الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كَاتب عَبْدَيْنِ فجَاء أَحدهمَا بِمَال ليتبرع بأَدَاء نُجُوم الثَّانِي وَقُلْنَا لَا ينفذ تبرعه بِالْإِذْنِ فَالْمَال للمؤدي لَكِن قد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْمُؤَدِّي لَو عتق بِمَال آخر لم يرجع إِلَى ذَلِك المَال وَنَصّ على أَن الْمكَاتب لَو عَفا عَن أرش جِنَايَة ثَبت لَهُ على سَيّده فَإِذا عتق رَجَعَ فِيهِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج بِنَاء على أَن تصرف الْمُفلس إِذا رد للحجر فَإِذا انْقَضتْ دُيُونه فَهَل ينفذ بعده
وَلَا خلاف أَنه لَو اسْتردَّ قبل الْعتْق ثمَّ عتق لم يكن للسَّيِّد اسْتِرْدَاده فَإِنَّمَا إِنَّمَا ينفذ بعد الْعتْق إِذا لم يقبضهُ قبل الْعتْق
أما إِذا تكفل أحد الْعَبْدَيْنِ بنجوم الآخر لم يَصح لِأَن النُّجُوم لَيْسَ بِلَازِم على العَبْد فَلَا يَصح ضَمَانه وَلَو شَرط ضَمَان أَحدهمَا للْآخر فسد العقد
فرع
لَو كَانَا متفاوتي الْقيمَة وَجَاء المَال ثمَّ ادّعى الخسيس أَنَّهُمَا أديا على عدد الرؤس وَقَالَ الآخر بل على قدر النُّجُوم فَفِيهِ نصان مُخْتَلِفَانِ فَقيل قَولَانِ
أَحدهمَا أَن القَوْل قَول من يَدعِي الإستواء لِأَنَّهُ كَانَ فِي يدهما وَهُوَ الصَّحِيح
وَالثَّانِي القَوْل قَول الآخر لِأَن قرينَة التَّفَاوُت فِي النُّجُوم تشهد لَهُ وَقيل بل الْمَسْأَلَة على حَالين فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الإستواء إِلَى أَن يَقْتَضِي ذَلِك فِي النَّجْم الْأَخير اسْتِرْدَاد شَيْء من السَّيِّد فَالْقَوْل قَول من يُنكره
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي النزاع وَله صور
الأولى إِذا اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي جنسه أَو فِي مِقْدَار الْأَجَل تحَالفا وتفاسخا وَإِن كَانَ بعد حُصُول الْعتْق بالإتفاق وَفَائِدَة الْفَسْخ الرُّجُوع إِلَى قيمَة الرَّقَبَة(7/530)
أما رد الْعتْق فَغير مُمكن وَصورته أَن يقبض مِنْهُ أَلفَيْنِ وَيَدعِي العَبْد أَن بعضه وَدِيعَة وَقَالَ السَّيِّد بل النُّجُوم أَلفَانِ
الثَّانِيَة أَن يختلفا فِي أصل الْأَدَاء أَو فِي أصل الْكِتَابَة فَالْقَوْل قَول السَّيِّد فَلَو قَالَ العَبْد لي بَيِّنَة على الْأَدَاء أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ قبل إِلَّا فِي النَّجْم الْأَخير فَفِيهِ وَجْهَان لتعليق الْعتْق بِهِ
الثَّالِثَة لَو مَاتَ الْمكَاتب وَله ولد من مُعْتقه كَانَ وَلَاؤُه لموَالِي الْمُعتقَة فَلَو قَالَ السَّيِّد عتق قبل الْمَوْت وجر إِلَيّ وَلَاء أَوْلَاده فَالْقَوْل قَول مولى الْأُم إِنَّه مَاتَ قبل الْعتْق لِأَن الأَصْل عدم الْقَبْض واستمرار الْوَلَاء
الرَّابِعَة كَاتب عَبْدَيْنِ وَأقر بِأَنَّهُ قبض نُجُوم أَحدهمَا فَلِكُل وَاحِد أَن يَدعِي فَإِن أقرّ لأَحَدهمَا وَنكل عَن يَمِين الآخر حَتَّى حلف الْمُدَّعِي عتق هَذَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَعتق الأول بِالْإِقْرَارِ وَإِن مَاتَ قبل الْبَيَان فللوارث أَن يحلف على نفي الْعلم بِمَا عناه الْمُورث وَإِذا حلف استبهم فَهَل يقرع بَينهمَا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عتق استبهم
