًا وَشَرحه مفصلا معينا
على أَن الْمُتَكَلّم فِي هَذَا الْوَقْف والناظر عَلَيْهِ والمسند أمره إِلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ: يبْدَأ من ارتفاعه بعمارته وتثميره وإصلاحه وتكثيره وَمَا فِيهِ الزِّيَادَة لمنافعه وأجوره على جري الْعَادة فِي مثله
ومستقر الْقَاعِدَة فِي نَظِيره وشكله بِحَيْثُ لَا يفرط وَلَا يفرط وَلَا يخرج فِي سلوكه عَن المسلك الْمُتَوَسّط وَلَا يهمل حَقًا معينا وَلَا يغْفل عَن أَمر يكون صَلَاحه بَينا وَلَا يحصل درهما إِلَى من حلّه وَلَا يُؤَخِّرهُ عَن وَقت وُجُوبه وَمحله ليَكُون هَذَا الْوَقْف مَقْبُولًا مبرورا وليبقى بالتقوى مغمورا وَيحسن التَّصَرُّف معمورا
وَمهما فضل بعد ذَلِك يصرف مِنْهُ مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من ثمن حصر وَبسط وزيت ومصابيح وآلات وَمَا لَا بُد مِنْهُ
وَيصرف فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا وَكَذَا إِلَى رجل من أهل الْعلم الشريف وَالْقُرْآن الْعَظِيم شَافِعِيّ الْمَذْهَب أَو حَنَفِيّ يرتب خَطِيبًا بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ على أَن يخْطب للنَّاس فِي كل جُمُعَة على منبره المستقر بِهِ ثمَّ يُصَلِّي بهم فِي كل سنة صَلَاتي الْعِيدَيْنِ الْفطر والأضحى ويخطب بعد الصَّلَاتَيْنِ المذكورتين على الْعَادة وَيَدْعُو عقب كل صَلَاة للْوَاقِف وَالْمُسْلِمين ملازما وظيفته على عَادَة أَمْثَاله
وَيصرف مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا إِلَى رجل حَافظ لكتاب الله الْعَزِيز جيد الْحِفْظ جيد للْقِرَاءَة صَحِيح الْأَدَاء حسن الصَّوْت
ويرتب إِمَامًا راتبا ليقوم بوظيفة الْإِمَامَة فِي الصَّلَوَات الْخمس المفروضات بالمحراب الْمشَار إِلَيْهِ وبصلاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان من كل سنة وَصَلَاة خُسُوف الْقَمَر وكسوف الشَّمْس وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء عِنْد وجود السَّبَب الْمُوجب لذَلِك
وَيَدْعُو عقيب كل صَلَاة للْوَاقِف وَالْمُسْلِمين ملازما وظيفته على عَادَة أَمْثَاله
وَيصرف مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا إِلَى رجل من أهل الْخَيْر وَالدّين وَالصَّلَاح حَافظ لكتاب الله الْعَزِيز حسن الصَّوْت يرتب قَارِئًا بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ على أَنه يحضر فِي كل يَوْم فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ أَو فِي كل يَوْم جُمُعَة قبل الصَّلَاة وَيقْرَأ على الْكُرْسِيّ(1/266)
الْمَنْصُوب لذَلِك فِي الْمُصحف الشريف المستقر فِيهِ مَا تيَسّر من الْقُرْآن ترتيلا أَو شَيْئا يُعينهُ وَيَدْعُو عقب الْقِرَاءَة للْوَاقِف وَالْمُسْلِمين
وَيصرف مِنْهُ كل شهر كَذَا إِلَى رجل من أهل الْخَيْر وَالدّين والصدق عَارِف بِعلم الْوَقْت يرتب مؤقتا بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ على أَن يعلم المؤذنين بِدُخُول الْوَقْت للصلوات
وَالتَّسْبِيح وَقت الأسحار والتذكير يَوْم الْجُمُعَة ملازما وظيفته على عَادَة أَمْثَاله
وَيصرف مِنْهُ كل شهر كَذَا إِلَى كَذَا وَكَذَا نَفرا من المؤذنين الصيتين الْمَشْهُورين بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح يرتبون لترتيل الْأَذَان بمأذنة الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ على أَنهم يُؤذنُونَ بهَا فِي الْأَوْقَات الْخَمْسَة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة ويقيمون الصَّلَاة
ويدرجون الْإِقَامَة ويبلغون التَّكْبِير خلف الإِمَام
ويسبحون فِي الثُّلُث الْأَخير من كل لَيْلَة ويذكرون بالمنارة قبل صَلَاة الْجُمُعَة من كل أُسْبُوع فِي نوبَة أَو نوبتين أَو ثَلَاثَة فِي كل نوبَة كَذَا وَكَذَا نَفرا إِذا خرجت نوبَة دخلت أُخْرَى وهلم جرا والمعلوم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَو مفصلا لكل شخص كَذَا
وَيصرف مِنْهُ كل شهر كَذَا إِلَى رجل من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح حسن الصَّوْت يرتب مرقيا بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ
وَيذكر المبخر وَمَاله من الْمَعْلُوم والقومة والفراشين وعدتهم وَمَا لَهُم من الْمَعْلُوم على أَنهم يباشرون خدمته فِي الكنس وَالْغسْل والتنظيف والفرش والتنوير وَغسل المصابيح وتعميرها وتعليقها وإيقادها وإطفائها وَعمل فتائلها وطي الْبسط وحفظها
ثمَّ يذكر البواب وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَنه يلازم الْمقَام بِالْبَابِ
وَيمْنَع من يدْخل إِلَيْهِ من أهل الرِّيبَة والتهمة وَلَا يغْفل عَن ذَلِك
وَيذكر بَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف من قراء السَّبع الشريف وعدتهم وَمَا يشرط قِرَاءَته عَلَيْهِم وَالْوَقْت الَّذِي يقرأون فِيهِ وَالْمَكَان وَمَا لَهُم من الْمَعْلُوم وقراء الحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ وَمَا لَهُم من الْمَعْلُوم وخازن الْكتب وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَن يتَوَلَّى خدمَة الْكتب الْمَوْقُوفَة على الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ وحفظها وتفقدها وتعاهدها فِي كل وَقت بِالنَّقْضِ وَإِزَالَة مَا يَقع عَلَيْهَا من الْغُبَار وإخراجها عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا لمن يُرِيد المطالعة أَو النّظر فِيهَا أَو نسخ شَيْء مِنْهَا بِحَيْثُ يكون ذَلِك بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ حَسْبَمَا شَرط الْوَاقِف
وَإِذا انْتَهَت المطالعة أَخذ الْكتاب وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانَهُ بخزانة الْكتب المقررة لذَلِك بالجامع الْمشَار إِلَيْهِ(1/267)
وَيذكر مَا يصرف مِنْهُ للنَّاظِر فِي كل شهر على أَن يكون متصفا بِالْخَيرِ والمعرفة والكفاية والديانة وعَلى أَن يتَوَلَّى أَمر الْوَقْف الْمَذْكُور وَسَائِر عِمَارَته وَإِجَارَة أوقافه وَتَحْصِيل ريعه وَصَرفه فِي جهاته الْمعينَة فِيهِ
وَيذكر الشاد على الْوَقْف وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَن يُبَاشر أمره وَيسْعَى فِي مَصَالِحه وَتَحْصِيل أجوره واستخلاصها مِمَّن هِيَ فِي جِهَته ويشد على أَيدي المباشرين بِهِ
وَيذكر الْعَامِل وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَن يكون رجلا من أهل الْمعرفَة وَالْكِتَابَة وَالْأَمَانَة يُبَاشر الْعِمَارَة بِهِ مُجْتَهدا فِي ضبط مَاله وتحريره مثابرا على تثميره وتكثيره
قَائِما بِكِتَابَة حساباته وارتفاعه ومخازنه
وَعمل حِسَاب جباته ومستأجريه
وَيذكر الجابي وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَن يسْتَخْرج ريع الْوَقْف الْمَذْكُور وأجوره مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ وَعِنْده وَفِي جِهَته ويجتهد فِي ذَلِك
وَمهما حصل من ذَلِك يَدْفَعهُ إِلَى النَّاظر فِي أمره شرعا
وَيذكر المعمار وَمَاله من الْمَعْلُوم على أَن يتفقد أمره
وَيقف على عِمَارَته ويتولى إِحْضَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَات الْعِمَارَة عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله وطاعته
وَيذكر ثمن زَيْت الْوقُود برسم تَقْرِير الْجَامِع فِي كل شهر وَمَا هُوَ مُقَرر برسم الزِّيَادَة بالجامع وبالمنارة فِي شهر رَمَضَان وَثمن الشمع برسم صَلَاة التَّرَاوِيح
ويستوعب ذكر كل شَيْء بِحَسبِهِ استيعابا وافيا
ثمَّ يَقُول: يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
وَمن عرض لَهُ من أَرْبَاب الْوَظَائِف عذر شَرْعِي يمنعهُ مِمَّا شَرط عَلَيْهِ
فَلهُ أَن يَسْتَنِيب عَنهُ من يقوم مقَامه بِصفتِهِ إِلَى حِين زَوَال عذره
وَيعود إِلَى مُلَازمَة وظيفته
وَمن تَكَرَّرت غيبته بِغَيْر عذر شَرْعِي استبدل النَّاظر غَيره ورتبه عوضه
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله إِلَى آخِره
وَشرط أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى غَيره
وَإِن شَاءَ كتب بعد قَوْله: وَيعود الْمَأْجُور إِلَى يَد النَّاظر فِي أمره شرعا وَأَن لَا يُؤجر من متعزز وَلَا متغلب وَلَا ذِي شَوْكَة وَلَا مِمَّن يخَاف تغلبه عَلَيْهِ
فَمن فعل خلاف ذَلِك فَفعله مَرْدُود
وَأخرج الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ هَذَا الْوَقْف عَن ملكه إِلَى آخِره
فقد تمّ هَذَا الْوَقْف وَلزِمَ إِلَى آخِره ويسوق الْكَلَام فِي التحذير والتخويف(1/268)
وَالتَّرْغِيب والترهيب على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويكمل ويؤرخ
صُورَة وقف مَسْجِد لله تَعَالَى
الْحَمد لله الَّذِي جازى هَذِه الْأمة بِأَحْسَن أَعمالهَا وَبَين لَهَا طرق الرشاد فَحسن سلوكها فِي حالتي حَالهَا ومآلها
وَقَالَ عز من قَائِل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} نحمده على نعمه الَّتِي وهبنا مِنْهَا الْكثير
وَسَأَلَ مِنْهَا الْيَسِير قرضا وعمنا بفضله السابغ الغزير فَلهُ الشُّكْر حَتَّى يرضى ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة نَجْعَلهَا عدَّة ليَوْم الْمعَاد
ونستمد برد وُرُودهَا عِنْد عَطش الأكباد
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الصَّادِق الْأمين
الْقَائِل فِي حَقه من لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا: {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة مستمرة على الدَّوَام مُسْتَقِرَّة بتعاقب الشُّهُور والأعوام
وَبعد فَإِن أجمل مَا تقرب بِهِ العَبْد إِلَى سَيّده وخالقه
وأجزل مَا قدمه بَين يَدَيْهِ للقاء موجده ورازقه: صَدَقَة جَارِيَة وقربة مُتَوَالِيَة يتقلد بهَا العَبْد فِي الدَّاريْنِ أعظم منَّة مِنْهَا قَوْله: (من بنى مَسْجِدا لله وَلَو كمفحص قطاة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة)
وَلما تحقق ذَلِك من أَهله الله تَعَالَى لارتقاء دَرَجَات هَذِه المثوبة واكتسابها وطمع فِي بُلُوغ رتبتها وإدراكها
فَأتى الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَهُوَ فلَان الْفُلَانِيّ تقبل الله عمله وبلغه من ثَوَاب هَذِه الْقرْبَة أمله قدم هَذِه الصَّدَقَة المبرورة بَين يَدَيْهِ رَجَاء تَكْفِير السَّيِّئَات وتكثير الْحَسَنَات
وَأَن يجدهَا يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَوَات
فَحِينَئِذٍ أشهد على نَفسه الْكَرِيمَة فلَان الْمشَار إِلَيْهِ: أَنه وقف وَحبس إِلَى آخِره وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَالشَّيْء الْفُلَانِيّ وَالشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصف كل مَكَان ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُتَّصِل الِابْتِدَاء وَالْوسط والانتهاء إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك المقبول الْمَوْصُوف الْمَحْدُود أَولا: فَإِن الْوَاقِف الْمَذْكُور وفر الله لَهُ الأجور وَقفه مَسْجِدا لله الْعَظِيم وبيتا من بيُوت رب الْعَالمين
وَأذن للْمُسلمين فِي الدُّخُول إِلَيْهِ وَالصَّلَاة فِيهِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالِاعْتِكَاف
والتهجد وَالتَّسْبِيح(1/269)
والتهليل والتحميد وَقِرَاءَة الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة
والْآثَار وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة المروية
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه: فَإِن هَذَا الْوَاقِف الْمَذْكُور ضاعف الله أجره وأجزل ثَوَابه وبره وقف النّصْف الشَّائِع مِنْهَا بحقوقه كلهَا على الْمَسْجِد الْمشَار إِلَيْهِ تصرف أجوره ومنافعه وريعه ومغلاته فِي مصَالح الْمَسْجِد الْمشَار إِلَيْهِ وعمارته وفرشه وتنويره
وَفِي ثمن آلَات الْوقُود وجوامك أَرْبَاب الْوَظَائِف الَّذين قررهم الْوَاقِف فِي الْوَظَائِف الْآتِي ذكرهَا فِيهِ بولايات شَرْعِيَّة
وهم: إِمَام راتب وقائم مُؤذن وفراش وقارىء فِي الْمُصحف الشريف على الْكُرْسِيّ وقارىء للْحَدِيث النَّبَوِيّ على الْكُرْسِيّ أَيْضا
وبواب ملازم لبابه
فَأَما الإِمَام الرَّاتِب: فَيصْرف لَهُ فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا على أَن يتَوَلَّى الْقيام بالصلوات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا وَصَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان من كل سنة
وَيصرف للقائم الْمُؤَذّن فِي كل شهر كَذَا على أَن يتَوَلَّى الْقيام بوظيفة التأذين للصلوات المفروضات فِي أَوْقَاتهَا وَإِقَامَة الصَّلَوَات والتبليغ خلف الإِمَام وَالتَّكْبِير والتأمين على دُعَاء الإِمَام عقيب الصَّلَوَات وَغسل قناديله وَعمل فتائلها وتعميرها بالزيت وتعليقها وإشعالها وطفئها
وَيصرف للْفراش فِي كل شهر كَذَا على أَن يتَوَلَّى كنس الْمَسْجِد الْمشَار إِلَيْهِ وتنظيفه وفرشه وطي حصره وَبسطه ونفضها ونشرها
وَوضع كراسي الْقُرْآن الْعَظِيم والْحَدِيث الشريف فِي أماكنها وَإِزَالَة مَا يَقع من ذرق الْحمام على فرشه بِالْمَاءِ الطَّاهِر ملازما وظيفته على عَادَة أَمْثَاله من فِرَاشِي الْمَسَاجِد المعمورة
وَيصرف للبواب فِي كل شهر كَذَا على أَن يتَوَلَّى مُلَازمَة بَابه وَمنع المتعرض إِلَى إيذائه
وَالدُّخُول إِلَيْهِ لغير الصَّلَاة وَالذكر مثل: النّوم وَالْأكل وَرفع الصَّوْت فِيهِ بِغَيْر الذّكر وَالْقِرَاءَة وَالصَّلَاة
وَمن تعمد فِيهِ شَيْئا من ذَلِك مَنعه وأزعجه وَأخرجه
وَيذكر مَا يكون فِيهِ من أَرْبَاب الْوَظَائِف والمرتبين على مُقْتَضى اخْتِيَار الْوَاقِف
وَمَا لكل مِنْهُم من الْمَعْلُوم وَمَا يلْزمه فِي وظيفته ثمَّ يَقُول: يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل ذَلِك عِنْد انْقِطَاع سبله وَتعذر جهاته إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: وَأما النّصْف الآخر: فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَقفه على نَفسه مُدَّة حَيَاته لَا يُشَارِكهُ فِيهِ مشارك وَلَا ينازعه فِيهِ مُنَازع وَلَا يتَأَوَّل عَلَيْهِ فِيهِ متأول
فَإِذا توفاه الله(1/270)
تَعَالَى عَاد ذَلِك وَقفا على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على أنساله وأعقابه وَذريته بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ على أَن من توفى مِنْهُم أَجْمَعِينَ وَيذكر مَا تقدم إِلَى قَوْله: بأب من الْآبَاء وَلَا بِأم من الْأُمَّهَات عَاد مَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِم
وَهُوَ النّصْف الشَّائِع من الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ: وَقفا صَحِيحا على مصَالح مَسْجده الْمشَار إِلَيْهِ وعَلى أَرْبَاب وظائفه الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
يصرفهُ النَّاظر فِي أمره على مَا يرَاهُ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده من زِيَادَة معاليم أهل الْوَقْف أَو غير ذَلِك
وَإِن كَانَ على جِهَة مُعينَة غير الْمَسْجِد ذكرهَا
وَإِن كَانَ شَرط شِرَاء مَكَان وإيقافه عين مَا يَشْتَرِطه
وَإِن شَاءَ قَالَ: وَمهما فضل من ريع الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ بعد مَصْرُوف الْمَسْجِد وَالْمَكَان الَّذِي عين شِرَاءَهُ على التَّمام والكمال: جمعه النَّاظر تَحت يَده وابتاع بِهِ ملكا وَوَقفه على الْجِهَة الْمَذْكُورَة أَو على الْجِهَتَيْنِ إِن كَانَت الْأُخْرَى مُعينَة مَوْجُودَة يصرف ريعه فيهمَا على مَا يرَاهُ النَّاظر فِي ذَلِك
وَجعل الْوَاقِف النّظر فِي وَقفه هَذَا جَمِيعه وَالْكَلَام عَلَيْهِ لنَفسِهِ إِلَى آخِره
وَشرط الْبدَاءَة من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه وَمَا فِيهِ بَقَاء عينه وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرفهُ فِي مصارفه الْمعينَة أَعْلَاهُ
وَشرط أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى آخِره
وَإِن شَاءَ كتب بعد قَوْله وَيعود الْمَأْجُور إِلَى يَد النَّاظر فِي أمره: ووصي الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ كل نَاظر فِي هَذَا الْوَقْف ومتكلم عَلَيْهِ: أَن يكون محسنا إِلَى أَرْبَاب وظائفه ومستحقيه وَأَن يصرف عَلَيْهِم معاليمهم هينة ميسرَة أَوَان الْوُجُوب والاستحقاق كَامِلَة موفرة وَأَن لَا يحبس الرّيع عَنْهُم وَلَا يضيق عَلَيْهِم وَلَا يعاملهم بِمَا يمحق بركَة معاليمهم ويحوجهم إِلَى الِاسْتِدَانَة عَلَيْهَا بل ينفقها عَلَيْهِم ويعجل دَفعهَا إِلَيْهِم
وَمن تعمد من النظار شَيْئا من ذَلِك كَانَ معزولا عَن النّظر
وَكَانَ لحَاكم الْمُسلمين الِاسْتِبْدَال بِهِ غَيره
وَشرط الْوَاقِف على النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف المبرور: تعاهد كِتَابه باتصال ثُبُوته إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول: فَهَذِهِ شُرُوط الْوَاقِف الَّتِي اشترطها فِي وَقفه هَذَا وَهُوَ يَسْتَعْدِي الله إِلَى آخِره
ويكمل ويؤرخ
ويثبته عِنْد حَاكم حَنَفِيّ
وَيذكر مَا تقدم فِي الصُّورَة الأولى من ثُبُوت ملكية الْمَوْقُوف للْوَاقِف وَالْحكم بِصِحَّة وقف الْإِنْسَان على نَفسه
وبصحة وقف الْمشَاع
ووقف الْمَنْقُول
وَصِحَّة اشْتِرَاط النّظر لنَفسِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ ذَلِك(1/271)
صُورَة وقف مدرسة على مَذْهَب الإِمَام المطلبي مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه أَو على مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت أَو غَيره من أَئِمَّة الْمُسلمين رَضِي الله عَنْهُم
أما بعد حمد الله مثيب الْمُحْسِنِينَ أحسن ثَوَاب ومدخل المتصدقين جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد النَّاطِق بالحكمة وَفصل الْخطاب وعَلى آله وَأَصْحَابه خير آل وَأجل أَصْحَاب فَإِن أولى مَا دخره العَبْد ليَوْم معاده وَقدمه بَين يَدي خالقه عِنْد قيام أشهاده: الصَّدَقَة الَّتِي من فَضلهَا أَن الله تَعَالَى يُرَبِّيهَا تربية الفصيل والفلو ويضاعفها إِلَى سَبْعمِائة ضعف إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة بِالزِّيَادَةِ والنمو لَا سِيمَا صدقَات الْأَوْقَاف المبرورة
فَإِنَّهَا الصَّدقَات الَّتِي ذخائر العقبى الْبَاقِيَة بهَا مشكورة وحظوظ الأجور والمثوبات فِيهَا فِي الدَّاريْنِ موفورة
وَلما علم أدام الله نعْمَته وَتقبل بره وصدقته أَن المَال غاد ورائح وَأَن الدَّاخِل إِلَى ظلمات أطباق الضرائح مَا بَين خاسر ورابح مهد لنَفسِهِ قبل ارتحاله وتزود من مَاله قبل اضمحلاله وَوقى وَجهه لفح النَّار وحره
وَعمل بقوله: (اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) وَأشْهد على نَفسه طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَة مِنْهُ وسلامة وَجَوَاز أَمر: أَنه وقف وَحبس وسبل إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْمُبَارك الَّذِي أنشأه مدرسة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصفه وَصفا تَاما ويحدد وَجَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة ويحددها وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويحدده كل مَكَان من الْمَوْقُوف عَلَيْهَا بعد وَصفه بِجَمِيعِ اشتمالاته ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: أنشأ الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَقفه هَذَا على الْوَجْه الَّذِي سيشرح فِيهِ
فَأَما الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا: فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ تقبل الله عمله وبلغه من خيري الدَّاريْنِ أمله وقف مدرسة على مَذْهَب الإِمَام المطلبي مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي أَو على مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت أَو غَيره من أَئِمَّة الْمُسلمين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ
وَشرط أَن يكون لهَذِهِ الْمدرسَة مدرس وَعشرَة معيدون وَخَمْسُونَ فَقِيها: عشرُون(1/272)
مُنْتَهُونَ وَعِشْرُونَ متوسطون وَعشرَة مبتدون وَإِمَام ومؤذن وقائم وبواب ونقيب للفقهاء وناظر وجابي ومعمار
وَشرط أَن يصرف إِلَى الْمدرس بهَا فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا
وَإِلَى كل من المعيدين الْعشْرَة كَذَا وَإِلَى كل من الْفُقَهَاء الْعشْرين المنتهيين كَذَا وَإِلَى كل من الْفُقَهَاء الْعشْرين المتوسطين كَذَا وَإِلَى كل من الْفُقَهَاء الْعشْرَة المبتدئين كَذَا وَإِلَى الإِمَام الرَّاتِب كَذَا وَإِلَى الْمُؤَذّن الْقَائِم بوظيفة التأذين والتبليغ خلف الإِمَام كَذَا وَإِلَى الْقَائِم بمصالح الْمدرسَة وكنسها وتنويرها وتنظيفها كَذَا وَإِلَى البواب الملازم لباب الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا كَذَا
وَإِلَى النَّقِيب الَّذِي يحضر أَيَّام الدُّرُوس وَيفرق الربعة الشَّرِيفَة على الْفُقَهَاء كَذَا
وَإِلَى النَّاظر الْقَائِم بمصالح الْمدرسَة وعمارتها وَعمارَة أوقافها وَتَحْصِيل أجورها ومغلاتها ومنافعها وصرفها فِي مصارفها الشَّرْعِيَّة كَذَا وَإِلَى المعمار الْقَائِم بعمارة الْمدرسَة وَمَا هُوَ وقف عَلَيْهَا من المسقفات وَالْوُقُوف على مَا يعمله الصناع الفعلة وملازمتهم وَشِرَاء آلَات الْعِمَارَة من الأخشاب وَالْحِجَارَة والكلس وَالتُّرَاب
وَغير ذَلِك كَذَا
وعَلى أَن النَّاظر فِي ذَلِك والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ من ريع هَذَا الْوَقْف بعمارته وَعمارَة الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا وترميم ذَلِك وإصلاحه
وَمَا فِيهِ بَقَاء أَصله
وَيصرف النَّاظر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فِي كل سنة ثمن فرش حصر وَبسط وَثمن زَيْت وقناديل وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد مِنْهُ شرعا
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرفهُ فِي مصرفه الشَّرْعِيّ المشروح فِيهِ
وعَلى الْمدرس الْمَذْكُور الْجُلُوس للفقهاء بقبلية الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي كل سنة مائَة يَوْم أَيَّام الدُّرُوس الْمُعْتَادَة من فصل الرّبيع والخريف ويلقي الدُّرُوس للفقهاء من الْفُرُوع وَغَيرهَا من الْعُلُوم حَسْبَمَا يَشْتَرِطه الْوَاقِف
فَإِذا فرغ من إِلْقَاء الدُّرُوس
تصدر كل وَاحِد من المعيدين الْعشْرَة بِخَمْسَة من الْفُقَهَاء
وَأعَاد لجماعته الدُّرُوس وَبحث مَعَهم وفهمهم مَا صَعب عَلَيْهِم فهمه مِنْهُ
وعَلى كل وَاحِد من الْفُقَهَاء الْعشْرين الأول: إِعَادَة محافيظه على الْمدرس فِي كل سنة مرّة
وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاء بالطبقة الثَّانِيَة وعَلى الْفُقَهَاء وَالْعشرَة المبتدئين عرض مَا استجدوه من كِتَابَة فِي كل شهر مرّة
وعَلى الإِمَام الرَّاتِب: الصَّلَوَات الْخمس بالجماعات بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة وَصَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان من كل سنة
وعَلى الْمُؤَذّن الْمَذْكُور: الْقيام بوظيفة التأذين أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس(1/273)
المفروضات وَإِقَامَة الصَّلَاة والتبليغ خلف الإِمَام والتأمين على الدُّعَاء عقب كل صَلَاة
وَالتَّكْبِير خلف الإِمَام فِي صَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان من كل سنة وعَلى الْقَائِم: الْقيام بوظيفة الكنس والتنظيف والفرش والتنوير وَإِيقَاد المصابيح وإطفائها
وَغسل الْبركَة وَبَيت الْخَلَاء وتنظيفهما
وعَلى البواب: مُلَازمَة بَاب الْمدرسَة وَمنع من يدخلهَا غير الْفُقَهَاء والمرتبين بهَا والداخلين للصلوات وَأَن لَا يُمكن أحدا من الْعَوام والسوقة من النّوم بِالْمَدْرَسَةِ والاستقرار بهَا والاشتغال بِشَيْء من اللّعب والْحَدِيث وَاللَّهْو وَأَن لَا يُمكن أحدا من الْعَامَّة وَغَيرهم مِمَّن لم يكن من أهل الْوَقْف من الدُّخُول إِلَى الميضأة بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة
وعَلى النَّقِيب بهَا: تَفْرِقَة الربعة الشَّرِيفَة أَيَّام الدُّرُوس على الْفُقَهَاء وَجَمعهَا ورفعها إِلَى خزانتها
وَالدُّعَاء بعد الْقِرَاءَة
وعَلى النَّاظر: أَن يقوم بِالنّظرِ فِي الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وأوقافها وبجميع مَا يتَحَصَّل من جهاتها من مغل وأجور
وَغير ذَلِك
ويجتهد فِي عمَارَة الْمدرسَة وَمَا هُوَ وقف عَلَيْهَا وَصرف مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْعِمَارَة وَصرف معاليم أَهلهَا وَإِثْبَات كتاب وَقفهَا وتعاهده بالثبوت والتنفيذ
وعَلى المعمار: الْقيام بِمَا هُوَ بصدده من المعمارية من مُشْتَرِي آلَات
وَمَا لَا بُد مِنْهُ وملازمة الْعَمَل أَيَّامه على عَادَة أَمْثَاله
وعَلى النَّاظر أَيْضا: مُلَازمَة الْمدرسَة أَيَّام الدُّرُوس وإلزام كل من الْمدرس وَالْفُقَهَاء وأرباب الْوَظَائِف بِالْقيامِ بوظيفته على الشَّرْط وَالتَّرْتِيب الْمعِين أَعْلَاهُ
وَمن مَاتَ من أَرْبَاب الْوَظَائِف قرر غَيره بِصفتِهِ
وَكَذَلِكَ إِذا أعرض عَن وظيفته أَو ثَبت عَلَيْهِ مَا يُنَافِي مَا هُوَ بصدده أزعجه النَّاظر ورتب غَيره
يبْقى ذَلِك كذل إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله إِلَى آخِره
وَشرط الْوَاقِف النّظر فِي وَقفه هَذَا إِلَى آخِره
وَشرط أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى آخِره
فَهَذِهِ شُرُوط الْوَاقِف الَّتِي اشترطها فِي وَقفه هَذَا
وَهُوَ يَسْتَعْدِي الله إِلَى آخِره
وَقد تمّ هَذَا الْوَقْف وَلزِمَ إِلَى آخِره(1/274)
وَإِن كَانَ الْوَاقِف وقف على الْمدرسَة كتبا عينهَا بأسمائها وَأَسْمَاء مؤلفيها
وعدة أَجْزَائِهَا
وَإِن كَانَ الْوَاقِف جعل فِي الْمدرسَة مكتب أَيْتَام
فَيَقُول: وَقرر الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة مكتب أَيْتَام
إِمَّا أَن يكون أنشأه بِأَعْلَى البوابة
فَيَقُول: وَهَذَا الْمَكَان الَّذِي أنشأه وعمره وأفرده لذَلِك بِأَعْلَى بوابة الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا أَو فِي مَكَان من الْأَمْكِنَة
فيذكره وَيَقُول: وعَلى أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يرتب رجلا من أهل الْخَيْر وَالدّين وَالصَّلَاح والعفة حَافِظًا لكتاب الله حسن الْحَظ يجلس بالمكتب الْمشَار إِلَيْهِ وَيجْلس عِنْده من أَوْلَاد الْمُسلمين الْفُقَرَاء المحتاجين كَذَا وَكَذَا صَغِيرا لم يبلغُوا الْحلم
على أَن الْمُؤَدب يعلمهُمْ الْقُرْآن الْكَرِيم بالتلقين والتحفيظ والمراجعة لَهُم فِي تَرْجِيع الْآيَات والتصحيح إِلَى أَن يعي الصَّبِي وَيُعِيد الْآيَة وَيقْرَأ الْمَكْتُوب كَمَا أقرأه الْمُؤَدب وَيُعلمهُم الْخط واستخراج الْكتب وَيُعلمهُم كَيْفيَّة الْوضُوء والصلوات وَالْإِقَامَة بهم فِي الْمكتب الْمشَار إِلَيْهِ الْأَوْقَات الْمُعْتَادَة من أَيَّام الْأُسْبُوع ويبطلهم يَوْم الْجُمُعَة
ويصرفهم نصف النَّهَار الْأَخير من يومي الْخَمِيس وَالثُّلَاثَاء
وعَلى أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف يصرف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمكتب الْمشَار إِلَيْهِ من فرش وَعمارَة وتنظيف وَثمن حبر وَأَقْلَام وألواح ودوي وفلوس برسم الْأَيْتَام وَمَعْلُوم للمؤدب لَهُم وَمَا يصرف فِي كسوتهم للصيف والشتاء والتوسعة عَلَيْهِم أَيَّام الْعِيدَيْنِ وَنصف شعْبَان وَلَيْلَة الرغائب من شهر رَجَب من كل سنة وَيصرف من ريع ذَلِك فِي كل شهر كَذَا إِلَى الْمُؤَدب بالمكتب الْمشَار إِلَيْهِ الَّذِي يرتبه الْوَاقِف أَو النَّاظر الشَّرْعِيّ معلما مؤدبا للأيتام بالمكتب الْمَذْكُور وَيصرف إِلَى كل وَاحِد من الْأَيْتَام فِي كل يَوْم من الْخبز الصافي على الدَّوَام والاستمرار
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أَيْضا رطلا وَلكُل وَاحِد من الْفُلُوس كَذَا فِي كل يَوْم ويكسوهم النَّاظر فِي كل سنة مرَّتَيْنِ كسْوَة الشتَاء قَمِيص ولباس وجبة من القماش الطرح مقطنة مضربة وفروة وقبع من الصُّوف الْأَزْرَق وزرموجة سَوْدَاء بلغاري
وَكِسْوَة الصَّيف: قَمِيص ولباس وجبة بَيْضَاء مقطنة مضربة وقبع وزرموجة صفراء وَيصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم صَبِيحَة كل عيد كَذَا وَكَذَا وَلَيْلَة كل نصف من شعْبَان كَذَا وَلَيْلَة أول جُمُعَة من رَجَب كَذَا
وَيذكر مَعْلُوم العريف المساعد للمؤدب على قراءتهم وتعليمهم الْكِتَابَة والخط والاستخراج وَأَن يحضر لَهُم الْخبز والفلوس وَيفرق عَلَيْهِم فِي كل يَوْم وَأَن يكون لكل من الْمُؤَدب والعريف نصيب من الْخبز والفلوس كواحد من الصّبيان زِيَادَة على معلومهما فِي كل شهر وَمن بلغ من(1/275)
الصّبيان صرفه النَّاظر ورتب صَبيا لم يبلغ الْحلم مَكَانَهُ
وَمن ختم مِنْهُم الْقُرْآن قبل بُلُوغه فَلَا يصرف حَتَّى يبلغ
فَإِن فضل من ريع الْمَوْقُوف شَيْء بعد صرف مصاريفه الْمعينَة فِيهِ حفظه النَّاظر تَحت يَده وابتاع بِهِ ملكا كَامِلا أَو حِصَّة شائعة
وَوَقفه على الشَّرْط وَالتَّرْتِيب الْمعِين فِي وَقفه هَذَا
وَإِن كَانَ الْوَاقِف جعل فِي الْمدرسَة دَارا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم
فَيَقُول بعد انْتِهَاء ذكر الْمدرسَة ومكتب الْأَيْتَام وَأما الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ من حُقُوق هَذِه الْمدرسَة: فَإِن الْوَاقِف وَقفه دَارا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم
وَشرط أَن يكون فِيهِ شَيخا من أهل الْخَيْر وَالدّين وَالصَّلَاح حَافِظًا لكتاب الله الْعَزِيز
فَقِيها فِي علم الْقرَاءَات قد قَرَأَ كتاب الإِمَام الشاطبي متقنا لَهُ حفظا وفهما بحاثا مُبينًا مقررا محررا محسنا لأَدَاء الْقرَاءَات السَّبع مُؤديا لَهَا على الْوَضع الَّذِي أقرأه جِبْرِيل النَّبِي
وَشرط أَن يكون بهَا عشرَة من الرِّجَال الحافظين لكتاب الله الْعَظِيم يَجْلِسُونَ فِي كل يَوْم من الْأَيَّام على الِاسْتِمْرَار والدوام بَين يَدي الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ يُقْرِئهُمْ نَحْو قِرَاءَته ويبحث لَهُم فِي عُلُوم الْقُرْآن لِيَنْتَهُوا إِلَى نهايته ويدروا نَحْو درايته وَمن انْتهى مِنْهُم فِي أَدَاء الْقُرْآن إِلَى الْقرَاءَات الشَّرِيفَة وَفِي الْبَحْث عَنْهَا والإتقان لَهَا: أجَازه الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ
وَاسْتمرّ مقرئا بدار الْقُرْآن الْمشَار إِلَيْهَا بمعلومه
وَقرر النَّاظر غَيره وَأمره أَن يحذو حذوه ويسير سيره فِي الِاشْتِغَال والبحث
وَكَذَلِكَ يبْقى الْأَمر جَارِيا أبدا
مَا أعقب اللَّيْل النَّهَار إِلَى أَن يضيق ريع الْوَقْف عَن شَيْء يصرف إِلَى حد يستجد عوض أحد من المنتهين
فَيقْتَصر النَّاظر وَلَا يستجد أحدا حَتَّى يجد فِي ريع الْوَقْف سَعَة وَزِيَادَة عَن الْعِمَارَة ومعاليم من هُوَ مُقَرر بهَا: فيستجد بِالزَّائِدِ من يرَاهُ من أهل الْقُرْآن
وَشرط الْوَاقِف أَن يجلس الشَّيْخ والقراء أَجْمَعُونَ فِي كل يَوْم بعد صَلَاة الْعَصْر بدار الْقُرْآن الْمشَار إِلَيْهَا ويقرؤون مَا تيَسّر لَهُم قِرَاءَته من الْقُرْآن الْعَظِيم ويهدون ثَوَاب الْقِرَاءَة الشَّرِيفَة للْوَاقِف وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ وعَلى وَالِديهِ وَذريته وعَلى جَمِيع أموات الْمُسلمين وَأَن يصرف إِلَى الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا
وَإِلَى كل وَاحِد من الْقُرَّاء الْعشْرَة كَذَا وَأَن يتَعَاهَد النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَكَان من الْفرش والتنوير
وَأَن يرتب بِهِ قَائِما يقوم بكنسه وتنظيفه وفرشه وتنويره وَأَن يصرف إِلَيْهِ فِي كل شهر كَذَا يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله إِلَى آخِره(1/276)
وَإِن كَانَ الْوَاقِف جعل فِي الْمَكَان دَارا للْحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ فَيَقُول: وَأما الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ من حُقُوق الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا: فَإِن الْوَاقِف الْمَذْكُور وفر الله لَهُ الأجور وَقفه دَارا للْحَدِيث الشريف
وَقرر فِيهِ عشْرين رجلا مثلا من رجال الحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ على قَائِله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
يقرؤون الحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ قِرَاءَة صَحِيحَة متقنة خَالِيَة من اللّحن والتبديل يَجْلِسُونَ على الكراسي المنصوبة لذَلِك بِالْمَدْرَسَةِ أَو بِالدَّار الْمشَار إِلَيْهَا فِي كل أُسْبُوع سبع مَرَّات كل يَوْم مرّة يجلس كل مِنْهُم صَبِيحَة كل يَوْم على كرسيه يقْرَأ الحَدِيث بِحُضُور من يجْتَمع إِلَيْهِ من الْمُسلمين من الْكتب الشَّرِيفَة كالجامع الصَّحِيح لحافظ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي وَكتاب المصابيح ل لبغوي وَكتاب الْأَذْكَار ل لنووي وَغير ذَلِك من الْكتب الْمَشْهُورَة المأثورة عَن الْعلمَاء الصَّالِحين والمواعظ الْحَسَنَة البليغة
وَقبل صَلَاة الْجُمُعَة من حِين التَّذْكِير إِلَى وَقت التأذين وَأَن يصرف لكل وَاحِد مِنْهُم كَذَا فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه ويؤرخ
وَصُورَة وقف بيمارستان رتبه بعض الْمُلُوك لمرضى الْمُسلمين
الْحَمد لله شرف بقاع الأَرْض بِعِبَادَتِهِ وَفضل بَعْضهَا على بعض بحلول أهل طَاعَته وَجعل مِنْهَا مَا هُوَ مأوى الْفُقَرَاء المنقطعين إِلَى الله وعبادته وَمِنْهَا مَا هُوَ مضجعا للضعفاء فِي أرجائه
فَمنهمْ من حكم عَلَيْهِ بالوفاة وَمِنْهُم من حكم بِتَأْخِيرِهِ إِلَى أجل مُسَمّى على وفْق حكمته وإرادته
نحمده على مَا من بِهِ من ابْتِدَاء عنايته ونشكره على مَا أولانا من نِهَايَة هدايته ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص فِي شَهَادَته مُتبع رشدا فِي ابْتِدَاء عمله وإعادته
ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَخْصُوص بكرامته والمبعوث إِلَى كَافَّة الْأُمَم برسالته وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن الصَّدَقَة من أعظم القربات المقربة إِلَى الله المؤذنة بالفوز بجزيل الْأجر وَالثَّوَاب من الله خُصُوصا صدقَات الْأَوْقَاف الْجَارِيَة
يبْلى ابْن آدم وَيَنْقَطِع عمله من الدُّنْيَا وَهِي مستمرة بَاقِيَة ويجدها فِي الْآخِرَة جنَّة واقية كَمَا ورد فِي صَحِيح السّنة من قَول سيد الْمُرْسلين: (إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث وعد مِنْهَا الصَّدَقَة الْجَارِيَة) لَا سِيمَا وقف يتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَيَاة النُّفُوس وإسباغ أَنْوَاع الْبر وَالْإِحْسَان على(1/277)
الضُّعَفَاء فِي الْمقَام المأنوس وَفِيه لكل كبد حرى من المناهل العذبة مَا يرْوى بِهِ الظمآن ويرجى بِهِ لواقفه من الله الخلود فِي غرفات الْجنان
وَلما اتَّصل علم ذَلِك لمولانا الْمقَام الشريف الْأَعْظَم السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ أعز الله نَصره وضاعف ثَوَابه وأجره وَتحقّق مَا فِي ذَلِك من الْأجر الجزيل الَّذِي لم يزل للبان فَضله رضيعا
رغب فِي ازدياد أجوره عِنْد الله الَّذِي لم يزل بَصيرًا سميعا
ليجد بركَة هَذِه الصَّدَقَة فِي الدُّنْيَا بِدفع الْبلَاء وَفِي الْآخِرَة بارتقائه فِي الدَّرَجَات الْعلي محلا رفيعا والاتسام بسمة من قَالَ فِي حَقه جلّ وَعلا: {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا}
فَحِينَئِذٍ أشهر على نَفسه الشَّرِيفَة ضاعف الله شرفها وأعلا فِي دَرَجَات الجنات غرفها وَهُوَ فِي حَال تمكن سُلْطَانه ونفوذ كَلمته وَثُبُوت جثمانه: أَنه وقف وَحبس وسبل إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده ويصف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَصفا تَاما
ويحدد كل مَكَان مِنْهُ على حِدته ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا: فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ زَاده الله تَوْفِيقًا وَفتح لَهُ إِلَى كل خير طَرِيقا وَقفه بيمارستانا برسم المرضى من الْمُسلمين الَّذين يأْتونَ إِلَيْهِ للتداوي قَاصِدين
يرجون الْعَافِيَة وعَلى الله متوكلين من الرِّجَال وَالنِّسَاء
والأحرار وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء
وَقرر بِهِ من الرِّجَال أَرْبَعَة أَنْفَار حكماء طبائعية
وَأَرْبَعَة حكماء من الجرائحية وَأَرْبَعَة حكماء كحالين يتَرَدَّد كل مِنْهُم إِلَى البيماستان الْمشَار إِلَيْهِ بكرَة وعشيا
ويتعاهد الْحُكَمَاء الطبائعية مَا هم بصدده من عِيَادَة المرضى بالبيمارستان الْمشَار إِلَيْهِ من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد ومباشرتهم وَالنَّظَر فِي حَالهم والتلطف بهم ومساءلتهم عَن أوجاعهم وتشخيص مَا أمكن من أمراضهم ومعالجتهم بِمَا يصلح لَهُم من الْأَدْوِيَة والأشربة والأغذية والشربات والحقن
وَغير ذَلِك فِي أول النَّهَار وَآخره
ويتعاهد الْحُكَمَاء الجرائحية من تَحت نظرهم من أَصْحَاب العاهات والطلوعات والبثورات والثآليل والسلع والدماميل والقروح والبواسير والجروح وَغير ذَلِك
وَالنَّظَر فِي أَحْوَالهم ومعالجتهم بِمَا يصلح لَهُم من المراهم والأدهان والمذرورات والشق والبط وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُوَافق لأمراضهم وَمَا يستعملونه من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْحمام والنطولات كل وَاحِد بِحَسب حَاله(1/278)
ويتعاهد كل وَاحِد من الْحُكَمَاء الكحالين من هُوَ تَحت نظرهم من الرمدى أَو أَصْحَاب أوجاع الْعُيُون من المسيل والقروح وَالْبَيَاض والحمرة والشعرة والدمعة والرطوبة فِي الأجفان وَغير ذَلِك من أمراض الْعين على اخْتِلَاف حالاتها وَالنَّظَر فِي أَحْوَالهم ومعالجتهم بِمَا يَلِيق بهم من الأكحال والأشيافات
وَغير ذَلِك مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْأَشْرِبَة المسهلة والمنضجة والأغذية والحقن
وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا
وَقرر الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وفر الله أجوره وَثَبت تصرفه وَتَقْرِيره بِهَذَا البيمارستان الْمشَار إِلَيْهِ أَرْبَعَة رجال قومة يكنسونه ويغسلونه وينظفون تَحت المرضى وحولهم ويفرشون لَهُم الْفرش
ويضعون لَهُم المخاد ويغطونهم باللحف ويتعاهدونهم بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار ويحضرون لَهُم شرابهم وطعامهم فِي أول النَّهَار وَآخره ويتفقدون مصالحهم
وَإِذا تغير تَحت الْمَرِيض فرَاش بِشَيْء يكرههُ أبدله فراشا غَيره وَشرط أَن يصرف لكل وَاحِد مِنْهُم كَذَا
وَقرر الْوَاقِف أَربع نسْوَة قائمات يقمن بمصالح النِّسَاء المريضات ويفعلن مَعَهُنَّ مَا هُوَ مَشْرُوط على القومة من الرِّجَال الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي كل شهر كَذَا
وَقرر الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ بالبيمارستان الْمَذْكُور: ثَلَاثَة رجال وَاحِد مِنْهُم يتسلم الخزائن بِهِ على أَن يحضر كل يَوْم بكرَة وعشيا إِلَى البيمارستان الْمَذْكُور وَيفتح الخزائن ويتولى صرف الْأَشْرِبَة واللعوقات والسفوفات والسعوطات والمعاجين والمفرحات
وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ تَحت يَده بالخزائن وَيسلم ذَلِك إِلَى القومة على حكم الدستور الَّذِي يَكْتُبهُ الْحُكَمَاء ليفرقوا ذَلِك على المرضى من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأَصْحَاب العاهات من الْجِرَاحَات والرمدى
وَيقف الرجل الآخر بخزائن الرمدى وَيخرج الأكحال والأشيافات مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويفرقه على أَصْحَاب أوجاع الْعين
وَيقف الآخر بخزائن الْجَرْحى وَيخرج مِنْهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من المراهم والأدهان والذرورات والأشياء الَّتِي يعالج بهَا أهل الطلوعات وَغَيرهَا
ويداوي كلا مِنْهُم بِمَا يصلح لَهُ من ذَلِك
وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم فِي كل شهر كَذَا
وَقرر الْوَاقِف رجلَيْنِ متصديين لغسل قماش المرضى والجرحى والمجانين والرمدى(1/279)
وتنظيفها وتكميدها وتغيير ثِيَابهمْ وَغسل مَا أصَاب بدن الْمَرِيض أَو عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّجَاسَات العينية مثل الدَّم والقيح وَالْغَائِط وَالْبَوْل بِالْمَاءِ الْحَار وَغسل أَيْديهم ووجوههم وأرجلهم بِالْمَاءِ الْحَار وتنشيفها بالمناديل النظاف المبخرة وتعاهدهم برش مَاء الْورْد على وُجُوههم وأيديهم والتلطف بهم والشفقة عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم ومساءلتهم فِي كل وَقت عَن حَالهم
وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ
وَقرر الْوَاقِف امْرَأتَيْنِ برسم غسل قماش النِّسَاء بالبيمارستان الْمَذْكُور من المرضى وربات الطلوعات والجريحات والرمدات صاحبات أوجاع الْعين وتنظيفها وَأَن يفعلا مَعَهُنَّ مَا هُوَ مَشْرُوط على الرجلَيْن القائمين بمصالح الرِّجَال الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد من الرجلَيْن والمرأتين الْمَذْكُورين فِي كل شهر كَذَا
وَقرر الْوَاقِف رجلا طباخا يطْبخ للمرضى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الفراريج والدجاج والطيور وَلحم الضَّأْن والأجدية الْمعز بالأمراق النظيفة الطّيبَة الرَّائِحَة
وَقرر رجلا شرابيا خَبِيرا بطبخ الْأَشْرِبَة وتركيب المعاجين والأدوية وطبخ المنضوجات والمطبوخات على اختلافها خَبِيرا بحوائج ذَلِك جَمِيعًا وَمَعْرِفَة أَجْزَائِهَا ومقدارها وتركيبها وَمَعْرِفَة العقاقير وَالْعُرُوق
وَمَا يجتنبه أهل الْمعرفَة من ذَلِك بِحَيْثُ يكون دأبه طبخ الْأَشْرِبَة وتركيب المعاجين والسفوفات والجوارشات
وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد مِنْهُ لأهل البيمارستان بِحَيْثُ يكون رجلا مُسلما دينا خَبِيرا مَأْمُونا ثِقَة قَوِيا
وَشرط أَن يصرف لَهُ كَذَا
وَقرر الْوَاقِف ثَلَاث رجال وَثَلَاث نسْوَة لسهر الرِّجَال الْمَذْكُورين على الرِّجَال وَالنِّسَاء على النِّسَاء من المرضى والجرحى والرمدى بالنوبة
كل وَاحِد ثلث اللَّيْل يَدُور عَلَيْهِم كل وَاحِد فِي نوبَته ويتفقد مصالحهم ويغطي من انْكَشَفَ مِنْهُم أَو زَالَ رَأسه عَن وسادته أَو وَقع عَن فرَاشه أَو احْتَاجَ إِلَى شربة من المَاء أَو إِلَى أَن يقوم إِلَى بَيت الرَّاحَة فيساعده ذَلِك الساهر على حَاجته كَيفَ كَانَت ويتلهف بِهِ ويكلمه كلَاما طيبا
ويجيب دَعوته إِذا دَعَاهُ إِلَيْهِ
وَلَا يغلظ على أحد مِنْهُم القَوْل وَلَا يتكره بِهِ
وَمَتى حصل من الساهرين شَيْء مِمَّا يُؤْذِي المرضى وحصلت الشكوى من المرضى مِنْهُ أزعجه النَّاظر
ورتب غَيره
وَكَذَلِكَ تفعل النسْوَة الثَّلَاثَة بالبيمارستان مَعَ النِّسَاء لَيْلًا كَمَا يَفْعَله الرِّجَال الثَّلَاثَة مَعَ الرِّجَال بالبيمارستان
وَمن ظهر مِنْهَا مَا يُنَافِي ذَلِك أزعجها النَّاظر وَقرر غَيرهَا(1/280)
وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد من الرِّجَال الثَّلَاثَة
والنسوة الثَّلَاث فِي كل شهر كَذَا
وَقرر الْوَاقِف رجلا أنماطيا برسم عمل اللحف والطراريح والمخاد بالقطن الْجيد المندوف بِحَيْثُ يبْقى الْفراش واللحف والمخاد دَائِما نظيفة مجددة الْعَمَل رفخة الْقطن
وَشرط أَن يصرف لَهُ فِي كل شهر كَذَا
وَقرر الْوَاقِف رجلا وَامْرَأَة برسم وقود المصابيح الرِّجَال للرِّجَال وَالنِّسَاء للنِّسَاء وطفئها وغسلها وتعميرها وَعمل فتائلها وَسَائِر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم كَذَا
وَمن درج بالوفاة من البيمارستان الْمَذْكُور غسل وكفن فِي ثَوْبَيْنِ جديدين أبيضين نظيفين بالقطن والحنوط وَمَاء الْورْد وَدفن فِي قَبره الَّذِي يحْفر لَهُ
وَقرر الْوَاقِف رجلا دينا أَمينا عَارِفًا بأَدَاء غسل الْمَيِّت على أوضاعه الْمُعْتَبرَة شرعا برسم غسل من يتوفى من أهل البيمارستان الْمَذْكُور من الرِّجَال
وَامْرَأَة أَيْضا بِهَذِهِ الصّفة تتولى غسل النِّسَاء
وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي كل شهر كَذَا
وَأَن يصرف من ريع الْوَقْف الْمَذْكُور مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ثمن أكفان وحنوط وَأُجْرَة حمالين وحفارين برسم ذَلِك على الْعَادة الْحَسَنَة فِي مثله
وَيذكر البواب وَمَا يصرف لَهُ من الْمَعْلُوم
وَإِن كَانَ فيهم قراء ذكرهم بِعدَّتِهِمْ وَمَا يقرؤون فِي كل يَوْم من أحزاب الْقُرْآن وأجزائه وَالْوَقْت وَالْمَكَان الَّذِي يقرؤون فِيهِ وَمَا لكل وَاحِد مِنْهُم من الْمَعْلُوم
وَإِن كَانَ شَرط خبْزًا يفرق فِيهِ على الْفُقَرَاء ذكر قدره ووزنه وَكَيْفِيَّة تفريقه
وَفِي أَي وَقت ثمَّ يَقُول: وَشرط الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ أَفَاضَ الله نعمه عَلَيْهِ للنَّاظِر فِي وَقفه هَذَا من الْمَعْلُوم على مُبَاشرَة النّظر عَلَيْهِ وعَلى جَمِيع أوقافه وَعمل مصالحها وَتَحْصِيل ريعها وَقسم مغلاتها وَقبض أجور جَمِيع مَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهَا فِي كل شهر كَذَا
وَجعل لَهُ النّظر فِي وَقفه هَذَا بِنَفسِهِ وَأَن يَسْتَنِيب عَنهُ فِيهِ من شَاءَ من الثِّقَات الْأَكفاء الْعُدُول الْأُمَنَاء الناهضين مِمَّن لَهُ وجاهة
وَقرر الْوَاقِف لهَذَا الْوَقْف رجلَيْنِ من أهل الْأَمَانَة والديانة مِمَّن جربت مُبَاشَرَته(1/281)
وَعرفت أَمَانَته وألفت نهضته وكفايته معروفين بالضبط وتحرير الْحساب وقلم التصريف
أَحدهمَا عَامل
وَالْآخر: شَاهد يضبطان ارْتِفَاع هَذَا الْوَقْف ويحوزانه ويجلسان عِنْد النَّاظر فِيهِ
وَيعْمل الْعَامِل الْحساب بِالْحِسَابِ بالحاصل والمصروف أَولا بِأول بأوراق مشمولة بِخَط النَّاظر وخطهما وَشرط أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي كل شهر كَذَا
وَشرط الْوَاقِف تقبل الله صدقته وأسبغ عَلَيْهِ نعْمَته وَأَسْكَنَهُ جنته أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف ينظر فِي أَمر جَمِيع المقيمين بالبيمارستان الْمَذْكُور بِنَفسِهِ ويدور على من بِهِ المرضى والجرحى والرمدى وَغَيرهم ويتفقد أُمُورهم ويسألهم عَن أَحْوَالهم وإبداء ضروراتهم وَسَمَاع شكاياتهم
فَمن وجد لَهُ ضَرُورَة أزالها كل ذَلِك فِي كل يَوْم جُمُعَة من كل أُسْبُوع
وَإِن كَانَ قرر جابيا أَو صيرفيا أَو معمارا ذكره وَذكر مَاله من الْمَعْلُوم ثمَّ يَقُول: وَشرط الْوَاقِف أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف يبْدَأ أَولا بعمارة هَذَا البيمارستان وَعمارَة مَا هُوَ وقف عَلَيْهِ
وَإِصْلَاح ذَلِك جَمِيعه وترميمه وَمَا فِيهِ بَقَاء عينه وَالزِّيَادَة والنمو لأجوره وريعه وارتفاعه
وَبعد ذَلِك يبْتَاع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الزَّيْت برسم التَّنْوِير والقناديل والآلات النّحاس برسم الطَّبْخ والزبادي النّحاس والقيشاني والطاسات والمكانس والمجاريد الْحَدِيد للبلاط وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أدوية وأشربة ومعاجين وسعوطات وسفوفات وأقراص وسكر وفراريج وأدهان ومياه وقلوبات ونضوجات وشمع وزيت وحطب وبراني وعلب وأحقاق رصاص غَيرهَا وفرش ولحف ومخاد وَحصر وَبسط ومراهم وذرورات وأكحال وأشيافات مِمَّا يسْتَمر وجوده بالبيمارستان مُدَّة على مَا يرَاهُ النَّاظر فِي ذَلِك
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرفهُ فِي مصارفه الْمعينَة أَعْلَاهُ يبْقى ذَلِك كُله إِلَى آخِره واستبقى الْوَاقِف النّظر فِي هَذَا الْوَقْف وَالْولَايَة عَلَيْهِ لنَفسِهِ إِلَى آخِره
وَشرط أَن لَا يُؤجر مَا هُوَ مَوْقُوف على الْجِهَة الْمعينَة أَعْلَاهُ وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى آخِره
وَقد أخرج هَذَا الْوَاقِف هَذَا الْوَقْف وَمَا وَقفه عَلَيْهِ من ملكه إِلَى آخِره
فَهَذِهِ شُرُوط الْوَاقِف الَّتِي اشترطها وَهُوَ يَسْتَعْدِي الله إِلَى آخِره
ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ
صُورَة وقف خانقاه للصوفية الرِّجَال: الْحَمد لله الَّذِي سهل سَبِيل رشده لمن حكم(1/282)
فِي الدَّاريْنِ بسعده ووعد من شكر الْمَزِيد
وَأعْطى من صَبر مَا يُرِيد وعضد من اتَّخذهُ ذخْرا
وأجزل لمن تصدق من أَجله ثَوابًا وَأَجرا ومنحه خيري الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى
أَحْمَده على مَا وهب من إحسانه وأشكره على مَا يسر من سلوك مناهج امتنانه
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عبد ألهمه الله رشده فأنفق مَاله ابْتِغَاء مَا عِنْده
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي اصطفاه لرسالته وَخَصه بكرامته
وعَلى آله وصحابته وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن أفضل الصَّدقَات مَا كَانَ عَائِدًا نَفعه على المتصدقين
وَمَا اتَّصل بره ورفده بالفقراء وَالْمَسَاكِين وَرغب فِي ثَوَابه والتقرب بِهِ إِلَى رب الْعَالمين وابتغى مَا عِنْده من الزلفى وَالنَّعِيم الْمُقِيم يَوْم يَجْزِي الله المتصدقين وَلَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ
وَكَانَ فلَان أنجح الله قَصده وأناله خير مَا عِنْده مِمَّن أنار نجم سعادته فِي فلك سَمَاء سيادته وقضت لَهُ الْعِنَايَة الربانية بالتقرب بِهَذَا الْمَعْرُوف إِلَى الله الْعَظِيم وَالْعَمَل بقول النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث الصَّدَقَة الْجَارِيَة) حد هَذَا التَّقْسِيم
فَحِينَئِذٍ أشهد على نَفسه النفيسة صانها الله من الْغَيْر وَحمى حماها من الأنكاد والكدر أَنه وقف وَحبس وسبل إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْمُبَارك الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا وَيذكر مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من المساكن وعدتها والأواوين والمربعات الصيفية والشتوية وَالصِّفَات والخلوات ويستوعب وَصفه استيعابا حسنا ويحدده ثمَّ يَقُول: وَجَمِيع كَذَا ويصفه ويحدده وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان على حِدته ويحدده فَإِذا انْتهى ذكر ذَلِك جَمِيعه يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمَوْصُوف الْمَحْدُود أَولا: فَإِن الْوَاقِف الْمَذْكُور وفر الله لَهُ الأجور وَقفه خانقاه للصوفية
وَقرر فِيهِ إِمَامًا شافعيا أَو حنفيا وَشرط أَن يصرف لَهُ فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا وَكَذَا
وَقرر بهَا شَيخا وَمِائَة فَقِيه مثلا من أهل التصوف اللابسين خرقَة التصوف الناسكين السالكين الورعين العفيفين الْأَنْفس المتجنبين للفواحش الكثيرين الْعِبَادَة وَالصِّيَام وَالْقِيَام والتهجد وَالتَّسْبِيح والتهليل وَالتَّكْبِير وَالذكر والتنظيف والتطهير والتسويك وعَلى أَن يكون الشَّيْخ من الْعلمَاء الأخيار الأتقياء الْأَبْرَار سيرته(1/283)
حميدة وأفعاله سديدة وآراؤه رَشِيدَة من الحافظين لكتاب الله الْعَزِيز عِنْده طرف من الحَدِيث النَّبَوِيّ
وَالتَّفْسِير واللغة الْعَرَبيَّة مِمَّن يحسن تربية الصُّوفِيَّة لابسا خرقتهم تَابعا طريقتهم
على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ من ريع مَا هُوَ مَوْقُوف على الخانقاه الْمشَار إِلَيْهَا من الْأَمَاكِن والمسقفات والقرى والجهات المحدودة الموصوفة بأعاليه بعمارتها وَعمارَة الْمَوْقُوف عَلَيْهَا وترميم ذَلِك جَمِيعه وإصلاحه وَمَا فِيهِ بَقَاء عينه وَتَحْصِيل غَرَض واقفه
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرف مِنْهُ للقائم بوظيفة الْإِمَامَة بالخانقاه الْمشَار إِلَيْهَا فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا وَأَن يصرف لشيخ الصُّوفِيَّة بالخانقاه الْمَذْكُورَة فِي كل شهر كَذَا
وَلكُل صوفي من الْعَرَب والعجم المتأهلين والعزباء فِي كل يَوْم من خبز الْبر الصافي كَذَا وَكَذَا وَفِي كل يَوْم من اللَّحْم الْمَطْبُوخ كَذَا
وَمن الطَّعَام كَذَا وَمن الْحَلْوَى كَذَا فِي كل أُسْبُوع وَمن الدَّرَاهِم كَذَا فِي كل شهر وَمن الصابون كَذَا فِي كل أُسْبُوع وَمن الزَّيْت فِي كل أُسْبُوع كَذَا وَمن الْكسْوَة فِي كل سنة كَذَا
وَإِن كَانَ قرر خَادِمًا ذكر مَاله من الْمَعْلُوم وَيَقُول: وَلكُل من شيخ الصُّوفِيَّة وَالْخَادِم نَظِير مَا لكل صوفي من الْخبز وَالطَّعَام وَاللَّحم والحلوى والصابون وَالزَّيْت فِي الْيَوْم والأسبوع والشهر
وَإِن كَانَ قرر فِي الخانقاه دروسا
فَيَقُول: وَقرر الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ بالخانقاه الْمشَار إِلَيْهَا أَرْبَعَة أَشْيَاخ عُلَمَاء
أحدهم: شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَالثَّانِي: حَنَفِيّ وَالثَّالِث: مالكي وَالرَّابِع: حنبلي
وَقرر أَرْبَعِينَ فَقِيها من كل مَذْهَب عشرَة على أَن يكون على الْمدرس من كل مَذْهَب إشغال الْعشْرَة الَّذين هم من مذْهبه فِي الْعُلُوم النافعة وإلقاء الدُّرُوس لَهُم فِي أَوْقَاتهَا الْمُعْتَادَة
وَشرط على الْفُقَهَاء والمدرسين الإشغال والاشتغال والمطالعة والبحث وتفهيم الطّلبَة والمشتغلين بِالْعلمِ الشريف مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْأُصُول وَالْفُرُوع والنحو واللغة وَالتَّفْسِير والعربية وَالْعرُوض وَعلم الحَدِيث وَغير ذَلِك من الْعُلُوم الْجَائِز الِاشْتِغَال وَالْقِرَاءَة فِيهَا شرعا
وَأَن الْمدرس إِذا ألْقى عَلَيْهِم الدَّرْس فَلَا يخرجُون من مَسْأَلَة حَتَّى يَنْتَهِي الْكَلَام عَلَيْهَا ويتقرر حكمهَا عِنْد كل مِنْهُم بِحَيْثُ لَا ينتقلون من تِلْكَ الْمَسْأَلَة إِلَى غَيرهَا وَلكُل مِنْهُم فِيهَا مَذْهَب غير مَذْهَب الآخر بل لَا ينتقلون من مَسْأَلَة إِلَى أُخْرَى حَتَّى تتقرر الأولى عِنْدهم تقريرا حسنا ويسلموا تَسْلِيمًا ثمَّ ينتقلون إِلَى غَيرهَا
وَشرط الْوَاقِف أَن يصرف إِلَى كل وَاحِد من المدرسين الْأَرْبَعَة فِي كل شهر كَذَا(1/284)
وَإِلَى كل وَاحِد من الْفُقَهَاء الْأَرْبَعين فِي كل شهر كَذَا وَإِن كَانَ شَرط لَهُم أنصبة من الْخبز وَاللَّحم وَالطَّعَام وَغَيره ذكرهَا ثمَّ يذكر نقيب الْفُقَهَاء وَمَاله من الْمَعْلُوم وَمَا عَلَيْهِ من تَفْرِيق الربعة وجميعها إِلَى صندوقها بعد الدُّعَاء وَبسط سجادة الْمدرس وسجادات الطّلبَة ورفعها
وَيذكر الْقَائِم وَمَاله من الْمَعْلُوم
والفراش وَمَاله من الْمَعْلُوم
والبواب وَمَا لَهُ من الْمَعْلُوم
والطباخ الَّذِي يطْبخ للصوفية طعامهم فِي كل يَوْم ويغرفه لَهُم ويفرقه عَلَيْهِم
وَإِذا فرغوا من أكلهم غسل الْأَوَانِي والدسوت ورفعها إِلَى مَحل اسْتِعْمَالهَا وَمَا لَهُ من الْمَعْلُوم ثمَّ يَقُول: على أَن من مَاتَ من الصُّوفِيَّة بالخانقاه الْمَذْكُورَة وَله ولد ذكر اسْتَقَرَّتْ وَظِيفَة الْوَالِد باسم الْوَلَد
وَصرف لَهُ جَمِيع مَا كَانَ مصروفا لوالده لَو كَانَ حَيا
فَإِن كَانَ صَغِيرا لم يبلغ استناب النَّاظر عَنهُ رجلا دينا من أهل الْخَيْر وَيصرف لَهُ من الْمَعْلُوم مَا يرَاهُ
فَإِذا بلغ الصَّغِير وتأهل لِأَن يحضر مَعَ الصُّوفِيَّة جلس مَوضِع وَالِده
وعَلى أَن الشَّيْخ والصوفية المنزلين بالخانقاه الْمَذْكُورَة يحْضرُون ويجتمعون بهَا كل وَاحِد مِنْهُم فِي مَنْزِلَته وعَلى قدر دَرَجَته بعد صَلَاة الْعَصْر فِي كل يَوْم بعد مُضِيّ كَذَا وَكَذَا دَرَجَة وتفرق الربعة الشَّرِيفَة عَلَيْهِم ويقرؤون فِي آخر الربعة مَا تيسرت قِرَاءَته على مُقْتَضى رَأْي الشَّيْخ
فَإِذا فرغوا من الْقِرَاءَة فِي الربعة
يقرؤون سُورَة الْإِخْلَاص ثَلَاث مَرَّات والمعوذتين والفاتحة
وأوائل الْبَقَرَة (إِلَى المفلحون) وأواخر السُّورَة
وَيرْفَع بَعضهم بالعشر صَوته على مُقْتَضى مَا يرَاهُ الشَّيْخ فِي رفع الْعشْر إِمَّا وَاحِدًا أَو أَكثر وَيدعونَ عقب ذَلِك وَيَدْعُو القارىء للعشر أَو الَّذِي يُعينهُ الشَّيْخ للدُّعَاء
وَإِن كَانَ شَرط مادحا بعد قِرَاءَة الْعشْر فيذكره وَمَاله من الْمَعْلُوم
ثمَّ يَقُول بعد قَوْله: وَيرْفَع بَعضهم بالعشر صَوته على مُقْتَضى مَا يرَاهُ الشَّيْخ ثمَّ يقوم المادح وينشد مَا تيَسّر لَهُ إنشاده من المدائح النَّبَوِيَّة
وَكَلَام الْقَوْم من الصُّوفِيَّة وَغَيرهم
فَإِذا جلس دَعَا الدَّاعِي الَّذِي يُعينهُ الشَّيْخ للدُّعَاء عقب ذَلِك للْوَاقِف وترحم عَلَيْهِ وعَلى أمواته وأموات الْمُسلمين ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى أَحْوَالهم وَلَهُم البطالة فِي الْأَيَّام الْجَارِي بهَا الْعَادة كغيرهم من الخوانق وعَلى أَن كلا من الصُّوفِيَّة لَا يخرج مِنْهَا
وَلَا يزعج عَن وظيفته إِلَّا بجنحة ظَاهِرَة
وَإِذا سَافر إِلَى الْحَج الْوَاجِب صرف لَهُ مَا هُوَ مُقَرر لَهُ فِي حَال غيبته إِلَى حِين حُضُوره وَإِن سَافر لغير الْحَج الْوَاجِب فَلَا يُعْطي شَيْئا مِمَّا قرر لَهُ فِي طول غيبته
فَإِذا حضر من سَفَره وَحضر الخانقاه على الحكم المشروح فِيهِ فيعطي مَا هُوَ مُقَرر لَهُ ويعطون الْمُقَرّر لَهُم فِي أَيَّام البطالة الْجَارِي بهَا الْعَادة(1/285)
وَإِن شَرط الْوَاقِف متطببا ذكره وَمَاله من الْمَعْلُوم أَو كحالا ذكره وَمَاله من الْمَعْلُوم
وَيذكر ملْء الصهريج فِي كل سنة وَثمن اللَّحْم والحباش والحطب وَغير ذَلِك من احْتِيَاج الطَّبْخ ومصروف الْحَلْوَى وقماش الْكسْوَة وَغير ذَلِك من الاحتياجات الضرورية وجامكية السواق
وَثمن ثَوْر الساقية وعلوفته ويستوفي ذكر جَمِيع مَا يشرطه الْوَاقِف ثمَّ يَقُول: يجْرِي ذَلِك كُله كَذَلِك
فَإِن تعذر الصّرْف وَالْعِيَاذ بِاللَّه تعلى لذَلِك بِوَجْه من الْوُجُوه أَو بِسَبَب من الْأَسْبَاب كَانَ وَمَا يصرف لمن تعذر الصّرْف إِلَيْهِ مصروفا للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من الْمُسلمين وَالْمُسلمَات
فَإِن عَاد إِمْكَان الصّرْف لمن تعذر إِلَيْهِ الصّرْف عَاد الصّرْف إِلَيْهِ يجْرِي الْحَال فِي ذَلِك كَذَلِك وجودا وعدما إِلَى أَن يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَهُوَ خير الْوَارِثين
وَشرط الْوَاقِف الْمَذْكُور النّظر فِي ذَلِك لنَفسِهِ إِلَى آخِره ويكمل بعد اسْتِيفَاء مَا تقدم ذكره
وَصُورَة وقف زَاوِيَة للْفُقَرَاء: هَذَا مَا وَقفه فلَان إِلَى آخر الصَّدْر وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي عمره الْوَاقِف وأنشأه إنْشَاء حسنا ويصفه ويحدده وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه أَولا: فَإِن الْوَاقِف وَقفه زَاوِيَة على الْفُقَرَاء المجاورين والمترددين إِلَيْهَا والعاكفين بهَا والواردين عَلَيْهَا يَسْتَوِي فِي ذَلِك الْمُقِيم والمتردد وَالْقَدِيم والمستجد والزائر والعائد والصادر والوارد والرائح والغادي والحاضر والبادي
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَعْلَاهُ: فَإِن الْوَاقِف وَقفه على مصَالح الزاوية الْمَذْكُورَة على مَا سَيَأْتِي شَرحه فِيهِ على أَن النَّاظر فِي ذَلِك: يبْدَأ من ريعه بعمارته إِلَى آخِره وَمَا فضل بعد ذَلِك: يصرف مِنْهُ فِي كل شهر للشَّيْخ الْمُرَتّب بالزاوية الْمَذْكُورَة كَذَا وَإِلَى الْخَادِم كَذَا وَإِلَى الطباخ الْمُرَتّب بهَا كَذَا وَيصرف مِنْهُ فِي كل يَوْم ثمن لحم وخبز وحوائج الطَّعَام وكلفة السماط بالزاوية كَذَا على أَن الطَّعَام يعْمل بكرَة وعشيا ويمد السماط أَيْضا بكرَة وعشيا الْعَادة فِي ذَلِك
وَيصرف أَيْضا فِي كل يَوْم ثمن حلوى وَفَاكِهَة كَذَا
وَيصرف مِنْهُ فِي ثمن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الشَّيْخ أَو أحد الْفُقَرَاء إِذا حصل لَهُ ضعف من سكر وشراب وحوائج عطرية وَغَيرهَا(1/286)
وَأُجْرَة طَبِيب على مَا يرَاهُ النَّاظر ويستصوبه وَتَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ ثمَّ يذكر مَعْلُوم الإِمَام والمؤذن والقائم والفراش والبواب وَمَا على الشَّيْخ والفقراء من الصَّلَاة بالزاوية الْمَذْكُورَة وَالْقِرَاءَة وَالذكر والأوراد وأوقاتها
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة الْوَقْف على زَاوِيَة الْفُقَرَاء: الْحَمد لله مثيب من وقف عِنْد نَهْيه وامتثل أمره ويجيب دُعَاء من حبس على نعمه العميمة وشكره ويوفي أجر من حرم مَا حرمه وأعلن ذكره وميسر أَسبَاب الْخيرَات على من تصدق وَلَو بشق تَمْرَة
نحمده على مبراته الغادية والرائحة
ونشكره على صدقاته السانحة والبارحة ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْمُنعم الْوَهَّاب المانح من لبس أَثوَاب القربات جزيل الثَّوَاب ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْوَاقِف على قدم لم تزل نَحْو الْعِبَادَة ساعية سائرة الْقَائِم بِأَمْر الله فِي خلاص هَذِه الْأمة من المهلكات فِي الْآخِرَة الْقَائِل: (إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث وعد مِنْهَا الصَّدَقَة الْجَارِيَة) المنجية من دركات الساهرة