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ دين استبهم من عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عتق عبد معِين من عَبْدَيْنِ وَإِنَّمَا تجْرِي الْقرعَة عِنْد إِعْتَاق الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا وقصور الثُّلُث عَن الْوَفَاء وإبهام الْعتْق بَينهمَا
لَكِن إِذا قُلْنَا لَا يقرع فللوارث أَن يعجزهما ليحصل تعجيز الرّقّ مِنْهُمَا وَبعد ذَلِك يستبهم عتق بَين عَبْدَيْنِ فَلَا تبعد الْقرعَة(7/531)
الحكم الثَّالِث حكم التَّصَرُّفَات
أما تَصَرُّفَات السَّيِّد فَفِيهَا خمس مسَائِل
الأولى بيع الْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة صَحِيح وَهُوَ رُجُوع وَإِن كَانَت الْكِتَابَة صَحِيحَة فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد لِأَن العَبْد اسْتحق عتقا عَلَيْهِ وَفِي بيع العَبْد نقل الْوَلَاء إِلَى غَيره وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه يَصح وَيكون مكَاتبا على المُشْتَرِي إِن أدّى إِلَيْهِ النُّجُوم عتق وَله الْوَلَاء وَإِن عجز رق لَهُ
الثَّانِيَة بيع نُجُوم الْكِتَابَة بَاطِل لِأَن ضَمَانه أَيْضا بَاطِل لعدم لُزُومه وَفِي الإستبدال عَنهُ وَجْهَان وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَصح بَيْعه
ثمَّ إِذا منعنَا بَيْعه فَقبض المُشْتَرِي النُّجُوم لم يعْتق وَيرد على الْمكَاتب وَفِيه وَجه أَنه يعْتق لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي الْقَبْض من البَائِع فَكَأَنَّهُ وَكيله فعلى هَذَا ترد النُّجُوم على السَّيِّد إِذا عتق عَلَيْهِ
الثَّالِثَة للسَّيِّد مُعَامَلَته بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَيَأْخُذ الشُّفْعَة مِنْهُ وَيَأْخُذ هُوَ من السَّيِّد ويلتزم كل وَاحِد الْأَرْش عِنْد الْجِنَايَة على صَاحبه فَلَو ثَبت لَهُ على السَّيِّد دين مثل النُّجُوم فِي قدره وجنسه عتق حَيْثُ نوى وُقُوع التَّقَاصّ وَفِي أصل التَّقَاصّ عِنْد تَسَاوِي الدينَيْنِ أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه لَا يَقع مَعَ الرِّضَا لإنه إِبْدَال دين بدين
وَالثَّانِي يَقع إِن رَضِينَا جَمِيعًا وَكَأَنَّهُ يشبه الْحِوَالَة
وَالثَّالِث أَنه يَقع إِن رَضِي أَحدهمَا كَمَا يجْبر أحد الشَّرِيكَيْنِ على الْقِسْمَة عِنْد طلب أَحدهمَا
وَالرَّابِع أَنه يَقع التَّقَاصّ لِأَن طلبه مِنْهُ إِذا كَانَ هُوَ مطالبا بِمثلِهِ عنت وَلَعَلَّه الْأَصَح وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن أجرينا التَّقَاصّ فِي النَّقْدَيْنِ فَفِي ذَوَات الْأَمْثَال(7/532)
وَجْهَان فَإِن أجرينا فَفِي الْعرُوض المتساوية وَجْهَان وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يجوز التَّقَاصّ بَين المكسر وَالصَّحِيح وَالْحَال والمؤجل