وعَلى آله المطهرين من الرجس تَطْهِيرا
وعَلى أَصْحَابه الغر المحجلين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن أولى مَا ادخر العَبْد ليَوْم معاده وَقدمه بَين يَدي خالقه عِنْد قيام أشهاده: الصَّدَقَة الَّتِي تنيل فاعلها ثَوابًا وَأَجرا وتدفع عَنهُ بلَاء وَتكشف عَنهُ ضرا وَتَكون لَهُ على الصِّرَاط جَوَازًا
وَفِي الطَّرِيق إِلَى دَار الْحَقِيقَة مجَازًا وتورده موارد الأتقياء الأخيار وتطفىء خطيئته كَمَا يطفىء المَاء النَّار وَهِي الذَّخِيرَة الْبَاقِيَة وَالْجنَّة الواقية لَا يخلق جَدِيد ملابسها الجديدان وَلَا يقصر جواد نَفعهَا وَإِن طَال الزَّمَان
وَلما اتَّصل ذَلِك بفلان أعز الله أنصاره وضاعف بره وإيثاره وَأحسن مآبه وأجزل أجره وثوابه بَادر إِلَى تَحْصِيل هَذِه المنقبة الغراء وَرغب فِي ازدياد أجوره عِنْد الله فِي الْأُخْرَى
وسارع لاجتلاء حسان الْجنان الأثيرة وأقرض الله قرضا حسنا ليضاعفه لَهُ أضعافا كَثِيرَة
وَأشْهد على نَفسه النفيسة أَنه وقف وَحبس إِلَى آخِره
وَذَلِكَ جَمِيع الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَالشَّيْء الْفُلَانِيّ وَالشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصف كل مَكَان على حِدته ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَذَوي الْحَاجَات من سَائِر الْمُسلمين المقيمين بالزاوية المعمورة الْمُبَارَكَة المبرورة(1/287)
الْمَعْرُوفَة يخ فلَان الْآتِي ذكره فسح الله فِي مدَّته وَأعَاد علينا وعَلى الْمُسلمين من بركته الَّتِي هِيَ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها ثمَّ يَقُول: والمترددين إِلَيْهَا والواردين عَلَيْهَا: على أَن الْمُتَكَلّم فِي هَذَا الْوَقْف والناظر عَلَيْهِ والمسند أمره وَمَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَيْهِ يبْدَأ من ريعه وارتفاع مغلاته ومتحصلاته بعمارته وإصلاحه
وَمَا فِيهِ الزِّيَادَة لأجوره ومنافعه وتثميره وتكثيره وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من بذر وتقوية فلاح وَإِقَامَة أبقار وآلات عمل وَإِصْلَاح على جاري الْعَادة فِي مثل ذَلِك
وَمهما فضل بعد صرف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كلفة مَا ذكر أَعْلَاهُ حصل بِهِ النَّاظر فِي أَمر هَذَا الْوَقْف المبرور خبْزًا وَطَعَامًا على اخْتِلَاف أجناسه وأنواعه وَصَرفه بالزاوية المعمورة الْمَذْكُورَة على الْمَوْقُوف عَلَيْهِم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ حَسْبَمَا جرت بِهِ الْعَادة فِي إطْعَام الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بالزوايا على مَا يرَاهُ من زِيَادَة ونقصان ومساواة وتفضيل وَله أَن يصرف من ذَلِك مَا يرَاهُ فِي فرش الزاوية الْمَذْكُورَة وتنويرها على جاري الْعَادة فِي مثله
عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله تَعَالَى وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته
وَإِن قرر شَيْئا غير ذَلِك ذكره وَنبهَ على مصرفه تَنْبِيها حسنا ثمَّ يَقُول: محافظا على بَقَاء هَذَا الْوَقْف نموه وزيادته واستقراره واستمراره مثابرا على تسهيل صرفه وتيسيره مبادرا إِلَى تثميره وتكثيره فَإِن تعذر وَالْعِيَاذ بِاللَّه صرف ذَلِك إِلَى الْجِهَة الْمَذْكُورَة حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ عَاد ذَلِك وَقفا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من أمة سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ أَيْنَمَا كَانُوا وَحَيْثُ وجدوا يصرف النَّاظر فِي أَمر هَذَا الْوَقْف أجوره ومنافعه إِلَيْهِم على مَا يرَاهُ من زِيَادَة ونقصان
فَإِن عَاد الصّرْف إِلَى الْجِهَة الْمَذْكُورَة رَجَعَ ذَلِك إِلَيْهَا على الْوَجْه المشروح بأعاليه
يجْرِي ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
وَجعل النّظر فِي وَقفه هَذَا وَالْولَايَة عَلَيْهِ لسيدنا الشَّيْخ الصَّالح الْوَرع الزَّاهِد العابد الْعَالم الْعَامِل الخاشع الناسك الْقدْوَة السالك ضِيَاء الْإِسْلَام حَسَنَة الْأَيَّام شرف الْأَنَام بَقِيَّة السّلف الْكِرَام سليل الصَّالِحين
زين العابدين منهل الصادرين والواردين مربي المريدين مرشد السالكين قطب الْعباد علم الزهاد بركَة الْمُلُوك والسلاطين أبي عبد الله فلَان الْفُلَانِيّ شيخ الزاوية الْمَذْكُورَة
متع الله بحياته ونفع بِصَالح دعواته فِي خلواته يَتَوَلَّاهُ بِنَفسِهِ الزكية مُدَّة حَيَاته لَا يُشَارِكهُ مشارك فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء من جهاته
فَإِذا توفاه الله إِلَيْهِ على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم
كَانَ النّظر فِي هَذَا الْوَقْف وَالْولَايَة عَلَيْهِ لمن يكون شَيخا بالزاوية الْمَذْكُورَة يتَوَلَّى ذَلِك شيخ بعد شيخ
هَكَذَا أبدا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ أجْرى الله الْخيرَات على يَدَيْهِ هَذِه الصَّدَقَة عَن(1/288)
ملكه إِلَى آخِره
وَقد تمّ هَذَا الْوَقْف المقبول وَلزِمَ إِلَى آخِره
وَقبل سيدنَا الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة وقف خانقاه برسم النِّسَاء: هَذَا مَا وقف وَحبس وسبل فلَان إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي أنشأه الْوَاقِف الْمَذْكُور بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
وَجعله دَارا حَسَنَة الْهَيْئَة متقنة البنية مستجدة الْعِمَارَة مُشْتَمِلَة على مسَاكِن ومجالس ومخادع وطباق ويصفها ويحددها وَيذكر عدَّة مساكنها ومخادعها وطباقها ثمَّ يَقُول: وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان على حِدته ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمُبَارك الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا
فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ أجْرى الله الْخيرَات على يَدَيْهِ وَقفه خانقاه برسم النِّسَاء
ورتب بِهِ كَذَا وَكَذَا من النسْوَة الْعَجز الدينات الْخيرَات الكثيرات الذّكر وَالتَّسْبِيح وَالصَّلَاة والتهجد وَالصِّيَام معروفات بالصلاح
ورتب لَهُنَّ شيخة صَالِحَة دينة من ربات الْبيُوت الصينات الْخيرَات ورتب لَهُنَّ امْرَأَة عَالِمَة دينة خيرة خبيرة بِأَبْوَاب الْوَعْظ
حافظة لجَانب جيد من الْآيَات الْكَرِيمَة وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة والْآثَار المروية والحكايات المأثورات عَن الصَّالِحين والصالحات لتعظهن وتذكرهن
ورتب بالخانقاه الْمَذْكُورَة قَائِمَة تقم مَا يحصل بِهِ من الفضلات الملقاة بأرضه وتكنسه وتنظفه وتتعاهد بَيت خلائه بِالْغسْلِ فِي كل يَوْم وَتقوم بفرش الْمَكَان الْمَذْكُور وتنويره وَإِزَالَة شعثه وتغلق الْأَبْوَاب عَشِيَّة وتفتحها بكرَة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
وَتقدم الْأَمْتِعَة لَهُنَّ وتطوي الأزر وتنشرها لَهُنَّ وتملأ أواني الشّرْب لَهُنَّ وتضع الْمَائِدَة لديهن عِنْد الْأكل وترفعها عِنْد فراغهن من الْأكل وَالشرب ورتب لَهُنَّ امْرَأَة تصلح لَهُنَّ طَعَاما فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ بكره وعشيا وتغرف الطَّعَام وتضعه لَهُنَّ على الْمَائِدَة ورتب لَهُنَّ امْرَأَة شَابة فِي الْعُمر قَوِيَّة فِي الْبدن عارفة بِغسْل الثِّيَاب وتنظيفها ونشرها وتلبيسها ورندجتها بالدق متصدية لغسل ثيابهن من كسْوَة الرَّأْس وَالْبدن وتهيىء لَهُنَّ الثِّيَاب نظيفة للبس
وَأما بَقِيَّة الْأَمَاكِن المحدودة الموصوفة بأعاليه
فَإِن الْوَاقِف الْمَذْكُور وفر الله لَهُ الأجور وقف ذَلِك على الخانقاه الْمَذْكُورَة وعَلى من عين بهَا أَعْلَاهُ على أَن النَّاظر فِي وَقفه هَذَا والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ من ريع الْمَوْقُوف على ذَلِك بعمارة الخانقاه الْمشَار إِلَيْهَا وَالْمَوْقُوف عَلَيْهَا وإصلاحه وترميمه
وَمَا فِيهِ الزِّيَادَة لأجوره ومنافعه وَبَقَاء عينه وَتَحْصِيل غَرَض واقفه
وَمَا فضل بعد ذَلِك
يصرف مِنْهُ النَّاظر إِلَى الشيخة بِهَذِهِ الخانقاه الْمُبَارَكَة فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا وَإِلَى كل وَاحِدَة من المتصوفات كَذَا وَإِلَى(1/289)
العالمة كَذَا وَإِلَى الْقَائِمَة كَذَا وَإِلَى الطباخة كَذَا وَإِلَى الغسالة كَذَا وَأَن يرتب النَّاظر لَهُنَّ فِي كل يَوْم من الْأَيَّام على الدَّوَام والاستمرار من لحم الضَّأْن الْجيد اللَّطِيف السمين كَذَا وَكَذَا رطلا بالرطل الْفُلَانِيّ وَمن خبز الْحِنْطَة الصافي كَذَا وَكَذَا رطلا وَمن الْحَوَائِج المختصة بالأطعمة على اختلافها فِي كل يَوْم مَا يَكْفِي لونين من الطَّعَام
وَإِن كَانَ هَذَا الرَّاتِب لَا يَكْفِي لمثلهن
زَاده النَّاظر فِي ذَلِك
وَجعله كَاف لَهُنَّ وَإِن كَانَ فِي هَذَا الرَّاتِب زِيَادَة على قدر كفايتهن فَلَا ينقصهُ بل يَأْمُرهُنَّ أَن يتصدقن بِالْفَضْلِ مِنْهُ على من يرين
وَأَن يصرف إِلَى كل وَاحِدَة من الشيخة والفقيرات الْعشْر مثلا الْمَذْكُورَات فِي هِلَال كل شهر مبلغ كَذَا برسم دُخُولهَا الْحمام وَأَن يرتب لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَأَن يصرف إِلَيْهَا فِي كل لَيْلَة من صَلَاة الرغائب وَنصف شعْبَان من كل سنة من الْحَلْوَى السكرية كَذَا
وَيصرف إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ صَبِيحَة عيد الْفطر من كل سنة مبلغ كَذَا وَأَن يرتب لَهُنَّ فِي كل عيد أضحى من كل سنة بقرة سَمِينَة يضحين بهَا ويأكلن من لَحمهَا
وَمَا فضل مِنْهُ يتصدقن بِهِ
وعَلى الشيخة الْمَذْكُورَة والفقيرات الْمَذْكُورَات مُلَازمَة الخانقاه الْمشَار إِلَيْهَا والبيتوتة فِي مَسْكَنهَا الْمُقَرّر لَهَا
وَالْجُلُوس للذّكر عقيب الصَّلَوَات الْخمس وَالتَّسْبِيح والتهليل وَالدُّعَاء للْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ والترحم عَلَيْهِ وعَلى جَمِيع أموات الْمُسلمين
وعَلى العالمة بهَا الْجُلُوس لَهُنَّ فِي كل يَوْم جُمُعَة على الدَّوَام والاستمرار بالخانقاه الْمَذْكُورَة على الْكُرْسِيّ وتفتح الْمجْلس بِقِرَاءَة الْقُرْآن الْعَزِيز وَالصَّلَاة على النَّبِي وبالأحاديث الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وحكايات الصَّالِحين والصالحات من عباد الله الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وتختم الْمجْلس بِالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاة على النَّبِي وَتَدْعُو للْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وتترحم عَلَيْهِ وعَلى جَمِيع أموات الْمُسلمين
وَمن توفيت من هَؤُلَاءِ النسْوَة الْمَذْكُورَات أَو أَعرَضت عَن وظيفتها أَو ظهر مِنْهَا مَا يُنَافِي الصِّفَات المشروحة أَعْلَاهُ رتب النَّاظر فِي ذَلِك غَيرهَا بِالْوَصْفِ الْمعِين أَعْلَاهُ
يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله إِلَى آخِره
وَجعل الْوَاقِف النّظر فِي وَقفه هَذَا إِلَى آخِره
وَشرط أَن لَا يُؤجر وَقفه هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى آخِره
فقد تمّ هَذَا الْوَقْف وَلزِمَ إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة وقف رِبَاط على الْفُقَرَاء أَو الْعَجَائِز: هَذَا مَا وَقفه فلَان إِلَى آخِره
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْمُبَارك ويصفه ويحدده وَجَمِيع الشَّيْء الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده(1/290)
بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك إِلَى آخِره وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَقفه رِبَاطًا على الْفُقَرَاء المجاورين بِهِ أَو على الفقيرات الأرامل المنقطعات الْعَجز اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ ملك طلق وَلَا وقف وَلَا مَالِيَّة
وَشرط أَن يكون عدتهمْ كَذَا أَو عدتهن كَذَا وَأَن يكون وَاحِدًا مِنْهُم أَو وَاحِدَة مِنْهُنَّ شَيخا أَو شيخة بالرباط الْمَذْكُور مرابطون أَو مرابطات على الصَّلَاة وَالْعِبَادَة وَالذكر والتلاوة وَالتَّكْبِير والتحميد وَالتَّسْبِيح وَالدُّعَاء والتضرع وَإِظْهَار الْخُشُوع والفزع
وَشرط الْوَاقِف: أَن يصرف ريع الْوَقْف عَلَيْهِم أَو عَلَيْهِنَّ بَينهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ
وَأَن يكون للشَّيْخ أَو للشيخة نصيبان
وَلكُل وَاحِد من الْفُقَرَاء أَو الفقيرات نصيب وَاحِد
وَأَن يكون للنَّاظِر فِي أَمرهم من ريع الْوَقْف نصيبان
هَذَا إِذا كَانَ ريع الْوَقْف يصرف بالنصيب وَإِن كَانَ الْوَاقِف قد شَرط عمل سماط بِطَعَام فيذكره وَيذكر مَا لكل وَاحِد أَو وَاحِدَة من الْمَعْلُوم والتوسع فِي الأعياد والمواسم
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْوَقْف على قراء سبع شرِيف: هَذَا مَا وَقفه فلَان إِلَى آخِره
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
على خَمْسَة نفر مثلا من الرِّجَال الحافظين لكتاب الله الْعَزِيز
وَيكون كل وَاحِد مِنْهُم صَحِيح الْقِرَاءَة فصيحا حسن الْأَدَاء والتلاوة صيتًا حسن الصَّوْت ظَاهر الْخَيْر والديانة بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
على أَنهم يَجْتَمعُونَ للْقِرَاءَة بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع الْفُلَانِيّ أَو بِمَسْجِد بني فلَان
الْكَائِن بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ بعد صَلَاة الصُّبْح أَو الْعَصْر أَو الْمغرب من كل يَوْم
ويقرؤون مُجْتَمعين سبعا شريفا من الْقُرْآن الْعَظِيم كَامِلا أَو جُزْءا من ثَلَاثِينَ جُزْءا أَو جُزْءا من سِتِّينَ جُزْءا على مَا يشرطه الْوَاقِف من ذَلِك قِرَاءَة مبينَة متقنة مرتلة بِصَوْت عَال وتغن بِالْقُرْآنِ
ويأتون بِالْمدِّ فِي موَاضعه ويتجنبون العجلة فِي قراءتهم والخلط المفرط وبلع الْحُرُوف وإبدال بَعْضهَا بِبَعْض
يبتدئون بِسُورَة الْفَاتِحَة أول الْقُرْآن
ويقرؤون متواليا سبعا بعد سبع أَو جُزْءا بعد جُزْء إِلَى حِين فراغهم وختمهم (قل) : أعوذ بِرَبّ النَّاس وفواتح سُورَة الْبَقَرَة وخواتمها
ويهدون ثَوَاب الختمة الشَّرِيفَة للْوَاقِف وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ
وعَلى سَائِر أموات الْمُسلمين وَالْمُسلمَات
ثمَّ يعيدون الْقِرَاءَة
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ على الدَّوَام والاستمرار أبدا مَا دَامَت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَمن تَأَخّر مِنْهُم عَن الْجَمَاعَة ثمَّ أدركهم وَقد فَاتَهُ شَيْء من الْمَشْرُوط عَلَيْهِ كَانَ مسامحا بِهِ
وَإِن كَانَ الْفَوات كثيرا وَلم يدْرك أَصْحَابه إِلَّا بعد فراغهم أَو انْقَطع لغير عذر من مرض
فَعَلَيهِ إِعَادَة مَا فَاتَهُ
وَإِن انْقَطع لمَرض أَو حبس أَو سَافر لحج فرض سقط عَنهُ إِلَى حِين فَرَاغه مِمَّا وَقع(1/291)
فِيهِ من هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة
وَمن تكَرر انْقِطَاعه مِنْهُم عَن الْحُضُور وَالْقِرَاءَة لغير عذر أَو أعرض عَن وظيفته قطعه النَّاظر ورتب غَيره بِصفتِهِ
وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد انْقِطَاع سبله إِلَى آخِره
ثمَّ يذكر شَرط النّظر وَشرط الْإِيجَار وَتَمام الْوَقْف ولزومه إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم
وَصُورَة الْوَقْف على قِرَاءَة المولد الشريف النَّبَوِيّ: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ أَولا بعمارة الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ وإصلاحه وصلاحه من متحصله وريعه
وَمَا فضل بعد ذَلِك: يصرف النَّاظر مِنْهُ مَا مبلغه كَذَا إِلَى رجل من أهل الْعلم الشريف ليجلس بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ على الْكُرْسِيّ وَيقْرَأ على من حضر عِنْده من النَّاس مولد سيدنَا مُحَمَّد فِي شهر ربيع الأول من كل سنة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة تمضين مِنْهُ قِرَاءَة حَسَنَة متقنة مفسرة خَالِيَة من اللّحن بِصَوْت يسمعهُ من حضر عِنْده من المستمعين لَهُ
وَيصرف مِنْهُ إِلَى رجل من أهل الدّيانَة والعفاف مبلغ كَذَا ليقوم بتعليق الْقَنَادِيل بعد تعميرها وَوضع الشموع وإشعالها وَبسط السماط وَوضع الطَّعَام عَلَيْهِ بَين يَدي الْحَاضِرين بالمولد الشريف
وَيصرف مِنْهُ مبلغ كَذَا إِلَى رجل يطْبخ الطَّعَام ويغرفه وَيصرف مِنْهُ كَذَا إِلَى رجل من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح مادح لمحاسن رَسُول الله وَصِفَاته ومعجزاته وأخلاقه الشَّرِيفَة
وَيصرف مِنْهُ كَذَا إِلَى ثَلَاث جوق كل جوقة ريس وَثَلَاثَة رسلًا يقرأوه فِي ذَلِك الْيَوْم وَاللَّيْلَة ختمة كَامِلَة ويختمون وَيدعونَ للْوَاقِف وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَالْمُسلمَات ويسردون من الْأَدْعِيَة مَا تيَسّر لَهُم سرده ثمَّ يقف المادح ويمدح الرَّسُول وينشد فِي ذَلِك الْمحل مَا تيَسّر لَهُ إنشاده من القصائد الْحَسَنَة
وَيخْتم بِالصَّلَاةِ على النَّبِي ثمَّ يَدْعُو للْوَاقِف وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين
وَالْبَاقِي من متحصل هَذَا الْوَقْف يصرفهُ النَّاظر فِي ثمن لحم ضَأْن وخبز صَاف وحوائج الطَّعَام وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ من عسل وسكر وأرز
وتفاح وسفرجل وقلويات وَسمن وخضراوات وَبقول وَثمن زَيْت وَحصر وشمع وَمَاء ورد وبخور وحطب وَغير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ وَمَا لَا بُد مِنْهُ يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم
وَصُورَة الْوَقْف على قارىء الحَدِيث النَّبَوِيّ
على قَائِله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره(1/292)
على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف يبْدَأ أَولا من ريعه بعمارته إِلَى آخِره وَمَا فضل يصرف على المرتبين لقِرَاءَة الحَدِيث النَّبَوِيّ على قَائِله سيدنَا مُحَمَّد أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
بالكتب الشَّرِيفَة الْآتِي ذكرهَا الَّتِي وَقفهَا الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ لذَلِك
وقررها بخزانة الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو على الكراسي الْمَوْضُوعَة لذَلِك على الْوَجْه الْآتِي شَرحه وَبَيَانه فِيهِ
فَأَما الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا: فَإِن الْوَاقِف وَقفه دَارا للْحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ على الْوَجْه الْآتِي شَرحه
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف: فَإِن الْوَاقِف وَقفه على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
على أَن النَّاظر يصرف مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا إِلَى رجل من أهل الْعلم الشريف عَارِف بِقِرَاءَة الحَدِيث الشريف وَطَرِيقه متقن لقرَاءَته يجلس على كرْسِي وَيقْرَأ فِي صَحِيح الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ على الْكُرْسِيّ الْكَبِير بقبلية الْمَكَان الْمَذْكُور من مستهل شهر رَجَب من كل سنة إِلَى الْيَوْم الموفى لتسْع وَعشْرين من رَمَضَان من تِلْكَ السّنة وَيقْرَأ مَا تيسرت قِرَاءَته من كتاب الصَّحِيح الْمَذْكُور بِحَضْرَة من يحضرهُ من الْمُسلمين المستمعين لقرَاءَته وَعند فَرَاغه من الْقِرَاءَة فِي كل يَوْم بعد صَلَاة الصُّبْح أَو الظّهْر أَو الْعَصْر يَدْعُو للْوَاقِف ويترحم عَلَيْهِ
وعَلى جَمِيع أموات الْمُسلمين بِحَيْثُ يكون فَرَاغه من قِرَاءَة جَمِيع كتاب الصَّحِيح الْمشَار إِلَيْهِ فِي آخر يَوْم من أَيَّام الْمدَّة المضروبة للْقِرَاءَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فَإِذا اجْتمع النَّاس للختم قَرَأَ شَيْئا من الْقُرْآن الْعَظِيم وَأهْدى ثَوَاب قِرَاءَة الْكتاب الْمَذْكُور وَقِرَاءَة الْقُرْآن الْعَزِيز للْوَاقِف وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين
وَيصرف مِنْهُ كَذَا إِلَى رجل من أهل الحَدِيث يجلس على كرْسِي بِالدَّار الْمَذْكُورَة فِي كل يَوْم جُمُعَة بعد صَلَاة الصُّبْح أَو بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَيقْرَأ من كتاب الْأَذْكَار أَو المصابيح أَو ابْن مَاجَه أَو التِّرْمِذِيّ أَو غير ذَلِك من الْكتب السِّتَّة أَو التَّفْسِير أَو غَيره وآثار الصَّالِحين وحكاياتهم ورقائق الْوَعْظ مَا تيسرت قِرَاءَته على الدَّوَام والاستمرار
ثمَّ يذكر خَازِن الْكتب وَمَاله من الْمَعْلُوم والقائم وَمَاله من الْمَعْلُوم
وَمَا هُوَ مَشْرُوط عَلَيْهِمَا فِي وظيفتهما
وَيذكر شَرط النّظر والإيجار وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره فِي الصَّدْر ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة الْوَقْف على الْأَشْرَاف كثرهم الله تَعَالَى: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصف ذَلِك ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول(1/293)
: فابتداؤه على الْفُقَرَاء الْأَشْرَاف المنتسبين إِلَى السيدين الْإِمَامَيْنِ السعيدين الشهيدين: أبي مُحَمَّد الْحسن وَأبي عبد الله الْحُسَيْن
وَلَدي الإِمَام الطَّاهِر الأنزع أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ سبطي سيدنَا رَسُول الله
يصرفهُ إِلَيْهِم النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف على مَا يرَاهُ ويستصوبه
وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده من زِيَادَة ونقصان وَإِعْطَاء وحرمان وَكثير وَقَلِيل ومساواة وتفضيل
وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعلم شرف المصروف إِلَيْهِ علما يَقِينا وَلَا أَن يكون ذَلِك ثَابتا عِنْد الْحَاكِم
يَكْفِيهِ أَن يكون ذَلِك ظَاهر النّسَب عِنْده بِالسَّمَاعِ الفاشي من النَّاس يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد تعذر وجود وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من أمة سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
فَإِن عَاد إِمْكَان الصّرْف إِلَى من تعذر الصّرْف إِلَيْهِ صرف النَّاظر ذَلِك فِي مصرفه الْمَذْكُور
ثمَّ يذكر شَرط النّظر والإيجار وَغَيره إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْوَقْف على وُجُوه الْبر والقربات: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان على حِدته ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره على جِهَات الْبر والقربات وَالْأَجْر والثوبات والمصالح الْعَامَّة وَالْمَنَافِع الْخَاصَّة والمتعدية والتامة على مَا يرَاهُ النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف ويختاره من صرف ذَلِك إِن شَاءَ قوتا أَو كسْوَة أَو دَرَاهِم أَو تَحْصِيل مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة أَو فكاك أسرى الْمُسلمين أَو عتق الرّقاب وإعانة المكاتبين أَو مداواة المرضى أَو تجهيز الْمَوْتَى أَو سد خلة المحتاجين والفقراء وَالْمَسَاكِين أَو قَضَاء دين المدينين أَو خلاص المسجونين أَو إِعَانَة أَبنَاء السَّبِيل المنقطعين أَو حجاج الْبَيْت الْحَرَام أَو زوار ضريح سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو تجهيز الْغُزَاة أَو الْمُجَاهدين وَصَرفه فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من نَفَقَة وَطَعَام وَسلَاح ومركوب فِي حَال مقاتلة الْعَدو الْكَافِر خَاصَّة وَبِنَاء القناطر والسبل وَعمارَة الْمَسَاجِد والطرق والأنهار وحفر الْآبَار والعيون والقنوات وإطعام الطَّعَام وتسبيل المَاء العذب فِي الطّرق المنقطعة وليالي الْجمع أَو غير ذَلِك مِمَّا يرَاهُ النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف ويستصوبه وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده على الْوَجْه الَّذِي يختاره ويرضيه من صرف ذَلِك وَمَا شَاءَ مِنْهُ من أَبْوَاب الْخَيْر وسبل الْمَعْرُوف المقربة إِلَى الله تَعَالَى الداعية إِلَى رِضَاهُ والفوز بِمَا لَدَيْهِ من تفريج الكربات وَدفع المضرات والضرورات وَتَحْصِيل الْمصَالح الْعَائِد نَفعهَا مِمَّا أوجبه الشَّارِع أَو ندب إِلَيْهِ أَو دلّت الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة عَلَيْهِ يقدم فِيهِ الأهم فالأهم(1/294)
على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ من ريعه بعمارته إِلَى آخِره
ومآل هَذَا الْوَقْف عِنْد تعذر الصّرْف فِي ذَلِك إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَى آخِره وَيذكر شَرط النّظر والإيجار وَتَمام الْوَقْف ولزومه إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة الْوَقْف على المجاورين بِالْحرم الشريف الْمَكِّيّ أَو الْمدنِي أَو بَيت الْمُقَدّس أَو الثَّلَاثَة: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره على المجاورين بِالْحرم الشريف الْمَكِّيّ وَالْحرم الشريف الْمدنِي على الْحَال بِهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام والمجاورين بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى والصخرة بِبَيْت الْمُقَدّس الشريف
بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا
على أَن النَّاظر فِي أمره يبْدَأ أَولا من ريعه بعمارته إِلَى آخِره وَمَا فضل بعد ذَلِك: يقسمهُ النَّاظر أَثلَاثًا وَيجْعَل كل ثلث صررا
كل صرة كَذَا
ويجهز كل ثلث إِلَى جِهَته صُحْبَة ثِقَة مَأْمُون عدل مَعْرُوف بالديانة وَالْأَمَانَة والعفة والصيانة ليفرقه على المجاورين بِالْحرم الَّذِي جهز ذَلِك الشَّخْص إِلَيْهِ من الْأَمَاكِن الثَّلَاثَة الْمشَار إِلَيْهَا
يفعل ذَلِك كَذَلِك فِي كل سنة مرّة
هَذَا إِذا نَص الْوَاقِف على هَذِه الصُّورَة
وَإِلَّا فَيكون كَيفَ اشْترط من أَن يصرف إِلَى المجاورين كسْوَة أَو حِنْطَة أَو غير ذَلِك ثمَّ يذكر شَرط النّظر ومآل الْوَقْف وَشرط الْإِيجَار وَتَمام الْوَقْف ولزومه إِلَى آخِره
وَإِن كَانَ فِي مصَالح الْحرم فيذكره وَيكون الدّفع إِلَى ناظره وَإِن كَانَ برسم فرشه وتنويره
فَكَذَلِك
وَإِن كَانَ شَرط أَن نَاظر الْوَقْف يَشْتَرِي بالريع شَيْئا مثل بسط أَو غير ذَلِك ويحمله إِلَى الْحرم ويفرش فِيهِ أَو يفرقه على خُدَّامه ومجاوريه فيذكره على مُقْتَضى غَرَض واقفه
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة وقف على سَبِيل من مَاء زَمْزَم فِي حرم مَكَّة المشرفة: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف يبْدَأ من ريعه أَولا بعمارته إِلَى آخِره وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرف مِنْهُ فِي كل شهر لمن يَسْتَقِي المَاء الْمُبَارك من زَمْزَم كَذَا وَكَذَا دورقا وَيُوضَع ذَلِك بمَكَان بِالْحرم الشريف الْمَكِّيّ كَذَا وَكَذَا
وَيصرف فِي شِرَاء أواني من دوارق وشربات وأباريق ومغارف بِسَبَب ذَلِك فِي كل شهر كَذَا
وَفِي شِرَاء شَيْء تغطى بِهِ الدوارق وَقت الْحَاجة إِلَى ذَلِك بِسَبَب حر الشَّمْس وَغير ذَلِك مَا تحْتَاج إِلَيْهِ على أَن المتولى لملء الدوارق الْمَذْكُورَة وَخدمتهَا يسبل ذَلِك بعد تبريده على الْخَاص وَالْعَام للشُّرْب خَاصَّة(1/295)
فِي الْحرم الْمشَار إِلَيْهِ للرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان من الطائفين والعاكفين والواردين والمترددين والمصلين أول من النَّهَار إِلَى آخِره أَو فِي أَي وَقت يُعينهُ الْوَاقِف
فَإِن تعذر المَاء من زَمْزَم الْمَذْكُورَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه بِوَجْه من وُجُوه التعذرات أَو بِسَبَب من الْأَسْبَاب فَيُؤْخَذ المَاء من أَي مَكَان أحبه النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف وَيصرف لمن يُبَاشر ذَلِك ويتولى حط الدوارق ورفعها وملئها وغسلها وتغطيتها وتبخيرها فِي كل قَلِيل وتبريدها وتعاهدها من حِين وَضعهَا ملآى وَإِلَى حِين فراغها كَذَا وَكَذَا
وَإِن كَانَ ذَلِك على سَبِيل من الأسبلة فِي غير الْحرم فليكتب: على أَن الْمُبَاشر لذَلِك يسْقِي المَاء ويتولى المناولة للأواني وَأَخذهَا من الشَّارِب وَيفْعل ذَلِك فِي كل يَوْم من أَيَّام السّنة بعد الظّهْر إِلَى أَذَان الْعَصْر على ممر الْأَيَّام والليالي
ويحترز الْفَاعِل لذَلِك أَن يقطع فعله وَقت الْحر أَو فِي أَوْقَات الِاحْتِيَاج إِلَى ذَلِك
فَإِن (فِي كل كبد حرى أجر) ويتلطف بِالَّذِي يتعاطى الشّرْب من ذَلِك
وَيفْعل فِي ذَلِك كَمَا يفعل فِي غَيره من الأسبلة للْمَاء
فَإِن تعذر وَالْعِيَاذ بِاللَّه الصّرْف لذَلِك كَانَ مَا يصرف لذَلِك مصروفا إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من الْمُسلمين وَالْمُسلمَات حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ وجدوا
فَإِن عَاد إِمْكَان الصّرْف لمن تعذر إِلَيْهِ الصّرْف
عَاد الصّرْف إِلَيْهِ يجْرِي ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره
وَإِن كَانَ الْوَاقِف شَرط أَن يَشْتَرِي حانوتا وَيجْعَل سَبِيلا فِي مَكَان معِين يَقُول: على أَن النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف يبْدَأ أَولا من ريعه بعمارته إِلَى آخِره وَمَا فضل يَشْتَرِي مِنْهُ أزيارا فخارا وكيزانا وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ معد للشُّرْب على مَا يرَاهُ النَّاظر ويستأجر حانوتا فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو فِي أَي مَكَان يرَاهُ النَّاظر فِي هَذَا الْوَقْف على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه من الْأُجْرَة بِحَيْثُ إِنَّه لَا يتَعَدَّى أُجْرَة ذَلِك فِي الشَّهْر كَذَا وَكَذَا درهما
وَيَضَع فِيهَا الْأَوَانِي الْمَذْكُورَة الْمعدة للشُّرْب ويستأجر لمن يحمل فِي كل يَوْم من النَّهر الْفُلَانِيّ أَو من مَاء النّيل الْمُبَارك أَو من الْمَكَان الْفُلَانِيّ كَيْت وَكَيْت على مَا يرَاهُ وَيُوضَع فِي الأزيار الْمَذْكُورَة بعد غسلهَا وتبخيرها وَإِزَالَة أوساخها وَجعلهَا مِمَّا يطيب بهَا الشَّارِب نفسا وَلَا يعافها وَلَا يستقذرها ويبرد المَاء
وَينصب لتسبيل ذَلِك وَفعله شخص من الْمُسلمين الأخيار المتحرزين من النَّجَاسَات مِمَّن يكون لِبَاسه نظيف وبدنه نظيف
وَيفْعل فِي ذَلِك مَا يفعل مثله فِي مثل ذَلِك من الشيل والحط والمناولة وملء الْأَوَانِي وَغير ذَلِك فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ
ويغلق الْحَانُوت ويفتحه وَيمْسَح بلاطه ويزيل أوساخ الْحَانُوت(1/296)
وَيصرف لَهُ فِي كل شهر كَذَا
فَإِذا انْكَسَرت الْأَوَانِي والشربات والكيزان والأباريق الْمعدة لذَلِك أَعَادَهَا النَّاظر
وَكلما انْكَسَرت أَو شَيْء مِنْهَا أَعَادَهُ من مَال الْوَقْف يفعل ذَلِك على مر الدهور والأعوام والليالي وَالْأَيَّام وَيشْرب من ذَلِك الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالْخَاص وَالْعَام والأرامل والأيتام
فَإِن تعذر الصّرْف إِلَى ذَلِك صرف ريعه فِي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من الْمُسلمين
فَإِن عَاد إِمْكَان الصّرْف صرف إِلَيْهِ
يجْرِي ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره ويكمل
وَصُورَة وقف حَوْض للسبيل: الْحَمد لله الْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل
الَّذِي وفْق من ارْتَضَاهُ لما يرضاه من الْجَمِيل وَأَحْيَا بِهِ دواثر مآثر الْفَضَائِل فثبتت لَهُ أَفضَلِيَّة التَّفْضِيل وَيسر لَهُ أَعمال الْبر والقربات فرفل فِي أَثوَاب مجدها الأثيل ونهض مستمسكا بِمَا ثَبت فِي صَحِيح السّنة الشَّرِيفَة عَن صَاحب الْحَوْض والكوثر
الْمَخْصُوص بالشفاعة الْعُظْمَى يَوْم الْعَطش الْأَكْبَر حَيْثُ قَالَ وَقَوله أصدق مَا قيل: (من حفر بِئْر مَاء لم يشرب مِنْهُ كبد حرى من جن وَلَا آنس وَلَا طَائِر إِلَّا كَانَ لَهُ أجر ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) وَهَذَا نَص صَرِيح فِي حُصُول الأجور
وناهيك بِهِ من دَلِيل وَمَا رُوِيَ عَن مَحْمُود بن الرّبيع: أَن سراقَة بن مَالك بن جعْشم قَالَ يَا رَسُول الله: الضَّالة ترد على حَوْضِي فَهَل لي فِيهَا من أجر إِن سقيتها قَالَ: (اسقها
فَإِن فِي كل كبد حرى أجر)
ومتواتر السّنة يشْهد لسقي المَاء بِأَجْر كثير وَفضل جزيل
نحمده حمد عبد عرف نعم الله عَلَيْهِ فأنفق مَاله ابْتِغَاء مرضاته ومنح مِنْهُ الْفَقِير والمسكين وَابْن السَّبِيل
ونشهد أَن لَا آله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا شَبيه لَهُ وَلَا مثيل
ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي رفع الله بِهِ قَوَاعِد الدّين على عمد التتميم والتكميل صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه الَّذين صفت بهم مشارع الْحق وخضرت الْبِقَاع من ندى أكفهم المشكورة الْجُود فِي الْمقَام والرحيل صَلَاة توردنا حَوْضه وتدير علينا كؤوس كوثره السلسبيل وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَلَمَّا كَانَ الْوَقْف من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا
والطاعات الَّتِي وَردت السّنة الشَّرِيفَة بالحث عَلَيْهَا وَكَانَ لَا يلْحق العَبْد من الْأَعْمَال الصَّالِحَات بعد مماته إِلَّا إِحْدَى(1/297)
ثَلَاث: (صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ) كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الواردات
وَلما علم فلَان أَن هَذَا سَبِيل جعله الله نِهَايَة الطلاب وَأَن مورده العذب النمير سَبيله إِلَى تَحْصِيل الْأجر وَالثَّوَاب رغب فِيمَا عِنْد الله من الثَّوَاب الَّذِي لَا يَنْقَطِع اسْمه وَلَا يندرس رسمه وَلَا يضيع عِنْد الله ثَوَابه وبره وَلَا ينقص فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة أجره وبادر إِلَى وُرُود مشارع هَذِه الْمِنَّة الْعَظِيمَة
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة: أَنه وقف وَحبس وسبل إِلَى آخِره جَمِيع الْحَوْض الرخام الْأَبْيَض الْكَبِير أَو الْأسود الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصف جوانبه وصدره وَأَعلاهُ وأسفله وأبنيته وَمَا بِهِ من الأعمدة ويحدده ثمَّ يَقُول: هَذَا الْحَوْض الْمُبَارك الْمَذْكُور أنشأه الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وعمره وسَاق إِلَيْهِ المَاء من قناة كَذَا بِحَق وَاجِب مُسْتَمر دَائِم أبدا مَا جرى المَاء فِي الْقَنَاة الْمَذْكُورَة
وَوصل إِلَيْهِ فِي كيزانه وبرابخه المدهونة بِالْأَرْضِ وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
على أَن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ جعل الْحَوْض الْمَذْكُور سَبِيلا للْمُسلمين يرتفقون بِهِ بالشرب وَالْوُضُوء والاغتسال وَسقي الْمَوَاشِي وَغسل الثِّيَاب والأواني وَنقل المَاء مِنْهُ إِلَى حَيْثُ شاؤوا فِي الْقرب والجرار على الدَّوَابّ وعَلى الظُّهُور
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ: فَإِن الْوَاقِف وَقفه على مصَالح الْحَوْض الْمَذْكُور برسم عِمَارَته وَعمارَة طَرِيق المَاء الْوَاصِل إِلَيْهِ من الْقَنَاة الْمَذْكُورَة وَثمن كيزان وبرابخ وكلس وتراب أَحْمَر وزيت وقطن برسم اللاقونية وَأُجْرَة قنواتية وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد مِنْهُ لعمارة الْقَنَاة وتنظيفها من الطين اللازب وَيصرف مِنْهُ إِلَى القنواتية كَذَا فِي كل شهر
وَإِن كَانَ حفر بِئْرا أَو بناه على بِئْر قديمَة ذكرهَا ووصفها وَصفا تَاما وَوصف عدتهَا الْمعدة لإدارتها وَذكر تدويرها وتربيعها ثمَّ يَقُول: وَإِلَى رجل يتَوَلَّى غسل الْحَوْض الْمَذْكُور وتنظيفه فِي كل يَوْم ويتردد إِلَى الْقَنَاة لإِطْلَاق المَاء إِلَيْهِ كلما احْتَاجَ إِلَى ذَلِك(1/298)
وَإِن كَانَ سواقا ذكر خدمته وَتَعْلِيق الثور وإدارته عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى ذَلِك وحله وَتَوَلَّى سقيه وعلفه وَإِصْلَاح عدته الْمعدة لإدارته على مَا جرت بِهِ عَادَة السواقين فِي مثل ذَلِك وَيذكر مَاله من الْمَعْلُوم فِي كل شهر وَيصرف مِنْهُ فِي كلفة الساقية وعلف الثور وَشِرَاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من عدَّة الإدارة فِي كل شهر كَذَا ثمَّ يَقُول: يبْقى ذَلِك كَذَلِك إِلَى آخِره ثمَّ يذكر بداءة النَّاظر بعمارة الْمَوْقُوف والحوض الْمَذْكُور
وَصرف مَا قَرَّرَهُ بعد ذَلِك
ثمَّ يذكر مآل الْوَقْف عِنْد انْقِطَاعه وَتعذر جهاته يذكر شَرط النّظر والإيجار وَتَمام الْوَقْف ولزومه ثمَّ يكمل ويؤرخ على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة وقف خَان للسبيل: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع الخان الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصفه وَيُنْعِتُهُ والبلد الَّذِي هُوَ فِيهِ أَو فِي الطَّرِيق للمارة وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من البوائك والأقبية والمخازن والطباق وَغير ذَلِك ويحدده ثمَّ يَقُول: وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان ويحدده ثمَّ يَقُول: وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول: فَأَما الخان الْمَذْكُور: فَإِنَّهُ وَقفه وَجعله سَبِيلا للمارة من الْمُسَافِرين والغادين والرائحين والصادرين والواردين يبيتُونَ بِهِ ويربطون دوابهم فِيهِ من غير إِضْرَار بِأحد مِمَّن يأوى إِلَيْهِ ويبيت فِيهِ
يَسْتَوِي فِي الْمبيت فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير والحقير وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالْقَوِي والضعيف والمشروف والشريف لَا يزعج أحد فِيهِ من مَكَانَهُ الَّذِي يسْبق إِلَيْهِ وَلَا يشوش أحد عَلَيْهِ
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه: فَإِن الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ برد الله مضجعه ومنحه الْفَوْز فِي الدَّار الْآخِرَة بِثَوَاب مَا صنعه وَقفه على مصَالح خَان السَّبِيل الْمَذْكُور على أَن النَّاظر فِي وقف هَذَا والمتولى عَلَيْهِ يبْدَأ أَولا من ريعه بعمارته وَعمارَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَى آخِره
وَمَا فضل بعد ذَلِك: يصرف مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا إِلَى رجل يرتبه النَّاظر فِيهِ بوابا بِبَاب الخان الْمَذْكُور يتَوَلَّى فتح بَابه وغلقه على عَادَة أَمْثَاله
وَيصرف مِنْهُ فِي كل شهر كَذَا إِلَى رجل يكون متبتلا بكنس الخان الْمَذْكُور جَمِيعه من بوائكه وأرضه وتنظيفه من التُّرَاب والزبل والأوحال المتحصلة من الأمطار وتصريف مَا يمْكث فِي قاعه من الْمِيَاه والأوساخ بِحَيْثُ لَا يزَال نظيفا مكنوسا دَائِما أبدا
وَكلما حصل الروث من الدَّوَابّ كنسه أَولا بِأول وَيَوْما بِيَوْم
وَنقل مَا يتَحَصَّل فِيهِ من الزبل وَغَيره إِلَى ظَاهر الخان الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ قد جعل فِيهِ مَسْجِدا ذكر إِمَامه وقيمه ومؤذنه
وَمَا لكل مِنْهُم من الْمَعْلُوم وَصرف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْفرش وَالزَّيْت
وَيذكر مآل الْوَقْف عِنْد تعذر جهاته وَشرط النّظر وَغَيره على نَحْو مَا تقدم شَرحه(1/299)
وَصُورَة وقف تربة للْوَاقِف وَأَوْلَاده: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَيذكر بقعته ويصفه ويحدده وَجَمِيع كَذَا وَجَمِيع كَذَا ويصف كل مَكَان ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول: فَأَما الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَولا: فَإِن الْوَاقِف وَقْفَة تربة برسم دَفنه وَدفن موتاه من أَوْلَاده ونسله وعقبه وأزواجه وأرقائه وعتقائه وعصباته وأقاربه من ذَوي الْأَرْحَام الذُّكُور وَالْإِنَاث وأنسالهم
وَأما بَاقِي الْمَوْقُوف: فَإِن الْوَاقِف وَقفه على مصَالح التربة وَمَعْلُوم المرتبين بهَا على مَا يَأْتِي شَرحه فِيهِ
على أَن النَّاظر فِي ذَلِك يبْدَأ أَولا بعمارة الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ وَعمارَة التربة إِلَى آخِره وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرف مِنْهُ كَذَا إِلَى رجل برتبة النَّاظر قَائِما بالتربة الْمَذْكُورَة يقوم بوظيفة الكنس والتنظيف والتسعيف وَغسل الرخام ومسحه
وَغسل الْبركَة وَإِطْلَاق المَاء إِلَيْهَا والفرش والتنوير وَغسل المصابيح وتعميرها
وَيصرف كَذَا إِلَى ثَمَانِيَة رجال قراء حافظين لكتاب الله الْعَزِيز على أَنهم يحْضرُون فِي كل يَوْم وَلَيْلَة ويقرؤون من الْقُرْآن مَا يَسعهُ كل وَقت من الْأَوْقَات الْآتِي تَعْيِينهَا على مَا يشْرَح فِيهِ
فيحضر اثْنَان مِنْهُم وَقت الصُّبْح بعد الصَّلَاة ويقرآن إِلَى انْتِهَاء ثَلَاث سَاعَات رملية
ويحضر اثْنَان مِنْهُم وَقت الظّهْر ويقرآن بعد الصَّلَاة إِلَى أدان الْعَصْر
ويحضر اثْنَان مِنْهُم وَقت الْعَصْر ويقرآن بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَذَان الْمغرب
ويحضر الِاثْنَان الباقيان من الثَّمَانِية وَقت الْعشَاء ويقرآن من بعد الصَّلَاة إِلَى انْتِهَاء ثَلَاث سَاعَات رملية
يقرؤون هَكَذَا بالنوبة والدور على ميكام زجاج من الرمل مُحَرر
كلما حضر اثْنَان وجلسا للْقِرَاءَة قلباه وَلَا يتمان الْقِرَاءَة حَتَّى يفرغ الرمل
يبقون على ذَلِك كَذَلِك أبدا على الدَّوَام والاستمرار
وَكلما قَرَأَ اثْنَان وفرغا من قراءتهما دَعَا أَحدهمَا للْوَاقِف ولوالديه وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وترحم عَلَيْهِم وَأمن الآخر على دُعَائِهِ
ثمَّ يَقُول: وَيصرف إِلَى الإِمَام الرَّاتِب بالتربة فِي كل شهر كَذَا وَإِلَى الْمُؤَذّن كَذَا وَإِلَى الْقَائِم كَذَا وَإِلَى الْخَادِم كَذَا وَإِلَى البواب كَذَا وَإِلَى النَّاظر كَذَا وَإِلَى المعمار كَذَا وَإِلَى الجابي كَذَا وَإِلَى الْمُبَاشر كَذَا
ثمَّ يذكر الشُّرُوط الْمُتَقَدّم ذكرهَا: ويكمل ويؤرخ على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة وقف إِنْسَان على نَفسه: وقف فلَان إِلَى آخِره جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول: أنشأ الْوَاقِف الْمَذْكُور وَقفه هَذَا على نَفسه مُدَّة حَيَاته ينْتَفع بذلك فِي(1/300)
السكن والإسكان وَسَائِر وُجُوه الانتفاعات الشَّرْعِيَّة أبدا مَا عَاشَ ودائما مَا بَقِي لَا يُشَارِكهُ فِيهِ مشارك وَلَا ينازعه فِيهِ مُنَازع وَلَا يتأوله عَلَيْهِ فِيهِ متأول
فَإِذا توفاه الله تَعَالَى عَاد ذَلِك وَقفا على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على أنساله وأعقابه بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
ثمَّ بعد كل وَاحِد مِنْهُم يعود مَا هُوَ وقف عَلَيْهِ من ذَلِك وَقفا على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على أنساله وأعقابه بَينهم
وَمَات مِنْهُم عَن غير ولد وَلَا ولد ولد وَلَا نسل وَلَا عقب: عَاد مَا هُوَ وقف عَلَيْهِ من ذَلِك وَقفا على من هُوَ فِي دَرَجَته وَذَوي طبقته من أهل الْوَقْف
وَمن مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يصل إِلَيْهِ شَيْء من هَذَا الْوَقْف وَترك ولدا أَو ولد ولد أَو نَسْلًا أَو عقبا اسْتحق وَلَده من الْوَقْف مَا كَانَ يسْتَحقّهُ وَالِده لَو بَقِي حَيا يبْقى ذَلِك كَذَلِك أبدا مَا تَوَالَدُوا ودائما مَا تَنَاسَلُوا وتعاقبوا بَطنا بعد بطن وقرنا بعد قرن وطبقة بعد طبقَة
فَإِذا انقرضوا بأجمعهم وخلت الأَرْض مِنْهُم وَمن أنسالهم وَأَعْقَابهمْ وَلم يبْق أحد مِمَّن ينتسب إِلَى الْوَقْف بأب من الْآبَاء وَلَا بِأم من الْأُمَّهَات: عَاد ذَلِك وَقفا على كَذَا وَكَذَا على مَا شَرطه الْوَاقِف
ثمَّ يَقُول: ومآل هَذَا الْوَقْف إِلَى آخِره ثمَّ يذكر شَرط النّظر والإيجار وَتَمام الْوَقْف ولزومه إِلَى آخِره
ويكمل ويؤرخ على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ ابْتِدَاء الْوَقْف على أَوْلَاده لصلبه الْمَوْجُودين يَوْم الْوَقْف ذكرهم بِأَسْمَائِهِمْ الذُّكُور وَالْإِنَاث ثمَّ يَقُول: وَمن عساه أَن يُولد من الذُّكُور وَالْإِنَاث بَينهم بِالسَّوِيَّةِ على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة ثمَّ على أَوْلَادهم إِلَى آخِره غير أَنه فِي صُورَة الْوَقْف على أَوْلَاده الْمَوْجُودين يَقُول: وَقبُول الْمَوْقُوف عَلَيْهِم من الْوَاقِف ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانُوا صغَارًا تحتة حجره قبل هولهم من نَفسه
وَإِن كَانَ الْوَقْف فِي وَقفه الَّذِي وَقفه على نَفسه شَرط لنَفسِهِ فِيهِ زِيَادَة أَو نقصا فَيَقُول بعد ذكر شَرط النّظر: وَشرط الْوَاقِف الْمَذْكُور لنَفسِهِ زِيَادَة مَا يرى زِيَادَته أَو أَن لَهُ زِيَادَة مَا يرى زِيَادَته وتنقيص مَا يرى تنقيصه وعزل من يرى عَزله وَاشْتِرَاط مَا يرى اشْتِرَاطه واستبدال مَا يرى استبداله وَعمارَة مَا يرى عِمَارَته من غير ضَرَر بِالْوَقْفِ الْمَذْكُور
وَيكون الَّذِي يعمره وَقفا كَشَرط الْوَاقِف وَفعل مَا يرى فعله فِي الْوَقْف الْمَذْكُور على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن أَرَادَ الْوَاقِف أَن يكون الْوَقْف وَقفا مجمعا عَلَيْهِ ملكه لشخص تَمْلِيكًا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ ثمَّ يوقفه(1/301)
المتملك على المملك ثمَّ على أَوْلَاده
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه: الْوَاو فِي الْوَقْف تَأتي للتشريك و (ثمَّ) للتَّرْتِيب
وَكَذَلِكَ الْأَعْلَى فالأعلى أَو الأول فَالْأول
فصل: وَإِذا عدم كتاب الْوَقْف
وَتمّ من يشْهد بِهِ أَو نسي التَّارِيخ والواقف حَاضر
فالكتابة فِي ذَلِك على مَعْنيين
الْمَعْنى الأول: أقرّ فلَان أَنه قبل تَارِيخه وقف جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده وَيذكر الْجِهَات الَّتِي كَانَ أوقف عَلَيْهَا إِلَى آخرهَا
وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأَن شُهُوده تحملوا عَلَيْهِ الشَّهَادَة بِهَذَا الْوَقْف حِين صدوره مِنْهُ
وَكَتَبُوا عَلَيْهِ بِهِ كتابا وتسلمه الْوَاقِف وَادّعى عَدمه وتاريخه أنسى
فاستند فِي ذَلِك إِلَى إِقْرَار الْوَاقِف الْمَذْكُور
وَذَلِكَ أَنِّي رفعت قصَّة إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَأذن فِي كِتَابَة كتاب هَذَا الْوَقْف وتحديده على هَذَا الْمِنْهَاج بِمُقْتَضى خطه الْكَرِيم على هَامِش قصَّة رَفعهَا الْوَاقِف الْمَذْكُور ويشرح الْحَال فِي ذَلِك وَمِثَال الْإِذْن ليجيب إِلَى سُؤَاله على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وخلدت الْقِصَّة الْمَذْكُورَة بحانوت شُهُوده حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
الْمَعْنى الثَّانِي: أَن يسْأَل الْوَاقِف كِتَابَة محْضر شَرْعِي بذلك وَيكْتب الْحَاكِم أَسْفَل السُّؤَال ليكتب ثمَّ يكْتب شُهُوده الواضعون خطوطهم إِلَى آخِره يعْرفُونَ فلَانا ويذكرون مَكَانَهُ ويوصف ويحدد معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك: أَن فلَانا الْمَذْكُور قبل تَارِيخه وقف الْمَكَان الْمَوْصُوف الْمَحْدُود بأعاليه وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَيذكر جِهَة مصرفه إِلَى آخرهَا وَأَنَّهُمْ كتبُوا بذلك كتابا وَادّعى الْوَاقِف عَدمه عدما لَا يقدر على وجوده وحددوا على إِقْرَاره هَذِه الشَّهَادَة بِالْوَقْفِ الْمَذْكُور على حكمه فِي يَوْم تَارِيخه
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل ويؤرخ حسب الْإِذْن الْكَرِيم الْفُلَانِيّ ثمَّ يشْهدُونَ فِيهِ عِنْد الْحَاكِم ويسجل عَلَيْهِ بِثُبُوت الْمحْضر المسطر بَاطِنه عِنْده على الحكم الْمَشْرُوط بَاطِنه
وَصُورَة وقف موصى بِهِ عَن ضيق الْوَصِيَّة عَن الثُّلُث: وقف فلَان وَهُوَ الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ عَن فلَان فِيمَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بِمُقْتَضى كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر من يَده المتضمن إيصاؤه إِلَيْهِ: أَن يقف جَمِيع الدَّار الْآتِي ذكرهَا ووصفها وتحديدها وتحبيسها وتسبيلها وتحريمها وتأبيدها وتخليدها المخلفة عَن الْمُوصي الْمَذْكُور وَهِي بيد الْوَصِيّ الْمَذْكُور حَالَة الْوَقْف
وَأَنه يشْتَرط النّظر فِي ذَلِك لنَفسِهِ ثمَّ من بعده لحَاكم الْمُسلمين
إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشروح فِي كتاب الْوَصِيَّة المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت(1/302)
مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
ثمَّ اعْتبرت تَرِكَة الْمُتَوفَّى الْمَذْكُور فَضَاقَ ثلثهَا من الْعقار وَغَيره عَن اسْتِيعَاب وَصَايَاهُ
فَكَانَ مَا ينفذ الْوَقْف فِيهِ بِحكم الْوَصِيَّة من ثلث الدَّار الْمُوصي بوقفها الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ خَمْسَة أسْهم من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة لدُخُول النَّقْص على جِهَات الْوَصَايَا وَحكم المحاصصة فِيهَا مَعَ نظر الْحَاكِم الْفُلَانِيّ فِي ذَلِك وَحكمه بِمُوجبِه وإذنه للْقَاضِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ فِي إِنْفَاذ الْوَصِيَّة وَالْعَمَل بمقتضاها بعد ثُبُوت مَا يعْتَبر ثُبُوته فِي ذَلِك لَدَيْهِ شرعا
وقف الْمُوصي الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَحبس إِلَى آخِره جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها خَمْسَة أسْهم من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من جَمِيع الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه
وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والضعفاء والمحتاجين من أمة مُحَمَّد
أَو على جِهَة اخْتَارَهَا الْوَاقِف وعينها فِي كتاب وَصيته ثمَّ يذكر شَرط النّظر وَغَيره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه: الْوَقْف من الْوَصِيّ لَا يَصح إِلَّا بِشُرُوط موصيه
فَإِذا أخل بِشَرْط لم يَصح حَتَّى يَأْتِي بِشُرُوط موصيه جَمِيعهَا كَامِلَة
فَإِن الْمُوصي هُوَ رب المَال
فَيتبع شَرطه فِي جَمِيع مَا نَص عَلَيْهِ فِي وَصيته وَلَا بُد من ثُبُوت الْوَصِيَّة عِنْد الْحَاكِم الَّذِي يثبت عِنْده الْوَقْف أَو يتَّصل بِهِ ثُبُوتهَا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَصُورَة مَا إِذا وقف فِي مرض مَوته عقارا لَا يملك غَيره وَمَات وَلم تجز الْوَرَثَة الزَّائِد على الثُّلُث وَأُرِيد ثُبُوت الْوَقْف واختصاص جِهَة الْوَقْف بِثلث الْمَكَان الْمَوْقُوف
واختصاص الْوَرَثَة بالثلثين ملكا
يكْتب بذيل كتاب الْوَقْف أَو على ظَهره أَو بهامشه: فصل يتَضَمَّن أَن الْوَاقِف لَا يملك غير هَذَا الْمَكَان
وَصُورَة الْفَصْل الَّذِي يكْتب: يشْهد من يضع خطه فِيهِ بِمَعْرِِفَة فلَان الْوَاقِف الْمَذْكُور الْمُسَمّى بَاطِنه وَالْمَكَان الْوَقْف الْمَحْدُود الْمَوْصُوف فِيهِ معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك: أَن الْوَاقِف الْمَذْكُور كَانَ مَالِكًا حائزا للمكان الْمَوْصُوف الْمَذْكُور وَأَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من مَرضه الَّذِي بَاشر فِيهِ الْوَقْف الْمَذْكُور وَلم يملك غير الْعقار الْمَذْكُور
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويؤرخ
ثمَّ يكْتب الْحَاكِم لتحلف الْوَرَثَة: فَيكْتب فصل حلف صورته: أَحْلف كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وهم وَرَثَة فلَان الْوَاقِف الْمُسَمّى بَاطِنه بِاللَّه الْعَظِيم الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا: أَن مُورثهم الْمَذْكُور توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من مَرضه الَّذِي وقف فِيهِ الْمَكَان الْمَذْكُور بَاطِنه وَأَنه لم يملك غَيره(1/303)
وَتُوفِّي عَنهُ خَاصَّة
وَأَنه مَا أجَاز مَا زَاد على الثُّلُث الَّذِي يَصح وقف مُورثهم فِيهِ وَأَن من شهد فِي الْفَصْل المسطر فِيهِ صَادِق فِي شَهَادَته
فَحلف كَمَا أَحْلف بالتماسه لذَلِك
ويؤرخ
ثمَّ يكْتب فصل إعذار على الْوَرَثَة ثمَّ يسجل على الْحَاكِم بالثبوت وَالْحكم الْمُوجب
وَصُورَة تسجيله: أَنه ثَبت عِنْده مَضْمُون الْفَصْل المسطر بأعاليه أَو بِظَاهِرِهِ أَو بهامشه وجريان الْحلف الْمَذْكُور فِيهِ وإعذار من أعذر إِلَيْهِ من الْوَرَثَة الْمَذْكُورين فِيهِ
وَمَا نسب إِلَى الْوَاقِف من حُصُول الْوَقْف الْمَذْكُور فِيمَا زَاد عَن الثُّلُث من ذَلِك فِي مرض الْمَوْت وَعدم الْإِجَازَة من الْوَرَثَة الْمَذْكُورين فِيهِ
وباطن الْوَقْف مؤرخ بِكَذَا وَمَعْرِفَة الْوَقْف الْمَذْكُور وتشخيص الْوَرَثَة الْمَذْكُورين لَدَيْهِ التشخيص الشَّرْعِيّ ثبوتا شَرْعِيًّا
وَحكم بِمُوجب الْوَقْف الْخَاص من الْمَكَان الْمَوْقُوف بَاطِنه وَهُوَ الثُّلُث مِنْهُ لجهته الْمَذْكُورَة
وبالثلثين للْوَرَثَة الْمَذْكُورين على سَبِيل الْملك بالفريضة الشَّرْعِيَّة خَال ذَلِك عَن الْوَقْف حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَإِن كَانَ الْوَرَثَة أطفالا: فاليمين متعذرة فِي حَقهم كتعذر الْيَمين فِي حق الْوَرَثَة
وَإِذا خلف مكانين أَو أَكثر ووقف ذَلِك وَكَانَ لَا يملك غَيره وَمَات
وَلم يجز الْوَرَثَة الزَّائِد على الثُّلُث من ذَلِك
فَمَا يُزَاد على مَا تقدم سوى محْضر قيمَة حَتَّى يعرف مِقْدَار الثُّلُث
وَإِن أجازت الْوَرَثَة فَيكْتب على ظهر كتاب الْوَقْف
حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان وَفُلَان وهم وَرَثَة الْوَاقِف الْمَذْكُور بَاطِنه
وَأشْهدُوا على أنفسهم وهم فِي حَال الصِّحَّة والسلامة أَن مُورثهم الْمَذْكُور قبل وَفَاته وقف الْوَقْف الْمَذْكُور وَهُوَ فِي صِحَة عقله وتوعك جسده وَحُضُور حسه وفهمه وَتُوفِّي من مَرضه هَذَا
فَصَارَ التَّصَرُّف لَهُ فِي الثُّلُث من ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَالْحجر عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ
وَقد أَجَازُوا الْقدر الزَّائِد على الثُّلُث وَهُوَ الثُّلُثَانِ من الْمَكَان الْمَوْقُوف فِيهِ وأبقوا الْوَقْف على حكمه المشروح بَاطِنه وَلم يكن لَهُم فِي الْوَقْف الْمَذْكُور وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا فِيمَن شهد بِهِ وَلَا فِيمَن شهد فِيهِ وَلَا فِي شَيْء من ذَلِك دَافع وَلَا مطْعن وَلَا حجَّة وَلَا ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا إِرْث وَلَا موروث وَلَا شَيْء قل جلّ وَأَن ذَلِك صدر من أَهله فِي مَحَله على الأوضاع الشَّرْعِيَّة صدورا شَرْعِيًّا وَيَقَع الثُّبُوت بعد ذَلِك
وَإِن أجَاز الْبَعْض وتخلف الْبَعْض فَيكْتب ذَلِك على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وَيجمع الَّذِي(1/304)
لجِهَة الْوَقْف من ذَلِك وَمَا بَقِي لمن بَقِي من الْوَرَثَة الَّذين لم يجيزوا
ضَابِط: مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله: أَن الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة وَالْحَالة هَذِه لَا يتَمَيَّز فِيهَا مَكَان بِالْوَقْفِ
وَلَكِن يبْقى كل مَكَان فِيهِ حِصَّة مَوْقُوفَة
وَمذهب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله: تَقْوِيم الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة وَالْحَالة هَذِه ويخص فِيهَا الْوَقْف بمَكَان حَتَّى يبْقى الْوَقْف خَالِصا من غير شركَة فيفعل فِي إجَازَة الْبَعْض وتخلف الْبَعْض كَمَا تقدم من محْضر الْقيمَة وَالْحلف والإعذار للْوَرَثَة
ويتميز مِنْهَا مَكَان الْوَقْف وَبَقِيَّة الْأَمَاكِن يخْتَص بهَا من لم يجز الْوَرَثَة بَعضهم أَو كلهم
وَيثبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم وَيحكم بِمُوجبِه أَو بِصِحَّتِهِ
فَإِذا حكم بِصِحَّتِهِ فَلَا بُد من محْضر الْملك والحيازة وَيكْتب فِي الأسجال كَذَلِك: أَنه ثَبت عِنْده مَا نسب إِلَى الْوَاقِف الْمَذْكُور من الْوَقْف الْمَذْكُور بَاطِنه وَصِحَّته فِي الثُّلُث وبطلانه فِي الثُّلثَيْنِ
وَعدم إجَازَة الْوَرَثَة فِي الثُّلثَيْنِ ومضمون محْضر الْقيمَة وَفصل الْحلف والإعذار وبإفراز الْمَكَان الْفُلَانِيّ لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور والمكانين الباقيين من ذَلِك على ملك الْوَرَثَة الْمَذْكُورين فِي الْمحْضر الْمَذْكُور بالفريضة الشَّرْعِيَّة على مُقْتَضى مذْهبه واعتقاده
وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة استبدال وقف بِملك ليوقف عوضه بِإِذن الْحَاكِم الْحَنْبَلِيّ أَو الْحَنَفِيّ: استبدل فلَان من فلَان وَهُوَ المستبدل بِمَا يَأْتِي ذكره فِيهِ بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم لاستهدام الْوَقْف الْمُبدل الْآتِي ذكره ولوجود الْغِبْطَة والمصلحة لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ فِي الِاسْتِبْدَال بِمَا يَأْتِي ذكره شرعا وَلكَون الْمُبدل الْآتِي تَعْيِينه أَكثر قيمَة من الْوَقْف الْمُبدل الْآتِي ذكره وأجزل أُجْرَة وأدر ريعا وأغزر فَائِدَة وَأحكم بِنَاء ليوقف عوضه على حكمه فِي الْحَال والمآل وَلكَون الْوَقْف الْمُبدل يَوْمئِذٍ خرابا معطلا مَعْدُوم الِانْتِفَاع بِهِ على شَرط واقفه وَأَنه الْآن لَا يرد شَيْئا أبدا
فبمقتضى ذَلِك: استبدل فلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ من الْمَأْذُون الْمُسَمّى أَعْلَاهُ مَا هُوَ وقف على مصَالح الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة المنسوبة إِلَى إيقاف فلَان وتوصف وتحدد وَذَلِكَ جَمِيع الْحَانُوت الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده بحقوقه كلهَا إِلَى آخِره بِمَا هُوَ جَار فِي ملك المستبدل المبدأ بِذكرِهِ أَعْلَاهُ وَبِيَدِهِ إِلَى حِين هَذَا الِاسْتِبْدَال
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها بحقوقها إِلَى آخِره استبدالا صَحِيحا شَرْعِيًّا
جرى بَين المستبدلين الْمَذْكُورين فِيهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ بعد الِاحْتِيَاط الْكَافِي لجِهَة الْوَقْف
وَسلم المستبدل المبدأ بِذكرِهِ إِلَى الْمَأْذُون لَهُ جَمِيع الدَّار المحدودة الموصوفة بأعاليه فتسلمها لجِهَة الْوَقْف(1/305)
الْمَذْكُور مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَسلم الْمَأْذُون لَهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ إِلَى المستبدل المبدأ بِذكرِهِ جَمِيع الْحَانُوت الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ لَهُ ملكا طلقا يقبل الِانْتِقَال من ملك إِلَى ملك بِحكم هَذَا الِاسْتِبْدَال بعد الرُّؤْيَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة وَضَمان الدَّرك فِي ذَلِك لَازم حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف بعدله
وَجرى عقد هَذَا الِاسْتِبْدَال وَالْإِذْن فِيهِ بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ: أَن الْمُبدل الْمعِين أَعْلَاهُ وقف على الْجِهَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ حَالَة الِاسْتِبْدَال وَأَن فِي هَذَا الِاسْتِبْدَال غِبْطَة ومصلحة لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور وَأَن الْمُبدل بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ قِيمَته أَكثر من قيمَة الْمُبدل الْمعِين أَعْلَاهُ وأجزل أُجْرَة وأدر ريعا وأغزر فَائِدَة وَأحكم بِنَاء حَالَة الِاسْتِبْدَال وَأَن الْمُبدل بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ ملك المستبدل المبدأ بِذكرِهِ أَعْلَاهُ وَبِيَدِهِ إِلَى حِين الِاسْتِبْدَال ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَبعد تَمام ذَلِك ولزومه وَصِحَّته ونفوذه شرعا: وقف الْمَأْذُون لَهُ الْمُسَمّى أَعْلَاهُ بِإِذن سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ جَمِيع الدَّار المحدودة الموصوفة أَعْلَاهُ بحقوقها كلهَا وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الْجِهَة الْمعينَة أَعْلَاهُ تجْرِي أجورها ومنافعها على جِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور حَسْبَمَا هُوَ معِين فِي كتاب وقف ذَلِك الْمُتَقَدّم التَّارِيخ على تَارِيخه فِي الْحَال والمآل والتعذر والإمكان وَالنَّظَر
ويكمل على نَحْو مَا سبق ويؤرخ
فصل: إِذا كَانَ الْوَقْف نقضا لَا ينْتَفع بِهِ
يَأْذَن الْحَاكِم فِي كشفه وَيكْتب محضرا بالمهندسين
وَصورته: صَار من سيضع خطه آخِره من المهندسين أَرْبَاب الْخِبْرَة بالعقارات وعيوبها والأملاك وقيمها المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وكشفوه كشفا شافيا وشاهدوه وعاينوه وَأَحَاطُوا بِهِ علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة ويصفون مَا شاهدوه فِيهِ وَيَقُولُونَ: وَأَن ذَلِك صَار فِي حكم النَّقْض لَا ينْتَفع بِهِ فِي السكن وَلَا فِي الْأُجْرَة وَهُوَ يضر بالجار والمار ويخشى سُقُوطه عَن قرب
وَإِن لم يزل تداعى وَسقط وأضر بالجار والمار
شاهدوا ذَلِك كَذَلِك وشهدوا بِهِ مسؤولين
ثمَّ يكْتب بعد ذَلِك فصل قيمَة
وَصورته: يشْهد من سيضع خطه آخِره من شُهَدَاء الْقيمَة أَرْبَاب الْخِبْرَة بِتَقْدِير العقارات وأجرها المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
أَن الْقيمَة لجَمِيع النَّقْض الْمَوْصُوف فِي محْضر الْكَشْف المسطر بَاطِنه يَوْمئِذٍ كَذَا وَكَذَا
وَأَن الْحَظ والمصلحة لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور فِي بيع النَّقْض الْمَذْكُور بِالْقدرِ الْمعِين أَعْلَاهُ يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا ويؤرخ
ثمَّ يُقيم المهندسون شهاداتهم فِي محْضر الْكَشْف عِنْد الْحَاكِم
وَكَذَلِكَ شُهُود(1/306)
الْقيمَة ويرقم لَهُم على الْعَادة فِي مثل ذَلِك ثمَّ يَأْذَن الْحَاكِم فِي بيع ذَلِك
وَيكْتب فصل إِذن
وَصورته: أذن سيدنَا فلَان الدّين ويستوفي ذكر ألقاب الْحَاكِم الْآذِن لمستحقي ريع الْوَقْف الْمَذْكُور أَو لمن يُعينهُ الْحَاكِم فِي بيع النَّقْض الْمَذْكُور بالمبلغ الَّذِي قوم بِهِ الْمَذْكُور فِي فصل الْقيمَة المسطر بَاطِنه لمن يرغب فِي ابتياعه بذلك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَفِي قبض الْمبلغ الْمَذْكُور ثمنا عَن ذَلِك وَيفْعل فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف فِي مثل ذَلِك إِذْنا شَرْعِيًّا وَيشْهد على الْحَاكِم بذلك ويؤرخ
فَإِذا بيع كتب: اشْترى فلَان من فلَان الْقَائِم فِي بيع مَا سَيَأْتِي ذكره فِيهِ بطرِيق الِاسْتِحْقَاق عَن نَفسه وبطريق الْوكَالَة عَن بَقِيَّة مستحقي الْوَقْف الْمَذْكُور
وهم فلَان وَفُلَان
أَو بطرِيق النّظر الشَّرْعِيّ على الْوَقْف الْمَذْكُور أَو بِإِذن سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ وَأمره الْكَرِيم لَهُ بذلك لوُجُود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضِي لذَلِك الثَّابِت لَدَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ جَمِيع كَذَا وَكَذَا
وَيذكر السَّبَب والمحضرين وَالْإِذْن من الْحَاكِم إِن كَانَ الْكتاب مقتضيا
وَإِن كَانَ على ظهر محْضر الْكَشْف فيشير إِلَيْهِ ويحيل على بَاطِنه وَيذكر الثّمن وَقَبضه ليفعل البَائِع فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف ويكمل الْمُبَايعَة بالمعاقدة والرؤية والتخلية والتفرق بالأبدان عَن ترَاض ويؤرخ
وَيثبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم وَيحكم بِمُوجبِه أَو بِصِحَّتِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ وَلَا يُبَاع نقض الْمَسْجِد بِحَال
تذييل: إِذا وقف الْإِنْسَان على النَّفس وَلم يُثبتهُ على حَاكم وَلَا علقه على صفة وَأَرَادَ الْوَاقِف الرُّجُوع فِي الْوَقْف على مَذْهَب أبي حنيفَة الَّذِي يرى صِحَّته: فَيَأْذَن الْحَاكِم للْوَاقِف فِي الرُّجُوع وَيكْتب فِي هَامِش الْمَكْتُوب: فصل
وَصورته: أذن سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان الْوَاقِف الْمَذْكُور فِيهِ فِي الرُّجُوع فِي وَقفه على الْوَجْه الشَّرْعِيّ أَو يسْأَل الْوَاقِف حَاجته لذَلِك فِي قصَّة وَيكْتب الْحَاكِم عَلَيْهَا ليجيب على سُؤَاله
فَإِذا صدر ذَلِك
كتب: أشهد عَلَيْهِ فلَان الْوَاقِف الْمَذْكُور فِيهِ: أَنه رَجَعَ عَن الْوَقْف الَّذِي وَقفه بَاطِنه
وَأَعَادَهُ إِلَى ملكه رُجُوعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَإِذا بَاعه كتب الْمُبَايعَة
وَأثبت ذَلِك على الْحَاكِم الَّذِي أذن لَهُ فِي الرُّجُوع
وَصُورَة إسجاله: أَنه ثَبت عِنْد جَرَيَان عقد التبايع المشروح بَاطِنه على مَا نَص وَشرح بَاطِنه
وَثَبت أَيْضا عِنْده الرُّجُوع عَن الْوَقْف الْمَذْكُور بَاطِنه بالشرائط الشَّرْعِيَّة بعد(1/307)
الْإِذْن المشروح بَاطِنه وإعادته إِلَى ملكه قبل صُدُور التبايع المشروح بَاطِنه
وَأَنه لم يتَّصل بحاكم وَلَا مُحكم وَلَا مَحل يرى صِحَّته وَلم يعلقه على صفة وَلَا أجراه مجْرى الْوَصِيَّة ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِصِحَّة ذَلِك أَو بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة إبِْطَال الْوَقْف على النَّفس عِنْد الشَّافِعِي: يكْتب على ظهر كتاب الْوَقْف: بعد أَن قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بِالْوَقْفِ المشروح بَاطِنه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
أشهد على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه أبطل الْوَقْف الْمَذْكُور وَحكمه على مُقْتَضى مذْهبه واعتقاده وَأَعَادَهُ ملكا كَغَيْرِهِ من الْأَمْلَاك
وَحكم بِمُوجب ذَلِك حكما شَرْعِيًّا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِذا كَانَ الحكم بِالصِّحَّةِ
فَيثبت عِنْد الْحَاكِم الْملك والحيازة للْوَاقِف الْمَذْكُور وَأَنه لم يتَّصل بحاكم وَلَا مُحكم وَلَا مَحل يرى صِحَّته إِلَى تَارِيخه
فَائِدَة: سُئِلَ فَقِيه الْعَرَب هَل يجوز بيع الْوَقْف قَالَ: نعم
(الْوَقْف) السوار من عاج
فصل: فِي مُبَاشرَة الْوَقْف
يكْتب فِي رَأس الورقة بعد كسرهَا: ارْتِفَاع الْوَقْف الْفُلَانِيّ الْجَارِي تَحت نظر الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي أَو الْحَنَفِيّ أَو غَيرهمَا
وَإِن كَانَ جِهَة ذكرهَا مثل الْحَرَمَيْنِ الشريفين أَو الصَّدقَات الحكيمة أَو مدرسة أَو جَامع أَو غَيره ثمَّ يَقُول: لشهر كَذَا أَو لسنة كَذَا مِمَّا حرر ذَلِك مخصوما مساقا مُضَافا إِلَى ذَلِك مَا يجب إِضَافَته فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا جباية فلَان الْفُلَانِيّ مبلغ كَذَا
ثمَّ يكْتب فِي الْهَامِش الْأَيْمن الْخط الْفُلَانِيّ كَذَا
ويفصل هَذَا الْخط بحوانيته وسكانه وَيكْتب أُجْرَة كل حَانُوت تَحْتَهُ شَهْري وسنوي
فَإِذا انْتَهَت الحوانيت وسكانها ذكر الطباق بعْدهَا بسكانها وَأُجْرَة كل طبقَة شَهْري وسنوي إِلَى أَن يَنْتَهِي ذَلِك الْخط
فَيكْتب الآخر وَيفْعل فِي تَفْصِيله كَمَا فعل فِي الأول إِلَى أَن يَنْتَهِي من ذَلِك كُله
ويطابق جملَة زِمَام الأَصْل بالتفصيل
ثمَّ يَقُول: مستخرج من ذَلِك مبلغ كَذَا وَكَذَا ثمَّ يَقُول: الْبَاقِي بعد ذَلِك كَذَا وَكَذَا ويفصل على أربابه ثمَّ يكْتب المصروف فِي الْهَامِش الْأَيْسَر مبلغ كَذَا
ويفصله بجهاته وأربابه ثمَّ يكْتب البارز بعد ذَلِك كَذَا وَالْبَاقِي بعد ذَلِك كَذَا
أَو الْمُتَأَخر بعد ذَلِك كَذَا مِمَّا هُوَ حَاصِل فلَان الجابي الْمَذْكُور أَو غَيره(1/308)
ثمَّ يكْتب الشَّاهِد على ظهر الْقَائِمَة الأولى من الِارْتفَاع: علامته الْمَعْهُودَة وَالْأَمر على مَا نَص وَشرح فِيهِ
وَكتبه فلَان الْفُلَانِيّ
وَإِذا كتب ارتفاعا ثَانِيًا تاليا لهَذَا الِارْتفَاع الأول يصف من البارز من الِارْتفَاع الأول إِلَى البارز من الِارْتفَاع الثَّانِي
وَإِن كَانَ استخرج شَيْئا من الْبَاقِي الأول أَضَافَهُ إِلَى ذَلِك أَيْضا
وَصُورَة ذَلِك: إِذا كتب الِارْتفَاع الثَّانِي والمستخرج وَالْبَاقِي والمصروف والبارز يكْتب: وأضيف إِلَى ذَلِك مَا وَجب إِضَافَته وَهُوَ البارز من الْمُسْتَخْرج فِي الْمدَّة الأولى الَّتِي هَذِه الْمدَّة تَلِيهَا الَّتِي آخرهَا كَذَا وَكَذَا مبلغ كَذَا وَكَذَا
فَذَلِك الأَصْل وَالْإِضَافَة كَذَا وَكَذَا
وَيكْتب الشَّاهِد كَمَا كتب أَولا
وَصُورَة محاسبة الجابي: محاسبة فلَان الْفُلَانِيّ الجابي فِي الْوَقْف الْفُلَانِيّ الْجَارِي تَحت نظر فلَان الْفُلَانِيّ على مَا استأداه من ريع الْوَقْف الْمَذْكُور فِي مُدَّة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا
وعَلى مَا صَار إِلَيْهِ من الْبَاقِي على أربابه مِمَّا يلْزم الجابي الْمَذْكُور تَحْقِيقه
وَإِن كَانَ عزل وَولى غَيره فَيكْتب بعد قَوْله: (فِي مُدَّة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا) وَهِي حِين انْفِصَاله من جباية الْوَقْف الْمَذْكُور واستقرار فلَان الْفُلَانِيّ فِي الجباية عوضه مِمَّا جرى ذَلِك فِي تَارِيخ كَذَا
وَتحمل عَلَيْهِ جملَة مَا استأداه وَيكْتب مبلغه فِي الزَّمَان ويفصله
فَإِذا انْتهى تَفْصِيله ومصروفه وَتَأَخر عَلَيْهِ بَاقِي يكْتب: الْبَاقِي بعد ذَلِك كَذَا وَكَذَا
ويفصل هَذَا الْبَاقِي بجهته على أربابه مفصلا ويشمل الْحساب بِخَط الشَّاهِد إِن كَانَ الْحساب بِخَطِّهِ كَمَا تقدم ذكره وَيشْهد الجابي الْمُنْفَصِل فِي ظَاهر الْحساب
وَصُورَة مَا يكْتب: أشهد عَلَيْهِ فلَان الجابي الْمَذْكُور بَاطِنه أَن المحاسبة المشروحة بَاطِنه: قُرِئت عَلَيْهِ أصلا وخصما ومصروفا وباقيا وَجُمْلَة وتفصيلا وَعلم صِحَّتهَا وَصدق عَلَيْهَا واعترف بصدورها عَنهُ على الحكم المشروح بَاطِنه
وَعَلِيهِ تَحْقِيق الْبَاقِي الْمفصل بَاطِنه فِي جِهَة أربابه
وَالْخُرُوج من تَبعته لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور بَاطِنه على الْوَجْه الشَّرْعِيّ ويؤرخ
وَيشْهد عَلَيْهِ بِشَاهِدين غير شَاهِدي الْوَقْف
هَذَا إِذا كَانَ الجابي المحاسب فصل وتسلم جابي غَيره يكْتب تصقيع
وَصورته: أَنه يكْتب فِي رَأس الورقة بعد كسرهَا: عمل مبارك يشْتَمل على تصقيع الْوَقْف الْفُلَانِيّ الْجَارِي تَحت نظر فلَان الْفُلَانِيّ لشهر كَذَا أَو لسنة كَذَا مِمَّا حرر ذَلِك عِنْد اسْتِقْرَار فلَان الْفُلَانِيّ فِي جباية الْوَقْف الْمَذْكُور وتسليمه إِيَّاه فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
ثمَّ يكْتب تَحت هَذَا الصَّدْر فِي رَأس الْهَامِش الْأَيْسَر مبلغ كَذَا وَكَذَا
ثمَّ يفصل الأخطاط(1/309)
بحوانيتها وطباقها كل خطّ على حِدته بجملته وتفصيله كَمَا فعل أَولا
وَإِن كَانَ فِي الْوَقْف بَاقِيا: فَيشْهد بِشُهُود التصقيع على من عِنْده ذَلِك
مِثَاله: إِذا كتب فِي التصقيع: حَانُوت فلَان فِي الشَّهْر كَذَا يكْتب مُقَابِله فِي الْهَامِش: وَالْبَاقِي عَلَيْهِ كَذَا
ثمَّ يكْتب آخر التصقيع: جملَة الْبَاقِي عِنْد أربابه كَذَا مِمَّا تجمد ذَلِك على السكان الْمَذْكُورين فِيهِ من أُجْرَة سكنهم بِالْوَقْفِ الْمَذْكُور إِلَى آخر كَذَا
وَيشْهد على الجابي بِتَسْلِيم الْوَقْف بِالْبَاقِي
وَأَن عَلَيْهِ استخراجه
وَالْخُرُوج مِنْهُ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
فصل: فِي اسْتِخْرَاج مَال الْوَقْف
وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: المياومة
وَيُقَال: الموايمة يكْتب فِي رَأس الورقة التَّارِيخ مستهل شهر كَذَا وَيكْتب تَحت التَّارِيخ: الْمُسْتَخْرج من ريع الْوَقْف الْفُلَانِيّ جباية فلَان الْفُلَانِيّ الجابي فِي الْوَقْف الْمَذْكُور الْخط الْفُلَانِيّ كَذَا
تَفْصِيله: فلَان كَذَا فلَان كَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي الْمُسْتَخْرج
فَيكْتب نَهَاره كَذَا وَكَذَا
ثمَّ يكْتب الْهَامِش الْأَيْسَر: المصروف من ذَلِك كَذَا
تَفْصِيله: جباية كَذَا حمولة كَذَا عجز كَذَا البارز بعد ذَلِك كَذَا وكل من استخرج مِنْهُ شَيْئا كتب لَهُ وصُولا
مِثَاله: من جِهَة فلَان من أُجْرَة سكنه بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ مِمَّا يُحَاسب بِهِ كَذَا ويشمله شَاهد الْوَقْف بِخَطِّهِ
وَيُعْطِي للجابي يَدْفَعهُ لصَاحبه
ثمَّ يعْمل مبَاشر الْوَقْف جَرِيدَة تشْتَمل على أَمَاكِن الْوَقْف جَمِيعه
وَالطَّرِيق فِي عمل الجريدة: أَن يَجْعَل الْمُبَاشر لكل اسْم ورقة بَيْضَاء بِحَيْثُ يبْقى يخْدم عَلَيْهَا وَيكْتب فِي رَأس الورقة حَانُوت سكن فلَان كَذَا
وَكلما استخرج مِنْهُ الموايمة شَيْء نَقله إِلَى الجريدة بتاريخه
وَذَلِكَ مِمَّا يعين الْمُبَاشر فِي عمل الْحساب الَّذِي يرفعهُ فِي كل سنة أَو فِي كل شهر على قدر الْعَادة
والحساب لَا يصلح إِلَى بالميزان
وَمِثَال ذَلِك: أَن يَجْعَل النقدات الَّتِي فِي الْحساب فِي نَاحيَة من الورقة نقدة مُجَرّدَة عَن الِاسْم إِلَى آخر النقدات ويجمعها
فَإِن ذَلِك يُعينهُ على الصِّحَّة فِي الْجُمْلَة
وَتسَمى هَذِه الْمِيزَان وَعَن أَرْبَاب صناعَة الْحساب (مسير طيار) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ميزَان الْحساب(1/310)
كتاب الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والعمرى والرقبى والنحلة
وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الْأَحْكَام
(الْهِبَة) تمْلِيك الْعين بِغَيْر عوض
وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَقَوله تَعَالَى: {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَالْمَلَائِكَة وَالْكتاب والنبيين وَآتى المَال على حبه ذَوي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل}
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تهادوا تحابو)
وَأجْمع الْمُسلمُونَ على استحبابها
إِذا ثَبت هَذَا: فَإِن الْهِبَة للأقارب أفضل لقَوْله تَعَالَى: {وَآتى المَال على حبه ذَوي الْقُرْبَى} فَبَدَأَ بهم
وَالْعرب تبدأ بالأهم فالأهم
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن
فَمن وَصلهَا وَصله الله وَمن قطعهَا قطعه الله) والشجنة: بِضَم الشين وَكسرهَا وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (قَالَ الله تَعَالَى: أَنا الله وَأَنا الرَّحْمَن وَأَنا خلقت الرَّحِم وشققت لَهَا اسْما من اسْمِي
فَمن وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا قطعته) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفضل الصَّدَقَة الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم الْكَاشِح) يَعْنِي المعادي لِأَن الصَّدَقَة تقطع المعاداة وترفعها
وَقَالَ بَعضهم(1/311)
:
(هَدَايَا النَّاس بَعضهم لبَعض ... تولد فِي قُلُوبهم الوصالا)
(وتزرع فِي الْقُلُوب هوى وودا ... وتكسوهم إِذا حَضَرُوا جمالا) وَقَالَ أَبُو الْفَتْح البستي: لَا شَيْء أدفَع للإحن والعداوات والضغائن وَتَلَبَّدَ الحقد وَطَرِيقه: كالهدايا
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سره أَن ينسأ لَهُ فِي أَجله ويوسع لَهُ فِي رزقه فَليصل رَحمَه)
وَالْهِبَة والهدية وَصدقَة التَّطَوُّع: حكمهَا وَاحِد: وكل لَفْظَة من هَذِه الْأَلْفَاظ تقوم مقَام الْأُخْرَى فقد تقرر: أَن التَّمْلِيك بِلَا عوض هبة
فَإِن انْضَمَّ إِلَيْهِ كَون التَّمْلِيك لمحتاج طلبا لثواب الْآخِرَة
فَهُوَ صَدَقَة وَإِن انْضَمَّ إِلَيْهِ نقل الْمَوْهُوب إِلَى مَكَان الْمَوْهُوب لَهُ إِكْرَاما لَهُ فَهُوَ هَدِيَّة
وَلَا بُد فِي الْهِبَة من الْإِيجَاب وَالْقَبُول بل يقوم مقامهما الْبَعْث من هَذَا وَالْقَبْض من هَذَا
وَأما (الْعُمْرَى والرقبى) فقد كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تسْتَعْمل فِي مَقْصُود الْهِبَة لفظين أَحدهمَا قَوْلهم: (أعمرتك هَذِه الدَّار أَو الأَرْض أَو الْإِبِل) أَي جَعلتهَا لَك عمرك أَو حياتك أَو مَا عِشْت
وَهَذَا اللَّفْظ مَأْخُوذ من الْعُمر
وَالِاسْم (الْعُمْرَى) وَاللَّفْظ الثَّانِي قَوْلهم: أرقبتك هَذِه الدَّار أَو الأَرْض أَو الْإِبِل وجعلتها لَك رقبى ووهبتها مِنْك على أَنَّك إِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقَرَّتْ لَك
وَهِي من المراقبة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يرقب موت صَاحبه
وَالِاسْم (الرقبى) وَالْحكم فِيهَا كَالْحكمِ فِيمَا إِذا قَالَ: جَعلتهَا لَك عمرى فَإِذا مت عَادَتْ إِلَيّ
وَإِذا قَالَ: أعمرتك هَذِه الدَّار فَإِذا مت فَهِيَ لورثتك فَهِيَ هبة
وَلَو اقْتصر على قَوْله: أعمرتك
فَكَذَلِك على الْجَدِيد
وَلَو قَالَ: إِذا مت عَادَتْ إِلَيّ
فَهَذِهِ صُورَة الرقبى
وَمَا يجوز بَيْعه يجوز هِبته وَلَا يجوز بَيْعه من الْمَجْهُول والمعجوز عَن تَسْلِيمه كالمغصوب والضال لَا تجوز هِبته
وَهبة الدّين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ إِبْرَاء لَهُ وَمن غَيره: لَا يَصح على الْأَصَح
وَلَا يحصل الْملك فِي الهبات إِلَّا بِالْقَبْضِ
وَالْقَبْض الْمُعْتَبر: هُوَ الْقَبْض بِإِذن الْوَاهِب(1/312)
وَلَو مَاتَ الْوَاهِب أَو الْمَوْهُوب مِنْهُ بَين العقد وَالْقَبْض: لم يَنْفَسِخ العقد على الْأَصَح بل يقوم وَارِث الْمَيِّت مقَامه
وَيَنْبَغِي أَن يعدل الْوَارِث بَين الْأَوْلَاد فِي الْعَطِيَّة
وَطَرِيق الْعدْل والتسوية بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث أَو رِعَايَة قسْمَة الْمِيرَاث فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا: الأول
وَللْأَب الرُّجُوع فِي الْهِبَة من الْأَوْلَاد
وَالأَصَح من الْأَقْوَال: أَن سَائِر الْأُصُول كَالْأَبِ وَإِنَّمَا يثبت الرُّجُوع فِي الْهِبَة إِذا كَانَ الْمَوْهُوب بَاقِيا فِي ولَايَة الْمُتَّهب
فَلَو تلف أَو بَاعه أَو وَقفه فَلَا رُجُوع
وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع بِالرَّهْنِ وَالْهِبَة قبل الْقَبْض وَلَا يتَعَلَّق الْعتْق وتزويج الْجَارِيَة وزراعة الأَرْض
وَكَذَا بِالْإِجَارَة على الْأَظْهر
وَلَو زَالَ الْملك ثمَّ عَاد لم يعد الرُّجُوع فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَلَا تمنع الزِّيَادَة الرُّجُوع مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة
لَكِن الْمُنْفَصِلَة تسلم للْوَلَد وَيحصل الرُّجُوع بقوله: رجعت فِيمَا وهبت واسترجعت ورددت المَال إِلَى ملكي ونقضت الْهِبَة
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ: أَنه لَا يحصل الرُّجُوع بِبيع الْمَوْهُوب وَوَقفه وهبته وإعتاق العَبْد وَوَطْء الْجَارِيَة
فَائِدَة: قسم الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى العطايا
فَقَالَ: تبرع الْإِنْسَان بِمَالِه على غَيره يَنْقَسِم إِلَى مُعَلّق بِالْمَوْتِ وَهُوَ الْوَصِيَّة
وَإِلَى منجز فِي الْحَيَاة وَهُوَ ضَرْبَان
أَحدهمَا: الْوَقْف
وَالثَّانِي: التَّمْلِيك الْمَحْض
وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع: الْهِبَة والهدية وَصدقَة التَّطَوُّع
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْهِبَة تصح بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول وَالْقَبْض
فَلَا بُد من اجْتِمَاع الثَّلَاثَة عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك: لَا تفْتَقر صِحَّتهَا ولزومها إِلَى قب بل تصح وَتلْزم بِمُجَرَّد الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وَلَكِن الْقَبْض شَرط فِي نفوذها وتمامها
وَاحْترز مَالك بذلك عَمَّا إِذا أخر الْوَاهِب الْإِقْبَاض مَعَ مُطَالبَة الْمَوْهُوب لَهُ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ مُسْتَمر على الْمُطَالبَة: لم تبطل
وَله مُطَالبَة الْوَرَثَة فَإِن ترك الْمُطَالبَة أَو أمكنه قبض الْهِبَة فَلم يقبضهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِب أَو مرض: بطلت الْهِبَة
وَقَالَ ابْن أبي زيد الْمَالِكِي فِي الرسَالَة: وَلَا تتمّ هبة وَلَا صَدَقَة وَلَا حبس إِلَّا بالحيازة
فَإِن مَاتَ قبل أَن يجاز عَنهُ
فَهُوَ مِيرَاث(1/313)
وَعَن أَحْمد رِوَايَة: أَن الْهِبَة تملك من غير قبض وَلَا بُد فِي الْقَبْض من أَن يكون بِإِذن الْوَاهِب خلافًا لأبي حنيفَة
وَهبة الْمشَاع جَائِزَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ كَالْبيع
وَيصِح قَبضه بِأَن يسلم الْوَاهِب الْجَمِيع إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ فيستوفي مِنْهُ حَقه
فَيكون نصيب شَرِيكه فِي يَده وَدِيعَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِم كالعبيد والجواهر جَازَت هِبته
وَإِن كَانَ مِمَّا يَنْقَسِم: لم تجز هبة شَيْء مِنْهُ مشَاعا
فصل: وَمن أعمر إنْسَانا
فَقَالَ: أعمرتك دَاري فَإِنَّهُ يكون قد وهب لَهُ الِانْتِفَاع بهَا مُدَّة حَيَاته
وَإِذا مَاتَ رجعت رَقَبَة الدَّار إِلَى مَالِكهَا وَهُوَ المعمر
هَذَا مَذْهَب مَالك
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ: أعمرتك وَعَقِبك
فَإِن عقبه يملكُونَ مَنْفَعَتهَا
فَإِذا لم يبْق مِنْهُم أحد رجعت الرَّقَبَة إِلَى الْمَالِك لِأَنَّهُ وهب الْمَنْفَعَة وَلم يهب الرَّقَبَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: تصير الدَّار ملكا للمعمر وورثته وَلَا تعود إِلَى ملك الْمُعْطى الَّذِي هُوَ المعمر
فَإِن لم يكن للمعمر وَارِث كَانَت لبيت المَال
وَللشَّافِعِيّ قَول آخر كمذهب مَالك
والرقبى جَائِزَة
وَحكمهَا حكم الْعُمْرَى عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد وَأبي يُوسُف
وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: الرقبى الْمعينَة صَحِيحَة
فصل: وَمن وهب لأولاده شَيْئا
اسْتحبَّ أَن يُسَوِّي بَينهم عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَهُوَ الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَمذهب أَحْمد وَمُحَمّد بن الْحسن إِلَى أَنه يفضل الذُّكُور على الْإِنَاث كقسمة الْإِرْث
وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي
وَتَخْصِيص بعض الْأَوْلَاد بِالْهبةِ: مَكْرُوه بالِاتِّفَاقِ
وَكَذَا تَفْضِيل بَعضهم على بعض
وَإِذا فضل فَهَل يلْزمه الرُّجُوع الثَّلَاثَة على أَنه لَا يلْزمه وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه الرُّجُوع
فَائِدَة: قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد: يسْتَحبّ التَّسْوِيَة بَين الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف وَالصَّدَََقَة كَمَا يسْتَحبّ التَّسْوِيَة بَينهم فِي الْهِبَة
فَإِن كَانَ بعض الْأَوْلَاد فَقِيرا وَبَعْضهمْ غَنِيا فَفِي تَقْدِيم الْغَنِيّ على الْفَقِير نظر وَاحْتِمَال
فصل: وَإِذا وهب الْوَالِد لِابْنِهِ هبة
قَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع فِيهَا بِحَال
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ الرُّجُوع بِكُل حَال
وَقَالَ مَالك: لَهُ الرُّجُوع وَلَو بعد الْقَبْض فِيمَا وهب لِابْنِهِ على جِهَة الصِّلَة والمحبة وَلَا يرجع فِيمَا وهبه لَهُ على جِهَة الصَّدَقَة
وَإِنَّمَا يسوغ الرُّجُوع مَا لم تَتَغَيَّر الْهِبَة فِي يَد الْوَلَد ويستحدث دينا بعد الْهِبَة أَو(1/314)
تتَزَوَّج الْبِنْت أَو يخْتَلط الْمَوْهُوب لَهُ بِمَال من جنسه بِحَيْثُ لَا يتَمَيَّز مِنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع
وَعَن أَحْمد: ثَلَاث رِوَايَات
أظهرها: لَهُ الرُّجُوع بِكُل حَال
كمذهب الشَّافِعِي
وَالثَّانيَِة: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع بِحَال كمذهب أبي حنيفَة
وَالثَّالِثَة: كمذهب مَالك
فصل: وَهل يسوغ الرُّجُوع فِي غير هبة الابْن
قَالَ الشَّافِعِي: لَهُ الرُّجُوع فِي هبة كل من يَقع عَلَيْهِ اسْم ولد حَقِيقَة أَو مجَازًا كولده لصلبه وَولد وَلَده من أَوْلَاد الْبَنِينَ وَالْبَنَات
وَلَا رُجُوع فِي هبة الْأَجْنَبِيّ
وَلم يعْتَبر طروء دين أَو تَزْوِيج كَمَا اعْتَبرهُ مَالك لَكِن شَرط بَقَاءَهُ فِي سلطة الْمُتَّهب
فَيمْتَنع عِنْد الرُّجُوع
وَإِن وهب لأَجْنَبِيّ وَلم يعوض عَن الْهِبَة كَانَ لَهُ الرُّجُوع
إِلَّا أَن يزِيد زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو يَمُوت أحد الْمُتَعَاقدين أَو يخرج عَن ملك الْمَوْهُوب لَهُ
وَلَيْسَ لَهُ عِنْد أبي حنيفَة الرُّجُوع فِيمَا وهب لوَلَده وأخيه وَعَمه وَعَمَّته وَلَا كل من لَو كَانَ امْرَأَة لم يكن لَهُ أَن يتَزَوَّج بهَا لأجل النّسَب
فَأَما إِذا وهب لبني عَمه أَو للأجانب
فَإِن لَهُ أَن يرجع فِي هِبته
فصل: وهب هبة ثمَّ طلب ثَوَابهَا
وَقَالَ: إِنَّمَا أردْت الثَّوَاب: نظر
فَإِن كَانَ مثله مِمَّن يطْلب الثَّوَاب من الْمَوْهُوب لَهُ جَازَ ذَلِك عِنْد مَالك كَهِبَة الْفَقِير للغني وَهبة الرجل لأميره وَمن هُوَ فَوْقه
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون لَهُ ثَوَاب إِلَّا باشتراطه
وَهُوَ القَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ وَهُوَ الرَّاجِح من مذْهبه
فَائِدَة: رُوِيَ أَن الْحسن سمع إنْسَانا يَقُول: اللَّهُمَّ تصدق عَليّ
فَقَالَ: إِن الله لَا يتَصَدَّق إِنَّمَا يتَصَدَّق من يَبْغِي الثَّوَاب
وَلَكِن قل: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي وَتصدق عَليّ وارحمني وَنَحْوه
و (الثَّوَاب) هُوَ الْعِوَض
وَأَصله: من ثاب إِذا رَجَعَ
وَأَجْمعُوا على أَن الْوَفَاء بالوعد فِي الْخَيْر مَطْلُوب
وَهُوَ هُوَ وَاجِب أَو مُسْتَحبّ فِيهِ خلاف
ذهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأكْثر الْعلمَاء إِلَى أَنه مُسْتَحبّ
فَلَو تَركه فَاتَهُ الْفضل وارتكب الْمَكْرُوه كَرَاهَة شَدِيدَة وَلَكِن لَا يَأْثَم
وَذهب جمَاعَة أَنه وَاجِب مِنْهُم: عمر بن عبد الْعَزِيز
وَذهب الْمَالِكِيَّة مذهبا ثَالِثا: أَن الْوَعْد إِن اشْترط بِسَبَب(1/315)
كَقَوْلِه: تزوج وَلَك كَذَا وَنَحْو ذَلِك وَجب الْوَفَاء بِهِ وَإِن كَانَ الْوَعْد مُطلقًا لم يجب
المصطلح
: ويشتمل على صور وَلها عمد
ذكر الْوَاهِب والموهوب لَهُ وَالشَّيْء الْمَوْهُوب وحدوده إِن كَانَ مِمَّا يحدد وإخراجه من يَد الْوَاهِب إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ مفرغا
وَقبُول الْهِبَة وَقَبضهَا بِإِذن الْوَاهِب
وَذكر الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار
وَجَوَاز الْأَمر والتاريخ
وَصُورَة هبة الْوَالِد لوَلَده: وهب فلَان لوَلَده لصلبه فلَان الرجل الْكَامِل الْبَالِغ الرشيد الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ باعترافه بذلك لشهوده أَو الصَّغِير السباعي أَو الخماسي أَو غير ذَلِك الَّذِي هُوَ تَحت حجره وَولَايَة نظره برا مِنْهُ وحنوا وشفقة عَلَيْهِ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حِين هَذِه الْهِبَة
وَذَلِكَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد هبة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة مَاضِيَة بِغَيْر عوض وَلَا قيمَة
قبل الْمَوْهُوب لَهُ الْمُسَمّى أَعْلَاهُ ذَلِك من وَالِده الْوَاهِب الْمَذْكُور أَعْلَاهُ لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْمَكَان الْمَوْهُوب الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك الْإِذْن الشَّرْعِيّ وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
هَذَا إِذا كَانَ الْوَلَد بَالغا يسوغ مِنْهُ الْقبُول لنَفسِهِ
وَإِن كَانَ صَغِيرا يَقُول: قبل الْوَاهِب الْمَذْكُور ذَلِك من نَفسه لوَلَده الْمَذْكُور لكَونه تَحت حجره وَولَايَة نظره وتسلم ذَلِك من نَفسه لوَلَده الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت الْهِبَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ملكا من أَمْلَاك وَلَده الصَّغِير الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه
وَاسْتقر ذَلِك بيد وَالِده الْمَذْكُور وحيازته لوَلَده الْمَذْكُور
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَالتَّمْلِيك صورته صُورَة الْهِبَة إِلَّا أَن يكون بعوض
فيذكره بِلَفْظ التَّمْلِيك ثمَّ يَقُول: تَمْلِيكًا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِاللَّفْظِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ بعوض شَرْعِي وَهُوَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده أَو مبلغ كَذَا وَكَذَا
ويكمل بالتسلم وَالتَّسْلِيم كَمَا سبق
وَإِن كَانَ التَّمْلِيك لصغير أَجْنَبِي كتب كَمَا تقدم
وَفِي الْقبُول يَقُول: قبل ذَلِك لَهُ وليه الشَّرْعِيّ فلَان مثل أَبِيه أَو جده أَو وَصِيّه أَو الْحَاكِم
وَإِن كَانَت الْهِبَة لأَجْنَبِيّ: كتب كَمَا تقدم فِي الْهِبَة للْوَلَد الْبَالِغ الرشيد
وَصُورَة الْهِبَة فِي شَيْء غَائِب عَن بلد الْوَاهِب والموهوب مِنْهُ يكْتب كَمَا تقدم:(1/316)
وهب فلَان فلَانا أَو ملك فلَان فلَانا جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ بِمَدِينَة كَذَا ويصفه ويحدده ثمَّ يَقُول: الْمَعْلُوم ذَلِك عِنْدهمَا الْعلم الشَّرْعِيّ النَّافِي للْجَهَالَة
هبة صَحِيحَة شَرْعِيَّة أَو تَمْلِيكًا صَحِيحا شَرْعِيًّا
مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وخلى الْوَاهِب أَو المملك بَين الْهِبَة أَو بَين التَّمْلِيك وَبَين الْمَوْهُوب مِنْهُ أَو المتملك التَّخْلِيَة الشَّرْعِيَّة
وَجب للمتملك بذلك الْقَبْض ويكمل
وَيرْفَع إِلَى قَاضِي مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِصِحَّة هَذِه الْهِبَة الْعَارِية عَن الْقَبْض على مُقْتَضى مذْهبه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَلِكَ يكْتب فِيمَا إِذا وهب مائَة مكوك حِنْطَة من جملَة ألف مكوك أَو وهبه ألف دِرْهَم من جملَة هَذِه الدَّرَاهِم
الَّتِي مبلغها عشرَة آلَاف دِرْهَم
فَهَذِهِ أَيْضا: هبة لَازِمَة صَحِيحَة عِنْد مَالك وَلَا تفْتَقر إِلَى الْقَبْض
فَإِن الْقَبْض لَيْسَ بِشَرْط عِنْده فِي صِحَّتهَا ولزومها وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَكَذَلِكَ إِذا ملكه حِصَّة شائعة فِي عقار تكْتب الصُّورَة بِلَفْظ التَّمْلِيك وترفع إِلَى قَاض غير حَنَفِيّ يثبتها وَيحكم بِصِحَّة التَّمْلِيك مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن ترافعا إِلَى قَاض حَنَفِيّ
وَسُئِلَ الحكم بِالْبُطْلَانِ
حكم بِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَلِكَ الحكم فِيمَا إِذا وهبه أَو ملكه مَا تصدق عَلَيْهِ السُّلْطَان بِهِ
وَإِذا ملك الرجل ابْنَته لصلبه أَو ابْنه لصلبه شَيْئا بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَكتب هَذِه الصُّورَة وَكَانَ الْقَصْد إمضاؤها
فَترفع إِلَى قَاض من الثَّلَاثَة يثبتها وَيحكم بِصِحَّتِهَا إِلَّا أَحْمد
فَإِنَّهَا غير صَحِيحَة عِنْده
وَإِن كَانَ الْقَصْد الْبطلَان فَترفع إِلَى حَاكم حنبلي يحكم ببطلانها مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِذا ملك الرجل ولدا من أَوْلَاده جَمِيع مَاله
فَهَذَا مَكْرُوه عِنْد الثَّلَاثَة كَرَاهِيَة تَنْزِيه مَعَ الْجَوَاز عِنْدهم
ومكروه عِنْد أَحْمد كَرَاهِيَة تَحْرِيم
وَكَذَلِكَ إِذا ملك بعض أَوْلَاده دون بعض مَاله: فَجَائِز عِنْدهم أَيْضا خلافًا لِأَحْمَد
فَعنده أَن الْمُعْطى قد أَسَاءَ وَيلْزم باسترجاع مَا أعطَاهُ
وَقد تقدم الْخلاف فِي رُجُوع الْأَب فِيمَا ملكه لوَلَده
وَكَذَلِكَ الْأُم ترجع عِنْد الشَّافِعِي فِيمَا وهبت لولدها على الْإِطْلَاق
وَلها الرُّجُوع عِنْد مَالك إِذا كَانَ فِي حَيَاة أَبِيه
وَفِي هَذِه الصُّور كلهَا يَتَأَتَّى الْخلاف الْمَذْكُور
وَالْحكم فِيهَا إِمَّا يُرَاد بِالصِّحَّةِ عِنْد من يرَاهُ وَإِمَّا بِالْبُطْلَانِ عِنْد من يرَاهُ
وَاللَّفْظ فِي كل صُورَة مَفْهُوم مِمَّا تقدم شَرحه
وَصُورَة الْعُمْرَى: أعمر فلَان فلَانا مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتَحْت تصرفه إِلَى حَالَة الإعمار
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها إعمارا صَحِيحا شَرْعِيًّا(1/317)
بِأَن قَالَ: جعلت هَذِه الدَّار لَك عمرك أَو مَا عِشْت
وَسلم المعمر إِلَى المعمر جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت هَذِه الدَّار المعمرة للمعمر الْمَذْكُور ولورثته من بعده مصيرا شَرْعِيًّا ويكمل وَيرْفَع إِلَى حَاكم غير مالكي يحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن أَرَادَ المعمر الإعمار على مَذْهَب مَالك
وَكَانَ قَصده رُجُوع مَا أعْمرهُ إِلَيْهِ بعد موت المعمر لِأَن الإعمار عِنْد مَالك تمْلِيك الْمَنَافِع
وَعند البَاقِينَ تمْلِيك الرَّقَبَة
وَصُورَة ذَلِك: أعمر فلَان فلَانا جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده إعمارا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِأَن قَالَ لَهُ: أعمرتك هَذِه الدَّار عمرك أَو مَا عِشْت
فَإِذا مت عَادَتْ إِلَيّ
وَإِن ذكر الْعقب
فَيكْتب: ولعقبك من بعْدك
فَإِذا انقرضوا عَادَتْ إِلَيّ وَسلم المعمر إِلَى المعمر جَمِيع الْمَكَان الْمَذْكُور فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
كتسلم مثله شرعا
وَصَارَت هَذِه الدَّار بيد المعمر الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِيهَا بالسكن والإسكان وَالِانْتِفَاع بهَا مُدَّة حَيَاته
ويكمل على نَحْو مَا سبق ثمَّ يرفع إِلَى حَاكم مالكي يحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة الرقبى: أرقب فلَان فلَانا دَاره ويصفها ويحددها إرقابا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِأَن قَالَ: أرقبتك هَذِه الدَّار وجعلتها لَك حياتك
فَإِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقَرَّتْ لَك ولعقبك
وَسلم المرقب إِلَى المرقب جَمِيع مَا أرقبه إِيَّاه فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَوَجَب لَهُ الِانْتِفَاع بذلك وجوبا شَرْعِيًّا وَهِي صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد سَوَاء كَانَت مُطلقَة أَو مُقَيّدَة
وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة الرقبى الْمقيدَة وَهِي أَن يَقُول: هَذِه الدَّار رقبى
وَهِي بَاطِلَة عِنْد مَالك على الْإِطْلَاق
وَصُورَة الصَّدَقَة: تصدق فلَان على وَلَده لصلبه فلَان بِجَمِيعِ مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه إِلَى حِين هَذِه الصَّدَقَة
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه ويحدده إِن كَانَ مِمَّا يُوصف ويحدد صَدَقَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة برا مِنْهُ وحنوا عَلَيْهِ وتقربا إِلَى الله تَعَالَى وابتغاء لما عِنْده من الثَّوَاب الجسيم وَالْفضل العميم
وأزال الْمُتَصَدّق الْمَذْكُور يَده عَن ذَلِك وَسلمهُ إِلَى وَلَده الْمَذْكُور فَقبله مِنْهُ وتسلمه لنَفسِهِ تسلما شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ طفْلا: كتب فِي الْقبُول وَالتَّسْلِيم كَمَا تقدم
وَإِن شَاءَ صدر بِإِقْرَار الْوَالِد: أَنه تصدق على وَلَده فلَان الْبَالِغ
وَالْولد يقبل ويتسلم لنَفسِهِ
أَو الطِّفْل وَالْولد يقبل ويتسلم لَهُ من نَفسه
تَنْبِيه: الْقَبْض فِي الصَّدَقَة شَرط فِي لُزُومهَا عِنْد أهل الْعلم حَتَّى لَو مَاتَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ قبل الْقَبْض بطلت الصَّدَقَة عِنْد مَالك
وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي
وَالْأَصْل(1/318)
فِي ذَلِك حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِيمَا نحله عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَلم يكن أقبضها فِيمَا نحلهَا إِيَّاه
فَقَالَ لَهَا: وددت لَو أَنَّك حزيتيه وَإِنَّمَا هُوَ مَال الْوَارِث
وَذَلِكَ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ
وَصُورَة مَا إِذا أنحل الْأَب وَلَده مصاغا أَو قماشا ملبوسا أَو غَيره: نحل فلَان لوَلَده فلَان الصَّغِير الَّذِي هُوَ تَحت حجره وَولَايَة نظره مَا ذكر أَنه لَهُ وَبِيَدِهِ وَملكه وَتصدقه إِلَى حِين هَذِه النحلة
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا ويصفه وَصفا تَاما
وَإِن كَانَ فِيهِ مَا يُوزن ذكر وَزنه
أَو مَا يذرع ذكر ذرعه
أَو مِمَّا يحدد ذكر حُدُوده
أَو رَقِيقا فيصفه وَيذكر نَوعه وجنسه وَإِقْرَاره إِن كَانَ بَالغا بسابق الرّقّ والعبودية لسَيِّده إِلَى حِين صُدُور هَذِه النحلة ثمَّ يَقُول: نحلة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة نَافِذَة مَاضِيَة لَازِمَة مرضية قبلهَا من نَفسه لوَلَده الصَّغِير الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا فِي الْمجْلس الَّذِي وَقعت فِيهِ هَذِه النحلة وتسلم ذَلِك من نَفسه لوَلَده الْمَذْكُور
وَصَارَ ذَلِك ملكا من أَمْلَاك وَلَده الْمَذْكُور دونه وَدون كل أحد بِسَبَبِهِ وَلم يبْق لَهُ فِي ذَلِك حق وَلَا ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
واكتتب هَذَا الْإِشْهَاد شَاهدا بذلك ليَكُون حجَّة لوَلَده الْمَذْكُور فِي الْيَوْم وَفِيمَا بعده
واعترف بِمَعْرِِفَة مَا وَقعت بِهِ النحلة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة
فَإِن كَانَ الْوَلَد بَالغا عَاقِلا قبل لنَفسِهِ وتسلم النحلة لنَفسِهِ بِإِذن وَالِده الْمَذْكُور
وَيكْتب اعترافهما بذلك وتصادقهما عَلَيْهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا أَرَادَ الْأَب أَو الْجد وَإِن علا
وَالأُم وَالْجدّة وَإِن علت الرُّجُوع عَن الْهِبَة أَو الصَّدَقَة أَو التَّمْلِيك بِغَيْر عوض
حضر إِلَى شُهُوده فلَان الْوَاهِب أَو الْمُتَصَدّق أَو المتملك بَاطِنه
وَأشْهد عَلَيْهِ شُهُوده: أَنه رَجَعَ فِي الدَّار الْمَوْهُوبَة أَو الْمُتَصَدّق بهَا أَو المملكة الْمَذْكُورَة بَاطِنه الصَّادِر ذَلِك مِنْهُ لوَلَده الْمَذْكُور بَاطِنه الَّذِي هُوَ تَحت حجره وَولَايَة نظره رُجُوعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وأعادها إِلَى ملكه وَيَده وتصرفه كَمَا كَانَ قبل الْهِبَة
وأبطل حكم الْهِبَة أَو الصَّدَقَة أَو التَّمْلِيك المشروح بَاطِنه إبطالا شَرْعِيًّا
وَنقض حكمهَا وَأخرج وَلَده مِنْهَا وتسلمها من نَفسه لنَفسِهِ تسلما شَرْعِيًّا تسلم مثله لمثلهَا وَأقر أَنه عَارِف بذلك الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة ويؤرخ وَإِن شَاءَ صدر بِإِقْرَار الرَّاجِع أَنه رَجَعَ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
فَائِدَة: الْعُمْرَى والرقبى ينعقدان هبة عِنْد الشَّافِعِي وَلَا يرجع بِحَال وَتَكون لوَرَثَة المعمر أَو المرقب أَو لبيت المَال عِنْد عدم ورثته كَمَا تقدم
وَالْأَكْثَرُونَ: أَن ذَلِك هبة(1/319)
وَالشّرط لاغ للْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِك
وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا عِنْد الْعلمَاء
فَيَنْبَغِي ثُبُوتهَا وَالْحكم بهَا عِنْد من يرى صِحَّتهَا حَتَّى يَأْمَن من بُطْلَانهَا عِنْد من يرى بُطْلَانهَا
تذييل: طَرِيق الِاحْتِرَاز من مَذْهَب من يرى الرُّجُوع فِي الْهِبَة بعد الْقَبْض من الْأَجْنَبِيّ أَن يَقُول: ثمَّ بعد تَمام هَذَا العقد ولزومه شرعا: بَاعَ فلَان الدَّار الْمَذْكُورَة وَقبض ثمنهَا وأخرجها عَن ملكه بِعقد بيع صَحِيح شَرْعِي
جرى بَينه وَبَين مبتاع شَرْعِي بِثمن مَعْلُوم مَقْبُوض حَال التبايع ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بعد ذَلِك بِملك مُسْتَأْنف
وَفِي ذَلِك احْتِيَاط لِأَن أَبَا حنيفَة يجوز الرُّجُوع فِيمَا وهبه الْأَجْنَبِيّ وَيكرهُ إِلَّا فِيمَا وهبه لذِي رحم محرم أَو زَوْجَة أَو زوج وَالله أعلم(1/320)
كتاب اللّقطَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
(اللّقطَة) بِسُكُون الْقَاف هِيَ: المَال الملقوط
وَأما (اللّقطَة) بِفَتْح الْقَاف فَاخْتلف أهل اللُّغَة فِيهَا
فَقَالَ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء: هُوَ اسْم المَال الملقوط
وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ اسْم الرجل الْمُلْتَقط لِأَن مَا جَاءَ على وزن فعله
فَهُوَ اسْم الْفَاعِل كَقَوْلِهِم: غمزه وَلَمزه وضحكه
فعلى هَذَا: إِذا وجد الْحر الرشيد لقطَة فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يجدهَا فِي مَوضِع مَمْلُوك فَهِيَ لمَالِك ذَلِك الْموضع لِأَن يَده ثَابِتَة على الْموضع وعَلى مَا فِيهِ
إِلَّا أَن يَقُول مَالك الْموضع: لَيست بِملك لي
وَإِن وجدهَا فِي مَوضِع مُبَاح فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يكون حَيَوَانا أَو غير حَيَوَان
فَإِن كَانَ غير حَيَوَان نظرت
فَإِن كَانَت يسيرَة بِحَيْثُ يعلم أَن صَاحبهَا لَو علم أَنَّهَا ضَاعَت مِنْهُ لم يطْلبهَا كزبيبة وَتَمْرَة وَمَا أشبههما لم يجب تَعْرِيفهَا وَله أَن ينْتَفع بهَا فِي الْحَال لما روى أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بتمرة مطروحة فِي الطَّرِيق فَقَالَ: (لَوْلَا أَنِّي أخْشَى أَن تكون من تمر الصَّدَقَة لأكلتها) وروى جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (رخص لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي العصى وَالسَّوْط وَالْحَبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينْتَفع بِهِ) وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ رأى رجلا يعرف زبيبة فَقَالَ: (إِن من الْوَرع مَا يمقته الله)
وَإِن كَانَت اللّقطَة شَيْئا كثيرا بِحَيْثُ يطْلبهَا من ضَاعَت مِنْهُ كالذهب وَالْفِضَّة وَالثيَاب والجواهر وَغَيرهَا
فَإِن وجدهَا فِي غير الْحرم جَازَ التقاطها للمتملك
لما روى زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللّقطَة فَقَالَ: (اعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة
فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فشأنك بهَا) وَرُوِيَ (وَإِلَّا فاستنفع(1/321)
بهَا) وَسُئِلَ عَن ضَالَّة الْغنم فَقَالَ: (خُذْهَا فه لَك أَو لأخيك أَو للذئب) وَسُئِلَ عَن ضَالَّة الْإِبِل فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه أَو وَجهه وَقَالَ: (مَالك وَلها مَعهَا حذاؤها وسقاؤها ترد المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يَجِيء صَاحبهَا فيأخذها)
وَرُوِيَ أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفْتِنِي فِي اللّقطَة فَقَالَ: (مَا وجدته فِي طَرِيق مَيتا أَو قَرْيَة عامرة فعرفها سنة
فَإِن وجدت صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَك وَمَا وجدته فِي طَرِيق غير مَيتا أَو قَرْيَة غير عامرة فَفِيهَا وَفِي الرِّكَاز الْخمس) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والميتا: الطَّرِيق العامر المسلوك
وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما توفّي ابْنه إِبْرَاهِيم
فَبكى عَلَيْهِ وَقَالَ: (لَوْلَا أَنه وعد حق وَقَول صدق وَطَرِيق مَيتا لحزنا عَلَيْك يَا إِبْرَاهِيم أَشد من حزننا) قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: مأتي يَأْتِي عَليّ النَّاس
وَكِلَاهُمَا جائزان
وَإِن وجدهَا فِي الْحرم لم يجز التقاطها للتَّمَلُّك
وَمن النَّاس من قَالَ: يجوز التقاطها للتَّمَلُّك وَبِه قَالَ بعض أَصْحَابنَا والالتقاط سنة لواثق بِنَفسِهِ
فَمن أَخذهَا للْحِفْظ فَهِيَ أَمَانَة وَلَا يجب التَّعْرِيف وَلَا يضمن بترك التَّعْرِيف
وَإِن قصد الْخِيَانَة صَارَت مَضْمُونَة
وَإِن لم يقْصد الْخِيَانَة وَلَا الْأَمَانَة أَو أَخذهَا وَنسي الْقَصْد فَلَا ضَمَان: وَله التَّمَلُّك بِشَرْطِهِ
وَإِذا أَخذهَا للتَّمَلُّك فالمؤنة عَلَيْهِ
وَإِذا عرف يعرف سنة على الْعَادة وَله أَن يتملكها بعد التَّعْرِيف وَأَنه لَا يتَمَلَّك إِلَّا بِلَفْظ: كتملكته وَنَحْوه
وَالصَّحِيح: أَنه لَا يجوز أَخذ لقطَة مَكَّة وحرمها للتَّمَلُّك بل للْحِفْظ أبدا
وَلَو وجد خمرًا مُحرمَة أراقها صَاحبهَا لم يلْزمه تَعْرِيفهَا
وَإِن صَارَت عِنْده خلا فَهِيَ لَهُ أم للمريق وَجْهَان وَلَو ضَاعَت من صَاحبهَا فَيُشبه أَن تعرف(1/322)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: أجمع الْأَئِمَّة على أَن اللّقطَة تعرف حولا كَامِلا إِذا لم يكن شَيْئا تافها يَسِيرا أَو شَيْئا لإبقاء لَهُ
وَأَن صَاحبهَا إِذا جَاءَ أَحَق بهَا من ملتقطها
وَأَنه إِذا أكلهَا بعد الْحول وَأَرَادَ صَاحبهَا أَن يضمنهُ: كَانَ لَهُ ذَلِك
وَأَنه إِن تصدق بهَا ملتقطها بعد الْحول فصاحبها مُخَيّر بَين التَّضْمِين وَبَين الرضى وبالأجر
فصل: وَأَجْمعُوا على جَوَاز الِالْتِقَاط فِي الْجُمْلَة
ثمَّ اخْتلفُوا
هَل الْأَفْضَل ترك اللّقطَة أَو أَخذهَا فَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا: الْأَخْذ أفضل
وَالثَّانيَِة: تَركه أفضل
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا: أَخذهَا أفضل
وَالثَّانِي: وجوب الْأَخْذ وَالأَصَح: اسْتِحْبَابه لواثق بأمانة نَفسه
وَقَالَ أَحْمد: تَركهَا أفضل
فَلَو أَخذهَا ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا
قَالَ حنيفَة: إِن كَانَ أَخذهَا ليردها إِلَى صَاحبهَا
فَلَا ضَمَان وَإِلَّا ضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يضمن على كل حَال
وَقَالَ مَالك: إِن أَخذهَا بنية الْحِفْظ ثمَّ ردهَا ضمن
وَإِن أَخذهَا مترددا بَين أَخذهَا وَتركهَا ثمَّ ردهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
فصل: وَمن وجد شَاة فِي فلاة
حَيْثُ لَا يُوجد من يضمها إِلَيْهِ وَلم يكن بقربها من يضمها إِلَيْهِ وَلم يكن بقربها شَيْء من الْعمرَان وَخَافَ عَلَيْهَا فَلهُ الْخِيَار عِنْد مَالك فِي تَركهَا أَو أكلهَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
قَالَ: وَالْبَقَرَة إِذا خَافَ عَلَيْهَا السبَاع كالشاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: مَتى أكلهَا لزمَه الضَّمَان إِذا حضر صَاحبهَا
فصل: وَحكم اللّقطَة فِي الْحرم وَغَيره
سَوَاء عِنْد مَالك
فللملتقط أَن يَأْخُذهَا على حكم اللّقطَة ويتملكها بعد ذَلِك وَله أَن يَأْخُذهَا ليحفظها على صَاحبهَا فَقَط وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ أَن يَأْخُذهَا ليحفظها على صَاحبهَا فَقَط ويعرفها مَا دَامَ مُقيما فِي الْحرم
وَإِذا خرج سلمهَا إِلَى الْحَاكِم وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذهَا للتَّمَلُّك
فصل: وَإِذا عرف اللّقطَة سنة وَلم يحضر مَالِكهَا
فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: للملتقط أَن يحبسها أبدا وَله التَّصَدُّق بهَا وَله أَن يأكلها غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فَقِيرا: جَازَ لَهُ أَن يتملكها وَإِن كَانَ غَنِيا: لم يجز
وَيجوز لَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك: أَن يتَصَدَّق بهَا قبل أَن يتملكها على شَرط إِن جَاءَ صَاحبهَا فَأجَاز ذَلِك: مضى
وَإِن لم يجزه: ضمنه الْمُلْتَقط لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُمَا صَدَقَة مَوْقُوفَة
وَإِذا وجد بَعِيرًا ببادية وَحده: لم يجز لَهُ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ أَخذه
فَلَو أَخذه ثمَّ أرْسلهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة
وَمَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ الضَّمَان(1/323)
فصل: وَإِذا مضى على اللّقطَة حول وَتصرف فِيهَا
الْمُلْتَقط بِبيع أَو نَفَقَة أَو صَدَقَة
فلصاحبها إِذا جَاءَ أَن يَأْخُذ قيمتهَا يَوْم تَملكهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ دَاوُد: لَيْسَ لَهُ شَيْء
وَإِذا جَاءَ صَاحب اللّقطَة وَأعْطى علامتها ووصفها: وَجب على الْمُلْتَقط عِنْد مَالك وَأحمد أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ وَلَا يكلفه بَيِّنَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة
المصطلح: ويشتمل على صور مِنْهَا: صُورَة مَا إِذا الْتقط رجل مَالا وَخَافَ الْمَوْت وَأشْهد بِهِ: أقرّ فلَان أَنه كَانَ فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ من شهر كَذَا وَكَذَا الْتقط فِي الْموضع الْفُلَانِيّ كيسا ضمنه كَذَا وَكَذَا
وَأَنه عرفه لوقته وساعته ونادى عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه وَفِي الْأَسْوَاق والشوارع والأزقة والمساجد والجوامع أَيَّامًا مُتَوَالِيَة وجمعا متتابعة وأشهرا مترادفة مَا يزِيد على سنة كَامِلَة فَلم يحضر لَهَا طَالب
وَلما خشِي على نَفسه الْمَوْت أشهد عَلَيْهِ شُهُوده أَنه وجدهَا فالتقطها وَأَنَّهَا تَحت يَده وَفِي حيازته
فَإِن حضر من يدعيها ووصفها وَثَبت ملكه لَهَا أَخذهَا وبرىء الْمُلْتَقط الْمَذْكُور من عهدتها وخلت يَده مِنْهَا بِتَسْلِيمِهِ إِيَّاهَا لمَالِكهَا بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ ويؤرخ
وَصُورَة أُخْرَى فِي ذَلِك: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ اجتاز فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ فَوجدَ كَذَا وَكَذَا ويصف اللّقطَة بجنسها ونوعها وقدرها ووكائها وعفاصها حَتَّى يُخرجهَا عَن الْجَهَالَة وَأَنه عرف ذَلِك سنة كَامِلَة آخرهَا كَذَا وَكَذَا وَلم يحضر لَهَا صَاحب وَلَا طَالب
وَجَمِيع مَال اللّقطَة بَاقٍ بِعَيْنِه ويشخصه للشُّهُود فيشهدوا بتشخيصه ومعاينته إِن أمكن
ثمَّ يَقُول: وَأَنه خَافَ على نَفسه فرَاغ الْأَجَل المحتوم واشتغال الذِّمَّة والمطالبة فِي الْآخِرَة يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم
فَأشْهد عَلَيْهِ بذلك
ويؤرخ(1/324)
كتاب اللَّقِيط
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
(اللَّقِيط والملقوط والمنبوذ) اسْم للطفل الَّذِي يُوجد مطروحا وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول كَمَا يُقَال للمقتول: قَتِيل
والتقاط المنبوذ فرض على الْكِفَايَة لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} فَأمر بالمعاونة على الْبر
وَهَذَا من الْبر
وَقَوله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} فَأمر بِفعل الْخَيْر
وَهَذَا من فعل الْخَيْر وَقَوله تَعَالَى: {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَالْوَلِيّ يلْزمه حفظ الْمولى عَلَيْهِ
وَقَوله تَعَالَى: {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} فَقيل: إِن مَعْنَاهُ أَن لَهُ ثَوَاب من أَحْيَا النَّاس كلهم
وَفِي أَخذ اللَّقِيط إحْيَاء لَهُ
فَكَانَ وَاجِبا كبذل الطَّعَام للْمُضْطَر
فتقرر أَن الْتِقَاط المنبوذ فرض كِفَايَة
وَفرض الْكِفَايَة: إِذا قَامَ بِهِ بعض النَّاس سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ
وَإِن تَرَكُوهُ أَثم جَمِيع من علم بِهِ
وَإِذا وجد لَقِيط مَجْهُول الْحَال حكم بحريَّته
لما روى أَبُو جميلَة رجل من بني سليم قَالَ: (وجدت مَنْبُوذًا على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَخَذته
فَذَكرته لعريفي
فَذكر عريفي لعمر رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ: عَسى الغوير أبؤسا
فَقَالَ عريفي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه رجل صَالح لَا يتهم فِي ذَلِك
فَقَالَ عمر: هُوَ كَذَلِك فَقَالَ: نعم
فَقَالَ: هُوَ حر وَوَلَاؤُهُ لَك وعلينا نَفَقَته) وَفِي بعض الرِّوَايَات (وَنَفَقَته من بَيت المَال) وَإِنَّمَا أَرَادَ عمر بِهَذَا لَعَلَّ الرجل الَّذِي وجده هُوَ صَاحب المنبوذ
فَقَالَ: (عَسى الغوير أبؤسا) حَتَّى أثنى عَلَيْهِ عريفه خيرا
وَهَذَا مثل لكل شَيْء يخَاف مِنْهُ أَن يَأْتِي بشر
قَالَ الْأَصْمَعِي: (أبؤس) جمع بَأْس
وأصل هَذَا: أَن غارا كَانَ فِيهِ نَاس
فانهار عَلَيْهِم الْغَار
فماتوا
وَقيل: أَتَاهُم فِيهِ عَدو فَقَتلهُمْ
فَصَارَ ذَلِك مثلا لكل أَمر يخَاف مِنْهُ ثمَّ صغر الْغَار
فَقيل: غوير
وَقيل: غير ذَلِك(1/325)
وَيجب الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وعَلى مَا مَعَه وَإِذا لم يقر اللَّقِيط برق وَلَا ادَّعَاهُ أحد فَهُوَ حر على الْمَذْهَب
وَمن ادّعى رق صَغِير لَا يتَيَقَّن حُرِّيَّته سَمِعت دَعْوَاهُ فَإِن لم يكن فِي يَده فَلَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: وَإِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام
فَهُوَ مُسلم عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وجد فِي كَنِيسَة أَو بيعَة أَو قَرْيَة من قرى أهل الذِّمَّة فَهُوَ ذمِّي
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي إِسْلَام الصَّبِي الْمُمَيز غير الْبَالِغ على ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا: إِن إِسْلَامه يَصح
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد
وَالثَّانِي: أَنه لَا يَصح
وَالثَّالِث: أَنه مَوْقُوف
وَعَن الشَّافِعِي الْأَقْوَال الثَّلَاثَة
وَالرَّاجِح من مذْهبه: أَن إِسْلَام الصَّبِي اسْتِقْلَالا لَا يَصح
فصل: وَإِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام
فَهُوَ حر مُسلم
فَإِن امْتنع بعد بُلُوغه من الْإِسْلَام لم يقر على ذَلِك
فَإِن أَبى قتل عِنْد مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحد وَلَا يقتل
وَقَالَ الشَّافِعِي: يزْجر عَن الْكفْر
فَإِن أَقَامَ عَلَيْهِ أق عَلَيْهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن يحكم بِإِسْلَام الطِّفْل بِإِسْلَام أَبِيه
وَكَذَا بِإِسْلَام أمه إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أَبِيه
وَعنهُ رِوَايَة كمذهب الْجَمَاعَة
المصطلح
: وَهُوَ يشْتَمل على صُورَة وَاحِدَة
وَهِي: مَا إِذا وجد رجل لقيطا وَأشْهد عَلَيْهِ وعَلى مَا مَعَه
أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ اجتاز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ بالزقاق الْفُلَانِيّ ويعين الْمَكَان يُوضحهُ جليا يُؤمن مَعَه الِاشْتِبَاه بِغَيْرِهِ من الْأَمْكِنَة فَوجدَ فِيهِ صَبيا ملقي على الأَرْض وَيذكر صفته الَّتِي وجده بهَا ويعينه للشُّهُود وَأَنه لَقِيط لم يكن لَهُ فِيهِ ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا حق من الْحُقُوق الموصلة لملكه وَلَا لملك بعضه وَأَنه مُسْتَمر فِي يَده بِحكم الْتِقَاطه إِيَّاه على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
فَائِدَة: إِذا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط من مَال نَفسه فَلَا بُد من إِذن الْحَاكِم
فَإِن(1/326)
أنْفق عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن الْحَاكِم ضمن
فَإِن عجز عَن إِذن الْحَاكِم فَيشْهد فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَمن بَيت المَال فَإِن ظهر أَنه رَقِيق رَجَعَ على سَيّده بِالَّذِي أنفقهُ عَلَيْهِ الْمُلْتَقط من مَاله
وَإِن ظهر أَنه حر وَله كسب أَو مَال فالرجوع فِي كَسبه أَو مَاله وَإِلَّا فيمضي الْحَاكِم ذَلِك من سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والغارمين
وَأرش جِنَايَته فِي بَيت المَال كَمَا أَن إِرْثه لبيت المَال وَالله أعلم(1/327)
كتاب الْجعَالَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
يجوز عقد الْجعَالَة فِي رد الْآبِق وخياطة الثَّوْب وكل عمل تجوز الْإِجَارَة عَلَيْهِ فَيَقُول: من رد عَبدِي الْآبِق أَو خاط لي قَمِيصًا فَلهُ دِينَار
لقَوْله تَعَالَى: {قَالُوا نفقد صواع الْملك وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} فَذكر الله تَعَالَى الْجعَالَة فِي شرع من قبلنَا وَلم ينكرها
فَدلَّ على جَوَازهَا
وَلِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَى الْجعَالَة
وَيصِح أَن يكون الْعَالم فِي الْجعَالَة غير مَعْلُوم وَالْعَمَل غير مَعْلُوم الْآيَة
وَالْفرق بَين الْجعَالَة وَالْإِجَارَة: أَن الْإِجَارَة عقد لَازم فَوَجَبَ تَقْدِير الْعَمَل فِيهَا وَالْعَامِل والجعالة عقد جَائِز
فَجَاز أَن يكون الْعَمَل فِيهَا غير مَعْلُوم كالعارية
وَلَا بُد فِي الْجعَالَة من صِيغَة دَالَّة على الْإِذْن فِي الْعَمَل بِالْعِوَضِ الْمُلْتَزم
فَلَو عمل وَاحِد بِغَيْر إِذْنه لم يسْتَحق شَيْئا
وَلَو أذن لوَاحِد فَفعل غَيره لم يسْتَحق
وَلَو قَالَ غير الْمَالِك من رد عبد فلَان فَلهُ كَذَا اسْتَحَقَّه الرَّاد عَلَيْهِ لَا على فلَان
وَلَو قَالَ: قَالَ فلَان
وَلَا يشْتَرط فِي الْجعَالَة قبُول الْعَامِل وَإِن كَانَ الْعَامِل معينا
وَقَالَ صَاحب الْمُحَرر: تجوز الْجعَالَة على الْأَعْمَال المجهولة
كرد الضَّالة وَيجوز على الْمَعْلُومَة أَيْضا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَيشْتَرط أَن يكون الْجعل مَعْلُوما
فَلَو قَالَ: من رده فَلهُ ثوب فسد العقد وَلمن عمل أجره الْمثل
وَلَو قَالَ: من رد من بلد كَذَا فَرد من بلد أقرب مِنْهُ: اسْتحق قسطه من الْجعل
وَلَو اشْترك اثْنَان فِي الرَّد اشْتَركَا فِي الْجعل
وَلَو الْتزم جعلا لمُعين
فشاركه غَيره فِي الْعَمَل لم يكن للمعين تَمام الْجعل وَلَا شَيْء للمشارك(1/328)
وَلكُل وَاحِد من الْمَالِك وَالْعَامِل الْفَسْخ قبل تَمام الْعَمَل
ثمَّ إِن وَقع الْفَسْخ قبل الشُّرُوع فِيهِ فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ
وَكَذَا لَو وَقع بعد الشُّرُوع والفاسخ الْعَامِل
وَإِن كَانَ الفاسخ الْمَالِك فَلهُ أَن يتَصَرَّف فِي الْجعل قبل تَمام الْعَمَل بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وأثره قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل: الرُّجُوع إِلَى أُجْرَة الْمثل
وَلَو مَاتَ الْآبِق فِي نصف الطَّرِيق أَو هرب فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ
وَلَيْسَ لَهُ بعد الرَّد الْحَبْس إِلَى اسْتِيفَاء الْجعل
وَيصدق الْمَالِك إِذا أنكر شَرط الْجعل وسعيه فِي الرَّد
ويتحالفان إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْجعل
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن من رد الْآبِق يسْتَحق الْجعل برده إِذا شَرطه
وَاخْتلفُوا فِي اسْتِحْقَاقه لَهُ إِذا لم يشرطه
فَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ مَعْرُوفا برد الآبقين اسْتحق على حسب بعد الْموضع وقربه
وَإِن لم يكن ذَلِك شَأْنه فَلَا جعل لَهُ وَيُعْطى مَا اتّفق عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسْتَحق الْجعل على الْإِطْلَاق
وَلم يعْتَبر وجود الشَّرْط وَلَا عَدمه إِلَّا أَن يكون مَعْرُوفا برد الآبقين أم لَا
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق الْجعل إِلَّا بِالشّرطِ
وَاخْتلفُوا هَل هُوَ مُقَدّر فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام اسْتحق أَرْبَعِينَ درهما وَإِن رده من دون ذَلِك يرْضخ لَهُ الْحَاكِم
وَقَالَ مَالك: لَهُ أُجْرَة الْمثل وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا: دِينَار أَو اثْنَي عشر درهما
وَلَا فرق بَين قصير الْمسَافَة وطويلها وَلَا بَين الْمصر وخارج الْمصر
وَالثَّانيَِة: إِن جَاءَ بِهِ من الْمصر فعشرة دَرَاهِم أَو من خَارج الْمصر فأربعون درهما وَعند الشَّافِعِي لَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بِالشّرطِ وَالتَّقْدِير
وَاخْتلفُوا فِيمَا أنفقهُ على الْآبِق فِي طَرِيقه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تجب على سَيّده إِذا أنْفق مُتَبَرعا
وَهُوَ الَّذِي ينْفق بِغَيْر إِذن الْحَاكِم
فَإِن أنف بِإِذْنِهِ كَانَ مَا أنْفق دينا على سيد العَبْد
وَله أَن يحبس العَبْد عِنْده حَتَّى يَأْخُذ مَا أنفقهُ
وَقَالَ أَحْمد: هُوَ على سَيّده بِكُل حَال
وَمذهب مَالك لَيْسَ لَهُ غير أُجْرَة الْمثل
المصطلح
: وَهُوَ يشْتَمل على صور مِنْهَا: صُورَة جعَالَة لرد الْآبِق: جعل فلَان لفُلَان كَذَا وَكَذَا على أَنه يُسَافر إِلَى بلد كَذَا أَو(1/329)
على أَنه يرد إِلَيْهِ عَبده الَّذِي أبق مِنْهُ إِلَى بلد كَذَا أَو على أَنه يرد عَبده فلَانا الْآبِق ويحضره إِلَى مَالِكه الْجَاعِل الْمَذْكُور
ويسلمه إِلَيْهِ جعَالَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة فَإِذا فعل ذَلِك اسْتحق عَلَيْهِ الْجعل الْمَذْكُور استحقاقا شَرْعِيًّا وَأذن الْجَاعِل الْمَذْكُور للمجعول لَهُ الْمَذْكُور: أَن ينْفق على عَبده الْمَذْكُور من حِين يجده ويمسكه إِلَى حِين إِحْضَاره إِلَيْهِ وتسليمه إِيَّاه نَفَقَة مثله وَيرجع بذلك على الْجَاعِل الْمَذْكُور أَعْلَاهُ إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وَرَضي بِهِ الرضى الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَصُورَة الْجعَالَة لرد الضَّالة: جعل فلَان لفُلَان كَذَا وَكَذَا جعَالَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة على أَن يجوب الْبِلَاد وَيسْأل الْخلق والعباد ويسلك الْجبَال والوهاد والأراضي والضياع والقرى ويتفحص عَن الْجمال الَّتِي عدتهَا كَذَا وصفتها كَذَا الَّتِي ضلت من الْجَاعِل الْمَذْكُور ويحضرها إِلَيْهِ