الرَّابِعَة لَو أوصى بِرَقَبَة الْمكَاتب لم يَصح وَإِن عجز إِلَّا أَن يضيف إِلَى الْعَجز فَيَقُول إِن عجز فقد أوصيت بِهِ لفُلَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على مَا لَو قَالَ إِن ملكت ذَلِك العَبْد فقد أوصيت بِهِ لفُلَان وَهَذَا أولى بِالصِّحَّةِ لقِيَام أصل الْملك
وَلَو أوصى بالنجوم لإِنْسَان جَازَ فِيمَا يخرج من الثُّلُث فَإِن عجز فللوارث التَّعْجِيز وَإِن أنظر الْمُوصى لَهُ وَحَيْثُ تصح الْوَصِيَّة بِرَقَبَتِهِ إِذا عجز فللموصى لَهُ تعجيزه وَإِن أنظر الْوَارِث وَإِنَّمَا يتعاطى القَاضِي تعجيزه إِذا تحقق ذَلِك عِنْده
الْخَامِسَة إِذا قَالَ ضَعُوا عَن الْمكَاتب أَكثر مَا عَلَيْهِ وَمثل نصفه والنجوم ثَمَانِيَة مثلا فَيُوضَع لأجل الْأَكْثَر أَربع وَشَيْء وَلقَوْله مثل نصفه نصف الْأَرْبَعَة وَالشَّيْء فَيجوز أَن يبْقى عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ إِلَّا شَيْئَيْنِ
وَلَو قَالَ ضَعُوا عَنهُ مَا شَاءَ فشاء الْكل لم يوضع بل لَا بُد من إبْقَاء شَيْء وَإِن قل وَفِيه وَجه أَنه يوضع الْكل بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ضَعُوا من نجومه مَا شَاءَ فَإِن من تَقْتَضِي التَّبْعِيض
أما تَصَرُّفَات الْمكَاتب فَهُوَ فِيهِ كَالْحرِّ إِلَّا مَا فِيهِ تبرع أَو خطر فَوَات
أما التَّبَرُّع كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق وَالشِّرَاء بِالْعينِ وَالْبيع بالمحاباة والضيافة والتوسع فِي المطاعم والملابس
وَأما الْخطر فَهُوَ كَالْبيع بِالنَّسِيئَةِ وَإِن استوثق بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يدْرِي عاقبته وَقد يجوز مثل ذَلِك فِي مَال الطِّفْل بِالْمَصْلَحَةِ وَلَكِن هَا هُنَا لَا تطلب مصلحَة الْمكَاتب بل مصلحَة الْعتْق وَالْيَد وَلذَلِك لَا ترفع يَد السَّيِّد عَن الْمَبِيع قبل قبض الثّمن وَلَا يهب بِثَوَاب مَجْهُول وَلَا يُكَاتب وَلَا يتَزَوَّج لِأَنَّهُ يتَعَرَّض للنَّفَقَة وَالْمهْر وَلَا يتسرى إِذْ تتعرض الْجَارِيَة للهلاك بالطلق(7/533)
وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق عَلَيْهِ وَلَا يتهب أَيْضا من يعْتق عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ كسوبا لَا تجب نَفَقَته
وَأما إِقْرَاره فَيقبل كَالْمَرِيضِ وكل مَا منع إِذا اسْتَقل فَلَو أذن فِيهِ السَّيِّد فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْحق لَا يعدوهما
وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن حق الْعتْق ملحوظ أَيْضا وَإِذن السَّيِّد لَا أثر لَهُ وَقد اسْتَقل الْمكَاتب بِنَفسِهِ
فروع
الأول نِكَاحه بِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقيل إِنَّه يَصح قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ من حَاجته وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لاستقل بِهِ ولجاز التَّسَرِّي وَلِأَن للكتابة آخرا فَإِن الصَّبْر إِلَيْهِ مُمكن
الثَّانِي فِي تَزْوِيج الْمُكَاتبَة طَرِيقَانِ
أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي الْجَوَاز قطعا إِذْ تسْتَحقّ المه روالنفقة وَلَا يلْزمهَا تَسْلِيم نَفسهَا نَهَارا بل تكتسب كالأمة لَا كَالْحرَّةِ وَقيل إِنَّه لَا يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيف
الثَّالِث ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي مسافرة الْمكَاتب دون الْإِذْن وَجْهَيْن ثمَّ مِنْهُم من طرد فِي كل سفر وَمِنْهُم من خصص بِالسَّفرِ الطَّوِيل وَقَالَ هُوَ انسلال عَن لحاظ السَّيِّد بِالْكُلِّيَّةِ
الرَّابِع لَو وهب من السَّيِّد شَيْئا خرج على الْقَوْلَيْنِ وَقيل يَصح قطعا كَمَا يعجل النَّجْم الأول إِلَيْهِ وَلَا يعجل الدّين إِلَى غَيره
الْخَامِس لَو اتهب الْمكَاتب نصف من يعْتق عَلَيْهِ فكاتب عَلَيْهِ حَتَّى يعْتق بِعِتْقِهِ ويرق برقه فَإِن عتق فَعتق النّصْف قَالَ ابْن الْحداد يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن كَانَ مُوسِرًا عِنْد الْعتْق لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ وَقَالَ الْقفال لَا يسري لِأَنَّهُ لم يسر عِنْد حُصُول الْملك فَلَا يسري بعده وَهُوَ الْأَصَح
السَّادِس لَو اشْترى من يعْتق على سَيّده صَحَّ ثمَّ إِن عجز وانقلب إِلَى السَّيِّد عتق عَلَيْهِ وَلَو اتهب العَبْد الْقِنّ دون إِذن السَّيِّد فَفِيهِ وَجْهَان فَإِن جَوَّزنَا فاتهب من يعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ غير كسوب لم يجز إِلَّا بِالْإِذْنِ لأجل النَّفَقَة(7/534)
وَإِذا اتهب نصف قَرِيبه فَفِي وَجه يَصح وَلَا يسر وَفِي وَجه لَا يَصح حذرا من السَّرَايَة وَفِي وَجه يَصح ويسري لِأَن اخْتِيَار العَبْد كاختياره
ثمَّ إِذا صححنا قبُول العَبْد فَهَل للسَّيِّد رده فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَهُ رده فَهُوَ دفع لأصل الْملك أَو قطع من حِين الرَّد فِيهِ وَجْهَان
السَّابِع إِعْتَاق الْمكَاتب عَبده بِإِذن سَيّده فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي الْقطع بِالْمَنْعِ لما نذكرهُ من إِشْكَال الْوَلَاء
فَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي الْوَلَاء قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد لِأَن الْمكَاتب رَقِيق وَفَائِدَة الْوَلَاء الْمِيرَاث وَالتَّزْوِيج وَتحمل الْعقل وكل ذَلِك يُنَافِيهِ الرّقّ
وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف فَإِن عتق الْمكَاتب يَوْمًا مَا فَهُوَ لَهُ وَإِن مَاتَ رَقِيقا فَهُوَ للسَّيِّد
فعلى هَذَا لَو مَاتَ الْمُعْتق بل موت الْمكَاتب وعتقه وَهُوَ فِي مُدَّة التَّوَقُّف فَفِي مِيرَاثه وَجْهَان
أَحدهمَا يُوقف حَتَّى يتَبَيَّن أَمر الْوَلَاء فَيصْرف إِلَى من يسْتَقرّ عَلَيْهِ من السَّيِّد أَو من الْمكَاتب
وَالثَّانِي أَنه لبيت المَال لِأَن مَا يتَبَيَّن من بعد لَا يسند الْوَلَاء إِلَى مَا مضى
فَإِن قُلْنَا يثبت الْوَلَاء للسَّيِّد فِي الْحَال فَإِذا عتق الْمكَاتب فَهَل ينجر إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان
فرع
كِتَابَة الْمكَاتب عَبده كإعتاقه فَإِن قُلْنَا ينفذ فَلَو عتق وَالْعَبْد الأول رَقِيق بعد فَفِي ولائه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي الْإِعْتَاق(7/535)