فَإِذا عمل لَهُ ذَلِك اسْتحق عَلَيْهِ الْجعل الْمَذْكُور استحقاقا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الْجعَالَة لمن أحضر إِلَيْهِ توقيعا شريفا بِمَا صورته كَذَا: جعل فلَان لفُلَان إِذا كَانَ المجعول لَهُ معينا وَإِن كَانَ غير معِين فَيَقُول: جعل فلَان لمن أحضر لَهُ توقيعا شريفا بِمَا صورته كَذَا وَكَذَا ويشرح مَضْمُون الْقِصَّة الَّتِي يُرِيد إِخْرَاج التوقيع الشريف على نَحْوهَا مشمولا بالعلامة الشَّرِيفَة المولوية السُّلْطَانِيَّة الملكية الْفُلَانِيَّة مكمل العلائم بالدواوين المعمورة ثَابتا بهَا مَا مبلغه كَذَا فَإِذا عمل لَهُ ذَلِك وأحضر التوقيع الشريف بِهِ وَسلمهُ إِلَيْهِ اسْتحق عَلَيْهِ الْجعل الْمَذْكُور استحقاقا شَرْعِيًّا
وَهَذِه الصُّورَة تطرد فِي التوقيع بالوظائف والمناشير وبالإقطاعات والمربعات الجيشية بالرزق والمرتبات وَغير ذَلِك
وَمن هَذَا الْقَبِيل أَعنِي المصطلح قبالات الصناع وأرباب الْحَرْف كالدهانين والبنائين والنجارين والمبلطين والمرخمين
الصُّور الْمُتَعَلّقَة بذلك: تَارَة تكْتب بِلَفْظ (الْجعَالَة) وَتارَة تكْتب بِلَفْظ (المعاقدة) وَتارَة تكْتب بِلَفْظ (القبالة) وكل ذَلِك جَائِز غير أَن الْعَادة جرت عِنْد ذَوي العمارات والمعمارية وأرباب هَذِه الصَّنَائِع أَن يكتبوا (قبالة) ويصفوا أنموذجات الْعَمَل الَّذِي يُرِيد صَاحب الْعَمَل عمله
وَصورته: تقبل فلَان الدهان أَو الْبناء أَو النجار أَو المرخم أَو المبلط من فلَان أَن يدهن لَهُ قاعة بِمَدِينَة كَذَا بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصفها ويحددها ثمَّ يَقُول: حَلقَة وأبواب وملابن وقمريات وشباك ومراتب وكرادي وشوامل معقب مسقي(1/330)
بالغراء موطأ بالأسراس والجبصين المحرق مسقي بالغراء مرّة ثَانِيَة مغطى بالجبصين والغراء أَربع وُجُوه دهانا فرنجيا مزمكا مزهرا مَنْقُوشًا بأنواع الدهان بالألوان الْمُخْتَلفَة النقية الْبيَاض الظَّاهِرَة الْحمرَة المشرقة الصُّفْرَة والخضرة وَغير ذَلِك من الألوان الْمُوَافق دُخُولهَا فِي الدهان الفرنجي بالصنعة المتقنة والألوان المبهجة المحكمة الطَّبْخ وَالْغسْل بالزيت الْحَار والصمغ والقصطير والصندروس المحلول الرَّقِيق والقلنفوية وَالصَّبْر والزنجار والزنجفر والشب الرُّومِي والأسفيداج والزرنيخ واللازورد والنيل واللك المحلول وَغير ذَلِك مِمَّا يدْخل فِي صناعتهم ويوافق عَمَلهم من العقاقير والتصافير والمصبغات والأملاح على الْعَادة فِي مثل ذَلِك
قبالة شَرْعِيَّة بِأُجْرَة مبلغها كَذَا أَو بِمَا مبلغه كَذَا اعْترف المتقبل الْمَذْكُور بِقَبض كَذَا
وَبَاقِي كَذَا عِنْد انْتِهَاء الْعَمَل وفراغه وَعَلِيهِ الشُّرُوع فِي ذَلِك من اسْتِقْبَال كَذَا واعترف كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَعْرِِفَة مَا تقبله وَقَبله الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة ويكمل
وَفِي كل صُورَة: يكْتب وصف الدهان
فَإِنَّهُ على أَنْوَاع إِمَّا أَن يكون فرنجيا خبالات على منجور قاعته الْفُلَانِيَّة أَو على دهان قاعة إسلامي أَو دهان قاعة رومي أَو دهان صفة موشق أَو دهان السقوف أَو سقوف وَغَيرهَا أَو دهان قاعة أَحْمَر إسلامي
وَصُورَة قبالة على منجور قاعات: تقبل فلَان من فلَان منجورا ونجارة تشْتَمل على نجارة وسط أَرْبَعَة أكمام وَأَرْبَعَة أشعاب وَثَلَاث مناطق وَثَمَانِية أرؤس وَأَرْبع باوندات نجارة ذَلِك نصف صليبة وكرنداز بحشو طافر منقوش أَو بحشو فاطس مدهون أَو ساذج صلاب وَأَرْبع قمريات مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ مثمن ومخمس وَاثْنَانِ مسدس الدَّوَائِر نصف على نصف أَو مقصات مَقْطُوعَة لصاق أَو أَربع دربزينات بأَرْبعَة أطواق مديني
والإيوان بالوسط مسقف بحشو منقوش طافر أَو مدهون غاطس أَو صلاب ساذج
ويشتمل الإيوان على ثَلَاثَة أبراج
فالصدراني مِنْهَا مسدس بِرَأْس وشبلة وسحارة وقائمين بحشو منقوش طافر أَو مدهون غاطس أَو صلاب ساذج
والمجنبين بالإيوان كرنداز بحشو طافر منقوش أَو مدهون غاطس أَو صلاب ساذج والسقف بالإيوان منجور بخد وبغل بأَرْبعَة جفوت وَأَرْبع سراويلات أَو بِأَرْبَع أزر وأطرانية بِأَرْبَع سراويلات كراشك وأسابيط أَو سقف مشقوق بعريض أغطية وأربية أَو ببطاين مدهونة قبالة شَرْعِيَّة بِمَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
قبض كَذَا وَبَاقِي ذَلِك عِنْد انْتِهَاء الْعَمَل
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَهَذِه القبالة تشْتَمل على منجور ثَلَاثَة أَصْنَاف
فَإِذا كتبت قبالة نجارة قاعة
فَهِيَ لَا تخرج عَن أحد هَذِه الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة إِمَّا(1/331)
بحشو طافر أَو بحشو طافر أَو بحشو غاطس أَو صلاب ساذج
وَكَذَلِكَ نجارة السقوف على ثَلَاثَة أَصْنَاف
وَصُورَة نجارة قاعة على صفة أُخْرَى: تقبل فلَان نجارة قاعة وَيذكر بقعتها وحدودها ثمَّ يَقُول: تشْتَمل على سِتَّة أكمام وَخَمْسَة أَبْوَاب نجارة الْحلقَة مسدس بِاثْنَيْ عشر رَأْسا وست قمريات وست باونديات وَأَرْبع زَوَايَا وَثَلَاث مناطق
فالقمريات مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ نجارة اثنعشرى ومثمن وَاثْنَانِ نجارة ستعشرى واثنعشرى وَاثْنَتَانِ نجارة مثمن ومخمس
ونجارة الصفتين بطاين تحتهَا كرادي وشرامك وسدايب على الْعَمَل ونجارة الصِّنْفَيْنِ مقرنص أَو بأطواق مديني والأبواب نجارة مثمن ومخمس بحشو طافر أَو مدهون غاطس أَو صلاب ساذج
من ذَلِك: ثِنْتَانِ معشرا واثنعشرى أَو ستعشرى أَو ثمنتعشرى
والسقوف خد وبغل أَو كراشك وأسابيط أَو مقرنص أَو بطاين أَو مسقوف تَعْرِيض مدهون أَو تَعْرِيض ساذج
ومنجور الإيوان ثَلَاثَة أبراج البرج الصدراني مثمن ومخمس مفرود ربع من ربع والمجنبات مسدس بحشو منقوش مطعم طافر أَو بحشو موشق طافر أَو بحشو موشق غاطس أَو بحشو طافر صلاب عناب وأبنوس وعاج أَو صلاب غاطس قبالة صَحِيحَة شَرْعِيَّة بِمَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَهَذِه النجارة على أَصْنَاف من المنجور مِنْهَا الموشق الطافر وَمِنْهَا الغاطس وَمِنْهَا الساذج وَمِنْهَا العنابي والعاج والأبنوس
وكل اسْم من هَذِه الْأَسْمَاء صنف على حِدته يعرف أَرْبَاب الصَّنْعَة بالنجارة وَلَا يكَاد يقوم بأعباء إتْمَام صنف مِنْهَا على صفته المشروحة فِيهَا إِلَّا الْأُسْتَاذ الماهر
وَصُورَة منجور قاعة على صفة أُخْرَى: تقبل فلَان من فلَان نجارة قاعة تشْتَمل على حَلقَة قَاعِدَة على أَربع زَوَايَا وست باوندات وَأَرْبَعَة أشعاب وَثَلَاث مناطق واثني عشر رَأس وست شباك وأنبداريه مدهون فَوق الْحلقَة طولهَا ملْء بَيتهَا وعرضها ذِرَاع وَاحِد بالذراع النجاري مسحور عَلَيْهَا من فَوق كوشك وَمن أَسْفَل ربيدي
والقمريات سِتَّة نصف على نصف أَو أَنْصَاف خيط منوعة وست شباك مشطوفة وَالصِّفَات بكرادي وسوابل وسدايب على الْحلقَة دَائِرَة أَو تنشطف الْحلقَة وربيدي عَلَيْهَا نجورها والصفاف بطاين وتحتها كرادي وَعبادَة ونجارة بالصدر إِمَّا نجارة أَو بَيت زنبور مَذْهَب أَو شعيرَة مدهونة
والأخشاب توت مكبرة أَو جوز مكبرة أَو غير ذَلِك من أَنْوَاع الْخشب مكبرة أَو مسقف بحشوة موشق أَو مسفن بحشوة ساذج مدهون بزعفران وسندروس وأبواب(1/332)
مدهونة أَحْمَر أَو أَبْوَاب مدهونة نَص قبالة صَحِيحَة شَرْعِيَّة بِمَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَهَذِه الصُّورَة تشْتَمل على صنف آخر من أَصْنَاف النجارة
وَصُورَة قبالة بِنَاء قاعة: تقبل الْمعلم فلَان من فلَان بِنَاء قاعة على الأَرْض الْجَارِيَة فِي ملك الْمقبل الْمَذْكُور بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحدد الأَرْض على الْوَضع الْآتِي شَرحه بِمَا يحضرهُ لَهُ صَاحب الْعَمَل من الْآلَات الْحِجَارَة العجالية والهرقلية والنحيت والموجه وَالْحجر المكسور والآجر والكلس وَالتُّرَاب والأحمر أَو الطين
فَيبْدَأ أَولا بِحَفر الأساسات وتعزيل ترابها وَالنُّزُول بهَا فِي الأَرْض إِلَى وَجه الْجَبَل ودك الأساسات المحفورة بِالْحِجَارَةِ الدك والطين والكلس وَغير ذَلِك إِلَى أَن يَنْتَهِي بذلك إِلَى دون وَجه الأَرْض بِذِرَاع ثمَّ يَبْنِي فَوق هَذِه الدكة بِالْحِجَارَةِ النحيت أَو الْآجر أَو غير ذَلِك
ويصعد بِالْبِنَاءِ ويفسره حَلقَة قاعة
تشْتَمل على إيوَان قبلي عالي الْبناء يعلوه قنطرة من الْحِجَارَة الْكِبَار القنطرية وَيذكر جَمِيع مَا يتفقان عَلَيْهِ من اشتمالات القاعة مثل الأقبية والقناطر والخزائن والقبب والأبواب والمطبخ والمرتفق وَمَكَان السّلم والدهاليز المستطيلة والدركاوات المربعة والطباق العلوية وَطول الأواوين والصفف والمجنبات وعرضها ووسع الْأَبْوَاب
وارتفاعها وتربيعها أَو قبابها وذرع القبب واتساعها وَطول الدهاليز وعرضها وَصفَة البوابة الْكُبْرَى
وَإِن كَانَت مربعة أَو مقنطرة وَمَا تبنى بِهِ وذرع ارتفاعها واتساعها
ويصف ذَلِك وَصفا تَاما بِحَيْثُ لَا يَقع فِيهِ اخْتِلَاف بَينهمَا بعد وضع الْبناء وَتَفْسِير الأوضاع ثمَّ يَقُول: قبالة شَرْعِيَّة بِمَا مبلغه كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة قبالة حمام: تقبل فلَان من فلَان بِنَاء حمام كَامِلَة الجدران حَسَنَة الأوضاع عالية الْبُنيان وَيذكر اشتمالاتها ومسلخها ووسطانيها وَمَا فِيهَا من مقاصير وخلاوي وقباب وعقود مقبية وخزانة وَبَين المَاء الْبَارِد
وَغير ذَلِك من صِفَات الحمامات الَّتِي لَا تتمّ إِلَّا بهَا بِمَا يحضرهُ لَهُ المتقبل من آلَات
وَيذكر مَا تقدم ثمَّ يَقُول: إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من التُّرَاب الْأَحْمَر وَالْأسود والقصرمل ويعين ذرع اتساع كل مَكَان من المسلخ وَمَا بِهِ من المقاصير الوسطاني والجواني طولا وعرضا وارتفاعا
وَصفَة البوابة وعدة الخلاوي
ويكمل ويؤرخ
وَفِي صُورَة قبالة الطاحون: يذكر صفة بنائها وَمَا بهَا من بيُوت الأرحاء وَغير ذَلِك من بِنَاء السكر والقود(1/333)
وَإِن كَانَت طاحونة فَارسي: فيذكر صفتهَا وَصفَة وَضعهَا وسعة مسطاحها وَمَوْضِع تابوتها وَمَكَان أحجارها وعدة مَا تشْتَمل عَلَيْهِ من حجر أَو حجرين أَو أَرْبَعَة وَلَا يخفي ذَلِك على الحاذق
وَفِي صُورَة قبالة الحوانيت: يذكر صفة الْبناء وَصفَة كل حَانُوت طولا وعرضا
وَكَذَلِكَ فِي كل مَكَان يذكر فِيهِ من الصِّفَات مَا يَلِيق بِمثلِهِ مُعْتَمدًا على وصف الْمعلم المتقبل بعد فهمه وتصوره فِي فكره وخياله تصورا يجْرِي مجْرى الْمُشَاهدَة المحسوسة
وَصُورَة قبالات الرخام وَذكر قيمَة وكمية أجور الصناع على القانون الْمُحَرر الشَّاهِد بِهِ الْكَشْف من دفتر الْحِسْبَة الشَّرِيفَة بِالشَّام أَو بِمصْر المحروسة: تقبل فلَان من فلَان ترخيم قاعة وَيكون الرخام من الْعَامِل والصناع والمؤن عَلَيْهِ
وَلَيْسَ على صَاحب الْعَمَل إِحْضَار شَيْء غير الكلس وَالتُّرَاب الْأَحْمَر وَيذكر ذرع وسط القاعة وعرضها
مِثَاله: سِتَّة فِي سِتَّة وَصفَة الْعَمَل
مثل بركَة فِي وَسطهَا
قدرهَا خمْسا ذِرَاع
القاعة مثمنة
وَهِي ذراعان وخمسا ذِرَاع تشْتَمل الْبركَة على ثَمَان كعكات رُخَام أَخْضَر وثمان وسائط مِنْهَا أَربع وسائط رُخَام غرابي وَأَرْبع وسائط رُخَام أَحْمَر منقط نظيف وأكسيخونات عدتهَا سِتَّة عشرا أكسيخونة من الرخام الْأَبْيَض وَثَمَانِية خراطيم بيض
وَثَمَانِية قناطر أسافين منوعة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذكر من الْآلَة وزوايا رُخَام دق مثمنة والقناطر أسافين منوعة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذكر من الْآلَة وزوايا رُخَام دق مثمنة والقناطر مسدسة بدق مسدس والأجناب ساغل وسوادج وساقية مموج خمس موجات من الرخام
إِحْدَاهُنَّ حَمْرَاء وَاثْنَتَانِ بيضاويتان وَاثْنَتَانِ سوداويتان وأفاريز رُخَام مثلثات مفروكة وَيدخل عمل الْبركَة مائَة أُجْرَة الصَّانِع فِي الْيَوْم إِذا كَانَ الْعَمَل قبالة: أَرْبَعَة دَرَاهِم
وَإِذا كَانَ غير قبالة: يكون فِي كل يَوْم للصانع سنة وَيكون قيمَة الْآلَة الرخام الدَّاخِل فِيهَا ثَلَاثمِائَة وحرف جايز لساقية الْبركَة فاصل بَين الساقية وَبَين الْفرش إِمَّا بارز وَإِمَّا بِنِسْبَة الساقية يشْتَمل على ثَمَان أكسيخونات رُخَام أَبيض غزاوي وثمان ركب حمر رُخَام معذرى
قيمَة الغزاوي كل ذِرَاع خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما وَقِيمَة المعذري كل ذِرَاع ثَمَانِيَة عشر درهما
وَقِيمَة عمل الْحَرْف خَمْسُونَ درهما
وَأما الْفرش فَيعْمل براوز رُخَام أَبيض مشهر بأحمر وأسود وَقِيمَة ذَلِك خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما
وَأُجْرَة عمل تربيعه وجلاه كل ذِرَاع خَمْسَة دَرَاهِم والبساط نَوعه: أَن يكون تَحت(1/334)
كل ذِرَاع بالذراع النجاري سِتَّة وَثَلَاثُونَ خَاتمًا مثمنة حَمْرَاء ومثمنة بَيْضَاء قيمَة كل ذِرَاع برخامه وتركيبه فِي بَيته أَرْبَعُونَ درهما
وَتَكون آلَة الْأَبْيَض بَيَاض نقي
الْأَحْمَر رومي وَدون ذَلِك يكون تَحت كل ذِرَاع خَمْسَة وَعِشْرُونَ خَاتمًا وأجرته وَثمن رخامه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وَأما الجبهات: إِذا كَانَت مناغل من نوع أجناب الْبركَة يكون كل ذِرَاع طول لَا مساحة سِتَّة وَعِشْرُونَ بِمَا فِيهِ من الرخام
وَإِن كَانَ كراسي يكون الذِّرَاع الْأَبْيَض بِخَمْسَة وَعشْرين درهما والأحمر بِثمَانِيَة عشر وَالْأسود بِثمَانِيَة عشر
وَأُجْرَة عماله كل ذِرَاع خَمْسَة دَرَاهِم
وَإِن كَانَت القبالة بآلتها وعملها وَجَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ يكون الذِّرَاع بِثَلَاثِينَ درهما وَأَن يرخم الْقَائِم بالقاعة الْمَذْكُورَة بإيوانها وصففها بِمَا يحضرهُ إِلَيْهِ صَاحب الْعَمَل من الرخام الألواح الْمُخْتَلفَة الألوان يكون أُجْرَة الذِّرَاع خَمْسَة دَرَاهِم على حكم المساحة وَأَن يعْمل على رُؤُوس الألواح مَا يَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ من أَنْوَاع الدق الرفيع بالصدف من أَنْوَاع الأخياط
أُجْرَة كل ذِرَاع مائَة وَعِشْرُونَ والآلة من صَاحب الْعَمَل
وَمَا دون ذَلِك من الدقيات والنثريات أُجْرَة كل ذِرَاع خَمْسُونَ درهما والآلة من صَاحب الْعَمَل
وَأما قيم الرخام وأسعاره: فَفِيهِ العرابي الذِّرَاع بثلاثمائة دِرْهَم والأحمر المنقط كَذَلِك والأخضر بسبعين درهما والأبيض الملكي بستين درهما والأبيض الباسليقي بِثَمَانِينَ درهما والأعمال فِي ذَلِك على مَا يختاره صَاحب الْعَمَل
ويكمل فِي كل صُورَة من هَذِه الصُّور بحسبها
وَيُقَاس على ذَلِك سَائِر قبالات الرخام
وَصُورَة مَا إِذا وفى المجعول لَهُ الْعَمَل: أشهد عَلَيْهِ فلَان يَعْنِي الْجَاعِل أَن فلَانا الْفُلَانِيّ يعين المجعول لَهُ فِيمَا وفى لَهُ بِمَا أذن لَهُ فِيهِ وَأَنه اسْتحق عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ الْجعل الْمَذْكُور وَهُوَ أَن فلَانا الْمَذْكُور رد العَبْد الْمَذْكُور
وتسلمه فلَان الْمَذْكُور من المجعول لَهُ فِيهِ تسلما شَرْعِيًّا
ووفى بِالشّرطِ جَمِيعه وتسلم فلَان الْمثنى بِذكرِهِ من فلَان صَاحب العَبْد الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا وَهُوَ الْقدر الَّذِي جعله لَهُ على رد العَبْد الْمَذْكُور تسلما شَرْعِيًّا
وَلم يبْق لكل مِنْهُمَا قبل الآخر حق وَلَا دَعْوَى وَلَا طلب وَلَا جعَالَة وَلَا بَقِيَّة مِنْهَا وَلَا محاكمة وَلَا يَمِين وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ وَالله أعلم(1/335)
كتاب الْفَرَائِض
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي الْحَث على تعلم الْفَرَائِض: مَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تعلمُوا الْقُرْآن وعلموه النَّاس والفرائض وعلموها النَّاس
فَإِنَّهَا نصف الْعلم
وَهِي أول مَا ينسى وَأول مَا ينْزع من أمتِي)
وروى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تعلمُوا الْقُرْآن وعلموه النَّاس وتعلموا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِن امْرُؤ مَقْبُوض وسيقبض الْعلم وَتظهر الْفِتْنَة حَتَّى يخْتَصم الرّجلَانِ فِي الْفَرِيضَة
فَلَا يجدان أحدا يفصل بَينهمَا) وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: (إِذا لهوتم فالهوا بِالرَّمْي وَإِذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض) وَقَالَ عَلْقَمَة: (إِذا أردْت أَن تتعلم الْفَرَائِض فأمت جيرانك)
وَقد كَانَ التَّوَارُث فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْحلف والنصرة
وَكَانَ الرجل يَقُول للرجل: انصرني وأنصرك وترثني وأرثك
وتعقل عني وأعقل عَنْك
وَرُبمَا تحالفوا على ذَلِك فَإِذا كَانَ لأَحَدهمَا ولد كَانَ الحليف كَأحد أَوْلَاد حليفه
وَإِن لم يكن لَهُ ولد كَانَ حميع المَال للحليف
فجَاء الْإِسْلَام وَالنَّاس على هَذَا فأقرهم الله عَلَيْهِ فِي صدر الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} وَرُوِيَ: (أَن أَبَا بكر حَالف رجلا فَمَاتَ فورثه أَبُو بكر) ثمَّ نسخ ذَلِك وَجعل التَّوَارُث بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة
فَكَانَ الرجل إِذا أسلم وَهَاجَر وَرثهُ من أسلم وَهَاجَر مَعَه من مناسيبه دون من لم يُهَاجر مَعَه من مناسيبه مثل أَن يكون لَهُ أَخ وَابْن مسلمان فَهَاجَرَ مَعَه الْأَخ دون الابْن فيرثه أَخُوهُ دون ابْنه
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله وَالَّذين آووا ونصروا أُولَئِكَ بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} ثمَّ نسخ الله تَعَالَى ذَلِك بِالْمِيرَاثِ بالرحم لقَوْله تَعَالَى: {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله من الْمُؤمنِينَ والمهاجرين إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} وَفسّر (الْمَعْرُوف) بِالْوَصِيَّةِ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ وللنساء نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ}(1/336)
فَذكر أَن لَهُم نَصِيبا فِي هَذِه الْآيَة وَلم يبين قدره
ثمَّ بَين قدر مَا يسْتَحقّهُ كل وَارِث فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من كتاب الله عز وَجل
وَقَالَ أهل اللُّغَة: أصل (الْفَرَائِض) الْحُدُود
وَهِي من فرضت الْخَشَبَة إِذا حززت فِيهَا
وَقيل: (الْفَرَائِض) حُدُود وَأَحْكَام مبينَة وَهِي عبارَة عَن تَقْدِير الشَّيْء
وَيبدأ من تَرِكَة الْمَيِّت بمؤنة تَجْهِيزه ثمَّ يقْضِي دُيُونه وتنفذ وَصَايَاهُ من ثلث الْبَاقِي ثمَّ يقسم الْبَاقِي بَين الْوَرَثَة
وَأَسْبَاب الْمِيرَاث أَرْبَعَة مِنْهَا: ثَلَاثَة خَاصَّة وَهِي الْقَرَابَة وَالنِّكَاح وَالْوَلَاء
فيرث الْقَرِيب من الْقَرِيب على مَا سَيَأْتِي بَيَانه
والزوجان كل وَاحِد من الآخر وَالْمُعتق من الْمُعْتق
وَلَا ينعكس
وَالسَّبَب الرَّابِع عَام وَهُوَ الْإِسْلَام
وَذَلِكَ حَيْثُ تصرف التَّرِكَة إِلَى بَيت المَال لفقد من يَرث بِهَذِهِ الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة الْخَاصَّة
وَالْمجْمَع على توريثهم من الرِّجَال عشرَة: الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل وَالْأَب وَالْجد وَإِن علا وَالْأَخ وَابْن الْأَخ إِلَّا من الْأُم وَالْعم إِلَّا من الْأُم وَابْن الْعم إِلَّا من الْأُم وَالزَّوْج وَالْمُعتق
والوارثات من النِّسَاء سَبْعَة: الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفلت وَالأُم وَالْجدّة وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة والمعتقة
وَإِذا اجْتمع الوارثون من الرِّجَال لم يَرث مِنْهُم إِلَّا الْأَب وَالِابْن وَالزَّوْج
وَإِذا اجْتمع الوارثات من النِّسَاء ورثت مِنْهُنَّ: الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَة
وَإِذا اجْتمع الَّذين يُمكن اجْتِمَاعهم من الصِّنْفَيْنِ: ورث الأبوان وَالِابْن وَالْبِنْت وَالزَّوْج أَو الزَّوْجَة
وَإِذا فقدوا جَمِيعًا فَأصل مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه لَا يَرث ذَوُو الْأَرْحَام وَلَا يرد(1/337)
الْفَاضِل على أَصْحَاب الْفُرُوض زِيَادَة على فروضهم بل يحول المَال لبيت المَال لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنا وَارِث من لَا وَارِث لَهُ)
وَأما الْفُرُوض الْمقدرَة فِي كتاب الله تَعَالَى فَهِيَ سِتَّة
الأول: النّصْف وَهُوَ فرض خَمْسَة: الزَّوْج إِذا لم يكن للميتة ولد وَلَا ولد ابْن وَبنت الصلب المنفردة وَبنت الابْن المنفردة وَالْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب
وَالثَّانِي: الرّبع وَهُوَ فرض اثْنَيْنِ: الزَّوْج مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن وَالزَّوْجَة
مَعَ عدمهما
وَالثَّالِث: الثّمن وَهُوَ فرض الزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن
وَالرَّابِع: الثُّلُثَانِ
وَهُوَ فرض بِنْتي الصلب فَصَاعِدا أَو بِنْتي الابْن فَصَاعِدا الْأُخْتَيْنِ من الْأَب وَالأُم فَصَاعِدا أَو الْأُخْتَيْنِ من الْأَب فَصَاعِدا
وَالْخَامِس: الثُّلُث
وَهُوَ فرض الْأُم مَعَ عدم الْوَلَد أَو ولد الابْن أَو اثْنَيْنِ من الْأُخوة وَالْأَخَوَات
وَفرض اثْنَيْنِ فَصَاعِدا من أَوْلَاد الْأُم
ويفرض للْجدّ مَعَ الْإِخْوَة فَيجْعَل للْجدّ الأوفر من الْمُقَاسَمَة أَو ثلث مَا يبْقى بعد الْفُرُوض
وَالسَّادِس: السُّدس
وَهُوَ فرض سَبْعَة: الْأَب وَالْجد مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن
وَفرض الْأُم إِذا كَانَت للْمَيت ولد أَو ولد ابْن أَو اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَالْجدّة وَبنت الابْن مَعَ بنت الصلب وَالْأُخْت من الْأَب مَعَ الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَالْوَاحد من أَوْلَاد الْأُم
فصل: فِي بَيَان الْحجب: الْأَب وَالِابْن:
لَا يحجبهما أحد وَابْن الابْن: لَا يَحْجُبهُ إِلَّا الابْن أَو ابْن ابْن أقرب مِنْهُ
وَالْجد: لَا يَحْجُبهُ إِلَّا من بَينه وَبَين الْمَيِّت أَب
وَالْأَخ من الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبهُ الْأَب وَالِابْن وَابْن الابْن
وَالْأَخ من الْأَب: يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
وَالْأَخ من الْأُم: يَحْجُبهُ الْأَب وَالْجد وَالْولد وَولد الابْن
وَابْن الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ: يَحْجُبهُ سِتَّة: الْأَب وَالْجد وَالِابْن وَابْن الابْن
وَالْأَخ من الْأَبَوَيْنِ وَالْأَخ من الْأَب وَابْن الْأَخ من الْأَب: يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ
وَابْن الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ وَالْعم من الْأَبَوَيْنِ: يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ
وَابْن الْأَخ من الْأَب وَالْعم من(1/338)
الْأَب: يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ
وَالزَّوْج: لَا يحجب
وَالْمُعتق: يَحْجُبهُ عصبات النّسَب
وَالْبِنْت وَالأُم: لَا يحجبان
وَبنت الابْن: يحجبها الابْن
وبنتا الصلب إِذا لم يكن مَعهَا من يعصبها
وَالْجدّة من الْأُم: لَا يحجبها إِلَّا الْأُم
وَمن الْأَب: لَا يحجبها إِلَّا الْأَب
وَالْأَب وَالأُم والقربى من كل جِهَة: تحجب البعدى مِنْهَا والقربى من جِهَة الْأُم كَأُمّ الْأَب هَل تحجب البعدى من جِهَة الْأَب كَأُمّ أم الْأَب والقربى من جِهَة الْأَب كَأُمّ الْأَب هَل تحجب من جِهَة الْأُم كَأُمّ أم الْأُم فِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا لَا
وَالزَّوْجَة والمعتقة كالزوج وَالْمُعتق
وكل عصب يَحْجُبهُ أَصْحَاب الْفُرُوض المستغرقة
وَالِابْن الْوَاحِد يسْتَغْرق المَال والاثنان فَصَاعِدا كَذَلِك
وللبنت الْوَاحِدَة: النّصْف وللبنتين فَصَاعِدا الثُّلُثَانِ
وَلَو اجْتمع عدد من الْبَنِينَ وَالْبَنَات
فَالْمَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَأَوْلَاد الابْن إِذا انفردوا كأولاد الصلب
وَإِن اجْتَمعُوا فَإِن كَانَ فيهم من أَوْلَاد الصلب
ذكر فَلَا شَيْء لأَوْلَاد الابْن
وَإِن اجْتمع أَوْلَاد الابْن مَعَ بنت وَاحِدَة من أَوْلَاد الصلب فلهَا النّصْف
وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن من الذُّكُور والأناث
وَإِن كَانَ هُنَاكَ بنت وَاحِدَة من بَنَات الصلب وَبنت أَو بَنَات من الابْن فلبنت الصلب النّصْف وللبنت من الابْن أَو الْبَنَات: السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ
وَإِن وجد بِنْتا صلب أَو أَكثر فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ
وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن ذُكُورا أَو إِنَاثًا
وَلَا شَيْء للإناث الخلص إِلَّا أَن يكون أَسْفَل مِنْهُنَّ ذكر
فيعصبهن
وَأَوْلَاد ابْن الابْن مَعَ أَوْلَاد الابْن كأولاد الابْن مَعَ بَنَات الصلب
وَكَذَا فِي سَائِر الْمنَازل
وَإِنَّمَا يعصب الذّكر الْأُنْثَى من فِي دَرَجَته وَمن فَوْقه
بِشَرْط أَن تكون محرومة من الثُّلثَيْنِ
وَللْأَب حالات: تَارَة يَرث بمحض الْعُصُوبَة وَهُوَ مَا إِذا لم يكن مَعَه ولد وَلَا ولد ابْن
وَتارَة بمحض الْفَرْضِيَّة وَهُوَ أَن يكون مَعَه ابْن أَو ابْن ابْن
وَتارَة بالجهتين وَهُوَ أَن يكون مَعَه بنت أَو بنت ابْن فَلهُ السُّدس بالفرضية وَالْبَاقِي بعد فَرضهَا بالعصوبة
وَالأُم لَهَا الثُّلُث أَو السُّدس فِي الْحَالَتَيْنِ المذكورتين أَولا فِي الْفُرُوض
وَلها فِي مَسْأَلَتي زوج وأبوين أَو زَوْجَة وأبوين: ثلث مَا يبْقى بعد فرض الزَّوْج أَو الزَّوْجَة
وَالْجد كَالْأَبِ إِلَّا أَن الْأَب يسْقط الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَالْجد يقاسمهم إِذا كَانُوا من(1/339)
الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأُم
وَالْأَب يسْقط أم نَفسه وَالْجد لَا يُسْقِطهَا وَالْأَب يرد الْأُم فِي مَسْأَلَتي زوج وأبوين أَو زَوْجَة وأبوين: من الثُّلُث إِلَى ثلث الْبَاقِي وَلَو كَانَ بدله الْجد لم يردهَا
وَالْجدّة تَرث السُّدس
وَإِن اجْتمعت جدتان وارثتان فَصَاعِدا اشتركن فِيهِ
وَيَرِث من الْجدَّات: أَن الْأُم وأمهاتها المدليات بالإناث الخلص وَأم الْأَب وأمهاتها كَذَلِك
وَكَذَا أم أبي الْأَب وَمن فَوْقه من الأجداد وأمهاتهن
والعبارة الضابطة: أَن كل جدة تدلي بمحض الْإِنَاث أَو بمحض الذُّكُور أَو بمحض الْإِنَاث إِلَى مَحْض الذُّكُور
فَهِيَ وارثة
وَإِذا أدلت جدة بِذكر بَين أنثيين كَأُمّ أبي الْأُم: لم تَرث
وَأما الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات: إِذا كَانُوا من أبوين فيرثون إِذا انفردوا كأولاد الصلب
وَكَذَلِكَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْأَب إِلَّا فِي المشركة
وَهِي زوج وَأم وَأَخَوَانِ لأم وَأَخَوَانِ لأَب وَأم: فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوين من الْأُم الثُّلُث
ويشاركهما فِيهِ الأخوان للْأَب وَالأُم
وَلَو كَانَ بدل الْأَخَوَيْنِ من الْأَب وَالأُم أَخَوان لأَب سقطا
وَإِن اجْتمع الصنفان فَهُوَ كَمَا لَو اجْتمع أَوْلَاد الصلب مَعَ أَوْلَاد الابْن إِلَّا أَن بَنَات الابْن يعصبهن من فِي درجتهن وَمن هُوَ أَسْفَل مِنْهُنَّ
وَالْأُخْت للْأَب: لَا يعصبها إِلَّا من هُوَ فِي درجتها
وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْأُم: للْوَاحِد مِنْهُم السُّدس وللاثنين فَصَاعِدا الثُّلُث يشْتَرك فِيهِ ذكورهم وإناثهم
وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ وَمن الْأَب مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن عصبَة منزلات منزلَة الْإِخْوَة حَتَّى تسْقط الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْت الْأُخْت للْأَب كَمَا يسْقط الْأَخ الْأَخ
وَبَنُو الْإِخْوَة من الْأَبَوَيْنِ وَمن الْأَب ينزل كل وَاحِد من الصِّنْفَيْنِ منزلَة أَبِيه فِي حالتي الِانْفِرَاد والاجتماع إِلَّا أَنهم يفارقون الْإِخْوَة فِي أَنهم لَا يردون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَفِي أَنهم لَا يقاسمون الْجد بل يسقطونه وَفِي أَنهم لَا يعصبون أخواتهم بِخِلَاف الْأَخَوَات
وَفِي أَن بني الْإِخْوَة من الْأَبَوَيْنِ يسقطون فِي مَسْأَلَة المشركة لَو كَانُوا بدل آبَائِهِم
وَالْعم من الْأَبَوَيْنِ وَمن الْأَب: كالأخ من الْجِهَتَيْنِ فِي حالتي الِاجْتِمَاع والانفراد وعَلى هَذَا قِيَاس بني الْعم
وَسَائِر عصبات النّسَب(1/340)
والعصبة من لَيْسَ لَهُ سهم مُقَدّر من الْمجمع على توريثهم بل يَرِثُونَ جَمِيع المَال أَو الْبَاقِي عَن أَصْحَاب الْفُرُوض
وَمن لَا عصبَة لَهُ من النّسَب وَله مُعتق فَمَاله أَو الْفَاضِل من الْفُرُوض لمعتقه رجلا كَانَ أَو امْرَأَة
فَإِن لم يكن الْمُعْتق حَيا فلعصباته من النّسَب من الذُّكُور وَالْإِنَاث
وَلم تَرث الْمَرْأَة بِالْوَلَاءِ إِلَّا من معتقها أَو مُعتق معتقها أَو مَا جر الْوَلَاء إِلَيْهَا مِمَّن أعتقت
وَإِذا لم يُوجد أحد من عصبات الْمُعْتق فَالْمَال للْمُعْتق ثمَّ لعصباته على تَرْتِيب الْمِيرَاث فِي النّسَب
فصل: وَإِذا اجْتمع مَعَ الْجد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات
من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب
نظر إِن لم يكن مَعَهم ذُو فرض
فللجد خير الْأَمريْنِ من الْمُقَاسَمَة مَعَهم أَو ثلث جَمِيع المَال
وَقد يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ
وَذَلِكَ إِذا كَانُوا مثلي الْجد
وَإِن كَانُوا دون المثلين فالقسمة خير
وَإِن كَانُوا فَوق المثلين فَالثُّلُث خير
وَإِذا قاسمهم كَانَ كأخ مِنْهُم
وَإِذا أَخذ الثُّلُث اقتسموا الْبَاقِي للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَإِن كَانَ فيهم ذُو فرض كالبنت وَالأُم وَالزَّوْج فللجد خير الْأُمُور الثَّلَاثَة: من سدس المَال كُله أَو ثلث مَا يبْقى بعد الْفُرُوض أَو الْمُقَاسَمَة مَعَهم
وَقد لَا يبْقى شَيْء كبنتين وَأم وَزوج
فيفرض لَهُ السُّدس وَيُزَاد فِي الْعَوْل
وَقد يكون الْبَاقِي دون السُّدس
كبنتين وَزوج
فيفرض لَهُ السُّدس وتعال الْمَسْأَلَة
وَقد يكون الْبَاقِي قدر السُّدس كبنتين وَأم
فيفوز بِهِ الْجد وَتسقط الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات فِي هَذِه الْأَحْوَال
وَإِن اجْتمع مَعَه الصنفان الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ وَمن الْأَب: فَحكم الْجد كَمَا ذكرنَا
وَأَوْلَاد الْأَبَوَيْنِ: يعدون مَعَ أَوْلَاد الْأَب على الْجد فِي الْقِسْمَة ثمَّ إِذا أَخذ الْجد حِصَّته فَإِن كَانَ فِي أَوْلَاد الْأَبَوَيْنِ ذكر أخذُوا الْبَاقِي وَسقط أَوْلَاد الْأَب وَإِلَّا فتأخذ الْوَاحِدَة إِلَى النّصْف
والثنتان فَصَاعِدا إِلَى الثُّلثَيْنِ وَلَا يفضل عَن الثُّلثَيْنِ شَيْء
وَقد يفضل عَن الْوَاحِدَة شَيْء فَيجْعَل لأَوْلَاد الْأَب
مِثَاله: أُخْت من الْأَبَوَيْنِ وأختان وَأَخ من الْأَب وجد
فَالْمَال على خَمْسَة: سَهْمَان للْجدّ وسهمان وَنصف للْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَالْبَاقِي لولد الْأَب
وَالْجد مَعَ الْأَخَوَات الخلص بِمَثَابَة أَخ مَعَهم
وَلَا يفْرض لَهُنَّ إِلَّا فِي الأكدرية(1/341)
وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب
فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس ويفرض للْأُخْت النّصْف
وتعول الْمَسْأَلَة ثمَّ يضم نصيب الْجد وَيقسم بَينهمَا أَثلَاثًا: للْجدّ الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت الثُّلُث
فصل: فِي قسْمَة الْمِيرَاث
: إِذا كَانَ الْوَرَثَة كلهم عصبات
قسم المَال بَينهم بِالسَّوِيَّةِ إِن تمحضوا ذُكُورا وَإِن اجْتمع الذُّكُور وَالْإِنَاث قدر كل ذكر أنثيين وَعدد رُؤُوس الْمَقْسُوم عَلَيْهِم أصل الْمَسْأَلَة
وَإِن كَانَ فيهم ذُو فرض من الْفُرُوض الَّتِي تقدم ذكرهَا آنِفا
نظر إِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة فرض وَاحِد أَو فرضان متماثلان
فَأصل الْمَسْأَلَة مخرج الْكسر
فالنصف من اثْنَيْنِ وَالثلث من ثَلَاثَة وَالرّبع من أَرْبَعَة وَالسُّدُس من سِتَّة وَالثمن من ثَمَانِيَة
وَإِن كَانَ فِيهَا فرضان مُخْتَلفا الْمخْرج نظر مَا فِي المخرجين
فَإِن تداخلا فأكثرهما أصل الْمَسْأَلَة
وَذَلِكَ كالسدس وَالثلث فَالْأَصْل من سِتَّة
وَإِن توافقا ضرب وفْق أَحدهمَا فِي الآخر فَالْحَاصِل أصل الْمَسْأَلَة وَذَلِكَ كالسدس وَالثمن الأَصْل أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ
وَإِذا تباينا ضرب أَحدهمَا فِي الآخر
فَالْحَاصِل الأَصْل
وَذَلِكَ كالثلث وَالرّبع الأَصْل من اثْنَي عشر
وجملتها سَبْعَة أصُول
اثْنَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَسِتَّة وَثَمَانِية وَاثنا عشر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ
ويعول من هَذِه الْأُصُول ثَلَاثَة
فالستة تعول إِلَى سَبْعَة كَزَوج وأختين
وَإِلَى ثَمَانِيَة كَزَوج وأختين وَأم
وَإِلَى تِسْعَة كَزَوج وأختين لأَب وَأم وأختين لأم
وَإِلَى عشرَة كَزَوج وأختين لأَب وَأم وأختين لأم وَأم
وتعول الاثْنَي عشر إِلَى ثَلَاثَة عشر
كَزَوج وَأم وأختين لأَب
وَإِلَى خَمْسَة عشر كَزَوْجَة وأختين لأَب وأختين لأم
وَإِلَى سَبْعَة عشر كَزَوْجَة وأختين لأَب وأختين لأم وَأم
وتعول الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ إِلَى سَبْعَة وَعشْرين كَزَوْجَة وبنتين وأبوين
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الْأَسْبَاب المتوارث بهَا ثَلَاثَة: رحم وَنِكَاح وولاد وَأَن الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الْمِيرَاث ثَلَاثَة: رق وَقتل وَاخْتِلَاف دين
وعَلى الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لَا يورثون وَأَن مَا يتركونه يكون صَدَقَة(1/342)
يصرف فِي مصَالح الْمُسلمين
وَلم يُخَالف فِي ذَلِك إِلَّا الشِّيعَة
وَأَجْمعُوا على أَن الْوَارِثين من الرِّجَال عشرَة
وَقد تقدم ذكرهم
وَمن النِّسَاء سَبْعَة
وَقد تقدم ذكرهن أَيْضا
وعَلى أَن الْفُرُوض الْمقدرَة فِي كتاب الله تَعَالَى سِتَّة
وَقد تقدم ذكرهَا
وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام
وهم الَّذين لَا سهم لَهُم فِي كتاب الله
وهم عشرَة أَصْنَاف: أَبُو الْأُم
وكل جد وَجدّة ساقطين وَأَوْلَاد الْبَنَات وَبَنَات الْإِخْوَة وَأَوْلَاد الْأَخَوَات وَبَنُو الْإِخْوَة للْأُم وَالْعم للْأُم وَبَنَات الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات والمدلون بهم
فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى عدم توريثهم قَالَا: يكون المَال لبيت المَال
وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَزيد وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد
وَذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد إِلَى توريثهم
وَحكي ذَلِك عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس
وَذَلِكَ عِنْد فقد أَصْحَاب الْفُرُوض والعصبات بِالْإِجْمَاع وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن الْخَال يَرث مَعَ الْبِنْت
فعلى مَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا مَاتَ عَن أم كَانَ لَهَا الثُّلُث
وَالْبَاقِي لبيت المَال أَو عَن بنت فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لبيت المَال
وعَلى مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: المَال كُله للْأُم الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ
وَكَذَلِكَ للْبِنْت النّصْف بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ
وَنقل القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي عَن الشَّيْخ أبي الْحسن: أَن الصَّحِيح عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود: أَنهم كَانُوا لَا يورثون ذَوي الْأَرْحَام وَلَا يردون على أحد
وَهَذَا الَّذِي يَحْكِي عَنْهُم فِي الرَّد وتوريث ذَوي الْأَرْحَام: حِكَايَة فعل لَا قَول
وَابْن خُزَيْمَة وَغَيره من الْحفاظ يدعونَ الْإِجْمَاع على هَذَا
فصل: وَالْمُسلم لَا يَرث من الْكَافِر وَلَا عَكسه
بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة
وَحكي عَن معَاذ وَابْن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ: أَن يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا عكس كَمَا يتَزَوَّج الْمُسلم الْكَافِرَة وَلَا يتَزَوَّج الْكَافِر الْمسلمَة
وَاخْتلفُوا فِي مَال الْمُرْتَد إِذا قتل أَو مَاتَ على الرِّدَّة على ثَلَاثَة أَقْوَال: الأول: أَن جَمِيع مَاله الَّذِي كَسبه فِي إِسْلَامه يكون فَيْئا لبيت المَال
هَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد(1/343)
وَالثَّانِي: يكون لوَرثَته من الْمُسلمين سَوَاء كَسبه فِي إِسْلَامه أَو ردته
وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن
وَالثَّالِث: أَن مَا اكْتَسبهُ فِي حَال إِسْلَامه لوَرثَته الْمُسلمين وَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال ردته فِي الْبَيْت المَال
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْقَاتِل عمدا ظلما لَا يَرث من الْمَقْتُول
وَاخْتلفُوا فِيمَن قتل خطأ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَرث
وَقَالَ مَالك: يَرث من المَال دون الدِّيَة
وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث أهل الْملَل من الْكفَّار
فمذهب مَالك وَأحمد: لَا يَرث بَعضهم بَعْضًا وَإِذا كَانُوا أهل ملتين كاليهودي وَالنَّصْرَانِيّ
وَكَذَا من عداهما من الْكفَّار إِن اخْتلفت ملتهم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِنَّهُم أهل مِلَّة وَاحِدَة
كلهم كفار يَرث بَعضهم بَعْضًا
فصل: والغرقى والقتلى والهدمى والموتى بحريق أَو طاعون إِذا لم يعلم أَيهمْ مَاتَ قبل صَاحبه
: لم يَرث بَعضهم بَعْضًا وتركة كل وَاحِد مِنْهُم لباقي ورثته بالِاتِّفَاقِ إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَذهب عَليّ وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ إِلَى أَنه يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من تلاد مَاله دون طارفه
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
فصل: وَمن بعضه حر وَبَعضه رَقِيق
: لَا يَرث وَلَا يُورث عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد والمزنى: يُورث وَيَرِث بِقدر مَا فِيهِ م الْحُرِّيَّة
فصل: وَالْكَافِر وَالْمُرْتَدّ وَالْقَاتِل عمدا وَمن فِيهِ رق وَمن خَفِي مَوته لَا يحجبون كَمَا لَا يَرِثُونَ بالِاتِّفَاقِ
وَعَن ابْن مَسْعُود وَحده: أَن الْكَافِر وَالْعَبْد وَقَاتل الْعمد: يحجبون وَلَا يَرِثُونَ
وَالإِخْوَة إِذا حجبوا إِلَى السُّدس لم يأخذوه بالِاتِّفَاقِ
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن الْإِخْوَة يَرِثُونَ مَعَ الْأَب إِذا حجبوا الْأُم فَيَأْخُذُونَ مَا حجبوها عَنهُ
وَالْمَشْهُور عَنهُ مُوَافقَة الكافة
وَاخْتلفُوا فِي الْجد: هَل يسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ كَمَا يسقطهم الابْن وَابْن الابْن وَالْأَب فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط الْجد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ وَمن الْأَب كَمَا يسقطهم الْأَب
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن الْجد لَا يسقطهم
وَلَكِن يقاسمهم مَا لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل
فَإِذا نقصته الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل فرض لَهُ ثلث(1/344)
الأَصْل وَأعْطى الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات مَا بَقِي
هَذَا إِذا لم يكن مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من لَهُ فرض
فَإِن كَانَ مَعَه من لَهُ فرض أعْطى فَرْضه وقاسمه الْجد مَا لم تنقص الْمُقَاسَمَة عَن سدس الأَصْل أَو ثلث مَا بَقِي فَإِنَّهُمَا أحظ لَهُ أَو أعْطِيه
وَاخْتلفُوا فِي المَال الصائر إِلَى بَيت المَال: هَل هُوَ صائر إِرْثا أَو على وَجه الْمصلحَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: على وَجه الْمصلحَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على جِهَة الْإِرْث
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل صَغِيرا أَو مَجْنُونا
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يحرمان الْإِرْث
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرثان
وَاخْتلفُوا فِيمَن حفر بِئْرا أَو وضع حجرا فِي الطَّرِيق
فَهَلَك مُوَرِثه بهما أَو بِأَحَدِهِمَا
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَرِثهُ على الْإِطْلَاق
أما لَو حفر بِئْرا فِي ملكه أَو وضع حجرا فَمَاتَ بِهِ مُوَرِثه من غير تَفْرِيط من الْمَالِك أَو وَقع عَلَيْهِ حَائِطه
فَلَا خلاف فِي أَنه يَرِثهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَرث وَقَالَ مَالك: يَرث من المَال لَا من الدِّيَة
وَاخْتلفُوا فِي ابْن الْمُلَاعنَة من يَرِثهُ قَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَحقّ الْأُم جَمِيع المَال بِالْفَرْضِ وَالرَّدّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تَأْخُذ الْأُم الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي لبيت المَال
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا: عصبته لأمه
فَإِذا خلف أما وخالا كَانَ المَال لَهما جَمِيعه تعصيبا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم رجل على يَد رجل فوالاه وعاقده ثمَّ مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ
فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِلَى أَنه لَا يسْتَحق مِيرَاثه
وَيكون مِيرَاثه لبيت مَال الْمُسلمين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحق مِيرَاثه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم الْوَرَثَة الْكفَّار قبل قسْمَة مِيرَاث نسيبهم الْمُسلم
فَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يسْتَحقُّونَ الْمِيرَاث
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يسْتَحقُّونَ مِيرَاثا
وَعَن أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى مثل قَوْلهم
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَترك حملا ثمَّ انْفَصل
وَلم يستهل صَارِخًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يَرث وَلَا يُورث وَإِن تحرّك وتنفس إِلَّا أَن يطول بِهِ ذَلِك أَو يرضع وَإِن عطس فَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن تحرّك وتنفس وعطس ورث وَورث عَنهُ
فصل: وَالْخُنْثَى الْمُشكل
وَهُوَ من لَهُ فرج وَذكر قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمَشْهُور عَنهُ: إِن بَال من الذّكر فَهُوَ غُلَام
أَو من الْفرج فَهُوَ أُنْثَى أَو مِنْهُمَا اعْتبر أسبقهما
فَإِن اسْتَويَا(1/345)
بَقِي على إشكاله إِلَى أَن يخرج لَهُ لحية أَو يَأْتِي النِّسَاء فَهُوَ رجل
أَو يدر لَهُ لبن أَو يُوطأ فِي فرجه أَو يحيض فَهُوَ امْرَأَة
فَإِن لم يظْهر شَيْء من ذَلِك فَهُوَ مُشكل وميراثه مِيرَاث أُنْثَى
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي
وَلكنه يُخَالِفهُ فِي مِيرَاثه
فَقَالَ: يعْطى الابْن النّصْف وَالْخُنْثَى الثُّلُث
وَيُوقف السُّدس حَتَّى يتَبَيَّن أمره أَو يصطلحا
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُورث من حَيْثُ يَبُول
فَإِن كَانَ يَبُول مِنْهُمَا اعْتبر أسبقهما
فَإِن كَانَا فِي السَّبق سَوَاء اعْتبر أكثرهما فورث مِنْهُ
فَإِن بَقِي على إشكاله وَخلف رجل ابْنا وَخُنْثَى مُشكل قسم للخنثى نصف مِيرَاث أُنْثَى
فَيكون للِابْن ثلث المَال وربعه وللخنثى ربع المَال وسدسه
فصل: فِي المناسخات: إِذا لم تقسم تَرِكَة الْمَيِّت
الأول حَتَّى مَاتَ بعض ورثته
فصحح مَسْأَلَة الأول ثمَّ صحّح مَسْأَلَة الثَّانِي وَأقسم سِهَام الثَّانِي من الْمَسْأَلَة الأولى على مَسْأَلته
فَإِن انقسمت صحت المسألتان مِمَّا صحت مِنْهُ الأولى وَإِن لم يتوافقا ضربت مَسْأَلته كلهَا فِي الْمَسْأَلَة الأولى
فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح المسألتان
فَإِذا أردْت الْقِسْمَة فَكل من لَهُ شَيْء من الأولى مَضْرُوب فِي الثَّانِيَة أَو وفقها
وكل من لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة مَضْرُوب فِي السِّهَام الَّتِي مَاتَ عَنْهَا أَو فِي وفقها
فَإِن مَاتَ ثَالِث صححت مَسْأَلته وَقسمت عَلَيْهَا سهامه من الْمَسْأَلَتَيْنِ
فَإِن انقسمت صحت وَإِلَّا ضربت مَسْأَلته أَو وفقها فِيمَا صحت مِنْهُ المسألتان
وَيعْمل على ذَلِك
فصل: فِي اسْتِخْرَاج القيراط وميزانه وَقِسْمَة التركات عَلَيْهِ
: اعْلَم أَن الطَّرِيق فِي معرفَة قسْمَة التَّرِكَة على القراريط: هُوَ أَن تستخرج قِيرَاط الْعدَد الَّذِي صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة ثمَّ انسب إِلَيْهِ نصيب كل وَاحِد من الْوَرَثَة
فَإِن كَانَ بعضه فَلذَلِك الْوَاحِد من الْوَرَثَة بعض قِيرَاط من التَّرِكَة بِتِلْكَ النِّسْبَة
وَإِن كَانَ مثله فَلهُ قِيرَاط كَامِل وَإِن كَانَ مثلَيْهِ أَو أَكثر فقيراطان أَو أَكثر وعَلى هَذَا الْقيَاس
مِثَاله: ثَلَاث زَوْجَات وَأَرْبع إخْوَة لأم وَخمْس أَخَوَات لأَب
والتركة اثْنَان وَسَبْعُونَ دِينَارا
الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وتعول إِلَى خَمْسَة عشر
قيراطها نصف وَثمن وَنصِيب الزَّوْجَات مِنْهَا ثَلَاثَة
فنسبة الثَّلَاثَة إِلَى النّصْف وَالثمن: أَرْبَعَة أَمْثَال وَأَرْبَعَة أَخْمَاس
مثل
فَيكون لَهُنَّ من التَّرِكَة أَرْبَعَة قراريط وأبعة أَخْمَاس قِيرَاط وَهُوَ أَرْبَعَة عشر دِينَارا وخمسا دِينَار
وَنصِيب الْإِخْوَة من الْأُم أَرْبَعَة نسبتها إِلَيْهِ سِتَّة أَمْثَال وخمسا مثل
فَيكون لَهُم من التَّرِكَة سِتَّة قراريط وخمسا قِيرَاط وَهُوَ تِسْعَة عشر دِينَارا وَخمْس دِينَار
وَنصِيب الْأَخَوَات من الْأَب ثَمَانِيَة نسبتها إِلَيْهِ اثْنَي عشر مثلا وَأَرْبَعَة أَخْمَاس مثل
فَيكون لَهُم من التَّرِكَة اثْنَي عشر قيراطا وَأَرْبَعَة أَخْمَاس قِيرَاط وَهُوَ ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وخمسا دِينَار(1/346)
وميزان الصِّحَّة فِي ذَلِك: أَن تجمع مَا حصل للْوَرَثَة من القراريط وتقابل بهَا التَّرِكَة
فَإِن تَسَاويا فَالْعَمَل صَحِيح وَإِلَّا ففاسد
وَطَرِيق معرفَة اسْتِخْرَاج القيراط: أَن تجْعَل كل عقد من الْعدَد الَّذِي تُرِيدُ معرفَة قيراطه وَاحِدًا وتنسب مَا اجْتمع مَعَك من الْآحَاد إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين
فَمَا خرج فنسبته من عقد وَاحِد من ذَلِك الْعدَد
مِثَاله: إِذا أردْت أَن تعرف قِيرَاط الْخَمْسَة عشر
فاجعلها وَاحِدًا وَنصفا وانسب ذَلِك إِلَى الْأَرْبَعَة وَعشْرين يكون نصف ثمن وَالْعقد الْوَاحِد من خَمْسَة عشر: عشرَة نصف ثمنهَا نصف ثمن
وَهُوَ القيراط
وعَلى هَذَا يكون الْعَمَل
تذييل: جرد للْإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه عشروا مَسْأَلَة
وبعثوا بهَا إِلَيْهِ مَعَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن يزِيد
الأولى: رجل أبق لَهُ عبد
فَقَالَ: هُوَ حر إِن طعمت طَعَاما حَتَّى أَجِدهُ فَأجَاب: أَن يَهبهُ لبَعض وَلَده
الثَّانِيَة: رجلَانِ كَانَا فَوق سطح فَمَال أَحدهمَا فَسقط فَمَاتَ
فَحرمت على الآخر امْرَأَته فَأجَاب: إِن امْرَأَة الْحَيّ كَانَت أمة الرجل السَّاقِط
وَكَانَ الزَّوْج من بعض ورثته
فَصَارَت الْأمة مِيرَاثا لَهُ
فَحرمت عَلَيْهِ
الثَّالِثَة: رجلَانِ خطبا امْرَأَة
فَحلت لأَحَدهمَا وَلم تحل للْآخر من غير مَكْرُوه فَأجَاب: إِن أَحدهمَا كَانَت لَهُ أَربع نسْوَة فَحرمت عَلَيْهِ الْخَامِسَة وَالْآخر: لم يكن لَهُ امْرَأَة فَحلت لَهُ الْخطْبَة وَالنِّكَاح
الرَّابِعَة: رجل ذبح شَاة فِي منزله ثمَّ خرج لحَاجَة فَرجع وَقد حرمت عَلَيْهِ الشَّاة
فَقَالَ لأَهله: كلوا
فقد حرم الله عَليّ الْأكل مِنْهَا
فَقَالَ لَهُ أَهله: وَنحن أَيْضا قد حرم الله علينا الْأكل مِنْهَا فَأجَاب: إِن هَذَا الرجل كَانَ مُشْركًا وثنيا ذبح شَاة وَخرج فَأسلم وَرجع
وَقد قيل لأَهله: إِن أَبَاكُم قد أسلم فأسلموا
فَقَالَ لَهُم: قد حرم الله على الْأكل مِنْهَا لِأَنِّي أسلمت
فَقَالُوا: وَنحن قد حرم الله علينا الْأكل لأَنا قد أسلمنَا
الْخَامِسَة: امْرَأَة تزوجت فِي شهر وَاحِد بِثَلَاثَة أَزوَاج كل ذَلِك حَلَال(1/347)
فَأجَاب: إِن هَذِه الْمَرْأَة طَلقهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل
فَولدت بعد عشرَة أَيَّام
وَانْقَضَت عدتهَا بِالْوَضْعِ ثمَّ تزوجت بِرَجُل آخر
فَاخْتلعت مِنْهُ قبل الدُّخُول بهَا ثمَّ خطبهَا رجل آخر وَتَزَوجهَا وَدخل بهَا
فَذَلِك ثَلَاثَة أَزوَاج فِي شهر
السَّادِسَة: رجل حرمت عَلَيْهِ امْرَأَته سنة ثمَّ حلت لَهُ من غير حنث
وَلَا طَلَاق وَلَا عدَّة فَأجَاب: إِن هَذَا الرجل كَانَ هُوَ وَامْرَأَته فِي الْحَج وهما محرمان فاتهما الْحَج
فَلم تزل امْرَأَته حَرَامًا عَلَيْهِ إتيانها
فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل حلت لَهُ فَوَطِئَهَا
السَّابِعَة: امْرَأَتَانِ لقيتا غلامين
فَقَالَتَا: مرْحَبًا بابنينا وَابْني زوجينا وهما زوجانا فَأجَاب: إِن الْمَرْأَتَيْنِ كَانَ لَهما ابْنَانِ
فَتزوّجت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِابْن صاحبتها فَكَانَا ابنيهما وزوجيهما وَابْني زوجيهما القديمين
الثَّامِنَة: رجلَانِ شربا الْخمر فَوَجَبَ على أَحدهمَا الْحَد وَلم يجب على الآخر شَيْء وهما مسلمان فَأجَاب: إِن أَحدهمَا كَانَ حرا
فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَد وَالْآخر مَجْنُون أَو صبي لَا حد عَلَيْهِمَا
التَّاسِعَة: قوم سجدوا لغير الله
وهم فِي فعلهم مطيعون لله فَأجَاب: إِنَّهُم الْمَلَائِكَة سجدوا لآدَم
الْعَاشِرَة: رجل قَالَ لوَلَده: إِن مت فلك من إرثي أَلفَانِ وَلَو كنت عمي لَكَانَ يحصل لَك عشرَة آلَاف دِرْهَم فَأجَاب: إِن مَال الرجل مبلغه ثَلَاثُونَ ألفا
وَله ابْن وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ بِنْتا فللابن ألفا دِرْهَم
وَلكُل بنت ألف
وَلَو كَانَ ابْن عَم لَكَانَ للبنات الثُّلُثَانِ وَهُوَ عشرُون ألفا وَلابْن الْعم عشرَة آلَاف
الْحَادِيَة عشرَة: رجل أَخذ قدحا فِيهِ مَاء فَشرب بعضه حَلَالا
وَحرم عَلَيْهِ الْبَاقِي فَأجَاب: إِنَّه شرب بعضه ثمَّ رعف فِي الْبَاقِي حَتَّى غلب الدَّم على المَاء فَحرم عَلَيْهِ
الثَّانِيَة عشرَة: امْرَأَة ادَّعَت أَن زَوجهَا مَا يقربهَا وَأَنَّهَا بكر كَمَا خلقت فَأجَاب: إِن القائلة تُؤمر أَن تحملهَا بَيْضَة
فَإِن غَابَتْ الْبَيْضَة كذبت وَإِلَّا صدقت(1/348)
الثَّالِثَة عشرَة: رجل دفع إِلَى زَوجته كيسا مَخْتُومًا
وَقَالَ: أَنْت طَالِق إِن أَنْت فتحتيه أَو فتقتيه أَو خرقتيه وَأَنت طَالِق إِن لم تفرغيه فَأجَاب: إِن الْكيس كَانَ فِيهِ ملح
فَوَضَعته فِي مَاء حَار
فذاب الْملح وخلا الْكيس من غير فتح وَلَا فتق وَلَا حرق
الرَّابِعَة عشرَة: امْرَأَة لقِيت غُلَاما فقبلته
وَقَالَت: فديت ابْن زَوجي وَأَنا امْرَأَة أَبِيه فَأجَاب: إِنَّهَا أمه
الْخَامِسَة عشرَة: رجل مر على جَارِيَة فقبلها
وَقَالَ: فديت من أبي جدها وَأخي عَمها وأنكح أمهَا فَأجَاب: إِنَّهَا ابْنَته
السَّادِسَة عشرَة: خَمْسَة نفر زنوا بِامْرَأَة
فَوَجَبَ على أحدهم الْقَتْل
وَالثَّانِي: الرَّجْم
وَالثَّالِث: الْجلد
وَالرَّابِع: نصف الْجلد
وَالْخَامِس: لَا شَيْء عَلَيْهِ فَأجَاب: الأول: مُشْرك زني بِمسلمَة
وَالثَّانِي: مُحصن يجب عَلَيْهِ الرَّجْم
وَالثَّالِث: غير الْمُحصن إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ الْجلد وَالرَّابِع: مَمْلُوك يجب عَلَيْهِ نصف الْجلد
وَالْخَامِس: صبي أَو مَجْنُون لَا شَيْء عَلَيْهِمَا
السَّابِعَة عشرَة: امْرَأَة أكرهت ملوكا على وَطئهَا فَوَطِئَهَا وَهُوَ كَارِه فَأجَاب: إِن خشِي الْمَمْلُوك أَن يقتل إِن لم يفعل وَفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَإِلَّا فَعَلَيهِ نصف الْحَد
وَإِن كَانَت مُحصنَة فعلَيْهَا الرَّجْم وَإِلَّا فعلَيْهَا الْجلد إِن كَانَت حرَّة
الثَّامِنَة عشرَة: رجل صلى بِقوم وَسلم عَن يَمِينه فَطلقت امْرَأَته وَسلم عَن شِمَاله ففسدت صلَاته وَنظر إِلَى السَّمَاء فَوَجَبَ عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم
فَأجَاب: إِن الرجل لما سلم عَن يَمِينه نظر إِلَى رجل كَانَ زوج امْرَأَته وَغَابَ عَنْهَا فَتزَوج بهَا فَلَمَّا قدم من سَفَره فَارق زَوجته ثمَّ سلم عَن يسَاره
فَرَأى فِي ثَوْبه دَمًا كثيرا
فَوَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَنظر إِلَى السَّمَاء وَكَانَ عَلَيْهِ دين منجم
فَرَأى الْهلَال فَوَجَبَ عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم
التَّاسِعَة عشرَة: رجل ضرب آخر بعصى
فَادّعى الْمَضْرُوب أَنه أذهب بَصَره بضربته وَأَنه جيف خياشيمه وأخرس لِسَانه
فَأجَاب: بِأَن يُقَام الْمَضْرُوب فِي مُسْتَقْبل الشَّمْس
فَإِن لم يطرف فَهُوَ صَادِق ويشم(1/349)
الحراق
فَإِن لم يتأذ بِهِ فَهُوَ صَادِق ويغرز لِسَان بإبرة فَإِن خرج دم أسود فَهُوَ صَادِق
الْعشْرُونَ: إِمَام كَانَ يُصَلِّي وَرَاءه أَرْبَعَة أَنْفَار
فَدخل الْمَسْجِد رجل آخر فصلى مَعَهم
فَلَمَّا سلم الإِمَام عَن يَمِينه وَنظر إِلَى الرجل الْخَامِس وَجب على الإِمَام ضرب الْعُنُق وَأخذ امْرَأَته مِنْهُ وتدفع إِلَى الْخَامِس
وَوَجَب هدم الْمَسْجِد وَوَجَب على الْأَرْبَعَة الَّذين صلوا خَلفه الْجلد
فَأجَاب: إِن الرجل الَّذِي دخل بعد الْأَرْبَعَة مُسَافر
وَخلف أَخا لَهُ وَخلف امْرَأَته عِنْده فَقتل ذَلِك الإِمَام أَخا الرجل وَأخذ امْرَأَته وَادّعى أَنَّهَا زَوجته
فَشهد الْأَرْبَعَة لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَأخذ دَار الرجل وبناها مَسْجِدا
فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْل ورد الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا وَيرد الْمَسْجِد دَارا كَمَا كَانَت
وَوَجَب على الشُّهُود الْجلد بِشَهَادَة الزُّور
المصطلح
: وَفِيه صُورَة قسْمَة الْمِيرَاث بَين الْوَرَثَة
تقدّمت فِي الْإِقْرَار لتعلقها بِهِ
وَصُورَة الْوَفَاة وَحصر الْوَرَثَة يَأْتِي فِي بَاب المحاضر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالله أعلم(1/350)
كتاب الْوَصَايَا
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
(الْوَصِيَّة) مَأْخُوذَة من قَوْلهم: وصيت الشَّيْء أوصيته: إِذا وصلته لِأَن الْمُوصي يصل مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاته بِمَا بعد مماته
وَالْأَصْل فِي ثُبُوت الْوَصِيَّة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين}
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا حق امرىء مُسلم عِنْده شَيْء يوصى فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه) وَرُوِيَ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم الْمَدِينَة سَأَلَ عَن الْبَراء بن معْرور فَقيل لَهُ: إِنَّه هلك
ووصى لَك بِثلث مَاله
فَقبله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رده على ورثته)
وَأما الْإِجْمَاع: فَروِيَ أَن أَبَا بكر وصّى بالخلافة إِلَى عمر
ووصى عمر بالخلافة إِلَى أهل الشورى وهم سِتَّة: عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص
وَظهر ذَلِك فِي الصَّحَابَة وَلم يخالفهما أحد
بل عمِلُوا بِهِ
وَمَا يُوصي بِهِ الْإِنْسَان ضَرْبَان وَصِيَّة بِالنّظرِ فِيمَا كَانَ لَهُ النّظر فِيهِ
وَوَصِيَّة بِثلث مَاله
فَأَما الْوَصِيَّة بِالنّظرِ: فَإِن من ثبتَتْ لَهُ الْخلَافَة على الْأمة
فَلهُ أَن يُوصي بهَا إِلَى(1/351)
رجل تُوجد فِيهِ شُرُوط الْخلَافَة لما ذَكرْنَاهُ من حَدِيث أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأما الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ: فَكل من ملك التَّصَرُّف فِي مَاله بِالْبيعِ وَالْهِبَة ملك الْوَصِيَّة بِثلث مَاله فِيمَا فِيهِ قربَة
لقَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَلما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن الله أَعْطَاكُم ثلث أَمْوَالكُم فِي آخر آجالكم زِيَادَة فِي حسناتكم) وَرُوِيَ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَرضت بِمَكَّة عَام الْفَتْح مَرضا أشرفت مِنْهُ على الْمَوْت
فَدخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقلت: يَا رَسُول الله إِن لي مَالا كثيرا وَإِنَّمَا يَرِثنِي ابْنة لي أفأتصدق بِمَالي كُله قَالَ: (لَا)
قلت: أفأتصدق بِثُلثي مَالِي قَالَ: (لَا)
قلت: فبالشطر قَالَ: (فبالثلث فَقَالَ: (الثُّلُث وَالثلث كثير) وَرُوِيَ (كَبِير إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) فَلم يَنْهَهُ عَن الثُّلُث وَإِنَّمَا قَالَ: (هُوَ كثير) فَدلَّ على جَوَاز التَّصَدُّق بِهِ
و (العالة) الْفُقَرَاء
قَالَ الله تَعَالَى: {ووجدك عائلا فأغنى} وَقَوله: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) مَعْنَاهُ يسْأَلُون النَّاس بأكفهم
فَإِن كَانَ ورثته فُقَرَاء: فالمستحب لَهُ أَن لَا يُوصي بِجَمِيعِ الثُّلُث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) وَإِن كَانُوا اسْتحبَّ لَهُ أَن يُوصي بِجَمِيعِ الثُّلُث لِأَنَّهُ لما كره اسْتِيفَاء الثُّلُث إِذا كَانُوا فُقَرَاء دلّ على أَنه يسْتَحبّ لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الثُّلُث إِذا كَانُوا أَغْنِيَاء
وَيشْتَرط فِي الْمُوصي التَّمْيِيز فَلَا تصح وَصِيَّة الْمَجْنُون والمغمي عَلَيْهِ وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ
وَفِي الْمُمَيز قَولَانِ
أظهرهمَا: الْمَنْع(1/352)
وَيشْتَرط التَّكْلِيف فِي الْمُوصي
وَالصَّحِيح: صِحَّتهَا من السَّفِيه والمحجور عَلَيْهِ
وتلغى وَصِيَّة الرَّقِيق
وَفِيمَا إِذا أعتق ثمَّ مَاتَ: وَجه وَتَصِح وَصِيَّة الْكَافِر
ثمَّ إِن كَانَت الْوَصِيَّة لجِهَة عَامَّة: فَالشَّرْط أَن لَا تكون لجِهَة مَعْصِيّة
فَلَا تصح لعمارة البيع وَبِنَاء بَيت لبَعض الْمعاصِي
وَإِن كَانَت لشخص معِين فَيَنْبَغِي أَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك
فَتجوز الْوَصِيَّة للْحَمْل وَينفذ إِذا انْفَصل حَيا وَأَن يكون مَعْلُوم الْوُجُود عِنْد الْوَصِيَّة بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر
فَإِذا انْفَصل لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا وَالْمَرْأَة فرَاش زوج أَو سيد فَلَا حق لَهُ
وَإِذا أوصى لعبد إِنْسَان
فَإِن اسْتمرّ رقّه: فَالْوَصِيَّة لسَيِّده وَإِن أعتق قبل موت الْمُوصي: فالاستحقاق لَهُ
وَلَا تصح الْوَصِيَّة للدابة على قصد تَملكهَا وَكَذَا لَو أطلق الْوَصِيَّة وَلَو قَالَ: ليصرف فِي عَلفهَا فَالظَّاهِر الصِّحَّة
وَلَو أوصى لعمارة مَسْجِد صَحَّ وتنزل على عِمَارَته ومصالحه
وَتجوز الْوَصِيَّة للذِّمِّيّ وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ
وَتجوز الْوَصِيَّة للْقَاتِل فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَالْوَصِيَّة للْوَارِث لاغية نَافِذَة بِإِجَازَة الْوَرَثَة
وَلَو أوصى لِأَخِيهِ وَلَا ولد للْمُوصي ثمَّ ولد لَهُ ولد قبل مَوته: صحت الْوَصِيَّة وَلم يخرج على الْخلاف
فَإِن الِاعْتِبَار بِكَوْن الْمُوصى لَهُ وَارِثا يَوْم الْمَوْت لَا يَوْم الْوَصِيَّة
وَتَصِح الْوَصِيَّة بِالْحملِ وَالشّرط أَن ينْفَصل لوقت يعلم وجوده عِنْد الْوَصِيَّة وَأَن ينْفَصل حَيا
وَتَصِح أَيْضا بالمنافع
وَكَذَا بالثمار الَّتِي ستحدث وَالْحمل الَّذِي سيوجد
وَتَصِح الْوَصِيَّة بِأحد الْعَبْدَيْنِ
وَيصِح بِمَا يحل بِهِ الانتفاعات من النَّجَاسَات كَالْكَلْبِ الْمعلم والزبل وَالْخمر المحترمة
وَلَو أوصى بكلب من كلابه وَله كلاب يحل الِانْتِفَاع بهَا أعْطى وَاحِدًا مِنْهَا وَإِن لم يكن لَهُ كلاب لغت الْوَصِيَّة
وَمن لَهُ مَال وكلاب
فأوصى بهَا أَو بِبَعْضِهَا
فَالْأَظْهر نُفُوذ الْوَصِيَّة وَإِن كثرت وَقل المَال(1/353)
وَلَو أوصى بطبل وَكَانَ الطبل يصلح للحرب والحجيج حملت الْوَصِيَّة على مَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ وَلَو أوصى بطبل لَهو لم تصح الْوَصِيَّة
وَلَا يَنْبَغِي أَن يُوصي بِأَكْثَرَ من ثلث المَال ول فعل ورد الْوَارِث ارْتَدَّت الْوَصِيَّة فِي الزِّيَادَة
فَإِن أجَاز نفذت فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا تبرع تبرعات منجزة فِي مرض الْمَوْت كالوقف وَالْهِبَة وَالْعِتْق وَالْإِبْرَاء
وَلم يَفِ الثُّلُث بهَا فَأخذ الْقَوْلَيْنِ: أَنه يقدم الْعتْق
وَالأَصَح: التَّسْوِيَة بَين الْعتْق وَغَيره
ويقسط الثُّلُث عَلَيْهَا بِاعْتِبَار الْقيمَة
فَإِن تمحض الْعتْق فيقرع وَإِن تمحض غَيره فيقسط
وَإِن اجْتمع تبرعات فَصَاعِدا منجزات
فَإِن ترتبت قدم الأول فَالْأول إِلَى أَن يتم الثُّلُث إِن وجدت دفْعَة وَاحِدَة
فَإِن اتَّحد الْجِنْس كَمَا لَو أعتق عبيدا وَأَبْرَأ جمَاعَة فَلَا يقدم بَعْضهَا على بعض بل يقرع فِي الْعتْق ويقسط الثُّلُث فِي غَيره
وَإِن اخْتلف الْجِنْس وصدرت التَّصَرُّفَات من وكلاء
فَإِن لم يكن فِيهَا عتق فيقسط الثُّلُث وَإِن كَانَ فِيهَا فَيقدم الْعتْق أَو يقسط فِيهِ الْقَوْلَانِ
وَلَو كَانَ لَهُ عَبْدَانِ سَالم وغانم
فَقَالَ: إِن أعتقت غانما فسالم حر ثمَّ أعتق غانما فِي مرض مَوته فَلَا يقرع وَيتَعَيَّن لِلْعِتْقِ غَانِم
وَإِذا أوصى بِعَين حَاضِرَة هِيَ ثلث مَاله وَبَاقِي مَاله غَائِب لم يدْفع إِلَى الْمُوصى لَهُ فِي الْحَال
وَإِذا ظننا أَن الْمَرَض مخوف لم ينفذ التَّصَرُّف فِيمَا زَاد على الثُّلُث
فَإِن برأَ تبين خلاف مَا ظنناه وَنفذ التَّبَرُّع
وَإِن ظننا غير مخوف وَمَات فَإِن كَانَ يحمل على الْفجأَة نفذ التَّبَرُّع
وَإِلَّا تبين أَنه مخوف
وَإِن شككنا فِي الْمَرَض أهوَ مخوف أم لَا فالرجوع فِيهِ إِلَى الْأَطِبَّاء
وَإِنَّمَا يعْتَمد قَول من يجمع الْإِسْلَام والتكليف وَالْعَدَالَة وَالْحريَّة
وَيشْتَرط الْعدَد أَيْضا فِي الْأَمْرَاض المخوفة وَهُوَ القولنج وَذَات الْجنب والرعاف الدَّائِم والإسهال الْمُتَوَاتر وَخُرُوج الطَّعَام غير مُسْتَحِيل أَو كَانَ يخرج بِشدَّة أَو وجع وَمَعَهُ دم
وَمِنْهَا: الدق وَابْتِدَاء الفالج والحمى المطبقة وَكَذَا غير المطبقة كالورد وَالْغِب إِلَّا الرّبع
وَالْأَظْهَر: أَنه يلْتَحق بالأمراض المخوفة: الْوُقُوع فِي أسر كفار اعتادوا قتل(1/354)
الأسرى والتحام الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ والتقديم للْقصَاص أَو الرَّجْم واضطراب الرِّيَاح وهيجان الأمواج فِي حق ركاب السَّفِينَة وَمَا إِذا ضرب الْحَامِل الطلق وَبعد الْوَضع مَا لم تنفصل المشيمة
وَصُورَة الْوَصِيَّة أَن يَقُول: أوصيت لَهُ بِكَذَا أَو ادفعوا إِلَيْهِ أَو أَعْطوهُ بعد موتِي أَو جعلته لَهُ أَو هُوَ لَهُ بعد موتِي
وَلَو اقْتصر على قَوْله: (هُوَ لَهُ) فَهُوَ إِقْرَار لَا يَجْعَل كِنَايَة عَن الْوَصِيَّة إِلَّا أَن يَقُول: (هُوَ لَهُ من مَالِي)
وَإِذا كَانَت الْوَصِيَّة لغير معِين كالفقراء لم يشْتَرط فِيهَا الْقبُول
ولزمت بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَت لمُعين فَلَا بُد من الْقبُول
وَلَا يَصح الْقبُول فِي حَيَاة الْمُوصي وَلَا الرَّد
وَلَا يشْتَرط الْقبُول على الْفَوْر بعد موت الْمُوصي
وَإِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل موت الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة
وَإِن مَاتَ بعد مَوته قَامَ وَارثه مقَامه فِي الْقبُول
وَبِمَ يملك الْمُوصى لَهُ الْمُوصى بِهِ فِيهِ أَقْوَال
أَحدهَا: بقبوله
وَالثَّانِي: بِمَوْت الْمُوصي
وأصحها أَنَّهَا تتَوَقَّف
فَإِن قبل تَبينا أَنه ملك من وَقت الْمَوْت وَإِلَّا تَبينا أَنه كَانَ ملكا للْوَارِث
وعَلى هَذَا الْخلاف يَنْبَنِي كسب العَبْد وَثَمَرَة الشَّجَرَة الحاصلان بَين الْمَوْت وَالْقَبُول وفطرة العَبْد إِذا وَقع وَقت الْوُجُوب بَينهمَا وَنَفَقَته
وَيُطَالب الْمُوصي لَهُ بِنَفَقَة العَبْد أَو الدَّابَّة الْمُوصي بهَا لَهُ إِذا توقف فِي الْقبُول وَالرَّدّ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: (الْوَصِيَّة) تمْلِيك مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت
وَهِي جَائِزَة مُسْتَحبَّة غير وَاجِبَة بِالْإِجْمَاع لمن لَيست عِنْد أَمَانَة يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْهَا وَلَا عَلَيْهِ دين لَا يعلم بِهِ من هُوَ لَهُ أَو لَيست عِنْده وَدِيعَة بِغَيْر إِشْهَاد
فَإِن كَانَت ذمَّته مُتَعَلقَة بِشَيْء من ذَلِك كَانَت الْوَصِيَّة وَاجِبَة عَلَيْهِ فرضا
وَهِي مُسْتَحبَّة لغير وَارِث بِالْإِجْمَاع
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَأهل الظَّاهِر: إِن الْوَصِيَّة وَاجِبَة للأقارب الَّذين لَا يَرِثُونَ الْمَيِّت سَوَاء كَانُوا عصبَة أَو ذَا رحم إِذا كَانَ هُنَاكَ وَارِث غَيرهم(1/355)
فصل: وَالْوَصِيَّة لغير وَارِث بِالثُّلثِ جَائِزَة بِالْإِجْمَاع
وَلَا تفْتَقر إِلَى إجَازَة
وللوارث جَائِزَة مَوْقُوفَة على إجَازَة الْوَرَثَة
وَإِذا أوصى بِأَكْثَرَ من ثلثه وَأَجَازَ الْوَرَثَة ذَلِك
فمذهب مَالك: أَنهم إِذا أَجَازُوا فِي مَرضه لم يكن لَهُم أَن يرجِعوا بعد مَوته
وَفِي صِحَّته فَلهم الرُّجُوع بعد مَوته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُم الرُّجُوع سَوَاء كَانَ فِي صِحَّته أَو فِي مَرضه
فصل: وَمن أوصى بجمل أَو بعير
جَازَ عِنْد الثَّلَاثَة أَن يُعْطي أُنْثَى
وَكَذَلِكَ إِن أوصى ببدنة أَو بقرة جَازَ أَن يُعْطي ذكرا
فالذكر وَالْأُنْثَى عِنْدهم سَوَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فِي الْبَعِير إِلَّا الذّكر وَلَا فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة إِلَّا الْأُنْثَى
وَإِذا أوصى بِإِخْرَاج ثلث مَاله فِي الرّقاب ابتدىء عِنْد مَالك بِعِتْق مماليكه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يصرف إِلَى المكاتبين
فصل: إجَازَة الْوَرَثَة: هَل هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي أم عَطِيَّة مُبتَدأَة
فَعِنْدَ الثَّلَاثَة تَنْفِيذ
وَعند الشَّافِعِي قَولَانِ أصَحهمَا: كالجماعة
وَهل يملك الْمُوصى لَهُ بِمَوْت الْمُوصي أم بقبوله
وَإِذا أوصى بِشَيْء لرجل ثمَّ أوصى بِهِ الآخر وَلم يُصَرح بِرُجُوع عَن الأول فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ الْحسن وَعَطَاء وَطَاوُس: هُوَ رُجُوع
وَيكون للثَّانِي
وَقَالَ دَاوُد: هُوَ للْأولِ
فصل: وَالْعِتْق وَالْهِبَة وَالْوَقْف وَسَائِر العطايا المنجزة فِي مرض الْمَوْت
مُعْتَبرَة من الثُّلُث بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ مُجَاهِد وَدَاوُد: هِيَ منجزة من رَأس المَال
وَاخْتلف فِيمَا قدم ليقتص مِنْهُ أَو كَانَ فِي الصَّفّ بِإِزَاءِ الْعَدو أَو جَاءَ الْحَامِل الطلق أَو هاج الموج بالبحر وَهُوَ رَاكب سفينة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: إِن عطايا هَؤُلَاءِ من الثُّلُث
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا: من الثُّلُث
وَالثَّانِي: من جَمِيع المَال
وَرُوِيَ عَن مَالك: أَن الْحَامِل إِذا بلغت سِتَّة أشهر وَلم تتصرف فِي أَكثر من ثلث مَالهَا
وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة إِلَى العَبْد
فَقَالَ مَالك وَأحمد: تصح مُطلقًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تصح إِلَى عبد نَفسه بِشَرْط أَن يكون فِي الْوَرَثَة كَبِير وَلَا تصح إِلَى عبد غَيره
وَمن لَهُ أَب أَو جد
لَا يجوز لَهُ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد أَن يُوصي إِلَى أَجْنَبِي بِالنّظرِ فِي أَمر أَوْلَاده مَعَ وجود أَبِيه وجده إِذا كَانَ من أهل الْعَدَالَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك:(1/356)
تصح الْوَصِيَّة فِي أَمر الْأَوْلَاد وَقَضَاء الدُّيُون وتنفيذ الثُّلُث مَعَ وجود الْأَب وَالْجد
وَإِذا أوصى إِلَى عدل ثمَّ فسق نزعت الْوَصِيَّة مِنْهُ كَمَا إِذا أسْند الْوَصِيَّة إِلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تصح
فَإِنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا
وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا فسق يضم إِلَيْهِ آخر عدل
فَإِذا أوصى إِلَى فَاسق يُخرجهُ القَاضِي من الْوَصِيَّة فَإِن لم يُخرجهُ بعد تصرفه صحت وَصيته
وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة للْكفَّار
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تصح سَوَاء كَانُوا أهل حَرْب أَو ذمَّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح لأهل الْحَرْب
وَتَصِح لأهل الذِّمَّة خَاصَّة
فصل: وللوصي أَن يُوصي مَا وصّى بِهِ إِلَيْهِ غَيره
وَإِن لم يكن الْوَصِيّ جعل ذَلِك إِلَيْهِ
هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك
وَمنع من ذَلِك الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ
وَإِذا كَانَ الْوَصِيّ عدلا لم يحْتَج إِلَى حكم الْحَاكِم وتنفيذ الْوَصِيَّة إِلَيْهِ
وَيصِح جَمِيع تصرفه عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن لم يحكم لَهُ حَاكم فَجَمِيع مَا يَشْتَرِيهِ ويبيعه للصَّبِيّ مَرْدُود
وَمَا ينْفق عَلَيْهِ فَقَوله فِيهِ مَقْبُول
فصل: وَيشْتَرط بَيَان مَا يُوصي فِيهِ وتعيينه
فَإِن أطلق الْوَصِيَّة فَقَالَ: أوصيت إِلَيْك لم يَصح عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَكَانَ ذَلِك لَغوا
وَقَالَ مَالك: يَصح وَتَكون وَصِيَّة فِي كل شَيْء
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة أُخْرَى: إِنَّه لَا يكون وَصِيّا إِلَّا فِيمَا عينه
وَإِذا أوصى لأقاربه أَو عقبه لم يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فيهم عِنْد مَالك فَإِن أَوْلَاد الْبَنَات عِنْده لَيْسُوا بعقب
وَيُعْطى الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَقَاربه ذَوُو رَحمَه وَلَا يُعْطي ابْن الْعم وَلَا ابْن الْخَال
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قَالَ لأقاربي: دخل كل قرَابَة وَإِن بعد لَا أصلا وفرعا وَإِذا قَالَ لذريتي وعقبى: دخل أَوْلَاد الْبَنَات
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: من كَانَ يصله فِي حَيَاته فَيصْرف إِلَيْهِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّة لأقاربه من جِهَة أَبِيه
وَلَو أوصى لجيرانه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هم الملاصقون
وَقَالَ الشَّافِعِي: حد الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَرْبَعُونَ وَثَلَاثُونَ
وَلَا حد لذَلِك عِنْد مَالك(1/357)
فصل: وَالْوَصِيَّة للْمَيت
عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: بَاطِلَة وَقَالَ مَالك بِصِحَّتِهَا
فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين أَو كَفَّارَة صرفت
وَإِلَّا كَانَت لوَرثَته
وَلَو أوصى لرجل بِأَلف وَلم يكن حَاضرا إِلَّا ألف وَبَاقِي مَاله غَائِب أَو بَاقِي مَاله عقار أَو دين وشح الْوَرَثَة وَقَالُوا: لَا ندفع إِلَى الْمُوصى لَهُ إِلَّا ثلث الْألف
فَعِنْدَ مَالك: لَيْسَ لَهُم ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ ثلث الْألف
وَيكون بباقي حَقه شَرِيكا فِي جَمِيع مَا خَلفه الْمُوصي يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقه
فصل: وَإِذا وصّى لغلام لم يبلغ الْحلم
وَكَانَ يعقل مَا يوصى لَهُ بِهِ فوصيته جَائِزَة عِنْد مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بِعَدَمِ الْجَوَاز
وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي
فَالْأَصَحّ من مذْهبه: أَنَّهَا لَا تصح
وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد
وَلَو اعتقل لِسَان الْمَرِيض فَهَل تصح وَصيته بِالْإِشَارَةِ أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تصح
وَقَالَ الشَّافِعِي: تصح
وَالظَّاهِر من مَذْهَب مَالك: جَوَاز ذَلِك وَإِذا قبل الْمُوصى إِلَيْهِ الْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي لم يكن لَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك أَن يرجع بعد مَوته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَلَا فِي حَيَاة الْمُوصي إِلَّا أَن يكون الْمُوصي حَاضرا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ الرُّجُوع على كل حَال
وعزل نَفسه مَتى شَاءَ
قَالَ النَّوَوِيّ: إِلَّا أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَو يغلب على ظَنّه تلف المَال باستيلاء ظَالِم عَلَيْهِ
وَإِذا أوصى لحر بِأَبِيهِ الرَّقِيق فَقبل الْوَصِيَّة وَهُوَ مَرِيض
فَيعتق عَلَيْهِ أَبوهُ
ثمَّ مَاتَ الابْن فَعِنْدَ مَالك وَالْجُمْهُور: أَنه يَرِثهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَرِثهُ
وَإِذا قَالَ: أَعْطوهُ رَأْسا من رقيقي أَو جملا من إبلي
وَكَانَ رَقِيقه أَو إبِله عشرَة قَالَ مَالك: يعْطى عشرهم بِالْقيمَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: يُعْطِيهِ الْوَرَثَة مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم رَأس صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا
فصل: وَإِذا كتب وَصِيَّة بِخَطِّهِ وَيعلم أَنَّهَا بِخَطِّهِ
وَلم يشْهد فِيهَا فَهَل يحكم بهَا كَمَا يحكم بهَا لَو أشهد على نَفسه بهَا الثَّلَاثَة على أَنه لَا يحكم بهَا
وَقَالَ أَحْمد: يحكم بهَا مَا لم يعلم رُجُوعه عَنْهَا
وَلَو أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَأطلق فَهَل لأَحَدهمَا التَّصَرُّف دون الآخر قَالَ الثَّلَاثَة: لَا تجوز مُطلقًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز فِي ثَمَانِيَة أَشْيَاء مَخْصُوصَة: شِرَاء الْكَفَن وتجهيز الْمَيِّت وإطعام الصغار وكسوتهم ورد وَدِيعَة بِعَينهَا وَقَضَاء دين وإنقاذ وَصِيَّة بِعَينهَا وَعتق عبد بِعَيْنِه
وَالْخُصُومَة فِي حُقُوق الْمَيِّت(1/358)
وَاخْتلفُوا هَل يَصح التَّزْوِيج فِي مرض الْمَوْت قَالَ الثَّلَاثَة: يَصح
وَقَالَ مَالك: لَا يَصح للْمَرِيض الْمخوف عَلَيْهِ: فَإِن تزوج وَقع فَاسِدا سَوَاء دخل بهَا أَو لم يدْخل وَيكون الْفَسْخ بِالطَّلَاق
فَإِن برىء من المرص فَهَل يَصح ذَلِك النِّكَاح أم يبطل عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
وَلَو كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد
فأوصى لآخر بِمثل نصيب أحدهم
قَالَ الثَّلَاثَة: لَهُ الرّبع
وَقَالَ مَالك: لَهُ الثُّلُث
وَلَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله وَلَا وَارِث لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة: الْوَصِيَّة صَحِيحَة
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة عَنهُ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا تصح
إِلَّا فِي الثُّلُث
وَلَو وهب أَو أعتق فِي مَرضه وَعجز الثُّلُث
وَقَالَ الثَّلَاثَة: يتحاصان
وَقَالَ الشَّافِعِي: يبْدَأ بِالْأولِ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
فصل: وَهل يجوز للْوَصِيّ أَن يَشْتَرِي شَيْئا لنَفسِهِ من مَال الْيَتِيم
قَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِزِيَادَة على الْقيمَة اسْتِحْسَانًا
فَإِن اشْتَرَاهُ بِمثل قِيمَته لم يجز
وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يَشْتَرِيهِ بِالْقيمَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أشهرهما: عدم الْجَوَاز وَالْأُخْرَى: إِذا وكل غَيره جَازَ
وَإِذا ادّعى الْوَصِيّ دفع المَال إِلَى الْيَتِيم بعد بُلُوغه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: القَوْل قَول الْوَصِيّ مَعَ يَمِينه
فَيقبل قَوْله كَمَا يقبل فِي تلف المَال وَمَا يَدعِيهِ من الْإِتْلَاف يكون أَمينا وَكَذَا الحكم فِي الْأَب وَالْحَاكِم وَالشَّرِيك وَالْمُضَارب
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقبل قَول الْوَصِيّ إِلَّا بِبَيِّنَة
فصل: وَالْوَصِيَّة لِلْعَامِلِ صَحِيحَة
عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أصَحهمَا: الصِّحَّة
وَلَو أوصى لمَسْجِد
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تصح الْوَصِيَّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح إِلَّا أَن يَقُول: ينْفق عَلَيْهِ
وَلَو أوصى لبني فلَان لم يدْخل إِلَّا الذُّكُور بالِاتِّفَاقِ
وَيكون بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
فصل: وَالْوَصِيّ الْغَنِيّ هَل يجوز لَهُ
360 - أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم عِنْد الْحَاجة أم لَا فمذهب أبي حنيفَة: لَا يَأْكُل بِحَال لَا قرضا وَلَا غَيره
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز لَهُ(1/359)
أَن يَأْكُل بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من أُجْرَة عمله وكفايته
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَإِن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ بِقدر نظره وَأُجْرَة عمله
فَائِدَة قَالَ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات: ذكر القَاضِي شُرَيْح فِيمَا إِذا قَالَ الْمُوصي (مَا يَدعِي فلَان فصدقوه) قَالَ الثَّقَفِيّ: يحْتَمل أَن يصدق فِي الْجَمِيع
وَقَالَ الزجاجي: هُوَ إِقْرَار لمجهول يُعينهُ الْوَارِث
وَقَالَ الْعَبَّادِيّ: هَذَا أشبه بِالْحَقِّ
وَلابْن الملقن فِي شَرحه فروع
الأول: أوصى لأعقل النَّاس فِي بَلَده صرف إِلَى أزهدهم فِي الدُّنْيَا
نَص عَلَيْهِ
فَإِن قلت: الْأَخْذ من الْوَصِيَّة يُنَافِي الزّهْد
فَالْجَوَاب: منع ذَلِك
فَإِن الزّهْد ترك فضول الدُّنْيَا
قَالَ فِي الْإِحْيَاء: والزهد يَنْقَسِم إِلَى فرض وَهُوَ الزّهْد فِي الْحَرَام وَإِلَى نفل
وَهُوَ الزّهْد فِي الْحَلَال
وَحكي بَعضهم: أَن الزّهْد لَا يكون إِلَّا فِي الْحَلَال وَأَنه لم يبْق فِي أَمْوَال الدُّنْيَا حَلَال فَلَا يتَصَوَّر الزّهْد فِيهَا الْيَوْم
وَقَالَ القَاضِي: وَكَذَا لَو أوصى لأكيس النَّاس
الثَّانِي: لَو أوصى لأحمقهم
فقد حكى الْمَاوَرْدِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: أَنه يصرف إِلَى أهل التَّثْلِيث من النَّصَارَى
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَعِنْدِي أَنه يصرف إِلَى أس النَّاس لِأَن الْحمق يرجع إِلَى الْعقل دون الِاعْتِقَاد
الثَّالِث: لَو أوصى لأبخل النَّاس
قَالَ القَاضِي حُسَيْن: يحْتَمل أَن يصرفهُ لمن لَا يعْطى الزَّكَاة وَيحْتَمل أَن يصرف لمن لَا يقري الضَّيْف
وَأورد فِيهِ حَدِيثا وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (برىء من الشُّح من أقرى الضَّيْف وَأعْطى الزَّكَاة وَأدّى الْأَمَانَة)
الرَّابِع: لَو أوصى لسَيِّد النَّاس
كَانَ للخليفة أَو لأعْلم النَّاس: كَانَ مصروفا للفقهاء لأطلاعهم على عُلُوم الشَّرِيعَة الَّتِي هِيَ بِأَكْثَرَ الْعُلُوم مُتَعَلقَة
قَالَه كُله الْمَاوَرْدِيّ
مَسْأَلَة: لَو أوصى لقوم فلَان أَو لقوم صالحين
فَفِي دُخُول النِّسَاء وَجْهَان
أَحدهمَا: الدُّخُول لقَوْله تَعَالَى: {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق}(1/360)
وعَلى هَذَا: يدْخل الخناثي فِي الْوَصِيَّة
وَالثَّانِي: لَا يدْخل النِّسَاء
لقَوْل الشَّاعِر: وَمَا أدرى وَلست إخال أَدْرِي أقوم آل حصن أم نسَاء وعَلى هَذَا
فَلَا يدْخل الخناثي فِي الصوية للْقَوْم
فَائِدَة: لَفْظَة (الْمُتَكَلّم) تطلق على من يعرف علم الْكَلَام
وَهُوَ أصُول الدّين
وَإِنَّمَا قيل لَهُ: (علم الْكَلَام) لِأَن أول خلاف وَقع فِي الدّين: كَانَ فِي كَلَام تَعَالَى
أمخلوق هُوَ أم غير مَخْلُوق فَتكلم النَّاس فِيهِ
فَسُمي هَذَا النَّوْع من الْعلم كلَاما اخْتصَّ بِهِ وَإِن كَانَت الْعُلُوم جَمِيعهَا تنشر بالْكلَام
قَالَه السَّمْعَانِيّ
مَسْأَلَة: قَالَ الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد: اخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الْإِمَامَة الْعُظْمَى لغَلَبَة الفسوق على الْوُلَاة
فَلَو شرطناها لتعطلت الْأُمُور
وَلما كَانَ تصرف الْقُضَاة أَعم من تصرف الأوصياء وأخص من تصرف الْأَئِمَّة
اخْتلف فِي إلحاقهم بالأئمة
فَمنهمْ من ألحقهم بالأئمة فَلم يشْتَرط عدالتهم وَمِنْهُم من ألحقهم بالأوصياء فاشترطها
المصطلح
: ويشتمل على صور
مِنْهَا: صُورَة وَصِيَّة
ذكر أَن الإِمَام الْأَعْظَم أَبَا حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت أملاها على البديهة
وَهِي مِمَّا يَنْبَغِي أَن يعتني بهَا لكَونهَا من إنْشَاء ذَلِك الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله تَعَالَى
هَكَذَا نَقله فِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة
وَصورتهَا بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة: هَذَا مَا أوصى بِهِ فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ وشهوده بِهِ عارفون فِي صِحَة عقله وَثُبُوت فهمه وَمرض جِسْمه وَهُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لم يلد وَلم يُولد وَلم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل
وَهُوَ الْكَبِير المتعال وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وأمينه على وحيه
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَأَن الْجنَّة حق وَأَن النَّار حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
مبتهلا إِلَى الله تَعَالَى أَن يتم عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا يسلبه مَا وهب لَهُ فِيهِ وَمَا أمتن بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يتوفاه إِلَيْهِ
فَإِن لَهُ الْملك وَبِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير
أوصى هَذَا الْمُوصي فلَان وَلَده وَأَهله وقرابته وَإِخْوَته وَمن أطَاع أمره بِمَا أوصى بِهِ إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب {يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وأوصاهم جَمِيعًا أَن يتقوا الله حق تُقَاته وَأَن يطيعوا الله فِي سرهم وعلانيتهم فِي(1/361)
من قَوْلهم وفعلهم وَأَن يلتزموا طَاعَته وَأَن ينْتَهوا عَن مَعْصِيَته وَأَن يقيموا الدّين وَلَا يتفرقوا فِيهِ وَجَمِيع مَا أوصاهم بِهِ فَلَا غنى لَهُم عَنهُ وَلَا غنى لأحد عَن طَاعَة الله وَعَن التَّمَسُّك بأَمْره
أوصى هَذَا الْمُوصي الْمُسَمّى عافاه الله تَعَالَى ولطف بِهِ إِلَى فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ: أَنه إِذا نزل بِهِ حَادث الْمَوْت الَّذِي كتبه على خلقه وساوى فِيهِ بَين بريته وَصَارَ إِلَى ربه الْكَرِيم وَهُوَ يسْأَل خير ذَلِك الْمصير: أَن يحْتَاط على تركته المخلفة عَنهُ
فَيبْدَأ مِنْهَا بمؤنة تَجْهِيزه وتكفينه ومواراته فِي حفرته أُسْوَة أَمْثَاله
ثمَّ يُوفي مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون الشَّرْعِيَّة المستقرة فِي ذمَّته وَهِي الَّتِي أقرّ بهَا هَذَا الْوَصِيّ الْمُسَمّى بِحَضْرَة شُهُوده
وأشهدهم عَلَيْهَا بهَا
فَمِنْهَا: مَا أقربه أَن عَلَيْهِ وَفِي ذمَّته بِحَق شَرْعِي لفُلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ كَذَا وَلفُلَان ابْن فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ كَذَا
وَمن ادّعى غير من ذكرهم وَسَمَّاهُمْ عَلَيْهِ دينا
وأثبته فيدفعه إِلَيْهِ وَأَن يخرج عَنهُ من ثلث مَاله المخلف لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا وَإِن كَانَ يُوصي بختمة أَو بِحجَّة
فيذكرها أَيْضا ثمَّ مَا بَقِي بعد وَفَاء دينه وتنفيذ وَصَايَاهُ يقسم بَين ورثته وهم فلَان وَفُلَان عى الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة وَأَن ينظر فِي أَمر وَلَده الصَّغِير فلَان ويحفظ لَهُ مَا يَخُصُّهُ من تركته إِلَى بُلُوغه وإيناس رشده
أوصى بذلك جَمِيعه إِلَيْهِ وعول فِيمَا ذكره عَلَيْهِ لعلمه بديانته وأمانته وعدالته ونهضته وكفايته
وَجعل لَهُ أَن يسْندهُ إِلَى من شَاءَ ويوصي بِهِ إِلَى من أحب وللمسند إِلَيْهِ من جِهَته مثل ذَلِك وللموصى إِلَيْهِ من جِهَته مثل مَا إِلَيْهِ وَصِيّا بعد وَصِيّ وَمُسْندًا بعد مُسْند
وَقبل الْوَصِيّ مِنْهُ ذَلِك فِي مجْلِس الْإِيصَاء فِي وَجه الْمُوصي قبولا شَرْعِيًّا
وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك
ويؤرخ
صُورَة وَصِيَّة إِلَى رجل وناظر عَنهُ
هَذَا مَا أوصى فلَان إِلَى فلَان أَو أسْند فلَان وَصيته الشَّرْعِيَّة حذرا من هجوم الْمنية واتباعا للسّنة النَّبَوِيَّة حَيْثُ ندب إِلَى الْوَصِيَّة إِلَى فلَان فِي حَال توعك جسده وَصِحَّة عقله وَحُضُور حسه وفهمه وَهُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن الْمَوْت حق وَأَن الْجنَّة حق وَأَن النَّار حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور: أَن إِذا نزل بِهِ حَادث الْمَوْت الَّذِي كتبه الله على العبيد وساوى فِيهِ بَين الصَّغِير وَالْكَبِير والغني وَالْفَقِير والشقي والسعيد
وَأَن يحْتَاط على تركته المخلفة بعده أَو المخلفة عَنهُ وَيبدأ مِنْهَا بمؤنة تَجْهِيزه وتكفينه ومواراته فِي حفرته كأحسن مَا يفعل بأمثاله على الأوضاع الشَّرْعِيَّة وَالسّنة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة ثمَّ يقْضِي دُيُونه الشَّرْعِيَّة لتقر عينه فَإِن نفس الْمُؤمن بِدِينِهِ مَرْهُونَة وتنفيذ(1/362)
وَصَايَاهُ من ثلث مَاله لتَكون مَقْبُولَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ الصَّالح من أَعماله
ثمَّ يقسم تركته على مستحقي إِرْثه شرعا
ويراعي مَا يعْتَبر فِيهِ طَرِيق الشَّرْع
ويرعى ويحفظ مَا يخْتَص بأولاده الصغار لَدَيْهِ وهم فلَان وَفُلَان ويجتهد فِي حفظه والاحتراز عَلَيْهِ ويتصرف لَهُم فِيهِ بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة والنمو وَالزِّيَادَة
عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله الَّذِي لَهُ الحكم والإرادة
ويعامل لَهُ فِيهِ بِسَائِر الْمُعَامَلَات الْجَائِزَة الْمُعْتَبرَة الشَّرْعِيَّة على القوانين المرعية وَالْوُجُوه السائغة المرضية وَينْفق عَلَيْهِم ويكسوهم من مَالهم من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير مراقبا فِي ذَلِك كُله السَّمِيع الْبَصِير
فَإِذا بلغ كل مِنْهُم رشيدا مصلحا لدينِهِ وَمَاله
سلم إِلَيْهِ مَا فضل من مَاله
وأوصاه بِحسن التَّصَرُّف فِي ابْتِدَاء أمره ومآله وَأشْهد عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ وَصِيَّة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
أسندها إِلَيْهِ وعول فِيهَا عَلَيْهِ لعلمه بديانته وأمانته ونهضته وكفايته وَأذن لَهُ أَن يسند وَصيته هَذِه إِلَى من شَاءَ من أهل الْخَيْر والديانة والصدق والعفاف وَالْأَمَانَة إِذْنا شَرْعِيًّا
وَقبل الْمُوصى إِلَيْهِ ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَجعل الْمُوصي النّظر فِي هَذِه الْوَصِيَّة لفُلَان بِحَيْثُ لَا يتَصَرَّف الْمُوصي الْمَذْكُور فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِإِذن النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ ومراجعته فِيهِ ومشاورته ومشاركته وإطلاعه إِلَّا أَن يُسَافر النَّاظر إِلَى فَوق مَسَافَة الْقصر
فَإِن سَافر أَو مرض واشتغل بمرضه كَانَ للْوَصِيّ التَّصَرُّف من غير مُشَاركَة إِلَى أَن يعود من سَفَره قب الْوَصِيّ والناظر مِنْهُ ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَرجع الْمُوصي الْمَذْكُور عَن كل وَصِيَّة كَانَ أوصى بهَا قبل هَذِه الْوَصِيَّة
وَأخرج من كَانَ أوصى إِلَيْهِ وعزله عَمَّا كَانَ أوصى بِهِ إِلَيْهِ
فَلَا وَصِيَّة لأحد سوى هَذَا الْمُوصي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ
بِنَظَر النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
ويكمل
وَصُورَة الْوَصِيَّة بتنفيذ الْوَصَايَا من الثُّلُث وَمَا فضل من الثُّلُث بعد تَنْفِيذ الْوَصَايَا يَشْتَرِي من عرضه ملكا ويقفه وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على قارئين وَغير ذَلِك من جِهَات الْبر: يكْتب الصُّور كَمَا تقدم إِلَى قَوْله: (وتنفيذ وَصَايَاهُ من ثلث مَاله) وَمَا فضل من الثُّلُث بعد تَنْفِيذ الْوَصَايَا يَشْتَرِي من عرضه بمبلغ كَذَا مَكَانا ملكا ويقفه وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على قارئين حافظين لكتاب الله تَعَالَى مجيدين للْقِرَاءَة يجلسان صَبِيحَة كل يَوْم بعد صَلَاة الصُّبْح بالجامع الْفُلَانِيّ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ مِنْهُ ويقرآن مُجْتَمعين جُزْءا من الْقُرْآن
فَإِذا ختما قِرَاءَة الْجُزْء الشريف يهديان ثَوَاب الْقِرَاءَة الشَّرِيفَة للْمُوصي الْمَذْكُور وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين
وَأَن يشرط الْبدَاءَة من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرف إِلَى القارئين الْمَذْكُورين بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ
وَأَن يكون مآله عِنْد انْقِطَاع سبله وَتعذر جهاته: إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من أمة مُحَمَّد وَأَن يكون النّظر فِي ذَلِك(1/363)
للْوَصِيّ الْمَذْكُور ثمَّ للأرشد فالأرشد من أَوْلَاده ثمَّ لأولادهم ثمَّ لأَوْلَاد أَوْلَادهم ثمَّ لنسلهم وعقبهم ثمَّ لحَاكم الْمُسلمين
وَمَا فضل من الثُّلُث بعد ذَلِك: ابْتَاعَ بِهِ الْوَصِيّ قمصا جددا بيضًا وَتصدق بهَا على الْفُقَرَاء من أَرْبَاب الْبيُوت المستورين الَّذِي لَا يعْرفُونَ بالسؤال
ثمَّ يقسم الْوَصِيّ الْمَذْكُور بِإِذن النَّاظر الثُّلثَيْنِ الباقيين من التَّرِكَة بعد صرف الثُّلُث الْمُوصي بصرفه بَين ورثته الْمُسْتَحقّين لميراثه المستوعبين لجميعه
وهم زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده مِنْهَا وَمن غَيرهَا فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَمن كَانَ مِنْهُم بَالغا رشيدا حفظ مَاله تَحت يَده وَتصرف لَهُ فِيهِ بتقوى الله تَعَالَى
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ لم يَجْعَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك نَاظر
كتب بعد قَوْله: (وَصِيَّة صَحِيحَة شَرْعِيَّة أسندها إِلَيْهِ وعول فِيهَا عَلَيْهِ) وَلم يَجْعَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك نَاظرا وَلَا مشاركا وَلَا أَمينا لعلمه بديانته ووثوقه بأمانته ومعرفته بنهوضه وكفايته
وَإِن كَانَ الْقبُول من الْوَصِيّ قبل الْمَوْت ذكره
وَأثبت كتاب الْوَصِيَّة عِنْد حَنَفِيّ أَو مالكي أَو حنبلي
وَإِن كَانَ الْقبُول بعد الْمَوْت فقد ارْتَفع الْخلاف فيثبته عِنْد أحد الْقُضَاة لَا بِعَيْنِه
وَإِن كَانَ قد أوصى أَن يقف عَنهُ مَكَانا معينا من أملاكه المخلفة عَنهُ كتب: أوصى فلَان إِلَى فلَان أَن يقف عَنهُ بعد وَفَاته إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الَّذِي أنشأه الْمَعْرُوف بِهِ ويصفه ويحدده بحقوقه كلهَا وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا بعد اعْتِبَار قيمَة الْمَوْقُوف الْمعِين وَمَعْرِفَة قِيمَته وَأَنَّهَا لَا تبلغ مِقْدَار الثُّلُث من تركته
على أَنه يبْدَأ أَولا من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه
وَمَا فضل بعد ذَلِك يصرف إِلَى الْجِهَة الْفُلَانِيَّة أَو إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
وَجعل لَهُ أَن يشْتَرط فِي هَذَا الْوَقْف كَذَا وَكَذَا
وَحصل لَهُ النّظر فِي ذَلِك وَأَن يفوضه إِلَى من يرَاهُ ويسنده إِلَى من شَاءَ
والمسند إِلَيْهِ كَذَلِك وَصِيّا بعد وَصِيّ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة وَصِيَّة الْمَقْتُول فِي حَال جراحته: أوصى فلَان الْمَقْتُول الْمَجْرُوح جراحات جَائِفَة لَا يُمكن الْبُرْء مِنْهَا إِلَى فلَان طَائِعا مُخْتَارًا فِي صِحَة عقله وفهمه وَوُجُود الْجِرَاحَات بِرَأْسِهِ وَجَسَده متلفظا بِالشَّهَادَتَيْنِ موقنا بِالْمَوْتِ والبعث والنشور عَالما أَنه لَا مفر من قَضَاء الله الْمَقْدُور: أَنه إِذا نزل بِهِ حَادث الْمَوْت المحتوم الَّذِي حكم بِهِ على سَائِر الْبَريَّة الْحَيّ القيوم: أَن يحْتَاط على موجوده ثمَّ يذكر جَمِيع مَا وصّى بِهِ ويكمل على نَحْو مَا تقدم(1/364)
وَهَذِه الْوَصِيَّة صَحِيحَة عِنْد مَالك وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَفِي أحد الْأَقْوَال الثَّلَاثَة عَن الشَّافِعِي على الْإِطْلَاق بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة
وَصُورَة الْوَصِيَّة من الْحر للْعَبد سَوَاء كَانَ عبد الْوَصِيّ أَو عبد غَيره على مَذْهَب مَالك وَأحمد: أوصى فلَان إِلَى عَبده فلَان الرجل الْكَامِل الْمُعْتَرف لسَيِّده الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية أَو إِلَى فلَان بن عبد الله الرجل الْكَامِل رَقِيق فلَان باعترافه بذلك لشهوده
ويسوق أَلْفَاظ الْوَصِيَّة على نَحْو مَا تقدم
وهذ الْوَصِيَّة عِنْد أبي حنيفَة صَحِيحَة إِلَى عبد نَفسه بِشَرْط أَن لَا يكون أَوْلَاده كبارًا
وباطلة عِنْد الشَّافِعِي فِي الْحَالَتَيْنِ
وَإِن كَانَ قد أوصى إِلَى فَاسق مثل صَاحب مكس
فَعِنْدَ أبي حنيفَة: إِذا كَانَ أوصى فَاسِقًا وَلم يُخرجهُ الْحَاكِم من الْوَصِيَّة
نفذ تصرفه
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد: أَنَّهَا تصح وَيضم الْحَاكِم إِلَيْهِ أَمينا وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ
فيرفع وَصيته إِلَى حَاكم حنبلي يرى الْعَمَل بالرواية الْأُخْرَى وَيحكم بموجبها مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة الْوَصِيَّة إِلَى الصَّبِي الْمُمَيز: أوصى فلَان إِلَى فلَان الصَّبِي الْمُمَيز وَيجْرِي الْوَصِيَّة إِلَى آخرهَا بشروطها وَهَذِه الْوَصِيَّة صيحيحة عِنْد مَالك وَأحمد
وَفِي أحد الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ
وباطلة عِنْد أبي حنيفَة
وَفِي القَوْل الآخر عَن الشَّافِعِي فيرفع إِلَى حَاكم يرى صِحَّتهَا ليثبتها وَيحكم بِالْمُوجبِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة وَصِيَّة الصَّبِي إِلَى آخر فِيمَا هُوَ وصّى فِيهِ إِن كَانَ الْمُوصي الأول جعل لَهُ ذَلِك: أوصى فلَان إِلَى فلَان الْوَصِيّ على أَيْتَام فلَان الَّذِي أوصى إِلَيْهِ من قبل تَارِيخه الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة وَجعل لَهُ أَن يُوصي بهَا ويسندها إِلَى من أَرَادَ بِمُقْتَضى كتاب الْوَصِيَّة الْمحْضر من يَده المتضمن لذَلِك وَغَيره المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه لَدَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ المؤرخ ثُبُوته بِكَذَا
وَإِن كَانَ قد أوصى إِلَيْهِ رجل وَلم يَجْعَل لَهُ أَن يُوصي فأوصى هُوَ بِتِلْكَ الْوَصِيَّة فَيكْتب الْوَصِيَّة إِلَى آخر
وَلَا يتَعَرَّض إِلَى ذكر أَنه جعل لَهُ أَن يُوصي وَيثبت عِنْد القَاضِي الْحَنَفِيّ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ(1/365)
وَصورتهَا: أوصى فلَان إِلَى فلَان فِيمَا هُوَ وصّى فِيهِ أَو بِمَا وصّى فِيهِ عَن فلَان أَو أسْند فلَان إِلَى فلَان وَصِيَّة فلَان المسندة إِلَيْهِ على أَوْلَاده لصلبه بِمُقْتَضى كتاب الْوَصِيَّة الَّذِي من مضمونه: أَنه أوصى إِلَيْهِ فِي كَذَا وَكَذَا
المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مَعَ قبُوله إِيَّاهَا بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أَن يحْتَاط على مَا هُوَ تَحت يَده من تَرِكَة فلَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ لأولاده الصغار فلَان وَفُلَان من عين وَدين وقماش وأثاث ورقيق وحيوان وصامت وناطق وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مفروز معِين مَعْزُول عَن ملك نَفسه مضبوط مُحَرر بأوراق مشمولة بخطوط الْعُدُول المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَأَن يتسلم ذَلِك جَمِيعه وينقله إِلَى تَحت يَده وَينظر للأيتام الْمَذْكُورين فِيهِ ويتصرف لَهُم بِسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة على القوانين الْمُعْتَبرَة المرضية بِمَا فِيهِ الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لَهُم من البيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَيذكر الْكسْوَة وَالنَّفقَة عَلَيْهِم حَسْبَمَا أوصى إِلَيْهِ والدهم ويكمل
وَقد تقدم أَن هَذِه الْوَصِيَّة صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ سَوَاء كَانَ قد أذن لَهُ أَن يُوصي إِلَى معِين أَو إِلَى غير معِين
وَهِي صَحِيحَة أَيْضا عِنْد مَالك إِذا أطلق وَلم يَنْهَهُ عَن الْوَصِيَّة أَو كَانَ قد أذن لَهُ أَن يُوصي خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي وَأظْهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَصُورَة الْوَصِيَّة لمَسْجِد بني فلَان: أوصى فلَان لمَسْجِد بني فلَان ويصفه ويحدده بِكَذَا وَكَذَا وَصِيَّة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَهَذِه الْوَصِيَّة صَحِيحَة عِنْد الثَّلَاثَة خلافًا لأبي حنيفَة
وَإِن قَالَ الْوَصِيّ: أوصيت إِلَى مَسْجِد بني فلَان بِكَذَا يصرف ذَلِك فِي مَصَالِحه
وَقد ارْتَفع الْخلاف وَزَالَ الْإِشْكَال
وَتَكون الْوَصِيَّة أَيْضا صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة
وَصُورَة الْوَصِيَّة لبني فلَان وَهِي تتَنَاوَل الذُّكُور دون الْإِنَاث بالِاتِّفَاقِ: أوصى فلَان لبني فلَان بِجَمِيعِ الثُّلُث من مَاله المخلف تَرِكَة عِنْد بعد وَفَاء دُيُونه وَصرف مُؤنَة تَجْهِيزه وتكفينه ومواراته فِي حفرته يصرف على الْمُوصي لَهُم الذُّكُور دون الْإِنَاث بَينهم على مُقْتَضى الشَّرِيعَة المطهرة الْمُقْتَضِيَة التَّسْوِيَة وَصِيَّة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ إِذا أوصى لولد فلَان
فَإِنَّهُ يتَنَاوَل الذُّكُور وَالْإِنَاث بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
وَصُورَة إِسْنَاد نظر من نَاظر شَرْعِي:(1/366)
أشهد عَلَيْهِ فلَان وَهُوَ النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي الْأَمَاكِن الْآتِي ذكرهَا وَفِي أَمر الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة عَلَيْهَا وَله ولَايَة الْإِسْنَاد فِي ذَلِك شرعا شُهُوده إشهادا شَرْعِيًّا: أَنه أسْند النّظر فِي أَمر كَذَا وَكَذَا وتوصف الْأَمَاكِن وتحدد وَفِي أَمر مَا هُوَ مَوْقُوف على ذَلِك بالبلاد الْفُلَانِيَّة وأعمالها وَفِي جَمِيع مَاله فِيهِ النّظر شرعا إِلَى فلَان الْفُلَانِيّ إِسْنَادًا صَحِيحا شَرْعِيًّا وفوض إِلَيْهِ النّظر فِي ذَلِك كُله تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا اسْتَفَادَ بِهِ التَّصَرُّف فِي ذَلِك
وَفِي أوقافه الْمشَار إِلَيْهَا
وَفِي جَمِيع مَا للمسند الْمشَار إِلَيْهِ النّظر فِيهِ شرعا بِسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة على مَا مُقْتَضى شَرط الْوَاقِف رَحمَه الله تَعَالَى بِحكم النّظر الصَّحِيح الشَّرْعِيّ الْمسند إِلَيْهِ من الْمسند
وَصَارَت الْأَمَاكِن الْمَذْكُورَة كلهَا بِحكم هَذَا الْإِسْنَاد: جَارِيَة تَحت نظر الْمسند إِلَيْهِ يتَصَرَّف فِي ذَلِك تصرف النظار التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة بالوجوه الْجَائِزَة شرعا الْمُوَافقَة لشرط الْوَاقِف الْمَذْكُور
وَاسْتقر لَهُ من الْمَعْلُوم على ذَلِك جَمِيعه مَا كَانَ مُسْتَقرًّا للمسند الْمشَار إِلَيْهِ أُسْوَة من تقدمه من النظار على ذَلِك
وَجعل الْمسند الْمشَار إِلَيْهِ للمسند إِلَيْهِ الْمَذْكُور: أَن يسند ذَلِك إِلَى من شَاءَ ويفوضه إِلَى من يرى ويستنيب فِيهِ من أَرَادَ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ السائغ فِي مثله حَسْبَمَا هُوَ مجعول لَهُ وَلمن يؤل النّظر إِلَيْهِ من الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ نَاظرا بعد نَاظر
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة وَصِيَّة
وصدرها يصلح أَن يكْتب عَن صَالح زاهد متدين: أوصى العَبْد الْفَقِير إِلَى ربه الْمُعْتَرف بِذَنبِهِ المبتهل فِي الْعَفو إِلَيْهِ الواثق بصفحه عَنهُ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ وَالْعرض بَين يَدَيْهِ الْحسن الظَّن بأفعاله الْمعول على جوده الْمُعْتَمد على كرمه وسعة رَحمته وجزيل إفضاله الآمل فيض عطائه ورضوانه الراجي تجاوزه عَن سيئاته بغفرانه فِي حَال كَذَا اقْتِدَاء بِأَفْعَال أولي الْعَزْم ومبالغة فِي الِاحْتِيَاط والحزم واعتمادا على مَا ورد فِي الْخَبَر عَن سيد الْبشر من النّدب إِلَى الْوَصِيَّة والحث عَلَيْهَا
إِذْ كَانَت من مؤكدات الشَّرِيعَة وَالْأَحْكَام النافذة الرفيعة أوصى الْمُوصي الْمَذْكُور وَهُوَ يشْهد بِمَا شهد الله بِهِ لنَفسِهِ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم من خلقه: أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم القَاضِي على خلقه بالفناء المحتوم شَهَادَة بريئة من أَسبَاب النِّفَاق مَوْقُوفَة على الْإِخْلَاص والاتفاق وَأَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أَمر بِالْوَصِيَّةِ وحث عَلَيْهَا وشرعها لأمته وَندب إِلَيْهَا
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه نُجُوم الظلام وَهُدَاة المهتدين إِلَى تَقْرِير أَحْكَام شرائع الْإِسْلَام صَلَاة دائمة على ممر الدهور والأعوام
أوصى هَذَا الْمُوصي الْمشَار إِلَيْهِ أطلع الله من بروج مَعْرفَته كواكب الْعِنَايَة وَنشر(1/367)
لَهُ فِي رياض حَضرته أَعْلَام الْولَايَة وأظهره على خفايا الْأَسْرَار وكشف لَهُ عَن حقائق الْآخِرَة
وَهُوَ فِي هَذِه الدَّار أَنه مَتى وافاه حمامه وَانْقَضَت أعوامه وشهوره وأيامه ودنا إِلَى الْآخِرَة رحيله وَانْقطع من الْحَيَاة رجاؤه وتأميله وَلحق من سلف من الْقُرُون وَمضى وَنفذ أَجله وانقضى وسلك سَبِيلا يتساوى فِيهِ الشريف والمشروف
وَصَارَ أَمن كل وَاحِد عَلَيْهِ مَوْقُوف
وَأسْندَ الْوَصِيَّة إِلَى فلَان
ويكمل ويؤرخ
وَصُورَة وَصِيَّة نَصْرَانِيّ لمُسلم وفيهَا يقدم اسْم الْمُسلم على النَّصْرَانِي: هَذِه وَصِيَّة لفُلَان الْمُسلم من فلَان النَّصْرَانِي عِنْد مَا سَأَلَهُ فِي ذَلِك
أوصى إِلَيْهِ وَهُوَ فِي صِحَة عقله وَمرض جِسْمه وَجَوَاز أمره وَهُوَ دَاخل تَحت مِلَّته وَدينه مقرّ بمذهبه ومعتقده ومعبوده على قدر يقينه جَائِز التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله على عَادَة أَمْثَاله
وَتَحْت ظلال هَذِه الدولة الشَّرِيفَة
راتع فِي ظلال عدلها الوريفة أَنه مَتى هلك وَعجل الله بِرُوحِهِ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ
فليبدأ فلَان الْمُوصي لاحتياط على جَمِيع موروثه المخلف عِنْد يَوْم ذَاك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
فصل: فِي الشَّهَادَة بعدالة الْوَصِيّ
: إِذا مَاتَ الْمُوصي واحتيج إِلَى ثُبُوت الْوَصِيَّة يكْتب فِي هامشها: يشْهد من يضع خطه فِيهِ بِمَعْرِِفَة فلَان الْمُوصي إِلَيْهِ الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه عدل أَمِين كَاف للتَّصَرُّف أهل لما أسْند إِلَيْهِ من الْإِيصَاء الْمَشْرُوع فِيهِ
وَأَن ضمنه الْوَفَاء وَالْقَبُول كتب وبقبول لذَلِك بعد وَفَاة الْمُوصي الْمَذْكُور الْقبُول الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا عزل الْوَصِيّ وَصِيَّة وَأقَام غَيره: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ: أَنه عزل فلَانا عَن وَصيته الَّتِي كَانَ أسندها وفوضها إِلَيْهِ من قبل تَارِيخه عزلا شَرْعِيًّا
وَرجع عَن ذَلِك فِي حَقه رُجُوعا شَرْعِيًّا
وأبطل مَا كَانَ جعله لَهُ من ذَلِك وَأخرجه مِنْهُ وَأَنه أسْند وَصيته الْمَذْكُورَة لفُلَان
وَجعله وَصِيّا عَنهُ فِي ذَلِك كُله
وأقامه مقَام نَفسه
وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك
وَإِن كَانَ مَكْتُوب الْوَصِيَّة حَاضرا
كتب هَذَا الْفَصْل فِي هامشه
فَائِدَة: أوصى للْعُلَمَاء أَو لأهل الْعلم: صرف للْعُلَمَاء بِالشَّرْعِ دون غَيرهم وهم أهل التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه
وَلَا يدْخل فِيهِ الَّذين يسمعُونَ الحَدِيث وَلَا علم لَهُم بِطرقِهِ وَأَسْمَاء الرِّجَال والمتون
فَإِن السماع الْمُجَرّد لَيْسَ بِعلم
وَلَا يدْخل أَيْضا المقرئون ومعبرو الرُّؤْيَا والأدباء والأطباء والمنجمون والحساب والمهندسون والمتكلمون(1/368)
وَإِن أوصى للفقهاء أَو المتفقهة أَو للصوفية: صرف إِلَى من حصل من الْفِقْه شَيْئا وَإِن قل
والمتفقهة هم المشتغلون بتحصيل الْفِقْه المبتدىء والمنتهي على خلاف فِيهِ
والصوفية المشتغلون بِالْعبَادَة فِي غَالب الْأَوْقَات المعرضون عَن الدُّنْيَا
وَلَو أوصى لأجهل النَّاس صرف إِلَى عَبده الْأَوْثَان
فَإِن قَالَ: (من الْمُسلمين) صرف إِلَى من يسب الصَّحَابَة
رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
ضَابِط: إِذا توفّي الْوَصِيّ وَقبل الْمُوصي الْوَصِيَّة وَثَبت على حَاكم الشَّرِيعَة المطهرة مَا يعْتَبر ثُبُوته فِيهَا بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ واحتيج إِلَى الحوطة على تَرِكَة الْمُتَوفَّى بِحُضُور شَاهِدي الْوَصِيَّة
أَو غَيرهمَا كتب فِي أول قَائِمَة أوراق عرض الْمَوْجُود المخلف عَن فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه المنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده مِنْهَا أَو من غَيرهَا أَو مِنْهَا وَمن غَيرهَا فلَان وَفُلَان وَفُلَان ويميز الْبَالِغ بِالْبُلُوغِ ويميز الْقَاصِر عَن دَرَجَة الْبلُوغ الدَّاخِل تَحت وَصِيَّة فلَان الْمسند إِلَيْهِ من أَبِيه الْمَذْكُور مِمَّا عرض ذَلِك بِحُضُور فلَان الْوَصِيّ على التَّرِكَة والأيتام الْمَذْكُورين وَحُضُور من سيضع خطه بِظَاهِرِهِ من الْعُدُول المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فِي تَارِيخ كَذَا
وَيكْتب فِي الْهَامِش الْأَيْمن: النَّقْد كَذَا والقماش كَذَا
ويفصل النَّقْد: هرجه وأفلوريه وأشرفية وَفِضة مَا يُوزن بوزنه وَمَا يعد بعدته
ويفصل القماش قِطْعَة قِطْعَة وَيذكر نوعها وصفتها ثمَّ يكْتب الْكتب ويصفها بأسمائها وعدة أَجْزَائِهَا ثمَّ السِّلَاح ثمَّ الْعقار ثمَّ مساطير الدُّيُون وَيضمن هَذِه الأوراق ذكر جَمِيع الْمَوْجُود والمخلف وينبه على مَا يدْخل تَحت الْخَتْم مِنْهُ وَمَا لم يدْخل فَإِذا انْتهى ذَلِك جَمِيعه سد القوائم وَذكر عدتهَا فِي رسم شَهَادَته كَيْلا تسْقط قَائِمَة أَو تسرق ويشبك القوائم وَيكْتب شُهُود الْعرض بِظَاهِر أول قَائِمَة حضرت ذَلِك وَالْأَمر على مَا نَص وَشرح فِيهِ
وعدة هَذِه القوائم كَذَا وَكَذَا قَائِمَة
كتبه ثمَّ تُوضَع هَذِه القوائم فِي خزانَة أَو حَاصِل وَيقف عَلَيْهَا بقفل وَيخْتم وَيُعْطى الْخَتْم للْوَصِيّ أَو يَجْعَل عِنْد الشُّهُود
فَإِذا أَرَادوا الْمَبِيع حضر الْوَصِيّ وَالشُّهُود وَغير الْمَحْجُور عَلَيْهِ من الْوَرَثَة أَو وَكيله وَيفتح الْحَاصِل وَيخرج مَا فِيهِ وَيُبَاع كل شَيْء فِي سوقه بِحَضْرَة الشُّهُود
كِتَابَة أوراق الْمَبِيع: أَن يكْتب الشَّاهِد فِي رَأس الْقَائِمَة: الْمَبِيع من تَرِكَة فلَان الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه ويستوفي ذكر جَمِيع مَا فِي أوراق الْعرض إِلَى(1/369)
أَن يَنْتَهِي من ذكر الْوَرَثَة ثمَّ يَقُول: مِمَّا تولى بيع ذَلِك فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على التَّرِكَة الْمَذْكُورَة فلَان الْوَارِث أَو وَكيله الشَّرْعِيّ بِحَضْرَة شُهُوده دلَالَة فلَان وَصرف فلَان بِالسوقِ الْفُلَانِيّ فِي تَارِيخ كَذَا ثمَّ يكْتب القماش أَولا قِطْعَة قِطْعَة أَو غَيره بِحَسب ذَلِك السُّوق
فَإِن كَانَ فِيهِ سلَاح بَدَأَ بِالسِّلَاحِ
وَكلما بِيعَتْ قِطْعَة كتب ثمنهَا مقابلها فِي الْهَامِش الْأَيْسَر وَاسم مشتريها فِي الْوسط بَين الهامشين والدلال تَحت اسْم المُشْتَرِي وشطب عَلَيْهَا فِي أوراق الْعرض إِلَى أَن يَنْتَهِي ذَلِك السُّوق يجمل ثمن الْمَبِيع وَيصرف من ذَلِك مَا يَنْبَغِي صرفه
مثل دلَالَة كَذَا أَو أُجْرَة حَانُوت كَذَا من عمالة الشُّهُود كَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي المصروف ويبرز الْبَاقِي
فَإِن تسلمه الْوَصِيّ كتب: مِمَّا تسلم ذَلِك الْوَصِيّ الْمَذْكُور
وَإِن اسْتمرّ فِي جِهَة أربابه كتب: مِمَّا هُوَ مُسْتَقر فِي جِهَة أربابه وعَلى الصَّيْرَفِي الْمَذْكُور استخراجه
وَإِن كَانَ تَحت يَد الصَّيْرَفِي كتب: مِمَّا اسْتَقر حَاصِل الصَّيْرَفِي الْمَذْكُور
وَهَكَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي الْمَبِيع بأسواقه وَيكْتب الشَّاهِد بمبيع كل سوق مخزومة
وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي سوق وَاحِد فلمبيع كل يَوْم مخزومة ويشملها هُوَ ورفيقه بخطهما
وتسلم للْوَصِيّ حَتَّى يطمئن قلبه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي المخزومة: مخزومة مباركة بِمَا بيع من تَرِكَة فلَان بِمُبَاشَرَة وَصِيَّة فلَان وَزَوجته فُلَانَة أَو وكيلها الشَّرْعِيّ فلَان بِالسوقِ الْفُلَانِيّ صرف فلَان مِمَّا تسلم ذَلِك الْوَصِيّ الْمَذْكُور أَو مِمَّا اسْتَقر حَاصِل الصَّيْرَفِي الْمَذْكُور فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا مبلغ كَذَا وَكَذَا المصروف من ذَلِك كَذَا البارز كَذَا
فَإِذا تكملت الْأَسْوَاق بِالْبيعِ وَلم يبْق شَيْء من الْمَوْجُود
كتب جَامِعَة بِجَمِيعِ الْأَسْوَاق
وَصورتهَا: جَامِعَة مباركة تشْتَمل على جَمِيع مَا تحصل من ثمن الْمَوْجُود المخلف عَن فلَان
الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه المنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده مِنْهَا أَو من غَيرهَا فلَان وَفُلَان وَفُلَان كَمَا تقدم مِمَّا تولى بيع ذَلِك وَقبض ثمنه وَصِيَّة الشَّرْعِيّ فلَان وَزَوجته الْمَذْكُورَة أَو وكيلها فلَان مِمَّا حرر ذَلِك مخصوما مساقا مُضَافا إِلَى ذَلِك مَا يجب إِضَافَته من اسْتِقْبَال يَوْم كَذَا وَإِلَى كَذَا بِحُضُور من سيضع خطه بِظَاهِرِهِ من الْعُدُول
صرف فلَان الْفُلَانِيّ بتاريخ كَذَا وَكَذَا ويفصل الْأَسْوَاق كل سوق بِبيعِهِ وَجُمْلَته ومصروفه وبارزه مستدلا على ذَلِك من المخازيم
وَإِن شَاءَ كتب ثمن الْمَبِيع جملَة وَاحِدَة وَكتب المصروف جملَة وَاحِدَة وَيكْتب البارز بعد ذَلِك للْقِسْمَة كَذَا وَكَذَا
ثمَّ يقسم بَين الْوَرَثَة على قدر حصصهم بالفريضة الشَّرْعِيَّة(1/370)
ويتسلم الْوَصِيّ حصص محاجيره ثمَّ يكْتب بعد ذَلِك فرض الْحَاكِم الْمَحْجُور فِي مَاله مُطلقًا
وَسَيَأْتِي فِي صُورَة الْفَرْض فِي كتاب النَّفَقَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَإِذا أَرَادَ المشترون أوراقا بِالَّذِي اشتروه من التَّرِكَة ليقبضوا ثمنه: كتب لكل وَاحِد ورقة
صورتهَا: من جِهَة فلَان الْفُلَانِيّ
ثمن مَا ابتاعه من تَرِكَة فلَان بِمُبَاشَرَة وَصِيّه فلَان بِالسوقِ الْفُلَانِيّ كَذَا وَكَذَا ويفصل ثمَّ كَذَا كَذَا وَكَذَا وَثمن كَذَا كَذَا وَكَذَا إِلَى أَن يَأْتِي بالتفصيل على الْجُمْلَة بالمطابقة وَالصِّحَّة ثمَّ يَقُول: صرف فلَان أَو جباية فلَان
ويؤرخ
وَيكْتب الْوَصِيّ علامته فِي أَعلَى الطرة أَو اسْمه وَالشُّهُود إِلَى جَانِبه
فَإِذا قبض الصَّيْرَفِي: أشهد عَلَيْهِ فِي ظَاهر الْوُصُول بِالْقَبْضِ وَيُعْطِيه للْمُشْتَرِي
وَالله أعلم(1/371)
كتاب الْوَدِيعَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
(الْوَدِيعَة) مُشْتَقَّة من السّكُون فَكَأَنَّهَا عِنْد الْمُودع سَاكِنة مُسْتَقِرَّة
وَقيل: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من الدعة فَكَأَنَّهَا فِي دعة عِنْد الْمُودع وَالْأَصْل فِي الْوَدِيعَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَقَوله تَعَالَى: {فليؤد الَّذِي اؤتمن أَمَانَته} وَقَوله تَعَالَى: {وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك} فَدلَّ على أَن للأمانة أصل فِي الشَّرْع
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك) أَي لَا تقابله بخيانة
وَرُوِيَ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت عِنْده ودائع بِمَكَّة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يُهَاجر تَركهَا عِنْد أم أَيمن
وَخلف عليا ليردها على أَهلهَا)
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة أَجمعت على جَوَاز الْإِيدَاع
وَالنَّاس فِي قبُول الْوَدِيعَة على ثَلَاث أضْرب
ضرب: يعلم من نَفسه الْقُدْرَة على حفظهَا ويأمن من نَفسه الْخِيَانَة فِيهَا وَلَا يخَاف التّلف عَلَيْهَا إِن لم يقبلهَا
فَهَذَا يسْتَحبّ لَهُ قبُولهَا لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَلَا(1/372)
يجب عَلَيْهَا قبُولهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة بِهِ إِلَى ذَلِك
وَضرب: يجب عَلَيْهِ قبُولهَا وَهُوَ أَن يَأْتِي رجل بِمَال ليودعه فِي مَكَان عِنْد رجل وَلَيْسَ هُنَاكَ من يصلح لحفظها إِلَّا هُوَ
وَيعلم أَنه إِن لم يقبل ذَلِك مِنْهُ هلك المَال
فَيجب عَلَيْهِ الْقبُول لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (حُرْمَة مَال الْمُؤمن كَحُرْمَةِ دَمه) وَلَو خَافَ على دَمه وَقدر على الدّفع عَنهُ ولوجب عَلَيْهِ ذَلِك
وَكَذَلِكَ مَاله
فَإِن لم يقبلهَا أَثم لما ذَكرْنَاهُ
وَلَا يضمن المَال إِذا تلف لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ تعد فَهُوَ كَمَا لَو قدر على الدّفع عَن نفس غَيره وَلم يدْفع عَنهُ حَتَّى قتل
وَضرب: يكره لَهُ قبُولهَا وَهُوَ من يعلم من حَال نَفسه الْعَجز عَن حفظ الْوَدِيعَة أَو لَا يَأْمَن من نَفسه الْخِيَانَة فَلَا يغرر بِمَال غَيره ويعرض نَفسه للضَّمَان
فَإِن قبلهَا لم يجب عَلَيْهِ الضَّمَان إِلَّا بِالتَّعَدِّي
وَيعْتَبر فِي الْمُودع وَالْمُودع مَا يعْتَبر فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل
وَلَا بُد من صِيغَة من الْمُودع بِأَن يَقُول: استودعتك هَذَا المَال أَو استحفظتك إِيَّاه أَو استنبتك فِي حفظه
وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يعْتَبر الْقبُول بِاللَّفْظِ وَيَكْفِي الْقَبْض وَلَو أودعهُ صبي أَو مَجْنُون مَالا لم يقبله
فَإِن قبل ضمن
وَلَو أودع مَالا عِنْد صبي فَتلف عِنْده لم يضمنهُ
وَلَو أتْلفه فَالْأَظْهر: أَنه يضمن وَالسَّفِيه كَالصَّبِيِّ فِي إيداعه
وترتفع الْوَدِيعَة بِمَوْت الْمُودع وَالْمُودع وبالجنون وَالْإِغْمَاء
وللمودع أَن يستردها مَتى شَاءَ
وللمودع كَذَلِك
وَالْأَصْل فِي الْوَدِيعَة: الْأَمَانَة
وَقد تصير مَضْمُونَة بعوارض
مِنْهَا: أَن يودع غَيره بِغَيْر إِذن الْمَالِك من غير عذر
فَيضمن
وَمِنْهَا: إِذا أودع القَاضِي على وَجه أَنه لَا يضمن
وَإِذا لم تزل يَده عَن الْوَدِيعَة فَلَا بَأْس بالاستعانة بِغَيْرِهِ بِأَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ ليحملها إِلَى الْحِرْز أَو ليضعها فِي الخزانة الْمُشْتَركَة بَينهمَا
وَإِذا أَرَادَ سفرا فليردها إِلَى الْمُودع أَو وَكيله
فَإِن لم يظفر بهما دَفعهَا إِلَى القَاضِي
فَإِن لم يجده فَإلَى أَمِين
فَإِن دَفنهَا فِي مَوضِع وسافر ضمن إِلَّا أَن يعلم بهَا أَمِين يسكن ذَلِك الْموضع فَلَا(1/373)
يضمن فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَو سَافر بهَا ضمن إِلَّا إِذا وَقع حريق أَو غَارة وَعجز عَمَّن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ عَن مَا ذكرنَا
وَوُقُوع الْحَرِيق والإغارة فِي الْبقْعَة وإشراف الْحِرْز على الخراب: أعذار
وَإِذا وَقع الْمُودع فِي مرض الْمَوْت: فَيَنْبَغِي أَن يرد الْوَدِيعَة إِلَى الْمَالِك أَو وَكيله وَإِلَّا فيودعها عِنْد الْحَاكِم أَو أَمِين أَو يُوصي بهَا
فَإِن لم يفعل ضمن إِلَّا إِذا لم يجد الفرصة
بِأَن مَاتَ فَجْأَة أَو قتل غيلَة
وَمِنْهَا: إِذا نقل الْوَدِيعَة من محلّة إِلَى محلّة أَو من دَار إِلَى دَار
وَالْمَنْقُول مِنْهُ أحرز: ضمن وَإِن تَسَاويا أَو كَانَ الْمَنْقُول إِلَيْهِ أحرز: فَلَا ضَمَان
وَمِنْهَا: أَنه لَا يدْفع فِي مهلكات الْوَدِيعَة
فَلَو أودعهُ دَابَّة
فَترك عَلفهَا ضمن إِلَّا أَن ينهاه عَنهُ فَلَا يضمن على الْأَصَح
ثمَّ لَا يلْزمه الْعلف من مَاله بل يعلف بِمَا دفع إِلَيْهِ الْمَالِك
فَإِن لم يدْفع إِلَيْهِ شَيْئا رَاجعه أَو وَكيله
فَإِن لم يجدهما رفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم
وَلَو بعثها مَعَ من يسقيها لم يضمن على الْأَظْهر
وعَلى الْمُودع تَعْرِيض ثِيَاب الصُّوف للريح كَيْلا يُفْسِدهَا الدُّود
وَكَذَا لبسهَا عِنْد الْحَاجة
وَمِنْهَا: لَو عدل عَن الْحِفْظ على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ إِلَى غَيره وَتَلفت الْوَدِيعَة بِسَبَب الْوَجْه المعدول إِلَيْهِ ضمن
فَلَو قَالَ: لَا ترقد على الصندوق فرقد وانكسر رَأس الصندوق بثقله وَتلف مَا فِيهِ ضمن
وَإِن تلف بِسَبَب آخر لم يضمن على ظَاهر الْمَذْهَب: وَكَذَا لَو قَالَ: لَا تقفل عَلَيْهِ فأقفل
وَلَو قَالَ: اربط هَذِه الدَّرَاهِم فِي كمك فَأَمْسكهَا فِي يَده فَتلفت
فَالْأَصَحّ: أَنه يضمن إِن ضَاعَت بنوم أَو نِسْيَان
وَلَا يضمن إِن أَخذهَا غَاصِب
وَلَو جعلهَا فِي جيبه بَدَلا عَن الرَّبْط فِي الْكمّ لم يضمن
وَبِالْعَكْسِ يضمن
وَلَو سلم إِلَيْهِ الدَّرَاهِم فِي السُّوق وَلم يبين كَيْفيَّة الْحِفْظ فربطها فِي الْكمّ وأمسكها فِي الْيَد
فقد بَالغ فِي الْحِفْظ
وَكَذَا لَو جعلهَا فِي جيبه
وَلَو أمْسكهَا بِيَدِهِ وَلم يربطها فِي الْكمّ لم يضمن إِن أَخذهَا غَاصِب وَيضمن إِن تلفت بغفلة أَو نوم وَلَو أَنه لما سلمهَا إِلَيْهِ فِي السُّوق قَالَ: احفظها فِي الْبَيْت
فَيَنْبَغِي أَن يمْضِي إِلَيْهِ ويحرزها فِيهِ وَلَو أخر من غير عذر ضمن(1/374)
وَمِنْهَا: إِذا ضيع الْوَدِيعَة بِأَن جعلهَا فِي مضيعة أَو فِي غير حرز مثلهَا أَو سعى بهَا إِلَى من يضارر الْمَالِك أَو دلّ عَلَيْهَا السَّارِق: ضمن
وَلَو أكرهه الظَّالِم حَتَّى سلمهَا إِلَيْهِ
فَالظَّاهِر: أَن للْمَالِك مُطَالبَته بِالضَّمَانِ ثمَّ يرجع هُوَ على الظَّالِم
وَمِنْهَا: الِانْتِفَاع بالوديعة كلبس الثَّوْب وركوب الدَّابَّة خِيَانَة مضمنة
وَكَذَا أَخذ الثَّوْب للبس وَالدَّرَاهِم للإنفاق
وَلَو نوى الْأَخْذ وَلم يَأْخُذ لم يضمن على الْأَظْهر
وَمِنْهَا: إِذا خلط الْوَدِيعَة بِمَال نَفسه وارتفع التَّمْيِيز: ضمن
وَكَذَا لَو خلط دَرَاهِم كيس بِدَرَاهِم كيس آخر من مَال الْمُودع
ضمن فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا: إِذا صَارَت الْوَدِيعَة مَضْمُونَة على الْمُودع بانتفاع وَغَيره ثمَّ إِنَّه ترك الْخِيَانَة: لم يبرأ
وَلم يعد أَمينا إِلَّا إِذا أحدث لَهُ الْمَالِك استئمانا فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه يبرأ
وَإِذا طلب الْمَالِك الْوَدِيعَة: فعلى الْمُودع الرَّد بِأَن يخلي بَين الْمَالِك وَمَاله فَإِن أخر من غير عذر ضمن
وَإِن ادّعى التّلف وَذكر سَببا خفِيا كالسرقة أَو لم يذكر سَببا صدق بِيَمِينِهِ وَإِن ذكر سَببا ظَاهرا كالحريق فَإِن عرف مَا يَدعِيهِ صدق بِالْيَمِينِ وَإِن لم يعرف عُمُومه
وَإِن عرف فَلَا حَاجَة إِلَى الْيَمين
وَإِن لم يعرف مَا يَدعِيهِ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ
ثمَّ إِنَّه يحلف على حُصُول الْهَلَاك بِهِ
وَإِن ادّعى الرَّد على الْمَالِك الَّذِي ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ
وَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه صدق بِالْبَيِّنَةِ
وَذَلِكَ كَمَا إِذا ادّعى الرَّد على وَرَثَة الْمَالِك وَادّعى وَارِث الْمُودع الرَّد على الْمَالِك أَو أودع عِنْد السّفر أَمينا فَادّعى الْأمين الرَّد على الْمَالِك فَإِنَّهُم يطالبون بِالْبَيِّنَةِ
وجحود الْوَدِيعَة بعد طلب الْمَالِك من أَسبَاب الضَّمَان
هَذَا كَلَام صَاحب الْمُحَرر
وَقَالَ صَاحب الْمقنع: إِذا ادّعى أَنه أودع عِنْد رجل وَدِيعَة وَأنكر الرجل ذَلِك وَقَالَ: مَا أودعتني شَيْئا فَالْقَوْل قَول الْمُودع يحلف أَنه مَا أودعهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ إِذا اتفقَا على الْإِيدَاع وَاخْتلفَا فِي رده فَالْقَوْل قَول الْمُودع أَيْضا
فَأَما إِن قَالَ الْمُودع: أَمرتنِي أَن أدفَع الْوَدِيعَة إِلَى زيد وَقد دفعت إِلَيْهِ وَقَالَ صَاحب الْوَدِيعَة: مَا دفعت
فَالْقَوْل قَول صَاحب الْوَدِيعَة حَتَّى يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة أَنه دفع إِلَيْهِ
وَكَذَا إِذا قَالَ صَاحب الْوَدِيعَة: مَا أَمرتك بِالدفع إِلَى زيد
وَقَالَ: أَمرتنِي