الثَّامِن لَيْسَ للْمكَاتب أَن يكفر إِلَّا بِالصَّوْمِ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الْإِطْعَام فعلى الْقَوْلَيْنِ وَقيل يجوز إِذا قُلْنَا إِن الْقِنّ لَا يملك وَالْمكَاتب أَيْضا لَا يملك وَإِنَّمَا تصرفه بِحكم الضَّرُورَة فَلَا يَصح التَّكْفِير بِالْمَالِ وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَن الْمكَاتب يملك
التَّاسِع إِذا استولد الْمكَاتب جَارِيَة فولده مكَاتب عَلَيْهِ وَهل يثبت للْأُم علقَة أُميَّة الْوَلَد حَتَّى تصير مُسْتَوْلدَة إِذا عتق فِيهِ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا علقت بِولد رَقِيق(7/536)
الحكم الرَّابِع حكم ولد الْمُكَاتبَة إِذا كَانَ من نِكَاح أَو زنا
وَفِيه قَولَانِ كَمَا فِي سرَايَة التَّدْبِير إِلَّا أَن ولد الْمُدبرَة لَا يعْتق بِإِعْتَاق الْأُم وَهَذَا يعْتق لِأَن أمة تعْتق عَن جِهَة الْكِتَابَة إِذا عتقت وَلذَلِك يستتبع الْوَلَد
فَإِن قُلْنَا يسري فلحق الْملك فِي الْوَلَد للسَّيِّد أَو الْمُكَاتبَة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد كالأم
وَالثَّانِي أَنه للْأُم لِأَنَّهُ من كسبها
وَيتَفَرَّع على هَذَا النَّفَقَة وَالْكَسْب وَلَا شكّ أَنه ينْفق عَلَيْهِ من كَسبه والفاضل مِنْهُ يصرف إِلَى الْأُم إِن قُلْنَا لَهَا الْحق وَإِن قُلْنَا للسَّيِّد لم يصرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كسب مُكَاتبَة فَيُوقف فَإِن عتق الْوَلَد تعْتق الْأُم فالكسب لَهُ وَإِن رق سلم للسَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه يصرف فِي الْحَال إِلَى السَّيِّد
فَإِن قُلْنَا الْكسْب للْأُم فعلَيْهَا نَفَقَته إِذا لم يكن كسب وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف للسَّيِّد فَهِيَ على السَّيِّد وَقيل إِنَّه على بَيت المَال لِأَنَّهُ يتَضَرَّر إِن توقفنا فِي الْكسْب إِذْ يُطَالِبهُ بِالنَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ إِعْتَاق السَّيِّد ينفذ إِن قُلْنَا لَهُ حق الْملك وَإِن قُلْنَا للْأُم فَلَا كَمَا لَا ينفذ فِي عبد مكَاتبه
وَأما أرش الْجِنَايَة عَلَيْهِ فَهُوَ كالكسب إِلَّا أَن يكون على روحه فَإِنَّهُ لَا يُمكن التَّوَقُّف لانتظار الْعتْق فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد
وَالْآخر أَنه للْأُم
أما ولد الْمكَاتب من جَارِيَته فَهُوَ ككسب الْمكَاتب فَلَا يتَصَرَّف السَّيِّد فِيهِ لَكِن لَو جنى(7/537)
الْوَلَد لم يكن للْمكَاتب أَن يفْدِيه لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف فِيهِ بِالْبيعِ ويتصرف فِي مَال الْفِدَاء وَفِيه ضَرَر وفداؤه كشرائه
إِذا وطىء السَّيِّد الْمُكَاتبَة فَلَا حد وَلَكِن عصى وَوَجَب الْمهْر للشُّبْهَة فَإِن أحبلها وَولدت وَهِي مُكَاتبَة بعد فَعَلَيهِ قيمَة الْوَلَد لَهَا إِن قُلْنَا إِن بدل وَلَدهَا الْقَتِيل يصرف إِلَيْهَا
ثمَّ هِيَ مُسْتَوْلدَة ومكاتبة فَإِن عتقت بأَدَاء النُّجُوم فَذَاك وَإِلَّا بقيت مُسْتَوْلدَة فتعتق بِمَوْت السَّيِّد وَمهما أَتَت بِالْوَلَدِ بعد الْعَجز أَو بعد الْعتْق فَلَيْسَ لَهَا قيمَة الْوَلَد قولا وَاحِدًا(7/538)