فَالْقَوْل قَول صَاحب الْوَدِيعَة أَيْضا حَتَّى يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة: أَنه أمره بِالدفع إِلَى زيد
وَينظر فِي حَال زيد
فَإِن أنكر(1/375)
أَنه أَخذ مِنْهُ شَيْئا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَإِن أقرّ نظر فِي الْوَدِيعَة
فَإِن كَانَت بَاقِيَة ردَّتْ على صَاحبهَا وَيسْقط الضَّمَان عَنْهُمَا
وَإِن كَانَت تالفة فلصاحبها أَن يُطَالب من شَاءَ من الْمُودع وَمن زيد وَأيهمَا ضمن لم يكن لَهُ أَن يرجع على الآخر
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْوَدِيعَة من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا
وَأَن فِي حفظهَا ثَوابًا وَأَنَّهَا أَمَانَة مَحْضَة
وَأَن الضَّمَان لَا يجب على الْمُودع إِلَّا بِالتَّعَدِّي وَأَن القَوْل قَوْله فِي التّلف وَالرَّدّ على الْإِطْلَاق مَعَ يَمِينه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ قبضهَا بِبَيِّنَة
فالثلاثة على أَنه يقبل قَوْله فِي الرَّد بِلَا بَيِّنَة وَقَالَ مَالك: لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة
وَإِذا استودع دَنَانِير أَو دَرَاهِم أنفقها أَو أتلفهَا ثمَّ رد مثلهَا إِلَى مَكَانَهُ من الْوَدِيعَة ثمَّ تلف الْمَرْدُود بِغَيْر فعله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد مَالك
فَإِن عِنْده لَو خلط دَرَاهِم الْوَدِيعَة أَو الدَّنَانِير أَو الْحِنْطَة بِمِثْلِهَا حَتَّى لَا تتَمَيَّز لم يكن ضَامِنا للتلف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده بِعَيْنِه لم يضمن تلفه
وَإِن رد مثله لم يسْقط عَنهُ الضَّمَان
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ ضَامِن على كل حَال بِنَفس إِخْرَاجه لتعديه
وَلَا يسْقط عَنهُ الضَّمَان سَوَاء رده بِعَيْنِه إِلَى حرزه أَو رد مثله
وَإِذا استودع ثوبا أَو دَابَّة فتعدى بِالِاسْتِعْمَالِ ثمَّ رده إِلَى مَوضِع آخر
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب قَالَ مَالك: فِي الدَّابَّة إِذا ركبهَا ثمَّ ردهَا فصاحبها الْمُودع بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمنهُ قيمتهَا وَبَين أَن يَأْخُذ مِنْهُ أجرتهَا وَلم يبين حكمهَا إِن تلفت بعد ردهَا مَوضِع الْوَدِيعَة
وَلَكِن يَجِيء على قَوْله: (أَنه يَأْخُذ الْكِرَاء) أَن يكون من ضَمَان الْمُودع وَإِن أَخذ الْقيمَة أَن يكون من ضَمَان الْمُودع
وَلم يقل فِي الثَّوْب: كَيفَ الْعَمَل إِذا لبسه وَلم يبله ثمَّ رده إِلَى حرزه ثمَّ تلف قَالَ: وَالَّذِي يقوى فِي نَفسِي: أَن الشَّيْء إِذا كَانَ مِمَّا لَا يُوزن وَلَا يُكَال كالدواب وَالثيَاب فَاسْتَعْملهُ فَتلف: كَانَ اللَّازِم قِيمَته لَا مثله
فَإِنَّهُ يكون مُتَعَدِّيا بِاسْتِعْمَالِهِ خَارِجا عَن الْأَمَانَة
فَرده إِلَى مَوْضِعه وَلَا يسْقط عَنهُ الضَّمَان بِوَجْه
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تعدى ورده بِعَيْنِه ثمَّ تلف
لم يلْزمه ضَمَان
وَاتَّفَقُوا على أَن مَتى طلبَهَا صَاحبهَا وَجب على الْمُودع ردهَا مَعَ الْإِمْكَان وَإِلَّا ضمن(1/376)
وعَلى أَنه إِذا طَالبه
فَقَالَ: مَا أودعتني ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: ضَاعَت أَنه يضمن بِخُرُوجِهِ عَن حد الْأَمَانَة
فَلَو قَالَ: مَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا ثمَّ قَالَ تسْتَحقّ: كَانَ القَوْل قَوْله
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سلم الْوَدِيعَة إِلَى عِيَاله فِي دَاره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: إِذا أودعها عِنْد من تلْزمهُ نَفَقَته من غير عذر لم يضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا أودعها عِنْد غَيره من غير عذر ضمن
المصطلح: وتشتمل صوره على أَنْوَاع مِنْهَا: صُورَة فِي الْوَدِيعَة وحفظها: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان أَو أَن فِي يَده وتسليمه لفُلَان على سَبِيل الْإِيدَاع الشَّرْعِيّ مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا مُلْتَزما حفظ هَذِه الْوَدِيعَة وصونها فِي حرز مثلهَا فِي الْمَكَان الَّذِي أمره الْمُودع أَن يَضَعهَا فِيهِ وَحضر الْمُودع الْمَذْكُور وَصدق على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ ويكمل
صُورَة رد الْوَدِيعَة: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه
وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي كَانَ الْقَابِض الْمَذْكُور أودعهُ عَن المقبض الْمَذْكُور من قبل تَارِيخه
وَلم يتَأَخَّر لَهُ من ذَلِك شَيْء قل وَلَا جلّ وَصدقه الدَّافِع الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
صُورَة رد الْوَدِيعَة مَعَ كَون الْمُودع خَالف وتعدى فَهَلَك بعض الْوَدِيعَة: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه كَانَ قد استودع من فلَان قبل تَارِيخه مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا وَأَن الْمُودع أمره أَن يَضَعهَا فِي جيبه
فوضعها فِي كمه فَسقط مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وَصدقه الْمُودع على ذَلِك
واتفقا على أَن يبرىء ذمَّته من مبلغ كَذَا ويغرمه الْبَاقِي من الْهَالِك وَهُوَ كَذَا
فَدفع إِلَيْهِ الْمُودع بَاقِي الْوَدِيعَة وَمَا اتفقَا على تغريمه إِيَّاه
وَجُمْلَته كَذَا
فقضبه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَأَبْرَأ ذمَّته من الْقدر الْمُتَّفق على الْإِبْرَاء مِنْهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
بَرَاءَة شَرْعِيَّة
قبلهَا مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
انْتهى(1/377)
كتاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْفَيْء المَال الْحَاصِل من الْكفَّار من غير قتال وَلَا إيجَاف خيل وَلَا ركاب كالجزية وَعشر تجاراتهم الْمَشْرُوطَة عَلَيْهِم إِذا دخلُوا دَار الْإِسْلَام وَمَا جلوا عَنهُ خوفًا وَمَال من مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة وَمَال من مَاتَ من أهل الذِّمَّة وَلَا وَارِث لَهُ
وَذَلِكَ يقسم خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة
ثمَّ يُؤْخَذ أَحدهَا فَيقسم خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة
أَحدهَا الْمُضَاف إِلَى الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيصرف فِي مصَالح الْمُسلمين
كسد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء يقدم الأهم فالأهم
وَالثَّانِي يصرف إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب يشْتَرك فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى
ويفضل الذّكر على الْأُنْثَى كَمَا فِي الْمِيرَاث
وَالثَّالِث يصرف إِلَى الْيَتَامَى واليتيم الصَّغِير الَّذِي لَا أَب لَهُ وَيشْتَرط فِي اسْتِحْقَاقه الْفقر على الْأَظْهر
وَالرَّابِع يصرف إِلَى الْمَسَاكِين
وَالْخَامِس إِلَى أَبنَاء السَّبِيل
وَسَيَأْتِي بَيَان الصِّنْفَيْنِ الباقيين فِي كتاب قسم الصَّدقَات وَهل يعم ذَوي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل أَو يخصص الْحَاصِل فِي كل نَاحيَة بِمن فِيهَا من هَؤُلَاءِ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الأول
وَأما الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة فَإِنَّهَا كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته مَضْمُومَة إِلَى خمس الْخمس
وَبعده الْأَصَح أَنَّهَا للمرتزقة المرصدين للْجِهَاد
وَيَنْبَغِي أَن يضع الإِمَام ديوانا وَينصب لكل جمَاعَة أَو قَبيلَة عريفا ويبحث عَن(1/378)
حَال كل وَاحِد وَعِيَاله وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ
فيعطيه مَا يَكْفِيهِ مُؤْنَته ومؤنتهم
وَيقدم فِي إِثْبَات الِاسْم والإعطاء قُريْشًا
وهم ولد النَّضر بن كنَانَة وَمِنْهُم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ثمَّ بَنو عبد شمس ثمَّ بَنو نَوْفَل ثمَّ بَنو عبد الْعُزَّى ثمَّ سَائِر الْبُطُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْعَجم
وَلَا يثبت فِي الدِّيوَان اسْم العميان والزمنى وَمن لَا يصلح للغزو
وَإِذا طَرَأَ على بعض الْمُقَاتلَة مرض أَو جُنُون يُرْجَى زَوَاله أعطي وَلم يسْقط اسْمه
وَإِن لم يرج فَفِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنهم يُعْطون
وتعطى زَوْجَة الْمَيِّت إِلَى أَن تنْكح وَالْأَوْلَاد إِلَى أَن يستقلوا
وَإِذا فضلت الْأَخْمَاس عَن حاجات المرتزقة وزع عَلَيْهِم قدر مؤنتهم
وَالْأَظْهَر أَنه يجوز أَن يصرف بعضه إِلَى إصْلَاح الثغور والكراع وَالسِّلَاح
وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي منقولات أَمْوَال الْفَيْء
فَأَما الدّور والأراضي فَالظَّاهِر أَنَّهَا تجْعَل وَقفا مُؤَبَّدًا وتستغل وتقسم غَلَّتهَا كَذَلِك
وَأما الْغَنِيمَة فَهِيَ المَال الْحَاصِل من الْكفَّار بِالْقِتَالِ وإيجاف الْخَيل والركاب
وَيبدأ مِنْهُ بالسلب فَيدْفَع إِلَى الْقَاتِل
وسلب الْكَافِر ثِيَابه الملبوسة مَعَ الْخُف وآلات الْحَرْب كالدرع وَالسِّلَاح والمركوب وَمَا عَلَيْهِ كالسرج واللجام
وَالأَصَح عدا السوار والمنطقة والخاتم
وَمَا مَعَه من دَرَاهِم النَّفَقَة والجنيب المقود من السَّلب
وَاسْتِحْقَاق السَّلب بركوب الْغرَر فِي كِفَايَة شَرّ الْكفَّار فِي حَال قيام الْحَرْب
فَلَو رمى من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ أَو قتل الْكَافِر وَهُوَ نَائِم أَو قتل أَسِيرًا لم يسْتَحق السَّلب
وَكَذَلِكَ لَو قتل كَافِرًا بعد انهزام جيوشهم وكفاية شرهم بِأَن يقْتله أَو يزِيل امْتِنَاعه بفقء عينه أَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَمَا فِي معنى أسره وَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَلَا سلب لَهُ بذلك فِي أشبه الْقَوْلَيْنِ بل يكون السَّلب فِي الْغَنِيمَة
وَأما السَّلب فَلَا يُخَمّس على الْأَصَح بل يعْطى كل قَاتل سلب مقتوله
ثمَّ يخرج مُؤَن الْحِفْظ وَالنَّفْل وَغَيرهمَا
ثمَّ يُخَمّس المَال وَيقسم أحد الْأَخْمَاس خَمْسَة أسْهم كَمَا ذكرنَا فِي الْفَيْء
وَالْأَظْهَر أَن مُؤنَة النَّقْل تقع فِي خمس الْخمس الْمعد للْمصَالح إِذا نفل الإِمَام مَال(1/379)
الْغَنِيمَة فِي هَذَا الْقِتَال
وَيجوز أَن ينفل من مَال الْمصَالح الْحَاصِل عِنْده
وَالنَّفْل زِيَادَة مَال يَشْتَرِطه الإِمَام أَو الْأمين لمن يقوم بِمَا فِيهِ زِيَادَة نكاية فِي الْكفَّار
وَقدره يتَعَلَّق بِالِاجْتِهَادِ
وَأما الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة فَيقسمهَا بَين الْغَانِمين سَوَاء الْعقار وَالْمَنْقُول
والغانمون هم الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة على نِيَّة الْقِتَال
وَلَا يشْتَرط فِي الِاسْتِحْقَاق الْقِتَال
وَلَا حق لمن حضر بعد انْقِضَاء الْقِتَال وحيازة المَال
وَمن شهد الْوَقْعَة وَمَات بعد انْقِضَاء الْقِتَال وحيازة المَال انْتقل حَقه إِلَى ورثته
وَكَذَا لَو مَاتَ بعد انقضائه وَقبل الْحِيَازَة على الْأَظْهر
وَمن مَاتَ فِي معركة الْقِتَال
فَالظَّاهِر سُقُوط حَقه
وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ أَن الأجراء لسياسة الدَّوَابّ ولحفظ الْأَمْتِعَة وتجار الْعَسْكَر والمحترفين يسْتَحقُّونَ السهْم إِذا قَاتلُوا
وَيُعْطى الراجل سَهْما والفارس ثَلَاثَة أسْهم
وَإِنَّمَا يعْطى رَاكب الْفرس دون رَاكب الْبَعِير وَغير الْبَعِير
وَلَا يعْطى إِلَّا لفرس وَاحِد
وَلَا فرق بَين الْعَرَبِيّ وَغَيره
وَلَا يعْطى الأعجف وَلَا الَّذِي لَا غنى فِيهِ على الْأَظْهر
وَالْعَبِيد وَالصبيان وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة إِذا حَضَرُوا لَا يكمل لَهُم سهم الْغَنِيمَة لَكِن ينقص وَيُسمى الرضخ ويجتهد فِي تَقْدِيره الإِمَام
وَمحل الرضخ الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة على الْأَصَح
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن مَا حصل فِي أَيدي الْمُسلمين من مَال الْكفَّار بِإِيجَاف الْخَيل والركاب فَهُوَ غنيمَة عينه وعروضه
فَإِن كَانَ فِيهِ سلب اسْتَحَقَّه الْقَاتِل من أهل الْغَنِيمَة سَوَاء شَرط ذَلِك الإِمَام أَو لم يشرطه عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَإِنَّمَا يسْتَحقّهُ الْقَاتِل إِذا غرر بِنَفسِهِ فِي قتل مُشْرك وأزال امْتِنَاعه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا أَن يشرط لَهُ الإِمَام ثمَّ بعد السَّلب يفرد الْخمس من الْغَنِيمَة
وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الْخمس
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقسم على ثَلَاثَة أسْهم سهم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل يدْخل فُقَرَاء ذَوي الْقُرْبَى فيهم دون أغنيائهم(1/380)
فَأَما سهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ خمس الله وَخمْس رَسُوله وَهُوَ وَاحِد
وَقد سقط بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى كَانُوا يستحقونه فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنصر
وَبعده لَا سهم لَهُم وَإِنَّمَا يستحقونه بالفقر خَاصَّة
وَيَسْتَوِي فِيهِ ذكورهم وإناثهم
وَقَالَ مَالك هَذَا الْخمس لَا يسْتَحق بِالتَّعْيِينِ لشخص دون شخص وَلَكِن النّظر فِيهِ إِلَى الإِمَام يصرفهُ فِيمَا يرى وعَلى من يرى من الْمُسلمين
وَيُعْطى الإِمَام الْقَرَابَة من الْخمس والفيء وَالْخَرَاج والجزية
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يقسم الْخمس على خَمْسَة أسهل سهم للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بَاقٍ لم يسْقط حكمه بِمَوْتِهِ وَسَهْم لبني هَاشم وَبَين الْمطلب دون بني عبد شمس وَبني نَوْفَل
وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصّ ببني هَاشم وَبني الْمطلب لأَنهم هم ذَوُو الْقُرْبَى
وَقد منعُوا من أَخذ الصَّدقَات
فَجعل هَذَا لَهُم غنيهم وفقيرهم فِيهِ سَوَاء إِلَّا أَن للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَلَا يسْتَحقّهُ أَوْلَاد الْبَنَات مِنْهُم وَسَهْم لِلْيَتَامَى وَسَهْم لأبناء السَّبِيل
وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة يسْتَحقُّونَ بالفقر وَالْحَاجة بِالِاسْمِ
ثمَّ اخْتلفُوا فِي سهم الرَّسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من يصرف فَقَالَ الشَّافِعِي يصرف فِي الْمصَالح من إعداد السِّلَاح والكراع وَعقد القناطر وَبِنَاء الْمَسَاجِد وَنَحْو ذَلِك
فَيكون حكمه حكم الْفَيْء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَهَذا الْمَذْهَب
واختارها الْخرقِيّ
وَالْأُخْرَى يصرف فِي أهل الدِّيوَان
وهم الَّذين نصبوا أنفسهم لِلْقِتَالِ وانفردوا بالثغور لسدها يقسم فيهم على قدر كفايتهم
وَاتَّفَقُوا على أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة الْبَاقِيَة يقسم على من شهد الْوَقْعَة بنية الْقِتَال وَهُوَ من أهل الْقِتَال
فَإِن للراجل سَهْما وَاحِدًا
وَاخْتلفُوا فِي الْفَارِس
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِن لَهُ ثَلَاثَة أسْهم سهم لَهُ وسهمان للْفرس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة للفارس سَهْمَان سهم لَهُ وَسَهْم للْفرس
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب القَوْل بِأَن للْفرس سَهْمَان قَالَ بِهِ عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَلَا مُخَالف لَهما فِي الصَّحَابَة
وَمن التَّابِعين عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَابْن سِيرِين
وَمن الْفُقَهَاء أهل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَأهل الشَّام وَاللَّيْث بن سعد
وَأهل مصر وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَمن أهل الْعرَاق أَحْمد بن حَنْبَل(1/381)
وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن
وَقيل إِنَّه لم يُخَالف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غير أبي حنيفَة وَحده
وَلم يقل بقوله أحد
حُكيَ عَنهُ أَنه قَالَ أكره أَن أفضل بَهِيمَة على مُسلم
وَلَو كَانَ مَعَ الْفَارِس فرسَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم إِلَّا لفرس وَاحِد
وَقَالَ أَحْمد يُسهم لفرسين وَلَا يُزَاد على ذَلِك وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَالْفرس سَوَاء كَانَ عَرَبيا أَو غَيره يُسهم لَهُ
وَقَالَ أَحْمد للفحل سَهْمَان
وللبرذون سهم وَاحِد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول لَا يُسهم إِلَّا للعربي فَقَط
وَهل يُسهم للبعير قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم لَهُ
وَقَالَ أَحْمد يُسهم لَهُ سهم وَاحِد
وَلَو دخل دَار الْحَرْب بفرس ثمَّ مَاتَ الْفرس قبل الْقِتَال
قَالَ مَالك لَا يُسهم لفرسه بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ فِي الْقِتَال أَو بعده فَإِنَّهُ يُسهم لَهُ
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دخل دَار الْحَرْب فَارِسًا ثمَّ مَاتَ فرسه قبل الْقِتَال أسْهم للْفرس
فصل اخْتلف الْأَئِمَّة
رَحِمهم الله هَل يملك الْكفَّار مَا يسلبونه من أَمْوَال الْمُسلمين فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ لَا يملكونه
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تدل على ذَلِك لِأَن ابْن عمر ذهب لَهُ فرس فَأَخذهَا الْعَدو فَظهر عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ
فَرد عَلَيْهِ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأبق لَهُ عبد فلحق بالروم فَظهر عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ
فَرد عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يملكونه
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا قسموا الْغَنِيمَة وحازوها ثمَّ اتَّصل بهم مدد لم يكن للمدد فِي ذَلِك حِصَّة
فَإِذا اتَّصل المدد بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَقبل حِيَازَة الْغَنِيمَة فِي دَار الْإِسْلَام أَو بعد أَن أخذوها وَقبل قسمهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة يُسهم لَهُم مَا لم يحز إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو يقسموها
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا سهم لَهُم على كل حَال
وَعند الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا يُسهم لَهُم
وَالثَّانِي لَا يُسهم لَهُم
وَاتَّفَقُوا على أَن من حضر الْغَنِيمَة
من مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو صبي أَو ذمِّي فَلهم الرضخ
وَهُوَ سهم يجْتَهد الإِمَام فِي قدره وَلَا يكمل لَهُم سَهْما
وَقَالَ مَالك إِن راهق(1/382)
الصَّبِي أَو أطَاق الْقِتَال أَو أجَازه الإِمَام كمل لَهُم السهْم وَإِن لم يبلغ
فصل وَقسم الْغَنَائِم
فِي دَار الْحَرْب هَل يجوز أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجوز وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَقَالَ أَصْحَابه إِن لم يجد الإِمَام حمولة قسمهَا خوفًا عَلَيْهَا لَكِن لَو قسمهَا الإِمَام فِي دَار الْحَرْب نفذت الْقِسْمَة بالِاتِّفَاقِ
وَالطَّعَام والعلف وَالْحَيَوَان يكون فِي دَار الْحَرْب هَل يجوز اسْتِعْمَاله من غير إِذن الإِمَام قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا بَأْس بذلك وَلَو بِغَيْر إِذن الإِمَام
فَإِن فضل عَنهُ فَأخْرج مِنْهُ شَيْئا إِلَى دَار الْإِسْلَام
كَانَ غنيمَة قل أَو كثر
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى برد مَا فضل إِذا كَانَ كثيرا
فَإِن كَانَ يَسِيرا فَلَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ كثيرا لَهُ قيمَة رد وَإِن كَانَ نزرا يَسِيرا فَقَوْلَانِ
أصَحهمَا لَا يرد
وَحكي عَن مَالك أَن مَا أخرج إِلَى دَار الْإِسْلَام فَهُوَ غنيمَة
فصل وَلَو قَالَ من أَخذ شَيْئا
فَهُوَ لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز للْإِمَام أَن يَشْتَرِطه إِلَّا أَن الأولى أَن لَا يفعل
وَقَالَ مَالك يكون لَهُ ذَلِك كَيْلا يشوب فضل الْمُجَاهدين فِي جهادهم إِرَادَة الدُّنْيَا
وَيكون من الْخمس لامن أصل الْغَنِيمَة
وَكَذَلِكَ الْفضل كُله من الْخمس
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط لَازم فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ عِنْده
وَقَالَ أَحْمد هُوَ شَرط صَحِيح
وَللْإِمَام أَن يفضل بعض الْغَانِمين على بعض قبل الْأَخْذ والحيازة بالِاتِّفَاقِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الأسرى بَين الْقَتْل والاسترقاق
وَاخْتلفُوا هَل هُوَ مُخَيّر فيهم بَين الْمَنّ وَالْفِدَاء وَعقد الذِّمَّة قَالَ الشَّافِعِي ومالكوأحمد هُوَ مُخَيّر بَين الْفِدَاء بِالْمَالِ أَو بالأسرى وَبَين الْمَنّ عَلَيْهِم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يمن وَلَا يفادى
وَأما عقد الذِّمَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ مُخَيّر فِي ذَلِك ويكونوا أحرارا وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَيْسَ لَهُ ذَلِك لأَنهم قد ملكوا
فصل وَلَو أسر الْمُشْركُونَ أَسِيرًا مُسلما
فأحلفوه على أَن لَا يخرج من دَارهم وَلَا يهرب
على أَن يخلوه يذهب وَيَجِيء
قَالَ مَالك يلْزمه فِي أَن يَفِي لَهُم وَلَا يهرب مِنْهُم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَسعهُ أَن يَفِي
وَعَلِيهِ أَن يخرج وَيَمِينه يَمِين مكره
فصل المغنوم عنْوَة
بالعراق ومصر هَل يقسم بَين غانميها أم لَا(1/383)
قَالَ أَبُو حنيفَة الإِمَام بِالْخِيَارِ بَين أَن يقْرَأ أَهلهَا عَلَيْهَا وَيضْرب عَلَيْهِم خراجا وَبَين أَن يصرفهم عَنْهَا وَيَأْتِي بِقوم آخَرين وَيضْرب عَلَيْهِم الْخراج
وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقفها على الْمُسلمين أَجْمَعِينَ وَلَا على غانميها
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَيْسَ للْإِمَام أَن يقفها بل تصير بِنَفس الظُّهُور عَلَيْهَا وَقفا على الْمُسلمين
وَالثَّانيَِة أَن الإِمَام مُخَيّر بَين قسمهَا ووقفها لمصَالح الْمُسلمين
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب على الإِمَام قسمهَا بَين جمَاعَة الْغَانِمين كَسَائِر الْأَمْوَال إِلَّا أَن تطيب أنفسهم بوقفها على الْمُسلمين ويسقطوا حُقُوقهم فِيهَا فيقفها
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
أظهرها أَن الإِمَام يفعل مَا يرَاهُ الْأَصْلَح من قسمهَا ووقفها
وَالثَّانيَِة كمذهب الشَّافِعِي
وَالثَّالِثَة تصير وَقفا بِنَفس الظُّهُور
فصل وَاخْتلف الْأَئِمَّة فِي الْخراج
الْمَضْرُوب على مَا يفتح عنْوَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي جريب الْحِنْطَة قفيز ودرهمان
وَفِي جريب الشّعير قفيز وَدِرْهَم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جريب الْحِنْطَة أَرْبَعَة دَرَاهِم وَفِي جريب الشّعير دِرْهَمَانِ
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَات الْحِنْطَة وَالشعِير سَوَاء
وَفِي جريب كل وَاحِد مِنْهُمَا قفيز وَدِرْهَم
والقفيز الْمَذْكُور ثَمَانِيَة أَرْطَال بالحجازي وَهُوَ سِتَّة عشر بالعراقي
وَأما جريب النّخل فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ عشرَة
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من قَالَ عشرَة
وَمِنْهُم من قَالَ ثَمَانِيَة وَقَالَ أَحْمد ثَمَانِيَة
وَأما جريب الْعِنَب فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد عشرَة
وَقَول أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْعِنَب كَقَوْلِهِم فِي النّخل
وَأما جريب الزَّيْتُون فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِيهِ اثْنَا عشر درهما
وَأَبُو حنيفَة لم يُوجد لَهُ نَص فِي ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَيْسَ فِي ذَلِك جَمِيعه تَقْدِير بل الْمرجع فِيهِ إِلَى مَا تحمله الأَرْض من ذَلِك لاختلافها
فيجتهد الإِمَام فِي تَقْدِير ذَلِك مستعينا عَلَيْهِ بِأَهْل الْخِبْرَة
فصل قَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح
وَاخْتِلَافهمْ إِنَّمَا هُوَ رَاجع إِلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك على الصَّحِيح
وَإِنَّمَا اخْتلف لاخْتِلَاف النواحي(1/384)
وَاخْتلف الْأَئِمَّة هَل يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِي الْخراج على وَضعه أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَو ينقص مِنْهُ
وَكَذَلِكَ فِي الْجِزْيَة فَأَما أَبُو حنيفَة فَلَيْسَ عَنهُ نَص فِي ذَلِك لَكِن حُكيَ الْقَدُورِيّ عَنهُ بعد ذكر الْأَشْيَاء الْمعِين عَلَيْهَا الْخراج لَا بِوَضْع عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَمَا سوى ذَلِك من أَصْنَاف الْأَشْيَاء يوضع عَلَيْهَا بِحَسب الطَّاقَة
فَإِن لم تطق الأَرْض مَا يوضع عَلَيْهَا نَقصهَا الإِمَام
وَاخْتلف صَاحِبَاه
فَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز للْإِمَام النُّقْصَان وَلَا الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال
وَقَالَ مُحَمَّد يجوز ذَلِك مَعَ الِاحْتِمَال
وَعَن الشَّافِعِي يجوز للْإِمَام الزِّيَادَة وَلَا يجوز لَهُ النُّقْصَان
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهَا يجوز لَهُ الزِّيَادَة إِذا احتملت
وَالنُّقْصَان إِذا لم يحْتَمل
وَالثَّانيَِة يجوز الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال لَا النُّقْصَان
وَالثَّالِثَة لَا يجوز الزِّيَادَة وَلَا النُّقْصَان
وَأما مَالك فَهُوَ على أَصله فِي اجْتِهَاد الْأَئِمَّة على مَا تحمله الأَرْض مستعينا فِيهِ بِأَهْل الْخِبْرَة
فصل قَالَ ابْن هُبَيْرَة لَا يجوز أَن يضْرب على الأَرْض
مَا يكون فِيهِ هضم لحقوق بَيت المَال رِعَايَة لآحاد النَّاس وَلَا مَا يكون فِيهِ إِضْرَار بأرباب الأَرْض تحميلا لَهَا من ذَلِك مَا لَا تطِيق
فمدار الْبَاب على أَن تحمل الأَرْض من ذَلِك مَا تطِيق
وَأرى أَن مَا قَالَه أَبُو يُوسُف كَمَا فِي كتاب الْخراج الَّذِي صنفه للرشيد وَهُوَ الْجيد قَالَ أرى أَن يكون لبيت المَال من الْحبّ الخمسان وَمن الثِّمَار الثُّلُث
فصل هَل فتحت مَكَّة صلحا
أَو عنْوَة قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه عنْوَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى صلحا
فصل لَو صَالح قوم على أَن أراضيهم
لَهُم وَجعل عَلَيْهَا شَيْئا
فَهُوَ كالجزية إِن أَسْلمُوا سقط عَنْهُم
وَكَذَا إِن اشْتَرَاهُ مِنْهُم مُسلم
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْقط عَنْهُم خراج أَرضهم بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا بشرَاء مُسلم
وَاخْتلفُوا فِي الِاسْتِعَانَة بالمشركين على قتال أهل الْحَرْب
وَهل يعانون على(1/385)
الْإِطْلَاق قَالَ مَالك إِن كَانُوا خدما للْمُسلمين فَيجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يستعان بهم ويعانون على الْإِطْلَاق مَتى كَانَ حكم الْإِسْلَام هُوَ الْغَالِب الْجَارِي عَلَيْهِم
فَإِن كَانَ حكم الْمُشرك هُوَ الْغَالِب كره
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز ذَلِك بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكون بِالْمُسْلِمين قلَّة وَيكون بالمشركين كَثْرَة
وَالثَّانِي أَن يعلم من الْمُشْركين حسن رَأْي فِي الْإِسْلَام
وميل إِلَيْهِ
وَمَتى اسْتَعَانَ بهم رضخ لَهُم وَلم يُسهم
فصل وَهل تُقَام الْحُدُود
فِي دَار الْحَرْب على من تجب عَلَيْهِ فِي دَار الْإِسْلَام
قَالَ مَالك نعم تُقَام
فَكل فعل يرتكبه الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام إِذا فعله فِي دَار الْحَرْب لزم الْحَد سَوَاء كَانَ من حُقُوق الله تَعَالَى أَو من حُقُوق الْآدَمِيّين
فَإِذا زنا أَو سرق أَو شرب الْخمر أَو قذف حد
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة من زنا أَو سرق أَو قذف لَا يُقَام عَلَيْهِ حد إِلَّا أَن يكون بدار الْحَرْب إِمَام فيقيمه عَلَيْهِ بِنَفسِهِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَكِن لَا يَسْتَوْفِي فِي دَار الْحَرْب حَتَّى يرجع إِلَى دَار الْإِسْلَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ فِي دَار الْحَرْب إِمَام مَعَ جَيش الْمُسلمين أَقَامَ عَلَيْهِم الْحَد فِي المعسكر قبل القفول
وَإِن كَانَ أَمِير سَرِيَّة لم يقم الْحُدُود فِي دَار الْحَرْب
وَإِن دخل دَار الْإِسْلَام من فعل مَا يُوجب الْحَد سَقَطت الْحُدُود عَنهُ كلهَا إِلَّا الْقَتْل
فَإِنَّهُ يضمن الدِّيَة فِي مَاله عمدا كَانَ أَو خطأ
فصل هَل يُسهم لتجار الْعَسْكَر
وأجرائهم إِذا شهدُوا الْوَقْعَة وَإِن لم يقاتلوا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يُسهم لَهُم حَتَّى يقاتلوا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يُسهم لَهُم وَإِن لم يقاتلوا
وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه لَا يُسهم لَهُم
وَإِن قَاتلُوا
فصل هَل تصح الِاسْتِنَابَة فِي الْجِهَاد
أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا سَوَاء كَانَ بِجعْل أَو بِأُجْرَة أَو تبرع وَسَوَاء تعين على المستنيب أم لم يتَعَيَّن
وَقَالَ مَالك يَصح إِذا كَانَ بِجعْل وَلم يكن الْجِهَاد مُتَعَيّنا على النَّائِب كَالْعَبْدِ وَالْأمة
فصل قَالَ مَالك وَلَا بَأْس بالجعائل
فِي الثغور مضى النَّاس على ذَلِك
وَقد أدّى(1/386)
الْقَاعِد إِلَى الْخَارِج مائَة دِينَار فِي بعث أَيَّام عمر رَضِي الله عَنهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لأحد من الْغَانِمين أَن يطَأ جَارِيَة من السَّبي قبل الْقِسْمَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا يجب عَلَيْهِ إِذا وَطئهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حد عَلَيْهِ بل عُقُوبَة وَلَا يثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ
وَهل هُوَ مَمْلُوك يرد فِي الْغَنِيمَة وَعَلِيهِ الْعقُوبَة عَن الْإِصَابَة وَقَالَ مَالك هُوَ زَان يحد
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا حد عَلَيْهِ وَيثبت نسب الْوَلَد وحريته وَعَلِيهِ قيمتهَا
وَالْمهْر يرد فِي الْغَنِيمَة
وَهل تصير أم ولد قَالَ أَحْمد نعم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا لَا تصير
فصل لَو كَانَ جمَاعَة فِي سفينة
فَوَقع فِيهَا نَار
فَهَل يجوز لَهُم إِلْقَاء أنفسهم فِي المَاء أم يلْقوا الثِّيَاب قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا لم يَرْجُو النجَاة لَا فِي الْإِلْقَاء وَلَا فِي الْإِقَامَة فِي السَّفِينَة ثبتوا
وَإِن اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فعلوا مَا شَاءُوا وَإِن أيقنوا بِالْهَلَاكِ فِيهَا أَو غلب على ظنهم بِهِ فروايتان
أظهرهمَا منع الْإِلْقَاء
لأَنهم لم يَرْجُو نجاة
وَهَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن الْحَنَفِيّ
وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ند بعير من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو دخل حَرْبِيّ بِغَيْر أَمَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يكون ذَلِك فَيْئا للْمُسلمين إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ إِلَّا أَن يسلم الْحَرْبِيّ قبل أَن يُؤْخَذ فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ
وَقَالَ أَحْمد هُوَ لمن أَخذه خَاصَّة
فصل هَدَايَا أُمَرَاء الجيوش
هَل يختصون بهَا أَو تكون كَهَيئَةِ مَال الْفَيْء قَالَ مَالك تكون غنيمَة فِيهَا الْخمس
وَهَكَذَا إِن أهْدى إِلَى أَمِير من أُمَرَاء الْمُسلمين لِأَن ذَلِك على وَجه الْخَوْف
فَإِن أهْدى الْعَدو إِلَى رجل من الْمُسلمين لَيْسَ بأمير
فَلَا بَأْس بأخذها وَيكون لَهُ دون أهل الْعَسْكَر
رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مَا أهْدى ملك الرّوم إِلَى أَمِير الْجَيْش فِي دَار الْحَرْب فَهُوَ لَهُ خَاصَّة وَكَذَلِكَ مَا يعْطى الرَّسُول
وَلم يذكر عَن أبي حنيفَة خلافًا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أهْدى إِلَى الْوَالِي هَدِيَّة فَإِن كَانَت بِشَيْء نَالَ مِنْهُ حَقًا أَو بَاطِلا فَهِيَ فَيْء على الْوَالِي أَخذهَا
لِأَنَّهُ يحرم عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ على خلاص الْحق جعلا
وَقد ألزم الله تَعَالَى ذَلِك
فَحَرَام عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ ذَلِك بَاطِلا
والجعل على الْبَاطِل حرَام
فَإِن أهْدى إِلَيْهِ من غير هذَيْن الْمَعْنيين أحد من ولَايَته تفضلا وشكرا فَلَا يقبلهَا(1/387)
وَإِن قبلهَا كَانَت منَّة فِي الصَّدقَات لَا يَسعهُ عِنْدِي غَيره إِلَّا أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهِ بِقدر مَا يَسعهُ
وَإِن كَانَت من رجل لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ سُلْطَانه على إِحْسَان كَانَ بِهِ فَأحب أَن يقبلهَا ويجعلها لأهل الْولَايَة أَو يَدعهَا
وَلَا يَأْخُذ على الْخَيْر مُكَافَأَة
فَإِن أَخذهَا وتمولها لم يحرم عَلَيْهِ
وعَلى أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا لَا يخْتَص بهَا من أهديت إِلَيْهِ بل هِيَ غنيمَة قبل حيازها إِذا كَانَ لَهُ فِيهَا حق أَنه لَا يقطع
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَهُ فِيهَا حق هَل يحرق رَحْله وَيحرم سَهْمه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرق رَحْله وَلَا يحرم سَهْمه
وَقَالَ أَحْمد يحرق رَحْله الَّذِي مَعَه إِلَّا الْمُصحف وَمَا فِيهِ روح من الْحَيَوَان وَمَا هُوَ جنَّة لِلْقِتَالِ كالسلاح رِوَايَة وَاحِدَة
وَهل يحرم سَهْمه عَنهُ رِوَايَتَانِ
فصل مَال الْفَيْء
وَهُوَ مَا أَخذ من مُشْرك لأجل كفره بِغَيْر مَال كالجزية الْمَأْخُوذَة على الرؤوس وَأُجْرَة الأَرْض الْمَأْخُوذَة باسم الْخراج أَو مَا تَرَكُوهُ فَزعًا وهربا
وَمَال الْمُرْتَد إِذا قتل فِي ردته وَمَال كل كَافِر مَاتَ بِلَا وَارِث
وَمَا يُؤْخَذ مِنْهُم من الْعشْر إِذا اخْتلفُوا إِلَى بِلَاد الْمُسلمين أَو صولحوا عَلَيْهِ
هَل يُخَمّس أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَنْصُوص عَنهُ هُوَ للْمُسلمين كَافَّة فَلَا يُخَمّس بل جَمِيعه لمصَالح الْمُسلمين
وَقَالَ مَالك كل ذَلِك هُوَ فَيْء متميز مقسوم يصرفهُ الإِمَام فِي مصَالح الْمُسلمين بعد أَخذ حَاجته مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُخَمّس وَقد كَانَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما الَّذِي يصنع بِهِ من بعد فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لمصَالح الْمُسلمين
وَالثَّانِي للمقاتلة
وَأما الَّذِي يُخَمّس مِنْهُ فَقَوْلَانِ
الْجَدِيد أَنه يُخَمّس جَمِيعه وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَالْقَدِيم لَا يُخَمّس إِلَّا مَا تَرَكُوهُ فزوعا المصطلح ويشتمل على صور مِنْهَا صُورَة مَا إِذا نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا لتَحْصِيل أَمْوَال الْفَيْء وقسمتها على متسحقيها شرعا
هَذَا كتاب إِسْنَاد صَحِيح شَرْعِي وتفويض مُعْتَبر مرعي وَنصب قَاسم للْمُسلمين مُعْتَمدًا فِيهِ على رب الْعَالمين أَمر بإنشائه وتحريره وكتابته وتسطيره مَوْلَانَا الْمقَام(1/388)
الشريف الْأَعْظَم العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ أعز الله نَصره وأنفذ فِي الْخَافِقين نَهْيه وَأمره أشهد على نَفسه الشَّرِيفَة صان الله حماها وحرسها من الْغَيْر وحماها أَنه نصب سيدنَا ومولانا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة فلَان الدّين حجَّة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْعلمَاء فِي الْعَالمين لِسَان الْمُتَكَلِّمين سيف المناظرين أوحد الْمُجْتَهدين
بركَة الْمُلُوك والسلاطين خَالِصَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبَا فلَان فلَان
هَذَا إِذا كَانَ الْمَنْصُوب من مَشَايِخ الْعلمَاء
وَإِن كَانَ من أكَابِر أُمَرَاء الدولة الشَّرِيفَة فَيَقُول الْمقر الشريف العالي المولوي العالمي العادلي ويسوق ألقابه اللائقة بِهِ الصَّالِحَة الْمثلَة إِلَى آخرهَا
وَإِن كَانَ الْمَنْصُوب كافل مملكة أَو نَائِب ثغر من الثغور فيذكر كل وَاحِد بِحَسبِهِ وَنعمته ثمَّ يَقُول فِي النّظر فِي أَمْوَال الْفَيْء وتحصيله من جهاته وَأَخذه أَوَان مَحَله وأوقاته الْحَاصِل من الْكفَّار من غير قتال وَلَا إيجَاف خيل وَلَا ركاب
كالجزية والواجبة على الْيَهُود وَالنَّصَارَى خلا نِسَائِهِم وَمن لَهُ شُبْهَة كتاب كالمجوس وَمن كل كَافِر عَرَبِيّ كَانَ أَو عجمي وَإِن لم يكن لَهُ كتاب
وَذَلِكَ مَعَ علم الإِمَام خلد الله ملكه بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك سوى قُرَيْش خَاصَّة
فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ مِنْهُم جِزْيَة وَجعل لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الْجِزْيَة من كل وَاحِد من الْأَغْنِيَاء ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما
وَمن كل متوسط أَرْبَعَة وَعشْرين درهما
وَمن كل فَقير اثْنَي عشر درهما
فَإِن شَاءَ استوفاها كَيفَ اقْتضى رَأْيه وَأدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده
فَإِن رأى أَن يَأْخُذ من كل مِنْهُم دِينَارا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا وَأَن ينظر فِي حَال الْفُقَرَاء الَّذين هم غير معلمين وَلَا كسب لَهُم وَلَا يتمكنون من الْأَدَاء وَتَكون إقامتهم بالبلاد مجَّانا
وَيكون مُخَيّرا بَين إخراجهم من الْبِلَاد أَو تقريرهم بهَا وَإِيجَاب الْجِزْيَة عَلَيْهِم وحقن دِمَائِهِمْ بضمانهم ومطالبتهم بهَا عِنْد الْيَسَار وَبَين إمهالهم إِلَى آخر الْحول
فَإِن بذلوها أقرهم وَإِن لم يبذلوها ألحقهم بدار الْحَرْب وَأَن يَأْخُذ مَال من يَمُوت من الْكفَّار وَلَا وَارِث لَهُ
وَمن مَاتَ مِنْهُم وَعَلِيهِ جِزْيَة
فَلهُ أَن يَأْخُذهَا أَو يَتْرُكهَا لوَرثَته مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك الْمَعْلُوم عِنْد الإِمَام الْأَعْظَم الْمشَار إِلَيْهِ وَعند منصوبه وَجعل لَهُ أَن يَأْخُذ الْجِزْيَة إِن شَاءَ أول الْحول وَإِن شَاءَ آخِره على الْخلاف الْمَذْكُور فِي ذَلِك وَأَن يَأْخُذ عشور تِجَارَات الْكفَّار الْمَشْرُوطَة عَلَيْهِم إِذا دخلُوا دَار الْإِسْلَام وَأَن يستولي على بِلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ الَّتِي جلوا عَنْهَا خوفًا من الْمُسلمين وَمَال من مَاتَ أَو قتل مِنْهُم على(1/389)
الرِّدَّة وَأَن يقسم المَال كَيفَ اقْتَضَاهُ رَأْيه وَمَال قلبه إِلَى مَذْهَب من مَذَاهِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِم
فَإِن رأى الْقسم على مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى
فَيَجْعَلهُ خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة ثمَّ يقسم الْخمس خَمْسَة أَخْمَاس مُتَسَاوِيَة فَيقسم خمس الْخمس فِي مصَالح الْمُسلمين كسد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وَيقدم فِي ذَلِك الأهم فالأهم
وَيصرف خمس الْخمس إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب ويشرك فِي بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى مِنْهُم بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَيصرف خمس الْخمس على الْفُقَرَاء واليتامى الَّذِي لَا أَب لَهُم
وَيصرف خمس الْخمس إِلَى الْمَسَاكِين وَيصرف خمس الْخمس إِلَى أَبنَاء الْمَسَاكِين وَأَن يعم كل صنف إِن أمكن
وَإِن شَاءَ خصص الْحَاصِل فِي كل نَاحيَة بِمن فِيهَا وَأَن يهيىء الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة وَينصب ديوانا وعرفاء للقبائل وَالْجَمَاعَات المرتزقين المرصدين للْجِهَاد
وَيَأْمُر العرفاء بِجَمْعِهِمْ وَينظر فِي أُمُورهم ويبحث عَن حَال كل وَاحِد وَعِيَاله وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيُعْطِيه مَا يَكْفِي مُؤْنَته ومؤنتهم وَيقدم فِي الْإِعْطَاء قُريْشًا وهم ولد النَّضر بن كنَانَة وَبَنُو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ثمَّ بَنو عبد شمس ثمَّ بَنو نَوْفَل ثمَّ بَنو عبد الْعُزَّى ثمَّ سَائِر الْبُطُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْعَجم من اسْمه مَكْتُوب ثَابت فِي الدِّيوَان
لَا يثبت فِي الدِّيوَان أَسمَاء للعميان وَلَا الزمنى وَلَا من لَا يصلح للغزو
وَمن مَاتَ مِنْهُم أعْطى لأولاده إِلَى أَن يستقلوا وَزَوجته إِلَى أَن تنْكح وَمهما فضل من هَذِه الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة وزعه عَلَيْهِم إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ صرف بعضه إِلَى إصْلَاح الثغور وَفِي الكراع وَالسِّلَاح وَأَن يَجْعَل مَا تحصل من أَمر الْفَيْء من الدّور والأراضي وَقفا مُؤَبَّدًا يستغل ريعه وَيقسم عَلَيْهِم كَذَلِك نصبا صَحِيحا شَرْعِيًّا وتفويضا تَاما مُعْتَبرا مرضيا ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ
وَصُورَة نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا مقدما على العساكر المنصورة المجهزة إِلَى الْغَزْو وَتَحْصِيل أَمْوَال الْغَنِيمَة وَقسمهَا على مستحقيها شرعا
يكْتب الصُّور كَمَا تقدم فِي اسْم السُّلْطَان وَاسم الْمَنْصُوب إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول مقدما على العساكر المنصورة والجيوش والكتائب المخبورة المتوجهين مَعَه وَبَين يَدَيْهِ لجهاد أَعدَاء الله الْمُشْركين والفرنج المخذولين لفتح قبرص ونديك المخروبتين وَأسر من بهما من النِّسَاء وَالصبيان وَقتل الرِّجَال من الطَّائِفَتَيْنِ المخذولتين وَيجمع الْأَمْوَال الْحَاصِلَة من الْكفَّار بِالْقِتَالِ وإيجاف الْخَيل والركاب من الذَّهَب وَالْفِضَّة والأثاث وَالرَّقِيق من الصّبيان وَالْبَنَات وَالنِّسَاء والكراع والمواشي والأسلاب
فَيبْدَأ(1/390)
بالأسلاب فيدفعها إِلَى المقاتلين وَهِي ثِيَاب الْكفَّار الملبوسة مَعَ الْخُف وآلات الْحَرْب كالدرع وَالسِّلَاح والمركوب وَمَا عَلَيْهِ كالسرج واللجام والسوار والمنطقة والخاتم ودراهم النَّفَقَة والجنيب المقود ويحترز فِي معرفَة مستحقي سلب الْكفَّار المقتولين من المقاتلين الْمُسلمين وَهُوَ الرّكُوب للغزو وَدفع شَرّ الْكَافِر فِي حَال قيام الْحَرْب
وَمن قتل كَافِرًا من وَرَاء حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ
وَمن قتل كَافِرًا نَائِما أَو قتل أَسِيرًا أَو قتل كَافِرًا بعد انهزام جيشهم
فَلَا يُعْطي شَيْئا من السَّلب بل يكون سلب هَؤُلَاءِ مُضَافا إِلَى الْغَنِيمَة
ثمَّ يخرج مُؤَن الْحِفْظ وَالنَّفْل وَغَيرهمَا ثمَّ بِخمْس المَال
وَيقسم أحد الْأَخْمَاس على خَمْسَة أسْهم فَيجْعَل خمس الْخمس فِي سد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء
وَيصرف الْخمس الثَّانِي من الْخمس إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب ويشرك فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَيصرف الْخمس الثَّالِث من الْخمس إِلَى الْيَتَامَى الصغار الْفُقَرَاء الَّذين لَا آبَاء لَهُم
وَيصرف خمس الْخمس الرَّابِع إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَيصرف الْخمس الْخَامِس إِلَى أَبنَاء السَّبِيل
ثمَّ يقسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين الْغَانِمين الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة على نِيَّة الْقِتَال وَإِن لم يكن مِنْهُم من قَاتل
وَيُعْطِي وَرَثَة من شهد الْقِتَال والوقعة وَمَات بعد انْقِضَاء الْقِتَال وَقبل حيازته سَهْمه
وَيُعْطِي للفارس ثَلَاثَة أسْهم وللراجل سَهْمَان
والفارس هُوَ رَاكب الْفرس الْعَتِيق
وَيُعْطى رَاكب الْبَعِير سَهْما مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك وَجعل لَهُ أَن ينفل من مَا شَاءَ من الْغَنِيمَة بعد الْحِيَازَة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ أَيْضا
وَله أَن يُسهم لفرسين وَلَا يزِيد عَلَيْهِمَا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك
وسواس الْخَيل وحفظة الْأَمْتِعَة وتجار الْعَسْكَر والمحترفون يُسهم لَهُم إِذا قَاتلُوا
ويرضخ للصبيان وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة إِذا حَضَرُوا
وَلَا يعقر من الْمَوَاشِي إِلَّا مَا يحْتَاج إِلَى أكله وَلَا يقتل أحدا من النِّسَاء إِذا لم يقاتلن وَلم يكن صاحبات رَأْي
وَلَا يقتل الْأَعْمَى والمقعد وَالشَّيْخ الفاني وَأهل الصوامع إِذا لم يكن فيهم ذُو رَأْي
وَإِذا وصل الْمُقدم الْمشَار إِلَيْهِ بالعساكر المنصورة إِلَى تِلْكَ الديار وبرزت أحزاب الشَّيْطَان إِلَى جنود الله والتقى الْجَمْعَانِ والتحم الْقِتَال وتكرر الْكر والفر والنزال واحمرت الْبيض والسمر وسكرت الرِّجَال بِغَيْر خمر وغضبت الكماة والأبطال وَدنت الْمنون وتقاربت الْآجَال وارتفع الْغُبَار والعجاج وتسعر لهيب نَار الْحَرْب الْوَهَّاج
وَجَرت أَنهَار الدِّمَاء وَنزلت مَلَائِكَة السَّمَاء وأيد الله جُنُوده وَأهل دينه وَفتح لَهُ بَاب النَّصْر بِيَمِينِهِ وهبت الرِّيَاح وتمزق الْغُبَار
وأعلن مُؤذن النَّصْر يجي على الْفَلاح ولاح للْمُسلمين علم الظفر وأسفر لَهُم صبح النجاح الوضاح(1/391)
فَحِينَئِذٍ يتَقَدَّم مقدم العساكر المنصورة الْمشَار إِلَيْهِ بِجمع قَتْلَى الْمُسلمين من المعركة ودفنهم بدمائهم وثيابهم
وَجمع الملبوس وَالسِّلَاح والكراع وَمَا بقبرس من الصّبيان وَالنِّسَاء والأبكار وَالْأَمْوَال على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس والأنواع
وَجَمِيع الْمَوَاشِي
وَنقل الْجَمِيع إِلَى سيف الْبَحْر الْأَعْظَم ووسق الْفلك بهَا ويتركوا تِلْكَ الديار خاوية على عروشها خامدة والحس والهمس حصيدا كَأَن لم تغن بالْأَمْس
وَركب هُوَ والجيوش المنصورة فِي أفلاكها
وَرَجَعُوا متوجهين بالسلامة والنصر
وَإِذا دخلُوا بِالْغَنِيمَةِ إِلَى دَار الْإِسْلَام جلس الْمُقدم لقسم مَال الْغَنَائِم وَهُوَ بِعَمَل الْحق وَقِسْمَة الْعدْل قَائِم
وخمسها
ثمَّ خمس الْخمس
وَجعله حَيْثُ أمره بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْخمس على مستحقيه
ثمَّ قسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين الجيوش المنصورة على حكم الشَّرْع الشريف المطهر وَمُقْتَضَاهُ عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله وَمَا يُحِبهُ رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويرضاه
وعهد إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ الْأَمر بزمامه وَأَن يعْمل لله ولإمامه وَأَن يعرف للمجاهدين حَقهم وَيقدم أهل النَّفْع مِنْهُم على غَيرهم تَقْدِيمًا
وَلمن وفى شكر إقدامهم ومداومة تأنسهم فطالما اقتحموا على الْمُلُوك مثل الوحوش وَمَا هابوا يقظة حراسهم
وليرفع بَعضهم على بعض دَرَجَات
فَمَا هم سَوَاء
فَهُوَ أولى من عمل بِهَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي هُوَ مِنْهَا على يَقِين وأحق من فرج على الْإِسْلَام كل ضيق بتصريف رِجَاله وَأَصْحَابه الميامين
وَالله تَعَالَى يُعينهُ ويوفقه ويرشده ويطيل باعة لما قصرت عَنهُ سواعد الرماح ووصلت إِلَيْهِ يَده آمين
ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ وَالله أعلم(1/392)
كتاب قسم الصَّدقَات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
أجمع الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم على أَن الزَّكَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام وَفرض من فروضه
وأصل الزَّكَاة فِي اللُّغَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة
وَسميت بذلك لِأَنَّهَا تثمر المَال وتنميه يُقَال زكا الزَّرْع إِذا كثر ريعه وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا
وَأجْمع الْفُقَهَاء على وجوب الزَّكَاة فِي أَرْبَعَة أَصْنَاف الْمَوَاشِي وجنس الْأَثْمَان وعروض التِّجَارَة والمكيل المدخر من الثِّمَار وَالزَّرْع
فَأَما الْمَوَاشِي فَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
وَهِي بَهِيمَة الْأَنْعَام بِشَرْط أَن تكون سَائِمَة
وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة فِي كل جنس من هَذِه الْأَجْنَاس تجب بِكَمَال النّصاب واستقرار الْملك وَكَمَال الْحول وَكَون الْمَالِك حرا مُسلما
وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْبلُوغ وَالْعقل فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا الْعقل بل الزَّكَاة وَاجِبَة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يشْتَرط ذَلِك وَلَا يجب عِنْده زَكَاة فِي مَال الصَّبِي وَلَا الْمَجْنُون
وَالَّذِي يتَعَيَّن على الإِمَام نصب كُفْء يقوم باستخراج أَمْوَال الصَّدقَات على اخْتِلَاف أجناسها وصرفها على مستحقيها بِالطَّرِيقِ السائغ الشَّرْعِيّ(1/393)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتَّفقُوا على جَوَاز دفع الصَّدقَات إِلَى جنس وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَّا الشَّافِعِي
فَإِنَّهُ قَالَ لَا بُد من اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية إِن قسم الإِمَام وَهُنَاكَ عَامل وَإِلَّا فالقسمة على سَبْعَة
فَإِن فقد بعض الْأَصْنَاف قسمت الصَّدقَات على الْمَوْجُودين
وَكَذَا يستوعب الْمَالِك الْأَصْنَاف إِن انحصر المستحقون فِي الْبَلَد ووفى بهم المَال وَإِلَّا فَيجب إِعْطَاء ثَلَاثَة
فَلَو عدم الْأَصْنَاف من الْبَلَد وَجب النَّقْل أَو بَعضهم رد على البَاقِينَ
والأصناف الثَّمَانِية هم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملون عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم والرقاب والغارمون وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل
وَالْفَقِير عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك هُوَ الَّذِي لَهُ بعض كِفَايَته ويعوزه بَاقِيه
والمسكين عِنْدهمَا هُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بل الْفَقِير هُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ والمسكين هُوَ الَّذِي لَهُ بعض مَا يَكْفِيهِ
وَاخْتلفُوا فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم
فمذهب أبي حنيفَة أَن حكمهم مَنْسُوخ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك أَنه لم يبْق للمؤلفة سهم لغناء الْمُسلمين
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنهم إِن احْتِيجَ إِلَيْهِم فِي بلد أَو ثغر اسْتَأْنف الإِمَام عطاءهم لوُجُود الْعلَّة
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَنهم هَل يُعْطون بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا وَالأَصَح أَنهم يُعْطون من الزَّكَاة وَأَن حكمهم غير مَنْسُوخ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَهل مَا يَأْخُذهُ الْعَامِل على الصَّدقَات من الزَّكَاة أَو من عمله قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ من الزَّكَاة
وَعَن أَحْمد يجوز أَن يكون عَامل الصَّدقَات عبدا أَو من ذَوي الْقُرْبَى
وَعنهُ فِي الْكَافِر رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
والرقاب هم المكاتبون ليؤدوا ذَلِك فِي الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لِأَن الرّقاب عِنْده العبيد الأرقاء فَعِنْدَ مَالك يشترى من الزَّكَاة رَقَبَة كَامِلَة فتعتق وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
والغارمون المدينون بالِاتِّفَاقِ
وَفِي سَبِيل الله الْغُزَاة
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ الْحَج من سَبِيل الله
وَابْن السَّبِيل الْمُسَافِر بالِاتِّفَاقِ(1/394)
وَهل يدْفع إِلَى الْغَارِم مَعَ الْغَنِيّ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا
وَالْأَظْهَر عِنْد الشَّافِعِي نعم
وَاخْتلفُوا فِي صفة ابْن السَّبِيل بعد الِاتِّفَاق على سَهْمه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ المجتاز دون منشىء السّفر
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ المجتاز والمنشىء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا المجتاز
فصل وَهل يجوز للرجل أَن يُعْطي زَكَاته
كلهَا مِسْكينا وَاحِدًا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يجوز إِذا لم يُخرجهُ إِلَى الْغَنِيّ
وَقَالَ مَالك يجوز إِخْرَاجه إِلَى الْغَنِيّ إِذا أَمن إعفافه بذلك
وَقَالَ الشَّافِعِي أقل مَا يعْطى من كل صنف ثَلَاثَة
وَاخْتلفُوا فِي نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره إِلَّا أَن ينقلها إِلَى قرَابَة مُحْتَاج أَو قوم هم أمس حَاجَة من أهل بَلَده فَلَا يكره
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِلَّا أَن يَقع بِأَهْل بلد حَاجَة فينقلها الإِمَام إِلَيْهِم على سَبِيل النّظر وَالِاجْتِهَاد
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا عدم الْجَوَاز فِي النَّقْل
وَالْمَشْهُور عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز نقلهَا إِلَى بلد آخر تقصر فِيهِ الصَّلَاة مَعَ عدم وجود الْمُسْتَحقّين فِي الْبَلَد الْمَنْقُول مِنْهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى كَافِر
وَأَجَازَهُ الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة إِلَى أهل الذِّمَّة
وَالظَّاهِر من مَذْهَب أبي حنيفَة جَوَاز دفع زَكَاة الْفطر وَالْكَفَّارَات إِلَى الذِّمِّيّ
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْغَنِيّ الَّذِي لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ الَّذِي يملك نِصَابا من أَي مَال كَانَ
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك جَوَاز الدّفع إِلَى من يملك أَرْبَعِينَ درهما
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب لم يحد مَالك لذَلِك حدا
فَإِنَّهُ يُعْطي من لَهُ الْمسكن وَالْخَادِم وَالدَّابَّة الَّتِي لَا غنى لَهُ عَنهُ
وَقَالَ يُعْطي من لَهُ أَرْبَعُونَ درهما
وَقَالَ وللعالم أَن يَأْخُذ من الصَّدقَات وَإِن كَانَ غَنِيا
وَمذهب الشَّافِعِي أَن الِاعْتِبَار بالكفاية فَلهُ أَن يَأْخُذ مَعَ عدمهَا
وَإِن كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَأكْثر وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَعَ وجودهَا وَإِن قل مَا مَعَه وَإِن كَانَ مشتغلا بِشَيْء من الْعلم الشَّرْعِيّ وَلَو أقبل على الْكسْب لَا نقطع عَن التَّحْصِيل يحل لَهُ أَخذ الزَّكَاة
وَمن أَصْحَابه من قَالَ إِن كَانَ ذَلِك المشتغل يُرْجَى نفع النَّاس بِهِ جَازَ لَهُ الْأَخْذ وَإِلَّا فَلَا
وَأما من أقبل(1/395)
على نوافل الْعِبَادَات وَكَانَ الْكسْب يمنعهُ عَنْهَا فَلَا تحل لَهُ الزَّكَاة
فَإِن المجاهدة فِي الْكسْب مَعَ قطع الطمع عَن النَّاس أولى من الإقبال على نوافل الْعِبَادَات مَعَ الطمع بِخِلَاف تَحْصِيل الْعلم فَإِنَّهُ فرض كِفَايَة
والخلق محتاجون إِلَى ذَلِك
وَاخْتلف الرِّوَايَة عَن أَحْمد فروى عَنهُ أَكثر أَصْحَابه أَنه مَتى ملك خمسين درهما أَو قيمتهَا ذَهَبا لم تحل لَهُ الزَّكَاة
وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْغَنِيّ الْمَانِع أَن يكون للشَّخْص كِفَايَة على الدَّوَام من تِجَارَة أَو أُجْرَة عقار أَو صناعَة أَو غير ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِيمَن يقدر على الْكسْب بِصِحَّتِهِ وقوته هَل يجوز لَهُ الْأَخْذ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يجوز
وَمن دفع زَكَاته إِلَى رجل ثمَّ علم أَنه غَنِي أَجزَأَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ مَالك لَا يُجزئهُ
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى الْوَالِدين وَإِن علوا وَلَا إِلَى المولودين وَإِن سفلوا إِلَّا مَالك رَحمَه الله
فَإِنَّهُ أجَاز إِلَى الْجد وَالْجدّة وَبني الْبَنِينَ لسُقُوط نَفَقَتهم عِنْده
وَهل يجوز دَفعهَا إِلَى من يَرِثهُ من أَقَاربه بالأخوة والعمومة قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك الشَّافِعِي يجوز
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يجوز
وَاتَّفَقُوا عى أَنه لَا يجوز دَفعهَا إِلَى عَبده
وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة دَفعهَا إِلَى عبد غَيره إِذا كَانَ سَيّده فَقِيرا
وَهل يجوز دَفعهَا إِلَى الزَّوْج قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ يَسْتَعِين بِهِ فِي غير نَفَقَتهَا كأولاده الْفُقَرَاء من غَيرهَا أَو نَحْو ذَلِك جَازَ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا الْمَنْع
وَاتَّفَقُوا على منع الْإِخْرَاج لبِنَاء مَسْجِد أَو تكفين ميت
وَأَجْمعُوا على تَحْرِيم الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة عَليّ بني هَاشم
وهم خمس بطُون آل عَليّ وَآل عَبَّاس وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل الْحَارِث بن عبد الْمطلب
وَاخْتلفُوا فِي بَين الْمطلب
فَحَرمهَا مَالك وَأحمد فِي أظهر رِوَايَته
وجوزها أَبُو حنيفَة
وحرمها أَبُو حنيفَة وَأحمد على موَالِي بني هَاشم
وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ(1/396)
فَائِدَة قَالَ ابْن الصّلاح بلغنَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَرْبَعَة أَحَادِيث تَدور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَسْوَاق لَيْسَ لَهَا أصل من بشرني بِخُرُوج آذار بَشرته بِالْجنَّةِ وَمن آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه يَوْم الْقِيَامَة وَيَوْم نحركم يَوْم صومكم وللسائل حق وَإِن جَاءَ على فرس
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كمل النّصاب من الزروع وَالثِّمَار وَجب فِيهِ الْعشْر إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ لم يعْتَبر كَمَال النّصاب بل أوجب الْعشْر فِي الْقَلِيل وَالْكثير
واختلوا فِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق مَا هُوَ وَمَا قدر الْوَاجِب فِيهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي كل مَا أخرجت الأَرْض فِي قَلِيله وَكَثِيره الْعشْر سَوَاء سقِِي سيحا أَو سقته السَّمَاء إِلَّا الْحَطب والحشيش والقصب
وَقَالَ مَالك الشَّافِعِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق هُوَ مَا ادخر واقتنى
كالحنطة وَالشعِير والأرز وَغَيره
وَقَالَ أَحْمد يجب الْعشْر فِي كل مَا يُكَال ويدخر من الزروع وَالثِّمَار
ففائدة الْخلاف بَين مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَن أَحْمد يجب عِنْده الْعشْر فِي السمسم وبذر الْكَتَّان والكمون والكراويا والخردل واللوز والفستق
وَعِنْدَهُمَا لَا يجب فِيهِ
وَفَائِدَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة أَن عِنْده تجب فِي الخضروات الزَّكَاة
وَعند الشَّافِعِي وَمَالك أَحْمد لَا زَكَاة فِيهَا
وَمِقْدَار الزَّكَاة فِيمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة الْعشْر
وَأما الْبَاقُونَ فهم على اخْتلَافهمْ فِيهِ كَمَا ذكرنَا مَعَ كَونه يسْقِي سيحا بِغَيْر مُؤنَة أَو كَانَ سقيه من السَّمَاء
وَإِن كَانَ بالنواضح والكلف فَنصف الْعشْر
وَاخْتلفُوا فِي الزَّيْتُون
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ الزَّكَاة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ لَا زَكَاة فِيهِ(1/397)
وَاخْتلفُوا هَل يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ فِي الخراجي من أَرض الْخراج عشر
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَرض الْخراج فِيهَا الْعشْر مَعَ الْخراج
لِأَن الْخراج فِي رقبَتهَا
وَالْعشر فِي غَلَّتهَا
وَاخْتلفُوا فِي زَكَاة الْحلِيّ الْمُبَاح إِذا كَانَ مِمَّا يلبس ويعار
فَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب فِيهِ الزَّكَاة
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين
وَاخْتلفُوا فِي الْعَسَل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِيهِ الْعشْر
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد لَا يجب فِيهِ شَيْء
ثمَّ اخْتلف مُوجب الْعشْر فِيهِ وهما أَبُو حنيفَة وَأحمد فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ الْعَسَل فِي أَرض عشرِيَّة فَفِيهِ الْعشْر
وَإِن كَانَ فِي أَرض خَرَاجِيَّة فَلَا عشر فِيهِ
وَقَالَ أَحْمد فِيهِ الْعشْر على الْإِطْلَاق
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ ايضا هَل يعْتَبر فِيهِ نِصَاب فَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره الْعشْر
وَقَالَ أَحْمد يعْتَبر فِيهِ النّصاب
ونصاب الْعَسَل عِنْده عشرَة أفراق وَالْفرق سِتَّة وَثَلَاثُونَ رطلا
فَيكون نصابه ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ رطلا
وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا فزرعها
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعشْر على صَاحب الأَرْض
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد الْعشْر على الْمُسْتَأْجر
المصطلح
وَفِيه صُورَة نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا لذَلِك نصب مَوْلَانَا الإِمَام الْأَعْظَم الى آخر ألقابه فلَانا الى آخر ألقابه لاستخراج أَمْوَال الصَّدقَات والزكوات من الْمَوَاشِي وعروض التِّجَارَة والمكيل المدخر من الزروع وَالثِّمَار وَأَن يسْتَعْمل على ذَلِك عَاملا ساعيا حرا مُسلما فَقِيها عدلا عَارِفًا خَبِيرا(1/398)
بِالنّصب ومقاديرها وَمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من سَائِر الْأَجْنَاس عَالما بِالْخِلَافِ الْجَارِي بَين الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ من الْوُجُوب فِي شَيْء وَعَدَمه وَوُجُوب الصّرْف وَمن يجوز الصّرْف إِلَيْهِ
وَمن لَا يجوز الصّرْف إِلَيْهِ متحريا اسْتِيفَاء الْحق من وجوهه على نهج الصَّوَاب والصدق بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من أَرْبَاب الْأَمْوَال مَا يزِيد على الْوَاجِب عَلَيْهِم شَيْئا وَإِن قل وَأَن يعلم الشَّهْر الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ الزَّكَاة وَأَن يعْتَبر مُضِيّ الْحول واستقرار الْملك على المَال حولا كَامِلا
وَكَذَلِكَ فِي الصّرْف
وَأَن يتَّخذ كَاتبا عَارِفًا بِأَبْوَاب الْكِتَابَة والتصريف حسن الرَّأْي صَحِيح الْحساب وَقَاسما فطنا ناهضا حاشرا يقظا عَارِفًا بأرباب الْأَمْوَال وخطابهم وسائقا يَسُوق مواشي الصَّدَقَة وَأَن يسم الْإِبِل وَالْبَقر فِي أفخاذها وَالْغنم فِي آذانها وَأَن يكون الميسم مكتب الله أَو صَدَقَة أَو زَكَاة
وَأَن يكون الْأَخْذ فِي أول نِصَاب الْإِبِل وَهُوَ خمس شَاة جَذَعَة من الضَّأْن أَو ثنية من الْمعز
وَفِي عشر شَاتَان وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه أَو بنت مَخَاض وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة
وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون
وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة وَهِي الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة
وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَهِي الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة
وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون
فِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان
وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون
فَإِذا ازْدَادَ مَال وَاحِد من أَرْبَاب الْأَمْوَال عَن مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين فَيَأْخُذ مِنْهُ عَن كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَعَن كل خمسين حقة
وَمَا كَانَ بَين النصب من وقص عَفا عَنهُ
وَمن وَجب عَلَيْهِ سنّ وَلم يكن عِنْده أَخذ مِنْهُ السَّاعِي سنا أَعلَى مِنْهُ ورد عَلَيْهِ شَاتَان أَو عشْرين درهما أَو أَخذ مِنْهُ سنا أَسْفَل مِنْهُ وَعشْرين درهما
وَإِن اتّفق فرضان فِي نِصَاب كالمائتين أَخذ مِنْهُ السَّاعِي أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون يتَخَيَّر السَّاعِي الأنفع للْمُسلمين
وَأَن يَأْخُذ السَّاعِي فِي أول نِصَاب الْبَقر وَهُوَ ثَلَاثُونَ تبيعا وعَلى هَذَا أبدا فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة
وَأَن يَأْخُذ السَّاعِي فِي أول نِصَاب الْغنم وَهُوَ أَرْبَعُونَ شَاة وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين شَاتَان وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلَاث شِيَاه وعَلى هَذَا أبدا فِي كل مائَة شَاة يَأْخُذ شَاة
والساعي مُخَيّر بَين أَن يَأْخُذ ذُكُورا أَو إِنَاثًا مَعَ علم الإِمَام الْأَعْظَم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك(1/399)
وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة صحاحا أَخذ مِنْهَا صحاحا
وَإِن كَانَت مراضا أَخذ مراضا
وَإِن رَضِي رب المَال بِدفع الصِّحَاح أَخذهَا مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت صحاحا ومراضا
وَإِن كَانَت الْغنم صغَارًا أَخذ مِنْهَا صغَارًا
وَإِن كَانَت الصغار من الْإِبِل وَالْبَقر أَخذ مِنْهَا كبارًا أقل قيمَة من كَبِيرَة تُؤْخَذ من الْكِبَار
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الجواميس كالبقر سَوَاء وَأَن يَأْخُذ زَكَاة بقر الْوَحْش إِذا اجْتمع مِنْهَا عِنْد إِنْسَان نِصَاب أَو أَكثر فَيَأْخُذ مِنْهُ بِحِسَابِهِ مُوَافقَة للْإِمَام أَحْمد رَحْمَة الله تَعَالَى
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة خيل التِّجَارَة وَقيمتهَا عَن كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة البغال وَالْحمير إِذا كَانَت للتِّجَارَة مثل زَكَاة الْخَيل
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الْغنم المتولدة بَين الظباء وَالْغنم
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الْبَقر المتولدة بَين الإنسية والوحشية على الْخلاف فِي ذَلِك
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الزَّرْع المقتات الَّذِي ينبته الآدميون كالحنطة وَالشعِير والدخن والذرة والأرز والعلس والعدس والحمص والماش والباقلاء واللوبيا والقرطمان
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الثِّمَار وَهِي الرطب وَالْعِنَب وَالزَّيْتُون والورس والقرطم مِمَّن انْعَقَد فِي ملكه نِصَاب من الْحُبُوب أَو بدا الصّلاح فِي ماملكه فِي النّصاب من الثِّمَار
فالنصاب أَن يبلغ الْجِنْس الْوَاحِد بعد التصفية فِي الْحُبُوب والجفاف فِي الثِّمَار خَمْسَة أوسق وَهُوَ ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي إِلَّا الْأرز والعلس
فَإِن نصابه عشرَة أوسق مَعَ قشره
وَالْوَاجِب فِي ذَلِك كُله الْعشْر
وكل مَا سقته السَّمَاء أَو رُوِيَ بِلَا آلَة أَخذ مِنْهُ الْعشْر وَمَا سقِِي بالنواضح والدوالي أَخذ مِنْهُ نصف الْعشْر
وَمَا شرب نصفه شهرا وَنصفه شهرا أَخذ مِنْهُ ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَإِن جهل الْمِقْدَار جعله نِصْفَيْنِ
وَيَأْخُذ فِيمَا زَاد على النّصْف بِحِسَابِهِ
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال أَرْبَاب الْأَمْوَال الْبَاطِنَة
فَمن كَانَ مِنْهُم مَعْرُوفا بِإِخْرَاج الزَّكَاة وصرفها على الْفُقَرَاء وكل أَمر نَفسه اليه
وَإِن كَانَ غير مَعْرُوف بِإِخْرَاج الزَّكَاة أَخذ مِنْهُ زَكَاة مَاله على نِصَاب الذَّهَب وَقدره عشرُون مِثْقَالا نصف مِثْقَال وعَلى نِصَاب الْوَرق وَقدره مِائَتَا دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَفِيمَا زَاد من النصابين بِحِسَابِهِ
وَأَن يقوم عرُوض التِّجَارَة الَّتِي حَال عَلَيْهَا الْحول وَيَأْخُذ الزَّكَاة من قيمتهَا من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم(1/400)
وَأَن يستوعب اسْتِخْرَاج الزكوات جَمِيعهَا على اخْتِلَاف أجناسها وَمن الْمَعَادِن والركاز
وَأَن يصرف الثّمن من ذَلِك كَامِلا الى الْعمَّال على ذَلِك وهم أحد الْأَصْنَاف الثَّمَانِية
ثمَّ يصرف الْبَاقِي فِي مصارفه من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والمؤلفة قُلُوبهم
وهم ضَرْبَان فِي الرّقاب وهم المكاتبون
وعَلى الغارمين والغزاة فِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل
وَإِن تعذر صنف من هَذِه الْأَصْنَاف فرق نصِيبهم على البَاقِينَ
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَبَقِيَّة الْأَصْنَاف المصروف اليهم
فَإِن أمكن أَن يعمهم فَلْيفْعَل وَأَن يصرف اليهم على قدر حَاجتهم وَأَن يُسَوِّي بَينهم
وَإِذا عَم فُقَرَاء بلد وكفاهم وَفضل بعد ذَلِك شَيْء نَقله الى فُقَرَاء أقرب الْبِلَاد الى ذَلِك الْبَلَد
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال الْمُسْتَحقّين السَّائِلين لِلزَّكَاةِ
فَمن عرف أَنه بِصفة الِاسْتِحْقَاق عمل فِيهِ بِعَمَلِهِ
وَإِذا ادّعى الْفقر والمسكنة لَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْغَازِي وَابْن السَّبِيل بقولهمَا
وَيُطَالب الْغَارِم وَالْمكَاتب بِالْبَيِّنَةِ
وَإِن كَانَ قد استفاض حَالهمَا فيستغني بالاستفاضة عَن الْبَيِّنَة
وَيُعْطى الْفَقِير والمسكين بِقدر كفايتهما سنة كَامِلَة وَالْمكَاتب والغارم قدر دينهما وَابْن السَّبِيل مَا يبلغهُ مقصدة والغازي مايحتاج إِلَيْهِ للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة مُدَّة الذّهاب وَالْمقَام فِي مَوضِع الْغَزْوَة وَيَشْتَرِي لَهُ الْفرس وَالسِّلَاح وَيصير ذَلِك ملكا لَهُ وَيَشْتَرِي لِابْنِ السَّبِيل المركوب إِذا كَانَ السّفر طَويلا أوكان ضَعِيفا على الْمَشْي
نَصبه مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الْمشَار إِلَيْهِ خلد الله سُلْطَان وَنصر جيوشه وَجُنُوده وأعوانه فِي ذَلِك صَار كُله نصبا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وفوضه إِلَيْهِ تفويضا مُعْتَبرا مرضيا وَأذن أعز الله نَصره وأنفذ فِي الْخَافِقين نَهْيه وَأمره للْمقر والشريف الْمشَار إِلَيْهِ أَن يحمل الْأَمر فِي اسْتِخْرَاج هَذِه الزكوات الْمشَار إِلَهًا على مَا يختاره من اتِّبَاع مَذْهَب من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمَا اخْتلف فِيهِ الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم وَمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَجعل لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِي ذَلِك وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الْعُدُول الثِّقَات الْأَكفاء الْأَحْرَار الْأُمَنَاء إِذْنا شَرْعِيًّا قبله الْمَنْصُوب الْمشَار إِلَيْهِ قبولا شَرْعِيًّا ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ وَالله أعلم 2(1/401)
كتاب النِّكَاح
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام النِّكَاح جَائِز
وَالْأَصْل فِي جَوَازه الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} وَقَوله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تناكحوا تَنَاسَلُوا
فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ وَفِي السقط ثَلَاث لُغَات بِفَتْح السِّين وَضمّهَا وَكسرهَا وَهَذَا يدل على الْجَوَاز
وأجمعت الْأمة على جَوَاز النِّكَاح
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَت مناكح الْجَاهِلِيَّة على أَرْبَعَة أَقسَام أَحدهَا
تناكح الرَّايَات وَهُوَ أَن الْمَرْأَة كَانَت تنصب على بَابهَا راية فَيعرف أَنَّهَا عاهر
فيأتيها النَّاس
وَالثَّانِي أَن الرَّهْط من الْقَبِيلَة والناحية كَانُوا يَجْتَمعُونَ على وَطْء امْرَأَة لَا يخالطهم غَيرهم
فَإِذا جَاءَت بِولد ألحق بأشبههم
وَالثَّالِث نِكَاح الِاسْتِحْبَاب وَهُوَ أَن الْمَرْأَة كَانَت إِذا أَرَادَت أَن يكون وَلَدهَا كَرِيمًا بذلت نَفسهَا لعدة من فحول الْقَبَائِل ليَكُون وَلَدهَا كأحدهم
وَالرَّابِع النِّكَاح الصَّحِيح وَهُوَ الَّذِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدت من نِكَاح لَا من سفاحوتزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة بنت خويلد قبل النُّبُوَّة من ابْن عَمها ورقة بن نَوْفَل
وَكَانَ الَّذِي خطبهَا لَهُ عَمه أَبُو طَالب فَخَطب وَقَالَ الحمدلله الَّذِي جعل بَلَدا حَرَامًا وبيتا محجوجا وَجَعَلنَا سدنته وَهَذَا مُحَمَّد قد علمْتُم مَكَانَهُ من الْعقل والنبل وَإِن كَانَ المَال قل إِلَّا أَن المَال ظلّ(2/3)
زائل وعارية مستردة وَمَا أردتم من المَال فعلي وَله فِي خَدِيجَة بنت خويلد رَغْبَة وَلها فِيهِ مثل ذَلِك
فَزَوجهَا مِنْهُ ابْن عَمها
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج بنساء كثير
وَمَات عَن تسع
وَسَأَلَ رجل عمر عَن النِّكَاح فَقَالَ كَانَ خيرنا أكثرنا نِكَاحا يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالنِّكَاح فِي اللُّغَة الضَّم وَالْجمع
يُقَال تناكحت الْأَشْجَار إِذا انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض
وَيُطلق على الْوَطْء لاشْتِمَاله على الضَّم
وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن اسْتِبَاحَة الْوَطْء بِإِيجَاب وَقبُول وشاهدي عدل
وَيسْتَحب النِّكَاح لمن يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا وجد أهبته وَإِن لم يجدهَا
فَالْأولى أَن لَا ينْكح وَيكسر شَهْوَته بِالصَّوْمِ
وَيكرهُ النِّكَاح لمن لَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِن لم يجد أهبته
وَإِن وجدهَا فَلَا يكره لَهُ لَكِن الِاشْتِغَال بِالْعبَادَة أفضل
والأحب نِكَاح الْبكر النسيبة وَالَّتِي لَيست لَهَا قرَابَة قريبَة
وَتَكون من ذَوَات الدّين
وَإِذا رغب الرجل فِي نِكَاح امْرَأَة اسْتحبَّ لَهُ النّظر إِلَيْهَا قبل الْخطْبَة أَذِنت أَو لم تَأذن
وَله تَكْرِير النّظر إِلَيْهَا
وَلَا ينظر إِلَّا إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ظهرا وبطنا
وَيحرم نظر الْفَحْل الْبَالِغ إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من الْحرَّة الْكَبِيرَة الْأَجْنَبِيَّة عِنْد خوف الْفِتْنَة وَكَذَا عِنْد الْأَمْن فِي أولى الْوَجْهَيْنِ
وَلَا خلاف فِي تَحْرِيم النّظر إِلَى مَا هُوَ عَورَة مِنْهَا
وللرجل أَن ينظر من الْمحرم إِلَى مَا يَبْدُو عِنْد المهنة وَلَا ينظر إِلَى مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة
وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان
أظهرهمَا الْحل
وَالْأَظْهَر حل النّظر إِلَى الْأمة إِلَّا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة
وَإِلَى الصَّغِيرَة إِلَّا الْفرج
وَإِن نظر العَبْد إِلَى سيدته فَلهُ ذَلِك
وَنظر الْمَمْسُوح كالنظر إِلَى الْمَحَارِم
وَنظر الْمُرَاهق كنظر الْبَالِغ لَا كنظر الطِّفْل الَّذِي لَا يظْهر على العورات
وَأما نظر الرجل إِلَى الرجل فَهُوَ جَائِز فِي جَمِيع الْبدن إِلَّا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحرم النّظر إِلَى الْأَمْرَد بالشهوة(2/4)
وَنظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة كنظر الرجل إِلَى الرجل إِلَّا أَن فِي نظر الذِّمِّيَّة إِلَى الْمسلمَة وَجْهَان
أحوطهما الْمَنْع
وَالأَصَح أَن للْمَرْأَة النّظر إِلَى بدن الرجل الْأَجْنَبِيّ سوى مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة إِلَّا عِنْد خوف الْفِتْنَة
ونظرها إِلَى الرِّجَال الْمَحَارِم كنظر الرِّجَال إِلَى نسَاء الْمَحَارِم
وحيثما يحرم النّظر يحرم الْمس
ويباحان للفصد والحجامة والمعالجة
وَللزَّوْج أَن ينظر إِلَى مَا شَاءَ من بدن زَوجته
ويخطب الخلية عَن النِّكَاح وَالْعدة
وَيحرم التَّصْرِيح بِخطْبَة الْمُعْتَدَّة
وَكَذَا التَّعْرِيض إِن كَانَت رَجْعِيَّة
وَلَا يحرم فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا
وَفِي البائنة قَولَانِ
أصَحهمَا الْجَوَاز
وَتحرم الْخطْبَة للْغَيْر بعد صَرِيح الْإِجَابَة إِلَّا أَن يَأْذَن المجاب للْغَيْر
وَالظَّاهِر أَنه لَا تحرم الْخطْبَة إِذا لم تُوجد إِجَابَة وَلَا رد
وَمن استشير فِي حَال الْخَاطِب فَلهُ أَن يصدق فِي ذكر مساويه
وَيسْتَحب تَقْدِيم الْخطْبَة على الْخطْبَة وعَلى العقد
وَالأَصَح أَنه إِذا قَالَ الْوَلِيّ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله
زوجت مِنْك فَقَالَ الزَّوْج الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله
قبلت يَصح النِّكَاح بل يسْتَحبّ ذَلِك
وَالْخلاف فِيمَا إِذا لم يطلّ الذّكر بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وَإِن طَال لم يَصح
وَلَا يَصح النِّكَاح إِلَّا بِإِيجَاب أَو بقول الْوَلِيّ زَوجتك أَو أنكحتك وَالْقَبُول بِأَن يَقُول الزَّوْج تزوجت أَو نكحت أَو قبلت نِكَاحهَا أَو تَزْوِيجهَا وَيجوز أَن يتَقَدَّم لفظ الزَّوْج على لفظ الْوَلِيّ
وَغير الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج من الْأَلْفَاظ كَالْبيع وَالْهِبَة وَالتَّمْلِيك لَا يقوم مقامهما
وَلَا يَصح انْعِقَاد النِّكَاح بِمَعْنى اللَّفْظَيْنِ بِسَائِر اللُّغَات
وَلَا ينْعَقد النِّكَاح بالكنايات
وَفِي مَعْنَاهَا إِذا قَالَ زوجتكها فَقَالَ قبلت وَاقْتصر عَلَيْهِ على الْأَصَح
وَإِذا قَالَ زَوجنِي فَقَالَ زَوجتك صَحَّ النِّكَاح
وَكَذَا لَو قَالَ الْوَلِيّ تَزَوَّجتهَا فَقَالَ تزوجت
وَلَا يَصح النِّكَاح إِلَّا بِحُضُور شَاهِدين
وَيعْتَبر فيهمَا الْإِسْلَام والتكليف وَالْحريَّة(2/5)
وَالْعَدَالَة والذكورة والسمع
فَلَا ينْعَقد بِحُضُور الْأَصَم
وَكَذَا الْأَعْمَى فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَفِي الِانْعِقَاد بِحُضُور ابْني الزَّوْجَيْنِ وعدويهما خلاف رجح مِنْهُمَا الِانْعِقَاد
وَينْعَقد بِحُضُور مستوري الْعَدَالَة دون مستوري الْإِسْلَام وَالْحريَّة
وَلَو بَان كَون الشَّاهِد فَاسِقًا عِنْد العقد فَالْأَصَحّ أَنه يتَبَيَّن بطلَان النِّكَاح
وَطَرِيق التبين قيام الْبَيِّنَة أَو إِقْرَار الزَّوْجَيْنِ
وَالِاعْتِبَار بقول الشَّاهِدين كُنَّا فاسقين يَوْمئِذٍ
وَلَو اعْترف بِهِ الزَّوْج وَأنْكرت الْمَرْأَة فرق بَينهمَا
وَلَا يقبل قَوْله عَلَيْهَا فِي الْمهْر بل يجب نصفه إِن لم يدْخل بهَا وَتَمَامه إِن كَانَ بعد الدُّخُول
وَيسْتَحب الْإِشْهَاد على رضى الْمَرْأَة حَيْثُ يعْتَبر رِضَاهَا وَلَا يشْتَرط
وَالْمَرْأَة لَا تزوج نَفسهَا بِإِذن الْوَلِيّ ودونه وَلَا غَيرهَا بوكالة وَلَا ولَايَة
وَلَا تقبل النِّكَاح لأحد
وَالْوَطْء فِي النِّكَاح بِلَا ولي يُوجب مهر الْمثل وَلَا يُوجب الْحَد
وَيقبل إِقْرَار الْوَلِيّ بِالنِّكَاحِ إِن كَانَ مُسْتقِلّا بالإنشاء وَإِن لم يكن لم يقبل إِقْرَاره عَلَيْهَا
وَيقبل إِقْرَار الْبَالِغَة الْعَاقِلَة بِالنِّكَاحِ على الْجَدِيد
وَللْأَب تَزْوِيج ابْنَته الْبكر صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة
وَلَا يعْتَبر إِذْنهَا ومراجعتها
وَيسْتَحب أَن يُرَاجِعهَا
وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيج الثّيّب إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِن كَانَت صَغِيرَة لم تزوج حَتَّى تبلغ
وَالْجد كَالْأَبِ عِنْد عَدمه
وَلَا فرق بَين أَن تَزُول الْبكارَة بِالْوَطْءِ الْحَلَال أَو غَيره وَلَا أثر لزوالها بعد الْوَطْء
وَمن على حَاشِيَة النّسَب كالأخ وَالْعم لَا يزوجون الصَّغِيرَة بِحَال
ويزوجون الثّيّب الْبَالِغَة بِصَرِيح الْإِذْن
وَالْحكم فِي الْبكر كَذَلِك أَو بِالسُّكُوتِ بعد الْمُرَاجَعَة
وَيقدم من الْأَوْلِيَاء الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ أَبوهُ ثمَّ الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب ثمَّ ابْنه وَإِن سفل ثمَّ الْعم ثمَّ سَائِر الْعَصَبَات على ترتيبهم فِي الْمِيرَاث
وَالْأَخ من الْأَبَوَيْنِ يقدم على الْأَخ من الْأَب فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَلَا ولَايَة للِابْن بالبنوة
فَإِذا كَانَ ابْن ابْن عَم أَو معتقا أَو قَاضِيا لم تَمنعهُ الْبُنُوَّة من التَّزْوِيج
وَإِذا لم يُوجد أحد من الْأَقَارِب
فالولاية للْمُعْتق ثمَّ لعصباته على تَرْتِيب الْمِيرَاث
ويزوج عتيقة الْمَرْأَة من يُزَوّج الْمُعتقَة مَا دَامَت حَيَّة
وَإِذا مَاتَت فالتزويج لمن لَهُ(2/6)
الْوَلَاء
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا حَاجَة إِلَى رضَا الْمُعتقَة إِن كَانَ التَّزْوِيج فِي حَيَاتهَا
وَإِذا لم يُوجد للْمُعْتق عصبات فالولاية للسُّلْطَان
وَكَذَلِكَ يُزَوّج السُّلْطَان إِذا عضل الْقَرِيب أَو الْمُعْتق
وَإِنَّمَا يحصل لعضل إِذا طلبت الْعَاقِلَة الْبَالِغَة تَزْوِيجهَا من كُفْء فَامْتنعَ
وَلَو عينت كفئا وَأَرَادَ الْأَب تَزْوِيجهَا من غَيره فَلهُ ذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَا يتَعَيَّن من عينته
وَلَا ولَايَة للرقيق وَلَا الصَّبِي وَلَا الْمَجْنُون ومختل النّظر بالهرم أَو الخبل
وَكَذَا السَّفِيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ على الْأَظْهر
وَمهما كَانَ الْأَقْرَب بِبَعْض هَذِه الصِّفَات فالولاية للأبعد
وَالْإِغْمَاء إِن كَانَ مِمَّا لَا يَدُوم غَالِبا كالنوم تنْتَظر إِفَاقَته
وَإِن كَانَ مِمَّا يَدُوم أَيَّامًا
فأقرب الْوَجْهَيْنِ أَن الحكم كَذَلِك
وَالثَّانِي أَنه تنْتَقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد
وَلَا يقْدَح الْعَمى فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالظَّاهِر من أصل الْمَذْهَب أَنه لَا ولَايَة لِلْفَاسِقِ
وَالْكَافِر يَلِي نِكَاح ابْنَته الْكَافِرَة
وإحرام الْمَرْأَة يمْنَع صِحَة النِّكَاح لَكِن لَا تنسلب بِهِ الْولَايَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
ويزوج السُّلْطَان عِنْد إِحْرَام الْوَلِيّ لَا الْأَبْعَد
وَإِذا غَابَ الْأَقْرَب إِلَى مَسَافَة الْقصر زَوجهَا السُّلْطَان
وَإِن كَانَت الْغَيْبَة إِلَى دونهَا
فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنَّهَا لَا تزوج حَتَّى يرجع الْوَلِيّ فيحضر أَو يُوكل
وللولي الْمُجبر التَّوْكِيل بِالتَّزْوِيجِ من غير إِذن الْمَرْأَة
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يشْتَرط تعْيين الزَّوْج
وَالْوَكِيل يحْتَاط
فَلَا يُزَوّج من غير كُفْء
وَأما غير الْمُجبر فَإِن نهته عَن التَّوْكِيل لم يُوكل
وَإِن أَذِنت لَهُ وكل
وَإِن قَالَت لَهُ زَوجنِي فَهَل لَهُ التَّوْكِيل فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا نعم
وَلَا يجوز لَهُ التَّوْكِيل من غير استئذانها فِي النِّكَاح فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَيَقُول وَكيل الْوَلِيّ زوجت بنت فلَان مِنْك وَيَقُول الْوَلِيّ لوكيل الْخَاطِب زوجت بِنْتي من فلَان فَيَقُول وَكيله قبلت نِكَاحهَا لَهُ
وَيجب على الْمُجبر تَزْوِيج الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة وتزويج الْمَجْنُون عِنْد ظُهُور الْحَاجة وَلَا يجب عَلَيْهِ تَزْوِيج الْبِنْت الصَّغِيرَة وَلَا التَّزْوِيج للصَّغِير
وَعَلِيهِ وعَلى غير الْمُجبر إِن(2/7)
كَانَ مُتَعَيّنا الْإِجَابَة إِذا التمست الْمَرْأَة التَّزْوِيج وَإِن لم يكن مُتَعَيّنا كإخوة وأعمام والتمست التَّزْوِيج من بَعضهم
فَكَذَلِك تجب الْإِجَابَة فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَالْأولَى إِذا اجْتمع الْأَوْلِيَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة أَن يُزَوّجهَا أفقههم وأقرؤهم وأسنهم بِرِضا الآخرين
وَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم
وَمَعَ ذَلِك فَلَو زوج غير من خرجت لَهُ الْقرعَة وَقد أَذِنت لكل وَاحِد مِنْهُم
فأصح الْوَجْهَيْنِ صِحَّته
وَإِذا زَوجهَا وَاحِد من زيد وَآخر من عَمْرو وَلم يعرف السَّابِق
فهما باطلان
وَلَو عرف سبق وَاحِد على التَّعْيِين ثمَّ الْتبس وَجب التَّوَقُّف إِلَى أَن يتَبَيَّن الْحَال
فَإِن ادّعى كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ على الْمَرْأَة أَنَّهَا تعلم سبق نِكَاحه سَمِعت دَعْوَاهَا بِنَاء على الصَّحِيح
وَهُوَ قبُول إِقْرَارهَا بِالنِّكَاحِ
وَحِينَئِذٍ فَإِن أنْكرت حَلَفت
وَإِن أقرَّت لأَحَدهمَا ثَبت لَهُ النِّكَاح
وَهل تسمع دَعْوَى الثَّانِي عَلَيْهَا وَهل لَهُ تحليفها يَنْبَنِي على الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد لَا بل لعَمْرو
وللجد أَن يتَوَلَّى طرفِي العقد فِي تَزْوِيج بنت ابْنه من ابْن ابْن آخر
وَابْن الْعم لَا يُزَوّج من نَفسه وَلَكِن يُزَوّجهَا ابْن عَم فِي دَرَجَته
فَإِن لم يكن فِي دَرَجَته زَوجهَا القَاضِي
وَإِن كَانَ الرَّاغِب القَاضِي زَوجهَا من فَوْقه من الْوُلَاة أَو خَلِيفَته
وكما لَا يجوز للْوَاحِد تولى الطَّرفَيْنِ لَا يجوز أَن يُوكل وَكيلا بِأحد الطَّرفَيْنِ أَو وكيلين بالطرفين فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا زوج الْوَلِيّ موليته من غير كُفْء بِرِضَاهَا أَو بعض الْأَوْلِيَاء المستوين بِرِضَاهَا ورضا البَاقِينَ
صَحَّ النِّكَاح
وَلَو زَوجهَا الْأَقْرَب مِنْهُ بِرِضَاهَا لم يكن للأبعد اعْتِرَاض
وَلَو زَوجهَا أحد الْأَوْلِيَاء بِرِضَاهَا دون رضى الآخرين
فَهَل يبطل النِّكَاح أَو يَصح وَلَهُم الِاعْتِرَاض بِالْفَسْخِ فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا الأول
وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيج الْبكر الصَّغِيرَة والبالغة من غير كُفْء بِغَيْر رِضَاهَا
فَيبْطل فِي أصَحهمَا وَيصِح فِي الآخر
وللبالغة الْخِيَار
وللصغيرة إِذا بلغت فِي القَوْل الثَّانِي
وَالَّتِي يَلِي أمرهَا السُّلْطَان إِذا التمست تَزْوِيجهَا من غير كُفْء فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يجيبها إِلَيْهِ(2/8)
وخصال الْكَفَاءَة هِيَ السَّلامَة من الْعُيُوب الَّتِي يثبت بهَا الْخِيَار
فَمن بِهِ بَعْضهَا لَا يكون كفئا للسليمة مِنْهَا
وَالْحريَّة
فالرقيق لَيْسَ بكفء لحرة أَصْلِيَّة كَانَت أَو عتيقة
والعتيق لَيْسَ كفئا للْحرَّة الْأَصْلِيَّة
وَالنّسب فالعجمي لَيْسَ كفئا للعربية وَغير الْقرشِي لَيْسَ كفئا للقرشية وَغير الْهَاشِمِي لَيْسَ كفئا للهاشمية والمطلبي للهاشمية والمطلبية
وَالظَّاهِر اعْتِبَار النّسَب فِي الْعَجم كَمَا يعْتَبر فِي الْعَرَب
والعفة
فالفاسق لَيْسَ كفئا للعفيفة
والحرفة
فأصحاب الحرفة الدنيئة لَيْسُوا بأكفاء للأشراف وَسَائِر المحترفة
والكناس والحجام وقيم الْحمام والحارس لَا يكافئون ابْنة الْخياط
والخياط لَا يكافىء ابْنة التَّاجِر وَالْبَزَّاز
وهما لَا يكافئان ابْنة الْعَالم وَالْقَاضِي
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ أَن الْيَسَار لَا يعْتَبر فِي خِصَال الْكَفَاءَة
فَإِن بعض الْخِصَال لَا يُقَابل بِبَعْض
وَلَا يجوز للْأَب أَن يقبل لِابْنِهِ الصَّغِير نِكَاح الْأمة
وَالْأَظْهَر أَنه لَا يقبل نِكَاح المعيبة أَيْضا وَأَنه لَا يجوز أَن يقبل نِكَاح من لَا تكافئه من سَائِر الْوُجُوه
وَالْمَجْنُون الصَّغِير لَا يُزَوّج أَلْبَتَّة
وَكَذَا الْكَبِير إِلَّا أَن تَدْعُو الْحَاجة إِلَى التَّزْوِيج مِنْهُ
وَإِذا جَازَ التَّزْوِيج مِنْهُ فَلَا يُزَاد على وَاحِدَة
وَيجوز أَن يُزَوّج من الصَّغِير الْعَاقِل أَكثر من وَاحِدَة
والمجنونة يُزَوّجهَا الْأَب وَالْجد صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة بكرا أَو ثَيِّبًا
وَيَكْفِي فِي تَزْوِيجهَا ظُهُور الْمصلحَة
وَلَا تشْتَرط الْحَاجة
وَالَّتِي لَا أَب لَهَا وَلَا جد لَا تزوج إِن كَانَت صَغِيرَة
وَإِن كَانَت بَالِغَة
فَالْأَظْهر أَنه لَا يُزَوّجهَا إِلَّا السُّلْطَان
وَإِنَّمَا يُزَوّجهَا للْحَاجة دون الْمصلحَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
والمحجور عَلَيْهِ بالسفه لَا يسْتَقلّ بِالنِّكَاحِ بل يتَزَوَّج بِإِذن الْوَلِيّ أَو يقبل لَهُ الْوَلِيّ النِّكَاح
فَإِذا أذن لَهُ وَعين امْرَأَة لم ينْكح غَيرهَا
وينكحها بِمهْر الْمثل أَو بِمَا دونه فَإِن زَاد صَحَّ النِّكَاح على الْأَصَح ورد إِلَى مهر الْمثل
وَلَو قَالَ انكح بِأَلف وَلم يعين امْرَأَة بِالذَّاتِ وَلَا بالنوع
نكح امْرَأَة بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من مهر الْمثل(2/9)
وَلَو أطلق الْإِذْن فَالْأَصَحّ صِحَّته
وينكح بِمهْر الْمثل من تلِيق بِهِ وَلَو قبل الْوَلِيّ النِّكَاح لَهُ
فَيحْتَاج إِلَى اسْتِئْذَانه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَيقبل بِمهْر الْمثل أَو بِمَا دونه
فَإِن زَاد بَطل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَصَحَّ بِمهْر الْمثل فِي أصَحهمَا
وَإِن نكح السَّفِيه بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ فَالنِّكَاح بَاطِل
وَإِذا دخل بهَا فَيجب مهر الْمثل أَو أقل مَا يتمول أَو لَا يجب شَيْء فِيهِ وُجُوه
رجح مِنْهَا الثَّالِث
والمحجور عَلَيْهِ بالفلس لَهُ أَن ينْكح لَكِن لَا يصرف مَا فِي يَده إِلَى مُؤَن النِّكَاح بل يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ
وَنِكَاح العَبْد بِغَيْر إِذن السَّيِّد بَاطِل وبإذنه صَحِيح
وَيجوز أَن يُطلق الْإِذْن وَأَن يُقيد بِامْرَأَة بِعَينهَا أَو بِوَاحِدَة من الْقَبِيلَة أَو الْبَلدة
وَلَا يعدل العَبْد عَمَّا أذن لَهُ فِيهِ
وَلَيْسَ للسَّيِّد إِجْبَار العَبْد على النِّكَاح فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَلَا تلْزمهُ الْإِجَابَة إِذا طلب العَبْد النِّكَاح فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَله إِجْبَار أمته على النِّكَاح صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا
وَلَا يلْزمه التَّزْوِيج إِذا طلبته إِن كَانَت مِمَّن تحل لَهُ
وَكَذَا إِن لم تكن فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا زوج السَّيِّد أمته فيزوجها بِالْملكِ أَو بِالْولَايَةِ فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا الأول حَتَّى يُزَوّج الْفَاسِق أمته
وَلَو سلبناه الْولَايَة بِالْفِسْقِ
ويزوج الْمُسلم أمته الْكِتَابِيَّة ويزوج الْمكَاتب أمته
فَائِدَة يُقَال زوج للرجل وَالْمَرْأَة
وَأما زَوْجَة فقليل
وَنقل الْفراء أَنَّهَا لُغَة تَمِيم
وَأنْشد قَول الفرزدق وَإِن الَّذِي يسْعَى ليفسد زَوْجَتي كساع إِلَى أَسد الشرى يستميلها وَفِي الحَدِيث عَن عمار بن يَاسر فِي حق عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَالله إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ذكره البُخَارِيّ
وَاخْتَارَهُ الْكسَائي
فرع يجوز للْمُسلمِ أَن يُزَوّج الْكَافِر كَافِرَة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع إِذا لم يكن لَهَا ولي من النّسَب يُزَوّجهَا الْحَاكِم
وَإِذا كَانَ لمُسلم أمة كارة يُزَوّجهَا وَليهَا الْمُسلم من كَافِر
لغز امْرَأَة يُزَوّجهَا الْحَاكِم مَعَ حُضُور الْأَخ الرشيد وَهُوَ غير عاضل وَلَا محرم
وَهِي الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة
مَسْأَلَة رجل زوج أمه وَهِي بكر بِولَايَة صَحِيحَة
مَا صورته(2/10)
الْجَواب هَذَا صَغِير لَهُ أُخْت بَالِغَة نزل لَهَا لبن
فرضع مِنْهُ أَخُوهَا
فَلَمَّا كبر الابْن زوج أُخْته
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن النِّكَاح من الْعُقُود الشَّرْعِيَّة المنسوبة بِأَصْل الشَّرْع
وَاتفقَ الْأَئِمَّة على أَن من تاقت نَفسه إِلَيْهِ وَخَافَ الْعَنَت وَهُوَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يتَأَكَّد فِي حَقه وَيكون أفضل لَهُ من الْجِهَاد وَالْحج وَصَلَاة التَّطَوُّع وَصَوْم التَّطَوُّع
وَالنِّكَاح مُسْتَحبّ لمحتاج إِلَيْهِ يجد أهبته عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد مَتى تاقت نَفسه إِلَيْهِ وخشي الْعَنَت وَجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة باستحبابه مُطلقًا بِكُل حَال
وَهُوَ عِنْده أفضل من الِانْقِطَاع لِلْعِبَادَةِ
وَقَالَ دَاوُد بِوُجُوب النِّكَاح على الرجل وَالْمَرْأَة مرّة فِي الْعُمر مُطلقًا
وَإِذا قصد نِكَاح امْرَأَة سنّ نظره إِلَى وَجههَا وكفيها بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ دَاوُد بِجَوَازِهِ إِلَى سَائِر جَسدهَا سوى السوأتين
وَالأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي جَوَاز النّظر إِلَى فرج الزَّوْجَة وَالْأمة وَعَكسه
وَبِذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد
ومملوك الْمَرْأَة نَص الشَّافِعِي على أَنه محرم عَلَيْهَا
فَيجوز نظره إِلَيْهَا
وَهَذَا هُوَ الْأَصَح عِنْد جُمْهُور أَصْحَابه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَن العَبْد لَا يكون محرما لسيدته
وَقَالَ النَّوَوِيّ هَذَا هُوَ الصَّوَاب بل يَنْبَغِي أَن لَا يجْرِي فِيهِ خلاف بل يقطع بِتَحْرِيمِهِ
وَالْقَوْل بِأَنَّهُ محرم لَهَا لَيْسَ لَهُ دَلِيل ظَاهر
فَإِن الصَّوَاب فِي الْآيَة أَنَّهَا فِي الْإِمَاء
وَلَا يَصح النِّكَاح إِلَّا من جَائِز التَّصَرُّف
عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح نِكَاح الصَّبِي وَالسَّفِيه مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ
وَيجوز للْوَلِيّ غير الْأَب أَن يُزَوّج الْيَتِيم قبل بُلُوغه إِذا كَانَ مُضْطَرّا لَهُ كَالْأَبِ عِنْد الثَّلَاثَة
وَمنع الشَّافِعِي من هَذَا(2/11)
وَلَا يَصح نِكَاح العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ مَالك يَصح وللولي فَسخه عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ
فصل وَلَا يَصح النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا بولِي
ذكر
فَإِن عقدت الْمَرْأَة النِّكَاح لَا يَصح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج بِنَفسِهَا وَأَن تُؤْكَل فِي نِكَاحهَا إِذا كَانَت من أهل التَّصَرُّف فِي مَالهَا وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهَا إِلَّا أَن تضع نَفسهَا فِي غير كُفْء فيعترض الْوَلِيّ عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك إِن كَانَت ذَات شرف وجمال يرغب فِي مثلهَا لم يَصح نِكَاحهَا إِلَّا بولِي
وَإِن كَانَت بِخِلَاف ذَلِك
جَازَ أَن يتَوَلَّى نِكَاحهَا أَجْنَبِي بِرِضَاهَا
وَقَالَ دَاوُد إِن كَانَت بكرا لم يَصح نِكَاحهَا بِغَيْر ولي
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا صَحَّ
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو يُوسُف يَصح إِن تزوجت بِإِذن وَليهَا وَإِن تزوجت بِنَفسِهَا أَو ترافعا إِلَى حَاكم حَنَفِيّ حكم بِصِحَّتِهِ نفذ
وَلَيْسَ للشَّافِعِيّ نقضه إِلَّا عِنْد أبي سعيد الأصطخري
فَإِن وَطئهَا قبل الحكم فَلَا حد عَلَيْهِ
إِلَّا عِنْد أبي بكر الصَّيْرَفِي إِن اعْتقد تَحْرِيمه
وَإِن طَلقهَا قبل الحكم لم يَقع إِلَّا عِنْد أبي إِسْحَاق الْمروزِي احْتِيَاطًا
فَإِن كَانَت الْمَرْأَة فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ حَاكم وَلَا ولي
فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا تزوج نَفسهَا
وَالثَّانِي ترد أمرهَا إِلَى رجل من الْمُسلمين يُزَوّجهَا
وَقَالَ المستظهري وَهَذَا لَا يَجِيء على أصلنَا
وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق يخْتَار فِي مثل هَذَا أَن يحكم فَقِيها من أهل الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك بِنَاء على التَّحْكِيم فِي النِّكَاح
فصل وَتَصِح الْوَصِيَّة بِالنِّكَاحِ عِنْد
مَالك وَيكون الْوَصِيّ أولى من الْوَلِيّ بذلك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن القَاضِي يُزَوّج
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ولَايَة لوصي مَعَ ولي لِأَن عارها لَا يلْحقهُ
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي وَهَذَا الْإِطْلَاق فِي الْقَلِيل فَاسد
فالحاكم إِذا زوج الْمَرْأَة لَا يلْحقهُ مَا قَالَه
فصل وَتجوز الْوكَالَة فِي النِّكَاح
وَقَالَ أَبُو ثَوْر لَا تدخل الْوكَالَة فِيهِ
وَالْجد أولى من الْأَخ
وَقَالَ مَالك الْأَخ أولى من الْأَب وَالأُم أولى من الْأَخ للْأَب عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أصح قوليه
وَقَالَ مَالك هما سَوَاء
وَلَا ولَايَة للِابْن على أمه بالبنوة(2/12)
عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تثبت لَهُ الْولَايَة
وَقدمه مَالك وَأَبُو يُوسُف على الْأَب
وَقَالَ أَحْمد الْأَب أولى
وَفِي الْجد عَنهُ رِوَايَتَانِ
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
فصل وَلَا ولَايَة لِلْفَاسِقِ
عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَمن أَصْحَابه من قَالَ إِن كَانَ الْوَلِيّ أَبَا أَو جدا فَلَا ولَايَة لَهُ مَعَ الْفسق وَإِن كَانَ غَيرهمَا من الْعَصَبَات تثبت لَهُ الْولَايَة مَعَ الْفسق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد إِن كَانَت الْعصبَة مُنْقَطِعَة انْتَقَلت الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد
وَإِن كَانَت غير مُنْقَطِعَة لم تنْتَقل
والمنقطع عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد هُوَ الْغَيْبَة فِي مَكَان لَا تصل إِلَيْهِ الْقَافِلَة فِي السّنة إِلَّا مرّة وَاحِدَة
وَإِذا غَابَ الْوَلِيّ عَن الْبكر وخفي خَبره وَلم يعلم لَهُ مَكَان
قَالَ مَالك يُزَوّجهَا أَخُوهَا بِإِذْنِهَا
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه خلافًا للشَّافِعِيّ
فصل وَللْأَب وَالْجد تَزْوِيج الْبكر
بِغَيْر رِضَاهَا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة
وَبِه قَالَ مَالك فِي الْأَب
وَهُوَ أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَالْجد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغَة الْعَاقِلَة بِغَيْر رِضَاهَا
لَا يجوز لأحد بِحَال
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يثبت للْجدّ ولَايَة الْإِجْبَار
وَلَا يجوز لغير الْأَب تَزْوِيج الصَّغِيرَة حَتَّى تبلغ وتأذن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لسَائِر الْعَصَبَات تَزْوِيجهَا غير أَنه لَا يلْزم العقد فِي حَقّهَا
فَيثبت لَهَا الْخِيَار إِذا بلغت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يلْزمهَا عقدهم
فصل وَالْبكْر إِذا ذهبت بَكَارَتهَا بِوَطْء
وَلَو حَرَامًا لم يجز تَزْوِيجهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا إِن كَانَت بَالِغَة
وَإِن كَانَت صَغِيرَة فَمَتَى تبلغ وتأذن
فعلى هَذَا إِذا زَالَت الْبكارَة قبل بُلُوغهَا لم تتَزَوَّج عِنْد الشَّافِعِي حَتَّى تبلغ سَوَاء كَانَ المزوج أَبَا أَو غَيره
وَقَالَ أَحْمد إِذا بلغت تسع سِنِين صَحَّ إِذْنهَا فِي النِّكَاح وَغَيره
وَالرجل إِذا كَانَ هُوَ الْوَلِيّ للْمَرْأَة إِمَّا بِنسَب أَو وَلَاء أَو حكم
كَانَ لَهُ أَن يُزَوّج نَفسه مِنْهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك على الْإِطْلَاق
وَقَالَ أَحْمد يُوكل غَيره كَيْلا يكون مُوجبا قَابلا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز لَهُ الْقبُول بِنَفسِهِ وَلَا يُوكل غَيره
بل يُزَوجهُ حَاكم غَيره وَلَو خَلِيفَته
وَعَن بعض أَصْحَابه الْجَوَاز
وَبِه عمل أَبُو يحيى الْبَلْخِي قَاضِي دمشق
فَإِنَّهُ تزوج امْرَأَة ولي أمرهَا من نَفسه
وَكَذَلِكَ من أعتق أمته ثمَّ أَذِنت لَهُ فِي نِكَاحهَا من نَفسه جَازَ لَهُ عِنْد أبي حنيفَة(2/13)
وَمَالك أَن يَلِي نِكَاحهَا من نَفسه
وَكَذَلِكَ من لَهُ بنت صَغِيرَة يجوز لَهُ أَن يُوكل من خطبهَا مِنْهُ فِي تَزْوِيجهَا من نَفسه عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وصاحبيه
فصل وَإِذا اتّفق الْأَوْلِيَاء
وَالْمَرْأَة على نِكَاح غير الْكُفْء صَحَّ العقد عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَحْمد لَا يَصح
وَإِذا زَوجهَا أحد الْأَوْلِيَاء بِرِضَاهَا من غير كُفْء لم يَصح عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك اتِّفَاق الْأَوْلِيَاء وَاخْتِلَافهمْ سَوَاء
وَإِذا أَذِنت فِي تَزْوِيجهَا الْمُسلم
فَلَيْسَ لوَاحِد من الْأَوْلِيَاء الِاعْتِرَاض على ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزم النِّكَاح
فصل والكفاءة عِنْد الشَّافِعِي
فِي خَمْسَة الدّين وَالنّسب والصنعة وَالْحريَّة والخلو من الْعَيْب
وَشرط بعض أَصْحَابه الْيَسَار
وَقَول أَبُو حنيفَة كَقَوْل الشَّافِعِي لكنه لم يعْتَبر الْخُلُو من الْعَيْب
وَلم يعْتَبر مُحَمَّد بن الْحسن الدّيانَة فِي الْكَفَاءَة إِلَّا أَن يكون يسكر وَيخرج فيسخر مِنْهُ الصّبيان
وَعند مَالك أَنه قَالَ الْكَفَاءَة فِي الدّين لَا غير
قَالَ ابْن أبي ليلى الْكَفَاءَة فِي الدّين وَالنّسب وَالْمَال
وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف والمكسب
وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَة كمذهب الشَّافِعِي
وَأُخْرَى أَنه يعْتَبر الدّين والصنعة
ولأصحاب الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي السن وَجْهَان
كالشيخ مَعَ الشَّابَّة
وأصحهما أَنه لَا يعْتَبر
وَهل فقد الْكَفَاءَة يُؤثر فِي بطلَان النِّكَاح أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يُوجب للأولياء حق الِاعْتِرَاض
وَقَالَ مَالك يبطل النِّكَاح
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا الْبطلَان إِلَّا إِذا حصل مَعَه رضى الزَّوْجَة والأولياء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا الْبطلَان
وَإِذا طلبت الْمَرْأَة التَّزْوِيج من كُفْء بِدُونِ مهر مثلهَا لزم الْوَلِيّ إجابتها عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه ذَلِك
وَنِكَاح من لَيْسَ بكفء فِي النّسَب غير محرم بالِاتِّفَاقِ
وَإِذا زوج الْأَب وَالْجد الصَّغِيرَة بِدُونِ مهر مثلهَا بلغ بِهِ مهر الْمثل عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ قع أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد يلْزم مَا سَمَّاهُ(2/14)
وَإِذا كَانَ الْأَقْرَب من أهل الْولَايَة مَوْجُودا فَزَوجهَا الْأَبْعَد لم يَصح عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك يَصح إِلَّا فِي الْأَب فِي حق الْبكر وَالْوَصِيّ
فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الْأَرْبَعَة التَّزْوِيج
وَإِذا زوج الْمَرْأَة وليان بِإِذْنِهَا من رجلَيْنِ وَعلم السَّابِق
فَالثَّانِي بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك إِن دخل بهَا الثَّانِي مَعَ الْجَهْل بِحَال الأول
بَطل الأول
وَصَحَّ الثَّانِي
وَإِن لم يعلم السَّابِق بطلا
وَإِذا قَالَ رجل فُلَانَة زَوْجَتي وصدقته ثَبت النِّكَاح باتفاقهما عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك لَا يثبت النِّكَاح حَتَّى يرى دَاخِلا وخارجا من عِنْدهَا إِلَّا أَن يكون فِي سفر
فصل وَلَا يَصح النِّكَاح إِلَّا
بِشَهَادَة عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك يَصح من غير شَهَادَة إِلَّا أَنه اعْتبر الإشاعة وَترك التواصي على الكتمان حَتَّى لَو عقد فِي السِّرّ وَاشْترط كتمان النِّكَاح فسخ عِنْد مَالك
وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يضر كتمانهم مَعَ حُضُور الشَّاهِدين وَلَا يثبت النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ ذكرين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وبشهادة فاسقين
وَإِذا تزوج مُسلم ذِمِّيَّة لم ينْعَقد النِّكَاح إِلَّا بِشَهَادَة مُسلمين عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد بذميين
وَالْخطْبَة فِي النِّكَاح لَيست بِشَرْط عِنْد جَمِيع الْفُقَهَاء إِلَّا دَاوُد
فَإِنَّهُ قَالَ بِاشْتِرَاط الْخطْبَة عِنْد العقد مستدلا بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فصل وَلَا يَصح النِّكَاح عِنْد
الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا بِلَفْظ التَّزْوِيج والإنكاح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد بِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك على التأييد فِي حَال الْحَيَاة وَقد رُوِيَ عَنهُ فِي لفظ الْإِجَارَة رِوَايَتَانِ
وَقَالَ مَالك ينْعَقد بذلك مَعَ ذكر الْمهْر
وَإِذا قَالَ زوجت بِنْتي من فلَان فَبَلغهُ
فَقَالَ قبلت النِّكَاح لم يَصح عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح وَيكون قَوْله زوجت فلَانا جَمِيع العقد
وَلَو قَالَ زَوجتك بِنْتي فَقَالَ قبلت فللشافعي قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يَصح حَتَّى يَقُول قبلت نِكَاحهَا
وَالثَّانِي يَصح
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد(2/15)
وَلَا يجوز للْمُسلمِ أَن يتَزَوَّج كِتَابِيَّة بِولَايَة كتابي عِنْد أَحْمد
وَأَجَازَهُ الثَّلَاثَة
فصل وَللسَّيِّد إِجْبَار عَبده الْكَبِير على النِّكَاح
عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وعَلى الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي
وَلَا يملك ذَلِك عِنْد أَحْمد وعَلى الْجَدِيد من قولي الشَّافِعِي وَيجْبر السَّيِّد على بيع العَبْد أَو إنكاحه إِذا طلب مِنْهُ الْإِنْكَاح فَامْتنعَ عِنْد أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجْبر
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين أصَحهمَا لَا يجْبر
وَلَا يلْزم الابْن إعفاف أَبِيه وَهُوَ إنكاحه إِذا طلب النِّكَاح عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَأظْهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه يلْزمه
وَهُوَ نَص الشَّافِعِي
قَالَ محققو أَصْحَابه بِشَرْط حريَّة الْأَب
وَكَذَلِكَ عِنْده يلْزم إعفاف الْأَحْرَار من جِهَة الْأَب وَكَذَا من جِهَة الْأُم
فصل وَيجوز للْوَلِيّ أَن يُزَوّج أم وَلَده
بِغَيْر رِضَاهَا عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَللشَّافِعِيّ فِي ذَلِك أَقْوَال
أَصَحهَا كمذهب أبي حنيفَة وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ وَلَو قَالَ أعتقت أمتِي وَجعلت عتقهَا صَدَاقهَا بِحَضْرَة شَاهِدين
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ النِّكَاح غير مُنْعَقد
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب الْجَمَاعَة
وَالثَّانيَِة الِانْعِقَاد
وَثُبُوت الْعتْق صَحِيح بِالْإِجْمَاع
وَلَو قَالَت الْأمة لسَيِّدهَا أعتقني على أَن أتزوجك وَيكون عتقي صَدَاقي فَأعْتقهَا
قَالَ الْأَرْبَعَة يَصح الْعتْق
وَأما النِّكَاح فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ هِيَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَت تزوجته وَإِن شَاءَت لم تتزوجه
وَيكون لَهَا إِن اخْتَارَتْ صدَاق مُسْتَأْنف
فَإِن كرهته فَلَا شَيْء عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ قيمَة نَفسهَا
وَقَالَ أَحْمد تصير حرَّة
ويلزمها قيمَة نَفسهَا
وَإِن تَرَاضيا بِالْعقدِ كَانَ الْعتْق مهْرا وَلَا شَيْء لَهَا سَوَاء
انْتهى
بَاب مَا يحرم من النِّكَاح
يحرم نِكَاح الْأُمَّهَات
وكل أُنْثَى وَلدتك أَو ولدت من وَلدتك فَهِيَ أمك
وَيحرم نِكَاح الْبَنَات
وكل أُنْثَى ولدتها أَو ولدت من وَلَدهَا فَهِيَ بنتك إِلَّا الْبِنْت المخلوقة من مَاء الزِّنَا
وَإِذا ولدت من الزِّنَا لم يحل لَهَا نِكَاح وَلَدهَا
وَنِكَاح الْأَخَوَات وَبَنَات الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَنِكَاح العمات
وكل أُنْثَى هِيَ أُخْت ذكر(2/16)
ولدك فَهِيَ عَمَّتك
وَنِكَاح الخالات
وكل أُنْثَى هِيَ أُخْت أُنْثَى وَلدتك
فَهِيَ خالتك
وَهَؤُلَاء السَّبع يحرمن من الرَّضَاع كَمَا يحرمن من النّسَب
وكل امْرَأَة أَرْضَعتك أَو أرضعت من أَرْضَعتك أَو من ولدك أَو ولدت مرضعتك أَو من لَبنهَا مِنْهُ فَهِيَ أم من الرَّضَاع
وعَلى هَذَا قِيَاس سَائِر الْأَصْنَاف
وَإِذا أرضعت أَجْنَبِيَّة أَخَاك لم تحرم عَلَيْك
وَإِن حرمت أم الْأَخ فِي النّسَب وَكَذَلِكَ إِذا أرضعت أَجْنَبِيَّة ولدك لم تحرم أمهَا وَلَا بنتهَا عَلَيْك
وَإِن كَانَت تحرم جدة الْوَلَد وَأُخْته فِي النّسَب
وَلَا تحرم أُخْت الْأَخ فِي النّسَب وَلَا فِي الرَّضَاع
وَصورتهَا أَن ترضعك امْرَأَة وترضع صَغِيرَة أَجْنَبِيَّة مِنْك يجوز لأخيك نِكَاحهَا
وَيحرم من جِهَة الْمُصَاهَرَة بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح أُمَّهَات الزَّوْجَة من الرَّضَاع وَالنّسب
وَالْوَطْء فِي ملك الْيَمين يحرم الْمَوْطُوءَة على ابْن الواطىء وَأَبِيهِ وَأمّهَا وبنتها على الواطىء
وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ إِذا شملت الشُّبْهَة الرجل وَالْمَرْأَة
وَإِن اخْتصّت بِأَحَدِهِمَا فَكَذَلِك فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالِاعْتِبَار بِالرجلِ فِي أصَحهمَا حَتَّى يثبت التَّحْرِيم إِذا اشْتبهَ الْحَال عَلَيْهِ
وَالزِّنَا لَا يثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة
وَلَا يلْحق سَائِر المباشرات بِالْوَطْءِ على الْأَصَح
وَإِذا اخْتلطت محرم بأجنبيات معدودات لم ينْكح وَاحِدَة مِنْهُنَّ
وَإِذا اخْتلطت بنساء بَلْدَة أَو قَرْيَة كَبِيرَة لم يحرم عَلَيْهِ النِّكَاح مِنْهُنَّ
وَمَا يثبت التَّحْرِيم المؤبد إِذا طَرَأَ على النِّكَاح قطعه
وَذَلِكَ كَمَا إِذا وطىء مَنْكُوحَة الرجل ابْنه أَو أَبوهُ بِالشُّبْهَةِ
وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ من النّسَب وَالرّضَاع حرَام
فَإِذا نكح أُخْتَيْنِ مَعًا فالنكاحان باطلان
وَإِن نكحهما على التَّرْتِيب فَالثَّانِي بَاطِل
وَكَذَلِكَ يحرم الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَينهَا وَبَين خَالَتهَا من النّسَب وَالرّضَاع
وكل امْرَأتَيْنِ يحرم الْجمع بَينهمَا فِي النِّكَاح يحرم الْجمع بَينهمَا فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين
وَلَا يحرم الْجمع فِي الْملك
وَإِذا ملك أُخْتَيْنِ فوطىء إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى إِلَّا أَن يحرم الأولى إِمَّا بِإِزَالَة الْملك بِالْبيعِ أَو غَيره أَو إِزَالَة الْحل بِالتَّزْوِيجِ وَالْكِتَابَة
وَلَو عرض الْحيض أَو الْإِحْرَام لم(2/17)
يكف
وَكَذَا الرَّهْن فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا ملك إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ثمَّ نكح الْأُخْرَى صَحَّ النِّكَاح
وحلت الْمَنْكُوحَة وَحرمت الأولى
وَلَو كَانَ فِي نِكَاحه إِحْدَاهمَا ثمَّ ملك الْأُخْرَى فَهِيَ حرَام عَلَيْهِ
والمنكوحة حَلَال كَمَا كَانَت
وَلَا يجمع الْحر فِي النِّكَاح بَين أَكثر من أَربع نسْوَة وَلَا العَبْد بَين أَكثر من اثْنَتَيْنِ
فَلَو نكح الْحر خمْسا مَعًا بَطل نِكَاح الْحر أَو نكحهن على التَّرْتِيب بَطل نِكَاح الْخَامِسَة
إِذا طلقهن أَو بَعضهنَّ طَلَاقا بَائِنا
وَلَا يجوز إِذا كَانَ رَجْعِيًا حَتَّى تبين
وَكَذَا نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت
4 - فرع لما خص الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بوحيه
وَأَبَان بَينه وَبَين خلقه بِمَا فرض عَلَيْهِم من طَاعَته افْترض عَلَيْهِ أَشْيَاء خففها على خلقه ليزيده بهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى قربَة
وأباح لَهُ أَشْيَاء حظرها على غَيره زِيَادَة فِي كرامته وتبيينا لفضله
وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص بِأَحْكَام فِي النِّكَاح وَغَيره لم يُشَارِكهُ غَيره فِيهَا
مِنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُبِيح لَهُ أَن ينْكح من النِّسَاء أَي عدد شَاءَ
وَحكى الطَّبَرِيّ فِي الْعدة وَجها آخر أَنه لم يبح لَهُ أَن يجمع بَين أَكثر من تسع
وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نكح ثَمَان عشرَة امْرَأَة
وَقيل بل خمس عشرَة وَجمع بَين أَربع عشرَة
وَقيل بَين إِحْدَى عشرَة
وَمَات عَن تسع عَن عَائِشَة بنت أبي بكر وَحَفْصَة بنت عمر وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث وَصفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب وَزَيْنَب بنت جحش الْكَلْبِيَّة
فَهَؤُلَاءِ ثَمَان نسْوَة
وَكَانَ يقسم لَهُنَّ إِلَى أَن مَاتَ
والتاسعة سَوْدَة بنت زَمعَة
كَانَت وهبت لَيْلَتهَا لعَائِشَة
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رغب فِي نِكَاح امْرَأَة مُزَوّجَة
وَعلم زَوجهَا بذلك وَجب عَلَيْهِ أَن يطلقهَا
كامرأة زيد بن حَارِثَة
انْتهى
وَإِذا طلق الْحر زَوجته ثَلَاثًا قبل الدُّخُول أَو بعده لم يحل لَهُ نِكَاحهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره وَيدخل بهَا وتنقضي عدتهَا مِنْهُ بعد أَن يفارقها
والطلقتان من العَبْد كالثلاث من الْحر
وَيشْتَرط للْحلّ أَن يُصِيب مِنْهَا الثَّانِي فِي نِكَاح صَحِيح فِي أصح الْقَوْلَيْنِ(2/18)
وَفِي الثَّانِي يحصل الْحل بالإصابة فِي الْفَاسِد أَيْضا
وَالْمُعْتَبر تغييب الْحَشَفَة أَو مقدارها من مَقْطُوع الْحَشَفَة
وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ أَنه يشْتَرط انتشار الْآلَة
فَلَا يَكْفِي إِصَابَة الطِّفْل
فَلَو نَكَحَهَا الزَّوْج الثَّانِي بِشَرْط أَن لَا نِكَاح بَينهمَا وَإِذا أَصَابَهَا بَانَتْ مِنْهُ
فَالنِّكَاح بَاطِل
وَكَذَا إِذا نَكَحَهَا على شَرط أَن يطلقهَا حِينَئِذٍ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَلَا ينْكح الرجل الَّتِي يملكهَا كلهَا أَو بَعْضهَا
وَلَو ملك زَوجته أَو بَعْضهَا انْفَسَخ النِّكَاح
وَكَذَلِكَ لَا تنْكح الْمَرْأَة من تملك كُله أَو بعضه
وَلَا ينْكح مَمْلُوكَة الْغَيْر إِلَّا بِشُرُوط
أَحدهَا أَن لَا يكون تَحْتَهُ حرَّة
والأحوط الْمَنْع
وَإِن كَانَت لَا تصلح للاستمتاع
وَالثَّانِي أَن لَا يقدر على نِكَاح حرَّة إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يجد صَدَاقهَا أَو لِأَنَّهُ لَا يجد امْرَأَة ينْكِحهَا
وَلَو قدر على نِكَاح حرَّة غَائِبَة
فَلهُ نِكَاح الْأمة إِن كَانَت تلْحقهُ مشقة ظَاهِرَة بِالْخرُوجِ إِلَيْهَا أَو كَانَ لَا يَأْمَن من الْوُقُوع فِي الزِّنَا فِي مُدَّة قطع الْمسَافَة وَإِلَّا لم ينْكِحهَا
وَلَو قدر على نِكَاح حرَّة رتقاء أَو صَغِيرَة فعلى الْخلاف الْمَذْكُور فِيمَا إِذا كَانَت تَحْتَهُ حرَّة لَا تصلح للاستمتاع
وَالأَصَح أَنه لَا يملك نِكَاح الْأمة إِن وجد حرَّة ترْضى بِمهْر مُؤَجل
وَالثَّالِث أَن يخَاف الْوُقُوع فِي الزِّنَا
فَإِن قدر على شِرَاء جَارِيَة يتسراها لم ينْكح الْأمة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالرَّابِع أَن تكون الْأمة الَّتِي ينْكِحهَا مسلمة
وَلَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة
وَالأَصَح أَنه يجوز أَن ينْكح الْحر وَالْعَبْد الكتابيان الْأمة الْكِتَابِيَّة
وَأَن العَبْد الْمُسلم لَا ينْكِحهَا
وَالَّتِي تبعض فِيهَا الرّقّ وَالْحريَّة فَهِيَ كالرقيقة حَتَّى لَا ينْكِحهَا الْحر إِلَّا بالشرائط الْمَذْكُورَة
وَلَو نكح الْحر الْأمة ثمَّ أيسر أَو نكح حرَّة لم يَنْفَسِخ نِكَاح الْأمة
وَلَو جمع من لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة بَين حرَّة وَأمة فِي عقد وَاحِد بَطل نِكَاح الْأمة
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ صِحَة نِكَاح الْحرَّة(2/19)
وَقَالَ صَاحب التَّتِمَّة إِذا طلق زَوجته الْأمة ثَلَاثًا ثمَّ اشْتَرَاهَا
هَل تحل لَهُ بِملك الْيَمين أم لَا فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله وَتلك حُدُود الله يبينها لقوم يعلمُونَ} وَذَلِكَ اقْتضى التَّحْرِيم على الْإِطْلَاق
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي الرجل يُطلق الْأمة ثَلَاثًا ثمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهَا لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَالثَّانِي يحل
لِأَن حكم ملك الْيَمين أوسع من حكم النِّكَاح
وَلِهَذَا لم ينْحَصر الْعدَد فِي ملك الْيَمين
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْأمة الْكِتَابِيَّة لَا تحل بِالنِّكَاحِ وَتحل بِملك الْيَمين
وَالْأمة مَحْمُولَة على الاستباحة بِحكم النِّكَاح
فَائِدَة من تَحْرِير التَّنْبِيه
قَالَ الواحدي أَكثر اسْتِعْمَال الْعَرَب فِي الآدميات الْأُمَّهَات وَفِي غَيْرهنَّ من الْحَيَوَانَات الأمات بِحَذْف الْهَاء
وَجَاء فِي الآدميات الأمات بحذفها
وَفِي غَيْرهنَّ إِثْبَاتهَا
وَيُقَال فِي الْأُم أمة وَالْهَاء فِي أمة وَأُمَّهَات زَائِدَة عِنْد الْجُمْهُور
وَقيل أَصْلِيَّة
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الأَصْل أم ثمَّ يُقَال فِي الندا يَا أُمَّاهُ
فَيدْخلُونَ هَاء السكت عَلَيْهَا
وَبَعض الْعَرَب يسْقط الْألف
ويشبهون هَاء السكت بتاء التَّأْنِيث
فَيَقُولُونَ يَا أمة
كَمَا قَالُوا يَا أَبَت
وَمِنْه أَيْضا السّريَّة بِضَم السِّين
قَالَ الْأَزْهَرِي وَغَيره هِيَ فعلية من السِّرّ
وَهُوَ الْجِمَاع
سمي سرا لِأَنَّهُ يفعل سرا
وَقَالُوا سَرِيَّة بِالضَّمِّ وَلم يقولوها بِالْكَسْرِ ليفرقوا بَين الزَّوْجَة وَالْأمة
كَمَا قَالُوا للشَّيْخ الَّذِي أَتَت عَلَيْهِ دهور دهري بِالضَّمِّ
وللملحد دهري بِالْفَتْح
وَكِلَاهُمَا نِسْبَة إِلَى الدَّهْر
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم هِيَ مُشْتَقَّة من السِّرّ وَهُوَ السرُور
لِأَن صَاحبهَا يسر بهَا
قَالَ الْأَزْهَرِي هَذَا القَوْل أحسن
قَالَ وَالْأول أَكثر
وَقَالَ الْجَوْهَرِي هِيَ مُشْتَقَّة من السِّرّ وَهُوَ الْجِمَاع
وَمن السِّرّ وَهُوَ الْإخْفَاء
لِأَنَّهُ يخفيها عَن زَوجته
ويسترها أَيْضا من ابتذال غَيرهَا من الْإِمَاء
قَالَ وَيُقَال تسررت جَارِيَة وتسريت
كَمَا قَالُوا تظننت وتظنيت من الظَّن
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
أم الْمَرْأَة تحرم على التَّأْبِيد بِمُجَرَّد العقد على الْبِنْت بالِاتِّفَاقِ
وَحكي عَن عَليّ(2/20)
وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُمَا إِن طَلقهَا قبل الدُّخُول كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج بأمها
وَإِن مَاتَت قبل الدُّخُول لم يجز لَهُ تزوج أمهَا
فَجعل الْمَوْت كالدخول
وَتحرم الربيبة بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ بالِاتِّفَاقِ وَإِن لم تكن فِي حجر زوج أمهَا
وَقَالَ دَاوُد يشْتَرط أَن تكون الربيبة فِي كفَالَته
وَتَحْرِيم الْمُصَاهَرَة يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ فِي ملك
فَأَما الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج بِشَهْوَة فَهَل يتَعَلَّق بهَا التَّحْرِيم قَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق بِالتَّحْرِيمِ بذلك حَتَّى قَالَ إِن النّظر إِلَى الْفرج كالمباشرة فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة
فصل والزانية يحل نِكَاحهَا
عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَحْمد يحرم نِكَاحهَا حَتَّى تتوب
وَمن زنى بِامْرَأَة لم يحرم عَلَيْهِ نِكَاحهَا وَلَا نِكَاح أمهَا وبنتها عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا
وَزَاد عَلَيْهِ أَحْمد فَقَالَ إِذا تلوط بِغُلَام حرمت عَلَيْهِ أمه وبنته
وَلَو زنت امْرَأَة لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا بالِاتِّفَاقِ
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه يَنْفَسِخ
وَلَو زنت امْرَأَة ثمَّ تزوجت حل للزَّوْج وَطْؤُهَا عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة من غير عدَّة لَكِن يكره وَطْء الْحَامِل حَتَّى تضع
وَقَالَ مَالك وَأحمد يجب عَلَيْهَا الْعدة
وَيحرم على الزَّوْج وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَت حَامِلا حرم نِكَاحهَا حَتَّى تضع
وَإِن كَانَت حَائِلا لم تحرم وَلم تَعْتَد
وَهل يحل نِكَاح المتولدة من زنا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا تحل
وَقَالَ الشَّافِعِي تحل مَعَ الْكَرَاهَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين
فصل وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ
فِي النِّكَاح حرَام
وَكَذَا بَين الْمَرْأَة وعمتها أَو خَالَتهَا وَكَذَا يحرم الْوَطْء بِملك الْيَمين
وَقَالَ دَاوُد لَا يحرم الْجمع بَين الأمتين فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح نِكَاح الْأُخْت غير أَنه لَا يحل لَهُ وَطْء الْمَنْكُوحَة حَتَّى يحرم الْمَوْطُوءَة على نَفسه
فصل إِنَّمَا يجوز للْحرّ نِكَاح
الْأمة بِشَرْطَيْنِ خوف الْعَنَت وَعدم الطول لنكاح حرَّة(2/21)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ذَلِك مَعَ عدم الشَّرْطَيْنِ