الحكم الْخَامِس حكم الْجِنَايَة
وَفِيه صور
الأول إِذا جنى على سَيّده أَو على أَجْنَبِي لزمَه الْأَرْش فَإِن زَاد على رقبته فَهَل يُطَالب بِتمَام الْأَرْش فِيهِ قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يُطَالب أَنه يقدر على أَن يعجز نَفسه فَيرد حق الْأَرْش إِلَى قدر الرقبه
الثَّانِيَة جنى عبد من عبيد الْمكَاتب فَلَيْسَ لَهُ فداؤه بِأَكْثَرَ من قِيمَته لِأَنَّهُ تبرع
الثَّالِثَة جنى الْمكَاتب على أَجْنَبِي فَأعْتقهُ السَّيِّد فَعَلَيهِ فداؤه لِأَنَّهُ فَوت الرَّقَبَة كَمَا لَو قَتله وَلَو عتق بأَدَاء النُّجُوم فَلَا فدَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجْبر على الْقبُول
الرَّابِعَة لَو جنى على السَّيِّد فَأعْتقهُ سقط الْأَرْش إِن لم يكن فِي يَده شَيْء لِأَنَّهُ لَا يُطَالب عبد نَفسه بِالْجِنَايَةِ بعد الْعتْق وَقَالَ الإِمَام يَنْبَغِي أَن يُطَالِبهُ بعد الْعتْق لِأَن الْمُطَالبَة تَوَجَّهت عِنْد الْجِنَايَة بِخِلَاف الْقِنّ
أما إِذا كَانَ فِي يَده شَيْء فَهَل يتَعَلَّق بِمَا فِي يَده إِن قُلْنَا لَا يتبع ذمَّته ذكر الْأَصْحَاب وَجْهَيْن إِذْ شبه فَوَات رقبته بِالْعِتْقِ لما عسرت مُطَالبَته بالفوات بِالْمَوْتِ
الْخَامِسَة لَو جنى ابْن الْمكَاتب فَلَا يفْدِيه لِأَنَّهُ فِي معنى شِرَائِهِ وَلَو جنى ابْنه على عَبده فَهَل يتبع الابْن وَجْهَان
السَّادِسَة لَو قتل عبد الْمكَاتب عبدا آخر فَلهُ أَن يقْتله قصاصا بِغَيْر الْإِذْن للزجل وَكَذَا لَو(7/539)
كَانَ الْقَاتِل عبدا أَجْنَبِي لم يلْزمه طلب الدِّيَة وَخرج الرّبع قولا أَنه لَا قصاص إِلَّا بِإِذن السَّيِّد وَيتَعَيَّن طلب الْأَرْش لحق السَّيِّد
السَّابِعَة لَو جنى على سَيّده بِمَا يُوجب الْقصاص فللسيد اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو قتل الْمكَاتب مَاتَ رَقِيقا وَللسَّيِّد طلب الْقيمَة من الْقَاتِل(7/540)
= كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد=(7/541)
مَذْهَب الْعلمَاء قاطبة فِي هَذِه الْأَعْصَار أَن من استولد جَارِيَته عتقت عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَلم يجز بيعهَا قبل الْمَوْت وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَول قديم وَهُوَ مَذْهَب عَليّ كرم الله وَجهه أَنه يجوز البيع فَإِن لم يتَّفق عتقت بِالْمَوْتِ وَقيل معنى قَوْله الْقَدِيم أَنَّهَا لَا تعْتق بل الإستيلاد كالإستخدام بإرضاع الْوَلَد لَكِن اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَنه لَو قضى قَاض بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد هَل ينْقض قَضَاؤُهُ وَكَأَنَّهُم يرَوْنَ الإتفاق بعد الإختلاف قَاطعا أثر الِاخْتِلَاف ثمَّ النّظر فِي أَرْكَانه وَأَحْكَامه أما أَرْكَانه فَأَرْبَعَة
الأول أَن يظْهر على الْوَلَد خلقَة الْآدَمِيّ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِيهِ كَلَام مضى فِي الْعدة
الثَّانِي أَن ينْعَقد حرا فَلَو انْعَقَد رَقِيقا لم يُوجب الإستيلاد بعده
الثَّالِث أَن يقارن الْملك الْوَطْء فَلَو وطىء بِالشُّبْهَةِ أَو غر بِجَارِيَة فَولدت مِنْهُ حرا فَإِذا ملكهَا بعد ذَلِك فَفِي الإستيلاد قَولَانِ
الرَّابِع أَن يكون النّسَب ثَابتا مِنْهُ وَقد ذكرنَا مَظَنَّة لُحُوق النّسَب
وَأما أَحْكَامه فَهِيَ كَثِيرَة ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة وننبه الْآن على أُمُور أَرْبَعَة
الأول أَن ولد الْمُسْتَوْلدَة من زنا أَو نِكَاح يسري إِلَيْهِ حكمهَا فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن مَاتَت الْأُم قبل موت السَّيِّد وَلَا يعْتق بِإِعْتَاق السَّيِّد أمه بل بِمَوْتِهِ(7/543)
وَإِذا فرعنا على أَنه لَو اشْتَرَاهَا بعد الإستيلاد صَارَت مُسْتَوْلدَة فَإِنَّمَا يسري إِلَى ولد يحدث بعد الشِّرَاء وَوَلدهَا قبل ذَلِك قن نعم لَو اشْتَرَاهَا وَهِي حَامِل فَالظَّاهِر أَن الإستيلاد يسري إِلَى الْحمل وَيجوز أَن يخرج على سرَايَة التَّدْبِير
الثَّانِي تَصَرُّفَات السَّيِّد كلهَا نَافِذَة إِلَّا إِزَالَة الْملك أَو مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا كَالرَّهْنِ فَلهُ الْإِجَارَة والإستخدام وَالتَّزْوِيج بِغَيْر رِضَاهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا بِرِضَاهَا وَوجه أَنَّهَا لَا تزوج أصلا وَوجه أَن القَاضِي يُزَوّجهَا بِرِضَاهَا ورضاء السَّيِّد وَالْكل ضَعِيف
الثَّالِث أرش الْجِنَايَة على طرفها وَزوجهَا للسَّيِّد وَلَو مَاتَت فِي يَد غاصبها فَعَلَيهِ الضَّمَان للسَّيِّد وَلَو شهد شَاهِدَانِ على إِقْرَاره بالإستيلاد ورجعا بعد الحكم غرما للْوَرَثَة عِنْد عتقهَا بِمَوْت السَّيِّد وَلم يغرما فِي الْحَال إِذْ لم يزيلا إِلَّا سلطنة البيع وَذَلِكَ لَا يتقوم
الرَّابِع مُسْتَوْلدَة اسْتَوْلدهَا شريكان معسران فَهِيَ مستولدتهما فَلَو قَالَ كل وَاحِد ولدت مني أَولا وهما موسران فَهِيَ مُسْتَوْلدَة لَكنا لَا نَدْرِي أَنَّهَا مُسْتَوْلدَة من فَلَو مَاتَا عتقت ظَاهرا وَبَاطنا وَالْوَلَاء مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عتق نصِيبه مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ
وَلَو كَانَا معسرين فماتا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْوَلَاء إِذْ لَيْسَ يثبت لكل وَاحِد إِلَّا نصف الإستيلاد وَحكى الرّبيع أَن الْوَلَاء مَوْقُوف هَا هُنَا أَيْضا وَهُوَ غلط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب(7/544)
تمّ الْكتاب بِحَمْد الله تَعَالَى وَمِنْه وَحسن توفيقه
وَقد وَقع الْفَرَاغ مِنْهُ على يَد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الراجي رَحْمَة ربه الْمُعْتَرف بِذَنبِهِ إِسْحَاق بن مَحْمُود بن ملكويه البشيا ابْن خوامني البردجردي فِي الْخَامِس من ربيع الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ المحروسة
رحم الله من طالعه أَو نظر فِيهِ أَو ترحم على كَاتبه
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وعترته وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا تمّ تَدْقِيقه بِحَمْد الله(7/545)