وَإِنَّمَا الْمَانِع من ذَلِك عِنْده أَن يكون تَحْتَهُ زَوْجَة حرَّة أَو مُعْتَدَّة مِنْهُ
وَلَا يحل للْمُسلمِ نِكَاح الْكِتَابِيَّة عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحل
وَلَا يجوز لمن لَا يحل لَهُ نِكَاح الْكفَّار وَطْء إمَائِهِمْ بِملك الْيَمين بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْر إِنَّه يحل وَطْء جَمِيع الْإِمَاء بِملك الْيَمين على أَي دين كن
وَلَا يجوز للْحرّ أَن يزِيد فِي نِكَاح الْإِمَاء على أمة وَاحِدَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج من الْإِمَاء أَرْبعا كَمَا يتَزَوَّج من الْحَرَائِر أَرْبعا
وَالْعَبْد يجوز لَهُ أَن يجمع بَين زَوْجَتَيْنِ فَقَط عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك هُوَ كَالْحرِّ فِي جَوَاز جمع الْأَرْبَع
وَيجوز للرجل عِنْد الشَّافِعِي أَن يتَزَوَّج بِامْرَأَة زنى بهَا
وَيجوز لَهُ وَطْؤُهَا من غير اسْتِبْرَاء
وَكَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَلَكِن لَا يجوز وَطْؤُهَا لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا بِحَيْضَة أَو بِوَضْع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا
وَكره مَالك التَّزَوُّج بالزانية مُطلقًا
وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ وجوب التَّوْبَة مِنْهَا
واستبراؤها بِوَضْع الْحمل أَو بِالْأَقْرَاءِ أَو بالشهور
وَأَجْمعُوا على أَن نِكَاح الْمُتْعَة بَاطِل لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك
وَصفته أَن يتَزَوَّج امْرَأَة إِلَى مُدَّة
فَيَقُول تَزَوَّجتك إِلَى شهر أَو سنة
وَنَحْو ذَلِك
وَهُوَ بَاطِل مَنْسُوخ بِإِجْمَاع الْعلمَاء بأسرهم قَدِيما وحديثا
وَورد جَوَاز ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس
وَالصَّحِيح عَنهُ القَوْل بِبُطْلَانِهِ
وَلَكِن حكى زفر عَن الْحَنَفِيَّة أَن الشَّرْط يسْقط وَيصِح النِّكَاح على التَّأْبِيد إِذا كَانَ بِلَفْظ التَّزْوِيج
وَإِن كَانَ بِلَفْظ الْمُتْعَة فَهُوَ مُوَافق للْجَمَاعَة
وَنِكَاح الشّغَار بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة العقد صَحِيح وَالْمهْر فَاسد
وَصفته أَن يَقُول أحد الْمُتَعَاقدين للْآخر زَوجتك أُخْتِي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك بِغَيْر صدَاق أَو زَوجتك مولاتي على أَن تزَوجنِي مولاتي بِغَيْر صدَاق
وَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي إِلَّا أَنه لَا يكون شغارا عِنْده حَتَّى يَقُول وبضع كل وَاحِدَة مهر الْأُخْرَى(2/22)
وَإِذا تزوج امْرَأَة على أَن يحلهَا لمطلقها ثَلَاثًا وَشرط أَنه إِذا وَطئهَا فَهِيَ طَالِق أَو فَلَا نِكَاح بَينهمَا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة يَصح النِّكَاح دون الشَّرْط
وَفِي حلهَا للْأولِ عِنْده رِوَايَتَانِ
وَعند مَالك لَا تحل للْأولِ إِلَّا بعد حُصُول نِكَاح صَحِيح يصدر عَن رَغْبَة من غير قصد التَّحْلِيل ويطؤها حَلَالا وَهِي طَاهِرَة غير حَائِض
فَإِن شَرط التَّحْلِيل أَو نَوَاه فسد العقد وَلَا تحل للثَّانِي
وَللشَّافِعِيّ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يَصح
وَقَالَ أَحْمد لَا يَصح مُطلقًا
فَإِن تزَوجهَا وَلم يشرط ذَلِك إِلَّا أَنه كَانَ فِي عزمه
صَحَّ النِّكَاح عِنْد أبي حنيفَة وَعند الشَّافِعِي مَعَ الْكَرَاهَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يَصح
وَلَو تزوج امْرَأَة وَشرط على نَفسه أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا أَو لَا يتسرى عَلَيْهَا أَو لَا ينقلها من بَلَدهَا أَو دارها أَو لَا يُسَافر بهَا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ أَن العقد صَحِيح
وَلَا يلْزم هَذَا الشَّرْط وَلها مهر الْمثل
لِأَن هَذَا شَرط يحرم الْحَلَال
وَكَانَ كَمَا لَو شَرط أَن لَا تسلمه نَفسهَا
وَعند أَحْمد هُوَ صَحِيح يلْزم الْوَفَاء بِهِ
وَمَتى خَالف شَيْئا من ذَلِك فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ
انْتهى
بَاب نِكَاح الْمُشرك
مناكحة الْكفَّار لَا تحل
وهم الَّذين لَا كتاب لَهُم وَلَا شُبْهَة كتاب كعبدة الْأَوْثَان وَالشَّمْس والزنادقة
وَكَذَا مناكحة الْمَجُوس
وَيحل مناكحة أهل الْكتاب سَوَاء كَانَت الْكِتَابِيَّة حربية أَو ذِمِّيَّة لَكِن يكره نِكَاح الحربية
وَكَذَا نِكَاح الذِّمِّيَّة على الْأَظْهر(2/23)
ونعني بِأَهْل الْكتاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى دون الَّذين يتمسكون بالزبور وَغَيره
ثمَّ الْكِتَابِيَّة إِن كَانَت إسرائيلية فَذَاك
وَإِلَّا فأصح الْقَوْلَيْنِ جَوَاز نِكَاحهَا أَيْضا إِن كَانَت من قوم يعلم دُخُولهمْ بعد التحريف والنسخ فَلَا ينْكح
وَكَذَا إِن دخلُوا فِيهِ بعد التحريف وَقبل النّسخ على الْأَظْهر وَإِن لم يعلم مَتى دخلُوا فِيهِ فَكَذَلِك لَا تنْكح
والكتابية إِذا نكحت فَهِيَ كالمسلمة فِي النَّفَقَة وَالْقسم وَالطَّلَاق
وَللزَّوْج إجبارها على الْغسْل من الْجَنَابَة ومنعها من أكل لحم الْخِنْزِير
وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا تنجس عُضْو من أعضائها أجبرها على غسله وَكَذَلِكَ فِي الْمسلمَة
وَالأَصَح أَنه لَا يحل لَهُ مناكحة من أحد أَبَوَيْهِ كتابي وَالْآخر وَثني
والسامرة من الْيَهُود والصائبون من النَّصَارَى إِن كَانُوا يخالفونهم فِي أصُول الدّين لم يناكحوا وَإِن كَانُوا يخالفونهم فِي الْفُرُوع فَلَا بَأْس بمناكحتهم
وَإِذا تنصر يَهُودِيّ أَو تهود نَصْرَانِيّ
فأصح الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يقر عَلَيْهِ بالجزية
وَلَو كَانَ هَذَا الِانْتِقَال من امْرَأَة لم ينْكِحهَا الْمُسلم
وَلَو كَانَت المنتقلة مَنْكُوحَة مُسلم كَانَ كَمَا لَو ارْتَدَّت الْمسلمَة
وَأَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَام فِيمَا رجح من الْقَوْلَيْنِ
وَفِي الثَّانِي أَنه لَو عَاد لما كَانَ عَلَيْهِ
قبل مِنْهُ
وَلَو توثن يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ لم يقر
وفيهَا يقبل مِنْهُ الْقَوْلَانِ
وَلَو ارْتَدَّ مُسلم فَلَا يخفى أَنه لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَام
وَلَا يجوز نِكَاح الْمُرْتَدَّة للْمُسلمين وَلَا للْكفَّار
وَلَو ارْتَدَّ فِي دوَام نِكَاح أحد الزَّوْجَيْنِ
أَو كِلَاهُمَا مَعًا
فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول تنجزت الْفرْقَة
وَإِن كَانَ بعده توقف النِّكَاح
فَإِن جَمعهمَا الْإِسْلَام قبل انْقِضَاء مُدَّة الْعدة اسْتمرّ النِّكَاح وَإِلَّا تبين الْفِرَاق من وَقت الرِّدَّة
وَلَا يجوز الوط فِي مُدَّة التَّوَقُّف
وَلَا يجب الْحَد لَو جرى الْوَطْء
وَلَو أسلم كَافِر كتابي أَو غير كتابي وَتَحْته كِتَابِيَّة
اسْتمرّ النِّكَاح
وَإِن كَانَ تَحْتَهُ وثنية أَو مَجُوسِيَّة وَتَخَلَّفت عَن الْإِسْلَام فَإِن كَانَ ذَلِك قبل الدُّخُول تنجزت الْفرْقَة
وَإِن كَانَ بعده فَإِن أسلمت قبل انْقِضَاء مُدَّة الْعدة اسْتمرّ النِّكَاح وَإِلَّا بَانَتْ الْفرْقَة من وَقت إِسْلَام الزَّوْج
وَلَو أسلمت الْمَرْأَة وأصر الزَّوْج على الْكفْر أَي كفر كَانَ فَهُوَ كَمَا لَو أسلم الزَّوْج(2/24)
وأصرت هِيَ على التوثن
وَلَو أسلم الزَّوْجَانِ مَعًا اسْتمرّ النِّكَاح بَينهمَا
وَالِاعْتِبَار فِي التَّرْتِيب والمعية بآخر كلمة الْإِسْلَام لَا بأولها
وَحَيْثُ يحكم باستمرار النِّكَاح لم يضر اقتران مَا يفْسد النِّكَاح بِالْعقدِ الْجَارِي فِي الْكفْر إِذا كَانَ ذَلِك الْمسند زائلا عِنْد الْإِسْلَام
وَكَانَت بِحَيْثُ يجوز لَهُ أَن ينْكِحهَا حِينَئِذٍ
وَإِن كَانَ الْمسند بَاقِيا وَقت الْإِسْلَام انْدفع النِّكَاح
فَيقر على النِّكَاح الْجَارِي فِي الْكفْر بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَفِي عدَّة الْغَيْر إِن كَانَت منقضية عِنْد الْإِسْلَام
وَإِن كَانَت بَاقِيَة فَلَا يقرونَ على نِكَاح الْمَحَارِم
ويقرون على النِّكَاح الْمُؤَقت إِن اعتقدوه مُؤَبَّدًا وَإِن اعتقدوه مؤقتا لم يقرُّوا عَلَيْهِ
وَلَو كَانَت وَقت الْإِسْلَام مُعْتَدَّة عَن الشُّبْهَة فَالظَّاهِر اسْتِمْرَار النِّكَاح
وَكَذَلِكَ لَو أسلم الرجل وَأحرم ثمَّ أسلمت الْمَرْأَة وَهُوَ محرم فَلهُ إِِمْسَاكهَا
وَلَو نكح فِي الْكفْر حرَّة وَأمة ثمَّ أسلم وأسلمتا مَعَه
فَظَاهر الْمَذْهَب أَن الْحرَّة تتَعَيَّن للنِّكَاح ويندفع نِكَاح الْأمة
وَأما الْأَنْكِحَة الْجَارِيَة فِي الْكفْر هَل هِيَ صَحِيحَة أَو فَاسِدَة أَولا نحكم فِيهَا بِصِحَّة وَلَا فَسَاد فِيمَا يَتَقَرَّر تبين صِحَّته وَمَا لَا يتَبَيَّن فَسَاده فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَو ثَلَاثَة أَقْوَال
أَصَحهَا الأول
حَتَّى إِذا طلق الْكَافِر زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ أسلما لم تحل لَهُ إِلَّا بِمُحَلل
وَالَّتِي يُقرر نِكَاحهَا بعد الْإِسْلَام فتستحق الْمهْر الْمُسَمّى إِن كَانَ صَحِيحا
وَإِن كَانَ فَاسِدا كخمر أَو خِنْزِير فَإِن أسلما بعد قَبضه فَلَا شَيْء لَهَا وَإِن أسلما قبله فلهَا مهر الْمثل
وَإِن كَانَت قد قبضت بعضه دون بعض اسْتحقَّت من مهر الْمثل بقسط مَا لم تقبض
وَالَّتِي ينْدَفع نِكَاحهَا بِالْإِسْلَامِ إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا وصححنا أنكحتهم
فَإِن كَانَ الاندفاع بِإِسْلَام الزَّوْج وَجب نصف الْمُسَمّى إِن كَانَ صَحِيحا وَنصف مهر الْمثل إِن كَانَ فَاسِدا وَإِن كَانَ الاندفاع بإسلامها لم يكن لَهَا شَيْء
وَإِذا ترافع إِلَيْنَا أهل الذِّمَّة فنقرهم على مَا نقرهم عَلَيْهِ لَو أَسْلمُوا أَو نبطل مَا نبطله لَو أَسْلمُوا
وَيجب الحكم إِذا ترافع إِلَيْنَا ذميان على أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَإِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ مُسلما فَلَا خلاف فِي وجوب الحكم
وَإِذا أسلم وَتَحْت أَكثر من أَربع نسْوَة وأسلمن مَعَه أَو تخلفن وَهن كتابيات اخْتَار(2/25)
أَرْبعا مِنْهُنَّ واندفع نِكَاح الْبَاقِيَات
وَكَذَا الحكم لَو تخلفن وَهن مجوسيات مَدْخُول بِهن ثمَّ أسلمن قبل انْقِضَاء عدتهن من وَقت إِسْلَامه
وَلَو أسلمت أَربع مَعَه أَو كَانَ قد دخل بِهن وَاجْتمعَ إِسْلَام أَربع مِنْهُنَّ لَا غير مَعَ إِسْلَام الزَّوْج فِي العقد بِعَين النِّكَاح
وَلَو أسلم وَتَحْته أم وبنتها وأسلمتا مَعَه أَو لم تسلما وهما كتابيات فَإِن كَانَ قد دخل بهما فهما محرمتان على التَّأْبِيد
وَإِن لم يدْخل بِوَاحِدَة مِنْهُمَا
فأوجه الْقَوْلَيْنِ أَن الْبِنْت تتَعَيَّن ويندفع نِكَاح الْأُم
وَالثَّانِي أَنه مُخَيّر بَينهمَا فَيمسك من شَاءَ مِنْهُمَا
فَإِن كَانَ قد دخل بالبنت دون الْأُم فَيقر نِكَاح الْبِنْت وَتحرم الْأُم على التَّأْبِيد
وَكَذَا الْأُم على الْأَظْهر
وَلَو أسلم وَتَحْته أمة وَأسْلمت مَعَه فَلهُ إِِمْسَاكهَا إِن كَانَ مِمَّن يحل لَهُ نِكَاح الْإِمَاء وَإِلَّا فَلَا يمْسِكهَا
وَكَذَا لَو تخلفت وَهِي مَدْخُول بهَا ثمَّ أسلمت فِي الْعدة
وَإِن لم يكن مَدْخُولا بهَا تنجزت الْفرْقَة
وَلَو أسلم وَتَحْته إِمَاء وأسلمن مَعَه أَو كَانَ قد دخل بِهن وجمعت الْعدة إِسْلَامه وإسلامهن
فَلهُ أَن يخْتَار وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِن كَانَ مِمَّن يحل لَهُ نِكَاح الْإِمَاء
وَلَو أسلمت الْحرَّة مَعَه أَو كَانَت مَدْخُولا بهَا فَأسْلمت فِي الْعدة
تعيّنت واندفعت الْإِمَاء
وَلَو لم تسلم الْحرَّة إِلَى انْقِضَاء عدتهَا فيختار وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَيجْعَل كَأَن الْحرَّة لم تكن
وَلَو أسلمت الْحرَّة وعتقت الْإِمَاء ثمَّ أسلمن فِي الْعدة كَانَ كَمَا لَو أسلم على حرائر
فيختار أَرْبعا مِنْهُنَّ
وَالِاخْتِيَار فِي النِّكَاح بِأَن يَقُول اخْتَرْتُك أَو قررت نكاحك أَو أمسكتك أَو ثبتك
وَمن طَلقهَا فقد عينهَا للنِّكَاح
وَأما الظِّهَار وَالْإِيلَاء فَلَيْسَ تعيينا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَلَو علق الِاخْتِيَار للنِّكَاح أَو الْفِرَاق بِدُخُول الدَّار وَنَحْوه
لم يَصح
وَلَو حصر المختارات فِي خمس أَو سِتّ زَالَ بعض الْإِبْهَام
فيندفع نِكَاح غَيْرهنَّ
وَيُؤمر بِالتَّعْيِينِ مِنْهُنَّ
وَيجب عَلَيْهِ نفقتهن جَمِيعًا إِلَى أَن يخْتَار
وَإِذا امْتنع من الِاخْتِيَار عزّر بِالْحَبْسِ
وَلَو مَاتَ قبل التَّعْيِين اعْتدت الْحَامِل بِوَضْع الْحمل وَغير الْمَدْخُول بهَا بأَرْبعَة أشهر وَعشر
وَكَذَا الْمَدْخُول بهَا من ذَوَات الْأَشْهر والأقراء بأقصى الْأَجَليْنِ من أَرْبَعَة أشهر وَعشر أَو ثَلَاثَة أَقراء
وَيُوقف لَهُنَّ نصيب الزَّوْجَات إِلَى أَن يصطلحن(2/26)
وَإِذا أسلم الزَّوْجَانِ مَعًا استمرت النَّفَقَة باستمرار النِّكَاح
وَإِن أسلم الزَّوْج أَولا وَهِي غير كِتَابِيَّة
فَإِن أصرت إِلَى انْقِضَاء الْعدة فَلَا نَفَقَة لَهَا
وَإِن أسلمت فِي الْعدة فلهَا النَّفَقَة من وَقت الْإِسْلَام
والجديد أَنَّهَا لَا نَفَقَة لَهَا للزمان المتخلف
وَإِن أسلمت الزَّوْجَة أَولا نظر
إِن أسلم الزَّوْج قبل انْقِضَاء مُدَّة الْعدة
فلهَا النَّفَقَة مُدَّة تخلفه وَمَا بعْدهَا
وَفِي مُدَّة التَّخَلُّف وَجه
إِن أصر حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا اسْتحقَّت نَفَقَة مُدَّة الْعدة على الْوَجْه الرَّاجِح
وَإِن ارْتَدَّت الْمَرْأَة فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي مُدَّة الرِّدَّة
وَإِن عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام فِي مُدَّة الْعدة
وَإِن ارْتَدَّ الزَّوْج لَزِمته النَّفَقَة لمُدَّة الْعدة
فَائِدَة من سيره مغلطاي لما أسلم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع زوج زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت زَيْنَب هَاجَرت قبله وَتركته على شركه وردهَا عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ بِالنِّكَاحِ الأول بعد سنتَيْن
وَقيل بعد سِتّ سِنِين
وَقيل قبل انْقِضَاء الْعدة فِيمَا ذكره ابْن عقبَة
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده ردهَا بِنِكَاح جَدِيد سنة سبع
وَذكر عَن مغلطاي أَنَّهَا لما هَاجَرت لم يَنْقَطِع النِّكَاح وَلم يكن مَوْقُوفا على انْقِضَاء الْعدة
لِأَن ذَلِك الحكم لم يكن شرع حَتَّى نزلت آيَة تَحْرِيم المسلمات على الْمُشْركين بعد صلح الْحُدَيْبِيَة
فَلَمَّا نزلت الْآيَة توقف نِكَاحهَا على انْقِضَاء عدتهَا
وَلم تلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى جَاءَ أَبُو الْعَاصِ وَأظْهر إِسْلَامه
فَلم يكن بَين توقف نِكَاحهَا على انْقِضَاء الْعدة إِلَّا الْيَسِير
وَكَانَ بَين ذَلِك وهجرتها سِتّ سِنِين
وَهُوَ الصَّوَاب
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب اخْتلفُوا فِيمَن أسلم وَتَحْته أَكثر من أَربع نسْوَة
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يخْتَار مِنْهُنَّ أَرْبعا وَمن الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ العقد وَقع عَلَيْهِنَّ فِي حَالَة وَاحِدَة فَهُوَ بَاطِل
وَإِن كَانَ فِي عُقُود صَحَّ النِّكَاح فِي الْأَرْبَعَة الْأَوَائِل وَكَذَلِكَ الْأُخْتَيْنِ
وَلَو ارْتَدَّ أحد الزَّوْجَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يتعجل الْفرْقَة مُطلقًا سَوَاء كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول أَو بعده
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد إِن كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول تعجلت الْفرْقَة
وَإِن كَانَ بعده وقفت على انْقِضَاء الْعدة
وَلَو ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ المسلمان مَعًا فَهُوَ بِمَنْزِلَة ارتداد أَحدهمَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح فرقة(2/27)
وأنكحة الْكفَّار صَحِيحَة تتَعَلَّق بهَا الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بأنكحة الْمُسلمين عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك هِيَ فَاسِدَة
انْتهى
بَاب الْخِيَار والإعفاف وَنِكَاح العَبْد
إِذا وجد أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ جنونا أَو جذاما أَو برصا فَلهُ الْخِيَار فِي فسخ النِّكَاح وَكَذَا لَو وجدت الْمَرْأَة الزَّوْج مجبوبا أَو عنينا أَو وجد الزَّوْج الزَّوْجَة رتقاء أَو قرناء وَالأَصَح أَنه لَا خِيَار إِذا وجد أَحدهمَا الآخر خُنْثَى وَأَنه لَا فرق بَين أَن يكون الْفَسْخ مثل يفْسخ بِهِ أَو لَا يكون
وَلَو وجدت بعض هَذِه الْعُيُوب بِالزَّوْجِ قبل الدُّخُول ثَبت لَهَا الْخِيَار وَكَذَا بعده إِلَّا أَن تحدث الْعنَّة
وَإِن وجدت بِالزَّوْجَةِ فالجديد أَن لَهُ الْخِيَار
وَلَا خِيَار للأولياء بالعيوب الْحَادِثَة بِالزَّوْجِ وَلَا فِي الْمُقَارنَة بالجب والعنة
وَتثبت بالجنون
وَكَذَا بالجذام والبرص فِي أشبه الْوَجْهَيْنِ
وَهَذَا الْخِيَار على الْفَوْر
وَإِذا اتّفق الْفَسْخ قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا من الْمهْر
وَإِن اتّفق بعده
فَالْأَصَحّ أَنه كَانَ الْفَسْخ بِعَيْب مُقَارن فَالْوَاجِب مهر الْمثل دون الْمُسَمّى وَإِن كَانَ بِعَيْب حَادث بعد العقد
وَإِن حدث قبل الدُّخُول ثمَّ دخل بهَا وَهُوَ غير عَالم بِالْحَال
وَإِن وجدت بعد الدُّخُول فَالْوَاجِب الْمُسَمّى وَلَا يرجع الزَّوْج بِالْمهْرِ
والمغرور عِنْد الْفَسْخ على من غره ودلس عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد
وَلَا بُد فِي الْعنَّة من الرّفْع إِلَى الْحَاكِم
وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْعُيُوب فِي أقرب الْوَجْهَيْنِ
وَلَا ينْفَرد الزَّوْجَانِ بِالْفَسْخِ
وَزَوْجَة الْعنين ترفعه إِلَى القَاضِي وتدعي عنته
فَإِن أقرّ بهَا أَو أَقَامَت الْبَيِّنَة على إِقْرَاره بهَا ثبتَتْ
وَإِن أنكر حلف
وَإِن نكل فأصح الْوَجْهَيْنِ ترد الْيَمين عَلَيْهَا
ثمَّ القَاضِي بعد ثُبُوت الْعنَّة يضْرب للزَّوْج مُدَّة سنة يمهله فِيهَا
وَإِنَّمَا يضْرب بِطَلَب الزَّوْجَة
فَإِذا تمت الْمدَّة رفعت ثَانِيًا إِلَى القَاضِي
فَإِن ادّعى الْإِصَابَة حلف
وَإِن نكل ردَّتْ الْيَمين عَلَيْهَا
فَإِن حلف أَو أقرّ الزَّوْج بِأَنَّهُ لم يصبهَا فِي السّنة فقد جَاءَ وَقت الْفَسْخ
وَهل يسْتَقلّ حِينَئِذٍ بِالْفَسْخِ أَو يحْتَاج إِلَى إِذن القَاضِي فِي مُبَاشرَة الْفَسْخ فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا الأول
وَإِذا رضيت بالْمقَام تَحْتَهُ سقط حَقّهَا من الْفَسْخ
وَكَذَا لَو قَالَت بعد مُضِيّ الْمدَّة أجلته شهرا أَو سنة أُخْرَى على الصَّحِيح(2/28)
وَإِذا شَرط فِي النِّكَاح إِسْلَام الْمَنْكُوحَة فَبَانَت ذِمِّيَّة
أَو شَرط فِي أحد الزَّوْجَيْنِ نسب أَو حريَّة أَو صفة أُخْرَى فَبَان خلاف الشُّرُوط فَفِي صِحَة النِّكَاح
قَولَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة
ثمَّ نظر فَإِن بَان خيرا مِمَّا شَرط فِيهِ فَلَا خِيَار وَإِن بَان دونه فَإِن كَانَ الشَّرْط فِيهِ فلهَا الْخِيَار
وَإِن كَانَ فِيهَا فَلهُ الْخِيَار فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَو نكح امْرَأَة على ظن أَنَّهَا مسلمة فَخرجت كِتَابِيَّة أَو حرَّة فَخرجت رقيقَة وَهُوَ مِمَّن يحل لَهُ نِكَاح الْإِمَاء
فأظهر الْقَوْلَيْنِ أَن لَا خِيَار
وَلَو أَذِنت فِي تَزْوِيجهَا مِمَّن تظنه كُفؤًا لَهَا فَبَان فسقه أَو دناءة نسبه أَو حرفته فَلَا خِيَار لَهَا
وَحكم الْمهْر إِذا فسخ النِّكَاح بالخلف فِي الشَّرْط وَالرُّجُوع بِالْمهْرِ الْمَغْرُور على الْغَار كَمَا ذكرنَا فِي الْفَسْخ بِالْعَيْبِ
وَإِنَّمَا يُؤثر التَّغْرِير إِذا كَانَ مغرورا بِالْعقدِ فَأَما التَّغْرِير السَّابِق فَلَا عِبْرَة بِهِ
وَإِذا غر بحريّة امْرَأَة فَبَانَت أمة وصححنا النِّكَاح فَالْوَلَد الْحَاصِل قبل الْعلم بِالْحَال حر
وعَلى الْمَغْرُور قِيمَته لسَيِّد الْأمة وَيرجع بهَا على من غره
وَلَا يتَصَوَّر التَّغْرِير بِالْحُرِّيَّةِ من السَّيِّد
وَإِنَّمَا يكون ذَلِك من وَكيله أَو من الْأمة نَفسهَا
وَإِذا كَانَ مِنْهَا فَيتَعَلَّق الْمُقَرّر بذمتها
وَإِن انْفَصل الْوَلَد مَيتا بِلَا جِنَايَة فَلَا يجب فِيهِ شَيْء
وَإِذا عتقت الْأمة تَحت رَقِيق فلهَا الْخِيَار فِي فسخ النِّكَاح
وَلَو عتق بَعْضهَا أَو دبرت أَو كوتبت أَو عتق العَبْد وَتَحْته أمة فَلَا خِيَار
وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ أَن خِيَار الْعتْق على الْفَوْر
وَإِن ادَّعَت الْجَهْل بِالْعِتْقِ وَلم يكذبها ظَاهر الْحَال بِأَن كَانَ السَّيِّد غَائِبا صدقت بِيَمِينِهَا
وَإِن كذبهَا فالمصدق الزَّوْج
وَإِن ادَّعَت الْجَهْل بِأَن الْعتْق يثبت الْخِيَار فَتصدق فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَإِذا فسخت بِالْعِتْقِ قبل الدُّخُول سقط الْمهْر
وَإِن كَانَ بعده وَالْعِتْق مُتَأَخّر عَن الدُّخُول وَجب الْمُسَمّى
وَإِن كَانَ الْعتْق مُتَقَدما وَكَانَت هِيَ جاهلة فَالْأَظْهر وجوب مهر الْمثل
فصل وَيجب على الْوَلَد إعفاف الْأَب
فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَالْجد كَالْأَبِ
وَالْمرَاد من الإعفاف أَن يهيىء لَهُ مستمتعا بِأَن يُعْطِيهِ مهر حرَّة حَتَّى ينْكِحهَا(2/29)
أَو يَقُول لَهُ انكح وَأَنا أعطي الْمهْر
أَو يُبَاشر النِّكَاح عَن إِذن الْأَب فيعطي الْمهْر أَو بِأَن يملكهُ أمة وَيُعْطِيه ثمنهَا
ثمَّ عَلَيْهِ الْقيام بِنَفَقَة منكوحته أَو أمته ومؤنتهما
وَلَيْسَ للْأَب أَن يعين النِّكَاح وَلَا يرضى بالتسري وَلَا إِذا اتفقَا على النِّكَاح أَن يعين امْرَأَة رفيعة الْمهْر
وَإِذا اتفقَا على قدر الْمهْر
فتعيين الْمَرْأَة إِلَى الْأَب
وعَلى الابْن التَّجْدِيد إِذا مَاتَت زَوْجَة الْأَب أَو أمته أَو انْفَسَخ النِّكَاح بردة أَو فسخ بِعَيْب
وَكَذَا لَو طَلقهَا بِعُذْر فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَا يجب إِذا طَلقهَا بِغَيْر عذر
وَإِنَّمَا يجب الإعفاف إِذا كَانَ الْأَب فاقدا للمهر وَإِذا احْتَاجَ إِلَى النِّكَاح وَيصدق إِذا ظَهرت الْحَاجة بِلَا يَمِين
وَيحرم على الْأَب وَطْء جَارِيَة الابْن لَكِن الْأَصَح أَنه لَا حد عَلَيْهِ وَأَنه يجب الْمهْر
وَلَو أحبلها فَالْوَلَد حر نسيب وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ أَن الْجَارِيَة تصير مُسْتَوْلدَة وَأَنه يجب عَلَيْهِ قيمَة الْجَارِيَة مَعَ الْمهْر
وَلَا يجب قيمَة الْوَلَد على الْأَظْهر
فَإِن كَانَت الْجَارِيَة مُسْتَوْلدَة الابْن لم تصر مُسْتَوْلدَة الْأَب بِلَا خلاف
وَلَيْسَ للسَّيِّد أَن ينْكح جَارِيَة مكَاتبه
وَلَو ملك الْمكَاتب زَوْجَة سَيّده فالأشبه انْفِسَاخ النِّكَاح
فصل وَالسَّيِّد إِذا أذن فِي نِكَاح
العَبْد لَا يضمن الْمهْر وَالنَّفقَة على الْجَدِيد لكنهما يتعلقان باكتسابه إِن كَانَ مكتسبا مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة
فيتعلقان بِرِبْح مَا فِي يَده وَكَذَا بِرَأْس المَال فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِن لم يكن مكتسبا وَلَا مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة فيتعلقان بِذِمَّتِهِ
وَلَا يلزمان السَّيِّد فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَللسَّيِّد أَن يُسَافر بِعَبْدِهِ وَإِن فَاتَهُ الِاسْتِمْتَاع لَكِن إِذا لم يُسَافر بِهِ فَعَلَيهِ تخليته لَيْلًا للاستمتاع
وَكَذَا استخدامه نَهَارا إِن تكفل بِالْمهْرِ وَالنَّفقَة
وَإِلَّا فيخليه ليكتسب
وَإِذا استخدمه وَلم يلْتَزم شَيْئا
فَعَلَيهِ الْغرم بِمَا استخدم
وَالْغُرْم فِي أصح الْوَجْهَيْنِ أقل الْأَمريْنِ من أُجْرَة الْمثل وَكَمَال الْمهْر وَالنَّفقَة
وَالثَّانِي كَمَال الْمهْر وَالنَّفقَة(2/30)
وَلَو نكح العَبْد نِكَاحا فَاسِدا وَدخل بالمنكوحة فمهر الْمثل يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَإِذا زوج السَّيِّد أمته فَلهُ استخدامها نَهَارا ويسلمها إِلَى الزَّوْج لَيْلًا لَكِن لَا نَفَقَة على الزَّوْج حِينَئِذٍ على الْأَظْهر
وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يهيىء للزَّوْج بَيْتا فِي دَاره ويكلفه دُخُولهَا
وَلَو سَافر السَّيِّد بهَا لم يمْنَع
فَإِن أَرَادَ الزَّوْج سَافر مَعهَا
وَالظَّاهِر أَن السَّيِّد إِذا قتل أمته الْمُزَوجَة قبل الدُّخُول يسْقط الْمهْر وَلَا خلاف أَنه لَا أثر لهلاك الْمَنْكُوحَة بعد الدُّخُول
وَلَو بَاعَ الْأمة الْمُزَوجَة فالمهر للْبَائِع
وَلَو طَلقهَا الزَّوْج بعد البيع وَقبل الدُّخُول فَنصف الْمهْر
وَإِذا زوج أمته من عَبده لم يجب الْمهْر
فَائِدَة من تَحْرِير التَّنْبِيه الجذام مَعْرُوف بِأَكْل اللَّحْم وبتناثره قَالَ الْجَوْهَرِي وَقد جذم الرجل بِضَم الْجِيم فَهُوَ مجذوم وَلَا يُقَال أَجْذم
والبرص بِالْفَتْح بَيَاض مَعْرُوف وعلامته أَن يعصر فَلَا يحمر
وَقد برص بِفَتْح الْبَاء وَكسر الرَّاء فَهُوَ أبرص
فرع قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا أسود
يُقَال لَهُ مغيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف وَرَاءَهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة
وَإنَّهُ كلم الْعَبَّاس ليكلم فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السُّبْكِيّ وَأَنا أعجب من قَول ابْن عَبَّاس هَذَا مَعَ مَا جَاءَ فِي قصَّة الْإِفْك من قَول عَليّ بن أبي طَالب سل الْجَارِيَة تصدقك وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي بَرِيرَة كَذَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره فِي جَمِيع طرق حَدِيث الْإِفْك
وَاحْتِمَال كَون بَرِيرَة هَذِه أُخْرَى بعيد وقصة الْإِفْك قبل الْفَتْح فِي تَوْبَة الْأُسَارَى فَلَعَلَّ بَرِيرَة كَانَت تخْدم عَائِشَة قبل شِرَائهَا إِيَّاهَا وَأَنَّهَا اشترتها وَتَأَخر عتقهَا أَو دَامَ حزن زَوجهَا عَلَيْهَا هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة
حَكَاهُ الدَّمِيرِيّ فِي شَرحه على الْمِنْهَاج(2/31)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
الْعُيُوب المثبتة للخيار تِسْعَة ثَلَاثَة يشْتَرك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهِي الْجُنُون والجذام والبرص
وإثنان يختصان بِالرجلِ وهما الْجب والعنة
وَأَرْبَعَة تخْتَص بِالنسَاء
وَهِي الْقرن والرتق والفتق والعفل
والجب قطع الذّكر
والعنة الْعَجز عَن الْجِمَاع بعد الانتشار
والقرن عظم يكون فِي الْفرج فَيمْنَع الْوَطْء
والرتق انسداد الْفرج
والفتق انخراق مَا بَين مَحل الْوَطْء ومخرج الْبَوْل
والعفل لحم يكون فِي الْفرج
وَقيل رُطُوبَة تمنع لَذَّة الْجِمَاع
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت للرجل الْفَسْخ فِي شَيْء من ذَلِك
وَيثبت الْخِيَار للْمَرْأَة فِي الْجب والعنة فَقَط
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يثبتانه فِي ذَلِك كُله إِلَّا فِي الفتق وَأحمد يُثبتهُ فِي الْكل
فَإِن حدث ذَلِك فِي الزَّوْج بعد العقد وَقبل الدُّخُول خيرت الْمَرْأَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَكَذَا بعد الدُّخُول إِلَّا الْعنَّة عِنْد الشَّافِعِي
وَإِن حدث بِالزَّوْجَةِ فَلهُ الْفَسْخ على الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه لَا خِيَار لَهَا
فصل وَإِذا عتقت الْمَرْأَة وَزوجهَا رَقِيق
ثَبت لَهَا الْخِيَار عِنْد أبي حنيفَة مَا دَامَت فِي الْمجْلس الَّذِي علمت بِالْعِتْقِ فِيهِ
وَمَتى علمت ومكنته من الْوَطْء فَهُوَ رضى
وَللشَّافِعِيّ أَقْوَال أَصَحهَا أَن لَهَا الْخِيَار على الْفَوْر
وَالثَّانِي إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام
وَالثَّالِث مَا لم تمكنه من الْوَطْء
وَلَو عتقت وَزوجهَا حر فَلَا خِيَار لَهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يثبت لَهَا الْخِيَار مَعَ حُرِّيَّته
انْتهى(2/32)
كتاب الصَدَاق
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الصَدَاق هُوَ مَا تستحقه الْمَرْأَة بَدَلا فِي النِّكَاح
وَله سَبْعَة أَسمَاء الصَدَاق والنحلة وَالْأَجْر وَالْفَرِيضَة وَالْمهْر والعلقة والعقر
لِأَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ الصَدَاق والنحلة وَالْأَجْر وَالْفَرِيضَة
وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمهْر والعلقة وَسَماهُ عمر رَضِي الله عَنهُ الْعقر يُقَال أصدقت الْمَرْأَة ومهرتها
وَلَا يُقَال أمهرتها
وَالْأَصْل فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} وَقَوله تَعَالَى {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ فَرِيضَة} وَقَوله تَعَالَى {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن مَسهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا العلائق قيل وَمَا العلائق قَالَ مَا تراضى عَلَيْهِ الأهلون وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَهَا عقر نسائها
فَإِن قيل لم سَمَّاهُ نحلة
والنحلة الْعَطِيَّة بِغَيْر عوض
وَالْمهْر لَيْسَ بعطية وَإِنَّمَا هُوَ عوض عَن الِاسْتِمْتَاع فَفِيهِ ثَلَاث تأويلات
أَحدهَا أَنه لم يرد بالنحلة الْعَطِيَّة
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النحلة من الانتحال وَهُوَ التدين
لِأَنَّهُ يُقَال انتخل فلَان مذهبك أَي تدين بِهِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} أَي تدينا
وَالثَّانِي أَن الْمهْر يشبه الْعَطِيَّة لِأَنَّهُ يحصل للْمَرْأَة من اللَّذَّة فِي الِاسْتِمْتَاع مَا يحصل للزَّوْج وَأكْثر لِأَنَّهَا أغلب شَهْوَة وَالزَّوْج ينْفَرد ببذل الْمهْر فَكَأَنَّهَا تَأْخُذهُ بِغَيْر عوض(2/33)
وَالثَّالِث أَنه عَطِيَّة من الله للنِّسَاء فِي شرعنا
وَكَانَ فِي شرع من قبلنَا الْمهْر للأولياء
وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى قي قصَّة شُعَيْب ومُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج}
وَمَا يجوز أَن يكون عوضا فِي البيع يجوز أَن يكون صَدَاقا
وَلَيْسَ الصَدَاق ركنا فِي النِّكَاح بل يجوز إخلاؤه من الْمهْر لَكِن الْمُسْتَحبّ تَسْمِيَته
لما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَزَوَّج أحدا من نِسَائِهِ وَلَا زوج أحدا من بَنَاته إِلَّا بِصَدَاق سَمَّاهُ فِي العقد وَرُوِيَ أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت يَا رَسُول الله قد وهبت نَفسِي مِنْك فَصَعدَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَصَره إِلَيْهَا ثمَّ صَوبه
ثمَّ قَالَ مَالِي الْيَوْم فِي النِّسَاء من حَاجَة
فَقَامَ رجل من الْقَوْم فَقَالَ زوجنيها يَا رَسُول الله
فَقَالَ لَهُ مَا تصدقها قَالَ إزَارِي
قَالَ إِن أَصدقتهَا إزارك جَلَست وَلَا إِزَار لَك
فَقَالَ ألتمس شَيْئا
فالتمس شَيْئا فَلم يجد
فَقَالَ التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد
فالتمس وَلم يجد شَيْئا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَعَك شَيْء من الْقُرْآن قَالَ نعم
سُورَة كَذَا وَسورَة كَذَا
فَقَالَ زوجتكها بِمَا مَعَك من القرآنولأنه إِذا زوجه بِالْمهْرِ كَانَ أقطع للخصومة
وروى عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج رجلا بِامْرَأَة وَلم يفْرض لَهَا صَدَاقا
فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة
قَالَ إِنِّي تَزَوَّجتهَا بِغَيْر مهر
وَإِنِّي قد أعطيتهَا عَن صَدَاقهَا سهمي بِخَيْبَر
فباعته بِمِائَة ألف وَلِأَن الْمَقْصُود فِي النِّكَاح اعْتِبَار الزَّوْجَيْنِ دون الْمهْر
وَلِهَذَا يجب ذكر الزَّوْجَيْنِ فِي العقد
وَإِنَّمَا الْعِوَض فِيهِ تبع
بِخِلَاف البيع
فَإِن الْمَقْصُود فِيهِ الْعِوَض
وَلِهَذَا لَا يجب ذكر البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي العقد إِذا وَقع بَين وكيليهما
فَائِدَة قَالَ الرَّافِعِيّ روى الْقفال الشَّاشِي عَن أَحْمد بن عبد الله السجسْتانِي أَنه سَأَلَ الْمُتَوَلِي هَل يجوز النِّكَاح على تَعْلِيم الشّعْر فَقَالَ يجوز إِذا كَانَ مثل قَول الشَّاعِر يُرِيد الْمَرْء أَن يعْطى مناه ويأبى الله إِلَّا مَا أَرَادَ يَقُول العَبْد فائدتي وَمَالِي وتقوى الله أفضل مَا اسْتَفَادَ(2/34)
قَالَ الْإِسْنَوِيّ والبيتان ل أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
كَذَا ذكر أَبُو الطّيب فِي تَعْلِيقه
مسأله قَالَ الرَّافِعِيّ لَو ادَّعَت الْمَرْأَة
التَّسْمِيَة وَأنكر الزَّوْج
تحَالفا فِي الْأَصَح وَلَو ادَّعَاهَا الزَّوْج وَأنْكرت
فَالْقِيَاس التخالف أَيْضا
وَلَو ادّعى أَحدهمَا التَّفْوِيض وَقَالَ الآخر لم يذكر الْمهْر
فالأشبه قبُول قَول النَّافِي
وَجزم الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقه بتحالفهما
وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن وَلَو ادَّعَت عَلَيْهِ مائَة صَدَاقا
فَإِن قَالَ قبلت نِكَاحهَا بِخَمْسِينَ تحَالفا
وَالْقَوْل قَوْله فِي مهر الْمُتْلف لِأَنَّهُ الْمُتْلف
فَلَو قَالَت قبل نِكَاحي على مائَة
فَقَالَ لَا يلْزَمنِي إِلَّا خَمْسُونَ
فَيحْتَمل أَنه مَا قبل إِلَّا على خمسين
وَيحْتَمل أَنه قبله على الْمِائَة
وَدفع إِلَيْهَا خمسين
فَيحلف أَنه لَا يلْزمه مائَة وَتَأْخُذ مِنْهُ الْخمسين
وَلَو قَالَت فِي الدَّعْوَى لي عَلَيْهِ مائَة صَدَاقا
فَقَالَ لَا يلْزَمنِي إِلَّا خَمْسُونَ
فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَذكر فِي النِّكَاح أَنه لَو ادّعى نِكَاح امْرَأَة
فَإِن أقرَّت لَهُ ثَبت النِّكَاح
قَالَ الْعَبَّادِيّ وَلَا مهر لِأَن هَذَا اسْتِدَامَة
وَذكر هُنَا أَنَّهَا لَو ادَّعَت على رجل ألفا من جِهَة الصَدَاق فَأنْكر
صدق بِيَمِينِهِ
وَلَا يلْزمه أَن يَنْفِي الْجِهَة الَّتِي تدعيها ويكفيه الْحلف على رضى وجوب التَّسْلِيم
فَلَو قَالَت للْقَاضِي سَله هَل أَنا زَوجته أم لَا فَلهُ سُؤَاله
وَلَيْسَ للْقَاضِي سُؤَاله قبل ذَلِك
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
لَا يفْسد النِّكَاح بِفساد الصَدَاق عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَعَن مَالك وَأحمد رِوَايَتَانِ
وَأَقل الصَدَاق مُقَدّر عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَهُوَ مَا تقطع بِهِ يَد السَّارِق مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي قدر ذَلِك
فَعِنْدَ أبي حنيفَة عشرَة دَرَاهِم أَو دِينَار
وَعند مَالك ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا حد لأَقل الْمهْر وكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا فِي البيع جَازَ أَن يكون صَدَاقا فِي النِّكَاح(2/35)
وَتَعْلِيم الْقُرْآن يجوز أَن يكون مهْرا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَا يكون مهْرا
وتملك الْمَرْأَة الصَدَاق بِالْعقدِ عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك لَا تملكه إِلَّا بِالدُّخُولِ أَو بِمَوْت الزَّوْج بل هِيَ مرَاعِي لَا تستحقه كُله بِمُجَرَّد العقد وَإِنَّمَا تسْتَحقّ نصفه
وَإِذا أوفاها مهرهَا سَافر بهَا حَيْثُ شَاءَ عِنْد أبي حنيفَة
وَقيل لَا يُخرجهَا من بَيتهَا إِلَى بلد غير بَلَدهَا
لِأَن الغربة تؤذي
هَذَا لفظ الْهِدَايَة
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَار للحنفية إِذا وفاها مهرهَا نقلهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ
وَقيل لَا يُسَافر بهَا
وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لفساد أهل الزَّمَان
وَقيل يُسَافر بهَا إِلَى قرى الْمصر الْقَرِيبَة
لِأَنَّهَا لَيست بغربة
وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَن للزَّوْج أَن يُسَافر بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ
فصل والمفوضة إِذا طلقت
قبل الْمَسِيس وَالْفَرْض
فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الْمُتْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أصح روايتيه
قَالَ فِي الْكَافِي إِنَّه الْمَذْهَب
وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أُخْرَى لَهَا نصف مهر الْمثل
وَقَالَ مَالك لَا يجب لَهَا الْمُتْعَة بِحَال بل تسْتَحب
وَلَا مُتْعَة لغير المفوضة فِي ظَاهر مَذْهَب أَحْمد
وَعنهُ رِوَايَة أَنَّهَا تجب لكل مُطلقَة
وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّهَا وَاجِبَة على كل حَيّ للمطلقة قبل الْوَطْء لم يجب لَهَا شطر مهر
وَكَذَا الْمَوْطُوءَة بِكُل فرقة لَيست بِسَبَبِهَا
وَاخْتلف موجبو الْمُتْعَة فِي تقديرها
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمُتْعَة ثَلَاث أَثوَاب درع وخمار وَمِلْحَفَة
بِشَرْط أَن لَا تزيد قيمَة ذَلِك عَن نصف مهر الْمثل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أصح قَوْلَيْنِ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه إِنَّه مفوض إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم يقدرها بنظره
وَعند الشَّافِعِي وَهُوَ قَول أَحْمد إِنَّهَا مقدرَة بِمَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم كالصداق
فَيصح بِمَا قل وَجل
وَالْمُسْتَحب عِنْده أَن لَا تنقص عَن ثَلَاثِينَ درهما
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا مقدرَة بكسوة تجزىء فِيهَا الصَّلَاة
وَذَلِكَ ثَوْبَان درع وخمار لَا تنقص عَن ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار مهر الْمثل(2/36)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ مُعْتَبر بقراباتها من الْعَصَبَات خَاصَّة
فَلَا مدْخل فِي ذَلِك لأمها وَلَا لخالتها إِلَّا أَن يَكُونَا من غير عشيرتها
وَقَالَ مَالك هُوَ مُعْتَبر بأحوال الْمَرْأَة فِي جمَالهَا وشرفها وَمَالهَا دون أنسابها
إِلَّا أَن تكون من قَبيلَة لَا يزدن فِي صدقاتهن وَلَا ينقصن
وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر بعصباتها
فيراعي أقرب من تنتسب إِلَيْهَا
فأقربهن أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ بَنَات أَخ ثمَّ عمات كَذَلِك
فَإِن فقد نسَاء الْعَصَبَات أَو جهل مهرهن فأرحام
كجدات وخالات
وَيعْتَبر سنّ وعقل
ويسار وبكارة
وَمَا اخْتلف فِيهِ غَرَض
فَإِن اخْتصّت بِفضل أَو نقص زيد أَو نقص لَائِق بِالْحَال
وَقَالَ أَحْمد هُوَ مُعْتَبر بقراباتها النِّسَاء من الْعَصَبَات وَمن ذَوي الْأَرْحَام
فصل إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ
فِي قبض الصَدَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد القَوْل قَول الزَّوْجَة مُطلقًا
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ بِبَلَد الْعرف فِيهِ جَار بِدفع الْمُعَجل قبل الدُّخُول فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَالْقَوْل بعد الدُّخُول قَول الزَّوْج وَقبل الدُّخُول قَوْلهَا
وَاخْتلفُوا فِي الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح من هُوَ فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ الزَّوْج
وَهُوَ الْجَدِيد الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك هُوَ كولي وَهُوَ الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
فصل وَالزِّيَادَة على الصَدَاق
بعد العقد تلْحق بِهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ ثَابِتَة إِن دخل بهَا أَو مَاتَ عَنْهَا
فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فلهَا نصف الزِّيَادَة مَعَ نصف الْمُسَمّى
وَإِن مَاتَ قبل الدُّخُول وَقبل الْقَبْض بطلت وَكَانَ لَهَا الْمُسَمّى بِالْعقدِ على الْمَشْهُور عِنْده
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ هبة مستأنفة إِن قبضتها مَضَت وَإِن لم تقبضها بطلت
وَقَالَ أَحْمد حكم الزِّيَادَة حكم الأَصْل
فصل وَالْعَبْد إِذا تزوج
بِغَيْر إِذن سَيّده وَدخل بِالزَّوْجَةِ وَقد سمى لَهَا مهْرا
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَال
فَإِن عتق لزمَه مهر مثلهَا
وَقَالَ مَالك لَهَا الْمُسَمّى كَامِلا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهَا مهر الْمثل
والجديد الرَّاجِح من مذْهبه أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي
وَالْأُخْرَى يلْزمه خمْسا الْمُسَمّى(2/37)
مَا لم يزدْ على قِيمَته
فَإِن زَاد لم يلْزم سَيّده إِلَّا قِيمَته أَو تَسْلِيمه لِأَن مذْهبه أَن الْمُسَمّى يتَعَلَّق بِرَقَبَة العَبْد
فصل وَإِذا سلمت الْمَرْأَة نَفسهَا
قبل قبض صَدَاقهَا فَدخل بهَا الزَّوْج وخلا بهَا ثمَّ امْتنعت بعد ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَهَا ذَلِك حَتَّى تقبض صَدَاقهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ لَهَا ذَلِك بعد الدُّخُول
وَلها الِامْتِنَاع بعد الْخلْوَة
وَاخْتلفُوا فِي الْمهْر هَل يسْتَقرّ بالخلوة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا أَو لَا يسْتَقرّ بِالدُّخُولِ فَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه لَا يسْتَقرّ إِلَّا بِالْوَطْءِ
وَقَالَ مَالك إِذا خلا بهَا وطالت مُدَّة الْخلْوَة اسْتَقر الْمهْر وَإِن لم يطَأ
وحد ابْن الْقَاسِم طول الْخلْوَة بِالْعَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يسْتَقرّ الْمهْر بالخلوة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا وَإِن لم يحصل وَطْء
بِمَوْت أحد الزَّوْجَيْنِ يسْتَقرّ الْمهْر بالِاتِّفَاقِ
فصل وَلِيمَة الْعرس سنة
على الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي ومستحبة عِنْد الثَّلَاثَة
والإجابة إِلَيْهَا مُسْتَحبَّة على الْأَصَح عِنْد أبي حنيفَة وواجبة على الْمَشْهُور عِنْد مَالك وَهُوَ الْأَظْهر من قولي الشَّافِعِي وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
والنثار فِي الْعرس والتقاطه
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِهِ
وَلَا يكره أَخذه
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ بكراهته
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَأما وَلِيمَة غير الْعرس كالختان وَنَحْوه فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ تسْتَحب
وَقَالَ أَحْمد لَا تسْتَحب
فَائِدَة قَالَ النَّوَوِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم الضيافات ثَمَانِيَة أَنْوَاع الْوَلِيمَة للعرس
والخرس بِضَم الْخَاء وبالسين وبالصاد للولادة والإعذار بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة للختان
والوكيرة بالراء للْبِنَاء والنقيعة لقدوم الْمُسَافِر مَأْخُوذ من النَّقْع وَهُوَ الْغُبَار
ثمَّ قيل إِن الْمُسَافِر يصنع الطَّعَام قيل يصنعه غَيره لَهُ
والعقيقة يَوْم سَابِع الْولادَة
والوضيمة بِفَتْح الْوَاو وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْمُصِيبَة
والمأدبة بِضَم الدَّال وَفتحهَا الطَّعَام الْمُتَّخذ ضِيَافَة بِلَا سَبَب
انْتهى(2/38)
بَاب الْقسم والنشوز
إِذا تزوج الرجل امْرَأَة كَبِيرَة أَو صَغِيرَة يُجَامع مثلهَا بِأَن تكون ابْنة ثَمَان سِنِين أَو تسع سِنِين وَسلم مهرهَا وَطلب تَسْلِيمهَا وَجب تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ
لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت تزَوجنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْنة سِتّ سِنِين وَبنى بِي وَأَنا ابْنة تسع
فَإِن طلبت الْمَرْأَة أَو ولى الصَّغِيرَة الْإِمْهَال لإِصْلَاح حَال الْمَرْأَة فَقَالَ الشَّافِعِي تُؤخر يَوْمًا وَنَحْوه
وَلَا يُجَاوز بهَا الثَّلَاث
وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد أَن الشَّافِعِي قَالَ فِي الْإِمْلَاء إِذا دفع مهرهَا وَمثلهَا يُجَامع فَلهُ أَن يدْخل بهَا سَاعَة دفع إِلَيْهَا الْمهْر أَحبُّوا أَو كَرهُوا
وَإِذا كَانَ لَهُ زوجتان أَو أَكثر لم يجب عَلَيْهِ الْقسم ابْتِدَاء بل يجوز لَهُ أَن ينْفَرد عَنْهُن فِي بَيت
لِأَن الْمَقْصُود بالقسم الِاسْتِمْتَاع وَهُوَ حق لَهُ
فَجَاز لَهُ تَركه
وَإِن أَرَادَ أَن يقسم بَينهُنَّ جَازَ
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ
وَلَا يجوز أَن يبْدَأ بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ بِغَيْر رضى الْبَاقِيَات إِلَّا بِالْقُرْعَةِ
لقَوْله تَعَالَى {فَلَا تميلوا كل الْميل} وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ يمِيل إِلَى إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى
جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَشقه ساقطوفي ابْتِدَائه بإحداهن من غير قرعَة ميل
فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان أَقرع بَينهمَا مرّة وَاحِدَة
وَإِن كن ثَلَاثًا أَقرع مرَّتَيْنِ وَإِن كن أَرْبعا أَقرع ثَلَاث مَرَّات لِأَنَّهُنَّ إِذا كن ثَلَاثًا فَخرجت الْقرعَة لوَاحِدَة قسم لَهَا ثمَّ أَقرع بَين الْبَاقِيَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ فِي الْأَرْبَع
وَإِن أَقَامَ عِنْد وَاحِدَة مِنْهُنَّ من غير قرعَة لزمَه الْقَضَاء للباقيات
لِأَنَّهُ إِن لم يقْض صَار مائلا
وَيقسم للمريضة والرتقاء والقرناء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة وَالَّتِي آلى مِنْهَا أَو ظَاهر
لِأَن الْمَقْصُود الإيواء والسكن
وَذَلِكَ مَوْجُود فِي حقهن
وَأما الْمَجْنُونَة فَإِن كَانَت يخَاف مِنْهَا سقط حَقّهَا من الْقسم كالعاقلة(2/39)
وَيقسم الْمَرِيض وَالْمَجْنُون والعنين وَالْمحرم لِأَن الْأنس يحصل بِهِ
وَإِن كَانَ مَجْنُونا يخَاف مِنْهُ لم يقسم لَهُ الْوَلِيّ
لِأَنَّهُ لَا يحصل بِهِ الْأنس
وَإِن كَانَ لَا يخَاف مِنْهُ
نظر
فَإِن كَانَ قد قسم لوَاحِدَة فِي حَال عقله ثمَّ جن قبل أَن يقْضِي لزم الْوَلِيّ أَن يقْضِي للباقيات قسمهن
كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين
وَإِن جن قبل أَن يقسم لوَاحِدَة مِنْهُنَّ فَإِن لم ير الْوَلِيّ مصلحَة لَهُ فِي الْقسم لم يقسم لَهُنَّ
وَإِن رأى الْمصلحَة لَهُ فِي الْقسم قسم لَهُنَّ لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه
وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يطوف بِهِ على نِسَائِهِ وَبَين أَن ينزله فِي منزل ويستدعيهن وَاحِدَة بعد وَاحِدَة إِلَيْهِ
وَإِن طَاف بِهِ على الْبَعْض واستدعى الْبَعْض جَازَ
فَإِن قسم الْوَلِيّ لبعضهن وَلم يقسم للباقيات أثر الْوَلِيّ
وَإِن سَافَرت الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا فلهَا النَّفَقَة وَالْقسم لِأَنَّهُمَا فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع
وَذَلِكَ مَوْجُود
وَكَذَلِكَ إِذا أشخصها من بلد إِلَى بلد للنقلة أَو لحَاجَة فلهَا النَّفَقَة وَالْقسم وَإِن لم يكن مَعهَا
وَإِن سَافَرت من بلد إِلَى بلد وَحدهَا لحَاجَة لَهَا بِغَيْر إِذْنه
فَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَا قسم لِأَنَّهَا ناشز عَنهُ
وَإِن سَافَرت لحَاجَة لَهَا وَحدهَا بِإِذْنِهِ فَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَا قسم على الْأَصَح من الْقَوْلَيْنِ
وَإِن كَانَ عِنْده مسلمة وذمية سوى بَينهمَا فِي الْقسم
وَإِن كَانَ طلب معاش الرجل بِالنَّهَارِ فعماد قسمه اللَّيْل وَبِالْعَكْسِ
وَالْمُسْتَحب أَن يقسم مياومة وَهُوَ أَن يُقيم عِنْد كل وَاحِدَة يَوْمًا ثمَّ عِنْد الْأُخْرَى يَوْمًا
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم هَكَذَا
وَلِأَنَّهُ أقرب إِلَى إِيفَاء الْحق
وَيدخل فِي النَّهَار فِي الْقسم لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم لنسائه لكل وَاحِدَة يَوْمهَا وليلتها غير أَن سَوْدَة وهبت لَيْلَتهَا لعَائِشَة
وَإِذا ظَهرت من الْمَرْأَة أَمَارَات النُّشُوز بقول أَو فعل وعظها الزَّوْج فَإِن تكَرر نشوزها هجرها
فَإِن تكَرر نشوزها ضربهَا ضربا غير مبرح
وَلَا مدم ويتقى الْوَجْه والمواضع المخوفة
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَلَا يبلغ بِهِ الْحَد
وَإِن ادّعى كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ على الآخر النُّشُوز بِمَنْع مَا يجب عَلَيْهِ لصَاحبه أسكنهما الْحَاكِم إِلَى جنب ثِقَة عدل كي يشرف عَلَيْهِمَا فَإِذا عرف الظَّالِم مِنْهُمَا مَنعه من الظُّلم
وَإِن بلغ بَينهمَا إِلَى الشتم أَو الضَّرْب وتمزيق الثِّيَاب بعث الْحَاكِم حكمين ليجمعا(2/40)
بَينهمَا أَو يفرقا لقَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا إِن الله كَانَ عليما خَبِيرا}
فَائِدَة قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيره من الْعلمَاء الْغيرَة يتَسَامَح للنِّسَاء فِيهَا
فَإِنَّهَا لَا عُقُوبَة عَلَيْهِنَّ بِسَبَبِهَا لما جبلن عَلَيْهِ من ذَلِك
وَلِهَذَا لم يزْجر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَائِشَة حِين قَالَت فِي خَدِيجَة عَجُوز من عَجَائِز قُرَيْش حَمْرَاء الشدقين قَالَ القَاضِي وَعِنْدِي أَن ذَلِك تجرؤ من عَائِشَة لصِغَر سنّهَا وَأول شبيبتها ولعلها لم تكن قد بلغت
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
الْقسم إِنَّمَا يجب لِلزَّوْجَاتِ بالِاتِّفَاقِ
وَلَا قسم لغير زَوْجَة وَلَا لإماء
فَمن بَات عِنْد وَاحِدَة لزمَه الْمبيت عِنْد من بَقِي
وَلَا تجب التَّسْوِيَة فِي الْجِمَاع بِالْإِجْمَاع وَيسْتَحب ذَلِك
وَلَو أعرض عَنْهُن أَو عَن وَاحِدَة لم يَأْثَم
وَيسْتَحب أَن لَا يعضلهن
ونشوز الْمَرْأَة حرَام بِالْإِجْمَاع يسْقط النَّفَقَة
وَيجب على كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ معاشرة صَاحبه بِالْمَعْرُوفِ وبذل مَا يجب عَلَيْهِ من غير مطل وَلَا إِظْهَار كَرَامَة
فَيجب على الزَّوْجَة طَاعَة زَوجهَا وملازمة الْمسكن
وَله منعهَا من الْخُرُوج بِالْإِجْمَاع
وَيجب على الزَّوْج الْمهْر وَالنَّفقَة
فصل والعزل عَن الْحرَّة
وَلَو بِغَيْر إِذْنهَا جَائِز على الْمُرَجح من مَذْهَب الشَّافِعِي لَكِن نهى عَنهُ
فَالْأولى تَركه
وَعند الثَّلَاثَة لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَالزَّوْجَة الْأمة تَحت الْحر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يجوز الْعَزْل عَنْهَا إِلَّا بِإِذن سَيِّدهَا
وَجوزهُ الشَّافِعِي بِغَيْر إِذْنه
فصل وَإِن كَانَت الجديدة بكرا
أَقَامَ عِنْدهَا سَبْعَة أَيَّام ثمَّ دَار بِالْقِسْمَةِ على نِسَائِهِ
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا أَقَامَ ثَلَاثًا عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يفضل الجديدة فِي الْقسم بل يسوى بَينهَا وَبَين اللَّاتِي عِنْده
وَهل للرجل أَن يُسَافر من غير قرعَة وَإِن لم يرضين قَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ ذَلِك
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَقَوْل أبي حنيفَة وَالْأُخْرَى عدم الْجَوَاز إِلَّا برضاهن أَو بِقرْعَة
وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد(2/41)
وَإِن سَافر من غير قرعَة وَلَا ترَاض وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لَهُنَّ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجب
المصطلح
ويشتمل على صور
مِنْهَا مَا هُوَ مصدر بِخطْبَة وَمِنْهَا مَا هُوَ مصدر بِغَيْر خطْبَة
وَاعْلَم أَن للنِّكَاح قَوَاعِد يبْدَأ بذكرها قبل ذكر المصطلح كَونهَا يسْتَعْمل فِي كل صُورَة من الصُّور الْآتِي ذكرهَا
وَهِي الْبدَاءَة بِذكر الزَّوْج وَأَبِيهِ وجده وَمَا يعرف بِهِ ثمَّ بِالزَّوْجَةِ كَذَلِك ثمَّ بِالصَّدَاقِ
وَذكر تَأْجِيله أَو حُلُوله وَإِن كَانَ عبدا أَو جَارِيَة أَو خَاتمًا أَو سَيْفا أَو عقارا أَو قماشا أَو غير ذَلِك فيصفه وَصفا تَاما يُخرجهُ بِهِ عَن الْجَهَالَة أَو كَانَت بِغَيْر صدَاق كالمفوضة
وَالصَّدَاق تقبضه الزَّوْجَة إِن كَانَت بَالِغَة عَاقِلَة رَشِيدَة أَو من يحْجر عَلَيْهَا كَالْأَبِ أَو الْجد أَو الْوَصِيّ أَو أَمِين الحكم ليَشْتَرِي بِهِ أعيانا برسم جهازها
وَقد جرت الْعَادة فِي أَمِين الْحَاكِم أَن يكْتب قصَّة على لسانها وترفع إِلَى حَاكم شَرْعِي يكْتب عَلَيْهَا لتجب إِلَى سؤالها يؤرخ بِيَوْم الْإِجَابَة
ثمَّ ذكر الْوَلِيّ المزوج إِن كَانَ أَبَا أَو جدا أَو غَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء وَذكر بُلُوغ الزَّوْجَة وَأَنَّهَا معصر غير ثيب
فَهَذِهِ يجبرها الْأَب وَالْجد على مَذْهَب الشَّافِعِي ويزوجها كل مِنْهُمَا بِغَيْر إِذْنهَا
وَإِن كَانَ الْوَلِيّ وَالْحَالة هَذِه غير الْأَب وَالْجد من الْعَصَبَات أَو مِمَّن يُزَوّج بِالْوَلَاءِ أَو الْحَاكِم
فَلَا يجوز أَن يُزَوّج إِلَّا الْبكر الْبَالِغ أَو الثّيّب الْبَالِغ بِإِذْنِهَا ورضاها إِلَّا السَّيِّد فَإِنَّهُ يُزَوّج مملوكته بِالْملكِ جبرا بِغَيْر إِذْنهَا
وَغير الشَّافِعِي من الْأَئِمَّة يُزَوّج الْبكر المعصر
وَكَذَلِكَ الثّيّب المعصر
ومملوكة الْخُنْثَى يُزَوّجهَا بِإِذْنِهِ وَكَذَلِكَ مَمْلُوكَة الْمَرْأَة يُزَوّجهَا بِإِذن المالكة صَرِيحًا بالنطق
وَلَا يَكْفِي السُّكُوت إِذا كَانَت السيدة بكرا بِخِلَاف الْأَمر فِي تَزْوِيجهَا نَفسهَا فَيَكْفِي السُّكُوت إِلَّا إِذا ظهر مِنْهَا مَا يَقْتَضِي عدم الرِّضَا
فَإِذا كَانَ الْوَلِيّ أَبَا كتب وَولى تَزْوِيجهَا مِنْهُ بذلك أَو عقده بَينهمَا أَو زَوجهَا مِنْهُ بذلك والدها الْمَذْكُور بِحَق أبوته لَهَا وولايته عَلَيْهَا شرعا بعد أَن أوضح خلوها من كل مَانع شَرْعِي
وَأَنَّهَا بكر بَالغ أَو بكر معصر حرَّة مسلمة صَحِيحَة الْعقل وَالْبدن لم يتَقَدَّم عَلَيْهَا عقد نِكَاح
وَأَن والدها الْمَذْكُور مُسْتَحقّ الْولَايَة عَلَيْهَا شرعا وَأَن الزَّوْج كُفْء لَهَا
وَأَن الصَدَاق الْمعِين فِيهِ مهر مثلهَا على مثله(2/42)
وَإِن كَانَ الْوَلِيّ مِمَّن يرى تَزْوِيج المعصر غير الْأَب وَالْجد وَالْبِنْت المعصر
كتب وَذَلِكَ على قَاعِدَة مُقْتَضى مذْهبه واعتقاده وَيذكر مذْهبه وَقبُول الزَّوْج النِّكَاح لنَفسِهِ أَو وَكيله الشَّرْعِيّ فِي ذَلِك وَهُوَ فلَان الْفُلَانِيّ
وَأقر أَن الزَّوْج وَاجِد للصداق إِذا كَانَ غير مَقْبُوض أَو قبض مِنْهُ الْبَعْض وَتَأَخر الْبَعْض وَأَنه مَلِيء وقادر على ذَلِك
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهم والتاريخ
وَمن الصُّور صُورَة صدَاق بنت خَليفَة على شرِيف الْحَمد لله الَّذِي شرف الأقدار بتأهيلها للاصطفا واختارها لارتقاء دَرَجَات الوفا واختصها بِمَا تَنْقَطِع دونه الآمال حمدا تنفذ فِي شكر موليه الْأَقْوَال وتستصغر عِنْده الأقدار وَإِن سمت وتتضاءل دون عَظمته وَإِن اعترب إِلَى الشّرف وانتمت
وَله الْحَمد فِي شرب الخؤلة والعمومة ووهب خُصُوص التشريف وعمومه
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص فِي اعْتِقَاده متحر رشدا فِيمَا صرف نَفسه فِيهِ واستقام على اعْتِمَاده
ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث من أشرف الْعَرَب نسبا وأتمهم حسبا اصطفاه من قُرَيْش المصطفين من كنَانَة المصطفاة من ولد إِسْمَاعِيل
فَهُوَ صفوة الصفوة المنزه صميما عَن شين الْقَسْوَة والجفوة
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين ناصروه وصاهروه
فَأحْسنُوا المناصرة والمصاهرة
وظاهروه على عدوه من حِين الظُّهُور فأجملوا المظاهرة
وَرَضي الله عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمه وصنو أَبِيه والباقية كلمة الْخلَافَة فِي عقب بنيه المخصوصين بإمرة الْمُؤمنِينَ كَمَا عهد بِهِ سيد الْمُرْسلين قِيَاسا ونصا فِيمَا ورد عَنهُ وَفِيمَا بِهِ وصّى
قَامُوا بأعباء الْخلَافَة ووقفوا عِنْد أوَامِر النُّبُوَّة المحمدية وَاجْتَنبُوا خِلَافه فَمَا مضى مِنْهُم سيد إِلَّا وأقامت السلالة العباسية بِالِاسْتِحْقَاقِ سيدا وَلَا ذهب سَنَد إِلَّا واستقبلت الْأمة مِنْهُم سندا فسندا
وأدام الله أَيَّام مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله النَّاصِر لدين الله
الْوَاجِب الطَّاعَة على كل مُسلم الْمُتَعَيّن الْإِمَامَة على كل مُنَازع وَمُسلم المنوط بخلافته حل وَعقد الْوَاقِف عِنْد إِمَامَته كل حر وَعبد
فَلَا تتمّ قَضِيَّة إِلَّا بنافذ قَضَائِهِ وشريف إمضائه إِذْ كَانَ الإِمَام الَّذِي بِهِ يقْتَدى وبهديه يهتدى والخليفة الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وأمير الْمُؤمنِينَ أَبُو فلَان فلَان الْمشَار بنان النُّبُوَّة إِلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ
وَعَن آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهديين الَّذين ورثوه الْإِمَامَة
فَوجدت شُرُوطهَا الْمَجْمُوعَة فِيهِ مجتمعة ونفثوا فِي روعه كلهَا ورقوه درجتها المرتفعة اللَّهُمَّ فأيد إِمَامَته واعضد خِلَافَته مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم وَالْملك الْمُعظم السُّلْطَان الْملك الْفُلَانِيّ الَّذِي عهد بِالْملكِ إِلَيْهِ
وَنَصّ فِي كتاب تفويضه الشريف عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ مَا وَرَاء سَرِيره
وَألقى إِلَيْهِ(2/43)
مقاليد الْأُمُور
فَسقط على الْخَبِير بهَا وَلَا ينبئك بِالْأَمر مثل خَبِير
وَبعد فَإِن النِّكَاح من سنَن الْمُرْسلين وشعائر الْمُتَّقِينَ ودثار الْأَئِمَّة المهتدين
لم تزل الْأَنْبِيَاء بسننه متسننة وبكلمته الْعلية معلنة وَلم تَبْرَح لأحاديثه الْحَسَنَة الأولية معنعنة
وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوج
وَشرف الأقدار بتأهيله فَأصْبح كل بصهارته متوج وَاتَّبَعت أَصْحَابه آثاره بذلك وسلكوا فِي اتِّبَاعه وَالْعَمَل بسنته أوضح المسالك
وَلم يزَالُوا على ذَلِك صاحبا بعد صَاحب وذاهبا بعد ذَاهِب وَخَلِيفَة بعد خَليفَة وأميرا بعد أَمِير سنة مألوفة
اقتفى أَمِير الْمُؤمنِينَ أدام الله أَيَّامه سننها الْجَلِيّ ورقي مَكَانهَا الْعلي وَتزَوج وَزوج الْبَنَات والبنين
واقتدى فِي ذَلِك بِابْن عَمه سيد الْمُرْسلين
ووقف عِنْد مَا ورد عَنهُ من سديد الْأَحْكَام
وانْتهى بنهيه فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام وَضم إِلَى نسبه الشريف نسبا ثَابتا شرفه
وَقد سمت بِاخْتِيَار أشرف الْجَوَاهِر صدفه
وَكَانَ من ثَمَرَة الشَّجَرَة النَّبَوِيَّة الدانية القطاف الهينة الاقتطاف اليانعة الثِّمَار السريعة الإثمار وَهُوَ الْمولى السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب الطَّاهِر الذكي الْأَصِيل العريق التقي النقي فرع الشَّجَرَة النَّبَوِيَّة والمستخرج من العناصر الزكية المصطفوية أَبُو فلَان فلَان ابْن السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب الطَّاهِر الزكي الْأَصِيل فلَان ابْن فلَان وَيذكر أباءه وأجداده وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم الَّذِي طلع فِي سَمَاء الِاخْتِيَار بَدْرًا منيرا وتجلى لعيان الاختبار فَلم يكن بسحب الشكوك مَسْتُورا
وَقد كملت بالشرف أَوْصَافه وَحمد بِالْقيامِ بِحُقُوق كتاب الله الْعَزِيز اختتامه واستئنافه مَعَ مَاله من فَضِيلَة علم الْأَنْسَاب الَّتِي تفرد فِيهَا بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَة والانضمام
هَذِه السّنة الشَّرِيفَة إِلَى بَيت الْخلَافَة
وَأما الدّين فبهاؤه فِي وَجهه الْوَجِيه
وَأما بره فلائحة على أَحْوَاله فَلَا غرو أَن يوليه الله مَا يرتجيه
تشهد لَهُ الْأَشْجَار بِحسن الْأَذْكَار والأمثال بأشرف الْخِصَال
وَحين ظهر لمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ سره المصون وَبَان لَهُ نَفِيس جوهره الْمكنون
قدم خيرة الله فِي تأهيله وَعمد إِلَى مَا يستصعب من ارتقاء رُتْبَة الْخلَافَة المعظمة فَأخذ فِي تيسيره بالتواضع لله وَرَسُوله
وَأَجَازَ خطبَته
وباشر بِنَفسِهِ الشَّرِيفَة إِيجَاب عقده وخطبته
وقلده عقد عقد لَا يَنْتَهِي المبالغ فِيهِ إِلَى قيمَة
وزينه من سلالته الطاهرة بِالدرةِ إِلَّا أَنَّهَا الْيَتِيمَة وزوجه بالجهة المعظمة المفخمة المبجلة المحجبة المكرمة السيدة المصونة العصيمة فُلَانَة ابْنة مَوْلَانَا السُّلْطَان السعيد الشَّهِيد الْمُقَدّس الطَّاهِر الْوَلِيّ المعتصم بِاللَّه أبي فلَان فلَان ابْن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا وإمامنا وَخَلِيفَة عصرنا الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ فلَان ابْن مَوْلَانَا فلَان ابْن مَوْلَانَا فلَان وَيذكر أجدادها الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى حبر الْأمة عبد الله ابْن(2/44)